باسم حسن باشا فلما تم ذلك عمل وليمة ودعا جميع الأمراء فحصل عندهم وسوسة واعتدوا وركبوا بعد العصر بجميع مماليكهم واتباعهم وهم بالاسلحة متحذرين فمد لهم سماطا وجلسوا عليه واوهموا الأكل لظنهم الطعام مسموما وقاموا وتفرقوا في خارج القصر والمراكب وعمل شنك وحرافة نفوط وبارود ظنوا غرابته ثم ركبوا في حصة من الليل وذهبوا إلى بيوتهم
وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج المحمل وأمير الحجاج غيطاس بك في موكب محتقر بدون الينكجرية والعزب مثل العام الماضي فخرجوا إلى الحصوة وأقاموا هناك ولم يذهبوا إلى البركة
وفي يوم الثلاثاء غايته ارتحل الحجاج من الحصوة إلى البركة بعد العصر وارتحلوا في ضحوة يوم الأربعاء غرة شهر القعدة
شهر القعدة الحرام في ثالثه يوم الجمعة الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك أذرعه ونودى بذلك وعمل الشنك وركب حسن باشا في صبحها وكسروا السد بحضرته وجرى الماء في الخليج ولم يحضر عابدي باشا لمرضه
وفي سادسه نودى على المماليك ان لا يركبوا من بيوت أسيادهم منفردين ابدا فترك ذلك في جملة المتروكات وتزوج المماليك وصار لهم بيوت وخدم ويركبون ويغدون ويروحون ويشربون الدخان وهم راكبون في الشارع الأعظم وفي أيديهم شبكات الدخان من غير انكار وهم في الرق ولا يخطر ببالهم خروجهم عن الادب لعدم انكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الامور فإذا مات بعض الأعيان بادر أحد المماليك إلى سيده الأمير صاحب الشوكة وقبل يده وطلب منه ان ينعم عليه بزوجة الميت فيجيبه إلى ذلك ثم تراه ركب في الوقت والساعة ذهب إلى بيت المتوفي ولو قبل خروج جنازته ونزل في البيت وجلس فيه وتصرف في تعلقاته وحازه وملكه بما فيه وأقام بمجلس الرجال ينتظر انقضاء العدة ويأمر وينهي (2/29)
ويطلب الغداء والعشاء والفطور والقهوة والشربات من الحريم ويتصرف تصرف الملاك وربما وافق ذلك غرض المرأة فإذا رأته شابا مليحا قويا وكان زوجهاالمقبور بخلاف ذلك أظهرت له المخبآت والمدخرات فيصبح اميرا من غير تأمر وتتعدد عنده الخيول والخدام والفراشون والاصحاب ويركب ويذهب ويجيء إلى بيت سيده وفي حاجاته وغير ذلك فجرى يوما بمجلس حسن باشا ذكر ركوب المماليك على انفرادهم في الاسواق بحضرة بعض الاختيارية فقالوا انه قلة ادب وخلاف العادة القديمة التي رأيناها وتربينا عليها فقال الباشا اكتبوا فرمانا بمنع ذلك ففعلوا ذلك ونادوا به من قبيل الشغل الفارغ
وفي سابعه ثقل عابدي باشا في المرض وأشيع موته
وفي حادي عشره حضر حسين بك المعروف بشفت من قبلي في جملة الرهائن وقابل الباشا وأقام بمصر
وفي منتصفه عوفي عابدي باشا من مرضه وشرعوا في طلب المال الشتوي فضج الملتزمون وتكلم الوجاقلية في الديوان وقالوا من أين لنا ما ندفعه وما صدقنا بخلاص المظالم والصيفي والفردة ولم يبق عندنا ولا عند الفلاحين شيء أعطونا الجامكية ثم ندفعها لكم في المال الشتوي فانحط الرأي على كتابة رجع الجامكية وفرح الناس بذلك ثم تبين له لا احد يأخذ رجعة إلا بقدر ما عليه من الميري وان زاد له شيء يبقى له وديعة بالدفتر وان لم يكن له جامكية يدفع ما عليه نقدا فصار بعض الملتزمين يأتي بأسماء برانية وينسبها لنفسه لاجل غلاق المطلوب منه فاتضحت تلك النسبة له بمراجعة الدفتر ثم منعوا كتابة الرجع وصار الافندية يكشفون على الدفاتر ويملون ويسددون بأنفسهم فمن زاد له شيء تبقى بالدفتر ومن زاد عليه شيء طلب منه
وفي عشرينه ذهب الأمراء إلى حسن باشا وهم اسمعيل بك وحسن بك وعلي وباقي الأمراء فتكلم معهم بسبب الأموال التي جعلها عليهم (2/30)
والميري المطلوب منهم ومن اتباعهم وقال لهم انا مسافر بعد الاضحى ولا بد من تشهيل المطلوب فاعتذروا وطلبوا المهلة فشنع عليهم ووبخهم بالكلام التركي ومن جملة ما قال لهم أنتم وجوهكم مثل الحيط وأمثال ذلك فخرجوا من عنده وهم في غاية من القهر وكان ذلك باغراء اسمعيل بك ولما ذهب اسمعيل بك إلى بيته طلب أمراءه وشنع عليهم كما شنع عليه الباشا وحلف ان كل من تبقى عليه شيء ولو ألف درهم سلمه للباشا يقطع رأسه
وفي يوم الخميس غايته طلعوا عند عابدي باشا فطالبهم بالميري ايضا وشنع عليهم وخصوصا قاسم بك أباسيف وحلف انه يحبسهم حتى يدفعوا ما عليهم
واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة وفيه حضر الاغا وعلى يده مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة
وفيه ايضا قوى عزم حسن باشا على السفر إلى بلاد الروم وأعطى لاسمعيل بك جملة مدافع وقنابر وآلات حرب وصنع له قليونا صغيرا وقرر ألفا وخمسمائة عسكري يقيمون بمصر
وفي يوم الخميس رابع عشرة عمل حسن باشا ديوانا بالقصر وحضر عنده عابدي باشا والمشايخ وسائر الامراء بسبب قراءة مراسيم حضرت من الدولة فقرأوا منها ثلاثة وفيها طلب حسن باشا إلى الديار الرومية بسبب حركة السفر إلى الجهاد وان الموسقو زحفوا على البلاد واستولوا على ما بقي من بلاد القرم وغيرهم والثاني فيه ذكر العفو عن إبراهيم بك ومراد بك من القتل وأن يقيم ابراهيم بك بقنا ومراد بك باسنا ولا أذن لهم في دخول مصر جملة كافية
وفيه نودي على صرف الريال الفرانسة بمائة نصف فضة وكان وصل إلى مائة وعشرة فتضرر الناس من ذلك
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه ركب الآمراء باسرهم لوداع حسن باشا (2/31)
وكان في عزمه النزول في المراكب بعد صلاة الجمعة فلما تكاملوا عنده قبض على الرهائن وهم عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحسين بك شفت وعبد الرحمن بك الابراهيمي ثم أمر بالقبض على حسن كتخدا الجربان وسليمان كاشف قنبور فهرب حسن كتخدا وساق جواده فتبعه جماعة من العسكر فلم يزل رامحا وهم خلفه حتى دخل بيت حسن بك الجداوي ودخل إلى باب الحريم وكان حسن بك بالقصر فرجع العسكر واخبروا الباشا بحضرة اسمعيل بك فطلب حسن بك وسأله اسمعيل بك فقال ان كان في بيتي خذوه فأرسلوا واحضروه ووضعوه صحبة المقيدين
وفي يوم السبت ثالث عشرينه سافر حسن باشا من مصر وأخذ معه الرهائن وسافر صحبته ابراهيم بك قشطة ليشيعه إلى رشيد وزار في طريقه سيدي احمد البدوي بطندتا ولم يحصل من مجيئه إلى مصر وذهابه منها إلا الضرر ولم يبطل بدعة ولم يرفع مظلمة بل تقررت به المظالم والحوادث فانهم كانوا يفعلونها قبل ذلك مثل السرقة ويخافون من إشاعتها وبلوغ خبرها إلى الدولة فينكرون عليهم ذلك وخابت فيه الامال والظنون وهلك بقدومه إليها ثم التي عليها مدار نظام العالم وزاد في المظالم التحرير لانه كان عندما قدم أبطل رفع المظالم ثم أعاده بإشارة إسمعيل بك وسماه التحرير فجعله مظلمة زائدة وبقى يقال رفع المظالم والتحرير فصار يقبض من البلاد خلاف أموال الخراج عدة أقلام منها المضاف والبراني وعوائد الكشوفية والفرد المتعددة ورفع المظالم والتحرير ومال الجهاد وغير ذلك ولو مات حسن باشا بالاسكندرية او رشيد لهلك عليه أهل الاقليم اسفا وبنوا على قبره مزارا وقبة وضريحا يقصده للزيارة
من مات في هذه السنة من الاعيان
توفي الامام العالم العلامة أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية شيخ (2/32)
أهل الإسلام وبركة الانام الشيخ أحمد بن محمد بن احمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدردير ولد ببني عدي كما اخبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده وحبب اليه طلب العلم فورد الجامع الازهر وحضر دروس العلماء وسمع الاولي عن الشيخ محمد الدقري بشرطه والحديث على كل من الشيخ احمد الصباغ وشمس الدين الحفني وبه تخرج في طريق القوم وتفقه على الشيخ علي الصعيدي ولازمه في جل درسه حتى انجب وتلقن الذكر وطريق الخلوتيه من الشيخ الحفني وصار من اكبر خلفائه كما تقدم وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة والزهد والعفة والديانة وحضر بعض دروس الشيخين الملوي والجوهري وغيرهما ولكن جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفني والصعيدي وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الاخلاق وذكر لنا عن لقبه ان قبيلة من العرب نزلت ببلده كبيرهم يدعى بهذا اللقب فولد جده عند ذلك فلقب بلقبه تفاؤلا لشهرته وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره الاجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الاقوال ومتن في فقه المذهب سماه أقرب المسالك لمذهب مالك ورسالة في متشابهات القرآن ونظم الخريدة السنية في التوحيد وشرحها وتحفة الاخوان في آداب أهل العرفان في التصوف وله شرح على ورد الشيخ كريم الدين الخلوتي وشرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكري ورسالة في المعاني والبيان ورسالة أفرد فيها طريقة حفص ورسالة في المولد الشريف ورسالة في شرح قول الوفائية يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم وشرح على مسائل كل صلاة بطلت على الامام والاصل للشيخ البيلي وشرح على رسالة في التوحيد من كلام دمرداش ورسالة في الاستعارات الثلاث وشرح على آداب البحث ورسالة في شرح صلاة السيد احمد البدوي وشرح على الشمائل لم يكمل ورسالة في صلوات شريف اسمها المورد البارق في الصلاة على أفضل (2/33)
الخلائق والتوجه الاسني بنظم الاسماء الحسنى ومجموع ذكر فيه أسانيد الشيوخ ورسالة جعلها شرحا على رسالة قاضي مصر عبد الله افندي المعروف بططر زاده في قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك الآية وله غير ذلك ولما توفي الشيخ علي الصعيدي تعين المترجم شيخا على المالكية ومفتيا وناظرا على وقف الصعايدة وشيخا على طائفة الرواق بل شيخا على اهل مصر بأسرها في وقته حسا ومعنى فأنه كان رحمه الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ولا يأخذه في الله لومة لائم وله في السعي على الخير يد بضياء تعلل أياما ولزم الفراش مدة حتى توفي في سادس شهر ربيع الاول من هذه السنة وصلى عليه بالازهر بمشهد عظيم حافل ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكبيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقب وعندما أسسها ارسل إلي وطلب مني أن احرر له حائط المحراب على القبلة فكان كذلك وسبب انشائه للزاوية ان مولاي محمد سلطان المغرب كان له صلات يرسلها لعلماء الأزهر وخدمة الآضرحة وأهل الحرمين في بعض السنين وتكرر منه ذلك فأرسل على عادته في سنة ثمان وتسعين مبلغا وللشيخ المترجم قدرا معينا له صورة وكان لمولاي محمد ولد تخلف بعد الحج وأقام بمصر مدة حتى نفذ ما عنده من النفقة فلما وصلت تلك الصلة أراد أخذها ممن هي في يده فامتنع عليه وشاع خبر ذلك في الناس وأرباب الصلات وذهبوا إلى الشيخ بحصته فسأل عن قضية بن السلطان فأخبروه عنها وعن قصده وانه لم يتمكن من ذلك فقال والله هذا لا يجوز وكيف اننا نتفكه في مال الرجل ونحن أجانب وولده يتلظى من العدم هو أولى مني وأحق أعطوه قسمي فأعطاه ذلك ولما رجع رسول ابيه اخبر السلطان والده بما فعل الشيخ الدردير فشكره على فعله وأثنى عليه واعتقد صلاحه وأرسل له في ثاني عام عشرة امثال الصلة المتقدمة مجازاة للحسنة فقبلها الاستاذ وحج منها ولما رجع من الحج بنى هذه الزاوية مما بقى ودفن بها رحمه (2/34)
الله ولم يخلف بعده مثله
ومات الشيخ الامام العلامة المتفنن المتقن المعمر الضرير الشيخ محمد المصيلحي الشافعي أحد العلماء أدرك الطبقة الاولى وأخذ عن شيوخ الوقت وأدرك الشيخ محمد شنن المالكي وأخذ عنه وأجازه الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ احمد الملوي والحفني والدفري والشيخ علي قايتباي والشيخ حسن المدابغي وناضل ودرس وأفاد وأقر وانتفع عليه الطلبة ولما مات الشيخ احمد الدمنهوري وانقرض أشياخ الطبقة الأولى نوه بذكره واشتهر صيته وحف به تلامذته وغيرهم ونصبوه شبكة لصيدهم وآلة لاقتناصهم وأخذوه إلى بيوت الامراء في حاجاتهم وعرضوا به المتصدرين من الاشياخ في الرياسة ويرى أحقيته لها لسنة وأقدميته ولما مات الشيخ احمد الدمنهوري وتقدم الشيخ احمد العروسي في مشيخة الأزهر كان المترجم غائبا في الحج فلما رجع وكان الأمر قد تم للعروسي أخذه حمية المعاصرة وأكثرها من اغراء من حوله فيحركونه للمناقضة والمناكدة حتى انه تعدى على تدريس الصلاحية بجوار مقام الامام الشافعي المشروطة لشيخ الأزهر بعد صلاة الجمعة فلم ينازعه الشيخ احمد العروسي وتركها له حسما للشر وخوفا من ثوران الفتن والتزم له الاغضاء والمسامحة في غالب الأطوار ولم يظهر الالتفات لما يعانوه أصلا حتى غلب عليهم بحلمه وحسن مسايرته حتى انه لما توفي المترجم ورجع إليه تدريس الصلاحية لم يباشر التصدر في الوظيفة بلى قرر فيها تلميده العلامة الشيخ مصطفى الصاوي وأجلسه وحضر افتتاحه فيها وذلك من حسن الرأي وجودة السياسة توفي المترجم ثاني عشر شوال من هذه السنة وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين ومات الإمام العلامة واللوذعي الفهامة لسان المتكلمين واستاذ المحققين الفقيه النبيه المستحضر الأصولي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ عبد الباسط السنديوني الشافعي تفقه على أشياخ العصر المتقدمين وأجازه (2/35)
أكابر المحدثين ولازم الشيخ محمد الدفري وبه تخرج في الفقه وغيره وأنجب ودرس وأفاد وأفنى في حياة شيوخه وكان حسن الالقاء جيد الحافظة يملي دروسه عن ظهر قلبه وحافظته عجيب الاستحضار للفروع الفقهية والعقلية والنقلية ومما شاهدته من استحضاره انه وردت فتوى في مسالة مشكلة في المناسخة فتصدى لتحريرها وقسمتها جماعة من الأفاضل ومنهم الشيخ محمد الشافعي الجناجي وناهيك به في هذا الفن وتعبوا فيها يوما وليلة حتى حرروها على الوجه المرضي ثم قالوا دعنا نكتبها في سؤال على بياض ونرسلها للمتصدرين للأفتاء وننظر ماذا يقولون في الجواب ولو بالمهلة ففعلوا ذلك وأرسلوها للشيخ المترجم مع بعض الناس وهو لا يعلم بشيء مما عانوه فغاب الرسول مدة لطيفة وحضر بالجواب على الوجه الذي تعب فيه الجماعة يوما وليلة فقضعوا عجبا من جودة استحضاره وحدة ذهنه وقوة فهمه الا انه كان قليل الورع عن بعض سفاسف الامور اتفق انه تنازع مع عجوز في فدان ونصف طين مدة سنين وأهين بسببها مرارا في ايام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي والشيخ الحفني ورأيته مرة يتداعى معها عند شيخنا الشيخ احمد العروسي فنهاه الشيخ العروسي عنها ولامه فلم ينته ولم يزل ينازعها وتنازعه إلى ان مات وغير ذلك أمور يستحي من ذكرها في حق مثله وبذلك قلت وجاهته بين نظرائه توفي في أول جمادى الآخرة من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بتربة المجاورين رحمه الله وغفر لنا وله
ومات الشيخ الفاضل الصالح المجذوب صاحب الاحوال محمد ابن أبي بكر بن محمد المغربي الطرابلسي الشهير بالاثرم ولد بقربه انكوان من اعمال طرابلس في حدود سنة خمس وأربعين وبها نشأ وتنتسب جدوده إلى خدمة الولي الصالح الشهير سيدي احمد زروق قدس سره وغلب عليه الجذب في مبادىء امره وحفظ جملة من كلام الشيخ المشار إليه ومن كلام غيره وكان مبدأ أمره فيما اخبرنا انه توجه إلى تونس (2/36)
برسم التجارة فاجتمع على رجل من الصالحين هناك ولازمه فلما قربت وفاته اوصى اليه بملبوس بدنه فلما توفي جمع الحاضرين واراد بيعه فأشار إليه بعض أهل الشأن أن يضن به ولا يبيعه فتنافس فيه الشارون وتزايدوا فدفع الدراهم من عنده في ثمنه وابقاه وكان المتوفي فيما قيل قطب وقته فلبسه الوجد في الحال وظهرت له امور هناك واشتهر امره واتى إلى الاسكندرية فسكنها مدة ثم ورد مصر في اثناء سنة 1185 وحصلت له شهرة تامة ثم عاد إلى الاسكندرية فقطنها مدة ثم عاد إلى مصر وهو مع ذلك ينجر في الغنم واثرى بسبب ذلك وتمول وكانت الاغنام تجلب من وادي برقة فيشارك عليها مشايخ عرب اولاد علي وغيرهم وربما ذبح بنفسه بالثغر فيفرق اللحم على الناس ويأخذ منهم ثمن ذلك وكان مشهورا بأطعام الطعام والتوسع فيه في كل وقت وربما وردت عليه جماعة مستكثرة فيقريهم في الحال وتنقل له في ذلك أمور
ولما ورد مصر كان على هذا الشأن لا بد للداخل عليه من تقديم مأكول بين يديه وهادته اكابر الامراء والتجار بهدايا فاخرة سنية وكان يلبس احسن الملابس وربما لبس الحرير المقصب يقطع منها ثيابا واسعة الاكمام فيلبسها ويظهر في كل طور في ملبس آخر غير الذي لبسه اولا وربما احضر بين يديه آلات الشرب وانكبت عليه نساء البلد فتوجه اليه بمجموع ذلك نوع ملام الا ان اهل الفضل كانوا يحترمونه ويقرون بفضله وينقلون عنه اخبارا حسنة وكان فيه فصاحة زايدة وحفظ لكلام القوم وذوق للفهم ومناسبات للمجلس وله اشراف على الخواطر فيتكلم عليها فيصادف الواقع ثم عاد إلى الاسكندرية ومكث هناك الى ان ورد حسن باشا فقدم معه وصحبته طائفة من عسكر المغاربة ولما دخل مصر أقبلت عليه الاعيان وعلت كلمته وزادت وجاهته واتته الهدايا وكانت شفاعته لا ترد عند الوزراء ولما كان آخر جمادى الأولى من هذه السنة توجه إلى كرداسة لايقاع صلح بين العرب وبين جماعة من القافلة المتوجهة إلى طرابلس فمكث عندهم في العزائم والاكرامات مدة من الايام ثم (2/37)
رجع وكان وقتا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه البرد والرعدة في الحال ومرض نحو ثمانية ايام حتى توفي نهار الثلاثاء ثالث جمادى الثانية وجهز وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر ودفن تحت جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرا وقد رآه اصحابه بعد موته في منامات عدة تدل على حسن حاله في البرزخ رحمه الله
ومات الإمام العلامة والفاضل الفهامة صفوة النبلاء ونتيجة الفضلاء الشيخ احمد بن احمد بن محمد السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده وعلى الشيخ احمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وانجب ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق والصيانة توفي سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير
ومات الأجل العمدة الشريف الصالح السيد عبد الخالق بن احمد ابن عبد اللطيف بن محمد تاج العارفين المنتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الحسني الجيلي المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو اخو السيد محمد الجيزي المتوفي قبل ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد اخيه الكتابة ببيت النقابة ومشيخة القادرية واحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة وكان انسانا حسنا كثير الحياء متجمعا عن الناس مقبلا عن شأنه وفيه رقة طبع مع الاخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار رحمه الله
ومات الأمير الصالح المبجل احمد جاويش أرنؤد باش اختيار وجاق التفكجية وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلا عند أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسمعون لقوله وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن الآغراض وكان يحب أهل الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من أنوار علومهم ويذهب كثيرا إلى سوق (2/38)
لكتبيين ويشتري الكتب ويوقفها على طلبة العلم واقتنى كتبا نفيسة ووقفها جميعها في حال حياته ووضعها بخزانة الكتب بجامع شيخون العمري بالصليبة تحت يد الشيخ موسى الشيخوني الحنفي وسمع على شيخنا السيد مرتضى صحيح البخاري ومسلم وأشياء كثيرة والشمائل والثلاثيات وغير ذلك وبالجملة فكان من خيار من أدركنا من جنسه ولم يخلف بعده مثله توفي في ثامن شوال من السنة وقد ناهز التسعين
ومات الامير المبجل احمد كتخدا المعروف بالمجنون احد الأمراء المعروفين والقراصنة المشهورين وهو من مماليك سليمان جاويش القازدغلي ثم انضوى إلى عبد الرحمن كتخدا وانتسب إليه وعرف به وأدرك الحوادث والفتن التليدة والطارفة ونفى من نفى في أمارة علي بك الغزاوي في سنة ثلاث وسبعين إلى بحري ثم إلى الحجاز وأقام بالمدينة المنورة نحو اثنتي عشرة سنة وقادا بالحرم المدني ثم رجع إلى الشام وأحضره محمد بك ابو الذهب إلى مصر واكرمه ورد اليه بلاده وأحبه واختص به وكان يسامره ويأنس بحديثه ونكاته فانه كان يخلط الهزل بالجد ويأتي بالمضحكات في خلال المقبضات فلذلك سمي بالمجنون وكان بلد ترسا بالجيزة جارية في التزامه وعمر بها قصرا وانشأ بجانبه بستانا عظيما زرع فيه أصناف الأشجار والنخيل والرياحين ويجلب من ثماره إلى مصر للبيع والهدايا ويرغب فيها الناس لجودتها وحسنها عن غيرها وكذلك أنشأ بستانا بجزيرة المقياس في غاية الحسن وبنى بجانبه قصرا يذهب إليه في بعض الاحيان ولما حضر حسن باشا إلى مصر ورأى هذا البستان اعجبه فاخذه لنفسه واضافه إلى أوقافه وبنى المترجم ايضا داره التي بالقرب من الموسكي داخل درب سعادة ودارا على الخليج المرخم اسكن فيه بعض سراريه وكان له عزوة ومماليك ومقدمون واتباع وإبراهيم بك اوده باشه من مماليكه ورضوان كتخدا الذي تولى بعده كتخدا الباب وكان مقدمة في المدد السابقة يقال له المقدم فوده له شأن وصوله بمصر وشهرة في القضايا والدعاوى ولم يزل طول المدد السابقة جاويشا فلما (2/39)
كان آخر مدة حسن باشا قلدوه كتخدا مستحفظان ولم يزل معروفا مشهورا في أعيان مصر إلى ان توفي في خامس شعبان من السنة
ومات الأمير الجليل محمد بك الماوردي وهو مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية زوج ام عبد الرحمن كتخدا وخشداشينه حسن بك الأزبكاوي الذي قتل بالمساطب كما تقدم وحسن بك المعروف بأبي كرش فكان الثلاثة امراء يجلسون بديوان الباشا وسيدهم كتخدا الجاويشية واقف في خدمته على أقدامه ومرت له محن في تنقلاته ورحلاته إلى البلاد عندماتملك علي بك وخرج المترجم منفيا وهاربا من مصر مع من خرج وباشر الحروب باسيوط وذهب الى الشام وغيرها لكن لم اتحقق وقائعه ولم يزل حتى حضر الى مصر في أيام ابي الذهب وقد صار ذا شيبة وتزوج ببنت الشيخ العناني وأقام ببيتهم بسوق الخشب خاملا حتى مات في هذه السنة وكان لا بأس به وتقلد في المدد السابقة اغاوية مستحفظان ثم الصنجقية ونظارة الجامع الأزهر
سنة اثنتين ومائتين والف
استهل المحرم بيوم السبت فيه عزل المحتسب وتولى آخر يسمى يوسف اغا الخربتاوي وتولى عثمان بك طبل الإسماعيلي على دجرجا وفيها انفرد اسمعيل بك الكبير في امارة مصر وصار بيده العقد والحل والابرام والنقض واستوزر محمد اغا البارودي وجعله كتخداه واستمر اسمعيل كتخدا حسن باشا بمصر لقبض بواقي المطلوبات وسكن ببيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق
وفيه قبض اسمعيل بك على الحاج سليمان بن ساسي وحبسه ببيت محمد اغا البارودي وصادره في خمسين كيسا
وفي خامسه طلب اسمعيل بك دراهم قرضة مبلغا كبيرا فوزعوا منها (2/40)
جانبا على تجار البن والبهار وجانبا على الذين يقرضون البن بالمرابحة للمضطرين وجانبا على نصارى القبط وعلى الأروام والشوام وعلى طوائف المغاربة بطولون والغورية وعلى المتسببين في الغلال بالسواحل والرقع وكذلك بياعو القطن والبطانة والقماش والمنجدون واليهود وغير ذلك فانزعج الناس وأغلقوا وكائل البن والغورية ودكاكين الميدان
وفي يوم السبت خامس عشره اجتمع جملة من الطوائف المذكورة وحضروا إلى الجامع الأزهر وضجوا واستغاثوا من هذا النازل وحضر الشيخ العروسي فقاموا في وجهه وأرادوا قفل أبواب الجامع فمنعهم من ذلك فصاحوا عليه وسبوه وسحبوه بينهم إلى جهة رواق الشوام فمنع عنه المجاورون وأدخلوه إلى الرواق ودافعوا عنه الناس وقفلوا عليه باب الرواق وصحبته طائفة من المتعممين وكتبوا عرضا إلى اسمعيل بك بسبب ذلك وأرسلوه صحبة الشيخ سليمان الفيومي وانتظروه حتى رجع إليهم ومعه تذكرة من اسمعيل بك مضمونها الامان والعفو عن الطوائف المذكورة
وفيها ان هذا المطلوب انما هو على سبيل القرض والسلفة من القادر على ذلك فلما قرئت عليهم التذكرة قالوا هذه مخادعة وعندما ينفض الجمع وتفتح الدكاكين يأخذونا واحدا بعد واحد ثم قام الشيخ وركب وحوله الجم الغفير والغوغاء وبعض المجاورين يدفع الناس عنه بالعصي والعامة يصيحون عليه ويسمعونه الكلام غير اللائق الى ان وصل إلى باب زويلة فنزل بجامع المؤيد وأرسل إلى اسمعيل بك يخبره بهذا الحال فحنق اسمعيل بك وظن انها مفتعلة من الشيخ وانه هو الذي أغراهم على هذه الأفعال فأجابه الرسل وحلفوا له ببراءته من ذلك وليس قصده الا الخلاص منهم فقال أنا ارسلت اليهم بالامان ودعوهم ينفضوا وما أحد يطالبهم بشيء فانفضوا وتفرقوا ومضى على ذلك يوما فأرسلوا إلى أهل الصاغة والجواهرجية والنحاسين وطالبوهم بالمقرر والموزع عليهم فلم يجدوا بدا من الدفع ثم طالبوا وكالة الجلاية وتطرق الحال إلى باقي (2/41)
الناس حتى بياعي الفسيخ ومجموع ذلك نحو اثنين وسبعين حرفة
وفي منتصفه حضر علي كاشف من جهة قبلي وقد كان سافر بعد سفر حسن باشا برسالة إلى الأمراء القبالي وأخبر أنهم مستقرون في اماكنهم ولم يتحركوا
وفي يوم الخميس سادس عشرينه سافر أمير القلزم بملاقاة الحاج وكان من عادته السفر في أول الشهر ولم يحضر في هذه السنة نجاب الجبل وأخذوا من بلاد أمير الحج بلدين وأخذوا ايضا بيته الذي كان سكن به فلما استقر يحيى بك بمصر أخذه وسكنه لكونه زوج بنت صالح بك وهو بيت أبيها وهو أحق به
ثم استهل شهر صفر الخير وفيه كملت القيسارية التي عمرها اسمعيل بك بجانب السبيل الذي بسويقة لاجين فأنشأ بها أحدى وعشرين حانوتا وقهوة وجعلها مربعة الأركان وهذا السبيل من انشاء سيده إبراهيم كتخدا ولما أتمها نقل إليها سوق درب الجماميز بعد العصر وانتقل اليه الدلالون والناس والقماشون في عصرية يوم الثلاثاء ثانية ويطل سوق درب الجماميز من ذلك اليوم وليس لاسمعيل بك من المحاسن إلا نقل هذا السوق من تلك الجهة ووضعه في هذه الجهة كما لا يخفى
وفيه اشتد العسف في الرعية بسبب طلب السلفة وتعدى الحال إلى بياع المخلل والصوفان وتضرر الفقراء من ذلك
وفي سابعه سافر محمد باشا وإلى جدة إلى السويس
وفي يوم السبت ثالث عشره طلع اسمعيل بك والامراء إلى الديوان بالقلعة وأخرج قوائم مزاد البلاد التي تأخر على ملتزميها الميري فتصدر لشرائها كتخدا محمد اغا البارودي فاشترى نحو سبعين بلدا وفي الحقيقة هي راجعة إلى مخدومه يفرقها على من يشاء من أغراضه فشرع اولا في طلب الشتوي وزاد على من أخذ البلاد سنة ونصفا ثم ادعى ان حسن باشا أخذ سنة من الحلوان ودخلت في حسابه وطلب سنة ونصف اخرى وطلب المال الصيفي ايضا فعجزت الملتزمون ففعل هذه الفعلة (2/42)
وأخرج قوائم مزادهم إلى الديوان واستخلصها من ملتزميها
وفي تلك الليلة حضرت جماعة من كشاف النواحي القبلية واخبروا ان الأمراء القبالي حضرو إلى أسيوط وأوائلهم تعدي منفلوط فهرب من كان هناك من الكشاف وغيرهم وحضروا إلى مصر فلما تحققت هذه الاخبار طلع في صبحها إسماعيل بك إلى الديوان واجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ فتكلم اسمعيل بك وقال يا أسيادنا يا مشايخ يا امراء يا وجاقلية أن الجماعة القبليين نقضوا عهد السلطان وانتقلوا من اماكنهم وزحفوا على البلاد فهل الواجب قتالهم ودفعهم فقالوا نعم فقال ان المخالفين إذا نقضوا عهد السلطان ولزم الحال إلى قتالهم يصرف على المقاتلين من العسكر من خزينة السلطان وليس هنا خزينة فكل منكم يقاتل عن نفسه فأجابه اسمعيل افندي الخلوتي وقال ونحن أي شيء تبقى عندنا حتىنصرفه وقد صرنا كلنا شحاتين لا نملك شيئا فقال له الباشا هذا الكلام لا يناسب ولا ينبغي أنك تكسر قلوب العسكر بمثل هذاالكلام والأولى ان تقول لهم أنا وأنتم شيء واحد ان جعت جوعوا معي وان شبعت اشبعوا معي ثم انحط الرأي بينهم على أن يكتبوا عرضا للدولة والاخبار عن نقضهم وعرضا لهم بالتحذير ثم كتبوا فرمانات لجميع الغز والاجناد الغائبين بالأرياف بالحضور وبكى اسمعيل بك بالمجلس ونهنه في بكائه ثم كتبوا مكاتبة من الباشا ومن الوجاقلية والمشايخ وأرسلوها صحبة واحد من طرف الباشا وسراج من طرف اسماعيل بك وأرسلوا إلى محمد باشا المسافر إلى جدة بالرجوع من السويس إلى مصر بأمر من الدولة
وفي ذلك اليوم أعني يوم الحد رابع عشرة حضر جاويش الحاج من العقبة
وفي يوم الأربع سابع عشرة نبهوا على مماليك الأمراء القبليين وكشافهم الكائنين بمصر بالاجتماع والحضور فأرسل كل من كان مستخدماص عنده جماعة من الأمراء والصناجق وغيرهم فجمعهم في مكان في بيته ومن كان غائبا في حاجة أرسلوا إليه وأحضروه فلما تكاملوا أخذوا خيولهم وأسلحتهم وأبقوهم في الترسيم واما علي بك الدفتردار فأنه لم يسلم (2/43)
فيمن عنده وكان منقطعا في الحريم لصداع برأسه ووجع في عينيه من مدة شهرين
وفي يوم الجمعة كان نزول الحجاج ودخولهم إلى مصر وكانوا أغلقوا أبواب مصر وأجلسوا عليها حرسجية فلم يدخل الحجاج إلا من باب النصر فقط فتضرر الناس من الازدحام في ذلك الباب وارتاح الحجاج في هذا العام ولم يحصل لهم تعب وزاروا الدينة الشريفة
وفيه نزل الاغا وصحبته كتخدا الباشا وأمامهما المناداة على كل من كان مختفيا من اتباع الأمراء القبليين ومماليكهم بالظهور ويطلعوا يقابلوا الباشا وكل من ظهر عنده أحد بعد ثلاث ايام فانه يستأهل الذي يجري عليه
وفي صبحها يوم السبت دخل أمير الحاج غيطاس بك وصحبته المحمل
وفيه شرع اسمعيل بك في طلب تفريدة من البلاد والقرى فجعلوا على كل بلد مائة دينار وعشرة خلاف ما يتبع ذلك من الكلف وحق الطرق وغير ذلك وعين لقبضها خازنداره وغيره
وفي تاسع عشره قبضوا على جماعة من المماليك والاجناد وهم الذين كانوا في الترسيم وأنزلوهم في مراكب وأرسلوهم إلى ثغر اسكندرية وحبسوهم بالبرج ومنهم جماعة بأبي قير وكان علي بك توقف في تسليم المنتسبين اليه فلم يزل به اسمعيل بك حتى سلم فيهم
وفي عشرينه قبضوا على بواقيهم وأنزلوهم المراكب ايضا وبعضهم أنزله عريانا ليس عليه سوى القميص والصديري واللباس وطاقية أو طربوش معمم عليه بمحرمة أو منديل ونحو ذلك ولم تزل الحرسجية مقيمين عل الابواب وحصل منهم الضرر للناس والرعية والمتسببين والفلاحين الواردين من القرى بالجبن والسمن والتبن ونحو ذلك وكل من أراد العبور من باب منعوه من الدخول حتى يأخذوا منه دراهم ولو كان بنفسه (2/44)
وفي يوم الأحد ثامن عشرينه نزل الاغا وامامه الوالي وأوده باشة البوابة وامامهم المناداة على جميع الالضاشات المنتسبين إلى الوجاقات بانهم يأخذوا لهم أوراقا من ابوابهم وكل من وجد وليس معه ورقة بعد ثلاثة أيام يحصل له مزيد من الضرر وبيد المنادي فرمان من الباشا
وفيه ركب اسمعيل بك ونزل إلى بولاق ليتفرج على شركفلك الذي صنعه وتم شغله وقد زاد في صنعته عما فعله حسن باشا بان ركبه على عجل يجروه وزاد في اتقانه وسبك جللا كثيرة للمدافع فلما رآه أعجبه وشرع أيضا في عمل شركفلكين اثنين وجهز ذخيرة عظيمة من بقسيماط وغيره
وفي يوم الاثنين حضر الرسول الذي كان توجه بالرسالة للأمراء القلبيين وهو الذي من طرف الباشا وصحبته آخر من طرف اسمعيل بك وعلى يدهما جوابان احدهما خطاب للباشا والثاني خطاب للمشايخ فاجتمعوا بالديوان في صبحها يوم الثلاثاء وقرأوا الجوابات وملخصها انكم نسبتونا لنقض العهد والحال ان النقض حصل منكم بتسفير أخواننا الرهائن وذهابهم مع قبطان باشا إلى الروم وما فعلتم في بيوتنا وحريمنا ولما حصل ذلك احتد البعض منا وزحفوا إلى بحري فركبنا خلفهم نردهم فلم يمتثلوا فأقمنا معهم فلما قرأوا ذلك بحضرة الجمع اقتضى الرأي كتابة مراسلة أخرى من الباشا والمشايخ وفيها الملاطفة في الخطاب والاعتذار وارسلوها وأخذوا في الاهتمام والتشهيل
واستهل شهر ربيع الأول بيوم الاربعاء وفي ثانيه ركب الآغا وشق الاسواق وصار يقف على الوكائل والخانات ويفتش على الالضاشات ودخل سوق خان الخليلي ونبه على افرادهم وقال لهم في غد احضر في التبديل وكل من وجدته من غير ورقة جدك فعلت به وفعلت وقطعت أذنيه أو أنفه
وفيه عزل احمد افندي الصفائي الروزنامجي من الروزنامة لمرضه وتقلد احمد افندي المعروف بأبي كلية قلفة الانبار روزنامجي عوضا عنه
وفي سادسه ارسلوا بجوابات الرسالة الشيخ احمد بن يونس وكتبوا (2/45)
لهم ايضا سمهود وبرديس وزيادة على ما بأيديهم من البلاد والحال ان الجميع بأيديهم
وفي يوم الثلاثاء حضر عابدي باشا واسمعيل بك إلى بيت الشيخ البكري باستدعاء بسبب المولد النبوي فلما استقر بهم الجلوس التفت الباشا إلى جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له أنها بيوت النصارى فأمر بهدمها وبالمناداة عليهم بالمنع من ركوب الحمير فسمعوا في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال منها على الشوام سبعة عشر ألفا وباقيها على الكتبه
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الجمعة فيه كتب الباشا فرمانا على موجب الفتوى ونزل به آغات مستحفظان ونادى به جهارا وكذلك التنبيه على جميع الوجاقلية باتباع ابوابهم وحضور الغائبين منهم والاستعداد للخروج
وفي ثالثه انفق اسمعيل بك على الامراء الصناجق وارسل لهم الترحيله فأرسل إلى حسن بك الجداوي ثمانية عشر ألف ريال فغضب عليها وردها ووبخ محمدا كتخدا البارودي وركب مغضبا وخرج إلى نواحي العادلية فركب إليه في صبحها اسمعيل بك وعلي بك الدفتردار وصالحاه وزاد له في الدراهم حتى رضي وتكلم مع اسمعيل بك في تشديده على الرعية والالضاشات
وفي يوم الخميس ثامنه سافر امام الباشا وعلي كاشف من طرف اسمعيل بك بجوابات للأمراء القبليين حاصلها اما الرجوع إلى اماكنهم على موجب الاتفاق والصلح بشرط ان تدفعوا ميري البلاد التي تعديتم عليها وإلا فنحن ايضا ننقض الصلح بيننا وبينكم ثم وصل الخبر بان إبراهيم بك ارتحل من طحطا غرة الشهر وحضر إلى المنية عند قسيمة مراد (2/46)
بك وان مراد بك فرق البلاد من بحري المنية على اتباعه واتباع أمراء الذين بصحبته ثم وقع التراخي في امر التجريدة وحصل التواني والاهمال والترك وخرجت الخيول إلى المرعى
وفي يوم الجمعة سادس عشرة نزل عابدي باشا إلى بولاق وركب إليه اسمعيل بك وبقية الامراء وامامه مدافع الزنبلك على الجمال فتفرج على الشركفلكات وسيروا امامه الثلاث غلايين إلى مصر القديمة وضربوا مدافعها ثم عاد وطلع إلى القلعة
وفي يوم الثلاثاء عزل احمد افندي أبو كلبة من الروزنامة وتقلدها عثمان افندي العباسي على رشوة دفعها وضاع على أحمد افندي ما دفعه من الرشوة
وفي يوم الأربعاء حادي عشرينه حضر امام الباشا وعلي كاشف وأخبرا ان ابراهيم بك حضر عند مراد بك بالمنية وان جماعة من صناجقهم وامرائهم وصلوا إلى بني سويف وبحريها وانهم قالوا في الجواب اننا تركنا لهم الجهة البحرية وأخذنا الجهة القبلية فان قاتلونا عليها قاتلناهم وان انكفوا عنا فلسنا واصلين اليهم ولا طالبين منهم مصر ونعقد الصلح على ذلك فيرسلوا لنا بعض المشايخ والاختيارية نتوافق معهم على أمر يحسن السكوت عليه فعملوا ديوانا اجتمع به الجميع وتحالفوا واتفقوا على ارسال جواب صحبه قاصد من طرف الباشا مضمونه انهم يرسلون من جهتهم أميرين كبيرين فيهما الكفاءة لفصل الخطاب ليحصل معهما التوافق ونرسل صحبتهما ما أشاروا به
وفي يوم الاثنين حضر واحد بشلي وعلى يده مكاتبات من حسن باشاخطابا إلى الباشا واسمعيل بك وعلي بك وحسن بك ورضوان بك واسمعيل كتخدا والشيخ البكري وأخبر بوصول عسكر ارنؤدا إلى ثغر الاسكندرية وعليهم كبير ومعه هدية الى الأمراء
وفي يوم الخميس طلع الامراء إلى الديوان وتكلموا من جهة النفقة فقال قاسم بك أما أنا فلا يكفيني خمسون ألف ريال فقال له إسمعيل (2/47)
بك فعلى هذا أمثالك ويحتاج حسن بك ورضوان بك وعلي بك كل واحد مائة ألف فلازم اننا نرسل الى السلطان يرسل لكم خزائنه حتى تكفيكم فرد عليه علي بك وقال أنا صرفت على التجريدة الأولى وشهلت أربع باشاوات والامراء والاجناد وأنت من جملتهم وما صادرت احدا في نصف فضة فاغتاظ اسمعيل بك وقال اعمل كبير البلد وافعل مثل ما فعلت وانا اعطيك المال الذي تحت يدي الذي جمعته من الناس خذه واصرفه بمعرفتك وقام من المجلس منتورا فرده الباشا واختلى به وبعلي بك وحسن بك ورضوان بك ساعة زمانيةوتشاوروا مع بعضهم ثم قاموا ونزلوا
واستهل شهر جمادى الاولى بيوم السبت فيه حضر ططرى وبيده مرسومات فاجتمعوا بالديوان وقرأوها أحدها بطلب مشاق ويدك والثاني بسبب الجماعة القبليين ان كانوا مقيمين بالاماكن التي عينها لهم حسن باشا فلا تتعرضوا لهم وان كانوا زحفوا وتعدوا ونقضوا فأخرجوا إليهم وقاتلوهم وان احتجتم عساكر أرسلنا لكم والثالث مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة والرابع بالوصية على الفقراء وغلال الحرمين والانبار والجامكية وأمثال ذلك من الكلام الفارغ
وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا يكن المفصل من ولاية مصر
وفي يوم الاثنين ثالثه حضر المرسل من الجهة القبلية وصحبته صالح اغا الوالي بجوابات حاصلها انهم يطلبون من طحطا الى قبلي ويطلبون حريمهم وان يردوا لهن ما أخذوه من بلادهن وكذلك يطلبون أتباعهم ومماليكهم الذين ارسلوهم إلى الاسكندرية فأن أجيبوا إلى ذلك لا يتعدون بعدها على شيء أصلا فلما قرئت المكاتبة بحضرة الجمع في الديوان قال اسمعيل بك للباشا لا يمكن ذلك ولا يتصور ابدا والا افعلوا ما بدالكم ولا علاقة لي ولا أكتب فرمانا فأني أخاف على نفسي ان زدتهم على ما أعطاهم حسن باشا ولا بد من دفعهم الميري ثم كتبوا لهم جوابا وسافر به صالح أغا المذكور وآخرمن طرف اسمعيل بك
وفي يوم السبت ثامنه وقع بين أهل بولاق وبين العسكر معركة بسبب (2/48)
افسادهم وتعديهم وفسقهم مع النساء وأذية السوقة وأصحاب الحوانيت وخطفهم الاشياء بدون ثمن فاجتمع جمع من اهل بولاق وخرجوا إلى خارج البلدة يريدون الذهاب إلى الباشا يشكون ما نزل بهم من البلاء فلما علم عسكر القليونجية ذلك اجتمعوا بأسلحتهم وحضروا اليهم وقاتلوهم وانهزم القليونجية فنزل الاغا وتلافى الأمر وأخذ بخاطر العامة وسكن الفتنة وخاطب العسكر ووبخهم على أفعالهم
وفي يوم الاثنين سابع عشرة حضر صالح آغا بجواب وأخبر بصلح الامراء القبليين على ان يكون لهم من اسيوط وما فوقها ويقوموا بدفع ميرى البلاد وغلالها ولا يتعدوا بعد ذلك وانهم يطلبون اناسا من كبار الوجاقات والعلماء ليقع الصلح بأيديهم فعمل الباشا ديوانا وأحضر الامراء والمشايخ واتفقوا على ارسال الشيخ محمد الامير واسمعيل افندي الخلوتي وآخرين وسافروا في يوم الاربعاء تاسع عشره
وفي خامس عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية حارة واستمرت اثني عشر يوما
واستهل شهر جمادى الثاني بيوم الاحد فيه ورد الخبر بان جماعة من الامراء القبليين حضروا إلى بني سويف
وفي ثالثه وصل الخبر بان مراد بك حضر ايضا إلى بني سويف في نحو الاربعين فشرع المصريون في التشهيل والاهتمام وأخرجوا خيامهم ووطاقهم إلى ناحية البساتين
وفي يوم الخميس طلع الامراء إلى الباشا وتكلموا معه واخبروه بما ثبت عندهم من زحف الجماعة الى بحرى وطلبوه للنزول صحبتهم فقال لهم حتى ترجع الرسل بالجواب أو نرسل لهم جوابا آخر وننظر جوابهم فامتثلوا إلى رأيه فكتب مكتوبا مضمونه انكم طلبتم الصلح مرارا واجبناكم بما طلبتم وأعطيناكم ما سألتم ثم بلغنا انكم زحفتم ورجعتم الى بني سويف فما عرفنا أي شيء هذا الحال والقصد أنكم تعرفون عن قصدكم وكيفية حضوركم ان كنتم نقضتم الصلح والا لا فترجعوا الى (2/49)
ما حددناه لكم وما وقع عليه الاتفاق وأرسله صحبة مرسل من طرفه
وفي يوم الجمعة سحبوا الشركفلكات من بولاق وذهبوا بها إلى الوطاق
وشرع اسمعيل بك في عمل متاريس عند طراو المعصرة وكذلك في بر الجيزة وجمع البنائين والفعلة والرجال وأمر بحفر خندق وبني ابراجا من حجر وحيطانا لنصب المدافع والمتاريس في البرين
وفي يوم الخميس ثاني عشرة حضر الشيخ محمد الامير ومن بصحبته واخبروا انهم تركوا ابراهيم بك ومراد بك في بني سويف وأربعة من الامراء وهم سليمان بك الاغا وابراهيم بك لوالي وأيوب بك الصغير وعثمان الشرقاوي بزاوية المصلوب وحاصل جوابهم ان يكن صلح فليكن كاملا ونقعد معهم بالبلد عند عيالنا ونصير كلنا اخوة ونقيم ثأرنا في ثأرهم ودمنا في دمهم وعفا الله عما سلف فان لم يرضوا بذلك فليستعدوا للقاء وهذا آخر الجواب والسلام وأرسلوا جوابات بمعنى ذلك إلى المشايخ وعلى انهم يسعون في الصلح أو يخرجوا لهم على الخيل كما هي عادة المصريين في الحروب
وفي هذه الايام حصل وقف حال وضيق في المعايش وانقطاع للطرق وعدم أمن وقوف العربان ومنع السبل وتعطيل أسباب وعسر في الاسفار برا وبحرا فاقتضى رأي الشيخ العروسي أنه يجتمع مع المشايخ ويركبون الى الباشا ويتكلمون معه في شأن هذا الحال فاستشعر اسمعيل بك بذلك فدبج امرا وصور حضور ططرى من الدوله وعلى يده مرسوم فأرسل الباشا في عصر يوم الجمعة للمشايخ والوجاقلية وجمعهم وقرأوا عليهم ذلك الفرمان ومضمونه الحث والامر والتشديد على محاربة الامراء القبالي وطردهم وابعادهم فلما فرغوا من ذلك تكلم الشيخ العروسي قال خبرونا عن حاصل هذا الكلام فاننا لا نعرف بالتركي فأخبروه فقال ومن المانع لكم من الخروج وقد ضاق الحال بالناس ولا يقدر أحد من الناس أن يصل إلى بحر النيل وقربه الماء بخمسة عشر نصف فضة وحضره اسمعيل بك مشتغل ببناء حيطان ومتاريس وهذه ليست طريقة (2/50)
المصريين في الحروب بل طريقتهم المصادمة وانفصال الحرب في ساعة اما غالب او مغلوب وأما هذا الحال فانه يستدعي طولا وذلك يقتضي الخراب والتعطيل ووقف الحال فقال الباشا انا ما قلت لكم هذا الكلام اولا وثانيا هيا شهلوا أحوالكم ونبهوا على الخروج يوم الاثنين وانا قبلكم
وفي ليلة الاثنين حضر شخصان من الططر ودخلا من باب النصر وأظهرا انهما وصلا من الديار الرومية على طريق الشام وعلى يدهما مرسومات حاصلهما الاخبار بحضور عساكر برية وعليهم باشا كبير وذلك ايضا لا أصل ونودى في ذلك اليوم بالخروج الى المتاريس وكل من خرج يطلع اولا الى القلعة ويأخذ نفقة من باب مستحفظان وقدرها خمسة عشر ريالا فطلع منهم حملة واخذوا نفقاتهم وخرجوا الى المتاريس بالجيزة
وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه وردت مكاتبات من الديار الحجازية واخبروا فيها بوفا الشريف سرور شريف مكة وولاية أخيه الشريف غالب
وفي ليلة الاحد تاسع عشرينه مات ابراهيم بك قشطة صهر اسمعيل بك مطعونا
وفيه عزل اسمعيل بك المعلم يوسف كساب الجمركي بديوان بولاق ونفاه الى بلاد الافرنج وقيل انه غرقه ببحر النيل وقلد مكانه مخاييل كحيل على عشرين الف ريال دفعها
واستهل شهر رجب بيوم الثلاثاء
وفي كل يوم ينادي المنادى بالخروج ويهدد من تخلف واستمروا متترسين بالبرين وبعض الامراء ناحية طرا وبعضهم بمصر القديمة في خلاعاتهم وبعضهم بالجيزة كذلك الى ان ضاق الحال بالناس وتعطلت الاسفار وانقطع الجالب من قبلي وبحري وارسل اسمعيل بك الى عرب البحيرة والهنادي فحضروا بجمعهم واخلاطهم وانتشروا في الجهة الغربية من رشيد إلى الجيزة ينهبون البلاد ويأكلون الزروعات ويضربون المراكب (2/51)
في البحر ويقتلون الناس حتى قتلوا في يوم واحد من بلد النجيلة نيفا وثلثمائة انسان وكذلك فعل عرب الشرق والجزيرة بالبر الشرقي وكذلك رسلان وباشا النجار بالمنوفية فتعطل السير برا وبحرا ولو بالخفارة حتى ان الانسان يخاف أن يذهب من المدينة الى بولاق او خارج باب النصر
وفي يوم السبت خامسه نهب سوق انبابة وفيه قتل حمزة كاشف المعروف بالدويدار رجلا نصرانيا روميا صائغا اتهمه مع حريمه فقبض عليه وعذبه اياما وقلع عينيه واسنانه وقطع انفه وشفتيه واطرافه حتى مات بعد ان استاذن فيه حسن بك الجداوي وعندما قبض عليه ارسل حسن بك ونهب باقي حانوته من جوهر ومصاغ الناس وغير ذلك وطلق الزوجة بعد ان اراد قتلها فهربت عند الست نفيسة زوجة مراد بك
وفي يوم الاحد أخذ اسمعيل بك فرمانا من الباشا بفردة على البلاد لسليم بك امير الحاج ليستعين بها على الحج وقرر على كل بلدة مائة ريال وجملا
وفي يوم الثلاثاء اجتمع الامراء والوجاقلية والمشايخ بقصر العيني فأظهر لهم أسمعيل بك الفرمان وعرفهم احتياج الحال لذلك فقام الاختيارية واغلظوا عليه ومانعوا في ذلك
وفي يوم الخميس سابع عشرة وصل نحو الالف من عسكر الارنؤد الى ساحل بولاق وعليهم كبير يسمى اسمعيل باشا فخرج اسمعيل بك وحسن بك وعلي بك ورضوان بك لملاقاته ومدوا له سماطا عند مكان الحلي القديم
وفي يوم الجمعة ثامن عشرة امطرت السماء من بعد الفجر الى العشاء واطبق الغيم قبل الغروب وارعد رعدا قويا وابرق برقا ساطعا ثم خرجت فرتونة نكباء شرقية شمالية واستمر البرق والمطر يتسلسل غالب الليل وكان ذلك سابع عشر برمودة وخامس عشر نيسان وخامس درجة من برج الثور فسبحان الفعال لما يريد (2/52)
وفي يوم الاحد عشرينه كان عيد النصارى وفيه تقررت الفرد المذكورة وسافر لقبضها سليم بك امين الحج ولم يفد من قيام الوجاقلية وسعيهم في ابطالها شيء فإنهم لما عارضوا في ذلك فتح عليهم طلب المساعدة وليس بأيدي الملتزمين شيء يدفعونه فقال إذا كان كذلك فاننا نقبضها من البلاد فلم يسعهم إلا الاجابة
وفي يوم الاثنين حضر إلى ثغر بولاق اغا اسود وعلى يده مقرر لعابدي باشا وخلعه لشريف مكة فطلع عابدي باشا إلى القلعة وعمل ديوانا في يوم الثلاثاء واجتمع الامراء والمشايخ والقاضي وقرأوا المقرر ووصل صحبة الاغا المذكور ألف قرش رومي أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبه العلم بالازهر ويقرأون له صحيح البخاري ويدعون له بالنصر
وفي يوم الاربعاء قتل اسمعيل باشا كبير الارنؤد رئيس عسكره وكان يخشاه ويخاف من سطوته قيل انه اراد أن يأخذ العسكر ويذهب بهم إلى الامراء القبليين رغبة في كثرة عطائهم فطالبه بنفقة وألح عليه وقال له ان لم تعطهم هربوا حيث شاؤوا فحضر عنده وفاوضه في ذلك فلاطفه وأكرمه واختلى به واغتاله وقطع رأسه وألقاها من الشباك لجماعته
وفي يوم الجمعة كتبوا قائمة اسماء المجاورين والطلبة وأخبروا الباشا ان الالف قرش لا تكفي طائفة من المجاورين فزادها ثلاثة آلاف قرش من عنده فوزعوها بحسب الحال أعلى وأوسط وآدنى فخص الاعلى عشرون قرشا والاوسط عشرة والادنى اربعة وكذلك طوائف الاروقة بحسب الكثرة والقلة ثم احضروا اجزاء البخاري وقرأوا وصادف ذلك زيادة أمر الطاعون والكروب المختلفة
وفي يوم الاثنين ثامن عشرينه توفي صاحبنا حسن افندي قلفة الغربية وتقلد عوضه صهره مصطفى افندي ميسو كاتب اليومية
وفيه توفي ايضا خليل افندي البغدادي الشطرنجي
واستهل شهر شعبان بيوم الاربعاء فيه عدى بعض الامراء بخيامهم الى البر الغربي ثم رجعوا في ثانيه ثم عدى البعض ورجع البعض وكل (2/53)
ذلك أيهامات بالسفر وتمويهات من اسمعيل بك وفي الحقيقة قصده عدم الحركة وضاقت أنفس المقيمين بالمتاريس وقلقوا من طول المدة وتفرق غالبهم ودخلوا المدينة
وفي خامسه حضر إلى مصر رجل هندي قيل انه وزير سلطان الهند حيدر بك وكان قد ذهب إلى سلامبول بهدية الى السلطان عبد الحميد ومن جملتها منبر وقبلة مصنوعان من العود الفاقلي صنعة بديعة وهما قطع مفصلات يجمعها شناكل وأغربة من فضة وذهب وسرير يسع ستة انفار وطائران يتكلمان باللغة الهندية خلاف الببغا المشهور وانه طلب منه امداد يستعين على حرب اعدائه الانكليز المجاورين لبلاده فأعطاه مرسومات إلى الجهات بالأذن لمن يسير معه فسار الى الاسكندرية ثم حضر الى مصر وسكن ببولاق وهو رجل كالمقعد يجلس على كرسي من فضة ويحمل على الاعناق وقد مات العساكر التي كانت معه ويريد اتخاذ غيرها من أي جنس كان وكل من دخل فيهم برسم الخدمة وسموه بعلامة في جبهته لاتزول فنفرت الناس من ذلك وملابسهم مثل ملابس الافرنج واكثرها من شيث هندي مقمطة على اجسامهم وعلى رأسهم شقات افرنجية
وفي ليلة الجمعة سابع عشره خرج الامراء بعد الغروب وأشيع وصول القبليين وهجومهم على المتاريس
وفي صبحها حصلت زعجة وضجة وهرب الناس من القرافتين ونودى بالخروج فلم يخرج احد ثم برد هذا الامر
وفي تلك الليلة ضربوا اعناق خمسة اشخاص من اتباع الشرطة يقال لهم البصاصون وسبب ذلك انهم اخذوا عمله واخفوها من حاكمهم واختصوا بها دونه ولم يشركوه معهم
وفي سابع عشرينه مات محمد اغا مستحفظان المعروف بالمتيم
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة الكبرى وكان المنكسف منها نحو الثلاثة ارباع وأظلم الجو الا يسيرا ثم انجلى ذلك عن الزوال (2/54)
واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة ووافق ذلك اول بؤنة القبطي
وفي ثالثه قلدوا اسمعيل بك خازندار اسمعيل بك الذي كان زوجه باحدى زوجات احمد كتخدا المجنون أغات مستحفظان وقلدوا خازندار حسن بك الجداوي واليا عوضا عن اسمعيل اغا الجزايرلي لعزله
وفي ثاني عشرة حضر إبراهيم كاشف من اسلامبول وكان اسمعيل بك ارسله بهدية الى الدولة فأوصلها ورجع إلى مصر بجوابات القبول وانه لما وصل الى اسلامبول وجد حسن باشا نزل الى المراكب مسافرا الى بلاد الموسقو وبينه وبين اسلامبول نحو اربع ساعات فذهب اليه وقابله ورجع معه في شكتربة الى اسلامبول وطلع الهدية بحضرته وقد كان أشيع هناك بأن ابراهيم بك ومراد بك دخلا الى مصر وخرج من فيها وحصل هناك هرج عظيم بسبب ذلك فلما وصل إبراهيم كاشف هذا بالهدية حصل عندهم اطمئنان وتحققوا منه عدم صحة ذلك الخبر
وفي رابع عشرينه نهب العرب قافلة التجار والحجاج الواصلة من السويس وفيها شيء كثير جدا من اموال التجار والحجاج ونهب فيها للتجار خاصة ستة الاف جمل ما بين قماش وبهار وبن وأقمشة وبضائع وذلك خلاف أمتعة الحجاج وسلبوهم حتى ملابس أبدانهم وأسروا النساء وأخذوا ما عليهن ثم باعوهن لآصحابهن عرايا وحصل لكثير من الناس وغالب التجار الضرر الزائد ومنهم من كان جميع ماله بهذه القافلة فذهب جميعه ورجع عريانا أو قتل وترك مرميا
وفي خامس عشرينه وقع بين طائف المغاربة الحجاج النازلين بشاطىء النيل ببولاق بين عسكر القليونجية مقاتلة وسبب ذلك ان المغاربة نظروا بالقرب منهم جماعة من القليونجية المتقيدين بقليون اسمعيل بك ومعهم نساء يتعاطون المنكرات الشرعية فكلمهم المغاربة ونهوهم عن فعل القبيح وخصوصا في مثل هذا الشهر او انهم يتباعدون عنهم فضربوا عليهم طبنجات فثار عليهم المغاربة فهرب الفليونجية إلى مراكبهم فنط المغاربة خلفهم واشتبكوا معهم ومسكوا من مسكوه وذبحوا من ذبحوه (2/55)
ورموه إلى البحر وقطعوا حبال المراكب ورموا صواريها وحصلت زعجة في بولاق تلك الليلة واغلقوا الدكاكين وقتل من القليونجية نحو العشرين ومن المغاربة دون ذلك فلما بلغ اسمعيل بك ذلك اغتاظ وأرسل الى المغاربة يأمرهم بالانتقال من مكانهم فانتقلوا إلى القاهرة وسكنوا بالخانات فلما كان ثاني يوم نزل الاغا والوالي وناديا في الاسواق على المغاربة الحجاج بالخروج من المدينة إلى ناحية العادلية ولا يقيموا بالبلد وكل من آواهم يستأهل ما يجري عليه فامتنعوا من الخروج وقالوا كيف نخرج إلى العادلية ونموت فيها عطشا وذهب منهم طائفة الى اسمعيل كتخدا حسن باشا فأرسل إلى اسمعيل بك بالروضة يترجى عنده فيهم فامتنع ولم يقبل الشفاعة وحلف ان كل من مكث منهم بعد ثلاثة ايام قتله فتجمعوا احزابا واشتروا أسلحة وذهب منهم طائفة الى الشيخ العروسي والشيخ محمد بن الجوهري فتكلموا مع اسمعيل بك فنادى عليهم بالامان
وفي أواخره ورد خبر من دمياط بان النصارى اخذوا من على ثغر دمياط اثني عشر مركبا
واستهل شهر شوال بيوم السبت في رابعه حضر سليم بك من سرحته وفي خامسه ارسل الآغا بعض اتباعه بطلب شخصين من عسكر القليونجية من ناحية بين السوربن بسبب شكوى رفعت اليه فيهما فضرب احدهما أحد المعينين فقتله فقبضوا عليه ورموا عنقه ايضا بجانبه
وفيه حضر طائفة العربان الذين نهبوا القافلة إلى مصر وهم من العيايدة وقابلوا اسمعيل بك وصالحوه على مال وكذلك الباشا واتفقوا على شيل ذخيرة أمير الحاج وخلع عليهم ولما نهبت القافلة اجتمع الاكابر والتجار وذهبوا الى اسمعيل بك وشكوا اليه ما نزل بهم فوبخهم وأظهر الشماتة فيهم وصارت يده ترتعش الغيظ وخرجوا من بين يديه آيسين والحاضرون يلطفون له القول ويأخذون بخاطره وهو لا ينجلي عنه الغيظ
وفي يوم السبت ثامنه نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة الى المشهد الحسيني على العادة (2/56)
وفي ليلة الثلاثاء حادي عشره في ثالث ساعة من الليل حصلت زعجة عظيمة وركب جميع الامراء وخرجوا الى المتاريس وأشيع أن الامراء القبليين عدوا الى جهة الشرق وركب الوالي والاغا وساروا يفتحون الدروب بالعتالات ويخرجون الاجناد من بيوتهم الى العرضي وباتوا بقية الليل في كركبة عظيمة وأصبح الناس هايجين والمناداة متتابعة على الناس والالضاشات والاجناد والعسكر بالخروج وظن الناس هجوم القبليين ودخولهم المدينة فلما كان أواخر النهار حصلت سكتة وأصبحت القضية باردة وظهران بعضهم عدي إلى الشرق وقصدوا الهجوم على المتاريس في غفلة من الليل فسبق العين بالخبر فوقع ما ذكر فلما حصل ذلك رجعوا الى بياضة وشرعوا في بناء متاريس ثم تركوا ذلك وترفعوا الى فوق ولم يزل المصريون مقيمين بطرا ما عدا اسمعيل بك فانه رجع بعد يومين لاجل تشهيل الحاج
ثم استهل شهر القعدة بيوم الاثنين في ذلك اليوم رسموا بنفي سليمان بك الشابوري الى المنصورة وتقاسموا بلاده
وفيه رجع الامراء من المتاريس الى مصر القديمة كما كانوا ولم يبق بها الا المرابطون قبل ذلك
وفي يوم الثلاثاء ثار جماعة الشرام وبعض المغاربة بالأزهر على الشيخ العروسي بسبب الجراية وقفلوا في وجهه باب الجامع وهو خارج يريد الذهاب بعد كلام وصياح ومنعوه من الخروج فرجع الى رواق المغاربة وجلس به الى الغروب ثم تخلص منهم وركب إلى بيته ولم يفتحوا الجامع واصبحوا فخرجوا الى السوق وأمروا الناس بغلق الدكاكين وذهب الشيخ الى اسمعيل بك وتكلم معه فقال له انت الذي تأمرهم بذلك وتريدون تحريك الفتن علينا ومنكم أناس يذهبون الى أخصامنا ويعودون فتبرأ من ذلك فلم يقبل وذهب ايضا وصحبته بعض المتعممين الى الباشا بحضرة اسمعيل بك فقال الباشا مثل ذلك وطلب الذين يثيرون الفتن من المجاورين ليؤد بهم وينفيهم فمانعوا في ذلك ثم (2/57)
ذهبوا الى علي بك الدفتردار وهو الناظر على الجامع فتلا في القضية وصالح اسمعيل بك واجروا لهم الاخبار بعد مشقة وكلام من جنس ماتقدم وامتنع الشيخ العروسي من دخول الجامع أياما وقرأ درسه بالصالحية
وفي يوم الاحد رابع عشره الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وركب الباشا في صبحها وكسر سد الخليج
وفي عشرينه انفتح سد ترعة مويس فأحضر اسمعيل بك عمر كاشف الشعراوي وهو الذي كان تكفل بها لانه كاشف الشرقية ولامه ونسبه للتقصير في تمكينها والزمه بسدها فاعتذر بعدم الامكان وخصوصا وقد عزل من المنصب وأعوانه صاروا مع الكاشف الجديد فاغتاظ منه وأمر بقتله فاستجار برضوان كتخدا مستحفظان فشفع فيه واخذه عنده وسعى في جريمته وصالح عليه
شهر الحجة في غرته حضر قليونان روميان الى بحر النيل ببولاق يشتمل احدهما على احد وعشرين مدفعا والثاني اقل منه اشتراهما اسمعيل بك
وفيه زاد سعر الغلة ضعف الثمن بسبب انقطاع الجالب
وفي رابع عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر العيني وتشاوروا في خروج تجريدة وشاع الخبر بزحف القبليين
وفي يوم الاربعاء سادس عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر العيني جمع به سائر الامراء والوجاقلية والمشايخ بسبب شخص الجي حضر بمكاتبات من قرال الموسقو ولحضوره نبأ ينبغي ذكره كما نقل الينا وهو ان قرال الموسقو لما بلغه حركة العثمنلي في ابتداء الامر على مصر ارسل مكاتبة الى امراء مصر على يد القنصل المقيم بثغر سكندرية يحذرهم من ذلك ويحضهم على تحصين الثغر ومنع حسن باشا من العبور فحضر القنصل الى مصر واختلى بهم واطلعهم على ذلك فاهملوه ولم يلتفتوا اليه ورجع من غير رد جواب وورد حسن باشا فعند ذلك انتبهوا وطلبوا القنصل فلم يجدوه وجرى ما جرى وخرجوا الى قبلي وكاتبوا القنصل فاعاد (2/58)
الرسالة الى قراله وركب هجانا واجتمع بهم ورجع وصادف وقوع الواقعة بالمنشية في السنة الماضية وكانت الهزيمة على المصريين وشاع الخبر في الجهات بعودهم وقد كان ارسل لنجدتهم عسكرا من قبله ومراكب ومكاتبات صحبة هذا الالجي فحضر الى ثغر دمياط في أواخر رمضان فرأى انعكاس الامر فعربد بالثغر وأخذ عدة نقاير كما ذكر ورجع الى مرساه أقام بها وكاتب قراله وعرفه صورة الحال وان من بمصر الآن من جنسهم ايضا وان العثمنلي لم يزل مقهورا معهم فأجمع رأيه على مكاتبة المستقرين وامدادهم فكتب اليهم وأرسلها صحبة هذاالالجي وحضر الى دمياط وأنقذ الخبر سرا بوصوله وطلب الحضور بنفسه فاعلموا الباشا بذلك سرا وأرسلوا اليه بالحضور فلما وصل الى شلقان خرج اليه اسمعيل بك في تطريدة كان لم يشعر به أحد وأعد له منزلا ببولاق وحضر به ليلا وأنزله بذلك القناق ثم اجتمع به صحبة علي بك وحسن بك ورضوان بك وقرأوا المكاتبات بينهم فوصل اليهم عند ذلك جماعة من اتباع الباشا وطلبوا ذلك الالجي عند الباشا وذلك باشارة خفية بينهم وبين الباشا فركبوا معه الى قصر العيني وأرسل الباشا في تلك الليلة التنابيه لحضور الديوان في صبحها فلما تكاملوا أخرج الباشا تلك المراسلات وقرئت في المجلس والترجمان يفسرها بالعربي وملخصها خطاب الى الامراء المصرية انه بلغنا صنع بن عثمان الخائن الغدار معكم ووقوع الفتن فيكم وقصده ان بعضكم يقتل بعضا ثم لا يبقى على من يبقى منكم ويملك بلادكم ويفعل بها عوائده من الظلم والجور والخراب فانه لا يضع قدمه في قطر الا ويعمه الدمار الخراب فتيقظوا لانفسكم واطردوا من حل ببلادكم من العثمانية وارفعوا بنديرتنا واختاروا لكم رؤساء منكم وحصنوا ثغوركم وامنعوا من يصل اليكم منهم الا من كان بسبب التجارة ولا تخشوه في شيء فنحن نكفيكم مؤنته وانصبوا من طرفكم حكاما بالبلاد الشامية كما كانت في السابق ويكون لنا أمر بلاد الساحل والواصل لكم كذا وكذا مركبا وبها كذا من العسكر والمقاتلين وعندنا من المال والرجال (2/59)
ما تطلبون وزيادة على ما تظنون فلما قرىء ذلك اتفقوا على ارسالها الى الدولة فأرسلت في ذلك اليوم صحبة مكاتبة من الباشا والامراء وانزلوا ذلك الالبي في مكان بالقلعة مكرما
وفي يوم الاثنين وجهوا خمسة من المراكب الرومية الى جهة قبلي وابقوا اثنين وارسلوا بها عثمان بك طبل الإسماعيلي وعساكر رومية والله أعلم وانقضت هذه السنة
من مات في هذه السنة ممن له ذكر
مات الامام العلامة احد المتصدرين واوحد العلماء المتبحرين حلال المشكلات وصاحب التحقيقات الشيخ حسن بن غالب الجداوي المالكي الازهري ولد بالجدية في سنة 1128 وهي قرية قرب رشيد وبها نشأ وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلدية الشيخ شمس الدين محمد الجداوي وعلى افقه المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي وعلى السيد محمد البليدي والشيخ علي الصعيدي أخذ عنهم الفنون بالاتقان ومهر فيها حتى عد من الاعيان ودرس في حياة شيوخه وأفتى وهو شيخ بهي الصور طاهر السريرة حسن السيرة فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق ويحل المشكلات بذهنه الرائق وحلقة درسه عليها الخفر وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر وله مؤلفات وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزه جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية ايضا وينزل الى بلده الجدية في كل سنة مرة ويقيم بها اياما ويجتمع عليه أهل الناحية ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة الى حضوره ولا يثقون الا بقوله ثم يرجع الى مصر بما اجتمع لديه من الارز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله الى قابل مع الحشمة والعفة توفي بعد أن تعلل أشهرا في أواخر شهر ذي الحجة وجهز وصلي عليه بالازهر بمشهد (2/60)
حافل ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر اعده لنفسه رحمه الله تعالى
ومات الامام العالم العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة ثم حضر الى مصر وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ احمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي ومهر في الفقه والمعقول وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره ولازم الاستاذ الحفني وتداخل في القضايا والدعاوي وفصل الخصومات بين المتنازعين وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات ونما امره وراش جناحه وتجمل بالملابس وركوب البغال وأحدق به الاتباع واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي فزادت شهرته ووفدت عليه الناس وأطعم الطعام واستعمل مكارم الاخلاق ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن بها فجيش عليه أهل الناحية وأولو النجدة والزعارة والشطارة وصار له بهم نجدة ومنعة على من يخالفه او يعانده ولو من الحكام وتردد الى الامير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالامارة وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني فلما استبد بالامر لم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت اراد فزادت شهرته ونفذت احكامه وقضاياه واتخذ سكنا على بركة جناق ايضا ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والافتاء ومشيخة الشافعية وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الامير المذكور وقصر عليهم الافتاء وهم الشيخ احمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي والمترجم وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر المبيضاة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الاتراك بالجامع المذكور حصة من النهار في ضحوة كل يوم للافتاء بعد القائهم دروس الفقه ورتب لهم ما يكفيهم وشرط عليهم (2/61)
عدم قبول الرشا والجعالات فاستمروا على ذلك أيام حياة الامير واجتمع المترجم بالشيخ صادومه المشعوذ الذي تقدم ذكره في ترجمة يوسف بك ونوه بشأنه عند الامراء والناس وأبرزه لهم في قالب الولاية ويجعل شعوذته وسيمياه من قبيل الخوارق والكرامات الى أن اتضح امره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينه الشيخ المترجم من أجله ولم يتمكن من أيذائهما في حياة سيده فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والافتاء وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي وانكسف باله وخمد مشعال ظهروه بين أقرانه الا قليلا حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول ونسيت القضية وبطل امر الوظيفة والتكية وتراجع حاله لا كالاول ووافاه الحمام بعد ان تمرض شهورا وتعلل وذلك في عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين ومن مؤلفاته اعراب الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة وكان قوي البأس شديد المراس عظيم الهمة والشكيمة ثابت الجنان عند العظائم يغلب على طبعه حب الرياسة والحكم والسياسة ويحب الحركة بالليل والنهار ويمل السكون والقرار وذلك مما يورث الخلل ويوقع في الزلل فان العلم إذا لم يقرن بالعمل ويصاحبه الخوف والوجل ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف ويحلى باتباع الحق والانصاف اوقع صاحبه في الخذلان وصيره مثلة بين الاقران
ومات الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن ابو العباس المغربي اصله من الصحراء من عمالة الجزائر دخل مصر صغيرا فحضر دروس الشيخ علي الصعيدي فتفقه عليه ولازمه ومهر في الآلات والفنون وأذن له في التدريس فصار يقرىء الطلبة في رواقهم وراج امره لفصاحته وجوده حفظه وتميز في الفضائل وحج سنة 1182 وجاور بالحرمين سنة واجتمع بالشيخ ابي الحسن السندي ولازمه في دروسه وباحثه وعادا الى مصر وكان يحسن الثناء على المشار اليه واشتهر امره وصارت له في (2/62)
الرواق كلمة واحترمه علماء مذهبه لفضله وسلاطة لسانه وبعد موت شيخه عظم امره حتى اشير له بالمشيخة في الرواق وتعصب له جماعة فلم يتم له الامر ونزل له السيد عمر افندي الاسيوطي عن نظر الجوهرية فقطع معاليم المستحقين وكان محجاجا عظيم المراس يتقي شره توفي ليلة الاربعاء حادي عشرين شعبان غفر الله لنا وله
ومات الامام الفقيه العلامة النحوي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ موسى البشبيشي الشافعي الازهري نشأ بالجامع الازهر من صغره وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الاشياخ كالصعيدي والدردير والمصيلحي والصبان والشتويهي ومهر وانجب وصار من الفضلاء المعدودين ودرس في الفقه والمعقول واستفاد وافاد ولازم حضور شيخا العروسي في غالب الكتب فيحضر ويملي ويستفيد ويفيد وكان مهذبا في نفسه متواضعا مقتصدا في ملبسه ومأكله عفوفا قانعا خفيف الروح لا يمل من مجالسته ومفاكهته ولم يزل منقطعا للعلم والإفادة ليلا ونهارا مقبلا على شأنه حتى توفي رحمه تعالى حادي عشر شعبان مطعونا
ومات العلامة الاديب واللوذعي اللبيب المتقن المتفنن الشيخ محمد ابن علي بن عبد الله بن احمد المعروف بالشافعي المغربي التونسي نزيل مصر ولد بتونس سنة 1152 ونشأ في قراءة القرآن وطلب العلم وقدم إلى مصر سنة أحدى وسبعين وجاور بالأزهر برواق المغاربة وحضر علماء العصر في الفقه والمعقولات ولازم دروس الشيخ علي الصعيدي وابي الحسن القلعي التونسي شيخ الرواق وعاشر اللطفاء والنجباء من أهل مصر وتخلق بأخلاقهم وطالع كتب التاريخ والادب وصار له ملكة في استحضار المناسبات الغريبة والنكات وتزوج وتزيا بزي اولاد البلد وتحلى بذوقهم ونظم الشعر الحسن توفي رحمة الله في يوم الجمعة ثالث شعبان من السنة
ومات صاحبنا الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن جاد ولد بمصر ونشأ بالصحراء بعمارة السلطان قايتباي ورغب في صناعة (2/63)
تجليد الكتب وتذهيبها فعانى ذلك ومارسه عند الاسطى احمد الدقدوسي حتى مهر فيها وفاق استاذه وادرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات بالذهب المحلول والفضة والاصباغ الملونة والرسم والجداول والاطباع وغير ذلك وانفرد بدقيق الصنعة بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسي وعثمان افندي بن عبد الله عتيق المرحوم الوالد والشيخ محمد الشناوي وكان لطيف الذات خفيف الروح محبوب الطباع مألوف الاوضاع ودودا مشفقا عفوفا صالحا ملازما على الاذكار والاوراد مواطبا على استعمال اسم لطيف العدة الكبرى في كل ليلة على الدوام صيفا وشتاء سفرا وحضرا حتى لاحت عليه أنوار الاسم الشريف وظهرت فيه اسراره وروحانيته وصار له ذوق صحيح وكشف صريح ومراء واضحة وأخذ على شيخنا الشيخ محمود الكردي طريق السادة الخلوتية وتلقن عنه الذكر والاسم الاول وواظب على ورد العصر ايام حياة الاستاذ ولم يزل مقبلا على شأنه قانعا بصناعته ويستنسخ بعض الكتب ويبيعها ليربح فيها الى ان وافاه الحمام وتوفي سابع شهر القعدة من السنة بعد ان تعلل أشهرا رحمه الله وعوضنا فيه خيرا فإنه كان بي رؤوفا وعلي شفوقا ولا يصبر عني يوما كاملا مع حسن العشرة والمودة والمحبة لا لغرض من الاغراض ولم أر بعده مثله وخلف بعده أولاده الثلاثة وهم الشيخ صالح وهو الكبير واحمد بدوي والشيخ صالح المذكور هو الان عمدة مباشري الاوقاف بمصر وجابي المحاسبة وله شهرة ووجاهة في الناس وحسن حال عشرة وسير حسن وفقه الله واعانه على وقته
ومات ايضا الصنو الفريد واللوذعي الوحيد والكاتب المجيد والنادرة المفيد اخونا في الله خليل افندي البغدادي ولد ببغداد دار السلام وتربى في حجر والده ونشأ بها في نعمة ورفاهية وكان والده من أعيان بغداد وعظمائها مال وثروة عظيمة وبينه وبين حاكمها عثمان باشا معاشرة وخلطة ومعاملة فلما وصل الطاغية طهماز إلى تلك الناحية وحصل منه ما حصل في بغداد وفر منه حاكمها المذكور قبض على والد المترجم واتهمه (2/64)
بأموال الباشا وذخائره ونهب داره واستصفى أمواله ونواله وأهلك تحت عقوبته وخرج اهله وعياله وأولاده فارين من بغداد على وجوهم وفيهم المترجم وكان إذ ذاك أصغر اخوته فتفرقوا في البلاد وحضر المترجم بعد مدة من الواقعة مع بعض التجار الى مصر واستوطنها وعاشر أهلها وأحبه الناس للطفه ومزاياه وجود الخط على الانيس والضيائي والكشري ومهر فيه وكان يجيد لعب الشطرنج ولا يباريه فيه أحد مع الخفة والسرعة وقل من يتناقل معه فيه بالكامل بل كان يناقل غالب الحذاق بدون الفرزان أو أحد الرخين ولم أر من ناقلة بالكامل الا الشيخ سلامة الكتبي وبذلك رغب في صحبته العيان والاكابر وأكرموه وواسوه مثل عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وسليمان جربجي البرديسي وكان غالب مبيته عنده ولم يزل ينتقل عند الاعيان باستدعاء ورغبة منهم فيه مع الخفة واطراح الكلفة وحسن العشرة ويأوي الى طبقته ولم يتأهل ويغسل ثيابه عند رفيقه السيد حسن العطار بالاشرفية وبآخرة عاشر الامير مراد بك واختص به وأحبه فكان يجود له الخط ويناقله في الشطرنج واغدق عليه ووالاه بالبر فراج حاله واشترى كتبا وواسى اخوانه وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولا يبقى على درهم ولا دينار ولما خرج مراد بك من مصر حزن لفقده وبعد وباع ما اقتناه من الكتب وغيرها وصرف ثمنها في بره ولوازمه وعبه دائما ملآن بالمآكل الجافة مثل التمر والكعك والفاكهة يأكل منها ويفرق في مروره على الاطفال والفقراء والكلاب وكان بشوشا ضحوك السن دائما منشرحا يسلي المحزون ويضحك المغبون ويحب الجمال ولا يؤخر المكتوبة عن وقتها اينما كان ويزور الصلحاء والعلماء ويحضر في بعض الاحيان دروسهم ويتلقى عنهم المسائل الفقهية ويحب سماع الالحان واجتماع الاخوان ويعرف اللسان التركي ودخل بيت البارودي كعادته فأصيب بالطاعون وتعلل ليلتين وتوفي حادي عشرين رجب سنة تاريخه رحمه الله وسامحه فلقد كانت افاعيله وطباعه تدل على جودة أصله وطيب أعراقه وأصوله (2/65)
ومات الجناب الاوحد والنجيب المفرد الفصيح اللبيب والنادرة الاريب السيد ابراهيم بن احمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد امين الدين ابن علي سعد الدين بن محمد امين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر تفقه على شيخ والده السيد عبد الرحمن الشيخوني إذ كان امام والده وتدرج في معرفة الاقلام والكتابة فلما توفي والده تولى مكانه اخوه الاكبر يوسف في كتابة قلم الشهر فلما شاخ وكبر سلمه الى اخيه المترجم فسار فيه احسن سير واقتنى كتبا نفيسة وتمهر في غرائب الفنون واخذ طريق الشاذلية والاحزاب والاذكار على الشيخ محمد كشك وكان يبره ويلاحظه بمراعاته وانتسب اليه وحضر الصحيح وغيره على شيخنا السيد مرتضى وسمع عليه كثيرا من الاجزاء الحديثية في منزله بالركبيين وبالازبكية في مواسم النيل وكان مهيبا وجيها ذا شهامة ومروءة وكرم مفرط وتجمل فاخر عمله فوق همته سموحا بالعطاء متوكلا توفي صبح يوم الاربعاء غاية شهر شعبان بعد ان تعلل سبعة ايام وجهز وصلي عليه بمصلى شيخون ودفن على والده قرب السيدة نفيسة وخلف ولديه النجيبين المفردين حسن افندي وقاسم افندي ابقاهما الله وأحيا بهما المآثر وحفظ عليهما أولادهما واصلح لنا ولهم الايام
ومات الامام العلامة والجهبذ الفهامة الفقيه النبيه الاصولي المعقولي الورع الصالح الشيخ محمد الفيومي الشهير بالعقاد احد اعيان العلماء النجباء الفضلاء تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الصعيدي المالكي ومهر وأنجب ودرس وانتفع به الطلبة في المعقول والمنقول وألف وافاد وكان انسانا حسنا جميل الاخلاق مهذب النفس متواضعا مشهورا بالعلم والفضل والصلاح لم يزل مقبلا على شأنه محبوبا للنفوس حتى تعلل بالبرقوقية بالصحراء وتوفي بها ودفن هناك بوصية منه رحمه الله
ومات صاحبنا الجناب المكرم والملاذ المفخم انيس الجليس والنادرة الرئيس حسن افندي بن محمد افندي المعروف بالزامك قلف الغربية ومن له في ابناء جنسه أحسن منقبة ومزية تربى في حجر والده ومهر (2/66)
في صناعته ولما توفي والده خلفه من بعده وفاقه في هزله وجده وعاشر ارباب الفضائل واللطفاء وصار منزله منهلا للواردين ومربعا للوافدين فيتلقى من يرد اليه بالبشر والطلاقة ويبذل جهده في قضاء حاجة من له به ادنى علاقة فاشتهر ذكره وعظم امره وورد اليه الخاص والعام حتى امراء الالوف العظام فيواسي الجميع ويسكرهم بكأس لطفه المريع مع الحشمة والرياسة وحسن المسامرة والسياسة قطعنا معه اوقاتا كانت في جبهة العمر غرة ولعين الدهر مسرة وقرة وفي هذا العام قصد الحج الى بيت الله الحرام وقضى بعض اللوازم والاشغال واشترى الخيش وادوات الاحمال فوافاه الحمام وارتحل الى دار السلام بسلام وذلك في اواخر رجب بالطاعون رحمه الله
ومات ايضا الجناب العالي واللوذعي الغالي والرياستين والمزيتين والفضيلتين الامير احمد افندي الروزنامجي المعروف بالصفائي تقلد وظيفة الروزنامة بديوان مصر عندما كف بصر اسمعيل افندي فكان لها اهلا وسار فيها سيرا حسنا بشهامة وصرامة ورياسة وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا وحضر في الفقه والمعقول على اشياخ الوقت قبل ذلك وكان يحفظ متن الالفية لابن مالك ويعرف معانيها ويحفظ كثيرا من المتون ويباحث ويناضل من غير ادعاء للمعرفة والعالمية فتراه اميرا مع الامراء ورئيسا مع الرؤساء وعالما مع العلماء وكاتبا مع الكتاب وولداه سليمان افندي المتوفي سنة ثمان وتسعين وعثمان افندي المتوفي بعده في الفصل سنة خمس ومائتين ووالدتهما المصونة خديجة من أقارب المرحوم الوالد وكانا ريحانتين نجيبين ذكيين مفردين اعقب سليمان محمد افندي وتوفي في سنة ست عشرة وهو مقتبل الشبيبه وحسن افندي الموجود الان وأعقب عثمان احمد وهو موجود ايضا ألا انه بعيد الشبه من ابيه وعمه واولاد عمه وجده وجدته واما ابن عمه حسن افندي فهو ناجب ذكي بارك الله فيه ولما تعلل المترجم وانقطع عن النزول والركوب وحضور الدواوين قلدوا عوضه احمد افندي المعروف بأبي كلبة على مال دفعه فأقام (2/67)
في المنصب دون الشهرين ومات احمد افندي فسمى عثمان افندي العباسي على المنصب وتقلده على رشوة لها قدر وذهب على احمد افندي ابو كلبة ما دفعه في الهباء وكانت وفاة احمد افندي الصفائي المترجم في عشرين خلت من ربيع الثاني من السنة
ومات العمدة المفرد والنجيب الاوحد محمد افندي كاتب الرزق الأحباسية وهذه الوظيفة تلقاها بالوراثة عن أبيه وجده وعرفوا اصطلاحها واتقنوا أمرها وكان محمد افندي هذا لا يغرب عن ذهنه شيء يسأل عنه من اراضي الرزق بالبلاد القبلية والبحرية مع اتساع دفاترها وكثرتها ويعرف مظناتها ومن انحلت عنه ومن انتقلت اليه مع الضبط والتحرير والصيانة والرفق بالفقراء في عوائد الكتابة وكان على قدم الخير والصلاح مقتصدا في معيشته قانعا بوظيفته لا يتفاخر في ملبس ولا مركب ويركب دائما الحمار وخلفه خادمه يحمل له كيس الدفتر إذا طلع الى الديوان مع السكون والحشمة وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات العشر ولم يزل هذا حاله حتى تعلل اياما وتوفي الى رحمة الله تعالى ثامن ربيع الثاني وتقرر في الوظيفة عوضه ابن ابنه الشاب الصالح حموده افندي فسار كاسلافه سيرا حسنا وقام بأعباء الوظيفة حسا ومعنى الا انه عاجله الحمام وانخسف بدره قبل التمام وتوفي بعد جده بنحو سنتين وشغرت الوظيفة وابتذلت كغيرها وهكذا عادة الدنيا
ومات الجناب السامي والغيث الهاطل الهامي ذو المناقب السنية والافعال المرضية والسجايا المنيفة والاخلاق الشريفة السيد السند حامي الاقطار الحجازية والبلاد التهامية والنجدية الشريف السيد سرور أمير مكة تولى الاحكام وعمره نحو احدى عشرة سنة وكانت مدة ولايته قريبا من أربع عشرة سنة وساس الاحكام احسن سياسة وسار فيها بعدالة ورآسة وأمن تلك الاقطار امنا لا مزيد عليه ومات وفي محبسه نيف وأربعمائة من العربان الرهائن وكان لا يغفل لحظة عن النظر والتدبير في مملكته ويباشر الامور بنفسه ويتنكر ويعس ويتفقد جميع الامور الكلية (2/68)
والجزئية ولا ينام الليل قط فيدور ثلثي الليل ويطوف حول الكعبة الثلث الاخير ولم يزل يتنقل ويطوف حتى يصلي الصبح ثم يتوجه الى داره فينام الى الضحوة ثم يجلس للنظر في الاحكام ولا تأخذه في الله لومة لائم ويقيم الحدود ولو على اقرب الناس اليه فعمرت تلك النواحي وأمنت السبل وخافته العربان واولاد الحرام فكان المسافر يسير بمفرده ليلا في خفارته وبالجملة فكانت أفعاله حميدة وايامه سعيدة لم يأت قبله مثله فيما نعلم ولم يخلفه الا مذمم ولما مات تولى بعده أخوه الشريف غالب وفقه الله وأصلح شأنه
ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين وألف
فكان ابتداؤها المحرم يوم الخميس وفيه زاد اجتهاد اسمعيل بك في البناء عند طرا وأنشأ هناك قلعة بحافة البحر وجعل بها مساكن ومخازن حواصل وأنشأ حيطانا وابراجا وكرانك وابنية ممتدة من القلعة الى الجبل واخرج اليها الجبخانة والذخيرة وغير ذلك
وفي تاسعه سافر عثمان كتخدا عزبان الى اسلامبول بعرضحال بطلب عسكر وأذن باقتطاع مصاريف من الخزينة
وفي رابع عشرينه سافر اسمعيل باشا باش الارنؤد بجماعته ولحقوا بالغلايين والجماعة القبليون متترسون بناحية الصول وعاملون سبعة متاريس والمراكب وصلت الى اول متراس فوجدوهم مالكين مزم الجبل فوقفوا عند اول متراس ومدافعهم تصيب المراكب ومدافع المراكب لا تصيبهم وهم متمنعون بأنفسهم إلى فوق وانخرقت المراكب عدة مرار وطلع مرة من أهل المراكب جماعة أرادوا الكبس على المتراس الاول فخرج عليهم كمين من خلف مزرعة الذرة المزروع فقتل من طائفة المغاربة جماعة وهرب الباقون ونصبت رؤوس القتلى على مزاريق ليراها اهل المراكب (2/69)
وفي سادس عشرينه سافر ايضا عثمان بك الحسني وامتنع ذهاب السفار وايابهم الى الجهة القبلية وانقطع الوارد وشطح سعر الغلة وبلغ النيل غايته في الزيادة واستمر على الاراضي من غير نقص الى آخر شهر بابه القبطي وروى جميع الاراضي
وفي سابع عشرينه حضر سراج من عند القبليين وعلى يده مكاتبات بطلب صلح وعلى انهم يرجعون إلى البلاد التي عينها لهم حسن باشا ويقومون بدفع المال والغلال للميري ويطلقون السبل للمسافرين والتجار فأنهم سئموا من طول المدة ولهم مدة شهور منتظرين اللقاء مع اخصامهم فلم يخرجوا اليهم فلا يكونون سببا لقطع ارزاق الفقراء والمساكين فكتبوا لهم أجوبة للاجابة لمطلوبهم بشرط ارسال رهائن وهم عثمان بك الشرقاوي وابراهيم بك الوالي ومحمد بك الالفي ومصطفى بك الكبير ورجع الرسول بالجواب وصحبته واحد بشلي من طرف الباشا
شهر صفر
في غرته حضر جماعة مجاريح
وفي ثانيه حضر المرسال الذي توجه بالرسالة وصحبته سليمان كاشف من جماعة القبليين والبشلي وآخر من طرف اسمعيل باشا الارنؤدي وأحبروا ان الجماعة لم يرضوا بارسال رهائن ثم أرسلوا لهم على كاشف الجيزة وصحبته رضوان كتخدا باب التفكجية وتلطفوا معهم على أن يرسلوا عثمان بك الشرقاوي وأيوب بك فامتنعوا من ذلك وقالوا من جملة كلامهم لعلمكم تظنون ان طلبنا في الصلح عجزا واننا محصورون وتقولون بينكم في مصر انهم يريدون بطلب الصلح التحليل على التعدية الى البر الغربي حتى يملكوا الاتساع وإذا قصدنا ذلك أي شيء يمنعنا في أي وقت شئنا وحيث كان الامر كذلك فنحن لا نرضى الا من حد أسيوط ولا نرسل رهائن ولا نتجاوز محلنا فلما رجع الجواب بذلك في سابعه أرسل الباشا فرمانا إلى اسمعيل باشا بمحاربتهم فبرزا اليهم بعساكره (2/70)
وجميع العسكر التي بالمراكب وحملوا عليهم حملة واحدة وذلك يوم الجمعة ثامنه فاخلوا لهم وملكوا منهم متراسين فخرج عليهم كمين بعد أن أظهروا الهزيمة فقتل من العسكر جملة كبيرة ثم وقع الحرب بينهم يوم السبت ويوم الاحد واستمرت المدافع تضرب بينهم من الجهتين والحرب قائم بينهم سجالا وكل من الفريقين يعمل الحيل وينصب الشباك على الآخر ويكمن ليلا فيجد الرصد ولم ينفصل بينهم الحرب على شيء
وفي منتصفه شرع اسمعيل بك في عمل تفريدة على البلاد فقرروا على الاعلى عشرين ألف فضة والأوسط خمسة عشر والادنى خمسة آلاف وذلك خلاف حق الطرق وما يتبعها من الكلف وعمل ديوان ذلك في بيت علي بك الدفتردار بحضرة الوجاقلية وكتبت دفاترها وأوراقها في مدة ثلاثة أيام
واستهل شهر ربيع الاول والحال على ما هو عليه وحضر مرسوم من القبليين بطلب الصلح ويطلبون من حد اسيوط إلى فوق شرقا وغربا ولا يرسلون رهائن ووصل ساع من ثغر اسكندرية بالبشارة لاسمعيل كتخدا حسن باشا بولاية مصر وان اليرق والداقم وصل والبقجي والكتخدا وارباب المناصب وصلوا الى الثغر فردهم الريح عندما قربوا من المرساة إلى جهة قبرص فشرع عابدي باشا في نقل متاعه من القلعة ولما حضرالمرسول بطلب الصلح رضي المصرلية بذلك واعادوه بالجواب
وفي رابعه حشر احمد أغا اغات الجملية المعروف بشويكار لتقرير ذلك فعمل عابدي باشا ديوانا اجتمع فيه الامراء والمشايخ والاختيارية وتكلم احمد أغا وقال نأخذ من أسيوط الى قبلي شرقا وغربا بشرط ان ندفع ميري البلاد من المال والغلال ونطلق سراح المراكب والمسافرين بالغلال والاسباب وكذلك أنتم لا تمنعون عنا الواردين بالاحتياجات الا ما كان من آلة الحرب فلكم منعه وبعد أن يتقرر بيننا وبينكم الصلح نكتب عرض محضر منا ومنكم الى الدولة وننظر ما يكون الجواب فان حضر الجواب بالعفو لنا أو تعيين أماكن لنا لا نخالف ذلك ولا تتعدى الاوامر السلطانية (2/71)
بشرط أن ترسلوا لنا الفرمان الذي يأتي بعينه نطلع عليه فأجيبوا الى ذلك كله ورجع احمد اغا بالجواب صبيحة ذلك اليوم صحبة عبدالله جاويش وشهر حوالة والشيخ بدوي من طرف المشايخ وحضر في أثر ذلك مراكب غلال وانحلت الاسعار وتواجدت الغلال بالرقع وكثرت بعد انقشاعهم ثم وصلت الاخبار بان القبليين شرعوا في عمل جسر على البحر من مراكب مرصوصة ممتدة من البر الشرقي إلى البر الغربي وثبتوه وسمروه بمسامير وباطات وثقلوه بمراس واحجار مركوزة بقرار البحر وأظهروا أن ذلك لأجل التعدية ورجعت المراكب وصحبتها العسكر المحاربون واسمعيل باشا الارنؤدي وعثمان بك الحسني والقليونجية وغيرهم وأشيع تقرير الصلح وصحته
وفي عاشره أخبر بعض الناس قاضي العسكر ان بمدفن السلطان الغوري بداخل خزانة في القبة آثار النبي صلى الله عليه و سلم وهي قطعة من قميصه وقطعةعصا وميل فاحضر مباشر الوقف وطلب منه احضار تلك الآثار وعمل لها صندوقا ووضعها في داخل بقجة وضمخها بالطيب ووضعها على كرسي ورفعها على رأس بعض الاتباع وركب القاضي والنائب وصحبته بعض المتعممين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم حتى وصلوا بها الى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في مكانها بالخزانة
وفي يوم الاثنين سابع عشرة حضر شهر حوالة وعبد الله جاويش وأخبروا بانهم لما وصلوا إلى الجماعة تركوهم ستة ايام حتى تمموا شغل الجسر وعدوا عليه البر الغربي ثم طلبوهم فعدوا اليهم وتكلموا معهم وقالوا لهم ان عابدي باشا قرر معنا الصلح على هذه الصورة وتكفل لنا بكامل الأمور ولكن بلغنا في هذه الايام انه معزول من الولاية وكيف يكون معزولا ونعقد معه صلحا هذا لا يكون إلا إذا حضر اليه مقرر أو تولى غيره يكون الكلام معه وكتبوا له جوابات بذلك ورجع به الجماعة المرسلون وأشيع عدم التمام فاضطربت الامور وارتفعت الغلال ثانية (2/72)
وغلا سعرها وشح الخبز من الاسواق
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرة عمل الباشا ديوانا جمع فيه الامراء والمشايخ والاختيارية والقاضي فتكلم الباشا وقال انظروا يا ناس هؤلاء الجماعة ما عرفنا لهم حال ولا دينا ولا قاعدة ولا عهدا ولا عقدا أنا رأينا النصارى إذا تعاقدوا على شيء لا ينقضوه ولا يختلوا عنه بدقيقة وهؤلاء الجماعة كل يوم لهم صلح ونقض وتلاعب واننا اجبناهم الى ما طلبوا وأعطيناهم هذه المملكة العظيمة وهي من ابتداء اسيوط إلى منتهى النيل شرقا وغربا ثم انهم نكثوا ذلك وأرسلوا يحتجون بحجة باردة وإذا كنت انا معزولا فان الذي يتولى بعدي لا ينقض فعلى ولا يبطله ويقولون في جوابهم نحن عصاة وقطاع طريق وحيث اقروا على أنفسهم بذلك وجب قتالهم ام لا فقال القاضي والمشايخ يجب قتالهم بمجرد عصيانهم وخروجهم عن طاعة السلطان فقال إذا كان الامر كذلك فإني اكتب لهم مكاتبة وأقول لهم اما ان ترجعوا وتستقروا على ما وقع عليه الصلح واما أن أجهز لكم عساكر وانفق عليهم من أموالكم ولا أحد يعارضني فيما افعله وألا تركت لكم بلدتكم وسافرت منها ولو من غير أمر الدولة فقالوا جميعا نحن لا نخالف الامر فقال أضع القبض على نسائهم واولادهم ودورهم وأسكن نساءهم وحريمهم في الوكائل وأبيع تعلقاتهم وبلادهم وما تملكه نساؤهم واجمع ذلك جميعه وأنفقه على العسكر وان لم يكف ذلك تممته من مالي فقالوا سمعنا وأطعنا وكتبوا مكاتبة خطابا لهم بذلك وختم عليها الباشا والامراء وأرسلوها
وفي يوم الاحد ثالث عشرينه نزل الاغا ونادى في الأسواق بأن كل من كان عنده وديعة للامراء القبليين يردها لاربابها فان ظهر بعد ثلاثة ايام عند أحد شيء استحق العقوبة وكل ذلك تدبير اسمعيل بك
وفي يوم الثلاثاء حضر هجان وباش سراجين ابراهيم بك وأخبر ان الجماعة عزموا على الارتحال والرجوع وفك الجسر فعمل الباشا ديوانا في صبحها وذكروا المراسلة وضمن الباشا غائلتهم وضمن المشايخ غائلة (2/73)
اسمعيل بك وكتبوا محضرا بذلك وختموا عليه وارسلوه صحبة مصطفى كتخدا باش اختيار عزبان وتحقق رفع الجسر وورود بعض المراكب وانحلت الاسعار قليلا
واستهل شهر ربيع الثاني
فيه حضر شيخ السادات الى بيته الذي عمره بجوار المشهد الحسيني وشرع في عمل المولد واعتنى بذلك ونادوا على الناس بفتح الحوانيت بالليل ووقود القناديل من باب زويلة الى بين القصرين وأحدثوا سيارات وأشاير ومواكب واحمال قناديل ومشاعل وطبولا وزمورا واستمر ذلك خمسة عشر يوما وليلة
وفي يوم الجمعة حضر عابدي باشا باستدعاء الشيخ له فتغدى ببيت الشيخ وصلى الجمعة بالمسجد وخلع على الشيخ وعلى الخطيب ثم ركب إلى قصر العيني
وفي ذلك اليوم وصل ططرى من الديار الرومية وعلى يده مرسومات فعملوا في صبحها ديوانا بقصر العيني وقرئت المرسومات فكان مضمون احدها تقرير العابدي باشا على ولاية مصر والثاني الأمر والحث على حرب الأمراء القبليين وإبعادهم من القطر المصري والثالث بطلب الافرنجي المرهون الى الديار الرومية فلما قرىء ذلك عمل عابدي باشا شنكا ومدافع من القصر والمراكب والقلعة وانكسف بال اسمعيل كتخدا بعد ان حضر اليه المبشر بالمنصب واظهر البشر والعظمة وانفذ المبشرين ليلا الى الاعيان ولم يصبر الى طلوع النهار حتى انه ارسل الى محمد افندي البكري المبشر في خامس ساعة من الليل واعطاه مائة دينار وحضر اليه الامراء والعلماء في صبحها للتهنئة وثبت ذلك عند الخاص والعام ونقل عابدي باشا عزاله وحريمه إلى القلعة
وفي يوم الجمعة ثاني عشرة رجع مصطفى كتخدا من ناحية قبلي وبيده جوابات وأخبر أن ابراهيم بك الكبير ترفع إلى قبلي وصحبته ابراهيم بك (2/74)
الوالي وسليمان بك الاغا وأيوب بك وملخص الجوابات انهم طالبون من حد المنية
وفي يوم الاحد رابع عشره عمل الباشا ديوانا حضره المشايخ والامراء فلم يحصل سوى سفر الافرنجي
وفي أواخره حضر سراج باشا ابراهيم بك وبيده جوابات يطلبون من حد منفلوط فأجيبوا الى ذلك وكتبت لهم جوابات بذلك وسافر السراج المذكور
واستهل شهر جمادى الاولى
في غرته قلدوا غيطاس بك امارة الحج
وفي ثالثه وصل ططريون من البر على طريق دمياط بمكاتبات مضمونها ولاية اسمعيل كتخدا حسن باشا على مصر واخبروا ان حسن باشا دخل الى اسلامبول في ربيع الاول ونقض ما أبرمه وكيل عابدي باشا والبس قابجي كتخدا اسمعيل المذكور بحكم نيابته عنه قفطان المنصب ثالث ربيع الثاني وتعين قابجي الولاية وخرج من اسلامبول بعد خروج الططر بيومين وحضر الططر في مدة ثلاث وعشرين يوما فلما وصل الططر سر اسمعيل كتخدا سرورا عظيما وانقذ المبشرين الى بيوت الاعيان
وفيه ورد الخبر بانتقال الامراء القبليين إلى المنية وسافر رضوان بك الى الموفية وقاسم بك الى الشرقية وعلي بك الحسني الى الغربية
وفي عشرينه جمع اسمعيل بك الامراء والوجاقلية وقال لهم ايا اخواننا ان حسن باشا أرسل يطلب مني باقي الحلوان فمن كان عنده بقية فليحضر بها ويدفعها فأحضروا حسن أفندي شقبون أفندي الديوان وحسبوا الذي طرف اسمعيل بك وجماعته فبلغ ثلثمائة وخمسين كيساوطلع على طرف حسن بك واتباعه نحو اربعمائة كيس وعلى طرف علي بك الدفتردار مائة وستون كيسا وكانوا أرسلوا الى علي بك فلم يأت فقال لهم حسن بك أي شيء هذا العجب والاغراض بلاد علي بك فارسكور وبأرنبال (2/75)
وسرس الليانة حلوانهم قليل وزاد اللغط والكلام فقام من بينهم اسمعيل بك ونزل وركب إلى جزيرة الذهب وكذلك حسن بك خرج الى قبة العزب وعلي بك ذهب الى قصر الجلفي بالشيخ قمر واصبح علي بك وركب الى الباشا ثم رجع الى بيته ثم ان علي بك قال لا بد من تحرير حسابي وما تعاطيته وما صرفته من أيام حسن باشا الى وقتنا وما صرفته على أمير الحج تلك السنة وادعي امير الحج الذي هو محمد بك المبدول ببواقي ووقع على الجداوي فاجتمعو ببيت رضوان كتخدا تابع المجنون وحضر حسن كتخدا علي بك وكيلا عن مخدومه ومصطفى اغا الوكيل وكيلا عن اسمعيل بك وحرروا الحساب فطلع على طرف علي بك ثلاثة وعشرون كيسا وطلع له بواق في البلاد نيف واربعون كيسا
شهر جمادى الاخرة
فيه حضر فرمان من الدولة بنفي اربع اغوات وهم عريف أغا وعلي اغا وادريس اغا واسمعيل اغا فحنق لذلك جوهر اغا دار السعادة وشرع في كتابه مرافعة
وفي عاشره وصل فرمان لاسمعيل كتخدا وخوطب فيه بلفظ الوزارة
وفي يوم الاحد عمل اسمعيل باشا المذكور ديوانا في بتيه بالازبكية وحضر الامراء والمشايخ وقرأوا المكاتبة وفيها الامر بحساب عابدي باشا وبعد انفضاض الديوان امر الروزنامجي والافندية بالذهاب الى عابدي باشا وتحرير حساب الستة اشهر من أول توت الى برمهات لانها مدة اسمعيل باشا وما اخذه زيادة عن عوائده وأخذ منه الضربخانة وسلمها الى خازنداره وقطعوا راتبه من المذبح
وفي عصريتها ارسل الى الوجاقلية والاختيارية فلما حضروا قال لهم اسمعيل باشا بلغني انكم جمعتم ثمانمائة كيس فما صنعتم بها فقالوا دفعناها الى عابدي باشا وصرفها على العسكر فقال لاي شيء قالوا (2/76)
لقتل العدو قال والعدو قتل قالوا لا قال حينئذ إذا احتاج الحال ورجع العدو اطلب منكم كذلك قدرها قالوا ومن اين لنا ذلك قال إذا اطلبوها منه واحفظوها عندكم في باب مستحفظان لوقت الاحتياج
وفيه تواترت الاخبار باستقرار ابراهيم بك بمنفلوط وبنى له بها داراوصحبته ايوب بك واما مراد بك وبقية الصناجق فانهم ترفعوا إلى فوق
وفي يوم الاثنين حضر حسن كتخدا الجربان من الروم وكان اسمعيل بك ارسل يتشفع في حضوره بسعاية محمد اغا البارودي وعلى انه لم يكن من هذه القبيلة لانه مملوك حسن بك ابي كرش وحسن بك مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية ولما حضر اخبر ان الامراء الرهائن ارسلوهم الى شنق قلعة منفيين بسبب مكاتبات وردت من الامراء القبالى الى بعض متكلمين الدولة مثل القزلار وخلافه بالسعي لهم في طلب العفو فلما حضر حسن باشا وبلغه ذلك نفاهم واسقط رواتبهم وكانوا في منزله واعزاز ولهم رواتب وجاميكة لكل شخص خمسمائة قرش في الشهر
وفي عشرينه تحرر حساب عابدي باشا فطلع لاسمعيل باشا نحو ستمائة كيس فتجاوز له عن نصفها ودفع له ثلثمائة كيس وطلع عليه لطرف الميري نحوها أخذوا بها عليه وثيقة وسامحه الامراء من حسابهم معه وهادوه وأكرموه وقدموا له تقادم وأخذ في أسباب الارتحال والسفر وبرز خيامه الى بركة الحج
وفي اواخره ورد الخبر مع السعاة بوصول الاطواخ لاسمعيل باشا واليرق والداقم الى ثغر الاسكندرية
شهر رجب الفرد الحرام استهل بيوم السبت
في ثالثه يوم الاثنين سافر عابدي باشا من البر على طريق الشام الى ديار بكر ليجمع العساكر الى قتال الموسقو وذهب من مصر بأموال عظيمة وسافر صحبته اسمعيل باشا الارنؤدي وابقى اسمعيل باشا من عسكر القليونجية والانؤدية من اختارهم لخدمته واضافهم اليه (2/77)
وفي عاشره وصلت الاطواخ والداقم الى الباشا فابتهج لذلك وأمر بعمل شنك وحراقة ببركة الازبكية وحضر الامراء الى هناك ونصبوا صواري وتعاليق وعملوا حراقة ووقدة ليلتين ثم ركب الباشا في صبح يوم الجمعة وذهب الى مقام الامام الشافعي فزاره ورجع الى قبة العزب خارج باب النصر ونودى في ليلتها على الموكب فلما كان صبح يوم السبت خامس عشره خرج الامراء والوجاقلية والعساكر الرومية والمصرلية واجتمع الناس للفرجة وانتظم الموكب امامه وركب بالشعار القديم وعلى رأسه الطلخان والقفطان الاطلس وامامه السعاة والجاويشية والملازمون وخلفه النوبة التركية وركب امامه جميع الأمراء بالشعار والبيلشانات بزينتهم ونظامهم القديم المعتاد وشق القاهرة في موكب عظيم ولما طلع الى القلعة ضرب له المدافع من الابراج وكان ذلك اليوم متراكم الغيوم وسح المطر من وقت ركوبه الى وقت جلوسه بالقلعة حتى ابتلت ملابسه وملابس الامراء والعسكر وحوائجهم وهم مستبشرون بذلك وكان ذلك اليوم خامس برمودة القبطي
وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وطلع الامراء والمشايخ وطلع الجم الكثير من الفقهاء ظانين وطامعين في الخلع فلما قرىء التقرير في الديوان الداخل خلع على الشيخ العروسي والشيخ البكري والشيخ الحريري والشيخ الأمير والامراء الكبار فقط ثم ان اسمعيل بك التفت الى المشايخ الحاضرين وقال تفضلوا يا أسيادنا حصلت البركة فقاموا وخرجوا
وفي يوم الخميس عشرينه امر الباشا المحتسب بعمل تسعيرة وتنقيص الاسعار فنقضوا سعر اللحم نصفه فضة وجعلوا الضاني بستة انصاف والجاموسي بخمسة فشح وجوده بالاسواق وصاروا يبيعونه خفية بالزيادة ونزل سعر الاردب الغلة الى ثلاثة ريال ونصف بعد تسعة ونصف
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه ورد مرسوم من الدولة فعمل الباشا الديوان في ذلك وقرأوه وفيه الأمر بقراءة صحيح البخاري بالازهر (2/78)
والدعاء بالنصر للسلطان على الموسقو فانهم تغلبوا واستولوا على قلاع ومدن عظيمة من مدن المسلمين وكذلك يدعون له بعد الاذان في كل وقت وأمر الباشا بتقرير عشرة من المشايخ من المذاهب الثلاثة يقرأون البخاري في كل يوم ورتب لهم في كل يوم مائتين نصف فضة لكل مدرس عشرون نصفا من الضربخانة ووعدهم بتقريرها لهم على الدوام بفرمان
وفيه شرع الباشا في تبييض حيطان الجامع الازهر بالنورة والمغرة
وفي يوم الاحد حضر الشيخ العروسي والمشايخ وجلسوا في القبلة القديمة جلوسا عاما وقرأوا اجزاء من البخارى واستداموا على ذلك بقية الجمعة وقرر اسمعيل بك ايضا عشرة من الفقهاء كذلك يقرأون ايضا البخاري نظير لعشرة الاولى وحضر الصناع وشرعوا في البياض والدهان وجلاء الاعمدة وبطل ذلك الترتيب
شهر شعبان المكرم
في ثانيه نودي بأبطال التعامل بالزيوف المغشوشة والذهب الناقص وان الصيارفة يتخدون لهم مقصات يقطعون بها الدراهم الفضة المنحسة وكذلك الذهب المغشوش الخارج وإذا كان الدينار ينقص ثلاثة قراريط يكون بطالا ولا يتعامل به وانما يباع لليهود الموردين بسعر المصاغ الى دار الضرب ليعاد جديدا فلم يمتثل الناس لهذا الامر ولم يوافقوا عليه واستمروا على التعامل بذلك في المبيعات وغيرها لان غالب الذهب على هذا النقص واكثر وإذا بيع على سعر المصاغ خسروا فيه قريبا من النصف فلم يسهل بهم ذلك ومشوا على ما هم عليه مصطلحون فيما بينهم
وفي أوائله ايضا تواترت الاخبار بموت السلطان عبد الحميد حادي عشر رجب وجلوس ابن أخيه السلطان مصطفى مكانه وهو السلطان سليم خان وعمره نحو الثلاثين سنة وورد في أثر الاشاعة صحبة التجار والمسافرين دراهم وعليها اسمه وطرته ودعى له في الخطبة اول جمعة في شعبان المذكور (2/79)
وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر علي بك الدفتردار من ناحية دجوة وسبب ذهابه اليها ان اولاد حبيب قتلوا عبد العلي بك بمنية عفيف بسبب حادثة هناك وكان ذلك العبد موصوفا بالشجاعة والفروسية فعز ذلك على علي بك فأخذ فرمانا من الباشا بركوبه على أولاد حبيب وتخريب بلدهم ونزل اليهم وصحبته باكير بك ومحمد بك المبدول وعندما علم الحبايبة بذلك وزعوا متاعهم وارتحلوا من البلد وذهبوا الى الجزيرة فلما وصل علي بك ومن معه الى دجوة لم يجدوا احدا ووجدوا دورهم خالية فأمروا بهدمها فهدموا مجالسهم ومقاعدهم وأوقدوا فيها النار وعملوا فردة على أهل البلد وما حولها من البلاد وطلبوا منهم كلفا وحق طرق وتفحصوا على ودائعهم وامانتهم وغلالهم في جيرة البلاد مثل طحلة وغيرها فأخذوها وأحاطوا بزرعهم وما وجدوه بالنواحي من بهائمهم ومواشيهم ثم تداركوا أمرهم وصالحوه بسعي الوسائط بدراهم ودفعوها ورجعوا الى وطنهم ولكن بعد خرابها وهدمها
وفيه ارسل الباشا سلحداره بخطاب للامراء القبالي يطلب منهم الغلال والمال الميري حكم الاتفاق
واستهل شهر رمضان وشوال
في رابعه وصل الى مصر أغا معين باجراء السكة والخطبة باسم السلطان سليم شاه فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم الوارد بذلك بحضرة الجمع والسبب في تأخيره لهذا الوقت الاهتمام بأمر السفر واشتغال رجال الدولة بالعزل والتولية وورد الخبر ايضا بعزل حسن باشامن رياسة البحر الى رياسة البر وتقلدا الصدارة وتولى عوضه قبطان باشا حسين الجردلي وأخبروا ايضا بقتل بستحي باشا
وفي أوائله أيضا فتحوا ميري سنة خمسة مقدمة بعجلة
وفي أواخره حضر عثمان كتخدا عزبان من الديار الرومية وبيده أوامر وفيها الحث على محاربة الامراء القبالي والخطاب للوجاقلية وباقي الامراء (2/80)
بان يكونوا مع اسمعيل بك بالمساعدة والاذن لهم بصرف ما يلزم صرفه من الخزينة مع تشهيل الخزينة للدولة
وفي عاشره وصل ططري وعلى يده اوامر منها حسن عيار المعاملة من الذهب والفضة وأن يكون عيار الذهب المصري تسعة عشر قيراطا ويصرف بمائة وعشرين نصفا بنقص أربعة انصاف عن الواقع في الصرف بين الناس ولاسلامبولي بمائة وأربعين وينقص عشر والفندقلي بمائتين بنقص خمسة والريال الفرانسة بمائة بنقص خمسة ايضا والمغربي بخمسةوتسعين بنقص خمسة ايضا وهو المعروف بأبي مدفع والبندقي بمائتين وعشر بنقص خمسة عشر فنزل الاغا والوالي ونادى بذلك فخسر الناس حصة من أموالهم
وفي غايته خرج أمير الحاج غيطاس بك بالمحمل وركب الحجاج
وفي منتصف شهر القعدة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك اذرع الوفاء ونزل الباشا الى فم الخليج وكسر السد بحضرته على العادة وانقضى هذا العام بحوادثه وحصل في هذه السنة الازدلاف وتداخل العام الهلالي في الخراجي ففتحوا طلب المال الخراجي القابل قبل أوانه لضرورة الاحتياج وضيق الوار بتعطيل الجهة القبلية واستيلاء الامراء الخارجين عليها ووجه اسمعيل بك الطلب من أول السنة بباقي الحلوان الذي قرره حسن باشا ثم المال الشتوي ثم الصيفي وفي اثناء ذلك المطالبة بالفرد المتوالية المقرر على البلاد من الملتزمين ووجه على الناس قباح الرسل والمعينين من السراجين والدلاة وعسكر القليونجية فيدهمون الانسان ويدخلون عليه في بيته مثل التجريدة الخمسة والعشرة بأيديهم البنادق والاسلحة بوجوه عابسة فيشاغلهم ويلاطفهم ويلين خواطرهم بالاكرام فلا يزدادون الا قسوة وفظاظة فيعدهم على وقت آخر فيسمعونه قبيح القول ويشتطون في أجرة طريقهم وربما لم يجدوا صاحب الدار أو يكون مسافرا فيدخلون الدار وليس فيها الا النساء ويحصل منهم مالا خير فيه من الهجوم عليهن وربما نططن من الحيطان او هربن (2/81)
الى بيوت الجيران وسافر رضوان بك قرابة علي بك الكبير الى المنوفية وانزل بها كل بلية وعسف بالقرى عسفا عينفا قبيحا بأخذ البلص والتساوين وطلب الكلف الخارجة عن المعقول إلى ان وصل الى رشيد ثم رجع لاى مولد السيد البدوي بطندتا ثم عاد وفي كل مرة من مروره يستأنف العسف والجور وكذلك قاسم بك بالشرقية وعلي بك الحسني بالغربية وقلد اسمعيل بك مصطفى كاشف المرابط بقلعة طرا فعسف بالمسافرين الذاهبين والايبين الى جهة قبلي فلا تمر عليه سفينة صاعدة او منحدرة الا طلبها اليه وأمر باخراج ما فيها وتفتيشها بحجة أخذهم الاحتياجات للأمراء القبليين من الثياب وغيرها او ارسالهم اشياء او دراهم لبيوتهم فان وجد بالسفينة شيئا من ذلك نهب ما فيها من مال المسافرين والمتسببين وأخذه عن آخره وقبض عليهم وعلى الريس وحبسهم ونكل بهم ولا يطلقهم الا بمصلحة وان لم يجد شيئا فيه شبهة أخذ من السفينة ما اختاره وحجزهم فلا يطلقهم الا بمال يأخذه منهم وتحقق الناس فعله فصانعوه ابتداء تقية لشره وحفظا لمالهم ومتاعهم فكان الذي يريد السفر الى قبلي بتجارة او متاع يذهب اليه ببعض الوسائط ويصالحه بما يطيب به خاطره ويمر بسلام فلا يعرض له وكذلك الواصلون من قبلي يأتون طائعين إلى تحت القلعة ويطلع اليه الريس والمسافرون فيصالحونه وعلم الناس هذه القاعدة واتبعوها وارتاحوا عليها في الجملة واستعوضوا الخسارة من غلو الاثمان وكذلك فعل نساء سائر الامراء القبليين وهادينه وارشونه عن ارسالهن الى ازواجهن من الملابس والامتعة سراحتى كانوا في الاخر يرسلن اليه ما يرمن ارساله وهو يرسله بمعرفته وتأتي اجوبتهم على يده الى بيوتهن خفية واتخذ له يدا وجميلا وطوقهم منته بذلك وشاع في بلاد الارنؤد وجبال الروملي رغبة اسمعيل بك في العساكر فوفدوا عليه باشكالهم المختلفة وطباعهم المنحرفة وعدم أديانهم وانعكاس أوضاعهم فأسكن منهم طائفة بالجيزة وطائفة ببولاق وطائفة بمصر العتيقة (2/82)
واجرى عليهم النفقات والعلوفات وجلب له الياسيرجية المماليك فاشترى منهم عدة وافرة منهم عدة وافرة وأكثرهم عزق ومشنبون واجناس غير معهودة واستعملهم من أول وهلة في الفروسية ولم يدربهم في آداب ولا معرفة دين ولا كتاب كل ذلك حرصا على مقاومة الاعداء وتكثير الجيش وتابع ارسال الهدايا والاموال والتحف الى الدولة واحضر السروجية والصواع والعقادين فصنعوا ستة سروج للسلطان واولاده وذلك قبل موت السلطان عبد الحميد على طريقه وضع سروج المصريين بعبايات مزركشة وهي مع السرج والقصعة والقربوص مرصعة بالجواهر والبروق والذهب والركابات واللجامات والبلامات والشماريخ والسلاسل كلها من الذهب البندقي الكسر والرأس والرشمات كلها من الحرير المصنوع بالمخيش وسلوك الذهب وشماريخ المرجان والزمرد وجميع الشراريب من القصب المخيش وبها تعاليق المرجان والمعادن صناعة بديعة كلفة ثمينة أقاموا في صناعة ذلك عدة أيام ببيت محمد اغا البارودي واشترى كثيرا من الاواني والقدور الصيني الاسكي معدن وملأها بأنواع الشربات المصنوع من السكر المكرر كشراب البنفسج والورد والحماض والصندل المطيب بالمسك والعنبر وماءالورد والمربيات الهندية مثل مربي القرنفل وجوزبوا والبسباسة والزنجبيل والكابلي وأرسل ذلك مع الخزينة بالبحر صحبة عثمان كتخدا عزبان ومعها عدة خيول من الجياد واقمشة هندية وعود وعنبر وظرائف وارزوبن وأفاويه وماء الورد المكرر وغير ذلك ولم يتفق لاحد فيما تقدم من أمراء مصر أرسل مثل ذلك ولم نسمع به ولم نره في تاريخ فان نهاية ما رأينا ان الاشربة يضعونها في ظروف من الفخار التي قيمة الظرف منها خمسة انصاف او عشرة حتى الذي يأتي من اسلامبول لخصوص السلطان واما هذه فأقل ما فيها يساوي مائة دينار واكثر من ذلك
ومات في هذه السنة العلامة الماهر الحيسوب الفلكي ابو الاتقان الشيخ مصطفى الخياط صناعة ادرك الطبقة الاولى من ارباب الفن مثل (2/83)
رضوان افندي ويوسف الكلارجي والشيخ محمد النشيلي والكرتلي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد الغمري والشيخ الوالد حسن الجبرتي واخذ عنهم وتلقى منهم ومهر في الحساب والتقويم وحل الأزياج والتحاويل والحل والتركيب وتحاويل السنين وتداخل التواريخ الخمسة واستخراج بعضها من بعض وتواقيعها وكبائسها وبسائطها ومواسمها ودلائل الاحكام والمناظرات ومظنات الكسوف والخسوف واستخراج اوقاتها ودقائقها مع الضبط والتحرير وصحة الحدس وعدم الخطأ واقر له اشياخه ومعاصروه بالاتقان والمعرفة وانفرد بعد اشياخه ووفد عليه طلاب الفن وتلقوا عنه وانجبوا واجلهم عصرينا وشيخنا العلامة المتقن الشيخ عثمان ابن سالم الورداني اطال الله بقاءه ونفع به ولازم المترجم المرحوم الوالد مدة مديدة وتلقى عنه وحج معه في سنة ثلاث وخمسين ومائة والف وسمعته يقول عنه الشيخ مصطفى فريد عصره في الحسابيات والشيخ محمد النشيلي في الرسميات وحسن افندي قطه مسكين في دلائل الاحكام وكان يستخرج في كل عام دستور السنة من مقومات السيارة ومواقع التواريخ وتواقيع القبط والمواسم والاهلة ويعرب السنة الشمسية لنفع العامة وينقل منها نسخا كثيرة يتناولها لخاص والعام يعلمون منها الاهلة واوائل الشهور العربية والقبطية والرومية والعبرانية والتواقيع والمواسم وتحاويل البروج وغير ذلك والتمس منه الاستاذ سيدي ابو الامداد احمد بن وفا تحريك الكواكب الثابته لغاية سنة ثمانين ومائة والف فأجابه إلى ذلك واشتغل به أشهرا حتى أتم حساب أطولها وعروضها وجهاتها ودرجات ممرها ومطالع غروبها وشروقها وتوسطها وأبعادها ومواضعها بأفق عرض مصر بغاية التحقيق والتدقيق على أصول الرصد الجديد السمرقندي وقام له الاستاذ باوده ومصرفه ولوازم عياله مدة اشتغاله بذلك واجازه على ذلك اجازة سنية (2/84)
ومات سلطان الزمان السلطان عبد الحميد بن احمد خان وتولى بعده ابن أخيه السلطان سليم بن مصطفى وفقه الله تعالى آمين
ودخلت سنة اربع ومائتين والف
في المحرم وصلت الاخبار بأن الموسقو أغاروا على عدة قلاع ومسالك اسلامية منها جهات الاوزي وكانت تغل على اسلامبول كالصعيد على مصر وان اسلامبول واقع بها غلاء عظيم
وفي أواخره حضر واحد أغا وبيده مرسومات بسبب الامراء القبليين بانهم ان كانوا تعدوا الجهات التي صالحوا عليها حسن باشا ولم يدفعوا المال ولا الغلال فلازم من محاربتهم ومقاتلتهم وان لم يمتثلوا يخرجوا اليهم ويقاتلوهم فان السلطان اقسم بالله أنه يزيل الفريقين ولا يقبل عذرهم في التأخير فقرأوا تلك المرسومات في الديوان ثم أرسلوها مع مكاتبات صحبة واحد مصرلي وآخر من طرف الاغا القادم بها واخر من طرف الباشا
وفي أوائل ربيع الاول رجع الرسل بجوابات من الامراء القبليين ملخصها أنهم لم يتعدوا ما حددوه مع حسن باشا الا بأوامر من عابدي باشا فأنه حدد لنا من منفلوط ثم اسمعيل بك بنى حاجزا وقلاعا وأسوارا بطرا وذلك دليل وقرينة على أن ما وراء ذلك يكون لنا وانه اختص بالاقاليم البحرية وترك لنا الاقاليم القبلية ولا مزية للامراء الكائنين بمصر علينا فانه يجمعنا واياهم أصل واحد وجنس واحد وان كنا ظلمة فهم أظلم منا واما الغلال والمال فأننا أرسلنا لهم جانب غلال فلم ترجع المراكب التي ارسلناها ثانيا فيرسلوا لنا مراكب ونحن نبيعها ونرسلها وذكروا ايضا أنهم ارسلوا صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا إلى اسلامبول ونحن في انتظار رجوعه بالجواب فعند رجوعه يكون العمل بمقتضى ما يأتي به من المرسومات ولا نخالف أمر السلطان (2/85)
وفي شهر جمادى الاولى وردت اخبار بعزل وزير الدولة وشيخ الاسلام وأغات الينكجرية ونفيهم وان حسن باشا تولى الصدارة وهو بالسفر وانه محصور بمكان يقال له اسمعيل لان الموسقو أغاروا على ما وراء اسمعيل واخذوا ما بعده من البلاد ثم انه هادن الموسقو وصالحهم على خمسة أشهر الى خروج الشتاء وأن السلطان أحضر الامراء المصرلية الرهائن المنفيين بقلعة ليميا وهم عبد الرحمن بك الابراهيمي وعثمان بك المرادي وسليمان كاشف وأما حسين بك فانه مات بليميا ولما حضروا انزلوهم في قناقات وعين لهم رواتب ويحضرهم السلطان في بعض الاحيان الى الميدان ويعملوا رماحة بالخيول وهو ينظر اليهم ويعجبه ذلك ويعطيهم انعاما وورد الخبر ايضا أن صالح أغا وصل إلى اسلامبول فصالح على الامراء القبالي وتم الامر بواسطة نعمان افندي منجم باشا ومحمود بك وأرسلوا بالاوراق الى حسن باشا فحنق لذلك ولم يمضه وانحرف علي نعمان افندي ومحمود بك وأمر بعزلهما من مناصبهما ونفيهما واخراجهما من دار السلطنة فنفى نعمان افندي الىاماسيه ومحمود بك إلى جهة قريبة من اسلامبول وشاط طبيخهم وسافر صالح اغا من اسلامبول
وفي شهر شعبان ورد الخبر بموت حسن باشا وكان موته في منتصف رجب وكأنه مات مقهورا من الموسقو
وفي ثاني عشر رمضان حصل زلزلة لطيفة في ساس ساعة من الليل
وفيه ايضا وصل ثلاثة اشخاص من الديار الرومية فأخذوا ودائع كانت لحسن باشا بمصر فتسلموها ممن كانت تحت أيديهم ورجعوا
وفي ليلة الجمعة ثالث عشر شوال قبل الفجر احترق بيت اسمعيل بك عن آخره
وفي خامس عشرينه عزل حسن كتخدا المحتسب من الحسبة وقلدوها رضوان أغا محرم من وجاق الجاويشية فأنهى حسن أغا انه كان متكفلا (2/86)
بجراية الجامع الأزهر فان كان المتولي يتكفل بها مثله استمر فيها والا ردوا له المنصب وهو يقوم بها للمجاورين كما كان فلما قالوا لرضوان اغا ذلك فلم يسمعه الا القيام بذلك وهي دسيسة شيطانية لا أصل فان اخبار الجامع الأزهر لها جهات بعضها معطل والناظر عليه علي بك الدفتردار وحسن اغا كتخداه يصل ويقطع من أي جهة أراد من الميري او من خلافه فدس هذه الدسيسة يريد بها تعجيز المتولي ليرجع اليه المنصب ومعلوم ان المتولي لم يتقلد ذلك الا برشوة دفعها ويلزم من نزوله عنها ضياع غرامته وجرسته بين اقرانه فما وسعه الا القيام بذلك وفردها على مظالم الحسبة التي يأخذها من السوقة ويدفعها للخباز يصنع بها خبزا للمجاورين والمنقطعين في طلب العلم ليكون قوتهم وطعامهم من الظلم والسحت المكرر وذلك نحو خمسة آلاف نصف فضة في كل يوم واشتهر ذلك وعلمه العلماء والمجاوزون وغيرهم وربما طالبوه بالمنكسر أو اعتذروا بقولهم الضرورات تبيح المحظورات
وفي ليلة السبت ثالث شهر الحجة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل أذرعه وكسر السد بحضرة الباشا والامراء على العادة وجرى الماء في الخليج
وفيه وقعت واقعة بين عسكر القليونجية والارنؤدية بسوق السلاح وقتل بينهم جماعة من الفريقين ثم تحزبوا احزابا فكان كل من واجه حزبا من الطائفة الاخرى او انفرد ببعض منها قتلوه ووقع بينهم مالا خير فيه وداخل الناس الخوف من ذلك فيكون الانسان مارا بالطريق فلا يشعر الا وكرشه وطائفة مقبلة وبأيديهم البنادق والرصاص وهم قاصدون طائفة من أخصامهم بلغهم انهم في طريق من الطرق واستمر هذا الامر بينهم نحو خمسة ايام ثم ادرك القضية اسمعيل بك وصالحهم
وفي أواخره حضر جماعة من الأرنؤد الى بيت محمد أغا البارودي وقبضوا منه مبلغ دراهم من علوفتهم ونزلوا عند الخليج المرخم وازدحموا (2/87)
في المركب فانقلبت بهم وغرق منهم نحو ستة انفار وقيل تسعة وطلع من طلع في أسوأ حال
ذكر من مات في هذه السنة
ومات في هذه السنة العلامة الرحلة الفهامة الفقيه المحدث المفسر المحقق المتبحر الصوفي الصالح الشيخ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الشافعي الأزهري المعروف بالجمل ويعرف أبوه وجده بشننت ولد بمنية عجيل أحدى قرى الغربية وورد مصر ولازم الشيخ الحفني فشملته بركته وأخذ عنه طريق الخلوتية ولقنه الاسماء وأذن له واستخلفه وتفقه عليه وعلى غيره من فضلاء العصر مثل للشيخ عطية الاجهوري ولازم دروسه كثيرا واشتهر بالصلاح وعفة النفس ونوه الشيخ الحفني بشأنه وجعله اماما وخطيبا بالمسجد الملاصق لمنزله على الخليج ودرس بالاشرفيه والمشهد الحسيني في الفقه والحديث والتفسير وكثرت عليه الطلبة وضبطت من املائه وتقريراته وقرأ المواهب والشمائل وصحيح البخاري وتفسير الجلالين بالمشهد الحسيني بين المغرب والعشاء وحضره أكبر الطلبة ولم يتزوج وفي آخر امره تقشف في ملبسه ولبس كساء صوف وعمامة صوف وطيلسانا كذلك واشتهر بالزهد والصلاح ويتردد كثيرا لزيارات المشايخ والاولياء ولم يزل على حاله حتى توفي في حادي عشر القعدة من السنة
ومات الامام الفاضل العلامة الصالح المتجرد القانع الصوفي الشيخ علي ابن عمر بن احمد بن عمر بن ناجي بن فنيش العوني الميهي الشافعي الضرير نزيل طندتا ولد بالميه إحدى قرى مصر وأول من قدمها جده فنيش وكان مجذوبا من بني العونة العرب المشهورين بالبحيرة فتزوج بها وحفظ المترجم القرآن وقدم الجامع الازهر وجوده على بعض القراء واشتغل بالعلم على مشايخ عصره ونزل طندتا فتديرها ودرس العلم (2/88)
بالمسجد المجاور وللمقام الاحمدي وانتفع به الطلبة وآل به الآمر الى أن صار شيخ العلماء هناك وتعلم عليه غالب من بالبلد علم التجويد وهو فقيه مجود ماهر حسن التقرير جيد الحافظة يحفظ كثيرا من النقول الغريبة وفيه أنس وتواضع وتقشف وانكسار وورد مصر في المحرم من هذه السنة ثم عاد الى طندتا وتوفي في ثاني عشر ربيع الاول من السنة ولم يتعلل كثيرا ودفن بجانب قبر سيدي مرزوق من اولاد غازي في مقام مبنى عليه رحمه الله تعالى
ومات الفاضل النحرير الذي وقف الادب عند بابه ولاذت اربابه باعتابه النبيه النبيل واللوذعي الجليل قاسم بن عطاء الله المصري الاديب ولد بمصر وبها نشأ وقرأ في الفنون على بعض أهل عصره وحفظ الملحة والالفية وغيرهما واشتهر بفن الادب والتوشيح والزجل وكان يعرف اولا بالزجال ايضا لاتقانه فيه وصار وحيد عصره في هذه الفنون بحيث لا يجاريه أحد مع ما لديه من الارتجال في الشعر مع غاية الحسن وأما في فن التاريخ فاليه المنتهى مع السلاسة والتناسب وعدم التكلف فيه
ومات الخواجا المعظم والناخودة المكرم الحاج احمد أغا بن ملا مصطفى الملطيلي كان من أعيان التجار المشهورين وأرباب أهل الوجاهة المعتبرين عمدة في بابه عدة لاحبابه ومن يلوز بجنابه وينتمي لسدته وأعتابه محتشما في نفسه مبجلا بين أبناء جنسه توفي يوم الاربعاء ثاني عشرين القعدة ولم يخلف بعده مثله
ومات صاحبنا النبيه المفوه الفصيح المتكلم الكاتب المنشيء حسين ابن محمد المعروف بدرب الشمسي وهو أحد أخوة حسن افندي من بيت المجد والرياسة والشرف والفضيلة وكان من نوادر العصر في لفصاحة واستحضار المسائل الغربية والنكات والفوائد الفقهية والطبية وعنده حرص على صيد الشوارد وأدرك بمصر أوقاتا ولذات في الايام السابقة قبل أن يخرجهم علي بك من مصر في سنة اثنتين وثمانين ونفيهم الى الحجاز (2/89)
وبعد رجوعهم في سنة سبع وثمانين ولكن دون ذلك ولم يزل يرفل في حلل السيادة حتى تعلل نحو عشرين يوما وتوفي في شهر رمضان من السنة وصلى عليه بمصلى ايوب بك ودفن عند اسلافه وخلفه من بعده ابنه حسن جربجي الموجود الان بارك الله فيه ورحم سلفه
ومات العمدة المفضل والملاد المبجل الشيخ عبد الجواد بن محمد ابن عبد الجواد الأنصاري الجرجاوي الخير المكرم الجواد من بيت الثروة والفضل جدوده مالكية فتحنف كان من أهل المآثر في اكرام الضيوف والوافدين وله حسن توجه مع الله تعالى وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والاحزاب ووردة مصر مرارا وفي آخره انتقل اليها بعياله واشترى منزلا واسعا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد في دروس العلماء مع اكرامهم له ثم توجه الى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامير المبجل صالح فندي كاتب وجاق التفجية وهو من مماليك ابراهيم كتخدا القازدغلي نشأ من صغره في صلاح وعفة وحبب اليه القراءة وتجويد الخط فجوده على حسن افندي الضيائي والانيس وغيرهما حتى مهر فيه وأجازوه على طريقتهم واصطلاحهم واقتنى كتبا كثيرة وكان منزله مأوى ذوي الفضائل والمعارف وله اعتقاد حسن وحب في المرحوم الوالد ولا ينقطع عن زيارته في كل جمعة مرة او مرتين وكان مترهفا في مأكله وملبسه معتبرا في ذاته وجيها منور الوجه والشيبة له من اسمه نصيب وعنده حزم ومماليكه أحمد ومصطفى تمرض نحو سنة وعجز عن ركوب الخيل وصار يركب حمارا عاليا ويستند على اتباعه ولم يزل حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى وأنقضت هذه السنة (2/90)
واستهلت سنة خمس ومائتين وألف
في حادي عشر المحرم ورد أغا وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فعملوا له موكبا وطلع إلى القلعة وقرىء المقرر بحضرة الجمع وضربوا له مدافع
وفي ذلك اليوم قبض اسمعيل بك على المعلم يوسف كساب معلم الدواوين وأمر بتغريقه في بحر النيل
وفي صبحها نفوا صالحا أغا أغات الارنؤد قيل ان السبب في ذلك انه تواطأ مع الامراء القبالي بواسطة المعلم يوسف المذكور على انه يملكهم المراكب الرومية والقلاع التي بناحية طرا والجيزة وعملوا له مبلغا من المال التزم به الذمي يوسف وكتب على نفسه تمسكا بذلك
وفيه كثر تعدى أحمد أغا الوالي علىأهل الحسينية وتكرر قبضه وايذاؤه لاناس منهم بالحبس والضرب واخذ المال بل ونهب بعض البيوت وأرسل في يوم الجمعة ثاني عشرينه أعوانه بطلب أحمد سالم الجزار شيخ طائفة البيومية وله كلمة وصولة بتلك الدائرة وأرادوا القبض عليه فثارت طوائفه على أتباع الوالي ومنعوه منهم وتحركت حميتهم عند ذلك وتجمعوا وانضم اليهم جمع كثير من أهل تلك النواحي وغيرها وأغلقوا الأسواق والدكاكين وحضروا الى الجامع الازهر ومعهم طبول وقفلوا ابواب الجامع وصعدوا على المنارات وهم يصرخون ويصيحون ويضربون على الطبول وأبطلوا الدروس فقال لهم الشيخ العروسي أنا أذهب الى اسمعيل بك في هذا الوقت وأكلمه في عزل الوالي وتخلص منهم بذلك وذهب إلى اسمعيل بك فاعتذر بأن الوالي ليس من جماعته بل هو من جماعة حسن بك الجداوي وأمر بعض اتباعه بالذهاب اليه واخباره بجمع الناس والمشايخ وطلبهم عزل الوالي فلم يرض بذلك (2/91)
وقال ان كان أنا أعزل الوالي تابعي يعزل هو الاخر الاغا تابعه ويعزل رضوان كتخدا المجنون من المقاطعة ويرفع مصطفى كاشف من طرا ويطرد عسكر القليونجية والارنؤد وترددت بينهم الرسل بذلك ثم ركب حسن بك وخرج الى ناحية العادلية مثل المغضب وصار أحمد أغا الوالي يركب بجماعة كثيرة ويشق من المدينة ليغيظ العامة وكذلك يجمع من العامة خلائق كثيرة ووقع بينه وبينهم بعض مناوشات في مروره وانجرح بينهم جماعة وقتل شخصان ثم ركب المشايخ وذهبوا الى بيت محمد افندي البكري وحضر هناك اسمعيل بك وطيب خاطرهم والتزم لهم بعزل الوالي ومر الوالي في ذلك الوقت على بيت الشيخ البكري وكثير من العامة مجتمع هناك ففزع فيهم بالسيف وفرق جمعهم وسار من بينهم وذهب في طريقه ثم زاد الحال وكثرت غوغاء الناس ومشوا طوائف يأمرون بغلق الدكاكين واجتمع بالأزهر الكثير منهم واستمرت هذه القضية الى يوم الثلاثاء ثالث صفر ثم طلع اسمعيل بك والامراء الى القلعة واصطلحوا على عزل الوالي والآغا وجعلوهما صنجقين وقلدوا خلافهما الاغا من طرف اسمعيل بك والوالي من طرف حسن بك ونزل الوالي الجديد من الديوان إلى الازهر وقابل المشايخ الحاضرين واسترضاهم ثم ركب الى بيته وانفض الجمع وكأنها طلعت بأيديهم والذي كان راكب حمارا ركب فرسا
وفي ليلة الجمعة خامس شهر صفر غيمت السماء غيما مطبقا وسحت امطار غزيرة كأفواه القرب مع رعد شديد الصوت وبرق متتابع متصل قوي اللمعان يخطف بالابصار مستديم الاشتعال واستمر ذلك بطول ليلة الجمعة ويوم الجمعة والامطار نازلة حتى سقطت الدور القديمة على الناس ونزلت السيول من الجبل حتى ملأت الصحراء وخارج باب النصر وهدمت التراب وخسف القبور وصادف ذلك اليوم دخول الحجاج الى المدينة فحصل لهم غاية المشقة وأخذ السيل صيوان أمير الحاج بما فيه وانحدر به من الحصوة (2/92)
الى بركة الحج وكذلك خيام الامراء وغيرهم وسالت السيول من باب النصر ودخلت البلد وامتلأت الوكائل بالمياه وكذلك جامع الحاكم وقتلت اناس في حواصل الخانات وصار خارج باب النصر بركة عظيمة متلاطمة بالامواج وانهدم من دور الحسينية أكثر من النصف وكان امرا مهولا جدا
وفيه حصل ايضا كائنة عبد الوهاب افندي بشناق الواعظ وذلك انه مات رجل من البشانقة من أهل بلده وكان قد جعله وصيا على تركته فاستولى عليها واستأصلها وكان للرجل المتوفي شركة بناحية الاسكندرية فسافر المذكور الى الاسكندرية وحاز باقي التركة ايضا ورجع الى مصر وحضر الوارث وطالبه بتركة مورثه فأظهر له شيئا نزرا فذهب الوارث الى القاضي فدعاه القاضي وكلمه في ذلك فقال له انا وصي مختار وأنا مصدق وليس عندي عندي خلاف ما سلمته له فقال له القاضي انه يدعى عليك بكذا وكذا وعنده اثبات ذلك وطال بينهما الكلام وتطاول على القاضي واستجهله فطلع القاضي الى الباشا وشكا له فأمر باحضاره فحضر في جمع الديوان وناقشوه فلم يتزلزل عن عناده الى أن نسب الكل الى الانحراف عن الحق فحنق الباشا منه وأمر برفعه من المجلس فقبضوا عليه وجروه وضربوه ورموا بتاجه الى الأرض وحبسوه في مكان وصادف ايضا ورود مكتوب من ناحية المدينة من مفتيها كان أرسله المذكور اليه لسبب من الاسباب وذكر فيه الباشا بقوله التعيس الحربي وكذلك الامراء بنحو ذلك فأرسله المفتي وأعاده على يد بعض الناس الى اسمعيل بك حقدا منه عليه لكراهة خفية بينهما سابقة وأوصلة اسمعيل بك ايضا الى الباشا فازداد غيظا وأرعد وابرق وأحضر بشناق افندي من محبسه وقت القائلة وأراه ذلك المكتوب فسقط في يده واعتذر فلطمه على وجهه ونتف لحيته وأراد أن يضربه بخنجره فشفع فيه أكابر أتباعه ثم أخذوه وسجنوه وامر بمحاسبته على ما أخذه من التركة فحوسب وطولب وبقي بالحبس حتى وفي ما طلع عليه وشفع فيه علي بك الدفتردار وخلصه من الترسيم (2/93)
وفي أواخر صفر قلدوا أحمد بك الوالي المذكور كشوفية الدقهلية وعثمان بك الحسني الغربية وشاهين بك شرقي بلبيس وعلي بك جركس المنوفية وصار جماعة أحمد بك واتباعه عند سفرهم يخطفون دواب الناس من الاسواق وخيول الطواحين ولما سرحوا في البلاد حصل منهم مالا خير فيه من ظلم الفلاحين مما هو معلوم من أفعالهم
وفي شهر ربيع الاول كمل بناء بيت اسمعيل بك وبياضه وأتمه على هيئة متقنة وترتيب في الوضع ونقل اليه قطع الاعمدة العظام التي كانت ملقاة في مكان الجامع الناصري الذي عند فم الخليج وجعلها في جدرانه وبنى به مقعدا عظيما متسعا ليس له مثيل في مقاعد بيوت الامراء في ضخامته وعظمه وهو في جهة البركة وغرس بجانبه بستانا عظيما وظن ان الوقت قد صفا له
وفي اواخر شهر جمادى الاولى أشيع في الناس ان في ليل السابع والعشرين نصف الليل يحصل زلزلة عظيمة وتستمر سبع ساعات ونسوا هذا القول إلى أخبار بعض الفلكيين من غير أصل واعتقده الخاصة فضلا عن العامة وصمموا على حصوله من غير دليل لهم على ذلك فلما كانت تلك الليلة خرج غالب الناس إلى الصحراء والى الاماكن المتسعة مثل بركةالازبكية والفيل وخلافهما ونزلوا في المراكب ولم يبق في بيته إلا من ثبته الله وباتوا ينتظرون ذلك إلى الصباح فلم يحصل شيء وأصبحوا يتضاحكون على بعضهم
وفيه ابتدأ أمر الطاعون وداخل الناس منه وهم عظيم
وفيه قلدوا عبد الرحمن بك عثمان وجعلوه صنجق الخزينة وشرعوا في تشهيله واجتهد اسمعيل بك في سفر الخزينة على الهيئة القديمة ولبس المناصب والسدادة وأرباب الخدم وقد بطل هذا الترتيب والنظام من نيف وثلاثين سنة فأراد اسمعيل بك اعادته ليكون له بذلك منقبة ووجاهة عند دولة بني عثمان فلم يرد الله بذل وعاجله الرجز (2/94)
وفي شهر رجب زاد أمر الطاعون وقوى عمله بطول شهر رجب وشعبان وخرج عن حد الكثرة ومات به مالا يحصى من الاطفال والشبان والجواري والعبيد والمماليك والاجناد والكشاف والامراء ومن امراء الالوف الصناجق نحو اثنى عشر صنجقا ومنهم اسمعيل بك الكبير المشار اليه وعسكر القليونجية والارنؤد الكائنون ببولاق ومصر القديمة والجيزة حتى كانوا يجفرون حفر المن بالجيزة بالقرب من مسجد أبي هريرة ويلقونهم فيها وكان يخرج من بيت الامير في المشهد الواحد الخمسة والستة والعشرة وازدحموا على الحوانيت في طلب العدد والمغسلين والحمالين ويقف في انتظار المغسل او المغسلة الخمسة والعشرة ويتضاربون على ذلك ولم يبق للناس شغل إلا الموت وأسبابه فلا تجد الا مريضا أو ميتا او عائدا او معزيا أو مشيعا أو راجعا من صلاة جنازة أو دفن او مشغولا في تجهيز ميت او باكيا على نفسه موهوما ولا تبطل صلاة الجنائز من المساجد والمصليات ولا يصلي الا على اربعة او خمسة او ثلاثة وندر جدا من يشتكي ولا يموت وندر ايضا ظهور الطعن ولم يكن بحمي بل يكون الانسان جالسا فيرتعش من البرد فيدثر فلا يفيق الا مخلطا أو يموت من نهاره او ثاني يوم وربما زاد او نقص او كان بخلاف ذلك وكان شبيها بفصل البقر الذي تقدم واستمر عمله الى اوائل رمضان ثم ارتفع ولم يقع بعد ذلك إلا قليلا نادرا ومات الاغا والوالي في اثناء ذلك فولوا خلافهما فماتا بعد ثلاثة ايام فولوا خلافهما فماتا ايضا واتفق ان الميراث انتقل ثلاث مرات في جمعة واحدة ولما مات اسمعيل بك تنازع الرياسة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار ثم اتفقوا على تامير عثمان بك طبل تابع اسمعيل بك على مشيخة البلد وسكن ببيت سيده وقلدوا حسن بك قصبة رضوان أمير حاج ثم انهم اظهروا الخوف والتوبة والاقلاع وابطإل الحوادث والمظالم وزيادات المكوس ونادوا بذلك وقلدوا أمراء عوضا عن المقبورين من مماليكهم (2/95)
وفي غرة رمضان حضر ططرى وعلى يده مرسوم بعزل اسمعيل باشا ولن يتوجه الى الموره وان باشة الموره محمد باشا الذي كان بجدة في العام الماضي المعروف بعزت هو والى مصر فعملوا الديوان وقرئت المرسومات فقال الامراء لا نرضى بذهابك من بلدنا وأنت أحسن لنا من الغريب الذي لا نعرفه فقال وكيف يكون العمل ولا يمكن المخالفة فقالوا نكتب عرضحال الى الدولة ونرجو تمام ذلك فقال لا يتم ذلك فان المتولي كأنكم به وصل الى الاسكندرية وعزم على النزول صبح تاريخه ثم انهم اتفقوا على كتابه عرضحال بسبب تركة اسمعيل بك خوفا من حضور معين بسبب ذلك وعين للسفرية الشيخ محمد الأمير
وفي يوم الخميس خامس عشر رمضان نزل الباشا من القلعة الى بولاق وقصد السفر على الفور وطلب المراكب وأنزل بها متاعة ويرقه فلما رأوا منه العجلة وعدم التأني وقصدهم تأخيره الى حضور الباشا الجديد ويحاسب على ما دخل في جهته فاجتمعوا عليه صحبة الاختيارية وكلموه في الثاني فعارضهم وعاندهم وصمم على السفر من الغد فاغلظوا عليه في القول وقالوا له هذا غير مناسب يقال ان الباشا أخذ مال مصر وهرب فقال وأي شيء أخذته منكم قالوا له لا بد من عمل حساب فإن الحساب لا كلام فيه ولا بد من التاني حتى نعمل الحساب فقال أنا ابقى عندكم الكتخدا فحاسبوه نيابة عني والذي يطلع لكم في طرفي خذوه منه فلم يرضوا بذلك فقال أنا لا بد من سفري أما اليوم أو غدا فقاموا من عنده على غير رضا وأرسلوا الوالي والاغا يناديان على ساحل البحر على المراكب بان كل من سافر بشيء من متاع الباشا أو بأحد من اتباعه يستاهل الذي يجري عليه وطردوا النواتية من المراكب ولم يتركوا في كل مركب الا شخصا واحدا نوتيا فقط وتركوا عند بيت الباشا جماعة حراسا
وفيه حضر خازندار الباشا الجديد وأخبر بوصول مخدومه الى ثغر الاسكندرية ومعه خلعة القائمقامية لعثمان بك طبل ومكاتبة الى الامراء (2/96)
بعدم سفر الملاقة وأربا الخدم على العادة واخبر انه واصل الى رسيد في البحر بالنقاير فنزل لملاقاته اغات المتفرقة فقط
وفيه رفعوا مصطفى كاشف من طرا وعملوه كتخدا عثمان بك شيخ البلده
وفيه أشيع بان عبد الرحمن بك الابراهيمي حضر من طريق الشام ومر من خلف الجبل وذهب الى سيده بالصعيد
وفي غرة شوال يوم الجمعة وليلة السبت حضر الباشا الجديد الى ساحل بولاق فعملوا له اسقالة وركب الامراء وعدوا الى برأنبابة وسلموا عليه وعدي صحبتهم وركب الى قصر العيني واوكب في يوم الاثنين رابعة في موكب اقل من العادة بكثير الى القلعة من ناحية الصليبة وضربوا له مدافع من القلعة
وفي ذلك اليوم سافر الشيخ محمد الامير بالعرضحال وكانوا آخروا سفره الى أن وصل الباشا الجديد وغيره بعد ان عرضوا عليه الأمر ثم انهم عملوا حساب الباشا المعزول فطلع عليه للباشا المتولي مائتا كيس من ابتداء منصبه وهو سابع عشر رجب وللامراء مبلغ ايضا فسدد ذلك بعضه أوراق وبعضه نقد وبعضه أمتعة وأذنوا له بالسفر فشرع في نزول متاعه بالمراكب بطول يوم الخميس والجمعة وأراد أن يسافر يوم السبت ففي تلك الليلة وصل بشلي من الروم وبيده مرسوم فعمل الباشا في صبحها ديوانا حضر فيه المشايخ والامراء وأبرز الباشا المرسوم فكان مضمونه محاسبة الباشا المعزول من ابتداء شهر توت واستخلاص ما تاداه من ابتداء المدة فعند ذلك ارسلوا ثانيا وحجروا عليه ونكتوا عزاله من المراكب وحبسوا النواتية ونادوا عليه ثاني مرة وذلك في سادس عشره
وفيه تواردت الاخبار بأن الامراء القبالي تحركوا الى الحضور الى مصر فانه لما حصل ما حصل من موت اسمعيل بك والامراء حضر مراد بك من اسيوط الى المنية وانتشر باقي الامراء في المقدمة وعدي بعضهم الى الشرق ووصلت اوائلهم الى كفر العياط وأما ابراهيم بك فأنه لم يزل مقيما (2/97)
بمنفلوط ومنتظرا ارتحال الحجاج ثم يسير الى جهة مصر فأرسلوا علي بك الجديد الى طرا عوضا عن مصطفى كاشف وأرسلوا صالح بك الى الجيزة وأخذوا في الاهتمام 2
وفيه حفر خندق من البحر الى المتاريس وفردوا فلاحين على البلاد للحفر مع اشتغالهم بأمور الحج ودعوا هم نقص مال الصرة وتعطيل الجامكية المضافة لدفتر الحرمين وتوجيه المعينين من القليونجية على الملتزمين
وفي يوم الاحد رابع عشرينه حضر السيد عمر افندي مكرم الاسيوطي بمكاتبة من الامراء القبليين خطابا إلى شيخ البلد والمشايخ وللباشا سرا
وفيه سافر اسمعيل باشا المنفصل من بولاق بعد أن ادى ما عليه
وفي يوم الاثنين خامس عشرنيه خرج المحمل صحبة أمير الحاج حسن بك قصبة رضوان
وفي يوم الثلاثاء اجتمعوا بالديوان عند الباشا وقرئت المكاتبات الواصلة عن الامراء القبليين فكان حاصلها أننا في السابق طلبنا الصلح مع أخواننا والصفح عن الامور السالفة فأبى المرحوم اسمعيل بك ولم يطمئن لطرفنا وكل شيء نصيب والامور مرهونة بأوقاتها والان اشتقنا الى عيالنا وأوطاننا وقد طالت علينا الغربة وعزمنا على الحضور الى مصر علىوجه الصلح وبيدنا ايضا مرسوم من مولانا السلطان وصل الينا صحبة عبد الرحمن بك بالعفو والرضا والماضي لا يعاد ونحن أولاد اليوم وأن اسيادنا المشايخ يضمنون غائلتنا فلما قرئت تلك المكاتبة التفت الباشا الى المشايخ العروسي ان كان التفاقم بينهم وبين أمرائنا المصرية الموجودين الآن فاننا نترجى عندهم وان كان ذلك بينهم وبين السلطان فالامر لنائب مولانا السلطان ثم اتفق الرأي على كتابة جواب حاصله ان الذي يطلب الصلح يقدم الرسالة بذلك قبل قدومه وهو بمكانه وذكرتم انكم تائبون وقد تقدم منكم هذا القول مرارا ولم نر له أثرا فان شرط التوبة رد المظالم وأنتم لم تفعلوا ذلك ولم ترسلوا ما عليكم من الميري (2/98)
في هذه المدة فان كان الامر كذلك فترجعوا الى اماكنكم وترسلوا المال والغلال ونرسل عرضحال الى الدولة بالاذن لكم فان الامراء الذين بمصر لم يدخلوا بسيفهم ولا بقوتهم وانما السلطان هو الذي أخرجكم وأدخلهم وإذا حصل الرضا فلا مانع لكم من ذلك فأننا الجميع تحت الأمر وعلم على ذلك الجواب الباشا والمشايخ وسلموه الى السيد عمر وسافر به في يوم الثلاثاء المذكور ثم اشتغلوا بمهمات الحج وادعوا نقص مال الصرة ستين كيسا ففردوها على التجار ودكاكين الغورية وارتحل الحاج من الحصوة وصحبته الركب الفاسي وذلك يوم السبت غايته وبات بالبركة وارتحل يوم الاحد غرة ذي القعدة
وفي ذلك اليوم عملوا الديوان بالقلعة ورسموا بنفي من كان مقيما بمصر من جماعة القبليين فنفوا أيوب بك الكبير وحسن كتخدا الجربان الى طندتا وكتبوا فرمانا بخروج الغريب وفرمانا آخر بالامن والامان واخذهما الوالي والاغا ونادوا بذلك في صبحها في شوارع البلد ونبهوا على تعمير الدروب وقفل ابواب الاطراف وأجلسوا عند كل مركز حراسا
وفي يوم الخميس نزل الاغا وامامه المناداة بفرمان على الاجناد والطوائف والمماليك بالخروج الى الخلاء
وفيه وصل قاصد من الديار الرومية وهو اغا معين بطلب تركة اسمعيل بك وباقي الامراء الهالكين بالطاعون فأنزلوه ببيت الزعفراني وكرروا المناداة بالخروج الى ناحية طراوكل من تاجر بعد الظهر يستحق العقوبة
وفي تلك الليلة وقت المغرب طلع الامراء الى الباشا وأشاروا عليه بالنزول والتوجه الى ناحية طرا فنزل في صبحها وخرج الى ناحية طرا كما أشاروا عليه وكذلك خرج الامراء وطاف الاغا والوالي بالشوارع وهما يناديان على الالضاشات المنتسبين الى الوجاقات بالصعود الى القلعة والباقي بالخروج الى متاريس الجيزة وطلع الاوده باشا الاختيارية وجلسوا في الابواب (2/99)
وفي يوم السبت أشيع ان الامراء القبليين يريدون التخريم من وراء الجبل الى جهة للعادلية فخرج احمد بك وصالح بك تابع رضوان بك الى جهة العادلية وأقاموا هناك للمحافظة بتلك الجهة وأرسلوا ايضا الى غرب العائذ فحضروا ايضا هناك
وفيه وصل القبليون الى حلوان ونصبوا وطاقهم هناك وأخذ المصريون حذرهم من خلف متاريس طرا
وفي يوم الثلاثاء توجه المشايخ الى ناحية طرا وسلموا على الباشا والامراء ورجعوا وذلك باشارة الامراء ليشاع عند الاخصام ان الرعية والمشايخ معهم وبقي الامر على ذلك الى يوم الثلاثاء التالي
وفي صبح يوم الاربعاء نزل الاغا والوالي وامامهم المناداة علىالرعية والعامة الكافة بالخروج في صبح يوم الخميس صحبة المشايخ ولا يتأخر احد وحضر الشيخ العروسي الى بيت الشيخ البكري وعملوا هناك جميعة وخرج الاغا من هناك ينادي في الناس ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أحد من الناس ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أحد من الناس وأشيع ان الامراء القبليين نزلوا اثقالهم في المراكب وتمنعوا الى قبلي ويقولون ان قصدهم الرجوع وبقي الأمر عل السكوت بطول النهار والناس في بهتة والامراء متخيلون من بعضهم البعض وكل من علي بك الدفتردار وحسن بك الجداوي يسيء الظن بالآخر ولم يخطر بالبال مخامرة عثمان بك طبل ولا الباشا فإن عثمان بك تابع اسمعيل بك الخصم الكبير وقد تعين عوضه في امارة مصر ومشيختها والباشا لم يكن من الفريقين فلما كان الليل تحول الباشا والامراء وخرجوا الى ناحية العادلية وأخرجوا شركفلك صحبتهم وجملة مدافع وعملوا متاريس فما فرغوا من عمل ذلك الا ضحوة النهار من يوم الجمعة وهم واقفون على الخيول فلم يشعروا الا والامراء القبالي نازلون من الجبل بخيولهم ورجالهم لكنهم في غاية من الجهد والمشقة فلما نزلوا وجدوا الجماعة والمتاريس امامهم فتشاور المصريون مع بعضهم (2/100)
في الهجوم عليهم فلم يوافق عثمان بك على ذلك وثبطهم عن الاقدام ورجعوا جميع الحملة الى مصر ووقفوا على جرائد الخيل فتمنع القبليون وتباعدوا عنهم ونزلوا عند سبيل علام يأخذون لهم راحة حتى يتكاملوا فلما تكاملوا ونصبوا خيامهم واستراحوا الى العصر ركب مصطفى كاشف صهر حسن كتخدا علي بك وهو من مماليك محمد بك الالفي وصحبته نحو خمسة مماليك وذهب الى سيده ثم ركب محمد بك المبدول ايضا باتباعه وذهب الى مراد بك لانه في الاصل من اتباعه ثم ركب مصطفى كاشف الغزاري وهو اخو عثمان بك طبل شيخ البلد وذهب ايضا اليهم واستوثق لاخيه فكتب له إبراهيم بك بالحضور فلم يتمكن من الحضور الا بعد العشاء الاخيرة حتى انفرد عن حسن بك وعلي بك فلما فعل ذلك وفارقهما سقط في أيديهما وغشى على علي بك ثم أفاق وركب مع حسن بك وصناجقه وهم عثمان بك وشاهين بك وسليم بك المعروف بالدمرجي الذي تآمر عوضا عن علي بك الحبشي ومحمد بك كشكش وصالح بك الذي تآمر عوضا عن رضوان بك العلوي وعلي بك الذي تآمر عوضا عن سليم بك الاسماعيلي وذهب الجميع من خلف القلعة على طريق طرا وذهبوا الى قبلي حيث كانت اخصامهم فسبحان مقلب الاحوال ولما حضر عثمان بك وقابل ابراهيم بك ارسله مع ولده مرزوق بك الى مراد بك فقابله ايضا ثم حضرت اليهم الوجاقلية والاختيارية وقابلوهم وسلموا عليهم وشرع اتباعهم في دخول مصر بطول ليلة السبت حادي عشرين شهر القعدة ولما طلع النهار دخلت أتباعهم بالحملات والجمال شيء كثير جدا ثم دخل ابراهيم وشق المدينة ومعه صناجقة ومماليكه وأكثرهم لابسون الدروع ثم دخل بعده سليمان بك والاغا واخوه ابراهيم بك الوالي ثم عثمان بك الشرقاوي واحمد بك الكلارجي وأيوب بك الدفتردار ومصطفى بك الكبير وعلي أغا وسليم أغا وقائد أغا وعثمان بك الاشقر الابراهيمي وعبد الرحمن بك الذي كان باسلامبول وقاسم بك (2/101)
الموسقو وكشافهم واغواتهم واما مراد بك فانه دخل من على طريق الصحراء ونزل على الرميلة وصحبته عثمان بك الاسماعيلي شيخ البلد وامراؤه وهم محمد بك الالفي وعثمان بك الطنبرجي الذي كان باسلامبول ايضا وكشافهم واغواتهم واستمر انجرارهم الى بعد الظهر خلاف من كان متاخرا او منقطعا فلم يتم دخولهم الا في ثاني يوم وأما مصطفى أغا الوكيل فانه التجأ الى الباشا وكذلك مصطفى كاشف طرا فأخذهما الباشا صحبته وطلعا الى القلعة ودخل الامراء الى بيوتهم وباتوا بها ونسوا الذي جرى وأكثر البيوت كان بها الامراء الهالكون بالطاعون وبقي بها نساؤهم ومات غالب نساء الغائبين فلما رجعوا وجدوها عامرة بالحريم والجواري والخدم فتزوجوهن وجددوا فراشهم وعملوا اعراسهم ومن لم يكن له بيت دخل ما أحب من البيوت وأخذه بما فيه من غير مانع وجلس في مجالس الرجال وانتظر تمام العدة ان كان بقي منها شيء واورثهم الله ارضهم وديارهم وأموالهم وأزواجهم
وفي يوم الاحد ركب سليم أغا ونادى على طائفة القليونجية والارنؤذ والشوام بالسفر ولا يتأخر أحد وكل من وجد بعد ثلاثة أيام استحق ما ينزل به ثم ان المماليك صاروا كل من صادفوه منهم أو رأوه أهانوه وأخذوا سلاحه فاجتمع منهم طائفة وذهبوا الى الباشا فأرسل معهم شخصا من الدلاة أنزلهم الى بولاق في المراكب وصار أولاد البلد والصغار يسخرون بهم ويصفرون عليهم بطول الطريق وسكن مراد بك ببيت اسمعيل بك وكأنه كان يبنيه من أجله
وفي يوم الاثنين ايضا طاف الأغا وهو ينادي على القليونجية والارنؤد
وفي يوم الخميس سادس عشرينه صعد الامراء الى القلعة وقابلوا الباشا وكانوا يروه ولم يرهم قبل ذلك اليوم فخلع عليهم الخلع ونزلوا من عنده وشرعوا في تجهيز تجريدة الى الهاربين لأنهم حجزوا ما وجدوه من مراكبهم وأمتعتهم وكتب الباشا عرضحال في ليلة دخولهم وأرسله صحبة (2/102)
واحد ططرى الى الدولة بحقيقة الحال وعينوا التجريدة ابراهيم بك الولي وعثمان بك المرادي متقلدا امارة الصعيد وعثمان بك الاشقر واحضر مراد بك حسن كتخدا علي بك بأمان وقابله وقيده بتشهيل التجريدة وعمل البقسماط ومصروف البيت من اللحم والخبز والسمن وغير ذلك ووجه عليه المطالب حتى صرف ما جمعه وحواه وباع متاعه وأملاكه ورهنها واستدان ولم يزل حتى مات بقهره وقلدوا علي أغا مستحفظان سابقا وجعلوه كتخدا الجاويشية
وفي حادي عشرين شهر الحجة الموافق لسابع عشر مسرى القبطي أوفي النيل أذرعه ونزل الباشا الى قصر السد وحضر القاضي والامراء وكسر السد بحضرتهم وعملوا الشنك المعتاد وجرىالماء في الخليج ثم توقفت الزيادة ولم يزد بعد الوفاء الا شيئا قليلا ثم نقص واستمر يزيد قليلا وينقص الى الصليب فضجت الناس وتشحطت الغلال وزاد سعرها وانكبوا على الشراء ولاحت الوائح الغلاء
وفيه ايضا شرع الامراء في التعدي على أخذ البلاد من اربابها من الوجاقلية وغيرهم وأخذوا بلاد أمير الحاج
وفيه صالح الباشا الامراء على مصطفى أغا الوكيل وأخلوا له داره وقد كان سكن بها عثمان بك الاشقر فاخلاه له ابراهيم بك ونزل من القلعة اليه ولازم ابراهيم بك ملازمة كلية وكذلك مصطفى كاشف الذي كان يطرا لازم مراد بك واختص به وصار جليسه ونديمه
من مات في هذه السنة من الاعيان
ومات شيخنا علم الاعلام والساحر اللاعب بالافهام الذي جاب في اللغة والحديث كل فج وخاض من العلم كل لج المذلل له سبل الكلام الشاهد له الورق والاقلام ذو المعرفة والمعروف وهو العلم الموصوف العمدة الفهامة والرحلة النسابة الفقيه المحدث اللغوي النحوي الاصولي الناظم الناثر (2/103)
الشيخ ابو القبض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بمرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي هكذا ذكر عن نفسه ونسبه ولد سنة خمس واربعين ومائة وألف كما سمعته من لفظه ورايته بخطه ونشأ ببلاده وارتحل في طلب العلم وحج مرارا واجتمع بالشيخ عبد الله السندي والشيخ عمر بن احمد بن عقيل المكي وعبد الله السقاف والمسند محمد ابن علاء الدين المزجاجي وسليمان بن يحيى وابن الطيب واجتمع بالسيد عبد الرحمن العيدروس بمكة وبالشيخ عبد الله ميرغني الطائفي في سنة ثلاث وستين ونزل بالطائف بعد ذهابه الى اليمن ورجوعه في سنة ست وستين فقرأ على الشيخ عبد الله في الفقه وكثيرا من مؤلفاته واجازه وقرأ على الشيخ عبد الرحمن العيدروس مختصر السعد ولازمه ملازمة كلية والبسه الخرقة واجازه بمروياته ومسموعاته قال وهوالذي شوقني الى دخول مصر بما وصفه لي من علمائها وامرائها وادبائها وما فيها من المشاهد الكرام فاشتاقت نفسي لرؤياها وحضرت مع الركب وكان الذي كان وقرأ عليه طرفا من الاحياء واجازه بمروياته ثم ورد الى مصر في تاسع سفر سنة سبع وستين ومائة والف وسكن بخان الصاغة وأول من عشرة وأخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من علماء مصر وحضر دروس اشياخ الوقت كالشيخ احمد الملوي والجوهري والحفني والبليدي والصعيدي والمدابغي وغيرهم وتلقي عنهم واجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه واعتنى بشأنه اسمعيل كتخدا عزبان ووالاه بره حتى راج امره وترونق حاله واشتهر ذكره عند الخاص والعام ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة وسافر الى الصعيد ثلاث مرات واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه واكرمه شيخ العرب همام واسمعيل ابو عبد الله وابو علي واولاده نصير واولاد وافي وهادوه وبروه وكذلك ارتحل الى الجهات البحرية مثل دمياط ورشيد والمنصورة وباقي البنادر العظيمة مرارا حين كانت مزينة بأهلها عامره بأكابرها واكرمه الجميع واجتمع بأكابر النواحي (2/104)
وأرباب العلم والسلوك وتلقى عنهم وأجازوه وأجازهم وصنف عدة رحلات في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية تحتوي على لطائف ومحاورات ومدائح نظما نثرا لو جمعت كانت مجلدا ضخما وكناه سيدنا السيد أبو الانوار بن وفا بابي الفيض وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك برحاب ساداتنا بني الوفا يوم زيارة المولد المعتاد ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال مع بقاء سكنه بوكالة الصاغة وشرع في شرح القاموس حتى أتمه في عدة سنين في نحو اربعة عشر مجلدا وسماه تاج العروس ولما أكمله أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم واشياخ الوقت بغيط المعدية وذلك في سنة احدى وثمانين ومائة وألف وأطلعهم عليه واغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة وكتبوا عليه تقاريظهم نثرا ونظما فمن قرظ عليه شيخ الكل في عصره الشيخ علي الصعيدي والشيخ احمد الدردير والسيد عبد الرحمن العيدروس والشيخ محمد الامير والشيخ حسن الجداوي والشيخ احمد البيلي والشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الزيات والشيخ محمد عبادة والشيخ محمد العوفي والشيخ حسن الهواري والشيخ أبو الانوار السادات والشيخ علي القناوي والشيخ علي خرائط والشيخ عبد القادر بن خليل المدني والشيخ محمد المكي والسيد علي القدسي والشيخ عبد الرحمن مفتي جرجا والشيخ علي الشاوري والشيخ محمد الخربتاوي والشيخ عبد الرحمن المقرى والشيخ محمد سعيد البغدادي الشهير بالسويدي وهو آخر من قرظ عليه وكنت إذ ذاك حاضرا وكتبه نظما ارتجالا وذلك في منتصف جمادى الثانية سنة اربع وتسعين ومائة وألف
ولما أنشأ محمد بك أبو الذهب جامعه المعروف به بالقرب من الازهر وعمل فيه خزانة للكتب واشترى جملة من الكتب ووضعها بها أنهوا اليه شرح القاموس هذا وعرفوه انه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها وانفردت (2/105)
بذلك دون غيرها ورغبوه في ذلك فطلبه وعوضه عنه مائة الف درهم فضة ووضعه فيها ولم يزل المترجم يخدم العلم ويرقى في درج المعالي ويحرص على جمع الفنون التي أغفلها المتأخرون كعلم الانسان والاسانيد وتخاريج الاحاديث واتصال طرائق المحدثين المتأخرين بالمتقدمين وألف في ذلك كتبا ورسائل ومنظومات وأراجيز جمة ثم انتقل الى منزل بسويقة اللالا تجاه جامع محرم افندي بالقرب من مسجد شمس الدين الحنفي وذلك في اوائل سنة تسع وثمانين ومائة والف وكانت تلك الخطة اذ ذاك عامرة بالاكابر والاعيان فاحدقوا به وتحبب اليهم واستأنسوا به وواسوه وهادوه وهو يظهر لهم الغنى والتعفف ويعظهم ويفيدهم بفوائد وتمائم ورقي ويجيزهم بقراءة أوراد واحزاب فأقبلوا عليه من كل جهة واتوا الى زيارته من كل ناحية ورغبوا في معاشرته لكونه غريبا وعلى غير صورة العلماء المصريين وشكلهم ويعرف باللغة التركية والفارسية بل وبعض لسان الكرج فأنجذبت قلوبهم اليه وتناقلوا خبره وحديثه ثم شرع في املاء الحديث على طريق السلف في ذكر الاسانيد والرواة المخرجين من حفظه على طرق مختلفة وكل من قدم عليه يملي عليه الحديث المسلسل بالاولية وهو حديث الرحمة برواته ومخرجيه ويكتب له سندا بذلك واجازة وسماع الحاضرين فيعجبون من ذلك ثم ان بعض علماء الازهر ذهبوا اليه وطلبوا منه اجازة فقال لهم لا بد من قراءة اوائل الكتب واتفقوا على الاجتماع بجامع شيخون بالصليبة الاثنين والخميس تباعدا عن الناس فشرعوا في صحيح البخاري بقراءة السيد حسين الشيخوني واجتمع عليهم بعض اهل الخطة والشيخ موسى الشيخوني امام المسجد وخازن الكتب وهو رجل كبير معتبر عند أهل الخطة وغيرها وتناقل في الناس سعى علماء الازهر مثل الشيخ احمد السجاعي والشيخ مصطفى الطائي والشيخ سليمان الاكراشي وغيرهم للاخذ عنه فازداد شأنه وعظم قدره واجتمع عليه اهل تلك النواحي وغيرها من العامة والاكابر والاعيان (2/106)
والتمسوا منه تبيين المعاني فانتقل من الرواية الى الدراية وصار درسا عظيما فعند ذلك انقطع عن حضوره اكثر الازهرية وقد استغنى عنهم هو ايضا وصار يملي على الجماعة بعد قراءة شيء من الصحيح حديثا من المسلسلات او فضائل الاعمال ويسرد رجال سنده ورواته من حفظه ويتبعه بأبيات من الشعر كذلك فيتعجبون من ذلك لكونهم لم يعهدوها فيما سبق في المدرسين المصريين وافتتح درسا آخر في مسجد الحنفي وقرأ الشمائل في غير الايام المعهودة بعد العصر فازدادت شهرته واقبلت الناس من كل ناحية لسماعه ومشاهدة ذاته لكونها على خلاف هيئة المصريين وزيهم ودعاه كثير من الاعيان الى بيوتهم وعملوا من اجله ولائم فاخرة فيذهب اليهم مع خواص الطلبة والمقرىء والمستملي وكاتب الاسماء فيقرأ لهم شيئا من الاجزاء الحديثية كثلاثيات البخاري او الدارمي او بعض المسلسلات بحضور الجماعة وصاحب المنزل واصحابه واحبابه واولاده وبناته ونسائه من خلف الستائر وبين ايديهم مجامر البخور بالعنبر والعود مدة القراءة ثم يختمون ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم على النسق المعتاد ويكتب الكاتب اسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان والبنات واليوم والتاريخ ويكتب الشيخ تحت ذلك صحيح ذلك وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمن السابق كما رأيناه في الكتب القديمة
يقول الحقيراني كنت مشاهدا وحاضرا في غالب هذه المجالس والدروس ومجالس اخر خاصة بمنزله وبسكنه القديم بخان الصاغة وبمنزلنا بالصنادقية وبولاق واماكن اخر كنا نذهب اليها للنزاهة مثل غيط المعدية والازبكية وغير ذلك فكنا نشغل غالب الاوقات بسرد الاجزاء الحديثية وغيرها وهو كثير بثبوت المسموعات على النسخ وفي اوراق كثيرة موجودة الى الان وانجذب اليه بعض الامراء الكبار مثل مصطفى بك الاسكندراني وايوب بك الدفتردار فسعوا الى منزله وترددوا لحضور مجالس دروسه (2/107)
وواصلوه بالهدايا الجزيلة والغلال واشترى الجواري وعمل الاطعمة للضيوف واكرم الواردين والوافدين من الافاق البعيدة وحضر عبد الرزاق افندي الرئيس من الديار الرومية الى مصر وسمع به فحضر اليه والتمس منه الاجازة وقراء مقامات الحريري فكان يذهب اليه بعد فراغه من درس شيخون ويطالع له ما تيسر من المقامات ويفهمه معانيها اللغوية ولما حضر محمد باشا عزت الكبير رفع شأنه عنده واصعده إليه وخلع عليه فروة سمور ورتب له تعيينا من كلاره لكفايته من لحم وسمن وارز وحطب وخبر ورتب له علوفة جزيلة بدفتر الحرمين والسائرة وغلالا من الانبار وانهى الىالدولة شانه فأتاه مرسوم بمرتب جزيل بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا فضة في كل يوم وذلك في سنة احدى وتسعين ومائة والف فعظم امره وانتشر صيته وطلب الى الدولة في سنة اربع وتسعين فأجاب ثم امتنع وترادفت عليه المراسلات من اكابر الدولة وواصلوه بالهدايا والتحف والامتعة الثمينة في صناديق وطار ذكره في الافق وكاتبه ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والشام والبصرة والعراق وملوك المغرب والسودان وفزان والجزائر والبلاد البعيدة وكثرت عليه الوفود من كل ناحية وترادفت عليه منهم الهدايا والصلات والاشياء الغريبة وارسلوا اليه من اغنام فزان وهي عجيبة الخلقة عظيمة الجثة يشبه رأسها راس العجل وارسلها الى اولاد السلطان عبد الحميد فوقع لهم موقعا وكذلك ارسلوا له من طيور الببغا والجواري والعبيد والطواشية فكان يرسل من طرائف الناحية الى الناحية المستغرب ذلك عندها ويأتيه في مقابلتها اضعافها واتاه من طرائف الهند وصنعاء اليمن وبلاد سرت وغيرها اشياء نفيسة وماء الكادي والمربيات والعود والعنبر والعطرشاه بالارطال وصار له عند اهل المغرب شهرة عظيمة ومنزلة كبيرة واعتقاد زائد وربما اعتقدوا فيه القطبانية العظمى حتى ان احدهما اذا ورد الى مصر حاجا ولم يزره ولم يصله بشيء لا يكون حجه كاملا فإذا ورد عليه احدهم سأله (2/108)
عن اسمه ولقبه وبلده وخطته وصناعته واولاده وحفظ ذلك او كتبه ويستخبر من هذا عن ذاك بلطف ورقة فاذا ورد عليه قادم من قابل سأله عن اسمه وبلده فيقول له فلان من بلدة كذا فلا يخلو ما أن يكون عرفه من غيره سابقا او عرف جاره او قريبه فيقول له فلان طبيب فيقول نعم سيدي ثم يسأله عن اخيه فلان وولده فلان وزوجته وابنته ويشير له باسم حارته وداره وما جاورها فيقوم ذلك المغربي ويقعد ويقبل الارض تارة ويسجد تارة ويعتقد أن ذلك من باب الكشف الصريح فتراهم في ايام طلوع الحج ونزوله مزدحمين على بابه من الصباح الى الغروب وكل من دخل منهم قدم بين يدي نجواه شيئا ما فضة او تمرا او شمعا على قدر فقره وغناه وبعضهم يأتيه بمراسلات وصلات من أهل بلاده وعلمائها وأعيانها ويلتمسون منه الاجوبة فمن ظفر منم بقطعة ورقة ولو بمقدار الأنملة فكأنما ظفر بحسن الخاتمة وحفظها معه كالتميمة ويرى انه قد قبل حجه والا فقد باء بالخيبة والندامة وتوجه عليه اللوم من أهل بلاده ودامت حسرته الى يوم ميعاده وقس على ذلك ما لم يقل وشرع في شرح كتاب احياء العلوم للغزالي وبيض منه اجزاء وأرسل منها الى الروم والشام والغرب ليشتهر مثل شرح القاموس ويرغب في طلبه واستنساخه وماتت زوجته في سنة ست وتسعين فحزن عليها حزنا كثيرا ودفنها عند المشهد المعروف بمشهد السيدة رقية وعمل على قبرها مقاما ومقصورا وستورا وفرشا وقناديل ولازم قبرها اياما كثيرة وتجتمع عنده الناس والقراء والمنشدون ويعمل لهم الاطعمة والثريد والكسكسو والقهوة والشربات واشترى مكانا بجوار المقبرة المذكورة وعمره بيتا صغيرا وفرشه واسكن به امها ويبيت به احيانا وقصده الشعراء بالمراثي فيقبل منهم ذلك ويجيزهم عليه
ثم تزوج بعدها بأخرى وهي التي مات عنها واحرزت ما جمعه من مال وغيره ولما بلغ مالا مزيد عليه من الشهرة وبعد الصيت وعظم القدر والجاه عند الخاص والعام وكثرت عليه الوفود من سائر الاقطار واقبلت عليه (2/109)
الدنيا بحذافيرها من كل ناحية لزم داره واحتجب عن اصحابه الذين كان يلم بهم قبل ذلك الا في النادر لغرض من الاغراض وترك الدروس والاقراء واعتكف بداخل الحريم واغلق الباب ورد الهدايا التي تأتيه من اكابر المصريين ظاهره وارسل اليه مرة ايوب بك الدفتردار مع نجله خمسين اربا من البر واحمالا من الارز والسمن والعسل والزيت وخمسمائة ريال نقود وبقج كساوى أقمشة هندية وجوخا وغير ذلك فردها وكان ذلك في رمضان وكذلك مصطفى بك الاسكندراني وغيرهما وحضر اليه فاحتجب عنهما ولم يخرج اليهما ورجعا من غير أن يواجهاه ولما حضر حسن باشاالصور التي حضر فيها الى مصر لم يذهب اليه بل حضر هو لزيارته وخلع عليه فروة تليق به وقدم له حصانا معدودا مرختا بسرج وعباءة قيمته ألف دينار أعده وهياه قبل ذلك وكانت شفاعته عنده لا ترد وان ارسل اليه ارسالية في شيء تلقاها بالقبول والاجلال وقبل الورقة قبل أن يقرأها ووضعها على رأسه ونفذ ما فيها في الحال وارسل مرة الى احمد باشا الجزار مكتوبا وذكر له في انه المهدي المنتظر وسيكون له شأن عظيم فوقع عنده بموقع الصدق لميل النفوس الى الاماني ووضع ذلك المكتوب في حجابه المقلد به مع الاحراز والتمائم فكان يسر بذلك الى بعض من يرد عليه ممن يدعى المعارف في الجفور والزايرجات ويعتقد صحته بلا شك ومن قدم عليه من جهة مصر واجمع سأله عن المترجم فأن أخبره وعرفه انه اجتمع به وأخذ عنه وذكره بالمدح والثناء احبه واكرمه واجزل صلته وإن وقع منه خلاف ذلك قطب منه وأقصاه عنه وابعده ومنع عنه بره ولو كان من اهل الفضائل واشتهر ذلك عنه عند من عرف منه ذلك بالفراسة ولم يزل على حسن اعتقاده في المترجم حتى انقضى نحبهما واتفق ان مولاي محمدا سلطان المغرب رحمه الله وصله بصلات قبل انجماعه الاخير وتزهده وهو يقبلها ويقابلها بالحمد والثناء والدعاء فأرسل له في سنة احدى ومائتين صلة لها قدر فردها وتورع عن قبولها وضاعت (2/110)
ولم ترجع الى السلطان وعلم السلطان ذلك من جوابه فأرسل اليه مكتوبا قرأته وكان عندي ثم ضاع في الاوراق ومضمونه العتاب والتوبيخ في رد الصلة ويقول له انك رددت الصلة التي ارسلناها اليك من بيت مال المسلمين وليتك حيث تورعت عنها كنت فرقتها على الفقراء والمحتاجين فيكون لنا ولك اجر ذلك الا انك رددتها وضاعت ويلومه ايضا على شرحه كتاب الاحياء ويقول له كان ينبغي ان تشغل وقتك بشيء نافع غير ذلك ويذكر وجه لومه له في ذلك وما قاله العلماء وكلاما مفحما مختصرا مفيدا رحمه الله تعالى وللمترجم من المصنفات خلاف شرح القاموس وشرح الاحياء تأليفات كثيرة منها كتاب الجواهر المنيفة في اصول ادلة مذهب الامام ابي حنيفة رضي الله عنه مما وافق فيه الائمة الستة وهو كتاب نفيس حافل رتبه ترتيب كتب الحديث من تقديم ما روى عنه في الاعتقاديات ثم في العمليات على ترتيب كتب الفقه والنفحة القدسية بواسطة البضعة العيدروسية جمع فيه أسانيد العيدروس وهي في نحو عشرة كراريس والعقد الثمين في طرق الالباس والتلقين وحكمة الاشراق الى كتاب الافاق وشرح الصدر في شرح اسماء اهل بدر في عشرين كراسا ألفها لعلي افندي درويش وألف بأسمه ايضا التفتيش في معنى لفظ درويش ورسائل كثيرة جدا منها رفع نقاب الخفا عمن انتمى الى وفا وابى الوفا وبلغة الاريب في مصطلح آثار الحبيب واعلام الاعلام بمناسك حج بيت الله الحرام وزهر الاكمام المنشق عن جيوب الالمام بشرح صيغة سيدي عبد السلام ورشفة المدام المختوم البكري من صفوة زلال صيغ القطب البكري ورشف سلاف الرحيق في نسب حضرة الصديق والقول المثبوت في تحقيق لفظ التابوت وتنسيق قلائد المنن في تحقيق كلام الشاذلي ابي الحسن ولقط اللالى من الجوهر الغالي وهي في اسانيد الاستاذ الحفني وكتب له اجازته عليها في سنة سبع وستين وذلك سنة قدومه الى مصر والنوافح المسكية علىالفوائح الكشكية وجزء في (2/111)
حديث نعم الادام الخل وهدية الاخوان في شجرة الدخان ومنح الفيوضات الوفية فيما في سورة الرحمن من اسرار الصفة الالهية واتحاف سيد الحي بسلاسل بني طي وبذل المجهود في تخريج حديث شيبتي هود والمربى الكابلي فيمن روى عن الشمس البابلي والمقاعد العندية في المشاهد النقشبندية ورسالة في المناشي والصفين وشرح على خطبة الشيخ محمد البحيري البرهاني على تفسير سورة يونس وتفسير على سورة يونس مستقل على لسان القوم وشرح على حزب البر الشاذلي وتكملة على شرح حزب البكري الفاكهي من اوله فكمله للشيخ احمد البكري ومقامة سماها اسعاف الاشراف وارجوزة في الفقه نظمها باسم الشيخ حسن بن عبد اللطيف الحسني المقدسي وحديقة الصفا في والدي المصطفى وقرظ عليها الشيخ حسن المدابغي ورسالة في طبقات الحفاظ ورسالة في تحقيق قول أبي الحسن الشاذلي وليس من الكرام الى آخره وعقيلة الاتراب في سند الطريقة والاحزاب صنفها للشيخ عبد الوهاب الشربيني والتعليقة على مسلسلات ابن عقيلة والمنح العلية في الطريقة النقشبندية والانتصار لوالدي النبي المختار وألفية السند ومناقب اصحاب الحديث وكشف اللثام عن آداب الايمان والاسلام ورفع الشكوى لعالم السر والتزجوى وترويح القلوب بذكر ملوك بني أيوب ورفع الكلل عن العلل ورسالة سماها قلنسوة التاج الفها باسم الاستاذ العلامة الصالح الشيخ محمد بن بدير المقدسي وذلك لما اكمل شرح القاموس المسمى بتاج العروس فأرسل اليه كراريس من اوله حين كان بمصر وذلك في سنة اثنتين وثمانين ليطلع عليها شيخه الشيخ عطية الاجهوري ويكتب عليها تقريظا ففعل ذلك وكتب اليه يستجيزه فكتب اليه اسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وأصيب بالطاعون في شهر شعبان وذلك انه صلى الجمعة في مسجد الكردي المواجه لداره فطعن بعد ما فرغ من الصلاة ودخل الى البيت واعتقل لسانه تلك الليلة وتوفي يوم الاحد فأخفت زوجته وأقاربها موته (2/112)
حتى نقلوا الاشياء النفيسة والمال والذخائر والامتعة والكتب المكلفة ثم اشاعوا موته يوم الاثنين فحضر عثمان بك طبل الاسماعيلي ورضوان كتخدا المجنون وادعى ان المتوفي أقامه وصيا مختارا وعثمان بك ناظرا بسبب ان زوج اخت الزوجة من اتباع المجنون يقال له حسين أغا فلما حضروا وصحبتهما مصطفى افندي صادق اخذوا ما أحبوه وانتقوه من المجلس الخارج وخرجوا بجنازته وصلوا عليه ودفن بقبر أعده لنفسه ذلك اليوم لاشتغال الناس بأمر الطاعون وبعد الخطة ومن علم منهم وذهب بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيدة رقية ولم يعلم بموته أهل الأزهر لم يدرك الجنازة ومات رضوان كتخدا في أثر ذلك واشتغل عثمان بك بالامارة لموت سيده ايضا واهمل امر تركته فأحرزت زوجته وأقاربها متروكاته ونقلوا الاشياء الثمينة والنفيسة الى دراهم ونسى أمره شهورا حتى تغيرت الدولة وتملك الامراء المصريون الذين كانوا بالجهة القبلية وتزوجت زوجته برجل من الاجناد من اتباعهم فعند ذلك فتحوا التركة بوصاية الزوجة من طرف القاضي خوفا من ظهور وارث وأظهروا ما انتفوه مما انتقوه من الثياب وبعض الامتعة والكتب والدشتات وباعوها بحضره الجمع فبلغت نيفا ومائة ألف نصف فضة فأخذ منها بيت المال شيئا واحرز الباقي مع الاول وكانت مخلفاته شيئا كثيرا جدا أخبرني المرحوم حسن الحريري وكان من خاصته وممن يسعى في خدمته ومهماته انه حضر اليه في يوم السبت وطلب الدخول لعيادته فأدخلوه اليه فوجده راقدا معتقل اللسان وزوجته واصهاره في كبكبة واجتهاد في اخراج ما في داخل الخبايا والصناديق الى الليوان ورأيت كوما عظيما من الاقمشة الهندية والمقصبات والكشميري والفراء من غير تفصيل نحو الحملين وأشياء في ظروف وأكياس لا أعلم ما فيها قال ورأيت عدد كثيرا من ساعات العبب الثمينة مبددا على بساط للقاعة وهي بغلافات بلادها قال فجلست عند رأسه (2/113)
حصة وأمسكت يده ففتح عينيه ونظر الي وأشار كالمستفهم عما هم فيه ثم غمض عينيه وذهب في غطوسه فقمت عنه قال ورأيت في الفسحة التي امام القاعة قدرا كثيرا من شمع العسل الكبير والصغير والكافوري المصنوع والخام وغير ذلك مما لم اره ولم التفت اليه ولم يترك ابنا ولا ابنة ولم يرثه احد من الشعراء
وكان صفته ربعة نحيف البدن ذهبي اللون متناسب الاعضاء معتدل اللحية قد وخطه الشيب في اكثرها مترفها في ملبسه ويعتم مثل اهل مكة عمامة منحرفة بشاش ابيض ولها عذبة مرخية على قفاه وله حبكه وشراريب حرير طولها قريب من فتر وطرفها الاخر داخل طي العمامة وبعض اطرافه ظاهر وكان لطيف الذات حسن الصفات بشوشا بسوماوقورا محتشما مستحضرا للنوادر والمناسبات ذكيا لوذعيا فطنا المعيا روض فضله نضير وماله في سعة الحفظ نظير جعل الله مثواه قصور الجنان وضريحه مطاف وفود الرحمة والغفران
ومات الامام العلامة والحبر المدفق الفهامة ذو الفضائل الجمة والتحقيقات المهمة الذكي الألمعي النحوي المعقولي الفقيه النبيه الشيخ عمر لبابلي الشافعي الازهري تفقه على علماء العصر وحضر الشيخ عيسى البراوي والشيخ الصعيدي والشيخ احمد البيلي والشيخ عبد الباسط السنديوني وتمهر في العلوم وقرأ الدروس وأخذ طريق الخلوتية على شيخنا الشيخ محمود الكردي ولقنه الاسماء ولازمه في مجالسه وأوراده ملازمة كلية ولوحظ بأنظاره وتزوج بزوجة الشيخ احمد اخي الشيخ حسن المقدسي الحنفي وكانت مثرية فترونق حاله وتجمل بالملابس وعرفته الناس وماتت زوجته المذكورة لا عن عصبة فحاز ميراثها والتزم بحصة كانت لها بقرية يقال لها دار البقر فعند ذلك اتسعت عليه الدنيا وسكن دارا واسعة واقتنى الجواري والخدم ومواشي وابقارا واغناما واستأجر ارضا قريبة يزرعها بالبرسيم تغدو اليها المواشي وتروح كل يوم من ايام الربيع ثم (2/114)
تزوج ببنت شيخه الشيخ محمود بعد وفاته واقام منعما معها في رفاهية من العيش مع ملازمته للاقراء والافادة الى ان ادركه الاجل المحتوم وتوفي في هذه السنة بالطاعون وكان انسانا حسنا جم الفرائد ولفوائد مهذب الاخلاق لين الطباع حسن المعاشرة جميل الاوصاف رحمه الله تعالى
ومات العمدة الفاضل الواعظ عبد الوهاب بن الحسن البوسنوى السراى المعروف ببشناق افندي قدم مصر سنة تسع وستين ومائة والف ووعظ بمساجدها واكرمه الامراء للجنسية ثم توجه الى الحرمين وقطن بمكة ورتب له شيء معلوم على الوعظ والتدريس ومكث مدة ثم حصلت فتنة بين الاشراف والاتراك فنهب بيته وخرج هاربا الى مصر فالتجأ الى علمائها فكتبوا له عرضا الى الدولة بمعرفة ماجرى عليه فعين له شيء في نظير ما ذهب من متاعه وتوجه الى الحرمين فلم يقر له بمكة قرار ولم يمكنه الاتزاج مع رئيس مكة لسلاقة لسانه واستطالته في كل من دب ودرج فتوجه الى الروم ومكث بها اياما حتى حصل لنفسه شيئا من معلوم آخر فأتى الى مكة وصار يطلع على الكرسي ويتكلم على عادته في الحط على اشراف مكة وذمهم والتشنيع عليهم وعلى اتباعهم وذكر مساويهم وظلمهم فأمر شريف مكة بالخروج منها الى المدينة فخرج اليها وقد حنق غيظا على الشريف فلما استقر بالمدينة لف عليه بعض الاوباش ومن ليس له ميل الى الشريف فصار يطلع على الكرسي ويستطيل بلسانه عليه ويسبه جهرا وغره مرافقة اولئك معه وان الشريف لا يقدر أن يأتي لهم بحركة فتعصبوا وزادوا نفورا واخرجوا الوزير الذي هو من طرف الشريف وكاتبوا الى الدولة برفع يد الشريف عن المدينة مطلقا وانه لا يحكم فيهم ابدا وانما يكون الحاكم شيخ الحرم فقط وارسلوا بالعرض مفتي المدينة فكتب لهم على مقتضى طلبهم خطابا الى أمير الحاج الشامي والى الشريف ولما أحس الشريف بذلك تنبه لهذه الحادثة وعرف ان اصلها من أنفار بالمدينة أحدهم المترجم واستعد للقاء أمير الحاج بعسكر جرار (2/115)
على خلاف عادته ورام مناواته ان برز منه شيء خلاف ما عهد منه فلما رأى أمير الحاج ذلك الحال كتم ما عنده وانكر أن يكون عنده شيء من الاوامر في حقه ومضى لنسكه حتى اذا رجع الى المدينة تنمر وتشمر وكاد أن يأكل على يده من التندم والحسرة وذهب الى الشام ولما خلت مكة من الحجاج جرد الشريف عسكرا على العرب فقاتلوه وصبر معهم حتى ظفر بهم ودخل المدينة فجأة ولم يكن ذلك يخطر ببالهم قط فما وسعهم الا انهم خرجوا للقائه فآنسهم واخبرهم انه ما اتى الا لزيارة جده عليه الصلاة و السلام وليس له غرض سواه فاطمأنوا بقوله وشق سوق المدينة بعسكره وعبيده حتى دخل من باب السلام وتملى من الزيارة واقبلت عليه ارباب الوظائف مسلمين فأكرمهم وكساهم فلما أنس منهم الغفلة امر بأمساك جماعة من المفسدين الذين كانوا يحفرون وراءه فاختفى باقيهم وتسللوا وهرب منهم خفية بالليل جماعة وكان المترجم احد من اختفى في بيته ثلاثة ايام ثم غير هيئه وخرج حتى اتى مصر ومشى على طريقته في الوعظ وعقد له مجلسا بالمشهد الحسيني وخالط الامراء وحضر درسه الامير يوسف بك ومال اليه والبسه فروة ودعاه الى بيته واكرمه وتردد اليه كثيرا وكان يجله ويرفع منزلته ويسمع كلامه وينصت الى قوله ولديه بعض معرفة بالعلم على طريقة بلادهم واستمر بمصر وسكن بحارة الروم ورتب له بالضربخانة مائة ونصف فضة في كل يوم لمصروفه وصار له وجاهة عند ابناء جنسه الى ان وقع له ما وقع مع اسمعيل باشا بسبب الوصاية على التركة كما مر ذلك آنفا وحط من قدره واهانه وحبسه نحو ثلاثة اشهر ثم افرج عنه بشفاعة علي بك الدفتردار وانزوى خاملا في داره الى ان مات في اوائل شعبان بالطاعون سامحه الله تعالى
ومات الجناب المكرم المبجل المعظم جامع المعارف وحاوي اللطائف الامير حسن افندي بن عبد الله الملقب بالرشيدي الرومي الاصل مولى المرحوم علي اغا بشير دار السعادة المكتب المصري اشتراه سيده صغيرا (2/116)
وهذبه ودربه وشغله بالخط فاجتهد فيه وجوده على عبد الله الانيس وكان ليوم اجازته محفل نفيس جمع فيه المرؤس والرئيس ثم زوجه ابنته وجعله خليفته ولم يزل في حال حياة سيده معتكفا على المشق والتسويد معتنيا بالتحرير والتجويد الى ان فاق اهل عصره في الجودة في الفن وجميع كل مستحسن ولما توفي شيخ المكتبين المرحوم اسمعيل الوهبي جعل المترجم شيخا باتفاق منهم لما اعطى من مكارم الشيم وطيب الاخلاق وتمام المروءة وحسن تلقي الواردين وجميل الثناء عليه من اهل الدين والف من اجله شيخنا السيد محمد مرتضى كتاب حكمة الاشراق الى كتاب الافاق جمع فيه ما يتعلق بفنهم مع ذكر أسانيدهم وهو غريب في بابه يستوقف الراتع في مريع هضابه ولم يزل شيخا ومتكلما على جماعة الخطاطين والكتاب وعميدهم الذي يشار اليه عند الارباب نسخ بيده عدة مصاحف وأحزاب واما نسخ الدلائل فكثرتها لا تدخل تحت الحساب الى ان طافت به المنية طواف الوداع ونثرت عقد ذلك الاجتماع وبموته انقرض نظام هذا الفن
ومات صاحبنا الاديب الماهر والنبيه الباهر نادرة العصر وقرة عين الدهر عثمان بن محمد بن حسين الشمسي وهو أحد الاخوة الاربعة أكثرهم معرفة وأغزرهم ادبا واغوصهم في استخراج الدقائق واستنتاج الرقائق وامهم جميعا الشريفة رقية بنت السيد طه الحموي الحسيني ولد المترجم بمصر وربى في حجر ابويه وتعلق من صغره بمعرفة الفنون الغريبة فنال طرفا منها حسنا يليق عند المذاكرة وعرف الفرائض واستخرج منها طرقا غريبة في استحقاق المواريث في قسم الغرماء في شبابيك وله سليقة شعرية مقبولة وله معرفة باللغة جيدة يطالع كتبها ويحل عقدها ويسأل عن غرائب الفن ويغوص بذهنه على كل مستحسن ولقد نظم فرائض الدين وأسماء أهل بدر وغير ذلك وبالجملة انه كان من محاسن الزمان توفي رحمة الله في اواخر شعبان مطعونا وخلف ولديه محمد جربجي وحسن جربجي احياهما الله حياة طيبة (2/117)
ومات الاجل المبجل بقية السلف ونتيجة الخلف الوجيه الصالح النبيه الشيخ عبد الرحمن بن احمد شيخ سجادة جده سيدي عبد الوهاب الشعراني مات ابوه احمد في سنة اربع وثمانين وتركه صغيرا دون البلوغ فكفلته امه فتولى السجادة الشيخ احمد من اقاربه وتزوج بأمه وسكن بدارهم ولما شب المرتجم وترشد اشترك معه بالمناصفة ثم توفي الشيخ احمد المذكور فاستقل بذلك ونشأ في عز وعفاف وصلاح وحسن حال ومعاشرة ومودة وعمر البيت حسا ومعنى واحيا مآثر اجداده واسلافه وكان شديد الحياء والحشمة والتواضع والانكسار والخشية والحلم والتؤدة ومكارم الاخلاق ولما تم كماله بدا زواله واخترمته في شبابه يد الاجل فقطعت شمس عمره منطقة الامل وخلف ابنا صغيرا يسمى سيدي قاسما بارك الله فيه
ومات اعز الاخوان واخص الاصدقاء والخلان النجيب الصالح والاريب الناجح شقيق النفس والروح وصحبته باب الخير والفتوح المتفنن النبيه سيدي ابراهيم بن محمد الغزالي بن محمد الدادة الشرايبي من اجل اهل بيت الثروة والمجد والعز والكرم وهو كان مسك ختامهم وبموته انقرض بقية نظامهم وقد تقدم استطراد بعض اوصافه في ترجمة المرحوم سيدي احمد رفيق المرحوم رضوان كتخدا الجلفي ومنها حرصه على فعل الخير ومكارم الاخلاق وتقيد الزاد ليوم المعاد والصدقات الخفية والافعال المرضية التي منها تفقد طلبة العلم الفقراء والمنقطعين ومواساتهم ومعونتهم وكان يشتري المصاحف والألواح الكثيرة ويفرقها بيد من يثق به على مكاتب اطفال المسلمين الفقراء معونة لهم على حفظ القرآن ويملأ الاسبلة للعطاش ولا يقبل من فلاحينه زيادة على المال المقرر ويعاون فقراءهم ويقرضهم التقاوي واحتياجات الزراعة وغيرها ويحسب لهم هدايا هم من اصل المال وكان يتفقه على العلامة الشيخ محمد العقاد المالكي ويحضر دروسه في كل يوم وبعد وفاته لازم حضور الشيخ عبد العليم الفيومي (2/118)
وكان ينفق عليه وعلى عياله ويكسوهم ولم يزل سمح السجية بسام الثنية الى ان بغته الطاعون حالا وكان موته ارتجالا فنضبت جداوله واستراحت حساده وعواذله وكان الله حسنة في صحائف الايام والليالي وروضة تنبت الشكر في رياض المعالي
فلو بعت يوما منه بالدهر كله لفكرت دهرا ثانيا في ارتجاعه
ومات ايضا من بيتهم الاجل المكرم احمد حلبي بن الامير علي وكان شابا لطيف الذات مليح الصفات مقبول الطباع مهذب الاوضاع
ومات ايضا من بيتهم الامير عثمان بن عبد الله معتوق المرحوم محمد جربجي وان من اكابر بيتهم وبقية السلف من طبقتهم ذا وجاهة وعقل وحشمة وجلالة قدر
ومات ايضا من بيتهم الامير رضوان صهر احمد جلبي المذكور وكان انسانا لا بأس به ايضا
ومات من بيتهم عدد كثير من النساء والصبيان والجواري في تلك الايام المبددة منهم ومن غيرهم عقد النظام
ومات الصنو الفريد والعقد النضيد الذكي النبيه من ليس له في الفضل شبيه صاحبنا الاكرم وعزيزنا الافخم ابراهيم جلبي بن احمد اغا البارودي نشأ مع اخويه علي ومصطفى في حجر والدهم في رفاهية وعز ولما مات والدهم في سنة اثنتين وثمانين ومائة والف تزوجت والدتهم وهي ابنة ابراهيم كتخدا القزادغلي بمحمد خازندار زوجها وهو محمد اغا الذي اشتهر ذكره بعد ذلك فكفل اولاد سيده المذكورين وفتح بيتهم وعانى المترجم تحصيل الفضائل وطلب العلم ولازم حضور الدروس بالازهر في كل يوم وتقيد بحضور الفقه على السيد احمد الطحطاوي والشيخ احمد الخانيوشي وفي المعقول على الشيخ محمد الخشني والشيخ علي الطحان حتى ادرك من ذلك الحظ الاوفر وصار له ملكة يقتدر بها على استحضار ما يحتاج اليه من المسائل النقلية والعقلية وترونق بالفضائل وتحلى بالفواضل (2/119)
الى ان اقتنصه في ليل شبابه صياد المنية وضرب سورا بينه وبين الامنية
ومات ايضا بعده بيومين اخوه سيدي علي وكان جميل الخصائل مليح الشمائل رقيق الطباع يشنف بحسن الفاظه الاسماع اخترمته المنية وحالت بساحة شبابه الرزية
ومات الصاحب الامثل والاجل الافضل حاوي المزايا المنزه عن النقائص والرزايا عبد الرحمن افندي بن احمد المعروف بالهلواتي كاتب كبير باب تفكشيان من أعيان أرباب الاقلام بديوان مصر كان اشتغل بطلب العلم ولازم حضور الاشياخ وحصل في المعقول والمنقول ما تميز به عن غيره من اهل ضناعته مع حسن الاخلاق وجميل الطباع وحضر علي الشيخ مصطفى الطائي كتاب الهداية في الفقه مشاركا لنا وأخذ ايضا الحديث عن السيد مرتضى وسمع معنا عليه كثيرا من الاجزاء والمسلسلات والصحيحين وغير ذلك وألف حاشية على مراقي الفلاح واقتنى كتبا نفيسة وكان يباحث ويناضل مع عدم الادعاء وتهذيب النفس والسكون والتؤدة والامارة والسيادة الى أن أجاب الداعي ونعته النواعي واضمحل حال ابيه بعده وركبته الديون وجفاه الاخدان والمجنون وصار بحالة يرثى لها الشامت ويبكي حزنا عليه من يسمع ذكره من الناعت الى ان توفي بعد بنحو سنتين
ومات الامير المبجل والنبيه المفضل علي بن عبد الله الرومي الاصل مولى الامير احمد كتخدا صالح اشتراه سيده صغيرا فتربى في الحريم وأقرأه القرآن وبعض متون الفقه وتعلم الفروسة ورمى السهام وترقى حتى عمل خازندار عنده
وكان بيته موردا للافاضل فكان يكرمهم ويحترمهم ويتعلم منهم العلم ثم أعتقه وأنزله حاكما في بعض ضياعه ثم رقاه الى ان عمله رئيسا في باب المتفرقة وتوجه اميرا على طائفته صحبة الخزينة الى الابواب السلطانية مع شهامة وصرامة ثم عاد الى مصر وكان ممن يعتقد في شيخنا السيد علي المقدسي ويجتمع به كثيرا وكان له حافظة جيدة في استخراج الفروع (2/120)
واتقن فين رمي النشاب الى ان صار استاذا فيه وانفرد في وقته في صنعة القسى والسهام والدهانات فلم يلحقه اهل عصره واضر بعينيه وعالجها كثيرا فلم يفده فصبر واحتسب ومع ذلك فيرد عليه اهل فنه ويسألونه فيه ويعتمدون على قوله ويجيد القسى تركيبا وشدا ولقد اتاه وهو في هذه الضرارة رجل من اهل الروم اسمه حسن فانزله في بيته وعلمه هذه الصنعة حتى فاق في زمن قليل اقرانه وسلم له اهل عصره وسمع المترجم على شيخنا المذكور اكثر الصحيح بقراءة كل من الشريفين الفاضلين سليمان بن طه الاكراشي وعلي بن عبد الله بن احمد وذلك بمنزله المطل على بركة الفيل وكذلك سمع عليه المسلسل بالعيد بشرطه وحديثين مسلسلين بيوم عاشوراء تخريج السيد المذكور أو أشياء أخر ضبطت عند كاتب الاسماء وأخذ الاجازة من الشيخ اسمعيل بن أبي المواهب الجلبي وكان عنده نفيسة في كل فن رحمه الله
ومات الشاب اللطيف المهذب الظريف الذي يحكي بادبه سنا الملك وابن العفيف محمد بن الحسن بن عبد الله الطيب ابوه مولى للقاسم الشرايبي مات أبوه في حداثته وكان مولد سنة اربع وستين ومائة والف وكفله صهره سليمان بن محمد الكاتب احد كتاب المقاطعة بالديوان ونشأ في الرفاهية والنعم وعانى طلب العلم فنال منه ما اخرجه من ربقة الجهل وتعلق بالعروض واخذه عنه الشيخ محمد بن ابراهيم العوفي المالكي فبرع فيه ونظم الشعر الا انه كان يعرض شعره للذم بالتزامه فيه مالا يلزم توفي في غرة شعبان من السنة
ومات الصنو الفريد والنادرة الوحيد النبيه اللبيب والمفرد العجيب الفاضل الناظم الناثر سيدي عثمان بن احمد الصفائي المصري تقدم ذكره في ترجمة والده احمد افندي كاتب الروزنامة بديوان مصر ونشأ هو في ظل النعمة والرفاهية وقرأ النحو المنطق على كل من الشيخ علي الطحان والشيخ مصطفى المرحومي حتى مهر فيهما وكان يباحث ويناضل (2/121)
ويناقش اهل العلم في المسائل العقلية والنقلية وقرأ علم العروض واتقن نظم الشعر وجمع الظروف وكان فيه نوع من الخلاعة واللهو وله وله تخميس على البردة واشعار كثيرة ولم يزل رافلا في حلل السعادة حتى حلت بساحة شبابه الشهادة وتوفي مطعونا بمليج وهو ذاهب لموسم المولد الاحمدي بطندتا في شهر رجب وقد ناهز الاربعين وحضروا به الى مصر محمولا على بعير فغسل وكفن ودفن عند والده رحمه الله
ومات الخواجا المعظم والتاجر المكرم السيد احمد ابن السيد عبد السلام المغربي الفاسي نشأ في حجر والده وتربى في العز والرفاهية حتى كبر وترشد واخذ واعطى وباع واشترى وشارك وعامل واشتهر ذكره وعرف بين التجار ومات ابوه واستقر مكانه في التجارة عرفته الناس زيادة عن ابيه وصار يسافر الى الحجاز في كل سنة مقوما مثل ابيه وبنى داره ووسعها واضاف اليها دكة الحسبة التي بجوار الفحامين وانشأ دارا عظيمة ايضا بخط الساكت بالازبكية وانضوى اليه السيد احمد المحروقي واحبه واتحد به اتحادا كليا وكان له اخ من ابيه بالحجاز يعرف بالعرايشي من اكابر التجار ووكلائهم المشهورين ذو ثروة عظيمة فتوفي وصادف وصول المترجم حينئذ الى الحجاز فوضع يده على ماله ودفاتره وشركاته وتزوج بزوجته واخذ جواره وعبيده ورجع الى مصر واتسع حاله زيادة على ما كان عليه وعظم صيته وصار عظيم التجار وشاه النبدر وسلم قياده وزمامه في الاخذ والعطاء وحساب الشركاء الى السيد احمد المحروقي وارتاح اليه لحذقه ونباهته ونجابته وسعادة جده ولم يزل على ذلك حتى اخترمته المنية وحالت بينه وبين الامنية وتوفي في شعبان مطعونا وغسل وكفن وصلى عليه بالمشهد الحسيني في مشهد حافل بعد العشاء الاخيرة في المشاغل ودفن عند ابيه بزاوية العربي بالقرب من الفحامين والتجأ السيد احمد المحروقي الى محمد اغا البارودي كتخدا اسمعيل بك فسعى اليه واقره مكانه واقامه عوضه في كل شيء وتزوج بزوجاته وسكن داره (2/122)
واستولى على حواصله وبضائعه وامواله ونما امره من حينئذ وأخذ واعطى ووهب وصانع الامراء واصحاب الحل والعقد حتى وصل الى ما وصل اليه وادرك ما لم يدركه غيره فيما سمعنا وراينا كما قيل ... وإذا السعادة لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن امان ...
ومات الامير الكبير اسمعيل بك وأصله من مماليك ابراهيم كتخدا وانضوى الى علي بك بلوط قبان فجعله اشراقه وأقره ونوه بشأنه وقلده الصنجقية بعد موت سيدهم وزوجه بهانم ابنة ابراهيم كتخدا وعمل لهما مهما عظيما ببركة الفيل شهرا كاملا في سنة اربع وسبعين كما تقدم ذكر ذلك وكان من المهمات الجسيمة والمواسم العظيمة التي لم يتفق نظيرها بعده بمصر ولم يزل منظورا اليه في الامارة مدة علي بك وأرسله في سرياته واعتمده في مهماته وبعثه الى سويلم بن حبيب بتجريدة فلم يزل يحاربه حتى هزمه وفر الى البحيرة فلحقه هناك ولم يزل يتبعه ويرصده حتى قتله وحضر برأسه الى مخدومه وذلك في أواخر سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف
وسافر الى الشام صحبة محمد بك ابي الذهب لمقاتلة عثمان باشا ابن العظم وأغاروا على البلاد الشامية وحاربوا يافا اربعة اشهر حتى ملكوها وسافر قبل ذلك في تجاويد الصعيد وحضر غالب مواقف الحروب مع محمد بك ومستقلا الى ان بدت الوحشة بين محمد بك وسيده علي بك وخرج مع محمد بك الى الصعيد وجرى بينهما الدم بقتله أيوب بك فأخرج اليه علي بك جردة عظيمة احتفل بها احتفالا زائدا وأميرها المترجم فلما التقى الجمعان القى عصاه وخامر على مولاه وانضم بمن معه الى محمد بك فشد عضده وخان مخدومه وحصل ما حصل من تقلبهم واستيلائهم كما ذكر واستمر مع محمد بك يراعي حرمته ويقدمه على نفسه ولا يبرم أمرا الا بعد مشاورته ومراجعته وتقلد الدفتردارية واميرا على الحج سنتين بشهامة وسير حسن ولما مات محمد بك لم تطمح نفسه للتصدر (2/123)
في الرياسة والامارة بل تركها لاتباعه وقنع بحاله واقطاعه ولزم داره التي عمرها بالازبكية فناكدوه وطمعوا فيما لديه وقصد مراد بك اغتياله فخرج الى خارج وتبعه المغرضون له ويوسف بك وغيره وحصل ما هو مسطر ومشروح في محله من تملكه وقتله يوسف بك وإسمعيل بك الصغير بمساعدة العلوية ثم غدروا به حتى آل الامر به الى الخروج الى البلاد الشامية وافتراق جمعه ثم سافر الى الروم مع بعض أتباعه ومماليكه وذهب منه غالب ما اجتمع لديه من الاموال وذهب الى اسلامبول فأقام بها مدة ثم نفوه الى شنق قلعة وخرج منها بحيلة تحيلها على حاكمها ثم ركب البحر الى درنة ووصل خبر ذلك الى الامراء بمصر فخرج مراد بك ليقطع عليه الطريق الموصلة الى قبلي وارصد له عيونا ينتظرونه بالطريق واقام على ذلك شهورا فلم يقفوا له على خبر وهو يتنقل عند العربان حتى انه اختفى عند بعضهم نيفا واربعين يوما في مغارة ثم انه تحيل وارسل من القى الى مراد بك انه مر من الجهة الفلانية بمعرفة الرصد المقيمين فحنق مراد بك وركب في الحال ليقطع عليه الطريق وتفرق الجمع من ذلك المكان فعند ذلك اجتاز اسمعيل بك ذلك الموضع وعداه في زي بعض العربان وخلص الى القضاء الموصل للبلاد القبلية وذهب مراد بك في نهاية مشواره فلم ير اثرا لذلك الخبر فرجع الى المكان الذي عرفوه سلوكه فوجد المرابطين على ماهم عليه من التيقظ الى ان تحقق عنده انه تحيل بذلك ومر وقت ارتحال مراد بك من ذلك الموضع فرجع بخفي حنين ولم يزل حتى كان ما كان ووصل حسن باشا على الصورة المتقدمة ورجع الى مصر وتملكها واستقل بامارتها بعد ثغر به تسع سنين ومقاساته الشدائد وظن ان الوقت قد صفا له واستكثر من شراء المماليك واحترقت داره وبناها احسن مما كانت عليه وحصن المدينة وسورها من عند طرا والجيزة وحصنها تحصينا عظيما من الجبل الى البحر من الجهتين حتى انه لما اصيب بالطاعون احضر امراءه وقال لعثمان بك طبل بحضرتهم (2/124)
أنت كبير القوم الباقية فافتح عينك وشد حيلك فاني حصنت لكم البلد وصيرتها بحيث لو ملكتها امرأة لم يقدر عليها عدو وتمرض يومين ومات في الثالث سادس عشر شعبان من السنة وكان أميرا جليلا كفؤا للامارة جهوري الصوت عظيم الهمة بعيد الغور كبير التدبير يحب الصلحاء والعلماء ويتادب معهم ويواسيهم ويقبل شفاعتهم ويكرمهم وله فيهم اعتقاد عظيم حسن ولما مات غسل وكفن وصلي عليه في مصلى المؤمنين ودفن بتربة علي بك مع سيدهما ابراهيم كتخدا بالقرب من ضريح الامام الشافعي بالقرافة ولم يفلح بعده خليفته عثمان بك واضاع مملكته وسلمها لاخصامه وأخصام سيده
ومات الامير رضوان بك وهو ابن اخت علي بك الكبير امره وقلده الصنجقية وجعله من الامراء الكبار فلما مات خاله واستقل بالمملكة محمد بك انزوى وارتفعت عنه الامرية واقام بطالا هو وحسن بك الجداوي مدة ايام محمد بك فلما مات محمد بك وظهر بالامارة ابراهيم بك ومراد بك لم يزل على خموله الى ان وقع التفاقم بينهم وبين اسمعيل بك فانضم هو وحسن بك الى اسمعيل بك وساعداه فرد لهما امرياتهما ونوه بشأنهما ثم نافقا عليه وخذلاه عندما سافر معهما الى قبلي وكانا هما السبب في غربته المدة الطويلة كما ذكر ثم وقع لهما ما وقع مع المحمدية وذهبا الى الجهة القبلية وأقاما هناك فلما رجع اسمعيل بك من غيبته انضم اليهما ثانيا ولم يزل معهما وافترق منهما المترجم وحضر الى مصر وانضم الى المحمدية ولما حضر حسن باشا وخرج معهم رجع ثانيا بامان واستمر بمصر حتى حضر اسمعيل بك وحسن بك فأقام معهم اميرا ومتكلما وتصادق مع علي بك كتخدا الجاويشية وعقد معه المؤاخاة ونزل مرارا الى الاقاليم وعسف بالبلاد ولما سافر حسن باشا وخلالهما الجو فجر وتجبر وصار يخطف الناس ويحبسهم ويصادرهم في اموالهم تعدى شره لكثير من الفقراء ولم يزل هذا شأنه حتى اطفا صرصر الموت شعلته وحل بساحته (2/125)
الطاعون ولم يفلته وأراح الله منه العباد وكان أشقر خبيثا
ومات الامير الاصيل رضوان بك بن خليل بن ابراهيم بك بلفيا من بيت المجد والعز والسيادة والرياسة وبيتهم من البيوت الجلية القديمة الشهيرة بمصر ولم يكن بمصر بيت عريق في الامارة والسيادة الا بيتهم وبيت قصبة رضوان وجميع امراء مصر تنتهي سلسلتهم اليهما وبيت القازغلية أصل منشتهم ومغرس سيادتهم من بيت بلفيا كما تقدم لان ابراهيم بك بلفيا جد المترجم مملوك مصطفى بك ومصطفى بك مملوك حسن اغا بلغيا وهو سيد مصطفى كتخدا القازدغلي ومصطفى هذا كان سراجا عند حسن اغا ورقاه وأمره حتى جعله كتخدا باب مستحفظان ونما امره وعظم شأنه وباض وأفرخ فجميع طائفة القازدغلية تنتهي نسبتهم اليه كما ذكر ذلك غير مرة ولما توفي خليل بك والد المترجم في سنة خمس وثمانين بالحجاز في امارته على الحج وترك اخاه عبد الرحمن اغا وولده رضوان هذا ورجع بالحج عبد الرحمن اغا المذكور وبعد استقرارهم اجتمعت اعيان بيتهم وأرادوا تقليد عبد الرحمن أغا صنجقا عوضا عن أخيه فأبى ذلك فاتفقوا على تقليد ابن أخيه رضوان المذكور فكان كذلك وقلدوه الامارة وفتح بيتهم وأحيا مآثرهم وانضم اليه أتباعهم وسار سيرا حسنا بعقل ورياسة لولا لثغة في لسانه وتقلد امير الحج سنة 1192 وكان كفؤا لها وطلع ورجع في أمن وراحة ورخاء ولم يزل في سيادته حتى توفي في هذه السنة واضمحل بيتهم بموته وماتت أعيانهم وعظماؤهم وخرب البيت بالكلية وانمحت آثارهم وانطفأت انوارهم وبطلت خيراتهم وخمدت حركاتهم ومن جملة ما رأيته من خيراتهم في ايام رضوان بك هذا مائة قارىء من الحفظة يقرأون القرآن كل يوم في الاوقات الخمسة في كل وقت عشرون قارئا وقس على ذلك
ومات الامير سليمان بك المعروف بالشابوري وأصله من مماليك سليمان كاويش القازدغلي فهو خشداش حسن كتخدا الشعراوي تقلد (2/126)
الامارة والصنجقية سنة تسع وستين ونفى مع حسن كتخدا المذكور واحمد جاويش المجنون كما تقدم في سنة ثلاث وسبعين فلما كانات ايام علي بك وورد من الديار الرومية طلب الامداد من مصر للغز وارسل علي بك فاحضر المترجم وقلده امارة السفر فخرج بالعسكر في موكب على العادة القديمة وسافر بهم الى الديار الرومية وذلك سنة ثلاث وثمانين ورجع بعد مدة واقام بطالا محترما مرعي الجانب ينافق كبار الدولة وانضم الى مراد بك فكان يجالسه ويسامره ويكرمه المذكور فلما حضر حسن باشا كان هو من جملة المتآمرين فلما استقر اسمعيل بك في امارة مصر اعتنى به وقدمه ونظمه في عداد الامراء لكبر سنه واقدميته وكان رجلا سليم الباطن لا بأس به توفي بالطاعون في هذه السنة
ومات الامير الجليل عبد الرحمن بك عثمان وهو مملوك عثمان بك الجرجاوي الذي قتل في واقعة قراميدان ايام حمزة باشا سنة تسع وسبعين كما تقدم فقلدوا عبد الرحمن هذا عوضه في الصنجقية فكان كفؤا لها وكان متزوجا ببنت الخواجا عثمان حسون التاجر العظيم المشهور المتوفي في ايام الامير عثمان بك ذي الفقار وخلف منها ولده حسن بك وكان المترجم حسن السيرة سليم الباطن والعقيدة محبوب الطباع جميل الصورة وجيه الطلعة وكان محمد بك ابو الطهب يحبه ويجله ويعظمه ويقبل قوله ولا يرد شفاعته وكان يميل بطبعه الى المعارف ويحب اهل العلم والفضائل ويجيد لعب الشطرنج ومن مآثره انه عمر جامع أبي هريرة الذي بالجيزة على الصفة التي هو عليها الآن وبنى بجانبه قصرا وذلك في سنة ثمان وثمانين ولما أتمه وبيضه عمل به وليمة عظيمة وجمع علماء الزهر على كرسي وأملى حديث من بنى لله مسجدا بحضرة الجمع وكان شيخنا السيد محمد مرتضى حاضرا وباقي العلماء والمشايخ والحقير في جملتهم وكنت حررت له المحراب على انحراف القبلة ثم انتقلنا الى القصر ومدت (2/127)
الاسمطة وبعدها الشربات والطيب وكان يوما سلطانيا توفي رحمه الله في شعبان بمنزله الذي بقيسون جوار بيت الشابوري ودفن عند سيده بالقرافة
ومات في اثره ولده حسن بك المذكور وكان فطنا نجيبا ويكتب الخط الجيد ويميل بطبعه الى الفضائل ودويها منزها عما لا يعنيه من النقائص والرذائل عوض الله شبابه الجنة
ومات الامير سليم بك الاسماعيلي من مماليك اسمعيل بك قلده الأمارة في سنة احدى وتسعين وخرج مع سيده الى الشام ثم رجع الى مصر بعد سفر سيده الى الروم وأقام بها بطالا في بيته بجوار المشهد الحسيني ببعض خدم قليلة ويذهب الى المسجد في الاوقات الخمسة فيصلى مع الجماعة ويتنفل كثيرا ولم يزل على ذلك حتى رجع سيده الى مصر فرد له امارته ورجع الى داره الكبيرة وتقلد امارة الحج في سنة اثنتين ونزل الى اقليم المنوفية وجمع المال والجمال ورجع وطلع بالحج وعاد في أمن وأمان ولم يزل في امارته حتى توفي بالطاعون في هذه السنة وكان طوالا جسيما خيره أقرب من شره
ومات الامير علي بك المعروف بجركس الاسماعيلي وهو من مماليك اسمعيل بك ايضا وقلده الامارة في مدته السابقة واسكنه ببيت صالح بك الذي بالكبش ولما تغرب سيده حضر الى مصر واقام خاملا وسكن بالكعكين وكان لطيفا مهذبا خفيف الروح ضحوك السن يحب العلماء والصلحاء ويتأدب معهم ويكرمهم ولما مات خشداشة ابراهيم بك قشطة تزوج بعده بزوجته بنت اسمعيل بك ولم يزل حتى توفي بعد سيده بأيام قليلة
ومات الامير غيطاس بك وهو من بيت صالح بك تابع مصطفى بك القرد وكان يعرف اولا بغيطاس كاشف تقلد الامارة في سنة مائتين وتولى امارة الحج في سنة 1201 فسار فيها سيرا حسنا وطلع بالحد ورجع مستورا (2/128)
واستمر اميرا الى ان مات على فراشه بالطاعون في بيته بخط باب اللوق فقلدوا بعده مملوكه صالح امارته وهو موجود الى الان في الاحياء وكان المترجم اميرا جليلا محتشما قليل التبسم من رآه ظنه متكبر السكون جاشه وكان لا بأس به في الجملة
ومات الامير علي بك الحسني وهو من مماليك حسن بك الجداوي قلده الامارة في ايام حسن باشا وتزوج بزوجة مصطفى بك الداودية المعروف بالاسكندراني وكان لطيف الذات جميل الطباع سهل الانقياد قليل العناد توفي في رجب من السنة بالطاعون ودفن بالمشهد الحسيني بمدفن القضاة ووجدت عليه زوجته وجدا كثيرا
ومات الامير رضوان كتخدا وهو من مماليك احمد كتخدا المجنون تنقل في المناصب حتى تولي كتخدائية الباب بحشمة وشهامة وعقل وسكون ولما استقل اسمعيل بك في امارة مصر نوه بشأنه واحبه وصار في تلك الايام احد المتكلمين المشار اليهم في الامر والنهي ونفاذ الكلمة والرياسة وكان قريبا الى الخير واشتهر اكثر من سيده وصار له اولاد وعزوة واتباع ومماليك وبنى لاكبر اولاده دارا بدرب سعادة وسكن هو في بيت استاذه توفي في اواخر شهر شعبان وكذلك اولاده وجواريه ومماليكه وخربت بيوتهم في أقل من شهر
ومات الامير عثمان آغا مستحفظان الجلفي وأصله من مماليك رضوان كتخدا الجلفي وتربى عند خليل بك شيخ البلد القازدغلي ولم يزل يتنقل في خدم الامراء ومعاشرتهم حتى تقلد الاغاوية في أيام اسمعيل بك ثم عزل عنها وتولاها ثانيا اياما قليلة ومات ايضا بالطاعون وخلف شيئا كثيرا من المال والنوال أخذه جميعه حسن بك الجداوي لانه كان منضوبا اليه وفي طريقتهم انهم يرثون من يكون منتسبا اليهم او جارا لهم وكان انسانا لا بأس به ومحضره خير ويحب اقتناء للكتب والمسامرة في الاخبار والنوادر مع ما فيه من نوع البلادة (2/129)
ومات الامير المبجل حسن افندي شقبون كاتب الحوالة وأصله مملوك احمد افندي مملوك مصطفى افندي شقبون نشأ في الرياسة وخدمة الوزراء والاكابر وحاز شيئا كثيرا من الكتب النفيسة والتي بخط الاعاجم والفارسية والخطوط التعليق المكلفة والمذهبة والمصورة مثل كليلة ودمنة وشاهنامة وديوان حافظ والتواريخ التي من هذا القبيل المصور بها صور الملوك البديعة الصنعة والاتقان الغالية الثمن النادرة الوجود وكان قريبا الى الخير محتشما في نفسه توفي ايضا بالطاعون وتبددت كتبه وذخائره
ومات الامير محمد آغا البارودي وهو مملوك احمد أغا مملوك ابراهيم كتخدا القازدغلي رباه سيده وجعله خازنداره وعقد له على ابنته فلما توفي سيده في سنة ثمان وثمانين طلقها وتزوج بزوجة سيد هانم بنت ابراهيم كتخدا من الست البارودية وهي أم أولاده ابراهيم وعلي ومصطفى الذين تقدم ذكرهم والتي كان عقد عليها كانت من غيرها فتزوجها حسن كاشف من اتباعهم تنبه المترجم وتداخل في الامراء والاكابر وانضوى الى حسن كتخدا الجربان عندما كان كتخدا مراد بك فقلده في الخدم والقضايا وأعجبه سياسته وحسن سعيه فارتاح اليه وكان حسن كتخدا المذكور تعتريه النوازل فينقطع بسببها أياما بمنزله فينوب عنه المترجم في الكتخدائية عند مراد بك فيحسن الخدمة والسياسة وتنميق الامور ويستجلب له المصالح فأحبه وأعجب به وقلده الامور الجسيمة وجعله أمين الشون فعند ذلك اشتهر ذكره ونما امره واتسع حاله وانفتح بيته وقصدته الناس وتردد إليه الأعيان في قضاء الحوائج ووقفت ببابه الحجاب واتخذ له ندماء وجلساء من اللطفاء واولاد البلد يجلس معهم حصة من الليل ينادمونه ويسامرونه ويضاحكونه ويشرب معهم وماتت زوجته ابنة سيد سيده من بنت البارودي فزوجه مراد بك أكبر محاظية ام ولده أيوب وأتت الى بيته بجهاز عظيم وصار بذلك صهرا لمراد بك وزادت شهرته ورفعته فلما حصلت الحوادث ووصل حسن باشا وخرج مراد بك من مصر فلم يخرج (2/130)
معه واستمر بمصر وقبض عليه اسمعيل بك وحبسه مع عمر كاشف ببيته ثم نقلهما الى القلعة بباب مستحفظان مدة فلم يزل المترجم حتى صالح عن نفسه وأفرج عنه وتقيد بخدمة اسمعيل بك وتداخل معه حتى نصبه في كتخدائيته واحبه واحتوى على عقله فسلم اليه قياده في جميع اشغاله وارتاح اليه وجعله أمين الشون والضربخانة وغيرهما فعظم شانه وارتفع قدره وطار صيته بالأقاليم المصرية وكثر الازدحام ببابه وجبيت اليه الاموال وصار الايراد اليه والمصرف من يده فيصرف جماكي العسكر ولوازم الدولة وهداياها ومصاريف العمائر والتجاريد واحتياجات أمير الحاج وغير ذلك بتؤدة وزياقة وحسن طريقة من غير جلبةولا عسف ولا شعور لاحد من الناس بشيء من ذلك وكل شيء سأل عنه مخدومه أو اشار بطلبه أو فعله وجده حاضرا ولم يشتغل امراء الحاج في زمن اسمعيل بك بشيء من لوازم الحج بل كان هو يقضي جميع اللوازم من الجمال والارحال والقرب والخيش والعليق والذخيرة التي تسافر في البحر والبر وعوائد العرب وكساويهم والهجن والبغال وارباب الصيت وغير ذلك ليلاونهارا في اماكن بعيدة عن داره تحت ايدي مباشريه الذين وظفهم وأقامهم في ذلك بحيث اذا اقتضى لاحدهم شيئا أتاه وأسر له في أذنه فيوجهه بطرف كلمة ولا يشعر احد من الجالسين معه بشيء وإذا كان وقت خروج المحمل فلا يرى امير الحاج الا جميع احتياجاته ولوازمه حاضرة مهيأة على أتم ما يكون وأكمله وزوج ابنة سيده لخازنداره علي أغا وعمل لهما مهما عظيما عدة ايام وحضر اسمعيل بك والامراء والاعيان وأرسلوا إليه الهدايا العظيمة وكذلك جميع التجار والنصارى والكتاب القبط ومشايخ البلدان وبعد تمام ايام العرس ولياليه بالسماعات والآلات والملاعيب والنقوط عملوا للعروس زفة بهيئة لم يسبق نظيرها ومشى جميع اربا الحرف وأرباب الصنائع مع كل طائفة عربة وفيها هيئة صناعتهم ومن يشتغل فيها مثل القهوجي بآلته وكانونه والحلواني والفطاطري والحباك والقزاز (2/131)
بنوله حتى مبيض النحاس والحيطان والمعاجيني وبياعين البز وارباب الملاهي والتماءالمغنيين وغيرهم كل طائفة في عربة وكان مجموعها نيفا وسبعين حرفة وذلك خلاف الملاعيب والبهالوين والرقاصين والجنك ثم الموكب وبعده الاغوات والحريم والملازمون والسعاة والجاويشية وبعدها عربة العروس من صناعة الافرنج بديعة الشكل وبعدها مماليك الخزنة والملبسون الزروخ وبعدهم النوبة التركية والنفيرات وكانت زفة غريبة الوضع لم ينفق مثلها بعدها وبلغ المترجم في هذه الايام من العظمة ما لم يبلغه أحد من نظرائه وكان إذا توجهت همته الى أي شيء اتمه على الوجه الذي يريده ويقبل الرشوة واذا أحب انسانا قضى له اشغاله كائنة ما كانت من غير شيء فلما مات مخدومه اسمعيل بك وتعين في الامارة بعده عثمان بك طبل استوزره ايضا وسلمه قيادة في جميع أموره وهو الذي أشار عليه بممالاته الامراء القبليين عندما تضايق خناقه من حسن بك الجداوي ومناكدته له فكاتبهم سرا بسفارته وأطمعهم في الحضور وتمكينهم من مصر ومات المترجم في اثناء ذلك في غرة رمضان وذلك بعد اسمعيل بك بأربعة عشر يوما
ومات الصنو الوجيه والفريد النبيه محمد افندي بن سليمان افندي ابن عبد الرحمن افندي بن مصطفى افندي ككليويان ويقال لها في اللغة العامية جمليان نشأ في عفة وصلاح وخير وطلب العلم وعانى الجزئيات والرياضيات ولازم الشيخ المرحوم الوالد وقرأ عليه كثير من الحسابيات الفلكيات والهيئة والتقويم ومهر في ذلك وانتظم في عدد ارباب المعارف واشترى كتبا كثيرة في الفن واستكتب وكتب بخطه الحسن واقتنى الالات والمستظرقات وحسب وقوم الدساتير السنوية عشرة اعوام مستقبلة بأهلتها وتواريخها وتواقيعها ورسم كثيرا من الالات الغريبة والمنحرفات وكان شغله وحسابه في غاية الضبط والصحة والحسن وكان لطيف الذات مهذب الاخلاق قليل الادعاء جميل الصحبة وقورا مات ايضا بالطاعون (2/132)
في شعبان وتبددت كتبه وآلاته
ومات ايضا الخدن الشقيق والمحب الشفيق النجيب الاريب الامير رضوان الطويل وهو من مماليك علي كتخدا الطويل وكان من هذا القبيل متولعا من صغره بهذا الفن وقرأ على الشيخ المتقن الشيخ عثمان الورداني وغيره وأنجب وحسب ورسم واشتغل فكره بذلك ليلا نهارا ورسم الارباع الصحيحة المتقنة الكبيرة والصغيرة والمزاول والمنحرفات وغير ذلك من الآلات المبتكرة والرسميات الدقيقة واتسع باعه في ذلك واشتهر ذكره الى ان قطعت يد الاجل نواره واطفأت رياح المنية انواره
ومات الجناب المكرم والاختيار المعظم الامير اسمعيل افندي الخلوتي اختيار جاويشان كان رجلا من أعيان الاختيارية في وقته معروفا صاحب حشمة ووقار ومعرفة بالسياسة وأمور الرياسة ولم يزل حتى توفي في شهر شعبان سنة 1205 بالطاعون
ومات ايضا الجناب المكرم محمد افندي باشقلفة وهو مملوك يوسف افندي باشقلفة وخشداش محمد افندي ثاني قلفة وعبد الرحمن افندي وكان مليح بالذات جميل الصفات تقلد كتابة هذا القلم عندما تلبس السيد محمد باشقلفة بكتابة الروزنامة فسار فيها سيرا حسنا وحمدت مساعيه الى ان وافاه الحمام وسارت نواعيه
ومات ايضا النبيه اللطيف والمفرد العفيف احمد افندي الوزان بالضربخانة وكان انسانا حسنا جميل الاوضاع مترهف الطباع محتشما وقورا ودودا محبوبا لجميع الناس
سنة ست ومائتين والف
استهل شهر محرم بيوم الاربعاء وفيه عينوا صالح آغا كتخدا الجاويشية الى السفر الى الديار الرومية وصحبته هدية وشربات وأشياء وصالح أنما هذا هو الذي بعثوه قبل ذلك لاجراء الصلح على يد نعمان افندي (2/133)
ومحمود بك وكاد ان يتم ذلك وأفسد ذلك حسن باشا ونفى نعمان افندي بذلك السبب وذلك قبل موت حسن باشا بأربعة ايام فلما رجعوا الى مصر في هذه المرة عينوه ايضا لللآرسالية لسابقته ومعرفته بالاوضاع وكان صالح اغا هذا عندما حضروا الى مصر سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته فلما كان خامس المحرم ركب الامراء لوداعه ونزل من مصر القديمة
وفيه هبط النيل ونزل مرة واحدة وذلك في ايام الصليب ووقف جريان الخليج والترع وشرقت الاراضي فلم يرو منها الا القليل جدا فارتفعت الغلال من السواحل والرقع وضجت الناس وايقنوا بالقحط وايسوا من رحمة الله وغلا سعر الغلة من ريالين الى ستة وضجت الفقراء وعيطوا على الحكام فصار الاغا يركب الى الرقع والسواحل ويضرب المتسببين في الغلة ويسمرهم في آذانهم ثم صار ابراهيم بك يركب الى بولاق ويقف بالساحل وسعر الغلة بأربعة ريال الاردب ومنعهم من الزيادة على ذلك فلم ينجع وكذلك مراد بك كرر الركوب والتحريج على عدم الزيادة فيظهرون الامتثال وقت مرورهم فإذا التفتوا عنهم باعوا بمرادهم وذلك مع كثرة ورود الغلال ودخول المراكب وغالبها للأمراء وينقلونها الى المخازن والبيوت
وفي أوائل صفر وصل قاصد وعلى يده مرسوم بالعفو والرضا عن الامراء فعملوا الديوان عند الباشا وقرأوا المرسوم وصورة ما بنى عليه ذلك انه لما حضر السيد عمر افندي بمكاتبتهم السابقة الى الباشا يترجون وساطته في اجراء الصلح أرسل مكاتبة في خصوص ذلك من عنده وذكر فيها ان من بمصر من الامراء لا طاقة لهم بهم ولا يقدرون على منعهم ودفعهم وانهم واصلون وداخلون على كل حال فكان هذا المرسوم جوابا عن ذلك وقبول شفاعة الباشا والاذن لهم بالدخول بشرط التوبة والصلح بينهم وبين اخوانهم فلما فرغوا من قراءة ذلك ضربوا شنكا ومدافع
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر حضر الشيخ الامير الىمصر من الديار الرومية ومعه مرسومات خطابا للباشا والامراء فركب المشايخ ولا قوه من (2/134)
بولاق وتوجه الى بيته ولم يأت للسلام عليه احد من الامراء وانعمت عليه الدولة بألف قرش ومرتب بالضربخانة قرش في كل يوم وقرأ هنا البخاري عند الآثار الشريفة بقصد النصرة
وفي شهر ربيع الاول عمل المولد النبوي بالازبكية وحضر مراد بك الى هناك واصطلح مع محمد افندي البكري وكان منحرفا عنه بسبب وديعته التي كان اودعها عنده واخذها حسن باشا فلما حضر الى مصر وضع يده على قرية وكان اشتراها الافندي من حسن جلبي بن علي بك الغزاوي وطلب من حسن جلبي ثمن القرية الذي قبضه من الشيخ ليستوفي بذلك بعض حقه وطال النزاع بينهما بسب ذلك ثم اصطلحا على قدر قبضه مراد بك منهما وحضر مراد بك الى الشيخ في المولد وعمل له وليمة واستمر عنده حصة من الليل وخلع على الشيخ فروة سمور
وفيه عملوا ديوانا عند الباشا وكتبوا عرضحال بتعطيل الميري بسبب شراقي البلاد
وفيه سافر محمد بك الالفي الى جهة شرقية بلبيس
وفيه حضر ابراهيم بك الى مسجد استاذه للكشف عليه وعلى الخزانة وعلى ما فيها من الكتب ولازم الحضور اليه ثلاثة ايام واخذ مفتاح الخزانة من محمد افندي حافظ وسلمه لنديمه محمد الجراحي واعاد لها بعض وقفها المرصد عليها بعد ان كانت آلت الى الخراب ولم يبق بها غير البواب امام الباب
وفي شهر ربيع الثاني قرروا تفريدة على تجار الغورية وطيلون وخان الخليلي وقبضوا على انفار انزلوهم الى التكية ببولاق ليلا في المشاغل ثم ردوهم ووزع كبار التجار ما تقرر عليهم من فقرائهم بقوائم وناكد بعضهم بعضا وهرب كثير منهم فسمروا دورهم وحوانيتهم وكذلك فعلوا بكثير من مساتير الناس والوجاقلية وضج الخلائق من ذلك
وفي مستهل جمادى الاولى كتبوا فرمانا بقبض مال الشراقي ونودي به (2/135)
في النواحي وانقضى شهر كيهك القبطي ولم ينزل من السماء قطرة ماء فحرثوا المزروع ببعض الاراضي التي طشها الماء وتولدت فيها الدودة وكثرت الفيران جدا حتى اكلت الثمار من اعلى الاشجار والذي سلم من الدودة من الزرع اكله الفار ولم يحصل فيه هذه السنة ربيع للبهائم الا في النادر جدا ورضي الناس بالعليق فلم يجد والتبن وبلغ حمل الحمار من قصل التبن الاصفر الشبيه بالكناسة الذي يساوي خمسة انصاف قبل ذلك مائة نصف ثم انقطع مرور الفلاحين بالكلية بسبب خطف السواس واتباع الاجناد فصار يباع عند العلافين من خلف الضبة كل حفان تسفين الى غير ذلك
وفيه حضر صالح اغا من الديار الرومية
وفي شهر شوال سافر ايضا بهدية ومكاتبات الى الدولة ورجالها
وفي شهر القعدة وردت الاخبار بعزل الصدر الاعظم يوسف باشا وتولية محمد باشا ملكا وكان صالح اغا قد وصل الى الاسكندرية فغيروا المكاتبات وارسلوها اليه
وفيه حضر اغا بتقرير لوالي مصر على السنة الجديدة وطلع بمكب الى القلعة وعملوا له شنكا
وفي اواخر شهر الحجة شرع ابراهيم بك في زواج ابنته عديلة هانم للامير ابراهيم بك المعروف بالوالي امير الحج سابقا وعمر لها بيتا مخصوصا بجوار بيت الشيخ السادات وتغالوا في عمل الجهاز والحلي والجواهر وغير ذلك من الاواني والفضيات والذهبيات وشرعوا في عمل الفرح ببركة الفيل ونصبوا صواري امام البيوت الكبار وعلقوا فيها القناديل ونصب الملاعيب والملاهي أرباب الملاعيب وفردت التفاريد على البلاد وحضرت الهدايا والتقادم من الامراء والاكابر والتجار ودعا ابراهيم بك الباشا فنزل من القلعة وحضر صحبته خلع وفرا ومصاغ للعروس من جوهر وقدم له ابراهيم بك تسعة عشر من الخيل منها عشرة معددة وسجة لؤلؤ وأقمشة (2/136)
هندية وشبقات دخان مجوهره وعملوا الزقة في رابع المحرم يوم الخميس وخرجت من بيت أبيها في عربة غريبة الشكل صناعة الإفرنج في هيئة كمال من غير ملاعيب ولا خزعبلات والامراء والكشاف وأعيان التجار مشاة أمامها
وفيه حضر عثمان بك الشرقاوي وصحبته رهائن حسن بك الجداوي وهم شاهين بك وسكن في مكان صغير وآخرون
وفيه وصلت الاخبار بان علي بك انفصل من حسن بك ومن معه وسافر على جهة القصير وذهب الى جدة
واما من مات في هذه السنة
مات الامام الذي لمعت أفق الفضل بوارقه وسقاه من مورده النمير عذبه ورائقه لا يدرك بحر وصفه الاغراق ولا تلحقه حركات الافكار ولو كان لها في مضمار الفضل السباق العالم النحرير واللوذعي الشهير شيخنا العلامة أبو العرفان الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي ولد بمصر وحفظ القرآن والمتون واجتهد في طلب العلم وحضر اشياخ عصره وجهابذة مصره وشيوخه فحضر على الشيخ الملوي شرحه الصغير على السلم وشرح الشيخ عبد السلام على جوهرة التوحيد وشرح المكودي على الالفية وشرح الشيخ خالد على قواعد الاعراب وحضر على الشيخ حسن المدابغي صحيح البخاري بقراءته لكثير منه وعلى الشيخ محمد العشماوي الشفا للقاضي عياض وجامع الترمذي وسنن ابي داود وعلى الشيخ احمد الجوهري شرح ام البراهين لمصنفها بقراءته لكثير منها وعلى الشيخ السيد البليدي وصحيح مسلم وشرح العقائد النسفية للسعد التفتازاني وتفسير البيضاوي وشرح رسالة الوضع للسمرقندي وعلى الشيخ عبد الله الشبراوي تفسير البيضاوي وتفسير الجلالين وشرح الجوهرة للشيخ عبد السلام وعلى الشيخ محمد الحفناوي صحيح البخاري والجامع الصغير وشرح المنهج والشنشوري على (2/137)
الرجيبه ومعراج النجم الغيطي وشرح الخزرجية لشيخ الاسلام وعلى الشيخ حسن الجبرتي التصريح على التوضيح والمطول ومتن الجغميني في علم الهيئة وشرح الشريف الحسيني علىهداية الحكمة قال وقد أخذت عنه في الميقات وما يتعلق به وقرأت فيه رسائل عديدة وحضرت عليه في كتب مذهب الحنفية كالدر المختار على تنوير الابصار وشرح ملا مسكين على الكنز وعلى الشيخ عطية الاجهوري شرح المنهج مرتين بقراءته لاكثر وشرح جمع الجوامع للمحلى وشرح التلخيص الصغير للسعد وشرح الاشموني على الالفية وشرح السلم للشيخ الملوي وشرح الجزرية لشيخ الاسلام والعصام على السمرقندية وشرح أم البراهين للحفصى وشرح الاجرومية لريحان اغا وعلى الشيخ على العدوى مختصر السعد على التلخص وشرح القطب على الشمسية وشرح شيخ الاسلام على ألفية المصطلح بقراءته لاكثره وشرح بن عبد الحق على البسملة لشيخ الاسلام ومتن الحكم لابن عطاء الله رحمهم الله تعالى أجمعين قال وتلقيت طريق القوم وتلقين الذكر على منهج السادة الشاذلية على الاستاذ عبد الوهاب العفيفي المرزوقي وقد لازمته المدة الطويلة وانتفعت بمدده ظاهرا وباطنا قال وتلقيت طريق ساداتنا آل وفا سقانا الله من رحيق شرابهم كؤوس الصفا عن ثمرة رياض خلفهم ونتيجة أنوار شرفهم على الاكابر والاصاغر ومطمح انظار أولى الابصار والبصائر أبي الانوار محمد السادات ابن وفا نفحنا الله واياه بنفحات جده المصطفى وهو الذي كناني على طريقة اسلافه بأبي العرفان وكتب لي سنده عن حاله السيد شمس الدين أبي الاشراق عن عمه السيد أبي الخير عبد الخالق عن أخيه السيد ابي الارشاد يوسف عن والده الشيخ أبي التخصيص عبد الوهاب عن ولد عمه السيد بحيى أبي اللطف الى آخر السند هكذا نقلته من خط المترجم رحمه الله تعالى ولم يزل المترجم يخدم العمل ويدأب في تحصيله حتى تمهر في العلوم العقلية والنقلية وقرأ الكتب المعتبرة في حياة اشياخه وربى التلاميذ (2/138)
واشتهر بالتحقيق والتدقيق والمناظرة والجدل وشاع ذكره وفضله بين العلماء بمصر والشام وكان خصيصا بالمرحوم الشيخ الوالد اجتمع به من سنة سبعين ومائة وألف ولم يزل ملازما له مع الجماعة ليلا ونهارا واكتسب من اخلاقه ولطائفة وكذلك بعد وفاته لم يزل على حبه ومودته مع الحقير وانضوى الى استاذنا السيد أبي الانوار بن وفا ولازمه ملازمة كلية وآشرقت عليه أنواره ولاحت عليه مكارمه وأسراره ومن تآليفه حاشيته على الاشموني التي سارت بها الركبان وشهد بدفنها أهل الفضائل والعرفان وحاشية على شرح العصام على السمرقندية وحاشية على شرح الملوى على السلم ورسالة في علم البيان ورسالة عظيمة في آل البيت ومنظومة في علم العروض وشرحها ونظم اسماء أهل بدر وحاشية على آداب البحث ومنظومة في مصطلح الحديث ستمائة بيت ومثلثات في اللغة ورسالة في الهيئة وحاشية على السعد في المعاني والبيان ورسالتان على البسملة صغرى وكبرى ورسالة في مفعل ومنظومة في ضبط رواة البخاري ومسلم وكان في مبدأ أمره وعنفوان عمره معانقا للخمول والاملاق متكلا على مولاه الرزاق يستجدي مع العفة ويستدر من غير كلفة وتنزل اياما في وظيفة التوقيت بالصلاحية بضريح الامام الشافعي رضي الله عنه عندما جدده عبد الرحمن كتخدا وسكن هناك مدة ثم ترك ذلك ولما بنى محمد بك ابو الذهب مسجده تجاه الازهر تنزل المترجم ايضا في وظيفة توقيتها وعمر له مكانا بسطحها سكن فيه بعياله فلما اضمحل امر وقفة تركه واشترى له منزلا صغيرا بحارة الشنواني وسكن به ولما حضر عبد الله افندي القاضي المعروف بططر زاده وكان متضلعا من العلوم والمعارف وسمع بالمترجم والشيخ محمد الجناجي واجتمعا به اعجب بهما وشهد بفضلهما واكرمهما وكذلك سليمان افندي الرئيس فعند ذلك راج امر المترجم واثرى حاله بالملابس وركب البغال وتعرف ايضا باسمعيل كتخدا حسن باشا وتردد اليه قبل ولايته فلما اتته الولاية بمصر زاد في اكرامه واولاه (2/139)
بره ورتب له كفاتيه في كل يوم بالضربخانة والجزية وخرجا من كلاره من لحم وسمن وارز وخبز وغير ذلك وأعطاه كساوى وفراء واقبلت عليه الدنيا وازداد وجاهة وشهرة عمل فرحا وزوج ابنه سيدي علي فأقبل عليه الناس بالهدايا وسعوا لدعوته وانعم عليه الباشا بدراهم لها صورة والبس ابنه فروة يوم الزفاف وكذا ارسل اليه طبلخانته وجاويشيته وسعاته فزفوا العروس وكان ذلك في مبادىء ظهور الطاعون في العام الماضي وتوعك الشيخ المترجم بعد ذلك بالسعال وقصبة الرئة حتى دعاه داعي الاكام وفجأة الحمام ليلة الثلاثاء من شهر جمادى الاولى من السنة وصلى عليه بالآزهر في مشهد حافل ودفن بالبستان تغمده الله بالرحمة والرضوان وخلف ولده الفاضل الصالح الشيخ علي بارك الله فيه
ومات السيد السند الامام الفهامة المعتمد فريد عصره ووحيد شامه ومصره الوارد من زلال المعارف على معينها المؤيد باحكام شريعة جده حتى ابان صبح يقينها السيد العلامة ابي المودة محمد خليل بن السيد العارف المرحوم علي بن السيد محمد بن القطب العارف بالله تعالى السيد محمد مراد بن علي الحسيني الحنفي الدمشقي اعاد الله علينا من بركاته علومهم في الدنيا والاخرة من بيت العلم والجلالة والسيادة والعز والرياسة والسعادة والمترجم وان لم نره لكن سمعنا خبره ووردت علينا منه مكاتبات ووشى طروسة المحبرات وتناقل الينا اوصافه الجميلة ومكارم اخلاقه الجليلة وكان شامة الشام وغرة الليالي وايام اورق عوده بالشام واثمر ونشأ بها في حجر والده والدهر ابيض وقرأ القرآن على الشيخ سليمان الديركي المصري وطالع في العلوم والادبيات واللغة التركية والانشاء والتوقيع ومهر وانجب واجتمعت فيه المحاسن الحسية والمزايا المعنوية مع الطف خلق يسعى اللطف لينظر اليه ورقيق محاسن يقف الكمال متحيرا لديه وانا وان لم يقع لي عليه نظر بالعين فسماع الاخبار احدى الروايتين ولما توفي والده المرحوم تنصب مكانه مفتي الحنفية بالديار الشامية ونقيب (2/140)
الاشراف باجماع الخاص والعام وسار فيها احسن سير وزين بمآثره العلوم النفلية وملك بنقد ذهنه جواهرها السنية فكانت تتيه به على سائر البقاع بقاع الشام ويفتخر به عصره على جميع الليالي والايام فلا تزال تصدح ورق الفصاحة في ناديها وتسير الركبان بما فيه من المحاسن رائحها وغاديها ونور فضله باد وموائده ممدودة لكل حاضر وباد وكان رحمه الله مغرما بصيد الشوارد وقيد الاوابد واستعلام الاخبار وجمع الاثار وتراجم العصريين على طريق المؤرخين وراسل فضلاء البلدان البعيدة ووصلهم بالهدايا والرغائب العديدة والتمس من كل جمع تراجم اهل بلاده واخبار اعيان اهل القرن الثاني عشر يحسب وسع همته واجتهاده وكان هو السبب الاعظم الداعي لجمع هذا التاريخ على هذا النسق فانه كان راسل شيخنا السيد محمد مرتضى والتمس منه نحو ذلك فأجابه لطلبته ووعده بأمنيته فعند ذلك تابعه بالمراسلات واتحفه بالصلات المترادفات وشرع شيخنا المرحوم في جمع المطلوب بمعونة الفقير ولم يذكر السبب الحامل على ذلك وجمع الحقير ايضا ما تيسر جمعه وذهبت به يوما وعنده بعض الشاميين فأطلعته عليه فسر بذلك كثيرا وطار حتى وطارحته في نحو ذلك بمسمع من المجالس ولم يلبث السيد الا قليلا واجاب الداعي وتنوسي هذا الامر شهورا ووصل نعي السيد الى المترجم والصورة الواقعة وكانت اوراق السيد مختوما عليها فعند ذلك ارسل الي كتابا وقرنه بهدية على يد السيد محمد التاجر القباقيبي يستدعي تحصيل ما جمعه السيد من اوراقه وضم ما جمعه الفقير وما تيسر ضمه ايضا وارساله وانتقل المترجم بعد ذلك لامور اوجبت رحلته منها الى حلب الشهباء كما ذكر لي ذلك في مراسالاته في سنة خمس ومائتين وألف وهناك عصفت رياح المنية بروضه الخصيب وهصرت يد الردي يانع غصنه الرطيب فاحتضر واحضر بأمر الملك المقتدر لا زال جدثه روضة من رياض الجنان ولا برح مجرى لجداول الرحمة والرضوان وذلك في اواخر صفر من هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة ولم يخلف بعده في (2/141)
الفضائل والمكارم مثله
ومات الامام المفوه من غذى بلبان الفضل وليدا وعدلبيد اذا قيس بفصاحته بليدا من له في المعالي ارومة وفي مغارس الفضل جرثومة الحسين ابن النور علي بن عبد الشكور الحنفي الطائفي الحريري الفقه والانشاء ويعرف بالمتقي من اولاد الشيخ علي المتقي مبوب الجامع الصغير من اكبر أصحاب الشيخ السيد عبد الله ميرغني ولد بالطائف بها نشأ وتكمل في الفنون العرفانية وتدرج في المواهب الاحسانية واحبه السيد عبد الله وتعلق بأذياله وشرب من صفو الاوهام وأخذ بالحرمين عن عدة علماء كرام وشارك في العلوم ونافس في المنطوق والمفهوم الا انه غلب عليه التصوف وعرف منه ما فيه الكمال والتصرف وبينه وبين شيخنا العيدروس مودة أكيدة ومحبة عتيدة ومحاورات ومذاكرات وملاطفات ومصافاة وقد ورد علينا مصر في سنة 1174 وسكن ببيت الشيخ محسن علي الخليج وكان يأتيه السيد العيدروس والسيد مرتضى وغيرهم فأعاد روض الانس نضيرا وماء المصافاة نميرا ودخل الشام وحلب وبها أخذ عن جماعة في أشياء منهم السيد اسمعيل المواهبي فقد عده من شيوخه واثنى عليه ودخل بلاد الروم وانعم بالمروم وعاد الى الحرمين وقوض عن الاسفار الخيام
وللسيد العيدروس قصيدة بائية ارسلها له وهي بليغة مطولة وغير ذلك مطارحات كثيرة وللمترجم مؤلفات حسان وكلها على ذوق أهل العرفان منها المنظومة التي تعرف بالصلاتية عجيبة وشرحها مزجا كأصلها علىلسان القوم ولما حج الشيخ التاودي بن سودة كتبها عنه ووصل بها المغرب ونوه بشأنها حتى كتبت منها عدة نسخ ونوه بشأن صاحبها حتى عين له سلطان المغرب بصرة في كل سنة تصل اليه مع الركب والناس في المترجم مختلفون فمنهم من يصفه بالبراعة والكمال واولئك الذين رأوا كلامه فبهرهم نظامه ومنهم من يصفه بالحلول عن ربقة الانقياد ويرميه بالحلول والاتحاذ وهو ان شاء الله تعالى مبرأ مما نسب اليه ولما اجتمع به العلامة (2/142)
محمد بن يعقوب بن الفاضل الشمشاري ونزل في منزله فكان أنيسا له في سائر احواله قال اختبرته حق الاختبار فلم اجد له الا لسانا وهو مثار وبعد اشهر تبرم عن ملازمته واتخذ له حجرة في الحرم وعزل نفسه عنه فالتزم وحكى لي من اموره اشياء غريبة والمترجم معذور فان ساداتنا المغاربة ليس لهم تحمل في سماع كلام مثل كلامه لانهم الفوا ظاهر الشريعة ولم يدخل على اذهانهم نوادر اهل العرفان ولا تسوروا حصونها المنيعة ولاهل الروم فيه اعتقاد جميل ومواهبهم تصل اليه في كل قليل وكان له ولد يسمى جعفرا ورد علينا مصر في سنة خمس وثمانين واقام معنا برهة يغدو الينا ويبيت ويروح لزيارة بعض احباب ابيه بمصر ويذهب معنا لبعض المنتزهات اذ ذاك ولم يزل حتى اخترمته المنية سامحه الله ولم يخلف بعده مثله
سنة سبع ومائتين وألف
استهل المحرم بيوم الخميس والامر في شدة من الغلاء وتتابع المظالم وخراب البلاد وشتات اهلها وانتشارهم بالمدينة حتى ملؤا الاسواق والازقة رجالا ونساء واطفالا يبكون ويصيحون ليلا ونهارا من الجوع ويموت من الناس في كل يوم جملة كثيرة من الجوع
وفيه ايضا هبط النيل قبل الصليب بعشرة ايام وكان ناقصا عن ميعاد الري نحو ذراعين فارتجت الاحوال وانقطعت الامال وكان الناس ينتظرون الفرج بزيادة النيل فلما نقص انقطع املهم واشتد كربهم وارتفعت الغلال من السواحل والعرصات وغلت اسعارها عما كانت وبلغ الاردب ثمانية عشر ريالا والشعير بخمسة عشر ريالا والفول بثلاثة عشر ريالا وكذلك باقي الحبوب وصارت الاوقية من الخبز بنصف فضة ثم اشتد الحال حتى بيع ربع الويبة بريال وآل الامر الى ان صار الناس يفتشون على الغلة فلا يجدونها ولم يبق للناس شغل ولا حكاية ولا سمر بالليل والنهار في مجالس الاعيان وغيرهم الا مذاكرة القمح والفول والاكل ونحو ذلك وشحت النفوس واحتجب المساتير وكثر الصياح والعويل ليلا ونهارا فلا (2/143)
تكاد تقع الارجل الاعلى خلائق مطروحين بالازقة واذا وقع حمارا وفرس تزاحموا عليه واكلوه نيا ولو كان منتنا حتى صاروا يأكلون الاطفال ولما انكشف الماء وزرع الناس البرسيم ونبت اكلته الدودة وكذلك الغلة فقلب اصحاب المقدرة الارض وحرثوها وسقوها بالماء من السواقم والنطالات والشواديف واشتروا لها التقاوى بأقصى القيم وزرعوها فأكله الدود ايضا ولم ينزل من السماء قطرة ولا اندية ولا صقيع بل كان في اوائل كيهلك شرودات واهوية حارة ثقيلة ولم يبق بالارياف الا القليل من الفلاحين وعمهم الموت والجلاء
وفي اواخر شهر ربيع الاول حضر صالح اغا من الديار الرومية وعلى يده مرسومات بالعفو وثلاث خلع احداها للباشا والاخريان لابراهيم بك ومراد بك فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسومات وضربوا مدافع واحضر صحبته صالح آغا وكالة دار السعادة وانتزعها من مصطفى اغا واستولى على ملابلها
وفيه وصلت غلال رومية وكثرت بالساحل فحصل للناس اطمئنان وسكون ووافق ذلك حصاد الذرة فنزل السعر الى اربعة عشر ريالا الاردب واما التبن فلا يكاد يوجد وإذا وجد منه شيء فلا يقدر من يشتريه على ايصاله لداره او دابته بل يبادر لخطفه السواس واتباع الاجناد في الطريق واذا سمعوا واستشعروا بشيء منه في مكان كبسوا عليه واخذوه قهرا فكان غالب مؤنة الدواب قصب الذرة الناشف ويشرح الكثير من الفقراء والشحاذين في نواحي الجسور فيجمعون ما يمكنهم جمعه من الحشيش اليابس والنجيل الناشف ويأتون به ويطوفون به الاسواق ويبيعونه بأغلى الاثمان ويتضارب على شرائه الناس وان صادفهم السواس والقواسة خطفوه من على رؤوسهم واخذوه قهرا
وفيه وصلت الاخبار بان علي بك الدفتردار لما سافر من القصير طلع على المويلح وركب من هناك مع العرب الى غزة وارسل سرا الى مصر وطلب رجلا نصرانيا من اتباعه فذهب اليه صحبة الهجان بمطلوبات وبعض (2/144)
احتياجات ولما وصل الى جهة غزة أرسل الى احمد باشا الجزار يعلمه بوصوله فأرسل لملاقاته خيلا ورجالا فذهب اليه وصحبته نحو الثلاثين نفرا لا غير فلما وصل الى قرب عكا خرج اليه احمد باشا ولاقاه ووجهه الى حيفا ورتب لهم بها رواتب وأما مراد بك فانه خرج الى بر الجيزة من اول السنة وجلس في قصر اسمعيل بك الذي عمره هناك واشتغل بعمل جبخانة وآلات حرب وبارود وجلل وقنابر وطلب الصناع والحدادين وشرع في انشاء مراكب وغلايين رومية وزاد في بناء القصر ووسعه وانشأ به بستانا عظيما وغير ذلك وسافر عثمان بك الشرقاوي الى ثغر الاسكندرية وجبى الاموال في طريقه من البلاد
وفي يوم الاربعاء سابع عشرين ربيع الاخر وخامس كيهك القبطي امطرت السماء مطرا متوسطا وفرح به الناس
وفي يوم السبت غرة جمادى الاولى عدى مراد بك من بر الجيزة فدخل الى بيته واخبروا عن عثمان بك الشرقاوي انه رجع الى رشيد ثم في رابعه حضر المذكور الى مصر
وفي ليلة الخميس خرج مراد بك وابراهيم بك وباقي امرائهم الى جهة العادلية فأقاموا أياما قليلة ثم ذهب مراد بك الى ناحية ابو زعبل وكذلك ابراهيم بك الوالي وصحبته جماعة من الامراء الى ناحية الجزيرة في وقت خروجهم نهب اتباعهم ما صادفوه من الدواب وصاروا يكبسون الوكائل التي بباب الشعرية ويأخذون ما يجدونه من جمال الفلاحين السفارة وحميرهم نهبا فأما مراد بك فانه لما وصل الى ابو زعبل وجد هناك طائفة من عرب الصوالحة في خيشهم لاجنية لهم فنهبهم وأخذ اغنامهم ومواشيهم وقتل منهم نحو خمسة وعشرين شخصا ما بين غلمان وشيوخ واقام هناك يوما وقبض على مشايخ البلد أبى زعبل وحبسهم وقرر عليهم غرامة احد عشر الف ريال ولم يقبل فيهم شفاعة استاذهم وشتمه وضربه بالعصا واما عرب الجزيرة فأنهم ارتحلوا من اماكنهم
وفي شهر شعبان وقع الاهتمام بسد خليج الفرعونية بسبب احتراق (2/145)
البحر الشرقي ونضوب مائه وظهرت بالنيل كيمان رمل هايلة من حد المقياس الى البحر المالح وصار البحر الغربي سلسلول جدول تخوضه الاولاد الصغار ولا يمر به الا صغار القوارب وانقطع الجالب من جميع النواحي الا ما تحمله المراكب الصغار باضعاف الاجرة وتعطلت دواوين المكوس فأرسلوا الى سد الترعة رجلا مسلماني وصحبته جماعة من الافرنج وأحضروا الاخشاب العظيمة ورتبوا عمل السد قريبا من كفر الخضرة وركبوا آلات في المراكب ودقوا ثلاث صفوف خوابير من أخشاب طوال فلما أتموا ذلك كانت الصناع فرغت من تطبيق الواح في غاية الثخن شبه البوابات العظام وهي مسمرة بمسامير عظيمة ملحومة بالرصاص وصفائح الحديد مثقوبة بثقوب مقاسة علىما يوازيها من نجوش منجوشة بالخوابير المركوزة في الماء فاذا نزلوا ببوابة آلحموها بتلك الخوابير وتبعتهم الرجال بالجوابي المملوأة بالحصا والرمل من امام ومن خلف وتبع ذلك الرجال الكثيرة بغلقان الاتربة والطين ففعلوا ذلك حتى قارب التمام ولم يبق الا اليسير ثم حصل الفتور في العمل بسبب ان المباشر على ذلك أرسل لمراد بك بالحضور ليكون اتمامها بحضرته ويخلع عليه ويعطيه ما وعده به من الانعام فلم يحضر مراد بك وغلبهم الماء وتلف جانب من العمل وكان أيوب بك الصغير حاضرا وفي نفسه ان لا يتم ذلك لاجل بلاده فأصبح مرتحلا وتركوا العمل وانفض الجمع وقد أقام العمل في ذلك من اوائل شعبان الى اواسط شوال ثم نزل اليها جماعة آخرون وطبوا جملة مراكب موسوقة بالاحجار وشرعوا في عمل سد المكان القديم عن فم الترعة ودقوا ايضا خوابير كثيرة وألقوا احجارا عظيمة وفرغت الاحجار فأرسلوا بطلب غيرها فلم تسعفهم القطاعون فشرعوا في هدم الابنية القديمة والجوامع التي بساحل النيل وقلعوا احجار الطواحين التي بالبلاد القريبة من العمل واستمروا على ذلك حتى قويت الزيادة ولم يتم العمل ورجعوا كالاول وذهب في ذلك من الاموال والغرامات والسخرات وتلف من المراكب (2/146)
والاخشاب والحديد ما لا يحد ولا يعد
وفي اوائل شوال ورد الخبر بان علي بك سافر من عند احمد باشا الى اسلامبول صحبة قبجي معين فلما قرب من اسلامبول ارسلوا من وجهه الى برصا ليقيم بها ورتبوا له كفايته في كل شهر خمسمائة قرش رومي
من مات في هذه السنة ممن له ذكر
مات السيد الامام العارف القطب عفيف الدين ابو السيادة عبد الله ابن ابراهيم بن حسن بن محمد امين بن علي ميرغني بن حسن بن مير خوردابن حيدر بن حسن بن عبد الله بن علي بن حسن بن احمد بن علي بن ابراهيم ابن يحيى بن عيسى بن ابي بكر بن علي بن محمد بن اسمعيل ابن ميرخورد البخاري بن عمر بن علي بن عثمان بن علي المتقي بن الحسن بن علي الهادي ابن محمدالجوار الحسيني المتقي المكي الطائفي الحنفي الملقب بالمحجوب ولد بمكة وبها نشأ وحضر في مباديه دروس بعض علمائها كالشيخ النخلي وغيره واجتمع بقطب زمانه السيد يوسف المهدلي وكان أذ ذاك أوحد عصره في المعارف فانتسب اليه ولازمه حتى رقاه وبعد وفاته جذبته عناية الحق وارته من المقامات مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فحينئذ انقطعت الوسايط وسقطت الوسائل فكان اويسيا تلقيه من حضر جده صلى الله عليه و سلم كما اشار الى ذلك شيخنا السيد مرتضى عندما اجتمع به بمكة في سنة 1163 وأطلعه على نسبه الشريف وأخرجه اليه من صندوق قال وطلبت منه الاجازة واسناد كتب الحديث فقال غنى عنه قال فعلمت انه أويسي المقام ومدده من جده عليه الصلاة و السلام وانتقل الى الطائف بأهله وعياله في سنة ست وستين وشرف تلك المشاهد ومآثر شهيرة ومفاخرة كثيرة وكراماته كالشمس في كبد السماء وكالبدر في غيهب الظلماء وأحوله في احتجابه عن الناس مشهورة وأخباره في زهده عن الدنيا على ألسنة الناس مذكورة ومن مؤلفاته كتاب فرائض (2/147)
وواجبات الاسلام لعامة المؤمنين والكوكب الثاقب وشرحه وسماه رفع الحاجب عن الكوكب الثاقب وله ديوانان متضمنان لشعره احدهما المسمى بالعقد المنظم على حروف المعجم والثاني عقد الجواهر في نظم المفاخر ومنها المعجم الوجيز في أحاديث النبي العزيز صلى الله عليه و سلم اختصره من الجامع وذيله وكنوز الحقائق والبدر المنير وهو في اربعة كراريس وقد شرحه العلامة سيدي محمد الجوهري وقرأه دروسا ومنها شرح صيغة القطب بن مشيش ممزوجا وهو من غرائب الكلام ومنها مشارق الانوار في الصلاة والسلام على النبي المختار توفي رضي الله عنه في هذه السنة
ومات الشيخ الفاضل الصالح احمد بن يوسف الشنواني المصري الشافعي المكني بأبي العز المكتب الخطاط ويعرف ايضا بحجاج وأمه الشريفة خاصكية ابنة القاضي جلبي بن احمد العراقي من ذرية القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان الغرف بالمنوفية حفظ القرآن وجوده على الشيخ المقرى حجازي بن غنام تلميذ الزميلي وجود الخط المنسوب على الشيخ احمد بن اسمعيل الافقم ومهر فيه وأجيز فنسخ بيده كثيرا من المصاحف ونسخ الدلائل والكتب الكبار منها الاحياء للغزالي والامثال للميداني وانتفع الناس به طبقة بعد طبقة وفي غضون ذلك تردد على جملة من الشيوخ كالشهابين الملوي والجوهري وأخذ عنهما أشياء والشمس الحفني والشيخ حسن المدابغي ومحمد بن النعمان الطائي في آخرين وأحبوه وجاور بالحرم سنة ثم عاد الى مصر ولازم معنا كثيرا على شيخنا السيد مرتضى في حضور الحديث فسمع البخارى بطرفيه ومسلما بطرفيه وسنن أبي داود الى قريب ثلثيه وغالب الشمائل للترمذي وثلاثيات البخاري وثلاثيات الدرامي والحلية لابي نعيم من اوله الى مناقب العشرة وأجزاء كثيرة بحدودها في ضمن اجازته باسانيدها وكان نعم الرجل صحبة وديانة وحفظا للنوادر من الاشعار (2/148)
والحكايات وأصيب المترجم بكريمتيه عوضه الله دار الثواب من غير سابقة عذاب ولا عتاب توفي سابع عشرين جمادى الاولى من السنة
ومات الامام الفقيه المحدث البارع المتبحر علام المغرب الشيخ ابو عبد الله محمد بن الطالب بن سودة المري الفاسي التاودي ولد بفاس سنة 1128 وأخذ عن ابي عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الناصري شارع الاكتفاء والشفاء ولامية الزقاق وغيرها والشهاب احمد بن عبد العزيزالهلالي السجلماسي قرأ عليهما الموطا وغيرها والشهاب احمد بن مبارك السجلماسي اللمطي قرأ عليه المنطق والكلام والبيان والأصول والتفسير والحديث وكان في أكثرها هو القارىء بين يديه مدة مديدة وأذن له في اقراء الصحيح في حياته فألقى دروسا بين يديه وكان يوده ويسر به ويقدمه على سائر الطلبة ولما توفي ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الاولى سنة خمس وخمسين ومائة والف بالطاعون تزاحم ذو الوجاهات فيمن يلحده في قبره فكان الشيخ هو المتولي لذلك دون غيره وتلك كرامة له ورضوا بذلك قال وكلمته يوما في شأن الحج متمنيا له ذلك فقال لي مشيرا الى شيخه سيدي عبد العزيز الدباغ ان الناس قالوا لي جعلناك في حق فلا تخرج من هذه البلدة وأنت ستحج واعطيك الف دينار وألف مثقال ان شاء الله تعالى قال ولم تك نفسي تحدثني بالحج يومئذ ولم يخطر ببال ومنهم الفقيه المتواضع صاحب التآليف ابو عبد الله محمد ابن قاسم جسوس لازمه مدة وقرأ عليه كتبا منها رسالة بن أبي زيد ومختصر خليل ثلاث ختمات مع مطالعه شروح وحواش والحكم والشمائل وجميع الصحيح من غير فوت شيء منه ومنهم حافظ المذهب الفقيه القاضي ابو البقاء يعيش بن الزغاوي الشاوي قرأ عليه رجز بن عاصم ولامية الزقاق وطرفا من الصحيح توفي سنة 1150 كان منزله بالدوخ في اطراف المدينة فنزل به اللصوص ليلا فدافع عن حريمه وقاتلهم حتى قتل شهيدا رحمه الله ومنهم قاضي الجماعة ومفتي الانام أبو العباس (2/149)
احمد بن احمد الشدادي الحسني قرأ عليه المختصر الخليلي من اوله الى الوديعة او العارية وسمع عليه بعض التفسير من اوله ومنهم الفقيه الزاهد القاضي ابو عبد الله محمد بن احمد التماق قرأ عليه رسالة ابن أبي زيد والحكم والتفسير من اوله الى سورة النساء ومنهم الامام الناسك الزاهد ابو عبد الله محمد بن جلون قرأ عليه الاجرومية وختم عليه الالفية مرتين والمختصر الخليلي من اوله الى اليمين ولم يكن له نظير في الضبط والاتقان والتحرير وهو اول شيخ اخذ عليه وذلك قبل البلوغ وكان اذا قام من دروسه عرض على نفسه ماقاله فيجده لا يدع منه حرفا واحدا ومنهم سيبويه زمانه ابو عبد الله سيدي محمد ابن الحسن الجندوز قرأ عليه الالفية فكان يملي من حفظه في اثنائه الشروح والحواشي وشروح الكافية والتسهيل والرضي والمعنى والشواهد وغير ذلك مما يستجاد ويستغرب وقرأ عليه السلم والتلخيص ومن انصافه انه لما قرب اواخره بلغه ان الشيخ بن مبارك يريد ان يقرأه فقام مع جماعة وذهب اليه ليسمع منه وهذا من حسن انصافه واعترافه بالحق ومنهم ابو العباس احمد بن علال الوجاري قرأ عليه الالفية بلفظة ثلاث مرات وشيئا من التسهيل والمغنى وقد ذكر له بعض الشيوخ عن ابن هشام انه قرأ الالفية الف مرة فقال له بعض من سمعه وكم قرأتها قال اما المائة فجزتها فهؤلاء عشرة شيوخ كذا لخصتها من اجازة المترجم للشيخ احمد ابن علي بن عبد الوهاب بن الحاج الفاسي في تاسع جمادى الثانية سنة ثلاث والف وحج المترجم فقدم مصر سنة احدى وثمانين ورجع سنة 1182 وعقد درسا حافلا بالجامع الازهر برواق المغاربة فقرأ الموطأ بتمامه وحضره غالب الموجودين من العلماء واجاد في تقريره وافاد وسمع عليه الكثير اوائل الكتب الستة والشمائل والحكم وغيرها واجاز ولقي بمكة ابا زبد عبد الرحمن بن اسلم اليمني وابا محمد حسين بن عبد الشكور صاحب الشيخ عبد الله الميرغني والشيخ ابراهيم الزمزمي وغيرهم وبالمدينة (2/150)
ابا عبد الله محمد بن عبد الكريم السمان وابا الحسن السندي وعبد الله جعفر الهندي وغيرهم واجازوه واجازهم وعاد الى مصر واجتمع بفاضلها كالجوهري والصعيدي وحسن الجبرتي والطحلاوي والسيد العيدروس والشيخ محمود الكردي وعيسى البراوي والبيومي والعربان وعطية الأجهوري وكان صحبته ولداه سيدي محمد وهو الاكبر وسيدي أبو بكر خالي العذار جميل الصورة وتردد على الشيخ الوالد كثيرا وتلقى عنه بعض الرياضيات وترك عنده ولديه المذكورين مدة اقامته بمصر فكنا نطالع معهما سوية صحبة الشيخ سالم القيرواني والشيخ احمد السوسي ونسهر غالب الليل نراعي المطالع والمغارب وممرات الكواكب بالسطح حذاء خيط المساترة ونراجع الشيخ فيما يشكل علينا فهمه وهو معنا في ناحية اخرى واوقفت سيدي ابا بكر على طريق رسم ربع الدائرة المقنطر والمجيب توفي سيدي محمد بفاس سنة 1193 ومن تآليف المترجم حاشية قوله وارخه الى آخره ابتداء التاريخ من الزاي من زج مع حساب السنين بثلاثمائة على قاعدة المغاربة الا انه يزيد واحدا عن سنة الوفاة فلعله مات سنة اربع وتسعين ومائة والف كما يظهر ذلك بحساب التاريخ على البخاري في اربع مجلدات وحاشية على الزرقاني شارح خليل وشرحان على الاربعين النووية ومناسك حج وشرح الجامع لسيدي خليل وشرح تحفة بن عاصم في القضاء والاحكام والمنحة الثابتة في الصلاة الفائتة وفتح المتعال فيما ينتظم منه بيت المال وحاشية علي بن جزي المفسر وحاشية على البيضاوي لم تكمل وشرح المشارق للصاغاني ومنظومة فيما يختص بالنساء وكلفه سلطان المغرب خطة القضاء في سنة 1203 فقبلها كرها وكانت فتاويه مسددة واحكامه مؤيدة مع غاية التحرز والصيانة والاتقان وبالجملة فكان عين الاعيان في عصره ومصره شهير الذكر وافر الحرمة مهيب الصورة يغلب دلاله على جماله قليل التبسم ولما توفي مولاي محمد سلطان المغرب ووقع الاختلاف والاضطراب (2/151)
بين اولاده اجتمع الخاصة والعامة على رأى المترجم فاختار المولى سليمان وبايعه على الامر بشرط السير على الخلافة الشرعية والسنن المحمدية وبايعه الكافة بعده على ذلك وعلى نصره الدين وترك البدع والمظالم والمكوس والمحارم وكان كذلك ولم يزل المترجم على طريقته الحميدة حتى توفي في هذه السنة وتوفي بعده ابنه سيدي ابو بكر في سنة عشر ومائتين والف
ومات الامام العلامة والوجيه الفهامة الشيخ احمد بن محمد بن جاد الله ابن محمد الخناني المالكي البرهاني وجده الاخير يعرف بأبي شوشة وله مقام بزار بام خنان بالجيزة نشأ في طلب العلم وحضر أشياخ الوقت ولازم السيد البليدي وصار معيدا لدروسه بالازهر والاشرفية وانتفع بملازمته له انتفاعا كليا وانتسب اليه وأجازه اجازة مطولة بخطه ونوه بشأنه فلما توفي شيخه المذكور تصدر لاقراء الحديث مكانه بالمشهد الحسيني واجتمع عليه الناس وحضره من كان ملازما لحضور شيخه من تجار المغاربة وغيرهم واعتقدوا صلاحه وتحبب اليهم وواسوه بالصلاة والزكوات النذور وواظب الاقراء بالازهر ايضا وزيارة مشاهد الاولياء واحياء لياليها بقراءة القرآن والذكر ويقوم دائما من الثلث الاخير من الليل ويذهب الى المشهد الحسيني ويصلي الصبح بغلس في جماعة وزاد اعتقاد الناس فيه واتسعت دنياه مع المداومة على استجلابها وامسكاها وبآخرة اشترى دارا عظيمة بحارة كنامة المعروفة الان بالعينية بالقرب من الازهر وانتقل اليها وسكنها وكان يخرج لزيارة قبور المجاورين في كل يوم جمعة قبل الشمس فنزل العرب في بعض الجمع الى بين الكيمان فأراد الهروب وكان جسيما فسقط من على بغلته على خربته فانكسر زره وحمل الى داره وعالج نفسه شهورا حتى عوفي قليلا ولم يزل تعاوده الامراض حتى توفي رحمه الله وما رأيته قط الا وهو يتلو قرآنا أو يطالع كتابا سامحه الله تعالى (2/152)
ومات الامام الفاضل الصالح النجيب المفوه الناجح الشيخ محمد ابن احمد بن خضر الخربتاوي المالكي الازهري قرأ على والده وحضر دروس شيخنا الشيخ علي العدوي الصعيدي وبه تخرج وانجب في العلوم وله سليقة جيدة في النثر والنظم وحصل كتبا نفيسة المقدار زيادة على الذي ورثه من والده وله محبة في آل البيت ومدائح كثيرة وهو ممن قرظ على شرح القاموس لشيخنا السيد محمد مرتضى تقريظا بديعا ولم يزل المترجم مقبلا على شأنه مواظبا على دروسه حتى توفي في هذه السنة رحمه الله
ومات الاجل الصالح الناسك المسلك العارف الشيخ محمد بن عبد الحافظ افندي ابو ذاكر الخلوتي الحنفي اخذ الطريق عن السيد مصطفى البكري والشيخ الحفني وحضر الفقه على العلامة الشيخ محمد الدلجي والشيخ احمد الحماقي وادرك الاسقاطي والمنصوري ولم يتزوج قط وكف بصره سنة 1181 وانقطع في بيته احدى وعشرين سنة بمفرده وليس عنده قريب ولا غريب ولا جارية ولا عبد ولا من يخدمه في شيء مطلقا وبيته متسع جهة التبانة وبابه مفتوح دائما وعنده الاغنام والدجاج والاوز والبط والجميع مطلوقون في الحوش وهو يباشر علفهم واطعامهم وسقيهم الماء بنفسه ويطبخ طعامه بنفسه وكذلك يغسل ثيابه واشتهر في الناس بان الجن تخدمه وليس ببعيد لانه كان من اهل المعارف والاسرار ويأتي اليه الكثير من الطلبة للاخذ عنه والتلقي منه وكان له يد طولي في كل شيء ومشاركة جيدة في العلوم والمعارف والاسماء والروحانيات والاوفاق واستحضار تام في كل ما يسأل عنه وعنده عدة كثيرة من السنانير ويعرفها بالواحد بأسمائها وأنسابها وألوانها ويقول هذه تحفة بنت بستانه وهذه كمونة بنت ياسمين وهذه فلانة أخت فلانة الى غير ذلك توفي رحمه الله تعالى في شهر شوال من هذه السنة
ومات الامام العلامة والرحلة الفهامة المعمر المتقدم الشيخ مصطفى المرحومي الشافعي ولد بمحلة المرحوم بالمنوفية وقرأ القرآن وحفظه (2/153)
وجوده وحضر الى مصر المتون وتفقه على الاشياخ المتقدمين كالدفري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والملوي والحفني وغيرهم ومهر في المعقول والمنقول وأملى الدروس بالازهر وجامع أزبك وانتفع به الناس كان يتردد الى بيوت بعض الاعيان ويحبونه ويكرمونه ويستفيدون من فوائده ونوادره وكان له حافظة واستحضار للمناسبات والاشعار واللطائف لا يمل حديث ومفاكهته توفي في هذه السنة رحمه الله
ومات الامام العلامة الفقيه النحوي الاصولي الجدلي النحرير الفصيح المتقن المتفنن الشيخ علي الشهير بالطحان الازهري المصري حضر شيوخ العصر ولازم الشيخ الملوي والجوهري وكان معيد الدروس الاخيروبه وبه تخرج وكان يقرأ الكتب ويقرر الدروس بدون مطالعة الا انه كان يغلب عليه الملل والسآمة وحب البطالة غالب ايامه ولا يتعفف عن الدنيا من أي وجه كان ويطلبها وان قلت وكانت سليقته جيدة في النثر والنظم وله منظومة في الفقه ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى وصغرى ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى وصغرى ومنظومة في العروض ومنظومة في البان ومنظومة في الطب وله لاميتان على محاكات لامية بن الوردي كبرى الملوي على السمرقندية توفي في اواخر شعبان من السنة
ومات الامام العلامة النبيه الوجيه الفاضل المستعد الشيخ يوسف ابن عبدالله بن منصور السنبلاويني الشهير برزه الشافعي تفقه على بلدية الشيخ احمد رزة وحضر دروس الشيخ الحفني والشيخ البراوي والشيخ عطية والشيخ الصعيدي وغيرهم من الاشياخ وأنجب ودرس وأفاد ولازم الاقراء وكان انسانا وجيها محتشما ساكن الجاش وقورا بهي الشكل قانعا بحاله لا يتداخل كغيره في أمور الدنيا مجمل الملابس لا يزيد على ركوب الحمار في بعض الاحيان لبعض الامور الضرورية ولم يزل حتى تعلل وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات العلامة المفيد المفوه المجيد الشيخ عبد الرحمن بن علي بن الامام (2/154)
العلامة عبد الرؤوف البشبيشي نشأ في حجر والده وحفظ القرآن وحضر الاشياخ وتفقه في مذهب ابيه وجده وهم شافعيون واجتمع بالشيخ الوالد ولازمه ملازمة كلية وحضر عليه في مذهب أبي حنيفة وحفظ كثيرا من الفروع الغريبة في المذهب والرياضيات وأقراني في حال الصغر شيئا من القرآن وحروف الهجاء وكان به بعض رعوته فانتقل الى مذهب أبي حنيفة واخبر الوالد بذلك يظن سروره في انتقاله فلامه على فعله وانحط قدره عنده من ذلك الوقت وذلك بعد موت والده في سنة 1187 واملق حاله وتكدر باله وسافر بآخرة الى دمياط واقام بها مدة يفتي على مذهب الحنفية وراج أمره هناك لشغور الثغر عن مثله ثم قدم مصر لامر عرض له فأقام بمصر واراد بيع داره ليصرف ثمنها في شؤونه فلم يجد من يشتريها بالثمن المرغوب وكان انسانا حسنا يذاكر بفوائد مع حسن المعرفة وصحة الذهن وربما تعلق ببعض فنون غريبة ولذا قل حظه رحمه الله في هذه السنة وحيدا في داره وهو جالس
ومات المجذوب المعتقد السيد علي البكري أقام سنينا متجردا ويمشي في الاسواق عريانا ويخلط في كلامه وبيده نبوت طويل يصحبه معه في غالب اوقاته وقد تقدم ذكره وذكر المرأة التي تبعته المعروفة بالشيخة أمونة وكان يحلق لحيته وللناس فيه اعتقاد عظيم وينصتون الى تخليطاته ويوجهون ألفاظه ويؤولونها على حسب أغراضهم ومقتضيات احولهم ووقائعهم وكان له أخ من مساتير الناس فحجر عليه ومنعه من الخروج وألبسه ثيابا ورغب الناس في زيارته وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته فأقبل الناس عليه من كل ناحية وترددوا لزيارته من كل جهة وأتوا اليه الهدايا والنذور وجروا على عوائدهم في التقليد وازدحم عليه الخلائق وخصوصا النساء فراج بذلك أمر أخيه واتسعت دنياه ونصبه شبكة لصيده ومنعه من حلق لحيته فنبتت وعظمت وسمن بدنه وعظم جسمه من كثرة الاكل والراحة وقد كان قبل ذلك عريانا شقيانا يبيت غالب لياليه (2/155)
بالجوع طاويا من غير اكل بالازقة في الشتا والصيف وقيد به من يخدمه ويراعيه في منامه ويقظته وقضاء حاجته ولا يزال يحدث نفسه ويخلط في الفاظه وكلامه وتارة يضحك وتارة يشتم ولا بد من مصادفة بعض الالفاظ لما في نفس بعض الزائرين وذوي الحاجات فيعدون ذلك كشفا واطلاعا على ما في نفوسهم وخطرات قلوبهم ويحتمل ان يكون كذلك فانه كان من البله المجاذيب المستغرقين في شهود حالهم وسبب نسبتهم هذه انهم كانوا يسكنون بسويقة البكري لا انهم من البكرية ولم يزل هذه حالة حتى توفي في هذه السنة واجتمع الناس لمشهده من كل ناحية ودفنوه بمسجد الشرايبي بالقرب من جامع الرويعي في قطعة من المسجد وعملوا على قبره مقصورة ومقاما يقصد للزيارة واجتمع عند مدفنه في ليال وميعادات قراء ومنشدون وازدحم عند أصناف الخلائق ويختلط النساء بالرجال ومات اخوه ايضا بعده بنحو سنتين
ومات الوجيه المكرم والنبيه المفخم مصطفى بن صادق افندي اللازجي الحنفي ولد سنة 1174 ونشأ في حجر والده وحفظ القرآن وبعض المتون في صغره وحفظ في صغره وحفظ البرجلي والشاهدي ومهر في اللغة التركية وتفقه على ابيه وقرأ عليه علم الصرف وحضر على بعض الاشياخ ولازم الشيخ محمد الفرماوي واخد عنه النحو وقرأ عليه مختصر السعد وغيره برواق الجيرت بالازهر ثم تصدر للافادة والمطالعة لطلبة الاتراك المجاورين برواق الأورام ولبس له تاجا وفراجة وعمل له مجلس وعظ على كرسي بالجامع المؤيدي وذلك قبل نبات لحيته وكان وسيما جسيما بهي الطلعة أبيض اللون رابي البدن فاجتمع لسماع وعظه ومشاهدة ذاته كثير من الناس من ابناء العرب والاتراك والامراء والاجناد فيقرر لهم بالعربي والتركي بفصاحة وطلاقة لسان وممن كان يحضره علي أغا مستحفظان وهام فيه واحبه وصار يتردد اليه كثيرا ويذهب هو ايضا الى داره كثيرا وكان والده متوليا على وقف اسكند ومشيخة التكية بباب الخرق فكان (2/156)
هو المتكلم على ذلك عوضا عن أبيه واتفق انه حاسب المباشر على ذلك وهو الشيخ احمد الصفطة وطالبه بما تأخر عليه فما طلبه فأغرى به علي أغا المذكور فطلب الشيخ احمد المذكور ونكل به وشهره وعلقه على شباك السبيل بباب الخرق بقاووقه وهيئته واجتمع الناس للفرجة عليه يوما كاملا ثم اطلقه فاشتهر أمر المترجم وهابه الناس واكثر من الترداد الى بيوت الامراء وعظموه وأحبوه وأكرموه لاتحاد الجنسية وارتباط الحيثية ولما توفي مصطفى افندي شيخ رواقهم انتبذ هو لطلب المشيخة وذهب الى مراد بك فألبسه فروة على مشيخة الرواق فتعصب اهل الرواق وأبو مشيخته عليهم لحداثة سنه واجتعوا وذهبوا الى مراد بك فزجرهم ونهرهم وطردهم فرجعوا بقهرهم وسكتوا واستمر شيخا عليهم يأتي الى الرواق في كل يوم ويقرأ لهم الدرس كما كان من قبله واشتهر ذكره وعظمت لحيته وصار ذا وجاهة عظيمة وسكن دارا عظيمة جهة التبانة من وقف رواقهم ودعا اليه الاعيان والاكابر وعمل لهم ولائم وقدم لهم التقادم والهدايا واحتفل به مصطفى أغا الوكيل وسعى له في اشغاله وكاتب الدولة في شأنه فأرسلوا له مرتبا بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا في كل يوم واتسع حاله واقبلت عليه الدنيا من كل جهة ومات ابوه في سنة اربع ومائتين وألف وكان ذا مكنة وحرص فأحرز مخلفاته ايضا وباع تركته وكان سليط اللسان في حق الناس فاتفق انه لما حضر حسن باشا الى مصر فحضر مرة الى زيارة المشهد الحسيني وجلس مع الشيخ السادات والشيخ البكري فدخل عليهم المترجم فجلس هنيهة ثم قام فسأل عنه حسن باشا فأخبره الشيخ السادات عن احواله وتكلمه في حق الناس فأمر بنفيه فأنزعج عليه والده ثم ذهب الىحسن باشا وكلمه فرق له ورحم شيبته وامر برد ابنه فرجع من ليلته ولم يزل يسعى ويتحيل حتى احضر حسن باشا الى داره وجدد معه صداقة وصحبة حتى كان أن يأخذه صحبته ولم يزل في فوعته وفورته حتى غار ماء حياته وانغلق عن الفتح باب قبره (2/157)
عند مماته وهو مقتبل الشبيبة في هذه السنة
ومات الشيخ المحترم المبجل الشيخ احمد بن الامام العلامة سالم النفراوي المالكي نشأ في حجر والده في رفاهية وتنعم ورياسة ولما مات والده تعصب له الشيخ عبد الله الشبراوي وحاز له وظائف والده وتعلقاته وأجلسه للاقراء في مكان درس أبيه وأمر جماعة ابيه بالحضور عليه وكان الشيخ علي الصعيدي من اكبر طلبة ابيه فتطلع للجلوس في محله وكان أهلا لذلك فعارضه الشيخ الشبراوي وأقصاه وصدر ولده لذلك مع قلة بضاعته ولتغة في لسانه فحقد ذلك في نفسه الشيخ الصعيدي سنينا وكان المترجم ذا دهاء ومكر وتصدي للقضايا والدعاوي واتخذ له أعوانا واشتهر ذكره وعد من الكبار وترددت اليه الامراء والاعيان وصار ذا صولة وهيبة ولما ظهر شأن علي بك كان يرعى له حقه وحالته التي وجده عليها ويقبل شفاعته ويكرمه حتى انه كان يأتي اليه بداره التي بالجيزة فلما مات علي بك وانتقلت الرياسة الى محمد بك وكان له عناية بالشيخ الصعيدي ويسمع لقوله وكان السيد محمد بدوي بن فتيح القباني مباشر المشهد الحسيني يعلم كراهة الشيخ الصعيدي الباطنية للمترجم فيرصد الوقت الذي يحضر في الشيخ الصعيدي عند الامير ويفتح مذاكرته والتكلم في حقه فيساعده الشيخ ويظهر المكمون في نفسه من المترجم ويذكرون مساويه وقبائحه وما بيده من الوظائف بغير حق وما تحت نظارته من الاوقاف المتخربة حتى اوغروا صدر الامير عليه فنزع منه وظائفه وفرقها على من اشاروا عليه بتقليده اياها وأهانه فعند ذلك تسلطت عليه الالسن وكثرت فيه الشكاوي وتجاسر عليه الانذال وتطاول عليه الارذال وهدموابيته الذي بالجيزة لانه كان تعدى في بنائه وأخذ قطعة من الطريق التي يسلك منها الناس فعند ذلك خمل ذكره وبرد امره واستمر على ذلك حتى توفي في هذه السنة غفر الله له وسامحه بمنه وكرمه (2/158)
سنة ثمان ومائتين وألف
فيها أوفى النيل أذرعه في سادس عشر المحرم الموافق لثامن عشر مسرى القبطي وأول برج السنبلة وفيها انحلت الاسعار وبورك في رمي الغلال حتى ان الفدان الواحد زكا بقدر خمسة أفدنة وبلغ النيل الى الزيادة المتوسطة وثبت الى أول بابه وشمل الماء غالب الارض بسبب التفات الناس لسد المجارى وحفر الترع واصلاح الجسور
وفي اوائل شهر صفر وصل قابجي من الديار الرومية بطلب مال المصالحة والحلوان فانزلوه في دار وهادوه ورتبوا له مصروفا
ومن الحوادث ان الناس انتظروا جاويش الحاج وتشوفوا لحضوره ولم يذهب اليهم في هذه السنة ملاقاة بالوش ولا بالازلم وأرسل ابراهيم بك هجانا يستخبر عن الحجاج فذهب ورجع ليلة الثالث والعشرين من شهر صفر وأخبر ان العرب تجمعوا على الحج من سائر النواحي عند مغاير شعيب ونهبوا الحجاج وكسروا المحمل واحرقوه وقتلوا غالب الحجاج والمغاربة معهم وأخذوا أحمالهم ودوابهم ونهبوا أثقالهم وانجرح أمير الحج وأصابه ثلاث رصاصات وغاب خبره ثلاثة ايام ثم أحضره العرب وهو عريان في أسوأ حال وأخذوا النساء بأجمالهن والذي تبقى منهم أدخلوه الى قلعة العقبة وتركهم الهجان بها من غير ماء ولا زاد فنزر بالناس من الغم والحزن تلك الليلة مالا مزيد عليه ثم أنهم عينوا محمد بك الالفي وعثمان بك الاشقر ليسافرا بسبب ذلك فخرجا في يوم الخميس سابع عشرين صفر وخطف اتباعهم في ذلك اليوم ما صادفوه من الجمال والبغال والحمير وقرب السقائين التي تنقل الماء من الخليج ونهبوا الخبر من الطوابين والمخابر والكعك والعيش من الباعة وفي يوم خروجهم (2/159)
وصل جماعة من الحجاج ودخلوا في أسوأ حال من العري والجوع والتعب فلما وصلوا الى نخل تلاقوا مع باقي الحجاج عل مثل ذلك ووجدوا أمير الحاج ذهب الى غزة وصحبته جماعة من الحجاج وأرسل يطلب الامان ولم يزوروا المدينة في هذه السنة وأرسل من صرة المدينة اثنين وثلاثين ألف ريال مع عرب حرب ضاع في هذه الحادثة من الاموال والمحزوم شيء كثير جدا واخبروا ان مواسم هذا العام كان من أعظم المواسم لم يتفق مثله من مدة مديدة
وفي يوم الاثنين غرة ربيع الاول دخل باقي الحجاج على مثل حالة من وصل منهم قبل ذلك
وفي صبحها يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة واجتمع الامراء والوجاقلية والمشايخ وقرىء المرسوم الذي حضر بصحبة الاغا فكان مضمونه طلب الحلوان والخزينة وقدر ذلك تسعة الاف واربعمائة كيس وعشرة الاف وخمسة واربعون نصفا فضة تسلم ليد الاغا المعين من غير تأخير
وفيه عملوا على زوجات أمير الحاج ثلاثين الف ريال وأرسلوا الى بيت حسن كاشف المعمار فأخذوا ما فيه من الغلال وغيرها لانه قتل في معركة العرب مع الحجاج وألبسوا زوجته الخاتم قهرا عنها ليزوجوها لمملوك من مماليك مراد بك وهي بنت علي اغا المعمار ووجدت على زوجها وجدا عظيما وارسلت جماعة لاحضار رمته من قبره الذي دفن فيه في صندوق على هيئة تابوت
وفيه شرع الامراء في عمل تفريدة على البلاد بسبب الاموال المطلوبة وقرروها عال وهو اربعمائة ريال ووسط ثلثمائة والدون مائة وخمسون وكتبوا اوراقها على الملتزمين ليحصلوها منهم
وفي يوم الخميس سافر حسن كتخدا ايوب بك بامان لعثمان بك ليحضره من غزة ووصل المتسفرون بجثة حسن كاشف المعمار (2/160)
وفي عشرين جمادى الاولى وصل عثمان بك طبل الاسماعيلي امير الحاج الى مصر مكسوف البال ودخل الى بيته
وفيه حضر الصدر الاعظم يوسف باشا الى الاسكندرية ليتوجه الى الحجاز فاعتنى الامراء بشأنه وارسلوا له ملاقاة وتقادم وهدايا وفرشوا له قصر العيني ووصل الى مصر وطلع من المراكب الى قصر العيني واسلوا له تقادم وضيافات ثم حضروا للسلام عليه في زحمة وكبكبة فخلع على ابراهيم بك ومراد بك خلعا ثمينة وقدم لهما حصانين بسرجين مرختين ثم نزل له الباشا المنولي بعد يومين وسلم عليه ورجع الى القلعة واقاموا لخفارته عبد الرحمن بك الابراهيمي جلس بالقصر المواجه لقصر العيني وقد تخيلوا من حضوره وظنوا ظنونا
وفي يوم الاحد ثالث جمادى الثانية طلع يوسف باشا الى القلعة باستدعاء من الباشا المتولي فجلس عنده الى بعد الظهر ونزل في موكب حافل الى محله بقصر العيني وارسل له ابراهيم بك ومراد بك مع كتخدائهم هدية وهي خمسمائة أردب قمح ومائة اردب ارز وتعبيات اقمشة هندية وغير ذلك واقام بالقصر اياما وقضوا أشغاله وهيؤا له اللوازم والمراكب بالسويس وركب في اواسط جمادى الثانية وذهب الى السويس ليسافر الى جدة من القلزم وانقضت هذه السنة وحوادثها واستهلت الاخرى *
من مات فيها من الاعيان ومن سارت بذكرهم الركبان
مات نادرة الدهر وغرة وجه العصر انسان عين الاقاليم فريد عقد المجد النظيم جامع الفضائل والمحاسن ومظهر اسم الظاهر والباطن من لبس رداء النجابة في صباه ولاح عنوان المكارم على صحائف علاه ولم تقصر عليه أثواب مجده التي ورثها عن ابيه وجده الحسيب النسيب والنجيب الاريب السيد محمد افندي البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية ونقيب السادة الاشراف بمصر المحمية تقلد بعد والده المنصبين وورث عنه (2/161)
السيادتين فسار فيهم سيرة الملوك ونثر فرائد المكارم من أسلاك السلوك فجوده حدث عن البحر ولا حرج وبراعة منطقه تلتج سلب الالباب والمهج مع حسن منظر تتزاحم عليه وفود الابصار وفيض نوال تضطرب لغيرتها منه البحار وقد اجتمع فيه من الكمال ما تضرب به الامثال واخبار غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان زمانه كأنه عروس الفلك فكم قال له الدهر اما الكمال فلك ولم يزل كذلك الى ان آذنت شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وقطفت زهرة شبابه وقد سقتها دموع احبابه وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الثاني وخرجوا بجنازته من بيتهم بالازبكية وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن عند اجداده بجوار الامام الشافعي رضي الله عنه وبالجملة فهو كان مسك الختام قلما تسمح بمثله الايام ولما مات تولى سجادة الخلافة البكرية ابن خاله سيدي الشيخ خليل افندي وتقلد النقابة السيد عمر افندي الاسيوطي
ومات علامة العلوم والمعارف وروضة الاداب الوريقة وظلها الوارف جامع المزايا والمناقب شهاب الفضل الثاقب الامام العلامة الشيخ احمد ابن موسى بن داود ابو الصلاح العروسي الشافعي الازهري ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف وقدم الازهر فسمع على الشيخ احمد الملوي الصحيح بالمشهد الحسيني وعلى الشيخ عبد الله الشبراوي الصحيح والبضاوي والجلالين وعلى السيد البليدي البيضاوي في الأشرفية وعلى الشمس الحفني الصيح مع شرحه للقسطلاني ومختصر بن ابي جمرة والشمائل وابن حجر على الاربعين والجامع الصغير وتفقه على كل من الشبراوي والعزيزي والحفني والشيخ علي قايتباي الاطفيجي والشيخ حسن المدابغي والشيخ سابق والشيخ عيسى البراوي والشيخ عطية الاجهوري وتلقى بقية الفنون عن الشيخ علي الصعيدي لازمه السنين العديدة وكان معيدا لدروسه وسمع عليه الصحيح بجامع مرزة ببولاق (2/162)
وسمع من الشيخ ابن الطيب الشمائل لما ورد مصر متوجها الى الروم وحضر دروس الشيخ يوسف الحفني والشيخ ابراهيم الحلبي وابراهيم بن محمد الدلجي ولازم الشيخ الوالد وأخذ عنه وقرأ عليه في الرياضيات والجبر والمقابلة وكتاب الرقائق للسبط وقوللي زاده على المجيب وكفاية القنوع والهدايةوقاضي زادة وغير ذلك وتلقن الذكر والطريقة عن السيد مصطفى البكري ولازمه كثير واجتمع بعد ذلك على ولي عصره الشيخ احمد العربان فأحبه ولازمه واعتنى به الشيخ وزوجه احدى بناته وبشره بانه سيسود ويكون شيخ الجامع الازهر فظهر ذلك بعد وفاته بمدة لما توفي شيخنا الشيخ احمد الدمنهوري واختلفوا في تعيين الشيخ فوقعت الاشارة عليه واجتمعوا بمقام الامام الشافعي رضي الله عنه كما تقدم واختاروه لهذه الخطة العظيمة فكان كذلك واستمر شيخ الجامع على الاطلاق ورئيسهم بالاتفاق يدرس ويعيد ويملي ويفيد ولم يزل يراعي للحقير حق الصحبة القديمة والمحبة الاكيدة وسمعت من فوائده كثيرا ولازمت دروسه في المغني لابن هشام بتمامه وشرح جمع الجوامع للجلال المحلي والمطول وعصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الورقات وغير ذلك وكان رقيق الطباع مليح الاوضاع لطيفا مهذبا اذا تحدث نفت الدر واذا لقيته لقيت من لطفه ما ينعش ويسر ولم تزل كؤوس فضله على الطلبة مجلوة حتى ورد موارد الموت ودعاه الله تعالى بجوار الجنان وتلقاه جدثه بروح رحمة ورضوان وذلك في حادي عشرين شعبان وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بمدفن صهره الشيخ العريان تغمده الله بالرحمة والرضوان ومن تآليفه شرح على نظم التنوير في اسقاط التدبير الشيخ الملوي وهو نظم وحاشية على الملوي على السمرقندية وغير ذلك وخلف أولاده الاربعة كلهم فضلاء أذكياء نبلاء أحدهم الذي تعين بالتدريس في محله بالازهر العلامة اللوذعي والفهامة الالمعي شمس الدين السيد محمد واخوه النبيه الفاضل المتقن شهاب الدين السيد أحمد وأخوه الذكي (2/163)
اللبيب والفهيم النجيب السيد عبد الرحمن والنبيه الصالح والمفرد الناجح السيد مصطفى بارك الله فيهم
ومات الخواجة المعظم والملاذ المفخم حائز رتب الكمال وجامع مزايا الافضال سيدي الجامع محمود بن محرم اصل والده من الفيوم واستوطن مصر وتعاطى التجارة وسافر الى الحجاز مرارا واتسعت دنياه وولد له المترجم فتربى في العز والرفاهية ولما ترعرع وبلغ رشده وخالط الناس وشارك وباع واشترى وأخذ واعطى ظهرت فيه نجابة وسعادة حتى كان اذا مسك التراب صار ذهبا فانجمع والده وسلم له قياد الامور فاشتهر ذكره ونسا امره وشاع خبره بالديار المصرية والحجازية والشامية والرومية وعرف بالصدق والامانة والنصح فاذعنت له الشركاء والوكلاء ووثقوا بقوله ورأيه واحبه الامراء المصرية وتداخل فيهم بعقل وحشمة وحسن سير وفطانة ومدارات وتؤدة وسياسة ولطف وادب وحسن تخلص في الامور الجسيمة وعمر داره ووسعها واتحفها وخرفها وأنشأ بها قاعة عظيمة وامامها فسحة مليحة الشكل وحول القاعة بستان بديع المثال وهي مطلة عليه من الجهتين وزوج ولده سيدي احمد الموجود الان وعمل له مهما عظيما دعا اليه الاكابر والاعيان والتجار وتفاخر فيه الى الغاية وعمر مسجدا بجوار بيته بالقرب من حبس الرحبة فجاء في غاية الاتقان والحسن والبهجة ووقف عليه بعض جهات ورتب فيه وظائف وتدريسا وبالجملة كان انسانا حسنا وقورا محتشما جميل الطباع مليح الاوضاع ظاهر العفاف كامل الاوصاف حج في هذه السنة من القلزم ورجع في البرمع الحجاج في امارة عثمان بك الشرقاوي على الحج في احمال مجملة وهيئة زائدة مكملة فصادفتهم شوبة فقضى عليه فيها ودفن بالخيوف ولم يخلف في بابه مثله رحمه الله
ومات الامير حسن كاشف المعمار واصله مملوك محمود بك واعطاه لعلي اغا المعمار اخذه صغيرا ورباه ودربه في الامور وزوجه ابنته وعمل لزواجهما (2/164)
مهما وولائم ولما مات سيده قام مقامه وفتح بيته ووضع يده على تعلقاته وبلاده ونما امره وانتظم في سلك الامراء المحمدية لكونه في الاصل مملوك محمد بك وخشداشهم وكان رئيسا عاقلا ساكن الجاش جميل الصورة واسع العينين أحورهما ولما حج في هذه السنة وخرجت عليهم العرب ركب وقاتلهم حتى مات شهيدا ودفن بمغاير شعيب ونهب متاعه واحماله وحزنت عليه زوجته الست حفيظة ابنة علي أغا حزنا شديدا وارسلت مع العرب ونقلته الى مصر ودفنته عند ابيها بالقرافة وزوجته المذكورة هي الان زوجة لسليمان بك المرادي
ومات الامير شاهين بك الحسني وقد تقدم انه كان حضر الى مصر رهينة وسكن ببيت بالقرب من الموسكي وهو مملوك حسن بك الجداوي امره ايام حسن باشا وسكن ببيت مصطفى بك الكبير الذي على بركة الفيل المعروف سابقا بشكر فره وصار من جملة الامراء المعدودين ولما مات اسمعيل بك وحصل ما تقدم من قدوم المحمديين وخروجهم فحضر المترجم صحبة عثمان بك الشرقاوي رهينة عن سيده واقام بمصر وكان سبب موته ان انسانا كلمه عن اصول الصبغة التي تنبت بالغيطان ولها ثمر يشبه عنب الديب في عناقيد يصبغ منه القراشون مياه القناديل في المواسم والافراح وان من اكل من اصولها شيئا أسهله اسهالا مفرطا ولم يذكر له المسكن لذلك ولعله كان يجهله فأرسل من اتى له بشي منها من البستان واكل منه فحصل هل اسهال مفرط حتى غاب عن حسه ومات وتسكين فعلها اذا بلغت غايتها ان يمتص شيئا من الليمون المالح فانها تسكن في الحال ويفيق الشخص كان لم يكن به شيء
ومات الامير احمد بك الوالي بقبلي وهو ايضا مملوك حسن بك الجداوي وقد تقدم ذكره ووقائعه مع اهل الحسينية وغيرهم في ايام زعامته (2/165)
سنة تسع ومائتي والف
لم يقع بها شيء من الحوادث الخارجية سوى جور الامراء وتتابع مظالمهم واتخد مراد بك الجيزة سكنا وزاد في عمارته واستولى على غالب بلاد الجيزة بعضها بالثمن القليل وبعضها غصبا وبعضها معاوضه واتخذ صالح اغا ايضا له دار بجانبه وعمرها وسكنها بحريمه ليكون قريبا من مراد بك
وفي سابع عشرين المحرم الموافق لعشرين شهر مسرى القبطي أوفىالنيل أذرعه وكسر السد في صبحها بحضرة الباشا والامراء وجرى الماء في الخليج
وفي شهر صفر ورد الخبر بوصول صالح باشا والى مصر الى اسكندرية واخذ محمد باشا في اهبة السفر ونزل وسافر الى جهة اسكندرية
وفي عشرين شهر ربيع الاول وصل صالح باشا الى مصر وطلع القلعة
وفي اواخره ورد الخبر بوصول تقليد الصدارة الى محمد باشا عزت المنفصل عن مصر وورد عليه التقليد وهو باسكندرية وكان صالح أغا الوكيل ذهب صحبته ليشيعه الى اسكندرية فأنعم اليه بفرمان مرتب على الضربخانة باسم حريمه ألف نصف فضة في كل يوم
وفي ليلة السبت خامس عشر ربيع الثاني أمطرت السماء مطرا غزيرا قبل الفجر وكان ذلك آخر بابه القبطي
وفي شهر الحجة وقع به من الحوادث ان الشيخ الشرقاوي له حصفة في قرية بشرقية بلبيس حضر اليه اهلها وشكوا من محمد بك الالفي وذكروا ان اتباعه حضروا اليهم وظلموهم وطلبوا منهم مالا قدرة لهم عليه واستغاثوا بالشيخ فاغتاظ وحضر الى الازهر وجمع المشايخ وقفلوا ابواب الجامع وذلك بعد ما خاطب مراد بك وابراهيم بك فلم يبديا شيئا ففعل ذلك في ثاني يوم وقفلوا الجامع وامروا الناس بغلق الاسواق والحوانيت ثم ركبوا في ثاني يوم واجتمع عليهم خلق كثير من العامة وتبعوهم وذهبوا الى بيت الشيخ السادات وازحم الناس على بيت الشيخ من جهة الباب والبركة (2/166)
بحيث يراهم ابراهيم بك وقد بلغه اجتماعهم فبعث من قبله ايوب بك الدفتردار فحضر اليهم وسلم عليهم ووقف بين يديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا له نريد العدل ورفع الظلم والجور واقامة الشرع وابطال الحوادث والمكوسات التي ابتدعتموها واحدثتموها فقال لا يمكن الاجابة الى هذا كله فاننا ان فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايش والنفقات فقيل له هذا ليس بعذر عند الله ولا عند الناس وما الباعث على الاكثار من النفقات وشراء المماليك والامير يكون اميرا بالاعطاء لا بالأخذ فقال حتى ابلغ وانصرف ولم يعد لهم بجواب وانفض المجلس وركب المشايخ الى الجامع الازهر واجتمع اهل الاطراف من العامة والرعية وباتوا بالمسجد وارسل ابراهيم بك الى المشايخ بعضدهم ويقول لهم انا معكم وهذه الامور على غير خاطري ومرادي وارسل الى مراد بك يخيفه عاقبة ذلك فبعث مراد بك يقول اجيبكم الى جميع ما ذكرتموه الا شيئين ديوان بولاق وطلبكم المنكسر من الجامكية ونبطل ما عدا ذلك من الحوادث والظلم وندفع لكم جامكية سنة تاريخه اثلاثا ثم طلب أربعة من المشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا اليه بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعي في الصلح على ما ذكر ورجعوا من عنده وباتوا على ذلك تلك الليلة وفي اليوم الثالث حضر الباشا الى منزل ابراهيم بك واجتمع الامراء هناك وارسلوا الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والسيد النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الامير وكان المرسل اليهم رضوان كتخدا ابراهيم بك فذهبوا معه ومنعوا العامة من السعي خلفهم ودار الكلام بينهم وطال الحديث وانحط الامر علىانهم تابوا ورجعوا والتزموا بما شرطه العلماء عليهم وانعقد الصلح على ان يدفعوا سبعمائة وخمسين كيسا موزعة وعلى ان يرسلوا غلال الحرمين ويصرفوا غلال الشون واموال الرزق ويبطلوا رفع المظالم المحدثة والكشوفيات والتفاريد والمكوس ما عدا ديوان بولاق وان يكفوا اتباعهم عن امتداد أيديهم الى اموال الناس ويرسلوا صرة الحرمين (2/167)
والموائد المقررة من قديم الزمان ويسيروا في الناس سيرة حسنة وكان القاضي حاضر بالمجلس فكتب حجة عليهم بذلك وفر من عليها الباشا وختم عليها ابراهيم بك وأرسلها الى مراد بك فختم عليها ايضا وانجلت الفتنة ورجع المشايخ وحول كل واحد منهم وامامه وخلفه جملةعظيمة من العامة وهم ينادون حسب ما رسم ساداتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية وفرح الناس وظنوا صحته وفتحت الاسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان مما ذكر وزيادة ونزل عقيب ذلك مراد بك الى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير ذلك
ومات الامام العلامة والرحلة الفهامة بقية المحققين وعمدة المدققين الشيخ المعمر شهاب الدين احمد بن محمد بن عبد الوهاب السمنودي المحلي الشافعي من بيت العلم والصلاح والرشد والفلاح واصلهم من سمنود ولد هو بالمحلة وقدم الجامع الازهر وحضر على الشمس السجيني والعزيزي والملوي والشبراوي وتكمل في الفنون الغريبة وتلقى عن السيد علىالضرير والشيخ محمد الغلاني الكشناوي مشاركا للشيخ الوالد والشيخ ابراهيم الحلبي وعاد الى المحلة فدرس في الجامع الكبير مدة ثم اتى الى مصر بأهله وعياله ومكث بها وأقرأ بالجامع الأزهر درسا وتردد الى الاكابر والامراء واجلوه وقرأ في المحمدية بعد موت الشنويهي في المنهج وانضوى الى الشيخ ابي الانوار السادات ويأتي اليه في كل يوم وكان انسانا حسنا بهي الشكل لطيف الطباع عليه رونق وجلال جميل المحادثة حسن الهيئة توفي بعد ان تعلل دون شهر عن مائة وست عشرة سنة كامل الحواس اذا قام نهض نهوض الشباب ودفن ببستان المجاورين وكان يتكتم سني عمره رحمه الله
ومات الامام العلامة واللوذعي الفهامة رئيس المحققين وعمدة المدققين النحوي المنطقي الجدلي الاصولي الشيخ احمد بن يونس الخليفي الشافعي (2/168)
الازهري من قرابة الشهاب الخليفي ولد سنة 1131 كما سمعته من لفظه وقرأ القرآن وحفظ المتون وحضر كل من الشبراوي والحفني واخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ محمد الدقري والدمنهوري وسالم النفراوي والطحلاوي والصعيدي وسمع الحديث على الشهابين الملوي والجوهري ودرس وأفاد بالجامع الازهر وتقلد وظيفة الافتاء بالمحمدية عندما انحرف يوسف بك على الشيخ حسن الكفراوي كما تقدم فأتخذ الشيخ احمد ابا سلامة امينا على فتاويه لجودة استحضاره في الفروع الفقهية وله مؤلفات منها حاشية على شرح شيخ الاسلام على متن السمرقندية في آداب البحث وآخرى على شرح الملوي في الاستعارات واخرى على شرح المذكور على السلم في المنطق واخرى على شرح شيخ الاسلام على آداب البحث واخرى على شرح الشمسية في المنطق واخرى على متن الياسمينية في الجير والمقابلة وشرح على اسماء التراجم ورسالة متعلقة بالابحاث الخمسة التي اوردها الشيخ الدمنهوري ولازم الشيخ الوالد مدة وتلقى عنه بعض العلوم الغريبة وكملها بعد وفاته على تلميذه محمود افندي النيشي وكان جيد التقرير غاية في التحرير ويميل بطبعه الى ذوي الوسامة والصور الحسان من الجدعان والشبان فإذا رجع من درسه خلع زي العلماء ولبس زي العامة وجلس بالاسواق وخالط الرفاق ويمشي كثيرا بين المغرب والعشاء بالخفيفة نواحي داره جهة السيارج وغيرها ويرى في بعض الاحيان على تلك الصورة في الاوقات المذكورة في نواح بعيدة عن داره وسافر مرة الى جهة قبلي في سفارة بين الامراء ايام عابدي باشا ولم يزل على ذلك الى ان توفي في اوائل رجب من هذه السنة سامحه الله
ومات العمدة الجليل والنبيه النبيل العلامة الفقيه المفوه الشريف الضرير السيد عبد الرحمن بن بكار الصفا قسى نزيل مصر قرأ في بلاده على علماء عصره ودخل كرسي مملكة الروم فاكرم وانسلخ عن هيئة المغاربة ولبس (2/169)
ملابس المشارقة مثل التاج والفراجة وغيرها واثرى وقدم الى مصر وألقى دروسا بالمشهد الحسيني وتأهل وولد له ولد به فضيلة ونجابة واتحد بشيخ السادات الوقائية السيد أبي الانوار فراج حاله وزادت شوكته علىأبناء جنسه وتردد الى الامراء وأشير اليه ودرس كتاب الغرر في مذهب الحنفية وتولى مشيخة رواق المغاربة بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن البناني وسار فيها أحسن سيرة مع شهامة وصرامة وفصاحة لفظ في الالقاء وكان جيد البحث مليح المفاكهة والمحادثة واستحضار اللطائف والمناسبات ليس فيه عربدة ولا فظاظة ويميل بطبعه الى الحظ والخلاعة وسماع الالحان والآلآت المطربة توفي رحمه الله في هذه السنة وتولى بعده على مشيخة رواقهم الشيخ سالم بن مسعود
ومات الفقيه العلامة الصالح الصوفي الشيخ احمد بن احمد السماليجي الشافعي الاحمدي المدرس بالمقام الاحمدي بطندتاء ولد ببلده سماليج بالمنوفية وحفظ القرآن وحضر الى مصر وحضر على الشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الخشني والشيخ احمد الدردير ورجع الى طندتاء فاتخذها سكنا وأقام بها يقرى دروسا ويفيد الطلبة ويفتي على مذهبه ويقضي بين المتنازعين من اهالي البلاد فراج امره واشتهر ذكره بتلك النواحي ووثقوا بفتياه وقوله واتوه افواجا بمكانه المسمى بالصف فوق باب المسجد المواجه لبيت الخليفة وتزوج بأمرأة جميلة الصورةمن بلد الفرعونية وولد منها ولد سماه احمد كأنما أفرغ في قالب الجمال واودع بعينيه السحر الحلال فلما ترعرع حفظ القرآن والمتون وحضر على ابيه في الفقه والفنون وكان نجيبا جيد الحافظة يحفظ كل شيء سمعه من مرة واحدة ونظم الشعر من غير قراءة شيء في علم العروض اول ما رأيته في سنة 1189 في ايام زيارة سيدي احمد البدوي فحضر الي وسلم علي وآنسني بحسن الفاظه وجذبني بسحر الحاظة ولما بلغ زوجه والده بزوجتين في سنة واحدة ولم يزل يجتهد ويشتغل حتى مهر (2/170)
وانجب ودرس لجماعة من الطلبة وحضر الى مصر مع والده مرارا وتردد علينا واجتمع بنا كثيرا في مواسم الموالد المعتادة الى ان اخترمته في شبابه المنية وحالت بينه وبين الامنية وذلك في سنة ثلاث ومائتين وخلف ولدا صغيرا استأنس به جده المترجم وصبر على فقد ابنه وترحم وتوفي هو ايضا في هذه السنة رحمهما الله تعالى
ومات الاجل المعظم والملاذ المفخم الامير حسين بن السيد محمد الشهير بدرب الشمس القادري وابوه محمد افندي كاتب صغير بوجاق التفكجيان وهو ابن حسين افندي باش اختيار تفكجيان تابع المرحوم حسن جوربجي تابع المرحوم رضوان بك الكبير الشهير صاحب العمارة ولما مات والد المتجرم اجتمع الاختيارية وقلدوا ابنه المذكور منصب والده في بابه وكان اذ ذاك مقتبل الشبيبة وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة والف ونوه بشأنه وفتح بيت أبيه وعد في الاعيان واشتهر ذكره وكان نجيبا نبيها ولم يزل حتى صار من ارباب الحل والعقد واصحاب المشورة ولما استقل علي بك بأمارة مصر اخرجه هو واخوته من مصر ونفاهم الى بلاد الحجاز فأقاموا بها سبع سنوات الى ان استقل محمد بك بالامارة فأحضرهم واكرمهم ورد اليهم بلادهم فاستمروا بمصر لا كالحالة الاولى مع الوجاهة والحرمة الوافرة وكان انسانا حسنا فطنا يعرف مواقع الكلام ويكره الظلم وهو الى الخير أقرب واقتنى كتبا كثيرة نفيسة في الفنون وخصوصا في الطب والعلوم الغريبة ويسمح باعارتها لمن يكون أهلا لها ولما حضرته الوفاة أوصى ان لا يخرجوا جنازته على الصورة المعتادة بمصر بل يحضرها مائة شخص من القادرية يمشون امامه في المشهد وهم يقرأون الصمدية سر الاغير وأوصى لهم بقدر معلوم من الدراهم فكان كذلك
ومات الامير محمد أغا بن محمد كتخدا أباظة وقد تقدم انه كان تولى الحسبة في ايام حسن باشا وسار فيها سيرا بشهامة واخاف السوقة وعاقبهم وزجرهم واتفق انه وزن جانبا من اللحم وجده مع من اشتراه (2/171)
ناقصا واخبره عن جزاره فذهب اليه وكملها بقطعة من جسد الجزار ثم انفصل عن ذلك وعمل كتخدا عند رضوان بيك الى ان مات رضوان بك ولم يزل معدودا في عداد الامراء الاكابر الى ان توفي في هذه السنة
ومات العمدة الصالح الورع الصوفي الضرير الشيخ محمد السقاط الخلوتي المغربي الاصل خليفة شيخنا الشيخ محمود الكردي حضر الى مصر وجاور بالازهر وحضر على الاشياخ في فقه مذهبه وفي المعقول واخذ الطريق على شيخنا الشيخ محمود المذكور ولقنه الاسماء على طريق الخلوتية والاوراد والاذكار وانسلخ من زي المغاربة وألبسه الشيخ التاج وسلك سلوكا تاما ولازم الشيخ ملازمة كلية بحيث انه لا يفارق منزله في غالب أوقاته ولاحت عليه الانوار وتحلى بحلل الابرار وأذن له الشيخ بالتلقين والتسليك ولما انتقل شيخه الى رحمة الله تعالى صار هو خليفته بالاجماع من غير نزاع وجلس في بيته وانقطع للعبادة واجتمع على الجماعة في ورد العصر والعشاء ولقن الذكر للمريدين وسلك الطريق للطالبين وانجذبت القلوب اليه واشتهر ذكره واقبلت عليه الناس ولم يزل علي حسن حاله حتى توفي في منتصف شهر ربيع الاول وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل
ومات الذمي المعلم ابراهيم الجوهري رئيس الكتبة الاقباط بمصر وأدرك في هذه الدولة بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة مع طول المدة بمصر ما لم يسبق لمثله من ابناء جنسه فيما نعلم وأول ظهوره من ايام المعلم رزق كاتب علي بك الكبير ولما مات علي بك والمعلم رزق ظهر أمر المترجم ونما ذكره في ايام محمد بك فلما انقضت ايام محمد بك وترأس ابراهيم بك قلده جميع الامور فكان هو المشار اليه في الكليات والجزئيات حتى دفاتر الروزنامة والميري وجميع الايراد والمنصرف وجميع الكتبة والصيارف من تحت يده واشارته وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يعزب عن دهنه شيء من دقائق الامور ويداري كل انسان بما يليق (2/172)
به من المداراة ويحابي ويهادي ويواسي ويفعل ما يوجب انجذاب القلوب والمحبةويهادي ويبعث الهدايا العظيمة والشموع الى بيوت الامراء وعند دخول رمضان يرسل الى غالب ارباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا والارز والسكر والكساوى وعمرت في ايامه الكنائس وديور النصارى وأوقف عليها الاوقاف الجلية والاطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والارزاق الدارة والغلال وحزن ابراهيم بك لموته وخرج في ذلك اليوم الى قصر العيني حتى شاهد جنازته وهم ذاهبون به الى المقبرة وتأسف على فقده تأسفا زائد وكان ذلك في شهر القعدة من السنة
سنة عشرة ومائتين وألف
لم يقع بها شيء من الحوادت التي يعتني بتقييدها سوى مثل ما تقدم من جور الامراء والمظالم
وفيها في غرة شهر الحجة عزل صالح باشا ونزل الى قصر العيني ليسافر فأقام هناك اياما وسافر الى اسكندرية
ومات بها الامام العلامة المفيد الفهامة عمدة المحققين والمدققين الصالح الورع المهذب الشيخ عبد الرحمن النحراوي الاجهوري الشهير بمقرىء الشيخ عطية خدم العلم وحضر فضلاء الوقت ودرس وتمهر في المعقول والمنقول ولازم الشيخ عطية الاجهوري ملازمة كلية وأعاد الدروس بين ديه واشتهر بالمقرىء وبالاجهوري لشدة نسبته الى الشيخ المذكور ودرس بالجامع الازهر وأفاد الطلبة وأخذ طريق الخلوتية عن الشيخ الحفني ولقنه الاذكار وألبسه الخرقة والتاج وأجازه بالتلقين والتسليك وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات ويلازم المبيت في ضريح الامام الشافعي في كل ليلة سبت يقرأ مع الحفظة بطول الليل وكان انسانا حسنا متواضعا لا يرى لنفسه مقاما يحمل طبق الخبز على رأسه ويذهب به الى الفران ويعود به الى عياله فان اتفق ان احد رآه ممن يعرفه حمله عنه والا ذهب به (2/173)
ووقف بين يدي الفران حتى يأتيه الدور ويخبزه له وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولم يزل مقبلا على شأنه وطريقته حتى نزلت به الباردة وبطل شقه واستمر على ذلك نحو السنة وتوفي الى رحمة الله تعالى غفر الله له
ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة الفقيه الفاضل ومن ليس له في الفضل مناضل الشيخ حسن بن سالم الهواري المالكي احد طلبة شيخنا الشيخ الصعيدي لازمه في دروسه العامة وحصل بجده ما به ناموس جاهه أقامه وبعد وفاة شيخه ولى مشيخة رواق الصعايدة وساس فيهم أحسن سياسة بشهامة زائدة مع ملازمته للدروس وتكلمه في طائفته مع الرئيس والمرؤوس وكان فيه صلابة زائدة وقوة جنان وشدة تجارى واشترى خرابة بسوق القشاشين بالقرب من الازهر وعمرها دارا لسكنه وتعدى حدوده وحاف على أماكن جيرانه وهدم مكتب المدرسة السنانية وكان مكتباص عظيما ذا واجتهين وعامودين وأربع بوائك وزاوية جداره من الحجر النحيت عجيبة الصنعة في البروز والاتقان فهدمه وأدخله في بنائه من غير تحاش او خشية لوم مخلوق أو خوف خالق واوقف اعوانه من الصعايدة المنتسبين للمجاورة وطلب العلم يسخرون من يمر بهم من حمير الترابين وجمال الأعيان المارين عليهم فيستعملونها في نقل تراب الشيخ لاجل التبرك اما قهرا او محاباة ويأذ من مياسير الناس والسوقة دراهم على سبيل القرض الذي لا يرد وكذلك المؤن حتى تممها على هذه الصورة وسكن فيها واحدق به الجلاوزة من الطلبة يغدون ويروحون في الخصومات والدعاوى ويأخذون الجعالات والرشوات من المحق والمبطل ومن خالف عليهم ضربوه واهانوه ولو عظيما من غير ميالاة ولا حياء ومن اشتد عليهم اجتمعوا عليه من كل فج حتى بوابين الوكائل وسكان الطباق وباعة النشوق وينسب الكل الى الازهر ومن عذلهم او لامهم كفروه ونسبوه الى الظلم والتعدي والاستهزاء بأهل العلم والشريعة وزاد الحال (2/174)
وصار كل من رؤساء الجماعة شيخا على انفراده يجلس في ناحية ببعض الحوانيت يقضي ويأمر وينهى وفحش الامر الى ان نادى عليهم حاكم الشرطة فانكفوا ومرض شيخهم بالتشيخ شهورا وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامام الفقيه العلامة والفاضل والفهامة عثمان بن محمد الحنفي المصري الشهير بالشامي ولد بمصر وتفقه على علماء مذهبه كالسيد محمد أبي السعود والشيخ سليمان المنصوري والشيخ حسن المقدسي والشيخ الوالد واتقن الالات ودرس الفقه في عدة مواضع وبالازهر وانتفع به الناس وقرأ كتاب الملتقي بجامع قوصون وكان له حافظه جيدة واستحضار في الفروع ولا يمسك بيده كراسا عند القراءة ويلقى التقرير عن ظهر قلب مع حسن السبك وألف متنا مفيدا في المذهب ثم حج وزار قبر النبي صلى الله عليه و سلم وقطن بالمدينة وطلب عياله في ثاني عام وباع ما يتعلق به وتجرد على المجاورة ولازم قراء الحديث والفقه بدار الهجرة وأحبه اهل المدينة وتزوج وولد له أولاد ثم تزوج بآخرى ولم يزل على ذلك حتى توفي الى رحمه الله تعالى في هذه السنة
ومات العمدة الفاضل المفوه النبيه المناضل الحافظ المجود الاديب الماهر صاحبنا الشيخ شمس الدين بن عبد الله بن فتح الفرغلي المحمدي الشافعي السبريائي نسبة الى سبرباى قرية بالغربية قرب طندتا وبها ولد ونسبة يرجع الى القطب سيدي الفرغلي المحمدي من ولد سيدنا محمد بن الحنفية صاحب ابي تيج من قرى الصعيد تفقه على علماء عصره وأنجب في المعارف والفهوم وعانى الفنون فأدرك من كل فن الحظ الاوفر ومال الى فن الميقات والتقاويم فنال من ذلك ما يرومه وألف في ذلك وصنف زيجا مختصار دل على سعة باعه ورسوخه في الفن ومعرفة القواعد والاصول ودقائق الحساب ونهج مسلك الادب والتاريخ والشعر ففاق فيه الاقران ومدح الاعيان وصاحبناه وساجلناه كثيرا عندما كان يأتينا مصر وبطندتا (2/175)
في الموالد المعتادة فكان طودا راسخا وبحرا زاخرا مع دماسة الاخلاق وطيب الاعراق ولين العريكة وحسن العشرة ولطف الشمائل والطباع وكان يلي نيابة القضاء ببلده وبالجملة فكان عديم النظير في اقرانه لم ار من يدانيه في أوصافه الجميلة وله مصنفات كثيرة منها الضوابط الجليلة في الاسانيد العلية آلفه سنة 1177 وذكر فيه سنده عن الشيخ نور الدين ابي الحسن سيدي علي بن الشيخ العلامة أبي عبد الله سيدي محمد العربي الفاسي المغربي الشهير بالسقاط وسليقته في الشعر عذبة رائقة كلامه بديع مقبول في سائر انواعه من المدح والرثاء والتشبيب والغزل والحماسة والجد والهزل وله ديوان جمع فيه أمداحه صلى الله عليه و سلم سماه عقود القرائد توفي المترجم في شهر ربيع الاول من السنة ببلده ودفن هناك رحمه الله تعال
سنة أحدى عشرة واثنتي عشرة ومائتين والف
لم يقع فيهما من الحوادث التي تتشوف لها النفوس او تشتاق اليها الخواطر فتقيد في بطون الطروس سوى ما تقدمت اليه الاشارة من أسباب نزول النوازل وموجبات ترادف البلاء المتراسل ووقوع الانذارات الفلكية والايات المخوفة السماوية وكلها اسباب عادية وعلامات من غير ان ينسب لتلك الاثار تأثيرات فبالنظر في ملكوت السموات والارض يستدلون وبالنجم هم يهتدون فمن اعظم ذلك حصول الخسوف الكلي في منتصف شهر الحجة ختام سنة اثنتي عشرة بطالع مشرق الجوزاء المنسوب اليه اقليم مصر وحضر طائفة الفرنسيس اثر ذلك في اوائل السنة التالية كما سيأتي خبر ذلك مفصلا ان شاء الله تعالى
من مات في هذين العامين ممن له ذكر وشهرة
مات العمدة العلامة والفقيه الفهامة الشيخ علي بن محمد الاشبولي (2/176)
الشافعي كان والده أحد العدول بالمحكمة الكبرى وكان ذا ثروة وشهرة ولما كبر ولده المترجم حفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر الدروس وتفقه على أشياخ الوقت ولازم الشيخ عيسى البراوي وتمهر في المعقول وانجب وتصدر ودرس وانتظم في سلك الفضلاء والنبلاء وصار له ذكر وشهرة ووجاهة ومات والده فاحرز طريفه وتالده وكان لابيه دار بحارة كتامة المعروفة بالعينية بقرب الازهر وأخرى عظيمة بقناطر السباع على الخليج واخرى بشاطى النيل بالجيزة فكان ينتقل في تلك الدور ويتزوج حسان النساء مع ملازمته للاقراء والافادة وحدثته نفسه بمشيخة الازهر وكان بيده عدة وظائف وتداريس مثل جامع الآثار والنظامية ولم يباشرها الا نادرا ويقبض معلوماتها المرتب لها ولم يزل حتى تعلل وتوفي سنة 1111
ومات الاديب الماهر الصالح الجليس الانيس السيد ابراهيم بن قاسم ابن محمد بن محمد بن علي الحسني الرويدي المكتب المكني بأبي الفتح ولد بمصر كما أحبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده على الشيخ الحجازي غنام وجود الخط على الشيخ احمد بن اسمعيل الافقم على الطريقة المحمدية فمهر فيه وأجازه فكتب بخطه الحسن الفائق كثيرا من المصاحف والاحزاب والدلائل والادعية والقطع وأشير اليه بالرياسة في الفن وكان انسانا حسنا متمشدقا يحفظ كثيرا من نوادر الاشعار وغرائب الحكايات وعجائب المناسبات وروايتها على أحسن اسلوب وأبلغ مطلوب وسمعت كثيرا من انشاده لم يعلق بذهني منها شيء وقد تفرد بمحاسن لم يشاركه فيها أهل عصره منها صحة الوضع وتكمله على أصوله بغاية التحرير توفي ستة احدى عشرة رحمه الله تعالى
ومات النبيه الاريب والفاضل النجيب الناظم الناثر المفوه اسمعيل افندي بن خليل بن علي بن محمد بن عبد الله الشهير بالظهوري المصري الحنفي المكتب كان انسانا حسنا قانعا بحاله يتكسب بالكتابة وحسن الخط وقد كان جوده واتقنه على أحمد افندي الشكري وكتب بخطه الحسن (2/177)
كثيرا من الكتب والسبع المنجيات ودلائل الخيرات والمصاحف وكان له حاصل يبيع به بن القهوة بوكالة البقل بقرب خان الخليلي وله معرفة جيدة بعلم الموسيقى والالحان وضرب العود وينظم الشعر وله مدائح وقصائد موشحات توفي رحمه الله تعالى سنة 1211
ومات الاجل الامثل والوجيه الاوحد المبجل حسين افندي قلفة الشرقية والده الامير عبد الله من مماليك داود صاحب عيار وتربى المترجم عند محمد افندي البرقوقي وزوجه ابنته وعانى قلم الكتابة واصطلاح كتاب الروزنامة ومهر في ذلك فلما توفي محمد افندي كتابة الروزنامة قلده قلف الشرقية ولم تطل مدة محمد افندي ومات بعد شهرين فاستولى المترجم على تعلقاته وراج امره واشترى بيتا جهة الشيخ الظلام وانتقل اليه وسكن به وساس اموره واشتهر ذكره وانتظم في عداد الاعيان واقتنى السراري والجواري والمماليك والعبيد وكان انسانا لا بأس به جميل الاخلاق حسن العشرة مع الرفاق مهذب الطباع لين العريكة واقفا على حدود الشريعة لا يتداخل فيما لا يعنيه مليح الصورة والسيرة توفي رحمه الله ايضا سنة 1211
ومات العمدة النبيه الفهامة بضعة السلالة الهاشمية وطراز العصابة المطلبية الفصيح المفوه السيد حسين بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن احمد بن احمد بن حمادة المنزلاوي الشافعي خطيب جامع المشهد الحسيني وأم ابيه السيد عبد الرحمن السيدة فاطمة بنت السيد محمد العمري ومنها اتاه الشرف حضر على الشيخ الملوي والحفني والجوهري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والشيخ البسيوني والشيخ خليل المغربي وأخذ ايضا عن سيدي محمد الجوهري الصغير والشيخ عبد الله امام مسجد العشراني والشيخ سعودي الساكن بسوق الخشب وتضلع بالعلوم والمعارف وصار له ملكة وحافظة ولسانة واقتدار تام واستحضار غريب وينظم الشعر الجيد والنثر البليغ وانشأ الخطب البديعة وغالب (2/178)
خطبه التي كان يخطب بها بالمشهد الحسيني من انشائه على طريقة لم يسبق اليها وانضوى الى الشيخ ابي الانوار السادات وشملته انواره ومكارمه ويصلى به في بعض الاحيان ويخطب بزاويتهم ايام المواسم ويأتي فيهما بمدائح السادات وما تقتضيه المناسبات توفي في منتصف شهر شعبان من السنة غفر الله لنا وله
سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف
وهي اول سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة والوقائع النازلة والنوازل الهائلة وتضاعف الشرور وترادف الامور وتوالي المحن واختلال الزمن وانعكاس المطبوع وانقلاب الموضوع وتتابع الاهوال واختلاف احوال وفساد التدبير وحصول التدمير وعموم الخراب وتواتر الاسباب وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون
في يوم الاحد العاشر من شهر محرم الحرام من هذه السنة وردت مكاتبات على يد السعاة من ثغر الاسكندرية ومضمونها ان في يوم الخميس ثامنه حضر الى الثغر عشرة مراكب من مراكب الانكليز ووقفت على البعد بحيث يراها أهل الثغر وبعد قليل حضر خمسة عشر مركبا ايضا فانتظر أهل الثغر ما يريدون وإذا بقارب صغير واصل من عندهم وفيه عشرة انفار فوصلوا البر واجتمعوا بكبار البلد والرئيس إذ ذاك فيها والمشار اليه بالابرام والنقض السيد محمد كريم الآتي ذكره فكلموهم واستخبروهم عن غرضهم فأخبروا انهم انكليز حضروا للتفتيش على الفرنسيس لانهم خرجوا بعمارة عظيمة يريدون جهة من الجهات ولا ندري أين قصدهم فربما دهموكم فلا تقدرون علىدفعهم ولا تتمكنوا من منعهم فلم يقبل السيد محمد كريم منهم هذا ا لقول وظن انها مكيدة وجاوبوهم بكلام خشن فقالت رسل الانكليز نحن نقف بمراكبنا في البحر محافظين على الثغر لا نحتاج منكم الا الامداد بالماء والزاد بثمنه فلم يجيبوهم لذلك (2/179)
وقالوا هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيين ولا لغيرهم عليها سبيل فاذهبوا عنا فعندها عادت رسل الانكليز واقلعوا في البحر ليمتاروا من غير الاسكندرية وليقضى الله امرا كان مفعولا ثم ان أهل الثغر ارسلوا الى كاشف البحيرة ليجمع العربان وياتي معهم للمحافظة بالثغر فلما قرئت المكاتبات بمصر حصل بها اللغط الكثير من الناس وتحدثوا بذلك فيما بينهم وكثرت المقالات والاراجيف
ثم ورد في ثالث يوم بعد ورود المكاتيب الاول مكاتبات مضمونها ان المراكب التي وردت الثغر عادت راجعة فاطمأن الناس وسكن القيل والقال واما الامراء فلم يهتموا بشيء من ذلك ولم يكترثوا به اعتمادا على قوتهم وزعمهم انه اذا جاءت جميع الافرنج لا يقفون في مقابتلهم وانهم يدوسونهم بخيولهم
فلما كان يوم الاربعاء العشرون من الشهر المذكور وردت مكاتبات من الثغر ومن رشيد ودمنهور بان في يوم الاثنين ثامن عشره وردت مراكب وعمارات للفرنسيين كثيرة فارسوا في البحر وارسلوا جماعة يطلبون القنصل وبعض اهل البلد فلما نزلوا اليهم عوقوهم عندهم فلما دخل الليل تحولت منهم مراكب الى جهة العجمي وطلعوا الى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر فلم يشعر اهل الثغر وقت الصباح الا وهم كالجراد المنتشر حول البلد فعندها خرج اهل الثغر وما انظم اليهم من العربان المجتمعة وكاشف البحيرة فلم يستطيعوا مدافعتهم ولا امكنهم ممانعتهم ولم يثبتوا لحربهم وانهزم الكاشف ومن معه من العربان ورجع أهل الثغر الى التترس في البيوت والحيطان ودخلت الافرنج البلد وانبث فيها الكثير من ذلك العدد كل ذلك واهل البلد لهم بالرمي يدافعون عن انفسهم وأهليهم يقاتلون ويمانعون فلما أعياهم الحال وعلموا انهم مأخوذون بكل حال وليس ثم عندهم للقتال استعداد لخلو الابراج من آلات الحرب والبارود وكثرة العدو وغلبيته طلب أهل الثغر الامان فآمنوهم ورفعوا عنهم القتال (2/180)
ومن حصونهم انزلوهم ونادى الفرنسيس بالامان في البلد ورفع بنديراته عليها وطلب أعيان الثغر فحضروا بين يديه فالزمهم بجمع السلاح واحضاره اليه وان يضعوا الجوكار في صدورهم فوق ملبوسهم والجوكار ثلاث قطع من جوخ او حرير او غير ذلك مستديرة في قدر الريال سوداء وحمراء وبيضاء توضع بعضها فوق بعض بحيث تكون كل دائرة اقل من التي تحتها حتى تظهر الالوان الثلاثة كالدوائر المحيط بعضها ببعض ولما وردت هذه الاخبار مصر حصل للناس انزعاج وعول اكثرهم على الفرار والهجاج وأما ما كان من حال الامراء بمصر فان إبراهيم بك ركب الى قصر العيني وحضر عنده مراد بك من الجيزة لانه كان مقيما بها واجتمع باقي الامراء والعلماء والقاضي وتكلموا في شأن هذا الامر الحادث الى اسلامبول وان مراد بك يجهز العساكر ويخرج لملاقاتهم وحربهم وانفض المجلس على ذلك وكتبوا المكاتبة وارسلها بكر باشا مع رسوله على طريق البرلياتية بالترياق من العراق وأخذوا في الاستعداد للثغر وقضاء اللوازم والمهمات في مدة خمسة ايام فصاروا يصادرون الناس ويأخذون أغلب ما يحتاجون اليه بدون ثمن ثم ارتحل مراد بك بعد صلاة الجمعة وبرز خيامه ووطاقه الى الجسر الاسود فمكث به يومين حتى تكامل العسكر وصناجقه وعلي باشا الطرابلسي وناصف باشا فانهم كانوا من اخصائه ومقيمين معه بالجيزة وأخذ معه عدة كثيرة من المدافع والبارود وسار من البر مع العساكر الخيالة وأما الرجال وهم الالداشات القلينجية والاروام والمغاربة فانهم ساروا في البحر مع الغلايين الصغار التي أنشأها الامير المذكور ولما ارتحل من الجسر الاسود ارسل الى مصر يأمر بعمل سلسلة من الحديد في غاية الثخن والمتانة وطولها مائة ذراع وثلاثون ذراعا لتنصب على البغاز عند برج مغيزل من البر الى البر لتمنع مراكب الفرنسيين من العبور لبحر النيل وذلك باشارة علي باشا وان يعمل عندها جسر من المراكب وينصب عليها متاريس ومدافع ظنا منهم (2/181)
ان الافرنج لا يقدرون على محاربتهم في البر وانهم يعبرون في المراكب ويقاتلونهم وهم في المراكب وانهم يصابرونهم ويطاولونهم في القتال حتى تأتيهم النجدة وكان الامر بخلاف ذلك فان الفرنسيس عندما ملكوا الاسكندرية ساروا على طريق البر الغربي من غير ممانع وفي اثناء خروج مراد بك والحركة بدت الوحشة في الاسواق وكثر الهرج بين الناس والارجاف وانقطعت الطرق واخذت الحرامية في كل ليلة تطرق اطراف البلد وانقطع مشي الناس من المرور في الطرق والاسواق من المغرب فنادى الاغا والوالي بفتح الاسواق والقهاوي ليلا وتعليق القناديل على البيوت والدكاكين وذلك لامرين الاول ذهاب الوحشة من القلوب وحصول الاستئناس والثاني الخوف من الدخيل في البلد
وفي يوم الاثنين وردت الاخبار بان الفرنسيس وصلوا الى دمنهور ورشيد وخرج معظم أهل تلك البلاد على وجوههم فذهبوا الى فوة نواحيها والبعض طلب الامان وأقام ببلده وهم العقلاء وقد كانت الفرنسيس حين فلولهم بالاسكندرية كتبوا مرسوما وطبعوه وأرسلوا منه نسخا الى البلاد التي يقدمون عليها تطمينا لهم ووصل هذا المكتوب مع جملة من الاسارى الذين وجدوهم بمالطة وحضروا صحبتهم وحضر منهم جملة الى بولاق وذلك قبل وصول الفرنسيس بيوم او بيومين ومعهم منه عدة نسخ منهم مغاربة وفيهم جواسيس وهم على شكلهم من كفار مالطه ويعرفون باللغات
وصورة ذلك المكتوب بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه من طرف الفرنساوية المبنى على أساس الحرية والتسوية السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته يعرف أهالي مصر جميعهم ان من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية ويظلمون تجارها بانواع الايذاء والتعدي فحضر الان ساعة عقوبتهم وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من بلاد الابازة والجراكسة يفسدون (2/182)
في الاقليم الحسن الاحسن الذي لا يوجد في كرة الارض كلها فاما رب العالمين القادر على كل شيء فأنه قد حكم على انقضاء دولتهم يا أيها المصريون قد قيل لكم انني ما نزلت بهذا الطرق الا بقصد ازالة دينكم فذلك كذب صريح فلا تصدقوه وقولوا للمفترين انني ما قدمت اليكم الا لاخلص حقكم من يد الظالمين وانني اكثر من المماليك اعبد الله سبحانه وتعالى واحترم نبيه والقرآن العظيم وقولوا ايضا لهم ان جميع الناس متساوون عند الله وان الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب فماذا يميزهم عن غيرهم حتى يستوجبوا ان يتملكوا مصر وحدهم ويختصوا بكل شيء أحسن فيها من الجواري الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة فان كانت الارض المصرية التزاما للماليك فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم ولكن رب العالمين رؤوف وعادل وحليم ولكن بعونه تعالى من الان فصاعدا لا ييأس احد من اهالي مصر عن الدخول في المناصب الساميةوعن اكتساب المراتب العالية فالعلماء والفضلاء والعقلاء بينهم سيدبرون الامور وبذلك يصلح حال الامة كلها وسابقا كان في الاراضي المصرية المدن العظيمة والخلجان الواسعة والمتجر المتكاثر وما أزال ذلك كله الا الظلم والطمع من المماليك أيها المشايخ والقضاة والائمة والجربجية واعيان البلد قولوا لامتكم ان الفرنساوية هم ايضا مسلمون مخلصون واثبات ذلك انهم قد نزلوا في رومية الكبرى وخربوا فيها كرسي الباب الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة الاسلام ثم قصدوا جزيرة مالطة وطرودا منها الكوا للرية الذين كانوا يزعمون ان الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ومع ذلك الفرنساوية في كل وقت من الاوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني وأعداء اعدائه أدام الله ملكه ومع ذلك أن المماليك امتنعوا من اطاعة السلطان غير ممتثلين لامره فما أطاعوا أصلا الا لطمع انفسهم طوبى ثم طوبى لاهالي مصر الذين يتفقون معنا بلا تأخير فيصلح (2/183)
حلهم وتعلو مراتبهم طوبى ايضا للذين يقعدون في مساكنهم غير مائلين لاحد من الفريقين المتحاربين فإذا عرفونا بالاكثر تسارعوا الينا بكل قلب لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا فلا يجدون بعد ذلك طريقا الى الخلاص ولا يبقى منهم أثر
المادة الاولى جميع القرى الواقعة في دائرة قريبة بثلاث ساعات من المواضع التي يمر بها عسكر الفرنساوية فواجب عليها ان ترسل للسر عسكر من عندها وكلاء كيما يعرف المشار اليه انهم أطاعوا وانهم نصبوا علم الفرنساوية الذي هو ابيض وكحلي واحمر
المادة الثانية كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق بالنار
المادة الثالثة كل قرية تطيع العسكر الفرنساوي ايضا تنصب صنجاق السلطان العثماني محبنا دام بقاؤه
المادة الرابعة المشايخ في كل بلد يختمون حالا جميع الارزاق والبيوت والاملاك التي تتبع المماليك وعليهم الاجتهاد التام لئلا يضيع أدنى شيء منها
المادة الخامسة الواجب على المشايخ والعلماء والقضاة الائمة انهم يلازمون وظائفهم وعلى كل احد من اهالي البلدان ان يبقى في مسكنه مطمئنا وكذلك تكون الصلاة قائمة في الجوامع على العادة والمصريون بأجمعهم ينبغي ان يشكروا الله سبحانه وتعالى لانقضاء دولة المماليك قائلين بصوت عالي ادام الله اجلال السلطان العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك وأصلح حال الامة المصرية
تحريرا بمعسكر اسكندرية في 13 شهر سيدور سنة 1213 من اقامه الجمهور الفرنساوي يعني في آخر شهر محرم سنة هجرية اه بحروفه
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر وردت الاخبار بان الفرنسيس وصلوا الى نواحي فوة ثم الى الرحمانية
واستهل شهر صفر سنة 1213 وفي يوم الاحد غرة شهر صفر وردت الاخبار بأن في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر محرم التقى العسكر (2/184)
المصري مع الفرنسيس فلم تكن الا ساعة وانهزم مراد بك ومن معه ولم يقع قتال صحيح وانما هي مناوشة من طلائع العسكرين بحيث لم يقتل الا القليل من الفريقين واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية واحترق بها رئيس الطبجية خليل الكردل وكان قد قاتل في البحر قتالا عجيبا فقدر الله ان علقت نار بالقلع وسقط منها نار الى البارود فاشتعلت جميعها بالنار واحترقت المركب بما فيه من المحاربين وكبيرهم وتطايروا في الهواء فلما عاين ذلك مراد بك داخله الرعب وولى منهزم وترك الاثقال والمدافع وتبعته عساكره ونزلت المشاة في المراكب ورجعوا طالبين مصر ووصلت الاخبار بذلك الى مصر فاشتد انزعاج الناس وركب ابراهيم بك الى ساحل بولاق وحضر الباشا والعلماء ورؤوس الناس وأعملوا رأيهم في هذا الحادث العظيم فاتفق رأيهم على عمل متاريس من بولاق الى شبرا ويتولى الاقامة ببولاق ابراهيم بك وكشافه ومماليكه وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالازهر كل يوم ويقرأو البخارى وغيره من الدعوات وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية والبراهمة والقادرية والسعدية وغيرهم من الطوائف وارباب الاشاير ويعملون لهم مجالس بالازهر وكذلك اطفال المكاتب ويذكرون الاسم اللطيف وغير من الاسماء
وفي يوم الاثنين حضر مراد بك الى برانبابة وشرع في عمل متاريس هناك ممتدة الى بشتيل وتولى ذلك هو وصناجقة وامراؤه وجماعة من خشداشينه واحتفل في ترتيب ذلك وتنظيمه بنفسه هو وعلي باشا الطرابلسي ونصوح باشا واحضروا المراكب الكبار والغلايين التي أنشأها بالجيزة واوقفها على ساحل انبابة وشحنها بالعساكر والمدافع فصار البر الغربي والشرقي مملوئين بالمدافع والعساكر والمتاريس والخيالة والمشاة ومع ذلك فقلوب الامراء لم تطمئن بذلك فانهم من حين وصول الخبر لهم من الاسكندرية شرعوا في نقل امتعتهم من البيوت الكبار المشهورة المعروفة (2/185)
الى البيوت الصغار التي لا يعرفها احدوا ستمروا طول الليالي ينقلون الامتعة ويوزعونها عند معارفهم وثقاتهم وأرسلوا البعض منها لبلاد الارياف وأخذوا ايضا في تشهيل الاحمال واستحضار دواب للشيل وادوات الارتحال فلما رأى اهل البلدة منهم ذلك داخلهم الخوف الكثير والفزع واستعد الاغنياء واولوا المقدرة للهروب ولولا ان الامراء منعوهم من ذلك وزجروهم وهددوا من اراد النقلة لما بقى بمصر منهم احد
وفي يوم الثلاثاء نادوا بالنفير العام وخروج الناس للمتاريس وكرروا المناداة بذلك كل يوم فاغلق الناس الدكاكين والاسواق وخرج الجميع لبر بولاق قكانت كل طائفة من طوائف أهل الصناعات يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون لهم خياما او يجلسون في مكان خرب او مسجد ويرتبون لهم فيما يصرف عليهم ما يحتاجون له من الدراهم التي جمعوها من بعضهم وبعض الناس يتطوع بالانفاق على البعض الآخر ومنهم من يجهز جماعة من المغاربة والشوام بالسلاح والاكل وغير ذلك بحيث ان جميع الناس بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم وطاقتهم وسمحت نفوسهم بانفاق أموالهم فلم يشح في ذلك الوقت احد بشيء يملكه ولكن لم يسعفهم الدهر وخرجت الفقراء وارباب الاشاير بالطبول والزمور واعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرن باذكار مختلفة وصعد السيد عمر افندي نقيب الاشراف الى القلعة فأنزل منها بيرقا كبيرا سمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة الى بولاق وامامه وحوله الوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك وأما مصر فانها باقية خالية الطرق لا تجد بها احدا سوى النساء في البيوت والصغار وضعفاء الرجال الذين لا يقدرون على الحركة فانهم مستترون مع النساء في بيوتهم والاسواق مصفرة والطرق مجفرة من عدم الكنس والرش وغلا سعر البارود والرصاص بحيث بيع الرطل البارود بستين نصفا والرصاص بتسعين وغلا جنس انواع السلاح (2/186)
وقل وجوده وخرج معظم الرعايا بالنبابيت والعصي والمساوق وجلس مشايخ العلماء بزاوية علي بك ببولاق يدعون ويبتهلون الى الله بالنصر واقام غيرهم من الرعايا البعض بالبيوت والبعض بالزوايا والبعض بالخيام
ومحصل الأمر أن جميع من بمصر من الرجال تحول الى بولاق وأقام بها من حين نصب ابراهيم بك العرضي هناك الى وقت الهزيمة سوى القليل من الناس الذي لا يجدون لهم مكانا ولا ماوى فيرجعون الى بيوتهم يبيتون بها ثم يصيحون الى بولاق وأرسل ابراهيم بك الى العربان المجاورة لمصر ورسم لهم أن يكونوا في المقدمة بنواحي شبرا وما والاها وكذلك اجتمع عند مراد بك الكثير من عرب البحيرة والجيزة والصعيد والخبيرية والقيعان وأولاد علي والهنادي وغيرهم وفي كل يوم يتزايد الجمع ويعظم الهول ويضيق الحال بالفقراء الذين يحصلون أقواتهم يوما فيوما لتعطيل الاسباب واجتماع الناس كلهم في صعيد واحد وانقطعت الطرق وتعدى الناس بعضهم على بعض لعدم التفات الحكام واشتغالهم بما دهمهم
وأما بلاد الارياف فانها قامت على ساق يقتل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا وكذلك العرب غارت على الاطراف والنواحي وصار قطر مصر من أوله الى آخره في قتل ونهب واخافة طريق وقيام شر واغارة على الاموال وافساد المزارع وغير ذلك من انواع الفساد الذي لا يحصى وطلب أمراء مصر التجار من الافرنج بمصر فحبسوا بعضهم بالقلعة وبعضهم بأماكن الامراء وصاروا يفتشون في محلات الافرنج على الاسلحة وغيرها وكذلك يفتشون بيوت النصارى الشوام والاقباط والاروام والكنائس والاديرة على الاسلحة والعامة لا ترضى الا ان يقتلوا النصارى واليهود فيمنعهم الحكام عنهم ولولا ذلك المنع لقتلتهم العامة وقت الفتنة ثم في كل يوم تكثر الاشاعة بقرب الفرنسيس الى مصر وتختلف الناس في الجهة التي يقصدون المجيء منها فمنهم من يقول انهم واصلون من البر الغربي ومنهم من يقول بل يأتون من الشرقي ومنهم من يقول بل يأتون من الجهتين هذا وليس لاحد من امراء العساكر همة ان يبعث جاسوسا أو طليعة تناوشهم بالقتال قبل (2/187)
دخولهم وقربهم ووصولهم الى فناء المصر بل كل من ابراهيم بك ومراد بك جمع عسكره ومكث مكانه لا ينتقل عنه ينتظر ما يفعل بهم وليس ثم قلعة ولا حصن ولا معقل وهذا من سوء التدبير واهمال أمر العدو
ولما كان يوم الجمعة سادس الشهر وصل الفرنسيس الى الجسر الاسود واصبح يوم السبت فوصلوا الى أم دينار فعندها اجتمع العالم العظيم من الجند والرعايا والفلاحين المجاورة بلادهم لمصر ولكن الاجناد متنافرة قلوبهم منحلة عزائمهم مختلفة آراؤهم حريصون على حياتهم وتنعمهم ورفاهيتهم مختالون في رئيسهم مغترون بجمعهم محتقرون شأن عدوهم مرتبكون في رويتهم مغمورون في غفلتهم وهذا كله من أسباب ما وقع من خذلانهم وهزيمتهم وقد كان الظن بالفرنسيس ان يأتوا من البرين بل أشيع في عرضي ابراهيم بك انهم قادمون من الجهتين فلم يأتوا الا من البر الغربي
ولما كان وقت القائلة ركب جماعة من العساكر التي بالبر الغربي وتقدموا الى ناحية بشتيل بلد مجاورة لانبابة فتلاقوا مع مقدمة الفرنسيس فكروا عليهم بالخيول فضربهم الفرنسيس ببنادقهم المتتابعة الرمي وابلى الفريقان وقتل أيوب بك الدفتردار وعبد الله كاشف الجرف وعدة كثير من كشاف محمد بك الالفي ومماليكهم وتبعهم طابور من الافرنج في نحو الستة آلاف وكبيره ويزه الذي ولى علي الصعيد بعد تملكهم وأما بونابارته الكبير فإنه لم يشاهد الواقعة بل حضر بعد الهزيمة وكان بعيدا عن هؤلاء بكثير ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بك ترامى الفريقان بالمدافع وكذلك العساكر المحاربون البحرية وحضر عدة وافرة من عساكر الارنؤد من دمياط وطلعوا الى انبابة وانضموا الى المشاة وقاتلوا معهم في المتاريس فلما غاين وسمع عسكر البر الشرقي القتال ضج العامة والغوغاء من الرعية واخلاط الناس بالصياح ورفع الاصوات بقولهم يا رب ويا لطيف ويا رجال الله ونحو ذلك وكأنهم يقاتلون ويحاربون بصياحهم وجلبتهم فكان (2/188)
العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك ويقولون لهم ان الرسول والصحابة والمجاهدين انما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب وضرب الرقاب لا برفع الاصوات والصراخ النباح فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه ومن يقرأ ومن يسمع وركب طائفة كبيرة من الامراء والاجناد من العرض الشرقي ومنهم ابراهيم بك الوالي وشرعوا في التعدية الى البر الغربي في المراكب فتزاحموا على المعادي لكون التعدية من محل واحد والمراكب قليلة جدا فلم يصلوا الى البر الاخر حتى وقعت الهزيمة به على المحاربين هذا والريح النكباء اشتد هبوبها وأمواج البحر في قوة اضطرابها والرمال يعلو غبارها وتنسفها الريح في وجوه المصريين فلا يقدر أحد ان يفتح عينيه من شدة الغبار وكون الريح من ناحية العدو وذلك من أعظم أسباب الهزيمة كما هو منصوص عليه
ثم ان الطابور الذي تقدم لقتال مراد بك انقسم على كيفية معلومة عندهم في الحرب وتقارب من المتاريس بحيث صار محيطا بالعسكر من خلفة وامامه ودق طبوله وأرسل بنادقه المتتالية والمدافع واشتد هبوب الريح وانعقد الغبار وأظلمت الدنيا دخان البارود وغبار الرياح وصمت الاسماع من توالي الضرب بحيث خيل للناس ان الارض تزلزلت والسماء عليها سقطت واستمر الحرب والقتال نحو ثلاث أرباع ساعة ثم كانت هذه الهزيمة على العسكر الغربي فغرق الكثير من الخيالة في البحر لاحاطة العدو بهم وظلام الدنيا والبعض وقع اسيرا في أيدي الفرنسيين وملكوا المتاريس وفر مراد بك ومن معه الى الجيزة فصعد الى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ربع ساعة ثم ركب وذهب الى الجهة القبلية وبقيت القتلى والثياب والامتعة والاسلحة والفرس ملقاة على الارض ببرانبابة تحت الارجل وكان من جملة من ألقى نفسه في البحر سليمان بك المعروف بالاغا وأخوه ابراهيم بك الوالي فاما سليمان بك فنجا وغرق ابراهيم بك الصغير وهو صهر ابراهيم بك الكبير ولما انهزم العسكر الغربي حول (2/189)
الفرنسيس المدافع والبنادق على البر الشرقي وضربوها وتحقق أهل البر الآخر الهزيمة فقامت فيهم ضجة عظيمة وركب في الحال ابراهيم بك والباشا والامراء والعسكر والرعايا وتركوا جميع الاثقال والخيام كما هي لم يأخذوا منها شيئا فأما ابراهيم بك والباشاوالامراء فساروا الى جهاةالعادلية وأما الرعايا فهاجوا وماجوا ذاهبين الى جهة المدينة ودخلوها افواجا افواجا وهم جميعا في غاية الخوف والفزع وترقب الهلاك وهم يضجون بالعويل والنحيب ويبتهلون الى الله من شهر هذا اليوم العصيب والنساء يصرخن بأعلى اصواتهن من البيوت وقد كان ذلك قبل الغروب فلما استقر ابراهيم بك بالعادلية أرسل يأخذ حريمه وكذلك من كان معه من الامراء فاركبوا النساء بعضهن على الخيول وبعضهن على البغال والبعض على الحمير والجمال والبعض ماش كالجواري والخدم واستمر معظم الناس طول الليل خارجين من مصر البعض بحريمه والبعض ينجو بنفسه ولا يسأل احد عن أحد بل كل واحد مشغول بنفسه عن ابيه وابنه فخرج تلك الليلة معظم أهل مصر البعض لبلاد الصعيد والبعض لجهة الشرق وهم الاكثر وأقام بمصر كل مخاطر بنفسه لا يقدر على الحركه ممتثلا للقضاء متوقعا للمكروه وذلك لعدم قدرته وقلة ذاته يده وما ينفقه على حمل عياله واطفاله ويصرفه عليهم في الغربة فاستسلم للمقدور ولله عاقبة الامور والذي أزعج قلوب الناس بالاكثر ان في عشاء تلك الليلة شاع في الناس ان الافرنج عدوا الى بولاق واحرقوها وكذلك الجيزة وان اولهم وصل الى باب الحديد يحرقون ويقتلون ويفجرون بالنساء وكان السبب في هذه الاشاعة ان بعض القلينجية من عسكر مراد بك الذي كان في الغليون بمرسي انبابة لما تحقق الكسرة أضرم النار في الغليون الذي هو فيه وكذلك مراد بك لما رحل من الجيزة أمر بانجرار الغليون الكبير من قبالة قصره ليصحبه معه الى جهة قبلي فمشوا به قليلا ووقف لقلة الماء في الطين وكان به (2/190)
عدة وافرة من آلات الحرب والجبخانة فأمر بحرقه ايضا فصعد لهيب النار من جهة الجيزة بولاق ظنوا بل أيقنوا انهم أحرقوا البلدين فماجوا واضطربوا زيادة عما هم فيه من الفزع والروع والجزع وخرج اعيان الناس وافندية الوجاقات واكابرهم ونقيب الاشراف وبعض المشايخ القادرين فلما عاين العامة والرعية ذلك اشتد ضجرهم وخوفهم وتحركت عزائمهم للهروب واللحاق بهم والحال ان الجميع لا يدرون أي جهة يسلكون وأي طريق يذهبون وأي محل يستقرون فتلاحقوا وتسابقوا وخرجوا من كل حدب ينسلون وبيع الحمار الاعرج او البغل الضعيف باضعاف ثمنه وخرج اكثرهم ماشيا او حامل متاعه على رأسه وزوجته حاملة طفلها ومن قدر عل مركوب أركب زوجته او ابنته ومشى هو على اقدامه وخرج غالب النساء ماشيات حاسرات وأطفالهم على اكتافهن يبكين في ظلمة الليل واستمروا على ذلك بطول ليلة الاحد وصبحها وأخذ كل انسان ما قدر على حمله من مال ومتاع فلما خرجوا من أبواب البلد وتوسطوا الفلاة تلقتهم العربان والفلاحون فأخذوا متاعهم ولباسهم وأحمالهم بحيث لم يتركوا لمن صادفوه ما يستر به عورته أو يسد جوعته فكان ما أخذته العرب شيئا كثيرا يفوق الحصر بحيث ان الاموال والذخائر التي خرجت من مصر في تلك الليلة أضعاف ما بقي فيها بلا شك لان معظم الاموال عند الامراء والاعيان وحريمهم وقد أخذوه صحبتهم وغالب مساتير الناس واصحاب المقدرة أخرجوا ايضا ما عندهم والذي أقعده العجز وكان عنده ما يعز عليه من مال أو مصاغ أعطاه لجاره او صديقه الراحل ومثل ذلك أمانات وودائع الحجاج من المغاربة والمسافرين فذهب ذلك جميعه وربما قتلوا من قدروا عليه أو دافع عن نفسه ومتاعه وسلبوا ثياب النساء وفضحوهن وهتكوهن وفيهم الخوندات والاعيان فمنهم من رجع من قريب وهم الذين تأخروا في الخروج وبلغهم ما حصل للسابقين ومنهم من جازف متكلا عل كثرته (2/191)
وعزوته وخفارته فسلم او عطب وكانت ليل وصباحها في غاية الشناعة جرى فيها ما لم يتفق مثله في مصر ولا سمعنا بما شابه بعضه في تواريخ المتقدمين فما راء كمن سمعا ولما أصبح يوم الاحد المذكور والمقيمون لا يدرون ما يفعل بهم ومتوقعون حلول الفرنسيس ووقوع المكروه ورجع الكثير من الفارين وهم في أسوأ حال من العري والفزع فتبين ان الافرنج لم يعدو الى البر الشرقي وان الحريق كان في المراكب المتقدم ذكرها فاجتمع في الازهر بعض العلماء والمشايخ وتشاوروا فاتفق رأيهم على أن يرسلوا مراسلة الى الافرنج ينتظروا ما يكون من جوابهم ففعلوا ذلك وأرسلوها صحبة شخص مغربي يعرف لغتهم وآخر صحبته فغابا وعادا فاخبرا انهما قابلا كبير القوم وأعطياه الرسالة فقرأها عليه ترجمانة ومضمونها الاستفهام عن قصدهم فقال على لسان الترجمان وأين عظماؤكم ومشايخكم لم تأخروا عن الحضور الينا لنرتب لهم ما يكون فيه الراحة وظمنهم وبش في وجوههم فقالوا نريد أمانا منكم فقال أرسلنا لكم سابقا يعنون الكتاب المذكور فقالوا وايضا لاجل اطمئنان الناس فكتبوا لهم ورقة اخرى مضمونها من معسكر الجيزة خطاب لاهل مصر اننا أرسلنا لكم في السابق كتابا فيه الكفاية وذكرنا لكم اننا حضرنا إلا بقصد ازالة المماليك الذين يستعملون الفرنساوية بالذل والاحتقار وأخذ مال التجار ومال السلطان ولما حضرنا الى البر الغربي خرجوا الينا فقابلناهم بما يستحقونه وقتلنا بعضهم وأسرنا بعضهم ونحن في طلبهم حتى لم يبق احد منهم بالقطر المصري وأما المشايخ والعلماء وأصحاب المرتبات والرعية فيكونوا مطمئنين وفي مساكنهم مرتاحين إلى آخر ما ذكرته ثم قال لهم لا بد ان المشايخ والشربجية يأتون الينا لنرتب لهم ديوانا ننتخبه من سبعة اشخاص عقلاء يدبرون الامور ولما رجع الجواب بذلك اطمأن الناس وركب الشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي وآخرون الى الجيزة فتلقاهم وضحك (2/192)
لهم وقال أنتم المشايخ الكبار فاعلموه ان المشايخ الكبار خافوا وهربوا فقال لاي شيء يهربون اكتبوا لهم بالحضور ونعمل لكم ديوانا لاجل راحتكم وراحة الرعية واجراء الشريعة فكتبوا منه عدة مكاتبات بالحضور والامان ثم انفصلوا من معسكرهم بعد العشاء وحضروا الى مصر واطمأن برجوعهم الناس وكانوا في وجل وخوف على غيابهم وأصبحوا فأرسلوا الامان الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والشيخ الشرقاوي والمشايخ ومن انضم اليهم من الناس الفارين من ناحيةالمطرية وأما عمر افندي نقيب الاشراف فانه لم يطمئن ولم يحضر وكذلك الروزنامجي والافندية وفي ذلك اليوم اجتمعت الجعيدية واوباش الناس ونهبوا بيت ابراهيم بك ومراد بك اللذين بخطة قوصون وأحرقوهما ونهبوا ايضا عدة بيوت من بيوت الامراء وأخذوا ما فيها من فرش ونحاس وامتعة وغير ذلك وباعوه بأبخس الأثمان
وفي يوم الثلاثاء عدت الفرنساوية الى بر مصر وسكن بونابارته ببيت محمد بك الالفي بالازبكية بخط الساكت الذي أنشأه الامير المذكور في السنة الماضية وزخرفه وصرف عليه اموالا عظمية وفرشه بالفرش الفاخرة وعند تمامه وسكناه فيه حصلت هذه الحاثة فأخلوه وتركوه بما فيه فكأنه انما كان يبنيه لامير الفرنسيس وكذلك حصل في بيت حسن كاشف جركس بالناصرية ولما عدى كبيرهم وسكن بالازبكية كما ذكر استمر غالبهم بالبر الآخر ولم يدخل المدينة الا القليل منهم ومشوا في الاسواق من غير سلاح ولا تعديل صاروا يضاحكون الناس ويشترون ما يحتاجون اليه بأغلى ثمن فيأخذ أحدهم الدجاجة ويعطي صاحبها في ثمنها ريال فرانسة ويأخذ البيضة بنصف فضة قياسا على اسعار بلادهم وأثمان بضائعهم فلما رأى منهم العامة ذلك أنسوا بهم وأطمأنوا لهم وخرجوا اليهم بالكعك وأنواع الفطير والخبز والبيض والدجاج وانواع المأكولات وغير ذلك مثل السكر والصابون والدخان والبن وصاروا يبيعون عليهم (2/193)
بما أحبوا من الاسعار وفتح غالب السوقة الحوانيت والقهاوي
وفي يوم الخميس ثالث عشر صفر ارسلوا بطلب المشايخ والوجاقلية عند قائمقام صارى عسكر فلما استقر بهم الجلوس خاطبوهم وتشاوروا معهم في تعيين عشرة انفار من المشايخ للديوان وفصل الحكومات
فوقع الاتفاق على الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ خليل البكري والشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي والشيخ محمد المهدي والشيخ موسى السرسي والشيخ مصطفى الدمنهوري والشيخ احمد العريشي والشيخ يوسف الشبرخيتي والشيخ محمد الدواخلي وحضر ذلك المجلس ايضا مصطفى كتخدا بكر باشا والقاضي وقلدوا محمد اغا المسلماني أغات مستحفظان وعلي أغا الشعراوي والى الشرطة وحسن اغا محرم امين احتساب وذلك باشارة أرباب الديوان فانهم كانوا ممتنين من تقليد المناصب لجنس المماليك فعرفوهم ان سوقة مصر لا يخافون الا من الاتراك ولا يحكمهم سواهم وهؤلاء المذكورون من بقايا البيوت القديمة الذين لا يتجاسرون على الظلم كغيرهم وقلدوا ذا الفقار كتخدا محمد بك كتخدا بونابارته ومن ارباب المشورة الخواجا موسى كانوا وكلاء الفرنساوي ووكيل الديوان حنا بينو
وفيه اجتمع أرباب الديوان عند رئيسه فذكر لهم ما وقع من نهب البيوت فقالوا له هذا فعل الجعيدية وأوباش الناس فقال لأي شيء يفعلون ذلك وقد أوصيناكم بحفظ البيوت والختم عليها فقالوا هذا أمر لا قدرة لنا على منعه وانما ذلك من وظيفة الحكام فأمروا الاغا والوالي ان ينادوا بالامان وفتح الدكاكين والاسواق والمنع من النهب فلم يسمعوا ولم ولم ينتهوا واستمر غالب الدكاكين والاسواق معطلة والناس غير مطمئنين وفتح الفرنسيس بعض البيوت المغلوقة التي للامراء ودخلوها وأخذوا منها اشياء وخرجوا وتركوها مفتوحة فعند ما يخرجون منها يدخلها طائفة الجعيدية ويستأصلون ما فيها واستمروا على ذلك عدة ايام ثم (2/194)
انهم تتبعوا بيوت الامراء وأتباعهم وختموا على بعضها وسكنوا بعضها فكان الذي يخاف على داره من جماعة الوجاقلية او من اهل البلد يعلق له بنديرة على باب داره أو يأخذ له ورقة من الفرنسيس بخطهم يلصقها على داره
وفيه قلدوا برطلمين النصراني الرومي وهو الذي تسميه العامة فرط الرمان كتخدا مستحفظان وركب بموكب من بيت صارى عسكر وامامه عدة من طوائف الاجناد والبطالين مشاة بين يده وعلى رأسه حشيشة من الحرير الملون وهو لابس فروة بزعادة وبين يديه الخدم بالحراب المفضضة ورتب له بيوك باشي وقلقات عينوا لهم مراكز باخطاط البلد يجلسون بها وسكن المذكور ببيت يحيى كاشف الكبير بحارة عابدين اخذه بما فيه من فر ومتاع وجواري وغير ذلك والمذكور من أسافل نصارى الاروام العسكرية القاطنين بمصر وكان من الطبجية عند محمد بك الالفي وله حانوت بخط الموسكي يبيع فيه القوارير الزجاج ايام البطالة وقلدوا ايضا شخصا افرنجيا وجعلوه أمين البحرين واخر جعلوه اغات الرسالة وجعلوا الديوان ببيت قائد اغا بالازبكية قرب الرويعي وسكن به رئيس الديوان وسكن روتوي قائمقام مصر ببيت ابراهيم بك الوالي المطل على بركة الفيل وسكن شيخ البلد ببيت ابراهيم بك الكبير وسكن مجلون ببيت مراد بك على رصيف الخشاب وسكن بوسليك مدير الحدود ببيت الشيخ البكري القديم ويجتمع عنده النصارى القبط كل يوم طلبوا الدفاتر من الكتبة ثم ان عساكرهم صارت تدخل المدينة شيئا فشيئا حتى امتلأت منها الطرقات وسكنوا في البيوت ولكن لم يشوشوا على أحد ويأخذون المشتروات بزيادة عن ثمنها ففجر السوقة وصغروا اقراص الخبز وطحنوه بترابه وفتح الناس عدة دكاكين بجواره ساكنهم يبيعون فيها اصناف المأكولات مثل الفطير والكعك والسمك المقلي واللحوم والفراخ المحمرة وغير ذلك وفتح نصارى الاورام عدة دكاكين لبيع انواع (2/195)
الاشربة وخمامير وقهاوي وفتح بعض الافرنج البلديين بيوتا يصنع فيها انواع الاطعمة والاشربة على طرائفهم في بلادهم فيشتري الاغنام والدجاج والخضارات والاسماك والعسل والسكر وجميع اللوازم ويطبخه الطباخون ويصنعون انواع الاطعمة والحلاوت ويعمل على بابه علامة لذلك يعرفونها بينهم فاذا مرت طائفة بذلك المكان تريد الاكل دخلوا الى ذلك المكان وهو يشتمل على عدة مجالس دون واعلى وعلى كل مجلس علامته ومقدار الدراهم التي يدفعها الداخل فيه فيدخلون الى ما يريدون من المجالس وفي وسطه دكة من الخشب وهي الخوان التي يوضع عليها الطعام وحولها كراسي فيجلسون عليها ويأتيهم الفراشون بالطعام على قوانينهم فيأكلون ويشربون على نسق لا يتعدونه وبعد فراغ حاجتهم يدفعون ما وجب عليهم من غير نقص ولا زيادة ويذهبون لحالهم
وفيه تشفع أرباب الديوان في أسرى المماليك فقبلوا شفاعتهم وأطلقوهم فدخل الكثير منهم الى الجامع الازهر وهم في أسوأ حال وعليهم الثياب الزرق المقطعة فمكثوا به يأكلون من صدقات الفقراء المجاورين به ويتكففون المارين وفي ذلك عبرة للمعتبرين
وفي يوم السبت اجتمعوا بالديوان وطلبوا دراهم سلفة وهي مقدار خمسمائة ألف ريال من التجار المسلمين والنصارى القبط والشوام وتجار الافرنج ايضا فسالوا التخفيف فلم يجابوا فاخذوا في تحصيلها
وفيه نادوا من أخذ شيئا من نهب البيوت يحضر به الى بيت قائمقام وان لم يفعل وظهر بعد ذلك حصل له مزيد الضرر ونادوا ايضا على نساء الامراء بالامان وانهن يسكن بيوتهن وان كان عندهن شيء من متاع أزواجهن يظهرنه فان لم يكن عندهن شيء من متاع أزواجهن يصالحن على أنفسهن ويأمن في دورهن فظهرت الست نفيسة زوجة مراد بيك وصالحت عن نفسها واتباعها من نساء الامراء والكشاف بمبلغ قدره مائة وعشرون (2/196)
ألف ريال فرانسا وأخذت في تحصيل ذلك من نفسها وغيره ووجهوا عليها الطلب وكذلك بقية النساء بالوسائط المتداخلين في ذلك كنصارى الشوام والافرنج البلدين وغيرهم فصاروا يعملون عليهن ارصاهات وتخويفات وكذلك مصالحات على الغز والاجناد المختفين والغائبين والفارين فجمعوا بذلك اموالا كثيرة وكتبوا للغائبين اوراقا بالامان بعد المصالحه ويختم على تلك الاوراق المتقيدون بالديوان
وفي يوم الاحد طلبوا الخيول والجمال والسلاح فكان شيئا كثيرا وكذلك الابقار والاثوار فحصل فيها ايضا مصالحات واشاعوا التفتيش على ذلك وكسروا عدة دكاكين بسوق السلاح وغيره واخذوا ما وجدوه فيها من الاسلحة هذا وفي كل يوم ينقلون على الجمال والحمير من الامتعة والفرش والصناديق والسروج وغير ذلك مما لا يحصى ويستخرجون الخبايا والودائع ويطلبون البنائين والمهندسين والخدام الذين يعرفون بيوت اسيادهم بل يذهبون بانفسهم ويدلونهم على اماكن الخبايا ومواضع الدفائن ليصير لهم بذلك قربة ووجاهة ووسيلة ينالون بها غراضهم
وفيه قبضوا على شيخ الجعيدية ومعه آخر وبندقوا عليهما بالرصاص ببركة الازبكية ثم على اخرين ايضا بالرميلة وأحضر النهابون أشياء كثيرة من الامتعة التي نهبوها عند ما داخلهم الخوف ودل على بعضهم البعض
وفي يوم الثلاثاء طلبوا أهل الحرف من التجار بالاسواق وقرروا عليهم دراهم على سبيل القرض والسلفة مبلغا يعجزون عنه واجلوا لها اجلا مقداره ستون يوما فضحوا واستغاثوا وذهبوا الى الجامع الازهر والمشهد الحسيني وتشفعوا بالمشايخ فتكلموا لهم ولطفوها الى نصف المطلوب ووسعوا لهم في ايام المهلة
وفيه شرعوا في تكسير ابواب الدروب والبوابات النافذة وخرج عدة من عساكرهم يخلعون ويقلعون ابواب الدروب والعطف والحارات (2/197)
فاستمروا على ذلك عدة ايام وداخل الناس من ذلك وهم وخوف شديد وظنوا ظنونا وحصل عندهم فساد مخيلة ووسوسة تجسمت في نفوسهم بالفاظ نطقوا بها وتصوروا حقيقتها وتناقلوها فيما بينهم كقولهم ان عساكر الفرنسيس عازمون على قتل المسلمين وهم في صلاة الجمعة ومنهم من يقول غير ذلك وذلك بعد ان كان حصل عندهم بعض اطمئنان وفتحوا بعض الدكاكين فلما حصلت هاتان النكتتان انكمش الناس ثانيا وارتجفت قلوبهم
وفي عشرينه حضرت مكاتب الحجاج من العقبة فذهب ارباب الديوان الى باش العسكر واعلموه بذلك وطلبوا منه امانا لامير الحاج فامتنع وقال لا أعطيه ذلك ألا بشرط أن يأتي في قلة ولا يدخل معه مماليك كثيرة ولا عسكر فقالوا له ومن يوصل الحجاج فقال لهم انا ارسل لهم اربعة آلاف من العسكر يوصولونهم الى مصر فكتبوا لامير الحاج مكاتبة بالملاطفة وانه يحضر بالحجاج الى الدار الحمراء وبعد ذلك يحصل الخير فلم تصل اليهم الجوابات حتى كاتبهم ابراهيم بك يطلبهم للحضور الى جهة بلبيس فتوجهوا على بلبيس وأقاموا هناك اياما وكان ابراهيم بك ومن معه ارتحل من بلبيس الى المنصورة وأرسلوا الحريم الى القرين
وفي ثالث عشرينه خرجت طائفة من العسكر الفرنساوي الى جهة العادلية وصار في كل يوم تذهب طائفة بعد اخرى ويذهبون الى جهة الشرق فلما كان ليل الاربعاء خرج كبيرهم بونابارته وكانت أوائلهم وصلت الى الخانكة وأبى زعبل وطلبوا كلفة من أبي زعبل فامتنعوا فقاتلوهم وضربوهم وكسروهم ونهبوا البلدة وأحرقوها وارتحلوا الى بلبيس وأما الحجاج فانهم نزلوا ببلبيس واكترت حجاج الفلاحين مع العرب فأوصلوهم الى بلادهم بالغربية والمنوفية والقليبونجية وغيرها وكذلك فعل الكثير من الحجاج فتفرقوا في البلاد بحريمهم ومنهم من أقام ببلبيس واما امير (2/198)
الحاج صالح بك فأنه لحق بإبراهيم بك وصحبته جماعة من التجار وغيرهم
وفي ثامن عشرنيه ملك الفرنساوية مدينة بلبيس من غير قتال وبها من بقي من الحجاج فلم يشوشوا عليهم وأرسلوها الى مصر وصحبتهم طائفة من عساكرهم ومعهم طبل فلما كان ليلة الاحد غايته جاء الرائد الى الامراء بالمنصورة وأخبرهم بوصول الافرنج وقربهم منهم فركبوا نصف الليل وترفعوا الى جهة القرين وتركوا التجار واصحاب الاثقال فلما طلع النهار حضر إليهم جماعة من العربان واتفقوا معهم على انهم يحملونهم الى القرين وحلفوا لهم وعاهدوهم على انهم لا يخونونهم فلما توسطوا بهم الطريق نقضوا عهدهم وخانوهم ونهبوا حمولهم وتقاسموا متاعهم وعروهم من ثيابهم وفيهم كبير التجار السيد احمد المحروقي وكان ما يخصه نحو ثلثمائة ألف ريال فرانسة نقودا ومتجرا من جميع الأصناف الحجازية وصنعت العرب معهم مالا خير فيه ولحقهم عسكر الفرنساوية فذهب السيد احمد المحروقي الى صارى عسكر وواجهه وصحبته جماعة من العرب المنافقين فشكا له ما حل به وباخوانه فلامهم على تنقلهم وركونهم الى المماليك والعرب ثم قبض على بي خشبة شيخ بلد القرين وقال له عرفني عن مكان المنهوبات فقال أرسل معي جماعة الى القرين فأرسل معه جماعة دلهم على بعض الاحمال فأخذها الافرنج ورفعوها ثم تبعوه الى محل آخر فأوهمهم انه يدخل ويخرج اليهم احمالا كذلك فدخل وخرج من مكان آخر وذهب هاربا فرجع اولئك العسكر بجمل ونصف جمل لا غير وقالوا هذا الذي وجدناه والرجل فر من أيدينا فقال صارى عسكر لا بد من تحصيل ذلك فطلبوا منه الاذن في التوجه الى مصر فأصحب معهم عدة من عسكره أوصلوهم الى مصر وامامهم طبل وهم في أسوأ حال وصحبتهم ايضا جماعة من النساء اللاتي كن خرجن ليلة الحادثة وهن أيضا في اسوأ حالة تسكب عند مشاهدتهن العبرات (2/199)
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاثنين سنة 1213
في ثانيه وصل الفرنساويه الى نواحي القرين وكان ابراهيم بك ومن معه وصلوا الى الصالحية وأودعوا مالهم وحريمهم هناك وضمنوا عليها العربان وبعض الجند فأخبر بعض العرب الفرنساوية بمكان الحملة فركب صارى عسكر واخذ معه الخيالة وقصد الاغارة على الحملة وعلى ابراهيم بك بذلك ايضا فركب هو وصالح بك وعدة من الامراء والمماليك وتحاربوا معهم ساعة أشرف فيها الفرنسيس على الهزيمة لكونهم على الخيول واذا بالخبر وصل الى ابراهيم بك بان العرب مالوا على الحملة يقصدون نهبها فعند ذلك فر بمن معه على أثره وتركوا قتال الفرنسيس ولحقوا بالعرب وجلوهم عن متاعهم وقتلوا منهم عدة وارتحلوا الى قطيا ورجع صارى عسكر الى مصر وترك عدة من عساكره متفرقين في البلاد فدخل مصر ليلا وذلك ليل الخميس رابعه
وفي يوم الجمعة خامسه الموافق لثالث عشر مسرى القبطي كان وفاء الفيل المبارك فأمر صارى عسكر بالاستعداد وتزيين العقبة كالعادة وكذلك زينوا عدة مراكب وغلايين ونادوا على الناس بالخروج الى النزهة في النيل والمقياس والروضة على عادتهم وأرسل صحارى عسكر اوراقا لكتخدا الباشا والقاضي وأرباب الديوان وأصحاب المشورة والمتولين للمناصب وغيرهم بالحضور في صبحها وركب صحبتهم بموكبه وزينته وعساكره وطبوله وزموره الى قصر قنطرة السد وكسروا الجسر بحضرتهم وعملوا شنك مدافع ونفوطا حتى جرى الماء في الخليج وركب وهم صحبته حتى رجع الى داره وأما أهل البلد فلم يخرج منهم أحد تلك الليلة للتنزه في المراكب على العادة سوى النصارى الشوام والقبط والأروام والافرنج البلديين ونسائهم وقليل من الناس البطالين حضروا في صبحها
وفيه تواترت الاخبار بحضور عدة مراكب من الانكليز الى ثغر (2/200)
الاسكندرية وانهم حاربوا مراكب الفرنساوية الراسية بالمينا وكانت أشيعت هذه الاخبار قبل وتحدث الناس بها فصعب ذلك على الفرنساوية واتفق ان بعض النصارى الشوام نقل عن رجل شريف يسمى السيد احمد الزر ومن أعيان التجار بوكالة الصابون أنه تحدث بذلك فأمروا باحضاره وذكروا له ذلك فقال أنا حكيت ما سمعته من فلان النصراني فأحضروه ايضا وامروا بقطع لسانيهما أو يدفع كل واحد منهما مائة ريال فرانسة نكالا لهما وزجرا عن الفضول فيما لا يعنيهما فتشفغ المشايخ فلم يقبلوا فقال بعضهم أطلقوهما ونحن نأتيكم بالدراهم فلم يرضوا فأرسل الشيخ مصطفى الصاوي وأحضر مائتي ريال ودفعها في الحضرة فلما قبضها الوكيل ردها ثانيا اليه وقال فرقها على الفقراء كما أشار وردها الى صاحبها فانكف الناس عن التكلم في شأن ذلك والواقع ان الانكليز حضروا في أثرهم الى الثغر وحاربوا مراكبهم فنالوا منهم واحرقوا لقايق الكبير المسمى بنصف الدنيا وكان به أموالهم وذخائرهم وكان مصفحا بالنحاس الاصفر واستمر الانكليز بمراكبهم بميناء الاسكندرية يغدون ويروحون يرصدون الفرنسيس وفي ذلك اليوم سافر عدة من عساكرهم الى بحري والى الشرقية ولما جرى الماء في الخليج منعوا دخول الماء الى بركة الازبكية وسدوا قنطرة الدكة بسبب وطاقهم ومدافعهم وآلتهم التي فيها
وفيه سأل صارى عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الامور وتوقف الاحوال فلم يقبل وقال لا بد من ذلك وأعطى له ثلثمائة ريال فرانسا معاونة وامر بتعلق تعاليق واحبال وقناديل واجتمع الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم وأرسل الطبلخانة الكبيرة الى بيت الشيخ البكري واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة تحت داره وهي عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية وعدة آلات ومزامير مخلفة (2/201)
الاصوات مطربة وعملوا في الليل حراقة نفوط مختلفة وسواريخ تصعد في الهواء
وفي ذلك اليوم ألبس الشيخ خليل البكري فروة وتقلد نقابة الاشراف ونودي في المدينة بان كل من كان له دعوى على شريف فليرفعها الى النقيب
وفيه ورد الخبر بأن ابراهيم بك والامراء المصرية استقروا بغزة
وفي خامس عشرة سافر عدة كبيرة من عسكر الفرنساوية الى جهة الصعيد وكبيرهم ديزة وصحبتهم يعقوب القبطي ليعرفهم الامور ويطلعهم على المخباءات
وفيه حضر القاصد الذي كان أرسله كبير الفرنساوية بمكاتبات وهدية الى أحمد باشا الجزار بعكا وذلك عند استقرارهم بمصر وصحبته أنفار من النصارى الشوام في صفة تجار ومعهم جانب أرز ونزلوا من ثغر دمياط في سفينة من سفائن أحمد باشا فلما وصلوا الى عكا وعلم بها احمد باشا أمر بذلك الفرنساوي فنقلوه الى بعض التقارير ولم يواجهه ولم يأخذ منه شيئا وأمره بالرجوع من حيث أتى وعوق عنده نصارى الشوام الذين كانوا بصحبته
وفيه حضر جماعة من عسكر الفرنساوية الى بيت رضوان كاشف بباب الشعرية وصحبتهم ترجمان ومهندس فانزعجت زوجته وكانت قبل ذلك بأيام صالحت على نفسها وبيتها بألف ريال وثلثمائة ريال وأخذت منهم ورقة ألصقتها على باب دارها وردت ماكانت وزعته من المال والمتاع عند معارفها وأطمأنت فلما حضر اليها الجماعة المذكورون قالوا لها بلغ صارى عسكران عندك اسلحة وملابس للمماليك فانكرت ذلك فقالوا لازم من التفتيش فقالت دونكم فطلعوا الى مكان وفتحوا مخبأة فوجدوا بها أربعة وعشرين شروالا وبلكات وأمتعة وغير ذلك ووجدوا في أسفلها مخبأة أخرى بها عدة كثيرة من الطبنجات والاسلحة والبنادق وصناديق بارود وغير ذلك فاستخرجوا جميع ذلك ثم نزلوا الى تحت السلالم (2/202)
وفجروا الارض وأخرجوا منها دراهم كثيرة وحجاب ذهب في داخله دنانير ثم أنزلوا صاحبة الدار ومعها جارية بيضاء وأخذوهما مع الجواري السود وذهبوا بهن فأقمن عندهم ثلاثة ايام ونهبوا ما وجدوه بالدار من فرش وأمتعة ثم قرروا عليها أربعة آلاف ريال آخرى قامت بدفعها وأطلقوها رجعت الى دارها وبسبب هذه الحادثة شددوا في طلب الاسلحة ونادوا بذلك وانهم بعد ثلاثة ايام يفتشون البيوت وقال الناس ان هذه حيلة على نهب البيوت ثم بطل ذلك وحصل بينها وبين مباشرها القبطي منافسة فذهب وأغرى بها ودل على ذلك
وفي عشرينه قلدوا مصطفى بك كتخدا الباشا على امارة الحاج فحضروا الى المحكمة عند القاضي ولبس هناك الخلعة بحضرة مشايخ الديوان والتزم بونابارته بتسهيل مهمات الحج وعمل محلا جديدا
وفيه سأل أصحاب الحصص الالتزام في التصرف في حصصهم فطلبوا منهم حلوانا فلم يرتضوا بذلك فواعدهم لتمام التحرير والاملاء وقالوا كل من كان له التزام وتقسيط ناطق باسمه يحضره ويمليه ففعلوا ذلك في عدة أيام
وفيه قدروا فرضة من المال على القرى والبلاد ونشروا بذلك أوراقا وذكروا فيها انها تحسب من المال وقيدوا بذلك الصيارف من القبط
وفيه طلب صارى عسكر بونابارته المشايخ فلما استقروا عنده نهض بونابارته من المجلس ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاثة الوان كل طيلسان ثلاثة عروض أبيض وأحمر وكحلي فوضع منها واحدا على كتف الشيخ الشرقاوي فرمى به الى الارض واستعفى وتغير مزاجه ونزلوا في البلاد مثل الحكام يحبسون ويضربون ويشددون في الطلب وانتفع لونه واحتد طبعه فقال الترجمان يا مشايخ انتم صرتم أحبابا لصارى عسكر وهو يقصد تعظيمكم وتشريفكم بزيه وعلامته فان تميزتم بذلك عظمتكم العساكر والناس وصار لكم منزلة في قولهم فقالوا (2/203)
له لكن قدرنا يضيع عند الله وعند اخواننا من المسلمين فاغتاظ لذلك وتكلم بلسانه وبلغ عنه بعض المترجمين انه قال عن الشيخ الشرقاوي انه لا يصلح للرياسة ونحو ذلك فلاطفه بقية الجماعة واستعفوه من ذلك فقال ان لم يكن ذلك فلازم من وضعكم الجوكار في صدروكم وهي العلامة التي يقال لها الوردة فقالوا أمهلونا حتى نتروى في ذلك واتفقوا على اثني عشر يوما
وفي ذلك الوقت حضر الشيخ السادات باستدعاء فصادفهم منصرفين فلما استقر به الجلوس بش له وضاحكه صارى عسكر ولاطفه في القول الذي يعربه الترجمان واهدى له خاتم الماس وكلفه الحضور في الغد عنده وأحضر له جوكار أوثقه بفراجته فسكت وسايره وقام وانصرف فلما خرج من عنده رفعه على ان ذلك لا يخل بالدين
وفي ذلك اليوم نادى جماعة القلقات على الناس بوضع العلامات المذكورة المعروفة بالوردة وهي اشارة الطاعة والمحبة فانف غالب الناس من وضعها وبعضهم رأى ان ذلك لا يخل بالدين اذ هو مكره وربما ترتب على عدم الامتثال الضرر فوضعها ثم في عصر ذلك اليوم نادوا بابطالها من العامة والزموا بعض الاعيان ومن يريد الدخول عندهم لحاجة من الحاجات بوضعها فكانوا يضعونها اذا حضرا عندهم ويرفعونها اذا انفصلوا عنهم وذلك ايام قليلة وحصل ما يأتي ذكره فتركت
وفي اواخره كان انتقال الشمس لبرج الميزان وهو الاعتدال الخريفي فشرع الفرنساويه في عمل عيدهم ببركة الازبكية وذلك اليوم كان ابتداء قيام الجمهور ببلادهم فجعلوا ذلك اليوم عيدا وتاريخا فنقلوا اخشابا وحفروا حفرا وأقاموا بوسط بركة الازبكية صاريا عظيما بآلة وبناء وردموا حوله ترابا كثيرا عاليا بمقدار قامة وعملوا في أعلاه قالبا من الخشب محددا لاعلى مربع الاكان ولبسوا باقيه على سمت القالب قماشا تخينا طلوه بالحمرة الجزعة وعملوا اسفله قاعدة نقشوا عليها (2/204)
تصاوير سواد في بياض ووضعوا قبالة باب الهواء بالبركة شبه بوابة كبيرة عالية من خشب مقفص وكسوها بالقماش المدهون مثل لون الصاري وفي أعلى القوصرة طلاء ابيض وبه تصاوير بالأسود مصور فيه مثل حرب المماليك المصرية معهم وهم في شبه المنهزمين بعضهم واقع على بعض وبعضهم متلفت الى خلف وعلى موازاة ذلك من الجهة الاخرى بناحية قنطرة الدكة التي يدخل منها الماء الى البركة مثال بوابة اخرى على غير شكلها لاجل حراقة البارود وأقاموا أخشابا كثيرة منتصبة مصطفة منها الى البوابة الاخرى شبه الدائرة متسعة محيطة بمعظم قضاء البركة بحيث صار عامود الصاري الكبير المنتصف المذكور في المركز وربطوا بين تلك الاخشاب حبالا ممتدة وعلقوا بها صفين من القناديل وبين ذلك تماثيل لحراقة البارود ايضا وأقاموا في عمل ذلك عدة أيام
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاربعاء سنة 1213 فيه وردت الاخبار بان مراد بك ومن معه لما بلغه ورود الفرنسيس عليهم رجعوا الى جهة الفيوم وان عثمان بك الاشقر عدى الى البر الشرقي وذهب من خلف الجبل الى استاذه ابراهيم بك بغزة وخرج جماعة من الفرنساوية الى جهة الشرق ومعهم عدة جمال وأحمال فخرج عليهم الغزو العرب الذين يصحبونهم فأخذوا منهم عدة جمال باحمالها ولم يلحقوهم
وفي ثالثه حضرت مكاتبة من ابراهيم بك خطابا للمشايخ وغيرهم مضمونها انكم تكونون مطمئنين ومحافظين على انفسكم والرعية وان حضرة مولانا السلطان وجه لنا عساكر وان شاء الله تعالى عن قريب نحضر عندكم فلما وردت تلك المكاتبة وقد كان سأل عنها بونابارته فأرسلوها له وقرئت عليه فقال المماليك كذابون ووافق ايضا انه حضر آغا رومي وكان معوقا بالاسكندرية فمر بالشارع وذهب لزيارة المشهد الحسيني فشاهده الناس فاستغربوا هيئته وفرحوا برؤيته وقالوا هذا رسول الحي حضر من عند السلطان بجواب للفرنسيس يأمرهم بالخروج من مصر (2/205)
واختلفت رواياتهم وآراؤهم واخبارهم وتجمعوا بالمشهد الحسيني وتبع بعضهم بعضا وصادف ذلك ان بونابارته في ذلك الوقت بلغه مما نقل وتناقل بين الناس انه ورد مكتوب الى المشايخ ايضا وأخفوه فركب من فوره وحضر الى بيت الشيخ السادات بالمشهد الحسيني وكان الوقت بعد الظهر فدخل على حين غفلة ولم يكن تقدم له مجيء وهو في كبكبة وخيول كثيرة وعساكر فانزعج الشيخ وكان منحرف المزاج ونزل اليه وهو لا يعرف السبب في مجيئه في مثل هذا الوقت على هذه الصورة فعندما شاهده سأله عن ذلك المكتوب فقال لا علم لي بذلك ولم يكن بلغه الخبر ثم جلس مقدار ساعة وركب ومر بعسكره وطوافيه من باب المشهد والناس قد كثر ازدحامهم بالجامع والخطة وهم يلغطون ويخلطون فلما نظروه وشاهد هو جميعتهم داخله امر من ذلك فصاحوا باجمعهم وقالوا بصوت عال الفاتحة فشخص اليهم وصار يسأل من معه عن ازدحامهم فلطفوا له القول وقالوا له انهم يدعون لك وذهب الى داره وكانت نكتة غريبة وساعة اتفاقية عجيبة كاد ينشأ منها فتنة
وفيه شرعوا في خلع البوابات والدروب غير النافذة ايضا ونقلوا الجميع الى بركة الازبكية عند رصيف الخشاب والبوابة الكبيرة يقطعونها نصفين ويرفعونها بالعتالين الى هناك فاجتمع من ذلك شيء كثير جدا وامتلأ من رصيف الخشاب الى قريب وسط البركة
وفي يوم السبت حادي عشرة كان يوم عيدهم الموعود به فضربوا في صبيحته مدافع كثيرة ووضعوا على كل قائم من الخشب بنديرة من بنديراتهم الملونة وضربوا طبولهم واجتمعت عساكرهم بالبركة الخيالة والرجالة واصطفوا صفوفا علىطرائقهم المعروفة بينهم ودعوا المشايخ وأعيان المسلمين والقبطة والشوام فاجتمعوا ببيت صارى عسكر بونابارته وجلسوا حصة من النهار ولبسوا في ذلك اليوم ملابس الافتخار ولبس المعلم جرجس الجوهري كركه بطرز قصب على اكتافها (2/206)
الى أكمامها وعلى صدره شمسات قصب بازرار وكذلك فلتيوس وتعمموا بالعمائم الكشميري وركبوا البغال الفارهة وأظهروا البشر والسرور في ذلك اليوم الى الغاية ثم نزل عظماؤهم وصحبتهم المشايخ والقاضي وكتخدا الباشا فركبوا وذهبوا عند الصاري الكبير الموضوع بوسط البركة وقد كانوا فرشوا في أسفله بسطا كثيرة ثم ان العساكر لعبوا ميدانهم وعملوا هيئة حربهم وضربوا البنادق والمدافع فلما انقضى ذلك اصطفت العساكر صفوفا حول ذلك الصاري وقرأ عليهم كبير قسوسهم ورقة بلغتهم لا يدري معناها الاهم وكأنها كالوصية أو النصيحة أو الوعظ ثم قاموا وانفض الجمع ورجع صارى عسكر الى داره فمد سماطا عظيما للحاضرين فلما كان عند الغروب أوقدوا جميع القناديل التي على الحبال والتماثيل والاحمال التي على البيوت وعند العشاء عملوا حراقة بارود وسواريخ ونفوط وشبه سواقي ودواليب من قار ومدافع كثيرة نحو ساعتين من الليل واستمرت القناديل موقدة حتى طلع النهار ثم فكوا الحبال والتعاليق والتماثيل المصنوعة وبقيت البوابة المقابلة لباب الهواء والصاري الكبير وتحته جماعة ملازمون الاقامة عنده ليلا ونهار من عساكرهم لأنه شعارهم واشارة الى قيام دولتهم في زعمهم
وفي ثاني ليلة منه ركب كبيرهم الى بر الجيزة وسفر عساكر الى الجهة التي بها مراد بك وكذلك الى جهة الشرقية ومعهم مدافع على عجل وفيه ارسل دبوي قائممقام الى الست نفيسة وطلب منها احضار زوجة عثمان بك الطنبرجي فأرسلت الى المشايخ تستغيث بهم فحضر اليها الشيخ محمد المهدي والشيخ موسى السرسي وقصدوا منعها فلم يمكنهم فذهبوا صحبتها ونظروا في قصتها والسبب في طلبها انهم وجدوا رجلا فراشا معه جانب دخان وبعض ثياب فقبضوا عليه وقرروه فأخبر انه تابعها وانها أعطته ذلك ووعدته بالرجوع اليها لتسلمه شبكي دخان وفروة وخمسمائة محبوب ليوصل ذلك الى سيده فهذا هو السبب في طلبها (2/207)
فقالوا وأين الفراش فبعثوا لاحضاره وسألوها فانكرت ذلك بالمرة فانتظروا حضور الفراش الى بعد الغروب فلم يحضر فقال لهم المشايخ دعوها تذهب الى بيتها وفي غد تأتي وتحقق هذه القضية فقال دبوى نونو ومعناه بلغتهم النفي أي لا تذهب فقالوا له دعها تذهب هي ونحن نبيت عوضا عنها فلم يرض ايضا وعالجوا في ذلك بقدر طاقتهم فلما أيسوا تركوها ومضوا فباتت عندها في ناحية من البيت وصحبتها جماعة من النساء المسلمات والنساء الافرنجيات فلما اصبح النهار ركب المشايخ الى كتخدا الباشا والقاضي فركبا معا وذهبا الى بيت صاري عسكر الكبير فاحضرها وسلمها الى القاضي ولم يثبت عليها شيء من هذه الدعوة وقرروا عليها ثلاثة آلاف ريال فرانسة وذهبت الى بيت لها مجاور لبيت القاضي وأقامت فيه لتكون في حمايته
وفي يوم الخميس نادوا في الاسواق بان كل من كان عنده بغلة يدهب بها الى بيت قائمقام ببركة الفيل ويأخذ ثمنها واذا لم يحضرها بنفسه تؤخذ منه قهرا ويدفع ثلثمائة ريال فرانسا وكان احضرها باختياره يأخذ في ثمنها خمسين ريالا قلت قيمتها او كثرت فغنم صاحب الخسيس وخسر صاحب النفيس ثم ترك ذلك وفيه نادوا بوقود قناديل سهارى بالطرق والاسواق وان يكون على كل دار قنديل وعلى كل ثلاثة دكاكين قنديل وان يلازموا الكنس والرش وتنظيف الطرق من العفوشات والقاذورات
وفيه نادوا على الاغراب من المغاربة وغيرهم والخدامين والبطالين ليسافروا الى بلادهم وكل من وجد بعد ثلاثة ايام يستأهل الذي يجري عليه وكرروا المناداة بذلك وأجلوهم بعدها أربعة وعشرين ساعة فذهبت جماعة من المغاربة الى صارى عسكر وقالوا له ارنا طريقا للذهاب فان طريق البرغير مسلوكة والانكليز واقفون بطريق البحر يمنعون المسافرين ولا نقدر على المقام في الاسكندرية من الغلاء وعدم الماء بها فتركهم (2/208)
وفيه جعلوا ابراهيم اغات المتفرقة المعمار قبطان السويس وسافر معه انفار ببيرق فرنساوي فخرج عليهم العربان في الطريق فنهبوهم وقتلوا ابراهيم اغا المذكور ومن بصحبته ولم يسلم منهم الا القليل وفيه أهمل آمر الديوان الذي يحضره المشايخ ببيت قائد آغا فاستمروا آياما يذهبون فلم يأتهم أحد فتركوا الذهاب فلم يطلبوا
وفيه شرعوا في ترتيب ديوان آخر وسموه محكمة القضايا وكتبوا في شأن ذلك طومارا وشرطوا فيه شروطا ورتبوا فيه ستة أنفار من النصارى القبط وستة أنفار من تجار المسلمين وجعلوا قاضيه الكبير ملطى القبطي الذي كان كاتبا عند ايوب بك الدفتردار وفوضوا اليهم القضايا في امور التجار والعامة والمواريث والدعاوي وجعلوا لذلك الديوان قواعد واركانا من البدع السيئة وكتبوا نسخا من ذلك كثيرة ارسلوا منها الى الاعيان ولصقوا منها نسخا في مفارق الطرق ورؤوس العطف وابواب المساجد وشرطوا في ضمنه شروطا وفي ضمن تلك الشروط شروطا اخرى بتعبيرات سخيفة يفهم منها المراد بعد التأمل الكثير لعدم معرفتهم قوانين التراكيب العربية ومحصله التحيل على أخذ الاموال كقولهم بان أصحاب الاملاك يأتون بحججهم وتمسكاتهم الشاهدة لهم بالتمليك فإذا احضروها وبينوا وجه تملكهم لها اما بالبيع أو الانتقال لهم بالارث لا يكتفي بذلك بل يؤمر بالكشف عليها في السجلات ويدفع على ذلك الكشف دراهم بقدر عينوه في ذلك الطومار فان وجد تمسكه مقيدا بالسجل طلب منه بعد ذلك الثبوت ويدفع على ذلك الاشهاد بعد ثبوته وقبوله قدرا آخر ويأخذ بذلك تصحيحا ويكتب له بعد ذلك تمكين وينظر بعد ذلك في قيمته ويدفع على كل مائة اثنين فان لم يكن له حجة او كانت ولم تكن مقيدة بالسجل أو مقيدة ولم يثبت ذلك التقييد فانها تضبط لديوان الجمهور وتصير من حقوقهم وهذا شيء متعذر وذلك ان الناس انما وضعوا أيديهم على أملاكهم اما بالشراء أو بايلولتهالهم من مورتهم او نحو (2/209)
ذلك بحجة قريبة او بعيدة العهد او بحجج اسلافهم ومورثيهم فاذا طولبوا باثبات مضمونها تعسر أو تعذر لحادث الموت او الاسفار او ربما حضرت الشهود فلم تقبل فان قبلت فعل به ما ذكر ومن جملة الشروط مقررات على المواريث والموتى ومقاديرها متنوعة في القلة والكثرة كقولهم اذا مات الميت يشاورون عليه ويدفعون معلوما لذلك ويفتحون تركته بعد أربع وعشرين ساعة فإذا بقيت اكثر من ذلك ضبطت للديوان ايضا ولا حق فيها للورثة وان فتحت على الرسم بأذن الديوان يدفع على ذلك الاذن مقررا أو كذلك على ثبوت الوراثة ثم عليهم بعد قبض ما يخصهم مقرر وكذلك من يدعي دينا على الميت يثبته بديوان الحشريات ويدفع على اثباته مقرر او يأخذ له ورقة يستلم بها دينه فاذا استلمه رفع مقررا ايضا ومثل ذلك في الرزق والاطيان بشروط وانواع وكيفية اخرى غير ذلك والهبات والمبايعات والدعاوي والمنازعات والمشاجرات والاشهادات الجزئيات والكليات والمسافر كذلك لا يسافر الا بورقة ويدفع عليها قدرا وكذلك المولود اذا ولد ويقال له اثبات الحياة وكذلك المؤاجرات وقبض أجر الاملاك وغير ذلك
وفيه نادى أصحاب الدرك على العامة بترك الفضول والكلام في أمور الدولة فإذا مر عليهم جماعة من العسكر مجروحون او منهزمون لا يسخرون بهم ولا يصفقون عليهم كما هي عادتهم
وفيه نهبوا أمتعة عسكر القلينجية الذين كانوا عسكر عند الامراء فأخذوا مكانا بوكالة علي بساحل بولاق وبالجمالية واخذوا متاعهم ومتاع شركائهم محتجين بانهم قاتلوا مع المماليك وهربوا معهم
وفيه أحضروا محمد كتخدا اباسيف الذي كان سردارا بدمياط من طرف الامراء المصريين وكان سابقا كتخدا حسن بك الجداوي فلما حضر حبسوه في القلعة وحبسوا معه فراشا لابراهيم بك
وفيه أمروا سكان القلعة بالخروج من منازلهم والنزول الى المدينة (2/210)
ليسكنوا بها فنزلوا وأصعدوا الى القلعة مدافع ركزوها بعدة مواضع وهدموا بها ابنية كثيرة وشرعوا في بناء حيطان وكرانك واسوار وهدموا أبنية عالية واعلوا مواضع متخفضة وبنوا على بدنات باب العزب بالرميلة وغيروا معالمها وأبدلوا محاسنها ومحوا ما كان بها من معالم السلاطين وآثار الحكماء والعظماء وما كان في الابواب العظام من الاسلحة والدرق والبلط والحوادث والحرب الهندية وأكر الفداوية وهدموا قصر يوسف صلاح الدين ومحاسن الملوك والسلاطين ذوات الأركان الشاهقة والاعمدة الباسقة
وفيه عينت عساكر الى مراد بك وذهبوا اليه ببجر يوسف جهة الفيوم
وفي يوم الخميس سادس عشرة نودي بان كل من تشاجر مع نصراني او يهودي يشهد احد الخصمين على الاخر ويطلبه لبيت صارى عسكر
وفيه قتلوا شخصين وطافوا برؤسهما و هم ينادون عليهما ويقولون هذا جزاء من يأتي بمكاتيب من عند المماليك او يذهب اليهم بمكاتيب
وفيه نبهوا على الناس بالمنع من دفن الموتى بالترب القريبة من المساكن كتربة الازبكية والرويعي ولا يدفنون الموتى الا في القرافات البعيدة والذي ليس له تربة بالقرافة يدفن ميته في ترب المماليك وإذا دفنوا يبالغون في تسفيل الحفر ونادوا ايضا بنشر الثياب والامتعة والفرش بالاسطحة عدة أيام وتبخير البيوت بالبخورات المذهبة للعفونة كل ذلك للخوف من حصول الطاعون وعدوه ويقولون ان العفونة تنحبس باغوار الارض فاذا دخل الشتاء وبردت الاغوار بسريان النيل والامطار والرطوبات خرج ما كان منحبسا بالارض من الابخرة الفاسدة فيتعفن الهواء فيحصل الوباء والطاعون ومن قولهم ايضا ان مرض مريض لابد من الاخبار عنه فيرسلون من جهتهم حكيما للكشف عليه ان كان مرضه بالطاعون او بغيره ثم يرون رأيهم فيه
وفي يوم السبت ثامن عشره ذهبت جماعة من القواسة الذين يخدمون (2/211)
الفرنساوية وشرعوا في هدم التراكيب المبنية على المقابر بتربة الازبكية وتمهيدها بالارض فشاع الخبر بذلك وتسامع أصحاب الترب بتلك البقعة فخرجوا من كل حدب ينسلون وأكثرهم النساء الساكنات بحارات المدابغ وباب اللوق وكرم الشيخ سلامة والفوالة والمناصرة وقنطرة الامير حسين وقلعة الكلاب الى أن صاروا كالجراد المنتشر ولهم صياح وضجيج واجتمعوا بالازبكية ووقفوا تحت بيت صارى عسكر فنزل لهم المترجمون واعتذروا بان صارى عسكر لاعلم له بذلك الهدم ولم يأمر به وانما أمر بمنع الدفن فقط فرجعوا الى أماكنهم ورفع الهدم عنهم
وفيه كتبوا من المشايخ كتابا ليرسلوه الى السلطان وآخر الى شريف مكة ثم انهم بصموا منه عدة نسخ ولصقوها بالطرق والمفارق وصورته ملخصا بعد الصدر وذكر ورودهم وقتالهم مع المماليك وهروبهم وان جماعة من العلماء ذهبت اليهم بالبر الغربي فأمنوهم وكذلك الرعية دون المماليك وذكروا فيه انهم من اخصاء السلطان العثماني وأعداء اعدائه وان السكة والخطبة بأسمه وشعائر الاسلام مقامة على ما هي عليه وباقية بمعنى الكلام السابق من قولهم انهم مسلمون وانهم محترمون القرآن والنبي وانهم اوصلوا الحجاج المتشتتين واكرموهم وأركبوا الماشي واطعموا الجيعان وسقوا العطشان واعتنوا بيوم الزينة يوم جبر البحر وعملوا له شأنا ورونقا استجلا بالسرور المؤمنين وانفقوا أموالا برسم الصدقة على الفقراء وكذلك اعتنوا بالمولد النبوي وأنفقوا اموالا في شأن انتظامه وتفق راينا ورأيهم على لبس حضرة الجناب المحترم مصطفى أغا كتخدا بكر باشا والي مصر حالا فاستحسنا ذلك لبقاء علقة الدولة العلية وهم ايضا مجتهدون في اتمام مهمات الحرمين وأمرونا أن نعلمكم بذلك والسلام
وفيه وقعت حادثة جزئية من جملة الجزئيات وهو ان رجلا صيرفيا بجوار حارة الجوانية وقع من لفظه انه قال السيد احمد البدوي بالشرق والسيد ابراهيم الدسوقي بالغرب يقتلان كل من يمر عليهما من النصارى (2/212)
وكان هذا الكلام بمحضر النصارى الشوام فجاوبه بعضهم واسمعه قبيح القول ووقع بينهما التشاجر فقام النصراني وذهب الى دبوى وأخبره بالقصة فأرسل وقبض على ذلك الصيرفي وحبسه وسمر حانوته وختم على داره وتشفع فيه المشايخ عدة مرار فأطلقوه بعد يومين وأرسلوه الى بيت الشيخ البكري ليؤدب هناك بالضرب او يدفع خمسمائة ريال فرانسة فضرب مائة سوط وأطلق سبيله وكذلك أفرجوا عن بقية المسجونين
وفي يوم الاثنين طاف أصحاب الدرك على الاخطاط والوكائل فكتبوا أسماءها وأسماء البوابين وامروهم ان لا يسكنوا احدا من الاغراب ولا يطلقوا احدا بلا أذن من اغات مستحفظان
وفي يوم الثلاثاء عمل المولد الحسيني وكان من العزم تركه في هذا العام فدس بعض المنافقين دسيسة عند الفرنسيس وذلك انه وقعت المذاكرة بان من المعتاد أن يعمل المولد الحسيني بعد مولد النبي فقال بونابارته ولم لم يعملوه فقال ذلك المنافق غرض الشيخ السادات عدم عمله الا أذا حضر المسلمون فبلغ شيخ السادات ذلك فشرع في عمله عل سبيل الاختصار وحضر صارى عسكر وشاهد الوقدة ورجع الى داره بعد العشاء
وفيه حضر علماء الاسكندرية واعيانها وكذلك رشيد ودمياط وبقية البنادر باستدعاء صارى عسكر ليحضروا الديوان الشارعين فيه لترتيب النظام الذي سبقت الاشارة اليه
وفيه سافر ايضا جماعة من الفرنسيس الى جهة مراد بك ومن معه التقوا معهم وتراموا ساعة ثم انهزموا عنهم واطمعوهم في أنفسهم فتتبعوهم الى اسفل جبل اللاهون ثم خرجوا عليهم على مثل حالهم رجالا وتراموا معهم واكمنوا لهم وثبتوا معهم وظهر عليهم المصريون وقتل من الفرنساوية مقتلة كبيرة
وفيه سقطت البوابة المصنوعة ببركة الازبكية المقابلة لباب الهواء التي (2/213)
كانوا وضعوها في يوم عيدهم وقد تقدم شرحها ووصفها وسبب سقوطها انهم لما منعوا الماء من دخوله للبركةوسدوا القنطرة كما تقدم علا الماء في أرض البركة وتخلخلت الارض فسقطت تلك البوابة
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه نبهوا على المشايخ والاعيان التجار ومن حضر من الاقطار بالحضور الى الديوان العام ومحكمة النظام بكرة تاريخه وذلك ببيت مرزوق بك بحارة عابدين فلما أصبح يوم السبت أعادوا التنبيه بحضورهم بالديوان القديم ببيت قائد أغا بالازبكية فتوجه المشايخ المصرية والذين حضروا من الثغور والبلاد وحضر الوجاقات وأعيان التجار ونصارى القبط والشوام ومديروا الديوان من الفرنسيس وغيرهم جمعا موفورا فلما استقر بهم الجلوس شرع ملطى القبطي الذي عملوه قاضي في قراءة فرمان الشروط وفي المناقشة فابتدر كبير المدبرين في اخراج طومار آخر وناوله للترجمان فنشره وقرأه وملخصه ومضمونه الاخبار بان قطر مصر هو المركز الوحيد وانه اخصب البلاد وكان يجلب اليه المتاجر من البلاد البعيدة وان العلوم والصنائع والقراءة والكتابة التي يعرفها الناس في الدنيا أخذت عن أجداد أهل مصر الاول ولكون قطر مصر بهذه الصفات طمعت الامم في تملكه فملكه أهل بابل وملكه اليونانيون والعرب والترك الان الا ان دولة الترك شددت في خرابه لانها اذا حصلت الثمرة قطعت عروقها فلذلك لم يبقوا بأيدي الناس الا القدر اليسير وصار الناس لاجل ذلك مختفين تحت حجاب الفقر وقاية لانفسهم من سوء ظلمهم ثم ان طائفة الفرنساوية بعدما تمهد امرهم وبعد صيتهم بقيامهم بأمور الحروب اشتاقت أنفسهم لاستخلاص مصر مما هي فيه واراحة أهلها من تغلب هذه الدولة المفعمة جهلا وغباوة فقدموا وحصل لهم النصرة ومع ذلك لم يتعرضوا لاحد من الناس ولم يعاملوا الناس بقسوة وان غرضهم تنظيم امور مصر واجراء خلجانها التي دثرت ويصير لها طريقان طريق الى البحر الاسود وطريق الى البحر الاحمر فيزداد خصبها وريعها ومنع القوى من ظلم الضعيف وغير ذلك استجلا (2/214)
بالخواطر أهلها وابقاء للذكر الحسن فالمناسب من اهلها ترك الشغب واخلاص المودة وان هذه الطوائف المحضرة من الاقاليم يترتب على حضورها أمور جليلة لانهم اهل خبرة وعقل فيسألون عن امور ضرورية ويجيبون عنها فينتج لصارى عسكر من ذلك ما يليق صنعه الى آخر ما سطروه من الكلام قلت ولم يعجبني في هذا التركيب الا قوله المفعمة جهلا وغباوة بعد قوله بعد ذلك ومع ذلك لم يتعرضوا لاحد الى آخر العبارة ثم قال الترجمان نريد منكم مشايخ أن تختاروا شخصا منكم يكون كبيرا ورئيسا عليكم ممتثلثين أمره واشارته فقال بعض الحاضرين الشيخ الشرقاوي فقال نونو وإنما ذلك يكون بالقرعة فعملوا قرعة باوراق فطلع الاكثر على الشيخ الشرقاوي فقال حينئذ يكون الشيخ عبد الله الشرقاوي هو الرئيس فما تم هذا الامر حتى زالت الشمس فأدنوا لهم في الذهاب وألزموهم بالحضور في كل يوم
وفيه وقعت كائنة الحاج محمد بن قيمو المغربي التاجر الطرابلسي وهو انه كان بينه وبين بعض نصارى الشوام المترجمين منافسة فانهى الى عظماء الفرنسيس انه ذو مال وانه شريك عبد الله المغربي تابع مراد بك فأرسلوا بطلبه فذهب الى بيت الشيخ عبد الله الشرقاوي لنسابة بينهما فقال الشيخ للقواسة المرسلين بعد سؤالهم عن سبب طلبهم له فقالوا لدعوة ليست شرعية فقال لهم في غدا حضروا خصمه ويتداعى معه فان توجه الحق عليه الزمناه بدفعه فرجعت الرسل وتغيب الرجل لخوفه فبعد مضي مقدار نحو ساعة حضر نحو الخمسين عسكريا من الفرنسيس الى بيت الشيخ وطالبوه به فأخبرهم انه هرب فلم يقبلوا عذره والحوا في طلبه ووقفوا ببنادقهم وأرهبوا فركب المهدي والدواخلي الى صاري عسكر وأخبروه بالقضية وبهروب الرجل فقال ولاي شيء يهرب فقالوا من خوفه فقال لولا ان جرمه كبير لما هرب وأنتم غيبتموه وأظهر الحنق والغيظ فلاطفاه واستعطفا خاطر الترجمان فكلمه وسكن غيظه ثم سأل عن منزله ومخزنه فأخبراه عنهما فقال نذهب معكما من يختم (2/215)
عليهما حتى يظهر في غد فاطمأنوا لذلك ورجعوا عن الغروب وختموا على مخزنه ومنزله فلما أصبح النهار فلم يظهر الرجل فأخذوا ما وجدوه فيهما من البضائع والامانات
وفي يوم الاحد ذهبوا الى الديوان وعملوا مثل عملهم الاول حتى تمموا أسماء المنتخبين بديوان مصر من الثغور والمشايخ والوجاقلية والقبط والشوام وتجار الملسلمين وذلك الترتيب غير ترتيب الديوان السابق
وفي يوم الاثنين اجتمعوا بالديوان ونادى المنادي في ذلك اليوم بالاسواق على الناس باحضارهم حجج املاكهم الى الديوان والمهلة ثلاثون يوما فان تأخر عن الثلاثين يضاعف المقرر ومهلة البلاد ستون يوما ولما تكامل الجميع شرع ملطي في قراءة المنشور وتعداد ما به من الشروط مسطور وذكر من ذلك أشياء منها أمر المحاكم والقضايا الشرعية وحجج العقارات وأمر المواريث وتناقشوا في ذلك حصة من الزمن وكتبوا هذه الاربعة أشياء أرباب ديوان الخاصة يدبرون رأيهم في ذلك وينظرون المناسب والاحسن وما فيه الراحة لهم وللرعية ثم يعرضون مادبروه يوم الخميس وما بين ذلك له مهلة وانفض المجلس
واستهل شهر جمادى الاولى يوم الخميس الموعود سنة 1213 م واجتمعوا بالديوان ومعهم مالخصوه واستأصلوه في الجملة فاما أمر المحاكم والقضايا فالاولى ابقاؤها على ترتيبها ونظامها وعرفوهم عن كيفية ذلك ومثل ذلك ما عليه أمر محاكم البلاد فاستحسنوا ذلك الا أنهم قالوا يحتاج الى ضبط المحاصيل وتقريرها على أمر لا يتعداه القضاة ولا نوابهم فقرروا ذلك وهو انه اذا كان عشرة آلاف فما دونها يكون على كل الف ثلاثون نصفا واذا كان المبلغ مائة يكون على الالف خمسة عشر فان زاد على ذلك فعشرة واتفقوا على تقرير القضاة ونوابهم على ذلك وأما حجج العقارات فأنه امر شاق طويل الذيل فالمناسب فيه والاولى ان يجعلوا عليها دراهم من بادىء الرأي ليسهل تحصيلها ويحسن عليها السكوت ويكون المحصول أعلى وأدنى وأوسط وبينوا القدر المناسب (2/216)
بتفصيل الاماكن وكتبوه وابقوه حتى يرى الآخرون رأيهم فيه وانفض الديوان وفي ذلك اليوم نودي في الاسواق بنشر الثياب والامتعة خمسة عشر يوما وقيدوا على مشايخ الاخطاط والحارات والقلقات بالفحص والتفتيش فعينوا لكل حارة امرأة ورجلين يدخلون البيوت للكشف عن ذلك فتصعد المرأة الى أعلى الدار وتخبرهم عن صحة نشرهم الثياب ثم يذهبون بعد التأكد على أهل المنزل والتحذير من ترك الفعل وكل ذلك لذهاب العفونة الموجبة للطاعون وكتبوا بذلك أرواقا لصقوهم بحيطان الاسواق على عادتهم في ذلك
وفيه حضر الى بيت البكري جم غفير من اولاد الكتاتيب والفقهاء والعميان والمؤذنين وأرباب الوظائف والمستحقين من الزمني والمرضي بالمرستان المنصوري واوقاف عبد الرحمن كتخدا وشكوا من قطع رواتبهم وخبزهم لان الاوقاف تعطل ايرادها واستولى على نظارتها النصارى القبط والشوام وجعلوا ذلك مغنما لهم فواعدهم على حضورهم الديوان وينهوا شكواهم ويتشفع لهم فذهبوا راجعين وفيه قدمت مراكب من جهة الصعيد وفيها عدة من العسكر مجروحين
وفيه وضعوا على التلال المحيطة بمصر ببارق بيضا فأكثر الناس من اللغط ولم يعلموا سبب ذلك
وفي يوم الاحد اجتمعوا في الديوان واخذوا فيما هم فيه فذكروا أمر المواريث فقال ملطي مشايخ أخبرونا عما تصنعونه في قسمة المواريث فأخبره بفروض المواريث الشرعية فقال ومن أين لكم ذلك فقالوا من القرآن وتلوا عليهم بعض آيات المواريث فقال الافرنج نحن عندنا لا نورث الولد ونورث البنت ونفعل كذا وكذا بحسب تحسين عقولهم لان الولد أقدر على التكسب من البنت فقال ميخائيل كحيل الشامي وهو من أهل الديوان ايضا نحن والقبط يقسم لنا مواريثنا المسلمون ثم التمسوا من المشايخ أن يكتبوا لهم كيفية القسمة ودليلها فسايروهم ووعدوهم بذلك وانفضوا وفي ذلك اليوم عزلوا محمد أغا (2/217)
المسلماني أغات مستحفظان وجعلوه كتخدا أمير الحاج واستقروا بمصطفى أغا تابع عبد الرحمن أغا مستحفظان سابقا عوضا عنه ونودي بذلك
وفي يوم الاثنين عملوا لهم ديوانا وكتبوا لهم كيفية قسمة المواريث وفروض القسمة الشرعية وحصص الورثة والآيات المتعلقة بذلك فاستحسنوا ذلك
وفي يوم السبت عاشر جمادى الاولى عملوا الديوان واحضروا قائمة مقررات الاملاك والعقار فجعلوا على الاعلى ثمانية فرانسة والاوسط ستة والادنى ثلاثة وما كان أجرته أقل من ريال في الشهر فهو معافى وأما الوكائل والخانات والحمامات والمعاصر والسيارج والحوانيت فمنها ما جعلوا عليه ثلاثين وأربعين بحسب الخمسة والرواج والاتساع وكتبوا بذلك مناشير على عادتهم وألصقوها بالمفارق والطرق وأرسلوا منها نسخا للاعيان وعينوا المهندسين ومعهم اشخاص لتمييز الاعلى من الادنى وشرعوا في الضبط والاحصاء وطافوا ببعض الجهات لتحرير القوائم وضبط اسماء أربابها ولما أشيع ذلك في الناس كثر لغطهم واستعظموا ذلك والبعض استسلم للقضاء فانتبذ جماعة من العامة وتناجوا في ذلك ووافقهم على ذلك بعض المتعممين الذي لم ينظر في عواقب الامور ولم يتفكر أنه في القبضة مأسور فتجمع الكثير من الغوغاء من غير رئيس يسوسهم ولا قائد يقودهم وأصبحوا يوم الاحد متحزبين وعلى الجهاد عازمين وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح وآلات الحرب والكفاء وحضر السيد بدر وصحبته حشرات الحسينية وزعر الحارات البرانية ولهم صياح عظيم وهول جسيم ويقولون بصياح في الكلام نصر الله دين الاسلام فذهبوا الى بيت قاضي العسكر وتجمعوا وتبعهم ممن على شاكلتهم نحو الالف والاكثر فخاف القاضي العاقبة وأغلق أبوابه واوقف حجابه فرجموه بالحجارة والطوب وطلب الهرب فلم يمكنه الهروب وكذلك اجتمع بالأزهر العالم الاكبر وفي ذلك الوقت حضر دبوى بطائفة من فرسانه وعساكره وشجعانه فمر بشارع الغورية وعطف على خط (2/218)
الصنادقية وذهب الى بيت القاضي فوجد ذلك الزحام فخاف وخرج من بين القصرين وباب الزهومة وتلك الاخطاط بالخلائق مزحومة فبادروا اليه وضربوه واثخنوا جراحاته وقتل الكثير من فرسانه وابطاله وشجعانه فعند ذلك أخذ المسلمون حذرهم وخرجوا يهرعون ومن كل حدب ينسلون ومسكوا الاطراف الدائرة بمعظم اخطاط القاهرة كباب الفتوح وباب النصر والبرقية الى باب زويلة وباب الشعرية وجهة البندقانيين وما حاذاها ولم يتعد جهة سواها وهدموا مساطب الحوانيت وجعلوا احجارها متاريس للكرنكة لتعوق هجوم العدو في وقت المعركة ووقف دون كل متراس جمع عظيم من الناس واما الجهات البرانية والنواحي الفوقانية فلم يفزع منهم فازع ولم يتحرك منهم أحد ولم يسارع وكذلك شذ عن الوفاق مصر العتيقة وبولاق وعذرهم الاكبر قربهم من مساكن العسكر ولم تزل طائفة المحاربين في الازقة متترسين فوصل جماعة من الفرنساوية وظهروا من ناحية المناخلية وبندقوا على متراس الشوائين وبه جماعة من مغاربة الفحامين فقاتلوهم حتى أجلوهم وعن المناخلية أزالوهم عند ذلك زاد الحال وكثر الرجف والزلزال وخرجت العامة عن الحد وبالغوا في القضية بالعكس والطرد وامتدت أيديهم الى النهب والخطف والسلب فهجموا على حارة الجوانية ونهبوا دور النصارى الشوام والاروام وما جاورهم من بيوت المسلمين على التمام وأخذوا الودائع والامانات وسبوا النساء والبنات وكذلك نهبوا خان الملايات وما به من الامتعة والموجودات وأكثروا من المعايب ولم يفكروا في العواقب وباتوا تلك الليلة سهرانين وعلى هذا الحل مستمرين وأما الافرنج فانهم اصبحوا مستعدين وعلى تلال البرقية والقلعة واقفين وأحضروا جميع الآلات من المدافع والقنابر والبنبان ووقفوا مستحضرين ولامر كبيرهم منتظرين وكان كبير الفرنسيس أرسل الى المشايخ مراسلة فلم يجيبوه عنها ومل من المطاولة هذا والرمي متتابع من الجهتين وتضاعف الحال ضعفين حتى مضى وقت العصر وزاد القهر والحصر فعند ذلك ضربوا بالمدافع والبنبات (2/219)
على البيوت والحارات وتعمدوا بالخصوص بالجامع الازهر وجروا عليه المدافع والقنبر وكذلك ما جاوره من اماكن المحاربين كسوق الغورية والفحامين فلما سقط عليهم ذلك ورأوه ولم يكونوا في عمرهم عاينوه نادوا يا سلام من هذه الآلام يا خفي الالطاف نجنا مما نخاف وهربوا من كل سوق ودخلوا في الشقوق وتتابع الرمي من القلعة والكيمان حتى تزعزعت الاركان وهدمت في مرورها حيطان الدور وسقطت في بعض القصور ونزلت في البيوت والوكائل وأصمت الآذان بصوتها الهائل فلما عظم هذا الخطب وزاد الحال والكرب ركب المشايخ الى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل ويمنع عسكره من الرمي المتراسل ويكفهم كما تكف المسلمون عن القتال والحرب خدعة وسجال فلما ذهبوا اليه واجتمعوا عليه عاتبهم في التأخير وأتهمهم في التقصير فاعتذروا اليه فقبل عذرهم وأمر برفع الرمي عنهم وقاموا من عنده وهم ينادون بالامان في المسالك وتسامع الناس بذلك فردت فيهم الحرارة وتسابقوا لبعضهم بالبشارة واطمأنت منهم القلوب وكان الوقت قبل الغروب وانقضى النهار وأقبل الليل وغلب على الظن ان القضية لهاذيل وأما أهل الحسينية والعطوف البرانية فانهم لم يزالوا مستمرين وعلى الرمي والقتال ملازمين ولكن خانهم المقصود وفرغ منهم البارود والافرنج اثخنوهم بالرمي المتتابع بالقنابر والمدافع الى ان مضى من الليل نحو ثلاث ساعات وفرغت من عندهم الادوات فعجزوا عن ذلك وانصرفوا وكف عنهم القوم وانحرفوا وبعد هجعة من الليل دخل الافرنج المدينة كالسيل ومروا في الازقة والشوارع لا يجدون لهم ممانع كأنهم الشياطين أو جند ابليس وهدموا ما وجدوه من المتاريس ودخل طائفة من باب البرقية ومشوا الى الغورية وكروا ورجعوا وترددوا ما هجعوا وعلموا باليقين ان لا دافع لهم ولا كمين وتراسلوا ارسالا ركبانا ورجالا ثم دخلوا الى الجامع الازهر وهم راكبون الخيول وبينهم المشاة كالوعول وتفرقوا بصحته ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا بالاورقة والحارات (2/220)
وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة ونهبوا ما وجدوه من المتاع والاواني والقصاع والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الارض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا وشربوا الشراب وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه وكل من صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه وأصبح يوم الثلاثاء فأصطف منهم خرب بباب الجامع فكل من حضر للصلا يراهم فيكر راجعا ويسارع وتفرقت طوائفهم بتلك النواحي افواجا واتخذوا السعي والطواف بها منهاجا وأحاطوا بها احاطة السوار ونهبوا بعض الديار بحجة التفتيش على النهب وآلة السلاح والضرب وخرجت سكان تلك الجهة يهرعون وللنجاة بأنفسهم طالبون وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد ان كانت أشرف البقاع ويرغب الناس في سكناها ويودعون عند أهلها ما يخافون عليه الضياع والفرنساوية لا يمرون بها الا في النادر ويحترمونها عن غيرها في الباطن والظاهر فانقلب بهذه الحركة منها الموضوع وانخفض على غير القياس المرفوع ثم ترددوا في الاسواق ووقفوا صفوفا مئينا والوفا فان مر بهم أحد فتشوه وأخذوا ما معه وربما قتلوه ورفعوا القتلى والمطروحين من الافرنج والمسلمين ووقف جماعة من الفرنسيس ونظفوا مراكز المتاريس وإزالة ما بها من الاتربة والاحجار المتراكمة ووضعوها في ناحية لتصير طرق المرور خالية وتحزبت نصارى الشوام وجماعة ايضا من الاروام الذين انتهبت دورهم بالحارة الجوانية ليشكوا لكبير الفرنسيس مالحقهم من الرزية واغتنموا الفرصة في المسلمين وأظهروا ما هو بقلوبهم كمين وضربوا فيهم المضارب وكأنهم شاركوا الافرنج في النوائب وما قصدهم المسلمون ونهبوا ما لديهم الا لكونهم منسوبين اليهم مع أن المسلمين الذين جاوروهم نهبهم الذعر ايضا وسلبوهم وكذلك خان الملايات المعلوم الذي عند باب حارة الروم فيه بضائع المسلمين وودائع الغائبين فسكت المصاب على غصته واستعوض الله في قضيته لانه ان تكلم لا تسمع دعواه ولا يلتفت الى شكواه وانتدب برطلمين للعسس على من حمل السلاح (2/221)
أو اختلس وبث اعوانه في الجهات يتجسسون في الطرقات فيقبضون على الناس بحسب اغراضهم وما ينهبه النصارى من أبغاضهم فيحكم فيهم بمراده ويعمل برأيه واجتهاده ويأخذ منهم الكثير ويركب في موكبه ويسير وهم موثوقون بين يديه بالحبال ويسحبهم الاعوان بالقهر والنكال فيودعونهم السجونات ويطالبونهم بالمنهوبات ويقررونهم بالعقاب والضرب ويسألونهم عن السلاح وآلات الحرب ويدل بعضهم على بعض فيضعون على المدلول عليهم ايضا القبض وكذلك فعل مثل ما فعله اللعين الاغا وتجبر في افعاله وطغى وكثير من الناس ذبحوهم وفي بحر النيل قذفوهم ومات في هذين اليومين وما بعدهما أمم كثيرة لا يحصى عددها الا الله وطال بالكفرة بغيهم وعنادهم ونالوا من المسلمين قصدهم ومرادهم واصبح يوم الاربع فركب فيه المشايخ أجمع وذهبوا لبيت صارى عسكر وقابلوه وخاطبوه في العفو ولاطفوه والتمسوا منه أمانا كافيا وعفوا ينادون به باللغتين شافيا لتطمئن بذلك قلوب الرعية ويسكن روعهم من هذه الرزية فوعدهم وعدا مشوبا بالتسويف وطالبهم بالتبيين والتعريف عمن تسبب من المتعممين في اثارة العوام وحرضهم على الخلاف والقيام فغالطوه عن تلك المقاصد فقال على لسان الترجمان نحن نعرفهم بالواحد فترجوا عنده في اخراج العسكر من الجامع الأزهر فأجابهم لذلك السؤال وأمر باخراجهم في الحال وأبقوا منهم السبعين اسكنوهم في الخطة كالضابطين ليكونوا للامور كالراصدين وبالاحكام متقيدين ثم انهم فحصوا على المتهمين في اثارة الفتنة فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان والشيخ احمد الشرقاوي والشيخ عبد الوهاب الشبراوي والشيخ يوسف المصيلحي والشيخ اسمعيل البراوي وحبسوهم ببيت البكري وأما السيد بدر المقدسي فانه تغيب وسافر الى جهة الشام وفحصوا عليه فلم يجدوه وتردد المشايخ لتخليص الجماعة المعوقين فغولطوا واتهم ايضا ابراهيم افندي كاتب البهار بانه جمع له جمعا من الشطار وأعطاهم الاسلحة والمساوق وكان عنده عدة من المماليك المخفيين (2/222)
والرجال المعدودين فقبضوا عليه وحبسوه ببيت الاغا
وفي يوم الاحد ثامن عشرة توجه شيخ السادات وباقي المشايخ الى بيت صار عسكر الفرنسيس وتشفعوا عنده في الجماعة المسجونين ببيت الاغا وقائمقام والقلعة فقيل لهم وسعوا بالكم ولا تستعجلوا فقاموا وانصرفوا
وفيه نادوا في الاسواق بالامان ولا احد يشوش على أحد مع استمرار القبض على الناس وكبس البيوت بادنى شبهة ورد بعضهم الامتعة التي نهبت للنصارى
وفيه توسط عمر القلقجي لمغاربة الفحامين وجمع منهم ومن غيرهم عدة وافرة وعرضهم على صارى عسكر فأختار منهم الشباب وأولي القوة وأعطاهم سلاحا وآلات حرب ورتبهم عسكرا ورئيسهم عمر المذكور وخرجوا وامامهم الطبل الشامي على عادة عسكر المغاربة وسافروا الى جهة بحرى بسبب ان بعض البلاد قام على عسكر الفرنساوية وقت الفتنة وقاتلوهم وضربوا ايضا مركبين بها عدة من عساكرهم فحاربوهم وقاتلوهم فلما ذهب اولئك المغاربة سكنوا الفتنة وضربوا عشما وقتلوا كبيرها المسمى بأبن شعير ونهبوا داره ومتاعه وماله وبهائمه وكان شيئا كثيرا جدا واحضروا اخوته وأولاده وقتلوهم ولم يتركوا منهم سوى ولد صغير جعلوه شيخا عوضا عن ابيهم وسكن العسكر المغربي بدار عند باب سعادة ورتبوا له من الفرنسيس جماعة يأتون اليهم في كل يوم ويدربونهم على كيفية حربهم وقانونهم ومعنى أشاراتهم في مصافاتهم فيقف المعلم والمتعلمون مقابلون له صفا وبأيديهم بنادقهم فيشير اليهم بألفاظ بلغتهم كان يقول مردبوش فيرفعونها قابضين بأكفهم على أسافلها ثم يقول مرش فيمشون صفوفا الى غير ذلك
وفيه سافر برطلمين الى ناحية سرياقوس ومعه جملة من العسكر بسبب الناس الفارين الى جهة الشرق فلم يدركهم وأخذ من في البلاد وعسف في تحصيها ورجع بعد أيام (2/223)
وفي يوم الاربعاء خاطب الشيخ محمد المهدي صارى عسكر في أمر ابراهيم افندي كاتب البهار وتلطف به بمعونة بوسليك المعروف بمدير الحدود وهو عبارة عن الروزنامجي ونقله من بيت الاغا الىداره وطلبوا منه قائمة كشف عما يتعلق بالمماليك بدفتر البهار
وفي يوم الخميس سافر عدة من المراكب نحو الاربعين بها عسكر الفرنسيس الى جهة بحرى
وفي ليلة السبت رابع عشرينه حضر هجان من ناحية الشام وعلىيده مكاتبات وهي صورة فرمان وعليه طرة ومكتوب من أحمد باشا الجزار وآخر من بكر باشا الى كتخدائه مصطفى بك ومكتوب من ابراهيم بك خطابا للمشايخ وذلك كله بالعربي ومضمون ذلك بعد براعة الاستهلال والآيات القرآنية والاحاديث والاثار المتعلقة بالجهاد ولعن طائفة الافرنج والحط عليهم وذكر عقيدتهم الفاسدة وكذبهم ونحيلهم وكذلك قية المكاتبات بمعنى ذلك فأخذها مصطفى بك كتخدا وذهب بها الى صارى عسكر فلما اطلع عليها قال هذا تزوير من ابراهيم بك ليوقع بيننا وبينكم العداوة والمشاحنة وأما احمد باشا فهو رجل فضولي لم يكن واليا بالشام ولا مصر لان والي الشام ابراهيم باشا واما والي مصر فهو عبد الله باشا بن العظم الذي هو الآن والي الشام فانا أعلم بذلك وسيأتي بعد أيام والي ويقيم معه كما كانت المماليك مع الولاة وورد خبر ايضا بانفصال محمد باشا عزت عن الصدارة وعزل كذلك أنفار من رجال الدولة وفي مدة هذه الايام بطل الاجتماع بالديوان المعتاد وأخذوا في الاهتمام في تحصين النواحي والجهات وبنوا ابنية على التلول المحيطة بالبلد ووضعوا بها عدة مدافع وقنابر وهدموا اماكن بالجيزة وحصنوها تحصينا زائدا وكذلك مصر العتيقة ونواحي شبرا وهدموا عدة مساجد منها المساجد المجاورة لقنطرة انبابة الرمة ومسجد المقس المعروف الان باولاد عنان على الخليج الناصري بباب البحر وقطعوا نخيلا كثيرة واشجار الجيزة التي عند أبي هريرة قطعوها وحفروا هناك خنادق كثيرة وغير (2/224)
ذلك وقطعوا نخيل جهة الحلي وبولاق وخربوا دورا كثيرة وكسروا شبابيكها وأبوابها وأخذوا أخشابها لاحتياج العمل والوقود وغير ذلك
وفي ليلة الاحد حضر جماعة من عسكر الفرنسيس الى بيت البكري نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند صارى عسكر ليتحدث معهم فلما صاروا خارج الدار وجدوا عدة كثيرة في انتظارهم فقبضوا عليهم وذهبوا بهم الى بيت قائمقام بدرب الجماميز وهو الذي كان به دبوىا قائمقام المقتول وسكنه بعده الذي تولى مكانه فلما وصلوا بهم هناك عروهم من ثيابهم وصعدوا بهم الى القلعة فسجنوهم الى الصباح فأخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم من السور خلف القلعة وتغيب حالهم عن أكثر الناس أياما وفي ذلك اليوم ركب بعض المشايخ الى مصطفى بك كتخدا الباشا وكلموه في أن يذهب معهم الى صارى عسكر ويشفع معهم في الجماعة المذكورين ظنا منهم انهم في قيد الحياة فركب معهم اليه وكلموه في ذلك فقال لهم الترجمان أصبروا ما هذا وقته وتركهم وقام ليذهب في بعض أشغاله فنهض الجماعة ايضا وركبوا الى دورهم
وفي يوم الثلاثاء حضر عدة من عسكر الفرنسيس ووقفوا بحارة الازهر فتخيل الناس منهم المكروه ووقعت فيهم كرشة وأغلقوا الدكاكين وتسابقوا الى الهروب وذهبوا الى البيوت والمساجد واختلفت اراؤهم ورأوا في ذلك اقضية بحسب تخمينهم وظنهم وفساد مخيلهم فذهب بعض المشايخ الى صارى عسكر واخبروه بذلك وتخوف الناس فأرسل اليهم وأمرهم بالذهاب فذهبوا وتراجع الناس وفتحوا الدكاكين ومر الاغا والوالي وبرطلمين ينادون بالامان وسكن الحال وقيل ان بعض كبرائهم حضر عند القلق الساكن بالمشهد وجلس عنده حصة هؤلاء كانوا اتباعه ووقفوا ينتظرونه ولعل ذلك قصدا للتخويف والارهاب خشية من قيام فتنة لما اشيع قتل المشايخ المذكورين وهو الارجح
وفيه كتبوا اوراقا والصقوها بالاسواق تتضمن العفو والتحذير من اثارة الفتنة وان من قتل من المسلمين في نظير من قتل من الفرنسيس (2/225)
وفيه شرعوا في احصاء الاملاك والمطالبة بالمقرر فلم يعارض في ذلك معارض ولم يتفوه بكلمة والذي لم يرض بالتوت يرضى بحطبه
وفيه ايضا قلعوا ابواب الدروب والحارات الصغيرة الغير النافذة وهي التي كانت تركت وسومح اصحابها وبرطلوا عليها وصالحوا عليها قبل الحادثة وبرطلوا القلقات والوسايط على ابقائها وكذلك دروب الحسينية فلما انقضت هذه الحادثة ارتجعوا عليها وقلعوها ونقلوها الى ما جمعوه من البوابات بالازبكية ثم كسروا جميعها وفصلوا اخشابها ورفعوا بعضها على العربات الىحيث اعمالهم بالنواحي والجهات وباعوا بعضها حطبا للوقود وكذلك ما بها من الحديد وغيره
وفي ليلة الخميس هجم المنسر على بوابة سوق طولون وكسروها وعبروا منها الى السوق فكسروا القناديل وفتحوا ثلاثة حوانيت وأخذوا ما بها من متاع المغاربة التجار وقتلوا القلق الذي هناك وخرجوا بدون مدافع ولا منازع
وفي يوم الخميس المذكور ذهب المشايخ الى صارى عسكر وتشفعوا في ابن الجوسقي شيخ العميان الذي قتل ابوه وكان معوقا ببيت البكري فشفعهم فيه واطلقوه
واستهل شهر جمادى الثانية بيوم السبت سنة 1213
فيه كتبوا عدة اوراق على لسان المشايخ وارسلوها الى البلاد والصقوا منها نسخا بالاسواق والشوارع
وصورتها نصيحة من كافة علماء الاسلام بمصر المحروسة نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ونبرأ الى الله من الساعين في الارض بالفساد نعرف اهل مصر المحروسة من طرف الجعيدية واشرار الناس حركوا الشرور بين الرعية وبين العساكر الفرنساوية بعدما كانوا اصحابا واحبابا لسوية وترتب على ذلك قتل جملة من المسلمين ونهبت بعض البيوت ولكن حصلت الطاف الله الخفية وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا عند أمير الجيوش يونابارته وارتفعت هذه البلية لانه رجل كامل العقل (2/226)
عنده رحمة وشفقة على المسلمين ومحبة الى الفقراء والمساكين ولولاه لكانت العساكر احرقت جميع المدينة ونهبت جميع الاموال وقتلوا كامل اهل مصر فعليكم ان لا تحركوا الفتن ولا تطيعوا أمر المفسدين ولا تسمعوا كلام المنافقين ولا تتبعوا الاشرار ولا تكونوا من الخاسرين سفهاء العقول الذين لا يقرأون العواقب لاجل ان تحفظوا أوطانكم وتطمئنوا على عيالكم وأديانكم فان الله سبحانه وتعالى يؤتى ملكه من يشاء ويحكم ما يريد وتخبركم ان كل من تسبب في تحريك هذه الفتنة قتلوا من آخرهم وأراح الله منهم العباد والبلاد ونصيحتنا لكم ان لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة واشتغلوا باسباب معايشكم وأمور دينكم وادفعوا الخراج الذي عليكم الدين النصيحة والسلام
وفيه امروا بقية السكان على بركة الازبكية وما حولها بالنقلة من البيوت ليسكنوا بها جماعتكم المتباعدين منهم يكون الكل في حومة واحدة وذلك لما داخلهم من المسلمين حتى ان الشخص منهم صار لا يمشي بدون سلاح بعد ان كانوا من حين دخولهم البلد لا يمشون به أصلا الا لغرض والذي لم يكن معه سلاح يأخذ بيده عصا أو سوطا أو نحو ذلك وتنافر قلوبهم من المسلمين وتحذروا منهم وانكف المسلمون عن الخروج والمرور بالاسواق من الغروب الى طلوع النهار ومن جملة من انتقل من الدرب الاحمر الى الازبكية كفرلي المسمى بأبي خشبة وهو يمشي بها بدون معين ويصعد الدرج ويهبط منها أسرع من الصحيح ويركب الفرس ويرمحه وهو على هذه الحالة وكان من جملة المشار اليهم فيهم والمدبر لامور القلاع وصفوف الحروب ولهم به عناية عظيمة واهتمام زائد كان يسكن ببيت مصطفى كاشف طرا وفي وقت الحادثة هجمت على الدار العامة ونهبوها وقتلوا منها بعض الفرنساوية وفر الباقون فأخبروا من بالقلعة الكبيرة فنزل منهم عدة وافرة وقف بعضهم خارج الدار بعد أن طردوا المزدحمين ببابها وضربوهم بالبندق ودخل الباقون فقتلوا من وجدوه بها من المسلمين وكانوا جملة كثيرة وكان بتلك الدار شيء كثير (2/227)
من آلات الصنائع والنظارات الغربية والالات الفلكية والهندسية والعلوم الرياضية وغير ذلك مما هو معدوم النظير كل آلة لا قيمة لها عند من يعرف صنعتها ومنفعتها فبدد ذلك كله العامة وكسروه قطعا وصعب ذلك على الفرنسيس جدا وقاموا مدة طويلة يفحصون عن تلك الالآت ويجعلون لمن يأتيهم بها عظيم الجعالات وممن قتل في وقعة هذه الدار الشيخ محمد الزهار
وفي خامسة افرجوا عن ابراهيم افندي كاتب البهار وتوجه الى بيته
وفي ثامنه قتلوا اربعة أنفار من القبط منهم اثنان من النجارين قيل انهم سكروا في الخمارة ومروا في سكرهم وفتحوا بعض الدكاكين وسرقوا منها أشياء وقد تكرر منهم ذلك عدة مرار فاغتاظ لذلك القبطة
وفيه كتبوا عدة اوراق وأرسلوا منها نسخا للبلاد والصقوا منها بالاخطاط والاسواق ذلك على لسان المشايخ ايضا ولكن تزيد صورتها عن الاولى
وصورتها نصيحة من علماء الاسلام بمصر المحروسة نخبركم يا أهل المدائن والامصار من المؤمنين ويا سكان الارياف من العربان والفلاحين أن ابراهيم بك ومراد بك وبقية دولة المماليك أرسلوا عدة مكاتبات ومخاطبات الى سائر الاقاليم المصرية لاجل تحريك الفتنة بين المخلوقات وادعوا أنها من حضرة مولانا السلطان ومن بعض وزراءه بالكذب والبهتان وبسبب ذلك حصل لهم شدة الغم والكرب الزائد واغتاظوا غيظا شديدا من علماء مصر ورعاياها حيث لم يوافقوهم على الخروج معهم ويتركوا عيالهم وأوطانهم فارادوا أن يوقعوا الفتنة والشر بين الرعية والعسكر الفرنساوية لاجل خراب البلاد وهلاك كامل الرعية وذلك لشدة ما حصل لهم من الكرب الزائد بذهاب دولتهم وحرمانهم من مملكة مصر المحمية ولو كانوا في هذه الاوراق صادقين بانها من حضرة سلطان السلاطين لأرسلها جهارا مع اغوات معينين ونخبركم ان الطائفة الفرنساوية بالخصوص عن بقية الطوائف الافرنجية دائما يحبون المسلمين وملتهم ويبغضون المشركين وطبيعتهم أحباب لمولانا السلطان قائمون بنصرته (2/228)
وأصدقاء له ملازمون لمودته وعشرته ومعونته يحبون من والاه ويبغضون من عاداه ولذلك بين الفرنساوية والموسكوف غاية العداوة الشديدة من اجل عداوة المسكوف القبيحة الرديئة والطائفة الفرنساوية يعاونون حضرة السلطان على أخذ بلادهم ان شاء الله تعالى ولا يبقون منهم بقية فننصحكم ايها الاقاليم المصرية انكم لا تحركوا الفتن ولا الشرور بين البرية ولا تعارضوا العساكر الفرنساوية بشيء من أنواع الأذية فيحصل لكم الضرر والهلاك ولا تسمعوا كلام المفسين ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فتصبحوا على ما فعلتم ناديم وانما عليكم دفع الخراج المطلوب منكم لكامل الملتزمين لتكونوا بأوطانكم سالمين وعلى أموالكم وعيالكم آمنين مطمئنين لان حضرة صارى عسكر الكبير أمير الجيوش بونابارته اتفق معنا على انه لا ينازع أحد في دين الاسلام ولا يعارضنا فيما شرعه الله من الاحكام ويرفع عن الرعية سائر المظالم ويقتر على أخذ الخراج ويزيل ما أحدثه الظلمة من المغارم فلا تعلقوا آمالكم بابراهيم ومراد وراجعوا الى مولاكم مالك الملك وخالق العباد فقد قال نبيه ورسوله الاكرم الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها بين الامم عليه افضل الصلاة والسلام وفي ثالث عشره قتلوا شخصين عند باب زويلة أحدهما يهودي لم يتحقق السبب في قتلهما
وفيه اخرجوا من بيت نسيب ابراهيم كتخدا صناديق ضمنها مصاغ وجواهر وأواني ذهب وفضة وأمتعة وملابس كثيرة
وفي خامس عشرة حضر جماعة من الفرنساوية بباب زويلة وفتحوا بعض دكاكين السكرية وأخذوا منها سكرا وضاع على أصحابه
وفيه دلوا على انسان عنده صندوقان وديعة لايوب بك الدفتردار فطلبوه وأمروه باحضارهما فأحضرهما بعد الانكار والحجد عدة مرار فوجدوا ضمنهما أسلحة جواهر وسبح لؤلؤ وخناجر مجوهرة وغير ذلك
وفي عشرينه كتبوا عدة أوراق مطبوعة وألصقوها بالاسواق مضمونها (2/229)
أن في يوم الجمعة حادي عشرينه قصدنا أن نطير مركبا ببركة الازبكية في الهواء بحيلة فرنساوية فكثر لغط الناس في هذا كعادتهم فلما كان ذلك اليوم قبل العصر تجمع الناس والكثير من الافرنج ليروا تلك العجيبة وكنت بجملتهم فرأيت قماشا على هيئة الادية على عمود قاتم وهو ملون احمر وأبيض وأزرق على مثل دائرة الغربال وفي وسطه مسرجة بها فتيلة مغموسة ببعض الادهان وتلك المسرجة مصلوبة بسلوك من حديد منها الى الدائرة وهي مشدودة ببكر واحبال واطراف الاحبال بأيدي اناس قائمين باسطحة البيوت القريبة منها فلما كان بعد العصر بنحو ساعة أوقدوا تلك الفتيلة فصعد دخانها الى ذلك القماش وملأه فانتفخ وصار مثل البكرة وطلب الدخان الصعود الى مركزه فلم يجد منفذا فجذبها معه الى العلو فجذبها بتلك الاحبال مساعدة لها حتى ارتفعت عن الارض فقطعوا تلك الحبال فصعدت الى الجو مع الهواء ومشت هنيهة لطيفة ثم سقطت طارتها الفتيلة وسقط ايضا ذلك القماش وتناثر منها أوراق كثيرة من نسخ الاوراق المبصومة فلما حصل لها ذلك انكسف طبعهم لسقوطها ولم يتبين صحة ما قالوه من انها على هيئة مركب تسير في البلاد البعيدة لكشف الاخبار وارسال المراسلات بل ظهر انها مثل الطيارة التي يعملها الفراشون بالمواسم والافراح
وفي تلك الليلة طاف منهم أنفار بالاسواق ومعهم مقاطف بها لحوم مسمومة فأطعموها للكلاب فمات منها جملة كثيرة فلما طلع النهار وجد الناس الكلاب مرمية وطرحى بالاسواق وهي موتى فأستأجروا لها من أخرجها الى الكيمان وسبب ذلك انهم لما كانوا يمرون بالاسواق في الليل وهم سكوت كانت الكلاب تنبحهم وتعدو خلفهم ففعلوا بها ذلك وارتاحوا هم والناس منها
وفي خامس عشرينه سافر عدة عساكر الى جهة مراد بك وكذلك الى جهة كرداسة بسبب العربان وكذلك الى السويس الصالحية وأخذوا جمال (2/230)
السقائين برواياها وحميرهم ولكن يعطونهم أجرتهم فشح الماء وغلا وبلفت القرية عشرة انصاف فضة
وفيه ظفروا بعدة ودائع وخبايا بأماكن متعددة بها صناديق وأمتعة وأسلحة وأواني صيني وأواني نحاس قناطير وغير ذلك وانقضى هذا الشهر وما حصل به من الحوادث الكلية والجزئية التي لا يمكن ضبطها لكثرتها
منها انهم أحدثوا بغيط النوبي المجاور للازبكية ابنية على هيئة مخصوصة منتزهة يجتمع بها النساء والرجال للهو والخلاعة في أوقات مخصوصة وجعلوا على كل من يدخل اليه قدرا مخصوصا يدفعه أو يكون مأذونا وبيده ورقة
ومنها أنهم هدموا وبنوا بالمقياس والروضة وهدموا اماكن بالجيزة ومهدوا التل المجاور لقنطرة الليمون وجعلوا في اعلاه طاحونا تدور في الهواء عجيبة وتطحن الارادب من البر وهي بأربعة أحجار وطاحونا أخرى بالروضة تجاه مساطب النشاب وهدموا الجامع المجاور لقنطرة الدكة وشرعوا في ردم جهات حوالي بركة الازبكية وهدموا الاماكن المقابلة لبيت صارى عسكر حتى جعلوها رحبة متسعة وهدموا الاماكن المقابلة لها من الجهة الاخرى والجنائن التي خلف ذلك وقطعوا اشجارها وردموا مكانها بالاتربة الممهدة على خط معتدل من الجهتين مبتدأ من حد ببيت صارى عسكر الى قنطرة المغربي وجددوا القنطرة المذكورة وكانت آلت الى السقوط وفعلوا بعدها كذلك على الوضع والنسق بحيث صار جسرا عظيما ممتدا ممهدا مستويا على خط مستقم من الازبكية الى بولاق قسمين قسم الى طريق أبي العلا وقسم يذهب الى جهة التبانة وساحل النيل وبطريقة الطريق المسلوكة الواصلة من طريق أبي العلاء وجامع الخطيري الى ناحية المدابغ وحفروا في جانبي ذلك الجسر من مبدئه الى منتهاه خندقين وغرسوا بجانبه اشجارا وسيسبانا واحدثوا طريقا اخرى فيما بين باب الحديد وباب العدوى عند المكان المعروف بالشيخ شعيب حيث معمل الفواخير وردموا جسر ممتدا ممهدا مستطيلا يبتدي (2/231)
من الحد المذكور وينتهي الى جهة المذبح خارج الحسينية وازلوا ما يتخلل بين ذلك من الابنية والغيطان والاشجار والتلول وقطعوا جانبا كبيرا من التل الكبير المجاور لقنطرة الحاجب وردموا في طريقهم قطعة من خليج بركة الرطلي وقطعوا اشجار بستان كاتب البهار المقابل لجسر بركة الرطلي واشجار الجسر ايضا والابنية التي بين باب الحديد والرحبة التي بظاهر جامع المقس وساروا على المنخفض بحيث صارت طريقا ممتدة من الازبكية الى جهة قبة النصر المعروفة بقبة العزب جهة العادلية على خط مستقيم من الجهتين وقيدوا بذلك انفارا منهم يتعاهدون تلك الطرق ويصلحون ما يخرج منها عن قالب الاعتدال بكثرة الدروس وحوافر الخيول والبغال والحمير وفعلوا هذا الشغل الكبير والفعل العظيم في أقرب زمن ولم يسخروا احدا في العمل بل كانوا يعطون الرجال زيادة عن اجرتهم المعتادة ويصرفونهم من بعد الظهيرة ويستعينون في الاشغال 2 وسرعة العمل بالآلات القريبة المأخذ السهلة التناول المساعدة في العمل وقلة الكلفة
كانوا يجعلون بدل الغلقان والقصاع عربات صغيرة ويداها ممتدتان من خلف يملؤها الفاعل ترابا او طينا او احجارا من مقدمها بسهولة بحيث تسع مقدار خمسة غلقان ثم يقبض بيديه على خشبتيها المذكورتين ويدفعها امامه فتجرى على عجلتها بأدنى مساعدة الى محل العمل فيمليها باحدى يديه ويفرغ ما فيها من غير تعب ولا مشق وكذلك لهم فؤوس وقزم محكمة الصنعة متقنة الوضع وغالب الصناع من جنسهم ولا يقطعون الاحجار والاخشاب الا بالطرق الهندسية على الزوايا القائمة والخطوط المستقيمة وجعلوا جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية قلعة ومنارته برجا ووضعوا علىأسواره مدافع واسكنوا به جماعة من العسكر وبنوا في داخله عدة مساكن تسكنها العسكر المقيمة به وكان هذا الجامع معطل الشعائر من مدة مدة طويلة وباع نظاره منه أنقاضا وعمدا كثيرة
ومنها أنهم احدثوا على التل المعروف بتل العقارب الناصرية ابنية وكرانك (2/232)
وابراجا ووضعوا فيها عدة من آلات الحرب والعساكر المرابطين فيه
وهدموا عدة دور من دور الامراء وأخدوا أنقاضها ورخامها لابنيتهم وافردوا للمدبرين والفلكيين وأهل المعرفة والعلوم الرياضية كالهندسة والهيئة والنقوشات والرسومات والمصورين والكتبة والحساب والمنشئين حارة الناصرية حيث الدرب الجديد وما به من البيوت مثل بيت قاسم بك وأمير الحاج المعروف بأبي يوسف وبيت حسن كاشف جركس القديم والجديد الذي أنشأه وشيده وزخرفه وصرف عليه اموالا عظيمة من مظالم العبادة وعند تمام بياضه وفرشه حدثت هذه الحادثة ففر مع الفارين وتركه فيه جملة كبيرة من كتبهم وعليها خزان ومباشرون يحفظونها ويحضرونها للطلبة ومن يريد المراجعة فيراجعون فيها مرادهم فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر بساعتين ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب على كراسي منصوبة موازية لتختاة عريضة مستطيلة فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها فيحضرها له الخازن فيتصفحون ويراجعون ويكتبون حتى أسافلهم من العساكر واذا حضر اليهم بعض المسلمين ممن يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول الى أعز اماكنهم ويتلقونه بالبشاشة والضحك وأظهار السرور بمجيئه اليهم وخصوصا أذا رأوا فيه قابلية أو معرفة او تطلعا للنظر في المعارف بذلوا له مودته ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها والاقاليم والحيوانات والطيور والنباتات وتواريخ القدماء وسير الامم وقصص الانبياء بتصاويرهم وآياتهم ومعجزاتهم وحوادث اممهم مما يحير الافكار ولقد ذهبت اليهم مرارا واطلعوني على ذلك فمن جملة ما رأيته كتاب كبير يشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه و سلم ومصورون به صورته الشريفة على قدر مبلغ علمهم واجتهادهم وهو قائم على قدميه ناظرا الى السماء كالمرهب للخليقة وبيده اليمنى السيف وفي اليسرى الكتاب وحوله الصحابة رضي الله عنهم بأيديهم السيوف وفي صفحة اخرى صورة الخلفاء الراشدين وفي الاخرى صورة المعراج والبراق وهو صلى الله عليه و سلم راكب عليه (2/233)
من صخوره بيت المقدس وصورة بيت المقدس والحرم المكي والمدني وكذلك صورة الائمة المجتهدين وبقي الخلفاء والسلاطين ومثال اسلامبول وما بها من المساجد العظام كأياصوفي وجامع السلطان محمد وهيئة المولد النبوي وجمعية اصناف الناس لذلك السلطان سليمان وهيئة صلاة الجمعة فيه وأبى ايوب الانصاري وهيئة صلاة الجنازة فيه وصور البلدان والسواحل والبحار والاهرام وبرابي الصعيد والصور والاشكال والافلام المرسومة وما يختص بكل بلد من أجناس الحيوان والطيور والنبات والاعشاب وعلوم الطب والتشريح والهندسيات وجر الاثقال وكثير من الكتب الاسلامية مترجم بلغتهم ورأيت عندهم كتاب الشفاء للقاضي عياض ويعبرون عنه بقولهم شفاء شريف والبردة للبوصيري ويحفظون جملة من أبياتها وترجموها بلغتهم ورأيت بعضهم يحفظ سورا من القرآن ولهم تطلع زائد للعلوم وأكثرها الرياضة ومعرفة اللغات واجتهاد كبير في معرفة اللغة والمنطق ويدأبون في ذلك الليل والنهار وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات وتصاريفهما واشتقاقاتها بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون من أي لغة كانت الى لغتهم في أقرب وقت وعند توت الفلكي وتلامذته في مكانهم المختص بها الآلات الفلكية الغريبة المتقنة الصنعة وآلات الارتفاعات البديعة العجيبة التركيب الغالية الثمن المصنوعة من الصفر المموه وهي تركب براريم مصنوعة محكمة كل آلة عدة قطع تركب مع بعضها البعض برباطات وبراريم لطيفة بحيث اذا ركبت صارت آلة كبير أخذت قدرا من الفراغ وبها نظارات وثقوب ينفذ النظر منها الى المرئي واذا انحل تركيبها وضعت في ظرف صغير وكذلك نظارات للنظر في الكواكب وارصادها ومعرفة مقاديرها واجرامها وارتفاعاتها واتصالاتها ومناظرتها وأنواع المنكابات والساعات التي تسير بثواني الدقائق الغريبة الشكل الغالية الثمن وغير ذلك وأفردوا لجماعة منهم بيت ابراهيم كتخدا السنارى وهم المصورون لكل شيء ومنهم اريجو المصور وهو يصور صور الآدميين تصويرا يظن من يراه انه بارز (2/234)
في الفراغ بجسم يكاد ينطق حتى انه صور صورة المشايخ كل واحد على حدته في دائرة وكذلك غيرهم من الاعيان وعلقوا ذلك في بعض مجالس صارى عسكر وآخر في مكان اخر يصور الحيوانات والحشرات واخر يصور الاسماك والحيتان بانواعها وأسمائها ويأخذون الحيوان او الحوت الغريب الذي لا يوجد ببلادهم فيضعون جسمه بذاته في ماء مصنوع حافظ للجسم فيبقى على حالته وهيئته لا يتغير ولا يبلى ولو بقي زمنا طويلا
وكذلك أفردوا اماكن للمهندسين وصناع الدقائق وسكن الحكيم رويا ببيت ذي الفقار كتخدا بجوار ذلك ووضع آلاته ومساحقه وأهوانه في ناحية وركب له تنانير وكوانين لتقطير المياه والادهان واستخراج الاملاح وقدورا عظيمة وبرامات وجعل له مكانا أسفل واعلى وبهما رفوف عليها القدور المملوءة بالتراكيب والمعاجين والزجاجات المتنوعة وبها كذلك عدة من الاطباء والجرايحية
وأفردوا مكانا في بيت حسن كاشف جركس لصناعة الحكمة والطب الكيماوي وبنوا فيه تنانير مهندمة وآلات تقاطير عجيبة الوضع والات تصاعيد الارواح وتقاطير المياه وخلاصات المفردات وأملاح الارمدة المستخرجة من الاعشاب والنباتات واستخراج المياه الجلاءة والحلالة وحول المكان الداخل قوارير وأوان من الزجاج البلوري المختلف الاشكال والهيئات على الرفوف والسدلات وبداخلها انواع المستخرجات
ومن أغرب ما رأيته في ذلك المكان ان بعض المتقيدين لذلك أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة فصب منها شيئا في كأس ثم صب عليها شيئا من زجاجة اخرى فعلا المآن وصعد منه دخان ملون حتى انقطع وجف مافي الكأس وصار حجرا أصفر فقلبه على البرجات حجرا يابسا أخذناه بأيدينا ونظرناه ثم فعل كذلك بمياه أخرى فجمد حجرا أزرق وباخرى فجمد حجرا أحمر ياقوتيا وأخذ مرة شيئا قليلا حدا من غبار أبيض ووضعه على السندال وضربه بالمطرقة بلطف (2/235)
فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة انزعجنا منه فضحكوا منا واخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة في مقدار الشبر ضيقة القسم فغمسها في ماء قراح موضوع في صندوق من الخشب مصفح الداخل بالرصاص وأدخل معها اخرى على غير هيئتها وأنزلهما في الماء وأصعدهما بحركة انحبس بها الهواء في أحدهما وآتى آخر بفتيلة مشتعلة وأبرز ذلك فم الزجاجة من الماء وقرب الآخر الشعلة اليها في الحال فخرج ما فيها من الهواء المحبوس وفرقع بصوت هائل ايضا وغير ذلك امور كثيرة وبراهين حكمية تتولد من اجتماع العناصر وملاقاة الطبائع ومثل الفلكة المستديرة التي يديرون بها الزجاج فيتولد من حركتها شرر يطير بملاقاة ادنى شيء كثيف ويظهر له صوت وطقطقة واذا مسك علاقتها شخص ولو خيطا لطيفا متصلابها ولمس آخر الزجاجة الدائرة او ما قرب منها بيده الاخرى ارتج بدنه وارتعد جسمه وطقطقت عظام أكتافه وسواعده في الحال برجة سريعة ومن لمس هذا اللامس او شيئا من ثيابه او شيئا متصلا به حصل له ذلك ولو كانوا ألفا أو أكثر ولهم فيه امور وأ وال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج لا يسعها عقول امثالنا
وأفردوا ايضا مكنا للنجارين وصناع الالآت والاخشاب وطواحين الهواء والعربات واللوازم لهم في اشغالهم وهندساتهم وارباب صنعائهم ومكانا آخر للحدادين وبنوا فيه كوانين عظاما وعليها منافيخ كبار يخرج منها الهواء متصلا كثيرا بحيث يجذبه النافخ من أعلى بحركة لطيفة وصنعوا السندانات والمطارق العظام لصناعات الآلات من الحديد والمخارط وركبوا مخارط عظيمة لخرط القلوزات الحديد العظيمة ولهم فلكات مثقلة يديرها الرجال للمعلم الخراط للحديد بالاقلام المتينة الجافية وعليها حق صغير معلق مثقوب وفيه ماء يقطر على محل الخرط لتبريد النارية الحادثة من الاصطكاك وباعلى هذه الامكنة صناع الامور الدقيقة مثل البركارات وآلات الساعات والآلات الهندسية المتقنة وغير ذلك (2/236)
شهر رجب سنة
استهل بيوم الاحد في ثالثه قتلوا شخص من الاجناد يقال له مصطفى كاشف من جماعة حسين بك المعروف بشفت وكان قد فر مع الفارين ثم رجع من غير استئذان وأقام أياما مستترا ببيت الشيخ سليمان الفيومي فسلمه لمصطفى أغا مستحفظان ليأخذ له أمانا فأخبر الفرنسيس بشأنه وأغراهم عليه فأمروه بقتله فقطع رأسه وطافوا بها ينادون عليها بقولهم هذا جزاء من يدخل الى مصر بغير أذن الفرنسيس
وفي يوم الخميس حضر كبير الفرنسيس الذي بناحية قليوب وصحبته سليمان الشواربي شيخ الناحية وكبيرها فلما حضر حبسوه بالقلعة قبل انهم عثروا له على مكتوب ارسله وقت الفتنة السابقة الى سر ياقوس لينهض أهل تلك النواحي في القيام ويأمرهم بالحضور وقت ان يرى الغلبة على الفرنسيس ولما حبسوه وحبسوا معه اربعة من الاجناد ايضا
وفيه احدثوا مرمارا يضربونه في كل يوم وقت الزوال لان ذلك الوقت عندهم ابتداء اليوم
وفي يوم الاربعاء عاشره نادوا في الاسواق بان من أراد أن يشتري فرسا أو حمارا فليحضر يوم الجمعة ثالث عشره ببولاق ويشتري من الفرنساويه ما أحب من ذلك وكتبوا بذلك اوراقا وألصقوها بالاسواق والازقة وهي مطوعة وعليها الصورة ونصها فليكن معلوما عند كافة الرعايا المصرية ان في يوم الجمعة ثلاثة عشر من شهر رجب الساعة اثنين يباع في بولاق جملة خيل من المشيخة الفرنساوية فلاجل هذا المشتري كل من اراد ان يقتنى خيلا فمنحنا له الاجازة انه يقتنى كما يريد ويشاء
وفي يوم الاثنين سادس عشره سافر صارى عسكر بونابارته الى السويس وأخذ صحبته السيد احمد المحروقي وابراهيم افندي كاتب البهار وأخذ معه ايضا بعض المدبرين والمهندسين والمصورين وجرجس الجوهري والطون أبو طاقية وغيرهم وعدة كثيرة من عساكر الخيالة والمشاة وبعض مدافع وعربات وتختروان وعدة جمال لحمل الذخيرة والماء والقومانية (2/237)
وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على تنظيم اخر وعينوا له ستين نفرا منهم اربعة عشر يقال لهم خصوص وهم الذين يحضرون دائما ويقال لهم الديوان الخصوصي والديوان الديمومي والباقي بحسب الاقتضاء والاربعة عشر هم من المشايخ الشرقاوي والمهدي والصاوي والبكري والفيومي ومن التجار المحروقي واحمد محرم ومن النصارى القبطة لطف الله المصري ومن الشوام يوسف فرحات ومخاييل كحيل ورواحة الانكليزي وبودني وموسى كافر الفرنساوي ومعهم وكلاء ومباشرون من الفرنسيس ومترجمون وأما العمومي فأكثره مشايخ حرف وكتبوا بذلك طومارا كبيرا بصموا منه نسخا كثيرة وأرسلوا منها نسخا كثيرة للاعيان وألصقوا منها بالاسواق على العادة وأرسلوا اللذين عينوا بالديوان أوراقا باسمائهم شبه التقارير وصورة صدر ذلك الطومار المكتتب في شأن ذلك وقد أوردت ذلك وان كان فيه بعض طول للاطلاع على ما فيه من التمويهات على العقول والتسلق على دعوى الخواص من البشر بفاسد التخيلات التي تنادى على بطلانها بديهة العقل فضلا عن النظر وهي مقولة على لسان بونابارته كبير الفرنسيس ونصه
بسم الله الرحمن الرحيم من امير الجيوش الفرنساويه خطابا الى كافة أهالي مصر الخاص والعام نعلمكم ان بعض الناس الضالين العقول الخليين من المعرفة وادراك العواقب سابقا اوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين بمصر فأهلكهم لله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة والباري سبحانه وتعالى أمرني بالشفقة والرحمة على العباد فامتثلث أمره وصرت رحيما بكم شفوقا عليكم ولكن كان حصل عندي غيظ وغم شديد بحسب تحريك هذه الفتنة بينكم ولاجل ذلك أبطلت الديوان الذي كنت رتبته لنظام البلد وصلاح اموالكم من مدة شهرين والان توجه خاطرنا الى ترتيب الديوان كما كان لان حسن احوالكم ومعاملتكم في المدة المذكورة انسانا ذنوب الاشرار وأهل الفتنة التي وقعت سابقا أيها العلماء والاشراف أعلم وأمتكم ومعاشر رعيتكم بان الذي يعاديني ويخاصمني انما خصامه (2/238)
من ضلال عقله وفساد فكرة فلا يجد ملجأ ولا مخلصا ينجيه مني في هذا العالم ولا ينجو من بين يدي الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى والعاقل يعرف ان ما فعلناه بتقدير الله تعالى وارادته وقضائه ومن يشك في ذلك فهو احمق واعمى البصيرة واعلموا ايضا امتكم ان الله قدر في الازل هلاك اعداء الاسلام وتكسير الصلبان على يدي وقدر في الآزل أني اجيء من المغرب الى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها واجراء الامر الذي امرت به ولا يشك العاقل ان هذا كله بتقدير الله وارادته وقضائه واعلموا ايضا أمتكم ان القرآن لعظيم صرح في ايات كثيرة بوقوع الذي حصل واشار في ايات اخرى الى امور تقع في المستقبل وكلام الله في كتابه صدق وحق لا يتخلف اذا تقرر هذا وثبتت هذه المقالات في آذانكم فلترجع أمتكم جميعا الى صفاء النية واخلاص الطوية فان منهم من يمتنع عن الغي واظهار عداوتي خوفا من سلاحي وشدة سطوتي ولم يعلموا ان الله مطلع على السرائر يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور والذي يفعل ذلك يكون معارضا لاحكام الله ومنافقا وعليه اللعنة والنقمة من الله غلام الغيوب واعلموا ايضا اني أقدر على اظهار ما في نفس كل أحد منكم لانني أعرف احوال الشخص وما انطوى عليه بمجرد ما اراه وان كنت لا اتكلم ولا انطق بالذي عنده ولكن يأتي وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة ان كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم الهي لا يرد وان اجتهاد الانسان غاية جهده ما يمنعه عن قضاء الله الذي قدره وأجراه على يدي فطوبى للذين يسارعون في اتحادهم وهمتهم مع صفاء النية واخلاص السريرة والسلام
ورتبوا لارباب الديوان الديمومي شهرته تدفع اليهم نظير تقيدهم بمصالح العامة والدعاوى وما يترتب عليه النظام بينهم وبين المسلمين
وفي ثامن عشرة طافوا على الطواحين واختاروا من كل طاحون فرسا اخذوها
وفي رابع عشرينه حضر السيد المحروقي وكاتب البهار من السويس (2/239)
وكان سارى عسكر ذهب الى ناحية بلبيس فأستأذونه في ذهابهم الى مصر فأذن لهم وأرسل معهم خمسين عسكريا ليوصلوهم الى مصر فلما حضروا حكوا أن أهل السويس لما بلغهم مجيء الفرنساوية هربوا وأخلوا البلدة فذهبوا الى الطور وذهب البعض الى العرب بالبادية فنهب الفرنسيس ما وجدوه بالبندر من البن والمتاجر والامتعة وغير ذلك وهدموا الدور وكسروا الاخشاب وخوابي الماء فلما حضر كبيرهم وكان متأخرا عنهم كلمه التجار الذاهبون معه وأعلموه أن هذا الفعل غير صالح فاسترد من العسكر بعض الذي أخذوه ووعدهم باسترجاع الباق أو دفع ثمنه بمصر وأن يكتبوا قائمة بالمنهوبات ثم انه وجد مركبان حضرا الى قريب من السويس بهما بن ومتاجر فغرقت احداهما فنزلت طائفة من الفرنسيس في مراكب صغار وذهبوا اليها في الغاطس وأخرجوها بآلات ركبوها واصطنعوها من علم جر الاثقال وفي مدة اقامته بالسويس صار يركب ويتأمل في النواحي وجهات ساحل البحر والبر ليلا ونهارا وكان معه من الادم في هذه السفرة ثلاثة طيور دجاج محمرة ملفوفة في ورق وليس معه طباخ ولا فراش ولا فرش ولا خيمة وكل شخص من عسكره معه رغيف كبير مرشوق في طرف خربته يتزود منه ويشرب من سقاء لطيف من صفيح معلق في عنقه
وفي يوم السبت حضر عدة من العسكر الفرنساوية من ناحية بلبيس ومعهم عدة من العربان نحو الثلاثين نفرا موثقون بالحبال وأسروا ايضا عدة من اولادهم ذكورا واناثا ودخلوا بهم الى مصر يزفونهم بالطبول أمامهم ومعهم ايضا ثلاثة حمول من حمول التجار وبعض جمال مما كان نهب منهم عند رجوعهم من الحج
وفي ليلة الاثنين غايته حضر سارى عسكر من ناحية بلبيس الى مصر ليلا وأحضر معه عدة عربان وعبد الرحمن أباظة أخو سليمان أباظة شيخ العيايدة وخلافه رهائن وضربوا أبو زعبل والمنير وأخذوا مواشيهم وحضروا بهم الى القاهرة وخلفهم اصحابهم رجالا ونساء وصغارا وفي (2/240)
ذلك اليوم قتلوا شيخ العرب سليمان الشواربي شيخ قليوب ومعه ايضا ثلاثة رجال يقال لهم عرب الشرقية فأنزلوهم من القلعة الى الرميلة على يد الاغا وقطعوا رؤوسهم وحملوا جثة الشواربي مع رأسه في تابوت وأخذه اتباعه في بلده قليوب ليدفن هناك عند اسلافه وانقضى هذا الشهر وحوادثه الجزئية والكلية
منها ان في ليلة السابع والعشرين منه أتت جماعة الى دار الشيخ محمد ابن الجوهري الكائن بالازبكية بالقرب من باب الهواء فخلعوا الشباك المطل على البركة ودخلوا منه وصعدوا الى أعلى الدار وكان بها ثلاثة من النساء الخدامات وابنة خدامة ايضا وبواب الدار ولم يكن رب الدار بها ولا الحريم بل كانوا قد انتقلوا الى دار أخرى لما سكن معظم العسكر بالازبكية فاستيقظ النساء وصرخن فضربوهن وقتلوا منهن امرأة واختفت البنت في جهة وعاثوا في الدار وأخذوا متاعا ومصاغا ونزلوا واستيقظ البواب فأختفى خوفا منهم فلما طلع النهار وشاع الخبر وكان سارى عسكر غائبا فلم يقع كلام في شأن ذلك فلما قدم من سفره ركب مشايخ الديوان وأخبروه فاغتم لذلك وأظهر الغيظ وذم فاعل ذلك لما فيه من العار الذي يلحقه واهتم في الفحص عمن فعل ذلك وقتله
ومنها كثرة تعدي القلقات وتشديدهم على وقود القناديل بالازقة هم من أهل البلد واذا مروا بالليل ووجدوا قنديلا اطفاه الهواء وفرغ زيته سمروا الحانوت او الدار التي هو عليها ولا يقلعون المسمار حتى يصالحهم صاحبها على ما احبوه من الدراهم وربما تعمدوا كسر القناديل لاجل ذلك واتفق ان المطراطفا عدة قناديل بسوق أمير الجيوش بسبب كونها في ظروف من الورق والجرير فابتل الورق وسال الماء فأطفأ القنديل فسمروا حوانيت السوق واصبح اهلها صالحوا عليها ووقع مثل ذلك في طرق عديدة فجمعوا في ذلك اليوم جملة من الدراهم وامثال ذلك حتى في الازقة والعطف الغير النافذة حتى كان الناس ليس لهم شغل الا القناديل وتفقد حالها وخصوصا في ليل الشتاء الطويل (2/241)
شهر شعبان المعظم سنة
استهل بيوم الثلاثاء فيه قتلوا ثلاثة انفار من الفرنسيس وبندقوا عليهم بالرصاص بالميدان تحت القلعة قيل انهم من المتسلقين على الدور
وفيه اخبر السفار بان مراد بك ومن معه ترفعوا الى قبلي ووصلوا الى عقبة الهواء وكلما قرب منهم عسكر الفرنساوية انتقلوا وقبلوا ولقد داخلهم من الفرنساوية خوف شديد ولم يقع بينهم ملاقاة ولا قتال
وفيه قدمت رباعة تحمل البن الذي حضر من السويس بالمركب الداو يصحبه جماعة من الفرنساوية لخفارتها من قطاع الطريق
وفي يوم الاحد سادسه نادى القبطان الفرنساوي الساكن بالمشهد الحسيني على أهل تلك الخطة وما جاورها بفتح الحوانيت والاسواق لاجل مولد الحسين وشد في ذلك ووعد من اغلق حانوته بتسميره وتغريمه عشرة ريال فراسنة مكافأة له على ذلك وكان السبب في ذلك والاصل فيه ان هذا المولد ابتدعه السيد بدوي بن فتيح مباشر وقف المشهد فكان قد اعتراه مرض الحب الافرنجي فنذر على نفسه هذا المولد أن شفاه الله تعالى فحصلت له بعض افاقة فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض شموع ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة واخرين بالمسجد يقرأون بالليل دلائل الخيرات للجذولي ثم زاد الحال وانضم اليهم كثير من اهل البدع كجماعة العفيفي والسمان والعربي والعيسوية فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها وينشد له المنشدون القصائد والموالات ومنهم من يقول أبياتا من بردة المديح للبوصيري ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وأما العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الاهواء ينسبون الى شيخ من اهل المغرب يقال له سيدي محمد بن عيسى وطريقتهم انهم يجلسون قبالة بعضهم صفين ويقولون كلاما معوجا بلغتهم بنغم وطريقة مشوا عليها وبين أيديهم طبول ودفوف يضربون عليها على (2/242)
قدر النغم ضربا شديدا مع ارتفاع اصواتهم وتقف جماعة اخرى قبالة الذين يضربون بالدفوف فيضعون اكتافهم في اكتاف بعض لا يخرج واحد عن الآخر ويلتوون وينتصبون ويرتفعون وينخفضون ويضربون الارض بأرجلهم كل ذلك مع الحركة العنيفة والقوة الزائدة بحيث لا يقوم هذا المقام الا كل من عرف بالقوة وهذه الحركات والايقاعات على نمط الضرب بالدفوف فيقع بالمسجد دوى عظيم وضجات من هؤلاء ومن غيرهم من جماعة الفقراء كل احد له طريقة وكيفية تباين الاخرى هذا مع ما ينضم الى ذلك من جمع العوام وتحلقهم بالمسجد للحديث والهذيان وكثرة اللغط والحكايات والاضاحيك والتلفت الى حسبان الغلمان الذين يحضرون للتفرج والسعي خلفهم والافتتان بهم ورمى قشور اللب والمكسرات والمأكولات في المسجد وطواف الباعة بالمأكولات علىالناس فيه وسقاة الماء فيصير المسجد بما اجتمع فيه من هذه القاذورات والعفوش ملتحقا بالاسواق الممتهنة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم زاد الحال على ذلك بقدوم جماعة الاشاير من الحارات البعيدة والقريبة وبين أيديهم مناور القناديل والجوامع العظيمة التي تحملها الرجال والشموع والطبول والزمور ويتكلمون بكلام محرف يظنون انه ذكر وتوسلات يثابون عليها وينسبون من يلومهم او يعترضهم الى الاعتزال والخروج والزندقة وغالبهم السوقة وأهل الحرف السافلة ومن لا يملك قوت ليلته فتجد أحدهم يجتهد بقوة سعيه ويبيع متاعه او يستدين الجملة من الدراهم ويصرفها في وقود القناديل وأجرة الطبالة والزمارة وكل يجتمع عليه ما هو من أمثاله من الحرافيش ثم يقطع ليلته تلك سهرانا ويصبح دايخا كسلانا ويظن انه بات يتعبد ويذكر ويتهجد واستمر هذا المولد أكثر من عشر سنين ولم يزدد الناذر لذلك الا مرضا ومقتا واستجلب خدمة الضريح مالاح لهم من خساف العقول مثل الشمع والدراهم واتخذوا ذلك حبالة لاكل أموال الناس بالباطل فلما حصلت هذه الحادثة بمصر ترك هذا المولد في جملة المتروكات ثم حصلت الفتنة التي حصلت وسكن هذا الفرنساوي (2/243)
في خط المشهد الحسيني لضبط تلك الجهة وفيه مسايرة ومداهنة فصار يظهر المحبة للمسلمين ويلاطفهم ويدخل بيوت الجيران ويقبل شفاعة المتشفعين ويجل الفقهاء ويعظمهم ويكرمهم وأبطل وقوف عسكره بالسلاح كعادتهم في غير هذه الجهة وكذلك منع ما يفعله القلقات من أنواع التشديد على الناس في مثل القناديل فأطمأن به أهل الخطة وتراجعوا للبكور الى الصلاة في المساجد بعد تخوفهم من العسكر الذي رتب معهم وتركهم التبكير فلما أنسوا به وعرفوا اخلاقه رجعوا لعادتهم ومشوا بالليل ايضا بدون فزع وخوف وترجمانه على مثل طريقته وهو رجل شريف من أهل حلب كان اسيرا بمالطة فاستخلصه الفرنسيس في جملة من استخلصوه من أسرىمالطة وقدم معهم مصر فلما أجلس هذا الضبط الخط كان ترجمانه يهوديا فأحتال بعض أعيان الجهة ورتب هذا الشريف المذكور ليكون فيه راحة للناس ففتح له قهوة بالخط بالقرب من دار مخدومه وجمع الناس للجلوس فيها والسهر حصة من الليل وامرهم بعدم غلق الحوانيت مقدارا من الليل كعادتهم القديمة فأستأنسوا بالاجتماعات والتسلي والخلاعات وعم ذلك جهات تلك الخطة ووافق ذلك هوى العامة لان أكثرهم مطبوع على المجون والخلاعة وتلك هي طبيعة الفرنساوية فصاروا يجتمعون عنده للسمر والحديث واللعب والممازحة ويحضر معهم ذلك الضابط ومعه زوجته وهي من اولاد البلد المخلوعين ايضا فانساق الحديث لذكر هذا المولد الشهري وما يقع في لياليه من الجمعيات والمهرجان وحسنوا له اعادته فوافقهم على ذلك وأمر بالمناداة وفتح الحوانيت ووقود القناديل وشدد في ذلك
وفي يوم الاربعاء كتبوا أوراقا بتطيير طيارة ببركة الازبكية مثل التي سبق ذكرها وفسدت فاجتمعت الناس لذلك وقت الظهر وطيروها وصعدت الى الاعلى ومرت الى أن وصلت تلال البرقية وسقطت ولو ساعدها الريح وغابت عن الاعين لتمت الحيلة وقالوا انها سافرت الى البلاد البعيدة بزعمهم (2/244)
وفيه سافر الخواجة مجلون الى الصعيد واليا على جرجا لتحرير البلاد وقبض الاموال والغلال المتأخرة بالنواحي للعز
وفيه سافرت قافلة بها احمال كثيرة ومواش ونساء افرنجيات وصناديق قيل انهم ارسلوها الى الطور وصحبتهم عدة من العسكر
وفي يوم الخميس عاشره حضر طائفة من العسكر الفرنساوي الى وكالة ذي الفقار بالجمالية ففتحوا طبقة كانت لكتخدا علي باشا الطرابلسي وأخذوا ما وجدوه بها من الامتعة وختموا عدة حواصل وطباق بذلك الخان وبالوكالة الجديدة وغيرها للمسافرين والهاربين والقليونجية وضبطوا ما بها وقبضوا على جماعة من الاتراك والقليونجية التجار وسجنوهم بالقلعة وصاروا يفتشون على من بقى منهم بالقاهرة وبولاق خصوصا الكرتلية الذين كانوا عسكرا لمراد بك وأخذوا الكثير من نصارى الاروام والقليونجية الذين كانوا مع مراد بك وبعضهم كان بمصر فأدخلوهم في عسكرهم وزيوهم بزيهم وأعطوهم اسلحة وانتظموا في سلكهم
وفيه تواترت الاخبار ان علي باشا ونصوح باشا فارقا مراد بك وذهبا من خلف الجبل على الهجن الى جهة الشام وصحبتهم جماعة ابراهيم بك وكان ذهابهم في اواخر رجب
وفيه نادوا بأبطال القناديل التي توقد في الليل على البيوت والدكاكين وان يوقدوا عوضها في وسط السوق مجامع في كل مجمع اربع قناديل بين كل مجمع ثلاثون ذراعا ويقوم بذلك الاغنياء دون الفقراء ولا علاقة للقلقات في ذلك ففرح بذلك فقراء الناس وانفرجت عنهم هذه الكربة
وفيه نادوا ايضا ان كل من كان له دعوى شرعية او ظلامة فليذهب الى العلماء والقاضي
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب الكوامل ورجعوا بمنهوباتهم من الغنم والمعز والدجاج والاوز والحمير وغير ذلك
وفيه حضر رجل من ناحية غزة يطلب امانا للست فاطمة زوجة مراد بك ولابنة المرحوم محمد افندي البكري وزوجها الامير ذي الفقار وخشداشينه (2/245)
والخطاب للشيخ خليل البكري فعرض ذلك على ساري عسكر وترجى عنده فكتب له امان بحضورهم وارسل لهم نفقة وكان ذلك حيلة منهم لتأتيهم النفقة وبعض الاحتياجات واخبر ذلك الرسول ان عبد الله باشا ابن العظم بغزة وابراهيم بك ومن معه خارج البلد وهم في ضيق وحصر وحيز عنهم داخل البلد
وفيه ذهب عدة من العسكر الفرنساوية الى قطبا وشرعوا في بناء ابنية هناك واشيع سفر ساري عسكر الى جهة الشام والاغارة عليها
وفي ليل الاحد ثالث عشرة كان انتقال الشمس لبرج الدلو وهو اول شهر من شهورهم وعملوا تلك الليلة حراقة بارود وسواريخ كما هي عادتهم عند كل انتقال الشمس من برج الى برج
وفي يوم الاثنين رابع عشره نادى المحتسب على اللحم الضاني بسبعة انصاف الرطل وكان بثمانية واللحم الجاموسي بخمسة وكان بستة
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب العيايدة نواحي الخانكة وقتلوا منهم طائفة ونهبوهم ووجدوا من منهوبات الناس وأمتعة عسكر الفرنساوية واسلحتهم جملة فأخذوا ذلك مع ما أخذوه وأحضروا معهم بعض رجال ونساء حبسوهم بالقلعة وفيه ذهب عدة من العسكر الى صنافير واجهور الورد وقرنفيل وكفر منصور وبلاد اخرى للتفتيش على العرب فأخذوا ما وجدوه للعرب من بهائم وغيرها والذي عصى عليهم ضربوه ونهبوه ايضا ونهبوا جمالا وبهائم ممن لم يعص ايضا ودخلوا بذلك المدينة فصاروا يبيعون البقرة بريالين وثلاثة والنعجة وابنها بريال فاشترى غالب ذلك نصارى القبط
وفي يوم السبت قتلوا بالقلعة نحو التسعين نفرا وغالبهم من المماليك الذين وجدوهم هاربين في البلاد والذين عس عليهم الخبيث الاغا وبرطلمين والقلقات ووجدوهم مختفين في البيوت
وفيه قبضوا على خمسة أنفار من اليهود وأمرأتين فألقوا الجميع في بحر النيل وفيه نادوا بان كل من اشترى شيئا من منهوبات العرب التي (2/246)
نهبتها العسكر يحضره لبيت صارى عسكر
وفيه كثر الاهتمام والحركة بسفر الفرنسيس الى جهة الشام وطلبوا وهيؤا جملة من الهجن وأحضروا جمال عرب الترابين ليحملوا عليها الذخيرة والدقيق والعليق والبقسماط ثم رسموا على الاهالي عدة كبيرة من الحمير وكذلك عدة من البغال فطلب شيخ الحمارة وأمر بجمع ذلك وكذلك الركبداريه أمرهم بجمع البغال فاختفى غالب أصحاب الحمير وخاف الناس على حميرهم فأمتنع خروج السقائين الذين ينقلون الماء بالقرب على الحمير وسقائين الجمال والبراسمية فحصل للناس ضيق بسبب ذلك
وفي يوم الاثنين حادي عشرينه كتبوا أرواقا ولصقوها بالاسواق على العادة ونصها
الحمد لله وحده وهذا خطاب الى جميع اهل مصر من خاص وعام من محفل الديوان الخصوصي من عقلاء الانام علماء الاسلام والوجاقات والتجار الفخام نعلمكم معاشر اهل مصر ان حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية صفح الصفح الكلي عن كامل الناس والرعية بسبب ما حصل من أراذل أهل البلد والجعيدية من الفتنة والشر مع العساكر الفرنساوية وعفا عفوا شاملا وأعاد الديوان الخصوصي في بيت قائد اغا بالازبكية ورتبه من اربعة عشر شخصا اصحاب معرفة واتقان خرجوا بالقرعة من ستين رجلا كان انتخبهم بموجب فرمان وذلك لاجل قضايا حوايج الرعايا وحصول الراحة لاهل مصر من خاص وعام وتنظيمها على أكمل نظام واحكام كل ذلك من كمال عقله وحسن تدبيره ومزيد حبه بمصر وشفقته على سكانها من صغير القوم قبل كبيره رتبهم بالمنزل المذكور كل يوم لاجل خلاص المظلوم من الظالم وقد اقتص من عسكره الذين اساؤا بمنزل الشيخ محمد الجوهري وقتل منهم اثنين بقراميدان وأنزل طائفة منهم عن مقامهم العالي الى أدنى مقام لان الخيانة ليست من عادة الفرنسيس خصوصا مع النساء الارامل فان ذلك قبيح عندهم (2/247)
لا يفعله الا كل خسيس ووضع القبض بالقلعة على رجل نصراني مكاس لانه بلغه انه زاد المظالم في الجمرك بمصر القديمة على الناس ففعل ذلك بحسن تدبيره ليمتنع غيره من الظلم ومراده رفع الظلم عن كامل الخلق ويفتح الخليج الموصل من بحر النيل الى بحر السويس لتخف اجرة الحمل من مصر الى قطر الحجاز الافخم وتحفظ البضائع من اللصوص وقطاع الطريق وتكثر عليهم أسباب التجارة من الهند واليمن وكل فج عميق فاشتغلوا بأمر دينكم واسباب دنياكم واتركوا الفتنة والشرور ولا تطيعوا شيطانكم وهواكم وعليكم بالرضا بقضاء الله وحسن الاستقامة لاجل خلاصكم من اسباب العطب والوقوع في الندامة رزقنا الله واياكم التوفيق والتسليم ومن كانت له حاجة فليأت الى الديوان بقلب سليم الا من كان له دعوى شرعية فليتوجه الى قاضي العسكر المتولي بمصر المحمية بخط السكرية والسلام عن أفضل الرسل على الدوام
وفيه أرسلوا الوالي لينبه على السقائين بنقل الماء وعدم التعرض لهم ولحميرهم
وفي ليلة الاربعاء ثالث عشرينه خرج عدة كبيرة من العسكر وطلب كبير الفرنساوية بونابارته ان يأخذ معه مصطفى بك كتخدا الباشا المتولي أمير الحاج ويأخذ ايضا قاضي العسكر بجمقشي زاده وأربعة أنفار من المتعممين وهم الفيومي والصاوي والعريشي والدواخلي وجماعة ايضا من التجار والوجاقلية ونصارى القبط والشوام
وفي سادس عشرينه نادوا للناس بالامان وفتح الاسواق ليلا في رمضان حكم المعتاد
وفيه انتقل قائمقام من بيته المطل على بركة الفيل وهو بيت ابراهيم بك الوالي وسكن بيت أيوب بك الكبير المطل على بركة الفيل وانتقلوا جميعهم الى بركة الازبكية
وفيه أعرض حسن أغا محرم المحتسب لسارى عسكر امر ركوبه المعتاد لاثبات هلال رمضان فرسم له بذلك على العادة القديمة فاحتفل لذلك (2/248)
المحتسب احتفالا زائدا وعمل وليمة عظيمة في بيته أربعة ايام اولها السبت وآخرها الثلاثاء دعا في اول يوم العلماء والفقهاء والمشايخ والوجاقلية وغيرهم وفي ثاني التجار والاعيان وكذلك ثالث يوم ورابع يوم دعا ايضا أكابر الفرنساوية وأصاغرهم وركب يوم الثلاثاء بالابهة الكاملة زيادة عن العادة وامامه مشايخ الحرف بطبولهم وزمورهم وشق القاهرة على الرسم المعتاد ومر على قائمقام وامير الحاج وسارى عسكر بونابارته ثم رجع بعد الغروب الى بيت القاضي بين القصرين فانبتوا هلال رمضان ليلة الاربعاء ثم ركب من هناك بالموكب وامامه المشاغل الكثيرة والطبول والزمور والنقاقير والمناداة بالصوم وخلفه عدة خيالة عارية رؤسهم وشعورهم مرخية على أقفيتهم بشكل بشيع مهو ل وانقضى شهر شعبان وحوادثه
فمنها ان اهل مصر جروا على عادتهم في بدعهم التي كانوا عليها وانكمشوا عن بعضها واحتشموها خوفا من الفرنسيس فلما تدرجوا فيها وأطلق لهم الفرنساوية القيد ورخصوا لهم وسايروهم رجعوا اليها وانهمكوا في عمل مواليد الاضرحة التي يرون فرضيتها وانها قربة تنجيهم بزعمهم من المهالك وتقربهم الى الله زلفى في المسالك فرمحوا في غفلاتهم مع ماهم فيه من الاسر وكساد غالب البضائع وغلوها وانقطاع الاخبار ومنع الجالب ووقوف الانكليز في البحر وشدة حجزهم على الصادر والوارد حتى غلت اسعار جميع الاصناف المجلوبة من البحر الرومي وانقطع أثر كثير من رباب الصنائع التي كسدت لعدم طلابها واحتاجوا الى التكسب بالحرف الدنيئة كبيع الفطير وقلي السمك وطبخ الاطعمة والمأكولات والاكل في الدكاكين واحداث عدة قهاوى وأما ارباب الحرف الدنيئة الكاسدة فأكثرهم عمل حمارا مكاريا حتى صارت الازقة خصوصا جهات العسكر مزدحمة بالحمير التي تكرى للتردد في شوارع مصر فان للفرنسيس بذلك عناية عظيمة ومغالاة في الاجرة بحيث ان الكثير منهم يظل طول النهار فوق ظهر الحمار بدون حاجة سوى ان يجري (2/249)
به مسرعا في الشارع وكذلك تجتمع الجماعة منهم ويركبون الحمير ويجهدونها في المشي والاسراع وهم يغنون ويضحكون ويصيحون ويتمسخرون ويشاركهم المكارية في ذلك كما ان لهم العناية وبذل الاموال والتردد الى حانات الراح والتغالي في شراء الفواكه والبوأطي والاقداح
ومن طبعهم في الشرب انهم يتعاطون لحد النشوة وترويح النفس فان زادوا عن ذلك الحد لا يخرجون من منازلهم ومن سكر وخرج الى السوق ووقع منه أمر مخل عاقبوه وعزروه
ومنها ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والاروام واليهود وركوبهم الخيول وتقلدهم بالسيوف بسبب خدمتهم للفرنسيس ومشيهم الخيلاء وتجاهرهم بفاحش القول واستذلالهم المسلمين كل ذلك بما كسبت ايديهم وما ربك بظلام للعبيد والحال الحال والمركوز في الطبع ما زال والبعض استهوته الشياطين ومرق والعياذ بالله من الدين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ومنها تواتر الاخبار من ابتداء شهر رجب بان رجلا مغربيا يقال له الشيخ الكيلاني كان مجاورا بمكة والمدينة والطائف فلما وردت اخبار الفرنسيس الى الحجاز وانهم ملكوا الديار المصرية انزعج اهل الحجاز ويدعوهم الى الجهادويحرضهم على نصرة الحق والدين وقرأ بالحرم كتابا مؤلفا في معنى ذلك فاتعظ جملة من الناس وبذلوا اموالهم وانفسهم واجتمع نحو الستمائة من المجاهدين وركبوا البحر الى القصير مع ما انضم اليهم من أهل ينبع وخلافه فورد الخبر في اواخره انه انضم اليهم جملة من اهل الصعيد وبعض اتراك ومغاربة ممن كان خرج معهم مع غز مصر عند وقعة انبابة وركب الغز معهم ايضا وحاربوا الفرنسيس فلم تثبت الغز كعادتهم وانهزموا وتبعهم هوارة الصعيد والمتجمعة من القرى وثبت الحجازيون ثم انكفوا لقلتهم وذلك بناحية جرجا وهرب الغز والمماليك الى ناحية اسنا وصحبتهم حسن بك الجداوي (2/250)
وعثمان بك حسن تابعه ووقع بين أهل الحجاز والفرنسيس بعض حروب غير هذه المرة بعدة مواضع وينفصل الفريقان بدون طائل
ومنها ان الفرنسيس عملوا كرنتيلة بجزيرة بولاق وبنوا هناك بناء فيحجزون بها القادمين من السفار اياما معدودة كل جهة من الجهات القبلية لذلك وضجوا بالحرم وجردوا الكعبة وان هذا الشيخ صار يعط الناس والبحرية بحسبها والله اعلم
ثم استهل شهر رمضان المعظم بيوم الاربعاء سنة 1213
وفيه أخذ بونابارته في الاهتمام بالسفر الى جهة الشام وجهزوا طلبا كثيرا وصاروا في كل يوم يخرج منهم طائفة بعد طائفة
وفي يوم السبت عمل ساري عسكر ديوانا واحضر المشايخ والوجاقات وتكلم معهم في أمر خروجه للسفر وانهم قتلوا المماليك الفارين بالصعيد واجلوا باقيهم الى اقصى الصعيد وانهم متوجهون الى الفرقة الاخرى بناحية غزة فيقطعونهم ويمهدون البلاد الشامية لاجل سلوك الطريق ومشى القوافل والتجارات برا وبحرا لعمار القطر وصلاح الاحوال واننا نغيب عنكم شهرا ثم نعود وعند عودنا نرتب النظام في البلد والشرائع وغير ذلك فعليكم ضبط البلد والرعية في مدة غيابنا ونبهوا مشايخ الاخطاط والحارات كل كبير يضبط طائفته خوفا من الفتن مع العسكر المقيمين بمصر فالتزموا له بذلك وكتبوا له اوراقا مطبوعة على العادة في معنى ذلك وألصقوها بالطرق وفي ذلك اليوم خرج القاضي ومصطفى كتخدا الباشا والمشايخ المعينون للسفر الى جهة العادلية وخرج ايضا عدة كبيرة من عسكرهم ومعهم احمال كثيرة حتى الاسرة والفرش والحصر وعدة مواهي ومحفات للنساء والجواري البيض والسود والحبوش اللاتي أخذوها من بيوت الامراء وتزيا اكثرهن بزي نسائهم الافرنجيات وغير ذلك
وفي يوم الاحد خامسه ركب ساري عسكر الفرنسيس وخرج ايضا الى العادلية وذلك في الساعة الرابعة بطالع الحمل وفيه القمر في تربيع (2/251)
زحل وابقى بمصر عدة من العسكر بالقلعة والابراج التي بنوها على التلول وقائمقام وبوسليك وساري عسكر وبزة بجملة من العسكر في الصعيد وكذلك سوارى عسكر الاقاليم كل واحد معه عسكر في جهة من الجهات وأخذ معه المديرين واصحاب المشورة والمترجمين وأرباب الصنائع منهم كالحدادين والنجارين ومهندسي الحروب وكبيرهم أبو خشبة بمصر ثم تراسل المتخلفون في الخروج كل يوم تخرج منهم جماعة
وفي يوم الثلاثاء سابعه انتدب للنميمة ثلاث من النصارى الشوام وعرفوهم ان المسلمين قاصدون الوثوب على الفرنسيس في يوم الخميس تاسعه فأرسل قائمقام خلف المهدي والاغا فأحضرهما وذكر لهما ذلك فقالا له هذا كذب لا أصل له وانما هذه نميمة من النصارى كراهة منهم في المسلمين ففحص عمن اختلق ذلك فوجدهم ثلاثة من النصارى الشوام فقبضوا عليهم وسجنوهم بالقلعة حتى مضى يوم الخميس فلم يظهر صحة ما نقلوه فأبقاهم في الاعتقال ثم ان نصارى الشوام رجعوا الى عادتهم القديمة في لبس العمائم السود والزرق وتركوا لبس العمائم البيض والشيلان الكشميري الملونة والمشجرات وذلك بمنع الفرنسيس لهم من ذلك ونبهوا ايضا بالمنادة في أول رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين اولا ولا يتجاهرون بالاكل ولا يشربون الدخان ولا شيئا من ذلك بمرآى منهم كل ذلك للاستجلاب خواطر الرعية حتى ان بعض الرعية من الفقهاء مر على بعض النصارى وهو يشرب الدخان فانتهزه فرد عليه ردا شنيعا فنزل ذلك المتعمم وضرب النصراني واجتمع عليه الناس وحضر حاكم الخطة فرفعهما الى قائمقام فسأل من النصارى الحاضرين عن عادتهم في ذلك فأخبروه ان من عادتهم القديمة انه اذا استهل شهر رمضان لا يأكلون ولا يشربون في الاسواق ولا بمرأى من المسلمين ابدا فضرب النصراني وترك المتعمم لسبيله
وفي تاسع عشرينه أحضروا مراد أغا تابع سليمان بك الاغا ومعه آخر من الاجناد من ناحية قبلي فأصعدوهما القلعة قبل قتلهما (2/252)
وفي خامس عشرينه ورد الخبر بان الفرنساويه ملكوا قلعة العريش وطاف رجل من اتباع الشرطة ينادي في الاسواق ان الفرنساوية ملكوا قلعة العريش وأسروا عدة من المماليك وفي غد يعملون شنكا ويضربون مدافع فاذا سمعتم ذلك فلا تفزعوا فلما اصبح يوم الاحد حضر المماليك المذكورة وهم ثمانية عشر مملوكا وأربعة من الكشاف وهم راكبون الحمير ومتقلدون بأسلحتهم ومعهم نحو المائة من عسكر الفرنسيس وأمامهم طبلهم وخرج بعض الناس فشاهدهم ولما وصلوا الى خارج القاهرة حيث الجامع الظاهري خرج الاغا وبرطلمين بطوافيهما ينتظرانهم ومعهم طبول وبيارق وطوائف ومشوا معهم الى الازبكية من الطريق التي أحدثوها ودخلوا بهم الى بيت قائمقام فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم فذهبوا الى بيوتهم وفيهم أحمد كاشف تابع عثمان بن الاشقر وآخر يقال له حسن كاشف الدويدار وكاشفان اخران وهما يوسف كاشف الرومي واسمعيل كاشف تابع احمد كاشف المذكور وكان من خبرهم انهم كانوا مقيمين بقلعة العريش وصحبتهم نحو الف عسكري مغاربة وأرنؤد فحضر لهم الفرنسيس الذين كانوا في المقدمة في أواخر شعبان فأحاطوا بالقلعة وحاربوهم من داخلها ونالوا منهم ما نالوه ثم حضر اليهم سارى عسكر بجموعه بعد ايام والحوا في حصارهم فارسل من بالعريش الى غزة فطلب نجدة فأرسلوا لهم نحو السبعمائة وعليهم قاسم بك امين البحرين فلم يتمكنوا من الوصول الى القلعة لتحلق الفرنساوية بها وأحاطتهم حولها فنزلوا قريبا من القلعة فكبستهم عسكر الفرنسيس بالليل فأستشهد قاسم بك وغيره وانهزم الباقون ولم يزل أهل القلعة يحاربون ويقاتلون حتى فرغ ما عندهم من البارود والذخيرة فطلبوا عند ذلك الامان فأمنوهم ومن القلعة انزلوهم وذلك بعد أربعة عشر يوما فلما نزلوا على أمانهم ارسلوهم الى مصر مع الوصية بهم وتخلية سبيلهم فحضروا الى مصر كما ذكر واخذوا سلاحهم وخلوا سبيلهم وصاروا يترددون عليهم ويعظمونهم ويلاطفونهم ويفرجونهم على صنائعهم (2/253)
وأحوالهم وأما العسكر الذين كانوا معهم بقلعة العريش فبعضهم انضاف اليهم وأعطوهم جامكية وعلوفة وجعلوهم بالقلعة مع عسكر من الفرنسيس والبعض لم يرض بذلك فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم الى حال سبيلهم وذهب الفرنسيس الى ناحية غزة وفي ذلك اليوم بعد الظهرعملوا الشنك الموعود به وضربوا عدة مدافع بالقلعة والازبكية وأظهر النصارى الفرح والسرور بالاسواق والدور واولموا في بيوتهم الولائم وغيروا الملابس والعمائم وتجمعوا للهو والخلاعة وزادوا في القبح والشناعة
وفي يوم الاربعاء تدفي احمد كاشف المذكور فجأة وفي عصر ذلك اليم حضر جماعة من الفرنسيس نحو الخمسة والعشرين وهم راكبون الهجن وعلى رؤوسهم عمائم بيض ولابسون برانس بيضا على اكتافهم فذهبوا الى بيت قائمقام بالازبكية فلما اصبح يوم الخميس عملوا الديوان وقرأوا المكاتبة التي حضرت مع الهجانة حاصلها ان الفرنسيس اخذوا غزة وخان يونس وأخبار مختلفة
منها انهم وجدوا ابراهيم بك ومن معه ارتحلوا من هناك وكانوا أرسلوا حريمهم واثقالهم الى جبل نابلس وقيل بل تحاربوا معهم وانهزموا وفي ذلك اليوم بعد العصر بنحو عشرين درجة حضر عدة من الفرنسيس ومعهم كبير منهم وهم راكبون الخيول وعدة من المشاة وفيهم جماعة لابسون عمائم بيضا وجماعة ايضا ببرانيط ومعهم نفير ينفخ فيه وبيدهم بيارق وهي التي كانت عند المسلمين على قلعة العريش الى أن وصلوا الى الجامع الأزهر فأصطفوا رجالا وركبانا بباب الجامع وطلبوا لشيخ الشرقاوي فسلموه تلك البيارق وأمروه برفعها ونصبها على منارات الجامع الازهر فنصبوا بيريقين ملونين علىالمنارة الكبيرة ذات الهلالين عند كل هلال بيرقين وعلى منارة اخرى بيرقا ثالثا وعند دفعهم ذلك ضربوا عدة مدافع من القلعة بهجة وسرورا وكان ذلك ليلة عيد الفطر فلما كان عند الغروب ضربوا عدة مدافع ايضا اعلاما بالعيد وبعد العشاء الاخير طاف اصحاب الشرطة ونادوا بالامان وبخروج الناس (2/254)
على عادتهم لزيارة القبور بالقرافتين والاجتماع لصلاة العيد وان يلبسوا احسن ثيابهم ولما ملكوا العريش كتبوا اوراقا وأرسلوها الى البلاد ونصها فرمان عام موجه من امير الجيوش الى اهالي الشام قاطبة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من طرف بونابارته امير الجيوش الفرنساوية الى حضرة المفتين والعلماء وكافة اهالي نواحي غزة والرملة ويافا حفظهم الله تعالى بعد السلام نعرفكم اننا حررنا لكم هذه السطور نعلمكم اننا حضرنا في هذا الطرف لقصد طرد المماليك وعسكر الجزار عنكم والى أي سبب حضور عسكر الجزار وتعديه على بلاد يافا وغزة التي ما كانت من حكمه والى أي سبب ايضا ارسل عساكره الى قلعة العريش بذلك هجم على اراضي مصر فلا شك كان مراده اجراء الحروب معنا ونحن حضرنا لنحاربه فاما انتم يا أهالي الاطراف المشار اليها فلم نقصد لكم أذية ولا أدنى ضرر فأنتم استمروا في محلكم ووطنكم مطمئنين ومرتاحين وأخبروا من كان خارجا عن محله ووطنه أن يرجع ويقيم في محله ووطنه ومن قبلنا عليكم ثم عليهم الامان الكافي والحماية التامة ولا أحد يتعرض لكم في مالكم وما تملكه يدكم وقصدنا ان القضاة يلازمون خدمهم ووظائفهم على ما كانوا عليه وعلى الخصوص ان دين الاسلام لم يزل معتزا ومعتبرا والجوامع عامرة بالصلاة وزيارة المؤمنين اذ كل خير يأتي من الله تعالى وهو يعطي النصر لمن يشاء ولا يخفاكم ان جميع ما تأمر به الناس ضدنا فيغدو باطلا ولا نفع لهم به لان كل ما نضع به يدنا لا بد من تمامه بالخير والذي يتظاهر بالغدر يهلك ومن كل ما حصل تفهمون جيدا اننا نقمع أعداءنا ونعضد من يحبنا وعلى الخصوص من كوننا متصفين بالرحمة والشفقة على الفقراء والمساكين
ولما أخذوا غزة أرسلوا طومارا بصورة الواقعة وبصموه نسخا وقرىء بالديوان وألصقوا نسخة المطبوعة بالاسواق وصورته
بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان الا على الظالمين نخبر اهل مصر وأقاليمها انه حضر فرمان مكتوب من غزة من حضرة الجنرال اسكندر (2/255)
برتبه خطابا الى حضرة سارى عسكر دوجا وكيل الجيوش بمصر يخبره فيه بان العساكر الفرنساوية باتوا ليلة تسعة عشر شهر رمضان في خان يونس وفي فجر تلك الليلة توجهوا سائرين الى ناحية غزة فكشفوا قبل الظهر بساعة عسكر المماليك وعسكر الجزار جالسين تجاه غزة فتوجه اليهم الجنرال مرارا مع عساكر الفرنساوية من خيالة ومشاة مراده اغتيال عسكر المماليك وعسكر الجزار فلما انتبهوا له فروا هاربين ووقع بينه وبين أطراف العساكر بعض مضاربة يسيرة لم ينجرح فيها الا شخصان من الفرنساوية مات عسكري واحد ومات من عسكر المماليك والجزار ناس قلائل وحين تشاغل سارى عسكر مراد بالمضاربة والمقاتلة دخل حضرة سارى عسكر كلهبر الذي كان حاكما بالاسكندرية وكان ساكنا بالازبكية الى بندر غزة وملكها من غير معارض له ووجدوا فيها حواصل مشحونة بالذخائر من بقسماط وشعير وأربعمائة قنطار بارود واثني عشر مدفعا وحاصلا كبيرا مملوا بالخيام الكثيرة وجللا وبنبات مهيئآت محضرات كصنعة الافرنج هذا ما وقع لملكهم لغزة وقد اخبرناكم على ما وقع في كيفية ملك العريش سابقا فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء اله وتأدبوا في احكام مولاكم الذي خلقكم وسواكم والسلام ختام
وانقضى شهر رمضان ووقع به قبل ورود هذه الاخبار من السكون والطمأنينة وخلوا الطرقات من العسكر وعدم مرور المتخلفين منهم الا في النادر واختفائهم بالليل جملة كافية وانفتاح الاسواق والدكاكين والذهاب والمجيء وزيارة الاخوان ليلا والمشي على العادة بالفوانيس ودونها واجتماع الناس للسهر في الدور والقهاوي ووقود المساجد صلاة التراويح وطواف المسحرين والسلي بالرواية والنقول وترجي المأمول وانحلال الاسعار فيما عدا المجلوبات من الاقطار
ومنها ان الفرنساوية صاروا يدعون أعيان الناس والمشايخ والتجار للافطار والسحور ويعملون لهم الولائم ويقدمون لهم الموائد على نظام (2/256)
المسلمين وعادتهم وبتولي أمر ذلك الطباخون والفراشون من المسلمين تطمينا لخواطرهم ويذهبون هم ايضا ويحضرون عندهم الموائد وياكلون معهم في وقت الافطار ويشاهدون ترتيبهم ونظامهم ويحذون حذوهم ووقع منهم من المسايرة للناس وخفض الجانب ما يتعجب منه والله اعمل
شهر شوال سنة
استهل بيوم الجمعة وفي صبح ذلك اليوم ضربوا عدة مدافع لشنك العيد واجتمع الناس لصلاة العيد في المساجد والازهر واتفق ان امام الجامع الازهر نسي قراءة الفاتحة في الركعة الثانية فلما سلم اعاد الصلاة بعد ما شنع عليه الجماعة وخرج الرجال والنساء لزيارة القبور فانتبذ بعض الحرافيش نواحي تربة باب النصر وأسرع في مشيه وهو يقول نزلت عليكم العرب يا ناس فهاجت الناس وانزعجت النساء ورمحت الجعيدية والحرافيش وخطفوا ثياب النساء وأزرهن وما صادفوه من عمائم الرجال وغير ذلك واتصل ذلك بتربة المجاورين وباب الوزير والقرافة حتى ان بعض النساء مات تحت الارجل ولم يكن لهذا الكلام صحة وانما ذلك من مخترعا الاوباش لينالوا اغراضهم من الخطف بذلك
وفيه ركب أكابر الفرنسيس وطافوا على أعيان البلد وهنوهم بالعيد وجاملهم الناس بالمدارة ايضا
وفي اوائله وردت الاخبار بان الامراء المصرية القبليين تفرقوا من بعضهم فذهب مراد بك وآخرون الى نواحي إبراهيم بك ومنهم من ذهب الى ناحية اسوان والالفي عدي بجماعته الى البر الشرقي
وفي خامسه قدم الشيخ محمد الدواخلي من ناحية القرين متمرضا وكان بصحبته الصاوي والفيومي متخلفين بالقرين وسبب تخلفهم ان كبير الفرنسيس لما ارتحل من الصالحية أرسل الى كتخدا الباشا والقاضي والجماعة الذين بصحبتهم يأمرهم بالحضور الى الصالحية لانهم كانوا يباعدون عنه مرحلة فلما ارادوا ذلك بلغهم وقوف العرب بالطريق فخافوا من المرور فذهبوا الى العرين فأقاموا هناك واتخذ عسكر الفرنسيس (2/257)
جمالهم فأقاموا بمكانهم فتقلق هؤلاء الثلاثة وخافوا سوء العاقبة ففارقوهم وذهبوا للقرين وتخلف عنهم الفيومي فأقام مع كتخدا الباشا والقاضي فحصل للدواخلي توعك فحضر الى مصر وبقي رفيقاه في حيرة
وفي سابعه احضر الاغا رجلا ورمى عنقه عند باب زويلة وشنق امرأة علىشباك السبيل تجاه الباب والسبب في ذلك ان الفرنساوي حاكم خط الخليفة وجهة الركيبة ويسى دلوى احضر باعة الغلال بالرميلة وصادرهم ومنعهم من دفع معتاد الوالي فاجتمعوا وذهبوا الى كبير الفرنسيس الذي يقال له شيخ البلد وشكوا اليه وكان الامير ذو الفقار حاضرا وهو يسكن تلك الجهة فعضدهم وعرف شيخ البلد عن شكواهم فأرسل شيخ البلد الى دلوى فأنتهره وأمره برد ما أخذه فأخبره اتباعه ان ذا الفقار هو الذي عضدهم وأنهى شكواهم الى كبيرهم فقام دلوى المذكور ودخل على ذي الفقار في بيته وسبه وشتمه بلغته وفزع عليه ليضربه فلما خرج من عنده قام ودهب الى كبيرهم واخبره بفعل دلوى معه فأمر باحضاره وحبسه بالقلعة ثم أخبر بعض الناس شيخ البلد ان العرض الذي وقع من دلوى لباعة الغلة انما هو باغراء خادمة وعرفه ان خادمه المذكور مولع بأمرأة رقاصة من الرميلة تأتيه باشكالها هو واضرابه وترقص لهم تلك المرأة في القهوة التي بخطهم ليلا ونهارا وتبيت معهم في البيت ويصبحون على حالهم فلما حبس أميرهم اختفوا فدلوا على الرجل والمرأة فقبضوا عليهما وفعلوا بهما ما ذكر ولا بأس بما حصل
وفي ثامنه يوم الجمعة نودى في الاسواق بموكب كسوة الكعبة المشرفة من قراميدان والتنبيه باجتماع الوجاقات وأرباب الاشاير وخلافهم على العادة في عمل الموكب فلما أصبح يوم السبت اجتمع الناس في الاسواق وطريق المرور وجلسوا للفرجة فمروا بذلك وامامها الوالي المحتسب وعليهم القفاطين والبينشات وجميع الاشاير بطبولهم وزمورهم وكاساتهم ثم برطلمين كتخدا مستحفظان وامامه نفر الينكجرية من المسلمين نحو المائتين او اكثر وعدة كثيرة من نصارى الاروام بالاسلحة والملازمين (2/258)
بالبراقع وهو لابس فروة عظيمة ثم مواكب القلقات ثم موكب ناظر الكسوة وهو تابع مصطفى كتخدا الباشا وخلفه النوبة التركية فكانت هذه الركبة من أغرب المواكب واعجب العجائب لما اشتملت عليه من اختلاف الاشكال وتنوع الامثال واجتماع الملل وارتفاع السفل وكثرة الحشرات وعجائب المخلوقات واجتماع الاضداد ومخالفة الوضع المعتاد وكان نسيج الكسوة بدار مصطفى كتخدا المذكور وهو على خلاف العادة من نسجها بالقلعة
وفي يوم الاربعا ثالث عشرة حضر عدة من الفرنسيس وهم راكبون الهجن ومعهم عدة بيارق وأعلام بعد المهر وأخبروا ان الفرنسيس ملكوا قلعة يافا وبيدهم مكاتبة من سارى عسكرهم بالاخبار عما وقع فلما كان يوم الخميس واجتمع أرباب الديوان فقرأ عليهم تلك المراسلة بعد تعريبها وترصيفها علىهذه الكيفية وهي عن لسان رؤساء الديوان الى الكافة وذلك بالزامهم وأمرهم بذلك
وصورتها بسم الله الرحمن الرحيم سبحان مالك الملك يفعل في ملكه ما يريد سبحان الحكم العدل الفاعل المختار ذي البطش الشديد هذه صورة تمليك الله سبحانه وتعالى جمهور الفرنساوية لبندر يافا من الاقطار الشامية نعرف أهل مصر واقاليمها من سائر البرية ان العساكر الفرنساوية انتقلوا من غزة ثالث عشرين رمضان ووصلوا الى الرملة في الخامس والعشرين منه في أمن واطمئنان فشاهدوا عسكر احمد باشا الجزار هاربين بسرعة قائلين الفرار الفرار ثم ان الفرنساوية وجدوا في الرملة ومدينة لد مقدار كبير من مخازن البقسماط والشعير ورأوا فيها ألفا وخمسمائة قربة مجهزة جهزها الجزار يسير بها الى اقليم مصر مسكن الفقراء والمساكين ومراده ان يتوجه اليها باشرار العربان من سطح الجبل ولكن تقادير الله تفسد المكر والحيل قاصدا سفك دماء الناس مثل عوائده الشامية وتجبره وظلمه مشهور لانه تربية المماليك الظلمة المصرية ولم يعلم من خسافة عقله وسوء تدبيره ان الامر لله كل شيء (2/259)
بقضائه وتدبيره وفي سادس عشرين شهر رمضان وصلت مقدمات الفرنساوية الى بندر يافا من الاراضي الشامية واحاطوا بها وحاصروها من الجهة الشرقية والغربية وأرسلوا الى حاكمها وتحيل الجزار أن يسلمهم القلعة قبل أن يحل به ويعسكره الدمار فمن خسافة رأيه وسوء تدبيره سعى في هلاكه وتدميره ولم يرد لهم جواب وخالف قانون الحرب والصواب
وفي أواخر ذلك اليوم السادس والعشرين تكاملت العساكر الفرنساوية على محاصرة يافا وصاروا كلهم مجتمعين وانقسموا على ثلاثة طوابير الطابور الاول توجه على طريق عكا بعيدا عن يافا ربع ساعات وفي السابع والعشرين من الشهر المذكور أمر حضرة ساري عسكر الكبير بحفر خنادق حول السور لاجل ان يعملوا متاريس أمينة وحصارات متقنة حصينه لانه وجد سور يافا ملآنا بالمدافع الكثيرة ومشحونة بعسكر الجزار الغزيرة
وفي تاسع عشرين الشهر لما قرب حفر الخندق الى السور مقدار مائة وخمسين خطوة امر حضرة سارى عسكر المشار اليه ان ينصب المدافع على المتاريس وان يضعوا اهوان القنبر باحكام وتأسيس وامر بنصب مدافع اخر بجانب البحر لمنع الخارجين اليهم من مراكب المينا لانه وجد في المينا بعض مراكب اعدها عسكر الجزار للهروب ولا ينفع الهروب من القدر المكتوب ولما رأت عساكر الجزار الكائنون بالقلعة المحاصرون ان عسكر الفرنساوية قلائل في رأى العين للناظرين لمداراة الفرنساوية في الخنادق وخلف المتاريس غرهم الطمع فخرجوا لهم من القلعة مسرعين مهرولين وظنوا انهم يغلبون الفرنساوية فهجم عليهم الفرنسيس وقتلوا منهم جملة كثيرة في تلك الواقعة والجؤهم للدخول ثانيا في القلعة
وفي يوم الخميس غاية شهر رمضان حصل عند سارى عسكر شفقة قلبية وخاف على اهل يافا من عسكره اذا دخلوا بالقهر والاكراه فأرسل اليهم مكتوبا من رسول مضمونه لا اله الا الله وحده لا شريك له (2/260)
بسم الله الرحمن الرحيم من حضرة ساري عسكر اسكندر برتية كتخدا العسكر الفرنساوي الىحضرة حاكم يافا نخبركم ان حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته امرنا ان نعرفك في هذا الكتاب أن سبب حضوره الى هذا الطرف اخراج عسكر الجزار فقط من هذه البلدة لانه تعدى بارسال عسكره الى العريش ومرابطته فيها والحال انها من اقليم مصر التي أنعم الله بها علينا فلا يناسبه الاقامة بالعريش لانها ليس من أرضه فقد تعدى على ملك غيره ونعرفكم يا أهل يافا ان بندركم حاصرناه من جميع اطرافه وجهاته وربطناه بأنواع الحرب وآلات المدافع الكثيرة والجلل والقنابر وفي مقدرا ساعتين ينقلب سوركم وتبطل آلاتكم وحروبكم ونخبكرم أن حضرة ساري عسكر المشار اليه لمزيد رحمته وشفقته خصوصا بالضعفاء من الرعية خاف عليكم من سطوة عسكره المحاربين اذا دخلوا عليكم بالقهر اهلكوكم اجمعين فلزمنا أننا نرسل لكم هذا الخطاب أمانا كافيا لأهل البلد والاغراب ولاجل ذلك اخر ضرب المدافع والقنابر الصاعدة عنكم ساعة فلكية واحدة واني لكم لمن الناصحين وهذا آخر جواب الكتاب فجعلوا جوابنا حبس الرسول مخالفين للقوانين الحربية والشريعة المطهرة المحمدية وحالا في الوقت والساعة هيج سارى عسكر واشتد غضبه على الجماعة وأمر بابتداء ضرب المدافع والقنابر الموجب للتدمير وبعد مضي زمان يسير تعطلت مدافع يافا المقابلة لمدافع المتاريس وانقلب عسكر الجزار في وبال وتنكيس وفي وقت الظهر من هذا اليوم انخرق سور يافا وارتج له القوم ونقب من الجهة التي ضرب فيها المدافع من شدة النار ولا راد لقضاء الله ولا مدافع وفي الحال أمر حضرة ساري عسكر بالهجوم عليهم وفي أقل من ساعة ملكت الفرنساوية جميع البندر والابراج ودار السيف في المحاربين واشتد بحر الحرب وهاج وحصل النهب فيها تلك الليلة
وفي يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل من حضر ساري عسكر الكبير ورق قلبه على أهل مصر من غني وفقير الذين كانوا في يافا وأعطاهم (2/261)
الامان وأمرهم برجوعهم الى بلدهم مكرمين وكذلك امر اهل دمشق وحلب برجوعهم الى أوطانهم سالمين لاجل أن يعرفوا مقدار شفقته ومزيد رأفته ورحمته يعفو عند المقدرة ويصفح وقت المعذرة مع تمكينه ومزيد اتقانه وتحصينه في هذه الواقعة قتل اكثر من اربعة الاف من عسكر الجزار بالسيف والبندق لما وقع منهم من الانحراف وأما الفرنساوية فلم يقتل منهم الا القليل والمجروحون منهم ليسوا بكثير وسبب ذلك سلوكهم الى القلعة من طريق امينة خافية عن العيون وأخذوا ذخائر كثيرة وأموالا غزيرة واخذوا المراكب التي في المينة واكتسبوا امتعة غالية ثمينة ووجدوا في القلعة اكثر من ثمانين مدفع ولم يعلموا مع مقادير الله ان آلات الحرب لا تنفع فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء الله ولا تعترضوا على احكام الله وعليكم بتقوى الله واعلمو ان المك لله يؤتيه من يشاء والسلام عليكم ورحمة الله
فلما تحقق الناس هذا الخبر تعجبوا وكانوا يظنون بل يتيقنون استحالة ذلك خصوصا في المدة القليلة ولكن المقضي كائن
وفي يوم الجمعة خامس عشرة شق جماعة من اتباع الشرطة في الاسواق والحمامات والقهاوي ونبهوا على الناس بترك الفضول والكلام واللغط في حق الفرنسيس ويقولون لهم من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فلينته ويترك الكلام في ذلك فان ذلك مما يهيج العداوة وعرفوهم انه ان بلغ الحاكم من المتجسسين عن أحد تكلم في ذلك عوقب أو قتل فلم ينتهوا وربما قبض على البعض وعاقبوه بالضرب والتغريم
وفي ذلك اليوم كان التحويل الربيعي وانتقال الشمس لبرج الحمل وهو اول شهر من شهورهم فعملوا ليلة السبت شنكا وحراقة وسواريخ وتجمعوا بدار الخلاعة نساء ورجالا وتراقصوا وتسابقوا وأوقدوا سراجا وشموعا وغير ذلك وأظهر الاقباط والشوام مزيد الفرح والسرور
وفي يوم السبت المذكور ارسلوا الاعلام والبيارق التي أحضروها من قلعة يافا وعدتها ثلاثة عشر وفيها من له طلائع فضة كبار الى الجامع (2/262)
الازهر وكانوا انزلوا اعلام قلعة العريش قبل ذلك بيوم من أعلى المنارات وأرسلوا بدلها اعلام يافا وعملوا لها موكبا بطائفة من العسكر بقدمهم طبلهم وخلفهم الاغا بجماعته وطائفته والمحتسب ومدبروا الديوان وخلفهم طبل آخر يضربون عليه بأزعاج شديد وخلف ذلك الطبل جماعة من العسكر يحملون البنادق على اكتافهم كالطائفة الاولى وبعدهم عدة من العسكر على رؤوسهم عمائم بيض يحملون تلك الاعلام الكبار والبيارق المذكورة وخلفهم جماعة خيالة من كبار العسكر وآخرون راكبون على حمير المكارية فلما وصلوا الى باب الجامع الازهر رتبوا تلك الاعلام وضعوها على أعلى الباب الكبير فوق المكتب منشورة وبعضها على الباب الاخر من الجهة الاخرى عند حارة كتامة المعروفة الان بالعينية ولم يصعدوا منها عل المنارات كما صنعوا في اعلام العريش
وفي يوم الاحد سابع عشره رتبوا أوامر وكتبوها في أوراق مبصومة والصقوها بالاسواق أحداها بسبب مرض الطاعون واخرى بسبب الضيوف الاغراب ومضمون الاولى بتقاسيمه ومقالاته خطابا لاهل مصر وبلاق ومصر القديمة ونواحيها انكم تمتثلون هذه الاوامر وتحافظون عليها ولا تخالفوها وكل من خالفها وقع له مزيد من الانتقام والعقاب الاليم والقصاص العظيم وهي المحافظة من تشويش الكبة وكل من تيقنتم أو ظننتم او توهمتم او شككتم فيه ذلك في محل من المحلات أو بيت أو وكالة أو ربع يلزمهم ويتحتم عليكم ان تعملوا كرنتيلة ويجب قفل ذلك المكان ويلزم شيخ الحارة او السوق الذي فيه ذلك ان يخبر حالا قلق الفرنساوية حاكم ذلك الخط القلق يخبر شيخ البلد قائمقام مصر وأقاليمها ويكون ذلك فورا وكذلك كل ملة من سكان مصر وأقاليمها وجوانبها والاطباء اذا تحققوا وعلموا حصول ذلك المرض يتوجه كل طبيب الى قائمقام ويخبره ليأمر بما هو مناسب للصيانة والحفظ من التشويش وكل من كان عنده خبر من كبار الاخطاط او مشايخ الحارات وقلقات الجهات ولم يخبر بهذا المرض يعاقب بما يراه قائمقام ويجازى (2/263)
مشايخ الحارات بمائة كرباج جزاء للتقصير وملزوم ايضا من اصابه هذا التشويش او حصل في بيته لغيره من عائلته او عشيرته وانتقل من بيته الى آخر ان يكون قصاصة الموت وهو الجاني على نفسه بسبب انتقاله وكل رئيس ملة في خط اذا لم يخبر بالكبة الواقعة في خطه او بمن مات بها ايضا حالا فوريا كان عقاب ذلك الرئيس وقصاصة الموت والمغسل ان كان رجلا او امرأة اذا رأى الميت انه مات بالكبة اوشك في موته ولم يخبر قبل مضي اربع وعشرين ساعة كان جزاؤه وقصاصةالموت وهذه الاوامر الضرورية بلزوم اغات الينكجرية وحكام البلد الفرنساوية والاسلامية تنبيه الرعية واستيقاظهم لها فانها امور مخفية وكل من خالف حصل له مزيد من الانتقام من قائمقام وعلى القلقات البحث والتفتيش عن هذه العلة الردية لاجل الصيانة والحفظ لاهل البلد والحذر من المخالفة والسلام
ومضمون الثانية الخطاب السابق من سارى عسكر دوجا الوكيل وحاكم البلد دسني قائمقام يلزم المدبرين بالديوان انهم يشهرون الاوامر وينتبهوا لها وكل من خالف يحصل له مزيد الانتقام وهو انه يتحتم ويلزم صاحب كل خمارة او وكالة او بيت الذي يدخل في محله ضيف او مسافر أو قادم من بلدة او اقليم ان يعرف عنه حالا حاكم البلد ولا يتأخر عن الاخبار الا مدة اربعة وعشرين ساعة يعرفه عن مكانه الذي قدم منه وعن سبب قدومه وعن مدة سفره ومن أي طائفة او ضيفا او تاجرا أو زائرا أو غريما مخاصما لا بد لصاحب المكان من ايضاح البيان والحذر ثم الحذر من التلبيس والخيانة واذا لم يقع تعريف عن كامل ما ذكر في شأن القادم بعد الاربعة وعشرين ساعة باظهار اسمه وبلده وسبب قدومه يكون صاحب المكان متعديا ومذنبا وموالسا مع المماليك
ونخبركم معاشر الرعايا وأرباب الخمامير والوكائل ان تكونوا ملزومين بغرامة عشرين ريالا فرانسة في المرة الاولى وأما في المرة الثانية فان الغرامة تضاعف ثلاث مرات ونخبركم ان الامر بهذه الاحكام مشترك (2/264)
بينكم وبين الفرنسيس الفاتحين للخمامير والبيوت والوكائل والسلام
وفيه اجتمعوا الديوان وتفاوضوا في شأن مصطفى بك كتخدا الباشا المولى امير الحاج وهو انه لما ارتحل مع سارى عسكر وصحبته القاضي والمشايخ الذين عينوا للسفر والوجاقلية والتجار وافترق منهم عند بلبيس وتقدم هو الى الصالحية ثم انهم انتقلوا الى العرين فحضر جماعة من العساكر المسافرين فاحتاجوا الى الجمال فأخذوا جمالهم فلما واصل سارى عسكر الى وطنه أرسل يستدعيهم الى الحضور فلم يجدوا ما يحملون عليه متاعهم وبلغهم أن الطريق مخيفة من العرب فلم يمكنهم اللحاق به فأقاموا بالعرين بالعين المهملة عدة أيام وأهمل أمرهم سارى عسكر ثم ان الشيخ الصاوي والعريشي والدواخلي وآخرين خافوا عاقبة الامر ففارقوهم وذهبوا الى القرين بالقاف وحصل للدواخلي توعك وتشويش فحضر الى مصر كما تقدم ذكر ذلك وانتقل مصطفى بك المذكور والقاضي وصحبتهم الشيخ الفيومي وآخرون من التجار والوجاقلية الى كفور نجم وأقاموا هناك أياما واتفق ان الصاوي أرسل الى داره مكتوبا وذكر في ضمنه ان سبب افتراقهم من الجماعة انهم رأوا من كتخدا الباشا امور غير لائقة فلماحضر ذلك المكتوب طلبه الفرنساوية المقيمين في مصر وقرأوه وبحثوا عن الامور اللائقة فأولها بعض المشايخ انه قصر في حقهم والاعتناء بشأنهم فسكتوا وأخذوا في التفحص فظهر لهم خيانته ومخامرته عليهم واجتمع عليه الجبالي وبعض العرب العصاة واكرمهم وخلع عليهم وانتقل بصحبتهم الى منية غمر ودقدوس وبلاد الوقف وجعل يقبض منهم الاموال وحين كانوا علىالبحر مر بهم مراكب تحمل الميرة والدقيق الى الفرنسيس بدمياط فقاطعوا عليهم وأخذوا منهم ما معهم قهرا وأحضروا المراكبية بالديوان فحكوا على ما وقع لهم معه فأثبتوا خيانة مصطفى بك المذكور وعصيانه وأرسلوا هجانا باعلام سارى عسكرهم بذلك فرجع اليهم بالجواب يأمرهم فيه بان يرسلو له عسكرا ويرسلوا الى داره جماعة ويقبضون عليه ويختمون على داره ويحبسون جماعته
وفي يوم الاحد رابع عشرينه عينوا عليه عسكرا وأرسلوا الى داره (2/265)
جماعة ومعهم وكلاء فقبضوا على كتخدائه الذي كان ناظرا على الكسوة وعلى ابن اخيه ومن معهم وأودعوهم السجن بالجيزة وضبطوا موجوداته وما تركه مخدومه بكر باشا بقائمة واودعوا ذلك بمكان بالقلعة فوجدوا غالب امتعة الباشا وبرقة وملابسه وعبى الخيل والسروج وغيرها شيئا كثيرا وجدوا بعض خيول وجمال اخذوها ايضا فانقبض خواطر الناس لذلك فانهم كانوا مستأنسين بوجوده ووجود القاضي ويتوسلون بشفاعتهما عند الفرنسيس وكلمتهما عندهم مقبولة وأوامرهما مسموعة ثم انهم ارسلوا أمانا للمشايخ الوجاقلية والتجار بالحضور الى مصر مكرمين ولا بأس عليهم
وفيه ورد الخبر بان السيد عمر افندي نقيب الاشراف حضر الى دمياط وصحبته جماعة من افندية الروزنامة الفارين مثل عثمان افندي العباسي وحسن افندي كاتب اشهر ومحمد افندي ثاني قلفة وباش جاجرت والشيخ قاسم المصلي وغيرهم وذلك انهم كانوا بقلعة يافا فلما حاصرها الفرنساوية وملكوا القلعة والبلد لم يتعرضوا للمصريين وطلبهم اليه وعاتبهم على نقلهم وخروجهم من مصر وألبسهم ملابس وأنزلهم في مركب وأرسلهم الى دمياط من البحر
وفي يوم الاثنين نادوا في الاسواق على المماليك والغز والاجناد الاغراب بأنهم يحضرون الى بيت الوكيل ويأخذون لهم ارواقا بعد معرفتهم والتضمين على أنفسهم ومن وجد من غير وثيقة في يده بعد ذلك يستاهل الذي يجري عليه وسبب ذلك اشاعة دخول الكثير منهم الى مصر خفية بصفة الفلاحين
وفي يوم الثلاثاء نادوا في الاسواق والشوارع بأن من اراد الحج فليحج في البحر من السويس صحبة الكسوة والصرة وذلك بعد ان عملوا مشورة في ذلك
وفيه حضر امام كتخدا الباشا ومعه مكتوب فيه الثناء على الفرنساوية وشكر صنيعهم واعتنائهم بعملهم موكب الكسوة والدعاء لهم وانه مستمر (2/266)
علىمودته ومحبته معهم ويطلب منهم الاجازة بالحضور الى مصر ليسافر بصحبة الكسوة والحجاج فان الوقت ضاق ودخل أوان السفر للحج وفي آخر المكتوب وان بلغكم من المنافقين عنا شيء فهو كذب ونميمة فلا تصدقوه فقرىء كتابه بالديوان فلما فهمه الفرنسيس كذبوه ولم يصغوا اليه وقالوا ان خيانته ثبتت عندنا فلا ينفعه هذا الاعتذار ثم كتبوا له جوابا وارسلوه صحبة امامه مضمونه ان كان صادقا في مقالته فليذهب الى جهة سارى عسكر بالشام وامهلوه ست ساعات بعد وصول الجواب اليه وان تأخر زيادة عليها كان كاذبا في مقالته وأمروا العسكر بمحاربته والقبض عليه
وفيه كتبوا اوراقا ونادوا بها في الشوارع وهي يا أهل مصر نخبركم ان امير الحاج رفعوه عن سفره بالحاج بسبب ما حصل منه وان اهل مصر علماء ووجاقات ورعايا لم يخالطوه في هذا الامر ولم ينسب لهم شيء فالحمد لله الذي برأ اهل مصر من هذه الفتنة وهم حاضرون سالمون غانمون ما عليهم سوء ومن كان مراده الحج يؤهل نفسه ويسافر صحبة الصرة والكسوة في البحر والمراكب حاضرة والمعينون المحافظون من اهل مصر صحبة الحاج حاضرون يكون في علمكم ان تكونوا مطمئنين واتركوا كلام الحشاشين
وفي يوم السبت غايته حضر المشايخ والوجاقات والتجار ما خلا القاضي فانه لم يحضر وتخلف مع مصطفى كتخدا وانقضى هذا الشهر وما تجدد به من الحوادث التي منها ان الفرنساوية عملوا جسرا من مراكب مصطفة وعليها اخشاب مسمرة من بر مصر بالقرب العيني الى الروضة الى الجيزة
ومنها ان توت الفلكي رسم في فسحة دارهم العليا ببيت حسن كاشف جركس خطوط البسيطة لمعرفة فضل الدائر لنصف النهار على البلاط (2/267)
المفروش بطول الفسحة ووضع لها بدل الشاخص دائرة مثقوبة بثقب عديدة في اعلى الرفوف مقابلة لعرض الشمس ينزل الشعاع من تلك الثقب ويمر على الخطوط المرسومة المقسومة ويعرف منه الباقي للزوال ومدارات البروج شهرا شهرا وعلى كل برج صورته ليعلم منه درجة الشمس ورسم ايضا مزولة بالحائط الاعلى على حوش المكان الاسفل المشترك بين الدارين بشاخص على طريق وضع المنحرفات والمزاول ولكن لساعات قبل الزوال وبعده خلاف الطريق المعروفة عندنا بوقت العصر وفضل دائر الغروب وقوس الشفق والفجر وسمت القبلة وتقسيم الدرج وامثال ذلك لاجل تحقيق اوقات العبادة وهم لا يحتاجون الى ذلك فلم يعانوه ورسم ايضا بسيطة على مربعة من نحاس أصفر منزلة بخطوط عديدة في قاعدة عامود قصير طوله اقل من قامة قايم بوسط الجنينه وشاخصها مثلث من حديد يمر ظل طرفه على الخطوط المتقاطعة وهي متقنة الرسم والصناعة وحولها معاريفها واسم واضعها بالخط الثلث العربي المجود حفرا في النحاس وفيها تنازيل الفضة على طريق اوضاع العجم وغير ذلك
ومنها انهم لما سخطوا على كتخدا الباشا وقبضوا على اتباعه وسجنوهم وفيهم كتخداه الذي كان ناظرا على الكسوة فقيدوا في النظر على مباشرة اتمامها صاحبنا السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب احد العدول بالمحكمة فنقلها لبيت أيوب جاويش بجوار مشهد السيدة زينب وتمموها هناك واظهروا ايضا الاهتمام بتحصيل مال الصرة وشرعوا في تحرير دفتر الارسالية خاصة
واستهل شهر القعدة بيوم الاحد سنة
في سادسه يوم الجمعة حضرت هجانة من الفرنسيس ومعهم مكاتبة مضمونها انهم اخذوا حيفا وبعدها ركبوا على عكا وضربوا عليها وهدموا جانبا من سورها وانهم بعد اربعة وعشرين ساعة يملكونها وانهم استعجلوا في ارسال هذه الهجانة لطول المدة والانتظار لئلا يحصل (2/268)
لاصحابهم القلق فكونوا مطمئنين وبعد سبعة ايام نحضر عندكم السلام
وفيه حضرت مغاربة حجاج الى بر الجيزة فتحدث الناس وكثر لغطهم وتقولوا بانهم عشرون ألفا حضروا لينقذوا مصر من الفرنسيس فأرسل الفرنسيس للكشف عليهم فوجدوهم طائفة من خلايا وقرى فاس مثل الفلاحين فآذنوا لهم في تعدية بعض أنفار منهم لقضاء أشغالهم فحضر شخص منهم الى الفرنسيس ووشى اليهم انهم قدموا لمحاربتهم والجهاد فيهم وانهم اشتروا خيلا وسلاحا وقصدهم اثارة فتنة فأرسل الفرنسيس اليهم جماعة ينظرون في أمرهم فذهبوا اليهم وتكلموا معهم ومع كبيرهم وعن الذي نقل عنهم فقالوا انما جئنا بقصد الحج لا لغيره ثم رجعوا وصحبتهم كبير المغاربة فعملوا الديوان في صبحها وأحضروه وكذلك أحضروا الرجل الذي وشى عليهم فتكلموا مع كبير المغاربة وسألوه وناقشوه فقال انا لم نأت الا بقصد الحج فقيل له ولاي شيء تشترون الاسلحة والخيول فقال نعم لازم لنا ذلك ضرورة فقيل له انه نقل عنكم انكم تريدون محاربة الفرنساوية وتقولون الجهاد افضل من الحج فقال هذا كلام لا أصل له فقيل له ان الناقل لذلك رجل منكم فقال ان هذا رجل حرامي أمسكناه بالسرقة وضربناه فحمله الحقد على ذلك وان هذه البلاد ليست لنا ولا لسلطاننا حتى نقاتل عليها ولا يصح ان نقاتلكم بهذه الشرذمة القليلة وليس معنا الا نصف قنطار وبارود ثم اتفقوا معه على أن يجمعوا سلاحهم ويقيم كبيرهم عندهم رهينة حتى يعدي جماعته ويسافروا ويلحقهم بعد يومين بالسلاح فأجابهم الى ذلك فشكروه وأهدوا له هدية فلما كان يوم السبت خرجت عدة من العسكر الى بولاق ومعهم مدفعان ليقفوا للمغاربة حتى يعدوا البحر ويمشوا معهم الى العادلية فلما رأى الناس خروج العسكر والمدافع فزعوا في المدينة وبولاق ورمحوا كعادتهم في كرشاتهم وصياحهم وأشاعوا ان الفرنسيس خرجت لقتال المغاربة وأغلقوا غالب الاسواق والدكاكين وأمثال ذلك من تخيلاتهم فلم يعد المغاربة ذلك اليوم وعدوا في ثاني يوم ومشى معهم عسكر الفرنسيس (2/269)
الى العادلية وهم يضربون الطبول وامامهم مدفع وخلفهم مدفع مع جملة من العساكر
وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر عدة من عسكر الفرنسيس الى عرب الجزيرة فان مصطفى بك كتخدا الباشا ذهب اليهم والتجأ لهم فعينوا عليهم تلك العساكر
وفي يوم الاربعاء فرجوا عن جماعة من القليونجية وغيرهم الذين كانوا محبوسين بالقلعة وفيهم المعلم نقولا النصراني الارمني الذي كان رئيس مركب مراد بك الحربية التي أنشأها بالجيزة وأسكنوه ببيت حسن كتخدا بباب الشعرية
وفيه حضر بن شديد شيخ عرب الحويطات بأمان وكان عاصيا فأعطوه الامان وخلعوا عليه وسفروا معه قافلة دقيق وبقسماط العسكر بالشام
وفي يوم السبت حادي عشرينه حضر مجلون من الناحية القبلية وصحبته اموال البلاد والغنائم من بهائم وخلافها
وفيه عملوا كرنتيلة عند العادلية لمن يأتي من بر الشام من العسكر الى ناحية شرق اطفيح بسبب محمد بيك الالفي
وفيه حضر الذين كانوا ذهبوا الى عرب الجزيرة فضربوهم ونالوا منهم بعض النيل وأما مصطفى بك فلم تعلم عنه حقيقة حال قيل انه ذهب الى الشام
وفي خامس عشرينه وصلت مراسلة من المذكور خطابا للمشايخ مضمونها انهم يعرفون أكابر الفرنسيس انه متوجه الى ساري عسكرهم بالشام ويرجون الافراج عن قريبه وكتخدائه ويتحفظون على الامتعة التي أخذوها فانها من متعلقات الدولة فلما أطلعوهم على تلك المكاتبة قالوا لا يمكن الافراج عن المذكورين حتى تتحقق انه ذهب الى سارى عسكر ويأتينا منه خطاب في شأنه فانه من الجائز انه يكذب في قوله
وفيه ثبت ان محمد بك الالفي مر من خلف الجبل وذهب الى عرب الجزيرة ومعه من جماعته نحو المائة وقيل أكثر والتف عليه الكثير من (2/270)
الغز والماليك المشردين بتلك النواحي وقدم له العربان التقادم والكف فارسل له الفرنسيس عدة من العسكر
وفي سابع عشرينه لخص الفرنساوية طومارا قرىء بالديوان وطبع منه عدة نسخ وألصقت بالاسواق على العادة وكان الناس أكثروا من اللغط بسبب انقطاع الاخبار عن الفرنسيس المحاصرين لعكا والروايات عمن بالصعيد والكيلاني والاشراف الذين معه وغير ذلك
وصورتها من محفل الديوان الكبير بمصر بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان الا على الظالمين نخبر أهل مصر أجمعين أنه حضر جواب من عكا من حضرة ساري عسكر الكبير خطابا منه الى حضرة ساري عسكر الوكيل بثغر دمياط تاريخه تاسع القعدة سنة تاريخه يخبر فيه اننا أرسلنا لكم نقيرتين لدمياط الاولى ارسلناها في خمسة وعشرين شوالا والثانية في ثمانية وعشرين منه أخبرناكم فيهما عن مطلوبنا ارسال جانب جليل وذخائر الى عساكرنا المحافظين في غزة ويافا لاجل زيادة المحافظة والصيانة واما من قبل العرضي فان الجلل عندنا كثيرة والذخائر والمآكل والمشارب والخيرات غزيرة حتى انها زادت عندنا الجلل بكثرة جمعناها مما رمته الاعداء فكأن اعداءنا أعانونا وتخبركم اننا عملنا لغما مقدار عمقه ثلاثون قدما وسرنا به حتى قربناه الى السور الجواني بمسافة نحو ثمانية عشر قدما وقد قربت عساكرنا من الجهة التي تحارب فيها حتى صار بينهم وبين السور ثمانية واربعون قدما بمشيئة الله تعالى عند وصول كتابنا اليكم وقبل اتمام قراءته عليكم نكون ظافرين بملك قلعة عكا اجمعين فاننا تهيأنا الى دخولها يأتيكم خبر ذلك بعد هذا الكتاب واما بقية اقليم الشام وما يلي عكا من البلاد فانهم لنا طائعون وبالاعتناء ومزيد المحبة راغبون يأتوننا بكل خير عظيم ويحضرون لنا افواجا بالهدايا الكثيرة والحب الجسيم من القلب السليم وهذا من فضل الله علينا ومن شدة بغضهم الجزار باشا ونخبركم ايضا ان الجنرال يونوت انتصر على أربعة الاف مقاتل حضروا من الشام خيالة ومشاة (2/271)
فقابلتهم بثلثمائة عسكري مشاة من عسكرنا فكسروا التجريدة المذكورة واوقع منهم نحو ستمائة نفس ما بين مقتول ومجروح وأخذ منهم خمسة بيارق وهذا أمر عجيب لم يقع نظيره في الحروب ان ثلثمائة نفس تهزم نحو اربعة آلاف نفس فعلمنا ان النصرة من عند الله لا بالقلة ولا بالكثرة هذا اخر كتاب سارى عسكر الكبير الى وكيله بدمياط وارسل الينا بالديوان حضرة الوكيل سارع عسكر دوجا الوكيل بمصر المحروسة يخبرنا بصورة هذا المكتوب ويأمرنا اننا نلزم الرعايا من اهل مصر والارياف ان يلزموا الادب والانصاف ويتركوا الكذب والخراف فان كلام الحشاشين يوقع الضرر للناس المعتبرين فان حضرة سارى عسكر دوجا الوكيل بلغة ان اهل مصر واهل الارياف يتكلمون بكلام لا أصل له من قبل الاشراف والحال ان الاشراف الذين يذكرونهم ويكذبون عليهم جاءت اخبارهم من حضرة سارى عسكر الصعيد يخبر الوكيل دوجا بان الاشراف المذكورين الذين صحبة الكيلاني قد مزقوا كل ممزق وانهزموا وتفرقوا فلم يكن الان في بلاد الصعيد شيء يخالف المراد وسلم من الفتن والعناد فأنتم يا أهل مصر ويا أهل الارياف اتركوا الامور التي توقعكم في الهلاك والتلاف وامسكوا ادبكم قبل ان يحل بكم الدمار ويلحقكم الندم والعار والاولى للعاقل اشتغاله بأمر دينه ودنياه وان يترك الكذب وان يسلم لاحكام الله وقضاه فان العاقل يقرأ العواقب وعلى نفسه يحاسب هذا شأن اهل الكمال يتركون القيل والقال ويشتغلون باصلاح الاحوال ويرجعون الى الكبير المتعال والسلام
وفي هذا الشهر كتبوا اوراقا بأوامر ونصها من محفل الديوان العمومي الى جميع سكان مصر وبولاق ومصر القديمة اننا قد تأملنا وميزنا ان الواسطة الاقرب والايمن لتلطيف او لمنع الخطر الضروري وهو تشويش الطاعون عدم المخالطة مع النساء المشهورات لانهن الواسطة الاولى للتشويش المذكور فلاجل ذلك حتمنا ورتبنا ومنعنا الى مدة ثلاثين يوما من تاريخه اعلاه لجميع الناس ان كان فرنساويا او مسلما او روميا (2/272)
او نصرانيا او يهوديا من أي ملة كان كل من ادخل الى مصر او بولاق او مصر القديمة النساء المشهورات ان كان في بيوت العسكر او كل من كان داخل المدينة فيكون قصاصه بالموت كذلك من قبل النساء والبنات المشهورات بالعسكر ان دخلن من انفسهن ايضا يقاصصن بالموت
ومن حوادث هذا الشهر انه حضر الى القلزم مركبان انكليزيان وقيل أربعة ووقفوا قبالة السويس وضربوا مدافع ففر أناس من سكان السويس الى مصر واخبروا بذلك وانهم صادفوا بعض داوات تحمل البن التجارة فحجزوها ومنعوها من الدخول الى السويس
ومنها ان طائفة من عرب البحيرة يقال لهم عرب الغز جاءوا وضربوا دمنهور وقتلوا عدة من الفرنسيس وعاثوا في نواحي تلك البلاد حتى وصلوا الى الرحمانية ورشيد وهم يقتلون من يجدونه من الفرنسيس وغيرهم وينهبون البلاد والزروعات
ومنها ان الكيلاني المذكور آنفا توفي رحمه الله تعالى وتفرقت طائفته في البلاد حتى انه حضر منهم جملة الى مصر وكان أكثر من يخامر عليهم اهل بلاد الصعيد فيوهمونهم معاونتهم وعند الحروب يتخلون عنهم وبعض البلاد يضيفون ويسلط عليهم الفرنسيس فيقبضون عليهم
ومنها انه حضر الى مصر الاكثر من عسكر الفرنسيس الذين كانوا بالجهة القبلية وضربوا في حال رجوعهم بني عدي بلدة من بلاد الصعيد مشهورة وكان اهلها ممتنعين عليهم في دفع المال والكلف ويرون في انفسهم الكثرة والقوة والمنعة فخرجوا عليهم وقاتلوهم فملك عليهم الفرنسيس تلا عاليا وضربوا عليهم بالمدافع فأتلفوهم واحرقوا جرونهم ثم كبسوا عليهم وأسرفوا في قتلهم ونهبهم وأخذوا شيئا كثيرا وأموالا عظيمة وودائع جسيمة للغز وغيرهم من مساتير اهل البلاد القبلية لظن منعتهم وكذلك فعلوا بالميمون
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء سنة
في ثانيه خرج نحو الالف من عسكر الفرنسيس للمحافظة على البلاد (2/273)
الشرقية لتجمع العرب والمماليك على الالفي وكذلك تجمع الكثير من الفرنسيس وذهبوا الى جهة دمنهور وفعلوا بها ما فعلوا في بني عدي من القتل والنهب لكونهم عصوا عليهم بسبب انه ورد عليهم رجل مغربي يدعى المهدوية ويدعو الناس ويحرضهم على الجهاد وصحبته نحو الثمانين نفرا فكان يكاتب اهل البلاد ويدعوهم الى الجهاد فاجتمع عليه اهل البحيرة وغيرهم وحضورا الى دمنهور وقاتلوا من بها من الفرنساوية واستمر اياما كثيرة تجتمع عليه اهل تلك النواحي وتفترق والمغربي المذكور تارة يغرب وتارة يشرق
وفيه اشيع ان الالفي حضر الى بلاد الشرقية وقاتل من بها من الفرنسيس ثم ارتحل الى الجزيرة
وفي سابعه حضر جماعة من فرنسيس الشام الى الكرنتيلة بالعادلية وفيهم مجاريح واخبر عنهم بعضهم ان الحرب لم تزل قائمة بينهم وبين أحمد باشا بعكا وان مهندس حروبهم المعروف بأبي خشبة عند العامة واسمه كفرللي مات وحزنوا لموته لانه كان من دهاتهم وشياطينهم وكان له معرفة بتدبير الحروب ومكايد القتال واقدام عند المصاف مع ما ينضم لذلك من معرفة الابنية وكيفية وضعها وكيفية اخذ القلاع ومحاصرتها
وفي يوم الاربعاء كان عبد النحر وكان حقه يوم الخميس وعند الغروب من تل الليلة ضربوا مدافع من القلعة اعلاما بالعيد وكذلك عند الشروق ولم يقع في ذلك العيد اضحية على العادة لعدم المواشي لكونها محجوزة في الكرنتيلة والناس في شغل عن ذلك
ومن الحوادث في ذلك اليوم ان رجلا روميا من باعة الرقيق عنده غلام مملوك ساكن في طبقة بوكالة ذي الفقار بالجمالية خرج لصلاة العيد ورجع الى طبقته فوجد ذلك الغلام متقلدا بسلاح ومتزيبا بمثل ملابس القليونجية فقال له من أين لك هذا اللباس فقال من عند جارنا فلان العسكري فأمره بنزع ذلك فلم يستمع له ولم ينزعها فشتمه ولطمه على وجهه فخرج من الطبقة وحدثته نفسه بقتل سيده ورجع يريد ذلك (2/274)
فوجد عند سيده ضيفا فلم يتجاسر عليه لحضور ذلك الضيف فوقف خارج الباب ورآه سيده فعرف من عينه الغدر فلما قام ذلك الضيف قام معه وخرج واغلق الباب على الغلام فصعد الغلام على السطح وتسلق الى سطح آخر ثم تدلى بحبل الى اسفل الخان وخرج الى السوق وسيفه مسلول بيده ويقول الجهاد يا مسلمين اذبحوا الفرنسيس ونحو ذلك من الكلام ومر الى جهة الغورية فصادف ثلاثة اشخاص من الفرنسيس فقتل منهم شخصا وهرب الاثنان ورجع على اثره والناس يعدون خلفه من بعد الى ان وصل الى درب بالجمالية غير نافذ فدخله وعبر الى دار وجدها مفتوحة وربها واقف على بابها والفرنسيس تجمع منهم طائفة وظنوا ظنونا أخر وبادروا الى القلاع وحضرت منهم طائفة من القلق يسألون عن ذلك الممولك وهاجت العامة ورمحت الصغار وأغلق بعض الناس حوانيتهم ثم لم تزل الفرنسيس تسأل عن ذلك المملوك والناس يقولون لهم ذهب من هنا حتى وصلوا الى ذلك الدرب فدخلوه فلما أحس بهم نزع ثيابه وتدلى ببئر في تلك الدار فدخلوا الدار وأخرجوه من البئر واخذوه وسكنت الفتنة فسألوه عن أمره وما السبب في فعله ذلك فقال انه يوم الاضحية فاحببت ان أضحي على الفرنسيس وسألوه عن السلاح فقال انه سلاحي فحبسوه لينظروا في أمره وطلبوا سيده فوجدوه عند الشيخ المهدي وأخذوا بعض جماعة من اهل الخان ثم أطلقوهم بدون ضرر وأخذوا سيده من عند المهدي وحبسوه وحضر الاغا وبرطلمين الى الخان بعد العشاء وطلبوا البواب والخانجي والجيران وصعدوا الى الطباق وفتشوا على السلاح حتى قلعوا البلاط فلم يجدوا شيئا وأرادوا فتح الحواصل فمنعهم السيد احمد بن محمود محرم فخرجوا وأخذوا معهم الخانجي وجيران الطبقة وجملة أنفار وحبسوهم ايضا وقتلوا المملوك في ثاني يوم واستمر الجماعة في الحبس الى أن أطلقوهم بعد ايام عديدة من الحادثة
وفي ذلك اليوم ايضا مر نصراني من الشوام على المشهد الحسيني وهو (2/275)
راكب على حمار فرآه ترجمان ضابط الخطة ويسمى السيد عبد الله فأمره بالنزول اجلالا للمشهد على العادة فامتنع فانتهزه وضربه والقاه على الارض فذهب ذلك النصراني الى الفرنسيس وشكا اليهم السيد عبد الله المذكور فأحضروه وحبسوه فشفع فيه مخدومه فلم يطلقوه وادعى النصراني انه كان بعيدا عن المشهد واحضر من شهد له بذلك وان السيد عبد الله متهور في فعله وادعى انه ضاع له وقت ضربه دراهم كانت في جيبه واستمر الترجمان محبوسا حتى دفع تلك الدراهم وهي ستة آلاف درهم
وفيه ارسل فرنسيس مصر الى رئيس الشام ميرة على جمال العرب نحو الثمانمائة جمل وذهب صحبتها برطلمين وطائفة من العسكر فأوصلوها الى بلبيس ورجعوا بعد يومين
وفيه حضر الى السويس تسعة داوات بها بن وبهار وبضائع تجارية وفيها لشريف مكة نحو خمسمائة فرق بن وكانت الانكليز منعتهم الحضور فكاتبهم الشريف فأطلقوهم بعد ان حددوا عليهم أياما مسافة التنقيل والشحنة وأخذوا منهم عشورا وسامح الفرنسيس بن الشريف من العشور لانه أرسل لهم مكاتبة بسبب ذلك وهدية قبل وصول المراكب الى السويس بنحو عشرين يوما وطبعوا صورتها في أوراق وألصقوها بالاسواق وهي خطاب لبوسليك
من مات في هذه السنة من الاعيان ومن له ذكر في الناس
مات الامام العمدة الفقيه العلامة المحقق الفهامة المتقن المتفنن المتجر عين أعيان الفضلاء الازهرية الشيخ احمد بن موسى بن احمد بن محمد البيلي العدوي المالكي ولد ببني عدي سنة احدى وأربعين ومائة والف وبها نشأ فقرأ القرآن وقدم الجامع الازهر ولازم الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية حتى تمهر في العلوم وبهر فضله في الخصوص والعموم وكان له قريحة جيدة وحافظة غريبة يملي في تقريره خلاصة ما ذكره أرباب الحواشي مع حسن سبك والطلبة يكتبون ذلك بين يديه وقد جمع من تقاريره (2/276)
على عدة كتب كان يقرأها حتى صارت مجلدات وانتفع بها الطلبة انتفاعا عاما ودرس في حياة شيخه سنينا عديدة واشتهر بالفتوح وكان الشيخ الصعيدي يأمر الطلبة بحضوره وملازمته وكان فيه اتصاف زائد وتؤدة ومروءة وتوجه الى الحق ولديه اسرار ومعارف وفوائد وتمائم وعلم بتنزيل الاوفاق والوفق المئيني العددي والحرفي وطرائق تنزيله بالتطويق والمربعات وغير ذلك ولما توفي الشيخ محمد حسن جلس موضعه للتدريس باشارة من أهل الباطن ولما توفي الشيخ احمد الدردير ولي مشيخة رواق الصعايدة وله مؤلفات منها مسائل كل صلاة بطلت على الامام وغير ذلك ولم يزل على حالته وافادته وملازمه ودروسه والجماعة حتى توفي في هذه السنة ودفن في تربة المجاورين رحمه الله تعالى عليه
ومات العلامة الفاضل الفقيه الشيخ احمد بن ابراهيم الشرقاوي الشافعي الازهري قرأ على والده وتفقه وانجب ولم يزل ملازما لدروسه حتى توفي والده فتصدر للتدريس في محله واجتمعت عليه طلبة ابيه وغيرهم ولازم مكانه بالازهر طول النهار يملي ويفيد ويفتي على مذهبه ويأتي اليه الفلاحون من جيزة بلادهم بقضاياهم وخصوماتهم وانكحتهم فيقضي بنيهم ويكتب لهم الفتاوي في الدعاوي التي يحتاجون فيها الى المرافعة عند القاضي وربما زجر المعاند منهم وضربه وشتمه ويستمعون لقوله ويمتثلون لاحكامه وربما اتوه بهدايا ودراهم واشتهر ذكره وكان جسيما عظيم اللحية فصيح اللسان ولم يزل على حالته حتى اتهم في فتنة الفرنسيس المتقدمة ومات مع من قتل بيد الفرنساوية بالقلعة ولم يعلم له قبر
ومات الشيخ الامام العمدة الفقيه الصالح القانع الشيخ عبد الوهاب الشبراوي الشافعي الازهري تفقه على أشياخ العصر وحضر دروس الشيخ عبد الله الشبراوي والحفني والبراوي وعطية الاجهوري وغيرهم وتصدر للاقراء والتدريس والافادة بالجوهرية وبالمشهد الحسيني ويحضر درسه فيه الجم الغفير من العامة ويستفيدون منه ويقرأ به كتب الحديث كالبخارى ومسلم وكان حسن الالقاء سلس التقرير جيد الحافظة جميل (2/277)
السيرة مقبلا على شأنه ولم يزل ملازما على حالته حتى اتهم في اثارة الفتنة وقتل بالقلعة شهيدا بيد الفرنسيس في اواخر جمادى الاولى من السنة ولم يعلم له قبر
ومات الشاب الصالح والنبيه الفالح الفاضل الفقيه الشيخ يوسف المصيلحي الشافعي الازهري حفظ القرآن والمتون وحضر دروس اشياخ العصر كالشيخ الصعيدي والبراوي والشيخ عطية الاجوري والشيخ احمد العروسي وحضر الكثير على الشيخ محمد المصيلحي وأنجب وأملى دروسا بجامع الكردي بسويقة اللالا وكان مهذب النفس لطيف الذات حلو الناطقة مقبول الطلعة خفيف الروح ولم يزل ملازما على حاله حتى اتهم ايضا في حادثة الفرنسيس وقتل مع من قتل شهيدا بالقلعة
ومات العمدة الشهير الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان بزاويتهم المعروفة الان بالشنواني تولى شيخا على العميان المذكورين بعد وفاة الشيخ الشبراوي وسار فيهم بشهامة وصرامة وجبروت وجمع بجاههم اموالا عظيمة وعقارات فكان يشتري غلال المستحقين المعطلة بالابعاد بدون الطفيف ويخرج كشوفاتها وتحاويلها على الملتزمين ويطالبهم بها كيلا وعينا ومن عصى عليه ارسل اليه الجيوش الكثيرة من العميان فلا يجد بدا من الدفع وان كانت غلاله معطلة صالحة بما أحب من الثمن وله أعوان يرسلهم الى الملتزمين بالجهة القبلية يأتون اليه بالسفن المشحونة بالغلال والمعاوضات من السمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك ويبيعها في سني الغلوات بالسواحل والرقع بأقصى القيمة ويطحن منها على طواحينه دقيقا ويبيع خلاصته في البطط بحارة اليهود ويعجن نخالته خبزا لفقراء العميان يتقوتون به مع ما يجمعونه من الشحاذة في طوافهم آناء الليل وأطراف النهار بالاسواق والازقة وتغنيهم بالمدائح الخرافات وقراءة القرآن في البيوت ومساطب الشوارع وغير ذلك ومن مات منهم ورثة الشيخ المترجم المذكور وأحرز لنفسه ما جمعه ذلك الميت وفيهم من وجد له الموجود العظيم ولا يجد له معارضا في ذلك (2/278)
واتفق ان الشيخ الحفني نقم عليه في شيء فأرسل اليه من أحضره موثوقا مكشوف الرأس مضروبا بالنعالات على دماغه وقفاه من بيته الى بيت الشيخ بالموسكي بين ملأ العالم ولما انقضت تلك السنون وأهلها صار المترجم من أعيان الصدور المشار اليهم في المجالس تخشى سطوته وتسمع كلمته ويقال قال الشيخ كذا وأمر الشيخ بكذا وصار يلبس الملابس والفراوي ويركب البغال واتباعه محدقة به وتزوج الكثير من النساء الغنيات الجميلات واشتر السراري البيض والحبش والسود وكان يفرض الاكابر المقادير الكثيرة من المال ليكون له عليهم الفضل والمنة ولم يزل حتى حمله التفاخر في زمن الفرنسيس على تولية كبر أثارة الفتنة التي أصابته وغيره وقتل فيمن قتل بالقلعة ولم يعلم له قبر وكان ابنه معوقا ببيت البكري فلما علم بموته قلق وكاد يخرج من عقله خوفا على ما يعلم مكانه من مال أبيه حتى خلص في ثاني يوم بشفاعة المشايخ ولم يكن مقصودا بالذات بل حضر ليعود أباه فحجزه القومه عليهم زيادة في الاحتياط
ومات الاجل المفوه العمدة الشيخ اسمعيل البراوي بن احمد البراوي الشافعي الازهري وهو ابن اخي الشيخ عيسى البراوي الشهير الذكر تصدر بعد وفاة والده في مكانه وكان قليل البضاعة الا انه تغلب عليه النباهة واللسانة والسلاطة والتداخل وذلك هو الذي أوقعه في حبائل الفرنساوية وقتل مع من قتل شهيدا ولم يعلم له قبر غفر الله لنا وله
ومات الوجيه الاجل الامثل السيد محمد كريم وخبره انه كان في اول أمره قبانيا يزن البضائع في حانوت بالثغر وعنده خفة في الحركة وتودد في المعاشرة فلم يزل يتقرب الى الناس بحسن التودد ويستجلب خواطر حواشي الدولة وغيرهم من تجار المسلمين والنصارى ومن له وجاهة وشهرة في ابناء جنسه حتى أحبه الناس واشتهر ذكره في ثغر الاسكندرية ورشيد ومصر واتصل بصالح بك حتى كان وكيلا بدار السعادة وله الكلمة النافذة في ثغر رشيد وتملكها وضواحيها واسترق أهلها وقلد (2/279)
أمرها لعثمان خجا فاتحد وبمخدومه السيد محمد المذكور واتصل بمراد بك بعد صالح أغا فتقرب اليه ووافق منه الغرض ورفع شأنه على اقرانه وقلده أمر الديوان والجمارك بالثغر ونفذت كلمته واحكامه وتصدر لغالب الامور وزاد في المكوسات والجمارك ومصادرات التجار خصوصا من الإفرنج ووقع بينه وبين السيد شهبة الحادثة التي أوجبت له الاختفاء بالصهريج وموته فيه فلما حضر الفرنسيس ونزلوا الاسكندرية قبضوا على السيد محمد المذكور وطالبوه بالمال وضيقوا عليه وحبسوه في مركب ولما حضروا الى مصر وطلعوا الى قصر مراد بك وفيها مطالعته بأخبارهم وبالحث والاجتهاد على حربهم وتهوين أمرهم وتنقيصهم فاشتد غيظهم عليه فأرسلوا وأحضروه الى مصر وحبسوه فتشفع فيه ارباب الديوان عدة مرار فلم يمكن الى ان كانت ليلة الخميس فحضر اليه مجلون وقال له المطلوب منك كذا وكذا من المال وذكر له قدرا يعجز عنه واجله اثنتي عشرة ساعة وان لم يحضر ذلك القدر والا يقتل بعد مضيها فلما اصبح ارسل الى المشايخ والى السيد احمد المحروقي فحضر اليه بعضهم فترجاهم وتداخل عليهم واستغاث وصار يقول لهم اشتروني يا مسلمون وليس بيدهم ما يفتدونه به وكل انسان مشغول بنفسه ومتوقع لشيء يصيبه وذلك في مبادىء امرهم فلما كان قريب الظهر وقد انقضى الاجل اركبوه حمارا واحتاط به عدة من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبل يضربون عليه وشقوا به الصليبة الى ان ذهبوا الى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحا وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم فيمن يقتلونه ثم قطعوا رأسه ورفعوها على نبرت وطافوا بها بجهات الرميلة والمنادى يقول هذا جزاء من يخالف الفرنسيس ثم ان اتباعه اخذوا رأسه ودفنوها مع جثته وانقضى أمره وذلك يوم الخميس خامس عشرى ربيع الاول
ومات الامير ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب وتقلد الزعامة بعد موت استاذه ثم تقلد الامارة (2/280)
والصنجقية في أواخر جمادى الاولى سنة 1192 وهو اخو سليمان بك المعروف بالاغا وعندما كان هو واليا كان أخوه أغات مستحفظان واحكام مصر والشرطة بينهما وفي سنة سبع وتسعين تعصب مراد بك وابراهيم بك على المترجم واخرجوه منفيا هو واخوه سليمان بك وأيوب بك الدفتردار ولما أمروه بالخروج ركب في طوائفه ومماليكه وعدى الى بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظه ولاجين بك ولحقوا حملته عند المعادى فحجزوها وأخذوها وأخذوا هجنه ومتاعه وعدوا خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه وردوه الى قصر العيني ثم سفروه الى ناحية السرو ورأس الخليج فأقام بها اياما وكان أخوه سليمان بك بالمنوفية فلما أرسلوا بنفيه الى المحلة ركب بطوائفه وحضر الى مسجد الخضيري وحضر اليه أخوه المترجم وركبا معا وذهبا الى جهة البحيرة ثم ذهبا الى طندتا ثم ذهبا الى شرقية بلبيس ثم توجها من خلف الجبل الى جهة قبلي وكان أيوب بك المنصورة فلحق بهما ايضا كان بالصعيد عثمان بك الشرقاوي ومصطفى بك فالتفا عليهما وعصى الجميع وارسل مراد بك وابراهيم بك محمد كتخدا اباظة واحمد اغا شويكار الى عثمان بك ومصطفى بك يطلبانهما الى الحضور فأبيا وقالا لا نرجع الى مصر الا بصحبة اخواننا والا فنحن معهم أينما كانوا ورجع المذكوران بذلك الجواب فجهزوا لهم تجريدة وسافر بها ابراهيم بك الكبير وضمهم وصالحهم وحضر بصحبة الجميع الى مصر فحنق مراد بك ولم يزل حتى خرج مغضبا الى الجيزة ثم ذهب الى قبلي وجرى بينهما ما تقدم ذكره من ارسال الرسل ومصالحة مراد بك ورجوعه واخراج المذكورين ثانيا فخرجوا الى ناحية القليوبية وخرج مراد بك خلفهم ثم رجعوهم الى جهة الاهرام وقبض مراد بك عليهم ونفيهم الى جهة بحرى وأرسل المترجم الى طندتا ثم ذهبوا الى قبلي خلا مصطفى بك وايوب بك ثم رجعوا الى مصر بعد خروج مراد بك الى قبلي واستمر امرهم على ما ذكر حتى ورد حسن باشا وخرج الجميع وجرى ما تقدم ذكره وتولى المترجم امارة (2/281)
الحاج ولم يسافر به ولما رجعوا الى مصر بعد الطاعون وموت اسمعيل بك ورجب بك صاهره ابراهيم بك الكثير وزوجه ابنته كما تقدم ولم يزل في سيادته وامارته حتى حضر الفرنساوية ووصلوا الى بر انبابة ومات هو في ذلك اليوم غريقا ولم تظهر رمته وذلك يوم السبت سابع صفر من السنة
ومات الامير علي بك الدفتردار المعروف بكتخدا الجاويشية وأصله مملوك سليمان افندي من خشداشين كتخدا ابراهيم القازدغلي وكان سيده المذكور رغب عن الامارة ورضي بحاله وقنع بالكفاف ورغب في معاشرة العلماء والصلحاء وفي الانجماع عن ابناء جنسه والتداخل في شؤونهم وكان يأتي في كل يوم الى الجامع الازهر ويحضر دروس العلماء ويستفيد من فوائدهم ولازم دروس الشيخ أحمد السليماني من الفقه الحنفي الى ان مات فتقيد بحضور تلميذه الشيخ احمد الغزي كذلك واقترن في حضوره بالشيخ عبد الرحمن العريشي وكان اذ ذاك مقتبل الشبيبة مجردا عن العلائق فكان يعيد معه الدروس فاتحد به لما رأى فيه من النجابة فجذبه الى داره وكساه وواساه واستمر يطالع معه في الفقه ويعيد معه الدروس ليلا وزوجه واغدق عليه وكان هو مبدأ زواجه ولم يزل ملازما حتى توفي سليمان افندي المذكور في سنة 1175 فتزوج المترجم بزوجة سيده واستمر هو وخشداشه الامير أحمد بمنزل استاذهما وتتوق نفس المترجم للترفع والامارة فتردد الى بيوت الامراء كغيره من الاجناد فقلده علي بك الكبير كشوفية شرق اولاد يحيى في سنة 1182 فتقلدها بشهامة وقتل البغاة واخاف الناحية وجمع منها أموالا واستمر حاكمها بها الى ان خالف محمد بك أبو الذهب على سيده علي بك وخرج من مصر الى الجهة القبلية فلما وصل الى الناحية كان المترجم أول من اقبل عليه بنفسه وما معه من المال والخيام فسر به محمد بك وقربه وادناه ولم يزل ملازما لركابه حتى جرى ما جرىوتملك محمد بك الديار المصرية فقلده اغاويه المتفرقة اياما قليلة ثم خيره في تقليده الصنجقية أو (2/282)
كتخدا الجاويشية فقال له حتى استخير في ذلك وحضر الى المرحوم الشيخ الوالد وذكر له ذلك فأشار عليه بان يتقلد كتخدا الجاويشية فانه منصب جليل واسع الايراد وليس على صاحبه تعب ولا مشقة غفر ولا سفر تجاريد ولا كثرة مصايف فكان كذلك وذلك في سنة ست وثمانين وسكن ببيت سليمان اغا كتخدا الجاويشية بدرب الجماميز على بركة الفيل ونما امره واتسع حاله واشتهر وانتظم في عداد الامراء ولم يزل على ذلك الى ان مات محمد بك فاستقل بأمارة مصر ابراهيم بك ومراد بك فكان المترجم ثالثهما واتحد بابراهيم بك اتحادا عظيما حتى كان ابراهيم بك لا يقدر على مفارقته ساعة زمانية وصار معه كالاخ الشقيق والصاحب الشفيق وصار في قبول ووجاهة عظيمة وكلمة نافذة في جميع الامور ولم يزل على ذلك حتى حضر حسن باشا بالصورة المتقدمة وخرج ابراهيم بك ومراد بك وباقي الامراء فتخلف عنهم المترجم وقد كان راسل حسن باشا سرا فلما استقر حسن باشا اقبل عليه وسلمه مقاليد الامور وقلده الصنجقية واضاف اليه الدفتردارية وفوض اليه جميع الامور الكلية والجزئية فانحصرت فيه رياسة مصر وصار عزيزها واميرها ووزيرها وقائدها جيوشها ولا يتم امر الا عن مشورته ورأيه واجتمعت ببيته الدواوين وقلد الامريات والمناصب كما يختار وقرب وادنى وابعد واقصى من يختار واشتهر ذكره في اقليم مصر والشام والروم واشار بتقليد مراد كاشف الصنجقية وامارة الحاج وسموه محمد بك المبدول كراهة في اسم مراد واشتهر بالمبدول ونجزله لوازم الحاج والصرة في أيام قليلة وسافر بالحاج على النسق المعتاد وشهل ايضا التجاريد والعساكر خلف الامراء المطرودين واستمر مطلق التصرف في مملكة مصر بقية السنة
ولما استهل رمضان ارسل لجميع الامراء والاعيان البلكات والكساوي لهم ولحريمهم ومماليكهم بالاحمال وكذلك الى العلماء والمشايخ حتى الفقهاء الخاملين المحتاجين وظن ان الوقت قد صفا له ولم يزل على ذلك (2/283)
حتى استقر اسمعيل بك وسافر حسن باشا وظهر له امر حسن بك الجداوي وخشداشينه أخذ يناكد المترجم ويعارضه في جميع اموره وهو يسامح له في كل ما يتعرض له فيه ويساير حاله بينهم ويكظم غيظه ويكتم قهره وهو مع ذلك وافر الحرمة واعتراه صداع في راسه وشقيقة زال ألمه بها ووجعه أشهرا وأتلف احدى عينيه وعوفى قليلا واستمر على ذلك حتى وقع الطاعون بمصر سنة خمس ومات ابن له مراهق احزنه موته وكذلك ماتت زوجته واكثر جواريه ومماليكه ومات اسمعيل بك وامراؤه ومماليكه ورضوان بك العلوي وبقي هو وحسن بك الجاوي فتجاذبا الامارة ولم يرض احدهما بالاخر فوقع الاتفاق على تأمير عثمان بك طبل تابع اسمعيل بك ظنا منهما انه يصلح لذلك وانه لا يمالىء الاعداء فكان الامر بخلاف ذلك وكره الامارة هو ايضا لمناكدة حسن بك له وراسل الامراء القبليين سرا حتى حضر واعلى الصورة المتقدمة وقصد حسن بك وعلي بك الاستعداد لحربهم وخرجوا الى ناحية طرا وتأهبوا لمبارزتهم وصار عمثان بك يثبطهما ويظهر لهما انه يدير الحيل والمكايد ولم يعلما ضميره ولم يخطر ببالهما ولا غيرهما خيانته بل كان كل منهما يظن بالآخر حتى حصل ما تقدم ذكره في محله وفر المترجم وحسن بك الى ناحية قبلي فاستمر هناك مدة ثم انفصل عن حسن بك وسافر من القصير الى بحر القلزم وطلع الى المويلح وارسل بعض ثقاته فأخذ بعض الاحتياجات سرا وذهب من هناك الى الشام واجتمع بأحمد باشا الجزار ونزل بحيفا واقام بها مدة راسل الدولة في امره فطلبوه ايهم فلما قرب من اسلامبول ارسلوا اليه من أخذه وذهب به الى برصا فأقام هناك وعينوا له كفايته في كل شهر وولد له هناك اولاد ثم احضروه في حادثة الفرنسيس واعطوه مراسيم الى ابراهيم باشا سارى عسكر في ذلك الوقت فلما وصل بيروت راسل احمد باشا واراد الاجتماع به علم احمد باشا ما بيد من المرسومات الى ابراهيم باشا فتنكر له وانحرف طبعه منه وارسل اليه يأمره بالرحيل وصادف ذلك عزل ابراهيم باشا (2/284)
فارتحل مقهورا الى نابلس فمات هناك بقهره وحضر من بقى من مماليكه الى مصر وسكنوا بداره التي بها مملوكه عثمان كاشف وابنته التي تركها بمصر صغيرة وقد كبرت وتأهلت للزواج فتزوج بها خازنداره الذي حضر وهو الآن مقيم معها صحبة خشداشينه ببيتها الذي بدرب الحجر
وكان المترجم اميرا لا بأس به يميل الى فعل الخير حسن الاعتقاد ويحب اهل العلم والفضائل ويعظمهم ويكرمهم ويقبل شفاعاتهم وفيه رقة طبع وميل للخلاعة والتجاهر غفر الله له وسامحه
ومات ايضا الامير ايوب بك الدفتردار وهو من مماليك محمد بك تولى الامارة والصنجقية بعد موت استاذه وقد تقدم ذكره غير مرة وكان ذا دهاء ومكر ويتظاهر بالانتصار للحق وحب الاشراف والعلماء ويشتري المصاحف والكتب ويحب المسامرة والمذاكرة وسير المتقدمين ويواظب على الصلاة في الجماعة ويقضي حوائج السائلين والقاصدين بشهامة وصرامة وصدع للمعاند خصوصا اذا كان الحق بيده ويتعلل كثير بمرض البواسير وسمعت من لفظه رؤيا رآها قبل ورود الفرنسيس بنحو شهرين تدل على ذلك وعلى موته في حربهم
ولما حصل ذلك وحضروا الى بر انبابة عدى المترجم قبل بيومين وصار يقول انا بعت نفسي في سبيل الله فلما التقى الجمعان لبس سلاحه بعد ما توضأ وصلى ركعتين وركب في مماليكه وقال اللهم اني نويت الجهاد في سبيلك واقتحم مصاف الفرنساوية والقى نفسه في نارهم واستشهد في ذلك اليوم وهي منقبة اختص بها دون اقرانه بل ودون غيرهم من جميع أهل مصر
ومات الامير صالح بك أمير الحاج في تلك السنة وهو ايضا من مماليك محمد بك ابي الذهب وتولى زعامة مصر بعد ابراهيم بك الوالي واحسن فيها السيرة ولم يتشك منه احد ولم يتعرض لاحد بأذية وتقلد ايضا كتخدا الجاويشية عندما خرج ابراهيم بك مغاضبا لمراد بك وكان خصيصا به فلما اصطلحا ورجع ابراهيم بك وعلي اغا كتخدا الجاويشية (2/285)
تقلد على منصبه كما كان واستمر المنترجم بطالا لكنه وافر الحرمة معدودا في الاعيان ولما خرجوا من مصر في حادثة حسن باشا ارسله خشداشينه الى الروم وكاد يتم لهم الامر فقبض عليه حسن باشاوكان اذ ذاك بالعرضي في السفر ولما رجعوا الى مصر بعد موت اسمعيل بك سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته وهي ام ايوب التي كانت سرية مراد بك ثم سافر ثانيا الى الروم بمراسلة وهدية وقضى اشغاله ورجع بالوكالة واخذ بيت الحبانية من مصطفى اغا وعزله من وكالة دار السعادة وسكن بالبيت واختص بمراد بك اختصاصا زائدا وبنى له دار بجانبه بالجيزة وصار لا يفارقه قط وصار هو بابه الاعظم في المهمات وكان فصيح اللسان مهذب الطبع يفهم بالاشارة يظن من يراه انه من اولاد العرب لطلاقة لسانه وفصاحة كلامه ويميل بطبعه الى الخلاعة وسماع الالحان والاوتار ويعرف طرقها ويباشر الضرب عليها بيده ثم ولى الصنجقية وتقلد امارة الحج سنة 1212 وتمم اشغاله وأموره ولوازمه على ما ينبغي وطلع بالحج في تلك السنة في أبهة عظيمة على القانون القديم في أمن وأمان ورخاء وسخاء وراج موسم التجار في تلك السنة الى الغاية
وفي أيام غيابه بالحج وصل الفرنساوية الى القطر المصري وطار اليهم الخبر بسطح العقبة وارسلوا من مصر مكاتبة بالأمان وحضوره بالحج في طائفة قليلة فأرسل اليهم ابراهيم بك يطلبهم الى بلبيس فعرج المترجم بالحاج الى بلبيس وجرى ما تقدم ذكره ولم يزل حتى مات بالديار الشامية وبعد مدة أرسلت زوجته فأحضرت رمته ودفنتها بمصر بتربة المجاورين
ومات العمدة الفاضل والنحرير الكامل الفقيه العلامة السيد مصطفى الدمنهوري الشافعي تفقه على أشياخ العصر وتمهر في المعقولات ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي ملازمة كلية واشتهر بنسبته اليه ولما ولى مشيخة الازهر صار المترجم عنده هو صاحب الحل والعقد في القضايا والمهمات والمراسلات عند الاكابر والاعيان وكان عاقلا ذكيا وفيه ملكة واستحضار جيد للفروع الفقهية وكان يكتب على الفتاوى على لسان (2/286)
شيخه المذكور ويتحرى الصواب وعبارت سلسلة جيدة وكان له شغف بكتب التاريخ وسير المتقدمين واقتنى كتبا في ذلك مثل كتاب السلوك والخطط للمقريزي واجزا من تاريخ العيني والسخاوي وغير ذلك ولم يزل حتى ركب يوما بغلته وذهب لبعض أشغاله فلما كان بخطبة الموسكي قابله خيال فرنساوي يخج فرسه فجفلت بغلة السيد مصطفى المذكور والقته من على ظهرها الى الارض وصادف حافر فرس الفرنساوي أذنه فرض صماخه فلم ينطق ولم يتحرك فرفعوه في تابوت الى منزله ومات من ليلته رحمه الله
ومات عبد الله كاشف الجرف وهو عبد اسمعيل كاشف الجرف تابع عثمان بك ذي الفقار الكبير وكان معروفا بالشجاعة والاقدام كسيده وأدرك بمصر إمارة وسيادة ونفاذ كلمة واشترى المماليك الكثيرة والخيول المسومة والجواري والعبيد وعنده عدة من الاجناد والطوائف وعمر دارا عظيمة داخل الدرب المحروق ولم يزل حتى قتل يوم السبت تاسع صفر بحرب الفرنساوية بأنبابة وكان جسيما أسود ذا شهامة وفروسية مشهورة وجبروت
ثم دخلت سنة اربع عشر ومائتين وألف
استهل شهر المحرم بيوم الاربعاء فيه حضر جماعة من الفرنسيس الى العادلية فضربوا خمسة مدافع لقدومهم فلما كان في ثاني يوم عملوا الديوان وأبرزوا مكتوبا مترجما ونسخته صورة جواب من العرضي قدام عكا وفي سابع عشرين فريبال الموافق لحادي عشر شهر الحجة 1213 من بونابارته سارى عسكر أمير الجيوش الفرنساوية الى محفل ديوان مصر نخبركم عن سفره من بر الشام الى مصر فاني بغاية العجلة بحضوري لطرفكم نسافر بعد ثلاثة أيام تمضي من تاريخه ونصل عندكم بعد خمسة عشر يوما وجائب معي جملة محابيس بكثرة وبيارق ومحقت سراية الجزار وسور عكا وبالقنبر هدمت البلد ما أبقيت فيها حجرا على حجر وجميع سكانها انهزموا من البلد الى طريق البحر والجزار مجروح (2/287)
ودخل بجماعته داخل برج من ناحية البحر وجرحه يبلغ لخطر الموت ومن جملة ثلاثين مركبا موسوقة عساكر الذين حضروا يساعدون الجزار ثلاثة غرقت من كثرة مدافع مراكبنا واخذنا منها أربعة موقره مدافع والذي أخذ هذه الاربعة فرقاطه من بتوعنا والباقي تلف وتبهدل والغالب منهم عدم واني بغاية الشوق الى مشاهدتكم لاني بشوف انكم عملتم غاية جهدكم من كل قلبكم لكن جملة فلاتية دائرون بالفتنة لاجل ما يحركون الشر في وقت دخولي كل هذا يزول مثل ما يزول الغيم عند شروق الشمس ومنتوره مات من تشويش هذا الرجل صعب علينا جدا والسلام ومنتوره هذا ترجمان سارى عكسر وكان لبيبا متبحرا ويعرف باللغات التركية والعربية والرومية والطلبياني والفرنساوي ولما عجز الفرنساوية عن أخذ عكا وعزموا على الرجوع الى مصر ارسل بونابارته مكاتبة الى الفرنساوية المقيمين بمصر يقول فيها ان الامر الموجب للانتقال عن محاصرة عكا خمسة عشر سببا
الاول الإقامة تجاه البلدة وعدم الحرب ستة ايام الى ان جاءت الانكليز وحصنوا عكا باصطلاح الافرنج
الثاني الستة مراكب التي توجهت من الاسكندرية فيها المدافع الكبار أخذها الانكليز قدام يافا
الثالث الطعون الذي وقع في العسكر ويموت كل يوم خمسون وستون عسكريا
الرابع عدم الميرة لخراب البلاد قريب عكا
الخامس وقعة مراد بك مع الفرنساوية في الصعيد مات فيها مقدار ثلثمائة فرنساوي
السادس بلغنا توجه اهل الحجاز صحبة الجيلاني لناحية الصعيد
السابع المغربي محمد الذي صار له جيش كبير وادعى انه من سلاطين المغرب
الثامن ورود الانكليز تجاه الاسكندرية ودمياط (2/288)
التاسع ورود عمارة الموسقو قدام رودس
العاشر ورود خبر نقض الصلح بين الفرنساوية والنيمساء
الحادي عشر ورود جواب مكتوب منا لتيبو احد ملوك الهند كنا ارسلناه قبل توجهنا لعكا وتيبوا هذا هو الذي كان حضر الى اسلامبول بالهدية التي من جملتها طائران يتكلمان بالهندية والسرير والمنبر من خشب العود وطلب منه الامداد والمعاونة على الانكليز المحاربين له في بلاده فوعدوه ومنوه وكتبوا له أوراقا واوامر وحضر الى مصر وذلك في سنة 1202 ايام السلطان عبد الحميد وقد سبقت الاشارة اليه في حوادث تلك السنة وهو رجل كان مقعدا تحمله اتباعه في تخت لطيف بديع الصنعة على اعناقهم ثم انه توجه الى بلاد فرنسا واجتمع بسلطانها وذلك قبل حضوره الى مصر واتفق معه على أمر في السر لم يطلع عليه أحد غيرهما ورجع الى بلاده على طريق القلزم فلما قدم الفرنساوية لمصر كاتبه كبيرهم بذلك السر لانه اطلع عليه عند قيام الجمهور وتملكه خزانة كتب السلطان ثم ان تيبوا المذكور بقي في حرب الانكليز الى ان ظفروا به في هذه السنة وقتلوه وثلاثة من اولاده فهذا ملخص معنى السبب
الثاني عشر موت كفرللي الذي عملت المتاريس بمقتضى رأيه واذا تولى امرها غيره يلزم نقضها ويطول الامر وكفرللي هذا هو المعروف بابي خشبة المهندس
الثالث عشرة سماع ان رجلا يقال له مصطفى باشا أخذه الانكليز من اسلامبول ومرادهم أن يرموه على بر مصر
الرابع عشر ان الجزار أنزل ثقله بمراكب الانكليز وعزم على انه عندما تملك البلد ينزل في مراكبهم ويهرب معهم
الخامس عشر لزوم ومحاصرة عكا ثلاثة شهور أو أربعة وهو مضر لكل ما ذكرناه من الاسباب انتهى
وفي يوم الثلاثاء سابعه حضر جماعة ايضا من العسكر بأثقالهم وحضرت (2/289)
مكاتبة من كبير الفرنساوية انه وصل الى الصالحية وأرسل دوجا الوكيل ونبه على الناس بالخروج لملاقاته بموجب ورقة حضرت من عنده يأمر بذلك
فلما كان ليلة الجمعة عاشره أرسلوا الى المشايخ والوجاقات وغيرهم فاجتمعوا بالازبكية وقت الفجر بالمشاعل ودقت الطبول وحضر الحكام والقلقات بمواكب وطبول وزمور ونوبات تركية وطبول شامية وملازمون وجاويشية وغير ذلك وحضر الوكيل وقائمقام وأكابر عساكرهم وركبوا جميعا بالترتيب من الازبكية الى أن خرجوا الى العادلية فقابلوا سارى عسكر بونابارته هناك وسلموا عليه ودخل معهم الى مصر من باب النصر بموكب هائل بعساكرهم وطبولهم وزمورهم وخيولهم وعرباتهم ونسائهم وأطفالهم في نحو خمس ساعات من النهار الى ان وصل الى داره بالازبكية وانفض الجمع وضربوا عدة مدافع عند دخولهم المدينة وقد تغيرت ألوان العسكر القادمين واصفرت ألوانهم وقاسوا مشقة عظيمة من الحر والتعب وأقاموا على حصار عكا أربعة وستين يوما حربا مستقيما ليلا ونهارا وأبلى أحمد باشا وعسكره بلاء حسنا وشهد له الخصم
وفيه قبضوا على اسمعيل القلق الخربطلي وهو المتولي كتخدا العزب وكان ساكنا بخط الجمالية وأخذوا سلاحه واصعدوه الى القلعة وحبسوه والسبب في ذلك انه عمل تل الليلة وليمة ودعا أحبابه وأصدقاءه وأحضر لهم آلات اللهو والطرب وبات سهرانا بطول الليل فلما كان اخر الليل غلب عليهم السهر والسكر فناموا الى ضحوة النهار وتأخر عن الملاقاة فلما أفاق ركب ولاقاهم عند باب النصر فنقموا عليه بذلك وفعلوا معه ما ذكر ولما وصل سارى عسكر الفرنساوية الى داره بالازبكية تجمع هناك أرباب الملاهي والبهالوين وطوائف الملاعبين والحواة والقرادين والنساء الراقصات والخلابيض ونصبوا أراجيح مثل ايام الاعياد والمواسم واستمروا على ذلك ثلاثة ايام وفي كل يوم من تلك الايام يعملون شنكا وحراقات ومدافع وسواريخ ثم انفض الجمع بعد ما أعطاهم سارى عسكر دراهم وبقاشيش (2/290)
وفي يوم الاحد عزلوا دستان قائمقام وتولى عوضه دوجا الذي كان وكيلا عن سارى عسكر وتهيأ المعزول للسفر الى جهة بحرى وأصبح مسافرا وصحبته نحو الآلف من العسكر وسافر ايضا منهم طائفة الى جهة البحيرة
وفيه طلبوا من طوائف النصارى دراهم سلفة مقدار مائة وعشرين ألف ريال
وفي خامس عشرة أرسلوا الى زوجات حسن بك الجداوي وختموا على دورهن ومتاعهن وطالبوهن بالمال وذلك لسبب ان حسن بك التف على مراد بك وصار يقاتل الفرنسيس معه وقد كانت الفرنسيس كاتبت حسن بك وأمتته وأقرته عل ما بيده من البلاد وان لا يخالف ويقاتل مع الاخصام فلم يقبل منهم ذلك فلما وقع لنسائه ذلك ذهبن الى الشيخ محمد المهدي ووقعن عليه فصالح عليهم بمبلغ ثلاثة آلاف فرانسة
وفي تاسع عشرة هلك مخاييل كحيل النصراني الشامي وهو من رجال الديوان الخصوصي فجأة وذلك لقهره وغمه وسبب ذلك أنهم قرروا عليه في السلفة ستة آلاف ريال فرانسة وأخذ في تحصيلها ثم بلغه أن أحمد باشا الجزار قبض على شريكه بالشام واستصفى ما وجده عنده من المال فورد عليه الخبر وهو جالس يتحدث مع اخوانه حصة من الليل فخرجت روحه في الحال
وفيه كتبوا أوراقا وطبعوها والصقوها بالاسواق وذلك بعد ان رجعوا من الشام واستقروا وهي من ترصيف وتنميق بعض الفصحاء
وصورتها من محفل الديوان الخصوصي بمحروسة مصر خطابا لاقاليم مصر الشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والجيزة والبحيرة النصيحة من الايمان قال تعالى في محكم القرآن ولا تتبعوا خطوات الشيطان وقال تعالى وهو اصدق القائلين في الكتاب المكنون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فعلى العاقل يتدبر في الامور قبل أن يقع في المحذور نخبركم معاشر (2/291)
المؤمنين انكم لا تسمعوا كلام الكاذبين فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وقد حضر الى محروسة مصر المحمية امير الجيوش الفرنساوية حضرة بونابارته محب الملة المحمدية ونزل بعسكره في العادلية سليما من العطب والاسقام ودخل الى مصر من باب النصر يوم الجمعة في موكب عظيم وشنك جليل فخيم وصحبته العلماء والوجاقات السلطانية وأرباب الاقلام الديوانية وأعيان التجار المصرية وكان يوما عظيما مشهودا وخرجت اهل مصر لملاقاته فوجدوه وهو الامير الاول بذاته وصفاته وظهر لهم ان الناس يكذبون عليه شرح الله صدره للاسلام والذي أشاع عنه الاخبار الكاذبة العربان الفاجرة والغز الهاربة ومرادهم بهذه الاشاعة هلاك الرعية وتدمير اهل الملة الاسلامية وتعطيل الاموال الديوانية لا يحبون راحة العبيد وقد أزال الله دولتهم من شدة ظلمهم ان بطش ربك لشديد وقد بلغنا ان الالفي توجه الى الشرقية مع بعض المجرمين من عربان بلى والعيايدة الفجرة المفسدين يسعون في الارض بالفساد وينهبون أموال المسلمين ان ربك لبالمرصاد ويزورون على الفلاحين المكاتيب الكاذبة ويدعون ان عساكر السلطان حاضرة والحال انها ليست بحاضرة فلا أصل لهذا الخبر ولا صحة لهذا الأثر وانما مرادهم وقوع الناس في الهلاك والضرر مثل ما كان يفعل ابراهيم بك في غزة حيث كان ويرسل فرمانات بالكذب والبهتان ويدعى انها من طرف السلطان ويصدقه أهل الارياف خسفاء العقول ولا يقرأون العواقب فيقعون في المصائب وأهل الصعيد طردوا الغز من بلادهم خوفا على أنفسهم وهلاك عيالهم وأولادهم فان المجرم يؤخد مع الجيران وقد غضب الله على الظلمة ونعوذ بالله من غضب الديان فكان اهل الصعيد احسن عقلا من اهل بحرى بسبب هذا الرأي السديد ونخبركم ان احمد باشا الجزار سموه بهذا الاسم لكثرة قتله الانفس ولا يفرق بين الاخبار والاشرار وقد جمع الطموش الكثيرة من العسكر والغز والعرب واسافل العشيرة وكان مراده الاستيلاء على مصر وأقاليمها واحبوا اجتماعهم عليه لاجل اخذ اموالها (2/292)
وهتك حريمها ولكن لم تساعده الأقدار والله يفعل ما يشاء ويختار وقد كان ارسل بعض هذه العساكر الى قلعة العريش ومراده ان يصل الى قطيا فتوجه حضرة سارى عسكر امير الجيوش الفرنساوية وكسر عسكر الجزار الذين كانوا في العريش ونادوا الفرار الفرار بعدما حصل بعسكرهم القتل والدمار وكانوا نحو ثلاثة آلاف وملك قلعة العريش واخذ غزة وهرب من كان فيها وفروا ولما دخل غزة نادى في رعيتها بالامان وامر باقامة الشعائر الاسلامية واكرام العلماء والتجار والاعيان ثم انتقل الى الرملة واخذ ما فيها من بقسماط وارز وشعير وقرب اكثر من الفي قربة كبار كان قد جهزها الجزار لذهابه الى مصر ثم توجه الى يافا وحاصرها ثلاثة ايام ثم اخذها واخذ ما فيها من ذخائر الجزار بالتمام ومن نحوسات اهلها انهم لم يرضوا بأمانة ولم يدخلوا تحت طاعته واحسانه فدور فيهم السيف من شدة غيظه وقوة بأسه وسلطانه وقتل منهم نحو اربعة آلاف او يزيدون بعدما هدم سورها واكرم من كان بها من اهل مصر واطعمهم وكساهم وجهزهم في المراكب الى مصر وغفرهم بعسكره خوفا عليهم من العربان واجزل عطاياهم وكان في يافا نحو خمسة آلاف من عسكر الجزار هلكوا جميعا وبعضهم ما نجاه الا الفرار ثم توجه من يافا الى جبل نابلس فكسر من كان فيه من العساكر بمكان يقال له فاقوم وحرق خمسة بلاد من بلادهم وما قدر كان ثم اخرب سور عكا وهدم قلعة الجزار التي كانت حصينة لم يبق فيها حجر على حجر حتى انه يقال كان هناك مدينة وقد كان بني حصارها وشيد بنيانها في نحو عشرين من السنين وظلم في بنيانها عباد الله وهكذا عاقبة بنيان الظالمين ولما توجه اليه أهل بلاد الجزار من كل ناحية كسرهم كسرة شنيعة فهل ترى لهم من باقية نزل عليهم كصاعقة من السماء ثم توجه راجعا الى مصر المحروسة لاجل شيئين
الاول انه وعدنا برجوعه الينا بعد أربعة أشهر والوعد عند الحردين
والسبب الثاني انه بلغه ان بعض المفسدين من الغز والعربان يحركون (2/293)
في غيابه الفتن والشرور في بعض الاقاليم والبلدان فلما حضر سكنت الفتنة وزالت الاشرار والفجرة من الرعية وحبه لمصر واقليمها شيء عجيب ورغبته في الخير لاهلها ونيلها بفكره وتدبيره المصيب ويرغب ان يجعل فيها احسن التحف والصناعة ولما حضر من الشام أحضر معه جملة من الاسارى من خاص وعام وجملة مدافع وبيارق اغتنمها في الحروب من الاعداء والاخصام فالويل كل الويل لمن عاداه والخير كل الخير لمن والاه فسلموا يا عباد الله وارضوا بتقدير الله وامتثلوا لاحكام الله ولا تسعوا في سفك دمائكم وهتك عيالكم ولا تتسببوا في نهب أموالكم ولا تسمعوا كلام الغز الهربانين الكاذبين ولا تقولوا ان في الفتنة اعلاه كلمة الدين حاشا الله لم يكن فيها الا الخذلان وقتل الانفس وذل أمة النبي عليه الصلاة و السلام والغز والعربان يطمعوكم ويغروكم لاجل أن يضروكم فينهبوكم واذا كانوا في بلد وقدمت عليهم الفرنسيس فروا هاربين منهم كأنهم جند ابليس ولما حضر سارى عسكر الى مصر أخبر أهل الديوان من خاص وعام انه يحب دين الاسلام ويعظم النبي عليه الصلاة و السلام ويحترم القرآن ويقرأ منه كل يوم باتقان وأمر بأقامة شعائر المساجد الاسلامية واجراء خيرات الاوقاف السلطانية واعطى عوائد الوجاقلية وسعى في حصول اقوات الرعية فانظروا هذه الالطاف والمزية ببركة نبينا اشرف البرية وعرفنا ان مراده ان يبني لنا مسجدا عظيما بمصر لا نظير له في الاقطار وانه يدخل في دين النبي المختار عليه افضل الصلاة واتم السلام انتهى بحروفه
وكان أشيع بمصر قبل مجيئهم وعودهم من الشام بان سارى عسكر يونابارته مات بحرب عكا وتناقله الناس وانهم ولو اخلافه فهذا هو السبب في قولهم في ذلك الطومار وقد حضر سليما من العطب فوجدوه هو الامير الاول بذاته وصفاته الى آخر السياق المتقدم
وفي ثاني عشرينه أرسل سارى عسكر جماعة من العسكر وقبضوا على ملا زاده ابن قاضي العسكر ونهبوا بعضا من ثيابه وكتبه وطلعوا به (2/294)
الى القلعة فانزعج عليه عياله وحريمه ووالدته انزعاجا شديدا وفي صبحها اجتمع أرباب الديوان بالديوان وحضر اليهم ورقة من كبير الفرنسيس قرئت عليهم مضمونها أن سارى عسكر قبض على ابن القاضي وعزله وانه وجه اليكم أن تقترعوا وتختاروا شيخا من العلماء يكون من أهل مصر ومولودا بها يتولى القضاء ويقضي بالاحكام الشرعية كما كانت الملوك المصرية يولون القضاء برأى العلماء للعلماء فلما سمعوا ذلك أجاب الحاضرون بقولهم اننا جميعا نتشفع ونترجى عنده في العفو عن ابن القاضي فإنه انسان غريب ومن أولاد الناس الصدور وان كان والده وافق كتخدا الباشا في فعله فولده مقيم تحت أمانكم والمرجو انطلاقه وعوده الى مكانه فان والدته وجدته وعياله في وجد وحزن عظيم عليه وسارى عسكر من اهل الشفقة والرحمة وتكلم الشيخ السادات بنحو ذلك وزاد في القول بان قال وايضا انكم تقولون دائما ان الفرنساوية احباب العثمانية وهذا ابن القاضي من طرف العثملي فهذا الفعل مما يسيء الظن بالفرنساوية ويكذب قولهم وخصوصا عند العامة فاجاب الوكيل بعدما ترجم له الترجمان بقوله لا بأس بالشفاعة ولكن بعد تنفيذ امر سارى عسكر في اختيار قاض خلافه والا تكونوا مخالفين ويلحقكم الضرر بالمخالفة فامتثلوا وعملوا القرعة فطلعت الاكثرية باسم الشيخ احمد العريشي الحنفي ثم كتبوا عرضحال بصورة المجلس والشفاعة وكتب عليه الحاضرون وذهب به الوكيل الى سارى عسكر وعرفه بما حصل وبما تكلم به الشيخ السادات فتغير خاطره عليه وأمر باحضاره آخر النهار فلما حضر لامه وعاتبه فتكلم بينهما الشيخ محمد المهدي ووكيل الديوان الفرنساوي بالديوان حتى سكن غيظه وامره بالانصراف الى منزله بعد ان عوقه حصة من الليل فلما اصبح يوم الجمعة عملوا جمعية في منزل دوجا قائمقام وركبوا صحبته الى بيت سارى عسكر ومعهم الشيخ احمد العريشي فألبسه فروة مثمنة وركبوا جميعا الى المحكمة الكبيرة بين القصرين ووعدهم بالافراج عن ابن القاضي بعد اربع وعشرين ساعة (2/295)
وقد كانت عياله انتقلوا من خوفهم الى دار السيد احمد المحروقي وجلسوا عنده ولما كان في ثاني يوم افرجوا عنه ونزل الى عياله وصحبته أرباب الديوان والاغا ومشوا معه في وسط المدينة ليراه الناس ويبطل القيل والقال
وفي تلك الليلة قتلوا شخصين احدهما علي جاويش رئيس الريالة الذي كان بالاسكندرية عند حضور الفرنسيس والثاني قبطان آخره فلم يزالا بمصر يحبسونهما أياما ثم يطلقونهما فحبسوهما آخرا فلم يطلقوهما حتى قتلوهما
وفي صبيحة ذلك اليوم قتلوا شخصين ايضا من الاتراك بالرميلة
وفيه افرجوا عن زوجات حسن بك الجداوي
وفي ثامن عشرينه جمعوا الوجاقلية وكتبوا أسماءهم
وفي تاسع عشرينه قبضوا على ثلاثة انفار أحدهم يسمى حسن كاشف من اتباع ايوب بك الكبير وآخر يسمى ابو كلس والثالث رجل تاجر من تجار خان الخليلي يسمى حسين مملوك الدالي ابراهيم فسجنوهم بالقلعة فتشفع الشيخ السادات في حسين التاجر المذكور فأطلقوه على خمسة آلاف فرانسة
واستهل شهر صفر الخير بيوم الجمعة سنة
فيه افرجوا عن بعض قرابة كتخدا الباشا وكان محبوسا بالجيزة ثم نقل الى القلعة مع كتخدا قريبة فانطلق وبقي الاخر
وفي يوم الاحد ثالثه حضر السيد عمر افندي نقيب الاشراف سابقا من دمياط الى مصر وكان مقيما هناك من بعد واقعة يافا ونزل مع الذين انزلوهم من يافا الى البحر وفيهم عثمان افندي العباسي وحسن افندي كاتب الشهر واخوه قاسم افندي واحمد افندي عرفة والسيد يوسف العباسي والحاج قاسم المصلي وغيرهم فمنهم من عوق بالكرنتيلة ومنهم من حضر من البرخفية فحضر بعض الاعيان لملاقاة السيد عمر وركبوا معه بعد ان مكث هنيهة بزاوية علي بك التي بساحل بولاق حتى وصل الى (2/296)
داره وتوجه ثاني يوم مع المهدي وقابل سارى عسكر فبش له ووعده بخير ورد اليه بعض تعلقاته واستمر مقيما بداره والناس تغدو وتروح اليه على العادة
وفي رابعة حضر ايضا حسن كتخدا الجربان بامان وكان بصحبته عثمان بك الشرقاوي وفيه اشيع ان مراد بك ذهب الى ناحية البحيرة فرار من الفرنسيس الذين بالصعيد
وفي خامسة قتلوا عبد الله آغا امير يافا وكان اخذ اسيرا وحبس ثم قتل
وفيه قتل ايضا يوسف جربجي ابو كلس ورفيقه حسن كاشف
وفي سادسه عمل الشيخ محمد المهدي وليمة عرس لزواج احد أولاده ودعا سارى عسكر وأعيان الفرنساوية فتعشوا عنده وذهبوا
وفيه أحضروا اربعة عشر مملوكا اسرى واصعدوهم الى القلعة قيل انهم كانوا لاحقين بمراد بك بالبحيرة فآوو الى قبة يستظلون بها وتركوا خيولهم مع السواس فنزل عليهم طائفة من العرب فأخذوا الخيول فمروا مشاة فدل الفلاحون عليهم عسكر الفرنسيس فمسكوهم وقيل انهم آووا الى بلده وطلبوا منهم غرامة فصالحوهم فلم يرضوا بذلك بدون ما طلبوا فوعدوهم بالدفع من الغد وكانوا أكثر من ذلك وفيهم كاشف من جماعة عثمان بك الطنبرجي فذهب الفلاحون الى الفرنسيس واعلموهم بمكانهم فحضروا اليهم ليلا وفر من فر منهم وقتل من قتل وأسر الباقي
وأما الكاشف فيسمى عثمان التجأ الى كبير الفرنسيس فحماه واخذه عنده وأحضروا الاسرى الى مصر وعليهم ثياب زرق وزعابيط وعلى رؤوسهم عراقي من لباد وغيره وأصعدوهم الى القلعة وقتلوا منهم في ثاني ليلة أشخاصا
وفي تاسعه احضروا ايضا ستة اشخاص من المماليك واصعدوهم الى القلعة وفي ذلك اليوم قتلوا أيضا نحو العشرة من الاسرى المحابيس
وفي يوم الاحد عاشره ركب في عصريته سارى عسكر وعدى الى بر الجيزة وتبعته العساكر ولم يعلم سبب ذلك ولما صاروا بالجيزة ضربوا (2/297)
نجع البطران ودهشور بسبب نزول مراد بك عندهم وفي هذا اليوم ظهر ان مراد بك رجع ثانيا الى الصعيد وشاع الخبر ايضا ان عثمان بك الشرقاوي وسليمان اغا الوالي وآخرين مروا من خلف الجبل وذهبوا الى ناحية الشرق فخرج عليهم جماعة من العسكر وفيهم برطلمين يني الرومي رئيس عسكر الاروام ومعهم عدة وافرة من اخلاط العسكر اروام وقبط والمماليك المنضمة اليهم وبعض فرنساوية فأدركوهم بالقرب من بلبيس واتوهم من خلاف الطريق المسلوكة فدهموهم على حين غفلة وكان عثمان بك يغتسل فلما احسوا بهم بادروا للفرار وركبوا وركب عثمان بك بقميص واحد على جسده وطاقية فوق رأسه وهربوا وتركوا ثيابهم ومتاعهم وحملتهم وقدور الطعام على النار ولم يمت منهم الا مملوكان واسروا منهم اثنين ووجدوا على فراش عثمان بك مكاتبة من ابراهيم بك يستدعيهم الى الحضور اليه بالشام
وفي ليلة الاثنين حادي عشره وردت اخبار ومكاتيب مع السعاة لبعض الناس من الاسكندرية وابي قير واخبروا بانه وردت مراكب فيها عسكر عثمانية الى أبي قير فتبين ان حركة الفرنساوية وتعديتهم الى البر الغربي بسبب ذلك واخذوا صحبتهم جرجس الجوهري وفي ضحوة اليوم الثاني عدى الكثير من العسكر ايضا واهتم حنا بينو المتولي على بحر بولاق بجمع المراكب وشحنها بالقومانية والذخيرة وداخل الفرنساوية من ذلك وهم كبير ولما عدى كبيرهم الى بر الجيزة أقام يوم الاثنين عند الاهرام حتى تجمعت العساكر وبعث بالمقدمة وركب هو في يوم الثلاثاء ثاني عشره وأرسل مكتوبا الى ارباب الديوان بالسلام عليهم والوصية بالمحافظة وضبط البلد والرعية كما فعلوا في غيبته السابقة
وفي سادس عشره ورد الخبر بأن عثمان خجا وصل الى قلعة أبي قير صحبة السيد مصطفى باشا فضربوا على القلعة وقاتلوا من بها من الفرنساوية وملكوها وأسروا من بقي بها وعثمان خجا هذا هو الذي كان متواليا امارة رشيد من طرف صالح بك وحج معه ورجع صحبته الى الشام فلما (2/298)
توفي صالح بك سافر الى الديار الرومية وحضر صحبة مصطفى باشاالمذكور فلما تحققت هذه الاخبار كثر اللغط في الناس وأظهروا البشر وتجاهروا بلعن النصارى واتفق انه تشاجر بعض المسلمين بحارة البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة مع بعض نصارى السوام فقال المسلم للنصراني ان شاء الله تعالى بعد أربعة ايام نشتقي منكم وكلام من هذا المعنى فذهب ذلك النصراني الى الفرنسيس مع عصبة من جنسه واخبروهم بالقصة وزادوا وحرفوا وعرفوهم ان قصد المسلمين اثارة فتنة فأرسل قائممقام الى الشيخ المهدي وتكلم معه في شأن ذلك وحاججه وأصبحوا فأجتمعوا بالديوان فقام المهدي خطيبا وتكلم كثيرا ونفى الريبة وكذب أقوال الاخصام وشدد في تبرئة المسلمين عما نسب اليهم وبالغ في الحطيطة والانتقاص من جانب النصارى وهذا المقام من مقاماته المحمودة ثم جمعوا مشايخ الاخطاط والحارات
وفي ثامن عشره وردت أخبار وعدة مكاتيب لكثير من الاعيان ولتجار وكلها على نسق واحد تزيد عن الماءة مضمونها بأن المسلمين وعسكر العثمانيين ومن معهم ملكوا الاسكندرية في ثالث ساعة من يوم السبت سادس عشر صفر فصار الناس يحكي بعضهم لبعض ويقول البعض أنا قرأت المكتوب الواصل الى فلان التاجر ويقول الآخر مثل ذلك ولم يكن لذلك أصل ولا صحة ولم يعلم من فعل هذه الفعلة واختلق هذه النكتة ولعلها من فعل بعض النصارى البلديين ليوقعوا بها فتنة في الناس ينشأ منها القتل فيهم والاذية لهم وسبحان الله علام الغيوب
وفي ليلة الاربعاء عشرينه اشيع أن الفرنساوية تحاربوا مع العساكر الواردين على ابي قير وظهروا عليهم وقتلوا الكثير منهم ونهبوهم وملكوا منهم قلعة أبي قير وأخذوا مصطفى باشا أسيرا وكذلك عثمان خجا وغيرهما واخبر الفرنسيس انه حضرت لهم مكاتبة بذلك من اكابرهم فلما طلع النهار ضربوا مدافع كثيرة من قلعة الجبل وباقي القلاع المحيطة وبصحن الازبكية وعملوا في ليلتها أعني ليلة الاربعاء حراقة بالازبكية (2/299)
من نفوط وبارود وسواريخ تصعد في الهواء
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه وصلت عدة مراكب وبها اسرى وعساكر جرحى وكذلك يوم الجمعة تاسع عشرينه حضرت مكاتبة من الفرنسيس بحكاية الحالة التي وقعت لم اقف على صورتها
واستهل ربيع الاول بيوم السبت سنة
في ثانيه وصلت مراكب من بحري وفيها جرحى من الفرنساوية
وفيه قبضوا على الحاج مصطفى البشتيلي الزيات من اعيان اهالي بولاق وحبسوه ببيت قائممقام والسبب في ذلك ان جماعة من جيرانه وشوا عنه بانه يدخل بعض حواصله الذي في وكالته عدة فدور مملوءة بالبارود فكبسوا على الحواصل فوجدوا بها ذلك أخبر الواشي فأخذوها وقبضوا عليه وحبسوه كما ذكر ثم نقلوه الى القلعة
وفي سادسه حضر ايضا جملة من العسكر وكثر لغط الناس على عادتهم في رواية الاخبار
وفيه حضرت حجاج المغاربة ووصلوا صحبة الحج الشامي وأخبروا انهم حجوا صحبته وأمير الحاج الشامي عبد الله باشا ابن العظم
وفي ليلة الاحد تاسعه حضر سارى عسكر الفرنساوية بونابارته ودخل الى داره بالازبكية وحضر صحبته عدة اناس من اسرى المسلمين وشاع الخبر بحضوره فذهب كثير من الناس الى الازبكية ليتحققوا الخبر على جليته فشاهدوا الاسرى وهم وقوف في وسط البركة ليراهم الناس ثم انهم صرفوهم بعد حصة من النهار فأرسلوا بعضهم الىجامع الظاهر خارج الحسينية واصعدوا باقيهم الى القلعة وأما مصطفى باشا سارى عسكر فانهم لم يقدموا به لمصر بل ارسلوه الى الجيزة مكرما وابقوا عثمان خجا بالاسكندرية ولما استقر بونابارته في منزله ذهب للسلام عليه المشايخ والاعيان وسلموا عليه فلما استقر بهم المجلس قال لهم على لسان الترجمان ان سارى عسكر يقول لكم انه لما سافر الى الشام كانت حالتكم طيبة في غيابه وأما في هذه المرة فليس كذلك لانكم كنتم تظنون أن الفرنسيس لا يرجعون بل يموتون عن آخرهم فكنتم فرحانين ومستبشرين وكنتم (2/300)
تعارضوا الاغا في احكامه وان المهدي والصاوي ما هم بونوأى ليسوا بطيبين ونحو ذلك وسبب كلامه هذا الحكاية المتقدمة التي حبسوا بسببها مشايخ الحارات فان الاغا الخبيث كان يريد ان يقتل في كل يوم اناسا بادنى سبب فكان المهدي والصاوي يعارضانه ويتكلمان معه في الديوان ويوبخانه ويخوفانه سوء العاقبة وهو يرسل الى سارى عسكر فيطالعه بالاخبار يشكو منهما فلما حضر عاتبهم في شأن ذلك فلاطفوه حتى انجلى خاطره وأخذ يحدثهم على ما وقع له من القادمين الى أبي قير والنصر عليهم وغير ذلك
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل المولد النبوي بالازبكية ودعا الشيخ خليل البكري سارى عسكر الكبير مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده وضربوا ببركة الازبكية مدافع وعملوا حراقة وسواريخ ونادوا في ذلك اليوم بالزينة وفتح الاسواق والدكاكين ليلا واسراج قناديل واصطناع مهرجان وورد الخبر بان الفرنسيس احضروا عثمان خجا ونقلوه من الاسكندرية الى رشيد فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس حافي القدمين وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم حتى وصلوا به الى داره فقطعوا رأسه تحتها ثم رفعوا رأسه وعلقوها من شباك داره ليراها من يمر بالسوق
وفي ثالث عشره أشيع بان كبير الفرنسيس سافر الى جهة بحري ولم يعلم أحد أي جهة يريد وسئل بعض اكابرهم فأخبر ان سارى عسكر المنوفية دعاه لضيافته بمنوف حين كان متوجها الى ناحية ابي قير ووعده بالعود اليه بعد وصوله الى مصر وراج ذلك على الناس وظنوا صحته
ولما كان يوم الاثنين سادس عشره خرج مسافرا من آخر الليل وخفى امره على الناس
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه الموافق التاسع مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك فنودى بوفائه على العادة وخرج النصارى البلدية من القبطة والشوم والاروام وتأهبوا للخلاعة والقصف والتفرج واللهو والطرب (2/301)
وذهبوا تلك الليلة الى بولاق ومصر العتيقة والروضة واكثروا المراكب ونزلوا فيها وصحبتهم الآلات والمغاني وخرجوا في تلك الليلة عن طورهم ورفضوا الحشمة وسلكوا مسلك الامراء سابقا من النزول في المراكب الكثيرة المقاذيف وصحبتهم نساؤهم وقحابهم وشرابهم وتجاهروا بكل قبيح من الضحك والسخرية والكفريات ومحاكاة المسلمين وبعضهم تزيابزي امراء مصر ولبس سلاحاوتشبه بهم وحاكى الفاظهم على سبيل الاستهزاء والسخرية وغير ذلك واجرى الفرنساوية المراكب المزينة وعليها البيارق وفيها انواع الطبول والمزامير في البحر ووقع في تلك الليلة بالبحر وسواحله من الفواحش والتجاهر بالمعاصي والفسوق مالا يكيف ولا يوصف وسلك بعض غوغاء العامة وأسافل العلام ورعاعهم مسالك تسفل الخلاعة ورذالة الرقاعة بدون ان ينكر احد على احد من الحكام او غيرهم بل كل انسان يفعل ما تشتهيه نفسه وما يخطر بباله وان لم يكن من امثاله
واكثر الفرنسيس في تلك الليلة وصباحها من رمي المدافع والسواريخ من المراكب والسواحل وباتوا يضربون انواع الطبول والمزامير وفي الصباح ركب دوجا قائممقام وصحبته اكابر الفرنسيس واكابر اهل مصر وحضروا الى قصر السد وجلسوا به واصطفت العساكر ببر الروضة وبر مصر القديمة باسلحتهم وطبولهم وبعضهم في المراكب لضرب المدافع المتتالية الى ان انكسر السد وجرى الماء في الخليج فانصرفوا
وفي خامس عشرينه طلبوا من كل طاحون من الطواحين فرسا
وفي سادس عشرينه كتبوااوراقا والصقوها بالاسواق مضمونها ان الناس يذهبون الى بولاق يوم التاسع والعشرين ليحضروا سوق الخيل ويشتروا ما احبوا من الخيل
وفيه الصقوا اوراقا ايضا مضمونها بأن من كان عليه مال ميري ملزوم بغلاقه ومن لم يغلق ما عليه بعد مضي عشرين يوما عوقب بما يليق به ونادوا بموجب ذلك بالاسواق (2/302)
وفي سابع عشرينه كتبوا اوراقا ايضا مضمونها انقضاء سنة مؤاجرات اقلام المكوس ومن اراد استثمار شيء من ذلك فليحضر الى الديوان وياخذ ما يريد بالمزاد
وفيه افرج عن الانفار التي قدم بها الفرنساوية من غزة وحبست بالقلعة على مصلحة خمسة وسبعين كيسا دفعوا بعضها وضمنهم اهل وكالة الصابون في البعض الباقي فانزلوهم من القلعة على هذا الاتفاق بشرط ان لا يسافر منهم احد الا بعد غلاق ما عليه
وفي ثامن عشرينه تشفع ارباب الديوان في اهل يافا المسجونين بالقلعة ايضا فوقع التوافق معهم على الافراج عنهم بمصلحة مائة كيس فاجتمع الرؤساء والتجار وترووا واشتوروا في مجلس خاص بينهم فاتفق الحال على تقسيطها وتاجيلها في كل عشرين يوما خمسة وعشرون كيسا فدفع التجار خمسة وعشرين كيسا وافرج عنهم من القلعة واجلوا الباقي على الشرح المذكور
وفيه ورد من بونابارته سارى عسكر الفرنساوية كتاب من الاسكندرية خطا بالاهل مصر وسكانها فأحضر قائممقام دوجا الرؤساء المصرية وقرأ عليهم الكتاب مضمونه انه سافر يوم الجمعة حادي عشرين الشهر المذكور الى بلاد الفرنساوية لاجل راحة اهل مصر وتسليك البحر فيغيب نحو ثلاثة أشهر ويقدم مع عساكره فإنه بلغه خروج عمارتهم ليصفوا له ملك مصر ويقطع دابر المفسدين وان المولى على أهل مصر وعلى رياسة الفرنساوية جميعا كلهبر سارى عسكر دمياط فتحير الناس وتعجبوا في كيفية سفره ونزوله البحر مع وجود مراكب الانكليز ووقوفهم بالثغر ورصدهم الفرنساوية من وقت قدومهم الديار المصرية صيفا وشتاء ولكيفية خلوصة وذهابه أنباء وحيل لم أقف على حقيقتها
وفي يوم السبت تاسع عشرينه قدم سارى عسكر كلهبر صبيحة ذلك اليوم فضربوا لقدومه المدافع من جميع القلاع وتلقته كبار الفرنساوية وأصاغرهم وذهب الى بيت بونابارته الذي كان ساكنا به وهو بيت الالفي (2/303)
بالازبكية وسكن مكانه وفي ذلك اليوم قدمت طائفة من العسكر من جهة الشرقية وصحبتهم منهوبات كثيرة من بلد عصت عليهم فضربوها ونهبوها ومعهم نحو السبعين من الرجال والصغار وبعض النساء وهم موثقون بالحبال فسجنوهم بالقلعة
وفيه ذهب أكابر البلد من المشايخ والاعيان لمقابلة سارى عسكر الجديد للسلام عليه فلم يجتمعوا به ذلك اليوم ووعدوا الى الغد فانصرفوا وحضروا في ثاني يوم فقابلوه فلم يروا منه بشاشة ولا طلاقة وجه مثل بونابارته فإن كان بشوشا ويباسط الجلساء ويضحك معهم
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاحد سنة
في اوائله ابتدأوا في عمل مولد المشهد الحسيني وقهروا الناس وكرروا المناداة بفتح الحوانيت والسهر ووقود القناديل عشر ليال متوالية آخرها ليلة الخميس ثاني عشرة
وفيه طلب سارى عسكر الجديد من نصارى القبط مائة وخمسين الف ريال فرانسة في مقابلة بواقي سنة 1212 وشرعوا في تحصيلها
وفي يوم الجمعة سادسه ركب سارى عسكر الجديد من الازبكية ومشى في وسط المدينة في موكب حافل حتى صعد الى القلعة وكان امامه نحو الخمسمائة قواس وبأيديهم النبابيت وهم يامرون الناس بالقيام والوقوف على الاقدام لمروره وكان صحبته عدة كثيرة من خياله الافرنج وبأيديهم السيوف المسلولة والوالي والاغا وبرطلمين بمواكبهم وكذلك القلقات والوجاقلية وكل من كان مولى من جهتهم ومنضما اليهم ماعدا رؤساء الديوان من الفقهاء فلم يطبلوهم للحضور ولا للمشي في ذلك الموكب ولما صعد الى القلعة ضربوا له عدة مدافع وتفرج على القلعة ثم نزل بذلك الموكب الى داره
وفي يوم السبت سابعه ركب اغاة الينكجرية في ابهة عظيمة وجبروت وامامه عدة من عسكر الفرنسيس وامامه المنادى يقول حكم مارسم سارى عسكر خطابا للاغا ان جميع الدعاوى والقضايا العامية لا تعمل (2/304)
الا ببيت الاغا وكل من تعدى من الرعايا او وقع منه قلة ادب يستأهل ما يجري عليه
وفيه ركب سارى عسكر الكبير في موكب دون الاول ووصل الى بيت رئيس الديوان الشيخ عبد الله الشرقاوي ثم رجع الى داره
وفي يوم الاحد ثامنه عمل سارى عسكر وليمة في بيته ودعا الاعيان والتجار والمشايخ فتعشوا عنده ثم انصرفوا الى دورهم
وفي يوم الثلاثاء عاشره وكان آخر المولد الحسيني وحضر سارى عسكر الفرنساوية مع اعيانهم الى بيت شيخ السادات بعد العصر في موكب عظيم وأمامه الاغا والوالي والمحتسب وعدة كبير من عسكرهم وبيدهم السيوف المسلولة فتعشوا هناك وركبوا بعد المغرب وشاهدوا وقود القناديل
وفي سادس عشرة نودى بنشر الحوائج وكتبوا بذلك اوراقا والصقوها بالاسواق وشددوا في ذلك بالتفتيش والنظر بجماعة من طرف مشايخ الحارات ومع كل منهم عسكرى من طرف الفرنساوية وامرأة ايضا للكشف على اماكن النساء فكان الناس يأنفون من ذلك ويستثقلونه ويستعظمونه وتحدثهم أوهامهم بأمور يتخيلونها كقولهم انما يريدون بذلك الاطلاع على أماكن الناس ومتاعهم مع أنه لم يكن شيء سوى التخوف من العفونة والوباء
وفي عشرينه نودى بعمل مولد السيد علي البكري المدفون بجامع الشرايبي بالازبكية بالقرب من الرويعي وأمروا الناس بوقود قناديل بالازقة في تلك الجهات وأذنوا لهم بالذهاب والمجيء ليلا ونهارا من غير حرج وقد تقدم ذكر بعض خبر هذا السيد وانه كان رجلا من البله وكان يمشي بالاسواق عريانا مكشوف الرأس والسوأتين غالبا وله أخ صاحب دهاء ومكر لا يلتئم به واستمر على ذلك مدة سنين ثم بدا لاخيه في أمر لما رأى من ميل الناس لاخيه واعتقادهم فيه كما هي عادة أهل مصر في أمثاله فحجر عليه ومنعه من الخروج من البيت وألبسه ثيابا وأظهر للناس (2/305)
انه اذن له بذلك وانه تولى القطبانية ونحو ذلك فأقبلت الرجال والنساء على زيارته والتبرك به وسماع الفاظه والانصات الى تخليطاته وتأويلها بما في نفوسهم وطفق أخوه المذكور يرغبهم ويبث لهم في كراماته وانه يطلع على خطرات القلوب والمغيبات وينطق بما في النفوس فانهمكوا على الترداد اليه وقلد بعضهم بعضا واقبلوا عليه بالهدايا والنذور والامدادات الواسعة من كل شيء وخصوصا من نساء الامراء والاكابر وراج حال أخيه واتسعت امواله ونفقت سلعته وصادت شبكته وسمن الشيخ من كثرة الاكل والدسومة والفراغ والراحة حتى صار مثل البو العظيم فلم يزل على ذلك الى أن مات في سنة سبع بعد المائتين كما تقدم فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع وعمل عليه مقصورة ومقاما وواظب عنده بالمقرئين والمداحين وأرباب الاشاير والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم ومدحهم ونحو ذلك ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم وصار ذلك المسجد مجمعا وموعدا فلما حضر الفرنساوية الى مصر تشاغل عنه الناس واهمل شانه في جملة المهملات وترك مع المتروكات فلما فتح امر الموالد والجمعيات ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات أعيد هذا المولد مع جملة ما أعيد
واستهل شهر جمادى الاولى بيوم الجمعة سنة
فيه اهتم الفرنسيس بعمل عيدهم المعتاد وهو عند الاعتدال الخريفي وانتقال الشمس لبرج الميزان فنادوا بفتح الاسواق والدكاكين ووقود القناديل وشددوا في ذلك وعملوا عزائم وولائم واطعمة ثلاثة ايام آخرها يوم الاثنين ولم يعملوه على هيئة العام الماضي من الاجتماع بالازبكية عند الصارى العظيم المنتصب والكيفية المذكورة لان ذلك الصارى سقط وامتلآت البركة بالماء فلما كان يوم الاحد نبهوا على الامراء (2/306)
والاعيان بالبكور الى بيت سارى عسكر فاجتمع الجمع في صبح يوم الاثنين فركب سارى سكر معهم في موكب كبير وذهبوا الى قصر العيني فمكثوا هناك حصة وعرضت عليهم العساكر جميعها على اختلاف انواعها من خيالة ورجالة وهم بأسلحتهم وزينتهم ولعبوا لعبهم في ميدان الحرب وخلع سارى عسكر على الشيخ الشرقاوي والقاضي واغاة الينكجرية خلع سمور ثم رجع الى منازلهم ثم نودى في جميع الاسواق بوقود اربع قناديل على كل دكان في تلك الليلة ومن لم يفعل ذلك عوقب ثم عملوا بالازبكية حراقة نفوط ومدافع وسواريخ ولعبوا في المراكب طول ليلهم
وفي سابعه بعد عيد الصليب نقص ماء النيل وكان من اول زيادته قاصرا عن العادة وزيادته شحيحة فضج الناس وانكبوا على شراء الغلة وازدحموا في الرقع والسواحل وطلب باعة الغلة الزيادة في السعر فجمع الفرنساوية كل من كان له مدخل في تجارة الغلال وزجروهم وخوفوهم وقالوا لهم هذه الغلة الموجودة الان انما هي زراعة العام الماضي واما هذا العام 2 فلا تخرج زراعته الا في العام المستقبل فانزجروا وباعوا بالسعر الحاضر وقد كاد يقع الغلاء العظيم لولا الطاف الله ورحمته ونعمه العميمة الشاملة حصلت
وفيه ارسلوا جملة عساكر من الفرنساوية الى مراد بك بناحية الفيوم وعليهم كبير فوقع بينهم وبينه امور لم اتحقق تفصيلها وترددت بينه وبين سارى عسكر الرسل والمراسلات ووقع بينه وبينهم الهدنة والمهاداة واصطلح معهم على شروط منها تقليده امارة الصعيد تحت حكمهم وفي هذا الشهر كثرت الاشاعة باجتماع عساكر عثمانية جهة الشام فكثر اهتمام الفرنساوية باخراج الجبخانات والمدافع وآلات الحرب والقومانية والعساكر وتحصين الصالحية والفرين وبلبيس (2/307)
واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة
وفيه كثرت الاقوال وتواترت الاخبار بوصول الوزير الاعظم يوسف باشا الى الديار الشامية وصحبته نصوح باشا وعثمان أغا كتخدا الدولة وحسين اغا نزله امين ومصطفى افندي الدفتردار وباقي رجال الدولة وعسفوا في البلاد الشامية وضربوا عليهم الضرائب العظيمة وجبوا الاموال وفعلوا مالا خير فيه من الظلم وقتل الانفس بسبب استخلاص الاموال فلما كان في منتصفه وردت الاخبار بوصولهم الى غزة العريش وانهم حاصروا قلعة العريش وقاتلوا من بها من عسكر الفرنساوية حتى ملكوها في تاسع عشره واحتووا على ماكان فيها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وصعد مصطفى باشا الذي باشر اخذ القلعة مع جملة من العسكر وبعض الاجناد المصرية وضربت النوبة وحصل لهم الفرح العظيم فاتفق انه وقعت نار على مكان الجبخانة والبارود المخزون بالقلعة وكان شيئا كثيرا فاشتعلت وطارت القلعة بمن فيها واحترقوا وماتوا وفيهم الباشا المذكور ومن معه ومحمد اغا ارنؤد الجلفي وغيره من المصرلية ومات كثير ممن كان خارجا عنها وبقربها مما نزل عليهم من النار والاحجار المتطايرة في اسرع وقت ولما تحقق الفرنساوية اخذ العريش وان عساكر العثمانيين زاحفة الى جهة الصالحية نهيأ سارى عسكر الفرنساوية واستعد للخروج والسفر في اسرع وقت وخرج بعساكره وجنوده الى الصالحية وقد كان قبل أخذ العثمانيين قلعة العريش ارسل الفرنساوية الى سينت كبير الانكليز مراسلات ليتوسط بينهم وبين العثمانيين ثم ورد فرمان من حضرة الوزير قبل وصوله لجهة العريش خطابا الى جمهور الفرنساوية باستدعاء رجلين من رؤسائهم وعقلائهم ليتشاور معهم ويتفق معهم على أمر يكون فيه المصلحة للفريقين على ما سيشترطونه بينهم فوجهوا اليه من طرفهم بوسليك رئيس الكتاب وديزه سارى عسكر الصعيد فنزلوا في البحر على دمياط وطالت مدة غيابهم وبعث كلهبر سارى عسكر رسلا من طرفه لاستفسار الاخبار (2/308)
واستهل شهر شعبان المعظم سنة
فورد الخبر بقدومهما في اثنين وعشرين فيه الى الصالحية فارسلوا لهما الخيول وما يحتاجان اليه وحضرا الى مصر وشاع أمر الصلح وحضر من طرف العثمانيين رئيس الكتاب والدفتردار لتقرير الصلح وجنح كل من الفريقين الى ذلك لما فيه من كف الحرب وحقن الدماء وأظهر الفرنساوية الخداع والخضوع حتى تم عقد الصلح على اثنين وعشرين شرطا رسمت وطبعت في طومار كبير وورد الخبر بذلك الى مصر وفرح الناس بذلك فرحاشديدا وأرسل سارى عسكر الفرنساوية مكاتبة بصورة الحال الى دوجا قائممقام فجمع اهل الديوان وقرأ عليهم ذلك
ولما ورد ذلك الطومار المتضمن لعقد الصلح والشروط وعربوه وطبعوا منه نسخا كثيرة فرقوا منها على الاعيان وألصقوا منها بالاسواق والشوارع
وصورته بما فيه من الفصول والشروط بالحرف الواحد ما عدا ترجمة الاسطر التي باللغة الفرنساوية وهذه صورة الشروط الواقعة لخلو مصر ما بين حضرة الجنرال ديزة متفرقة وحضرة بسليغ مدير الحدود العام نواب سرى العسكر العام كلهبر المفوضين بكامل السلطان وجناب سامي المقام مصطفى رشيد افندي دفتردار ومصطفى راسيسه أفندي رئيس كتاب الوكلاء المفوضين بكامل السلطان عن جناب حضرة الوزير سامي المقام ان للجيش الفرنساوي بمصر عندما قصد ان يوضح ما في نفسه من وفور الشوق لحقن الدماء ويرى نهاية الخصام المضر الذي قد حصل ما بين المشيخة الفرنساوية والباب العالي فقد ارتضى ان يسلم بخلو الاقليم المصري بحسب هذه الشروط الآتي ذكرها يأمل ان بهذا التسليم يمكن أن يتجه ذلك الى الصلح العام في بلاد المغرب قاطبة
الشرط الاول أن الجيش الفرنساوي يلزمه ان يتنحى بالاسلحة والعزال بالامتعة الى الاسكندرية ورشيد وابو قير لاجل ان يتوجه وينتقل بالمركب الى فرانسا ان كان ذلك في مراكبهم الخاص بهم ام في (2/309)
تلك التي يقتضي للباب العالي ان يقدمها لهم بقدر الكفاية ولاجل تجهيز المراكب المذكورة بأقرب نوال فقد وقع الاتفاق من بعد مضي شهر واحد من تقرير هذه الشروط يتوجه الى قلعة اسكندرية نائب من قبل الباب العالي وصحبته خمسون نفرا
الشرط الثاني فلا يدعن المهلة وتوقيف الحرب بمدة ثلاثة اشهر بالاقليم المصري وذلك من عهد امضاء شروط الاتفاق هذه واذا صادف الامر ان هذه المهلة تمضي قبل ان المراكب الواجب تجهيزها من قبل الباب العالي تحضر جاهزة فالمهلة المذكورة يقتضي مطاولتها الى ان ينجز الرحيل على التمام والكمال ومن الواضح انه لا بد عن اصراف الوسايط الممكنة من قبيل الفريقين لكي لا يحصل ما يمكن وقوعه من التجسس ان كان ذلك من الجيش من اهل البلاد اذا كانت هذه المهلة قد حصل الاتفاق بها لاجل راحتهم
الشرط الثالث فرحيل الجيش الفرنساوي يقتضي تدبيره بيد الوكلاء القادمين لهذه الغاية من قبل الباب الاعلى وسرى العسكر كلهبر واذا حصل خصام ما بين الوكلاء المذكورين بوقت الرحيل في هذا الصدد فلينتخب من قبل حضرة سيد نهى سميت رجل لينهى المخاصمات المذكورة بحسب قواعد السياسة البحرية السالكون عليها ببلاد الانكليز
الشرط الرابع قطية والصالحية لا بد عن خلوهما عن الجيش الفرنساوية في ثامن يوم وأعظم ما يكون في عاشر يوم من امضاء شروط الاتفاق هذه ومدينة المنصورة يكون خلوها من بعد خمسة عشر يوما واما دمياط وبلبيس من بعد عشرين يوما واما السويس فيكون خلوه ستة ايام قبل مدينه مصر واما المحلات الكائنة في الجهة الشرقية من بحر النيل فيكون خلوها في اليوم العاشر والدلطا أي الاقليم البحرية يكون خلوها خمسة عشر يوما من بعد خلو مصر والجهة الغربية وما يتعلق بها تستمر بيد الفرنسيس الى حد خلو مدينة مصر ولكن من حيث انها لا بد ان تستمر بيد الفرنساوية الى ان يكون انحدار العسكر من جهات (2/310)
الصعيد فجهة الغربية وتعلقاتها كما ذكر فممكن انه لا يتيسر خلوها الا من بعد انقضاء وقت المهلة المعين اذا لم يمكن خلوها قبل هذا الميعاد والمحلات التي تترك من الجيش فتسلم الى الباب الاعلى كما هي في حالها الآن
الشرط الخامس ثم ان مدينة مصر ان امكن ذلك يكون خلوها بعد اربعين يوما واكثر ما يكون بمدة خمسة واربعين يوما من وقت امضاء الشروط المذكورة
الشرط السادس انه لقد وقع الاتفاق صريحا على ان الباب الاعلى يصرف كل اعتناء في ان الجيش الفرنساوي الموجود في الجهة الغربية من بحر النيل عندما يقصد التنحي بكامل ماله من السلاح والعزال لنحو معسكرهم لاتصير عليه مشقة ولا أحد يشوش عليه ان كان ذلك مما يتعلق بشخص كل واحد منهم او بامتعته او بكرامته وذلك اما من اهالي البلاد واما من جهة العسكر السلطاني العثملي
الشرط السابع وحفظا لاتمام الشرط المذكور اعلاه وملاحظة لمنع ما يمكن وقوعه من الخصام والمعاداة فلا بد عن استعمال الوسائط في ان عسكر الاسلام يكون دائما متباعدا عن العسكر الفرنساوي
الشرط الثامن فمن تقرير وامضاء هذه الشروط فكل من كان من الاسلام ام من باقي الطوائف من رعايا البلم الاعلى بدون تمييز الاشخاص اولئك الواقع عليها الضبط ام الذين واقع عليهم الترسيم ببلاد فرانسا أو تحت أمر الفرنساوية بمصر يعطى لهم الاطلاق والتعلق وبمثل ذلك فكل الفرنساوية المسجونين في كامل البلدان والاساكل من مملكة العثملي وكذلك كامل الاشخاص من ايما طائفة كانت اولئك الذين كانوا في تعلق خدمة المراسلات والقناصل الفرنساوية لا بد عن انعتاقهم
الشرط التاسع فترجيع الاموال والاملاك المتعلقة بسكان البلاد والرعايا من الفريقين أم دفع مبالغ اثمانها لاصحابها فيكون الشروع به حالا من بعد خلو مصر والتدبير في ذلك يكون بيد الوكلاء في اسلامبول (2/311)
المقامين بوجه خاص من الفريقين لهذا المقصد
الشرط العاشر فلا يحصل التشويش لاحد من سكان الاقليم المصري من أي ملة كانت وذلك لا في اشخاصهم ولا في اموالهم نظرا الى ما يمكن ان يكون قد حصل من الاتحاد ما بينهم وبين الفرنساوية من اقامتهم بارض مصر
الشرط الحادي عشر ولا بد ان يعطى للجيش الفرنساوي ان كان من قبل الباب الاعلى او من قبل المملكتين المرتبطين معه اعني بها مملكة انكلترة ومملكة المسكوب فرمانات الاذن وأوراق المحافظة بالطريق وبمثل ذلك السفن اللازمة لرجوع الجيش المذكور بالامن والامان الى بلاد فرانسا
الشرط الثاني عشر وعند نزول الجيش الفرنساوي المذكور الكائن بمصر الان فالباب الاعلى وباقي الممالك المتحدة معه يعاهدون بأجمعهم انهم من وقت ينزلون بالمراكب الى حين وصولهم الى أراضي فرانسا لا يحصل عليهم شيء قط مما يكدرهم وبنظير ذلك فحضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام يعاهد من قبله وصحبته الجيش الفرنساوي الكائن بمصر بانه لا يصدر منهم مما يؤول الى المعاداة على الاطلاق ما دامت المدة المذكورة وذلك لا ضد العمارة ولا ضد بلدة من بلدان الباب الاعلى وباقي الممالك المرتبطة معه وكذلك ان السفن التي يسافر بها الجيش المشار اليه ليس لها أن ترى في حد من الحدود الا بتلك التي تختص باراضي فرانسا ما لم يكن ذلك في حادث ما ضروري
الشرط الثالث عشر ونتيجة ما قد وقع الاتفاق عليه من الامهال المشترط أعلاه بما يلاحظ خلو الاقليم المصري فالجهات الواقع بينهم هذا الاشتراط قد اتفقوا على انه اذا حضر في حد هذه المدة المذكورة مركب من بلاد فرانسا بدون معرفة غلايين الممالك المتحدة ودخل بمينا اسكندرية فلازم عن سفره حالا وذلك من بعد ان يكون قد تحوج بالماء والزاد اللازم ويرجع الى فرانسا وذلك بسندات أوراق الاذن من قبل الممالك (2/312)
المتحدة واذا صادف الامران مركبا من هذه المراكب يحتاج الى الترقيع فهذه لا غير يباح لها الاقامة الى أن ينتهي اصلاحها المذكور وفي الحال من ثم تتوجه الى بلاد فرانسا نظير التي قد تقدم القول عنها عند أول ريح يوافقها
الشرط الرابع عشر وقد يستطيع حضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام أن يرسل خبرا الى آرباب الاحكام الفرنساوية في الحال ومن يصحب هذا الخبر لا بد أن تعطى له اوراق الاذن بالاطلاق كما يقتضي ليسهل بهذه الواسطة وصول الخبر الى اصحاب الحكم بفرانسا
الشرط الخامس عشر واذا قد اتضح ان الجيش الفرنساوي يحتاج الى المعاش اليومي ما دامت الثلاثة اشهر المعينة لخلو الاقليم المصري وكذلك لمعاش الثلاثة الاشهر الاخرى التي يكون مبتدأها من يوم نزولهم بالمراكب فقد وقع الاتفاق على انه يقدم له مقدار ما يلزمه من القمح واللحم والارز والشعير والتبن وذلك بموجب القائمة التي تقدمت الان من وكلاء الجمهور الفرنساوي ان كان ذلك مما يخص اقامتهم او ما يلاحظ سفرم والذي يكون قد أخذه الجيش المذكور مقدار ما كان من شؤونه وذلك من بعد امضاء هذه الشروط فينخصم مما قد لزم ذاته بتقدمته الباب الاعلى
الشرط السادس عشر ثم ان الجيش الفرنساوي منذ ابتدأ وقوع امضاء هذه الشروط المذكورة ليس له ان يفرد على البلاد فردة ما من الفرائد قطعا بالاقليم المصري لا بل وبالعكس فانه يخلى للباب الاعلى كامل فر المال وغيره مما يمكن توجيه قبضه وذلك الى حين سفرهم وبمثل ذلك الجمال والهجن والجبخانة والمدافع وغير ذلك مما يتعلق بهم ولا يريدون أن يحملوه معهم ونظير ذلك شون الغلال الوارد نعلهم من تحت المال واخيرا مخازن الخراج فهذه كلها لا بد عن الفحص عنها وتسعيرها من اناس وكلاء موجهين من قبل الباب الاعلى لهذه الغاية ومن أمين البحر الانكليزي وبرفقة الوكلاء المتصرفين بأمر الجنرال كلهبر سرى العسكر وهذه الامتعة لا بد عن قبولها من وكلاء الباب الأعلى المتقدم (2/313)
ذكرهم بموجب ما وقع عليه السعر الى حد قدر مبلغ ثلاثة آلاف كيس التي تقتضي للجيش الفرنساوي المذكور لسهولة انتقاله عاجلا ونزوله بالمراكب واذا كانت الاسعار في هذه الامتعة المذكورة لا توازي المبلغ المرقوم أعلاه فالخسيس والنقص في ذلك لا بد عن دفعه بالتمام من قبل الباب الاعلى على جهة السلفة تلك التي يلزم بوفائها ارباب الاحكام الفرنساوية بأرواق التمسكات المدفوعة من الوكلاء المعنين من الجنرال كلهبر سرى العسكر العام لقبض واستلام المبلغ المذكور
الشرط السابع عشر ثم أنه اذا كانت تقتضي للجيش الفرنساوي بعض مصاريف لخلوهم مصر فلا بد ان نقبض وذلك من بعد تقرير تمسك الشروط المذكورة القدر المحدد اعلاه بالوجه الآتي ذكره أعني فمن بعد مضي خمسة عشر يوما خمسمائة كيس وفي غلاق الثلاثين يوما خمسمائة كيس اخرىوبتمام الاربعين يوما ثلثمائة كيس اخرى وعند تمام الخمسين يوما ثلثمائة كيس شرحه وعند غلاق الستين يوما ثلثمائة كيس أخرى وفي السبعين يوما ثلثمائة كيس أخرى وعند تمام الثمانين يوما ثلثمائة كيس اخرى وعند غلاق التسعين يوما خمسمائة كيس أخرى وكل هذه الاكياس المذكورة هي عن كل كيس خمسمائة غرش عثملي ويكون قبضها على سبيل السلفة من يد الوكلاء المعينين لهذه الغاية من قبل الباب الاعلى ولكي يسهل اجراء العمل بما وقع الاعتماد عليه فالباب الاعلىمن بعد وضع الامضاء علىالنسختين من الفريقين يوجه حالا الوكلاء الى مدينة مصر والى بقية البلاد المستمر بها الجيش
الشرط الثامن عشر ثم ان فرد المال الذي يكون قد قبضه الفرنساوية من بعد تاريخ تحرير الشروط المذكورة وقبل أن يكون قد اشتهر هذا الاتفاق في الجهات المختلفة بالاقليم المصري فقد تخصم من قدر مبلغ الثلاثة آلاف كيس المتقدم القول عنها
الشرط التاسع عشر ثم انه لكي يسهل خلو المحلات سريعا فالنزول في المراكب الفرنساوية المختصة بالحمولة والموجودة في المين بالاقليم (2/314)
المصري مباح به ما دامت مدة الثلاثة اشهر المذكورة المعينة للمهلة وذلك من دمياط ورشيد حتى الى الاسكندري ومن اسكندرية حتى الى رشيد ودمياط
الشرط العشرون فمن حيث انه للطمأن الكلي في جهات البلاد الغربية يقتضي الاحتراس الكلي لمنع الوبا الطاعوني عن انه يتصل هناك فلا يباح ولا لشخص من المرضى او من اولئك الذين مشكوك بهم برائحة من هذا الداء الطاعوني ان ينزل بالمراكب بل ان المرضى بعلة الطاعون او بعلة اخرى اينما كانت تلك التي بسببها لا يقتضي ان يسمح بسفرهم بمدة خلو الاقليم المصري الواقع عليها الاتفاق يستمرون في بيمارستان المرضى حيث هم الآن تحت امان جناب الوزير الاعظم عالي الشأن ويعالجونهم الاطباء من الفرنساوية اولئك الذين يجاورونهم بالقرب منهم الى ان يتم شفاهم يسمح لهم بالرحيل الشيء الذي لا بد عن اقتضاء الاستعجال به بأسرع ما يمكن ويحصل لهم ويبدو ونحوه ما ذكر في الشرطين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الاتفاق نظير ما يجري على باقي الجيش ثم ان امير الجيش الفرنساوي يبذل جهده في ابراز الاوامر الاشد صرامة لرؤساء العساكر النازلة بالمراكب بان لا يسمحوا لهم بالنزول بمينا خلاف المين التي تتعين لهم من رؤساء الاطباء تلك المين التي يتيسر لهم بها ان يقضوا أيام الكارنتينة بأوفر السهولة من حيث انها من مجرى العادة ولا بد عنها
الشرط الحادي والعشرون فكل ما يمكن حدوثه من المشاكل التي تكون مجهولة ولم يمكن الاطلاع عليها في هذه الشروط فلا بد عن نجازها بوجه الاستحباب ما بين الوكلاء المعينين لهذا لقصد من قبل الجناب الوزير الاعظم عالي الشأن وحضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام بوجه يسهل ويحصل الاسراع بالخلو
الشرط الثاني والعشرون وهذه الشروط لا تعد صحيحة الا من بعد اقرار الفريقين وتبديل النسخ وذلك بمدة ثمانية أيام ومن بعد حصول هذا (2/315)
الاقرار لا بد عن حفظ هذه الشروط الحفظ اليقين من الفريقين كليهما
صح وثبت وتقرر بختوماتنا الخاصة بنا بالمعسكر حيث وقعت المداولة بحد العريش في شهر يلويوز سنة ثمان من اقامة المشيخة الفرنساوية وفي رابع عشرين شهر شعبان هلالية سنة 1224 هجرية الممضين الجنرال متفرقة ذره البلدي بوسيهلغ المفوضين بكامل سلطانه الجنرال كلهبر وجناب سامي مقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيسه افندي رئيس الكتاب المفوضين بكامل سلطان جناب الوزير الاعظم عالي الشأن منقولة عن النسخة الاصلية الموافقة لتلك الموجهة بالفرنساويةالى الوكلاء العثملي بدلا من التي قد وجهوها باللغة التركية ممضي درزه وبوسيهلغ تقرير الجنرال سرى العسكر العام محرر في آخر السنة التركية التي بقيت محفوظة بيد الوزير الاعظم انني انا الواضع اسمي ادناه الجنرال سري العسكر العام أمير الجيش الفرنساوية بالاقليم المصري اثبت واقرر شروط الاتفاق المذكور اعلاه للحصول على اجرائه بالعمل بالنوع والصورة ان كان من اللازم ان اتيقن بان الاثنين وعشرين شرطا المشروحة الى الان هي موافقة على التدقيق باللغة الفرنساوية الممضي عليها من الوكلاء اصحاب ولاية الوزير الاعظم والمقررة من جناب عالي الشأن الترجمة التي لا بد عن الاعتماد بأجرائها كل مرة ان كان لسبب أم لآخر ممكن حصول بعض الاختلافات ومن ثم فتقلد بعض المشاكل
صح وجرى بمحل العسكر العام بالصالحية في ثامن شهر بلويوز سنة ثمان من المشيخة ممضي كلهبر عن نسخة صحيحة الجنرال متفرقة راس صاحب ختام في الجيش الفرنساوية ممضى داماس انتهى بحروفه وما فيه من خطأ او تحريف فهو طبق الاصل المطبوع بالمطبعة الفرنساوية باللغة العربية ولم أغير منه سوى ما في تواريخ الاشهر والسنين بالارقام الهندية والله أعلم (2/316)
استهل شهر رمضان المعظم بيوم الاحد سنة
في ثانيه حضر سارى عسكر الفرنساوية كلهبر الى ناحية العادلية وصحبته اغا من رجال الدولة العثمانية يسمى محمد اغا فأرسل سارى عسكر الى حسن اغا نجاتي المحتسب يأمره بأن يتلقاه وينزله في بيته ويكرمه اكراما زائدا فلما كان بعد العشاء دخل ذلك الاغا الى مصر في موكب فحصل للناس ضجة عظيمة وازدحموا على مشاهدتهم له والفرجة عليه وارتفعت اصواتهم وعلا ضجيجهم وركبوا على مصاطب الدكاكين والسقائف وانطلقت النساء والزغاريت من الطيقان واختلفت آراؤهم في ذلك القادم ولم يعلموا ما هو فدخل من باب النصر وشق القاهر ولم يزل سائرا حتى وصل الى بيت حسن اغا بسويقة اللالا فنزل هناك فلما استقر به الجلوس ازدحم الناس والاعيان للسلام عليه ولمشاهدته بالمشاعل والفوانيس فلما كان صبح تلك الليلة عمل ديوانا وجمع العلماء والوجاقلية واعيان الناس وكبار النصارى من الاقباط والشوام فلما تكاملوا ابرز لهم فرمانا من الوزير فقرىء عليهم بالمجلس فدل مضمونه على انه اغات الجمارك أي المكوس بمصر بولاق ومصر القديمة وفيه التحكير على جميع الواردات من اصناف الاقوات فيشتريها بالثمن الذي يسعره هو بمعرفة المحتسب ويودعه في المخازن وابرز فرمانا آخر قرى بالمجلس مضمونه ان الوزير اقام مصطفى باشا الذي كان اسر بأبي قير وكيلا عنه وقائممقام بمصر الى حين حضوره وان السيد أحمد المحروقي كبير التجار ملزوم ومقيد بتحصيل الثلاثة آلاف كيس المعينة لترحيل الفرنساوية
وانفض المجلس على ذلك وأخذ السيد احمد المحروقي في تحصيل ذلك القدر من الناس وفرضوه عل التجار وأهل الاسواق والحرف وشرعوا في تحكير الاقوات فغلت أسعارها وضاقت مؤن الناس ودهى الناس من أول احكامهم بهاتين الداهيتين وكان أول قادم منهم أمير المكوسات ومحكر الاقوات وأول مطلوبهم مصادرة الناس وأخذ المال (2/317)
منهم وتغريمهم واجتهد السيد احمد الحروقي في توزيع ذلك وجمعه في ايام قليلة فكان كل من توجه عليه مقدار من ذلك اجتهد في تحصيله واخرجه عن طيف قلب وانشراح خاطر وبادر بالدفع من غير تأخير لعلمه ان ذلك لترحيل الفرنساوية ويقول سنه مباركة ويوم سعيد بذهاب الكلاب الكفرة كل ذلك بمشاهدة الفرنسيس ومسمعهم وهم يحقدون ذلك عليهم وحضر مصطفى باشا من الجيزة وسكن ببيت عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين
وارسل الوزير فرامانات الى البلاد وعين المعينين والمباشرين بطلب المال والغلال والكلف من الاقاليم وأرسل الى البنادر وجعل في كل بندر اميرا ووكيلا لجمع الغلال والمطلوبات من الذخيرة وجمعها بالحواصل ولا يخفي ما يحصل في ضمن ذلك من الجزئيات التي سيتضح بعضها فيما بعد وأما الرعايا وهمج الناس من اهل مصر فانهم استولى عليهم سلطان الغفلة ونظروا للفرنسيس بعين الاحتقار وأنزلوهم عن درجة الاعتبار وكشفوا نقاب الحياء معهم بالكلية وتطاولوا عليهم بالسبب واللعن والسخرية ولم يفكروا في عواقب الامور ولم يتركوا معهم للصلح مكانا حتى ان فقهاء المكاتب كانوا يجمعون الاطفال ويمشون بهم فرقا وطوائف حسبة وهم يجهرون ويقولون كلاما مقفى بأعلى أصواتهم بلعن النصارى وأعوانهم وافراد رؤسائهم كقولهم الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان ونحو ذلك وظنوا فروغ القضية ولم يملكوا لانفسهم صبرا حتى تنقضي الايام المشروطة على ان ذلك لم يثمر الا الحقد والعداوة التي تأسست في قلوب الفرنسيس وأوجبت ما حصل بعد ذلك من وقوع العذاب البئيس
وقال الشعبي من جملة كلام وصادفنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء وأخذ الفرنساوية في اهبة الرحيل وشرعوا في مبيع امتعتهم وما فضل عن سلاحهم ودوابهم وسلموا غالب الثغور والقلاع كالصلحية وبلبيس ودمياط والسويس ثم ان العثمانين تدرجوا في دخول (2/318)
مصر وصار في كل يوم يدخل منهم جماعة بعد جماعة واخذوا يشاركون الناس في صناعاتهم وحرفهم مثل القهوجية والحمامية والخياطين والمزينين وغيرهم فاجتمع العامة واصحاب الحرف الى مصطفى باشا قائمقام وشكوا اليه فلم يلتفت لشكواهم لان ذلك من سنن عساكرهم وطرائفهم القبيحة
وورود الخبر بوصول حضرة الوزير الى بلبيس وصحبته الامراء المصرية وارسلوا الى مراد بك ومن معه بالحضور الى العرضي فأجاب بالاعتذار عن الحضور لانه في الصعيد فلم يقبلوا عذره فأكدوا عليه بالحضور فاستأذن الفرنساوية سرا فاستأذنوا له في المقابلة وكان سفيره في ذلك عثمان بك البرديسي ثم انه حضر وقابل الوزير بصحبة ابراهيم بك وخلع عليهما ورجع مراد بك فخيم جهة العادلية وحضر حسن أغا نزله أمين ودخل مصر واخلى الفرنساوية قلعة الجبل وباقي القلاع التي احدثوها ونزلوا منها فلم يطلع اليها احد من العثمانيين ولم يلتفتوا لتحصينها ولا ربطها بالعساكر والجبخانة واعرضوا عن المحاذرة وركبهم الغرور لاجل نفاذ المقدور وحضر ايضا غالب المصريين الفارين من مصر وقت مجيء الفرنساوية اليها من الاغوات والوجاقلية والافندية والكتبة مثل ابراهيم افندي الروزنامجي وثاني قلفة وغيرهما بنسائهم وأولادهم يظنون فروغ القضية والذي خافوا منه وقعوا فيه كما ستراه وأرسل ابراهيم بك الى السيد احمد المحروقي يطلب كساوى وثيابا وطرابيش وسراويل للمماليك ولخاصة نفسه فأرسل اليه مطلوبه وأخرجت لهم الخيام والتراتيب والنظام وهيأت نساء الامراء والاجناد احتياجاتهم وترتيباتهم وجروا على عادتهم في الثغالى ولازمت الخدم والفراشون الغدو والرواح الى خيم ساداتهم وهم راكبون البغال والرهونات والحمير الفارهة وفي حجورهم تعابي الثياب والبقج المزركشة بالذهب والفضة وكذلك الخدم الذين يحملون الخوانات وطبالي الاطبخة والاطعمة وعليها الاغطية الحرير والوشي الملون وهم يتغنون برفع أصواتهم ويتجاوبون بكلام وسخريات ولعن للنصارى (2/319)
البلدية والفرنسيس بمرآى منهم ومسمع الى غير ذلك مما يحرك الحفائظ ويوغر الصدور
ولما استقر الوزير بمدينة بلبيس وذلك في الثاني والعشرين من شهر رمضان استأذن العلماء والتجار والاعيان المصرية مصطفى باشا في التوجه للسلام فاستأذن ثم اذن لهم فذهبوا ايضا الى سارى عسكر كلهبر واستأذنوه فأذن لهم ايضا فذهبوا عند ذلك للسلام عليه فوصلوا الى نصوح باشا والي مصر وسلموا عليه وباتوا بوطاقه فلما وصلوا اليه واستقر بهم الجلوس سأل عن أسمائهم وكذلك عن التجار واكابر النصارى ثم خلع عليهم خلعا وانصرفوا من عنده فطافوا على اكابر الدولة بالعرضي وكذلك على الامراء المصرية ورجعوا الى مصر ودخلوها وعليهم تلك الخلع وصحبتهم قاضي العسكر وهو لابس قبوط اسود ووصل نصوح باشا والامراء الى جهة الخانكاه ثم الى المطرية
وفيه حضر درويش باشا والي الصعيد الى خارج القاهرة جهة الشيخ قمر فمكث اياما ثم توجه الى قبلي وصحبته نحو المائة نفر وكذلك ذهبت طائفة الى السويس والى دمياط والمنصورة وانبثوا في البلاد ودخلوا مصر شيئا فشيئا
واستهل شهر شوال سنة
في سابعه وقعت حادثة بين عسكر الفرنساوية والعثمانية وهي اول الحوادث التي حصلت بينهم وهو ان جماعة من عسكر العثمانية تشاجروا مع جماعة من عسكر الفرنساوية فقتل بينهم شخص فرنساوي ووقعت في الناس زعجة وكرشة واغلقوا الحوانيت وعمل العثمانية متاريس وتترسوا بها بناحية الجمالية وما والاها واجتمعوا هناك ووقع بينهم مناوشة قتل فيها اشخاص قليلة من الفريقين وكادت تكون فتنة وباتوا ليلتهم عازمين على الحرب فتوسطت بينهم كبراء العسكر في تمهيد ذلك وازالوا المتاريس وانكف الفريقان وبحث مصطفى باشا عمن اثار الفتنة وهم ستة انفار فقتلهم وارسلهم الى سارى عسكر الفرنساوية فلم يطب خاطره (2/320)
بذلك وقال لا بد من خروج عسكرهم الى عرضيهم حتى تنقضي الايام المشروطة واذا دخل منهم احد الى المدينة لا يدخلون الا بطريقة وبدون سلاح فعند ذلك أمر مصطفى باشا بخروج الداخلين من العساكر ولا يبقى منهم احد ووقف جماعة من الفرنساوية خارج باب النصر فاذا اراد احد من العسكر او من اعيان العثمانية الدخول الى المدينة فعند وصوله اليهم ينزل عندهم وينزع ما عليه من السلاح ويدخل وصحبته شخص او شخصان موكلان به يمشيان امامه حتى يقضي شغله ويرجع فاذا وصل الى الفرنساوية الملازمين خارج البلد اعطوه سلاحه فيلبسه ويمضي الى اصحابه فكان هذا شأنهم
وفي منتصفه توجه جماعة من اعيان الفرنساوية الى الاسكندرية بمتاعهم واثقالهم وفيهم قائممقام وديزه سارى عسكر الصعيد وبوسليك رئيس الكتاب ومدير الحدود ونزل جماعة منهم الى البحر يريدون السفر الى بلادهم فتعرض لهم الانكليز يريدون معاكستهم فأرسلوا الى سارى عسكر بمصر وعرفوه الحال فأرسل بذلك الى الوزير فأجابه بجواب لم يرتضه واصبح زاحفا الى سطح الخانكاه وكان ذلك آخر ايام المهلة المتفق عليها في دخول الوزير الى مصر وخروج الفرنساوية منها فلما رأوا ذلك طلبوا ثمانية ايام اجلة زيادة على ايام المهلة فأجيبوا الى ذلك ووصل الامراء المصرية وعرضي نصوح باشا وجملة من العساكر العثمانية الى ناحية المطرية ونصبوا خيامهم ووطاقهم هناك ثم ان الفرنساوية جعلوا الثمانية ايام المذكورة ظرفا لجمع عساكرهم وطوائفهم من البلاد القبلية والبحرية ونصبوا وطاقهم بساحل البحر متصلا باطراف مصر ممتدا من مصر القديمة الى شبرا وترددوا الى نواحي القلاع وهي لم يكن بها احد وشرعوا واجتهدوا في رد الجبخانة والذخيرة وآلات الحرب والبارود والجلل والمدافع والبنب على العربات ليلا ونهارا والناس يتعجبون من ذلك ومصطفى باشا قائممقام ومن معه يشاهدون ذلك ولا يقولون شيئا والبعض يقول ان الوزير أرسل اليهم وأمرهم برد ذلك كما كان ونحو (2/321)
ذلك من الخرافات التي لا تروج على الفطن ويقال ان الفرنساوية أرسل اليهم بعض اصدقائهم من الانكليز وعرفوهم ان الوزير اتفع مع الانكليز على الاحاطة بالفرنساوية اذا صاروا بظاهر البحر فلما حصل منهم معهم ما سبقت الاشارة اليه تحققوا ذلك وارسلوا ليوسف باشا بذلك فلم يجبهم بجواب شاف وعجل بالرحيل والقدوم الى ناحية مصر وقد كان الفرنساوية عندما تراسلوا وترددوا جهة والعرضي تفرسوا في عرضي العثمانيين وعساكرهم وأوضاعهم وتحققوا حالهم وعلموا ضعفهم عن مقاومتهم فلما حصل ما ذكر تأهبوا للمقاومة والمحاربة وردوا آلاتهم الى القلاع فلما تمموا أمر ذلك وحصنوا الجهات وأبقوا من ابقوه وقيدوه بها من عساكرهم واستوثقوا من ذلك خرجوا بأجمعهم الى ظاهر المدينة جهة قبة النصر وانتشروا في تلك النواحي ولم يبق بداخل المدينة منهم الا من كان بداخل القلاع وأشخاص ببيت الالفي بالازبكية وبعض بيوت الازبكية وغلب على ظن الناس أنهم برزوا للرحيل
وفي العشرين منه طلبوا مصطفى باشا وحسن أغا نزله امين فلما حضرا اليهم أرسلوهما للجيزة فلما كان اليوم الثالث والعشرين من شوال ركب سارى عسكر كلهبر قبل طلوع الفجر بعساكره وصحبتهم المدافع وآلات الحرب وقسم عساكره طوابير فمنهم من توجه الى عرضي الوزير ومنهم من مال على جهة المطرية فضربوا عليهم فلم يسعهم الا الجلاء والفرار وتركوا خيامهم ووطاقهم وركب نصوح باشا ومن كان معه وطلبوا جهة مصر فتركهم الفرنساوية ولحقوا بالذاهبين من اخوانهم الى جهة العرضي فلما قاربوه ارسلوا الى الوزير يأمرونه بالرحيل بعد أربع ساعات فلم يسعه الا الارتحال والفرنساوية في أثره وغالب عساكره مفرقون ومنتشرون في البلاد والقرى والنواحي لجمع المال ومقررات الفرض وظلم الفقراء
وأما أهل مصر فانهم لما سمعوا صوت المدافع كثر فيهم اللغط والقيل والقال ولم يدركو حقيقة الحال فهاجوا ورمحوا الى أطارف البلد وقتلوا أشخاصا من الفرنساوية صادفوهم خارجين من البلد ليذهبوا الى أصحابهم (2/322)
وذهبت شرذمة من عامة أهل مصر فانتهبت الخشب وبعض ما وجدوه من نحاس وغيره حيث كان عرضي الفرنساويةوخرج السيد عمر افندي نقيب الاشراف والسيد احمد المحروقي وانضم اليهم اتراك خان الخليلي والمغاربة الذين بمصر وكذلك حسين أغا شتن أخو ايوب بك الصغير وتبعهم كثير من عامة اهل البلد وتجمعوا على التلول خارج باب النصر وبأيدي الكثير منهم النبابيت والعصي والقليل معه السلاح وكذلك تحزب كثير من طوائف العامة والاوباش والحشرات وجعلوا يطوفون بالازقة وأطارف البلد ولهم صياح وضجيج وتجاوب بكلمات يقفونها من اختراعاتهم وخرافاتهم وقاموا على ساق وخرج الكثير منهم الى خارج البلدة على تلك الصورة فلما تضحى النهار حضر بعض الاجناد المصريين ودخلوا مصر وفيهم المجاريح وطفق الناس يسألونهم فلم يخبروهم بشيء لجهلهم ايضا حقيقة الحال ثم لم يزل الحال كذلك الى أن دخل وقت العصر فوصل جمع عظيم من العامة ممن كان خارج البلدة ولهم صياح وجلبة على الشرح المتقدم وخلفهم ابراهيم بك ثم اخرى وخلفهم سليم أغا ثم اخرى كذلك وخلفهم عثمان كتخدا الدولة ثم نصوح باشا ومعه عدة وافرة من عساكرهم وصحبتهم السيد عمر النقيب والسيد أحمد المحروقي وحسن بك الجداوي وعثمان بك المرادي وعثمان بك الاشقر وعثمان بك الشرقاوي وعثمان أغا الخازندار وابراهيم كتخدا مراد بك المعروف بالسنارى وصحبتهم مماليكهم واتباعهم فدخلوا من باب النصر وباب الفتوح ومروا على الجمالية حتى وصلوا الى وكالة ذي الفقار فقال نصوح باشا عند ذلك للعامة اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم فعندما سمعوا منه ذلك القول صاحوا وهاجوا ورفعوا أصواتهم ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى القبط والشوام وغيرهم فذهبت طائفة الى حارات النصارى وبيوتهم التي بناحية بين الصورين وباب الشعرية وجهة الموسكي فصاروا يكبسون الدور ويقتلون من يصادفونه من الرجال والنساء والصبيان وينهبون ويأسرون حتى اتصل ذلك بالمسلمين المجاورين لهم فتحزبت (2/323)
النصارى واحترسوا وجمع كل منهم ما قدر عليه من العسكر الفرنساوي والاروام وقد كانوا قبل ذلك محترسين وعندهم الاسلحة والبارود والمقاتلون لظنهم وقوع هذا الامر فوقع الحرب بين الفريقين وصارت النصارى تقاتل وترمى بالبندق والقرابين من طبقات الدور على المجتمعين بالازقة من العامة والعسكر ويحامون عن أنفسهم والاخرون يرمون من اسفل ويكبسون الدور ويتسورون عليها وبات نصوح باشا وكتخدا الدولة وابراهيم بك وبعض من صناجق مصر والكشاف والاتباع وطوائف من العسكر بخط الجمالية بوكالة الجمالية بوكالة ذي الفقار فلما أصبح الصباح ارسلوا الى المطرية وأحضروا منها ثلاثة مدافع فوجدوها مسدودة الفالية فعالجوها حتى فتحوها وقام ناصف باشا وشمر عن ساعديه وشد وسطه ومشى وصحيته الامراء المصرية على أقدامهم وجروا امامهم الثلاثة مدافع وسحبوها الى الازبكية وضربوا منها على بيت الالفي وكان به اشخاص مرابطون من عساكر الفرنساوية فضربوهم ايضا بالمدافع والبنادق واستمر الحرب بين الفريقين الى آخر النهار فسكن الحرب وباتوا ينادون بالسهر وفي هذا اليوم وضع أهل مصر والعسكر متاريس بالاطراف كلها وبجهة الازبكية وشرعوا في بناء بعض جهات السور واجتهدوا في تحصين البلد بقدر الطاقة وبات الناس في هذه الليلة خلف المتاريس فلما اظلم الليل اطلق الفرنساوية المدافع والبنب على البلد من القلاع ووالوا الضرب بالخصوص على خط الجمالية لكون المعظم مجتمعا بها فلما عاين ذلك الجميع اجمع رأى الكبراء والرؤساء على الخروج من البلد في تلك الليلة لعجزهم عن المقاومة وعدم آلات الحرب عزة الاقوات والقلاع بيد الفرنساوية ومصر لا يمكن محاصرتها لاتساعها وكثرة اهلها وربما مطال الحال فلا يجدون الأقوات لان غالب قوت اهلها يجلب من قراها في كل يوم وربما امتنع وصول ذلك اذا تجسمت الفتنة فاتفقوا على الخروج بالليل وتسامح الناس بذلك فتجهز المعظم للخروج وغصت خطة الجمالية وما والاها من الاخطاط بازدحام الناس الذين يريدون الخروج من المدينة (2/324)
وركب بعضهم بعضا وازدحمت تلك النواحي بالحمير والبغال والخيول والهجن المحملة بالاثقال وباتوا على تلك الصورة ووقع للناس في هذه الليلة من الكرب والمشقة والانزعاج والخوف مالا يوصف وتسامع اهل خان الخليلي من الالداشات وبعض مغاربة الفجامين والغورية ذلك فجاءوا للجمالية وشنعوا على من يريد الخروج وعضدهم طائفة عساكر الينكجرية وعمدوا الى خيول الامراء فحبسوها ببيت القاضي والوكائل واغلقوا باب النصر وبات في تلك الليلة معظم الناس على مساطب الحوانيت وبعض الاعيان في بيوت اصحابهم بالجمالية وفي ازقة الحارات ايضا وكل متهيء للخروج
فلما حصل ذلك واصبح يوم السبت فتهيأ كبراء العساكر والعساكر ومعظم أهل مصر ماعدا الضعيف الذي لاقوه له للحرب وذهب المعظم الى جهة الازبكية وسكن الكثير في البيوت الخالية والبعض خلف المتاريس واخذوا عدة مدافع زيادة عن الثلاثة المتقدمة وجدت مدفونة في بعض بيوت الامراء واحضروا من حوانيت العطارين من المثقلات التي يزنون بها البضائع من حديد واحجار استعملوها عوضا عن الجلل للمدافع وصاروا يضربون بها بيت سارى عسكر بالازبكية واستمر عثمان كتخدا بوكالة ذي الفقار بالجمالية وكان كل من قبض على نصراني ويهودي او فرنساوي اخذه وذهب به الى الجمالية حيث عثمان كتخدا ويأخذ عليه البقشيش فيحبس البعض حتى يظهر امره ويقتل البعض ظلما وربما قتل العامة من قتلوه واتوا برأسه لاجل البقشيش وكذلك كل من قطع راسا من رؤوس الفرنساوية يذهب بها اما لنصوح باشا بالازبكية واما العثمان كتخدا بالجمالية ويأخذوا في مقابلة ذلك الدراهم وبعد ايام اغلقوا باب القرافة وباب البرقية وباقي الابواب التي في اطراف البلد وزاد الناس في اصطناع المتاريس وفي الاحتراس وجلس عثمان بك الاشقر عند متاريس باب اللوق وناحية المدابغ وعثمان بك طبل عند متاريس المحجر ومحمد بك المبدول عند الشيخ ريحان ومحمد كاشف ايوب وجماعة ايوب (2/325)
بك الكبير والصغير عند الناصرية ومصطفى بك الكبير بقناطر السباع وسليمان كاشف المحمودي عند سوق السلاح واولاد القرافة والعامة وزعر الحسينية والعطوف عند باب النصر مع طائفة من الينكجرية وباب الحديد وباب القرافة وجماعة خان الخليلي والجمالية عند باب البرقية المعروف الآن بالغريب وبالجملة كل من كان في حارة من اطراف البلد انضم الى العسكر الذي بجهته بحيث صار جميع اهل مصر والعساكر كلها واقفة باطراف البلد عند الابواب والمتاريس والاسوار وبعض عساكر من العثمانية وما انضم اليهم من اهل مصر المتسلحين مكثت بالجمالية اذا جاء صارخ من جهة من الجهات بطائفة من هؤلاء وصار جميع اهل مصر اما بالازقة ليلا ونهارا وهو من لا يمكنه القتال واما بالاطراف وراء المتاريس وهو من عنده اقدام وتمكن من الحرب ولم ينم احد ببيته سوى الضعيف والجبان والخائف وناصف باشا وابراهيم بك وجماعاتهم وعسكر من الينكجرية والارنؤد والدلاة وغيرهم جهة الازبكية ناحية باب الهواء والرحبة الواسعة التي عند جامع ازبك والعتبة الزرقا وانشأ عثمان كتخدا معملا للبارود ببيت قائد اغا بخط الخرنفش واحضر القندفجية والعربجية والحدادين والسباكين لانشاء مدافع وبنبات واصلاح المدافع التي وجدوها في بعض البيوت وعمل العجل والعربات والجلل وغير ذلك من المهمات الجزئيه واحضروا لهم ما يحتاجون اليه من الاخشاب وفروع الاشجار والحديد وجمعوا الى ذلك الحدادين والنجارين والسباكين وارباب الصنائع الذين يعرفون ذلك فصار هذا كله يصنع ببيت القاضي والخان الذي بجانبه والرحبة التي عند بيت القاضي من جهة المشهد الحسيني واهتم لذلك اهتماما زائدا وانفق اموالا جمة وارسلوا فأحضروا المدافع الكائنة بالمطرية فكانوا كلما ادخلوا مدفعا ادخلوه بجمع عظيم من الاوباش والحرافيش والاطفال ولهم صياح ونباح وتجاوب بكلمات مثل قولهم الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان وغير ذلك وحضر محمد بك الالفي في ثاني يوم وتترس بناحية السويقة (2/326)
التي عند درب عبد الحق وعطفه البيدق وصحبته طوائفه ومماليكه واشخاص من العثمانية وبذل الهمة وظهرت منه ومن مماليكه شجاعة وكذلك كشافة وخصوصا اسمعيل كاشف المعروف بأبي قطية فانه لم يزل يحارب ويزحف حتى ملك ناحية رصيف الخشاب وبيت مراد بك الذي اصله بيت حسن بك الازبكاوي وبيت احمد اغا شويكار وتترس فيهما وحسن بك الجداوي تترس بناحية الرويعي وربما فارق متراسه في بعض الليالي لنصرة جهة اخرى وحضر ايضا رجل مغربي يقال انه الذي كان يحارب الفرنسيس بجهة البحيرة سابقا والتف عليه طائفة من المغاربة البلدية وجماعة من الحجازية ممن كان قدم صحبة الجيلاني الذي تقدم ذكره وفعل ذلك الرجل المغربي امورا تنكر عليه لان غالب ما وقع من النهب وقتل من لا يجوز قتله يكون صدوره عنه فكان يتجسس على البيوت التي بها الفرنسيس والنصارى فيكبس عليهم ومعه جمع من العوام والعسكر فيقتلون من يجدونه منهم وينهبون الدار ويسحبون النساء ويسلبون ما عليهم من الحلي والثياب ومنهم من قطع رأس البنية الصغيرة طمعا فيما على رأسها وشعرها من الذهب وتتبع الناس عورات بعضهم البعض وما دعتهم اليه حظوظ أنفسهم وحقدهم وضغائنهم واتهم الشيخ خليل البكري بأنه يوالي الفرنسيس ويرسل اليهم الاطعمة فهجم عليه طائفة من العسكر مع بعض اوباش العامة ونهبوا داره وسجنوه مع اولاده وحريمه واحضروه الى الجمالية وهو ماش على اقدامه ورأسه مكشوفة وحصلت له اهانة بالغة وسمع من العامة كلاما مؤلما وشتما فلما مثلوه بين يدي عثمان كتخدا هالة ذلك واغتم غما شديدا ووعده بخير وطيب خاطره واخذه سيدي احمد بن محمود محرم التاجر مع حريمه الى داره اكرمهم وكساهم واقاموا عنده حتى انقضت الحادثة وباشر السيد احمد المحروقي وباقي التجار ومساتير الناس الكلف والنفقات والمآكل والمشارب وكذلك جميع اهل مصر كل انسان سمح بنفسه وبجميع ما يملكه وأعان بعضهم بعضا وفعلوا ما في وسعهم وطاقتهم من المعونة (2/327)
وأما الفرنساوية فانهم تحصنوا بالقلاع المحيطة بالبلد وبيت الالفي وما والاه من البيوت الخاصة بهم وبيوت القبطة المجاورين لهم واستمر الناس بعد دخول الباشا والامراء ومن معهم من العسكر الى مصر اياما قليلة وهم يدخلون ويخرجون من باب الفتوح وباب العدوى وأهل الارياف القريبة تأتي بالميرة والاحتياجات من السمن والجبن واللبن والغلة والتبن والغنم فيبيعونه على اهل مصر ثم يرجعون الى بلادهم كل ذلك ولم يعلم احد حقيقة حال الفرنساوية المتوجهين مع كبيرهم للحرب واختلفت الروايات والاخبار وأما الوزير فأنه لما ارتحل بالعرضي تخلف عنه ببلبيس جملة من العسكر وأما عثمان بك حسن وسليم بك أبو دياب ومن معهما فأنهما تقاتلا مع الفرنساوية ثم رجعا الى بلبيس فحاصروا من بها وكان عثمان بك وسليم بك وعلي باشا الطرابلسي وبعض وجاقلية خرجوا منها وذهبوا الى ناحية العرضي فحارب الفرنساوية من بلبيس من العسكر ولم يكن لهم بهم طاقة فطلبوا الامان فأمنوهم وأخذوا سلاحهم واخرجوهم حيث شاؤا فذهبوا اشتاتا في الارياف يتكففون الناس ويأوون الى المساجد الخربة ومات اكثرهم من العرى والجوع ثم لما لحق عثمان بك ومن معه بالعرضي ناحية الصالحية وتكلموا مع الوزير واوجعوه بالكلام فاعتذر اليهم باعذار ومنها عدم الاستعداد للحرب وتركه معظم الجبخانة والمدافع الكبار بالعريش اتكالا على امر الصلح الواقع بين الفريقين وظنه غفلة الفرنساوية عما دبره عليهم مع لانكليز فقال له عثمان بك ارسل معنا العساكر وانتظرنا هنا فخاطب العسكر وبذل لهم الرغائب فامتنعوا ولم يمتثل منهم الا المطيع والمتطوع وهم نحو الالف وعادوا على أثرهم وجمعوا منهم من كان مشتتا ومنتشرا في البلاد ورجعوا يريدون محاربة الفرنساوية فنزلوا بوهدة بالقرب من القرين لكونهم نظروه في قلة من عسكره وعلمهم بقرب من ذكر منهم فضاربوهم بالنبابيت والحجارة وأصيب سرج سارى عسكر بنبوت فانكسر وسقط ترجمانة الى الارض وتسامع المسلمون فركبوا لنجدتهم واستصرخ (2/328)
الفرنساوية عساكرهم فلحقوا بهم ووقع الحرب بين الفريقين حتى حال بينهما الليل فانكف الفريقان وانحاز كل فريق ناحية فلما دخل الليل واشتد الظلام احاط العسكر الفرنساوي بعساكر المسلمين فاصبح المسلمون وقد رأوا احاطة العسكر بهم من كل جانب فركبت الخيالة وتبعتهم المشاة واخترقوا تلك الدائرة وسلم منهم من سلم وعطب من عطب ورجعوا على اثرهم الى الصالحية فعند ذلك ارتحل الوزير ورجع الى الشام واما مراد بك فان بمجرد ما عاين هجوم الفرنسيس على الباش والامراء بالمطرية وكان هو بناحية الجبل ركب من ساعته هو ومن معه ومروا من سفح الجبل وذهب الى ناحية دير الطين ينتظر ما يحصل من الامور واقام مطمئنا على نفسه واعتزل الفريقين واستمر على صلحه مع الفرنساوية هذا حاصل خبر الشرقيين ولما تحقق الباشا والامراء الذين انحصروا بمصر ذلك اخفوه بينهم واشاعوا خلافة لئلا تنحل عزائم الناس عن القتال وتضعف نفوسهم واستمر الباشا يظهر كتابة المراسلات وارسال السعاة في طلب النجدة والمعونة وربما افتعلوا اجوبة فزوروها على الناس فتزوج عليهم وتسرى في غفلتهم ويقولون للناس في كل وقت ان حضرة الصدر الاعظم مجتهد في محاربة الفرنسيس وفي غد او بعد غد يقوم بالعساكر والجنود بعد قطع العدو وعند حضوره ووصوله يحصل تمام الفتح وتهدم العساكر القلاع وتقلبها على من يبقى من الفرنساوية وبعد ذلك ينظم البلاد ويريح العباد واجتهدوا فيما انتم فيه وتابعوا المناداة على الناس والعسكر باللسان العربي والتركي بالتحريض والاجتهاد والحرص على لصبر والقتال وملاقاة العدو ونحو ذلك ووصل طائفة من عسكر الفرنساوية ورجعوا من عرضيهم نجدة لاصحابهم الذين بمصر فقويت بهم نفوس الكائنين بمصر ووقفت منهم طائفة خارج باب النصر وخارج باب الحسينية ونهبوا زاوية الدمرداش وما حولها كقبة الغوري والمنيل وحضر نحو خمسمائة من عسكر الارنؤد وهم الذين كان الوزير وجههم الى القرى لقبض الكلف والفرض فلما قربوا من مصر عارضهم عسكر الفرنساوية الواقفة على التلول (2/329)
الخارجة فحاموا ودافعوا عن انفسهم وخلصوا منهم ودخلوا الى مصر وفرح الناس لقدومهم وضجت القلعة بحضورهم واشتدت قواهم واتفقوا ان يقولوا للناس اذا سئلوا انهم حاضرون مددا وسيأتي في اثرهم عشرون الفا وعليهم كبير ونحو ذلك واما بولاق فانها قامت على ساق واحد وتحزم الحاج مصطفى البشتيلي وامثاله وهيجوا العامة وهيأوا عصيهم واسلحتهم ورمحوا وصفحوا واول ما بدؤا به انهم ذهبوا الى وطاق الفرنسيس الذي تركوه بساحل البحر وعنده حرسية منهم فقلتوا من ادركون منهم ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره ورجعوا الى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع التي للفرنساوية واخذوا ما احبوا منها وعملوا كرانك حوالي البلد ومتاريس واستعدوا للحرب والجهاد وقوى في رأسهم العناد واستطالوا على من كان ساكنا ببولاق من نصارى القبط والشوام فأوقعوا بهم بعض النهب وربما قتل منهم اشخاص هذا ما كان من امر هؤلاء واما ما كان من امر سارى عسكر الفرنساوية ومن معه فانه لما استوثق بهزيمة والوزير وعدم عوده ونجاته بنفسه لم يزل خلفه حتى بعد عن الصالحية فأبقى بها بعضا من عسكر الفرنسيس محافظين وكذلك بالقرين وبليس ورجع الى مصر وقد بلغت الاخبار بما حصل من دخول ناصف باشا والامراء وقيام الرعية فلم يزل حتى وصل الى داره بالازبكية واحاطت العساكر الفرنساوية بالمدينة وبولاق من خارج ومنعوا الداخل من الدخول والخارج من الخروج وذلك بعد ثمانية ايام من ابتداء الحركة وقطعوا الجالب عن البلدين واحاطوا بها احاطة السوار بالمعصم فكانت جماعة من المفوضين لهم المحصورين داخل المدينة كبعض القبطة ونصارى الشوام وغيرهم يهربون اليهم ويتسلقون من الاسوار والحيطان بحريمهم واولادهم فعند ذلك اشتد الحرب وعظم الكرب واكثروا من الرمي المتتابع بالمكاحل والمدافع واكثروا وأوصلوا وقع القنابر والبنبات من اعالي التلول والقلعات خصوصا البنبات الكبار على الدوام والاستمرار آناء الليل واطراف النهار في الغدو والبكور (2/330)
والاسحار وعدمت الاقوات وغلت اسعار المبيعات وعزت المأكوت وفقدت الحبوب والغلات وارتفع وجود الخبز من الاسواق وامتنع الطوافون به على الاطباق وصارت العساكر الذين مع الناس بالبلد يحفظون ما يجدونه بأيدي الناس من المأكل والمشارب وغلا سعر الماء المأخوذ من الآبار او الاسبلة حتى بلغ سعر القربة نيفا وستين نصفا واما البحر فلا يكاد يصل اليه احد وتكفل التجار ومساتير الناس والاعيان بكلف العساكر المقيمين بالمتاريس المجاورة لهم فألزموا الشيخ السادات بكلفة الذين عند قناطر السباع وهم مصطفى بك ومن معه من العساكر واما اكابر القبط مثل جرجس الجوهري وفلتيوس وملطي فانهم طلبوا الامان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وهم في وسطهم وخافوا على نهب دورهم اذا خرجوا فارين فارسلوا اليهم الامان فحضروا وقابلوا الباشا والكتخدا والامراء وأعانوهم بالمال واللوازم وأما يعقوب فانه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعدادا كبيرا بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الاولى فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه هذا والمناداة في كل وقت بالعربي والتركي على الناس بالجهاد والمحافظة على المتاريس وانهم مصطفى أغا مستحفظان بموالاته للفرنساوية وانه عنده في بيته جماعة من الفرنسيس فهجمت العساكر على داره بدرب الحجر فوجدوا انفارا قليلة من الفرنسيس فقاتلوا وحاموا عن أنفسهم وقتل منهم البعض وهرب البعض على حمية حتى خلصوا الى الناصرية وأما الاغا فأنهم قبضوا عليه واحضروه بين يدي عثمان كتخدا ثم تسلمه الانكشارية وخنقوه ليلا بالوكالة التي عند باب النصر ورموا جيفته على مزبلة خارج البلد واستقر عوضه شاهين كاشف الساكن بالخرنفش فاجتهد وشدد على الناس وكرر المناداة ومنعهم من دخول الدور وكل من وجده داخل داره مقته وضربه فكان الناس يبيتون بالازقة والاسواق حتى الامراء والاعيان وهلكت البهائم من الجوع لعدم وجود العلف من التين والفول والشعير والدريس (2/331)
بحيث صار ينادي على الحمار او البغل المعدد الجذى قيمته ثلاثون ريالا وأكثر بمائة نصف فضة او ريال واحدا واقل ولا يوجد من يشتريه وفي كل يوم يتضاعف الحال وتعظم الاهوال وزحف المسلمون على جهة رصيف الخشاب وترامى الفريقان بالمدافع والنيران حتى احترق ما بينهم من الدور وكان اسمعيل كاشف الالفي تحصن ببيت أحمد أغا شويكار الذي كان بيته وقد كان الفرنساوية جعلوا به لعما بالبارود المدفون فاشتعل ذلك اللغم ورفع ما فوقه من الابنية والناس وطاروا في الهواء واحترقوا عن آخرهم وفيهم اسمعيل كاشف المذكور وانهدم جميع ما هناك من الدور والمباني العظيمة والقصور المطلة على البركة واحترق جميع البيوت التي من عند بين المفارق بقرب جامع عثمان كتخدا الى رصيف الخشاب والخطة المعروفة بالساكت بأجمعها الى الرحبة المقابلة لبيت الالفي سكن سارى عسكر الفرنساوية وكذلك خطة الفوالة بأسرها وكذلك خط الروبعي بالسباط العظيمين وما في ضمن ذلك من البيوت الى حد حارة النصارى وصارت كلها تلالا وخرائب كأنها لم تكن مغني صبابات ولا مواطن أنس ونزاهات وقد جنت عليها ايدي الزمان وطوارق الحدثان حتى تبدلت محاسنها وأفقرت مساكنها وهكذا عقبى سوء ما عملوا فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا
وارسلوا الى مراد بك يطلبونه للحضور او يرسل الامراء والاجناد التي عنده فأرسل يعتذر عن الحضور ويقول انه محافظ عل الجهة التي هو فيه فأرسلوا اليه بالارسال والاستكشاف عن امر الوزير فأرسل يخبر أنه ارسل هجانا الى الشرق من نحو عشرة ايام والى الآن لم يحضر وان الفرنساوية اذا ظفروا بالعثمانية لا يقتلونهم ولا يضربونهم وانتم كذلك معهم فأقبلوا نصحي واطلبوا الصلح معهم واخرجوا سالمين فلما بلغهم تلك الرسالة حنق حسن بك الجداوي وعثمان بك الاشقر وغيرهم وسفهوا رأية وقالوا كيف يصح هذا الأمر وقد دخلنا الى البلد وملكناها فكيف نخرج منها طائعين ونحو ذلك هذا مما لا يكون ابدا فأشار (2/332)
ابراهيم بك برجوع البرديسي وصحبته عثمان بك الاشقر ليقول الاشقر لمراد بك ما يقوله فلما اجتمع به ورجع لم يرجع على ما كان عليه حال ذهابه وفترت همته وجنح لراي مراد بك واستمر الحال على ما هو عليه من اشتعال نيران الحرب وشدة البلاء والكرب ووقوع البنبات على الدور والمساكن من القلاع والهدم والحرق وصراخ النساء من البيوت والصغار من الخوف والجزع والهلع مع القحط وفقد المآكل والمشارب وغلق الحوانيت والطوابين والمخابز ووقوف حال الناس من البيع والشراء وتفليس الناس وعدم وجدان ما ينفقونه ان وجدوا شيئا واستمر ضرب المدافع والقنابر والبنادق والنيران ليلا ونهارا حتى كان الناس لا يهنأ لهم نوم ولا راحة ولا جلوس لحظة لطيفة من الزمن ومقامهم دائما ابدا بالازقة والاسواق وكأنما على رؤوس الجميع الطير واما النساء والصبيان فمقامهم بأسفل الحواصل والعقودات تحت طباق الابنية الى غير ذلك
وفي اثناء ذلك فرضوا على الناس من اهل الاسواق وغيرهم مائة كيس فردوها على بعض الناس كالسادات والصارى وصار مؤونة غالب الناس الارز ويطبخونه بالعسل وباللبن ويبيعون ذلك في طشوت واوان بالاسواق وفي كل ساعة تهجم العساكر الفرنساوية على جهة من الجهات ويحاربون الذين بها ويملكون منهم بعض المتاريس فيصيحون على بعضهم بالمناداة يتسامع الناس ويصرخون على بعضهم البعض ويقولون عليكم بالجهة الفلانية الحقوا اخوانكم المسلمين فيرمحون الى تلك الخطة والمتاريس حتى يجلوهم عنها وينتقلون الى غيرها فيفعلون كذلك وكان المتحمل لغالب هذه المدافعات حسن بك الجداوي فإنه كان عند ما يبلغه زحف الفرنساوية على جهة من الجهات يبادر هو ومن معه للذهاب لنصرة تلك الجهة ورأى الناس من اقدامه وشجاعته وصبره على مجالدة العدو ليلا ونهارا ما ينبىء عن فضيل نفس وقوة قلب وسمو همة وقل ان وقع حرب في جهة من الجهات الا وهو مدير رحاها ورئيس كماتها هذا والاغا والوالي يكررون المناداة وكذلك المشايخ والفقهاء والسيد احمد (2/333)
المحروقي والسيد عمر النقيب يمرون كل وقت ويأمرون الناس بالقتال ويحرضونهم على الجهاد وكذلك بعض العثمانية يطوفون مع اتباع الشرطة وينادون باللغة التركية مثل ذلك وجرىعلى الناس مالا يسطر في كتاب ولم يكن لاحد في حساب ولا يمكن الوقوف على كلياته فضلا عن جزئياته منها عدم النوم ليلا ونهارا وعدم الطمأنينة وغلو الاقوات وفقد الكثير منها خصوصا الادهان وتوقع الهلاك كل لحظة والتكليف بما لا يطاق ومغالبة الجهلاء على العقلاء وتطاول السفهاء على الرؤساء وتهور العامة ولفط الحرافيش وغير ذلك مما لا يمكن حصره ولم يزل الحال على هذا المنوال الى نحو عشرة ايام وكل هذا والرسل من قبل الفرنساوية وهم عثمان بك البرديسي تارة ومصطفى كاشف ورستم تارة اخرى والاثنان من اتباع مراد بك يترددون في شأن الصلح وخروج العساكر العثمانية من مصر والتهديد بحرقها وهدمها اذا لم يتم هذا الغرض واستمروا على هذا العناد ثم نصب الفرنساوية في وسط البركة فساطا لطيفا وأقاموا عليه علما وأبطلوا الرمي تلك الليلة وأرسلوا رسولا من قبلهم الى الباشا والكتخدا والامراء يطلبون المشايخ يتكلمون معهم في شأن هذا الامر فأرسلوا الشرقاوي والمهدي والسرسي والفيومي وغيرهم فلما وصلوا الى سارى عسكر وجلسوا خاطبهم على لسان الترجمان بما حاصله أن سارى عسكر قد أمن اهل مصر أمانا شافيا وان الباشا والكتخدا ومن معهما من العساكر العثمانية يخرجون من مصر ويلحقون بالعرضي وعلى الفرنساوية القيام بما يحتاجون اليه من المؤونة والذخيرة حتى يصلوا الى معسكرهم وأما الاجناد المصرية الداخلة معهم فمن اراد منهم المقام بمصر من المماليك والغز الداخلين معهم فليقم وله الاكرام ومن اراد الخروج فليخرج والجرحى من العثملي يجردون من سلاحهم وان كان يأخذه الكتخدا فليأخذه وعلينا ان نداويهم حتى يبرأوا ومن اقام بعد البرء منهم فعلينا مؤونته ومن اراد الخروج بعد برئه فليخرج وعلى اهل مصر الامان فانهم رعيتنا وتوافقوا على ذلك وتراضوا عليه ولما كان (2/334)
الغد وشاع امر الموادعة واستفيض أمر الصلح على هذا قالوا لهم لأي شيء تفعلون هذا الفعل وهذه المحاربات والوزير ولى مهزوما ورجع هاربا ولا يمكن عوده في هذا الحين الا أن يكون بعد ستة أشهر فاعتذروا له بأن هذا من فعل ناصف باشا وكتخدا الدولة وابراهيم بك ومن معهم فانهم هم الذين اثاروا الفتنة وهيجوا الرعايا ومنوا الناس الاماني الكاذبة والعامة لا عقول لهم فقالوا لهم بعد كلام طويل قولوا لهم يتركون القتال ويخرجون فيلحقون بوزيرهم فانهم لا طاقة لهم على حربنا ويكونون سببا لهلاك الرعية وحرق البلدين مصر وبولاق فقالوا له نخشى انهم اذا امتثلوا وجنحوا للموادعة وخرجوا وذهبوا الى سارى عسكرهم تنتقمون منا ومن الرعايا بعد ذلك فقالو لا نفعل ذلك فانهم اذا رضوا ومنعوا الحرب اجتمعنا معكم واياهم وعقدنا صلحا ولا نطالبكم بشيء والذي قتل منا في نظير الذي قتل منكم وزودناهم واعطيناهم ما يحتاجون من خيل وجمال وأصبحنا معهم من يوصلهم الى مأمنهم من عسكرنا ولا نضر أحدا بعد ذلك فلما رجع المشايخ بهذا الكلام وسمعه الانكشارية والناس قاموا عليهم وسبوهم وشتموهم وضربوا الشرقاوي والسرسي ورموا عمائهم وأسمعوهم قبيح الكلام وصاروا يقولون هؤلاء المشايخ ارتدوا وعملوا فرنسيس ومرادهم خذرن المسلمين وانهم اخذوا دراهم من الفرنسيس وتكلم السفلة والغوغاء من امثال هذا الفضول وتشدد في ذلك الرجل المغربي الملتف عليه اخلاط العالم ونادى من عند نفسه الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر عنه ضرب عنقه وكان السادات ببيت الصارى فتحير واحتال بان خرج وامامه شخص ينادى بقوله الزموا المتاريس ليقي بذلك نفسه من العامة ووافق ذلك اغراض العامة لعدم ادراكهم لعواقب الامور فألتفوا عليه وتعضد كل بالآخر وان غرضه هو في دوام الفتنة فان بها يتوصل لما يريد من النهب والسلب والتصور بصورة الامارة باجتماع الاوغاد عليه وتكفل الناس له بالمأكل والمشرب هو ومن انضم اليه واشتطاط في المأكل مع فقد الناس لا دون ما يؤكل حتى انه (2/335)
كان اذا نزل جهة من جهات المدينة لاظهار انه يريد المعونة او الحرس فيقدمون له بالطعام فيقول لا آكل الا الفراخ ويظهر أنه صائم فيكلف أهل تلك الجهة انواع المشتقات والتكلفات بتعنته في هذه الشدة بطلب أفحش المأكولات وما هو مفقود ثم هو مع ذلك لا يغني شيئا بل اذا دهم العدو تلك الجهة التي هو فيها فارقها وانتقل لغيرها وهكذا كان ديدنه ثم هو ليس ممن له في مصر ما يخاف عليه من مسكن أو اهل أو مال أو غير ذلك بل كما قيل لا ناقتي فيها ولاجملي فإذا قدر ما قدر تخلص مع حزبه الى بعض الجهات والتحق بالريف أو غيره وحينئذ يكون كآحاد الناس ويرجع لحالته الاولى وتبطل الهيئة الاجتماعية التي جعلها لجلب الدنيا فخا منصوبا ومخرق بها على سخاف العقول وإخفاء الاحلام وهكذا حال الفتن تكثر فيها الدجاجلة ولو أن نيته ممحضة لخصوص الجهاد لكانت شواهد علانيته اظهر من نار على علم او اقتحم كغيره ممن سمعنا عنهم من المخلصين في الجهات وفي بيع انفسهم في مرضاة رب العباد لظا الهيجاء ولم يتعنت على الفقراء ولم يجعل همته في السلب مصروفة وحال سلوكه عند الناس ليست معروفة ... ومهما تكن عند امرىء من خليقة ... وان خالها تخفى على الناس تعلم ...
وبالجملة فكان هذا الرجل سببا في تهدم أغلب المنازل بالازبكية ومن جملةما رميت به مصر من البلاء وكان ممن ينادى به عليه حين اشيع امر الصلح وتكلم به الاشياخ الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر ضرب عنقه وهذا منه افتيات وفضول ودخول فيما لا يعني حيث كان في البلد مثل الباشا والكتخدا والامراء المصرية فما قدر هذا الاهوج حتى ينقض صلحا أو يبرمه وأي شيء يكون هو حتى ينادي او ينصب نفسه بدو ان ينصبه احد لذلك لكنها الفتن يستنسر بها البغات سيما عند هيجان العامة وثوران الرعاع والغوغاء اذ كان ذلك مما يوافق أغراضهم عل ان المشايخ لم يأمروا بشيء ولم يذكروا صلحا ولا غيره انما بلغوا صورة المجلس الذي طلبوا لاجله لحضرة الكتخدا فبمجرد ذلك قامت عليهم (2/336)
العامة هذا المقام وسبوهم وشتموهم بل وضربوهم وبعضهم رموا بعمامته الى الارض واسمعوهم قبيح الكلام وفعلوا معهم ما فعلوا وصاروا يقولون لولا ان الكفرة الملاعين تبين لهم الغلب والعجز ما طلبوا المصالحة والموادعة وأن بارودهم وذخيرتهم فرغت ونحو ذلك من الظنون الفاسدة ولم يردوا عليهم جوابا بل ضربوا بالمدافع والبنادق فأرسلوا ايضا رسلا يسالونهم عن الجواب الذي توجه به المشايخ فأرسل اليهم الباشا والكتخدا يقولان لهم ان العساكر لم يرضوا بذلك ويقولون لا نرجع عن حربهم حتى نظفر بهم أو نموت عن خرنا وليس في قدرتنا قهرهم على الصلح فأرسل الفرنساوية جواب ذلك في ورق يقولون في ضمنها قد عجبنا من قولكم ان العساكر لم ترض بالصلح وكيف يكون الامير أميرا على جيش ولا ينفذ أمره فيهم ونحو لك وأرسلوا ايضا رسولا الى أهل بولاق يطلبونهم للصلح وترك الحرب ويحذرونهم عاقبة ذلك فلم يرضوا وصمموا على العناد فكرروا عليهم المراسلة وهم لا يزدادون الا مخالفة وشغبا فأرسلوا في خامس مرة فرنساويا يقول أمان أمان سواسوا وبيده ورق من سارى عسكر فأنزلوه من على فرسه وقتلوه وظن كامل أهل مصر انهم انما يطلبون صلحهم عن عجز وضعف واشعلوا نيران القتال وجدوا في الحرب من غير انفصال والفرنساوية لم يقصروا كذلك وراسلوا رمي المدافع والقنابر والبندق المتكاثر وحضر الالفي الى عثمان كتخدا برأي ابتدعه ظن ان فيه الصواب وهو ان يرفعوا على هلالات المنارات اعلاما نهارا ويوقدون عليها القناديل ليلا ليرى ذلك العسكر القادم فيهتدي ويعلمون ان البلد بيد المسلمين وانهم منصورون وكذلك صنع معهم أهل بولاق وذلك لغلبة ظن الناس ان هناك عسكرا قادمين لنجدتهم
وظن اهل بولاق ان الباعث على ذلك نصرتهم فصمموا على ذلك للحرب واستمر هذا الحال بين الفريقين الى يوم الخميس ثاني عشرينه (2/337)
الموافق لعاشر برموده القبطي وسادس نيسان الرومي فغيمت السماء غيما كثيفا وارعدت رعدا مزعجا عنيفا وامطرت مطرا غزيرا وسيلت سيلا كثيرا فسالت المياه في الجهات وتوحلت جميع السكك والطرقات فاشتغل الناس بتجفيف المياه والاوحال ولطخت الامراء والعساكر بسراويلهم ومراكيبهم بالطين والفرنساوية هجموا على مصر وبولاق من كل ناحية ولم يبالوا بالأمطار لانهم في خارج الافنية وهي لا تتأثر بالمياه كداخل الانية وعندهم الاستعداد والتحفظ والخفة في ملابسهم وما على رؤوسهم وكذلك اسلحتهم وعددهم وصنائعهم بخلاف المسلمين فلما حصل ذلك اغتنموا الفرصة وهجموا على البلدين من كل ناحية وعملوا فتائل مغمسة بالزيت والقطران وكعكات غليظة ملوية على اعناقهم معمولة بالنفط والمياه المصنوعة المقطرة التي تشتعل ويقوى لهبها بالماء وكان معظم كبستهم من ناحية الحديد وكوم ابي الريش وجهة بركة الرطلي وقنطرة الحاجب وجهة الحسينية والرميلة فكانوا يرمون المدافع والبنبات من قلعة جامع الظاهر وقلعة قنطرة الليمون ويهجمون ايضا وامامهم المدافع وطائفة خلفهم بواردية يقال لهم السلطات يرمون بالبندق المتتابع وطائفة بأيديهم الفتائل والكعكات المشتعلة بالنيران يلهبون بها السقائف وضرف الحوانيت وشبابيك الدور ويزحفون على هذه الصورة شيئا فشيئا والمسلمون ايضا بذلوا جهدهم وقاتلوا بشدة همتهم وعزمهم وتحول الاغا واكثر الناس الى تلك الجهة وزلزلوا في ذلك اليوم والليلة زلزالا شديدا وهاجت العامة وصرخت النساء والصبيان ونطوا من الحيطان والنيران تأخذ المتوسطين بين الفئتين من كل جهة هذا والامطار تسح حصة من النهار وكذلك بالليل من ليلة الجمعة وكذلك الرعد والبرق وعثمان بك الاشقر الابراهيمي وعثمان بك البرديسي المرادى ومصطفى كاشف رستم يذهبون ويجيئون من الفرنسيس الى المسلمين ومن الفرنسيس اليهم ويسعون في الصلح بين الفريقين (2/338)
ثم انهم هجموا عل بولاق من ناحية البحر ومن ناحية بوابة ابي العلا بالطريقة المذكورة بعضها وقاتل اهل بولاق جهدهم ورموا بأنفسهم في النيران حتى غلب الفرنسيس عليهم وحصروهم من كل جهة وقتلوا منهم بالحرق والقتل وبلوا بالنهب والسلب وملكوا بولاق وفعلو بأهلها ما يشيب من هوله النواصي وصارت القتلى مطروحة في الطرقات والازقة واحترقت الابنية والدور والقصور وخصوصا البيوت والرباع المطلة على البحر وكذلك الاطارف وهرب كثير من الناس عند ما أيقنوا بالغلبة فنجوا بأنفسهم الى الجهة القبلية ثم احاطوا بالبلد ومنعوا من يخرج منها واستولوا على الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع وملكوا الدور وما بها من الامتعة والاموال والنساء والخوندات والصبيان والبنات ومخازن الغلال والسكر والكتان والقطن والاباريز والارز والادهان والاصناف العطرية وما لاتسعه السطور ولا يحيط به كتاب ولا منشور والذي وجدوه منعكفا في داره أو طبقته ولم يقاتل ولم يجدوا عنده سلاحا نهبوا متاعه وعروه من ثيابه ومضوا وتركوه حيا وأصبح من بقي من ضعفاء اهل بولاق واهلها واعيانها الذين لم يقاتلوا فقراء لا يملكون ما يستر عوراتهم وذلك يوم الجمعة ثالث عشرينه وكان محمد الطويل كاتب الفرنساوية اخذ منهم أمانا لنفسه وأوهم اصحابه أنه يحارب معهم وفي وقت هجوم العساكر انفصل اليهم واختفى البشتيلي فدلوا عليه وقبضوا على وكيله وعلى لرؤساء فحبسوا البشتيلي بالقلعة والباقي ببيت سارى عسكر وضيقوا عليهم حتى منعوهم البول وفي اليوم الثالث اطلقوهم وجمعوا عصبة البشتيلي من العامة وسلموهم البشتيلي وأمروهم ان يقتلوه بأيديهم لدعواهم انه هو الذي كان يحرك الفتنة ويمنعهم الصلح وانه كاتب عثمان كتخدا بمكتوب قال فيه ان الكلب دعانا للصلح فأبينا منه وأرسله مع رجل ليوصله الى الكتخدا فوقع في يد سارى عسكر كلهبر فحركه ذلك على أخذ بولاق وفعله فيها الذي (2/339)
فعله وقوبل على ذلك بان اسلم الى عصبته وأمروا ان يطوفوا به البلد ثم يقتلوه ففعلو ذلك وقتلوه بالنبابيت وألزم أهل بولاق بان يرتبوا ديوانا لفصل الاحكام وقيدوا فيه تسعة من رؤسائهم ثم بعد مضي يومين الزموا بغرامة مائتي ألف ريال وأما المدينة فلم يزل الحال بها على النسق المتقدم من الحرب والكرب والنهب ولاسلب الى سادس عشرينه حتى ضاق خناق الناس من استمرار الانزعاج والحريق والسهر وعدم الراحة لحظة من الليل والنهار مع ما هم فيه من عدم القوت حتى هلكت الناس وخصوصا الفقراء والدواب وايذاء عسكر العثمانلي للرعية وخطفهم ما يجدونه معهم حتى تمنوا زوالهم ورجوع الفرنسيس على حالتهم التي كانوا عليها والحال كل وقت في الزيادة وأمر المسلمين في ضعف لعدم المير والمدد والفرنساوية بالعكس وفي كل يوم يزحفون الى قدام والمسلمون الى وراء فدخلوا من ناحية باب الحديد وناحية كوم ابي الريش وقنطرة الحاجب وتلك النواحي وهم يحرقون بالفتائل والنيران الموقدة ويملكون المتاريس الى ان وصلوا من ناحية قنطرة الحروبي وناحية باب الحديد الى قرب باب الشعرية
وكان شاهين أغا هناك عند المتاريس فأصابته جراحه فقام من مكانه ورجع القهقري فعند رجوعه وقعت الهزيمة ورجع الناس يدوسون بعضهم البعض
وملك الفرنساوية كوم ابي الريش وصاروا يحاربون من كوم ابي الريش وهم في العلو والمسلمون اسفل منهم وان المحروقي زور كتابا على لسان الوزير وجاء به رجل يقول انه اختفى في طريق خفية ونط من السور وان الوزير يقدم بعد يومين او ثلاثة وانه تركه بالصالحية وان ذلك كذب لا اصل له وان يكتب جوابا عن فرمان كتبوه على لسان المشايخ والتجار وارسلوه الى الوزير في اثناء الواقعة
هذا والبرديسي ومصطفى كاشف والاشقر يسعون في أمر الصلح الى (2/340)
ان تموه على كف الحرب وان الفرنساوية يمهلون العثمانية والامراء ثلاثة ايام حتى يقضوا اشغالهم ويذهبون حيث اتوا وجعلوا الخليج حدا بين الفريقين لا يتعدى احد من الفريقين بر الخليج الآخر وابطلوا الحرب واخمدوا النيران وتركوا القتال واخذ العثمانية والامراء والعسكر في أهبة الرحيل وقضاء اشغالهم وزودهم الفرنساوية واعطوهم دراهم وجمالا وغير ذلك وكتبوا بعقد الصلح فرمانا مضمونه انهم يعوقون عندهم عثمان بك البرديسي وعثمان بك الاشقر ويرسلون ثلاثة انفار من اعيالهم يكونون بصحبة عثمان كتخدا حتى يصل الى الصالحية وان يوصلهم سارى عسكر داماس بثلثمائة من العسكر خوفا عليهم من العرب وان من جاء منهم من جهة يرجع اليها ومن اراد الخروج من أهل مصر معكم فليخرج ما عدا عثمان بك الاشقر فانه اذا رجع الثلاثة مع الفرنساوية يذهب مع البرديسي الى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة مع الفرنساوية يذهب مع البرديسي الى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة المذكورين الى وكالة ذي الفقار بالجمالية وأجلسوهم بمسجد الجمالي صحبة نصوح باشا الخان ومنع نصوح باشا العامة من الهجوم على المسجد وركب المغربي فتوجه الى الحسينية وطلب محاربة الفرنسيس فحضر اهل الحسينية الى عثمان كتخدا يستأذنونه في موافقة ذلك المغربي أو منعه فأمر بمنعه وكفهم عن القتال وركب المحروقي عند ذلك ومر بسوق الخشب وقدامه المناداة بان لا صلح ولزوم المتاريس ثم فتح باب الوكالة وخرج منها عسكر بالعصي فهاجوا في العامة ففرو وسكن الحال
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة
فيه خرج العثمانية وعساكره وابراهيم بك وامراؤه ومماليكه والالفي واجناده ومعهم السيد عمر مكرم النقيب والسيد احمد المحروقي الشاه بندر وكثيرون من اهل مصر ركبانا ومشاة الى الصالحية وكذلك حسن بك الجداوي واجناده واما عثمان بك حسن ومن معه فرجعوا (2/341)
صحبة الوزير فلم يسع ابراهيم بك وحسن بك ترك جماعتهما خلفهما وذهابهم بأنفسهم الى قبلي بل رجعا بجماعتهما على اثرهما وذاقوا وبال أمرهم وانكشف الغبار عن تعسة المسلمين وخيبة امل الذاهبين والمتخلفين وما استفاد الناس من هذه العمارة وما جرى من الغارة الا الخراب والسخام والهباب فكانت مدة الحرب والحصر بما فيها من الثلاثة ايام الهدنة سبعة وثلاثين يوما وقع بها من الحروب والكروب والانزعاج والشتات والهياج وخراب الدور وعظائم الامور وقتل الرجال ونهب الاموال وتسلط الاشرار وهتك الاحرار وخصوصا ما أوقع الفرنساوية بالناس بعد ذلك مما سيتلى عليك بعضه وخرب في هذه الواقعة عدة جهات من أخطاط مصر الجليلة مثل جهة الازبكية الشرقية من حد جامع عثمان والفوالة وحارة كتخدا رصيف الخشاب وخطة الساكت الى بيت سارى عسكر بالقرب من قنطرة الدكة وكذلك جهة باب الهواء الى حارة النصارى من الجهة القبلية وأما بركة الرطلي وما حولها من الدور والمنتزهات والبساتين فانها صارت كلها تلالا وخرائب وكيمان اتربة وقد كانت هذه البركة من اجل منتزهات مصر قديما وحديثا وبالقرب منها المقصف المعروف بدهليز الملك والبرنج والجسر وكانت تعرف ببركة الطوابين ثم عرفت ببركة الحاجب منسوبة للامير بكتمر الحاجب من امراء الملك الناصر محمد بن قلاوون لانه هو الذي احتفرها واجرى اليها الماء من الخليج الناصري وبنى القنطرة المنسوبة اليه وعمر عليها الدور والمناظر وبنى على الجسر الفاصل بينها وبين الخليج دورا بهية وكان هذا الجسر من أجل المنتزهات وقد خربت منازله في القرن العاشر في واقعة السلطان سليم خان مع الغوري وصار محله بستانا عظيما قطع اشجاره وغالب نخيلة الفرنساوية
ومما تخرب ايضا حارة المقس من قبل سوق الخشب الى باب الحديد وجميع مافي ضمن ذلك من الحارات والدور صارت كلها خرائب متهدمة (2/342)
محترقة تسكب عند مشاهدتها العبرات ويتذكر بها ما يتلى في حق الظالمين من الآيات فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ان في ذلك لاية لقوم يعقلون وقال تعالى وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا قليلا وكنا نحن الوارثين وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون
وقال تعالى واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
ودخل الفرنساوية الى المدينة يسعون والى الناس بعين الحقد ينظرون واستولوا على ما كان اصطنعه واعده العثمانية من المدافع والقنابر والبارود وآلات الحرب جميعها وقيل انهم حاسبوهم على كلفته ومصاريفه وقبضوا ذلك من الفرنساوية
وركب المشايخ والاعيان عصر ذلك اليوم وذهبوا الى كبير الفرنسيس فلما وصلوا الى داره ودخلوا عليه وجلسوا ساعة ابرز اليهم ورقة مكتوب فيها النصرة لله الذي يريد ان المنصور يعمل بالشفقة والرحمة مع الناس وبناء على ذلك سارى عسكر العام يريد ان ينعم بالعفو العام والخاص على أهل مصر وعلى اهل بر مصر ولو كانوا يخالطون العثملي في الحروب وانهم يشتغلون بمعايشهم وصنائعهم ثم نبه عليه بحضورهم الى قبة النصر بكرة تاريخه
ثم قاموا من عنده وشقوا المدينة وطافوا بالاسواق وبين ايديهم المناداة للرعية بالاطمئنان والامان فلما اصبح ذلك اليوم ركبت المشايخ والوجاقلية وذهبوا الى خارج باب النصر وخرج ايضا القلقات والنصارى القبط والشوام وغيرهم فلما تكامل حضور الجميع رتبوا موكبا وسادوا ودخلوا من باب النصر وقدامهم جماعة من القواسة يأمرون الناس بالقيام وبعض فرنساوية راكبين خيلا وبأيديهم سيوف مسلولة ينهرون الناس (2/343)
ويأمرونهم بالوقوف على اقدامهم ومن تباطأ في القيام أهانوه فاستمرت الناس وقوفا من ابتداء سير الموكب الى انتهائه ثم تلا الطائفة الآمرة للناس بالوقوف جمع كثير من الخيالة الفرنساوية بأيديهم سيوف مسلولة وكلهم لابسون جوخا أحمر وعلى رؤوسهم طراطير من الفراوي على غير هيئة خيالتهم ومشاتهم ثم تتالى بعد هؤلاء طوائف العساكر ببوقاتهم وطبولهم وزمورهم واختلاف اشكالهم واجناسهم وملابسهم من خيالة ورجالة ثم الاعيان والمشايخ والوجاقلية واتباعهم الى ان قدم سارى عسكر الفرنساوية وخلف ظهره عثمان بك البرديسي وعثمان بك الاشقر وخلفهم طوائف من خيالة الفرنسيس
ولما انقضى امر الموكب نادوا بالزينة فزينت البلد ثلاثة ايام آخرها يوم الثلاثاء مع السهر ووقود القناديل ليلا ثم دعاهم في يوم الاربعاء وعمل لهم سماطا عظيما على طريقة المصرلية
وقلدوا في ذلك اليوم محمد اغا الطناني اغات مستحفظان وركب ونادى بالامان واعطواالبكري بيت عثمان كاشف كتخدا الحج وهو بيت البارودي الثاني فسكن به وشرع في تنظيمه وفرشه ولبسوه في ذلك اليوم فروة سمور فقاموا من عنده فرحين مطمئنين مستبشرين
فلما كان يوم الخميس سابعه ذهب الى مراد بك بجزيرة الذهب باستدعاء فمد لهم اسمطة عظيمة وانبسط معنم وافتخر افتخارا زائدا واهدى الى بعضهم هدايا جليلة وتقادم عظيمة واعطاه ما كان ارسله درويش باشا معونة للباشا والامراء من الاغنام وغيرها وكانت نحو الاربعة آلاف رأس وولوه امارة الصعيد من جرجا الى اسنا ورجع عائدا الى داره بالازبكية
فلما كان في صبحها يوم الجمعة ثامنه بكروا بالذهاب الى بيت سارى عسكر ولبسوا افخر ثيابهم واحسن هيآتهم وطمع كل واحد منهم وظن ان سارى عسكر يقلده في هذا اليوم اجل المناصب او ربما حصل التغيير (2/344)
والتبديل في أهل الديوان فيكون في الديوان الخصوصي فلما استقر بهم الجلوس في الديوان الخارج اهملوا حصة طويلة لم يؤذن لهم ولم يخاطبهم أحد ثم فتح باب المجلس الداخل وطلبوا الى الدخول فيه فدخلوا وجلسوا حصة مثل الاولى ثم خرج اليهم سارى عسكر وصحبته الترجمان وجماعة من اعيانهم فوضع له كرسي في وسط المجلس وجلس عليه ووقف الترجمان واصحابه حواليه واصطف الوجاقلية والحكام من ناحية واعيان النصارى والتجار من ناحية وعثمان بك الاشقر والبرديسي ايضا حاضران وكلم سارى عسكر الترجمان كلاما طويلا بلغتهم حتى فرغ فالتفت الترجمان الى الجماعة وشرع يفسر لهم مقالة سارى عسكر ويترجم عنها بالعربي والجماعة يسمعون فكان ملخص ذلك القول ان سارى عسكر يطلب منكم عشرة آلاف الف الى اخر العبارة الاتية واما هذه العبارة فانه قالها المهدي فقط اننا لما حضرنا الى بلدكم هذه نظرنا ان اهل العلم هم اعقل الناس والناس بهم يقتدون ولامرهم يمتثلون ثم انكم اظهرتم لنا المحبة والمودة وصدقنا ظاهر حالكم فاصطفيناكم وميزناكم على غيركم واخترناكم لتدبير الامور وصلاح الجمهور فرتبنا لكم الديوان وغمرناكم بالاحسان وخفضنا لكم جناح الطاعة وجعلناكم مسموعين القول مقبولين الشفاعة وأوهمتونا أن الرعية لكم ينقادون ولامركم ونهيكم يرجعون فلما حضر العثملي فرحتم لقدومهم وقمتم لنصرتهم وثبت عند ذلك نفاقكم لنا فقالوا له نحن ما قمنا مع العثملي الا عن أمركم لانكم عرفتمونا اننا صرنا في حكم العثملي من ثاني شهر رمضان وان البلاد والاموال صارت له وخصوصا وهو سلطاننا القديم وسلطان المسلمين وما شعرنا الا بحدوث هذا الحادث بينكم وبينهم على حين غفلة ووجدنا انفسنا في وسطهم فلم يمكننا التخلف عنهم فرد عليهم الترجمان ذلك الجواب ثم اجابهم بقوله ولاي شيء لم تمنعوا الرعية عما فعلوه من قيامهم ومحاربتهم بنا فقالو لا يمكننا ذلك خصوصا (2/345)
وقد تقووا علينا بغيرنا وسمعتم ما فعلوه معنا من ضربنا وبهدلتنا عندما أشرنا عليهم بالصلح وترك القتال فقال لهم واذا كان الامر كما ذكرتم ولا يخرج من يدكم تسكين الفتنة ولا غير ذلك فما فائدة رياستكم وايش يكون نفعكم الا الضرر لانكم اذا حضر اخصامنا قمتم معهم وكنتم واياهم علينا واذا ذهبوا رجعتم الينا معتذرين فكان جزاؤكم ان نفعل معكم كما فعلنا مع أهل بولاق من قتلكم عن آخركم وحرق بلدكم وسبي حريمكم وأولادكم ولكن حيث اننا أعطيناكم الامان فلا تنقض اماننا ولا نقتلكم وانما نأخذ منكم الاموال فالمطلوب منكم عشرة آلاف الف فرنك عن كل فرنك ثماينة وعشرون فضة يكون فيها ألف ألف فرانسة عنها خمس عشرة خزنة رومي بثلاث عشرة خزنة مصري منها خمسمائة الف فرانسة على مائتين على الشيخ السادات خاصة من ذلك خمسمائة وخمسة وثلاثون الفا والشيخ محمد بن الجوهري خمسون ألفا وأخيه الشيخ فتوح خمسون الفا والشيخ مصطفى الصاوي خمسون ألفا والشيخ العناني مائتان وخمسون الفا تقتطعها من ذلك نظير نهب دور الفارين مع العثملي مثل المحروقي والسيد عمر مكرم وحسين أغا شتن وما بقى تدبرون رايكم فيه وتوزعونه على أهل البلد وتتركون عندنا منكم خمسة عشر شخصا انظروا من يكون فيكم رهينة عندنا حتى تغلقوا ذلك المبلغ وقام من فوره ودخل مع اصحابه الى داخل وأغلق بينه وبينهم الباب
ووقف الحرس على الباب الاخر يمنعون من يخرج من الجالسين فبهت الجماعة وامتقعت وجوههم ونظروا الى بعضهم البعض وتحيرت أفكارهم ولم يخرج عن هذا الامر الا البكري والمهدي لكون البكري حصل له ما حصل في صحائفهم والمهدي حرق بيته بمرأى منهم وكان قبل ذلك نقل جميع ما فيه بداره بالخرنفش ولم يترك به الا بعض الحصر ولم يكن به غير بعض الخدم وكان يستعمل المداهنة وينافق الطرفين بصناعته وعادته ولم تزل الجماعة في حيرتهم وسكرتهم وتمنى كل منهم انه لم (2/346)
يكن شيئا مذكورا ولم يزالوا على ذلك الحال الى قرب العصر حتى بال اكثرهم على ثيابه وبعضهم شرشر ببوله من شباك المكان وصاروا يدخلون على نصارى القبط ويقعون في عرضهم فالذي انحشر فيهم ولم يكن معدودا من الرؤساء أخرجوه بحجة او سبب وبعضهم ترك مداسه وخرج حافيا وما صدق بخلاص نفسه
هذا والنصارى والمهدي يتشاورون في تقسيم ذلك وتوزيعه وتدبيره وترتيبه في قوائم حتى وزعوها على الملتزمين وأصحاب الحرف حتى على الحواة والقردتية والمخمظين والتجار وأهل الغورية وخان الخليلي والصاغة والنحاسين والدلالين والقبانية وقضاة المحاكم وغيرهم كل طائفة مبلغ له صورة مثل ثلاثين ألف فرانسا واربعين ألفا وكذلك بياعون التنباك والدخان والصابون والخردجية والعطارون والزياتون والشواؤن والجزارون والمزينون وجميع الصنائع والحرف وعملوا على اجرة الاملاك والعقار والدور اجرة سنة كاملة ثم انهم استأذنوا للمشايخ الخالص يتوجه حيث اراد والمشبوك يلزمون به جماعة من العسكر حتى يغلق المطلوب منه فأما الصاوي وفتوح بن الجوهري فحبسوهما ببيت قائممقام والعناني هرب فلم يجدوه وداره احترقت فاضافوا غرامته على غرامة الشيخ السادات كملت بها مائة وخمسون الف فراسنة وانفض المجلس على ذلك وركب سارى عسكر من يومه ذلك وذهب الى الجيزة ووكل يعقوب القبطي يفعل في المسلمين ما يشاء وقائممقام والخازندار لرد الجوابات وقبض ما يتحصل وتدبير الامور والرهونات ونزل الشيخ السادات وركب الى داره فذهب معه عشرة من العسكر وجلسوا على باب داره فلما مضت حصة من الليل حضر اليه مقدار عشرة من العسكر ايضا فأركبوه وطلعوا به الى القلعة وحبسوه في مكان فارسل الى عثمان بك البرديسي وتداخل عليه فشفع فيه فقالوا له اما القتل فلا نقتله لشفاعتك واما المال فلا بد من دفعه ولا بد من حبسه وعقوبته حتى يدفعه وقبضوا على فراشه ومقدمه (2/347)
وحبسوهما ثم انزلوه الى بيت قائممقام فمكث به يومين ثم اصعدوه الى القلعة ثانيا وحبسوه في حاصل ينام على التراب ويتوسد بحجر وضربوه تلك الليلة فاقام كذلك يومين ثم طلب زين الفقار كتخدا فطلع اليه هو وبرطلمان فقال لهم انزلوني الى داري حتى اسعى وابيع متاعي واشهل حالي فاستأذنوا له وانزلوه الى داره فأحضر ما وجده من الدراهم فكانت تسعة آلاف ريال معاملة عنها ستة الاف ريال فرانسة ثم قوموا ما وجدوه من المصاغ والفضيات والفراوي والملابس وغير ذلك بأبخس الثمن فبلغ ذلك خمسة عشر الف فرانسة فبلغ المدفوع بالنقدية والمقومات احدا وعشرين الف فرانسة والمحافظون عليه من العسكر ملازمونه ولا يتركونه يطلع الى حريمه ولا الى غيره وكان وزع حريمه وابنه الى مكان آخر وبعد ان فرغوا من الموجودات جاسوا خلال الدار يفتشون ويحفرون الارض على الخبايا حتى فتحوا الكنيفات ونزلوا فيها فلم يجدوا شيئا ثم نقلوه الى بيت قائممقام ماشيا وصاروا يضربونه خمسة عشر عصا في الصباح ومثلها في الليل وطلبوا زوجته وابنه فلم يجدوهما فأحضروا محمد السندوبي تابعه وقرروه حتى عاين الموت حتى عرفهم بمكانهما فاحضروهما واودعوا ابنه عند اغات الانكشارية وحبسوا زوجته معه فكانوا يضربونه بحضرتها وهي تبكي وتصيح وذلك زيادة في الانكاء ثم ان المشايخ وهم الشرقاوي والفيومي والمهدي والشيخ محمد الامير وزين الفقار كتخدا تشفعوا في نقلها من عنده فنقلوها الى بيت الفيومي وبقي الشيخ على حاله واخذوا مقدمه وفراشه وحبسوهما وتغيب اكثر اتباعه واختفوا ثم وقعت المراجعة والشفاعة في غرامة الشيخ فتوح الجوهري والصاوي فاضعفوها وجعلوها على كل واحد منها خمسة عشر الف فرانسة ورد الباقي على القردة العامة
واما الشيخ محمد ابن الجوهري فانه اختفى فلم يجدوه فنهبوا داره ودار نسيبه المعروف بالشويخ ثم انه توسل بالست نفيسة زوجة مراد بك (2/348)
فأرسلت الى مراد بك وهو بالقرب من الفشن فأرسل من عنده كاشفا وتشفع فيه فقبلوا شفاعته ورفعوها عنه وردوها ايضا على الفردة العامة ثم انهم وكلوا بالفردة العامة وجميع المال يعقوب القبطي وتكفل بذلك وعمل الديوان لذلك ببيت البارودي والزموا الاغا بعدة طوائف كتبوها في قائمة بأسماء اربابها واعطوه عسكرا وامره بتحصيلها من اربابها وكذلك علي اغا الوالي الشعراوي وحسن اغا المحتسب وعلي كتخدا سليمان بك فنهبوا على الناس بذلك وبثوا الاعوان بطلب الناس وحبسهم وضربهم فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها
ومضى عيد النحر ولم يلتفت اليه أحد بل ولم يشعروا به ونزل بهم من البلاء والذل ما لا يوصف فان احد الناس غنيا كان او فقيرا لا بد وان يكون من ذوي الصنائع أو الحرف فيلزمه دفع ما وزع عليه في حرفته أو في حرفتين وأجرة داره أيضا سنة كاملة فكان يأتي على الشخص غرامتان أو ثلاثة ونحو ذلك وفرغت الدراهم من عند الناس واحتاج كل الى القرض فلم يجد الدائن من يدينه لشغل كل فرد بشأنه ومصيبته فلزمهم بيع المتاع فلم يوجد من يشتري واذا أعطوهم ذلك لا يقبلونه فضاق خناق الناس وتمنوا الموت فلم يجدوه ثم وقع الترجي في قبول المصاغات والفضيات فأحضر الناس ما عندهم فيقوم بأبخس الاثمان واما اثاثات البيوت من فرش ونحاس وملبوس فلا يوجد من يأخذه وامروا بجمع البغال ومنعوا المسلمين من ركوبها مطلقا سوى خمسة انفار من المسلمين وهم الشرقاوي والمهدي والفيومي والامير وابن محرم والنصارى المترجمين وخلافهم لا حرج عليهم وفي كل وقت وحين يشتد الطلب وتنبث المعينون والعسكر في طلب الناس وهجم الدور وجرجرة الناس حتى النساء من أكابر وأصاغر وبهدلتهم وحبسهم وضربهم والذي لم يجدوه لكونه فر وهرب يقبضون على قريبة او حريمه او ينهبون داره فان لم يجدوا شيئا (2/349)
ردوا غرامته على ابناء جنسه واهل حرفته
وتطاولت النصارى من القبط والنصارى الشوام على المسلمين بالسب والضرب ونالوا منهم اغراضهم واظهروا حقدهم ولم يبقوا للصلح مكانا وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين وايام الموحدين هذا والكتبة والمهندسون والبناؤن يطوفون ويحررون اجر الاماكن والعقارات والوكائل والحمامات ويكتبون اسماء اربابها وقيمتها
وخرجت الناس من المدينة وجلوا عنها وهربوا الى القرى والارياف وكان ممن خرج من مصر صاحبنا النبيه العلامة الشيخ حسن المشار اليه فيما تقدم فتوجه لجهة الصعيد واقام باسيوط فاقام بها نحو ثمانية عشر شهرا
ثم ان اكثر الفارين رجع الى مصر لضيق القرى وعدم ما يتعيشون به فيها وانزعاج الريف بقطاع الطريق والعرب والمناسر بالليل والنهار والقتل فيما بينهم وتعدى القوى على الضعيف واستمرت الطرق محفرة والاسواق معفرة والحوانيت مقفولة والعقول مخبولة والنفوس مطبوقة والغرامات نازلة والارزاق عاطلة والمطالب عظيمة والمصائب عميمة والعكوسات مقصودة والشفاعات مردودة واذا أراد الانسان ان يفر الى ابعد مكان وينجو بنفسه ويرضى بغير أبناء جنسه لا يجد طريقا للذهاب وخصوصا من الملاعين الاعراب الذين هم أقبح الاجناس وأعظم بلاء محيط بالناس وبالجملة فالامر عظيم والخطب جسيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وكذلك أخذ ربك اذا أخذ القرى وهي ظالمة ان اخذه أليم شديد
وفي عشرينه انتقلوا بديوان الفردة من بيت البارودي الى بيت القيسرلي بالميدان ووقع التشديد في الطلب والانتقام بأدنى سبب وانقضى هذا العام وما جرى فيه من الحوادث العظام بأقليم مصر والشام والروم والبيت الحرام
فمنها وهو أعظمها تعطيل الثغور ومنع المسافرين برا وبحرا ووقوف (2/350)
الانكليز بثغر الاسكندرية ودمياط يمنعون الصادر والوارد وتخطوا ايضا بمراكبهم الى بحر القلزم
ومنها انقطاع الحج المصري في هذا العام ايضا حتى لم يرجع المحمل بل كان مودوعا بالقدس فلما حضر العساكر الاسلامية احضروه صحبتهم الى بلبيس
فيقال ان السيد بذرا ورجع به الى جبل الخليل
ومنها وقوف العرب وقطاع الطريق بجميع الجهات القبلية والبحرية والشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والدقهلية وسائر النواحي فمنعوا السبيل ولو بالخفارة وقطعوا طريق السفار ونهبوا المارين من ابناء السبيل والتجار وتسلطوا على القرى والفلاحين وأهالي البلاد والحرف بالعري والخطف للمتاع والمواشي من البقر والغنم والجمال والحمير وافساد المزارع ورعيها حتى كان اهل البلاد لايمكنهم الخروج ببهائمهم الى خارج القرية للرعي أو للسقي لترصد العرب لذلك ووثب اهل القرى على بعضهم بالعرب فداخلوهم وتطاولوا عليهم وضربوا عليهم الضرائب وتلبسوا بانواع الشرور واستعان بعضهم على بعض وقوى القوى على الضعيف وطمعت العرب في أهل البلاد وطلبوهم بالثارات والعوائد القديمة الكاذبة وآن وقت الحصاد فاضطروا لمسالمتهم لقلة الضم فلما انقضت حروب الفرنسيس نزلوا الى البلاد واحتجوا عليهم بمصادقتهم العرب فضربوهم ونهبوهم وسبوهم وطالبوهم بالمغارم والكلف الشاقة فاذا انقضوا وانتقلوا عنهم رجعت العرب على اثرهم وهكذا كان حالهم وما ان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون
ومنها ان النيل قصر مدة في هذه السنة فشرقت البلاد وارتحل اهل البحيرة الى المنوفية والغربية فاستحسن رحيل عربان البحيرة لانه بقي لهم في الحي نخيل
ومنها انه لما حضرت العثمانية وشاع امر الصلح وخضوع الفرنساوية (2/351)
لهم نزل طائفة من الفرنسيس الىالموفية وطلبوا من اهلها كلفة لرحيلهم فلما مروا بالمحلة الكبيرة تعصب اهلها واجتمعوا الى قاضيها وخرجوا لحربهم فاكمن الفرنسيس لهم وضربوا عليهم طلقا بالمدافع والبنادق فقتلوا منهم نيفا وستمائة انسان ومنهم القاضي وغيره ولم ينج منهم الا من فر وكان طويل العمر وكذلك اهل طنتداء عند حضورهم اليهم وصل اليهم رجل من الجزارين المنتسبين للعثمانية من جهة الشرق لزيارة سيدي احمد البدوي وهو راكب على فرس وحوله نحو الخمسة انفار وكان بعض الفرنسيس بداخل البلدة يقضون بعض اشغالهم فصاحت السوقة والبياعون عند رؤية ذلك الرجل بقولهم نصر الله دين الاسلام وهاجوا وماجوا ولقلقت النساء بالسنتهن وصاحت الصبيان وسخروا بالفرنسيس وتراموا بما على رؤوسهم وضربوهم وجرحوهم وطردوهم فتسحبوا من عندهم فغابوا ثلاثة أيام ورجعوا بجميع عسكرهم ومعهم الآلات من المدافع فاحتاطوا بالبلدة وضربوا عليهم مدفعا ارتحوا له ثم هجموا عليهم ودخلوا اليهم وبايديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبلهم وطلبوا خدمة الضريح الذين يقال لهم أولاد الخادم وهم ملتزموا البلدة واكابرها ومتهمون بكثرة الاموال من قديم الزمان وكانوا قبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر قبضوا عليهم باغراء القبط وأخذوا منهم خمسة عشر الف ريال فرانسة بحجة مسالمتهم للعرب فلما وصلوا الى دورهم طلبوهم فلم يمكنهم التغيب خوفا على نهب الدور وغير ذلك فظهروا لهم فأخذوهم الى خارج البلد وقيدوهم وأقاموا نحو خمسة ايام خارجها يأخذون في كل يوم ستمائة ريال سوى الاغنام والكلف ثم ارتحلوا وأخذوا المذكورين صحبتهم الى منوف وحبسوهم اياما ثم نقلوهم الى الجيزة أيام الحرابة بمصر
فلما انقضت تلك الايام وسرحوا في البلاد نزلت طائفة الى طنتداء وهم بصحبتهم وقرروا عليهم أحدا وخمسين الف ريال فرانسة وعلى اهل (2/352)
البلدة كذلك بل أزيد واقاموا حول البلد محافظين عليهم واطلقوا بعضهم وحجزوا المسمى بمصطفى الخادم لانه صاحب الاكثر في الوظيفة والالتزام وطالبوه بالمال وفي كل وقت ينوعون عليه العقاب والعذاب والضرب حتى على كفوف يديه ورجليه ويربطونه في الشمس في قوة الحر والوقت مصيف وهو رجل جسيم كبير الكرش فخرجت له نفاخات في جسده ثم اخذوا خليفة المقام ايضا وذهبوا به الى منوف ثم ردوه وولوه رئاسة جمع الدراهم المطلوبة من البلد فوزعت على الدور والحوانيت والمعاصر وغير ذلك واستمروا على ذلك الى انقضاء العام حتى اخذوا عساكر المقام وكانت من ذهب خالص زنتها نحو خمسة الاف مثقال واما المحلة الكبرى فانهم رجعوا عليها وقرروا عليها نيفا ومائة الف ريال فرانسة واخذوا في تحصيلها وتوزيعها وهجموا دورها وتتبع المياسير من اهلها كل ذلك مع استمرار طلب الكلف الشاقة في كل يوم منها ومن طنتدا والتعنت عليهم وتسلط طوائف الكشوفية التابعين لهم الذين هم اقبح في الظلم من الفرنسيس بل ومن العرب فانهم معظم البلاد ايضا فانهم هم الذين يعرفون دسائس اهل البلاد ويشيعون احولهم ويتجسسون على عوراتهم ويغرون بهم
واستمروا على ذلك ايضا ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون
ومنها انه لما وقع الصلح بين العثمانية والفرنساوية ارسل الوزير فرمانات للثغور باطلاق الاسافيل وحضور المراكب والتجار بالبضائع وغيرها الى ثغر الاسكندرية وصحبتها ثلاثة غلايين سلطانية وسفن مشحونة بالذخيرة لحضرة الوزير ولوازم العسكر العثماني فلما قربوا من الثغر أقاموا البنديرات وضربوا مدافع للشنك فطمعهم الفرنساوية وأظهروا لهم المسالمة وأظهروا لهم بنديرة العثماني فدخلوا الى المينا ورموا مراسيم ووقعوا في فخ الفرنسيس فأستولوا على الجميع وأخذوا مدافعهم وسلاحهم وحبسوا (2/353)
القبابطين وأعيان التجار وأخذوا الملاحين والمتسببين من البحرية والنصارى الاروام وهم عدة وافرة أعطوهم سلاحا وزيوهم بزيهم واضافوهم الى عسكرهم وارسلوهم الى مصر فكانوا اقبح مذكور في تسلطهم على ايذاء المسلمين ثم اخرجوا شحنة المراكب من بضائع ويميش وحازوه بأجمعه لانفسهم وبقى الامر على ذلك وكان ذلك في اواسط شهر القعدة
ومنها انه بعد نقض الصلح ارسل الفرنسيس عسكرا الى متسلم السويس الذي كان تولاها من طرف العثمانية فتعصب معه اهل البندر فحاربوهم فغلبهم الفرنسيس وقتلوهم عن آخرهم ونهبوا البندر وما فيه من البن والبهار بحواصل التجار وغير ذلك
ومنها ان مراد بك عند توجهه للصعيد بعد انقضاء الصلح اخذ ما جمعه درويس باشا من الصعيد من اغنام وخيول وميرة وكان شيئا كثيرا فتسلم الجميع منه وعدى درويش باشا الى الجهة الشرقية متوجها الى الشام وارسل مراد بك جميع ذلك للفرنساوية بمصر
ومنها ايضا انه بعد انقضاء المحاربة واستيلاء الفرنسيس على المخازن والغلال التي كان جمعها العثمانية من البلاد الشرقية وبعض البلا الغربية والقليوبية وكذلك الشعير والاتبان طلب الفرنساوية مثل ذلك من البلاد وقرروا على النواحي غلالا وشعيرا وفولا وتبنا وزادوا خيلا وجمالا فوقع على كل اقليم زيادة عن الف فرس والف جمل سوى ما يدفع مصالحة على قبولها للوسائط وهو ونحو ثمنا او ازيد وكذلك التعنت في نقض الغلال وغربلتها وغير ذلك وكل ذلك بارشاد القبطة وطوائف البلاد لانهم هم الذين تقلدوا المناصب الجليلة وتقاسموا الاقاليم والتزموا لهم بجمع الاموال ونزل كل كبير منهم الى أقليم واقام بسر الاقليم مثل الامير والعساكر والفرنساوية وهو في أبهة عظيمة وصحبته الكتبة والصيارف والاتباع والاجناد من الغز البطالة وغيرهم والخيام والخدم والفراشون والطباخون والحجاب وتقاد بين يديه الجنائب والبغال (2/354)
والرهونات والخيول المسومة والقواسة والمقدمون وبأيديهم الحراب المفضضة والمذهبة والاسلحة الكاملة والجمال الحاملة ويرسل الى ولايات الاقليم من جهته المستوفين من القبط ايضا بمنزلة الكشاف ومعهم العسكر من الفرنساوية والطوائف الجاويشية والصارفين والمقدمين على الشرح المذكور فينزلون على البلاد والقرى ويطلبون المال والكلف الشاقة بالعسف ويؤجلونهم بالساعات فان مضت ولم يوفوهم المطلوب حل بهم ما حل من الحرق والنهب والسلب والسبي وخصوصا اذا فر مشايخ البلدة من خوفهم وعدم قدرتهم والا قبضوا عليهم وضربوهم بالمقارع والكسارات على مفاصلم وركبهم وسحبوهم معهم في الحبال واذاقوهم انواع النكال وخاف من بقي فصانعوهم واتباعهم بالبراطيل والرشوات وانضم اليهم الاسافل من القبط والاراطل من المنافقين وتقربوا اليهم بما يستميلون قلوبهم به وما يستجلبونه لهم من المنافع والمظالم وأجهدوا انفسهم في التشفي من بعضهم وما يوجب الحقد والتحاسد الكامن في قلوبهم الى غير ذلك مما يتعذر ضبطه وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون
من مات في هذه السنة
ممن له ذكر مات الامام الفاضل الصالح العلامة الشيخ عبد العليم ابن محمد بن محمد بن عثمان المالكي الأزهري الضرير حضر دروس الشيخ علي الصعيدي رواية ودراية فسمع عليه جملة من الصحيح والموطأ والشمائل والجامع الصغير ومسلسلات بن عقيلة وروى عن كل من الملوى والجوهري والبلدي والسقاط والمنير والدردير والتاودي بن سودة حين حج ودرس وأفاد وكل من البكائين عند ذكر الله سريع الدمعة كثير الخشية وكان يعرف أشياء في الرقي والخواص وفوائد القرينة وام الصبيان ثم ترك ذلك لرؤيا منامية رآها واخبرني بها توفي في هذه السنة ودفن ببستان المجاورين (2/355)
ومات العمدة الفاضل والنبيه الكامل صاحبنا العلامة الوجيه الشيخ شامل احمد بن رمضان بن مسعود الطرابلسي المقرى الازهري حضر من بلده طرابلس الغرب الى مصر في سنة احدى وتسعين وجاور بالازهر وكان فيه استعداد وحضر دروس الشيخ أحمد الدردير والبيلي والشيخ ابي الحسن الغلقي وسمع على شيخنا السيد مرتضى المسلسل بالاولية وغير المسلسل ايضا واخذ منه الاجازة في سنة اثنتين وتسعين ولما مات الخواجا حسن البناني من تجار المغاربة فتوصل الى ان تزوج بزوجته بنت الغرياني وسكن بدارها الواسعة بالكعكبين وتجمل بالملابس وتودد للناس بحسن المعاشرة ومكارم الاخلاق وكان سموح النفس جدا دمت الطباع والاخلاق جميل العشرة ولما عزل السيد عبد الرحمن السفاقسي الضرير من مشيخة رواقهم كان المترجم هو المتعين لذلك دون غيره فتولى مشيخة الرواق بشهامة وكرم ونوه بذكره وزادت شهرته وكان وجيها طويل القامة بهى الطلعة بشوشا ولما حصلت واقعة الفرنسيس خرج تلك الليلة مع الفارين وذهب الى بيت المقدس وتوفي هناك في هذه السنة
ومات السيد الافضل والسند الاكمل المقرى بن المقرى والفهامة الذي بكل فن على التحقيق يدري بدر أضاء في سماء العرفان وعارف وضح دقائق المشكلات باتقان فلله دره من فاضل أبرز درر اللطائف من كنوزها وكشف عن مخدرات الفهوم لثامها فأظهر الانفس من نفيسها والاعز من عزيزها فلا غرو فانه بذلك حقيق كيف لا وما ذكر من بعض صفاته التي به تليق العلامة الشريف الحسن بن علي البدري العوضي ربي في حجر ابيه وحفظ القرآن والمتون وأخذ عن أبيه علم القراءات واتقن القراءات الاربعة عشر بعد ان اتقن العربية والفقه وباقي العلوم وحضر أشياخ الوقت وتمهر وأنجب وقرأ الدروس ونظم الشعر الجيد وشهد له الفضلاء وله ديوان مشهور بأيدي الناس وامتدح الاعيان وبينه بين الصلاحي وقاسم ابن عطاء الله مطارحات ذكرنا منها طرفا في ترجمتهما وله ايضا تآليف (2/356)
وتقييدات وتحقيقات ورسائل في فنون شتى ورسالة بليغة في قوله تعالى استكبرت أم كنت من العالين وكان الباعث له على تأليفها مناقشة حصلت بينه وبين الشيخ احمد يونس الخليفي في تفسير الآية بمجلس علي بك الدفتردار فظهر بها على الشيخ المذكور واجاره الامير المذكور بان رتب له تدريسا بالمشهد الحسيني ورتب له معلوما بوقته وقدره كل يوم عشرة انصاف فضة يستغلها من جانب الوقف في كل شهر واستمر بقبضها حتى مات في شعبان من هذه السنة رحمه الله ولم يخلف بعده مثله في الفضائل والمعارف
ثم دخلت سنة خمس عشر ومائتين والف
كان ابتداء المحرم يوم الاحد في خامسه اصعدوا الشيخ السادات الى القلعة وكان أرسل الى كبار القبط بان يسعوا في قضيته ورهن حصصه ويغلق الذي عليه فردوا عليه بانه لا بد من تشهيل قدر نصف الباقي اولا ولا يمكن غير ذلك واما الحصص فليست في تصرفه ولما تكرر ارساله للنصارى وغيرهم نقلوهم الى القلعة ومنعوه الاجتماع بالناس وهي المرة الثالثة
وفيه اشيع حضور مراكب وغلايين من ناحية الروم الى ثغر سكندرية وسافر سارى عسكر كلهبر وصحبته العساكر الفرنساوية فغاب اياما ثم عاد الى مصر ولم يظهر لهذا الخبر اثر
وفيه طلبوا عسكر من القبط فجمعوا منهم طائفة وزيوهم بزيهم وقيدوا بهم من يعلمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك وارسلوا الى الصعيد فجمعوا من شبانهم نحو الالفين واحضروهم الى مصر واضافوهم الى العسكر
وفي حادي عشرينه اعادوا الشيخ احمد العريشي الى القضاء كما كان وعملوا له موكبا وركب معه أعيان الفرنسيس وسوارى عساكرهم بطبولهم وزمورهم والمشايخ والتجار والاعيان وبجانبه قائممقام عبد الله (2/357)
منو الذي كان سارى عسكر برشيد فلم يزالوا معه حتى اوصلوه الى المحكمة الكبرى بعد ان شقوا به المدينة
وفي ذلك اليوم اعني يوم السبت وقعت نادرة عجيبة وهو ان سارى عسكر كلهبر كان مع كبير المهندسين يسيران بداخل البستان الذي بداره بالازبكية فدخل عليه شخص حلبي وقصده فاشار اليه بالرجوع وقال له ما فيش وكررها فلم يرجع وأوهمه ان له حاجة وهو مضطر في قضائها فلما دنا منه مد اليه يده اليسار كأنه يريد تقبيل يده فمد اليه الآخر يده فقبض عليه وضربه بخنجر كان اعده في يده اليمنى أربع ضربات متوالية فشق بطنه وسقط الى الارض صارخا فصاح رفيقه المهندس فذهب اليه وضربه ايضا ضربات وهرب فسمع العسكر الذين خارج الباب صرخة المهندس فدخلوا مسرعين فوجدوا كلهبر مطروحا وبه بعض الرمق ولم يجدوا القاتل فانزعجوا وضربوا طبلهم وخرجوا مسرعين وجروا من كل ناحية يفتشون على القاتل واجتمع رؤساؤهم وارسلوا العساكر الى الحصون والقلاع وظنوا انها من فعل اهل مصر فاحتاطوا بالبلد وعمروا المدافع وحرروا القنابر وقالوا لا بد من قتل اهل مصر عن آخرهم ووقعت هوجة عظيمة في الناس وكرشة وشدة انزعاج واكثرهم لا يدري حقيقة الحال ولم يزالوا يفتشون على ذلك القاتل حتى وجدوه منزويا في البستان المجاور لبيت سارى عسكر لمعروف بغيط مصباح بجانب حائط منهدم فقبضوا عليه فوجدوه شاميا فاحضروه وسألوه عن اسمه وعمره وبلده فوجدوه حلبيا واسمه سليمان فسألوه عن محل ماواه فأخبرهم انه يأوي ويبيت بالجامع الازهر فسألوه عن معارفه ورفقائه وهل اخبر احد بفعله وهل شاركه احد في رأيه واقره عل فعله او نهاه عن ذلك وكم له بمصر من الايام او الشهور وعن صنعته وملته وعاقبوه حتى اخبرهم بحقيقة الحال فعند ذلك علموا ببراءة اهل مصر من ذلك وتركوا ما كانوا عزموا عليه من محاربة اهل البلد وقد كانوا ارسلوا اشخاصا من ثقاتهم تفرقوا في الجهات (2/358)
والنواحي يتفرسون في الناس فلم يجدوا فيهم قرائن دالة على علمهم بذلك ورأوهم يسألون من الفرنسيس عن الخبر فتحققوا من ذلك برائتهم من ذلك ثم انهم أمروا باحضار الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ احمد العريشي القاضي وأعلموهم بذلك وعوقوهم الى نصف الليل والزموهم بأحضار الجماعة الذين ذكرهم القاتل وانه أخبرهم بفعله فركبوا وصحبتهم الاغا وحضروا الى الجامع الازهر وطلبوا الجماعة فوجدوا ثلاثة منهم ولم يجدوا الرابع فأخذهم الاغا وحبسهم ببيت قائممقام بالازبكية ثم انهم رتبوا صورة محاكمة على طريقتهم في دعاوى القصاص وحكموا بقتل الثلاثة أنفار المذكورين مع القاتل وأطلقوا مصطفى افندي البوصلي لكونه لم يخبره بعزمه وقصده فقتلوا الثلاثة المذكورين لكونه اخبرهم بأنه عازم على قصده صبح تاريخه ولم يخبروا عنه الفرنسيس فكأنهم شاركوه في الفعل وانقضت الحكومة على ذلك وألقوا في شأن ذلك أرواقا ذكروا فيها صورة الواقعة وكيفيتها وطبعوا منها نسخا كثيرة باللغات الثلاث الفرنساوية والتركية والعربية وقد كنت أعرضت عن ذكرها لطولها وركاكة تركيبها لقصورهم في اللغة ثم رايت كثيرا من الناس تتشوق نفسه الى الاطلاع عليها لتضمينها خبر الواقعة وكيفية الحكومة ولما فيها من الاعتبار وضبط الاحكام من هؤلاء الطائفة الذين يحكمون العقل ولا يتدينون بدين وكيف وقد تجارى على كبيرهم ويعسو بهم رجل آفاقي أهوج وغدره وقبضوا عليه وقرروه ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الاقرار بعد ان عثروا عليه ووجدوا معه آلة القتل مضمخة بدم سارى عسكرهم وأميرهم بل رتبوا حكومة ومحاكمة وأحضروا القاتل وكرروا عليه السؤال والاستفهام مرة بالقول ومرة بالعقوبة ثم أحضروا من اخبر عنهم وسألوهم على انفرادهم ومجمعين ثم نفذوا الحكومة فيهم بما اقتضاه التحكيم وأطلقوا مصطفى افندي البوصلي الخطاط حيث لم يلزمه حكم ولم يتوجه عليه قصاص كما يفهم جميع ذلك من فحوى المسطور بخلاف ما رأيناه (2/359)
بعد ذلك من افعال اوباش العساكر الذين يدعون الاسلام ويزعمون انهم مجاهدون وقتلهم الانفس وتجاريهم على هدم البنية الانسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية مما سيتلى عليك بعضه بعد
وصورة ترجمة الاوراق المذكورة
بيان شرح الاطلاع على جسم سارى عسكر العام كلهبر يوم الخامس والعشرين من شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا وخطنا فيه باش حكيم والجرايحي من اول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انتهينا حصة ساعتين بعد الظهر الى بيت سارى عسكر العام في الازبكية بمدينة مصر وكان سبب روحتنا هو اننا سمعنا دقة الطبل وغاغة الناس التي كانت تخبران سارى عسكر العام كلهبر انغدر وقتل وصلنا له فرأيناه في اخر نفس فحصنا عن جروحاته فتحقق لنا انه قد انضرب بسلاح مدبب وله حد وجروحاته كانت اربعة الاول منها تحت البز في الشقة اليمنى الثاني اوطى من الاول جنب السوة الثالث في الذراع الشمال نافذ من شقة لشقة والرابع في الخد اليمين فهذا حررنا البيان بالشرح في حضور الدفنزادر سارتلون الذي وضع اسمه فيه كمثلنا لاجل ان يسلم البيان المذكور الى سارى عسكر مدير الجيوش تحريرا في سراية سارى عسكر العام في النهار والسنة بعد الظهر بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من اول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس نهار تاريخه خمسة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثالثة بعد الظهر نحن الواضعون اسماءنا وخطنا فيه باش حكيم وجرايحي من اول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انطلبنا من الدفتردار سارتلون اننا نعمل بيان شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس وعضو من اعضاء مدرسة العلماء في بر مصر الذي انغدر هو ايضا في جنب سارى عسكر العام كلهبر مدبر الجيوش ومضروب ستة امرار بسلاح مدبب وله (2/360)
حد وهذا بيان الجروحات الاول في جنب الصدغ الثاني في الكف في عظمة الاصبع الخنصر الثالث بين الضلوع الشمالية الخامس في الشدق الشمالي والسادس في الصدر من الشقة الشمالية وشق نحو العرق ثم الى تأييد ذلك وضعنا اسماءنا وخطنا فيه برفقة الدفتردار سارتلون تحريرا في سراية سارى عسكر مدير الجيوش في اليوم والشهر والساعة المرقومة اعلاه بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من اول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون عن
اول فحص سليمان الحلبي
نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في بيت سارى عسكر داماس مدبر الجيوش واحد فسيال من ملازمين بيت سارى عسكر العام حضر وبيده ماسك راجل من اهل البلد مدعيا ان هذا هو الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر المنهوم المذكور انعرف من الستوين بروتاين المهندس الذي كان مع سارى عسكر حين انغدر لأنه ايضا انضرب برفقته بالخنجر ذاته وانجرح بعض جروحات
ثانيا المتهوم المذكور انشاف بين جماعة سارى عسكر من حد الجيزة وانوجد مخبى في الجنينة التي حصل فيها القتل وفي الجنينة نفسها انوجد الخنجر الذي به انجرح سارى عسكر وبعض حوائج ايضا بتوع المتهوم فحالا بدىء الفحص بحضور سارى عسكر منو الذي هو اقدم اقرانه في العسكر وتسلم في مدينة مصر والفحص المذكور صار بواسطة الخواجا براشويش كاتم سر وترجمان سارى عسكر العام ومحرر من يد الدفتردار سارتلون الذي احضره سارى عسكر منو لاجل ذلك المتهوم المذكور
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى سليمان ولادة بر الشام وعمره اربعة وعشرون سنة ثم صنعته كاتب عربي وكانت سكنته في حلب (2/361)
سئل كم زمان له في مصر فجاوب انه بقي له خمسة اشهر وانه حضر في قافلة وشيخها يسمى سليمان بوريجي
سئل عن ملته فجاوب انه من ملة محمد وانه كان سابقا سكن ثلاث سنين في مصر وثلاث سنين اخرى في مكة والمدينة
سئل هل يعرف الوزير الاعظم وهل له مدة ما شافه فجاوب انه ابن عرب ومثله ليس يعرف الوزير الاعظم
وسئل عن معارفه في مدينة مصر فجاوب انه لم يعرف احدا واكثر قعاده في الجامع الازهر وجملة ناس تعرفه واكثرهم يشهدون في مشيه الطيب
سئل هل راح صباح تاريخه الجيزة فجاوب نعم وانه كان قاصد ينشبك كاتب عند أحد ولكن ما قسم له نصيب
سئل عن الناس الذين كتب لهم أمس فجاوب ان كلهم سافروا
سئل كيف يمكن انه لم يعرف احد من الذين كتب لهم في الايام الماضية وكيف يكونون كلهم سافروا فجاوب انه ليس يعرف الذين كان يكتب لهم وان غير ممكن ان يتفكر اسماهم
سئل من هو الآخر في الذين كتب لهم فجاوب انه يسمى محمد مغر السويسي بياع عرقسوس وانه ما كتب لاحد في الجيزة
سئل ثانيا عن سبب روحته للجيزة فجاوب دائما انه كان قاصدا ان ينشبك كاتبا
سئل كيف مسكوه في جنينة سارى عسكر فجاوب انه ما انمسك في الجنينة بل في عارض الطريق فذاك الوقت انقال له انه ما ينجيك الا الصحيح لان عسكر الملازمين مسكوه في الجنينة وفي المحل ذاته انوجدت السكينة وفي الوقت انعرضت عليه فجاوب صحيح انه كان في الجنينة ولكن ماكان مستخبي بل قاعد لان الخيالة كانت ماسكة الطرق وما كان يقدر ان يروح للمدينة وان ما كان عنده سكينة ولم يعرف ان كان هذا موجود في الجنينة (2/362)
سئل لاي سبب كان تابع سارى عسكر من الصبح فجاوب انه كان مراده فقط يشوفه
سئل هل يعرف حنة قماش خضرة التي باينة مقطوعة من لبسه وكانت انوجدت في المحل الذي انغدر فيه سارى عسكر فجاوب بان هذه ما هي تعلقه
سئل ان كان تحدث مع احد في الجيزة وفي أي محل نام فجاوب انه ما تكلم مع ناس الا لاجل مشترى بعض مصالح وانه نام في الجيزة في جامع فاشاروا له على جروحاته التي ظاهرة في دماغه وقيل له ان هذه الجروحات بينت انه هو الذي غدر سارى عسكر لان ايضا الستوين بروتاين الذي كان معه عرفه وضربه كم عصاية الذين جرحوه فجاوب انه ما انجرح الا ساعة ما مسكوه
سئل هل كان تحدث نهار تاريخه مع حسين كاشف او مع ممالكيه فجاوب انه ما شافهم ولا كلمهم فلما أن كان المتهوم لم يصدق في جواباته امر سارى عسكر انهم يضربونه حكم عوائد البلاد فحالا انضرب لحد انه طلب العفو ووعد انه يقر بالصحيح فارتفع عنه الضرب وانفكت له سواعده وصار يحكي من اول وجديد كما هو مشروح
سئل كم يوم له في مدينة مصر فجاوب انه له واحد وثلاثين يوما وانه حضر من غزة في ستة ايام على هجين
سئل لاي سبب حضر من غزة فجاوب لاجل ان يقتل سارى عسكر العام
سئل من الذي ارسله لاجل ان يفعل هذا الامر فجاوب انه ارسل من طرف اغات الينكجرية وانه حين رجع عساكر العثملي من مصر الى بر الشام ارسلوا الى حلب بطلب شخص يكون قادرا على قتل سارى عسكر العام الفرنساوي ووعدوا لكل من يقدر على هذه المادة ان يقدموه في الوجاقات ويعطوه دراهم ولاجل ذلك هو تقدم وعرض روحه لهذا
سئل من هم الناس الذين تصدروا له في هذه المادة في بر مصر وهل (2/363)
سارر احدا على نيته فجاوب ان ما احد تصدر له وانه راح سكن في الجامع الازهر وهناك شاف السيد محمد الغزي والسيد احمد الوالي والشيخ عبد الله الغزي والسيد عبد القادر الغزي الذين ساكنون في الجامع المذكور فبلغهم على مراده فهم أشاروا عليه انه يرجع عن ذلك لان غير ممكن ان يطلع من يده ويموت فرط وان كان لازم يشخصوا واحدا غيره في قضاء هذه المادة ثم انه كل يوم كان يتكلم معهم في الشغل المذكور وان امس تاريخه قال لهم انه رائح يقضي مقصوده ويقتل سارى عسكر وانه توجه الى الجيزة حتى ينظر ان كان يطلع من يده وان هناك قابل النواتية بنوع قنجة سارى عسكر فاستخبر عليه منهم ان كان يخرج برا فسالوه ايش طالب منه فقال لهم ان مقصوده يتحدث معه فقالوا له انه كل ليلة ينزل في جنينة ثم صباح تاريخه شاف سارى عسكر معديا للمقياس وبعده ماشي الى المدينة فتبعه لحين ما غدره هذا الفحص صار من حضرة سارى عسكر منو بحضور باقي سوارى العساكر الكبار وملازمين ببيت سارى عسكر العام ثم انختم بامضاء سارى منو والدفتردار سارتلون في اليوم والشهر والسنة المحررة اعلاه ثم انقرا على المتهوم وهو ايضا خط يده واسمه بالعربي سليمان امضاء سارى عسكر عبد الله منو امضاء سارى عسكر داماس امضاء الجنرال والتين امضاء الجنرال موراند امضاء الجنرال مارتينه امضاء دفتر دار البحر لروا امضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما كان امضاء الترجمان حنا روكه امضاء داميانوس براشويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر العام
فحص الثلاثة مشايخ
المتهمين نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثامنة بعد الظهر حضروا في منزل سارى عسكر العام منو امير الجيوش الفرنساوية السيد عبد الله الغزي ومحمد الغزي والسيد احمد الوالي وهم الثلاثة متهومين في قتل (2/364)
سارى عسكر العام كلهبر فسارى عسكر منو أمر بفحصهم فبدىء ذلك حالا في حضور بعض سوارى العساكر المجتمعين لذلك وبواسطة الستوين لوما كا الترجمان كما يذكر ادناه السيد عبد الله الغزي هو الذي سئل اولا لوحده
سئل عن اسمه وعن مسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى السيد عبد الله الغزي ولادة غزة ومسكنه في مصر في الجامع الازهر وهناك كان كاره مقرىء القرآن وانه لم يعرف كم عمره ولكن تخمينه يجيء ثلاثين سنة
سئل ان كانت سكنته في الجامع الازهر هل يعرف جميع الغرباء الذين يدخلونه فجاوب انه ساكن ليل ونهار ويعرف الغرباء الذين فيه
سئل هل يعرف رجلا حضر من بر الشام من مدة شهر فجاوب ان من مدة خمسين يوم ما شاف احدا حضر من بر الشام فقيل له ان رجلا من طرف عرضي الوزير حضر من مدة ثلاثين يوما قال انه يعرفك والظاهر انك لم تكلم بالصدق فجاوب انه ملهى دائما في وظيفته وانه ما شاف احدا من بر الشام بل سمع أن قافلة كانت وصلت من ناحية الشرق فقيل له ايضا ان ناسا حضروا من بر السام يقولون انهم تكلموا معه ويعرفون فجاوب ان هذا غير ممكن وانهم يقابلوه مع الذي فتن عليه
سئل هل يعرف واحد اسمه سليمان كاتب عربي حضر من حلب من مدة ثلاثين يوما فجاوب لا فقيل له ان هذا الرجل يحقق انه شافه وانه أخبره ببعض أشياء لازمة فجاوب انه ما شافه وان هذا الرجل كذاب وانه يريد ان يموت ان كان ما يحكي الصحيح فحالا سارى عسكر نده الى محمد الغزي الذي هو ايضا متهوم في قتل سارى عسكر وبدىء الفحص كما يذكر
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى الشيخ محمد الغزي وعمره نحو خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وسكن بمصر في الجامع الازهر ثم صنعته مقرىء القرآن من مدة خمس سنين وما يخرج من الجامع (2/365)
الالكي يشتري ما يأكل
سئل هل يعرف الغرباء الذين يجيئون يسكنون في الجامع فجاوب ان في بعض الاوقات يحضر ناس غرباء واما البواب فهوالذي يقارشهم ومن قبله ينام بعض ليالي في الجامع والبعض في بيت الشيخ الشرقاوي
سئل هل يعرف رجلا يسمى سليمان حضر من بر الشام من مدة ثلاثين يوما فجاوب انه لم يعرفه وانه غير ممكن ان يشوف كل الناس لان الجامع كبير قوي
سئل انه يحكي على الذي تكلم به معه سليمان فان المذكور يحقق انه تكلم معه في الجامع فجاوب انه يعرفه من مدة ثلاث سنين وانه كان عند خبر انه راح مكةواما من بعده ما شافه ولم يعرف ان كان رجع ام لا
سئل هل السيد عبد الله العزي يعرفه ايضا فجاوب نعم فقيل له محقق ان امس تاريخه سليمان المذكور تحدث معه حصة طيبة وان الشواهد موجودة فجاوب ان هذا صحيح سئل لاي سبب كان بدأ يقول انه ما شافه فجاوب ان تخمينه ما قال هذا وان المترجمين غلطوا
سئل هل سليمان المذكور مابلغه عن شيء مذنب قوى وتحقيا لذلك معلوم عندنا انه كان قصده يحوشه فجاوب انه لم يعرف هذا الامر وان سلميان المذكور راح وجاء كام مرة الى مصر وبقي له هنا مقدار شهر فقيل له انه موجود شواهد ان سليمان المذكور كان أخبره ان مراده لن يغدر سارى عسكر العام وانه اراد أن يمنعه فجاوب انه ما بلغه عن هذا الامر بل امس تاريخه قال له انه رائح ويمكن ان ما بقي يرجع فبعده احضرنا عبد الله الغزي لاجل يتفحص ثانيا كما يذكر ادناه
سئل لاي سبب قال انه لم يعرف سليمان الحلبي حين سألوه عنه بحيث ان موجودة شواهد ان هذا له في مصر واحد وثلاثون يوما وانه تقابل واياه جملة مرار وتحدث معه اكثر الايام فجاوب حقا انه لم يعرفه
سئل هل يعرف واحد يسمى محمد الغزي الذي هو مثله مقرى القرآن (2/366)
في جامع الازهر فجاوب نعم
سئل السيد عبد الله المذكور لاي سبب انكر ذلك فجاوب انهم لخبطوا عليه السؤال وان هذا الوقت بحيث انهم سالوه عن سليمان الذي من حلب فيقر انه يعرفه فقيل له انه معلوم عندنا انه شافه مرارا كثيرة وتحدث معه فجاوب انه بقي له ثلاثة ايام ما شافه
سئل هل انه ما قصد يمنعه عن قتل سارى عسكر العام فجاوب انه ما قال له ابدا على هذا الامر وانه لو كان بلغه منه ذلك كان منعه بكل قدرته
سئل لأي سبب ما يحكى الصحيح بحيث انه موجودة عليه شواهد فجاوب انه غير ممكن يوجد عليه شواهد وانه ما شاف سليمان المذكور الا لاجل ان يسلموا على بعض حين تقابلوا
سئل هل سليمان ما أخبره ابدا عن سبب مجيئه الى مصر فجاوب حاشا فبعد ذلك اخروا الاثنين المذكورين واحضروا السيد احمد الوالي الذي هو متهوم وسئل كما يذكر
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى السيد احمد الوالي ولادة غزة وصنعته مقرى القرآن في الجامع الازهر من مدة عشر سنين ولم يعرف كم عمره
سئل هل يعرف الغرباء الذين يدخلون في الجامع فجاوب ان وظيفته يقرأ ولا ينتبه الى الغرباء فقيل له ان بعض الغرباء الذين حضروا هناك عن قريب يقولون انهم شافوه في الجامع فجاوب انه ما شاف احدا
سئل هل شاف رجلا حضر من بر الشام من طرف الوزير وهذا الرجل قال انه يعرفه فجاوب لا وان كانوا يقدروا يحضروا هذا الرجل حتى يقابله
سئل هل يعرف سليمان الحلبي فجاوب انه يعرف واحدا يسمى سليمان الذي كان يروح يقرأ عند واحد افندي وكان طالب انه يستقيم في الجامع وان هذا الرجل قال انه من حلب ومن مدة عشرين يوما كان شافه وبعدها (2/367)
ما قابله ثم كان قال له ان الوزير في يافا وان عساكره ما كان عندهم دراهم وكانوا يفوتوه
سئل هل هذا الرجل المذكور ما هو تحت حمايته فجاوب انه لم يعرفه طيبا حتى يضمنه
سئل هل الاثنان الاخران المتهومان معارفه وهل ان الثلاثة تحدثوا سواء عن قريب ام امس تاريخه مع سليمان المذكور فجاوب لا بل انه يعرف ان سليمان المذكور كان حضر لزيارة الجامع وانه وضع في الجامع جملة اوراق مضمونها انه كان قوي متعبد لخالقه
سئل هل المذكور امس ايضا ما وضع اوراقا في الجامع فجاوب ان ما عنده خبر بذلك
سئل هل ما منع سليمان عن فعل ذنب بليغ فجاوب انه ايدا ما حدثه بهذا الشيء ولكن قال له ان مراده يفعل شيء جنون وانه عمل كل جهده حتى يرجعه
سئل ايش هو الجنان الذي قاصد يعمله وحدثه عليه فجاوب انه قال له انه كان مراده يغازي في سبيل الله وان هذه المغازاة هي قتل واحد نصراني وليكن ما اخبره باسمه وانه قصد يمنعه بقوله ان ربنا اعطى القوة للفرنساوية ما احد يقدر يمنعهم حكم البلاد فبعد هذا المتهوم المذكور انشال لمحله وهذا الفحص تحتم بحضور سوارى العساكر المجموعين بامضاء سارى عسكر منو والدفتردار سارتلون الذي هو ذاته حرر هذا الفحص بأمر سارى عسكر منو ثم بعد قراءته على المتهومين وضعوا اسماءهم وخطهم بالعربي تحريرا في اليوم والشهر والسنة المحرر اعلاه ثلاث امضاآت بالعربي امضاء سارى عسكر منو امضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما كا سارى عسكر العام منو امير الجيوش الفرنساوية في مصر
المادة الاولى أن ينشأ ديوان قضاة لاجل أن يشرعوا على الذين غدروا سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال (2/368)
المادة الثانية القضاة المذكورون يكونوا تسعة وهم سارى عسكر رينيه سارى عسكر فرياند سارى عسكر روبين الجنرال موراند رئيس المعمار بربراند الوكيل رجينيه دفتردار البحر لرو والدفتردار سارتلون في وظيفة مبلغ والوكيل لبهر في وظيفة وكيل الجمهور
المادة الثالثة القضاة المذكورون ينظر لهم كاتم سر
المادة الرابعة القضاةالمذكورين مفوضون الامر في الكشف والتفتيش وحوش كل من يريدوا حتى انهم يطلعوا على الذين لهم حصة في الذنب المذكور او يكون عندهم خبرة
المادة الخامسة القضاة المذكورون يتفقوا على العذاب اللائق الى موت القاتل ورفقائه
المادة السادسة القضاة المذكورون يجتمعوا من نهار تاريخه الذي هو السادس والعشرون من شهر برريال لحد خلاص الشريعة المذكورة امضاء سارى عسكر منو وهذه نسخة من الاصل امضاء الجنرال رنة كتخدا مدبر الجيوش
شرح اجتماع القضاة في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي
في اليوم السادس والعشرين من شهر برريال حكم أمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوي المحرر في نهار تاريخه اجتمعوا في بيت ساري عسكر رينيه المذكور وساري عسكر وبين ودفتردار البحر لو والجنرال مارتينه عوضا عن سارى عسكر فرياند حكم أمر سارى عسكر منو ثم الجنرال موراند ورئيس العسكر جرجه ورئيس العمارة برتراند ورئيس المدافع فاورو الوكيل رجيه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل ابهر في وظيفة وكيل الجمهور لاجل قضاء شريعة قتل سارى عسكر العام كلهبر الذي انغدر امس تاريخه القضاة المذكورون اجتمعوا مع شيخهم سارى عسكر رينيه وعلى قرار أمر سارى عسكر منو المشروح (2/369)
أعلاه وحكم المادة الثالثة المحررة فيه استخصوا كاتم السرلهم الوكيل بينه الذي حلف كما هي العوائد ولزم وظيفته ثم القضاة المذكورون وكلوا سارى عسكر رينيه والمبلغ الدفتردار سارتلون في التفتيش والحبس لكل من اكتشفوا عليه حكم ما هو محرر في المادة الرابعة المحررة اعلاه وهذا لكي يظهروا رفقاء القاتل ثم ان السكينة التي وجدت مع القاتل حين انمسك تبقى عند كاتم السر لاجل يظهرها في الوقت الذي يلزم ثم وعدوا المجلس لصباح تاريخه في الساعة الرابعة قبل الظهر ثم حرروا خط يدهم مع كاتم السر امضاء الوكيل رجنيه امضاء رئيس المعمار بريراند امضاء رئيس المدافع فاور امضاء رئيس العسكر جرجه امضاء الجنرال موراند امضاء الجنرال مارتينه امضاء دفتردار البحر لرو امضاء سارى عسكر روبين امضاء سارى عسكر رينيه امضاء كاتم السر بينه اقرار الشهود نهار تاريخه في ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار سارتلون المسمى من حضرة سارى عسكر العام منو أمير الجيوش وفي وظيفة مبلغ حكم الامر الذي خرج من طرفه
انتشار القضاة في شرع القاتلين سارى عسكر العام كلهبر والسيتوين بينه المسمى من القضاة المذكورين في مرتبة كاتم السر انه حضر بين يدنا يوسف برين عسكرى خيال من الطبجية الملازمين بيت سارى عسكر العام وقال لنا هو ورفيقه خيال ايضا يسمى روبرت مسكوا المسلم سليمان المتهوم في غدر سارى عسكر العام وانهم وجدوه في الجنينة التي معمول فيها الحمامان الفرنساويان الملتزقان بجنينة سارى عسكر وانهم رأوه مخبأ بين حيطان الجنينة المهدودة وان الحيطان المذكورة كانت ملغمطة بدم في بعض نواحي وان سليمان المذكور كان ايضا ملغمطا بدم وانهم مسكوه في هذه الحالة وان بعده التزموا يضربوه بالسيف لاجل يمشوه ثم برين المذكور قال بعد حوشة سليمان بساعة في الموضع ذاته الذي (2/370)
كان مخبأ فيه شاف سكينة بدمها وانه سلم السكينة في بيت سارى عسكر العام فقربنا اليه اقراره هذا وسألناه هل فيه شيء زائد أم ناقص فجاوب ان هذا كل الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا امضاء برين الخيال امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه ثم حرر ايضا بين أيدينا الشاهد الثاني وهو السيتوين روبرت الخيال أحد الطبجية الملازمين وقال انه حين كان يفتش على الذي قتل سارى عسكر دخل في الجنينة التي فيها الحمامان الفرنساويان لزق جنينة سارى عسكر العام وهناك شاف برفقة برين المذكور سليمان الحلبي مستخبى في ركن حيطان مهدودة وكان ملغمط دم وفي رأسه شرموطة زرقاء وان في هذه الحالة عرفت ان هذا هو القاتل وان الحيطان التي كان فات عليها كانت ايضا ملغمطة دم وان حين مسكوه بان منه وهم وان بعد حوشته بساعة شاف برفقة السيتوين برين في الموضع ذاته سكينة بدمها وانهم سلموها في بيت سارى عسكر العام والسكينة المذكورة كانت مخبية تحت الارض فقرأنا عليه اقراره هذا ثم سألناه ان كان ما فيه زائد ام ناقص فجاوب ان هذا هو الذي فعله وشافه ثم حرر خط يده معنا حرر بمدينة مصر في النهار والشهر والساعة المحررة أعلاه امضاء روبرت الخيال امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه انا الدفتردار سارتلون المبلغ رحت الى بيت السيتوين بروتاين لانه كان راقدا بسبب جروحاته ثم استلمت منه التبليغ الآتي أدناه انا حنا قسطنطين بروتاين المهندس وعضو من أعضاء مدرسة العلم في بر مصر انني كنت أتمشور تحت التكعيبة الكبيرة التي في جنينة سارى عسكر وتطل على بركة الازبكية وكنت برفقة سارى عسكر العام فنظرت رجلا لابسا عثملي خارج من مبتدأ التكعيبة من جنب الساقية فانا كنت بعيد كام خطوة عن سارى عسكر انادى على الغفراء فانتبهت لاجل أشوف السيرة رأيت ان الرجل المذكور يضرب سارى عسكر بالسيكنة ذاتها كام مرة فارتميت على الارض وفي الوقت سمعت سارى عسكر يصرخ ثانيا فهميت ورحت قريبا من سارى عسكر فرايت الرجل (2/371)
يضربه فهو ضربني ثانيا كام سكينة التي رمتني وغيبت صوابي وما وعدت نظرت شيا غير انني اعرف طبيب اننا قعدنا مقدار ستة دقائق قبل ما أحد يسعفنا فبعده قريت هذا الإقرار على السيتوين بروتاين وسألته هل فيه زائد ام ناقص فجاوب ان هذا الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا إمضاء بروتاين امضاء سارتلون امضاء كاتم السربينه والسيتوين بروتاين بعد ما ختم الورقة أعلاه قال ان مقصوده يضيف عليها ان بعد غدر سارى عسكر بزمان قليل حين شاف سليمان الحلبي الذي هو ذاته الذي كان ضرب سارى عسكر وبعده ضربه سليمان المذكور كام سكينة غيبت صوابه فقرينا عليه ايضا هذه الاضافة فجاوب انها حاوية الحق وما فيها زائد ولا ناقص ثم ختمها معنا أمضاء بروتاين سارتلون امضاء كاتم السر بينه نهار تاريخه سنة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي انا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المأمور في شرع قتلة سارى عسكر العام كلهبر ذهبت الى مساعدين سارى عسكر المذكور لاجل ان اسمع اقرارهم ثم كان معي كاتم السر بينه وهم قالوا لنا كما يذكر أدناه السيتوين فورتونه دهوج ابن اربعة وعشرين سنة فسيال في طابور الخيالة ومساعد عند سارى عسكر كلهبر قال انه في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال كان سارى عسكر العام حين حضر الى الازبكية يشوف بيته الذي كان داير فيه العمارة وانه شاف رجلا بعمة خضراء ودلق وحش وكان دائما تابع سارى عسكر حين كان دائر يتفرج على المحلات وانه هو وخلافه حسبوا هذا الرجل من جملة الفعلة فما أحد سأله ولكن حين نزل سارى عسكر من بيته الى الجنينة لاجل ينفذ الى جنينة سارى عسكر داماس السيتوين دهوج شاف الرجل المذكور مدسوس بين جماعة سارى عسكر فنهره وطرده برا فبعد ساعتين حين انغدر سارى عسكر السيتوين دهوج المذكور عرف دلق الخائن لانه كان رماه جنب سارى عسكر وبعده حين انمسك الرجل (2/372)
فعرفه انه هو الذي قبل بشويه طرده من الجنينة ثم قرىء هذا المضمون على السيتوين دهوج المذكور لاجل بيان هل يوجد شيء خلافه يزيد ام ينقص فجاوب ان هذا الحق حكم ما عاين وفعل ثم حرر خط يده مع كاتم السر تحريرا في اليوم والشهر والسنة والمحررة أعلاه امضاء السيتوين دهوج امضاء سارتلون امضاء بينه كاتم السر
ثاني فحص سليمان الحلبي
نهار تاريخه سنة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار سارتلون برتبة مبلغ والوكيل بينه في رتبة كاتم سر القضاة المنقامين الى شرع كل من هو متهوم في غدر سارى عسكر العام كلهبر احضر سليمان الحلبي لاجل نساله من اول وجديد عن صورة غدر وقتل سارى عسكر وهذا صار بواسطة السيتوين براشويش كاتم سر وترجمان سارى عسكر العام كما يذكر ادناه
سئل المذكور عن قصة سارى عسكر فجاوب انه حضر من غزة مع قافلة حاملة صابون ودخان وانه كان راكب هجين وبحيث ان القافلة كانت خائفة ان تنزل بمصر توجهت الى ريف يسمى الغيظة في ناحية الالفية وهناك استكرى حمارا من واحد فلاح وحضر لمصر ولكن لم يعرف الفلاح صاحب الحمار ثم ان احمد اغا وياسين اغا من اغوات الينكجرية بحلب وكلوه في قتل سارى عسكر العام بسبب انه يعرف مصر طيب بحيث انه سكن فيها سابق ثلاث سنوات وانهم كانوا وصوه أنه يروح ويسكن في الجامع الازهر وأن لا يعطي سره لاحد كليا بل يوعي لروحه ويكب الفرصة في قضاء شفله لانها دعوة تحب السر والنباهة ثم يعمل كل جهده حتى يقتل سارى عسكر لكن حين وصل الى مصر التزم يسارر الاربعة مشايخ الذين أخبر عنهم لانه لو كان ما قال لهم فما كانوا يسكنونه في الجامع وانه كان كل يوم يتحدث معهم في هذا الامر وان المشايخ المذكورين (2/373)
قصدوا يغيروا عقله عن هذا الفعل بقولهم انه ما يقدر عليه وهو ما دعاهم لمساعدته لانه كان يعرفه بليدين وان اليوم الذي قصد التوجه فيه ليقتل سارى عسكر قابل احدهم الذي هو محمد الغزى فعرفه ان مقصوده ان يتوجه الى الجيزة ليفعل هذا الغدر وان تخمينه انه مثل المجنون من حين اراد ان يقضي هذا الامر لانه لو كان له عقل ما حضر من غزة لهذا الامر وان الاوراق التي وضعها هي بعض آيات من القرآن لانه عوائد الكتبة اولاد العرب وضعوا ذلك في الجامع وانه ما أخذ دراهم من احد في مصر لان الاغوات كانوا أعطوا له كفايته وان الافندي الذي كان يروح يقرأ عنده يسمى مصطفى افندي وكان يقرأ عليه نهار الاثنين والخميس تبع العادة ولكن ما اخبره بسر خوفا ان ينشهر واما من قبل الاربعة مشايخ المذكورين صحيح انه قال لهم كل شيء لانهم من اولاد بلاده ثم حقق لهم انه ناوى ان يغازى في سبيل الله
سئل اين كان هو حين رجع الوزير من بر مصر في ابتداء شهر جرمنيال الموافق لشهر الاسلام ذي القعدة فجاوب انه كان في القدس حاجج من حين كان الوزير اخذ العريش
سئل اين شاف احمد اغا الذي يقول انه عرض عليه مادة قتل سارى عسكر وفي أي يوم قال له ذلك فجاوب انه حين انكسر الوزير رجع الى العريش وغزة في أواخر شوال او في اوائل شهر ذي القعدة الموافق لشهر جرمنيال الفرنساوي وان احمد اغا المذكور هو من جملة اغوات الوزير ولكن كان رسم عليه في غزة من حين اخذ العريش وحين رجع ارسله الى القدس في بيت المتسلم ثم انه يوم وصوله توجه سلم عليه في بيت المتسلم وشكا له من ابراهيم باشا متسلم حلب الذي كان يظلم اباه الذي يسمى الحاج محمد امين بياع سمن وحططوه غرامات زائدة ومن الجملة واحدة قبل سفر الوزير من الشام ثم وقع بعرضه بشأن ذلك ثم انه رجع عند احمد اغا ثاني يوم وان الاغا في وقتها قال له انه محب ابراهيم باشا وانه ما يقصر ويوصيه في راحة ابيه ولكن بشرط انه يروح يقتل امير الجيوش الفرنساوية (2/374)
ثم في ثالث ورابع يوم كرر عليه ايضا هذا السؤال وحالا ارسله الى ياسين اغا في غزة لاجل ان يعطي له مصروفه وانه من بعد هذا الكلام بأربعة ايام سافر من القدس الى الخليل وهناك قعد كام يوم وما وصله ولا مكتوب من احمد اغا واما احمد اغا المذكور كان ارسل خداما الى غزة لاجل يخبر ياسين اغا بالذي اتفقوا عليه
سئل كام يوم قعد في الخليل فجاوب عشرين يوما
سئل لاي سبب قعد عشرين يوما في الخليل وهل في هذه المدة ما وصله مكاتيب من الاثنين الاغوات فجاوب ان السكة كانت ملانة عرب وأنه خائف منهم فالتزم يستنظر سفر القافلة التي سافر برفقتها وانه كان في غزة في اواخر شهر ذي القعدة الموافق لغرة شهر فلوريال الفرنساوي
سئل ايش عمل في غزة وآيش قال له ياسين اغا فجاوب ان ثاني يوم وصوله راح شاف الاغا والمذكور قال له انه يعرف الشغل الذي هو سبب مشواره هذا وانه اسكنه في الجامع الكبير وهناك مرار عديدة كان يروح يشوفه ليلا ونهارا ويتحدث معه في هذا الامر ووعده انه يرفع الغرائم عن ابيه وانه دائما يجعل نظره عليه في كل ما يلزمه ثم بلغه عن كل الذي كان لازم يفعله كما شرح اعلاه وهذا صار سرا بينهم ثم اعطى له اربعين قرشا لمصروف السفر وبعد عشرة ايام سافر من غزة راكب هجين ووصل هنا بعد ستة ايام كما عرف سابقا وان سفره من غزة كان في اوائل شهر ذي الحجة الموافق الى نصف شهر فلوريال الفرنساوي فبقى باين أنه حين غدر سارى عسكر كان له واحد وثلاثون يوما في مدينة مصر
سئل هل يعرف الخنجر الملغمط دم الذي قتل به سارى عسكر فجاوب نعم يعرفه
سئل من اين احضر هذا الخنجر وهل أحد من الاغوات اعطاه له أم احد خلافهم فجاوب انه ما احد اعطاه له وانما بحيث انه كان قصد قتل سارى عسكر توجه الى سوق غزة واشترى اول سلاح شافه (2/375)
سئل هل ان احمد أغا او ياسين اغا ما حدثاه اصلا عن الوزير وعشموه بشيء من طرفه ان كان يقدر يقتل سارى عسكر فجاوب لا بل انهم ذاتهم وعدوه انهم يساعدوه في كل ما يلزمه ان كان يخرج هذا الشيء من يده
سئل هل ان الوزير نادى في تلك النواحي بقتل الفرنساوية فجاوب انه لا يعلم بل يعرف ان الوزير كان ارسل طاهر باشا لاجل يعين الذين كانوا بمصر وانه رجع حين شاف العثملي مقبلين لبر الشام من مصر
سئل هل هو فقط الذي توكل في هذه الارسالية فجاوب ان تخمينه هكذا لان هذا الكلام قد حصل سرا ما بينه وبين الاغوات
سئل كيف كان يعمل حتى انه كان يعرف الاغوات بالذي فعله فجاوب انه كان قصده يروح هو بنفسه يخبرهم او يرسل لهم حالا ساعي فبعد خلاص الفحص المذكور انقرأ على المتهوم وهو حرر خط يده مع المبلغ وكاتم السر والترجمان حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة والمحررة اعلاه أمضاء سليمان الحلبي بالعربي امضاء كاتم السر بينه
مقابلة المتهمين مع بعضهم نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي انا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المنقامين لشرع كل من هو متهوم في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا الشيخ محمد الغزي لاجل تجدد فحصه ونقابله مع سليمان الحلبي قاتل سارى عسكر ولهذا كان موجود معنا السيتوين بينه كاتم سر القضاة المذكورين وصار كما يذكر ادناه
سئل الشيخ محمد الغزي هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم
سئل سليمان الحلبي هل يعرف الشيخ محمد الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم
سئل محمد الغزي هل ان سليمان الحلبي ما قال له من قيمة واحد وثلاثين يوما انه حضر من بر الشام من طرف احمد اغا وياسين الاغا لاجل يقتل سارى (2/376)
عسكر العام وهو كل يوم ماحدثه في هذا الشغل حتى انه في آخر يوم قال له انه رائح الى الجيزة حتى يغدر سارى عسكر فجاوب ان هذا ما له اصل لكن حين شافوا بعضا وقع بينهم سلام فقط ومن قبل آخر يوم الذي نوى فيه سليمان على الرواح الى الجيزة جاب له ورق وحبر وقال له انه ما يرجع الا غدا فقيل انه ما يخبر بالصحيح لان سليمان يحقق انه اخبره بهذه السيرة كل يوم وان عشية قبل غدر سارى عسكر كان قال له انه رائح لقضاء هذا الامر فجاوب ان هذا الرجل يكذب
سئل هل كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي وهل في الايام الاخيرة ما راح بات عنده فجاوب ان من حين دخول الفرنساوية ما راح ابدا بات عنده واما قبل دخول الفرنساوية كان يبيت عنده بعض مرار فقيل له انه ما يحكي الصحيح لان في فحص امس قال انه كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي فجاوب انه ما قال ذلك
سئل سليمان الحلبي هل يقدر يثبت على الشيخ محمد الحاضر بانه كل يوم كان يخبره على نيته في قتل سارى عسكر وخصوصا عشية النهار الذي صباحه صار القتل فجاوب نعم وانه ما قال الا الصحيح وان الشيخ محمد الغزى ما كان يقر بالحق امرنا بضربه كعادة البلد فحالا انضرب لحد انه طلب العفو ووعد انه يحكي على كل شيء فارتفع عنه الضرب
سئل هل سليمان اخبره على ضميره في قتل سارى عسكر فجاوب ان سليمان كان قال له انه حضر من غزة لاجل انه يغازي في سبيل الله بقتل الكفرة الفرنساوية وانه منعه عن ذلك بقوله انه يحصل له من ذلك ضرر وما عرفه انه مراده يغدر سارى عسكر الا الليلة التي راح فيها الى الجيزة وصباحها قتله
سئل لاي سبب ما حضر أخبرنا على سليمان المذكور فجاوب انه ابدا ما كان يصدق ان واحدا مثل هذا يقدر على قتل سارى عسكر والذي الوزير بذاته ما قدر عليه (2/377)
سئل هل اخبر بالذي قال له عليه سليمان لاحد من المدينة وخصوصا الى الشيخ الشرقاوي فجاوب انه ما اخبر أحدا بذلك وحتى اذا وضعوه تحت القتل ما يقول بذلك
سئل هل يعرف احدا خلاف سليمان حضر لاجل غدر الفرنساوية واين هم قاعدين فجاوب انه ما يعرف وان سليمان ما قال له على احد
سئل سليمان المذكور انه يشهر رفقاءه فجاوب انه لم يعرف احد في مصر وان تخمينه ما فيه غيره الذي قاصد قتله الفرنساوية فبعد هذا صرفنا محمد الغزي المذكور لحبسه وابقينا سليمان لاجل نقابله مع السيد احمد الوالي الذي حالا احضرناه لاجل ذلك
سئل هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم
سئل ايضا سليمان هل يعرف السيد احمد الوالي الموجود ههنا فجاوب هو ايضا نعم
سئل السيد احمد الولاي هل ان سليمان ما أخبره على نيته في قتل سارى عسكر وخصوصا في العشية التي قصد بها التوجه لذلك فجاوب ان سليمان حين وصل من مدة ثلاثين يوما كان قال له انه حضر حتى يغازي في الكفرة وانه نصحه عن ذلك بقوله ان هذا شيء غير مناسب وما أخبره على سيرة سارى عسكر
سئل سليمان المذكور انه يبين هل حدثه احمد الوالي في قتل سارى عسكر وكم يوم له ما حدثه فجاوب ان في أوائل وصوله قال له انه حضر بقصد الغزو في الكفار وان السيد احمد ما رضي له بذلك ثم بعد ستة ايام اخبره على نيته في قتل سارى عسكر ومن بعدما عاد حدثه بذلك وقبل الغدر بأربعة أيام ما كان قابله فقيل للسيد احمد الوالي انه لم يصدق في قوله لانه ينكر ان سليمان ما أخبره بأنه كان ناوي بقتل سارى عسكر فجاوب الان لما فكره سليمان افتكر انه اخبره
سئل لاي سبب ما اشهر سليمان المذكور فجاوب انه ما اشهره لسببين (2/378)
الاول انه كان يخمن انه يكذب والثاني ما كان مستعنيه في فعل مادة مثل هذه
سئل هل سليمان ما عرفه برفقائه وهل هو ما تحدث مع احد بذلك وخصوصا مع شيخ الجامع الذي هو ملزوم يخبر بكل ما يجري فجاوب ان سليمان ما قال له على رفقائه وهو ما اخبر بذلك احدا ولا ايضا شيخ الجامع
سئل هل يعرف الامر الذي خرج من سارى عسكر العام بأن كل من شاف عثملي في البلد يخبر عنه فجاوب انه ما درى بذلك
سئل هل سكن سليمان بالجامع لسبب انه قال له على مراده في قتل سارى عسكر فجاوب لا لان كل أهل الاسلام تقدر تسكن في الجامع
سئل سليمان هل انه ما قال بأنهم ما كانوا يريدوا يسكنوه لولا انه قال لهم على سبب مجيه لمصر فجاوب ان كامل الغرباء لازم يخبروا عن سبب حضورهم واما هو يقول الحق ان ما احد من المشايخ ارتضى على مقصوده فبعد هذا ارسلنا السيد احمد الوالي الى حبسه وبقي سليمان الحلبي لاجل مقابلة السيد عبد الله الغزي الذي احضرناه في الحال
سئل سليمان هل يعرف السيد عبد الله الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم
سئل السيد عبد الله الغزي هل ما بلغه نية سليمان في قتل سارى عسكر فجاوب واقر ان يوم حضور سليمان عرفه انه حضر يغازي في الكفرة وانه مراده يقتل سارى عسكر وانه قصد يمنعه عن ذلك
سئل لاي سبب ما شكاه فجاوب انه كان يظن ان سليمان المذكور يتوجه عند المشايخ الكبار وان المذكورين كانوا يمنعوه ولكن من الان صار يخبر بالذين يحضرون بهذه النية
سئل هل يعرف ان سليمان اخبر احدا خلافه في مصر فجاوب ان ما عنده علم بذلك (2/379)
سئل هل يعرف ان موجود بمصر ناس خلاف سليمان متوكلين في قتل الفرنساوية فجاوب ان ما عنده خبر وان تخمينه لم يوجد احد
فبعد ذلك انقرأ هذا الفحص على الاربعة المتهومين وهم سليمان الحلبي ومحمد الغزىوالسيد احمد الولاي والسيد عبد الله الغزى وسألوهم هل جواباتهم هذه صحيحة ولافيها زائد ولا ناقص فأربعتهم جاوبوا لاثم حرروا خط يدهم معنا بالعربي برفقة الاثنين المترجمين وكاتم السر حرر بمدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة اعلاه امضاء المتهومين بالعربي امضاء الترجمان لو ما كان امضاء دمياسومر برا شويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر العام امضاء المبلغ سارتلون امضاء كاتم السر بينه بعد خلاص الفحص المشروح اعلاه انا المبلغ سارتلون سالت الاربعة المتهومين المذكورين انهم يختاروا لهم واحدا ليتكلم عنهم قدام القضاة ويحامي عنهم والمذكورون قالوا ان ما هم عارفون من يختاروا فأورينا لهم الترجمان لوماكا لاجل يمشي لهم في ذلك
بيان فحص مصطفى افندي
نهار تاريخه ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا المبلغ سارتلون وبينه كاتم سر القضاة المنتشرين لشرع كل من كان له جرة في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا مصطفى افندي لكي تفحص منه على الذي قد حصل
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب بانه يسمى مصطفى أفندي ولادة برصة في بر أناضول وعمره واحد وثمانون سنة وساكن في مصر ثم صنعته معلم كتاب
سئل هل من مدة شهر شاف سليمان الحلبي فجاوب ان هذا الرجل مشدود من مدة ثلاث سنين وانه من مدة عشرة أو عشرين يوما حضر عنده وبات ليلة ومن حيث انه رجل فقير قال له يروح يفتش له على محل غيره
سئل هل سليمان المذكور ما أخبره أنه حضر من بر الشام حتى يقتل (2/380)
سارى عسكر العام فجاوب لا بل حضر عنده ليسلم عليه فقط لكونه معلمة من قديم
سئل هل سليمان ما عرفه عن سبب حضوره لهذا الطرف وهل هو نفسه ما استخبر عن ذلك فجاوب ان كل اجتهاده كان في انه يصرفه من عنده بحيث انه رجل فقير بل سأله عن سبب حضوره فأخبره لاجل يتقن القراءة
سئل هل يعرف بان سليمان راح عند ناس من البلد وخصوصا عند أحد من المشايخ الكبار فجاوب انه لا يعرف شيئا لانه ما شافه الا قليلا وانه لم يقدر يخرج كثيرا من بيته بسبب ضعفه وكبره
سئل هل انه ما يعلم القرآن الا مشاديده فجاوب نعم
سئل هل ان القرآن يرضي بالمغازاة ويأمر بقتل الكفرة فجاوب انه ما يعرف ايش هي المغازاة التي القرآن ينبي عنها
سئل هل يعمل مشاديده هذه الأشياء فجاوب واحد اختيار مثله ماله دعوة في هذه الاشياء بل انه يعرف ان القرآن ينبي عن المغازاة وان كل من قتل كافرا يكسب اجرا
سئل هل علم هذا الغرض لسليمان فجاوب انه ما علمه الا الكتابة فقط
سئل هل عنده خبر ان أمس تاريخه رجل مسلم قتل سارى عسكر الفرنساوية الذي ما هو من ملته وهل بموجب تعليم القرآن هذا الرجل فعل طيب ومقبول عند النبي محمد فجاوب ان القاتل يقتل واما هو يظن ان شرف الفرنساوية هو من شرف الاسلام واذا كان القرآن يقول غيره شيا هو ما له علاقة فحالا قدمنا سليمان المذكور وقابلناه بمصطفى أفندي ثم سالناه هل شاف مصطفى أفندي مرارا كثيرة وهل بلغه عن نيته فجاوب انه ما شافه سوى مرة واحدة لاجل انه يسلم عليه بحيث انه معلمه القديم
وبما انه رجل اختيار وضعيف قوي ما رأى مناسب يخبره عن ضميره
سئل هل هو من ملة المغازين وهل ان المشايخ سمحوا له في قتل الكفار في مصر ليكتب له أجر ويقبل عند النبي محمد فجاوب انه ما فتح سيرة المغازاة (2/381)
الا الى الاربعة مشايخ فقط الذين سماهم
سئل هل انه ما تحدث مع الشيخ الشرقاوي فجاوب انه ما شاف هذا الشيخ لانه ما هو من ملته بسبب ان الشيخ الشرقاوي شافعي وهو حنفي فبعد هذا قرينا على سليمان ومصطفى افندي اقرارهم هذا فجاوبوا ان هذا هو الحق وما عندهم ما يزيدوا ولا ينقصوا ثم حرروا خط يدهم برفقة الترجمان ونحن حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة والمحررة اعلاه امضاء الاثنين المتهومين بالعربي امضاء لوماكا الترجمان امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه
هذه الرواية المنقولة في اليوم السابع والعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من اقامة الجمهور الفرنساوي عن الوكيل سارتلون بحضور مجمع القضاة المفوضين لمحاكمة قاتل سارى عسكر العام كلهبر وايضا لمحاكمة شركاء القاتل المذكور يا ايها القضاة ان المناحة العامة والحزن العظيم الذي نحن مشتملون بهما الآن يخبران بعظم الخسران الذي حصل الان بعسكرنا لان سارى عسكرنا في وسط نصراته ومماجده ارتفع بغتة من بيننا تحديد قاتل رذيل ومن يد مستأجره من كبراء ذوي الخيانة والغيرة الخبيثة والان أنا معين ومأمور لاستدعاء الانتقام للمقتول وذلك بموجب الشريعة من القاتل المسفور وشركائه كمثل أشنع المخلوقات لكن دعوني ولو لحظة خالطا فيض دموع عيني وحسراتي بدموعكم ولوعاتكم التي سببها هذا المفدى الاسيف والمكرم المنيف فقلبي احتسب جدا اهتياجه لتأدية تلك الجزية لمستحقها فوظيفتي كأنها ليست في الرؤية الا الما بتغريق المهيب بماء هذه المصنوعة الشنيعة التي بوقوعها ارتبكت سمعتم الان قراءة اعلام وفحص المتهمين وباقي المكتوبات عما جرى منهم وقط ما ظهر سيئة أظهر من هذه السيئة التي أنتم محاكمون فيها من صفة الغدارين ببيان الشهود واقرار القاتل وشركائه والحاصل كل شيء متحد ورامي الضياء المهيب لمناورة ذا القتل الكريه اني أنا راوي لكم سرعة الاعمال جاهد نفسي أن ظفرت لمنع غضبي منهم منها فلتعلم (2/382)
بلاد الروم والدنيا بكمالها ان الوزير الاعظم سلطنة العثمانية ورؤساء جنود جنود عسكرها رذلوا أنفسهم حتى ارسلوا قتال معدوم العرض الى الجريء والا نجب كلهبر الذي لا استطاعوا بتقهيره وكذلك ضعوا الى عيوب مغلوبيتهم المجرم الظالم بالذي ترأسوا قبل السماء والارض تذكروا جملتكم تلك الدول العثمانية المحاربين من اسلامبول ومن أقاصي أرض الروم وأناضول واصلين منذ ثلاثة شهور بواسطة الوزير لتسخير وضبط بر مصر وطالبين تخليتها بموجب الشروط الذي بمتفقيتهم بذاتهم مانعوا اجراءها والوزير أرق بر مصر وبر الشام بمناداته مستدعي بها قتل عام الفرنساوية وعلى الخصوص هو عطشان لانتقامه لقتل سر عسكرهم وفي لحظة الذين هم اهالي مصر محتفين باغويات الوزير كانوا محرومين شفقات ومكارم نصيرهم وفي دقيقة الذين هم اسارى ومجروحين العثملية هم مقبولين ومرعبين في دور ضيوفنا وضعفائنا تقيد الوزير بكل وجوه بتكميل سوء غفارته تلوه منذ زمان طويل واستخدم لذلك أغا مغضوبا منه ووعد له اعادة لطفه وحفظ رأسه الذي كان بالخطر ان كان يرتضي بذا الصنع الشنيع وهذا المغوى هو احمد اغا المحبوس بغزة منذ ما ضبط العريش وذهب للقدس بعد انهزام الوزير في أوائل شهر جرمينال الماضي والاغا المرقوم محبوس هناك بدار متسلم البلد وفي ذلك الملجأ فهو مفتكر باجراء السوء الخبيث الذي يستثقل التقدير لافهيم ولا معه تدبير سيما هو عامل شيء لاجراء انتقام الوزير وسليمان الحلبي شب مجنون وعمره أربعة وعشرون سنة وقد كان بلا ريب متدنس بالخطايا ظهر عند ذا الاغا يوم وصوله القدس وبترجى صيانته لحراسة أبيه تاجر بحلب من اذيات ابراهيم باشا والى حلب يرجع له سليمان يوم غدره فقد كان استفتش الاغا عن احتيال اصل وفصل ذا الشب المجنون وعلم انه مشتغل بجامع بين قراء القرآن وانه هو الان بالقدس للزيارة وانه قد حج سابقا بالحرمين وان العته النسكي هو منصوب في اعلى رأسه المضطرب من زيغاته وجهالاته بكمالة (2/383)
اسلامه وباعتمده ان المسمى منه جهاد وتهليك الغير المؤمنين فمما انهى وأيقن ان هذا هوالايمان ومن ذلك الان مارما بقي تردد أحمد اغا في بين ما نوى منه فوعد له حمايته وانعامه وفي الحال ارسله الى ياسين اغا ضابط مقدار من جيوش الوزير بغزة وبعثه بعد أيام لمعاملته واقبضه الدراهم اللازمة له وسليمان قد امتلأ من خباثته وسلك بالطرق فمكث واحد وعشرين يوم في بلد الخليل يجبرون منتظر فيه قبيلة لذهاب البادية وكل مستعجل ووصل غزة في اوائل شهر فلوريال الماضي وياسين اغا مسكنه بالجامع لاستحكام غيرته والمجنون يواجهه مرارا وتكرارا بالنهار والليل مدة عشرة أياما مكثه بغزة يعلمه وبعد ما اعطاه أربعين غرشا أسديا ركبه بعقبيه الهجين الذي وصل مصر بعد ستة ايام وممتن بخنجر دخل بأواسط شهر فلوريال الى مصر التي قد سكنها سابقا ثلاث سنين وسكن بموجب تربياته بالجامع الكبير ويتحضر فيه للسيئة التي هو مبعوث لها ويستدعي الرب تعالى بالمناداة وكتب المناجاة وتعليقها بالسور مكانه بالجامع المذكور علاه وتأنس مع الاربعة مشايخ الذين قرأ والقرآن مثله وهم مثل مولودين ببر الشام وسليمان أخبرهم بسبب مراسلته وكان كل ساعة معهم متؤامرين به لكن ممنوعين بصعوبة ومخطرات الوحدة محمد الغزي والسيد احمد الوالي وعبد الله الغزي وعبد القادر الغزي هم معتمدين سليمان بارتهان ما نواه ولا عاملوا شيء لممانعته او لبيانه وعن مداومة سكونهم به صاروا مسامحين ومشتركين في قبحة القاتل هو منتظر واحد وثلاثين يوم معدودة بمصر فعقبة جزم توجهه الى الجيزة وبذاك اليوم اعقد سره الى الشركاء المذكورين اعلاه وكان كل شيء صار سهل جزم القاتل بمصنوعته الشنيعة وبيوم الغدوة طلع السر عسكر من الجيزة متوجها مصر وسليمان طوى الطرق ولحقه هلقدو حتى لزم ان يطروده مرارا مختلفة لكن هو المكار عقيب غدرا تعداه وفي يوم الخامس والعشرين من شهرنا الجاري وصل واختفى في جنينة السر عسكر لتقبيل يده فالسر عسكر لا أبي عن قيافة (2/384)
فقره وفي حال ما السر عسكر ترك له يده ضربه سليمان بخنجرة ثلاث جروح وقصد الستوين بروتاين الذي هو رئيس المعمار ومصاحب العرفاء وجاهد لحماية السر عسكر لكن ما نفع جسارته فهو بذاته وقع ايضا مجروح عن يد القاتل المسفور بستة جروحات وبقي لا مستطيع شيء وهكذا وقع بلا صيانة وهو الذي كان من الاماجد في الحرب ومخاطرات الغزا وهو اول الذين مضوا برياسة عسكر دولة الجمهور الفرنساوي المنصور الرهن الرهين وهو فتح ثانيا بر مصر حينئذ بهجوم سحائب من العثمانية فكيف اقتدر واضم الوجع العميق الجملة الى دموع الاجناد الى لوعات الرؤساء وجميع الجنرالية أصحابه بالمجاهدة والمماجدة بالمناحة وموالهة العسكر انتم جميعا تنعوه والمحاسنات تستأهله وتنبغي له القاتل سليمان ما قدر يهرب من مغاشاة الجيوش غضوبين له الدم ظاهر في ثيابه وخنجره واضطرابه ووحشة وجهه وحاله كشفوا جرمه وهو بالذات مقر بذنبه بلسانه ومسمى شركاه وهو كمادح نفسه للقتل الكريه صنع يديه وهو مستريح بجواباته للمسائل وينظر محاضر سياسات عذابه بعين رفيعة والرفاهية هي الثمر المحصول من العصمة والتفاوه فكيف تظهر بوجوه الآثمين ومسامحينهم شركاء سليمان الاثيم كانوا مرتهنين سره للقتل الذي حصل من غفلتهم وسكوتهم قالوا باطلا انهم ما صدقوا سليمان هو مستعدد بذا الاثم وقالوا باطلا ايضا ان لو كانوا صدقوا ذا المجنون كانوا في الحال شايعين خيانته لكن الاعمال شهود تزور وتنبيء انهم قابلوا القاتل وما غيروا له نية الا خوف مهلكتهم ومصممين تهلكة غيرهم ولا هم مستعذرين وجها من الوجوه لا حكى لهم شيء من مصطفى افندي بما ان لا ظهر شيء عند ذاك الشيب يثبت معاقرته بشكل العذاب اللائق للمذنبين هو تحت اصطفاكم بموجب الامر من الذي أنتم مأمورن بعقيبه لمحاكمة السيئين وأظن ان يليق ان تصنعوا لهم من العذابات العادية ببلاد مصر ولكن عظمة الاثم تستدعي ان يصير عذابه مهيبا فان سألتوني أجبت انه يستحق الخوزقة وان قبل كل شيء تحرق (2/385)
يد ذا الرجل الاثيم وانه هو يموت بتعذيبه ويبقى جسده لمأكول الطيور وبجهة المسامحين له يستحقون الموت لكن بغير عقوبة كما قلت لكم ونبهت فليعلم الوزير والعملية الظالمين تحت امره حد جزاء الآثمين الذين ارتكبوا بقصد انتقامهم لعدم المروءة انهم عدموا من عسكرنا واحد مقدام سبب دائمي دموعنا ولوعتنا الابدية فلا يحسبوا ولا يأملوا بأقلال جزائنا انما خليفة السر عسكر المرحوم هو رجل قد شهر شجاعة ومضى قدماه بصفاء ضمير منير وهو مشار اليه بالبنان لمعرفة بتدبير الجنود والجمهور المنصور وهو يهدينا بالنصرة وأما اولئك المعدومون القلب والعرض فلا احمرت وجوههم بانتقامهم وانهزامهم باق ثم عدم اعتبارهم بالتواريخ لا بد أنهم باقين بالرذالة لا نفع لهم قدام العالم الا اكتساب خجالتهم ولعدم المبالاة حالا كشفتها لهم اثبت محاكمات كما يأتي بيانها
اولا أن سليمان الحلبي مثبت اسمه الكريه بقتل السرعسكر كلهبر فلهذا هو يكون مدحوضا بتحريق يده اليمنى وبتحريقه حتى يموت فوق خازوقه وجيفته باقية فيه لمأكولات الطيور
ثانيا ان الثلاثة مشايخ المسمين محمد الغزى وعبد الله الغزي واحمد الغزي يكونون متبينين منكم انهم شركاء لهذا القاتل فلذلك يكونون مدحوضين بقطع رؤسهم
ثالثا ان الشيخ عبد القادر الغزي يكون مدحوضا بذلك العذاب
رابعا ان اجراء عذابهم يصير بعودة المجتمعين لدفن السر عسكر وامام العسكر وناس البلد لذاك الفعل موجودين فيه
خامسا ان مصطفى افندي تبين غير مثبوت مسامحته وهو مطلوق الى مانرى
سادسا ان ذا الاعلام وبيناته وما جرى بطبع في خمس نسخ ويؤول من لسان الفرنساوي بالعربي والتركي لتلزيقها بمحلات بلاد بر مصر بكمالها بموجب المأمور حرر بمصر القاهرة في اليوم السابع وعشرين من (2/386)
شهرنا برريال سنة ثمانية من اقامة الجمهور المنصور ممضى سارتلون
الفتوى الخارجة من طرف ديوان القضاة المنتشرين بأمر سارى عسكر العام منو امير الجيوش الفرنساوية في مصر
لاجل شرعية كل من له جرة في غدر وقتل سارى عسكر العام كلهبر في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي وفي اليوم السابع وعشرين من شهر برريال اجتمعوا في بيت سارى عسكر رينيه المذكور وسارى عسكر روبين ودفتردار البحرلرو والجنرال مارتينه والجنرال مورانه ورئيس العسكر جوجه ورئيس المدافع فاور ورئيس المسار برترنه والوكيل رجينه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل لبهر في رتبة وكيل الجمهور والوكيل بينه في رتبة كاتم السر وهذا ما صار حكم أمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية الذي صدر أمس وأقام القضاة المذكورين لكي يشرعوا على الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من الشهر ولكي يحكموا عليه بمعرفتهم فحين اجتمعوا القضاة المذكورون وسارى عسكر رينيه الذي هو شيخهم أمر بقراءة الامر المذكور أعلاه الخارج من يد سارى عسكر منو ثم بعده المبلغ قرأ كامل الفحص والتفتيش الذي صدر منه في حق المتهومين وهم سليمان الحلبي والسيد عبد القادر الغزي ومحمد الغزي وعبد الله الغزي واحمد الوالي ومصطفى أفندي فبعد قراءة ذلك أمر سارى عسكر رينيه بحضور المتهومين المذكورين قدام القضاة وهم من غير قيد ولا رباط بحضور وكيلهم والابواب مفتحة قدام كامل الموجودين فحين حضروا سارى عسكر رينيه وكامل القضاة سألوهم جملة سؤالات وهذا بواسطة الخواجا براشويش الترجمان فهم ما جاوبوا آلا بالذي كانوا قالوه حين انفحصوا فسارى عسكر رينيه سالهم أيضا ان كان مرادهم يقولوا شيأ مناسبا لتبرئتهم فاجاوبوه بشيء فحالا سارى عسكر المذكور أمر بردهم الى الحبس مع الخفراء عليهم ثم ان سارى عسكر رينيه التفت الى القضاة وسالهم ايش رأيهم في عدم حديث المتهومين وأمر (2/387)
بخروج كامل الناس من الديوان وقفل المحل عليهم لأجل يستشارو بعضهم من غير ان احدا يسمعهم ثم انوضع اول سؤال وقال
سليمان الحلبي ابن أربعة وعشرين سنة وساكن بحلب منهم بقتل سارى عسكر العام وجرح السيتوين بروتاين المهندس وهذا صار في جنينة سارى عسكر العام في خمسة وعشرين من الشهر الجاري فهل هو مذنب فالقضاة المذكورون ردوا كل واحد منهم لوحده والجميع بقول واحد ان سليمان الحلبي مذنب
السؤال الثاني السيد عبد القادر الغزى مقرى قرآن في الجامع الازهر ولادة غزة وساكن في مصر متهوم انه بلغه بالسر في غدر سارى عسكر العام وما بلغ ذلك وقصد الهروب فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
ثم وضع السؤال الثالث وقال محمد الغزى ابن خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وساكن في مصر مقرى قرآن في الجامع الازهر متهوم انه بلغه بالسر في غدر سارى عسكر وانه حين ذلك الغادر كان نوى الرواح لقضاء فعله بلغه أيضا وهو ما عرف أحدا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
السؤال الرابع عبد الله الغزى ابن ثلاثين سنة ولادة عزة ومقرى قرآن في الجامع الازهر متهوم انه كان يعرف في غدر سارى عسكر وانه ما بلغ أحدا بذلك فهو هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
السؤال الخامس احمد الوالي ولادة غزة مقرى قرآن في جامع الازهر متهوم أن عنده خبر في غدر سارى عسكر وانه ما بلغ أحدا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
السؤال السادس مصطفى أفندي ولادة برصة في براناضول عمره واحد وثمانين سنة ساكن في مصر معلم كتاب ما عنده خبر بغدر سارى عسكر فهل هو مذنب فالقضاة تماما جاوبوا بانه غير مذنب وأمروا باطلاقه (2/388)
فبعد ذلك القاضي وكيل الجمهور طلب انهم يفتوا بالموت على المذنبين المشروحين أعلاه فالقضاة تشاوروا مع بعضهم ليعتمدوا على جنس عذاب لائق لموت المذنبين أعلاه ثم بدؤا بقراءة خامس مادة من الامر الذي اخرجه امس سارى عسكر منو بسبب ذل والذي بموجبه أقامهم قضاة في فحص وموت كل من كان له جرة في غدر وقتل سارى عسكر العام كلهبر ثم اتفقوا جميعهم ان يعذبوا المذنبين ويكون لائق للذنب الذي صدر وأفتوا ان سليمان الحلبي تحرق يده اليمين وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور وهذا يكون فوق التل الذي برا قاسم بك ويسمى تل العقارب وبعد دفن سارى عسكر العام كلهبر وقدام كامل العسكر وأهل البلد الموجودين في المشهد ثم افتوا بموت السيد عبد الغادر الغزى مذنب ايضا كما ذكر اعلاه وكل ما تحكم يده عليه يكون حلال للجمهور الفرنساوي ثم هذه الفتوى الشرعية تكتب وتوضع فوق البيت الذي مختص بوضع رأسه وأيضا افتوا على محمد الغزى وعبد الله وأحمد الوالي ان تقطع رؤسهم وتوضع على نبابيت وجسمهم يحرق بالنار وهذا يصير في المحل المعين اعلاه ويكون ذلك قدام سليمان الحلبي قبل أن يجري فيه شيء هذه الشريعة والفتوى لازم ان ينطبعا باللغة التركية والعربية والفرنساوية من كل لغة قدر خمسمائة نسخة لكي يرسلوا ويعلقوا في المحلات اللازمة والمبلغ يكن مشهل في هذه الفتوى تحريرا في مدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة اعلاه ثم ان القضاة حطوا خط يدهم باسمائهم برفقة كاتم السر ممضى في اصله ثم هذه الشريعة والفتوى انقرت وتفسرت على المذنبين بواسطة السيتوين لو ما كان الترجمان قبل قصاصهم فهم جاوبوا ان ما عندهم شيء يزيدوا ولا ينقصوا على الذي أقروا به في الاول فحالا قضوا امرهم في ثمانية وعشرين من شهر برريال حكم الاتفاق وقبل نصف النهار بساعة واحدة حرر بمصر في ثمانية وعشرين برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي ثم ختموا باصله الدفتردار سارتلون وكاتم (2/389)
السر بينه وهذه نسخة من الاصل امضاء بينه كاتم السر آه وهذا آخر ما كتبوه في خصوص هذه القضية ورسموه وطبعوه بالحرف الواحد ولم اغير شيئا مما رقم اذ لست ممن يحرف الكلم وما فيه من تحريف فهو كما في الاصل والله اعلم واحكم
ولما فرغوا من ذلك اشتغلوا بامر عسكرهم المقتول وذلك بعد موته بثلاثة ايام كما ذكر ونصبوا مكانه عبد الله جاك منو ونادوا ليلة الرابع من قتلته وهي ليلة الثلاثاء خامس عشرين المحرم في المدينة بالكنس والرش في جهات حكام الشرطة فلما اصبحوا اجتمع عساكرهم واكابرهم وطائفة عينها القبط والشوام وخرجوا بموكب مشهده ركبانا ومشاة وقد وضعوه في صندوق من رصاص مسنم الغطاء ووضعوا ذلك الصندوق على عربة وعليه برنيطته وسيفه والخنجر الذي قتل به وهو مغموس بدمه وعملوا على العربة اربعة بيارق صغار في اركانها معمولة بشعر أسود ويضربون بطبولهم بغير الطريقة المعتادة وعلى الطبول خرق سود والعسكر بايديهم البنادق وهي منكسة الى اسفل وكل شخص منهم معصب ذراعه بخرقة حرير سوداء ولبسوا ذلك الصندوق بالقطيفة السوداء وعليها قصب مخيش وضربوا عند خروج الجنازة مدافع وبنادق كثيرة وخرجوا من بيت الازبكية على باب الخرق الى درب الجماميز الى جهة الناصرية فلما وصلوا الى تل العقارب حيث القلعة التي بنوها هناك ضربوا عدة مدافع وكانوا أحضروا سليمان الحلبي والثلاثة المذكورين فأمضوا فيهم ما قدر عليهم ثم ساروا بالجنازة الى أن وصلوا باب قصر العيني فرفعوا ذلك الصندوق ووضعوه على علوة من التراب يوسط تخشيبة صنعوها وأعدوها لذلك وعملوا حولها داربزين وفوقه كساء ابيض وزرعوا حوله اعواد سرو ووقف عند بابها شخصان من العسكر ببنادقهما ملازمان ليلا ونهارا يتناوبان الملازمة على الدوام وانقضى أمره واستقر عوضه في السر عسكرية قائممقام عبد الله جاك منو وهو الذي كان متوليا على رشيد من قدومهم وقد كان أظهر انه (2/390)
اسلم تسمى بعبدالله وتزوج بامرأة مسلمة وقلدوا عوضه في قائمقامية بليار فلما أصبح ثاني يوم حضر قائممقام والاغا الى الازهر ودخلا اليه وشقا في جهاته وأروقته وزواياه بحضرة المشايخ
وفي يوم الخميس حضر سارى عسكر عبد الله جاك منو وقائمقام لو الاغا وطافوا به ايضا وأرادوا حفر أماكن للتفتيش على السلاح ونحو ذلك ثم ذهبوا فشرعت المجاورون به في نقل امتعتهم منه هو نقل كتبهم واخلاء الاروقة ونقلوا الكتب الموقوفة بها الى اماكن خارجة عن الجامع وكتبوا أسماء المجاورين في ورقة وامروهم ان لا يبيت عندهم غريب ولا يؤوا اليهم آفاقيا مطلقا وأخرجوا منه المجاورين من طائفة الترك ثم ان الشيخ الشرقاوي والمهدي والصاوي توجهوا في عصريتها عند كبير الفرنسيس منو واستأذنوه في قفل الجامع وتسميره فقال بعض القبطة الحاضرين للاشياخ هذا لا يصح ولا يتفق فحنق عليه الشيخ الشرقاوي وقال اكفونا شر دسائسكم ياقبطة وقصد المشايخ من ذلك منع الريبة بالكلية فان للازهر سعة لا يمكن الاحاطة بمن يدخل فربما دس العدو من يبيت به واحتج بذلك على انجاز غرضه ونيل مراده من المسلمين والفقهاء ولا يمكن الاحتراس من ذلك فاذن كبير الفرنسيس بذلك لما فيه من موافقة غرضه باطنا فلما اصبحوا قفلوه وسمروا أبوابه من سائر الجهات
وفي غايته جمعوا الوجاقلية وأمروهم باحضار ما عندهم من الاسلحة فأحضروا ما أحضروه فشددوا عليهم في ذلك فقالوا لم يكن عندنا غير الذي احضرناه فقالوا وأين الذي كنا نرى لمعانه عند متاريسكم فقالوا تلك اسلحة العساكر العثمانية والاجناد المصرية وقد سافروا بها
واستهل شهر صفر بيوم الثلاثاء سنة
في اوائله سافر بعض الاعيان من المشايخ وغيرهم الى بلاد الارياف بعيالهم وحريمهم وبعضهم بحث حريمه واقام هو مسافر الشيخ محمد الحريري وصحب معه حريم الشيخ السحيمي وصهره الشيخ المهدي فلما (2/391)
رآهم الناس عزم الكثير منهم على الرحلة واكثروا المراكب والجمال وغير ذلك فلما اشيع ذلك كتب الفرنسيس أوراقا ونادوا في الاسواق بعدم انتقال الناس ورجوع المسافرين ومن لم يرجع بعد خمسة عشر يوما نهبت داره فرجع أكثر الناس ممن سافر او عزم على السفر الا من اخذ له ورقة بالاذن من مشاهير الناس احتج بعذر كائن في خدمة لهم او قبض خراج أو مال أو غلال من التزامه
وفيه قرروا فردة أخرى وقدرها أربعة ملايين وقدر المليون مائة وستة وثمانون الف فرانسة وكان الناس ما صدقوا قرب تمام الفردة الاولى بعد ما قاسوا من الشدائد ما لا يوصف ومات اكثرهم في الحبوس وتحت العقوبة وهرب الكثير منهم وخرجوا على وجوههم الى البلاد ثم دهوا بهذه الداهية أيضا فقرروا على العقار والدور مائتي الف فرانسة وعلى الملتزمين مائة وستين ألفا وعلى التجار مائتي ألف وعلى ارباب الحرف المستورين ستين ألفا واسقطوا في نظير المنهوبات مائة ألف وقسموا البلدة ثمانية اخطاط وجعلوا على كل خطة منها خمسةوعشرين ألف ريال ووكلوا بقبض ذلك مشايخ الحارات والامير الساكن بتلك الخطة مثل المحتسب بجهة الحنفي وعمر شاه وسويقة السباعين ودرب الحجر ومثل ذي الفقار كتخدا جهة المشهد الحسيني وخان الخليلي والغورية والصنادقية والاشرفيةوحسن كاشف جهة الصليبة والخليفة وما في ضمن كل من الجهات والعطف والبيوت فشرعوا في توزيع ذلك على الدور الساكنة وغير الساكنة وقسموها عال وأوسط ودون وجعلوا العال ستين ريالا والوسط اربعين والدون عشرين ويدفع المستأجر قدر ما يدفع المالك والدار التي يجدونها مغلقة وصاحبها غائب عنها ياخذون ما عليها من جيرانها
وفي سادس عشرينه أفرجوا عن الشيخ السادات ونزل الى بيته بعد ان غلق الذي تقرر عليه واستولوا على حصصه وأقطاعه وقطعوا مرتباته وكذلك (2/392)
جهات حريمه والحصص الموقوفة على زاوية أسلافه وشرطوا عليه عدم الاجتماع بالناس وأن لا يركب بدون اذن منهم ويقتصد في أمور معاشه ويقلل اتباعه
شهر ربيع الاول سنة
فيه نادوا على الناس الخارجين من مصر من خوف الفردة وغيرها بان من لم يحضر من بعد اثنين وثلاثين يوما من وقت المناداة نهبت داره واحيط بموجوده وكان من المذنبين واشتد الامر بالناس وضاقت منافسهم وتابعوا نهب الدور بأدنى شبهة ولا شفيع تقبل شفاعته أو متكلم تسمع كلمته واحتجب سارى عسكر عن الناس وامتنع من مقابلة المسلمين وكذلك عظماء الجنرالات وانحرفت طباعهم عن المسلمين زيادة عن أول واستوحشوا منهم ونزل بالرعية الذل والهوان وتطاولت عليهم الفرنساوية وأعوانهم وأنصارهم من نصارى البلد الاقباط والشوام والاروام بالاهانة حتى صاروا يامرونهم بالقيام اليهم عند مرورهم ثم شددوا في ذلك حتى كان اذا مر بعض عظمائهم بالشارع ولم يقم اليه بعض الناس على أقدامه رجعت اليه الاعوان وقبضوا عليه وأصعدوه الى الحبس بالقلعة وضربوه واستمر عدة أيام في الاعتقال ثم يطلق بشفاعة بعض الاعيان
وفيه أنزلوا مصطفى باشا من الحبس وأهدوا اليه هدايا وأمتعة وأرسلوه الى دمياط فأقام بها أياما وتوفي الى رحمة الله تعالى
شهر ربيع الثاني سنة
فيه اشتد أمر المطالبة بالمال وعين لذلك رجل نصراني قبطي يسمى شكر الله فنزل بالناس منه مالا يوصف فكان يدخل الى دار أي شخص كان لطلب المال وصحبته العسكر من الفرنساوية والفعلة وبأيديهم القزم فيأمرهم بهدم الدار ان لم يدفعوا له المقرر وقت تاريخه من غير تأخير الى غير ذلك وخصوصا ما فعله ببولاق فانه كان يحبس الرجال مع النساء ويدخن عليهم بالقطن والمشاق وينوع عليهم العذاب ثم رجع الى مصر يفعل كذلك (2/393)
وفيه اغلقوا جميع الوكائل والخانات على حين غفلة في يوم واحد وختموا على جميعها ثم كانوا يفتحونها وينهبون ما فيها من جميع البضائع والاقمشة والعطر والدخان خانا بعد خان فاذا فتحوا حاصلا من الحواصل قوموا ما فيه بما احبوا بابخس الاثمان وحسبوا غرامته فان بقى لهم شيء أخذوه من حاصل جاره وان زاد له شيء أحالوه علىجاره الاخر كذلك وهكذا ونقلوا البضائع على الجمال والحمير والبغال وأصحابها تنظر وقلوبهم تنقطع حسرة على مالهم واذا فتحوا مخزنا دخله امناؤهم ووكلاؤهم فيأخذون من الودائع الخفيفة أو الدراهم وصاحب المحل لا يقدر على التكلم بل ربما هرب أو كان غائبا
وفيه حرروا دفاتر العشور وأحصوا جميع الاشياء الجليلة والحقيرة ورتبوها بدفاتر وجعلوها اقلاما يتقلدها من يقوم بدفع مالها المحرر وجعلوا جامع أزبك الذي بالازبكية سوقا لمزاد ذلك بكيفية بطول شرحها وأقاموا على ذلك أياما كثيرة يجتمعون لذلك في كل يوم ويشترك الاثنان فاكثر في القلم الواحد وفي الاقلام المتعددة
وفيه كثر الهدم في الدور وخصوصا في دور الامراء ومن فر من الناس وكذلك كثر الاهتمام بتعمير القلاع وتحصينها وانشاء قلاع في عدة جهات وبنوا بها المخازن والمساكن وصهاريج الماء وحواصل الجبخانات حتى ببلاد الصعيد القبلية
واستهل شهر جمادى الاولى سنة
والامور من أنواع ذلك تتضاعف والظلومات تتكاثف وشرعوا في هدم اخطاط الحسينية وخارج باب الفتوح وباب النصر من الحارات والدور والبيوت والمساكن والمساجد والحمامات والحوانيت والاضرحة فكانوا اذا دهموا دارا وركبوها للهدم لا يمكنون أهلها من نقل متاعهم ولا أخذ شيء من أنقاض دارهم فينهبونها ويهدمونها وينقلون الانقاض النافعة من الاخشاب والبلاط الى حيث عمارتهم وأبنيتهم وما بقى يبيعون منه ما أحبوا (2/394)
بأبخس الاثمان ولوقود النيران وما بقى من كسارات الخشب يحزمه الفعلة حزما ويبيعونه على الناس باغلى الاثمان لعدم حطب الوقود ويباشر غالب هذه الافاعيل النصارى البلدية فهدم للناس من الاملاك والعقار مالا يقدر قدره وذلك مع مطالبتهم بما قرر على أملاكهم ودورهم من الفردة فيجتمع على الشخص الواحد النهب والهدم والمطالبة في آن واحد وبعد أن يدفع ما على داره أو عقاره وماصدق أنه غلق ما عليه الا وقد دهموه بالهدم فيستغيث فلا يغاث فترى الناس سكارى وحيارى ثم بعد ذلك كله يطالب بالمنكسر من الفردة وذلك أنهم لما قسموا الاخطاط كما تقدم وتولى ذلك أمير الخطة وشيخ الحارة والكتبة والاعوان وزعوا ذلك برأيهم ومقتضى أغراضهم فاول ما يجتمعون بديوانهم يشرع الكتبة في كتابة التنابيه وهي اوراق صغار باسم الشخص والقدر المقرر عليه وعلى عقاره بحسب اجتهادهم ورأيهم وعلى هامشها كراء طريق المعينين ويعطون لكل واحد من اولئك القراسة عدة من تلك الاوراق فقبل ان يفتح الانسان عينيه ما يشعر الا والمعين واقف بابه وبيده ذلك التنبيه فيوعدوه حتى ينظر في حاله فلا يحد بدا من دفع حق الطريق فما هو الا ان يفارقه حتى يأتيه المعين الثاني بتنبيه آخر فيفعل معه كالاول وهكذا على عدد الساعات فإن لم يوجد المطلوب وقف ذلك القواس على داره ورفع صوته وشتم حريمه أو خادمه فيسعى الشخص جهده حتى يغلق ما تقرر عليه بشفاعة ذي وجاهة أو نصراني وما يظن انه خلص الا والطلب لاحقه ايضا بمعين وتنبيه فيقول ما هذا فيقال له ان الفردة لم تكمل وبقى منها كذا وكذا وجعلنا على العشرة خمسة او ثلاثة أو ما سولت لهم أنفسهم فيرى الشخص أن لا بد من ذلك فما هو الا أن خلص ايضا الاوكرة أخرى وهكذا أمرا مستمرا ومثل ذلك ما قرر على الملتزمين فكانت هذه الكسورات من أعظم الدواهي المقلقة ونكسات الحمى المطبعة
وفي خامسة كان عيد الصليب وهو انتقال الشمس لبرج الميزان والاعتدال (2/395)
الخريفي وهو أول سنة الفرنسيس وهي السنة التاسعة من تاريخ قيامهم ويسمى عندهم هذا الشهر وتدميير وذلك يوم عيدهم السنوي فنادوا بالزينة بالنهار والوقدة بالليل وعملوا شنكات ومدافع وحراقات ووقدات بالازبكية والقلاع وخرجوا صبح ذلك اليوم بمواكبهم وعساكرهم وطبولهم وزمورهم الى خارج باب النصر وعملوا مصافهم فقرىء عليهم كلام بلغتهم على عادتهم وكأنه مواعظ حربية ثم رجعوا بعد الظهر
وفي هذه السنة زاد النيل زيادة مفرطة لم يعهد مثلها فيما رأينا حتى انقطعت الطرقات وغرقت البلدان وطف الماء من بركة الفيل وسال الى درب الشمسي وكذلك حارة الناصرية وسقطت عدة دور من المطلة على الخليج ومكث زائدا الى آخر توت
واستهل شهر جمادى الثانية سنة
فيه قرروا على مشايخ البلدان مقررات يقومون بدفعها في كل سنة أعلى وأواسط وأدنى فالاعلى وهو ما كانت بلده ألف فدان فأكثر خمسمائة ريال والأوسط وهو ما كانت خمسمائة فأزيد ثلثمائة ريال والادنى مائة وخمسون ريالا وجعلوا الشيخ سليمان الفيومي وكيلا في ذلك فيكون عبارة عن شيخ المشايخ وعليه حساب ذلك وهو من تحت يد الوكيل الفرنساوي الذي يقال له يريدون فلما شاع ذلك ضجت مشايخ البلاد لان منهم من لا يملك عشاءه فاتفقوا على أن وزعوا ذلك على الاطيان وزادت في الخراج واستملوا البلاد والكفور من القبطة فأملوها عليهم حتى الكفور التي خربت من مدة سنين بل سموا اسماء من غير مسميات
وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على نسق غير الاول من تسعة أنفار فيه خصوصي وعمومي على ما سبق شرحه بل هو ديوان واحد مركب من الشيخ الأمير والشيخ الصاوي وكاتبه والشيخ موسى السرسي والشيخ تسعة رؤساء هم الشيخ الشرقاوي رئيس الديوان والمهدي كاتب السر خليل البكري والسيد علي الرشيدي نسيب سارى عسكر والشيخ الفيومي (2/396)
والقاضي الشيخ اسمعيل الزرقاني وكاتب سلسلة التاريخ السيد اسمعيل الخشاب والشيخ علي كاتب عربي وقاسم افندي كاتب رومي وترجمان كبير القس رفائيل وترجمان صغير الياس فخر الشامي والوكيل الكمثارى فوريه ويقال له مدير سياسة الاحكام الشرعية ومقدم وخمسة قواسه متعممين لا غير وليس فيهم قبطي ولا وجاقلي ولا شامي ولا غير ذلك وليس واختاروا لذلك بيت رشوان بك الذي بحارة عابدين وكان يسكنه برطلمان فانتقل منه الى بيت الجلفي بالخرنفش وعمر وبيض وفرشت قاعة الحريم بمجلس الديوان فرشا فاخرا وعينوا عشر جلسات في كل شهر وانتقل اليها فوريه وسكنها بأتباعه واعدوا للمترجمين والكتبة من الفرنساوية مكانا خاصا يجلسون به في غير وقت الديوان على الدوام لترجمة اوراق الوقائع وغيرها وجعلوا لها خزائن للسجلات وفتحوا ايضا بجانبها دارا نفذوها اليها وشرعوا في تعميرها وتأنيقها وسموها بمحكمة المتجر واخذوا يرتبون انفارا من تجار المسلمين والنصارى يجلسون بها للنظر في القضايا المتعلقة بقوانين التجار والكبير على ذلك كله فوريه ولم يتم ذلك المكان الثاني
وفي خامس عشره شرعوا في جلسة الديوان وصورته انه اذا تكامل حضور المشايخ يخرج اليهم الوكيل فوريه وصحبته المترجمون فيقومون له فيجلس معهم ويقف الترجمان الكبير رفائيل ويجتمع ارباب الدعاوي فيقفون خلف الحاجز عند آخر الديوان وهو من خشب مقفص وله باب كذلك وعنده الجاويش يمنع الداخلين خلاف ارباب الحوائج ويدخلهم بالترتيب الاسق فالاسبق فيحكي صاحب الدعوة قضية فيترجمها له الترجمان فان كانت من القضايا الشرعية فإما ان يتمها قاضي الديوان بما يراه العلماء أو يرسلوها الى القاضي الكبير بالمحكمة ان احتاج الحال فيها الى كتابة حجج او كشف من السجل وان كانت من غير جنس القضايا الشرعية كأمور الالتزام أو نحو ذلك يقول الوكيل ليس هذا من شغل (2/397)
الديوان فان ألح على أرباب الديوان في ذلك يقول اكتبوا عرضا لسارى عسكر فيكتب الكاتب العربي والسيد اسمعيل يكتب عنده في سجله كل ما قال المدعي والمدعى عليه وما وقع في ذلك من المناقشة وربما تكلم قاضي الديوان في بعض ما يتعلق بالامور الشرعية ومدة الجلسة من قبيل الظهر بنحو ثلاث ساعات الى الاذان أو بعده بقليل بحسب الاقتضاء ورتبوا لكل شخص من مشايخ الديوان التسعة أربعة عشر ألف فضة في كل شهر عن كل يوم أربعمائة نصف فضة وللقاضي والمقيد والكاتب العربي والمترجمين وباقي الخدم مقادير متفاوتة تكفيهم وتغنيهم عن الارتشاء وفي اول جلسة من ذلك اليوم عملت المقارعة لرئيس الديوان وكاتب السر فطلعت للشرقاوي والمهدي على عادتهما وكذلك الجاويشية والترجمان وكتبت تذكرة من أهل الديوان خطأ بالسارى عسكر يخبرونه فيها بما حصل من تنظيم الديوان وترتيبه وسر الناس بذلك لظنهم انه انفتح لهم باب الفرج بهذا لديوان ولما كانت الجلسة الثانية ازدحم الديوان بكثرة الناس وأتوا اليه من كل فج يشكون
وفي ثالث عشرينه أمروا بجمع الشحاذين أي السؤال بمكان وينفق عليهم نظار الاوقاف
وفيه ايضا أمروا بضبط ايراد الاوقاف وجمعوا المباشرين لذلك وكذلك الرزق الاحباسية والاطيان المرصدة على مصالح المساجد والزوايا وأرسلوا بذلك الى حكام البلاد والاقاليم
وفي غايته حضر رجل الى الديوان مستغيث بأهله وأن قلق الفرنسيس قبض على ولده وحبسه عند قائممقام وهو رجل زيات وسبب ذلك ان امرأة جاءت اليه لتشتري سمنا فقال لها لم يكن عندي سمن فكررت عليه حتى حنق منها فقالت له كأنك تدخره حتى تبيعه على العثملي تريد بذلك السخرية فقال لها نعم رغما عن انفك وانوف الفرنسيس فنقل عنه مقالته غلام كان معها حتى أنهوه الى قائممقام فأحضره وحبسه ويقول أبوه اخاف (2/398)
أن يقتلوه فقال الوكيل لا لا يقتل بمجرد هذا القول وكن مطمئنا فان الفرنساوية لا يظلمون كل هذا الظلم فلما كان في اليوم الثاني قتل ذلك الرجل ومعه اربعة لا يدري ذنبهم وذهبوا كيوم مضى
واستهل شهر رجب الفرج سنة
والطلب والنهب والهدم مستمر ومتزايد وأبرزوا أوامر ايضا بتقرير مليون على الصنائع والحرف يقومون بدفعه في كل سنة قدره مائة الف وستة وثمانون ألف ريال فرانسة ويكون الدفع على ثلاث مرات كل أربعة أشهر يدفع من المقرر الثلث وهو اثنان وستون ألف فرانسة فدهى الناس وتحيرت افكارهم واختلطت اذهانهم وزادت وساوسهم واشيع ان يعقوب القبطي تكفل بقبض ذلك من المسلمين ويقلد في ذلك شكر الله واضرابه من شيطاين اقباط النصارى واختلفت الروايات فقيل ان قصده ان يجعلها على العقار والدور وقيل بل قصده توزيعها بحسب الفردة وذلك عشرها لان الفردة كانت عشرة ملايين فالذي دفع عشرة يقوم بدفع واحد على الدوام ولاستمرار ثم قيدوا لذلك رجلا فرنساويا يقال له دناويل وسموه مدبر الحرف فجمع الحرف وفرض عليهم كل عشرة اربعة فمن دفع عشرة في الفردة يدفع اربعة الآن فعورض في ذلك بأن هذا غير المنقول فقال هذا باعتبار من خرج من البلد ومن لم يدخل في هذه الفردة كالمشايخ والفارين فان الذي جعل عليهم أضيف على من بقي فاجتمع التجاروتشاورا فيما بينهم في شأن ذلك فرأوا ان هذا شيء لا طاقة للناس به من وجوه الاول وقف الحال وكساد البضائع وانقطاع الاسفار وقلت ذات اليد وذهاب البقية التي كانت في ايدي الناس في الفرد والدواهي المتتابعة الثاني ان الموكلين بالفردة السابقة وزعوا على التجار والمتسببين وكل من كان له اسم في الدفتر من مدة سنين ثم ذهب ما في يده وافتقر حاله وخلا حانوته وكيسه فالزموه بشقص من ذلك وكلفوه به وكتب اسمه في دفتر الدافعين ويلزمه ما يلزمهم وليس ذلك في الامكان الثالث أن الحرفة التي دفعت مثلا ثلاثين الفا يلزمها ثلاثة آلاف في السنة على الرأي الاول وعلى الثاني (2/399)
اثنا عشر الفا وقد قل عددهم وغلقت اكثر حوانيتهم لفقرهم وهجاجهم وخصوصا اذا ألزموا بذلك المليون فيفر الباقي ويبقى من لا يمكنه الفرار ولا قدرة للبعض بما يلزم الكل
وفيه أمر الوكيل بتحرير قائمة تتضمن اسماء الذين تقلدوا قضاء البلاد من طرف القاضي والذين لم يتقلدوا وأخبر أن السر في ذلك أن مناصب الاحكام الشرعية استقر النظر فيها له وانه لا بد من استئناف ولايات القضاة حتى قاضي مصر بالقرعة من ابتداء سنة الفرنساوية ويكتب لمن تطلع له القرعة تقليد من سارى عسكر الكبير فكتبت له القائمة كما أشار
وفي رابعه قتل جماعة بالرميلة وغيرها ونودى عليهم هذا جزاء من يتداخل في الفرنسيس والعثملي
وفي سادسه عملت القرعة على طهابل زاد تكرارها ثلاث مرات لقاضي مصر واستقرت للعريشي على ما هو عليه وخرج له التقليد بعد مدة طويلة
وفي ثامنه قتل غلام وجارية بباب الشعرية ونودي عليهما هذا جزاء من خان وغش وسعى بالفساد فيقال انهما كانا يخدمان فرنساويا فدسا له سما وقتلاه
وفي تاسعه حضر جماعة من الوجاقلية الى الديوان وهم يوسف باشا جاويش ومحمد اغا سليم كاتب الجاويشية وعلي أغا يحيى باشجاويش الجراكسة ومصطفى اغا ابطال ومصطفى كتخدا الرزاز وذكروا انهم كانوا تعهدوا بباقي الفردة المطلوبة من الملتزمين وقدرها خمسة وعشرين ألف ريال وقد استدانوا لذلك قدرا من البن بخمسة وثلاثين ألف ريال فرانسة ليوفوا ما عليهم من الديوان وانهم أرسلوا الى حصصهم يطالبون الفلاحين بماعليهم من الخراج فامتنع الفلاحون من الدفع وأخبروا ان الفرنساوية خرجوا عليهم ومنعوهم من دفع المال للملتزمين فكتب لهم عرض حال في شأن ذلك وارسل الى سارى عسكر ولم يرجع جوابه
وفي رابع عشره صنع الجرنال بليار المعروف بقائم مقام عزومة لمشايخ (2/400)
الدويان والوجاقلية وأعيان التجار وأكابر نصارى القبط والشوام ومد لهم اسمطة حافلة وتعشوا عنده ثم ذهبوا الى بيوتهم
وفي ثاني عشرينه طيف بأمرأتين في شوارع مصر بين يدي الحاكم ينادى عليهما هذا جزاء من يبيع الاحرار وذلك انهما باعتا امراة لبعض نصارى الاروام بتسعة ريالات
وفيه طلب الخواجة الفرنسيسي المعروف بموسى كافو من الوجاقلية بقية الفردة المتقدم ذكرها فأجابوا بأن سبب عجزهم عن غلاقها توقف الفلاحين عن دفع المال بأمر الفرنساوية وعدم تحصيلهم المال من بلادهم ثم احيلوا بعد كلام طويل على استيفاء الخازندار لان ذلك من وظائفه لا من وظائف الديوان
وفي سابع عشرنيه حضر الوجاقلية ومعهم بعض الاعيان وحريمات ملتزمان يستغيثون بأرباب الديوان ويقولون انه بلغنا ان جمهور الفرنساوية يريدون وضع أيديهم على جميع الالتزام المفروج عنه الذي دفعوا حلوانه ومغارمه ولا يرفع أيدي الملتزمين عن التصرف في الالتزام جملة كافيةوقد كان قبل ذلك أنهى الملتزمون الذين لم يفرجوا لهم عن حصصهم اما لفرارهم وعودهم بالامان واما لقصر أيديهم عن الحلوان واما لشراقي بلادهم واما لانتظارهم الفرج وعود العثمانيين فيتكرر عليهم لحلوان والمغارم فلما طال المطال وضاق حال الناس عرضوا أمرهم وطلبوا من مراحم الفرنساوية الافراج عن بعض ما كان بأيديهم ليتعيشوا به ووقع في ذلك بحث طويل ومناقشات يطول شرحها ثم ما كفى حتى بلغهم أن القصد نزع المفروج عنه ايضا ونزع ايدي المسلمين بالكلية وانه يستشفعون بأهل الديوان عند سارى عسكر بان يبقى عليهم التزامهم يتعيشون به ويقضون ديونهم التي استدانوها في الحلوان ومغارم الفردة فقال فوريه الوكيل هل بلغكم ذلك من طريق صحيح فقالوا نعم بلغنا من بعض الفرنساوية وقال الشيخ خليل البكري وانا سمعته من الخازندار وقال (2/401)
الشيخ المهدي مثل ذلك وانهم يريدون تعويضهم من أطيان الجمهور فقال الملتزمون ان بيدنا الفرمانات والتمسكات من سلفكم بونابارته ومن السلاطين السابقين ونوابهم وقائمون بدفع الخراج وانهم ورثوا ذلك عن آبائهم وأسلافهم وأسيادهم واذا اخذ منهم الالتزام اضطروا الى الخروج من البلد والهجاج وخراب دورهم ويصبحون صعاليك ولا يأتمنهم الناس وطالب البحث في ذلك والوكيل مع هذا كله ينكر وقوع ذلك مرة ويناقش اخرى الى أن انتهى الكلام بقوله له ان هذا الكلام في هذا وأمثاله ليس من وظيفتي فإني حاكم سياسة الشريعة لا مدبر أمر البلاد نعم من وظيفتي المعاونة والنصح فقط
وفي خامس عشرينه اتفق ان جماعة من أولاد البلد خرجوا الى النزهة جهة الشيخ قمر ومعهم جماعة الآتية يغنون ويضحكون فنزل اليهم جماعة من العسكر الفرنساوية المقيمين بالقلعة خارج الحسينية وقبضوا عليهم وحبسوهم وأرسلوا شخصا منهم الى شيخ البلد بليار وأخبروه بمكانهم ليستفسر عن شأنهم فلقيه ثم رده الى القلعة الظاهرية تانيا فبات عند اصحابه ثم طلبهم في ثاني يوم فذهبوا وصحبتهم جماعة من العسكر بالبندق تحرسهم فقابلوه ومن عليهم بالاطلاق وذهبوا الى منازلهم
وفيه منعوا الاغا والوالي والمحتسب من عوائدهم على الحرف والمتسببين فانها اندرجت في أقلام العشور ورتبوا لهم جامكية من صندوق الجمهور يقبضونها في كل شهر
واستهل شهر شعبان سنة
فيه أجيب الملتزمون بابقاء التزامهم عليهم وأنكروا ما قيل في رفع أيديهم وعوتب من صدق هذه الاكذوبة وان كانت صدرت من الخازندار فانما كانت على سبيل الهزل او يكون التحريف من الترجمان أو الناقل
وفيه حضر التجار الى الديوان وذكروا أمر المليون وان قصدهم أن يجعلوه موزعا على الرؤوس ولا يمكن غير ذلك وطال الكلام والبحث (2/402)
شأن ذلك ثم انحط الامر على تفويض ذلك لرأي عقلاء المسلمين وانهم يجتمعون ويدبرون ويعملون رأيهم في ذلك بشرط أن لا يتداخل معهم في هذا الامر نصراني أو قبطي وهم الضامنون لتحصيله بشرط عدم الظلم وأن لا يجعلوا على النساء ولا الصبيان ولا الفقهاء ولا الخدامين شيئا وكذلك الفقراء ويراعي في ذلك حال الناس وقدرتهم وصناعتهم ومكاسبهم ثم قالوا نرجو ان تضيفوا الينا بولاق ومصر القديمة فلم يجابوا الى ذلك لكونهم جعلوهما مستقلين وقرروا عليهما قدرا آخر خلاف الذي قرروه على مصر
وفيه لخصوا عرضا ولطفوا فيه العبارة لسارى عسكر فأجيبوا الى طلبهم ما عدا بولاق ومصر القديمة وأخرجوا من أرباب الحرف الصيارفة والكيالين والقبانية وجعلوا عليهم بمفردهم ستين الف ريال خلاف ما يأتي عليهم من المليون ايضا يقومون بدفعها في كل سنة والسر في تخصيص الثلاث حرف المذكورة دون غيرها أن صناعتهم من غير رأس مال
وفيه افدروا ديوانا لذلك ببيت داود كاشف خلف جامع الغورية وتقيد لذلك السيد احمد الزرو وأحمد بن محمود محرم وابراهيم أفندي كاتب البهار وطائفة من الكتبة وشرعوا في تحرير دفاتر باسماء الناس وصناعاتهم وجعلوها طبقات فيقولون فلان من نمرة عشرة أو خمسة أو ثلاثة او اثنين أو واحد ومشوا على هذا الاصطلاح
وفيه أبطلوا عشور الحرير الذي يتوجه من دمياط الى المحلة الكبرى
وفيه أرسل سارى عسكر يسأل المشايخ عن الذين يدورون في الاسواق ويكشفون عوراتهم ويصيحون ويصرخون ويدعون الولاية وتعتقدهم العامة ولا يصلون صلاة المسلمين ولا يصومون هذا جائز عندكم في دينكم أو هو محرم فأجابوه بأن ذلك حرام ومخالف لديننا وشرعنا وسنتنا فشكرهم على ذلك وأمر الحكام بمنعهم والقبض على من يرونه كذلك فان كان مجنونا ربط بالمارستان أو غير مجنون فإما أن يرجع عن حالته (2/403)
وفيه أرسل رئيس الاطباء الفرنساوي نسخا من رسالة ألفها في علاج الجدري لارباب الديوان لكل واحد نسخة على سبيل المحبة والهدية ليتناقلها الناس ويستعملوا ما اشار اليه فيها من العلاجات لهذا الداء العضال فقبلوا منه ذلك وأرسلوا له جوابا شكر له على ذلك وهي رسالة لا بأس بها في بابها
وفي حادي عشره وجدت امرأة مقتولة بغيط عمر كاشف بالقرب من قناطر السباع فتوجه بسبب الكشف عليها رسول القاضي والاغا وأخذوا الغيطانية وحبسوهم وكان بصحبتهم ايضا القبطان الحاكم بالخط ولم يظهر القاتل ثم أطلقوا الغيطانية بعد أيام
وفيه كمل المكان الذي أنشؤوه بالازبكية عند المكان المعروف بباب الهواء وهو المسمى في لغتهم بالكمرى وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل عشر ليال ليلة واحدة يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل وذلك بلغتهم ولا يدخل أحد اليه الا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة
وفي سادس عشرة ذكروا في الديوان أن سارى عسكر امر وكيل الديوان ان يذكر لمشايخ الديوان ان قصده ضبط واحصاء من يموت ومن يولد من المسلمين وأخبرهم ان سارى عسكر بونابارته كان في عزمه ذلك وان يقيد له من يتصدى لذلك ويرتبه ويدبره ويعمل له جامكية وافرة فلم يتم مرامه والان يريد تتميم ذلك ويطلب منهم التدبير في ذلك وكيف يكون وذكر لهم ان في ذلك حكما وفوائد منها ضبط الانساب ومعرفة الاعمار فقال بعض الحاضرين وفيه معرفة انقضاء عدة الازواج ايضا ثم اتفق الرأي على ان يعلموا بذلك قلقات الحارات واخطاط وهم يقيدون على مشايخ الحارات والاخطاط بالتفحص عن ذلك من خدمة الموتى والمغسلين والنساء القوابل وما في معنى ذلك ثم ذكر الوكيل ان سارى عسكر ولد له مولود (2/404)
فينبغي أن تكتبوا له تهنئة بذلك المولود الذي ولد له من المرأة المسلمة الرشيدية وجوابا عن هذا الرأي فكتبوا ذلك في ورقة كبيرة وأوصلها اليه الوكيل فوريه
وفي غايته سقطت منارة جامع قوصون سقط نصفها الاعلى فهدم جانبا من بوائك الجامع ونصفها الاسفل مال على الاماكن المقابلة له بعطفة الدرب النافذ لدرب الاغوات وبقي مسندا كذلك قطعة واحدة الى يومنا هذا واظن ان سقوطها من فعل الفرنسيس بالبارود
واستهل شهر رمضان سنة
ثبت هلاله ليلة الجمعة وعملت الرؤية وركب المحتسب ومشايخ الحرف بالطبول والزمور عل العادة وأطلقوا له خمسين ألف درهم لذلك نظير عوائده التي كان يصرفها في لوازم الركبة
وفي خامسه وقع السؤال والفحص عن كسوة الكعبة التي كانت صنعت على يد مصطفى أغا كتخدا الباشا وكملت بمباسرة حضرة صاحبنا العمدة الفاضل الاريب الاديب الناظم الناثر السيد اسمعيل الشهير بالخشاب ووضعت في مكانها المعتاد بالمسجد الحسيني وأهمل امرها الى حد تاريخه وربما تلف بعضها من رطوبة المكان وخرير السقف من المطر فقال الوكيل ان سارى عسكر قصده التوجه بصحبتكم يوم الخميس قبل الظهر بنصف ساعة الى المسجد الحسيني ويكشف عنها فان وجد بها خللا أصلعه ثم يعيدها كما كانت وبعد ذلك يشرع في ارسالها الى مكانها بمكة وتكسى بها الكعبة على اسم المشيخة الفرنساوية فقالوا له شأنكم وما تريدون وقرىء في المجلس فرمان بمضمون ذلك
وفي ذلك اليوم قرىء فرمان مضمونه انه وردت مكاتبات من فرانسا بوقوع الصلح بينهم وبين أهل الجزائر وتونس بشروط ممضاة مرضية وقد أطلقوا الأذن للتجار من اهل الجهتين بالسفر للتجارة فمن سافر له الحماية والصيانة في ذهابه وايابه وقامته باسم دولة الجمهور الفرنساوية (2/405)
الى آخره ولم يظهر لذلك أثر
وفيه قرىء تقليد الشيخ احمد العريشي بقضاء مصر ووصل ايضا تقليد القضاء بدمياط لاحمد أفندي عبد القادر وأبيار للعلامة الشيخ رضوان نجا ومحلة مرحوم للشيخ عبد الرحمن طاهر الرشيدي وذلك على موجب القرعة السابقة من مدة شهرين أو اكثر وقرى ذلك بالديوان ولم يحصل بعد ذلك غيرهم فلما كان صبح ذلك اليوم أرسل شيخ البلد بليار الى العريشي ومشايخ الديوان والوجاقلية فلما تكاملوا خلع على القاضي العريشي فروة سمور بولايته القضاء وركب بصحبته الجميع وجملة من العساكر الفرناسوية وشيخ البلد بجانبه ومشوا من وسط المدينة الى أن وصلوا المحكمة بين القصرين فجلسوا ساعة من النهار وقرىء تقليده بحضرة الجميع ووكيل الديوان فوريه ثم رجعوا الى منازلهم
وفي يوم الخميس الموعود بذكره توجه الوكيل ومشايخ الديوان الى المشهد الحسيني لانتظار حضور سارى عسكر الفرنسيس بسبب الكشف على الكسوة وازدحم الناس زيادة على عاتهم في الازدحام في رمضان فلما حضر ونزل عن فرسه عند الباب وأراد العبور للمسجد رأى ذلك الازدحام فهاب الدخول وخاف من العبور وسأل ممن معه عن سبب هذا الازدحام فقالوا له هذه عادة الناس في نهار رمضان يزدحمون دائما على هذه الصورة في المسجد ولو حصل منكم تنبيه كنا أخرجناهم قبل حضوركم فركب فرسه ثانيا وكر راجعا وقال نأتي في يوم آخر وانصرف حيث جاء وانصرفوا
وفي ليلة السبت تاسعه حصلت كائنة سيدي محمود وأخيه سيدي محمد المعروف بابي دفية وذلك ان سيدي محمود المذكور كان بينه وبين علي باشا الطرابلسي صداقة ومحبة ايام اقامته بالجيزة وحج صحبته في سنة تسع ومائتين وألف فلما وقعت حادثة الفرنساوية وخرج علي باشا (2/406)
المذكور مع من خرج الى الشام ووردت العساكر العثمانية صحبة يوسف باشا الوزير في العام الماضي وصحبته علي باشا المذكور وله به مزيد الوصلة والعناية والمرجع في المشورة لخبرته بالاقطار المصرية ومعرفته أهالي البلاد استشاره في شخص يعرفه يكون عينا بمصر ليراسله ويطالعه بالاخبار فأشار عليه بمحمود افندي المذكور فكانوا يراسلونه ويطالعهم بالاخبار سرا فلما قدموا الى مصر في السنة الماضية وجرى ما جرى من نقض الصلح ورجوع الوزير ولم يزل سيدي محمود تأتيه المراسلات بواسطة السيد احمد المحروقي ايضا ولان علي باشا ارتحل الى الديار الرومية فيطالعهم كذلك بالاخبار مع شدة الحذر خوفا من سطوة الفرنساوية وتجسس عيونهم المقيدة لذلك فكان يذهب القاصد ويرد له الجواب فلما كان في التاريخ ورد عليه رسول ومعه جواب وأربعة أوراق مكتوبة باللغة الفرنساوية وفيها الامر بتوزيعها ووضعها في أماكن معينة حيث سكن الفرنساوية فوزع اثنين وقصد وضع الثالثة في موضع جمعيتهم فلم يمكنه ذلك الا ليلا فأعطاها خادمة وأمره أن يشكها بمسمار في حائط ذلك المكان وهو بالقرب من الحمام المعروف بحمام الكلاب ففعل وتلكأ في الذهاب فأطلع عليه بعض الفرنسيس من أعلى الدار فنزل اليه وأخذ الورقة وقبضوا على ذلك الخادم وصادف ذلك مرور حسن القلق وهو يتوقع نكتة تكون له بها الوجاهة عند الفرنساوية فأغتنم هذه الفرصة وقبض على الخادم مع الفرنساوية وسيده ينظر اليه من بعيد وعلم انه وقع في خطب لا ينجيه منه الا الفرار فرفع الى داره وتناجى مع أخيه وأستشاره فيما وقع فيه وكيف يكون العمل فأشار عليه بالاختفاء ويستمر أخوه بالمنزل مستهدفا للقضاء وليكون وقاية على منزله وعرضه وليس هو مقصودا بالذات فكان كذلك وتغيب سيدي محمود وأصبح الطلب قاصده فلما لم يجده قبضوا على أخيه سيدي محمد أفندي ومن كان معه بالبيت وهو الشيخ خليل المنير وقرابته اسمعيل حلبي ونسيبه البرنوسي والسقاء وشيخ (2/407)
حارتهم وحبسوهم ببيت قائممقام وهم سبعة أنفار بالخادم المقبوض عليه اولا واوقفوا حرسا بدراهم واجتهدوا في الفحص عن سيدي محمود وتكرار السؤال عليه من أخيه ورفقائه اياما فلما لم يقفوا له على خبر أحاطوا بالدار ونهبوا ما فيها وصحبتهم الخادم يدلهم على المتاع والمخبأت ثم أصعدوهم الى القلعة وضيقوا عليهم وأرسلوا خلف الشواربي شيخ قليوب ومن كان ينتقل عندهم وألزموهم بأحضاره فانكروه وجحدوه ثم أطلقوا خادمه بعد أن أعطوه خمسين ريالا فرانسة وجعلوا له ألفان إن دلهم عليه وقيدوا به عينا يتبعه أينما توجه فأستمر أياما يغدو ويروح في مظناته لم يقع له على خبر فردوه الى السجن ثانيا عند أصحابه ولم يزالوا حتى فرج الله عنهم وأما المطلوب فوقع له مزيد المشقة في مدة اختفائه وتبرأ منه غالب أصحابه ومعارفه من العربان وغيرهم وتنكروا منه ولم يزل حتى استقر عند شيخ العرب موسى أبي حلاوة وأولاده بناحية أمييه بالقليوبية باطلاع الشواربي فأكرموه وواسوه وأخفوا أمره ولم يزل مقيما عندهم في غاية الاكرام حتى فرج الله عنه
ولما كان يوم الخميس رابع عشره تقيد للحضور بسبب الكشف على الكسوة استوفو خازندار الجمهور وفوريه وكيل الديوان فحضر صحبتهم المشايخ والقاضي والاغا والوالي والمحتسب بعدما أخلى المسجد من الناس وأحضروا خدامين الكسوة الاقدمين وحلوارباطاتها وكشفوا عليها فوجدوا بها بعض خلل فأمروا بإصلاحه ورسموا لذلك ثلاثة آلاف فضة وكذلك رسموا للخدمة الذين يخدمونها ألف نصف فضة ولخدمة الضريح ألف نصف ثم ركبوا الى منازلهم ثم طويت ووضعت في مكانها بعد اصلاحها
وفي رابع عشرينه ضربت مدافع كثيرة بسبب ورود مركبين عظيمين من فرانسا فيهما عساكر وآلات حرب واخبار بأن بونابارته أغار على بلاد النيمسا وحاربهم وحاصرهم وضايقهم وانهم نزلوا على حكمه وبقى الامر بينهم وبينه على شروط الصلح وانه استغنى عن هذه الاشياء المرسلة (2/408)
وسيأتي في أثرهم مركبان آخران فيهما أخبار تمام الصلح ويستدل بذلك على أن مملكة مصر صارت في حكم الفرنسيس لا يشركهم غيرهم فيها هكذا قالوا في ورقة بالديوان
واستهل شهر شوال سنة
فيه بدا أمر الطاعون فانزعج الفرنساوية من ذلك وجردوا مجالسهم من الفرش وكنسوها وغسلوها وشرعوا في عمل كرنتينات ومحافظات
وفي ثامنه قال وكيل الديوان للمشايخ ان حضرة سارى عسكر بعث الى كتابا معناه ايضاح ما يتعلق بأمر الكرنتينه ويرى رأيكم في ذلك وهل توافقون على رأي الفرنساوي أم تخالفون فقالوا حتى تنظر ما هو المقصود فقال حضرة أرباب الديوان يجب عليهم أن يعملوا الطريق الذي يكون سببا لانقطاع هذه العلة فاننا نبغي لهم ولغيرهم الخير فإن أجابوا فذاك والا فليزموا ولو قهرا وربما استعملنا القصاص ولو بالموت عند المخالفة ومن الذي يتغافل عما يكون سببا لقطع هذا الداء فان رأينا قدانعقد على ذلك ويجب أن يتفق معنا أرباب الديوان لان حفظ الصحة واجب ولذا نرى كثيرا من الناس ولا سيما المتشرعون يستعمل الطبيب عند المرض وغايته حفظ الصحة وما نحن فيه من ذلك ونذكر لكم أن بلاد الغرب قد اعتمدوا فعل الكرنتينة الآن فعلماء القاهرة أولى بأن لا يتأخروا عن استعمال الوسائط اذ قد ربطت الاسباب بالمسببات فقيل له وما الذي تأمرون به أن يفعل فقال هو الحذر لا غير وهو الغاية والنتيجة وهو انه اذا دخل الطاعون بيتا الا يدخل فيه أحد ولا يخرج منه أحد مع ما يترتب على ذلك من القوانين المختصة به وخدمة المريض وعلاجه وسيوضح لكم ذلك فيما بعد يعني أن تذعنوا للطاعة وعدم المخالفة وظل البحث والمناقشة في ذلك بين أرباب الديوان والوكيل وانفض المجلس على ان الوكيل سيفاوض سارى عسكر في ذلك ثم يدبرون أمرا وطريقة يكون فيها الراحة للناس البلدية والفرنساوية فان ذلك فيه مشقة على أهل البلد لعدم الفتهم (2/409)
لهذه الامور
وفي ثالث عشرة ضربت عدة مدافع من القلاع لا يدري سببها
وفي رابع عشر قرىء فرمان من سارى عسكر بالديوان وألصقت منه نسخ في مفارق الطرق والاسواق
ونصه بعد البسملة والحمدلة من عبد الله جاك منوسر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى كامل الاهالي كبير وصغير غني وفقير المقيمين حالا بمحروسة مصر وبملكة مصر الناس الذين هم من الاشقياء والمفسدين ولا يفتشون الا على الاضرار بالناس واضراركم يظهرون في وسط المدينة بينكم أخبارا رديئة تزويرا لتخويفكم وتخويف المملكةوكل ذلك كذب وافتراء فانما نحن نخبركم جميعا ان كلا من الاهالي المذكورة من أي طائفة وملة كان الذي يثبت عليه بالاشها أو النشر من نفسه بينكم تلك الاخبار الرديئة المكذوبة تخويفا لكم واضلالا بالناس ففي الحال ذلك الرجل يمسك وترمى رقبته بوسط واحدة طرق مصر ويا أهالي مصر انتبهوا وتذكروا هذه الكلمات وكونوا مسترحين البال ومترفهين الحال انما دولة الجمهور الفرنساوي حاضرة لحمايتكم وصيانتكم ولكن ناظر كذلك الى تعذيب العصاة والسلام على من اتبع الهدى والصدق والاستقامة تحرير في شهر وافتور سنة تسع الموافق لحادي عشر شهر شوال انتهى
فعلم الناس من ذلك الفرمان ورودشىء وحصول شيء على حد كاد المرتاب أن يقول خذني وليس للناس ذكر ولا فكر الا في بواقي الفردة وما لزمهم في المليون ولا شغل لكل فرد الا بتحصيل ما فرض عليه ولعل ذلك بسبب الاوراق الواصلة على يد سيدي محمود أبي دفية باللغة الفرنساوية التي تقدم ذكرها واشتهر ايضا أنه وردت عليهم أخبار بوصول مراكب انكليز جهة أبي قير وفي ذلك المجلس سئل الوكيل عن ضرب المدافع لاي شيء فقال لابد وان أحيط علمكم ببعض ذلك في هذا المجلس وهو ان (2/410)
الفرنساوية كانت تحارب القرانات والآن وقع صلح بينهم وبين القرانات ما عدا الانكليز فإنه الآن مضيق عليه وربما كان ذلك سببا لرضاه بالدخول في الصلح وقد خرج من فرانسا عمارة ربما توجهت على الهند وربما أنهم يقدمون الى مصر وقد وصل لسارى عسكر أمر من المشيخة بوصول مراكب الموسقو التي تحمل الذخائر الى الفرنساوية وأن يمكنهم من دخول اسكندرية وقد خرج سنة غلايين من فرانسا الى بحر الهند فربما قدموا بعد ذلك الى جهة السويس وبورود هذه الاخبار تعين خلوص مصر الى جمهور الفرنساوية وفي سالف الزمان كانت جميع القرانات التي بالجهة الشمالية ضدا للفرنساوية وقد زالت الان هذه الضدية ومتى انقضى أمر الحرب عمت الرحمة والرأفة والنظر بالملاطفة للرعية والذي أوجب الاغتصاب والعسف انما هو الحرب ولو دامت المسالمة لما وقع شيء من هذا فقال بعض أهل الديوان سنة الملوك العفو والصفح وما مضى لابعاد فارحموا واعفوا عما سلف فقال الوكيل قد وقع الامتحان ولم يبق الا السلم والمسامحة
وفيه قبضوا على القلق المعروف بعمر أغا وهو أغات المغاربة المرتبة عندهم عسكرا وعلى شخصين آخرين يدعى أحدهما علي جلبي والاخر مصطفى جلبي وسجنا بالقلعة وسبب ذلك انه حضر الى مصطفى جلبي مكتوب من نسبيه بجهة الشام يطلب منه بعض حوائج فقرىء ذلك المكتوب بحضرة عمر القلق ورفيقه الاخر فوشي بهم رجل قواس فقبضوا على الجميع وكان مصطفى جلبي المذكور سكن ببيته محمد افندي ثاني قلفة فدخلوا يفتشون عليه في الدار فلم يجدوه فالزموا به محمد أفندي المذكور وأزعجوه وأحاط به عدة من العسكر ولم يمكنوه من القيام من مجلسه ولا من اجتماعه بأحد وبعد ان وجدوا ذلك الانسان لم يفرجوا عن محمد أفندي بل استمر معهم في الترسيم ووجدوا مكانا بالدار به أسلحة وأمتعة فنهبوه وانتهبت الدار والحارة وحصل عندهم غاية الكرب والمشقة حتى ان بعض جيران ذلك المحل كبر عنده الخوف وغلب عليه الوهم فمات (2/411)
فجأة رحمه الله ثم فرج الله عن محمد افندي بعد ثلاثة ايام وأطلق عمر القلق لظهور براءته ولم يكن له جرم غير العلم والسكوت وانتقل محمد افندي من تلك الدار وما صدق بخلاصة مها وبقي علي جلبي ومصطفى جلبي في الحبس وفي سابع عشره استفيضت الاخبار بوصول مراكب الى أبي قير كما تقدم
وفي ثامن عشره خرج جملة من العسكر الفرنساوية وسافروا الى الجهة البحرية برا وبحرا
وفي عشرينه اجتمع اهل الديوان فيه على العادة فبدأ الوكيل يقول انه كان يظن انه يكون حرب ولكن وردت اخبار ان المراكب التي حضرت الى اسكندرية وهي نحو مائة وعشرين مركبا قد رجعت فقيل له وما هذه المراكب فقال مراكب فيها طائفة من الانكليز وصحبتهم جماعة من الاروام ليس فيها مراكب كبار الا قليل جدا وباقيها صغار تحمل الذخيرة ثم قال ان حضرة سارى عسكر قد كان وجه اليكم فرمانا في شأن ذلك قبل أن يتبين الأمر وهو وان كان قد فات موضعه من حيث انه كان يظن ان هناك حرب ولكن من حيث كونه قد برز الى الوجود فينبغي أن يتلى على مسامعكم ثم أمر رفائيل الترجمان بقراءته ونصه من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى جميع الكبير والصغير الاغنياء والفقراء المشايخ والعلماء وجميعهم الذين يتبعون الدين الحق والحاصل لجميع اهالي بر مصر سلمهم الله بمقام السر عسكر الكبير بمصر في أربعة عشر شهر ونتور سنة تسع من قيام الجمهور الفرنساوية واحد ولا ينقسم ثم كتب تحت ذلك البسملة ولفظ الجلالة وتحته ان الله هو هادي الجنود ويعطي النصرة لمن يشاء والسيف الصقيل في يد ملاكه يسابق دائما الفرنساوية ويضمحل أعداؤهم ان الانكليزية الذين يظلمون كل جنس للشرفي كل المواضع فهم ظهروا في السواحل وأن كانوا يتجرؤا يضعوا أرجلهم في البر فيرتدوا في (2/412)
الحال على اعقابهم في البحر والعثمانيين متحركين كهؤلاء الانكليزية يعلمون ايضا بعض حركات فان كان يقدموا ففي الحال يرتدوا وينقلعوا في غبار وعفار البادية فأنتم يا أهالي مملكة ومحروسة مصراني أنا أخبركم ان كان تسلكوا في طريق الخائفين الله وتبقوا مستريحين في بيوتكم ومقيمين كما كنتم في أشغالكم وأغراضكم فحينئذ لا خوف عليكم ولكن ان كان واحد منكم يسلك للفساد واضلالكم بالعداوة ضد دولة الجمهور الفرنساوي فأقسمت بالله العظيم وبرسوله الكريم ان رأس ذلك المفسد ترمي تلك الساعة فتذكروا في كل المواقع حين محاصرة مصر الاخيرة وجرى دماء آبائكم ونسائكم وأولادكم في كل مملكة مصر وخصوصا محروسة مصر وخواصكم انتهبوا تحت الغارات وطرحوا علكيم فردة قوية غير المعتاد فأدخلوا في عقولكم واذهانكم كل ما قلت لكم الآن والسلام على كل من هو في طريق الخير فالويل ثم الويل على كل من يبعد من طريق الخير ممضي خالص الفؤاد عبد الله جاك منو
وفي ذلك اليوم عملوا شنكا وضربوا عدة مدافع من القلاع فارتاع الناس لذلك واضطربوا شديدا فسئل من الفرنسيس فأخبروا ان ذلك سرور بقدوم مركبين من فرانسة الى اسكندرية
وفي ذلك اليوم ايضا وقع بمجلس الديوان بين الوكيل والمشايخ مفاوضة ومناقشة وذلك أنه لما أشيع خبر ورود المراكب الى أبي قير شحت الغلال وارتفعت من الرقع على العادة وزادت أثمانها فتفاوضوا في شأن ذلك وأنه لا بد من الاعتناء من الحكام وزجر الباعة وطواف المحتسب وشيخ البلد على الرقع والسواحل ولما قرىء الفرمان المذكور قال بعض الحاضرين العقلاء لا يسعون في الفساد واذا تحركت فتنة لزموا بيوتهم فقال الوكيل ينبغي للعقلاء ولامثالكم نصيحة المفسدين فان البلاء يعم المفسد وغيره فقال بعضهم هذا ليس بجيد بل العقاب لا يكون الا على المذنب قال تعالى كل نفس بما كسبت رهينة وقال آخر من أهل المجلس (2/413)
ولا تزروا وزرة وزر أخرى فقال الوكيل المفسدون فيما وقدم هاجوا الفتنة فعمت العقوبة والمدافع والبنبات لا عقل لها حتى تمير بين المفسد والمصلح فانه لا تقرأ القرآن وقال اخر المخلص نيته تخلصه فقال الوكيل ان المصلح من يشمل صلاحه الرعية فإن صلاحه في حد ذاته يخصه فقط والثاني أكثر نفعا وطال البحث والمناقشة في نحو ذلك فلما كان عصر ذلك اليوم ورد فرمان من سارى عسكر الى وكيل الديوان فأرسل خلف الشيخ اسمعيل الزرقاني فاستدعاه وسلمه اليه وأمره أن يطوف به على مشايخ الديوان في بيوتهم فيقرؤه وهو مبنى على جواب المناقشة المذكورة وصورته بعد البسملة والجلالة من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى كافة المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله تعالى فضائلهم وألهمهم الحكمة الواجبة لاجراء فرائضهم نرسل لحضراتكم يا مشايخ ويا علماء الكرام نداء جديد خطابا الى جميع أهالي مملكة مصر وخصوصا أهل محروسة مصر ولا شبهة لي في تقييدكم لتنبيههم بكل ما هو محرر فيها وغير ذلك تذكروا ان هذا التنبيه هو غرضكم انما حضراتكم ههنا رجال دولة الجمهور الفرنساوي فيبقى في عقولكم وأذهانكم كل وما وقع حين قصاص مصر الاخيرة تفهموا بناء على ذلك كيف هو واجب الى أمنيتكم وراحتكم ضبط الخلائق لانه ان كان يصير أصغر الحركات فلا بدا ثقلها يقع على رؤسكم وغير ذلك ورد لنا في الحال اخبار من فرانسا انه كملت المصالحة مع امبراطور النيمسا وان قيصر الروسيا بيزو أقام المحاربة ضد دولة العثمانية والسلام
ولما أصبح ثاني يوم اجتمع المشايخ ببيت الشيخ عبد الله الشرقاوي وحضر الاغا والوالي والمحتسب وأحضروا مشايخ الحارات وكبراء الاخطاط ونصحوهم وأنذروهم وأمروهم بضبط من دونهم وأن لا يغفلوا أمر عامتهم وحذروهم وخوفوهم العاقبة وما يترتب على قيام المفسدين وجهل (2/414)
الجاهلين وانهم هم المأخوذون بذلك كما أن من فوقهم مأخوذ عنهم فالعاقل يشتغل بما يعنيه على انه لم يبق في الناس الا رسوم هافتة وانفصلوا على ذلك هذا وديوان المليون يعملون فيه بالجد والاجتهاد وبث المعينين من القواسة والفرنساوية في المطالبة بالثلث والكسرة الباقية من الفردة والتشديد في أمر الكرنتينة وازعاج الناس من ذلك وخوفهم من حصول الطاعون وأشاعوا فيما بينهم أن من أصابه هذا الداء في مكان كشفوا عليه فان كان مريضا بذلك الداء أخذوا ذلك المصاب الى الكرنتينة عندهم وانقطع خبره عن أهله الا أن كان له أجل باق ويشفى من ذلك ويعود اليهم صحيحا والا فلا يراه أهله بعد ذلك أصلا ولا يدري خبره لانه اذا مات أخذه الموكلون بالكرنتينة ودفنوه بثيابه في حفرة وردموا عليه التراب وأما داره فلا يدخلها أحد ولا يخرج منها مدة أربعة أيام ويحرقون ثيابه التي تختص به ويقف على بابه حرس فان مر احد ولمس الباب أو الحد المحدود قبضوا عليه وأدخلوه الدار وكرتنوه وان مات الشخص في بيته وظهر انه مطعون جمعوا ثيابه وفرشه وأحرقوها وغسله الغاسل وحمله الحمالون لا غير وأخرجوه من غير مشهد وامامه ناس تمنع المارين من التقرب منه فان قرب منه أحد كرتنوه في الحال وبعد دفنه يكرتنون على كل من باشره بغسل أو حمل أو دفن فلا يخرجون الا لخدمة أخرىمثلها بشري لامساس فهال الناس هذا الفعل واستبشعوه وأخذوا في الهرب والخروج من مصر الى الارياف لذلك والتوهم وقوع الفتنة بورود أخبار المراكب الى أبي قير وتحذر الفرنساوية واستعدادهم وتأهبهم ونقل أمتعتهم الى القلعة
وفي تاسع عشرة خرجت عساكر كثير بحمولهم وفرشهم وذهبوا الى جهة الشرق وأشيع حضور عرضي العثمانية ووصولهم الى العريش صحبة يوسف باشا الوزير
وفيه أصعدوا الشيخ السادات الى القلعة من غير أهانة (2/415)
وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه قبضوا ايضا على حسن اغا المحتسب وأصعدوه الى القلعة ايضا بشخص يخدمه فحبسوه بالبرج الكبير فأما الشيخ السادات فسأل الموكل به عن ذنبه وجرمه الموجب لحبسه فقال لم يكن الا الحذر من اثارة تلك الفتن في البلد واهاجه العامة لبغضك الفرنسيس لما سبق لك منهم من الايذاء وأما المحتسب فإن الشيخ البكري والسيد احمد الزرو ذهبا الى قائمقام والى سارى عسكر وتكلما في شأنه فأجابهما بان هذا لم يكن من شغلكما وقيل للسيد احمد انك رجل تاجروذاك أمير وليس من جنسك حتى تشفع فيه فقال اننا محتاجون اليه لاجل مساعدته معنا في قبض المليون ولا نعرف له ذنبا يوجب حبسه لانه ناصح في خدمة الفرنسيس فقالا على لسان الترجمان الله يعلم ذنبه وسارى عسكر وهو ايضا يعلم ذلك من نفسه ولما سجنوه لم يقلدوا مكانه غيره فكان كتخداه يركب مع الاغا وأمامهم الميزان ونوبة الحسبة وفيه نادوا في الاسواق بالامان وعدم الانزعاج من أمر الكرنتينه وان من مات لاتحرق الا ثيابه التي على بدنه لا غير وكان أشيع في الناس ما تقدم وزادوا على ذلك حرق الدار التي يموت فيها ايضا وأن قصدهم ايضا عمل كرنتينه على البلد بتمامها فحصل من هذا المشاع في الناس كرب عظيم ووهم جسيم فنودي بذلك ليسكن روع الناس
وفي يوم الخميس سادس عشرينه ارسل كبير الفرنسيس وطلب رؤساء الديوان والتجار فحضروا الى منزله فأعلمهم أنه مسافر الى بحري وترك بمصر قائمقام بليار وجملة من العسكر والكتبة والمهندسين وأوصاهم بأن يكون نظرهم على البلد وكان في العزم حبسهم رهينة فاستشار في ذلك فاقتضى رأيهم تأخير ذلك وركب من فوره مسافرا ولم يرجع من هذه السفرة الى مصر وحضر الجماعة الى الديوان واجتمعوا بالوكيل فوريه فأخبرهم أنه حضر الى ناحية أبي قير طائفة من الانكليز وصحبتهم طائفة من المالطية وأخرى نابلطية وطلعوا الى قطعة ارض رخوة بين (2/416)
سلسولين من الماء وان الفرنساوية محيطون بهم من كل جهة
وفي سابع عشرينه رجعت العساكر التي كانت توجهت الى جهة الشرق بحمولهم وأثقالهم وصحبتهم سارى عسكر الشرقية رينه فسافروا من يومهم ولحقوا بكبيرهم برا وبحرا أو أخبروا عنهم لم يزالوا سائرين حتى وصلوا الى الصالحية وأرسلوا هجانة الى العريش فلم يجدوا أحدا فكروا راجعين وأشاعوا أن الجهة الشرقية لم يأت اليها أحد مطلقا وأصل الخبر أن سارى عسكر رينه كاشف القليوبية والشرقية أخبره بعض عربان المويلح بانهم شاهدوا مراكب انكليزية ترددت بالقلزم فأرسل بخبر ذلك الى سارى عسكر منو ويقول له في ضمن ذلك ويشير عليه بأن يتوجه صحبة جانب من العسكر ويحصن نواحي الاسكندرية خوفا من ورود الانكليز تلك الناحية وان رينه يتكفل له بمن يرد الى ناحية الشرق وأكد عليه في ذلك فأجابه سارى عسكر بقوله ان الانكليز لا يأتون من هذه الناحية وانهم يأتون من ساحل الشام ويأمره بالارتحال والذهاب الى الصالحية يرابط فيها فتواني في الحركة وأرسل اليه ثانيا بمعنى الجواب الاول ويحثه على تحصين ثغور الاسكندرية وترددت بينهما المراسلات في ذلك ومضت ايام فيما بين ذلك فورد الخبر للفرنساوية بورود مراكب الانكليز وتردادها تجاه الاسكندرية ثم رجوعها فكتب سارى عسكر منو يقول لرينه انهم تراؤا ليوهموا بأن قصدهم ورود الاسكندرية ثم غابوا وانهم رجعوا ليطلعوا بناحية الطينة ويستحثه على الرحلة والذهاب الى الصالحية فلم يسعه الا الامتثال والارتحال وكتب اليه كتابا يقول فيه انهم لا يريدون الا ثغر الاسكندرية وانما لم يسعفهم الريح فلا تغتر برجوعهم وانه رحل امتثالا للامر ويشير عليه هو ايضا بعدم تأخره عن الذهاب الى الاسكندرية ويقبل اشارته فلم يستمع وتأخر عن ذلك ورحل رينه الى جهة البركة ولم يستعجل الذهاب ثم انتقل الى الزوامل ثم الى بلبيس وفي كل يوم ووقت يرسل (2/417)
اليه سارى عسكر منو ويأمره بالذهاب الى الصالحية وهو يتلكأ في الرحيل ثم أرسل له آخرا يقول له انه وردت علينا أخبار بأن يوسف باشا الوزير متحرك الى القدوم ويحتم عليه في الرحيل الى الصالحية فعند ذلك جمع رينه سوارى عسكره وعرض عليهم ذلك وسفه رأيه وان هذا الخبر لا اصل له وانا اعلم اننا لا نصل الى الصالحية حتى يأتي الخبر بخلاف ذلك ويأتينا الامر بالرجوع والذهاب الى الاسكندرية فلا نستفيد الا التعب والمشقة وارتحل بمن معه من غير استعجال فوصلوا الى القرين في ثلاثة ايام واذا بمراسلة سارى عسكر منو الى رينه يخبره بان الانكليز وصلوا الى أبي قير وطلعوا الى البر وتحاربوا مع أمير الاسكندرية ومن معه من الفرنساوية وظهروا عليهم ويستعجله في الرجوع والذهاب الى الاسكندرية فقال رينه هذا ما كنت أخمنه وأظنه وارتحل راجعا وعدي على برانبابة بعساكره وتقدم سارى عسكر منو وسبقه الى الاسكندرية
شهر القعدة سنة
في ثالثه أمر وكيل الديوان أرباب الديوان بان يكتبوا السارى عسكر مكتوبا بالسلام ففعلوا ما أمروا به
وفي سادسه توفي محمد أغا مستحفظان مطعونا مرض يوم السبت وتوفي ليلة الاحد فوضعوه في نعش وخرج به الحمالون لا غير وامامه الطرادون ولم يعملوا له مشهدا ولا جماعة وكرتنوا داره واغلقوها على من فيها ولم يقلدوا عواضه احدا بل اذنوا لعبد العال أن يركب عوضا عنه وذلك بمعونة نصر الله النصراني ترجمان قائممقام فاستقر عبد العال المذكور أغات مستحفظان ومحتسبا فكان ذلك من جملة النوادر والعبر فان عبد العال هذا كان من اسافل العامة وكان أجبر البعض نصارى الشوام بخان الحمزاوي يخدمه ثم توسط بمصطفى اغا السابق بسبب معرفته للنصارى المترجمين حتى تقدم بوساطته وقلدوه الاغاوية فجعله كتخداه ومشيره فلما تولى محمد آغا تقيد معه كما كان مع مصطفى آغا (2/418)
ولكن دون الحالة التي كان عليها مع ذلك لصلاحية محمد أغا المقتول فلما توفي في هذا الوقت ترك لعبد العال أمر المنصب لاشغال الفرنساوية بما هو الاهم من انفتاح الحروب والطاعون وغير ذلك
وفي يوم الثلاثاء تاسعه اشيع في الناس وصول العثمانيين الى ناحية غزة وان جواسيسهم وصلوا الى العريش وقدمت الهجانة الى الفرنساوية بالخبر فلما كان عشاء تلك الليلة طلبوا المشايخ الى الديوان فلما تكامل حضورهم حضر فورية الوكيل وصحبته آخر من الفرنسيس من طرف قائمقام فتكلم فوريه كلاما كثيرا ليزيل عنهم الوهم ويؤانسهم يزخرف القول كقوله انه يحب المسلمين ويميل بطبعه اليهم وخصوصا العلماء وأهل الفضائل ويفرح لفرحهم ويغتم لغمهم ولا يحب لهم الا الخير وسياسة الاحكام تقتضي بعض الامور المخالفة للمزاج وان سارى عسكر قبل ذهابه رسم لهم رسوما وأمرهم بأجرائها والمشي عليها في أوقاتها وانه عند سفره قصد ان يعوق المشايخ واعيان الناس ويتركهم في الترسيم رهينة عن المسلمين فلما ظهر له وتحقق ان الذين وردوا الى أبي قير ليسوا من المسلمين وانما هم انكليزية ونابلطية واعداء للفرنساوية وللمسلمين ايضا وليسوا من ملتهم حتى يتعصبوا من أجلهم والآن بلغنا أن يوسف باشا الوزير وعساكر العثمانية تحركوا الى هذا الطرف فلزم الامر لتعويق بعض الاعيان وذلك من قوانين الحروب عندنا بل وعندكم ولا يكون عندكم تكدر ولا هم بسبب ذلك فليس الا الاعزاز والاكرام أينما كنتم والوكيل دائما نظره معهم ولا يغفل عن تعليل مزاجهم في كل وقت ويوم ثم انتهى الكلام وانقضى المجلسن على تعويق أربعة اشخاص من المشايخ وهم الشيخ الشرقاوي والشيخ المهدي والشيخ الصاوي والشيخ الفيومي فأصعدوهم الى القلعة في الساعة الرابعة من الليل مكرمين وأجلسوهم بجامع سارية ونقلوا الى مكانهم الشيخ السادات فاستمر معهم بالمسجد وأمروا الاربعة الباقية من أعضاء (2/419)
الديوان وهم البكرى والامير والسرسى وكاتبه ان يكون نظرهم على البلد ويجتمعون بشيخ البلد ولا ينقطعون عنه وان المشايخ المحجوزين لا خوف عليهم ولا ضرروهم معززون مكرمون وأطلقوا لكل شيخ منهم خادما يطلع اليه وينزل ليقضي له أشغاله وما يحتاج اليه من منزله والذي يريد من احبابهم وأصحابهم زيارتهم يأخذ له ورقة بالاذن من قائمقام ويطلع بها فلا يمنع وكذلك اصعدوا ابراهيم أفندي كاتب البهارا وأحمد ابن محمود محرم وحسين قرا ابراهيم ويوسف باشجاويش تفكجيان وعلي كتخدا يحيى آغات الجراكسة ومصطفى آغا ابطال وعلي كتخدا النجدلي ومحمد افندي سليم ومصطفى أفندي جمليان ورضوان كاشف الشعراوي وغيرهم وأمروا المشايخ الباقية والذين لم يحبسوا بتقيدهم ونظرهم الى البلد والعامة وانهم يترددون على بليار قائمقام ويعلمونه بالامور التي ينشأ عنها الشرور والفتن وأهمل ديوان المليون والمطالبة بثلثه وكذلك كسرة الفردة ونفس الله عن الناس وكذلك تسوهل في أمر الكرنتينة واجازة الاموات وعدم الكشف عليهم وتصديق الناس بما يخبرون به في مرض من يموت وذلك لكثرة اشغالهم وحركاتهم وتحصنهم ونقل متاعهم وصناديقهم وفرشهم وذخائرهم الى القلعة الكبيرة على الجمال والحمير ليلا ونهارا والطاعون متعلق فيهم ويموت منهم العدة الكثيرة في كل يوم
وفي حادي عشرة افرجوا عن الشيخ سليمان الفيومي وأنزلوه من القلعة ليكون مع من لم يحبس وأمرهم الوكيل بالتقيد والحضور الى الديوان على عادتهم ولا يهملونه فكانوا يحضرون ويجلسون حصة يتحدثون مع بعضهم ولا يرد عليهم الا القليل من الدعاوي ثم ينصرفون الى منازلهم وكذلك أمروا الشيخ أحمد العريشي القاضي بان يحضر ويجلس من غير سابقة له بذلك وذلك حفظا للناموس لا غير
وفي ثالث عشرة نقل الكمثارى فوريه الوكيل متاعه الى القلعة (2/420)
وصعد اليها فلم ينزل وارسل الى الشيخ سليمان الفيومي تذكرة يأمره فيها بأن ينقل فراش المجلس ويودعه في مكان بداره ففعل ما أمره به ولم يتركوا به الا الحصر وامر بحضور ارباب الديوان على عادتهم فكانوا يفرشون سجاجيدهم ويجلسون عليها حصة الجلوس ثم ينصرفون
وفي رابع عشره نقلوا حسن آغا المحتسب من البرج الى جامع سارية صحبة المشايخ وكذلك فوريه الوكيل جعل سكنه الجامع المذكور وأظهر ان قصده مؤانستهم وليس الا لضيق مساكن القلعة وازدحام الفرنسيس وكثرة ما نقلوه اليها من الامتعة والذخائر والفلال والاحطاب مع ما هدموه من أماكنها حتى انهم سدوا ابواب الميدان وجعلوه من جملة حقوقها فكانوا ينزلون اليه ويصعدون منه من باب السبع حدرات
وفي تاسع عشره ورد مكتوب من كبير الفرنسيس من ناحية اسكندرية مؤرخ بثالث عشر القعدة وهو جواب عن المكتوب المرسل اليه السابق ذكره وصورته بعد الصدر المعتاد من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى كامل المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بالديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله فضائلهم ورد لنا مكتوبكم العزيز ورأينا بكامل السرور كل ما فصلتم لنا به وثبت من مفهومنا صدق ودادكم لنا ولعساكر دولة جمهور الفرنساوية ودمتم حضراتكم وكافة أهالي مصر بالحمية والاستقامة الموعودة ومعلوم على فضائلكم أن الله يهدي كلا فما النصر الا منه ووضعت عليه اعتمادي وما توفيقي الا به وبرسوله الكريم عليه السلام الدائم وان ابتغيت النصرة فما هو الا لسهول خيراتي الى بر مصر وسكان ولايتها وخير أمور اهلها والله تعالى يكون دائما معكم ويكرم وجوهكم بالسلامة
وفيه سمع ونقل عن بعض الفرنسيس انه وقع الحرب بين الفرنساوية والانكليزية وكانت الهزيمة على الفرنساوية وقتل بينهم مقتلة كبيرة (2/421)
وانحازوا الى داخل الاسكندرية ووقع بينهم الاختلاف وانهم منوسارى عسكر رينه وداماص ورابه منهما ما رابه وكان سببا لهزيمته فيما يظن ويعتقد فقبض عليهما وعزلهما من امارتهما وذلك أن رينه وداماص لما ذهبا على الصورة المتقدمة ونظر رينه وأرسل من كشف على متاريس الانكليز فوجدها في غاية الوضع والاتقان فأجتمعوا للمشورة على عادتهم ودبروا بينهم أمر المحاربة فرأى سارى عسكر منو رأيه فلم يعجب رينه ذلك الرأي وان فعلنا ذلك وقعت الغلبة علينا وانما الرأي عندي كذا وكذا ووافقه على ذلك داماص وكثير من عقلائم فلم يرض بذلك منو وقال انا سارى عسكر وقد رأيت رايي فلم يسعهم مخالفته وفعلوا ما أمر به فوقعت عليهم الهزيمة وقتل منهم في تلك الليلة خمسة عشر ألفا وتنحى رينه وداماص ناحية ولم يدخلا في الحرب بعسكرهما فاغتاظ منه ونسبهما للخيانة والمخامرة عليه وتسفيههم لرايه وأكذ ذلك عنده انهما لما حضرا الى الاسكندرية أخذا معهما أثقالهما وما كان لهما بمصر لعلمهما عاقبة الامر وسوء رأى كبيرهما فاشتد انكاره عليهما وعزل عنهما العسكر وحبسهما ثم اطلقهما ونزلا الى المراكب مع عدة من اكابرهم وسافر الى بلادهما وان منو أرسل الى بونابارته يخبر عن ورود الانكليز ويستنجده فأرسل اليه عسكرا فصادفوا الجماعة المذكورين في الطريق فأخبروهم عن الواقع وردوهم من اثناء الطريق وقد أشاروا لذلك في بعض مكاتباتهم واخبر ايضا المخبرون ان الانكليز اطلقوا حبوس المياه الملحة حتى اغرقت طرق الاسكندرية وصارت جميعها لجة ماء ولم يبق لهم طريق مسلوك الا من جهة العجمي الى البرية وأن الانكليز تترسو اقبالهم من جهة الباب الغربي
وفيه ورد الخبر بأن حسين باشا القبطان ورد بعساكره جهة أبي قير وطلع عسكره من المراكب الى البر وقويت القرائن الدالة على صحة هذه الاخبار وظهرت لوائح ذلك الفرنسيس مع شدة تجلدهم وكتمان (2/422)
امرهم وتنميق كلامهم
وفيه سدوا باب البرقية المعروف بباب الغريب وبنوه فضاق خناق الناس بسبب الخروج الى القرافة بالاموات فكان الذي مدفنه ببستان المجاورين يخرج بجنازته من باب النصر ويمرون بها من خلف السور المسافة الطويلة حتى ينتهوا الى مدفنهم فحصل للناس مشقة شديدة وخصوصا مع كثرة الاموات فكلم يوم الاحد حادى عشرينه بعض المشايخ قائمقام في شان ذلك فأرسل الى قبطان الحنطة ففتح بابا صغيرا من حائط السور جهة كفر الطماعين على قدر النعش والحمالين والمشاة
وفي ثاني عشرينه سافر جماعة من أعيان الفرنساوية الى جهة بحرى وهم استوف الخازندار العام ومدبر الحدود وفوريه وكيل الديوان وشنانيلو مدبر املاك الجمهور وبرنار وكيل دار الدرب وريج خازندار دار الضرب ولابرت رئيس مدرسة المكتب وحافظ سجلاتهم وكتبهم واخذوا معهم طائفة من رؤساء القبط وفيهم جرجس الجوهري وأشيع في الناس بأن سفرهما لتقرير الصلح وليس كذلك
وفي ثالث عشرينه توكل بحضور الديوان كمثارى يقال له جيرار وحضر يوم الجمعة سادس عشرينه بصحبة كاتب سلسلة التاريخ محبنا الفاضل العمدة السيد اسمعيل المعروف بالخشاب وحضرة قاسم افندي امين الدين كاتب الديوان فلما استقر به الجلوس أخبر أنه ورد كتاب من كبيرهم جاك منو باللغة الفرنساوية مضمونه انه مقيم بسكندرية وهو مؤرخ بعشرين القعدة ومثل ذلك من الكلام الفارغ
وفيه قدم ثلاثة أنفار من العرب صحبة جماعة من الفرنسيس وذهبوا بهم الى بيت قائمقام فاستفسر منهم فاختل كلامهم وتبين كذبهم فأمر بحبسهم
وفيه حضر جماعة من الفرنسيس من جهة الشرق ومعهم دواب كثيرة وآلات حرب ومروا في شارع المدينة ومنعوا الناس من شرب الدخان (2/423)
خوفا على البارود من النار ولم يعلم سبب قدومهم ثم تبين انهم الذين كانوا محافظين بالصالحية وبعد أيام حضر ايضا الذين كانوا بالقرين وكذلك الذين كانوا ببلبيس وناحية الشرق شيئا بعد شيء
شهر ذي الحجة الحرام سنة
فيه حصل الاجتماع بالديوان وأخبر الوكيل ان كبيرهم قد بعث أخبارا بالامس منها انه قد مات جماعة من كبراء الانكليز وان اكثر عساكرهم مريضون بمرض الزحير والرمد وربما يحصل الصلح عن قريب ويرجعون الى بلادهم وان العطش مضاررهم وبعثوا عدة مراكب لتأتيهم بالماء فتعذر عليهم ذلك ثم سأل عن أحوال البلد وسكون الرعية والغلال والأقوات فأجيب بأن البلد مطمئنة والرعية ساكنة والغلال موجودة فقال لا بد من اعتنائكم بجميع هذه الامور الموجبة للراحة
وفيه أشيع ان الانكليز ومن معهم من العثمانية ملكوا ثغر رشيد وابراجها وحاربوا من كان بها من الفرنسيس حتى اجلوهم عنها ودخلوها
وفي ذلك اليوم قبضوا على نيف وستين من مغاربة الفحامين وطولون والغورية ونفوهم وذلك من فعل عبد العال الآغا
وفيه أمر بليار قائمقام بركوب احد المشايخ صحبة عبد العال ويمرون بشوارع المدينة فكان يركب معه مرة الشيخ محمد الامير ومرة الشيخ سليمان الفيومي وذلك لتطمئن الرعية
وفي سادسه قرىء مكتوب زعموا أنه حضر من سارى عسكر منو من جهة الاسكندرية وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر المعتاد الى حضرات كافة المشايخ والعلماء الكرام المستشارين بمحفل الديوان المنيف بمحروسه مصر أدام الله تعالى فضائلهم وما النصرة الا من الله وبشفاعة رسوله الكريم عليه السلام الدائم العساكر الفرنساوية والانكليزية هما الى هذا الان حصيران قبلهما فحصنا أطرافنا بمتاريس وخنادق لا تغلب ولا تهجن وغير ذلك يلزم نخبر حضراتكم لتهدية تمشياتكم ولاجل انتظامها (2/424)
ان سلطان الروسية المحمية اعلن بواسطة مرسله الى حضرة السلطان سليم أذعن الامر الى عساكره لاجل ما يتجانبوا ويتراووا ويخلو من بر مصر جميعا والا لابد من سلطان الروسيات الجمعية الاقامة بالمحاربة بمعية مائة ألف عسكرية ضد العثمانية وضد قسطنطينية فبناء على ذلك أرسل السلطان سليم أوامره بفرمانه خطابه الى عساكره لتخلية بر مصر ولكامل من بالبر المذكور لكي وثم ولكن ذهب الانكليزية كفا للارتشاء بعض من مقدار العسكر العثمانية وبتقديم امتثالهم الى أوامر سلطانهم فاعلنوا وأخبروا كل ذلك ألى أهالي مصر فانتظموا كما كنتم دائما بالخير واعتمدوا واعتنوا بحماية وصيانة دولة الجمهور الفرنساوية والله تعالى يديم فضائلكم عن الالهام بالخير والسلامات حرر في الخامس والعشرين من شهر جرمينيال سنة تسعة الموافق لثلاثة ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر وكتب بألفاظه وحروفه من خط منشئه لوما كالترجمان ثم قال الترجمان ان الفرنساوي الذي حمل هذا الكتاب نقل لي عن سر عسكر انه ناشر لكم ألوية الشكر على قيامكم بوظائفكم فدوموا على ذلك فأجيب السمع والطاعة تم ان بعض الحاضرين من المشايخ أخبر بأن رجلا من المنوفية يقال له موسى خالد كان الفرنساوية أحسنوا اليه وقدموه على أقرانه فلما خرجوا من المنوفية أفسد في البلاد وقطع الطريق ولا يتمكن أحد من أهل هذه الجهة أن يخرج من بلده لتحصيل معاشه وانه قبض على الشيخ عابدين القاضي وصادره في نحو ثلاثة آلاف ريال وكذلك صادر كثيرا من أغنياء منوف وغيرها وأخذ أموالهم فقال الوكيل ستسكن الفتنة ويعاقب المفسدون ثم أمر بكتابة مكاتيب ممضاة من مشايخ الديوان خطابا للتجار والمتسببين ولمشايخ البلاد يأمرونهم بارسال الغلال والاقوات الى مصر فكتبوا للمحلة الكبرى منوف والمنصورة والفشن وبني سويف
وفيه كتبوا جوابا من مشايخ الديوان لكبير الفرنسيس جوابا عن (2/425)
المكتوب المذكور آنفا
وفيه ذكر قائمقام بليار لبعض الرؤساء انه اذا رجع سارى عسكر منصورا ودامت أهل البلد على طاعتهم وسكونهم رفع عنهم نصف المليون والظلم
وفي عاشره افرجوا عن ابن محرم التاجر بتوسل والدته بقائمقام بليار على مصلحة الفين ريال فرانسة
وفيه خرج عبد العال الى ناحية أبي زعبل ورجع ومعه ثلاثة أشخاص من الفلاحين ضرب عنق أحدهم
وفي ثاني عشرة قبض عبد العال على أناس من الغورية والصاغة ومرجوش وغيرهم وألزمهم بمال وسئل عن ذلك فقال لم أفعله من قبل نفسي بل عن أمر من الفرنسيس
وفيه حفروا خندقا عند تلال البرقية فكان الذين يخرجون بالاموات يصعدون بهم من فوق التل ثم ينزلون ويمرون عل سقالة من الخشب على الخندق المحفور فحصل للناس غاية المشقة واتفق ان ميتا سقط من على رقاب الحمالين وتدحرج الى أسفل التل
وفيه ورد الخبر بموت مراد بك بالوجه القبلي بالطاعون وكان موته رابع الشهر ودفن بسوهاج عند الشيخ العارف وأقيم عزاؤه عند زوجته الست نفيسة وبنت له قبرا بمدفن على بك واسمعيل بك بالقرافة بالقرب من قبة الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه وأشيع نقله اليه ثم ترك ذلك وبطل وكان الفرنساوية عند ما اصطلح معهم وأعطوه امارة الصعيد رتبوا لزوجته المذكورة في كل شهر مائة ألف فضة واستمرت تقبض ذلك حتى أخرج الفرنساوية جوابات الى الامراء المرادية يعزونهم في استاذهم وتقريرا الى عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي بان يكون أميرا ورئيسا على خشداشينه وعوضا عن مراد بك ويستمرون على امريتهم وطاعتهم
وفيه حضرت جوابات المراسلات التي أرسلت الى البلاد بسبب (2/426)
الغلال والاقوات بان المتسببين والتجار أجابوا بالسمع والطاعة غير ان المانع لهم قطاع الطريق وتعدى العرب ومنعهم السبيل وان أبواب البلدان مغلوقة بحيث لا يمكن الخروج منها فاذا أمنت الطرق حضر المطلوب وكلام هذا معناه وأما الساعي المرسل الى المنصورة فانه رجع من اثناء الطريق ولم يمكنه الوصول اليها لان العساكر القادمة قد دخلوها وصارت في حكمهم
وفيه أي في هذا الشهر زاد أمر الطاعون وطعن مصطفى أغا ابطال بالقلعة فلما ظهر فيه ذلك رفعوه بطريق مهانة وأنزلوه الى الكرنتينه بباب العزب وألقوه بها ثم تكلم في شأنه ارباب الديوان فانزلوه الى داره فمات بها وكذلك وقع لحسين قرأ ابراهيم التاجر وعلى كتخدا النجدلي وذلك في اوائله وفي كل يوم يموت من الفرنسيس الكائنين بالقلعة الثلاثون والاربعون وينزلون بهم من كرنتينة القلعة على الاخشاب مثل الابواب كل ثلاثة أو أربعة سواء يحملهم الحمالون وامامهم اثنان من الفرنسيس يمنعون الناس ويباعدونهم عن القرب منهم الى أن يخرجوا بهم من باب القرافة فيلقوهم في حفر عميقة قد اعدها الحفارون ويهيلون عليهم التراب حتى يعلوهم ثم يلقون صفا آخر ويغطونهم بالتراب وهكذا حتى تمتلىء الحفرة ويبقى بينها وبين الارض نحو الذراع فيكبسونها بالتراب والاحجار ويحفرون أخرى غيرها كذلك فيكون في الحفرة الواحد اثنا عشر وستة عشر وأكثر فوق بعضهم البعض وبينهم التراب ويرمونهم بثيابهم وأغطيتهم وتواسيمهم التي في أرجلهم وذلك المكان الذي يدفنون به في العلوة الكائنة خارج مزار القادرية بين الطريقين الموصلين الى جهة مزار الامام الشافعي رضي الله عنه
وفيه انهى مشايخ الديوان تعرض عبد العال لمصادرة الناس وطلب المال بعد تأمينهم وتبشيرهم برفع نصف المليون عنهم فأجيبوا بأن ذلك على سبيل القرض لتعطل المال الميري واحتياج العسكر الى النفقة وقيل (2/427)
لهم ايضا ان كان يمكنكم ان تكتبوا الى البلاد بدفع الميري رفعنا الطلب عن الناس فقالوا هذا غير ممكن لحصول البلاد في حيازة القادمين وقطع الطريق من وقوف العرب بها وعدم الانتظام وانما القصد الملاطفة والرفق فان وظيفتنا النصح والوساطة في الخير
وفي يوم الخميس سادس الحجة حضر استوف الخازندار وجرجس الجوهري ومن معهما من القبطة وغيرهم ما عدا الفرنسيس الذين ذهبوا معهم فارسلت اوراق بحضور مشايخ الديوان والتجار والاعيان من الغد فلما كان في صبحها حصلت الجمعية واحضر الخازندار والوكيل وعبد العال وعلى أغا الوالي وبعض التجار كالسيد احمد الزرو والحاج عبد الله التاودي شيخ الغورية والحاج عمر الملطيلي التاجر بخان الخليلي ومحمود حسن وكليمان الترجمان فتكلم استوف وترجم عنه الترجمان بقوله ان سارى عسكر الكبير منو يقرئكم السلام ويثنى عليكم كثيرا وسينجلى هذا الحادث ان شاء الله تعالى ويقدم في خير ويرى أهل مصر ما يسرهم وقد هلك من الانكليز خلق كثير وباقيهم أكثرهم مرمودون الاعين وبمرض الزحير وجاءت طائفة منهم الى الفرنساوية وانضموا اليهم من جوعهم وعطشهم ولتعلموا أن الفرنساوية لم يسلموا في رشيد قهرا عنهم بل تركوها قصدا وكذلك أخلينا دمياط لاجل ان يطمعوا ويدخلوا الى البلاد وتتفرق عساكرهم فتتمكن عند ذلك من اسئصالهم ونخبركم انه قد وردت الى اسكندرية مركب من فرانسا وأخبرت ان الصلح قد تم مع كامل القرانات ما عدا الانكليز فأنهم لم يدخلوا في الصلح وقصدهم عدم سكون الحرب والفتن ليستولوا على أموال الناس واعلموا ان المشايخ المحبوسين بالقلعة وغيرهم لا بأس عليهم وانما القصد من تعويفهم وحبسهم رفع الفتن والخوف عليهم وشريعة الفرنساوية اقتضت ذلك ولا يمكن مخالفتها ومخالفتها كمخالفة القرآن العظيم عندكم وقد بلغنا ان السلطان العثملي أرسل الى عسكره بالكف عن الفرنساوية والرجوع (2/428)
عن قتالهم فخالف عليه بعض السفهاء منهم وخرجوا عن طاعته وأقاموا الحرب بدون اذنه فأجابه بعض الحاضرين بقوله ان القصد حصول الراحة والصلح والفرنساوية عندنا أحسن حالا من الانكليز لاننا قد عرفنا أخلاقهم ونعلم أن الانكليز انما يريدون بانضمامهم الى العثملية تنفيذ أغراضهم فقط فانهم يدلون العثملي ويغرونه حتى يوقعوه في المهالك ثم يتركوه كما فعلوا سابقا ثم قال الخازندار ان الفرنساوية لا يحبون الكذب ولم يعهد عليهم فلازم أن تصدقوا كل ما أخبروكم به فقال بعض الحاضرين انما يكذب الحشاشون والفرنساوية لا يأكلون الحشيش ثم قال الخازندار ان وقع من أهل مصر فشل أو فساد عوقبوا أكثر من عام اول واعلموا أن الفرنساوية لا يتركون الديار المصرية ولا يخرجون منها أبدا لانها صارت بلادهم وداخله في حكمهم وعلى الفرض والتقدير اذا غلبوا على مصر فانهم يخرجون منها الى الصعيد ثم يرجعون اليها ثانيا ولا يخطر في بالكم قلة عساكرهم فانهم على قلب رجل واحد واذا اجتمعوا كانوا كثيرا وطال الكلام في مثل هذه التمويهات والخرافات وأجوبة الحاضرين بحسب المقتضيات ثم قال الخازندار القصد منكم معاونة الفرنساوية ومساعدتهم وغلاق نصف المليون ولشفع بعد ذلك عند سارى عسكر في فوات النصف الثاني حكم ما عرفكم قائمقام بليار فاجتهدوا في غلاقه من الاغنياء واتركوا الفقراء فأجابوا في آخر الكلام بالسمع والطاعة فقال لكن ينبغي التعجيل فان الامر لازم لاجل نفقه العسكر ثم قال لهم ينبغي ان تكتبوا جوابا بالسارى عسكر تعرفونه فيه عن راحة اهل البلد وسكون الحال وقيامكم بوظائفكم وهو ان شاء الله يحضر اليكم عن قريب وانفض المجلس وكتب الجواب المأمورية وارسل
وفيه ورد الخبر بوصول طاهر باشا الارنؤدي بجملة من العساكر الارنؤدية الى أبي زعبل (2/429)
وفيه خرج عدة من عساكر الفرنساوية وضربوا أربع قرى من الريف بعلة موالاة العرب وقطاع الطريق فنهبوهم وحضروا الى مصر بمتاعهم ومواشيهم
وفيه ارسل بليار قائمقام يطلب من الوجاقلية بقية ما عليهم من المال المتأخر من فردة الملتزمين وقدره اثنا عشر ألف ريال وان تأخروا عن الدفع احاط العسكر بيوتهم ونقلهم الى أضيق الحبوس بل واستعملهم في شيل الاحجار فاعتذروا بضيق ذات يدهم وحبسهم فتصدر اليهم السيد احمد الزرو وتشفع عند قائمقام بأن يقوموا بدفع أربعة آلاف ريال ويؤجلوا بالباقي وينزلوا من القلعة لتحصيل ذلك فأجابه وأنزل علي أغا يحيى اغات الجراكسة ويوسف باشجاويش الى بيت عبد العال وحبسهم بمكان بداره وحبس معهم مصطفى كتخدا الرزار فكان يتهددهم ويرسل اليهم أعوانه يقولون لهم شهلوا ما عليكم والا ضربكم الاغا بالكرابيج فسبحان الفعال لما يريد فان عبد العال هذا الذي يتهددهم ربما كان لا يقدر على الوصول الى الوقوف بين يدي بعض اتباعهم فضلا عنهم
وفيه أحاط الفرنسيس بمنزل حسن أغا لوكيل المتوفي قبل تاريخه وذلك بسبب انه وجد ببيته غلام فرنساوي مختف أسلم وحلق رأسه وقبضوا على أحد خشداشينه وحبسوه لكونه علم ذلك ولم يخبر به
وفيه حضرت رسل من طرف عرضي الوزير لقائمقام بليار فاجتمعوا به وخلا بهم ووجههم من ليلتهم فلما حصلت الجمعية بالديوان سئل الوكيل عن ذلك فقال نعم انهم أرسلوا يطلبون الصلح
وفي ثامن عشره أفرجوا عن ابراهيم افندي كاتب البهار ليساعد في قبض نصف المليون
وفي رابع عشرينه قبضوا على أبي القاسم المغربي شيخ رواق المغاربة وحبسوه بالقلعة بسبب انه كان يتكلم في بعض المجالس ويقول أنا شيخ المغاربة وأحكم عليهم ويتباهى بمثل هذا القول فنقل عنه ذلك إلى (2/430)
عبد العال والفرنسيس وظنوا صحة قوله وانه ربما أثار فتنة فقبضا عليه وحبسوه وكذلك حبسوا محمد افندي يوسف ثاني قلفه وآخر يقال له عبيد السكري
وفي خامس عشرينه أبرزوا مكتوبا وزعموا انه حضر من سارى عسكرهم وقرىء بالديوان وصورته بعد الصدر خطابا الى كافة العلماء والمشايخ الكرام بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر حالا أدام الله تعالى فضائلهم ورد لنا مكتوبكم وانشرح قلبي من كل ما شهدتم لنا فيه بانه يثبت عقلكم السليم وصدقكم وتقييد قلوبكم في طارق الدستور فدوموا مهتدين بهذه الملكة ولا بد لفضائلكم من دولة جمهورنا كامل الوفاء من حسن رضا واطمئنان عليكم منها ومن طرف عمدة أصحاب الجراءة والشجاعة حضرة القونصل أولها بونابارته وعلى الخصوص من طرفنا وكان ضد اوامري ان الستويان فوريه الذي كنت وضعته قرب فضائلكم ترك ذلك الموضع وتوجه الى اسكندرية وما تلك الفعلة الا من نقص جسارته في ذي الوقعة فبدلناه جنب فضائلكم بالستويان جيرار رجل واجب الاستوصاء لاجل عرضه وفضله وخصوصا لاجل غيرته وجسارته فلذلك هو كسب اعتمادي فاعتمدوا الى كل ما هو قائل بفضائلكم من جانبنا وبمنه وعونه تعالى عن قريب نواجهكم بمصر بخير وسلامة ودوموا حسب تدبيراتكم لتنظيم البلد ومماسكة الطاعة بين الامة الحامدة والسياسة بين غيرهم وكذلك نرجو من رب الاجناد بحرمة سيد العباد ان تشدوا قلوبكم توكلا له لان عوننا اسمه العظيم حرر في ثلاثة عشر فلوريال سنة تسعة موافقا لثمانية عشر ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر ممضي عبد الله جاك منو انتهى بالفاظه وحروفه
وفي سادس عشرينه أعادوا فرش الديوان بأمر الوكيل جيرار
وفيه أفرجوا عن محمد كاشف سليم الشعراوي بشفاعة حسين كاشف وسافر الى جهة الصعيد (2/431)
وفي ثامن عشرينه وردت الاخبار بوصول ركاب الوزير يوسف باشا الى مدينة بلبيس وذلك يوم الجمعة رابع عشرينه
وفيه أخبر وكيل الديوان ان سارى عسكر ارسل كتابا الى الست نفيسة بالتعزية ورتب لها في كل شهر مائة الف نصف وأربعين وانقضت هذه السنة بحوادثها وما حصل فيها فمنها توالى الهدم والخراب وتغيير المعالم وتنويع المظالم وعم الخراب خطة الحسينية خارج باب الفتوح والخروبي فهدموا تلك الاخطاط والجهات والحارات والدروب والحمامات والمساجد والمزارات والزوايا والتكايا وبركة جناق وما بها من الدور والقصور المزخرفة وجامع الجنبلاطية العظيم بباب النصر وما كان به من القباب العظام المعقودة من الحجر المنحوت المربعة الاركان الشبيهة بالاهرام والمنارة العظيمة ذات الهلالين واتصل هدم خارج باب النصر بخارج باب الفتوح وباب القوس الى باب الحديد حتى بقي ذلك كله خرابا متصلا واحدا وبقي سور المدينة الاصلي ظاهرا مكشوفا فعمروه ورموا ماتشعث منه وأوصلوا بعضه ببعض بالبناء ورفعوا بنيانه في العلو وعملوا عند كل باب كرانك وبدنات عظاما وأبوابا داخلة وخارجه وأخشابا مغروسة بالارض مشبكة بكيفيه مخصوصة وركزوا عند كل باب عدة من العسكر مقيمين وملازمين ليلا ونهارا ثم سدوا باب الفتوح بالبناء وكذلك باب البرقية وباب المحروق وأنشؤا عدة قلاع فوق التلال البرقية ورتبوا فيها العساكر وآلات الحرب والذخيرة وصهاريج الماء وذلك من حد باب النصر الى باب الوزير وناحية الصوة طولا فمهدوا أعالي التلال وأصلحوا طرقها وجعلوا لها مزالق وانحدارات لسهولة الصعود والهبوط بقياسات وتحريرات هندسية على زوايا قائمة ومنفرجة وبنوا تلك القلاع بمقادير بين أبعادها وهدموا أبنية رأس الصوة حيث الحطابة وباب الوزير تحت القلعة الكبيرة وما بذلك من المدارس القديمة المشيدة والقباب المرتفعة وهدموا أعالي المدرسة النظامية ومنارتها وكانت في غاية من (2/432)
الحسن وجعلوها قلعة ونبشوا ما بها من القبور فوجدوا الموتى في توابيت من الخشب فظنوا داخلها دراهم فكسروا بعضها فوجدوا بها عظام الموتى فأنزلوا تلك التوابيت وألقوها الى خارج فاجتمع أهل تلك الجهة وحملوها وعملوا لها مشهدا بجمع من الناس ودفنوها داخل التكية المجاورة لباب المدرج وجعلوا تلك المدرسة قلعة أيضا بعد أن هدموا منارتها أيضا وكذلك هدموا مدرسة القانبية والجامع المعروف بالسبع سلاطين وجامع الجركسي وجامع خوند بركة الناصرية خارج باب البرقية وكذلك أبنية باب القرافة ومدارسها ومساجدها وسدوا الباب وعملوا الجامع الناصري الملاصق له قلعة بعد أن هدموا منارته وقبابه وسدوا أبواب الميدان من ناحية الرميلة وناحية عرب اليسار وأوصلوا سهور باب القرافة بجامع الزمر وجعلوا ذلك الجامع قلعة وكذلك عدة قلاع متصلة بالمجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة الكبيرة وسدوا عيونها وبواكيها وجعلوها سورا بذاتها ولم يبقوا منها الا قوصرة واحدة من ناحية الطبي جهة مصر القديمة جعلوها بابا ومسلكا وعليها الكرنك والغفر والعسكر الملازمين الاقامة بها ولقبض المكس من الخارج والداخل وسدوا الجهة المسلوكة من ناحية قنطرة السد بحاجز خشب مقفص وعليه باب يقفل مقفص أيضا وعليه حوسجية ملازمون القيام عليه وذلك حيث سواقي المجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة وحفروا خلف ذلك خندقا
وأما ما أنشؤه وعمروه من الابراج والقلاع والحصون بناحية ثغر الاسكندرية ورشيد ودمياط وبلاد الصعيد فشيء كثير جدا وذلك كله في زمن قليل
ومنها تخريب دور الازبكية وردم رصيفاتها بالاتربة وتبديل اوضاعها وهدم خطة قنطرة الموسكي وما جاورها من أول القنطرة المقابلة للحمام الى البوابة المعروفة بالعتبة الزرقاء حيث جامع أزبك وما كان في ضمن (2/433)
ذلك من الدور والحوانيت والوكائل وكوم الشيخ سلامة فيسلك المار من على القنطرة في رحبة متسعة تنتهي الى رحبة الجامع الازبكي وهدموا بيت الصابونجي ووصلوه بجسر عريض ممتد ممهد حتى ينتهي الى قنطرة الدكة وفي متوسط ذلك الجسر ينعطف جسر آخر الى جهة اليسار عند بيت الالفي حيث سكن سارى عسكر ممتد ذلك الجسر الى قنطرة المغربي ومنها يمتد الى بولاق على خط مستقيم الى ساحل البحر حيث موردة التبن والشون ووزعوا بحافتيه السيسبان والاشجار وكذلك برصيفات الازبكية وهدموا المسجد المجاور لقنطرة الدكة مع ما جاوره من الابنية والغيطان وعملوا هناك بوابة وكرنكا وعسكرا ملامين الاقامة والوقوف ليلا ونهارا وذلك عند مسكن بليار قائمقام وهي دار جرجس الجوهري وما جاوره وكان في عزمهم ايصال ما انتهوا الىهدمه بقنطرة الموسكي الى صور باب البرقية ويهدمون من حد حمام الموسكي حتى يتصل المهدوم بناحية الاشرفية ثم الى خان الخليلي الى اسطبل الطارمة العروفة الآن بالشنواني الى ناحية كفر الطماعين الى البرقية ويجعلون ذلك طريقا واحدا متسعا وبحافتيه الحوانيت والخانات وبها أعمدة وأشجار وتكاعيب وتعاريش وبساتين من أولها الىآخرها من حد باب البرقية الى بولاق فلما انتهوا في الهدم الى قنطرة الموسكي تركوا الهدم ونادوا بالمهلة ثلاثة أشهر وشرعوا في أبنية حوائط بحافتي القنطرة ومعاطف ومزالق الى حارة الافرنج وحارة النباقة وذلك بالحجر النحت المتقن الوضع وكذلك عمروا قناطر الخليج المتهدمة داخل مصر وخارجها على ذلك الشكل مثل قنطرة السد والقنطرة التي بين أراضي الناصرية وطريق مصر القديمة وقنطرة الليمون وقنطرة قدبدار وقنطرة الاوز وغير ذلك ثم فاجأهم حادث الطاعون ووصول القادمين فتركوا ذلك واشتغلوا بأمور التحصين وسيأتي تتمة ذلك ومنها توالي خراب بركة الفيل وخصوصا بيوت الامراء التي كانت بها وأخذوا أخشابها لعمارة القلاع ووقود النيران والبيع (2/434)
وكذلك ما كان بها من الرصاص والحديد والرخام وكانت هذه البركة من جملة محاسن مصر وفيها يقول أبو سعيد الاندلسي وقد ذكر القاهرة وأعجبني في ظاهرها بركة الفيل لانها دائرة كالبدر والمناظر فوقها كالنجوم وعادة السلطان أن يركب فيها بالليل ويسرج أصحاب المناظر على قدر هممهم وقدرتهم فيكون بذلك لها منظر عجيب
وتخرب ايضا جامع الرويعي وجعلوه خمارة وبعض جامع عثمان كتخدا القزد علي الذي بالقرب من رصيف الخشاب وجامع خير بك حديد الذي بدرب الحمام بقرب بركة الفيل وجامع البنهاوي والطرطوشي والعدوى وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا المقابل لباب الفتوح حتى لم يبق به الا بعض الجدران وجعلوا جامع أزبك سوقا لبيع أقلام المكوس
ومنها أنهم غيروا معالم المقياس وبدلوا أوضاعه وهدموا قبته العالية والقصر البديع الشاهق والقاعة التي بها عامود المقياس وبنوها على شكل آخر لا بأس به لكنه لم يتم وهي على ذلك باقية الى الآن ورفعوا قاعدة العامود العليا ذراعا وجعلوا تلك الزيادة من قطعة رخام مربعة ورسموا عليها من جهاتها الاربع قراريط الذراع
ومنها انهم هدموا مساطب الحوانيت التي بالشوارع ورفعوا أحجارها مظهرين ان القصد بذلك توسيع الازقة لمرور العربات الكبيرة التي ينقلون عليها المتاع واحتياجات البناء من الاحجار والجبس والجير وغيره والمعنى الخفي الشافي خوفا من التترس بها عند حدوث الفتن كما تقدم وكانوا وصلوا في هدم المساطب الى باب زويلة ومن الجهة الاخرى الى عطفه مرجوش فهدموا مساطب خط قناطر السباع والصليبة ودرب الجماميز وباب سعادة وباب الخرق الى آخر باب الشعرية ولو طال الحال لهدموا مساطب العقادين والغورية والصاغة والنحاسين الى آخر باب النصر وباب الفتوح فحصل لارباب الحوانيت غاية الضيق لذلك وصاروا يجلسون في داخل فجوات الحوانيت مثل الفيران في الشقوق وبعض الزوايا والجوامع (2/435)
والرباع التي درجها خارج عن سمت حائط البناء لما هدموا درجة وبسطته بقي باب مدخله معلقا فكانوا يتوصدون اليه بدرج من الخشب مصنوع يضعونه وقت الحاجة ويرفعونه بعدها وذلك عمل كثير
ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو انه لما حضر الفرنسيس الى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات الصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت اليهم نفوس أهل الاهواء من النساء الاسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الاموال لهن وكان ذلك التداخل اولا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في اخفائه فلما وقعت الفتنة الاخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الاحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهم من النساء الفواجر ولما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب الاموال واجتماع الخيرات في حور الفرنسيس ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهن له وموافقة مرادهن وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته او ضربته بتاسومتها فطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن لميل النفوس الى الشهوات وخصوصا عقول القاصرات وخطب الكثير منهم بنات الاعيان وتزوجوهن رغبة في سلطانهم ونوالهم فيظهر حالة العهد الاسلام وينطق بالشهادتين لانه ليس له عقيدة يخشى فسادها وصار مع حكام الاخطاط منهم النساء المسلمات متزيبات بريهم ومشوا معهم في الاخطاط للنظر في أمور الرعية والاحكام العادية والامر والنهي والمناداة (2/436)
وتمشي المرأة بنفسها او معها بعض أترابها واضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل مايمر الحاكم ويأمرن وينهين في الاحكام
ومنها انه لما أوفى النيل أذرعه ودخل الماء الى الخليج وجرت في السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في المراكب والمرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب وملاحو السفن يكثرون من الهزل والمجون ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المقاديف بسخيف موضوعاتهم وكتائف مطبوعاتهم وخصوصا اذا دبت الحشيشة في رؤسهم وتحكمت في عقولهم فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم وتقليد كلامهم شيء كثير
وأما الجواري السود فانهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الانثى ذهن اليهم أفواجا فرادى وأواجا فنططن الحيطان وتسلقن اليهم من الطيقان ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك
ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه سارى عسكر القبطة جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رؤوسهم مشابه لشكل البرنيطة وعليه قطعة فروة سوداء من جلد الغنم في غاية البشاعة مع ما يضاف اليها من قبح صورهم وسواد أجسامهم وزفارة أبدانهم وصيرهم عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الاماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الاحمر وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وابراج وباب كبير يحيط به بدنات عظام وكذلك بنى ابراجا في ظاهر الحارة جهة بركة الازبكية وفي جميع السور المحيط والابراج طيقانا للمدافع وبنادق الرصاص على هيئة سور مصر الذي رمه (2/437)
الفرنساوية ورتب على باب القلعة الخارج والداخل عدة من العسكر الملازمين للوقوف ليلا ونهارا وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنساوية ومنها قطعهم الاشجار والنخيل من جميع البساتين والجنائن الكائنة بمصر وبولاق ومصر القديمة والروضة وجهة قصر العيني وخارج الحسينية وبساتين بركة الرطلي وأرض الطبالة وبساتين الخليج بل وجميع القطر المصري كالشرقية والغربية والمنوفية ورشيد ودمياط كل ذلك لاحتياجات عمل القلاع وتحصين الاسوار في جميع الجهات وعمل العجل والعربات والمتاريس ووقود النار وكذلك المراكب والسفن وأخذ أخشابها أيضا مع شدة الاحتياج اليها وعدم انشاء الناس سفنا جديدة لفقرهم وعدم الخشب والزفت والقار والحديد وباقي اللوازم حتى انهم حال حلولهم الديار المصرية وسكنهم بالازبكية كسروا جميع القنج والاغربةالتي كانت موجودة تحت الاعيان بقصد التنزه وكذلك ما كان ببركة الفيل وبسبب ذلك شحت البضائع وغلت الاسعار وتعطلت الاسباب وضاقت المعايش وتضاعفت أجر حمل التجارات في السفن لقلتها
ومنها هدم القباب والمدافن الكائنة بالقرافة تحت القلعة خوفا من تترس المحاربين بها فكانوا يهدمون ذلك بالبارود على طريقة اللغم فيسقط المكان بجميع اجزائه من قوة البارود وانحباسه في الارض فيسمع له صوت عظيم ودوي فهدموا شيئا كثيرا على هذه الصورة وكذلك ازالوا جانبا كبيرا من الجبل المقطم بالبارود من الجهة المحاذية للقلعة خوفا من تمكن الخصم منها والرمي على القلعة
ومنها زيادة النيل المفرطة التي لم يعهد مثلها في هذه السنين حتى غرقت الاراضي وحوصرت البلاد وتعطلت الطرق فصارت الارض كلها لجة ماء وغرق غالب البلاد التي على السواحل فتهدم من دورها شيء كثير وأما المدينة فإن الماء جرى من جهة الناصرية الى الطريق المسلوكة وطفح من بركة الفيل الى درب الشمسي وطريق قنطرة عمر شاه (2/438)
ومنها استمرار انقطاع الطرق واسباب المتاجر وغلو البضائع المجلوبة من البلاد الرومية والشامية والهندية والحجازية والمغرب حتى غلت اسعار جميع الاصناف وانتهى سعر كل شيء الى عشرة امثاله وزيادة على ذلك فبلغ الرطل الصابون الى ثمانين نصفا واللوزة الواحدة بنصفين وقس على ذلك وأما الاشياء البلدية فانها كثيرة موجودة وغالبها يباع رخيصا مثل السمن والعسل النحل والارز والغلال وخصوصا الارز فانه بيع في ايامهم بخمسمائة نصف فضة الاردب وكانت النصارى باعة العسل النحل يطوفون به في بلاليص محملة على الحمير ينادون عليه في الازقة بأرخص الاثمان
ومنها وقوع الطاعون بمصر والشام وكان معظم عمله ببلاد الصعيد أخبرني صاحبنا العلامة الشيخ حسن المعروف بالعطار المصري نزيل اسيوط مكاتبة ونصه ونعرفكم يا سيدي انه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم تسمع بمثله وخصوصا ما وقع منه باسيوط وقد انتشر هذا البلاء في جميع البلاد شرقاوغربا وشاهدنا منه العجائب في أطواره وأحواله وذلك أنه اباد معظم اهل البلاد وكان اكثره في الرجال سيما الشبان والعظماء وكل ذي منقبة وفضيلة واغلقت الاسواق وعزت الاكفان وصار المعظم من الناس بين ميت ومشيع ومريض وعائد حتى ان الانسان لا يدري بموت صاحبه أو قريبه الا بعد ايام ويتعطل الميت في بيته من أجل تجهيزه فلا يوجد النعش ولا المغسل ولا من يحمل الميت الا بعد المشقة الشديدة وان اكبر كبير اذا مات لا يكاد يمشي معه مازاد على عشرة انفار تكترى وماتت العلماء والقراء والملتزمون والرؤساء وأرباب الحرف ولقد مكثت شهرا بدون حلق رأسي لعدم الحلاق وكان مبدأ هذا الامر من شعبان وأخذ في الزيادة في شهر ذي القعدة والحجة حتى بلغ النهاية القصوى فكان يموت كل يوم من اسيوط خاصة زيادة على الستمائة وصار الانسان اذا خرج من بيته لا يرى الا جنازة أو مريضا (2/439)
أو مشتغلا بتجهيز ميت ولا يسمع الا نائحة او باكية وتعطلت المساجد من الاذان والامامة لموت أرباب الوظائف واشتغال من بقى منهم بالمشي اما الجنائز والسبح والسهر وتعطيل الزرع من الحصاد ونشف على وجه الارض وأبادته الرياح لعدم وجدان من يحصده وعلى التخمين أنه مات الثلثان من الناس هذا مع سعي العرب في البلاد بالفساد والتخويف بسبب خلو البلاد من الناس والحكام الى أن قال ولو شئت ان اشرح لك يا سيدي ما حصل من أمر الطاعون لملأت الصحف مع عدم الايفاء وتاريخه ثامن عشرين الحجة سنة تاريخه
من مات في هذه السنة من الاعيان
مات الامام الالمعي والذكي اللوذعي من عجنت طينته بماء المعارف وتآخت طبيعته مع العوارف العمدة العلامة والنحرير الفهامة فريد عصره ووحيد دهره الشيخ محمد بن أحمد بن حسن بن عبد الكريم الخالدي الشافعي الشهير بابن الجوهري وهو أحد الاخوة الثلاثة وأصغرهم ويعرف هو بالصغير ولد سنة احدى وخمسين ومائة وألف ونشأ في حجر والده في عفة وصون وعفاف وقرأ عليه وعلى أخيه الاكبر الشيخ أحمد ابن احمد وعلي الشيخ خليل المغربي والشيخ محمد الفرماوي وغيرهم من فضلاء الوقت وأجازه الشيخ محمد الملوي بما في فهرسته وحضر دروس الشيخ عطية الاجهوري في الاصول والفقه وغير ذلك فلازمه وبه تخرج في الالقاء وحضر الشيخ علي الصعيدي والبراوي وتلقى عن الشيخ الوالد حسن الجبرتي كثيرا من العلوم ولازم التردد عليه والاخذ منه مع الجماعة ومنفردا وكان يحبه ويميل اليه ويقبل بكليته عليه وحج مع والده في سنة ثمان وستين وجاور معه فاجتمع بالشيخ السيد عبد الله الميرغني صاحب الطائف واقتبس من أنواره واجتنى من ثماره وكان آية في الفهم والذكاء والغوص والاقتدار على حل المشكلات وأقرأ الكتب وألقى الدروس بالاشرفية وأظهر التعفف والانجماع عن خلطة الناس (2/440)
والذهاب والترداد الى بيوت الاعيان والتزهد عما بأيديهم فأحبه الناس وصار له أتباع ومحبون وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده واقبال الناس عليه ومدحتهم له وترغيبهم في زيادته وتزوج ببنت الخواجا الكريمي وسكن بدارها المجاورة لبيت والده بالازبكية واتخذ له مكانا خاصا بمنزل والده يجلس فيه في اوقات وكل من حضر عند أبيه في حال انقطاعه من الاكابر أو من غيرهم للزيارة أو للتلقي يأمره بزيارة ابنه المترجم والتلقي عنه وطلبهم الدعاء منه ويحكى لهم عنه مزايا وكرامات ومكاشفات ومجاهدات وزهديات فازداد اعتقاد الناس فيه وعاشر العلماء والفضلاء من أهل عصره ومشايخه وقرنائه وتردد عليهم وترددوا عليه ويبيتون عنده ويطمعهم ويكرمهم ويتنزه معهم في أيام النيل مع الحشمة والكمال ومجانبة الامور المخلة بالمروأة ولما مات أخوه الكبير الشيخ أحمد وقد كان تصدر بعد والده في اقراء الدروس اجمع الخاص والعام على تقدم المترجم في اقراء الدروس في الازهر والمشهد الحسيني في رمضان فامتنع من ذلك وواظب على حالة انجماعه وطريقته واملائه الدروس بالاشرفية وحج في سنة سبع وثمانين ومائة وألف وجاور سنة وعقد دروسا بالحرم وانتفع به الطلبة ثم عاد الى وطنه وزاد في الانجماع والتحجب عن الناس في أكثر الاوقات فعظمت رغبة الناس فيه ورد هداباهم مرة بعد أخرى وأظهر الغني عنهم فازداد ميل الناس اليه وجبلت قلوبهم على حبه واعتقاده وتردد الامراء وسعوا لزيارته أفواجا وربما احتجب عن ملاقاتهم وقلد بعضهم بعضا في السعي ولم يعهد عليه أنه دخل بيت امير قط أو أكل من طعام أحد قط الا بعض أشياخه المتقدمين وكانت شفاعته لا ترد عند الامراء والاعيان مع الشكيمة والصدع بالامر والمناصحة في وجوههم اذا أتوا اليه وازدادت شهرته وطار صيته ووفدت عليه الوفود من الحجاز والغرب والهند والشام والروم وقصدوا زيارته والتبرك به وحج ايضا في سنة تسع وتسعين لما حصلت الفتنة بين أمراء (2/441)
مصر فسافر بأهله وعياله وقصد المجاورة فجاور سنة واقرأ هناك دروسا واشترى كتبا نفيسة ثم عاد الى مصر واستمر على حالته في انجماعه وتحجبه عن الناس بل بالغ في ذلك ويقرىء ويملي الدروس بالاشرفية وأحيانا بروايتهم بدرب شمس الدولة وأحيانا بمنزله بالازبكية ولما توفي الشيخ أحمد الدمنهوري وتولىمشيخة الازهر الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي باتفاق الامراء والمتصدرين من الفقهاء وهاجت حفائظ الشافعية ذهبوا اليه وطلبوه للمشيخة فأبى ذلك ووعدهم بالقيام لنصرتهم وتولية من يريدونه فأجتمعوا ببيت الشيخ البكري واختاروا الشيخ أحمد العروسي لذلك وأرسلوا الى الامراء فلم يوافقوا على ذلك فركب المترجم بصحبة الجمع الى ضريح الامام الشافعي ولم يزل حتى نقض ما أبرمه العلماء والامراء ورد المشيخة الى الشافعية وتولى الشيخ أحمد العمروسي وتم له الامر كما تقدم ذلك في ترجمة العريشي ولما توفي الشيخ احمد العروسي كان المترجم غائبا عن مصر في زيارة سيدي أحمد البدوي فأهمل الامر حتى حضر وتولى الشيخ عبد الله الشرقاوي باشارته ولم يزل وافر الحرمة معتقدا عند الخاص والعام حتى حضر الفرنساوية واختلت الامور وشارك الناس في تلقي البلاء وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها وتراكمت عليه الهموم والامراض وحصل له اختلاط ولم يزل حتى توفي يوم الاحد حادي عشرين شهر القعدة سنة تاريخه بحارة برجوان وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن عند والده وأخيه بزاوية القادرية بدرب شمس الدولة وبالجملة فكان من محاسن مصر والفريد في العصر ذهنه وقاد ونظمه مستجاد وكان رقيق الطبع لطيف الذات مترفها في مأكله وملبسه
ومات الاجل الامثل العمدة الوجيه السيد عبد الفتاح بن أحمد ابن الحسن الجوهري أخو المترجم المذكور وهو أسن منه واصغر من اخيه الشيخ احمد ولد سنة احدى واربعين ومائة والف ونشأ في حجر ابيه (2/442)
وحضر الشيخ الملوي وبعض دروس ابيه وغيره ولم يكن معتنيا بالعلم ولم يلبس زي الفقهاء وكان يعاني التجارة ويشارك ويضارب ويحاسب ويكاتب فلما توفي اخوه الاكبر الشيخ أحمد وامتنع اخوه الاصغر الشيخ محمد من التصدر للاقراء في محله اتفق الحال على تقدم المترجم حفظا للناموس وبقاء لصورة العلم الموروث فعند ذلك تزيابزي الفقهاء ولبس التا والفراجة الواسعة واقبل على مطالعة العلم وخالط أهله وصار يطالع ويذاكر وأقرأ دروس الحديث بالمشهد الحسيني في رمضان مع قلة بضاعته وذلك بمعونة الشيخ مصطفى بن الشيخ محمد الفرماوي فكان يطالع الدرس الذي يمليه من الغد ويتلقى عنه مناقشات الطلبة وثبت على ذلك حتى ثبتت المشيخة وتقررت العالمية كل ذلك مع معاناته التجارة وتردد الى الحرمين واثرى واقتن كتبا نفيسة وعروضا وحشما واشترى المماليك والعبيد والجواري والاملاك والالتزام ولم يزل حتى حصلت حوادث الفرنساوية وصادروه وأخذوا منه خمسة عشر الف فرانسة وداخله من ذلك كرب وانفعال زائد فسافر الى بلدة جارية في التزامه يقال لها كوم النجار فأقام بها أشهرا ثم ذهب الى شيبين الكوم بلدة أقاربه وأقام بها الى ان مات في هذه السنة وذلك بعد وفاة أخيه الشيخ محمد بنحو خمسة ايام ودفن هناك رحمه الله تعالى
ومات الامام العلامة الثقة الهمام النحرير الذي ليس له في فضله نظير أبو محمد أحمد بن سلامة الشافعي المعروف بأبي سلامة اشتغل بالعلم وحضر العلوم النقلية والنحوية والمنطقية وتفقه على كثير من علماء الطبقة الاولى كالشيخ علي قايتباي والحفني والبراوي والملوي وغيرهم وتبحر في الاصول والفروع وكان مستحضرا للفروع الفقهية والمسائل الغامضة في المذاهب الاربع ويغوص بذهنه وقياسه في الاصول الغريبة ومطالعة كتب الاصول القديمة التي اهملها المتأخرون وكان الفضلاء يرجعون في ذلك اليه ويعتمدون قوله ويعولون في الدقائق عله الا ان الدهر لم يصافه على (2/443)
عادته وعاش في خمول وضيق وخشونة ملبس وفقد رفاهية بحيث ان من يراه لا يعرف لرثائه ثيابه وكان مهذبا حسن المعاشرة جميل الخلق والنادرة مطبوعا فيه صلاح وتواضع ونزل مؤقتا في مسجد عبد الرحمن كتخدا الذي أنشأه تجاه باب الفتوح بمعلوم قدره ثمانية انصاف يتعيش بها مع ما برد عليه من بعض الفقهاء والعامة الذين يحتاجون اليه في مراجعة المسائل والفتاوي فلما خرب المسجد المذكور في حادثة الفرنسيس وجهات اوقافه انقطع عنه ذلك المعلوم وكان ذا عائلة ومع ذلك لا يسأل شيأ ولا يظهر فاقة توفي في يوم الاحد حادي عشرين جمادى الآخرة من السنة عن خمس وسبعين سنة تقريبا رحمه الله
ومات الامير مراد بك محمد مات بسهاج قادما الى مصر باستدعاء الفرنسيس ودفن بها عند الشيخ العارف وكان موته رابع شهر الحجة كما تقدم وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب ومحمد بك مملوك علي بك وعلي بك مملوك ابراهيم كتخدا الفازدغلي اشترى محمد بك مراد بك المذكور في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك في اليوم الذي قتل فيه صالح بك الكبير فاقام في الرق أياما قليل أعقه وأمره وأنعم عليه بالاقطاعات الجليلة وقدمه على أقرانه وتزوج بالست فاطمة زوجة الامير صالح بك وسكن داره العظيمة بخط الكبش
ولما مات علي بك تزوج بسريته ايضا وهي ألست نفيسة الشهيرة الذكر بالخير ولما انفرد محمد بك بأمارة مصر كان هو وابراهيم بك اكبر امرائه المشار اليهما دون غيرهما فلما سافر محمد بك الى الديار الشامية محاربا للظاهر عمر أقام عوضه في امارة مصر ابراهيم بك وأخذ صحبته مراد بك وباقي أمرائه فلما مات محمد بك بعكا اجتمع أمراؤه على رأى مماليكه في رآسه مراد بك فتقدم وقدمه عليهم وحملوا جثة سيدهم وحضروا بأجمعهم الى مصر فاتفق راي الجميع على امارة من استخلفه سيدهم وقدمه دون غيره وهو ابراهيم بك ورضى الجميع بتقدمه ورياسته (2/444)
لوفور عقله وسكون جاشه فاستقر بمشيخة مصر ورياستها ونائب نوابها ووزرائها وعكف مراد بك علي لذاته وشهواته وقضى أكثر زمانه خارج المدينة مرة بقصره الذي أنشأه بالروضة وأخرى بجزيرة الذهب وأخرى بقصر قايماز جهة العادلية كل ذلك مع مشاركته لابراهيم بك في الاحكام والنقض والإبرام والايراد والاصدار ومقاسمة الاموال والدواوين وتقليد مماليكه وأتباعه الولايات والمناصب واخذ في بذل الاموال وانفاقها على امرائه وأتباعه فانضم اليه بعض امراء على بك وغيرهم ممن مات أسيادهم كعلي بك المعروف بالملط وسليمان بك الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان فأكرمهم وواساهم ورخص لمماليكه في هفواتهم وسامحهم في زلاتهم وحظى عنه كل جريء غشوم عسوف ذميم ظلوم فانقلبت أوضاعهم وتبدلت طباعهم وشرهت نفوسهم وعلت رؤسهم فتناظروا وتفاخروا وطمعوا في أستاذهم وشمخت آنافهم عليه وأغاروا حتى على ما في يده واشتهر بالكرم والعطاء فقصده الراغبون وامتدحه الشعراء والغاوون وأخذا الشيء من غير حقه واعطاه لغير مستحقه
ثم لما ضاف عليه المسالك ورأى أن رضا العالم غاية لا تدرك أخذ يتحجب عن الناس فعظم فيه الهاجس والوسواس وكان يغلب على طبعه الخوف والجبن مع التهور والطيش والتورط في الاقدام مع عدم الشجاعة ولم يعهد اليه انه انتصر في حرب باشرها أبدا علىما فيه من الادعاء والغرور والكبر والخيلاء والصلف والظلم والجور
ولما قدم حسن باشا الى مصر وخرج المترجم مع خشداشينه وعشيرته هاربين الى الصعيد حتى انقضت ايام حسن باشا واسمعيل بك ومن كان معه ورجعوا ثانيا بعد أربع سنين وشيء من الشهور من غير عقد ولا حرب تعاظم في نفسه جدا واختص بمساكن اسمعيل بك وجعل اقامته بقصر الجيزة وزاد في بنائه وتنميقه وبنى تحته رصيفا محكما وأنشأ بداخله بستانا عظيما نقل اليه أصناف النخيل والاشجار والكروم واستخلص (2/445)
غالب بلاد اقليم الجيزة لنفسه شراء ومعاوضة وغصبا وعمر ايضا قصر جزيرة الذهب وجعل بها بستانا عظيما وكذلك قصر ترسا وبستان المجنون وصار يتنقل في تلك القصور والبساتين ويركب للصيد في غالب أوقاته واقتنى المواشي من الابقار والجواميس الحلابة والاغنام المختلفة الاجناس فكان عنده بالجيزة من ذلك شيء كثير جدا وعمل له ترسخانة عظيمة وطلب صناع آلات الحر ب من المدافع والقنابر والبنب والجلل والمكاحل واتخذ بها ايضا معامل البارود خلاف المعامل التي في البلد وأخذ جميع الحدادين والسباكين والنجارين فجمع الحديد المجلوب والرصاص والفحم الحطب حتى شحت جميع هذه الادوات لكونه كان يأخذ كل ما وجده منها وكذلك حطب القرطم والترمس والذرة لحرق قمام الجير والجبس للعمارة وأوقف الاعوان في كل جهة يحجزون المراكب التي تأتي من البلاد بالاحطاب يأخذونها ويجمعونها للطلب ويبيعون لانفسهم ما أحبوا ويأخذون الجعالات على ما يسمحون به أو يطلقونه لاربابه بالوسائط والشفاعات واحضر أناسا من القليونجية ونصارى الاروام وصناع المراكب فانشؤا له عدة حربية وغلايين وجعلوا بها مدافع وآلات حرب على هيئة مراكب الروم صرف عليها أموالا عظيمة ورتب بها عساكر وبحرية وأدر عليهم الجماكي والارزاق الكثيرة وجعل عليهم رئيسا كبيرا رجلا نصرانيا وهو الذي يقال له نقولا بنى له دارا عظيمة بالجيزة وأخرى بمصر وله عزوة وأتباع من نصارى الأروام المرتبين عسكرا وكان نقولا المذكور يركب الخيل ويلبس الملابس الفاخرة ويمشي في شوارع مصر راكبا وامامه وخلفه قواسة يوسعون له الطريق في مروره على هيئة ركوب الامراء كل ذلك خطرات من وساوسه لا يدري أحد لاي شيء هذا الاهتمام ولأي حاجة انفاق هذا المال في الخشب والحديد واعطاؤه لنصارى الاروام واختلفت آراء الناس في ذلك فمن قائل ان ذلك خوفا من خشداشينه وقائل من مخافة العثمانية كما تقدم في قضية حسن باشا والبعض يظن خلاف ذلك (2/446)
وليس غير الوهم والتخيل الفاسد والخوف شيء وبقيت آلات الحرب جميعها والبارود بحواصله والجلل والبنيات حتى أخذ جميعه الفرنسيس فيقال انه كان بحواصل الترسخانة من جنس الجلل احد عشر ألف جلة كذا نقل عن معلم الترسخانة أخذ جميع ذلك الفرنسيس يوم استيلائهم على الجيزة والقصر
ومما اتفق انه وقعت مشاجرة في بعض نصارى الاروام القليونجية وبعض السوقة بمصر القديمة فتعصب النصارى على أهل البلد وحاربوهم وقتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا وانتهت الشكوى الى الامير فطلب كبيرهم فعصى عليه وامتنع من مقابلته وعمر مدافع المراكب ووجهها جهة قصره فلم يسعه الا التغافل وراحت على من راح واستوزر رجلا بربريا وهو المسمى بابراهيم كتخدا السنارى وجعله كتخداه ومشيره وبلغ من العظمة ونفوذ الكلمة باقليم مصر ما لم يبلغه أعظم أمير بها وبنى له دارا بالناصرية واقتنى المماليك الحسان والسرارى البيض والحبوش والخدم وتعلم اللغة التركية والاوضاع الشيطانية واختص ذلك السنارى أيضا ببعض رعاع الناس وجعله كتخدا يأتمر بأمره ويتوصل به أعاظم الناس في قضاء أشغالهم ولما حصل لمراد بك الاقامة بالجيزة واختار السكن بها وزين له شيطانه العزلة عن خشداشينه وأقرانه وترك لابراهيم بك أمر الاحكام والدواوين ومقتضيات نواب السلطنة العثمانية مع كونه لا ينفذ أمرا دون رأيه ومشورته واحتجب هو عن الاجتماع بالناس بالكلية حتى عن الامراء الكبار من أقرانه كان السفير وبينهم وبينهم ابراهيم كتخدا المذكور فكان هو عبارة عنه وربما نقض القضايا التي انبرم أمرها عند ابراهيم بك أو غيره بنفسه او عن لسان مخدومه وأقام المترجم على عزلته بالبر الغربي نحو الست سنوات متوالية لايعدى الى البر الشرقي أبدا ولا يحضر الديوان ولا يتردد الى الاقران واذا حضر الباشا المولى على مصر ووصل الى بر انبابة ركب وسلم عليه مع الامراء ورجع الى قصره (2/447)
فلا يراه بعد ذلك ابدا وتعاظم في نفسه وتكبر على اقرانه وأبناء جنسه فتزاحمت على سدته الطلاب وتكالبت على جيفته الكلاب فانزوى من نبشهم وتوارى من نهشهم فاذا بلغه قدوم من يختشيه أو وصول من يرتجيه وكان يستحي من رده او يخشى عاقبة صده ركب في الحال وصعد الى الجبال وربما وصلة الغريم على غفلة فيجده قد شمع الفتلة فان صادفه واجتمع عليه اعطاه ما في يديه أو وعده بالخير أو وهبه ملك الغير فما يشعر الميسور الا ولقمته قد اختطفتها النسور
ثم أخذ يعبث بدواوين الاعشار والمكوسات والبهار فيحول عليهم الحوالات ويتابع لمماليكه ختم الوصولات فتجاذب هو وابراهيم بك ذلك الايراد وتعارضت أوراقهما وخافا في المعتاد ثم اصطلحا على أن تكون له الدواوين البحرية ولقسيمه ما يرد من الاصناف الحجازية وما انضاف الى قلم البهار وحسب في دفاتر التجار فانفرد كل منهما بوظيفته وفعل بها من الاجحاف ما سطر في صحيفته فاحدث المترجم ديوانا خاصا بنفر رشيد على الغلال التي تحمل الى بلاد الافرنج وسموه ديوان البدعة وأذن ببيع الغلال لمن يحملها الى بلاد الافرنج أو غيرها وجعل على كل اردب دينارا خلاف البراني والتزم بذلك رجل سراج من أعوانه الموصوفين بالجور وسكن برشيد وبقيت له بها وجاهة وكلمة نافذة فجمع من ذلك اموالا وايرادا عظيما وكانت هذه البدعة السيئة من أعظم اسباب قوة الفرنسيس وطمعهم في الاقليم المصري مع ما أضيف الى ذلك من أخذ أموالهم ونهب تجاراتهم وبضاعاتهم من غير ثمن واقتدى به أمراؤه وتناظروا في ذلك وفعل كل منهم ما وصلت اليه همته واستخرجته فطنته واختص بالسيد محمد كريم الاسكندري ورفع شأنه بين أقرانه فمهد له الامور بالثغر به وأجرى أحكامه به وفتح له باب المصادرات والغرامات ودله على مخبآت الامور وأخذ أموال التجار من المسلمين وأجناس الافرنج حتى تجسمت العداوة بين المصريين والفرنسيس وكان (2/448)
هو من اعظم الاسباب في تملك الفرنسيس للثغر كما ذكر ذلك في قتلته وذلك انه لما خرجت من مراكب الفرنساوية وعمارتهم لا يدري احد لاي جهة يقصدون تبعهم طائفة الانكليز الى الاسكندرية فلم يجدوهم وكانوا ذهبوا اولا الى جهة مالطه فوقف الانكليز قبالة الاسكندرية وأرسلوا قاصدهم الى الثغر يسالون عن خبر الفرنساوية فردهم المذكور ردا عنيفا فاخبروه الخبر على جليته وانهم اخصامهم وعلموا بخروجهم فاقتفوا أثرهم ونريد منكم أن تعطونا الماء والزاد بثمنه ونقف لهم على ظهر البحر فلا نمكنهم من العبور الى ثغركم فلم يقبل منهم ولم يأذن في تزويدهم فذهبوا ليتزدوا من بعض الثغور فما هو الا أن غابوا في البحر نحو الاربعة أيام الا والفرنسيس قد حضروا وكان ما كان
ومما سولت به نفس المترجم بارشاد بعض الفقهاء عمارة جامع عمرو ابن العاص وهو الجامع العتيق وذلك انه لما خرب هذا الجامع بخراب مدينة الفسطاط وبقيت تلالا وكيمانا وخصوصا ما قرب من ذلك الجامع ولم يبق بها بعض العمار الا ما كان من الاماكن التي على ساحل النيل وخربت في دولة القزدغلية وأيام حسن باشا لما سكنتها عساكره ولم يبق بساحل النيل الا بعض أماكن جهة دار النحاس وفم الخليج يسكنها اتباع الامراء ونصارى المكوس وبها بعض مساجد صغار يصلى بها السواحلية والنواتية وسكان تلك الخطة من القهوجية والباعة والجامع العتيق لا يصل اليه أحد لبعده وحصوله بين الاتربة والكيمان وكان فيما أدركنا الناس يصلون به آخر جمعة في رمضان فتجتمع به الناس على سبيل التسلي من القاهرة ومصر وبولاق وبعض الامراء ايضا والاعيان ويجتمع بصحبته أرباب الملاهي من الحواة والقراداتية وأهل الملاعيب والنساء الراقصات المعروفات بالغوازي فبطل ذلك ايضا من نحو ثلاثين سنة لهدمه وخراب ماحوله وسقوط سقفه واعمدته وميل شقته اليمنى بل وسقوطها بعد ذلك فحسن ببال المترجم هذه وتجديده بارشاد بعض (2/449)
الفقهاء ليرقع به دينه الخلق فاهتم لذلك وقيد به نديمه الحاج قاسم المعروف بالمصلي فجعله مباشرا على عمارته وصرف عليه اموالا عظيمة أخذها من غير حلها ووضعها في غير محلها وأقام أركانه وشيد بنيانه نصب اعمدته وكمل زخرفته وبني به منارتين وجدد جميع سقفه بالخشب النقي وبيضه جميعه فتم على أحسن ما يكون وفرشه بالحصر الفيومي وعلق به القناديل وحصلت به الجمعية آخر جمعة برمضان سنة اثنتي عشرة ومائتين والف فحضر الامراء والاعيان والمشايخ واكبر الناس وعامتهم وبعد انقضاء الصلاة عقد له الشيخ عبد الله الشرقاوي مجلسا وأملى حديث من بني لله مسجدا وآية انما يعمر مساجد الله وعند فراغه ألبس فروة من السمور وكذلك الخطيب فلما حضرت الفرنساوية في العام القابل جرى عليه ما جرى على غيره من الهدم والتخريب وأخذ أخشابه حتى اصبح بلقعا أشوه مما كان فياليتها لم تتصدق وبالجملة فمناقب المترجم لا تحصى وأوصافه لا تستقصى وهو كان من أعظم الاسباب في خراب الاقليم المصري بما تجدد منه ومن مماليكه واتباعه من الجور والتهور ومسامحته لهم فلعل الهم يزول بزواله
ومات الامير حسن بك الجداوي مملوك علي بك وهو من خشداشين محمد بك أبي الذهب مات بغزة بالطاعون وكان من الشجعان الموصوفين والابطال المعروفين ولما انفرد علي بك بمملكة مصر ولاه امارة جدة فلذلك لقب بالجداوي وذلك سنة اربع وثمانين ومائة والف وابتلى فيها بأمور ظهرت بها شجاعته وعرفت فروسيته ولذلك خير يطول شرحه ولما حصلت الوحشة بين اسمعيل بك والمحمديين كان المترجم ممن نافق معه وعضده هو وخشداشينه رضوان بك وعبد الرحمن بك وكانت لهم الغلبة ونما أمره عند ذلك وظهر شأنه بعد ان كان خمل ذكره وهو الذي تجاسر على قتل يوسف بك في بيته بين مماليكه وعزوته ثم خامر على اسمعيل بك وانقلب مع المحمديين عندما خرج لمحاربتهم بالصعيد فخادعوه وراسلوه (2/450)
وانضم اليهم بمن معه ورجعوا الى مصر وفر اسمعيل بك بمن معه الى الشام واستقر هو وخداشينه في مملكة مصر مشاركين لهم مظهرين عليهم الشمم طامعين في خلوص الامر لهم متوقعين بهم الفرصة مع التهور الموجب لتحذر الآخرين منهم الى ان استعجلوا اشعال نار الحرب فجرى ما جرى بينهم من الحروب والمحاصرة بالمدينة وانجلت عن خذلانهم وهزيمتهم وظهور المحمديين عليهم وقتل بها عدة من أعيانهم ومواليهم ومن انضم اليهم وربما عوقب من لا جناية له كما سطر ذلك في محله وفر المترجم مع بعض من بقى من عشيرته الى القليونجية فقبض عليه وأتى به اتى مصر ففر الى بولاق بمفرده والتجأ الى بيت الشيخ الدمنهوري فأحاط به العساكر فنط من سطح الدار وخلص الى الزقاق وسيفه مشهور في يده فصادف جنديا فقتله وأخذ فرسه فركبه وفر والعساكر خلفه تريد أخذه وتتلاحق به من كل جهة وهو يراوغهم ويقاتلهم حتى خلص الى بيت ابراهيم بك فأمنه واتفقوا على ارساله الى جدة فلما أقلع به في القلزم أمر رئيس المركب ان يذهب به الى القصير وخوفه القتل ان لم يفعل فذهب به الى القصير فتوجه منها الى اسنا وعلمت به عشيرته وخشداشينه ومماليكه فتلاقوا به واستقر أمرهم بها بعد وقائع يطول شرحها فأقام نيفا وعشر سنين حتى رجع اليهم اسمعيل بك بعد غيبته الطويلة وانضم اليهم واصطلح معهم الى أن كان ما كان من وصول حسن باشا الى الديار المصرية واخراج المحمديين وادخاله للمذكور مع اسمعيل بك ورضوان بك واتباعهم وتأميرهم بمصر واستقرارهم بها بعد رجوع حسن باشا الى بلاده ووقوع الطاعون الذي مات به اسمعيل بك ورضوان بك وغيرهم من الامراء فاستقل بمن بقي من الامراء وفعل معهم من التهور والحمق الشر ما أوجب لهم بغض النعيم والحياة معه وخامر عليه من كان يأمن اليه فلم يسعه ومن معه الا الفرار ورضى ذاك لنفسه بالذل والعار ودخلت المحمديون الى مصر المحميةواستقر هو كما (2/451)
كان بالجهة القبلي فأقام على ذلك سبع سنين وبعض أشهر الى ان وقعت حادثة الفرنسيس واستولوا على الاقليم المصري وحضرت العساكر بصحبة الوزير يوسف باشا ووقع ما وقع من الصلح ونقضه وانحصر المترجم مع من انحصر بالمدينة من المصرلية والعثمانية فقاتل وجاهد وأبلى بلاء حسنا شهد له بالشجاعة والاقدام كل من العثمانية والفرنساوية والمصرلية فلما انفصل الامر وخرجوا الى الجهة الشامية لم يزل محرصا ومرابطا ومجتهدا حتى مات بالطاعون في هذه السنة وفاز بالشهادتين وقدم على كريم يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وامراؤه الموجودون الان عثمان بك المعروف بالحسيني واحمد بك امره الوزير عوضا عن استاذه
ومات الامير عثمان بك المعروف بطبل وهو من مماليك اسمعيل بك أمره في سنة اثنتين وتسعين ثم خرج مع سيده وتغرب معه في غيبته الطويلة فلما رجع الى مصر في أيام حسن باشا تولى امارة الحج في سنة خمس ومائتين والف وكان سيده يقدمه على أقرانه ويظن به النجاح ولما طعن وعلم انه مفارق الدنيا أحضره وأوصاه وحذره من اعدائه وقال له اني حصنت لك مصر وسورتها وصيترها بحيث تملكها بنت عمياء فلما مات سيده تشوق للإمارة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار فلم يرض كل منهما بالاخر وتخوفا من بعضهما فاتفق رأيهما على تأمير عثمان بك المذكور كبيرا عوضا عن سيده وسكن داره وعقدوا الدواوين عنده فنزل عن امارة الحج لحسن بك تابع حسن بك قصبة رضوان واشتغل هو بأمور الدولة ومشيخة مصر فلم يفلح وخامر مع أخصامه وأخصام سيده والتف عليهم سرا وصدق تمويهاتهم وخذل نفسه ودولته وذلك غيظا من حسن بك كما سبقت اليه الاشارة وكل من حسن بك وعثمان بك الجداوي وعلي بك الدفتردار يتخوف نفاق صاحبه لتكرر ذلك منهما في الوقائع السابقة وانحراف طبع كل عن صداقة الآخر الباطنية ولم (2/452)
يخطر ببالهما بل ولا ببال أحد من المجانين فضلا عن العقلاء ركون المشار اليه الى أعدائه وأعداء سيده العداوة الموروثة فكانا كلما شرعا في تدبير شيء من مكايد الحرب تبطهما واقعدهما وهما يظنان نصحه ويعتقدان خلوصه ومعرفته ولكونه تعلم سياسة الحروب من سيده لكثرة تجاربه وسياحته ولم يعلما أنه يمهد لنفسه طريقا مع الاعداء الى ان كان ماكان من مساعدته لهم بالتغافل والتقاعد حتى تحولوا الى الجهة الشرقية خلص اليهم بمن انضم اليه من عشيرته فلم يسع الباقين الا الهرب واسلم هو نفسه لاعدائه فأظهروا له المحبة وولوه امارة الحج حكم عهدهم بذلك وأن تكون له امارة الحج ما دام حيا فخرج في تلك السنة اميرا على الحج اعنى سنة ست ومائتين والف وكذلك سنة سبع ونهب الحج في تلك السنة وفر المترجم الى غزة فصودرت زوجاته واقتسمت اقطاعه ورجع بعد حين الى مصر وأهمل أمره واقام بطالا واستمر كآحاد الطائفة من الاجناد ويغدو ويروح اليهم ويرجو رفدهم الى ان حدثت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج الى الشام ولم يزل هناك حتى مات بالطاعون في السنة المذكورة وكان دائما يقول عند تذكره الدولة والنعيم ذلك تقدير العزيز العليم
ومات الامير عثمان بك المعروف بالشرقاوي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب ايضا الكبار وتأمر في أيامه وعرف بالشرقاوي لكونه تول الشرقية ووقع منه ظلم وجبروت بعد موت أستاذه وصادر كثيرا من الناس في أموالهم ثم انكف عن ذلك وزعم ان ذلك كان باغراء مقدمة فشهره وقتله ولم يزل في امارته حتى مات في الشام بالطاعون
ومات ايوب بك الكبير وهو ايضا من مماليك محمد بك وكان من خيارهم يغلب عليه حب الخير والسكون ويدفع الحق لاربابه وتأمر على الحج وشكرت سيرته واقتنى كتبا نفيسة واستكتب الكثير من المصاحف والكتب بالخطوط المنسوبة وكان لين الجانب مهذب النفس بحب أهل (2/453)
الفضائل ذا ثروة عزوة وعفة لا يعرف الا الجد ويجتنب الهزل ويلوم ويعترض على خشداشينه في أفعالهم ولا يعجبه سولكهم ولا يهمل حقا توجه عليه واذا ساوم شيئا وقال له البائع هذا بعشرة يقول له بل هو بخمسة مثلا وهذا ثمنها حالا وقد يكون ذلك رأس مالها أو بزيادة قليلة ويرضي البائع بذلك ويقبض الثمن في المجلس وهكذا كان شانه وطريقته
ومات الامير مصطفى بك الكبير وهو ايضا من مماليك محمد بك تولى الصعيد وامارة الحج عدة مرار وكان فظا غليظا متمولا بخيلا شحيحا وفي امارته على الحج ترك زيارة المدينة لخوفه من العرب وشحه بعوائدهم وقلة اعتنائه بشعائر الدين وانتقد ذلك على المصريين من الدولة وغيرها وكان ذلك من أعظم ما اجترحه من القبائح
ومات الامير سليمان بك المعروف بالاغا توفي بأسيوط بالطاعون وهو ايضا من مماليك محمد بك الكبير وهو أخو ابراهيم بك المعروف بالوالي صهر ابراهيم بك الكبير وهو الذي مات غريقا في وقعة الفرنسيس الاولى بانبابة مدبرا فارا فسقط في البحر وغرق وكان هو وأخوه المترجم قبل تقلدهما الصنجقية أحدهما والي الشرطة والآخر آغات مستحفظان فلم يزالا يلقبان بذلك حتى ماتا وكان المترجم محبا لجمع المال وله أفطاع واسعة وخصوصا بجهة قبلي وفي آخر أمره استوطن اسيوط لانها كانت في اقطاعه وبنى بها قصرا عظيما وانشأ بعض بساتين وسواقي واقتنى أبقارا وأغناما كثيرة ومما اتفق له انه جز صوف الاغنام وكانت اكثر من عشرة آلاف ثم وزعه على الفلاحين وسخرهم في غزله بعد أن وزنه عليهم ثم وزعه على القزازين فنسجوه اكسيه ثم جمع التجار وباعه عليهم بزيادة عن السعر الحاضر فبلغ ذلك مبلغا عظيما
ومات الامير قائد أغا وهو من مماليك محمد بك ايضا وكان يلقب أيام كشوفيته بقائد نار لظلمه وتجبره وولى أغات مستحفظان في سنة ثمان (2/454)
وتسعين ومائة وألف فأخاف العامة وكان يتنكر ويتزيا باشكال مختلفة ويتجسس على الناس وذلك أيام خروج ابراهيم بك الى قبلي ووحشته من مراد بك وانفراد مراد بك بأمارة مصر فلما تصالحا ورجع ابراهيم بك رد الاغاوية لعلي أغا فحنق المترجم لذلك وقلق قلقا عظيما وترامى على الامراء وصار يقول ان لم يردوا لي منصبي قتلت علي أغا او قتلت نفسي فلما حصل منه ذلك عزلوا علي أغا وقلدوا سليم آغا امين البحرين أغاوية مستحفظان ولم يبلغ غرضه ولم ترض نفسه بالخمول وأكثر عنده من الاعوان والاتباع فيحضرون بين يديه الشكاوى والدعاوى ويضرب الناس ويحبسهم ويصادرهم في أموالهم ويركب وبين يديه العدة الوافرة من القواسة والخدم يحملون بين يديه الحراب والقرابين والبنادق وخلفه الكثير من الاجناد والمماليك واتخذ له جلساء وندماء يباسطونه ويضاحكونه ولم يزل كذلك حتى خرج مع عشيرته الى الصعيد عند حضور حسن باشا فاستولى على كثير من حصص الاقطاع فلما رجعوا في أواخر سنة خمس بعد المائتين سكن دار جوهر أغا دار السعادة سابقا بالخرنقش وقد كان مات في الطاعون وتزوج سريته قهرا واستكثر من المماليك والجند وتاقت نفسه للامارة وتشوف الى الصنجقية وسخط على زمانه والامراء الذين لم يلبوا دعوته ولم يبلغوه أمنيته وصارت جلساؤه وندماؤه لا يخاطبونه الا بالامارة ويقولون له يا بك ويكره من يخاطبه بدون ذلك وكان له من الاولاد الذكور اثنا عشر ولدا لصلبه يركبون الخيول ماتوا في حياته وكان له أخ من أقبح خلق الله في الظلم اتخذ له اعوانا واتباعا وليس عنده ما يكفيهم فكان يخطف كل ما مر بخطته بباب الشعرية من قمح وتبن وشعير وغير ذلك ولا يدفع له ثمنا هلك قبله بنحو ست سنين بناحية قبلي وأتوا بجيفته الى مصر مقرفصا ودفن بمدفن أخيه بتربة المجاورين ومن جملة أفاعيله القبيحة انه كان يجر سيفه ويضرب رقاب الحمير ويزعم انه يقطعها في ضربة واحدة ولم يزل المترجم أخوه على حالته حتى خرج (2/455)
من مصر عند مجيء الفرنسيس وعاد بصحبة عرضي العثملي ومات قاسم بك مع من مات من الامراء والصناجق بالشام فقلده الوزير الصنجيقة فيمن تقلد وأدرك أمنيته فأقام قليلا وهلك فيمن هلك بالطاعون فكان كما قال القائل كالمتمني أن يرى فلقا من الصباح فلما أن رآه عمي
ومات ايضا حسن كاشف المعروف بجركس وهو ايضا من مماليك محمد بك واشراق عثمان بك الشرقاوي وكان من الفراعنة وهو الذي عمر الدار العظيمة بالناصرية وصرف عليها اموالا عظيمة فما هو الا ان تممم بناءها ولم يكمل بياضها حتى وصلت الفرنسيس فسكنها الفلكيون والمدبرون وأهل الحكمة والمهندسون فلذلك صينت من الخراب كما وقع بغيرها من الدور لكون عسكرهم لم يسكنوا بها وتقلد المذكور الصنجقية بالشام ايضا ثم هلك بالطاعون
ومات الامير حسن كتخدا المعروف بالجربان بالشام ايضا وأصله من مماليك حسن بك الازبكاوي وكان ممتهنا في المماليك فسموه بالجربان لذلك فلما قتل استاذه بقى هو لا يملك شيئا فجلس بحانوت جهة الازبكية يبيع فيها تنباكا وصابونا ثم سافر الى المنصورة فأقام بها مدة تحت قصر محمود جربجي ثم رجع الى مصر في أيام دولة علي بك وتنقلت به الاحوال فأنعم عليه علي بك بامرية بناحية قبلي فلما حصلت الوحشة بين علي بك ومحمد بك وخرج محمد بك من مصر الى قبلي خرج اليه المترجم ولاقاه وقدم بين يديه ما كان عنده من الخيام واليرق والخيول وانضم اليه ولم يزل حتى تملك محمد بك واستوزر اسمعيل أغا الجلفي وكان يبغض المترجم لامور بينهما فلم يزل حتى أوغر عليه صدر مخدومه وادى به الحال الى الاقصاء والبعد الى ان انضم الى مراد بك وتقرب منه وكان مفوها لينا مشاركا قد حنكته الايام والتجارب فجعله كتخدا ووزيره واشتهر ذكره وعمر دارا بناحية باب اللوق بالقرب من غيظ الطواشي وصار من الاعيان المعدودين وقصدته ارباب الحاجات واحتجب (2/456)
في غالب الاوقات واتحد به محمد اغا البارودي فقربه من مراد بك وبلغ الى ما بلغ معه وكان يعترى المترجم مرض شبيه بالصرع ينقطع به اياما عن السعي والركوب ولم يزل حتى مات مع من مات بالشام
ومات الامير قاسم بك المعروف بالموسقو وكان من مماليك ابراهيم بك وكان لين الجانب قليل الاذى الا انه كان شيخا لا يدفع حقا توجه عليه ولما مات خشداشه حسن بك الطحطاوي تزوج بزوجته وشرع في بناء السبيل المجاور لبيته بحارة قوصون بالقرب من الداودية فما قرب اتمامه الا وقد قدمت الفرنسيس لمصر فخربوه وشعثوا بنيانه وخرقوا حيطانه وأخذوا عواميده وبقى على حالته مثل ما فعلوه بدور تلك الخطة وغيرها ومات ايضا المترجم بالشام
ومات علي آغا كتخدا الجاويشية وهو من مماليك الدمياطي ونسب الى محمد بك وأخيه ابراهيم بك ورقاه واختص به وولاه آغات مستحفظان في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف لم يزل الى سنة ثمان وتسعين فخرج مع ابراهيم بك الى المنية عندما تغاضب مع مراد بك فلما تصالحا قلد الاغاوية كما كان فحنق قائد آغا وكان ما كان من عزله وولاية سليم اغا كما سبق الالماع بذلك عند ذكر قائد أغا ثم تقلد كتخدا الجاويشية في سنة ست ومائتين وألف ولم يزل متقلدا ذلك حتىخرج مع من خرج في حادثة الفرنسيس وكان ذا مال وثروة مع مزيد شح وبخل واشترى دار عبد الرحمن كتخدا القازدغلي العظيمة التي بحارة عابدين وسكنها وليس له ن المآثر الا السبيل والكتاب الذي أنشأه بجوار داره الاخرى بدرب الحجر وهو من أحسن المباني وقد حماه الله من تخريب الفرنسيس وهو باق الى يومنا هذا ببهجته ورونقه
ومات الامير يحيى كاشف الكبير وهو من مماليك ابراهيم بك الاقدمين وكان لطيف الطباع حسن الاوضاع وعنده ذوق وتودد عطارديا يحب الرسومات والنقوش والتصاوير والاشكال ودقائق الصناعات والكتب (2/457)
المشتملة على ذلك مثل كليلة ودمنه والنوادر والامثال واهتم في بناء السبيل المجاور لداره بخطة عابدين فرسم شكله قبل الشروع فيه في قرطاس بمعونة الاسطا حسن الخياط ثم سافر الى الاسكندرية وأحضر ما يحتاجه من الرخام والاعمدة المرمر الكبيرة والصغيرة وأنواع الاخشاب وحفر اساسه واحكم وضعه واستدعى الصناع والمرخمين فتانقوا في صناعته ونقش رخامه على الرسم الذي رسمه لهم كل ذلك بالحفر بالآلات في الرخام وموهوه بالذهب فما هو الا ان ارتفع بنيانه وتشيدت اركانه وظهر للعيان حسن قالبه وكاد يتم ما قصده من حسن مآربه حتى وقعت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج قبل اتمامه وبقى على حالته الى الآن ولما خرج سكن داره برطلمين واستخرج مخباة بين داره والسبيل فيها ذخائره ومتاعه فاوصلها للفرنسيس
ومات الامير رشوان كاشف وهو من مماليك مراد بك وكان له أقطاع بالفيوم فكان معظم اقامته بها فاحتكر الورد وما يخرج من مائه والخل المتخذ من العنب والخيش واتجر في هذه البضائع بمراده واختياره وتحكم في الاقليم تحكم الملاك في املاكهم وعبيدهم وذلك قوة واقتدار
ومات الامير سليم كاشف باسيوط مطعونا وهو من مماليك عثمان بك المعروف بالجرجاوي من البيوت القديمة وخشداش عبد الرحمن بك عثمان المتوفي في سنة خمس ومائتين وألف بالطاعون الذي مات به اسمعيل بك وخلافه وتزوج ابنته بعد موته وكان ملتزما بحصة من اسيوط وشرق الناصري واستوطن باسيوط وبنى بها دارا عظيمة وعدة دور صغار وانشأ بها عدة بساتين وغرس بها وبشرق الناصري اشجارا كثيرة وعمر عدة قناطر وحفر ترعا وصنع جسورا واسبلة في مفاوز الطرق وانشأ دارا بمصر بالمناخلية بسوق الانماطيين واشترى دارا جليلة كانت لسليمان بك المعروف بابي نبوت بحارة عابدين وعمرها وزخرفها وانشأ باسيوط جامعا عظيما ومكتبا فما هو الا أن أكمل بنيانه حتى قدمت الفرنسيس (2/458)
فاتخدوه سجنا يسجنون به ثم لما قابل المذكور الفرنسيس وامنوه أخذ في اصلاح ما تشعث من البناء وتقيم العمارة ولم يساعده الوقت اذ ذاك لقلة الاخشاب وآلات البناء فاشتغل بذلك على قدر طاقته فلما فرغ البناء وقارب التمام ولم يبق الا اليسير وقع الطاعون باسيوط فمات والمسجد باق على ما هو عليه الآن وهو من المباني العظيمة المزخرفة على هيئة مساجد مصر وكان المذكور ذا بأس وشدة واقدام وشجاعةوتهور مشابه لحسن بك الجداوي في هذه الفعال وموائده مبسوطة وطعامه مبذول وداره باسيوط مقصدا للوارد والقاصد والصادر من الامراء وغيرهم وله اغداقات وصدقات وانواع من البر ومحبة في العمارة وغراس الاشجار واقتناء الانعام وكان متزوجا بثلاث زوجات احداهن ابنة سيده عثمان بك توفيت بعصمته والثانية ابنة خشداشه عبد الرحمن المذكور آنفا والثالثةزوجة علي كاشف المعروف بجمال الدين وكان ذا بأس وله صولة وظلم وتجاوز على سفك الدماء فبذلك خافته عرب الناحية وأهل القرى وقاتل العرب مرارا وقتل منهم الكثير وبسكناه باسيوط كثرت عمارتها وأمنت طرقها برا وبحرا واستوطنها الكثير من الناس لحمايتهم وعدم صولة احد على أهلها وله مهاداة مع الامراء المصرية وأرباب الحل والعقد بها والمتكلمين عندهم فيرسل اليهم الغلال والعبيد والجوراي السود والطواشية وغير ذلك وله عدة مماليك بيض وسود أعتق كثيرا من جملتهم عزيرتا الامير أحمد كاشف المعروف بالشعراوي رقيق حواشي الطبع مهذب الاخلاق ذو فروسية في ركوب الخيل ومحبة في العلماء واللطفاء وهو من جملة محاسن سيده
ومات كل من الامير باكير بك والامير محمد بك تابع حسين بك كشكش كلاهما بالشام ومات غير هؤلاء ممن لم تحضرني اسماؤهم
واستهلت سنة ست عشرة ومائتين وألف بيوم الخميس
وباستهلالها خف امر الطاعون وفي ليلة الجمعة تلك ارسل عبد العال (2/459)
الاغا احضر الشيخ محمد الامير ليلا الى منزله فبيته عنده ولما أصبح النهار طلع به الى القلعة وحبسه عند المشايخ بجامع سارية والسبب في ذلك ان ولد الشيخ المذكور كان من جملة من يستحث الناس على قتال الفرنسيس في الواقعة السابقة بمصر فلما انقضت هرب الى جهة بحرىثم حضر بعد مدة الى مصر فأقام اياما ثم رجع الى قوة بأذن من الفرنسيس فلما حصلت هذه الحركة وتحذروا شدة التحذر وآخذوا الناس بأدنى شبهة وتقرب اليهم المنافقون بالتجسس والاغراء ذكر بعضهم ذلك لقائمقام وادخل في مسامعه ان ابن الشيخ المذكور ذهب الى عرضي الوزير والتف عليهم فأرسل قائممقام الى الشيخ قبل تاريخه فلما حضر سأله عن ولده المذكور فأخبره ان مقيم بفوة فقال له لم يكن هناك وانما هو عند القادمين قال له لم يكن ذلك وان شئتم أرسلت اليه بالحضور فقال له ارسل اليه وأحضره فقام من عنده على ذلك وأمهله ثمانية ايام مدة مسافة الذهاب والمجيء ثم خاطبه على لسان وكيل الديوان ايضا بحضوره أو حضور الجواب بعد يومين واعتذر بعدم أمن الطريق فلما انقضى اليومان أمروا عبد العال بطلبه واصعاده الى القلعة ففعل
وفيه حضر جملة من عساكر الفرنساوية من جهة بحري وتواترت الاخبار بوصول القادمين من الانكليز والعثمانية الى الرحمانية وتملكهم القلعة وما بالقرب منها من الحصون الكائنة بالعطف وغيره وذلك يوم السبت خامس عشرين الحجة
وفيه حضرت زوجة سارى عسكر كبير الفرنسيس بصحبة أخيها السيد علي الرشيدي أحد أعضاء الديوان وكان خرج بها من رشيد حين ما ملكها القادمون ونزل بها في مركب وأرسى بها قبالة الرحمانية فلما حصلت واقعة الرحمانية وأخذت قلعتها حضر بها الى مصر بعد مشقة وخوف من العربان وقطاع الطريق وغير ذلك فأقامت هي وأخوها (2/460)
ببيت الالفي بالازبكية نحو ثلاثة ايام ثم صعدا الى القلعة
وفيه قربت العساكر القادمة من الجهة الشرقية وحضرت طوالعهم الى القليوبية والمنير والخانكة لاخذ الكلف فتأهب قائمقام بليار للقائهم وامر العساكر بالخروج من أول الليل ثم خرج هو في آخر الليل فلما كان يوم الاحد رابعه رجع قائمقام ومن معه ووقع بينه وبينهم مناوشة فلم يثبت الفرنسيس لقلتهم ورجعوا مهزومين وكتموا امرهم ولم يذكروا شيئا
وفي خامسه رفعوا الطلب عن الناس بباقي نصف المليون وأظهروا الرفق بالناس والسرور بهم لعدم قيامهم عند خروجهم للحرب وخلوا البلدة منهم وكانوا يظنون منهم غير ذلك
وفيه أخذت جملة من عدد الطواحين وأصعدت الى القلعة واكثروا من نقل الماء والدقيق والاقوات اليها وكذلك البارود والكبريت والجلل والقنابر والبنب ونقلوا ما في الاسوار والبيوت من الامتعة والفرش والاسرة وحملوه اليها ولم يبقوا بالقلاع الصغار الا مهمات الحرب
وفيه طلبوا الزياتين وألزموهم بمائتي قنطار شيرج وسمروا جملة من حوانيتهم وخرج جماعة من الجزارين لشراء الغنم من القرى القريبة فقبض عليهم عسارك العثمانية القادمة ومنعوهم من العود بالغنم والبقر وكذلك منعوا الفلاحين الذين يجلبون الميرة والاقوات الى المدينة فانقطع الوارد من الجهات البحرية والقليوبية وعزت الاقوات وشحح اللحم والسمن جدا واغلقت حوانيت الجزارين واجتهد الفرنساوية في وضع متاريس خارج البلد من الجهة الشرقية والبحرية وحفروا خنادق وطلبوا الفعلة للعمل فكانوا يقبضون على كل من وجدوه ويسوقونهم للعمل وكذلك فعلوا بجهة القرافة والقوا الاحجار العظيمة والمراكب ببحر انبابة لتمنع المراكب من العبور وابتدؤا المتاريس البحرية من باب الحديد ممدودة الى قنطرة الليمون الى قصر افرنج أحمد الى السبتية (2/461)
الى مجرى البحر
وفي ثامنه بعث قائمقام بليار فأحضر التجار وعظماء الناس وسالهم عن سبب غلق الحوانيت فقالوا له من وقف الحال والكساد الجلاء والموت فقال لهم من كان موجودا حاضرا فألزموه بفتح حانوته والا فاخبروني عنه ونزلت الحكام فنادت بفتح الحوانيت والبيع والشراء
وفي عاشره شرعوا في هدم جانب من الجيزة من الجهة البحرية وقربت عساكر الانكليز القادمة من البر الغربي الى البلد المسماة بنادر عند رأس ترعة الفرعونية
وفيه تواترت الاخبار بأن العساكر الشرقية وصلت أوائلها الى بنها وطحلا بساحل النيل وان طائفة من الانكليز رجعوا الى جهة الاسكندرية وان الحرب قائم بها وأن الفرنساوية محصورون بداخل الاسكندرية والانكليز ومن معهم من العساكر يحاربون من خارج وهي في غاية المنعة والتحصين وان الانكليز بعد قدومهم وطلوعهم الى البر ومحاربتهم لهم المرات السابقة أطلقوا الحبوس عن المياه السائلة من البحر المالح منه الى الجسر المقطوع حتى سالت المياه وعمت الاراضي المحيطة بالاسكندرية وأغرقت اطيانا كثيرة وبلادا ومزارع وانهم قعدوا في الاماكن التي يمكن الفرنسيس النفوذ منها بحيث انهم قطعوا عليهم الطرق من كل ناحية
وفي ثاني عشرة نزلت امرأة من القلعة بمتاعها واختفت بمصر فأحضر الفرنسيس حكام الشرطة والزموهم باحضارها وهذه المرأة اسمها هوى كانت زوجة لبعض الامراء الكشاف ثم انها خرجت عن طورها وتزوجت نقولا وأقامت معه مدة فلما حدثت هذه الحوادث جمعت ثيابها واحتالت حتى نزلت من القلعة هي على حمار ومتاعها محمول على حمار آخر فنزلت عند بعض العطف واعطت المكارية الاجرة وصرفتهم من خارج (2/462)
واختف فلما وقع عليها التفتيش وأحضروا المكارية قالوا لانعلم غير المكان الذي أنزلناها به وأعطتنا الاجرة عنده فشددوا على المكارية ومنعوهم من السروح وقبضوا على أهل الحارة وحبسوهم ثم احضروا مشايخ الحارات وشددوا عليهم وعلى سكان الدور واعلموهم انه ان وجدت المرأة في حارة من الحارات ولم يخبروا عنها نهبوا جميع دور الحارة وعاقبوا سكانها فحصل للناس غاية الضجر والقلق بسبب اختفائها وتفتيش أصحاب الشرطة وخصوصا عبد العال فانه كان يتنكر ويلبس زي النساء ويدخل البيوت بحجة التفتيش عليها فيزعج ارباب البيوت والنساء ويأخذ منهن مصالح ومصاغا ويفعل مالا خير فيه ولا يخشى خالقا ولا مخلوقا
وفي خامس عشره قبضوا على ألطون ابي طاقية النصراني القبطي وحبسوه بالقلعة والزموه بمبلغ دراهم تأخرت عليه من حساب البلاد
وفي سادس عشره أفرجوا عن محمد أفندي يوسف ونزل الى بيته وكذلك الشيخ مصطفىالصاوي لمرضه
وفيه انقضت دعوة تهمة الشيخ خليل البكري ومحصلها ان خادم مملوكه ذهب عن لسان المملوك الى بليار قائمقام وأخبره انه وصل الى استاذه الشيخ خليل البكري المذكور فرمان من عرضي الوزير بالامان وكان هذا باغراء عبد العال ليوقعه في الوبال ويحرك عليه الفرنسيس لحزازة بينه وبينه فلما حضر الشيخ خليل على عادته عند قائمقام سأله عن ذلك فجحده فأحضروا الخادم الذي بلغ ذلك فصدق على ذلك واسند الى المملوك سيده فأحضروا المملوك وسألوه فقال نعم فقالوا له وأين الفرمان فقال قرأه وقطعه فقال الفرنساوية وكيف يقطعه هذا دليل الكذب لانه لا يصح أن يتلقاه بالقبول ثم يقطعه فقيل له ومن أتى به قال فلان فألزموا الشيخ بأحضار ذلك الرجل وحبس المملوك عند عبد العال يومين وحضر الرجل فسألوه فجمد ولم يثبت عليه وظهر (2/463)
كذب الغلام والخادم فعند ذلك طلب الشيخ غلامه فقال قائمقام ان قصاصه في شريعتنا ان يقطع لسانه فتشفع فيه سيده وأخذه بعد أمور وكلام قبيح قاله الغلام في حق سيده
وفيه حضر حسين كاشف اليهودي الى قائمقام واخبره ان الامراء الذين بالصعيد خرجوا عن طاعة الفرنساوية وردوا مكاتبتهم التي أرسلوها لهم بعد موت مراد بك وانهم مروا وتوجهوا الى بحري من البر الغربي وعثمان بك الاشقر ذهب من خلف الجبل الى جهة الشرق فلما حصل ذلك ركب قائمقام وذهب للست نفيسة وأمنها وطيب خاطرها وأخبرها انها في أمان هي وجميع نساء الامراء والكشاف والاجناد ولا مؤاخذة عليهم بما فعله رجالهن
وفي عشرينه توكل رجل قبطي يقال له عبد الله من طرف يعقوب بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس فتعدى على بعض الاعيان وأنزلهم من على دوابهم وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسأل دمه فتشكى الناس من ذلك القبطي وأنهوا شكواهم الى بليار قائمقام فأمر بالقبض على ذلك القبطي وحبسه بالقلعة ثم فردوا على كل حارة رجلين يأتي بهما شيخ الحارة وتدفع لهما اجرة من شيخ الحارة
وفيه وردت الاخبار بان الوزير وصل دجوة
وفي يوم الاثنين سمع عدة مدافع على بعد وقت الضحوة
وفي ذلك اليوم قبل العصر طلبوا مشايخ الديوان فاجتمعوا بالديوان وحضر الوكيل والترجمان وطلبهم للحضور الى قائمقام فلما حصلوا عنده قال لهم على لسان الترجمان نخبركم أن الخصم قد قرب منا ونرجوكم أن تكونوا على عهدكم مع الفرنساوية وأن تنصحوا أهل البلد والرعية بان يكونوا مستمرين على سكونهم وهدوهم ولا يتداخلوا في الشر والشغب فان الرعية بمنزلة الولد وأنتم بمنزلة الوالد والواجب على الوالد نصح ولده وتأديبه وتدريبه على الطريق المستقيم التي يكون (2/464)
فيها الخير والصلاح فإنهم ان داموا على الهدو حصل لهم الخير ونجوا من كل شر وان حصل منهم خلاف ذلك نزلت عليهم النار وأحرقت دورهم ونهبت أموالهم ومتاعهم ويتمت اولادهم وسبيت نساؤهم والزموا بالأموال والفرد التي لا طاقة لهم بها فقد رأيتم ما حصل في الوقائع السابقة فأحذروا من ذلك فإنهم لا يدرون العاقبة ولا نكلفكم المساعدة لنا ولا المعاونة لحرب عدونا وانما نطلب منكم السكون والهدو لا غير فأجابوه بالسمع والطاعة وقولهم كذلك وقرىء عليهم ورقة بمعنى ذلك وأمروا الاغا واصحاب الشرطة بالمناداة على الناس بذلك وأنهم ربما سمعوا ضرب مدافع جهة الجيزة فلا ينزعجوا من ذلك فانه شنك وعيد لبعض أكابرهم وأن يجتمع من الغد بالديوان الاعيان والتجار وكبار الاخطاط ومشايخ الحارات ويتلى عليهم ذلك فلما كان ضحوة يوم الثلاثاء اجتمعوا كما ذكر وحصلت الوصية والتحذير وانتهى المجلس وذهبوا الى محلاتهم
وفي ذلك اليوم اشيع حضور الوزير الى شلقان وكذلك عساكر الانكليز بالناحية الغربية وصلوا الى أول الوراريق
وفي يوم الجمعة غايته اجتمع المشايخ والوكيل بالديوان على العادة وحضر استوف الخازندار وترجم عنه رفاييل بقوله انه يثنى على كل من القاضي والشيخ اسمعيل الزرقاني باعتنائهما فيما يتعلق بأمر المواريث وبيت المال والمصالح على التركات المختومة لان الفرنساوية لم يبق لهم من الايراد الا ما يتحصل من ذلك والقصد الإعتناء ايضا بأمر البلاد والحصص التي انحلت بموت أربابها فلازم ايضا من المصالحة والحلوان والمهلة في ذلك ثمانية ايام فمن لم يصالح على الالتزام الذي له فيه شبهة في تلك المدة ضبطت حصته ولا يقبل له عذر بعد ذلك واعلموا أن أرض مصر استقر ملكها للفرنساوية فلازم من اعتقادكم ذلك وأركزوه في أذهانكم كما تعتقدون وحدانية الله تعالى ولا يغرنكم هؤلاء القادمون (2/465)
وقربهم فانه لا يخرج من أيديهم شيء أبدا وهؤلاء الانكليز ناس خوارج حرامية وصناعتهم القاء العداوة والفتن والعثملي مغتربهم فان الفرنساوية كانت من الاحباب الخلص للعثملي فلم يزالوا حتى اوقعوا بينه وبينهم العداوة والشرور وان بلادهم ضيقة وجزيرتهم صغيرة ولو كان بينهم وبين الفرنساوية طريق مسلوك من البر لا تمحى أثرهم ونسى ذكرهم من زمان مديد وتأملوا في شأنهم وأي شيء خرج من أيديهم فإن لهم ثلاثة أشهر من حين طلوعهم الى البر والى الآن لم يصلوا الينا والفرنسيس عند قدومهم وصلوا في ثمانية عشر يوما فلو كان فيهم همة او شجاعة لوصلوا مثل وصولنا وكلام كثير من هذا النمط في معنى ذلك من بحر الغفلة ثم ذكر البكري والسيد احمد الزر وأنه حضر مكتوب من رشيد على يد رجل حناوي لاخر من منية كنانة يذكر فيه أنه حضر الى اسكندرية مراكب وعمارة من فرانسا وان الانكليز رجعت اليهم وان الحرب قائمة بينهم على ظهر البحر فقال الخازندار يمكن ذلك وليس ببعيد ثم نقلوا ذلك الى بليار قائمقام فطلب الرجل الراوي لذلك فأحضر الزرو رجلا شرقاويا حلف لهم انه سمع ذلك بأذنه من الرجل الواصل الى منية كنانة من رشيد
شهر صفر الخير سنة استهل بيوم السبت
وفي ذلك اليوم قبل المغرب مشى عبد العال الاغا وشق في شوارع المدينة وبين يديه منادى يقول الامن والامان على جميع الرعايا وفي غد تضرب مدافع وشنك من الفلا في الساعة الرابعة فلا تخافوا ولا تنزعجوا فانه حضرت بشارة بوصول بونابارته بعمارة عظيمة الى الاسكندرية وان الانكليز رجعوا القهقرى فلما أصبح يوم الاحد في الساعة الرابعة من الشروق ضربت عدة مدافع وتابعوا ضربها من جميع القلاع وصعد أناس الى المنارات ونظروا بالنظارات فشاهدوا عساكر الانكليز بالجهة الغربية وصلوا الى آخر الورايق وأول انبابة ونصبوا (2/466)
خيامهم أسفل انبابة وعند وصولهم الى مضاربهم ضربوا عدة مدافع فلما سمعها الفرنساوية ضرب الاخرون تلك المدافع التي ذكروا انها شنك وأما العساكر الشرقية فوصلت اوائلهم الى منية الامراء المعروفة بمنية السيرج والمراكب فيما بينها من البرين بكثرة فعند ذلك عزت الاقوات وشبحت زيادة على قلتها وخصوصا السمن والجبن والاشياء المجلوبة من الريف ولم يبق طريق مسلوكة الى المدينة الا من جهة باب القرافة وما يجلب من جهة البساتين من القمح والتبن فيأتي ذلك الى عرضة الغلة بالرميلة ويزدحم عليه النساء والرجال بالمقاطف فيسمع لهم ضجة عظيمة وشح اللحم ايضا وغلا سعره لقلة المواشي والاغنام فوصل سعر الرطل تسعة أنصاف والسمن خمسة وثلاثين نصفا والبصل باربعمائة فضة القنطار والرطل الصابون بثمانين فضة والشيرج عشرين نصفا وأما الزيت فلا يوجد البتة وغلت الابزار جدا واتفق الى قصة غريبة وهو اني احتجت الى بعض أنيسون فأرسلت خادمي الى الابزارية على العادة يشتري لي منه بدرهم فلم يجده وقيل له انه لا يوجد الا عند فلان وهو يبيع الأوقية بثلاثة عشر نصفا ثم اتاني منه باوقيتين بعد جهد في تحصيله فحسب على ذلك سعر الاردب فوجدته يبلغ خمسمائة ريال أو قريبا من ذلك فكان ذلك من النوادر الغريبة
وفي يوم الاثنين ثالثه حصلت الجمعية بالديوان وحضر التجار ومشايخ الحارات والاغا وحضر مكتوب من بليار قائمقام خطابا بالارباب الديوان والحاضرين يذكر فيه أنه حضر اليه مكتوب من كبيرهم منوبا بالاسكندرية صحبة هجانة فرنسيس وصلوا اليهم من طريق البرية مضمونة أنه طيب بخير والاقوات كثيرة عندهم يأتي بها العربان اليهم وبلغهم خبر وصول عمارة مراكب الفرنساوية الى بحر الخزز وانها من قريب تصل الاسكندرية وأن العمارة حاربت بلاد الانكليز واستولت على شقة كبيرة منها فكونوا مطمئنين الخاطر من طرفنا ودوموا على هدوكم (2/467)
وسكونكم الىآخر ما فيه من التمويهات وكل ذلك لسكون الناس وخوفا من قيامهم في هذه الحالة وكان وصول هذا المكتوب بعد نيف وأربعين يوما من انقطاع اخبار في اسكندرية ولا أصل لذلك
وفي ذلك اليوم قتل عبد العال رجلا ذكروا أنه وجد معه مكتوب من بعض النساء مرسل الى بعض أزواجهن بالعرضي قتل ذلك الرجل بباب زويلة ونودي عليه هذا جزاء من ينقل الاخبار الى العثملي والانكليز
وفيه وصلت العساكر الشرقية الى العادلية وامتد العرضي منها الى قبلي منية السيرج وكذلك الغريبة الى انبابة ونصبوا خيامهم بالبرين والمراكب بينهم في النيل وضربوا عدة مدافع وخرج عدة من الفرنساوية خيالة فترامحوا معهم وأطلقوا بنادق ثم انفصلوا بعد حصة من الليل ورجع كل الى مأمنه واستمر هذا الحال على هذا المنوال يقع بينهم في كل يوم وفي سادسه زحفت العساكر الشرقية حتى قربوا من قبة النصر وسكن ابراهيم بك زاوية الشيخ دمرداش وحضر جماعة من العسكر وأشرفوا على الجزارين من حائط المذبح وطلبوا شيخ الجزارين ووجدوا ثلاثة انفار من الفرنسيس فضربوا عليهم بنادق فأصيب أحدهم في رجله فأخذوه وهرب الاثنان واصيب جزار يهودي ووقع بين الفريقين مضاربة على بعد وقتل بعض قتلى وأسر بعض اسرى ولم يزل الضرب بينهم الى قريب العصر والفرنسيس يرمون من القلعة الظاهرية وقلعة نجم الدين والتل ولا يتباعدون عن حصونهم
وفي سابعه وقعت مضاربة بين الفريقين ببنادق ومدافع من الصباح الى العصر ايضا
وفيه أشبع موت السيد أحمد المحروقي بدجوة وكان مريضا بها وامتنع الوارد من الجهة البحرية بالكلية
وفيه قبضوا على رجل شبه خدام ظنوه جاسوسا فاحضروه عند قائمقام (2/468)
فسألوه فلم يقر بشيء فضربوه عدة مرار حتى ذهل عقله وصار كالمختل وكرروا عليه الضرب والعقاب وضربوه بالكرابيج على كفوفه ووجهه ورأسه حتى قيل أنهم ضربوه نحو ستة آلاف كرباج وهو على حاله ثم أودعوه الحبس
وفيه اطلقوا محبوسا يقال له الشيخ سليمان حمزة الكاتب وكان محبوسا بالقلعة من مدة اشهر فطلق على مصلحة الفي ريال
وفي ثامنه وقعت مضاربة أيضا بطول النهار ودخل نحو خمسة وعشرين نفرا من عسكر العثمانية الى الحسينة وجلسوا على مساطب القهوة واكلوا كعكا وخبزا وفولا مصلوقا وشربوا قهوة ثم انصرفوا الى مضربهم وأخذ الفرنساوية عسكريا من اتباع محمد باشا والى غزة والقدس المعروف بأبي مرق فحبسوه ببيت قائمقام وأغلقوا في ذلك اليوم باب النصر وباب العدوي
وفيه زحفت عساكر البر الغربي الى تحت الجيزة فحضر في صبحها بنى وأخبر قائمقام فركب من ساعته وعدى الى بر الجيزة فسمع الضرب ايضا من ناحية الجيزة وسمعت طبول الامراء ونقاقيرهم واستمر الامر الى يوم الثلاثاء حادي عشره فبطل الضرب في وقت الزوال ولما حصلوا جهة الجيزة انتشروا الى قبلي منها ومنعوا المعادي من تعدية البر الشرقي فانقطع الجالب من الناحية القبلية أيضا فامتنع وصول الغلال والاقوات والبطيخ والعجور والخضروات والخيار والسمن والجبن والمواشي فعزت الاقوات وغلت الاسعار في الاشياء الموجودة منها جدا واجتمع الناس بعرصة الغلة بالرميلة يريدون شراء الغلة فلم يجدوها فكثر ضجيجهم وخرج الاكثر منهم بمقاطفهم الى جهة البساتين ورجع الباقون من غير شيء فاحضر عبد العال القبانية وألزمهم باحضار السمن وضرب البعض منهم فاحضروا له في يومين أربعة عشر رطلا بعد الجهد في تحصيلها وبيعت الدجاجة بأربعين نصفا وامتنع وجود اللحم (2/469)
من الاسواق واستمر الامر على ذلك الاربعاء والخميس والمضاربة بين الفريقين ساكنة وأشيع وقوع المسالمة والمراسلة بينهما والمتوسط في ذلك الانكليز وحسين قبطان باشا فانسر الناس وسكن جاشهم لسكون الحرب
وفي ذلك اليوم اغلقوا باب القرافة وباب المجراة ولم يعلم سبب ذلك ثم فتحوهما عند الصباح من يوم الجمعة ورفعوا عشور الغلة
وفي يوم الاثنين سابع عشرة أطلقوا المحبوسين بالقلعة من أسرى العثمانية وأعطوا كل شخص مقطع قماش وخمسة عشر قرشا وأرسلوهم الى عرضي الوزير وكان بلغ بهم الجهد من الخدمة والفعالة وشيل التراب والاحجار وضيق الحبس والجوع ومات الكثير منهم وكذلك أفرجوا عن جملة من العربات والفلاحين
وفي ليلة الاثنين المذكور سمع صوت مدفع بعد الغروب عند قلعة جامع الظاهر خارج الحسينية ثم سمع منها اذان العشاء والفجر فلما أضاء النهار نظر الناس فاذا البيرق العثماني بأعلاها والمسلمون على أسوارها فعلموا بتسليمها وكان ذلك المدفع اشارة الى ذلك ففرح الناس وتحققوا أمر المسالمة وأشيع الافراج عن الرهائن من المشايخ وغيرهم وباقي المحبوسين في الصباح واكثر الفرنساوية من النقل والبيع في أمتعتهم وخيولهم ونحاسهم وجواريهم وعبيدهم وقضاء أشغالهم
وفي ذلك اليوم أنزلوا عدة مدافع من القلعة وكذلك من قلعة باب البرقية وأمتعة وفرش وبارود
وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وحضر الوكيل واعلن بوقوع الصلح والمسالمة ووعد ان في الجلسة الآتية يأتي اليهم فرمان الصلح وما اشتمل عليه من الشروط ويسمعونه جهارا
وفي ذلك اليوم اكثر اهتمام الفرنساوية بنقل الامتعة من القلعة الكبيرة (2/470)
وباقي القلاع بقوة السعي
وفيه أفرجوا عن محمد جلبي ابي دفية واسمعيل القلق ومحمد شيخ الحارة بباب اللوق والبرنوسي نسيب ابي دفية والشيخ خليل المنبر وآخرين تكملة ثمانية نفار ونزلوا الى بيوتهم
وفيه سافر عثمان بك البرديسي الى الصعيد وعلى يده فرمانات للبلاد بالامن والامان وسوق المراكب بالغلال والاقوات الى مصر ويلاقي سنة آلاف من عسكر الانكليز حضروا من القلزم الى القصير
وفيه شنق الفرنساوية شخصا منهم على شجرة ببركة الازبكية قيل انه سرق
وفيه أرسل الفرنساوية الى الوزير وطلبوا منه جمالا ينقلون عليها متاعهم فأمر لهم بارسال مائتي جمل وقيل اربعمائة مساعدة لهم وفيها من جمال طاهر باشا وابراهيم بك
وفي يوم الخميس عشرينه أفرجوا عن بقية المسجونين والمشايخ وهم شيخ السادات والشيخ الشرقاوي والشيخ الامير والشيخ محمد المهدي وحسن أغا المحتسب ورضوان كاشف الشعرواي وغيرهم فنزلوا الى بيت قائمقام وقابلوه وشكروه فقال للمشايخ ان شئتم اذهبوا فسلموا على الوزير فانى كلمته ووصيته عليكم
وفيه حضر الوزير ومن معه من العساكر الى ناحية شبرا وكذلك الانكليز وصحبتهم قبطان باشا الى الجهة الغربية والعساكر تجاههم ونصبوا الجسر فيما بينهم اعلى البحر وهو من مراكب مرصوصة مثل جسر الجيزة بل يزيد عنه في الاتقان بكونه من الواح في غاية الثخن وله درابزين من الجهتين ايضا وهو عمل الانكليز
وفيه ألصقوا أوراقا بالطرق المكتوبة بالعربي والفرنساوي وفيها شرطان من شروط الصلح التي تتعلق بالعامة ونصها ثم انه أراد الله تعالى بالصلح ما بين عسكر الفرنساوية وعساكر الانكليز وعساكرالعثمانية (2/471)
ولكن مع هذا الصلح انفسكم واديانكم ومتاعكم ما ا د يقارشكم ورؤوس عساكر الثلاثة جيوش قد اشترطوا بهذا كما ترونه الشرط الثاني عشر كل واحد من أهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت الذي يريد ان يسافر مع الفرنساوية يكون مطلق الارادة وبعد سفره كامل ما يبقى عياله ومصالحه ما احد يعارضهم الشرط الثالث عشر لا احد من اهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت يكون قلقا من قبل نفسه ولا من قبل متاعه جميع الذين كانوا بخدمة الجمهور الفرنساوي بمدة اقامة الجمهور بمصر ولكن الواجب أن يطيعوا الشريعة ثم يا أهالي مصر وأقاليمها جميع الملل أنتم ناظرون لحد آخر درجة الجمهور الفرنساوي ناظر لكم ولراحتكم فيلزم أنتم ايضا تسلكون في الطريق المستقيمة وتفتكرون ان الله جل جلاله هو الذي يفعل كل شيء وعليه امضاء بليار قائمقام
وفي يوم الجمعة عملوا الديوان وحضر المشايخ والوكيل فقال الوكيل بلغكم بقية الشروط الثلاثة عشر فقالوا لا فأبرز ورقة من كمه بالقلم الفرنساوي فشرع يقرؤها والترجمان يفسرها وهي تتضمن الاحد عشر شرطا الباقية فقال ان الجيش الفرنساوي يلزم أن يخلوا القلاع ومصر ويتوجهوا على البر بمتاعهم الى رشيد وينزلوا في مراكب ويتوجهوا الى بلادهم وهذا الرحيل ينبغي أن يسرع به وأقل ما يكون في خمسين يوما وأن يساق الجيش من طريق مختصر وسر عسكر الانكليز والمساعد يلزم أن يقوما لهم بجميع ما يحتاجونه من نفقة ومؤنة وجمال ومراكب والمحل الذي يبدأ منه السعي يكون بالتراضي بين الجمهور والانكليز والمساعد وكامل الامتعة والاثقال تتوجه من البحر ومعهم جيش من الفرنساوي لاجل الحراسة ولا بد من كون المؤنة التي تترتب لهم كالمؤنة التي كانوا يعطونها هم لجيش الانكليز ورؤسائهم وعلى رؤوساء عساكر الانكليز وحضره العثملي القيام بنفقة الجميع (2/472)
والحكام المتقيدون بذلك يحضرون لهم المراكب ليسفروهم الى فرانسا من جهة البحر المحيط وان يقدم كل من حضرة العثملي والانكليز اربعة مراكب للعليق والعلف للخيل التي يأخذونها في المراكب وأن يسيروا معهم مراكب للمحافظة عليهم الى أن يصلوا الى فرانسا وان الفرنساوية لا يدخلون مينة الا مينة فرانسا والامناء والوكلاء يقدمون لهم ما يحتاجون اليه نظرا لكفاية عساكرهم والمدبرون والامناء والوكلاء والمهندسون الفرنساوية يستصحبون معهم ما يحتاجونه من أوراقهم وكتبهم ولو التي شروها من مصر وكل من أهل الاقليم المصري أذا أراد التوجه معهم فهو مطلق السراح مع الامن على متاعه وعياله وكذلك من داخل الفرنساوية من أي ملة كانت فلا معارضة له الا ان يجري على أحواله السابقة وجرحى الفرنساوية يتخلفون بمصر ويعالجهم الحكماء وينفق عليهم حضرة العثملي واذا عوفوا توجهوا الى فرانسا بالشروط المتقدم ذكرها وحكام العثملي يتعهدون من بمصر منهم ولا بد من حاكمين من طرف الجيشين يتوجهان بمركبين الى طولون فيرسلون خبرا الى فرانسا ليطلعوا حكامها على الصلح وسائر الرسوم وكل جدال وخصام صدر بين شخصين من الفرنساوية فلا بد أن يقام شخصان حاكمان من الطائفتين ليتكلما في الصلح ولا يقع في ذلك نقض عهد الصلح وعلى كل طائفة معين من العثملي والفرنساوي ان تسلم ما عندها من الاسرى ولا بد من رهائن من كل طائفة واحد كبير يكون عند الطائفة الاخرى حتى يتوصلوا الى فرانسا اه ثم قال الوكيل وقد علمنا بالشروط وما ندري ماذا يكون فقيل له هذه شروط عليها علامة القبول وهذا الصلح رحمة للجميع وسيكون الصلح العام فقال الوكيل اني ارجو ان يكون هذا الصلح الخصوصي مبدأ للصلح العمومي
وفيه كثر خروج الناس ودخولهم من الاتباع والباعة والمتنكرين من نقب البرقية المعروف بالغريب فصار الحرسجية من الفرنساوية يأخذون (2/473)
من الداخل الخارج دراهم ولا يمنعونهم فلما علم الناس بذلك كثر ازدحامهم فلما أصبحوا منعوهم فدخلوا وخرجوا من باب القرافة فلم يمنعهم الواقفون به من الفرنسيس بل كانوا يفتشون البعض ويمنعون البعض وكل ذلك حذرا من أفعال الطموش وسوء أخلاقهم وتوالد الشر بسببهم وقد دخل بعضهم أكابر الانكليز وصحبتهم فرنساوية يفرجونهم على البلدة والاسواق وكذلك دخل بعض أكابر العثمانية فزاروا قبر الامام الشافعي والمشهد الحسيني والشيخ عبد الوهاب الشعراوي والفرنساوية ينتظرونهم بالباب
وفي ليلة الاثنين رابع عشرينه نادوا في الاسواق برمي مدافع في صبحه وذلك لنقل رمة كلهبر فلا يرتاع الناس من ذلك فلما كان في صبح ذلك اليوم اطلقوا مدافع كثيرة ساعة نبش القبر بالقرب من قصر العيني واخرجوا الصندوق الرصاص الموضوع فيه رمته لياخذوه معهم الى بلادهم
وفيه ارسلوا اوراقا ورسلا للاجتماع بالديوان وهو آخر الدواوين فاجتمع المشايخ والتجار وبعض الوجاقلية واستوف الخازندار والوكيل والترجمان فلما استقر بهم الجلوس أخرج الوكيل كتابا مختوما وأخبر أن ذلك الكتاب من سارى عسكر منو بعث به الى مشايخ الديوان ثم ناوله لرئيس الديوان ففضه وناوله للترجمان فقرأه والحاضرون ويسمعون وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر نخبركم أنا علمنا بكثرة الانبساط انكم تهتدون بكثرة الحكمة والانصاف في الموضع الذي أنتم مستمرون فيه وان لم تقدروا لتنظيم أهالي البلد بالهدى والطاعة الموجبة منه لحكومة الفرنساوي فالله تعالى بسعادة رسوله الكريم عليه السلام الدائم ينعم عليكم في الدارين عوض خيراتكم وأخبرنا المقدام الجسور بونابارته المشهور عن كل ما فعلتم حاكما ونافعا بوصايا لاجلكم سارة رضي واستراح لتلك الفعال الجيدة وعرفني ايضا أنه عن قريب (2/474)
يرسل لكم بذاته جواب جميع مكاتيبكم اليه قدمتم الان بخير الهدى وبقوته تعالى نرى فضائلكم عن قريب ونواجه سكان محروسة مصر كما هو مأمولنا لكن يسركم ان الجمهور المنصور غلب في أقاليم الروم جميع اعدائه وبعون الله هادي كل شيء سيغلب كذلك العدا في مصر واعتمدوا بأكثر الاعتماد على الستويان جيرار هذا الذي وضعناه قربكم لانه هو رجل مشهور بالعدل والاستقامة ونوجه الى هممكم النصيحة الى زوجتنا الكريمة السيدة زبيدة وولدنا العزيز سليمان مراد أن كليهما حالا كائنان في حصننا في مصر الخ وذكر كثيرا من امثال هذه الخرافات والتمويهات ثم اخرج ورقة بالفرنساوي وقرأها بنفسه حتى فرغ منها ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان رفاييل ومضمونها حصول الصلح وتمويهات وهلسيات ليس في ذكرها فائدة ولما انتهى من قراءتها ابرز ايضا استوف الخازندار ورقة وقرأها بالفرنساوي ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان وهي في معنى الاولى
وركب المشايخ وخرجوا للسلام على الوزير يوسف باشا الذي يقال له الصدر الاعظم والسلام على القادمين معه ايضا من اعيان دولتهم والامراء المصرية وكانوا عزموا على الذهاب في الصباح فعوقوا لبعد الديوان وأما الشيخ السادات فانه خرج للسلام من أول النهار وكتب لهم قائمقام أوراقا للحرسجية لانهم مستمرون على منع الناس من الدخول والخروج وأبواب البلد مغلقة وكان خروجهم من طريق بولاق فلما وصلوا الى العرضي سلموا على ابراهيم بك وتوجه معهم الى الوزير فلما وصلوا الى الصيوان أمروهم برفع الطياسانا التي على أكتافهم وتقدموا للسلام عليه فلم يقم لقدومهم فجلسوا ساعة لطيفة وخرجوا من عنده وسلموا ايضا على محمد باشا المعروف بأبي مرق وعلي المحروقي والسيد عمر مكرم وباتوا تلك الليلة بالعرضي ثم عادوا الى بيوتهم (2/475)
وفي ثاني يوم عدوا الى البر الغربي وسلموا على قبطان باشا ورجعوا الى منازلهم
وفيه أرسل ابراهيم بك أمانا لاكابر القبط فخرجوا ايضا وسلموا ورجعوا الى دورهم وأما يعقوب فأنه خرج بمتاعه وعازقه وعدي الى الروضة وكذلك جمع اليه عسكر القبط وهرب الكثير منهم واختفى واجتمعت نساؤهم وأهلهم وذهبوا الى قائمقام وبكوا وولولوا وترجوه في ابقائهم عند عيالهم واولادهم فإنهم فقراء وأصحاب صنائع ما بين نجار وبناء وصائغ وغير ذلك فوعدهم انه يرسل الى يعقوب انه لا يقهر منهم من لا يريد الذهاب والسفر معه
وفيه ذهب بليار قائمقام وصحبته ثلاثة انفار من عظماء الفرنسيس الى العرضي وقابلوا الوزير فخلع عليهم وكساهم فراوى سمور ورجعوا
وفي يوم الاربعاء تاسع عشره خرج المسافرون مع الفرنساوية الى الروضة والجيزة بمتاعهم وحريمهم وهم جماعة كثيرة من القبط وتجار الافرنج والمترجمين وبعض مسلمين ممن تداخل معهم وخاف على نفسه بالتخلف وكثير من نصارى الشوام والاروام مثل يني وبرطلمين ويوسف الحموي وعبد العال الاغا ايضا طلق زوجته وباع متاعه وفراشه وما ثقل عليه حمله من طقم وسلاح وغيره فكان اذا باع شيئا يرسل خلف المشتري ويلزمه باحضار ثمنه في الحال قهرا ولم يصحب معه الا ما خف حمل وغلا ثمنه
وفيه حضر وكيل الديوان الى الديوان وأحضر جماعة من التجار وباع لهم فراش المجلس بثمن قدره ستة وثلاثون ألف فضة على ذمة السيد أحمد الزرو
وفي ذلك اليوم ايضا فتحوا باب الجامع الازهر وشرعوا في كنسه وتنظيفه (2/476)
وفي ذلك اليوم وما بعده دخل بعض الانجليز ومروا بأسواق المدينة يتفرجون وصحبتهم اثنان أو واحد من الفرنسيس يعرفونهم الطرق
وأشيع في ذلك اليوم ارتحال الفرنساوية ونزولهم من القلاع وتسليمهم الحصون من الغد وقت الزوال
فلما أصبح يوم الخميس ومضى وقت الزوال لم يحصل ذلك فاختلفت الروايات فمن الناس من يقول ينزلون يوم الجمعة ومنهم من يقول انهم أخذوا مهلة ليوم الاثنين وبات الناس يسمعون لغط العساكر العثمانية وكلامهم ووطء نعالاتهم فنظروا فاذا الفرنساوية خرجوا بأجمعهم ليلا وأخلوا القلعة الكبيرة وباقي القلاع والحصون والمتاريخ وذهبوا الى الجيزة والروضة وقصر العيني ولم يبق منهم شبح يلوح بالمدينة وبولاق ومصر العتيقة والازبكية ففرح الناس كعادتهم بالقادمين وظنوا فيهم الخير وصاروا يتلقونهم ويسلمون عليهم ويباركون لقدومهم والنساء يلقلقن بالسنتهن من الطيقان وفي الاسواق وقام للناس جلبة وصياح وتجمع الصغار والاطفال كعادتهم ورفعوا اصواتهم بقولهم نصر الله السلطان ونحو ذلك وهؤلاء الداخلون ودخلوا من نقل الغريب المثقوب في السور وتسلقوا ايضا من ناحية العطوف والقرافة وأما باب النصر والعدوى فهما على حالهما مغلوقان لم يأذنوا بفتحهما خوفا من تزاحم العسكر ودخولهم المدينة دفعة واحدة فيقع فيهم الفشل والضرر بالناس وباب الفتوح مسدود بالبناء فلما تضحي النهار حضر قبي قول وفتح باب النصر والعدوى واجلس بهما جماعة من النيكجرية ودخل الكثير من العساكر مشاة وركبانا اجناسا مختلفة ودخلت بلوكات الينكجرية وطافوا بالاسواق ووضعوا نشاناتهم وزنكهم على القهاوى والحوانيت والحمامات فامتعض أهل الاسواق من ذلك وكثر الخبز واللحم والسمن والشيرج بالاسواق وتواجدت البضائع وانحلت الاسعار وكثرت الفاكهة مثل العنب والخوخ والبطيخ وتعاطي بيع غالبها الاتراك والارنؤد (2/477)
فكانوا يتلقون من يجلبها من الفلاحين بالبحر البر ويشترونها منهم بالاسعار الرخيصة ويبيعونها على أهل المدينة وبولاق بأغلى الاثمان ووصلت مراكب من جهة بحري وفيها البضائع الرومية واليميش من البندق واللوز والجوز والزبيب والتين والزيتون الرومي
فلما كان قبل صلاة الجمعة واذا بجاويشية وعساكر وأغوات وتلا ذلك حضره يوسف باشا الصدر فشق من وسط المدينة وتوجه الى المسجد الحسيني فصلى فيه الجمعة وزار المشهد الحسيني ودعاه حضرة الشيخ السادات الى دره المجاورة للمشهد فأجابه فدخل معه وجلس هنيهة ثم ذهب الى الجامع الازهر فتفرج عليه وطاف بمقصورته وأروقته وجلس ساعة لطيفة وأنعم على الكناسين والخدمة بدراهم وكذلك خدمة المسجد الحسيني ثم ركب راجعا الى وطاقة بناحية الحلي بشاطيء النيل وعملوا في ذلك الوقت شنكا وضربوا مدافع كثيرة من العرضي والقلعة ودخل قلقات الينكجرية وجلسوا برؤوس العطف والحارات وكل طائفة عندها بيرق ونادوا بالامان البيع والشراء وطلب اولئك القلقات من أهل الاخطاط المآكل والمشارب والقهوات والزموهم بذلك وانحاز الفرنساوية الى جهة قصر العيني والروضة والجيزة الى حد قلعة الناصرية وفم الخليج وعليها بنديراتهم ووقف حرسهم عند حدهم يمنعون من يأوى الى جهتهم من العثمانية فلا يمر العثماني الا الى الجهة الموصلة الى بولاق واما اذا كان من اهل البلد فيمر حيث أراد وفي مدة اقامة المشار اليه بساحل الحلى ببولاق خرب عساكره ما قرب منهم من الابنية والسواقي والمتريز الذي صنعه الفرنساوية من حد باب الحديد الى البحر وأخذوا ما بذلك من الافلاق الكثيرة المتهدمة والأخشاب المنجرة المرصوصة فوق المتريز وتحته وفي الخندق فخربوا ذلك جميعه في هذه المدة القليلة وذلك لاجل وجود النار والمطابخ
وفي يوم السبت دخل قبي قول وهو المسمى عند المصريين كتخدا (2/478)
الينكجرية وشق المدينة وأمر بمحو نشانات الانكشارية من الحوانيت ولم يترك الا القهاوي
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاحد سنة
فيه ركب أغات الينكجرية الكبير العثملي وشق المدينة وخلفه سليم آغا المصري ودخل الكثير من العساكر والاجنادالمصرية بمتاعهم وعازقهم واحمالهم وطلبوا البيوت وسكنوها ودخل محمد باشا المعروف بأبي مرق الغزي وهو المرشح لولاية مصر وسكن ببيت الهياتم بالقرب من مشهد الاستاذ الحنفي وأرسل الى المشايخ وكبار الحارات وطلب منهم التعريف عن البيوت الخالية بالاخطاط
وفي يوم الثلاثاء ثالثه حضر حسين باشا القبطان من الجيزة ودخل المدينة وتوجه الى المشهد الحسيني فزاره وذبح به خمس جواميس وسبعة كباش واقتسمتها خدمة الضريح وحلق تاج المقام باربعةشيلان كشميري وأخذ قياس المقام ليصنع له سترا جديدا وفرق عليهم وعلى الفقراء نحو ألفي محبوب ذهب اسلامبولي
وفي ذلك اليوم وقعت حادثة وهو أن شخصا من العسكر بالجمالية شرب من العرقسوسي شربة عرقسوس ولم يدفع له ثمنها فكلم العرقسوسي القلق الانكشاري فأحضره وأمره بدفع ثمنها ونهره وأراد ضربه فاستل ذلك العسكري الطبنجة وضرب ذلك الحاكم فقتله وهرب الى حارة الجوانية ودخل الى دار وامتنع فيها وصار يضرب بالرصاص على كل من قصده فقتل خمسة أنفار ومر شخصان من الارنؤد بتلك الخطة فقتلهما الانكشارية لكون الغريم أرنؤديا من جنسهما فلما أعياهم أمره حرقوا عليه الدار فخرج هاربا من النار فقبضوا عليه وقتلوه ومات تسعة أشخاص في شربة عرقسوس
ووقع في ذلك اليوم ايضا ان شخصين من القليونجية دخلا الى دار رجل نصراني فأخذا من بيته بقعتين من الثياب وخرجا فوجدا شخصين (2/479)
مارين من الفلاحين فسخراهما في حمل البقجتين فخرج النصراني وشكا الى القلق فأمر بالقبض على الشخصين العسكريين فتخلصا وهربا بعد ان انجرح احدهما واخذوا الشخصين المسخرين فقطعوا رؤسهما ظلما وعدوانا وذلك من مبادي قبائحهم
وفي يوم الاربعاء رابعه ارتحل الفرنساوية واخلوا قصر العيني والروضة والجيزة وانحدروا الى بحري الوراريق وارتحل معهم قبطان باشا ومعظم الانكليز ونحو الخمسة آلاف من عسكر الارنؤد ومن الامراء المصرية عثمان بك الاشقر ومراد الصغير واحمد بك الكلارجي واحمد بك حسن فكانت مدة الفرنساوية وتحكمهم بالديار المصرية ثلاث سنوات واحدا وعشرين يوما فأنهم ملكوا برانبابة والجيزة وكسرو الامراء المصرية يوم السبت تاسع شهر صفر سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وكان انتقالهم ونزولهم من القلاع وخلو المدينة منهم وانخلاعهم عن التصرف والتحكم ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر صفر سنة ست عشرة ومائتين وألف فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتحول سلطانه
وفي ذلك اليوم حضر السيد عمر افندي نقيب الاشراف وصحبته السيد أحمد المحروقي شاه بندر التجار بمصر وعليهما خلعتا سمور وتوجها الى دورهما
وفيه نبهوا على موكب حضرة الوزير يوسف باشا من الغد فلما أصبح يوم الخميس خامسه اجتمع الناس من جميع الطوائف وسائر الاجناس وهرع الناس للفرجة وخرجت البنت من خدرها واكتروا الدور المطلة على الشارع باغلى الاثمان وجلس الناس على السفائف والحوانيت صفوفا وانجر الموكب من اول النهار الى قريب الظهر ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وأمامه العساكر المختلفة من الارنؤد وارط الينكجرية والعساكر الشامية والامراء المصرلية والمغاربة والقليونجية وطاهر باشا باشة الارنؤد وابراهيم باشا والي حلب ومحمد باشا والي (2/480)
مصر الكتبة ورئيس الكتاب وكتخدا الدولة والاغوات الكبار بالطبول والنقرزانات وقاضي العسكر ونواب القضاء والعلماء المصرية ومشايخ التكايا والدراويش واقبل المشار اليه وأمامه الملازمون بالبراقع والجاويشية والسعاة والجوخدارية وعليه كرك صوف سنجاني مطرز مخبش وعلى رأسه شلنج بفصوص الماس وخلفه اثنان عن يمينه وشماله ينثرون دراهم الفضة البيضاء ضربخانة اسلامبول على المتفرجين من النساء والرجال وخلفه ايضا العدة الوافرة من أكابر اتابعه وبعدهم الكثير من عسكر الارنؤد وموكب الخازندار وخلفه النوبة التركية المختصة به ثم المدافع وعربات الجبخانات وعملوا وقت الموكب شنكا ضربوا فيه مدافع كثيرة فكان ذلك اليوم يوما مشهودا وموسما وبهجة وعيدا عمت المسلمين فيه المسرات ونزلت في قلوب الكافرين الحسرات ودقت البشائر وقرت النواظر وأمروا بوقود المنارات سبع ليال متواليات فلله الحمد والمنة على هذه النعمة ونرجو من فضله أن يصلح فساد القلوب ويوفق أولي الامر للخير والعدل المطلوب ويلهمهم سلوك سواء السبيل القويم ويهديهم الى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين وممن قدم بصحبة ركاب المشار اليه من أكابر دولتهم ابراهيم باشا والي حلب وابراهيم باشا المعروف بأبي مرق وخليل أفندي الرجائي الدفتر دار ومحمود أفندي رئيس الكتاب وشريف أغا نزله أمين ومحمد أغا جيجي باشا الشهير بطوسون ووقع الاختيار بأن يكون سكن المشار اليه ببيت رشوان بك بحارة عابدين تجاه بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي
وفي يوم الجمعة نودي بابطال كلف القلفات وابطال شرك العسكر لارباب الحرف الا من شارك برضاه وسماحة نفسه فلم يمتثلوا لذلك واستمر أكثرهم على الطلب من الناس
وفي يوم الاحد نودي بأن لا أحد يتعرض بالاذية لنصراني ولا (2/481)
يهودي سواء كان قبطيا او روميا او شاميا فانهم من رعايا السلطان والماضي لا يعاد والعجيب ان بعض نصارى الاروام الذين كانوا بعسكر الفرنسيس تزيوا بزي العثمانية وتسلحوا بالاسلحة واليطقانات ودخلوا في ضمنهم وشمخوا باآنافهم وتعرضوا بالاذية للمسلمين في الطرقات بالضرب والسب باللغة التركية ويقولون في ضمن سبهم للمسلم فرنسيس كافر ولا يميزهم الا الفطن الحاذق أو يكون له بهم معرفة سابقة
وفيه ارسلوا هجانا الى الحجاز ومعه فرمان بخبر الفتح والنصر وارتجال الفرنساوية من ارض مصر ودخول العثمانية ومكاتبات من التجار لشركائهم بارسال المتاجر الى مصر
وفيه ارسلوا فرمانا ايضا الى الاقاليم المصرية والقرى بعدم دفع المال الى الملتزمين ولا يدفعون شيا الا بفرمان من الوزير
وفي يوم الاثنين قتلوا شخصا بالرميلة يسمى حجاجا كان متولى الاحكام ببولاق أيام الفرنسيس وجار وعسف وقتل معه آخر يقال انه أخوه
وفيه ايضا اشخاصا بالازبكية وجهات مصر
وفيه ركب الوزير بثياب التخفيف وشق المدينة وتامل في الاسواق وأمر بمنع العسكر من الجلوس على حوانيت الباعة وأرباب الصنائع ومشاركتهم في ارزاقهم ثم توجه الى المشهد الحسيني فزاره ثم عبر الى دار السيد أحمد المحروقي وشرفه دبخوله اليه فجلس ساعة ثم ركب وأعطى أتباعه عشرين دينارا وذكر له أنه إنما قصد بحضوره إليه تشريفه وتشريف أقرانه وتكون له منقبة وذلك على ممر الازمان وأما العسكر فلم يمتثلوا ذلك الامر الا اياما قليلة ووقع بسبب ذلك شكاوي ومشاكلات ومرافعات عند العظماء
وفي يوم الثلاثاء وصل قاصد من دار السلطنة وعلى يده شال شريف من حضرة الهنكار السلطان سليم خان خطابا لحضرة الوزير ومعه خنجر (2/482)
مرصع بفصوص الماس وهو جواب عن رسالته بدخوله بلبيس
وفيه نودى بتزيين الاسواق من العد تعظيما ليوم المولد النبوي الشريف فلما اصبح يوم الاربعاء كررت المناداة والامر بالكنس والرش فحصل الاعتناء وبدل الناس جهدهم وزينوا حوانيتهم بالشقق الحرير والزردخان والتفاصيل الهندية مع تخوفهم من العسكر وركب المشار اليه عصر ذلك اليوم وشق المدينة وشاهد الشوارع وعند المساء أوقدوا المصابيح والشموع ومنارات المساجد وحصل الجمع بتكية الكلشني على العادة وتردد الناس ليلا للفرجة وعملوا مغاني ومزامير في عدة جهات وقراءة قرآن وضجت الصغار في الاسواق وعم ذلك سائر اخطاط المدينة العامرة ومصر وبولاق وكان من المعتاد القديم أن لا يعتني بذلك الا بجهة الازبكية حيث سكن الشيخ البكري لان عمل المولد من وظائفه وبولاق فقط
وفي يوم الخميس ثاني عشره سافر سليمان أغا وكيل دار السعادة وصحبته عدة هجانة الى ناحية الشام لاحضار المحمل الشريف وحريمات الامراء الى مصر
وفيه افتتحوا ديوان مزاد الاعشار والمكوس وذلك ببيت الدفتردار ولله الامر من قبل ومن بعد
وفيه حضر اليسرجي الذي جلب مملوك الشيخ البكري الذي تقدم ذكره الى بيت القاضي واحضرو الشيخ خليلا البكري وادعى عليه انه قهره في أخذ المملوك بالفرنسيس وأخذه منه بدون القيمة وانه ان أحضره على ذمة مراد بك وطال بينهما النزاع وآل الامر بينهما الى انتزاع المملوك من المذكور وقد كان أعتقه وعقد له عل ابنته فأبطلوا العتق وفسخوا النكاح وأخذ المملوك عثمان بك الطنبرجي المرادي ودفع للشيخ دراهمه ولجلابة باقي الثمن وتجرع فراقه
وفي يوم الجمعة ركب الوزير وحضر الى الجامع الازهر وصلى به (2/483)
الجمعة وخلع علي الخطيب فرجيه صوف وفي ذلك اليوم احترق جامع قايتباي الكائن بالروضة المعروف بجامع السيوطي والسبب في ذلك ان الفرنسيس كانوا يصنعون البارود بالجنينة المجاورة للجامع فجعلوا ذلك الجامع مخزنا لما يصنعونه فبقى ذلك بالمسجد وذهب الفرنسيس وتركوه كما هووجانب كبريت في انخاخ ايضا فدخل رجل فلاح ومعه غلام وبيده قصبة يشرب بها الدخان وكأنه فتح ماعونا من ظروف البارود ليأخذ منه شيئا ونسي المسكين القصبة بيده فأصابت البارود فاشتعل جميعه وخرج له صوت هائل ودخان عظيم واحترق المسجد واستمرت النار في سقفه بطول النهار واحترق الرجل والغلام
وفي يوم الاحد خامس عشره اشيع بانه كتب فرمان على النصارى انهم لا يلبسون الملونات ويقتصرون على لبس الازرق والاسود فقط فبمجرد الاشاعة وسماع ذلك ترصد جماعة القلقات لمن يمر عليهم من النصارى ومن لم يجدوه بثياب ملونة يأخذوا طربوشه ومداسه الاحمر ويتركوا له الطاقية والشد الازرق وليس القصد من اولئك القلقات الانتصار للدين بل استغناء السلب واخذ الثياب ثم ان النصارى صرخوا الى عظمائهم فأنهوا شكواهم فنودي بعدم التعرض لهم وان كل فريق يمشي على طريقته المعتادة
وفي يوم لاثنين طلب الوزير من التجار مائة كيس وعشرة اكياس سلفة من عشور البهار والزمهم باحضارها من الغد فاجتمع المستعدون لجمع الفردة في أيام الفرنساوية كالسيد أحمد الزرو وكاتب البهار وأرادوا توزيعها على المحترفين كعادتهم فاجتمع أرباب الحرف الدنيئة وذهبوا الى بيت الوزير والدفتردار واستغاثوا وبكوا فرفعوا عنهم الطلب وألزموا بها المياسير
وفيه قلدوا محمد آغا تابع قاسم بك موسقو الابراهيمي وجعلوه واليا عوضا عن علي آغا الشعراوي (2/484)
وفي ثامن عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وركب محمد باشا المعروف بأبي مرق المرشح لولاية مصر في صبحها الى قنطرة السد وكسروا جسر الخليج بحضرته وفرق العوائد وخلع الخلع ونثر الذهب والفضة
وفيه عزل الوزير القاضي وهو قاضي العرضي الذي كان ولاه الوزير قاضي العسكر بمصر نائبا عمن يؤل اليه القضاء باسلامبول فلما تولى ذلك حصل منه تعنت في الاحكام وطمع فاحش وضيق على نواب القضاء بالمحاكم ومنعهم من سماع الدعاوي ولم يجرهم على عوائدهم وأراد ان يفتح بابا في الاملاك والعقار ويقول انها صارت كلها ملكا للسلطان لان مصر قد ملكها الحربيون وبفتحها صارت ملكا للسلطان فيحتاج أن أربابها يشترونها من الميري ثانيا ووقع بينه وبين الفقهاء المصرية مباحثات ومناقشات وفتاوي وظهروا عليه ثم تحامل عليه بعض أهل الدولة وشكوه الى الوزير فعزله وقلد مكانه قدسي افندي نقيب الاشراف بحلب سابقا ونقل المعزول متاعه من المحكمة فكانت مدة ولايته خمسة عشر يوما
وفي ذلك اليوم ايضا خلع الوزير على الامير محمد بك الالفي فروة سمور وقلده امارة الصعيد وليرسل المال والغلال ويضبط مواريث من مات بالصعيد بالطاعون فبرز خيامه من يومه الى ناحية الآثار وأسكن داره بالازبكية رئيس افندي
وفي يوم الجمعة حضر الوزير الى جامع المؤيد وصلى به الجمعة
وفيه قبضوا على عرفة بن المسرى وحبس ببيت الوزير بسبب أخيه ابراهيم كان شيخ مرجوش وتقيد بقبض فردة الفرنسيس ثم ذهب الى المحلة وتوفي بها فغمزوا على أخيه عرفة المذكور وقبضوا عليه وحبسوه وأرسلوا فرمانا الى المحلة بضبط ماله وما يتعلق به وبأخيه عند شركائهما ثم نهبوا ببيت المذكور (2/485)
وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه طلبت ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس بمعينين من طرف الوزير فحضروا الى دار أمها بالجودرية بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله فقالت اني تبت من ذلك فقالوا لوالدها ما تقول أنت فقال أقول اني بريء منها فكسروا رقبتها وكذلك المرأة التي تسمى هوى التي كانت تزوجت نقولا القبطان ثم اقامت بالقلعة وهربت بمتاعها وطلبها الفرنساوية وفتش عليها عبد العال وهجم بسببها عدة أماكن كما تقدم ذكر ذلك فلما دخلت المسلمون وحضر زوجها مع من حضر وهو اسمعيل كاشف المعروف بالشامي أمنها وطمنها وأقامت معه أياما فأستأذن الوزير في قتلها فأذنه فخنقها في ذلك اليوم ايضا ومعهاجاريتها البيضاء أم ولده وقتلوا ايضا امرأتين من اشباههن
وفي يوم الاربعاء أرسلوا طائفة معينين من طرف محمد باشا أبي مرق الى أخي الشواربي شيخ قليوب فأحضروه على غير صورة ماشيا مكتوفا مسحوبا مضروبا من قليوب الى مصر فحبسوه ببيت الوزير ثم حضر أخوه وصالح عليه بعشرة أكياس قام بدفعها وأطلق قيل ان السبب في ذلك ان جماعة من اتباع محمد باشا ذهبوا الى قليوب وطلبوا تبنا فطردهم الساكن وأعطاهم دراهم ذهبوا عنه وتركوه وان عاند سبوه وضربوه وشتمهم وردهم من غير شيء وقيل ان ذلك باغراء ابن المحروقي لضغين بينه وبينهم قديم
وفي آخره تحرر ديوان العشور فكان المتحصل ستة عشر ألف كيس
وفيه تشاجر طائفة من الينكجرية مع طائفة من الانكليز بالجيزة وقتل بينهما أشخاص فنودى على الينكجرية ومنعوا من التعدى الى بر الجيزة
وفيه كثر اشتغال طائفة العسكر بالبيع والشراء في اصناف المأكولات وتسلطوا على الناس بطلب الكلف ورتبوا على السوقة وأرباب الحوانيت دراهم يأخذونها منهم في كل يوم ويأخذون من لخابز الخبز من غير ثمن وكذلك (2/486)
يشربون القهوة من القهاوي ويحتكرون ما يريدون من الاصناف ويبيعونها بأغلى الاثمان ولا يسرى عليهم حكم المحتسب وكذلك تسلطوا على الناس بالاذية بأدنى سبب وتعرضوا للسكان في منازلهم فتأتي منهم الطائفة ويدخلون الدار ويأمرون أهلها بالخروج ليسكنوها فإن لاطفهم الساكن واعطاهم دراهم ذهبوا عنهم وتركوه وان عاند سبوه وضربوه ولو عظيما وان شكا الى كبيرهم قوبل بالتبكيت ويقال له ألا تفسحون لاخوانكم المجاهدين الذين حاربوا عنكم وانقذوكم من الكفار الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب ويأخذون أموالكم ويفجرون بنسائكم وينهبون بيوتكم وهم ضيوفكم أياما قليلة فما يسع المسكين الا ان يكلفهم بما قدر عليه وان أسعفته العناية وانصرفوا عنه باي وجه فيأتي اليه خلافهم وان سكنوا دارا أخربوها وأما الفلقات والينكجرية الذين تقيدوا بحارات النصارى فانهم كلفوهم اضعاف ما كلفوا به المسلمين ويطلبون منهم بعد كلف المأكل واللوازم مصروف الجيب وأجرة الحمام وغير ذلك وتسلطت عليهم المسلمون بالدعاوى والشكاوى على أيدي أولئك القلقات فيخلصون منهم ما لزمهم بأدنى شبهة ولا يعطون المدعي الا القليل من ذلك والمدعي يكتفي بما حصل له من التشفي والظفر بعدوه واذا تداعي شخص على شخص أو أمرأة مع زوجها ذهب معهم اتباع القلق الى المحكمة ان كانت الدعوى شرعية فاذا تمت الدعوى أخذ القاضي محصولة ويأخذ مثله اتباع القلق على قدر تحمل الدعوى
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الثلاثاء سنة
فيه افرج عن عرفة بن المسيري وصولح عليه بخمسة عشر كيسا وكتب له فرمان برد منهوباته وعدم التعرض لتعلقاته بالمحلة
وفي يوم الاربعاء ثانيه أمر الوزير الوجاقلية بلبس القواويق على عادتهم القديمة فأخبروا ابراهيم بك فقال الامر عام لنا ولكم أولكم فقط فقالوا لا ندرى فسأل ابراهيم بك الوزير المشار اليه فقال له بل ذلك عام فلما كان يوم الجمعة حادي عشره لبس الوجاقلية والامراء المصرية (2/487)
زيهم من القواويق المختلفة الاشكال على عادتهم القديمة حسب الامر بذلك وكذلك الامراء الصناجق وحضروا في يوم الجمعة بديوان الوزير ونظر اليهم وأعجب بهيآتهم واستحسن زيهم ودعا لهم واثنى عليهم وأمرهم أن يستمروا على هيئتهم وذلك على ما هم فيه من التفليس وغالبهم لا يملك عشاء ليلته فضلا عن كونه يقتني حصانا وشنشارا وخدما ولوازم لا بد منها ولا غنى للمظهر عنها
وفيه حضرت جماعة من عسكر القبط الذين كانوا ذهبوا بصحبة الفرنساوية فتخلفوا عنهم ورجعوا الى مصر
وفيه أرسلوا تنابيه للملتزمين بطلب بواقي مال سنة ثلاث عشرة واربع عشرة فأعتذروا بأنهم ممنوعون من التصرف فمن اين يدفعون البواقي
وفي يوم الخميس نبهوا على العساكر المتداخلة في الينكجرية وغيرهم بالسفر
وفيه كتبت فرمانات باللغة العربية بترصيف صاحبنا العلامة السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب وأرسلت الى البلاد الشرقية والمنوفية والغربية مضمونها الكف عن أذية النصارى واليهود أهل الذمة وعدم التعرض لهم وفي ضمنه آيات قرآنية وأحاديث نبوية والاعتذار عنهم بان الحامل لهم على تداخلهم مع الفرنساوية صيانة اعراضهم وأموالهم
وفي يوم الجمعة احضروا رمة زوجة ابراهيم بك عملوا لها قبرا بجانب أخيها محمد بك أبي الذهب بمدرسته المقابلة للجامع الازهر ودفنوها به
وفي يوم السبت خامسه ورد الخبر بوفاة احمد بك حسن أحد الامراء الذين توجهوا صحبة حسين باشا القبطان والفرنساوية وكان القبطان وجهه الى عرب الهنادي الذين يحملون الميرة الى الفرنسيس المحصورين بأسكندرية وضم اليه عدة من العسكر فحاربهم وقاتلهم عدة مرار فأصابته رصاصة دخلت في جوفه فرجع الى مخيمه ومات من (2/488)
ليلته وكان يضاهي سيده في الشجاعة والفروسية
وفيه اطلعوا للملتزمين التصرف في سنة خمس عشرة ليقضوا ما لهم وما عليهم من البواقي ومال الميري والمضاف ويدفعوا جميع ذلك الى الخزينة بأوراق مختومة من ابراهيم بك وعثمان بك والقصد من ذلك اطمئنانهم بالجباية والرجاء بالتصرف في المستقبل ووعدهم بذلك سنة تاريخه بعد دفعهم الحلوان مع ان الفرنساوية لما استقر أمرهم بمصر ونظروا في الاموال الميرية والخراج فوجدوا ولاة الامور يقبضون سنة معجلة ونظروا في الدفاتر القديمة واطلعوا على العوائد السالفة ورأوا ذلك كان يقبض أثلاثا مع المراعاة في ري الاراضي وعدمه فاختاروا والاصلح في أسباب العمار وقالوا ليس من الانصاف المطالبة بالخراج قبل الزراعة بسنة واهملوا وتركوا سنة خمس عشرة فلم يطالبوا الملتزمين بالاموال الميرية ولا الفلاحين بالخراج فتنفست الفلاحون وراج حالهم وتراجعت ارواحهم مع عدم تكليفهم كثرة المغارم والكلف وحق طرق المعينين ونحو ذلك
وفي يوم الثلاثاء ثامنه وصلت قافلة شامية وبها بضائع وصابون ودخان وحضر السيد بدر الدين المقدسي والحاج سعودي الحناوي وآخرون وتراجع سعر الصابون والقناديل الخليلي والدخان
وفيه ورد الخبر بسفر الفرنساوية ونزولهم المراكب من ساحل أبي قير
وفي يوم الاحد حبس حسن آغا محرم المنفصل عن الحسبة وطولب بمائتي كيس وذلك معتاد الحسبة في الثلاث سنوات التي تولاها أيام الفرنساوية فانه لما تقلد أمر الحسبة في أيامهم منعوه من أخذ العوائد والمشاهرات من السوقة وجعلوا له مرتبا في كل يوم يأخذه من الاموال الديوانية نظير خدمته وكذلك أتباعه وطالبوه ايضا بأربعة آلاف قرش كان اعطاها له نزله امين عند حضورهم في العام الماضي لمشتروات الذخيرة ثم نقض الصلح عقيب ذلك وخرجوا من مصر وبقيت بذمته فأخبر أن (2/489)
الفرنساوية علموا بها وأخذوها منه واعطوه ورقة بوصول ذلك اليهم فلم يقبلوا منه ذلك وبقي معتقلا وادعوا عليه ايضا بتركة الاغا الذي كان نزيله ومات عنده واحتوى على موجوده فأخبر ايضا ان الفرنسيس اخذوا منه ذلك ايضا واعطوه سندا فلم يقبلوا منه ذلك واستمر محبوسا
وفي يوم الاثنين رابع عشره نودي على أن أهل البلدة لا يصاهرون العساكر العثمانية ولا يزوجونهم النساء وكان هذا الامر كثر بينهم وبين أهل البلد واكثرهم النساء اللاتي دون مع الفرنساوية ولما حضر العثمانية تحجبن وتنقبن وتوسطن لهن اشباهن من الرجال والنساء وحسنوهن للطلاب ورغبوا فيهن الخطاب فأمهروهن المهور الغالية وانزولهن المناصب العالية وفي ذلك اليوم ايضا نودي على أهل الذمة بالامن والامان وأن المطلوب منهم جزية أربع سنوات
وفيه قبض على جربجي موسى الجيزاوي وعمل عليه عشرون كيسا
وفيه قبض محمد باشا ابو مرق على مقدمه مصطفى الطاراتي وضربه علقة وحبسه وألزمه بمبلغ دراهم
وفيه سافر الانكليزية الذين بالجيزة والروضة الى جهة الاسكندرية وأشيع أن الحرب قائمة بين العساكر والفرنسيس الاسكندرانية من يوم الاثنين سابعه فطلبوا المراكب حتى شح وجودها وضاق الحال بالمسافرين واستمر طلبهم ونزولهم عدة ايام وكذلك نبهوا على الكثير من العساكر الاسلامية بالسفر
وفي يوم الخميس نقضت الاوامر بتصرف الملتزمين في البلاد وقيدت صيارف من نصارى القبط بالنزول الى البلاد لقبض الاموال في غير أوانها لطرف الدولة
وفي يوم الجمعة ثامن عشره لبس الامراء الكبار القواويق على رؤوسهم
وفيه قبض من مصطفى الطاراتي المعتقل المتقدم ذكره خمسة عشر (2/490)
ألف ريال ولم يزل معتقلا وقيل انه غمز عليه فوجد له في مكان صندوقات ضمنهما ذهب نقدعين ومصطفى هذا كان كلارجيا عند قائد أغا حين كان بمصر فلما خرج الامراء مقدما عند بونابارته ثم عند كلهبر فلما وقعت الفتنة السابقة وظهر يعقوب القبطي وتولي أمر الفردة وجمع المال تقيد بخدمته وتولى أمر اعتقال المسلمين وحبسهم وعقوبتهم وضربهم فكان يجلس على الكرسي وقت القائلة ويأمر اعوانه بإحضار افراد المحبوسين من التجار وأولاد الناس فيمثل بين يديه ويطالبه بأحضار ما فرض عليه مما لا طاقة له به ولا قدرة له على تحصيله فيعتذر بخلو يده ويترجى امهاله فيزجره ويسبه ويأمر بضربه فيبطحونه ويضرب بين يديه ويرده الى السجن بعد أن يأمر أعوانه أن يذهب الى داره وصحبته الجماعة من عسكر الفرنسيس ويهجمون على حريمه وأمثال ذلك
وفي يوم الاحد وردت أخبار من اسكندرية بتملك العساكر الاسلامية والانجليزية متاريس الفرنساوية وأخذهم المتاريس التي جهة العجمي وباب رشيد وجانبا من اسكندرية القديمة وتخطت المراكب وعبرت الى المينة وأن الفرنساوية انحصروا داخل الابراج واخذ منهم نحو المائة وسبعين أسيرا وقتل منهم عدة وافرة ووقعت بين الفريقين مقتلة عظيمة لم يقع نظيرها وقتل الكثير من عسكر قبطان باشا وكذلك من الانجليز ثم انجلت الحرب عما ذكر فلما ور الخبر بذلك ضربوا عدة مدافع وسر الناس بذلك
وفيه ورد الخبر بوصول سليمان صالح الى بلبيس وصحبته المحمل والحريمات وأحضر معه رمة سيده صالح بك ليدفنها بمصر بالقرافة فخرج أناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء وهدبه
وفي يوم الاثنين وصل سليمان أغا الى بركة الحاج وصحبته المحمل ونساء الامراء القادمين من الشام ومعه ايضا رمة صالح بك ليدفنها بقرافة مصر فخرج الناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء (2/491)
وهديات ونودي في عصريته بعمل موكب من الغد وطاف ألاى جاويش بزيه المعتاد وخلفه القابجية وهم ينادون يارن الاى فلما اصبح يوم الثلاثاء ثاني عشرينه عمل الموكب وانجر الالاى ودخل المحمل من باب النصر وشقوا به من الشارع الاعظم وصادف ذلك اليوم يوم مولد المشهد الحسيني والاسواق مزينة وعلى الحوانيت الشقق الحرير والزردخات والتفاصيل وتعاليق القناديل ومشى في الموكب رسوم الوجاقلية والاوده باشية واكثر الامراء والمشايخ والعلماء ونقيب الاشراف ونبه على جميع الاشراف تلك الليلة بالحضور في صبح ذلك اليوم للمشي في ذلك الموكب فمشى كل من كان له عمامة خضراء يكبرون ويهللون فكانوا عدداكثيرا وكل من وجدوه بالطريق وعلى رأسه خضار جذبوه وسحبوه قهرا وامروه بالمشي وان أبى ضربوه وسبوه وبكتوه بقولهم ألست من المسلمين وكذلك تجمع ارباب الاشاير ومشوا على عادتهم بطبولهم وزمورهم وخباطهم وخرقهم وخورهم وصياحهم فلم يزالوا حتى وصلوا الى قراميدان وتسلم المحمل محمد باشا ابومرق من سليمان أغا الذي وصل به ولكونه عوضا عن سيده أمير الحاج صالح بك ثم صعدوا به الى القلعة وأودعوه هناك وعملت وقدة وشنك تلك الليلة
وفي ذلك اليوم شرعوا في فتح باب الفتوح وكان القصد ادخال المحمل منه لضيق باب الاستثنا الثاني الذي جدده الفرنساوية عند باب النصر فلم يتأت ذلك لمتانة البناء واستمروا ثلاثة أيام يهدمون في البناء الذي على الباب من داخل فلم يمكن ودفنوا صالح بك بتربة اعدت له بقرافة المجاورين والعجب ان الناس من القديم يتمنون أن يقبروا بالارض المقدسة لكونها عش الانبياء والصديقين وهؤلاء الثلاثة بالعكس فما هو الا لتطهيرها منهم
وفيه ورد خبر باسكندرية بانقضاء الحرب وطلب الفرنسيس الصلح بعد وقوع الغلبة عليهم وهزيمتهم وأخذ منهم عدة اسرى وانحصروا في (2/492)
الابراج فأمنوهم وأجلوهم خمسة أيام آخرها يوم الخميس سابع عشرينه
وفيه الزموا حسن أغا المحتسب بالنقلة من داره وهو في الحبس فأرسل الى حريمه واتباعه فانتقلوا الى مكان آخر
وفيه ورد الخبر ايضا بورود عثمان كتخدا الدولة الذي كان بمصر في العام السابق وباشر الحروب بمصر وصحبته آخر يقال له شريف افندي
وفي سادس عشرينه قدم محمد افندي المعروف بشريف افندي الدفتردار وقدم بصحبته عثمان كتخدا الدولة وسكن شريف افندي بدرب الجماميز وسكن الكتخدا بمنزل حسن أغا المحتسب سابقا بسويقة اللالا
وفي غايته عمل شنك ومدافع كثير وذلك لوصول خبر بتسليم الاسكندرية وسبب تأخرهم الى هذه المدة بعد وقوع الصلح انتظار الامر بالانتقال من بونابارته وذلك انه لما وقع الصلح المتقدم أرسل سارى عسكر منو تطريدة الى فرانسا بالخبر الى بونابارته وانتظر الجواب فورد عليه الامر بالانتقال والحضور فعند ذلك نزلوا متاعهم الى المراكب وسافروا الى بلادهم
شهر جمادى الاولى استهل بيوم الخميس سنة
فيه قرئت فرمانات صحبة عثمان كتخدا وفيها التنويه بذكر أعيان الكتبة الاقباط والوصية بهم مثل جرجس الجوهري واصف وملطي ومقدمهم في تحرير الاموال الميرية
وفيه أنفصل مولانا السيد محمد المعروف بقدسي افندي عن القضاء وسافر ذلك اليوم وذلك بمراده واستعفائه وطلبه وتقلد القضاء عوضه عبد الله افندي قاضي الميري وكاتب الجمرك وحضر في ذلك اليوم الى المحكمة
وفي يوم السبت ثالثه أفرج عن حسن أغا المحتسب بشفاعة عثمان (2/493)
كتخدا وحسن أغا وكيل قبطان باشا من غير شيء وتوجه الى دار بجوار داره
وفيه تجمع النساء والفلاحون والملتزمون والوجاقلية ببيت الوزير بسبب الالتزام والمنع من التصرف وحضور الفلاحين للضيق عليهم بطلب المال الى ملتزميهم ومطالبتهم اياهم بما قبضوه منهم فلما اجتمعوا وصرخوا سأل الوزير عن ذلك فأخبروه فأمر بكتابة فرمان بالاطلاق والاذن للملتزمين بالتصرف ووجهوا الامر الى الدفتردار فكتب عليه ثم الى الروزنامجي كذلك ثم توجهوا الى دفتردار الدولة فتوقف وبقى الامر زجاجا اياما وذلك ان القوم يريدون امورا مبطونة في نفوسهم واطماعا مركوزة في طباعهم
وفي يوم الاثنين نودي بالزينة ثلاثة ايام اولها الاربعاء وآخرها الجمعة تاسعه سرورا بتسليم الاسكندرية فزينت المدينة وعملت الوقدات بالاسواق والمغاني للفرجة ليلا ونهارا وكل ليلة يعمل شنك نفوط وسواريخ وبارود ببركة الغرابين المطل عليها بيت الوزير
وفيه حضر نحو ستة انفار من اعيان الانكليز وصحبتهم جماعة من العثمانية يفرجونهم على مواطن مزارات المسلمين فدخلوا الى المشهد الحسيني وغيره بمداساتهم فتفرجوا وخرجوا
وفيه تحاسب السيد أحمد المحروقي مع السيد أحمد الزرو على شركة بينهما فتأخر علي الزرو أحد وعشرون كيسا فألزمه باحضارها وحبسه بسجن قواس باشا وأمره بالتضييق عليه ولما اصبح يوم السبت لغط الناس باستمرار الزينة سبعة ايام وانتظروا الاذن في رفع التعاليق فلم يؤذن لهم بشيء فاستمروا طول النهار في اختلاف وحل وربط ثم اذن لهم قبيل الغروب برفعها بعدما عمروا القناديل وكان الناس يبيتون سهارى بالحوانيت والقلقات يطوفون بالاسواق فمن وجدوه نائما نبهوه بإزعاج (2/494)
وفي يوم الاثنين ثاني عشره ووقع من طوائف العسكر عربدة بالاسواق وتخطفوا امتعة الناس ومن باعة المآكل كالشواء والفطير والبطيخ والبلح فأنزعجت الناس ورفعوا متاعهم من الحوانيت واخلوا منها واغلقوها فحضر اليهم بعض أكابرهم وراطنهم فانكفوا وراق الحال وتبين ان السبب في ذلك تأخير علائفهم وذلك أن من عادتهم القبيحة انه اذا تأخرت عنهم علائفهم فعلوا مثل ذلك بالرعية وأثاروا الشرور فعند ذلك يطلبون خواطرهم ويعدونهم أو يدفعون لهم
وفيه ورد الخبر بتولية محمد باشا خسرو على مصر وهو كتخدا حسين باشا القبودان فألبس الوزير وكيله خلعةعوضا عنه واشيع عزل محمد باشا أبي مرق وسفره الى بلاده وحضر السفار أيضا من جهة رشيد واسكندرية واخبروا بان الفرنساوية لم يزالوا باسكندرية وبنديراتهم على الابراج وان القبطان ومن معه لم يدخلوها وانما يدخلها معهم الانكليزية وانهم ينتظرون الى الآن الجواب والاذن من شيختهم وما أشيع قبل ذلك فلا أصل له وأما الطائفة الاخرى التي سافرت من مصر فإنهم نزلوا وسافروا على وفق الشرط من أبي قير كما تقدم
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وردت مكاتبة من قبطان باشا بطلب عثمان بك المرادي وعثمان بك البرديسي وابراهيم كتخدا السناري والحاج سلامة تابعه وآخرين فسافروا في يوم السبت رابع عشرينه
وفي ليلة السبت المذكور قتلوا شخصا يسمى مصطفى الصيرفي من خط الصاغة قطعوا رأسه تحت داره عند حانوته وسبب ذلك انه كان يتداخل في نصارى القبط والذين يتعاطون الفرد ويوزعونها وتولى فردة أهل الصاغة وسوق السلاح وتجاهر بأمور نقمت عليه وأضر اشخاصا وأغرى به فحبس اياما ثم قتل بأمر الوزير وترك مرميا ثلاث ليال ثم دفن وفي صبيحة قتله طاف المشاعلي بالخطة ودوائرها مثل الجمالية والضيية والنحاسين وباب الزهومة وخان الخليلي فجبى من أرباب (2/495)
الحوانيت دراهم ما بين خمسة انصاف فضة وعشرة وعند شيله جبي القلقات ايضا ما يزيد على المائة قرش وذلك من جملة عوائدهم القبيحة
وفيه هرب السيد احمد الزرو فلم يعلم له خبر وذلك بعد ما أطلق بضمانة السيد أسعد وابن محرم فكتب الوزير عدة فرمانات وارسلها صحبة هجانة الى جهة الشام وختموا على دوره ولم يعلم هروبه الا بعد أربعة أيام لما داخله من الخوف بقتل الصيرفي المذكور
وفي يوم الخميس تاسع عشرنيه عقد ابراهيم بك الكبير عقد ابنته عديلة هانم التي كانت تحت ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي الذي غرق بواقعة الفرنسيس بانبابة على الامير سليمان كاشف مملوك زوجها الاول على صداق ألفين ريال وحضر العقد الشيخ السادات والسيد عمر النقيب والفيومي وبعض الاعيان
وفي يوم الجمعة غايته قتل شخص أيضا بسوق السلاح وهو من ناحية المنصورة وجبي المشاعلية والقلقات دراهم من أرباب الحوانيت مثل ذلك المذكور فيما تقدم وانقضى هذا الشهر وحوادثها التي منها الارتباك في أمر حصص الالتزام والمزاد في المحلول وعدم الراحة والاستقرار على شيء يرتاح الناس عليه ومثل ذلك الرزق الاحباسية والاوقاف وحضر شخص تولى النظر والتفتيش على جميع الاوقاف المصرية السلطانية وغيرها وبيده دفاتر ذلك فجمع المباشرين واستملاهم وكذلك كاتب المحاسبة وبث المعينين لاحضار النظار بين يديه وحسابهم على الايراد والمصرف واظهر انه يريد بذلك تعمير المساجد الكائنة بالقرى المصرية وانضمت اليه الاغوات وطلب كل من كان له ادنى علاقة بذلك واستمروا على ذلك بطول السنة ثم انكشف الامر وظهر ان المراد من ذلك ليس الا تحصيل الدراهم فقط وأخذ المصالحات والرشوات بقدر الامكان بعد (2/496)
التعنت في التحرير والتعلل بأثبات المدعي في الايراد والمصرف خصوصا اذا كان الشخص ضعيفا وليس من أرباب الوجاهة والمتجوهين أو بينه وبين الكتبة حزازة باطنية ثم يحررون دفترا ويحررون الفائظ ثم يطلبون منه ايراد ثلاث سنوات أو اربعة ولم يزل حتى يصالح على نفسه بما أمكنه ثم يختمون له ذلك الدفتر ويتركونه وما يدين ان شاء عمر وان شاء اخر فان انتهت اليهم بعد ذلك شكوى في ناظر وقف سبقت له مصالحة لا تسمع شكوى الشاكي ولا يلتفت اليها ويفعلون هذا الفعل في كل سنة
ومنها زيادة النيل الزيادة المفرطة عن المعتاد وعن العام الماضي ايضا حتى غطى الذراع زاده الفرنساوية على عامود المقياس فان الفرنساوية لما غيروا معالم المقياس رفعوا الخشبة المركبة على العامود وزادوا فوق العامود قطعة رخام مربعة مهندمة وجعلوا ارتفاعها مقدار ذراع مقسوم باربعة وعشرين قيراطا وركبوا عليها الخشبة فسترها الماء ايضا ودخل الماء بيوت الجيزة ومصر القديمة وغرقت الروضة ولم يقع في هذا النيل حظوظ ولا نزهة للناس كعادتهم في البرك والخلجان والمراكب وذلك لاشتغال الناس بالهموم المتوالية وخصوصا الخوف من اذى العسكر وانحراف طباعهم وأوضاعهم وعدم المراكب وتخريب الفرنسيس أماكن النزاهة وقطع الاشجار وتلف المقاصف التي كانت تجلس بها أولاد البلد مثل دهليز الملك والجسر والرصيف وغير ذلك مثل الكازروني والمغربي وناحية قنطرة السد وقصر العيني والقصور
ومنها ان محمد بك المعروف بالمنفوخ المرادي حصل عنده وحشة من قبطان باشا فحضر الى ناحية الاهرام بالجيزة وطلب الحضور عند الوزير يستجير به فذهب اليه خشداشه عثمان بك البرديسي وحادثه وأشار عليه بالرجوع الى جهة القبطان فأقام أياما ثم رجع الى ناحية اسكندرية والسبب في ذلك ما حصل في الواقعة التي قتل بها أحمد بك (2/497)
الحسيني قيل ان ذلك بنفاقه عليه واتضح ذلك للقبطان واحضرت العرب مراسلته اليهم بذلك فانحرف عليه القبطان فلما علم ذلك داخله الخوف ثم ارسل اليه الامراء والقبطان أمانا فرجع بعد أيام
ومنها حضور الجمع الكثير من أهالي الصعيد هروبا من الالفي وما أوقعه بهم من الجور والمظالم والتقارير والضرائب والغرائم وحضر ايضا الشيخ عبد المنعم الجرجاوي والشيخ العارف وخلافهم يتشكون مما أنزله على بلادهم وطلب متروكات الاموات وأحضر ورثتهم وأولاده وأطفالهم ومن توسط أو ضبط أو تعاطي شيئا من القضاة والفقهاء وحبسهم وعاقبهم وطالبهم وطلب استئصال ما بأيديهم ونحو ذلك كل ذلك بأمن من الدولة وغير ذلك معين فحضورا فصالحوا على تركة سليم كاشف باثنين وعشرين ألف ريال بعد ان ختموا على دوره بعد أن أزعجوا حريمه وعياله ونطوا من الحيطان ثم حضروا الى مصر وأمثال ذلك
ومنها كثرة تعدى العسكر بالاذية للعامة وأرباب الحرف فيأتي الشخص منهم ويجلس على بعض الحوانيت ثم يقوم فيدعي ضياع كيسه أو سقوط شيء منه وان أمكنه اختلاس شيء فعل أو يبدلون الدنانير الزيوف الناقصة النقص الفاحش بالدراهم الفضة قهرا أو يلاقشون النساء في مجامع الاسواق من غير احتشام ولا حياء واذا صرفوا دراهم أو أبدلوها اختلسوا منها وانتشروا في القرى والبلدان ففعلوا كل قبيح فتذهب الجماعة منهم الى القرية وبيدهم ورقة مكتوب باللغة التركية ويوهمونهم انهم حضروا اليهم بأوامر ما برفع الظلم عنهم أو ما يبتدعونه من الكلام المزور ويطلبون حق طريقهم مبلغا عظيما ويقبضون على مشايخ القرية ويلزمونهم بالكلف الفاحشة ويخطفون الاغنام ويهجمون على النساء وغير ذلك مما لا يحيط به العلم فطفشت الفلاحون وحضر أكثرهم الى المدينة حتى امتلأت الطرق والازقة منهم أو يركب العسكري حمار المكارى قهرا ويخرج به الى جهة الخلاء فيقتل المكارى (2/498)
ويذهب بالحمار فيبيعه بساحة الحمير واذا انفردوا بشخص أو بشخصين خارج المدينة أخذوا دراهمهم او شلحوهم ثيابهم أو قتلوهم بعد ذلك وتسلطوا على الناس بالسب والشتم ويجعلونهم كفرة وفرنسيس وغير ذلك وتمنى أكثر الناس وخصوصا الفلاحين أحكام الفرنساوية
ومنها أن أكثرهم تسبب في المبيعات وسائر اصناف المأكولات والخضارات ويبيعونها بما أحبوا من الاسعار ولا يسرى عليهم حكم المحتسب ولا غيره وكذلك من تولى منهم رياسة حرفة من الحرف كالمعمارجية أو غيرهم قبض من أهل الحرفة معلوم اربع سنوات وتركهم وما يدينون فيسعرون كل صنف بمرادهم وليس له هو التفات لشيء سوى ما يأخذه من دراهم الشكاوى فعلا بسبب ذلك الجبس والجير وأجر الفعلة والبنائين خصوصا وقد احتاج الناس لبناء ما هدمه الفرنسيس وما تخرب في الحروب بمصر وبولاق وجهات خارج البلد حتى وصل الاردب الجبس الى مائة وعشرين نصف فضة والجير بخمسين نصف فضة وأجرة البناء أربعين فضة والفاعل عشرين وأما الغلة فرخصية وكذلك باقي الحبوب بكثرتها مع ان الرغيف ثلاثة آواق بنصف لما ذكر من عدم الالتفات الى الاحكام والتسعيرات
واستهلت جمادى الثانية بيوم السبت سنة
فيه تفكك الجسر الكبير المنصوب من الروضة الى الجيزة وذلك من شدة الماء وقوته فتحللت رباطاته وانتزعت مراسيه وانتشرت أخشابه وتفرقت سفنه وانحدرت الى بحري
وفي ليلة الاحد ثانية حصلت زلزلة في ثالث ساعة من الليل
وفي يوم الاثنين ثالثه قطعوا رأس مصطفى المقدم المعروف بالطاراتي بين المفارق بباب الشعريةوذلك بعد حبسه أياما عديدة وضربه وعقابه حتى تورمت أقدامه وطاف مع المعينين عدة ايام يتداين بواقي ما قرر عليه ودخل دارا نافذة وأجلس الملازمين له ببابها وهم لا يعلمون (2/499)
بنفوذها وأوهم انه يريد التداين من صاحب الدار ونفذ من الجهة الاخرى واختفى في بعض الزوايا فاستعوقه الجماعة ودخلوا الى الدار فلم يجدوه وعلموا بنفوذها فقبضوا على خدمة الدار وضربوهم فلم يجدوا عندهم علما منه فأطلقوهم وأوقعوا عليه الفحص والتفتيش فرآه شخص ممن صادره في ايام الفردة فصادفه في صبحها خارج باب القرافة فقبض عليه وأحضره بين يدي جماعة القلق فدل عليه فقبضوا عليه وقتلوه بعد القبض عليه بثلاثة أيام وتركوه مرميا تحت الارجل وسط الطريق وكثرة الازدحام ثلاث ليال وفعلوا عادتهم في جبي الدراهم من تلك الخطة
وفيه ورد فرمان من محمد باشا والي مصر بأن يتأهبوا لموكبه على القانون القديم فكتبوا تنابيه للوجاقلية والاجناد بالتهيء للموكب
وفي يوم الثلاثاء وصل شمس الدين بك أميراخور كبير ومرجان أغا دار السعادة فأرسلوا تنابيه الى الوجاقلية والامراء والمشايخ ومحمد باشا وابراهيم باشا فاجتمعوا ببيت الوزير وحضر المذكوران بعد الظهر فخرج الوزير ولاقاهما من المجلس الخارج فسلماه كيسا بداخله خط شريف فأخذه وقبله وأحضرا له بقجة بداخلها خلعة سمور عظيمة فلبسها وسيفا تقلد به وشلنج جوهر وضعه على رأسه ودخل صحبتهما الى القاعة حيث الجمع ففتح الكيس وأخرج منه الفرمان ففتحه واخرج منه ورقة صغيرة فسلمها لرئيس افندي فقرأها باللغة التركية والقوم قيام على اقدامهم مضمونها الخطاب لحضرة الوزير الحاج يوسف باشا وحسين باشا القبطان والباشات والامراء والعساكر والمجاهدين والثناء عليهم والشكر لصنيعهم وما فتحه الله على يديهم واخراجهم الفرنسيس ونحو ذلك ثم وعظ بعض الافندية بكلمات معتادة ودعوا للسلطان والوزير والعساكر الاسلامية وتقدم ابراهيم باشا ومحمد باشا وطاهر باشا وباقي الامراء فقبلوا ذيل الخلعة وانصرفوا وضربوا مدافع كثيرة (2/500)
من القلعة في ذلك الوقت وفي ذلك اليوم ألبس الوزير الامراء والبلات فراوى وخلعا وشلنجات ذهب على رؤوسهم
وفيه حضرت اطواخ بولاية جدة لمحمد باشا توسون اغات الجبجية وهو انسان لا بأس به
وفيه حضر القاضي الجديد من الروم ووصل الى بولاق وهو صاحب المنصب فأقام ثلاثة أيام وصحبته عياله وحريمه فلما كان يوم السبت ثامنه حضر بموكبه الى المحكمة وذهب اليه الاعيان في صبحها وسلموا عليه وله مسيس بالعلم
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل الوزير الديوان وحضر عنده الامراء فقبض على ابراهيم بك الكبير وباقي الامراء الصناجق وحبسهم وارسل طاهر باشا بطائفة من العسكر الارنؤد الى محمد بك الالفي بالصعيد وكان اشيع هروبه الى جهات الواحات وذهبت طائفة الى سليم بك أبي دياب وكان مقيما بالمنيل فلما أخذ الخبر طلب الهرب وترك حملته فلما حضرت العسكر اليه فلم يجدوه فنهبوا القرية واخذوا جماله وهي نحو السبعين وهجنه وهي نيف وثلاثون هجينا وذهبت اليه طائفة بناحية طرا فقاتلهم ووقع بينهم بعض قتلى ومجاريح ثم هرب الى جهة قبلي من على الحاجز ووقفت طائفة العسكر والارنؤد بالاخطاط والجهات وخارج البلد يقبضون على من يصادفونه من المماليك والاجناد ونودي في ذلك اليوم بالامن والامان على الرعية والوجاقلية وأطلق الوزير مرزوق بك ورضوان كتخدا ابراهيم بك وسليمان أغا كتخداه المسمى بالحنفي وأحاطت العسكر بالامراء المعتقلين واختفى باقيهم ونودي عليهم وبالتوعد لمن أخفاهم أو آواهم وباتوا بليلة كانت أسوأ عليهم من ليلة كسرتهم وهزيمتهم من الفرنسيس وخاب أملهم وضاع تعبهم وطمعهم وكان في ظنهم ان العثملي يرجع الى بلاده ويترك لهم مصر ويعودون الى حالتهم الاولى يتصرفون في الاقاليم كيفما شاؤا (2/501)
فاستمروا في الحبس ثم تبين ان سليم بك ابا دياب ذهب الى عند الانكليز والتجأ اليهم بالجيزة وألبس لوزير سليمان آغا تابع صالح آغا زي العثمانيين وجعله سلخور وأمره أن يتهيأ ليسافر الى اسلامبول في عرض الدولة
وفي يوم الاثنين سابع عشره سافر اسمعيل افندي شقبون كاتب حوالة الى رشيد باستدعاء من الباشا والي مصر
وورد الخبر بوصول كسوة للكعبة من حضرة السلطان فلما كان يوم الاربعاء حضر واحد افندي وآخرون وصحبتهم الكسوة فنادوا بمرورها في صبحها يوم الخميس فلما أصبح يوم الخميس المذكور ركب الاعيان والمشايخ والاشاير وعثمان كتخدا المنوه بذكره لامارة الحج وجمع الجاويشية والعساكر القاضي ونقيب الاشراف وأعيان الفقهاء وذهبوا الى بولاق وأحضورها وهم امامها وفردوا قطع الحزام المصنوع من المخيش ثلاث قطع والخمسة مطوية وكذلك البرقع ومقام الخليل كل ذلك مصنوع بالمخيش العال والكتابة غليظة مجوفة متقنة وباقي الكسوة في سحاحير على الجمال وعليها أغطية جوخ أخضر ففرح الناس بذلك وكان يوما مشهودا وأخبر من حضر أنه عند ماوصل الخبر بفتح مصر أمر حضرة السلطان بعملها فصنعت في ثلاثين يوما وعند فراغها أمرهم بالسير بها ليلا وكان الريح مخالفا فعندما حلوا المراسي اعتدل الريح بمشيئة الله تعالى وحضروا الى اسكندرية في أحد عشر يوما
وفيه وردت الاخبار بان حسين باشا القبطان لم يزل يتحيل وينصب الفخاخ للامراء الذين عنده وهم محترزون منه وخائفون من الوقوع في حباله فكانوا لا يأتون اليه الا وهم متسلحون ومحترزون وهو يلاطفهم ويبش في وجوههم الى ان كان اليوم الموعود به عزم عليهم في الغليون الكبير الذي يقال له ازج عنيرلي فلما طلعوا الى الغليون وجلسوا فلم يجدوا القبودان فأحسوا بالشر وقيل انه كان بصحبتهم فحضر اليه رسول وأخبره انه حضر معه ثلاثة من السعاة بمكاتبة فقام ليرى تلك (2/502)
المراسلة فما هو الا أن حضر اليهم بعض الامراء وأعلمهم أنه ورد خط شريف باستدعائهم الى حضرة مولانا السلطان وأمرهم بنزع السلاح فأبوا ونهض محمد بك المنفوخ وسل سيفه وضرب ذلك الكبير فقتله فما وسع البقية الا أنهم فعلوا كفعله وقاتلوا من بالغليون من العساكر وقصدوا الفرار فقتل عثمان بك المرادي الكبير وعثمان بك الاشقر ومراد بك الصغير وعلي بك أيوب ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الحسيني الذي قامر عوضا عن أحمد بك الحسيني وابراهيم كتخدا السناري وقبض على الكثير منهم وأنزلوهم المراكب وفر البقية مجروحين الى عند الانكليز وكانوا واقعين عليهم من ابتداء الامر فاغتاظ الانكليز وانحازوا الى اسكندرية وطرودا من بها من العثمانيين وأغلقوا أبواب الابراج وحضر منهم عدة وافرة وهم طوابير بالسلاح والمدافع واحتاطوا بقبطان باشا من البر والبحر فتهيأ عساكره لحربهم فمنعهم فطلب الانجليز بروزه بعساكره لحربهم فقال لم يكن بيننا وبينكم حرب واستمر جالسا في صيوانه فحضر اليه كبير الانجليز وتكلم معه كثيرا وصمم على أخذ بقية الامراء المسجونين فاطلقهم له فتسلمهم وأخذ أيضا المقتولين ونقل عرضى الامراء من محطتهم الى جهة الاسكندرية وعملوا مشهد للقتلى مشى به عساكر الانجليز على طريقتهم في موتي عظمائهم ووصل الخبر الى من بالجيزة من الانكليز وذلك ثاني يوم من قبض الوزير على الامراء ففعلو كفعلهم وأخذوا حذرهم وضربوا بعض مدافع ليلا وشرعوا في ترتيب آلة الحرب
وفي ذلك اليوم طلع محمد باشا توسون والي جدة الساكن بيت طرا الى القلعة وصعد معه جملةمن العسكر وشرعوا في نقل قمح ودقيق وقومانية وملؤا الصهاريج وشاع ذلك بين الناس فارتاعوا وداخلهم الوسواس من ذلك واستمروا ينقلون الى القلعة مدافع وبارود او آلات حرب
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه حضر كبير الانجليز الذي بالجيزة فالبسه الوزير فروة وشلنجا (2/503)
وفي ذلك اليوم خلع الوزير على عثمان أغا المعروف بقبي كتخدا وقلده على امارة الحج
وفي ذلك اليوم وقع بين عسكر المغاربة والانكشارية فتنة ووقفوا قبالة بعضهم ما بين الغورية والفحامين وأغلقت الناس حوانيتهم بسوق الغورية والعقادين والصاغة والنحاسين ولم يزالوا على ذلك حتى حضر أغات انكشارية وسكنت الفتنة بين الفريقين
وفي الخميس سابع عشرينه مروا بزفة عروس بسوق النحاسين وبها بعض انكشارية فحصلت فيهم ضجة ووقع فيه فشل فخطفوا ما على العروس وبعض النساء من المصاغ المزينات به وفي أثناء ذلك مر شخص مغربي فضربه عسكري رومي ببارودة فسقط ميتا عند الاشرفية فبلغ ذلك عسكر المغاربة فأخذوا سلاحهم وسلوا سيوفهم وهاجت حماقتهم وطلعوا يرمحون من كل جهة وهم يضربون البندق ويصرخون فاغلقت الناس الحوانيت وهرب قلق الاشرفية بجماعته وكذلك قلق الصنادقية وفزعت الناس ولم يزالوا على ذلك من وقت الظهر الى الغروب ثم حال بينهم الليل وقتل المغاربة أربعة أشخاص وأصبحوا محترسين من بعضهم فحضر آغات الانكشارية على تخوف وجلس بسبيل الغورية وحضر الكثير من عقلاء الانكشارية واقاموا بالغورية وحوالي جهة الكعكبين والشوائين حيث سكن المغاربة واستمر السوق مغلقا ذلك اليوم ورجعت القلقات الى مراكزها وبردت القضية وكأنهم اصطلحوا وراحت على من راح
وانقضى هذا الشهر بحوادثه التي منها استمرار نقل الادوات الى القلعة وكذلك مراكز باقي القلاع مع انهم حربوا أكثرها
ومنها زيادة تعدى العسكر على السوقة والمحترفين والنساء واخذ ثياب من ينفردون به من الناس في أيام قليلة
ومنها استمرار مكث النيل على الارض وعدم هبوطه حتى دخل شهر (2/504)
هاتور وفات أوان الزراعة وعدم تصرف الملتزمين وهجاج الفلاحين من الارياف لما نزل بهم من جور العسكر وعسفهم في البلاد حتى امتلأت المدينة من الفلاحين ونودي عليهم عدة مرار بذهابهم الى بلادهم
ومنها ان الوزير امر المصرلية بتغيير زيهم وان يلبسوا زي العثمانية فلبس ارباب الاقلام والافندية والقلقات القواويق الخضر والعنتريات وضيقوا اكمامهم ولبس مصطفى أغا وكيل دار السعادة سابقا وسليمان أغا تابع صالح أغا وخلافهما
واستهل شهر رجب الفرد سنة
سافر سليمان أغا تابع صالح أغا الى اسلامبول
وفيه أمر الوزير الامراء المحبوسين بان يكتبوا كتابا الى الانكليز بانهم اتباع السلطان وتحت طاعته وامره ان شاء أبقاهم في أمارتهم وان شاء قلدهم مناصب في ولايات اخرى وان شاء طلبهم يذهبون اليه فلا دخل لكم بيننا وبينه وكلام في معنى ذلك فارسلوا يقولون ان هذا الكلام لا عبرة به فأنهم مسجونون وتحت امركم ومكتوب المقهور المكره لا يعمل به فان كان ولا بد فأرسلوهم الينا لتخاطبهم ونعلم ضميرهم وحقيقة حالهم فلما كان ليلة الاثنين تاسعه احضر الوزير ابراهيم بك والامراء وأعلمهم أن قصده ارسالهم الى بر الجيزة عند الانجليز ليتفسحوا ذلك اليوم ويخبروهم انهم مطيعون للسلطان وتحت أوامره وأن المراسلة التي ارسلوها عن طيب قلب امنهم وليسوا مكرهين في ذلك فأظهر ابراهيم بك القنع عن الذهاب وانه لا غرض له في الذهاب الى مخالفين الدين فجزم عليه ووعده خيرا وعاهدهم وحلفهم فنزلوا وركبوا من عنده في الصباح وما صدقوا بالخلاص وعدوا الى الجيزة وذهبوا الى عند الانجليز فتبعهم أتباعهم ومماليكهم يرمحون اليهم ويلقحون بهم فاقاموا هناك ولم يرجعوا فانتظر الوزير رجوعهم خمسة أيام وأرسل اليهم يدعوهم الى الرجوع حكم عهدهم فامتنع ابراهيم بك وتكلم بما في ضميره من قهره (2/505)
من الوزير وخبانته له
وفي يوم السبت عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات واجتمع المشايخ والوجاقلية وذلك بأمر من الوزير وأرسل اليهم مكاتبة وفي ضمنها النصيحة والرجوع الى الطاعة فأرسلوا في جواب الرسالة يقولون انهم ليسوا مخالفين ولا عاصين وانهم مطيعون لأمر الدولة وانما تاخرهم بسبب خوفهم وخصوصا ما وقع لاخوانهم باسكندرية وانهم لم يذهبوا الى عند الانجليز لعلمهم انهم عسكر السلطان ومن المساعدين له على اعدائه ومتى ظهر لهم أمر يرتاحون فيه رجعوا الى الطاعة ونحو ذلك من الكلام
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه حضر عابدي بك نسيب مولانا الوزير فخرج اليه غالب أعيان العثمانية والجاويشية وطاهر باشا وعسكر الارنؤد وتلقوه ودخل بحموله في موكب جليل وكان حضرة الوزير حاصلا عنده توعك وغالب أوقاته محتجب عن ملاقاة الناس
وفيه ورد الخبر بسفر قبطان باشا من ساحل ابي قير الى الديار الرومية في منتصف الشهر وأما محمد باشا الوالي على مصر فانه لم يزل مقيما بأبي قير وحضر خازنداره وسكن ببيت البكري بالازبكية
واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة
فيه حضر يوسف افندي وبيده مرسوم بولايته على نقابة الاشراف فبات ببولاق وأرسل ناسا يعلمون بحضوره فلم يخرج لملاقاته أحد ثم ان بعض الناس أحضر اليه فرسا فركبه في ثاني يوم وحضر الى مصر وأشاع انه متولى نقابة الاشراف ومشيخة المدارس الحبانية وخبر ذلك الانسان انه كان يبيع الخردة واليميش بحانوت بخان الخليلي وهو من متصوفة الاتراك الذي يتعاطون الوعظ والاقراء باللغة التركية فمات شيخ رواق الاروام بالازهر فاشتاقت نفسه للمشيخة عل الرواق المذكور فتولاها بمعونة بعض سفهائهم فنقم عليه الطائفة أمورا واختلاسات من الوقف (2/506)
فتعصبوا عليه وعزلوه وولوا السيد حسين افندي المولى الان فحنق من ذلك وداخله قهر عظيم وحقد على حسين أفندي المذكور واضمر له في نفسه المكروه فدعاه يوما الى داره ودس له سما في شرابه فنجاه الله من ذلك وشربت ابنة يوسف افندي الداعي تلك الكاسة المسمومة غلطا وماتت وشاع ذلك وتواترت حكايته بين الناس ورجع كيده عليه وذاق وبال أمره
ثم انه سافر الى اسلامبول وأقام هناك مدة اقامة الفرنسيس بمصر ولم يزل يتحيل ويتداخل في بعض حواشي الدولة وعرض بطلب النقابة ومشيخة الحبانية فاعطوه ذلك لعدم علمهم بشأنه وظنهم أنه اهل لذلك بقوله لهم انه كان شيخا على الازهر ومعرفته بالعلم فلما حصل بمصر وظهر أمره تجمعت أعيان الاشراف وقالوا لا يكون هذا حاكما ولا نقيبا علينا أبدا تنوقل خبره وظهر حاله لاكابر الدولة وحضرة الصدر الاعظم فلم يصغوا اليه ولم يسعفوه وأهمل أمره وهكذا شأن رؤساء الدولة أدام الله بقاءهم اذا تبين لهم الصواب في قضية لا يعدلون الى خلافه
من الحوادث
أنه تقيد بأبواب القاهرة بعض من نصارى القبط ومعهم بعض من العسكر فصاروا يأخذون دراهم من كل من وجدوا معه شيأ سواء كان داخلا او خارجا بحسب اجتهادهم وكذلك ما يجلب من الارياف وزاد تعديهم فعم الضرر وعظم الخطب وغلت الاسعار وكل من ورد بشيء يبيعه يشتط في ثمنه ويحتج بأنه دفع عليه كذا وكذا من دراهم المكس فلا يسع المشتري ألا التسليم لقوله والتصديق له وقبول عذره والسبب في ذلك ان الذين تقيدوا بديوان العشور بساحل بولاق دس عليهم بعض المتقيدين معهم من الاقباط بأن كثيرا من المتاجر التي يؤخذ عليها العشور يذهب بها أربابها من طريق البر ويدخلون بها في أوقات الغفلة تحاشيا عن دفع ما عليها وبذلك لا يجتمع المال المقرر بالديوان فيلزم أن (2/507)
يتقيد بكل باب من يترقب لذلك ويرصده ويأخذ ما يخص الديوان من ذلك فأذن كبراء الديوان بذلك فانفتح لهم بذلك الباب فولجوه ولم يحسبوا للعاقبة من حساب وزادوا في الجور والفضائح وأظهروا ما في نفوسهم من القبائح فساءت الظنون واستغاثت المستغيثون وأكثر سخاف الاحلام مما لا طائل تحته من الكلام الى ان زاد التشكي وأنهى الآمر الى الوزير فأمر بأبطال ذلك وانجلت تلك الغمة
وفيه ايضا عرض طائفة القبانية وتشكوا مما رتب عليهم من الجمرك السنوي فأطلق لهم الامر برفعه عنهم
وفيه قبضوا على رجل من المفسدين باقليم الموفية يقال له راضي النجار واحضروه الى مصر وقطعت رأسه بالرميلة
وفي خمسه نزل محمد باشا توسون والي جدة من القلعة في موكب وتوجه الى العادلية قاصدا السفر الى جدة
وفي يوم الاربعاء تاسعه قبضوا على ثلاثة من النصارى الاروام المتزيين بزي العساكر الانكشارية ويعملون القبائح بالرعية فرموا رقابهم احدهم بالدرب الاحمر والثاني بسوق السلاح عند الرفاعي والثالث بالرميلة
وفي يوم الخميس عاشره ايضا قطعوا رأس على جلبي تابع حسين أغاشنن بباب الخرق بين المفارق بأمر من الوزير والسبب في ذلك أن المرحوم يوسف باشا المذكور الكبير المتوفي بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كان أودع عند حسين أغاشنن وديعة فلما ملك الفرنسيس مصر وجرى ما جرى من ورود العرضي والصلح ونقضه فاعتقد قصار العقول ان الامر انتهى للفرنسيس فتجاوزوا الحد وأغروا ببعضهم وتتبعوا العورات وكشفوا عن المستورات ودلوا الفرنسيس على المخبآت وتقربوا اليهم بكل ما وصلت اليه همتهم وراجت به سلعتهم والمسكين المقتول مديدة الى بعض ودائع سيده فاختلس منها وتوسع في نفسه (2/508)
وركب الخيول واتخذ له خدما وتداخل مع الفرنسيس وحواشيهم فاستخفوا عقله فاستفسروا منه فأخبرهم بالوقائع والخبايا فاستخرجوها ونقلوها وكانت شيأ كثيرا جدا وأظهر أن ذلك لم يكن بواسطته ليواري ما اختلسه لنفسه ويكون له عذر في ذلك فلما حضر له سيده صحبة العرضي ذهب اليه وتملق له وربط في رقبته منديلا فاهمل أمره الى هذاالوقت حتى اطمأن خاطره ثم انه أخبر بقصته الوزير لعلمه أنه سيطالب بوديعة يوسف باشا فأمره بأن يرفع قصته الى القاضي ويثبت تلك الدعوى لتبرأ ساحته عند الدولة ففعل ثم أمر الوزير بقتل علي جلبي المذكور فقتل وترك من ميا ثلاثة أيام بلياليها
شهر رمضان المعظم سنة 1216 استهل بيوم الاربعاء ولم يعمل فيه شنك الرؤيا على العادة خوفا من عربدة العساكر والمحتسب كان غائبا فركب كتخداه بدلا عنه بموكبه فقط ولم يركب معه مشايخ الحرف فذهب الى المحكمة وثبت الهلال تلك الليلة ونودى بالصوم من الغد
وفيه أمر الوزير محمد باشا العربي بالسفر الى البلاد الشامية فبرز خيامه الى خارج باب النصر وخرج هو في ثالثه وسافر وأشيع سفر الوزير أيضا وذلك بعد أن حضرت أجوبة من الباب الاعلى
وفي ثالثه ارتحل محمد باشا المذكور
وفي خامسه انتقل رئيس افندي من بيت الالفي وسكن في بيت اسمعيل بك وشرعوا في تعميره واصلاحه لسكن والي مصر
وفي ثاني عشره وصل محمد باشا والي مصر الى شلقان
وفي ثالث عشره ضربت عدة مدافع من الجيزة صباحا ومساء فقيل انه حضر ستة قناصل الى الجيزة
وفي خامس عشره حضر القناصل المذكورون الى بيت الوزير وقابلوه فخلع عليهم خلعا ورجعوا الى أماكنهم في الجيزة وفي ذلك اليوم وصل محمد باشا والي مصر إلى جهة بولاق ونصب (2/509)
وطافه بالقرب من المكان المعروف بالحلي ثم انتقل الى جهة قبة النصر فلما كان يوم الجمعة سابع عشره وصل الى المدينه من باب النصر في موكبه وطوائفه على غير الهيئة المعتادة ولم يلبس الطلخان تادبا مع الوزير لحصوله بمصر فتوجه الى بيت الوزير وأفطر معه
وفي تلك الليلة عزل خليل افندي الرجائي من دفتردارية الدولة وقلد عوضه حسن افندي باش محاسب وسببه ان الوزير طلب خلعا ليخلعها على والي مصر وقناصل الانكليز فتأخر حضورها فخنق وسأل عن سبب تأخير المطلوب فقال الرسول ان الخازندار قال حتى استأذن الدفتردار فحنق الوزير وأمر بحبس الخازندار وعزل الدفتردار وهرب السفير الذي كان بينهما
وفيه انتقل الامراء المصرلية المرادية من الجيزة الى جزيرة الذهب ونصبوا وطاقهم بها وأرسلوا ما كان عندهم من الحريم الى دورهم بمصر واستمر ابراهيم بك وعثمان بك الحسيني ومحمد بك المبدول وقاسم بك ابو سيف بالجيزة ولم يعلم حقيقة حالهم ثم في ثاني يوم لحق ابراهيم بك وباقي الجماعة بالاخرين وخرج اليهم طلبهم ومتاعهم واغراضهم فلما كان ليلة الاثنين تاسع عشره ركبوا ليلا باجمعهم الى الصعيد من الجهة الغربية وتخلف عنهم قاسم بك أبو سيف لمرضه وكذلك تخلف عنهم محمد آغا آغات المتفرقة وآخرون
وفي عشرينه نودي بالامان على المماليك واتباعهم ومن تخلف عنهم أو انقطع منهم وكذلك في ثاني يوم
وفيه قلد محمد باشا والي مصر حسن أغا وألبسه على جرحا
وفي ثامن عشرينه عزل الباشا محمد أغا المعروف بالزربة من الكتخدائية وهو من المصرلية وولاه كشوفية الغربية وتقلد عوضه في الكتخدائية يوسف أغا امين الضربخانة سابقا وتقلد كشوفية المنوفية وتقلد كشوفية القليوبية (2/510)
وفي ليلة الاربعاء تاسع عشرينه ذهب يوسف افندي الى عند والي مصر فقلده نقابة الأشراف وألبسه فروة بعد أن كان اهمل امره
وفيه عزل أغات الانكشارية وتولى آخر عوضه من العثمانية ونزل المعزول الى بولاق ليسافر الى جهة الصعيد
شهر شوال سنة
استهل بيوم الخميس في ثالثه يوم السبت خرج جاليش الوزير الى قبة النصر ونودى بخروج العساكر ويكون آخر خروجهم يوم الاثنين فشرعوا في الخروج بأحمالهم ودوابهم فلما كان يوم الاثنين خامسه خرج الوزير على حين غفلة الى قبة النصر وتتابع خروج الاثقال والاحمال والعساكر وحصل منهم في الناس عربدة وأذية وأخذ بعضهم من عطارين القصر ثلاثة ارطال بن ثمنها مائة وعشرون نصفا فرمى له عشرين نصفا فصرح الرجل وقال اعطني حقي فضربه وقتله فأغلق الناس الحوانيت وانكفوا في دورهم فاستمرت جميع حوانيت البلدة مغلوقة حتى سافرت العساكر وانتقلت من قبة النصر ولازم حضرة محمد باشا والي مصر وطاهر باشا على المرور والطواف بالشوارع بالتبديل وثياب التخفيف ليلا ونهارا ولولا ذلك لحصل من العسكر مالا خير فيه
وفيه كتبت فرمانات والصقت بالشوارع ومفارق الطرق مضمونها بأن لا احد يتعرض بأذية لغيره وكل من كان له دعوى أو شكية فليرفع قصته الى الباشا وكل انسان يمشي في زيه وقانونه القديم ويلازموا على الصلوات بالجماعة في المساجد ويوقدوا قناديل ليلا على البيوت والمساجد والوكائل والخانات التي بالشوارع ولا يمر أحد من العسكر من بعد الغروب والذي يمشي بعد الغروب من أهل البلد يكون معه فانوس أو سراج ويبيعون ويشترون بالحظ والمصلحة ولا أحد يخفي عنده أحد من عسكر العرضي والذي يبقى منهم بيده يعاقب وان القهاوى المحدثة جميعها تغلق ولا يفتح الا القهاوي القديمة الكبار ولا يبيت أحد (2/511)
من العسكر في قهوة ولا يبيعون المسكرات ولا يشترونها الا الكفرة سرا وأمثال ذلك فانبرت القلوب بتلك الفرمانات واسشتبشروا بالعدل
وفيه خرجت عساكر وسافرت الى جهة قبلي وعدتهم ستة آلاف وذلك بسبب الامراء المصرلية الهربانين وقرر لهم بأن من اتى برأس صنجق فله ألف دينار أو كاشف فله ثلثمائة او جندي او مملوك فله مائة
وفي يوم السبت ركب الوزير من قبة النصر وارتحل العرضي الى الخانكة وعند ركوبه حضر اليه السيد عمر افندي النقيب وبعض المتعممين لوداعه فأعطاهم صررا وقرؤا له الفاتحة وركب وخرج ايضا في ذلك اليوم بقية المشايخ وذهبوا الى الخانكة ايضا وودعوه ورجعوا
وفي يوم الاثنين ثاني عشره أحضر الباشا محمد أغا الوالي وسليم أغا المحتسب وأمر برمي رقابهما فقطعوا رأس الوالي تحت بيت الباشا على الجسر والمحتسب عند باب الهواء وختم على دورهما في تلك الساعة وشاع خبر ذلك في البلد فارتاع الناس لذلك واستعظموه وداخل الخوف أهل الحرف مثل الجزارين والخبازين وغيرهم وعلقوا اللحم الكثير بحوانيتهم وباعوه بتسعة انصاف بعد أن كانوا يبيعونه باحد عشر مع قلته واحتكاره وكانوا نبهوا عليهم قبل ذلك فلم يستمعوا
وفي صبحها يوم الثلاثاء قلد علي اغا الشعراوي الزعامة عوضا عن محمد آغا المقتول وزين الفقار كتخدا امين احتساب عوضا عن سليم آغا أرنؤد المقتول ايضا واجتمعوا ببيت القاضي وحضر أرباب الحرف وعملوا قائمة تسعيرة لجميع المبيعات من المأكولات وغيرها فعملوا اللحم الضاني بثمانية انصاف والماعز بسبعة والجاموسي بستة وان لا يباع فيه شيء من السقط مثل الكبدة والقلب وغير ذلك والسمن المسلى بمائة وثمانين نصفا العشرة أرطال بعد أن كانت بثلثمائة واربعين والزبد العشرة بمائة وستين بعد ان كانت بمائتين واربعين وجميع الخضراوات تباع بالرطل حتى الفجل والليمون والجبن الذي بخيره بثلاثة انصاف بعد عشرة (2/512)
والخبز رطل بنصف فضة وكذلك جميع الاشياء العطرية والاقمشة العشرة احد عشر والراوية الماء بعشرة انصاف بعد عشرين وغير ذلك ورسموا بان الرطل في الاوزان مطلقا يكون قباني اثني عشر وقية وابطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به الادهان والاجبان والخضراوات وهو أربعة عشر وقية فلم يستمر من هذه الاوامر بعد ذلك سوى نقص الارطال ولما برزت هذه الرسوم هرع الناس لشراء اللحم والماكولات حتى فرغ الخبز من الافران وشق المحتسب فقبض على جماعة من الخبازين وخزم آنافهم وعلق فيها الخبز وكذلك الجزارون خزمهم وعلق في آنافهم اللحم واكثر حضرة الباشا وعظماء أتباعه من التجسس وتبديل الشكل والملبوس والمرور والمشي في الازقة والاسواق حتى أخافوا الناس وانكف العسكر عن الاذية ولزموا الادب ومشى كل واحد في طريقته ودربه ومشت النساء كعادتهم في الاسواق لقضاء أشغالهم فلم يتعرض لهم أحد من العسكر كما كانوا يفعلون
وفي يوم الخميس خامس عشره ارتحل الوزير من بلبيس
وفي يوم السبت سابع عشره سافر خليل افندي الرجائي الدفتردار المعزول في البحر من طريق دمياط وانتقل شريف أفندي الدفتردار الى الدار التي كان بها الاول وهي دار البارودي بباب الخرق
وفي يوم الاثنين تاسع عشره كان موكب امير الحاج عثمان بك وصحبته المحمل على العادة وخرج في أبهة ورونق وانسرت القلوب في ذلك اليوم الى لقائه ونجز له جميع اللوازم مثل الصرة وعوائد العربان وغير ذلك وكان المتقيد بتشهيل ذلك وبجميع اللوازم حضرة شريف افندي الدفتردار
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه شنقوا ثلاثة أنفار في جهات مختلفة تزيوا بزي العسكر يقال انهم من الفرنسيس افتقدوهم من العسكر المتوجه الى الحج
وفي ذلك اليوم عمل حضرة الباشا ديوانا وأرسل الجاويشية الى جميع (2/513)
المشايخ والعلماء وخلع عليهم خلعا سنية زيادة على العادة اكثر من سبعين خلعة وكذلك على الوجاقلية والافندية وجبر خاطر الجميع وكانت العادة في هذا التلبيس أن يكون عند قدومه والسبب في تأخيره لهذا الوقت تعويق حضور المراكب التي بها تلك الخلع
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه انتقل امير الحاج بالركب من الحصوة الى البركة
وفيه ركب حضرة محمد باشا الى الامام الشافعي فزاره وانعم على الخدمة بستين الف فضة والبسهم خلعا وفرق دنانير ودراهم كثيرة في غير محلها وكذلك يوم الجمعة ركب وتوجه الى المشهد الحسيني فصلى الجمعة وخلع على الامام الراتب والخطيب وكبير الخدمة فراوى وفرق دراهم كثيرة في طريقه ورجع من ناحية الجمالية وكان في موكب جليل على الغاية
وفيه أمر المشار اليه بنصب عدة مشانق عند ابواب المدينة برسم الباعة والمتسببين والخبازين وغيرهم وأكثر أرباب الدرك من المرور والتجسس والتخويف وعلقوا عدة اناس من الباعة على حوانيتهم وخزموهم من آنافهم فرخص السعر وكثرت البضائع اوالمأكولات وحصل الامن في الطرق وانكفت العربان وقطاع الطريق فحضرت الفلاحون من البلاد وكثر السمن والجبن والاغنام وكبر العيش وكثر وجوده وانحط سعر السمن عن التسعيرة عشرين نصفا لكثرته ولله الحمد وهاب الناس هذا الباشا وخافوه وصاروا يترنمون به في البلاد والارياف ويغنون بذكره حتى الصبيان في الاسواق ويقولون سيدي يا محمد باشا يا صاحب الذهب الاصفر وغير ذلك وكان في مبدأ أمره يظنه الظمآن ماء
شهر القعدة سنة
استهل بيوم السبت فيه نهبت العربان قافلة التجار الواصلة من السويس
وفي ثانيه حضر السيد احمد الزرو الخليلي التاجر بوكالة الصابون بديوان الباشا وتداعى على جماعة من التجار وثبت له عليهم عشرة آلاف (2/514)
ريال فأمر الباشا بسجنهم
وفي رابعه يوم الثلاثاء حضر السيد احمد المذكور الى بيت الباشا فأمر بقتله فقبض عليه جماعة من العسكر وقطعوا رأسه عند المشنقة حيث قنطرة المغربي على قارعة الطريق وختموا على موجوده واخذ الباشا ما ثبت له على المحبوسين والسبب في ذلك ا بعضهم أوشى الى الباشا انه كان بحب الفرنسيس ويميل اليهم ويسالمهم وعند خروجهم هرب الى الطور خوفا من العثمانية ثم حضر بأمان من الوزير
وفي يوم الجمعة حضر المشار اليه الى الجامع الازهر بالموكب فصلى به الجمعة وخلع على الخطسب فروة سمور وفرق ونثر دراهم ودنانير على الناس في ذهابه وايابه وتقيد قبي كتخداه واسمعيل افندي شقبون بتوزيع دراهم على الطلبة والمجاورين بالاروقة والعميان والفقراء ففرقوا فيهم نحو خمسة أكياس
وفيه عمل الشيخ عبد الله الشرقاوي وليمة لزواج ابنه ودعا حضرة المشار اليه فحضر في يوم الاحد ثانيه وحضر ايضا شريف أفندي وعثمان كتخدا الدولة فتغدوا عنده وأنعم على ولد الشيخ بخمسة اكياس رومية والبسه فروة سمور وفرق على الخدم والفراشين والقراء دنانير ودراهيم بكثرة وكذلك دفع عثمان كتخدا وشريف افندي كل واحد منهم كيسا وانصرفوا
وفي يوم الاربعاء خامسه حضر الباشا محمد أغات المعروف بالوسيع اغات المغاربة وأمر بقتله فقطعوا رأسه على الجسر ببركة الازبكية قبالة بيت الباشا لامور نقمها عليه وكتبت في ورقة وضعت عند رأسه
وفي يوم الخميس سادسه توفي قاسم بك ابو سيف على فراشه
وفي منتصفه وردت الاخبار من الجهة البحرية بضياع نحو الخمسين مركبا حلت مراسيها من ثغر اسكندرية مشحونة بمتاجر وبضائع وكانت معوقة بكرنتينة الانكليز فلما اذنوا لهم بالسراح فما صدقوا بذلك فصادفتهم فرتونة خرجت عليهم فضاعوا بأجمعهم ولا حول ولا قوة الا (2/515)
بالله العلي العظيم
وفيه طلب الباشا المشايخ وتكلم معهم في شأن الشيخ خليل البكري وعزله عن وظيفته وسال رايهم في ذلك فقالوا له الرأي لحضرتكم فقال ان الشيخ خليلا لا يصلح لسجادة الصديق واريد عزله عنها من غير ضرر عليه بل اعطيه اقطاعا لنفقته والقصد أن تروا رايكم فيمن يصلح لذلك ومن يستحق فطلبوا المهلة الى غد وانحط الرأي بعد اختلاف كبير على تقليد ذلك لمحمد سعد من أولاد جلال الدين فلما حضروا في اليوم الثاني اخبروه بذلك وانه يستحقها الا انه فقير فقال ان الفقر ليس بعيب فأحضروه وألبسه فروة سمور واركبه فرسا بعباءة مزركشة وأنعم عليه بثمانين ألف درهم وكان من الفقراء المحتاجين للدرهم الفرد ولما ذهب للسلام على الشيخ السادات خلع ايضا فروة سمور عليه
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه توفي إلى رحمة الله الشيخ مصطفى الصاوي الشافعي وكان عالما نجيبا وشاعرا لبيبا وقد ناهز الستين
وفيه جهزت عدة من العسكر الى قبلي
وفيه نودي بان خراج الفدان مائة وعشرون نصفا وكذلك نودي برفع عوائد القاضي والافندي التي كانت تؤخذ على اثبات الجامكية والجراية والرفق بعوائد تقاسيط الالتزام والاقطاع وكتبوا بذلك أوراقا وألصقت بالاسواق وفي آخرها لا ظلم اليوم أي مما تقرر قبل اليوم فان الفدان بلغ في بعض القرى بمصاريفه ومغارمه أربعة آلاف نصف فضة واما بدعة القاضي وعوائد التقاسيط فزادت عن أيام الوزير وزاد على ذلك اهمال الاوراق ببيت الباشا لاجل العلامة شهرين وأربعة حتى يسام صاحبها وتحفى أقدامه من كثرة الذهاب والمجيء ومقاساة الذل من الخدم والاتباع ورفع التفتيش والرشوة على التعجيل أو يتركها وربما ضاعت بعد طول المدة فيحتاج الى استئناف العمل (2/516)
شهر ذي الحجة الحرام سنة
استهل بيوم الاحد في رابعه حضر خمسة اشخاص من الكشاف القبالي من اتباع ابراهيم بك الوالي الى مصر بامان فقابلوا حضرة والي مصر وأنعم عليهم وألبسهم خلعا
وفيه أنعم على خدامهم وفيه عمل الانكليز كرنتينة بالجيزة ومنعوا من يدخلها ومن يخرج منها وذلك لتوهم وقوع لطاعون وورود الاخبار بكثرته في جهة قبلي وبعض البلاد البحرية وأما المدينة ففيها بعض تنقير
وفي يوم الاثنين تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وعملوا في ذلك اليوم شنكا ومدافع وحضرت أغنام وعجول كثيرة للاضحية حتى امتلأت منها الطرقات وازدحمت الناس وافراد العسكر على الشراء وغيمت السماء في ذلك اليوم وأمطرت مطرا كثيرا حتى توحلت الازقة ونودي بفتح الحوانيت والقهاوي والمزينين ليلا واظهار الفرح والسرور واظهار بهجة العيد واستمر ضرب المدافع في الاوقات الخمسة ونودي أيضا بالمواظبة على الاجتماع للصلوات في المساجد وحضور الجمعة من قبل الصلاة بنصف ساعة وان يسقوا العطاش من الاسبلة ولا يبيعون ماءها وأشيع سفر الانكليز وسفر عثمان كتخدا الدولة وتشهيل الخزينة
وفي خامس عشره حضر قاصد من الديار الرومية بمكاتبات وتقرير نقابة الاشراف للسيد عمر وعزل يوسف افندي فلما كان في صبحها يوم الاحد ركب السيد عمر المذكور وتوجه الى عند الباشا فألبسه خلعة سمور ثم حضر الى عند الدفتردار كذلك وكانت مدة ولاية يوسف افندي المعزول شهرين ونصفا
وفي يوم الاربعاء ثامن عشره خرج أحمد آغا خورشيد امير الاسكندرية الى بولاق قاصدا السفر الى منصبه وركب الباشا لوداعه في عصريته وضربوا عدة مدافع من بولاق وبرانبابة ونودي في ذلك اليوم بان لا أحد يواري أحدا من الانكليز أو يخبيه وكل من فعل ذلك عوقب (2/517)
وفي خامس عشرينه قبضوا على امراة سرقت امتعة من حمام وشنقوها عند باب زويله وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث التي من جملتها ان شريف أفندي الدفتردار أحدث على الرزق الاحباسية المرصدة على الخيرات والمساجد وغيرها مال حماية على كل فدان عشرة أنصاف فضة وأقل واكثر في جميع الأراضي المصرية القبلية والبحرية وحرروا بذلك دفاتر فكل من كان تحت يده شيء من ذلك قل أو كثر يكتب له عرضحال ويذهب به الى ديوان الدفتردار فيعلم عليه علامته وهي قوله قيد بمعنى انه يطلب قيوده من محله التي تثبت دعواه ثم يذهب بذلك العرضحال الى كاتب الرزق فيكشف عليها في الدفاتر المختصة بالاقليم الذي فيه الارصاد بموجب الاذن بتلك العلامة فيكتب له ذلك تحتها بعد أن يأخذ منه دراهم ويطيب خاطره بحسب كثرة الطين وقلته وحال الطالب ويكتب تحته علامته فيرجع به الى الدفتردار فيكتب تحته علامة غير الاولى فيذهب به الى كاتب الميري فيطالبه حينئذ بسنداته وحجج تصرفه ومن أين وصل اليه ذلك فان سهلت عليه الدنيا ودفع له ما ارضاه كتب له تحت ذلك عبارة بالتركي لثبوت ذلك والا نعنت على الطالب بضروب من العلل وكلفة بثبوت كل دقيقة يراها في سنداته وعطل شغله فما يسع ذلك الشخص الا بذل همته في تتميم غرضه بأي وجه كان اما أن يستدين أو يبيع ثيابه ويدفع ما لزمه فان ترك ذلك وأهمله بعد اطلاعهم عليه حلوه عنه ورفعوه وكتبوه لمن يدفع حلوانه ثلاث سنوات أو أكثر وكتبوا له سندا جديدا يكون هو المعول عليه بعد ويقيد بالدفاتر ويبطل اسم الاول وما بيده من الوقفيات والحجج والافراجات القديمة ولو كانت عن اسلافه ثم يرجع كذلك الى الدفتردار فيكتب له علامة لكتابة الاعلام فيذهب به الى الاعلامجي فيكتب له عبارة ايضا في معنى ما تقدم ويختم تحتها بختم كبير فيه اسم الدفتردار ويأخذ على ذلك دراهم ايضا وبعد ذلك يرجع الى الدفتردار فيقرر ما يقرره عليها من المال الذي يقال له مال الحماية ثم (2/518)
يذهب بها الى بيت الباشا ليصحح عليها بعلامته ويطول عند ذلك انتظاره لذلك ويتفق اهمالها الشهرين والثلاثة عند الفرمانجي وصاحبها يغدو ويروح في كل يوم حتى تحفى قدماه ولا يسهل به تركها بعدما قاساه من التعب وصرفه من الدراهم فاذا تمت علامتها دفع أيضا المعتاد الذي على ذلك ورجع بها الى بيت الدفتردار فعند ذلك يطلبون منه ما تقرر عليها فيدفعه عن تلك السنة ثم يكتبون له سندا جديدا ويطالب بمصروفه ايضا وهو شيء له صورة ايضا فلا يجد بدا من دفعه ولا يزال كذلك يغدو ويروح مدة ايام حتى يتم له المراد
ومنها المعروف بالجامكية ومرتبات الغلال بالانبار وذلك ان من جملة الاسباب في رواج حال أهل مصر المتوسطين وغناهم ومدار حال معاشهم وايرادهم في السابق هذان الشيآن وهما الجامكية والغلال التي يقال لها الجرايات رتبها الملوك السالفة من الاموال الميرية للعساكر المنتسبة للوجاقات والمرابطين بالقلاع الكائنة حوالي الاقليم ومنها ما هو للايتام والمشايخ والمتقاعدين ونحوهم وكانت من ارواج الإيراد لاهل مصر وخصوصا أهل الطبقة الذين ليس لهم اقطاع ولا زراعات ولا تجارات كأهل العلم ومساتير اولاد البلد والارامل ونحوهم وثبت وتقرر ايرادها وصرفها في كل ثلاثة أشهر من اول القرن العاشر الى أواخر الثاني عشر بحيث تقرر في الاذهان عدم اختلالها أصلا ولما صارت بهذه المثابة تناقلوها بالبيع والشراء والفراغ وتغالوا في أثمانها ورغبوا فيها وخصوصا لسلامتها من عوارض الهدم والبناء كما في العقار واوقفوها وأرصدوها ورتبوها عل جهات الخيرات والصهاريج والمكاتب ومصالح المساجد ونفقات أهل الحرمين وبين أهل المقدس وأفتى العلماء بصحة وقفها لعلة عدم تطرق الخلل فلما اختلت الاحوال وحدثت الفتن وطمع الحكام والولاة في الاموال الميرية ضعف شأنها ورخص سعرها وانحط قدرها وافتقر اربابها ولم تزل في الانحطاط والتسفل حتى بيع الاصل والايراد بالغين الفاحش جدا (2/519)
وتعطل بسبب ذلك متعلقاتها ولم يزل حالها في اضطراب الى أن وصل هؤلاء القادمون وجلس شريف افندي الدفتردار المذكور ورأى الناس فيه مخايل الخير لما شاهدوه فيه من البشاشة واظهار الرفق والمكارم غرض الناس عليه شأن العلوفة المذكورة والغلال فلم يمانع في ذلك وكتب الاذن على الاوراق كعادته وذهب بها أربابها الى ديوان الكتبة وكبيرهم ويسمى حسن أفندي باش محاسب وهو من العثمانيين عارض في حسابها وقال ان العثماني اسم لواحد الاقجة وصرفه عندنا بالروم كل ثلاث أقجات بنصف فضة وما في دفاتركم يزيد في الحساب الثلث فعورض وقيل له ان الاقجة المصري كل اثنين بنصف بخلاف اصطلاح الروم وهذا أمر تداولنا عليه من قديم الزمان ولم يزل حتى فقد ذلك المشروع ومشوا على فقد الثلاث ورضى الناس بذل لظنهم رواج الباقي وعند استقرار الامر بذلك أخذوا يتعنتون على الناس في الثبوت وقد كان الناس اصطلحوا في اكثرها عند فراغها على عدم تغيير الاسماء التي رقمت بها وخصوصا بعد ضعفها فيبيعها البائع ويأخذها المشتري بتمسك البيع فقط ويترك سند الاصل بما فيه من الاسم القديم عنده أو تكون باسم الشخص ويموت وتبقى عند اولاده فجعلوا معظمها بهذه الصورة وأخذوه لأنفسهم وأعطوا منه لاغراضهم بعد رفع الثلث الاصل وثلث الايراد وضاعت على اربابها مع كونهم فقراء وكذلك فعلوا في أوراق الغلال وجعلوها بدراهم عن كل اردب خمسون نصفا غلا أو رخص وزادوا في القيود التي تكتب على العرضحالات المصطلحين عليها بأن يكتب عليها أيضا قاضي العسكر بعد حسابهم مقدار العلوفة والغلال ويأخذ على كل عثماني نصفين أو أقل أو اكثر وعلى كل اردب قرشا روميا وكل ذلك حيلة على أخذ المال بطريق شيطاني وحرروا ما حرروه ودفعوا للناس حيلة ما دفعوه حرروه ودفعوا للناس ما دفعوه مقسطا على الجمع والشهور ورضوا بذلك وفرحوا به لظنهم دوامة واستعوضوا الله فيما ذهب لهم وختموا الدفتر على مقدرا ما (2/520)
عرض عليهم وما ظهر بعد ذلك لا يعمل به ويذهب في المحلول ولما انقضت هذه السنة الاخرى وافتتح الناس الطلب قيل لهم ان الذي اخذتموه هو عن السنة القابلة وقد قبضتموها معجلة وعزل شريف افندي الدفترادر في أثرها ووصل خليل أفندي الرجائي واضطربت الاحوال ولم ينفع القيل والقال كما يأتي
من مات في هذه السنة
مات الشيخ العمدة الامام خاتمة العلماء الاعلام ومسك ختام الجهابذة ذوي الافهام ومن افتخر به عصره على الاعصار وصاح بلبل فصاحته في الامصار يتيمة الدهر وشامة وجه اهل العصر العالم المحقق والتحرير المدقق بديع الزمان والتاج المرصع على رؤوس الاقران الناظم الناثر الفصيح الباهر الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاوي والده كان من أعيان التجار بمصر وأصل مرباهم بالسويس بساحل القلزم وصاوى نسبة الى بلدة بشرقية بلبيس سمى الصوة وهي على غير القياس وهي بلدة والده ثم انتقل منها الى السويس وكان يبيع بها الماء وولد له بها المترجم فارتحل به الى مصر وسكن بحارة الحسينية مدة وأتى بولده المترجم الى الجامع الازهر واشتغل بالقراءة فحفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر دروس الاشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وتخرج به ومهر وأنجب وأقرأ الدروس وختم الختوم وشهد له الفضلاء وكان لطيف الذات مليح الصفات رقيق حواشي الطبع مشارا اليه في الافراد والجمع مهذب الاخلاق جميل الاعراق وحاله وفضله كثير ولم يزل يقرر ويفيد ويملي ويعيد حتى قطفت يد الاجل نواره واطفأت رياح المنية انواره
ومات الامير عثمان بك الاسقر الابراهيمي وهو من مماليك ابراهيم بك الكبير الموجود الآن اشتراه ورباه واعتقه وجعله خازنداره مدة ثم قلده الامارة والصنجقية في سنة 1129 وعرف بالاشقر اشقرته ولما انتقل اسناده الى بيت سيده محمد بك بعطفة قوصون سكن مكانه بدرب (2/521)
الجماميز وصار له مماليك واتباع وانتظم في عداد الامراء وخرج مع سيده في الحوادث وتغرب معه في البلاد القبلية وطلع اميرا بالحج في سنة 1210 وعاد في أمن وأمان ولما حصلت حادثة الفرنسيس كان هو مع من كان بالبر الغربي وذهب الى الصعيد ثم مر من خلف الجبل ولحق باستاذه ببر الشام ولم يزل حتى رجع مع استاذه والامراء بصحبة عرضي الوزير في المرة الثانية ثم سافر مع حسين باشا القبودان فقتل مع من قتل بأبي قير ودفن بالاسكندرية وكان ذا حشمة وسكون وحسن عشرة مع مافيه من الشح
ومات الامير عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي المرادي وهو من مماليك مراد بك اشتراه ورباه ورقاه وقلده الامارة والصنجقية في سنة 1197 ولما وصل حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج مع سيده وباقي الامراء من مصر على الصورة المتقدمة ووقع بينهم ما وقع من الحروب والمهادنة حضر هو وحسين بك المعروف بشفت وعبد الرحمن بك الابراهيمي الى مصر رهائن ولما سافر حسن باشا الى الروم أخذهم صحبته باغراء اسمعيل بك فأقاموا هناك ثم نفوهم الى ليميا فاستمروا بها ومات بها حسين بك خشداشه المذكور ثم رجع المترجم وعبد الرحمن بك بعد وقوع الطاعون وموت اسمعيل بك واتباعهما الى مصر فلم يزالوا حتى حصل ما حصل من ورود الفرنسيس وموت مراد بك في آخريات أيامهم فوقع اختيار المرادية على تأميره عوضا عن سيده باشارة خشداشه محمد بك الالفي وانتقل بعشيرته الى الجهة البحرية وانضموا الى عرضي الوزير ووصلوا الى مصر فكان هو وابراهيم بك الالفي ثاني اثنين يركبان معا وينزلان معا ولم يزل حتى سافر القبودان بعدما مكر مكره مع الوزير سرا على خيانة المصريين فأرسل يستدعيه هو وعثمان بك البرديسي فسافرا امتثالا للامر فأوقع بهما ما تقدم وقتل المترجم ونجا البرديسي ودفن بالاسكندرية وكان أمير لا بأس به وجيه الشكل عظيم اللحية ساكن (2/522)
الجأش فيه تؤدة وعقل وسبب تلقبه بالطنبرجي أنه كان في عنفوان أمره مولعا بسماع الآلات وضرب الطنبور
ومات الامير مراد بك المعروف بالصغير وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب وانتمى الى سليمان بك الآغا واستمر ملازما له ومنسوبا اليه مدة أعوام وكان يعرف بمراد كاشف وله ايراد واسع ومماليك ثم تقلد الامارة والصنجقية في 1206 فزادت وجاهته ولم يزل كذلك حتى سافر مع عثمان بك الاشقر وأحمد بك الحسني مع القبودان وقتل كذلك بأبي قير ودفن بالاسكندرية
ومات الامير قاسم بك أبو سيف وهو مملوك عثمان بك أبي سيف الذي سافر بالخزينة ومات بالروم وذلك سنة 1180 وهي آخر خزينة رأيناها سافرت الى اسلامبول على الوضع القديم وعثمان بك هذا مملوك عثمان بك أبي سيف الذي كان من جملة القاتلين لعلي بك الدمياطي وخليل بك قطامش ومحمد بك قطامش في ولاية راغب باشا كما تقدم وخدم المترجم مراد بك وكان يعرف بقاسم كاشف أبي سيف وكان له اقطاع والتزام وايراد واشتهر ذكره في أيام مراد بك وبني داره التي بالناصرية وانفق عليها أموالا جمة وكان له ملكة وفكرة في هندسة البناء واستأجر قطعة عظيمة من أراضي البركة الناصرية اتجاه داره من وقف المولوية وسورها بالبناء وبنى في داخلها قصرا مزخرفا برحبة متسعة وقسم تلك الارض بتقاسيم للمزارع وحولها طرق ممهدة مستطيلة ومجار للمياه التي تصل اليها أيام النيل ومجار أخرى عالية مبنية بالمؤن والخافقي من داخلها تجري فيها المياه من السواقي ويحيط بذلك جمعية اشجار الصفصاف المتدانية القطاف وبداخل تلك البركة المنقسمة النخيل والاشجار ومزارع المقاثىء والبرسيم والغلة وغيرها يسرح فيها النظر من سائر جهاتها وتنشرح النفوس في ارجائها ومساحاتها وجعل السواقي في ناحية تجتمع مياهها في حوض وبأسفله أنابيب تتدفق منها المياه الى حوض اسفل منه وعنده (2/523)
مجلس ومساطب للجلوس وتجرى منه المياه الى المجارى المخفقة المرتفعة ومنها تنصب من مصبات من حجر الى أحواض أسفل منها صغار وتجرى الى مساقي المزارع وعند كل مصب منها محل للجلوس وعليه اشجار تظله وبوسطه ايضا ساقية بفوهتين تجري منها المياه ايضا والقصر يشرف على ذلك كله وحول رحبة القصر وطرق الممشاة كروم العنب والتكاعيب واباح للناس الدخول اليها والتنزه في رياضها والتفسح في غياضها والسروح في خلالها والتفيؤ في ظلالها وسماها حديقة الصفصاف والاس لمن يريد الحظو والائتناس ونقش ذلك في لوح من الرخام وسمرة في اصل شجرة يقرؤها الداخلون اليها فأقبل الناس على الذهاب اليها للنزاهة ووردوا عليها من كل جهة وعملوا فيها قهاوي ومساقي ومفارش واتخاخا يفرشها القهوجية للعامة وقللا واباريق واجتمع بها الخاص والعام وصار بها مغان وآلات وغواني ومطربات والكل يرى بعضهم بعضا وجعل بها كراسي للجلوس وكنيفات لقضاء الحاجة وجعل للقصر فرشا ومساند ولوازم ومخادع لنفسه ولمن يأتي اليه بقصد النزاهة من أعيان الامراء والآكابر فيبيتون به الليالي ولا يحتاجون لسوى الطعام فيأتي اليهم من دورهم وزاد بها الحال حتى امتنع من الدخول اليها أهل الحياء والحشمة وأنشأ تجاهها أيضا على يسار السالك الى طريق الخلاء بستانا آخر علىخلاف وضعها واخبرني المترجم ايضا من لفظه أنه انشأ بستانا بناحية قبلي اعجب وأغرب من ذلك ولما حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج منها أمراؤها تخلف المترجم عن مخدومه واستقر بمصر فقلدوه الامارة والصنجقية في سنة 1201 فعظمت امرته وزادت شهرته وتقلد امارة الحج مرتين ولما أوقع العثمانية بالامراء المصرلية ما أوقعوه وانفصلوا من حبس الوزير وانضموا الى الانكليز بالجيزة ثم انتقلوا الى جزيرة الذهب وارتحلوا منها الى قبلي تخلف عنهم المترجم لمرض اعتراه وحضر الى مصر ولازم الفراش ولم يزل حتى مات في يوم الخميس سادس القعدة من السنة (2/524)
وكان يخضب لحيته بالسواد مدة سنين رحمه الله
ومات ابراهيم كتخدا السناري الاسود وأصله من برابرة نقلة وكان بوابا في مدينة المنصور وفيه نباهة فتداخل في الغز القاطنين هناك مثل الشابوري وغيره بكتابة الرقي وضرب الرمل ونحو ذلك ولبس ثيابا بيضاء ثم تعاشر مع بعضهم وركب فرسا وانتقل الى الصعيد مع من اختلط بهم وتداخل في اتباع مصطفى بك الكبير ولم يزل حتى اعتشر بالامير المذكور وتعلم اللغة التركية فأستعمله في مراسلاته وقضاياه فنقل فتنة ونميمة بين الامراء فاراد مراد بك قتله فألتجا الى حسين بك وخدمه مدة ثم تحيل والتجأ الى مراد بك وعاشره وأحبه ولازمه في الغربة والاسفار واشتهر ذكره وكثر ماله وصار له التزام وايراد وبنى داره التي بالناصرية وصرف عليها اموالا واشترى المماليك الحسان والسراري البيض وتداخل في القضايا والمهمات العظيمة والامور الجسيمة وصار من أعظم الاعيان المشار اليهم بمصر ونمى ذكره وعظم شأنه وباشر بنفسه الامور من غير مشورة الامراء فكان يحل ما يعقده الامراء الكبار ولما تحجب مخدومه بقصر الجيزة كان المترجم لسان حاله في الامر والنهي وبيده مقاليد الاشياء الكلية والجزئية ولا يحجب عن ملاقاة مخدومه في أي وقت شاء فينهى اليه ما يريد تنفيذه بحسب غرضه واتتخذ له اتباعا وخدما يقضون القضايا ويسعون في المهمات ويتوسطون لارباب الحاجات ويصانعهم الناس حتى الاكابر ويسعون الى دورهم وصاروا من أرباب الوجاهات والثروات ولم يزل ظاهر الامر نامي الذكر حتى وقعت الحوادث وسافر الفرنانساوية ودخل العثمانية ورجع قبودان باشا الى أبي قير فأرسل يطلبه في جملة من استدعاهم اليه وقتل مع من قتل ودفن بالاسكندرية
محرم الحرام ابتداء سنة ألف ومائتين وسبع عشره هجرية
استهل بيوم الاثنين فيه تواترت الاخبار بحصول الصلح العمومي بين القرانات جميعا ورفع الحروب فيما بينهم (2/525)
وفيه ترادفت الاخبار بأمر عبد الوهاب وظهور شأنه من مدة ثلاث سنوات من ناحيةنجد ودخل في عقيدته قبائل من العرب كثيرة وبث دعاته في أقاليم الارض ويزعم انه يدعو الى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله ويأمر بترك البدع التي ارتكبها الناس ومشوا عليها الى غير ذلك
وفيه سافر عثمان كتخدا الدولة الى الديار الرومية ونزل الى بولاق وضربوا له عدة مدافع وأخذ صحبته الخزينة وسافر معه مختار افندي ابن شريف افندي دفتردار مصر
وفي هذه الايام حصلت امطار متتابعة وغيام ورعود وبروق عدة أيام وذلك في اواسط نيسان الرومي
وفي ذلك اليوم نبهوا على الوجاقات والعساكر بالحضور من الغد الى الديوان لقبض الجامكية فلما كان في صبحها يوم الثلاثاء نصبوا صيوانا كبيرا ببركة الازبكية وحضر العساكر الوجاقلية بترتيبهم ونزل الباشا بموكبه الى ذلك الصيوان وهو لابس على رأسه الطلخان والقعطان الأطلس وهو شعار الوزارة ووضعوا الاكياس وخطفوها على العادة القديمة فكان وقتا مشهودا
وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر كبير الانكليز من الاسكندرية ونصبوا وطاقهم ببرانبابة فلما كان يوم الاربعاء يوم عاشوراء عدي كبير الانكليز ومعه عدة من أكابرهم فتهيأ لملاقاته الباشا واصطفت العساكر عند بيت الباشا ووصل الانكلز الى الازبكية وطلعوا الى عند الباشا وقابلوه فخلع عليهم وقدم لهم خيلا وهدية ثم نزلوا وركبوا ورجعوا الى وطاقهم وعند ركوبهم ضربوا لهم عدة مدافع فلم يعجب الباشا ضربها فأمر الطبجية لكونهم لم يضربوها على نسق واحد
وفيه وردت الاخبار بأن الانكليز أخلوا القلاع بالاسكندرية وسلموها لاحمد بك خورشيد وذلك يوم الاثنين ثامنه وأبطلوا الكرنتينه ايضا وحصل الفرج للناس وانطلق سبيل المسافرين برا وبحرا وأخذ الباشا في (2/526)
الاهتمام بتشهيل الانكليز المسافرين الى السويس والقصير وما يحتاجون اليه من الجمال والادوات وجميع ما يلزم ولما حضر الانكليز الى عند الباشا فدعوه الى الحضور الى عندهم فوعدهم على يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة ثالث عشره ركب الباشا وصحبته طاهر باشا في نحو الخمسين وعدي الى الجيزة بعد الظهر ووقفت عساكر الانكليز صفوفا رجالا وركبانا وبأيديهم البنادق والسيوف واظهروا زينتهم وأبهتهم وذلك عندهم من التعظيم للقادم فنزل الباشا ودخل القصر فوجدهم كذلك صفوفا بدهليز القصر ومحل الجلوس فجلس عندهم ساعة زمانية وأهدوا له هدايا وتقادم وعند قيامه ورجوعه ضربوا له عدة مدافع على قدر ما ضرب لهم هو عند حضورهم اليه فلقد أخبرني بعض خواصهم ان الباشا ضرب لهم سبعة عشر مدفعا ولقد عددت ما ضربه الانكليز للباشا فكان كذلك وأخبرني حسين بك وكيل قبطان باشا وكان بصحبة الباشا عند ذهابه الى الانكليز قال كنا في نحو الخمسين والانكليز في نحو الخمسة آلاف فلو قبضوا علينا في ذلك الوقت لملكوا الاقليم من غير ممانع فسبحان المنجي من المهالك واذا تأمل العاقل في هذه القضية يرى فيها أعظم الاعتبارات والكرامة لدين الاسلام حيث سخر الطائفة الذين هم اعداء للملة هذه الدفع تلك الطائفة ومساعدة المسلمين عليهم وذلك مصداق الحديث الشريف وقوله صلى الله عليه و سلم ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فسبحان القادر الفعال واستمرت طائفة كبيرة بالاسكندرية من الانكليز حتى يريد الله
وفي ذلك اليوم سافرت الملاقاة للحجاج بالوش
وفيه وصلت مكاتبات من أهل القدس ويافا والخليل يشكون ظلم محمد باشا ابي مرق وانه احدث عليهم مظالم وتفاريد ويستغيثون برجال الدولة وكذلك عرضوا أمرهم لأحمد باشا الجزار وحضر الكثير من أهل غزة ويافا والخليل والرملة هروبا من المذكور وفي ضمن المكاتبات انه حفر قبور (2/527)
المسلمين والاشارف والشهداء بيافا ونبشهم ورمى عظامهم وشرع يبنى في تلك الجبانة سورا يتحصن به واذن للنصارى ببناء دير عظيم لهم ومكنهم ايضا من مغارة السيدة مريم بالقدس وأخذ منهم مالا عظيما على ذلك وفعل من امثال هذه الفعال اشياء كثيرة
وفيه حضر جماعة من العسكر القبالي وصحبتهم أربعة رؤس من المصرلية وفيهم رأس على كاشف ابي دياب وتواترت الاخبار بوقوع معركة بين العثمانية والمصرلية وكانت الغلبة على العثمانية وقتل منهم الكثير وذلك عند ارمنت وراس عصبة المصرلية الالفي وصحبته طائفة من الفرنسيس وتجمع عليهم عدة من عسكر الفرنساوية والعثمانية طمعا في بذلهم وان عثمان بك حسن انفرد عنهم وارسل يطلب امانا ليحضر فأرسلوا له امانا فحضر الى باشة الصعيد وخلع عبيه فروة سمور وقدم له خيلا وهدية
وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا توسون والي جدة وكذلك خازنداره وفي يوم السبت رابع عشره شرع الانكليز المتوجهون الى جهة السويس في تعدية البر الشرقي ونصبوا وطاقهم عند جزيرة بدران وبعضهم جهة العادلية وذهبت طائفة منهم جهة البر الغربي متوجهين الى القصير واستمروا يعدون عدة أيام ويحضر أكابرهم عند الباشا ويركبون فيرمون لهم مدافع حال ركوبهم الى اماكنهم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه عدى حسين بك وكيل القبطان الى الجيزة وتسلمها من الانكليز واقام بها وسكن بالقصر
وفي خامس عشرينه وصل الى ساحل بولاق اغا وعلى يده مثالات واوامر وحضر ايضا عساكر رومية فأرسلوا عدة منهم الى الجيزة فركب ذلك الاغا في موكب من بولاق الى بيت الباشا فخلع عليه وقدم له تقدمه وضربوا له عدة مدافع
وفيه حضر ططرى من ناحية قبلي بالاخبار بما حصل بين العثمانية والمصرلية وطلب جبخانة ولوازمها (2/528)
وفيه وصلت الاخبار بان احمد باشا ارسل عسكر الى ابي مرق من البر والبحر فأحاطوا بيافا وقطعوا عنها الجالب واستمروا على حصاره
وفيه اتخذ الباشا عسكرا من طائفة التكرور الذين يأتون الى مصر بقصد الحج فعرضهم واختار منهم جملة وطلبوا الخياطين ففصلوا لهم قناطيش قصارا من جوخ احمر والبسة من جوخ ازرق وصدريات وجميعها ضيقة مقمطة مثل ملابس الفرنسيس وعلى رؤوسهم طراطير حمر واعطوهم سلاحا وبنادق وأسكنوهم بقلعة الجامع الظهري خارج الحسينية وجعلوا عليهم كبيرا يركب فرسا ويلبس فروة سمور وجمع الباشا ايضا العبيد السود وأخذهم من أسيادهم بالقهر وجعلهم طائفة مستقلة وألبسهم شبه ما تقدم وأركبهم خيلا وجعلهم فرقتين صغارا وكبارا واختارهم للركوب اذا خرج الى الخلاء وعليهم كبير يعلمهم هيئة اصطاف الفرنسيس وكيفية أوضاعهم والاشارات بمرش واردبوش وكذلك طلب المماليك وعصب ما وجده منهم من أسيادهم واختص بهم وألبسهم شبه لبس المماليك المصرلية وعمائم شبه البحرية الاروام وبلكات وشراويل وادخل فيهم ما وجده من الفرنسيس وجعل لهم كبيرا ايضا من الفرنسيس يعلمهم الكر والفر والرمي بالبنادق وفي بعض الاحيان يلبسون زرديات وخودا وبأيديهم السيوف المسلولة وسموا ذلك كله النظام الجديد
واستهل شهر صفر الخير بيوم الاربعاء سنة
في ثانيه وصل سعيد اغا وكيل دار السعادة وهو فحل اسمر فحضر عند الباشا فقابله وخلع عليه وقدم له تقدمة وضربوا له عدة مدافع ايضا
وفي يوم الخميس تاسعه عمل الباشا ديوانا وحضر القاضي والعلماء والاعيان وقرأوا خطا شريفا حضر بصحبة وكيل دار السعادة بانه ناظر اوقاف الحرمين
وفي يوم الاثنين ثالث عشره قتل الباشا ثلاثة اشخاص من النصارى (2/529)
المشاهير وهم ألطون ابو طاقية وابراهيم زيدان وبركات معلم الديوان سابقا وفي الحال ارسل الدفتردار فختم على دورهم واملاكهم وشرعوا في نقل ذلك الى بيت الدفتردار على الجمال ليباع في المزاد فبدأوا باحضار تركة ألطون ابي طاقية فوجد له موجود كثير من ثياب وامتعة ومصاغ وجواهر وغيرها وجوار سود وحبوش وساعات واستمر سوق المزاد في ذلك عدة ايام
وفيه تواترت الاخبار بان بونابارته خرج بعمارة كبيرة ليحارب الجزائر وانه انضم الى طائفة الفرنسيس الاسبانيول والنامرطان وتفرقوا في البحر وكثر اللغط بسبب ذلك وامتنع سفر المراكب ورجع الانكليز الى قلاع الاسكندرية واستمرت هذه الاشاعة مدة ايام ثم ظهر عدم صحة هذه الاخبار وان ذلك من اختلافات الانكليز
وفي يوم الخميس سابع عشره حضر جاويش وصحبته مكاتبات الحجاج من العقبة وضربوا لحضوره مدافع واخبروا بالامن والرخاء والراحة ذهابا وايابا ومشوا من الطريق السلطاني وتلقتهم العربان وفرحوا بهم فلما كان يوم الاثنين وصل الحجاج ودخلوا الى مصر
وفي صبحها دخل امير الحج وصحبته المحمل
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه سافر حسين اغا شنن وزين الفقار كتخدا وصحبتهما على كاشف لملاقاة عثمان بك حسن وأخلوا له دار عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه حضر عثمان بك حسن فارسل اليه الباشا اعيان اتباعه من الاغوات وغيرهم والجنائب فحضر بصحبتهم وقابل حضرة الباشا وخلع عليه خلعة وقدم له تقدمة وذهب الى الدار التي اعدت له وحضر صحبته صالح بك غيطاء وخلافه من الامراء البطالين ومعهم نحو المائتين من الغز والمماليك سكن كل من الامراء والكشاف في (2/530)
مساكن ازواجهم فكانوا يركبون في كل يوم الى بيت عثمان بك ويذهبون صحبته الى ديوان الباشا ورتب له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الخميس سنة
فيه شرعوا في عمل المولد النبوي وعملوا صوارى ووقدة قبالة بيت الباشا وبيت الدفتردار والشيخ البكري ونصبوا خياما في وسط البركة ونودي في يوم الخميس ثامنه بتزيين البلد وفتح الاسواق والحوانيت والسهر بالليل ثلاث ليال اولها صبح يوم الجمعة وآخرها الاحد ليلة المولد الشريف فكان كذلك
وفي ليلة المولد حضر الباشا الى بيت الدفتردار باستدعاء وتعشى هناك واحتفل لذلك الدفتردار وعمل له حراقة نفوط وسواريخ حصة من الليل
وفيه وصلت الاخبار بكثرة عربدة الامراء القبالى وتجمع عليهم الكثير من غوغاء الخوف والهوارة والعربان ووصلوا الى غربي اسيوط وخافتهم العساكر العثمانية وداخلهم الرعب منهم وتحصن كل فريق في الجهة التي هو فيها وانكمشوا عن الإقدام عليهم وهابوا لقاءهم مع ما هم عليه من الظلم والفجور والفسق بأهل الريف والعسف بهم وطلبهم الكلف الشاقة والقتل والحرق وذلك هو السبب الداعي لنفور اهل الريف منهم وانضامهم الى المصرلية ومن جملة افاعيلهم التي ضيقت المنافس واحرجت الصدور حتى اعاظم الدولة حجزهم المراكب ومنعهم السفار حتى تعطلت الاسباب وامتنع حضور الغلال من الجهة القبلية وخلت عرصات الغلة والسواحل من الغلال مع كثرتها في بلاد الصعيد ولولا تشديد الباشا في عدم زيادة سعر الغلة لغلت اسعارها وامر بان لا يدخلوا الى الشون والحواصل شيئا من الغلة بل يباع ما يرد على الفقراء حتى يكتفوا وفي كل وقت يرسلون اوراقا وفرمانات الى العساكر باطلاق المراكب فلا يمتثلون (2/531)
ويحجز الواحد منهم او الاثنان المركب التي تحمل الالف اردب ويربطونها بساحل الجهة التي هم بها وتستمر كذلك من غير منفعة وربما مرت بهم شرعوا في تسفير عساكر ايضا وسارى عسكرهم طاهر باشا واخذ في المراكب المشحونة بالغلة فيأخذون منها النواتية والريس يستخدمونه في مركبهم ويأخذ غيرهم المركب فيرمي ما بها من الغلال على بعض السواحل ان لم يجدوا من يشتريه ويأخذون المراكب فيربطونها عندهم وامثال ذلك مما تقصر عنه العبارة ولما تواترت هذه الاخبار عن الامراء القبالي التشهيل والسفر فلما كان يوم الخميس خامس عشره عدى الى البر الغربي وتبعته العساكر
وفي ذلك اليوم حضرت مكاتبة من الامراء القبالي ملخصها أن الارض ضاقت عليهم واضطرهم الحال والضيق وفراق الوطن الى ما كان منهم وانهم في طاعة الله والسلطان ولم يقع منهم ما يوجب ابعادهم وطردهم وقتلهم فأنهم خدموا وجاهدوا وقاتلوا مع العثمانية وأبلوا مع الفرنساوية فجوزوا بضد الجزاء ولا يهون بالنفس الذل والاقبال على الموت فأما أن تعطونا جهة نتعيش فيها أو ترسلوا لنا أهلنا وعيالنا وتشهلوا لنا مراكب على ساحل القصير فنسافر فيها الى جهة الحجاز او تعينوا لنا جهة نقيم بها نحو خمسة اشهر مسافة ما نخاطب الدولة في أمرنا ويرجع لنا الجواب ونعمل بمقتضى ذلك فان لم تجيبونا لشيء من ذلك فيكون ذنب الخلائق في رقابكم لا رقابنا وورد الخبر عنهم انهم رجعوا القهقرى الى قبلي فلما حضرت تلك المكاتبة فاشتوروا في ذلك وكتبوا لهم جوابا بامضاء الباشا والدفتردار والمشايخ حاصله الامان لما عدا ابراهيم بك والالفي والبرديسي وابادياب فلا يمكن أن يؤذن لهم بشيء حتى يرسلوا الى الدولة ويأتي الاذن بما تقتضيه الاراء وأما بقيتهم فلهم الامان والاذن بالحضور الى مصر ولهم الاعزاز والاكرام ويسكنون فيما أحبوا من البيوت ويرتب لهم ما يكفيهم (2/532)
من التراتيب والالتزام وغير ذلك مثل ما وقع لعثمان بك حسن فانهم رتبوا له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر ومكنوه مما طلبه من خصوص الالتزام ورفعوها عمن كان أخذها بالحلوان وهذه اول قضية شنيعة ظهرت بقدومهم واستمر طاهر باشا مقيما بالبر الغربي
وفي هذا الشهر كمل تنميم عمارة المقياس على ما كان عمره الفرنسيس على طرف الميري وأنشا به الباشا طيارة في علوه عوضا عن الطيارة القديمة التي هدمها الفرنسيس وأنشأ ايصا مصطبة في مرمى النشاب بالناصرية وجعل فيها كشكا لطيفا مزينا بالاصباغ ودرابزين حول المصطبة المذكورة
ومن الحوادث بسكندرية
حضر قليون وفيه تجار وبزرجانية يقال له قليون مهر الدار الدولة فأرسى بالمينة الغربية وطلع منه قبطان وبعض التجار الى البلدة وأقام نحو يومين او ثلاثة فطلع رجل نصراني وأخبر الانكليز انه مات به رجل بالطاعون ومات قبله ثلاثة ايضا فطلبوا القبطان فهرب فأرسلوا الى المركب وأحضروا اليازجي وتحققوا القضية وأحرقوا المراكب بما فيها وأشهروا اليازجي وعروه من ثيابه وسحبوه بينهم في الاسواق وكلما مروا به على جماعة من العثمانية مجتمعين على مصاطب القهاوي بطحوه بين أيديهم وضربوه ضربا شديدا ولم يزالوا يفعلون به ذلك حتى قتلوه
ووقع ايضا ان خورشيد حاكم الاسكندرية أحدث مظالم ومكوسا على الباعة والمحترفين فذهب بعض الانكليز يشتري سمكا فطلب السماك منه زيادة في الثمن عن المعتاد فقال له الانكليزي لاي شيء تطلب زيادة عن العادة فعرفه بما أحدث عليهم من المكس فرجع الانكليزي وأخبر كبراءة فتحققوا القضية وأحضروا المنادي وأمروه بالمناداة بأبطال ما أحدثه العثمانية من المكوس والمظالم فخرج المنادي وقال حسبما رسم الوزير (2/533)
محمد باشا وخورشيد أغا بان جميع الحوادث المحدثة بطاله فسمعوه يقول ذلك فأحضروه وضربوه ضربا شديدا وعزروه على ذلك القول وقالوا له قل في مناداتك حسبما رسم سارى عسكر الانكليز
ووقع ايضا ان جماعة من العسكر ارادوا القبض على امرأة من النساء اللاتي يصاحبن الانكليز فمنعها منهم عسكر الانكليز فتضاربوا معهم فقتل من الانكليز اثنان فاجتمع الانكليز وأرسلوا الى خورشيد بان يخرج الى خارج البلدة ويحاربهم فامتنع من ذلك فأمروه بالنزول من القلعة واسكنوه في دار بالبلد ومنعوا عسكره من حمل السلاح مطلقا مثل الانكليزية واستمروا على ذلك
واستهل شهر ربيع سنة
فيه حضر أحمد أغا شويكار من عند القبالي ومحمد كاشف صحبته من جماعة الالفي ومعهم مكاتبات وأشيع طلبهم الصلح فأقاموا عدة ايام محجوبين عن الاجتماع بالناس ثم سافروا في أواسطه ولم يظهر كيفية ما حصل وبطل سفر طاهر باشا الى الجهة القبلية ورجع الى داره بعد أيام من رجوعهم
وفيه عمل مولد المشهد الحسيني ودعا شيخ السادات الباشا في خامسه وتعشى هناك ورجع الى داره
وفيه تقلد السيد أحمد المحروقي امين الضربخانة وفرق ذهبا كثيرا في ذلك اليوم ببيت الباشا وعمل له ليلة بالمشهد الحسيني ودعا الباشا والدفتردار وأعيان الدولة والعلماء وأولم لهم وليمة عظيمة وأوقد بالمسجد وقدة كبيرة وقدم للباشا تقدمة وفي صبحها أرسل مع ولده هدية وتعبية أقمشة نفيسه فخلع عليه الباشا فروة سمور
وفي غرة هذا الشهر شرع الباشا في هدم الاماكن المجاورة لمنزله التي تهدمت واحترقت في واقعة الفرنسيس ليبنيها مساكن للعساكر (2/534)
المختصة به وتسمى عندهم بالقشلة وذلك من قبالة منزله من المكان المعروف بالساكت الى جامع عثمان كتخدا حيث رصيف الخشاب واهتم لذلك اهتماما عظيما ورسم بعمل فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى وأرسلوا المعينين لقبض ذلك من البلاد مع ما الفلاحون فيه من الظلم والجور من العساكر والمباشرين وحق الطرق وفرد الانكليز
وفي منتصفه كملت عمارة مشهد السيدة زينب بقناطر السباع وكان من خبره ان هذا المشهد كان أنشأه وعمره عبد الرحمن كتخدا القازدغلي في جملة عمائره وذلك في سنة 1174 فلم يزل على ذلك الى ان ظهر به خلل ومال شقه فانتدب لعمارته عثمان بك المعروف بالطنبرجي المرادي في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فهدمه وكشف أنقاضه وشرع في بنائه وأقام جدرانه ونصبوا اعمدته وأرادوا عقد قناطره فحصلت حادثة الفرنسيس وجرى ما جرى فبقى على حالته الى أن خرج الفرنسيس من ارض مصر وحضرت الدولة العثمانية فعرض خدمة الضريح الى الوزير يوسف باشا فأمر باتمامه واكماله على طرف الميري ثم وقع التراخي في ذلك الى ان استقر قدم محمد باشا في ولاية مصر فأهتم لذلك فشرعوا في اكماله وتنميمه وتسقيفه وتقيد لمباشرة ذلك ذو الفقار كتخدا فتم على أحسن ما كان واحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والاصباغ ولما كان يوم الجمعة رابع عشره حصلت به الجمعية وحضر الباشا الدفتردار والمشايخ وصلوا به الجمعة وبعد انقضاء الصلاة عقد الشيخ محمد الامير المالكي درس وظيفته وأملى انما يعمر مساجد الله الاية والاحاديث المتعلقة بذلك وثم المجلس وخلع عليه الباشا بعد ذلك خلعة وكذا الامام
وفيه نصب للباشا خيمة عند بيته بقرب الهدم يجلس بها حصة كل يوم لمباشرة العمل وربما باشر بنفسه ونقل بعض الانقاض فلما عاينه الاغوات والجوخدارية بادروا الى الشيل ونقل التراب بالغلقان فلما أشيع ذلك (2/535)
حضر طاهر باشا واعيان العساكر فنقلوا ايضا وطلبوا المساعدة وحضر طائفة من ناحية الرميلة وعرب اليسار ومعهم طبول وزمور فسأل عن ذلك فقال له المحتسب ذو الفقار هؤلاء طائفة من طوائفي حضروا لاجل المساعدة فشكرهم على ذلك وأمرهم بالذهاب فبقى منهم طائفة وأخذوا في شيل التراب بالاغلاق ساعة والطبول تضرب لهم فانسر الباشا من ذلك وحسن القرناء للباشا المساعدة وان الناس تحب ذلك فرتبوا ذلك وأحضروا قوائم ارباب الحرف التي كتبت ايام فرد الفرنسيس ونبهوا عليهم بالحضور فأول ما بدأوا بالنصارى الاقباط فحضروا ويقدمهم رؤساؤهم جرجس الجوهري وواصف وفلتيوس ومعهم طبول وزمور واحضر لهم ايضا مهتار باشا النوبة التركية وانواع الآلات والمغنين حتى البرامكة بالرباب فاشتغلوا نحو ثلاث ساعات وفي ثاني يوم حضر منهم ايضا كذلك طائفة
ولما انقضت طوائف الاقباط حضر النصارى الشوام والاروام ثم طلبوا ارباب الحرف من المسلمين فكان يجتمع الطائفتان والثلاثة ويحضرون معهم عدة من الفعلة يستأجرونهم ويحضرون الى العمل ويقدمهم الطبول والزمور والمجرية وذلك خلاف ما رتبه مهتار باشا فيصير بذلك ضجة عظيمة مختلطة من نوبات تركية وطبول شامية ونقاقير كشوفية ودبادب حربية وآلات موسيقية وطبلات بلدية وربابات برامكية كل ذلك في الشمس والغبار والعفار وزادوا في الطنبور نغمة وهي انهم بعد ان يفرغوا من الشغل ويأذنوا لهم بالذهاب يلزمونهم بدراهم يقبضها مهتار باشا برسم البقشيش على أولئك الطبالين والزمارين فيعطيهم النزر اليسير ويأخذ لنفسه الباقي وذلك بحسب رسمه واختياره فيأتي على الطائفة المائة قرش والخمسون قرشا ونحو ذلك فيركب في ثاني يوم ويذهب الى خطتهم ويلزمهم باحضار الذي قرره عليهم فيجمعونه من بعضهم ويدفعونه واذا حضرت طائفة ولم تقدم بين يديها هدية أو جعالة (2/536)
طولوا عليهم المدة واتعبوهم ونهروهم واستحثوهم في الشغل ولو كانوا من ذوي الحرف المعتبرة كما وقع لتجار الغورية والحريرية واذا قدموا بين ايديهم شيئا خففوا عليهم واكرموهم ومنعوا اعيانهم وشيوخهم من الشغل واجلسوهم بخيمة مهتار باشا واحضر لهم الآلات والمغاني فضربت بين ايديهم كما وقع ذلك لليهود واستمر هذا العمل بقية الشهر الماضي الى وقتنا هذا فاجتمع على الناس عشرة اشياء من الرذالة وهي السخرة والمعونة واجرة الفعلة والذل ومهنة العمل وتقطيع الثياب ودفع الدراهم وشماتة الاعداء من النصارى وتعطيل معاشهم وعاشرها اجرة الحمام
وفي يوم الاربعاء ثاني عشره الموافق لسادس مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم الخميس بحضرة الباشا والقاضي والشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ولم يطف مثل العادة ومنعوا دخول السفن والمراكب المعدة للنزهة وذلك بسبب اذية العساكر العثمانية
وفي منتصفه حضر قصاد من الططر وعلى يدهم مكاتبات من الدولة بوقوع الصلح العام من الدولة والقرانات وعثمان باشا ومن معه من المخالفين على الدولة ومن جهة الروملي فعملوا شنكا ومدافع ثلاثة ايام تضرب في كل وقت من الاوقات الخمسة وكتبوا اوراقا بذلك والصقوها في مفارق الطرق بالاسواق وقد تقدم مثل ذلك واظنه من المختلقات
وفي اواخره حضر حريم الباشا من الجهة الرومية وهما اثنتان احداهما معتوقة ام السلطان والاخرى معتوقة اخته زوجة قبطان باشا وصحبتهما عدة سراري فاسكنهن ببيت الشيخ خليل البكري وقد كان عمره قبل حضورهن وزخرفه ودهنوه بانواع الصباغات والنقوش وفرشوه بالفرش الفاخرة وفرش المحروقي مكانا وكذلك جرجس الجوهري فرش مكانا واحمد بن محرم واعتنوا بذلك اعتناء زائدا حتى ان جرجس فرش بساطا من الكشمير وغير ذلك وعمل وليمة العقد وعقد على الثنتين في آن (2/537)
واحد بحضرة القاضي والمشايخ واهدوا لكل من الحاضرين بقجة من ظرائف الاقمشة الهندية والرومية وعملوا شنكا وحراقة بالازبكية عدة ليال
واستهل شهر جمادى الاولى بيوم الاثنين سنة
في يوم الاثنين ثامنه شنقوا ثلاثة من عساكر الاروام احدهم بباب زويلة والثاني بباب الخرق والثالث بالازبكية بالقرب من جامع عثمان كتخدا وقتلوا ايضا شخصا بالنحاسين
وفي يوم الثلاثاء تاسعه عمل الباشا ديوانا وفرق الجامكية على الوجاقلية
وفيه وردت الاخبار بوقوع حادثة بين الامراء القبالي والعثمانية وذلك ان شخصا من العثمانية يقال له أجدر موصوفا بالشجاعة والاقدام أراد أن يكبس عليهم على حين غفلة ليكون له ذكر ومنقبة في أقرانه فركب في نحو الالف من العسكر المعدودين وكانوا في طرف الجبل بالقرب من الهو فسبق العين الى الامراء وأخبرهم بذلك فلما توسطوا سطح الجبل واذا بالمصرلية أقبلت عليهم في ثلاثة طوابير فأحاطوا بهم فضرب العثمانية بنادقهم طلقا واحدا لا غير ونظروا واذا بهم في وسطهم وتحت سيوفهم ففتكوا فيهم وحصدوهم ولم ينج منهم الا القليل وأخذ كبيرهم أجدر المذكور أسيرا وانجلت الحرب بينهم وأحضروا أجدر بين يدي الالفي فقال له لاي شيء سموك أجدر فقال الاجدر معناه الافعى العظيم وقد صرت من اتباعك فقال لكن يحتاج الى تطريمك واخراج سمك أولا وأمر به فأخذوه وقلعوا اسنانه ثم قتلوه وأخذوا جميع ما كان معهم ومن جملة ذلك أربعة مدافع كبار
وفيه قلدوا أحمد كاشف سليم امارة اسيوط وعزل أميرها مقدار بك العثماني بسبب شكوى اهل النواحي من ظلمه
وفي منتصفه تواترت الاخبار برجوع الامراء القبالي الى بحري وانهم وصلوا الى بني عدي فنهبوا غلالها ومواشيها وقبضوا اموالها وأعطوهم وصولات بختمهم وكذلك الحواوشة وما جاور ذلك من البلاد فشرع (2/538)
العثمانية بمصر في تشهيل جريدة وعساكر
وفيه حضرت ايضا عساكر كثيرة من هبود الاتراك والارنؤد فأحضروا مشايخ الحارات وأمروهم باخلاء البيوت لسكناهم فأزعجوا الكثير من الناس وأخرجوهم من دورهم بالقهر فحصل للناس غاية الضرر وضاق الحال بالناس وكلما سكنت منهم طائفة بدار أخربوها وأحرقوا أخشابها وطيقانها وأبوابها وانتقلوا الى غيرها فيفعلون بها كذلك ومن تكلم أو دافع عن داره وبخ بالكلام وقيل له عجب كنتم تسكنون الفرنسيس وتخلون لهم الدور وأمثال ذلك من الكلام القبيح الذي لا أصل له ولما شرعوا في تشهيل التجريدة حصلت منهم أمور وأذية في الناس كثيرة فمنها أنهم طلبوا الحمارة المكارية وأمروهم باحضار ستمائة حمار وشددوا عليهم في ذلك فقيل انهم لما جمعوها أعطوهم أثمانها في كل حمار خمسة ريالات بعدته ولجامه مع أن فيها ما قيمته خمسون ريالا خلاف عدته ثم ما كفاهم ذلك بل صاروا يخطفون حمير الناس من اولاد البلد بالقهر وكذلك حمير السقائين التي تنقل الماء من الخليج حتى امتنعت السقاؤن بالكلية وبلغ ثمن القربة الكتافي من الخليج عشرة انصاف فضة وتعدى بالخطف ايضا من ليس بمسافر فكانوا ينزلون الناس من على حميرهم ويذهبون بها الى الساحة ويبيعونها والبعض تبعهم واشترى حماره بالثمن فخبى جميع الناس حميرهم في داخل الدور فكان يأتي الجماعة من العسكر وينصتون بآذانهم على باب الدار ويتبعون نهيق الحمير وبعض شياطينهم يقف على الدار ويقول زر ويكررها فينهق الحمار فيعلمون به ويطلبونه من البيت فأما اخذوه او افتداه صاحبه ببما ارادوه وغير ذلك
وفيه حضر قاضي سكندرية الى مصر وذلك أنه لما حضر من اسلامبول طلع الى داره وحضرت اليه الدعاوي فأخذ منهم المحصول على الرسم المعتاد فأرسل اليه الانجليز ولاموه على عدم حضوره اليهم وقت قدومه وقالوا له ان أقمت هنا بتقليدنا اياك فلا نأخذ من أحد شيئا ونرتب لك (2/539)
ثلاثة قروش في كل يوم والا فأذهب حيث شئت فحضر الى مصر بذلك السبب
شهر جمادى الثانية سنة
في خامسه سافرت العساكر الى الامراء القبالي وسافر ايضا عثمان بك الحسني وباقي العساكر المعزولين وأمير العساكر العثمانية محمد علي سرششمه وكان الباشا أرسل ابراهيم كاشف الشرقية بجواب اليهم فرجع في ثامنه بجواب الرسالة وأعطاه الالفي ألفي ريال وقدم له حصانين وحاصل تلك الرسالة كما تقدم الامان لجميع الامراء المصرلية وانهم يحضرون الى مصر ويقيمون بها ولهم ما يرضيهم من الفائظ وغيره ما عدا الاربعة الامراء وهم ابراهيم بك والالفي والبرديسي وأبا دياب فانهم مطلوبون الى حضرة السلطان يتوجهون اليه مع الامن عليهم ويعطيهم مناصب وولايات كما يحبون فان لم يرضوا بذلك فيأخذوا اقطاع اسنا ويقيمون بها فلما وصل ابراهيم اغا المذكور الى أسيوط وأرسل اليهم ارسلوا اليه أحمد آغا شويكار ومحمد كاشف الالفي فانتظروه خارج الجبانة فخرج اليهم ولاقوه وأخذوه وصحبتهم الى عرضيهم وأنزلوه بوطاق بات به فلما اصبح الصباح طلبوه الى ديوانهم فحضر ووقفت عساكرهم صفوفا ببنادقهم وفيهم كثير على هيئة اصطفاف الفرنسيس وعملوا له شنكا ومدافع ثم اعطاهم المكاتبة بحضرة الجميع فقرؤها ثم تكلم الالفي وقال أما قولكم نذهب الى اسلامبول ونقابل السلطان ينعم علينا فهذا مما لا يمكن وان كان مراده أن ينعم علينا فاننا في بلاده وانعامه لا يتقيد بحضورنا بين يديه واما بقية اخواننا فهم بالخيار ان شاؤا أقاموا معنا والا ذهبوا وكل انسان امير نفسه واما كون حضرة الباشا يعطينا اقطاع اسنا فلا يكفينا هذا وانما يكفينا من اسيوط الى آخر الصعيد ونقوم بدفع خراجه فان لم يرضوا بذلك فان الارض لله ونحن خلق الله نذهب حيث شئنا ونأكل من رزق الله ما يكفينا ومن أتى الينا حاربناه حتى يكون (2/540)
من امرنا ما يكون ثم استقروا بقنطرة اللاهون وكسروا القنطرة وشرعوا في قبض اموال من بلاد الفيوم فلما رجع ابراهيم كاشف بذلك الجواب ركب الباشا في صبحها الى الآثار واستعجل العسكر بالذهاب فعدوا الى البر الغربي وتأخر عنهم عثمان بك الحسني والغز المصرلية وباتوا بطرا
وفيه شنق الباشا رجلا طبجيا في المشنقة التي عند قنطرة المغربي ثم ان عثمان بك ارسل الى الباشا يطلب حسين اغا شنن ومصطفى اغا الوكيل ليتفاوض معهما في كلام فأرسل له ابراهيم اغا كاشف الشرقية فأعطاه الخلعة التي خلعها عليه الباشا ودراهم الترحيلة وقال له سلم علي افندينا واخبره اني جاهدت الفرنسيس وبلوت معهم ثم اني حضرت بامان طائعا فلم اجاز ولم يحصل ما كنت اؤمله ولم يوفوا معي وعدا وانا لا اقاتل اخواني المسلمين واختم عملي بذلك ولا اقيم بمصر آكل الصدقة وانما اذهب سائحا في بلاد الله وكان في ظن عثمان بك انه اذا اتى الى مصر على هذه الصورة يجعله الباشا امير البلد أو امير الحاج
وفيه امر الباشا محمد كتخدا المعروف بالزربة بالسفر الى جهة قبلي فاستعفى من ذلك فأمر بقتله فشفع فيه يوسف كتخدا الباشا وقال ان له حرمة وقد كان في السابق كتخدا لافندينا ولا يناسب قتله على هذه الصورة فأمر بسفره الى جهة البحيرة محافظا فسافر من يومه واما عثمان بك فانه ركب وذهب الى جهة قبلي مشرقا على غير الرسم واشيع ذلك في الناس ولغطوابه فلما تحقق العثمانية ذلك رسموا الطوائف العسكر أن يقيموا منهم طوائف بالقلاع التي على التلول ونصبوا عليها بيارق واوقفوا حراسا على ابواب المدينة يمنعون من يخرج من المدينة من الغز الخياله والمصرلية فمن خرج الى بولاق او غيرها فلا يخرج الا بورقة من كتخدا الباشا
وفي ليلة الجمعة عاشره أمر الباشا بكبس بيوت الامراء الحسنية ونهب ما بها من الخيول والجمال والسلاح (2/541)
وفيه حضر اغات التبديل الى بيت الخربطلي بعطفة خشقدم وبه جماعة من عسكر المغاربة فكبس عليهم وقبض على جماعة منهم وكتفهم وكشف رؤسهم وأحاطت بهم عساكره وسحبوهم واخذوا ما وجدوه في جيوبهم على هيئة شنيعة ومروا بهم على الغورية ثم على النحاسين وباب الشعرية حتى انتهوا بهم الى الازبكية على حارة النصارى ودخلوا بهم بيت الباشا وهم لا يعلمون لهم ذنبا فلما مثلوا بين يدي كتخدا الباشا ذكر لهم أن بجوارهم دير للنصارى وأنهم فتحوا طاقا صغيرا يطل على الدير فقالوا لا علم لنا بذلك وأخبروا ان جماعة من الارنؤد ساكنون معهم بأعلى الدار فيحتمل أن ذلك من فعلهم فأرسلوا من كشف على ذلك فوجدوه كما قال المغاربة فأطلقوهم بعد هذه الجرسة الشنيعة ومرورهم بهم الى حارة النصارى وأخذ دراهمهم ومتاعهم والامر لله وحده
وفيه أشيع مرور جماعة من الغز القبالي على جهة الجيزة الى جهة سكندرية وكذلك جماعة من الانجليز من سكندرية الى قبلي
وفيه تداعي مصطفى خادم مقام سيدي أحمد البدوي مع نسيبه سعد بسبب ميراث اخته فقال مصطفى أنا أحاسبه علىخمسين ألف ريال فقال سعد انا استخرج منه مائتي ألف ريال بشرط أن تعوقوه هنا وتعطوني خادمه وجماعة من العسكر ففعلوا ذلك وعوقوه ببيت السيد عمر النقيب وتسلم سعد خادمه والعسكر وذهب بهم الى طندتا فعاقبوا الخادم فاقر على مكان اخرجوا منه ستة وثلاثين ألف ريال فرانسه ثم فتحوا بئر مردومة بالاتربة واخرجوا منها ريالات فرانسه وانصافا وارباعا وفضة عددية كلها مخلوطة بالاتربة وقد ركبها الصدأ والسواد فأحضروها وجلوها في قاعة اليهود ولم يزالوا يستخرجون حتى غلقوا مائة وسبعة وثمانين ألف وسبعمائة وكسورا وآخر الامر اخرجوا خبيئة لا يعلم قدرها ثم حصل العفو ورجع العسكر واخذوا كراء طريقهم وأخذوا من اولاد عمه عشرة اكياس
وفي يوم السبت حادي عشره كان آخر التسخير في نقل التراب من (2/542)
العمارة وكان آخر ذلك طائفة الخردة من الغياش والقرادتية وارباب الملاعيب وبطل الزمر والطبل واستمر الفعلة في حفر الاساس ورشح عليهم الماء بادنى حفر لكون ان ذلك في وقت النيل والبركة ملائة بالماء حول ذلك
وفي خامس عشره خرجت عساكر ودلاة ايضا وسافروا الى قبلي
وفي ثالث عشرينه سافر عساكر في نحو الاربعين مركبا الى جهة البحيرة بسبب عرب بنى على فأنهم عانوا بالبحيرة ودمنهور
ومن الحوادث السماوية
ان في تلك الليلة وهي ليلة الاربعاء ثاني عشرينه احمرت السماء بالسحاب عند غروب الشمس حمرة مشوبة بصفرة ثم انجلت وظهر في اثرها برق من ناحية الجنوب في سحاب قليل متقطع وازداد وتتابع من غير فاصل حتى كان مثل شعلة النفط المتوقدة المتوجة بالهواء واستمر ذلك الى ثالث ساعة من الليل ثم تحول الى جهة المغرب وتتابع لكن بفاصل على طريقة البرق المعتاد واستمر الى خامس ساعة ثم أخذ في الاضمحلال وبقي أثره غالب الليل وكان ذلك ليلة سادس عشرين درجة من برج الميزان وحادي عشر بابه القبطي وثامن تشرين اول الرومي ولعل ذلك من الملاحم المنذرة بحادث من الحوادث
وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا وبها الجي وقنصل وصحبتهما عدة فرنسيس فعمل لهم الانكليز شنكا ومدافع بالاسكندرية فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الالجي وصحبته خمسة من اكابر الفرنسيس الى ساحل بولاق فأرسل الباشا لملاقاتهم خازنداره وصحبته عدة عساكر خيالة وبأيديهم السيوف المسلولة فقابلوهم وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والازبكية وركبوا الى دار أعدت لهم بحارة البنادقة وحضروا في صبحها الى عند الباشا وقابلوه وقدم لهم خيلا معدة واهدى لهم هدايا وصاروا يركبون في هيئة وأبهة معتبرة وكان فيهم جبير ترجمان بونابارته (2/543)
وفيه وردت الاخبار بأن الغز القبالي نهبوا بلاد الفيوم وقبضوا أموالها ونهبوا غلالها ومواشيها وحرقوا البلاد التي عصت عليهم وقتلوا ناسها حتى قتلوا من بلدة واحدة مائة وخمسين نفرا واما العثمانية الكائنون بالفيوم فانهم تحصنوا بالبلدة عملوا لهم متاريس بالمدينة وأقاموا داخلها
شهر رجب الفرد سنة
استهل بيوم الجمعة فيه رموا اساس عمارة الباشا وكان طلب من الفلكيين ان يختاروا له وقتا لوضع الاساس ففعلوا ذلك وكان بعد اثني عشر يوما من يوم تاريخه فأستبعده وأمر برمي الاساس في اليوم المذكور
ورب النجم يفعل ما يشاء
وفيه احضروا أربعة رؤس فوضعت عند باب الباشا زعموا أنهم من قتلى الغز المصرلية
وفي خامسه يوم الثلاثاء سافر الالجي الفرنساوي وأصحابه فنزلوا الى بولاق وامامهم مماليك الباشا بزينتهم وهم لابسون الزروخ والخود وبايديهم السيوف المسلولة وخلفهم العبيد المختصة بالباشا وعلى رؤسهم طراطير حمر وبايديهم البنادق على كواهلهم فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتوا ببولاق ثم رجعوا ثم نزلوا المراكب الى دمياط وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن
وفيه أشيع انتشار الامراء القبالي الى جهة بحري وحضروا الى اقليم الجيزة وطلبوا منها الكلف حتى وصلوا الى وردان
وفيه حضر محمد كتخدا المعروف بالزربة الذي كان كتخدا الباشا وتقدم أنه كان أمره بالسفر الى قبلي فأمتنع وأذن له بالسفر الى البحيرة محافظا فلما تقدم طوائف الامراء الى بحري فمر منهم جماعة قليلة على محمد كتخدا الزربة المذكورة فلم يتعرض لهم مع قدرته على تعويقهم فبلغ الباشا ذلك فحقدها عليه وأرسل اليه وطلبه الى الحضور فحضر فلما كان يوم السبت تاسعه طلبه الباشا في بكرة النهار فلما أحضر أمر بقتله فنزل به العسكر (2/544)
ورموا رقبته عند باب الباشا ثم نقلوه الى بين المفارق قبالة حمام عثمان كتخدا فاستمر مرميا عريانا الى قبيل الظهر ثم شالوه الى بيته وغسلوه في حوش البيت سكنه ودفنوه وعند موته ارسل الدفتردار فختم على داره واخرج حريمه وفي ثاني يوم أحضروا تركته ومتاعه وباعوا ذلك ببيت الدفتردار
وفيه وردت مكاتبات من الديار الرومية وفيها الخبر بعزل شريف أفندي الدفتردار وولاية خليل افندي الرجائي المنفصل عن الدفتردارية عام أول فحزن الناس لذلك حزنا عظيما فأن أهل مصر لم يروا راحة من وقت دخول العثمانية الى مصر بل من نحو أربعين سنة سوى هذه السنة التي باشرها هو فأنه أرضى خواطر الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني وصرف الجامكية وغلال الانبار عينا وكيلا وكان كثير الصدقات ويحب فعل الخير والمعروف وكان مهذبا في نفسه بشوشا متواضعا وهو الذي أرسل يطلب الاستعفاء من الدفتردارية لما رأى من اختلال أحكام الباشا
وفي يوم الاثنين حادي عشره عدى يوسف كتخدا الباشا الى برانبابة وعدى معه الكثير من العسكر ونصب العرضى ببرانبابة على ساحل البحر وأشيع وصول الامراء الى ناحية الجسر الاسود وقطعوا الجسر لاجل تصفية المياه وانحدارها من الملق لاجل مشى الحافر ثم رجعوا الى ناحية المنصورية وبشتيل واستمر خروج العساكر والعثمانية التي كانت جهة قبلي الى برانبابة وهم كالجراد المنتشر ونصبوا وطاقهم ظاهر انبابة واستمر خروج العساكر والطلب ونقل البقساط والجبخانة على الجمال والحمير ليلا ونهارا وأخذوا المراكب ووسقوها معهم في البحر وغصبوا ما وجدوه من السفن قهرا وانتشرت عساكرهم وخيامهم ببرانبابة حتى ملؤا الفضاء بحيث يظن الرائي لهم انهم متى تلاقوا مع الغز المصرلية اخذوهم تحت اقدامهم لكثرتهم واستعدادهم بحيث كان اوائل العرضي عند الوراريق (2/545)
وآخرهم بالقرب من بولاق التكر ورطولا ثم ان الامراء رجعوا الى ناحية وردان والطرانة
وفي يوم الجمعة خامس عشره انتقل العرضي من برانبابة وحلوا الخيام وفي ثاني يوم خرجت عساكر خلافهم ونصبت مكانهم وسافروا وخرج خلافهم وهكذا دأبهم في كل يوم تخرج طائفة بعد اخرى
وفيه رسم الباشا بالف اردب فتح انعام تفرق على طلبة العلم المجاورين والاروقة بالجامع الازهر ففرقت بحسب الاغراض وانعم ايضا بعد أيام بالف اردب اخرى فعل بها كذلك ... وانها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما ...
وفي يوم الاحد سابع عشره وصلت جماعة ططر واخبروا بتقليد شريف محمد افندي الدفتردار ولاية جدة
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره خرج طاهر باشا ونصب وطاقه جهة انبابة للمحافظة وخرجت عساكره ونصبت وطاقاتهم ببر انبابة ايضا متباعدين عن بعضهم البعض واستمروا على ذلك
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه حضر رجل من طرف الدولة يقال له حجان وهو رجل عظيم من ارباب الاقلام وعلى يده فرمان فأرسل الباشا الى شريف افندي الدفتردار والقاضي والمشايخ وجمعهم بعد صلاة الجمعة وقرىء عليهم ذلك الفرمان وهو خطاب الى حضرة الباشا وملخصه اننا اخترناك لولاية مصر لكونك ربيت بالسراية ولمانعلمه منك من العقل والسياسة والشجاعة وارسلنا اليك عساكر كثيرة وامرناك بقتال الخائنين واخراج الاربعة انفار من الاقليم المصري بشرط الامان عليهم من القتل وتقليدهم ما يختارونه من المناصب في غير اقليم مصر واكرامهم غاية الاكرام ان امتثلوا الاوامر السلطانية واطلقنا لك التصرف في الاموال الميرية لنفقة العسكر واللوازم وما عرفنا موجب تأخير امرهم لهذا الوقت فان كان لقلة العساكر أرسلنا اليك كذلك ان لم يمتثلوا وكل من انضم اليهم كان مثلهم (2/546)
ومن شذ عنهم وطلب الأمان فهو مقبول وعليه الامان الى آخر ما ذكر من ذلك المعنى
وفي يوم السبت ثالث عشرينه كتبت اوراق بمعنى ذلك وألصقت بالطرقات
وفي خامس عشرينه تواترت الاخبار بوقوع معركة بين العثمانيين والامراء المصرلية بأراضي دمنهور وقتل من العساكر العثمانية مقتلة عظيمة وكانت الغلبة للمصرليين وانتصروا على العثمانيين وصورة ذلك انه لما تراءى الجمعان واصطفت عساكر العثمانيين الرجالة ببنادقهم واصطفت الخيالة بخيولهم وكان الالفي بطائفة من الاجناد نحو الثلاثمائة قريبا منهم وصحبتهم جماعة من الانكليز فلما رأوهم مجتمعين لحربهم قال لهم الانكليز ماذا تصنعون قالوا نصدمهم ونحاربهم قال الانكليز انظر واما تقولون ان عساكرهم الموجهين اليكم اربعة عشر الفا وانتم قليلون قالواالنصر بيد الله فقالوا دونكم فساقوا اليهم خيولهم واقتحموا الى الخيالة فقتل منهم من قتل فأنهزم الباقون وتركوا الرجالة خلفهم ثم كروا على الرجالة فلم يتحركوا بشيء وطلبوا الامان فساقوا منهم نحو السبعمائة مثل الاغنام واخذوا الجبخانة والمدافع وغالب الحملة والانكليز وقوف على علة ينظرون الى الفريقين بالنظارات فلما تحقق الباشا ذلك اهتم في تشهيل عساكر ومدافع وعدوا الى بر انبابة ونصبوا وطاقهم هناك وانتقل ظاهر باشا الى ناحية الجيزة
استهل شهر شعبان بيوم السبت سنة فيه شرعوا في عمل متاريس جهة الجيزة وقبضوا على أناس كثيرة من ساحل مصر القديمة ليسخروهم في العمل
وفيه حضر الكثير من العساكر المجاريح وجمع الباشا النجارين والحدادين وشرع في عمل شركفلك فاشتغلوا فه ليلا ونهارا حتى تمموه في خمسة أيام وحملوه على الجمال وأنزلوه المراكب وسفروه الى دمنهور (2/547)
في سادسه وفي عاشره كتبوا عدة اوراق وختم عليها المشايخ ليرسلوها الى البلاد خطأ بالمشايخ البلادوالعربان مضمونها معنى ما تقدم وكتبوا كذلك نسخا وألصقت بالاسواق وذلك باشارة بعض قرناء الباشا المصرلية وهي بمعنى التحذير والتخويف لمن يسالم الامراء المصرلية وخصوصا المغضوب عليهم مطرودين السلطنة للعصاة الى آخر معنى ما تقدم
وفي هذه الايام كثرت الغلال حتى غصت بها السواحل والحواصل ورخص سعرها حتى بيع القمح بمائة وعشرين نصفا الاردب واستمرت الغلال معرمة في السواحل ولا يوجد من يشتريها وكان شريف افندي الدفتردار أنشأ اربعة مراكب كبار لغلال الميري ولما حصلت النصرة للمصرلية على العثمانية خصوصا هذه المرة مع كثرتهم وقوتهم واستعدادهم ضبغوا فيهم واحتكروها ووقفوا على سواحل النيل يمنعون الصادر والوارد منهم ومن غيرهم وأما الباشا فأنه سخط على العساكر وصار يلعنهم ويشتمهم في غيابهم وحضورهم
وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وعلمائها هروبا من الوهابيين وقصدهم السفر الى اسلامبول يخبرون الدولة بقيام الوهابيين ويستنجدون بهم لينقذوهم منهم ويبادروا لنصرهم عليهم فذهبوا الى بيت الباشا والدفتردار وأكابر البلد وصاروا يحكون ويشكون وتنقل الناس أخبارهم وحكاياتهم
استهل شره رمضان المعظم سنة
عملت الرؤية ليلة الاحد وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة ولم ير الهلال وكان غيما مطبقا فلزم اتمام عدة شعبان ثلاثين يوما فأنتدب جماعة ليلة الاحد وشهدوا انهم رأوا هلال شعبان ليلة الجمعة فقبله القاضي وحكم به تلك الليلة على ان ليلة الجمعة التي شهدوا برؤيته فيها لم يكن (2/548)
للهلال وجودالبتة وكان الاجتماع في سادس ساعة من ليلة الجمعة المذكورة باجماع الحساب والدساتير المصرية والرومية على انه لم ير الهلال ليلة السبت الاحد يد البصر في غاية العمر والعجب وشهر رجب كان أوله الجمعة وكان عسر الرؤية ايضا وان الشاهد بذلك لم يتفوه به الا تلك الليلة فلو كانت شهادته صحية لاشاعها في أول الشهر ليوقع ليل النصف التي هي من المواسم الاسلامية في محلها حيث كان حريصا على اقامة شعائر الاسلام
وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وغيرها
وفي خامس عشرينه حضر خليل افندي الرجائي الدفتردار في قلة من اتباعه وترك أثقاله بالمراكب وركب من مدينة فوة وحضر على البر وذلك بسبب وقوف جماعة من الامراء المصرلية ناحية النجيلة يقطعون الطريق على المارين في المراكب ولما حضر نزل ببيت اسمعيل بك بالازبكية
وفي غايته وقع ما هو أشنع مما وقع في غرته وذلك ان ليلة الاثنين غايته كان بالسماء غيم مطبق ومطر ورعد وبرق متواتر وأوقدت قناديل المنارات والمساجد وصلى الناس التراويح واستمر الحال الى سابع ساعة من الليل واذا بمدافع كثيرة وشنك من القلعة والازبكية ولغط الناس بالعيد وذكروا ان جماعة حضروا من دمنهور البحيرة وشهدوا انهم رأوا هلال رمضان ليلة السبت فذهبوا الى بيت الباشا فأرسلهم الى القاضي فتوقف القاضي في قبول شهادتهم فذهبوا الى الشيخ الشرقاوي فقبلهم وايدهم وردهم الى القاضي والزمه بقبول شهادتهم فكتبوا بذلك اعلاما الى الباشا وقضوا بتمام عدة رمضان بيوم الاحد ويكون غرة شوال صبحها يوم الاثنين واصبح الناس في امر مريج منهم الصائم ومنهم المفطر فلزم من ذلك انهم جعلوا رجب ثمانية وعشرين يوما وشعبان تسعة وعشرين وكذلك رمضان والامر لله وحده (2/549)
شهر شوال سنة
كان اوله الحقيقي يوم الثلاثاء وجزم غالب الناس المفطرين بقضاء يوم الاثنين
وفي خامسه وصلت اثقال خليل افندي الرجائي الدفتردار
وفيه طلبوا الف كيس سلعة من التجار وارباب الحرف فوزعت وقبضت على يد احمد المحروقي وهي اول حادثة وقعت بقدوم الدفتردار
وفي يوم الخميس عاشره نصب جاليش شريف باشا المعبر عنه بالطوخ عند بيته بالازبكية وضربت له النوبة التركية واهدى له الباشا خياما كثيرة وطقما ولوازم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه كان خروج امير الحاج بالموكب والمحمل المعتاد الى الحصوة وكان ركب الحجاج في هذه السنة عالما عظيما وحضر الكثير من حجاج المغاربة من البحر وكذلك عالم كثير من الصعيد وقرى مصر البحرية والاروام وغير ذلك
وفي يوم الخميس خامس عشرينه خرج شريف باشا في موكب جليل ونصب وطاقه عند بركة الشيخ قمر فأقام به الى ان يسافر الى جدة من القلزم وانتقل خليل افندي الرجائي الدفتردار الى دار شريف باشا بالازبكية
وفي غايته حضر أولاد الشريف سرور شريف مكة هروبا من الوهابيين ليستنجدوا بالدولة فنزلوا ببيت المحروقي بعدما قابلوا محمد باشا والي مصر وشريف باشا والي جدة
شهر ذي القعدة الحرام سنة
استهل بيوم الاربعاء فيه تقدم الناس بطلب الجامكية فأمرهم الدفتردار بكتابة عرضحالات فثقل عليهم ذلك فقالوا اننا كتبنا عرضحالات في السنة الماضية وأخذنا سنداتنا من الدفتردار المنفصل ودفع لنا سنة ستة عشر فقيل لهم انه دفع لكم سنة معجلة والحساب لا يكون الا من يوم التوجيه (2/550)
فضجوا من ذلك وكثر لغط الناس بسبب ذلك واكثروا من التشكي من الدفتردار
وفي سادسه اجتمع الكثير من النساء بالجامع الأزهر وصاحوا بالمشايخ وأبطلوا دروسهم فاجتمعوا بقبلته ثم ركبوا الى الباشا فوعدهم بخير حتى ينظر في ذلك وبقي الامر وهم في كل يوم يحضرون وكثر اجتماعهم بالأزهر وباب الباشا فلم يحصل لهم فائدة من ذلك سوى أن رسم لهم بمواجب اخر سنة تاريخه معجلة ولم يقبضوا منها الا ما قل بسبب تتابع الشرور والحوادث
وفي حادي عشره يوم السبت ارتحل شريف باشا الى بركة الحج متوجها الى السويس
وفيه ارتحل حجاج المغاربة وكانوا كثيرين فسافر اغنياؤهم والكثير من فقرائهم من طريق البر وآخرون من السويس على القلزم
وفي رابع عشره حضر ططريات الى الباشا وعلى يدهم شالات شريفة وبشارة بتقرير على السنة الجديدة وزيد له تشريف تترخانية ومعناه مرتبة عالية في الوزارة فضربوا شنكا ومدافع متوالية يومين
وفيه اشيع انتقال الامراء المصرلية من جهة البحيرة وقبلوا الى ناحية الجسر الاسود وأشيع ايضا ان جماعة منهم نزلوا بصحبة جماعة من الانكليز الى البحر قاصدين التوجه الى اسلامبول وانتقل كتخدا بك خلفهم بعساكره ولكن لم يتجاسروا على الاقدام عليهم
وفيه وصلت الاخبار من الجهات الشامية بهروب محمد باشا أبي مرق من يافا واستيلاء عساكر احمد باشا الجزار عليها وذلك بعد حصاره فيها سنة وأكثر
وفي رابع عشره حضر كتخدا الباشا وتقدم الامراء المصرلية الى جهة قبلي حتى عدوا الجيزة وحصل منهم ومن العساكر العثمانية الضرر الكثير في مرورهم على البلاد من التفاريد والكلف ورعى الزروع وقطع الطرق (2/551)
برا وبحرا وكان آغات الجو الى القبلية وهو نجيب افندي كتخدا الدفتردار وصحبته ارباب مناصب عدوا الى الجيزة متوجهين الى الصعيد ونصبوا خيامهم ببر الجيزة فصادفوهم وهجموا عليهم وقتلوا منهم من وجدوه وهرب الباقون فاستولوا على خيامهم ووطاقهم وكذلك كتخدا الدفتردار خرج الى مصر القديمة متوجها الى الصعيد لقبض الغلال والاموال فاستمر مكانه وتأخر لعدم المراكب وخوفا من المذكورين
وفيه ورد الخبر بنزول شريف باشا الى المراكب بالقلزم يوم الخميس سادس عشره
وفي يوم الاربعاء ثاني عشرينه طلبوا ايضا خمسة آلاف كيس سلفة من التجار ثلاثة آلاف كيس ومن الملتزمين ألفا كيس وشرعوا في توزيعها فأنزعج الناس واغلق أهل الغورية حوانيتهم وكذا خلافهم وهرب أهل وكالة الصابون الى الشام على الهجن واختفى اكثر الناس مثل السكرية واهل مرجوش وخلافهم فطلبهم المعينون ولزموا بيوتهم وسمروا مطابخ السكر وكذلك عملوا فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى الا على خمسمائة ريال والاوسط ثلثمائة والادنى مائة وخمسون
وفيه تحقق الخبر بنزول طائفة الانكليز وسفرهم من ثغر الاسكندرية في يوم السبت حادي عشره ونزل بصحبتهم محمد بك الالفي وصحبته جماعة من اتباعه
وفي خامس عشرينه حضر أحمد باشا والي دمياط وكانوا أرسلوا له طوخا ثالثا وأنه يحضر ويتوجه لمحافظة مكة وكذلك قلدوا آخر باشاوية المدينة يسمى أحمد باشا وضعوا لهما عسكرا يسافرون صحبتهم للمحافظة من الوهابيين وأخذوا في التشهيل
وفي هذه الايام كثر تشكي العسكر من عدم الجامكية والنفقة فأنه اجتمع لهم جامكية نحو سبعة أشهر وقد قطع عليهم الباشا رواتبهم وخرجهم لقلة الايراد وكثرة المطلوبات وكراهته لهم فصار كبراؤهم يترددون (2/552)
ويكثرون من مطالبة الدفتردار حتى كان يهرب من بيته غالب الايام وأشيع بالمدينة قيام العسكر وانهم قاصدون نهب امتعة الناس فنقل أهل الغورية وخلافهم بضائعهم من الحوانيت وامتنع الكثير منهم من فتح الحوانيت وخافهم الناس حتى في المرور وخصوصا أوقات المساء فكانوا اذا انفردوا بأحد شلحوه من ثيابه وربما قتلوه وكذلك أكثروا من خطف النساء والمردان
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه كان انتقال الشمس لبرج الحمل وأول فصل الربيع وفي تلك الليلة هبت رياح شمالية شرقية هبوبا شديدا مزعجا واستمرت بطول الليل وفي آخر الليل قبل الفجر اشتد هبوبها ثم سكنت عند الشروق وسقط تلك الليلة دار بالحبالة بالرميلة ومات بها نحو ثلاثة أشخاص وداران أيضا بطولون وغير ذلك حيطان وأطارف أماكن قديمة ثم تحولت الريح غربية قوية واستمرت عدة أيام ومعها غيم ومطر
وفيه وصل الامراء المصرلية الى الفيوم فأخذوا كلفا ودراهم كثيرة فردوها على البلاد ثم سافروا الى الجهة القبلية
وفيه ورد الخبر بأن المراكب التي بها ذخيرة أمير الحاج بالقلزم المتوجهة الى الينبع والمويلح غرقت بما فيها ومركب الجميعي من جملتها
وفيه حضر مصطفى بينباشا الذي كان ايام الوزير بمصر الى بلبيس وهو موجه بطلب مبلغ دراهم فأقام ببلبيس حتى أرسلوها له ثم ذهب الى دمياط وصحبته نحو الاربعمائة من الارنؤد ليسافر من البحر
وفيه توجه المحروقي والكثير من الناس لزيارة سيدي أحمد البدوي لمولد الشرنبلالية وأخذ معه عدة كثيرة من العسكر خوفا من العربان ووصل اليه فرمان بطلب دراهم من أولاد الخادم ومن أولاد البلد فدلوا على مكان لمصطفى الخادم فأستخرجوا منه ستة آلاف ريال وطلبوا من كل واحد من اولاد عمه مثلها (2/553)
شهر ذي الحجة الحرام سنة
استهل بيوم الجمعة في يوم الاثنين رابعه قتلوا شخصا عسكريا نصرانيا عند باب الخرق قتله آغات التبديل بسبب انه كان يقف عند باب داره بحارة عابدين هو ورفيقان له ويخطفون من يمر بهم من النساء في النهار الى ان قبض عليه وهرب رفيقاه
وفيه ايضا أخرجوا من دار بحارة خشقدم قتلى كثيرة نساء ورجالا من فعل العسكر
وفيه عدي ابراهيم باشا الى بر الجيزة
وفي يوم الاحد عاشره كان عيد الاضحى في ذلك اليوم حضر من الامراء القبالي مكاتبة على يد الشيخ سليمان الفيومي خطابا للمشايخ فأخذها بختمها وذهب بها الى الباشا ففتحها واطلع على ما فيها ثم طلب المشايخ فحضروا اليه وقت العصر
وفي يوم الجمعة خامس عشره حضرت مكاتبات من الديار الحجازية يخبرون فيها عن الوهابيين انهم حضروا الى جهة الطائف فخرج اليهم شريف مكة الشريف غالب فحاربهم فهزموه فرجع الى الطائف وأحرق داره التي بها وخرج هاربا الى مكة فحضر الوهابيون الى البلدة وكبيرهم المضايفي نسيب الشريف وكان قد حصل بينه وبين الشريف وحشة فذهب مع الوهابيين وطلب من مسعود الوهابي أن يؤمره على العسكر الموجه لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والاطفال وهذا دأبهم مع من يحاربهم
وفي ذلك اليوم مر أربعة أنفار من العسكر وأخذوا غلاما لرجل حلاق بخط بين السورين عند القنطرة الجديدة فعارضهم الاوسطى الحلاق في أخذ الغلام فضربوا الحلاق وقتلوه ثم ذهبوا بالغلام الى دارهم بالخطة فقامت في الناس ضجة وكرشة وحضر اغات التبديل فطلبهم فكرنكوا بالدار (2/554)
وضربوا عليه البنادق من الطيقان فقتلوا من اتباعه ثمانية أنفار ولم يزالوا على ذلك الى ثاني يوم فركب الباشا في التبديل ومر من هناك وأمر بالقبض عليهم فنقبوا عليهم من خلف الدار وقبضوا عليهم بعد ما قتلوا وجرحوا آخرين فشنقوهم ووجدوا بالدار مكانا خربا اخرجوا منه زيادة عن ستين امرأة مقتولة وفيهن من وجدوها وطفلها مذبوح معها في حضنها
وفيه حضر علي آغا الوالي الى بيت احمد آغا شويكار بضرب سعادة واخرج منه قتلى كثيرة وامثال ذلك شيء كثير
وفي خامس عشره ايضا امر الباشا الوجاقلية ان يخرجوا جهة العادلية لاجل الخفر من العربان فانهم فحش امرهم وتجاسروا في التعرية والخطف حتى عل نواحي المدينة بل وطريق بولاق وغير ذلك فلما كان في ثاني يوم ركب الوجاقلية بأبهتهم وبيارقهم وحضروا الى بيت الباشا وخرجوا من هناك الى وطاقهم الذي أعدوه لأنفسهم خارج القاهرة وشرعوا ايضا في تعمير قصر من القصور الخارجة التي خربت أيام الفرنسيس
وفي تاسع عشره سافر جماعة الوجاقلية المذكورين وصحبتهم عدة من العسكر الى جهة عرب الجزيرة بسبب اغارة موسى خالد ومن معه على البلاد وقطع الطرق فلاقاهم المذكور وحاربهم وهزمهم الى وردان وذهب هو الى جهة البحيرة
وفي رابع عشرينه يوم الاحد كان عيد النصارى الكبير في ليلتها وهي ليلة الاثنين وقع الحريق في الكنيسة التي بحارة الروم وفي صبحها شاع ذلك فركب اليها أغات الانكشارية والوالي وأحضروا السقائين والفعلة الذين يعملون في عمارة الباشا حتى أخذوا الناس المجتمعة بسوق المؤيد بالانماطيين وحضر الباشا ايضا في التبديل واجتهدوا في اطفائها بالماء والهدم حتى طفئت في ثاني يوم واحترق بها أشياء كثيرة وذخائر وأمتعة ونهبت أشياء
وفيه وردت اخبار بان الامراء المصرلية وصلوا الى منية بن خصيب (2/555)
فأرسلوا الى حاكمها بان ينتقل منها ويعدى هو ومن معه من العسكر الى البر الشرقي حتى انهم يقيمون بها اياما ويقضون اشغالهم ثم يرحلون فأبوا عليهم وحصنوا البلدة وزادوا في عمل المتاريس وحاكمها المذكور سليم كاشف تابع عثمان بك الطنبرجي المرادي المقتول فانه سالم العثمانيين وانضم اليهم فألبسوه حاكما على المنية واضافوا اليه عساكر فذهب اليها ولم يزل مجتهدا في عمل متاريس ومدافع حتى ظن انه صار في منعة عظيمة فلما أجابهم بالامتناع حضروا الى البلدة وحاربهم اشد المحاربة مدة أربعة ايام بلياليها حتى غلبوا عليهم ودخلوا البلدة وأطلقوا فيها النار وقتلوا أهلها وما بها من العسكر ولم ينج منهم الا من ألقى نفسه في البحر وعام الى البر الاخر أو كان قد هرب قبل ذلك وأما سليم كاشف فانهم قبضوا عليه حيا وأخذوه أسيرا الى ابراهيم بك فوبخه وأمر بضربه فضربوه علقة بالنبابيت
وفيه وصلت هجانة من شريف باشا بمكاتبة للباشا والدفتردار يخبر فيها انه وصل الى الينبع وهو عازم على الركوب من هناك على البر ليدرك الحج ويترك أثقاله تتوجه في المركب الى جده
وفي غايته وصل سلحدار الباشا وصحبته أغات المقرر الذي تقدمت بشارته فلما وصلوا الى بولاق أرسل الباشا في صبحها اليهم فركبوا في موكب الى بيت الباشا وضربوا لهم مدافع وحضر المشايخ والقاضي والاعيان والوجاقات فقرىء عليهم ذلك وفيه الامر بتشهيل غلال للحرمين والحث والامر بمحاربة المخالفين
وفيه بعثوا نحو ألف من العسكر الى جهة اسيوط للمحافظة فساروا على الهجن من البر الشرقي
وفيه ارسلوا أوراقا الى التجار وأرباب الحرف بطلب باقي الفردة وهو القدر الذي كان تشفع فيه المحروقي وأخذوا في تحصيله
وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الكلية التي ذكر بعضها (2/556)
وأما الجزئية فلا يمكن الاحاطة ببعضها فضلا عن كلها لكثرتها واختلاف جهاتها واشتغال البال عن تتبع حقائقها ونسيان الغائب بالاشتع والقبيح بالاقبح فمن الكلية التي عم الضرر بها زيادة المكوس أضعاف المعتاد في كل ثغر ذهابا وايابا ومنها توالي الفرد والسلف والمظالم على أهل المدينة والارياف وحق طرق المعينين وكلفهم الخارجة عن الحد والمعقول بأدنى شكوى ولو بالباطل فبمجرد ما يأتي الشاكي بعرضحال شكواه يكتب له ورقة ويعين بها عسكري أو اثنان أو اكثر بحسب اختيار الشاكي وطلبه للتشفي من خصمه فبمجرد وصوله الى المشكى بصورة منكرة وسلاح كثير متقلد به فلا يكون له شغل الا طلب خدمته ولا يسأل عن الدعوى ولا عن صورتها ويطلب طلبا خارجا عن المعقول كألف قرش في دعوى عشرة قروش وخصوصا اذا كانت الشكوى على فلاح في قرية فيحصل أشنع من ذلك من اقامتهم عندهم وطلبهم وتكليفهم الذبائح والفطور بما يشترطونه ويقترحونه عليهم وربما يذهب الشخص الذي يكون بينه وبين آخر عداوة قديمة أو مشاحنة أو دعوى قضى عليه فيها بحرق من زمان طويل فيقدم له عرضحال ويعين له مباشرا بفرمان ويذهب هو فلا يظهر ويذهب المعين في شغله والمشكي لا يرى الشاكي ولا يدري من اين جاءته هذه المصيبة ويمكن أنه من بعد خلاصه من امر المباشر يحضر الى بيت الباشا ويفحص عن خصمه ويعرفه فينهى دعواه ويظهر حجته بانه على الحق وان خصمه على الباطل فيقال له عين على خصمك أيضا فأن أجاب الى ذلك رسم له بفرمان ومعين آخر كذلك والا ترك أجره على الله ورجع فضاق ذرع الناس من هذه الحال وكرهوا هذه الاوضاع وربما قتل الفلاحون المعينين وهربوا من بلادهم وجلوا عن أوطانهم خوف الغائلة ولم يزل هذا دأبهم حتى نفرت منهم القلوب وكرهتهم النفوس وتمنوا لهم الغوائل وعصت أهل النواحي وعربدت العربان وقطعوا الطرق وعلموا خيانتهم فخانوهم ومكالبتهم فكالبوهم وانتمى عربان الجهة القبلية الى الامراء (2/557)
المصرلية وساعدوهم عليهم ولما انحدر الامراء الى جهة بحري انضمت اليهم جميع قبائل الجهة العربية والهنادي وعرب البحيرة وخلافهم فلما وقعت الحروب بين الامراء والعثمانيين وكانت الغلبة للامراء والعربان زادت جسارتهم عليهم ورصدوا لهم الغوائل وقطعوا عليهم وعلى المسافرين الطرق بحرا وبرا فمن ظفروا به ومانعهم نهبوا متاعه وقتلوه والا سلبوه وتركوه فحش الامر جدا قبلي وبحري حتى وقف حال الناس ورضوا عن احكام الفرنسيس ومنها ان الباشا لما قتل الوالي والمحتسب وعمل قائمة تسعيرة للمبيعات وان يكون الرطل اثنتي عشرة أوقية في جميع الاوزان وأبطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به السمن والجبن والعسل واللحم وغير ذلك وهو أربع عشرة أوقية لم ينفذ من تلك الاوامر شيء سوى نقص الارطال ولم يزل ذو الفقار محتسبا حتى رتب المقررات على المتسببين زيادة عن القانون الاصلي وجعل منها قسط الخزينة الباشا وللكتخدا وخلافهما ورجعت الامور في الاسعار أقبح وأغلى مما كانت عليه في كل شيء واستمر الرطل اثنتي عشرة أوقية لا غير وكثر ورود الغلال أيام النيل ورخص سعرها والرغيف على مقدار رغيف الغلاء ومنها ان الفضة الانصاف العددية صاروا يأخذونها من دار الضرب أول بأول ويرسلونها الى الروم والشام بزيادة الصرف ولا ينزل الى الصيارف منها الا القليل حتى شحت بأيدي الناس جدا ووقف حالهم في شراء لوازم البيوت ومحقرات الامور ويدور الاسانن بالريال او المحبوب أو المجر وهو في يده طول النهار فلا يجد مصارفته وأغلقت غالب الصيارف حوانيتهم بسبب ذلك وبسبب أذية العسكر فأنهم يأتون اليهم ويلزمونهم بالمصارفة فيقول له الصيرفي ليس عندي فضة فلا يقبل عذره ويفزع عليه بيطقانه أو بارودته وان وجد عنده المصارفة وكان المحبوب أو البندقي ناقصا في الوزن لا يستقيم في نقصه ولا يأخذ الا صرفه كاملا واذا اشترى شيئا من سوقي أعطاه بندقيا وطلب باقيه ولم يكن عند البائع باقيه أخذ (2/558)
الذي اشتراه والبندقي وذهب ولا يقدر المسبب على استخلاص حقه منه وان وجد معه باقي المصارفة وأخذ ذلك البندقي ونقد عند الصراف وكان ناقصا وهو الغالب لا يقدر الصيرفي أن يذكر نقصه فان قال انه ينقص كذا فزع عليه وسبه وبعضهم أدخل اصبعه في عين الصراف وامثال ذلك
ومنها شحة المراكب حتى أن المسافر يمكث الايام الكثيرة ينتظر مركبا فلا يجد وربما اخذوها بعد تمام وسقها فنكتوه واخذوها وان مرت على الامراء المصرلية ومن انضم اليهم تعرضوا لها ونهبوا ما بها من الشحنة وأخذوا المركب واستمر هذا الحال على الدوام فكان ذلك من اعظم اسباب التعطيل ايضا
ومنها تسلط العسكر على خطف الناس وسلبهم وقتلهم وخصوصا في اواخر هذه السنة حتى امتنعت الناس من المرور في جهات سكنهم الا ان يكونوا في عزوة ومنعة وقوة ولا تكاد ترى شخصا يمر في الاسواق السلطانية من بعد المغرب وقبيل العشاء واذا اضطر الانسان الى المرور تلك الاوقات فلا يمر الا كالمجازف على نفسه وكأنما على رأسه الطير فيقال أن فعلهم هذه الفعائل من عوائدهم الخبيثة اذا تأخرت نفقاتهم فعلوا ذلك مع العامة على حد قول القائل خلص تارك من جارك وذلك كله بسبب تأخير جماكيهم وقطع خرجهم نحو خمسة أشهر والباشا يسوقهم ويقول هؤلاء لا يستحقون فلسا وأي شيء خرج من يدهم وطول المدى نكلفهم ونعطيهم وما ستروا أنفسهم مع الغز المصرلية ولا مرة فلا حاجة لنا بهم بل يخرجون علي ويذهبون حيث شاؤا فليس منهم الا الرزية والفنطزية وهم يقولون لا نخرج ولا نذهب حتى نستوفي حقنا على دور النصف الفضة الواحد وان شئنا أقمنا وان شئنا ذهبنا ومنها استمرار الباشا على الهمة والاجتهاد في العمارة والبناء وطلب الاخشاب والمؤن حتى عز جميع أدوات العمارة وضاق حال الناس بسبب احتياجهم لعمارة أماكنهم التي تخرب في الحوادث السابقة وبلغ سعر الاردب الجبس مائة وعشرين (2/559)
نصفا والجير المخلوط اربعين نصفا واجرة المعلم في اليوم خمسة وأربعين نصفا ويتبعه آخر مثل ذلك والفاعل اثنين وعشرين نصفا وأحدثوا أخذ اجازة من المعمارجي وهو ان الذي يريد بناء ولو كانونا لا يقدر أن يأتيه البناء حتى يأخذ ورقة من المعمارجي ويدفع عليها خمسين نصفا ولم يزل الاجتهاد في العمارة المذكورة حتى أقاموا جانبا من القشلة وهي عبارة عن وكالة يعلوها طباق وأسفلها اصطبلات وحولها من داخل حواصل ومن خارج حوانيت وقهوة فعندما تمت الحوانيت ركبوا عليها درفها وأسكنوا بها قهوجيا ومزينا من أتباع الباشا وخياطين وعقادين وسروجية الباشا وغير ذلك ولم يكمل تسقيف الطباق وعملوا لها بوابة عظيمة بمصاطب وهدموا حائط الرحبة المقابلة لبيت الباش الخارجة وعمرت وانشئت بالحجر النحت المحكم الصنعة وعملوا لها بابا عظيما ببدنات وابراج عظيمة وبها طاقات عليا وسفلى وصفوا بها المدافع العظيمة وبركة الرحبة مثل ذلك وعملوا لها باب آخر قبالة باب القشلة بحيث صار بينها وبين القشلة رحبة متسعة يسلك منها المارون الى جهة بولاق على الجسر الذي عمله الفرنسيس ويخرجون ايضا في سلوكهم من بوابة عظيمة الى طريق بولاق من الجهة الغربية بحائط حجر متصلة من الحربة حيث البوابة المواجهة للقشلة الى آخر القشلة وعلى هذه البوابة من الجهتين مدافع مركبة على بدنات وابراج وطيقان مهندمة وبأسفلها من داخل مصطبة كبيرة من حجر وبها باب يصعد منه الى تلك الابراج والجبخانة والعساكر جلوس على تلك المصاطب الخارجة والداخلة لابسين الاسلحة وبنادقهم مرصوصة بدائر الحيطان وبداخل الرحبة الوسطانية مدافع عظيمة مرصوصة بطول الرحبة يمينا وشمالا وكذلك بداخل الحوش الجواني الاصلي وبأسفل البركة نحو المائتي مدفع مرصوصة ايضا وعربيات وصناديق جبخانة وآلات حرب وغير ذلك والجبخانة الكبيرة لها محل مخصوص بالحوش الداخل الاصلي ولها خزنة وطبجية وعربجية (2/560)
ومنها انه عدم البصل الاحمر حتى بيع الرطل بسعر القنطار في الزمن السابق وعدم الملح أيضا بسبب احتكاره وعدم المراكب التي تجلبه من بحري لما ترتب عليهم من زيادة الجمرك وعدم مكاسبهم فيه لان الذي تولى على جمرك الملاحة صار يأخذه من أصحابه على ذمته بسعر قليل معلوم ويبيعه على ذمته بسعر كثير لمن يسافر به الى جهة قبلي وذلك خلاف ما يأخذه من المراكب التي تحمله فامتنع المتسببون فيه من تجارته فعز وجوده في آخر السنة حتى بيع الربع بثمانين نصفا من ثلاث انصاف وضجت الناس من ذلك فأرسل ذلك الملتزم ثلاثة مراكب على ذمته ووسقها ملحا وصار يبيع الربع بعشرين نصفا ويبيعه المسبب بثلاثين وهذا لم يعهد فيما تقدم من السنين وعدم ايضا الصابون بسبب تأخر القافلة حتى بيع بأغلى ثمن ثم حضرت القافلة فانحل سعره وتواجد وغير ذلك مما لا يمكن الاحاطة به ونسأل الله تعالى حسن العاقبة
سنة ثمان عشرة ومائتين والف
شهر محرم الحرام سنة 1218
استهل بيوم السبت في ذلك اليوم وقعت زعجة عظيمة في الناس وحصلت كرشات في مصر وبولاق وحوانيتهم ورفعوا منها ماخف من متاعهم من الدكاكين وبعضهم ترك حانوته وهرب والبعض سقط متاعه من يده ولم يشعر من شدة ما لحقهم من الخوف والارجاف ولم يعلم سبب ذلك فيقال ان السبب في ذلك ان جماعة من كبار العسكر ذهبوا الى الباشا وطلبوا جماكيهم المنكسرة وخرجهم فقال لهم اذهبوا الى الدفتردار فذهبوا الى الدفتردار فقال لهم جمكيتكم عند محمد علي فذهبوا الى محمد علي وكانوا وعدوهم بقبض جامكيتهم في ذلك اليوم فلما ذهبوا الى محمد علي قال لهم لم اقبض شيئا فعلموا معه شراسة وضرب بينهم بعض بنادق وهاجت العسكر عند بيت محمد علي سرششمه فحصلت هذه الزعجة في مصر وبولاق ثم سكن ذلك بعد أن وعدهم بعد ستة أيام (2/561)
وفيه وردت عدة تقارير وبها جبخانة وجملة من العسكر وصحبتهم ابراهيم اغا الذي كان كاشف الشرقية عام اول وكان توجه الى اسلامبول فحضر وصحبته ذلك فحملوا الجبخانة وطلعوها الى القلعة فيقال انها متوجهة الى جدة بسبب فتنة الحجاز وقيل غير ذلك
وفي يوم الجمعة سابعه ثارت العسكر وحضروا الى بيت الدفتردار فاجتمعوا بالحوش وقفلوا باب القيطون وطردوا القواسة وطلع جمع منهم فوقفوا بفسحة المكان الجالس به الدفتردار ودخل اربعة منهم عند الدفتردار فكلموه في انجاز الوعد فقال لهم انه اجتمع عندي نحو الستين الف قرش فاما أن تأخذوها أو تصبروا كم يوم حتى يكمل لكم المطلوب فقالوا لا بد من التشهيل فان العسكر تقلقوا من طول المواعيد فكتب ورقة وارسلها الى الباشا بأن يرسل اليه جانب دراهم تكملة للقدر الحاصل عنده في الخزينة فرجع الرسول وهو يقول لا ادفع ولا آذن بدفع شيء فأما ان يخرجوا ويسافروا من بلدي او لا بد من قتلهم عن آخرهم فعندما رجع بذلك الجواب قال له ارجع اليه واخبره ان البيت قد امتلأ بالعساكر فوق وتحت واني محصور بينهم فعند وصول المرسال وقبل رجوعه أمر الباشا بأن يديروا المدافع ويضربوها على بيت الدفتردار وعلى العسكر فما يشعر الدفتردار الا وجلة وقعت بين يديه فقام من مجلسه الى مجلس آخر وتتابع الرمي واشتعلت النار في البيت وفي الكشك الذي أنشأه ببيت جده المجاور لبيته وهو من الخشب والحجنة من غير بياض لم يكمل فالتهب بالنهار فنزل الى اسفل والارنؤد محيطة به وبات تحت السلالم الى الصباح ونهب العسكر الخزينة والبيت ولم يسلم الا الدفتردار والاوراق وضعوها في صناديق وشالوها وكان ابتداء رمي المدافع وقت صلاة الجمعة واما اهل البلد فانهم كانوا متخوفين ومتطيرين من قومه او فزعة تحصل من العسكر قبل ذلك فلما عاين الناس تجمعهم ببيت الدفتردار شاع ذلك في المدينة ومر الوالي يقول للناس ارفعوا متاعكم (2/562)
واحفظوا انفسكم وخذوا حذركم واسلحتكم فأغلق الناس الدكاكين والدروب وهاجوا وماجوا فلما سمعوا ضرب المدافع زاد تطيرهم وتخيلوا هجوم العكسر ونهب البلد بل ودخول البيوت ولا راد يردهم ولا حاكم يمنعهم ونادى المنادي معاشر الناس واولاد البلد كل من كان عنده سلاح فليلبسه واجتمعوا عند شيخ مشايخ الحارات يذهب بكم الى بيت الباش وحضرت اوراق من الباشا لأهل الغورية ومغاربة الفحامين وتجار خان الخليل وأهل طولون يطلبهم بأسلحتهم والحضور عنده والتحذير من التخلف فذهب بعض الناس فأقاموهم عند بيت حريم الباشا وبيت بن المحروقي المجاور له وهو بيت البكري القديم فباتوا ليلتهم هناك وحضر حسن آغا والي العمارة عشاء تلك الليلة وطاف على الناس يحرضهم على القيام ومعاونة الباشا وتجمع بعض الاوباش بالعصي والمساوق وتحزبوا احزابا وعملوا متاريس عند رأس الوراقين وجهة العقادين والمشهد الحسيني فلما دخل الليل بطل الرمي الى الصباح فشرعوا في الرمي بالمدافع والقنابر من الجهتين وتترست العساكر بجامع أزبك وبيت الدفتردار وبيت محمد علي وكوم الشيخ سلامة وداخل الناس خوف عظيم من هذه الحادثة وأما القلعة الكبيرة فان الباشا مطمئن من جهتها لانه مقيد بها الخازندار ومعه عدة من الارنؤد وغيرهم وقافل أبوابها ولما كان يوم الجمعة امس تاريخه قبل حصول الواقعة وحضر اغات الإنكشارية والوجاقلية لاجل السلام على عادتهم ودخلوا عند كتخدا بك فقال لهم نبهوا على اهل البلد بغلق الدكاكين والاسواق والاستعداد فإن العسكر حاصل عندهم قلة ادب فلما طلعوا عند الباشا اعلموه بمقالة كتخدا بك فقال لهم نعم فقال له آغات الانكشارية يا سلطانم ينبغي الاحتفاظ بالقلعة الكبيرة قبل كل شيء فقال ان بها الخازندار واوصيته بالاحتفاظ وغلق الابواب فقال له الاغا لكن ينبغي أن نترك عند كل باب من خارج قدر خمسين انكشاريا فقال وايش فائدتهم ما عليكم من هذا الكلام (2/563)
تريدون تفريق عساكري اذهبوا لما امرتكم به وذلك لاجل انفاذ القضاء وحضر طاهر باشا ايضا في ذلك الوقت وهو كالمحب ومكمن العداوة فلم يقابله الباشا وأمره بأن يذهب الى داره ولا يقارش فلما كان في صبحها يوم السبت رتب الباشا عساكره على طريقة الفرنسيس وهو المسمى بالنظام الجديد فخرجوا بأسلحتهم وبنادقهم وخيولهم وهم طوابير ومروا حوالي البركة وانقسموا فرقتين فرقة أتت على رصيف الخشاب وفرقة على جهة باب الهواء ليأخذوا الارنؤدية بينهم ويحصروهم من الجهتين فلما حضرت الفرقة التي من ناحية رصيف الخشاب قاتلوا الارنؤدية فعند ذلك أركبوا الدفتردار وأخذوه الى بيت طاهر باشا ومعه أتباعه وانهزم الارنؤدية من تلك الجهة وانحصروا جهة جامع ازبك واشتغلوا بمحاربة الفرقة الاخرى وتحققوا الهزيمة والخذلان وعندما وصلت عساكر الباشا الى بيت الدفتردار والمحروقي وبيت حريم الباشا اشتغلوا بالنهب واخراج الحريم وتركوا القتال وتفرقوا بالمنهوبات وفترت همة الفرقة الاخرى وجرى أكثرهم ليخطف شيئا ويغنم مثلهم وقالوا نحن نقاتل ونموت لاعلى شيء وأصحابنا ينهبون ويغنمون فهزموا انفسهم لذلك وتراجع الارنؤدية واشتدت عزيمتهم ورجع البعض منهم على عساكر الباشا فهزموا من بقي منهم وملكوا الجهة التي كانوا أجلوهم عنها فعند ذلك ظهر طاهر باشا وركب الى الرميلة وتقدم الى باب العزب فوجده مغلوقا فعالج الطاقات الصغار التي في حائط باب العزب القريبة من الارض المعدة لرمي المدافع من أسفل ففتح بعضها ودخل منها بعض عسكر فتلاقوا مع الارنؤد المحافظين داخل الباب فالتف بعضهم على بعض ثم طلعوا عند الخازندار وكان عنده ابن أخت طاهر باشا ممرضا قبل ذلك بايام وصحبته طائفة ايضا فالتفوا على بعضهم وصاروا عصبة وطلبوا مفاتيح القلعة من الخازندار فمانعهم ولما رأى منهم العين الحمراء سلمهم المفاتيح فنزلوا وفتحوا الابواب لطاهر باشا وحبسوا الخازندار وأنزلوا من القلعة مدافع وبنبات وجبخانة (2/564)
الى الازبكية لجماعتهم وكذلك قيدوا بالقلعة طبجية وعساكر كل ذلك ومحمد باشا لا يدري بشيء من ذلك فلم يشعر الا والضرب نازل عليه من القلعة فسأل ما هذا فقيل له انهم ملكوا القلعة فسقط في يذه وعند ذلك نزل طاهر باشا من القلعة وشق من وسط المدينة وهو يقول بنفسه مع المنادي أمان واطمئنان افتحوا دكاكينكم وبيعوا واشتروا وما عليكم باس وطاف يزور الاضرحة والمشايخ والمجاذيب ويطلب منهم الدعاء ورفع الناس المتاريس من الطرق وانكفوا عن مقارشة العسكر وكذلك لم يحصل أذية من العسكر لاحد من الرعية وأمروا بفتح مخابز العيش والماآكل وأخذوا واشتروا عن غير اجحاف ولا بخس فلما علم الباعة منهم ذلك ذهبوا اليهم بالعيش والكعك والجبن والفطير والسميط وغير ذلك ودخلوا فيهم يبيعون عليهم وهم يشترون منهم بالمصلحة وصار بعض أولاد البلد يذهب الى الفرجة ويدخل بينهم ويمر من وسطهم فلا يتعرضون لهم ويقولون نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا ووجدوا مع البضع سلاحا ذهب به عندما ارسل الباشا ونادى بالناس فردوهم بلطف وكل ذلك على غير القياس وطاهر باشا لم يكن له شغل الا الطواف بالمدينة والاسواق وخارج البلد ويقول للفلاحين الذين يجلبون الحطب والجلة والسمن والجبن من الارياف كونوا على ما أنتم عليه وهاتوا أسبابكم وبيعوا واشتروا وليس عليكم باس وحضر اليه الوالي فأمره بالمرور والمناداة بالامن للناس واستمر الحرب بين الفريقين نهار السبت واشتد ليل الاحد طول الليل فما أصبح النهار حتى زحف عساكر الارنؤد الى جامع عثمان كتخدا والي حارة النصارى من الجهة الاخرى وطلعوا الى التلول التي بناحية بولاق وملكوا بولاق وهجموا على مناخ الجمال الذي بالقرب من الشيخ فرج فقتلوا من به من عسكر التكرور وهرب من بقى منهم عريانا وقبضوا على منش القبطان وعدوا بالغليون الى برانبابة ونهبوا ما فيه وكان به مال القبطان وذخائره التي جمعها من مظالم المراكب والمسافرين والقادمين شيا كثيرا وكذلك ذهبت (2/565)
طائفة منهم الى قصر العيني وقبضوا على من به ومن عبيد الباشا وعروهم وأخذوهم اسرى ونهبوا بيت السيد أحمد المحروقي بالازبكية وهو بيت البكري القديم وقد كان اخلاه لنفسه وعمره وسكنه بحريمه فنهبوا منه شيئا كثيرا يفوق الحصر واخرجوا منه النساء بعد ما فتشوهن او افتدين انفسهن وكذلك بيت حريم الباشا الملاصق له بعد ما ارسل الباشا عساكره قبل بيوم فنقل منه الحريم عنده بطولهن لا غير ونهبوا بيت جرجس الجوهري وأخذوا منه اشياء نفيسة كثيرة وفراوي مثمنة وحريم بيت الباشا لم يتمكنوا منه الا بعد انفضاض القضية بيومين بسبب ان المحافظين عليه كانوا ثمانية عشر فرنساويا فحاصروا فيه هذه المدة حتى خرجوا منه بامان واما سكان تلك الخطة فأنهم كانوا يذهبون الى طاهر باشا او محمد علي فيرسل معهم عسكر لخفارتهم حتى ينقلوا امتعتهم او امكنهم الى جهات بعيدة عن ذلك المحل ليامنوا على انفسهم من الحرب وهرب المحروقي وابنه عند الباشا ولاحت لوائح الخذلان على الباشا واستعد للفرار فأنه لما بات تلك الليلة لم يجد عليقا ولا خبزا فعلقوا على الخيل ارزا وتعشى الباشا بالقسمات وارسل الى حارة النصارى فطلب منهم خبزا فأرسلوا له خبزا فخطفه الارنؤد في الطريق ولم يصل اليه ثم عسكر الارنؤد احضروا آلة بنية ووضعوها بالبركة وضربوا بها على بيت الباشا فوقعت واحدة على الباذاهنج فألتهب فيه النار فأرادوا اطفاءها فلم يجدوا سقائين تنقل الماء ويقال ان الخازندار الذي كان بالقلعة لما قبضوا عليه التزم لهم بحرق بيت الباشا ويطلقوه فأرسل بعض أتباعه الى مكانه الذي ببيت الباشا فأوقدوا فيه النار في ذلك الوقت واشتعلت في الاخشاب والسقوف وسرت الى مساكن الباشا فعند ذلك نزل الباشا الى أسفل وأنزل الحريم وعددهن سبع عشرة امرأة فأركبهن بغالا وأمر الدلاة والهوارة ان يتقدموهن وركب صحبتهن المحروقي وابنه وترجمانه وصير فيه وعبيده وفراشوه وتأخر الباشا حتى أركب الحريم ثم ركب في مماليكه ومن بقي من عسكره (2/566)
وأتباعه وركب معه حسين آغاشنن وبعض آغوات وصحبته ثلاث هجن وخرج الى جزيرة بدران فعندما أشيع ركوبه هجمت عساكر الارنؤد على البيت واشتغلوا بالنهب هذا والنار تشتعل فيه وكان ركوبه قبيل أذان العصر من يوم الاحد تاسع المحرم وخرج خلفه عدة وافرة من عسكر الارنؤد فرجع عليهم وهزمهم مرتين وقيل ثلاثا واما المحروقي ومن معه فأنهم تشتتوا من بعضهم خلف الدلاة ولم يلحقوهم وانقطع حزام بغلته فنزل عنها فأدركه العساكر المتلاحقة بالباشا فعروه وشلحوه هو واتباعه وابنه واخذوا منهم نحو عشرين الف دينار اسلامبولي نقدية وقيل جواهر بنحو ذلك فأدركهم عمر أغا بينباشي المقيم ببولاق فوقعوا عليه فأمنهم واخذهم معه الى بولاق وباتوا عنده الى ثاني يوم واخذ لهم امانا وحضر الى طاهر باشا وقابله وكذلك جرجس الجوهري ونهب العسكر بيت الباشا واخذوا منه شيئا كثيرا وباتت النار تلتهب فيه والدخان صاعد الى عنان السماء حتى لم يبق فيه الا الجدران التحتانية الملاصقة للارض واحترقت وانهدمت تلك الابنية العظيمة المشيدة العالية وما به من القصور والمجالس والمقاعد والرواشن والشبابيك والقمريات والمناظر والتنهات والخزائن والمخادع وكان هذا البيت من أضخم المباني المكلفة فانه اذا حلف الحالف انه صرف على عمارته من اول الزمان الى ان احترق عشر خزائن من المال او اكثر لا يحنث فان الالفي لما انشأه صرف عليه مبالغ كثيرة وكان اصل هذا المكان قصرا عمره وانشأه السيد ابراهيم ابن السيد سعودي اسكندر من فقهاء الحنفية وجعل في اسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة وجعلها برسم النزهة لعامة الناس فكان يجتمع بها عالم من اجناس الناس واولاد البلد شيء كثير وبها قهاوي وبياعون وفكهانية ومغاني وغير ذلك ويقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الاجناس فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار الى آخر الليل من الخط والنزاهة ما لا يوصف ثم تداول ذلك القصر أيدي الملاك وظهر علي بك وقساوة حكمه فسدوا تلك البوائك (2/567)
ومنعوا الناس عنها لما كان يقع بها في الاحيان من اجتماع اهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الامير أحمد أغا شويكار وباعه بعد مدة فاشتراه الامير محمد بك الالفي في سنة احدى عشرة ومائتين وألف وشرع في هدمه وتعميره وانشائه على الصورة التي كان عليها وكان غائبا جهة الشرقية فرسم لكتخداه صورته في كاغد بكيفية وضعه فحضر ذو الفقار كتخدا وهدم ذلك القصر وحضر الجدران ووضع الاساس وأقام الدعائم ووضع سقوف الدور السفلى فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم الذي حدده له فهدمه ثانيا وأقام دعائمه على مراده واجتهد في عمارته وطلب له الصناع والمؤن من الاحجار والاخشاب المتنوعة حتى شحت المؤن في ذلك الوقت وأوقفت أربعة من امرائه على أربع جهاته وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس وقمن الجير واحضر البلاط من الجبل قطعا كبارا ونشرها على قياس مطلوبة وذلك الرخام وذلك خلاف انقاض رخام المكان وانقاض الاماكن التي اشتراها وهدمها وأخذ اخشابها وانقاضها ونقلها على الجمال وفي المراكب لاجل ذلك فمنها البيت الكبير الذي كان أنشأه حسن كتخدا الشعراوي على بركة الرطلي وكان به شيء كثير من الاخشاب والانقاض والشبابيك والرواشن نقلت جميعها الى العمارة فصار كل من الامراء المشيدين يبني وينقل ويبيع ويفرق على من أحب حتى بنوا دورا من جانب تلك العمارة والطلب مستمر حتى أتموه في مدة يسيرة وركب على جميع الشبابيك شرائح الزجاج أعلى وأسفل وهو شيء كثير جدا وفي المخادع المختصة به ألواح الزجاج البلور الكبار التي يساوي الواحد منهما خمسمائة درهم وهو كثير ايضا ثم فرشه جميعه بالبسط الرومي والفرش الفاخر وعلقوا به الستائر والوسائد المزركشة وطوالات المراتب كلها مقصبات وبنى به حمامين علويا وسفليا الى غير ذلك فما هو الا ان ثم ذلك فأقام به نحو عشرين يوما ثم خرج الى الشرقية فأقام هناك وحضر الفرنسيس فسكنه سارى عسكر بونابارته فعمر فيه (2/568)
أيضا عمارة ولما سافر وأقام مكانه كلهبر عمر فيه ايضا فلما قتل كلهبر وتولى عوضه عبد الله منو لم يزل مجتهدا في عمارته وغير معاليمه وادخل فيه المسجد وبنى الباب على الوضع الذي كان عليه وعقد فوقه القبة المحكمة واقام في أركانها الاعمدة بوضع محكم متقن وعمل السلالم العراض التي يصع منها الى الدور العلوي والسفلي من على يمين الداخل وجعل مساكنه كلها تنفذ الى بعضها البعض على طريقة وضع مساكنهم واستمر يبني فيه ويعمر مدة اقامته الى ان خرج من مصر فلما حضر العثمانية وتولى على مصر محمد باشا المذكور رغب في سكنى هذا المكان وشرع في تعميره هذه العمارة العظيمة حتى أنه رتب لحرق الجير فقط اثني عشر قمينا تشتغل على الدوام والجمال التي تنقل الحجر من الجبل ثلاث قطارات كل قطار سبعون جملا وقس على ذلك بقية اللوازم ورموا جميع الاتربة في البركة حتى ردموا منها جانبا كبيرا ردما غير معتدل حتى شوهوا البركة وصارت كلها كيمانا واتربة والعجب ان منتهى الرغبة في سكن هذه البركة وأمثالها انما هو تسريح النظر وانبساط النفس باتساعها واطلاقها وخصوصا أيام النيل حين تمتلىء بالماء فتصير لحة ماء دائرة بركارية مملوءة بالزوارق والقنج والشطيات المعدة للنزهة تسرح فيها ليلا ونهارا وعند دخول المساء يوقدون القناديل بدائرها في جميع قواطين البيوت فيصير لذلك منظر بهيج لا سيما في الليالي المقمرة فيختلط ضحك الماء في وجه البدر والقناديل وانعكاس خيالها كأنها أسفل الماء ايضا وصدى أصوات القيان والاغاني في ليال لا تعد من الاعمار اذ الناس ناس والزمان زمان فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم الى ان كان ما كان وقعت هذه الحوادث فتضاعف المسخ والتشويه والعجب انه لما وقعت الحرابة بين الفرنساوية والعثمانية وأهل مصر واقام الحرب 36 يوما وهم يضربون على ذلك بالبيت بالمدافع والقنابر لم يصبه شيء ولم ينهدم منه حجرا واحدا ولما وقعت هذه الحرابة بين الباشا وعسكره احترق وانهدم في ليلة واحدة كذلك احترق بيت الدفتردار وهو بيت ثلاثة ولية الذي كان أنشأه رضوان كتخدا (2/569)
الجلفي وكان بيتا عظيما ليس له نظير في عمارته وزخرفته وكلفته وسقوفه من اغرب ما صنعته ايدي بني آدم في الدقة والصنعة وكله منقوش بالذهب واللازورد والاصباغ وعلى مجالسه العليا قباب مصنعة وارضه كلها بالرخام الملون فأحترق جميعه ولم يبق به شيء الا بعد الجدران اللاطئة بالارض وسكنت الفتنة وشق الوالي علي آغا الشعراوي وذو الفقار المحتسب وآغات الانكشارية ونادوا بالامان والبيع والشراء فكانت مدة ولاية هذا الباشا عل مصر سنة وثلاثة اشهر وواحدا وعشرين يوما وكان سيء التدبير ولا يحسن التصرف ويحب سفك الدماء ولا يتروى في ذلك ولا يضع شيئا في محله ويتكرم على من لا يستحق ويبخل على من يستحق وفي آخر مدته داخله الغرور وطاوع قرناء السوء المحدقين به والتفت الى المظالم والفرد على الناس وأهل القرى حتى انهم كانوا حرروا دفاتر فردة عامة على الدور والاماكن بأجرة ثلاث سنوات وقيل اشنع من ذلك فأنقذ الله منه عباده وسلط عليه جنده وعساكره وخرج مرغوما مقهورا على هذه الصورة ولم يزل في سيره الى ان نزل بقليوب بعد الغروب فعشاه الشواربي شيخ قليوب ثم سار ليلا الى دجوة فأنزل الحريم والاثقال في ثلاثة مراكب وسار هو الى جهة بنها وغالب جماعته تخلفوا عنه بمصر وكذلك الكتخدا وديوان افندي والخازندار الذي كان بالقعلة والسلحدار وخليل افندي خزنة كاتب
وفي يوم الاثنين عاشره نودى بالامان ايضا وان العساكر لا يتعرضون لاحد بأذية وكل من تعرض له عسكري بأذية ولو قليلة فليشتكه الى القلق الكائن بخطته ويحضره الى طاهر باشا فينتقم له منه
وفي يوم الخميس وقت العصر حضر الاغا والوجاقلية الى بيت القاضي واعلموه باجتماعهم في غد عند طاهر باشا ويتفقون على تلبيسه قائمقام ويكتبون عرض محضر بحاصل ما وقع
وفي 2 ذلك اليوم حضر جعفر كاشف تابع ابراهيم بك وبيده مراسلة خطابا للعلماء والمشايخ وقيل انه كان بمصر من مدة ايام وكان يجتمع (2/570)
بطاهر باشا كل وقت بالشيخونية فلما اصبح يوم الجمعة رابع عشره اجتمع المشايخ عند القاضي وركبوا صحبته وذهبوا عند طاهر باشا وعملوا ديوانا واحضر القاضي فروة سمور البسها لطاهر باشا ليكون قائمقام حتى تحضر له الولاية او يأتي وال وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية واتفقوا على كتابة عرضحال بصورة ما وقع وقرأوا المكتوب الذي حضر من عند الامراء القبالى وهو مشتمل على ايات واحاديث وكلام طويل ومحصلة انهم طائعون وممتثلون ولم يحصل منهم تعد ولا محاربة وانما اذا حضروا الى جهة او بلدة وطلبوا المرور عليها او قضاء حاجة من بندر منعهم الحاكم والعساكر التي بها ونابذ بالمحاربة والطرد ومع ذلك اذا وقعت بيننا محاربة لا يثبتون لنا وينهزمون ويفرون وقد تكرر ذلك المرة بعد المرة ولا يخفي ما يترتب على ذلك من النهب والسلب وهتك الحرائر وقد وقع لنا لما حضرنا بالمنية فحصل ما حصل وبدؤنا بالطرد والابعاد حصل ما حصل مما ذكر وعوقب من لا جنى وذنب الرعية والعباد في رقابكم وقد التمسنا من ساداتنا المشايخ ان يتشفعوا لنا عند حضرة الوزير ويعطينا ما يقوم بمؤنتنا ومعايشنا فأبى حضرة الوزير الا اخراجنا من القطر المصري كليا وبعثتم تحذرونا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم ولم تذكروا لنا آية تدل على اننا نخرج من تحت السماء ولا آية تدل على اننا نلقي بأيدينا الى التهلكة وذكرتم لنا أن حريمنا وأولادنا بمصر ربما ترتب على المخالفة وقوع الضرر بهم وقد تعجبنا من ذلك فإننا انما تركنا حريمنا ثقة بانهم في كفالتكم وعرضكم على ان المروءة تابى صرف الهمة الى امتداد الايدي للحريم والرجال للرجال على ان املك دورا والله يقلب الليل والنهار والملك بيد الله يؤتيه من يشاء قل اللهم مالك الملك الاية فلما قرىء ذلك بتفاصيله تعجب السامعون له فكأنما كانوا ينظرون من خلف حجاب الغيب وأخذ ذلك المكتوب طاهر باشا (2/571)
وأودعه في جيبه ثم قال الحاضرون فما يكون الجواب قال حتى نتروى في ذلك ثم كتب لهم جوابا يخبرهم فيه بما وقع ويأمرهم بأنهم يحضرون بالقرب من مصر لربما اقتضى الحال إلى المعاونة
وفي يوم الإثنين سابع عشرة كتبوا العرض المحضر بصورة ما وقع وختم عليه المشايخ والوجاقلية وأرسلوه إلى اسلامبول وأما محمد باشا المهزوم فإنه لم يزل في سيره حتى وصل إلى المنصورة وفرد على أهلها تسعين ألف ريال وكذلك فرد على علي ما أمكنه من بلاد الدقهلية والغربية فردا ومظالم وكلفا وصادف في طريقه بعض المعينين حاضرين بمبالع الفردة السابقة فأخذها منهم
وفي ليلة الثلاثاء بعد المغرب ثامن عشرة أرسل طاهر باشا عدة من العسكر فقبضوا على جماعة من بيوتهم وهم آغات الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز ومصطفى آغا الوكيل وأيوب كتخدا الفلاح وأحمد كتخدا علي والسيد احمد المحروقي فأنزلوه الى بيته في ثاني يوم وعملوا عليه ستمائة ولزم العسكر بيته وكذلك بقية الجماعة منهم من عمل عليه مائتا كيس واقل واكثر واقاموا في الترسيم
وفي يوم الجمعة حادي عشرينه ركب طاهر باشا بالموكب والملازمين وصلى الجمعة بجامع الحسين
وفيه وردت الاخبار بان الامراء المصرية رجعوا الى قبلي ووصلوا الى قرب بني سويف
وفيه تشفع شيخ السادات في مصطفى آغا الوكيل واخذه الى بيته وعملوا عليه مائتين وعشرين كيسا فلما كان يوم الاحد أرسل طاهر باشا يطلب مصطفى اغا الوكيل من عند شيخ السادات فركب معه شيخ السادات وسعيد اغا وكيل دار السعادة وذهبا صحبته الى بيت طاهر باشا فلما طلعوا الى أعلى الدرج خرج عليهم جماعة من العسكر وجذبوا مصطفى أغا من بينهم وقبضوا عليه وأنزلوه الى أسفل واخذوه الى القلعة ماشيا على أقدامه (2/572)
فحنق الشيخ السادات ودخل على طاهر باشا وتشاجر معه فأطلعه على مكتوب مرسل من محمد باشا اليه فقال هذا لا يؤاخذ به انما يؤاخذ اذا كان المكتوب منه الى محمد باشا ثم انحط الامر عل انه لا يقتله ولا يطلقه ثم ان طاهر باشا ركب ليلا وذهب الى شيخ السادات واخذ خاطره بعد ما فزع من حضوره اليه في ذلك الوقت
وفي ثالث عشرينه اطلعوا يوسف كتخدا الباشا الى القلعة والزموه بمال وكذلك خزنة كاتب
وفيه خرج أمير الالزم لملاقات الحجاج فنصب وطاقه بقبة النصر واقام هناك
وفيه حضر هجان على يده مكاتيب كر مؤرخة في عشرين شهر الحجة مضمونها ان الوهابيين أحاطوا بالديار الحجازية وان شريف مكة الشريف غالب تداخل مع شريف باشا وأمير الحاج المصري والشامي وارشاهم على ان يتعوقوا معه اياما حتى ينقل ما له ومتاعه الى جدة وذلك بعد اختلاف كبير وحل وربط وكونهم يجتمعون على حربه ثم يرجعون على ذلك الى أن اتفق رأيهم على الرحيل فأقاموا مع الشريف اثنى عشر يوما ثم رحلوا ورحل الشريف بعد أن احرق داره ورحل شريف باشا ايضا الى جدة
وفيه قبضوا على أنفار من الوجاقلية ايضا المستورين وطلبوا منهم دراهم وعملوا على طائفة القبط الكتبة خمسمائة كيس بالتوزيع
وفي خامس عشرينه قبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وكذلك عملوا على طائفة من اليهود مائة كيس
وفيه حضر أحمد أغا شويكار الى مصر بمراسلة من الامراء القبالي
وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه سافرت التجريدة المعينة لمحمد باشا وكبيرها حسن بك أخو طاهر باشا فنزلوا في مراكب وفي البر ايضا
وفي يوم الخميس قبضوا على المعلم ملطي القبطي من أعيان كتبة القبط (2/573)
وهو الذي كان قاضيا ايام الفرنسيس فرموا رقبته عند باب زويلة وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني اخي يوسف الصبحاني من تجار الشوام عند باب الخرق في ذلك اليوم واقاما مرميين الى ثاني يوم
وفي يوم السبت غايته رجع أحمد آغا شويكار بجواب من الباشا الى رفقائه وأشيع وصول ابراهيم بك ومن معه الى زاوية المصلوب ووصلت مقدماتهم الى بر الجيزة يقبضون الكلف من البلاد
وفيه أفرجوا عن يوسف كتخدا الباشا بعد أن دفع ثمانين كيسا ونزل من القلعة الى داره
وفيه ارسل طاهر باشا الى مصطفى افندي رامز الكاتب وابراهيم افندي الروزنامجي وسليمان افندي فأخذوهم عند عبد الله افندي رامز الروزنامجي الرومي
شهر صفر
استهل بيوم الاحد في ثانيه حضر الامراء القبالي الى الشيخ الشيمي
وفي ليلة الاربعاء رابعه خنقوا احمد كتخدا علي باش اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز كتخدا العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما الى خارج
وفي صبحها يوم الاربعاء حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا لمحاربة محمد باشا مضمونه انه انتقل من مكانه وذهب الى جهة دمياط وانه تخلف عنه العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الامان فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أمانا ويضموهم اليهم
وفي ذلك اليوم أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية الى البر الغربي ليسلم على الامراء المصرلية وفي ذلك الوقت امر باحضار حسن اغا محرم فارتاع من ذلك وأيقن بالموت فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا واعطاه الفي فرانسا وامره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق (2/574)
انه خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر اليه طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة ليتوجهوا الى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الارنؤد شمخوا على الانكشارية وصاروا ينظرون اليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية ونظرهم في انفسهم انهم فخذ السلطنة وان الارنؤد خدمهم وعسكرهم واتباعهم ولما فرد الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع الى طائفة الارنؤد جماكيهم المنكسرة او يحولهم بارواق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئا من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا اعطيكم الا من وقت ولايتي فان كان لكم شيء فأذهبوا وخذوه من محمد باشا فضاق خناقهم واوغر صدورهم وبيتوا امرهم مع احمد باشا والي المدينة فلما كان في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرا بعددهم واسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم وهم اسمعيل اغا ومعه آخر يقال له موسى اغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم ليس لكم عندي الا من وقت ولايتي وان ان لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا فألحوا عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك الى الحوش وسحبت طوائفهم الاسلحة وهاجوا في اتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الاسلحة والبارود الذي في أماكن اتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في لناس كرشات وخرجت العساكر الانكشارية وبايديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب فأنزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا إلى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والاغا ينادون بالامن والامان حسب مارسم احمد باشا وكرروا المناداة بذلك ثم نادوا باجتماع الانكشارية (2/575)
البلدية وخلافهم عند احمد باشا على طائفة الارنؤد وقتلهم واخرجهم من المدينة فتحزبوا احزابا ومشوا طوائف طوائف وتجمع الارنؤد جهة الازبكية وفي بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية اذا ظفروا باحد من الارنؤد اخذوا سلاحه وربما قتلوه وكذلك الارنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة طاهر باشا مرمية لم يلتفت اليها احد ولم يجسر أحد من اتباعه على الدخول الى البيت واخراجها ودفنها وزالت دولته وانقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين يوما ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته اسمر اللون نحيف البدن اسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلا عن العربي ويغلب عليه لغة الارنؤدية وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية وكان يبيت فيها كثيرا ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي الى السطح في الليل ويذكر معه ثم سكن هناك بحريمه وقد كان تزوج بامرأة من نساء الامراء وكان يجتمع عنده اشكال مختلفة الصور فيذكر معهم ولما راوأ منه ذلك خرج الكثير من الاوباش وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطور طويلا ومرقعة ودلفا وعلق له جلاجل وبهرجان وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة والفاظ موهمة بانه من ارباب الاحوال ونحو ذلك ولما قتل اقام مرميا الى ثاني يوم لم يدفن ثم دفنوه من غير راس بقبة عند بركة الفيل واخذ بعض الينكجرية راسه وذهبوا بها ليوصلوها الى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من الارنؤد فقتلوهم واحذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب احمد باشا مكتوبا الى محمد باشا يعلمه بصورةالواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد اغا ارسل كل واحد مكتوبا بمعنى ذلك وظنوا تمام النصف ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من دور (2/576)
الناس من الحبانية الى ضلع السمكة الى درب الجماميز ثم ان احمد باشا احضر المشايخ واعلمهم بما وقع وامرهم بالذهاب الى محمد علي ويخاطبوه بان يذعن الى الطاعة فلما ذهبوا اليه وخاطبوه في ذلك اجاب بان احمد باشا لم يكن واليا على مصر بل انما هو والي المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة والسلام وليس له علاقة بمصر وانا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة واما احمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج البلد ويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر الى ولايته فقاموا من عنده على ذلك واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الارنؤد وتحزيوا وتسلحوا وعملوا متاريس على جهاتهم ونواحيهم الى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تحوف ولما اصبح نهار الخميس مر الوالي والاغا ينادون بالامان برسم حكم احمد باشا ثم ان احمد باشا ارسل اوراقا الى المشايخ بالحضور فذهبوا اليه فقال لهم اريد منكم ان تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم بالخروج على الارنؤد وقتلهم فقالوا سمعا وطاعة واخذوا في القيام فقال لهم لا تذهبوا وكونوا عندي وارسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له ان عادتنا ان يكون جلوسنا في المهمات بالجامع الازهر ونجتمع به ونرسل الى الرعية فانهم عند ذلك لا يخالفون وكان مصطفى اغا الوكيل حاضرا فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا وخرجوا وكان احمد باشا ارسل احضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله افندي رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى أغا الوكيل كان مرهونا عند شيخ السادات كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وابهته وأخذ معه عدة من الانكشارية وذهب الى عند احمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي والأنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الامراء فلما اصبح ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف (2/577)
الى بر مصر ومروا في الاسواق وعدى ايضا محمد علي وقابلهم في بر الجيزة ورجع وعدى الكثير منهم من ناحية انبابة ومعهم عربان كثيرة وساروا الى جهة خارج باب النصر وباب الفتوح واقاموا هناك وأرسل ابراهيم بك ورقة الى احمد باشا يقول فيها انه بلغنا موت المرحوم طاهر باشا عليه الرحمة والرضوان فأنتم تكونون مع أتباعكم الارنؤد حالا واحدا ولا تتداخلوا مع الانكشارية فلما كان ضحوة النهار ذهب جماعة من الانكشارية الى جهة الرميلة فضربوا عليهم من القلعة مدافع فولوا وذهبوا ثم بعد حصة ضربوا ايضا عدة مدافع متراسلة على جهة بيت احمد باشا وكان ساكنا في بيت علي بك الكبير بالداودية فعند ذلك اخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الانكشارية البلدية ووافق ان المشايخ لما خرجوا من عنده وركبوا لم يزالوا سائرين الى أن وصلوا جامع الغورية فنزلوا به وجلسوا وهم في حيرة متفكرين فيما يصنعون فعندما سمعوا صوت المدافع قاموا وتفرقوا وذهبوا الى بيوتهم ثم ان ابراهيم بك ارسل ورقة الى أحمد باشا قبيل العصر يأمره فيها بتسليم الذين قتلوا طاهر باشا ويخرج الى خارج البلد ومعه مهلة الى حادي عشر ساعة من النهار ولا يقيم الى الليل وان خالف فلا يلومن الا نفسه فلما رأى حال نفسه مضمحلا لم يجد بدا من الامتثال الا أنه لم يجد جمالا يحمل عليها أثقاله فقال للرسول سلم عليه وقل له يرسل لي جمالا وأنا أخرج واما تسليم القاتلين فلا يمكن فقال له اما حضور الجمال فغير متيسر في هذا الوقت لبعد المسافة فقال له وكيف يكون العمل فقال يركب حضرتكم ويخرج ووقت ما حضرت الجمال الليلة أو غدا حملت الاثقال ولحقتكم خارج البلد فعند ذلك قام وركب وقت العصر وتفرق من كان معه من أعيان العثمانية مثل الدفتردار وكتخدا بك والروزنامجي وذهبوا الى محمد علي والتجؤا اليه فأظهر لهم البشر والقبول وخرج احمد باشا في حالة شنيعة واتباعه مشاة بين يديه وهم يعدون في مشيهم وعلى اكتافهم وسائد وأمتعة خفيفة فعند ما خرج من (2/578)
البيت دخل الارنؤد ونهبوا جميع ما فيه ولم يزل سائرا حتى خرج من المدينة من باب الفتوح فوجد العسكر والعربان وبعض كشاف ومماليك مصرية محدقة بالطرق فدخل مع الانكشارية الى قلعة الظاهر وأغلقوها عليهم وخرج خلفهم عدة وافرة من الارنؤد والكشاف المصرلية والعرب والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وامامه المناداة بالامان حسب ما رسم ابراهيم بك حاكم الولاية وافندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لاحمد باشا يوما وليلة لا غير وفي ذلك اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه اشياء كثير أخذ ذلك جميعه الارنؤد وأصبح يوم الجمعة فركب المشايخ والاعيان وعدوا الى بر الجيزة وسلموا على ابراهيم بك والامراء
وفيه استأذن الدفتردار وكتخدا بك محمد علي في الاقامة عنده أو الذهاب فأذن لهما بالتوجه الى بيوتهما فركبا قبيل الظهر وسارا الى بيت الدفتردار وهو بيت البارودي فدخل كتخدا بك مع الدفتردار لعلمه بنهب بيته فنزلا وجلسا مقدار ساعة واذا بجماعة من كبار الارنؤد ومعهم عدة من العسكر وصلوا اليهما وعند دخولهم طلبوا المشاعلي من بيت علي أغا الشعراوي وهو تجاه بيت البارودي فلم يجدوه فذهب معهم رفيق له وليس معه سلاح فدخلوا الدار وأغلقوا الباب وعلم أهل الخطة مرادهم فاجتمع الكثير من الاوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب ولما دخلوا عليهما قبضوا أولا على الدفتردار وشلحوه من ثيابه وهو يقول عيبتر وأصابه بعضهم بضرب على يده اليمنى واخرجوه الى فسحة المكان وقطعوا رأسه بعد ضربات وهو يصيح مع كل ضربة لكون المشاعلي لا يحسن الضرب ولم يكن معه سلاح بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم وأخذوا لرأسين وتركوهما مرميين وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه من الثياب والامتعة بالمكان وكذلك ثياب أتباعهم وخرج اتباعهم في اسوأ حال (2/579)
يطلبون النجاة بأرواحهم ومنهم من هرب وطلع الى حريم البارودى الساكنات في البيت وصرخ النساء وانزعجن وكانت الست نفيسة المرادية في ذلك المنزل أيضا في تلك الايام فعند ما رأت وصول الجماعة ارسلت الى سليم كاشف المحرمجي فحضر في ذلك الوقت فكلمته في أن يتلاف الامر فوجده قد تم فخرج بعد خروجهم بالرأسين فظن الناس أنها فعلته ثم حضر محمد علي في اثر ذلك وطرد الناس المجتمعين للنهب وختم على المكان وركب الى داره ثم ان علي أغا الشعراوى استأذن محمد علي في دفنهما فأذن له فأعطى شخصا ستمائة نصف فضة لتجهيزهما وتكفينهما فأخذها وأعطى منها الآخر مائتين نصف لا غير فأخذها وذهب فوضعهما في تابوت واحد من غير رؤوس وكانوا ذهبوا برؤسهما الى الامراء بالجيزة ولم يردوهما ولم يدفنا معهما ثم رفعهما بالتابوت الى ميضاة جامع السلطان شاه المجاور للمكان وهو مكان قذر فغسلهما وكفنهما في كفن حقير ودفنهما في حفرة تحت حائط بتربة الازبكية من غير رؤوس فهذا ما كان من أمرهما وأما الذين في قلعة الظاهر فإنهم انحصروا وأحاط بهم الارنؤد والغز والعربان وليس عندهم ما يأكلون ولا يشربون فصاروا يرمون عليهم من السور القرابين والبارود وهم كذلك يرمون عليهم من أسفل وجمعوا أتربة وعملوها كيمانا عالية وصاروا يرمون عليهم منها كذلك بقية نهار الجمعة وليلة السبت اشتد الحرب بينهم بطول الليل وفي الصباح أنزلوا من القلعة مدافع كبارا وبنبة وجبخانة وأصعدوها على التلول وضربوا عليهم الى قبيل العصر فعند ذلك طلبوا الامان وفتحوا باب القلعة وخرج احمد باشا وصحبته شخصان وهما اللذان قتلا طاهر باشا فأخذوهم وعدوا بهم الى الجيزة وبطل الحرب والرمي وبقي طائفة الانكشارية داخل القلعة وحولهم العساكر فلما ذهبوا بهم الى الجيزة أرسلوا احمد باشا الى قصر العيني وأبقوا الاثنين وهم اسمعيل أغا وموسى أغا بالقصر الذى بالجيزة ونودى بالامان للرعية حسب ما رسم ابراهيم وعثمان بك (2/580)
البرديسي ومحمد علي
وفي يوم السبت حضر احمد بك اخو محمد علي الى جهة خان الخليلي لاجراء التفتيش على منهوبات الارنؤد التي نهبها الانكشارية وأودعوها عند أصحابهم الاتراك ففتحوا عدة حوانيت وقهاوى واماكن وأخذوا ما فيها وأجلسوا طوائف من عسكر الارنؤد على الخانات والوكائل والاماكن وشلحوا ناسا كثيرة من ثيابهم وربما قتلوا من عصى عليهم فتخوف اهل خان الخليلي ومن جاورهم واستمر الارنؤد كلما مرت منهم طائفة ووجدوا شخصا في اى جهة قبة شبه ما بالاتراك قبضوا عليه وأخذوا ثيابه وخصوصا ان وجدوا شيئا معه من السلاح أو سكينا فتوقي اكثر الناس وانكفوا عن المرور في أسواق المدينة فضلا عن الجهات البرانية
وفيه كثر مرور الغز والكشاف المصرلية وترددوا الى المدينة وعلى اكتافهم البنادق والقرابين وخلفهم المماليك والعربان فيذهبون الى بيوتهم ويبيتون بها ويدخلون الحمامات ويغيرون ثيابهم ويعودون الى بر الجيزة وبعضهم امامه المناداة بالامان عند مرور بوسط المدينة
وفيه كتبت أوراق بطلب دراهم فردة على البلاد المنوفية والغربية كل بلد ألف ريال وذلك خلاف مضايف العرب وكلفهم
وفي يوم الاثنين قتلوا شخصا بباب الخرق يقال انه كان من اكبر المتحزبين على الارنؤد وجمع منهوبات كثيرة
وفيه ايضا قتلوا اسمعيل اغا وموسى اغا وهما اللذان كان قتلا طاهر باشا وتقدم انهم كانوا أخذوهما بالأمان صحبة أحمد باشا فأرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وبقي الاثنان بقصر الجيزة فأخذوهما وعدوا بهما الى البر الآخر وقطعوا رأسهما عند الناصرية واخذوا الراسين وذهبوا بهما الى زوجة طاهر باشا بالشيخوخة ثم طلعوهما الى اخى طاهر باشا بالقلعة وفيه تقلد سليم أغا اغات مستحفظان سايقا الاغاوية كما كان وركب وشق المدينة باعوانه وامامه جماعة من العسكر الارنؤد ولبسوا ايضا حسين (2/581)
أغا امين خزنة مراد بك وقلدوه والي الشرطة ولبسوا محمدا المعروف بالبرديسي كتخدا قائد أغا وجعلوه محتسبا وشق كل منهم بالمدينة وامامهم المناداة بالامن والامان والبيع والشراء
وفيه اخرجوا الانكشارية الذين بقلعة الظاهر وسفروهم الى جهة الصالحية وصحبتهم كاشفان وطائفة من العرب بعد ما اخذوا سلاحهم ومتاعهم بل وشلحوهم ثيابهم والذى بقى لهم بعد ذلك أخذته العرب وذهبوا في أسوا حال وانحس بال وهم نحو الخمسمائة انسان ومنهم من التجأ الى بعض المماليك والغز فستر عليه وغير هيئته وجعله من أتباعه وكذلك الانكشارية الذين كانوا مخفيين التجؤا الى المماليك وانتموا اليهم وخدموهم فسبحان مقلب الاحوال وحضر سليم كاشف المحرمجي وسكن بقلعة الظاهر وكتب الى اقليم القليوبية أوراقا وقرر على كل بلد ألف ريال ومن كل صنف من الاصناف سبعين مثل سبعين خروف وسبعين رطل سمن وسبعين رطل بن وسبعين فرخة وهكذا وحق طريق المعين لقبض ذلك خمسة وعشرون ألف فضة من كل بلد
وفي يوم الاربعاء حادى عشره حضر محمد علي وعبد الله أفندى رامز الروزنامجي ورضوان كتخدا ابراهيم بك الى بيت الدفتردار المقتول وضبطوا تركته فوجد عنده نقود ثلثمائة كيس وقيمة عروض وجواهر وغيرها نحو ألف كيس
وفيه أرسل ابراهيم بك فجمع الاعيان والوجاقلية وأبرز لهم فرمانات وجدوها عند الدفتردار المقتول مضمونها تقريرات مظالم منها ان المماليك المصرلية كانوا أحدثوا على الغلال التي تباع الى بحربرا عن كل اردب محبوب فيقرر ذلك بحيث يتحصل من ذلك للخزينة العامرة عشرة آلاف كيس في السنة فإن نقصت عن ذلك القدر أضر ذلك بالخزينة ومنها تقرير المليون الذى كان قرره الفرنسيس على أهالي مصر في آخر مدتهم ويوزع ذلك على الرؤوس والدور والعقار والاملاك ومنها ان الحلوان عن المحلول (2/582)
ثلاث سنوات ومنها انه يحسب المضاف والبراني الى ميرى البلاد وغير ذلك
وفي يوم الخميس ثاني عشره عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر ابراهيم بك والامراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعا وقدموا لهم تقادم
وفي يوم الجمعة كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدى بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضا
وفي يوم الاحد خامس عشره نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الارنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جدا وسلموا القلعة الى الامراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي الى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك ابراهيم الى باب العزب وسليم أغا مستحفظان الى القصر فعند ذلك اطمان الناس بنزولهم من القلعة فأنهم كانوا على تخوف من اقامتهم بها وكثر فيهم اللغظ بسبب ذلك فلم يزل الامراء يدبرون أمرهم حتى أنزلوهم منها وبقى بها طائفة من الارنؤد وعليهم كبير يقال له حسين قبطان
وفيه ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل الى دمياط كما تقدم
وفي يوم الاثنين وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الاخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وان الشريف غالب أحرق داره وارتحل الى جدة وان الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه الى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين
وفي يوم الاربعاء ثامن عشره أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة (2/583)
والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على ان يذهبوا الى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون اليه والى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الامراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق ان جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دراهم فمر بهم بعض المماليك من أتباع البرديسي فأستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا الى سيدهم واعلموه فأرسل الى ابراهيم بك فركب الى العرضى ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الالفى وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر الى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة الى جهة العادلية وامامهم وخلفهم بعض الامراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو الف وخمسامئة وازيد فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتاخرين عنهم واخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيرا منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الارنؤدية على ابواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم واغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الالفى يذهب معهم الى القنطرة ونودى في عصريته بالامان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله مهدور
وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة أمامه على الاتراك الانكشارية والبشناق والسجمان بالخروج من مصر والتحذير لمن آواهم أو ثاواهم وكلما صادف في طريقة شخصا من الاتراك قبض عليه وسأله عن تخلفه فيقول أنا من المتسببين والمتأهلين من زمان بمصر فيطلب منه بينة على ذلك (2/584)
ويسلمه عسكر الارنؤد فيودعونه في مكان من امثاله حتى يتحققوا أمره
وفيه مر بعض المماليك بجهة الميدان ناحية باب الشعرية فصادفوا جماعة من العسكر المذكورين يحملون متاعا لهم فاشتكلوا بهم وأرادوا أخذ سلاحهم ومتاعهم فمانعوهم وتضاربوا معهم فقتل بينهم شخصان من الانكشارية وشخصان من المماليك أحدهما فرنساوى
وفيه حضر أيضا ثلاثة من المماليك الى وكالة الصاغة الى رجل رومي ططرى وسألوه عن جوارى سود عنده لمحمد باشا وانهم يطلبونهن لعثمان بك البرديسي فأنكر ذلك وشهد جيرانه أنهن ملكه واشتراهن ليتجر فيهن فلم يزالوا حتى أخذوا منه ثلاثة على سوم الشراء وذهب معهن فلما بعدوا عن الجهة فزعوا عليه وطردوه وذهبوا بالجوارى فذهب ذلك الططرى الى محمد علي فأرسل الى البرديسي ورقة بطلب الجوارى أو ثمنهن ففحص عنهن حتى ردهن الى صاحبهن
وفيه حضر أيضا جماعة من المماليك الى بيت عثمان أفندى بجوار ضريح الشيخ الشعراني وهو من كتبة ديوان محمد باشا فأخذوا خيله وسلاحه ومتاعه التي بأسفل الدار
وفي يوم الجمعة نهبوا أيضا دار احمد أفندى الذى كان شهر حوالة وكاشف الشرقية في العام الماضي فأخذوا جميع ما عنده حتى ثيابه التي على بدنه وقتلوا خادمه على باب داره قتله الوالي زاعما انه هو الذى دل عليه
وفي يوم السبت مر سليم أغا وأمامه المناداة على الاغراب الشوام والحلبية والرومية يجتمعون بالجمالية يوم تاريخه فلم يجتمع منهم أحد
وفي يوم الاحد حضر الشريف عبد الله ابن سرور وصحبته بعض أقاربه من شرفاء مكة وأتباعهم نحو ستين نفرا واخبروا انهم خرجوا من مكة مع الحجاج وان عبد العزيز بن مسعود الوهابي دخل الى مكة من غير حرب وولى الشريف عبد المعين أميرا على مكة والشيخ عقيلا قاضيا وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والابنية التي اعلى من الكعبة وذلك (2/585)
بعد ان عقد مجلسا بالحرم وباحثهم على ما الناس عليه من البدع والمحرمات المخالفة للكتاب والسنة واخبروا ان الشريف غالبا وشريف باشا ذهبا الى جدة وتحصنا بها وانهم فارقوا الحجاج في الجديدة
وفيه كتبوا عرضالحين أحدهما بصورة ما وقع لمحمد باشا مع العساكر ثم قيام الانكشارية وقتلهم لطاهر باشا ثم كرة الارنؤد على الانكشارية لما اثاروا الفتنة مع أحمد باشا حتى اختلت أحوال المدينة وكايعهما الخراب لولا قرب الامراء المصرلية وحضورهم فسكنوا الفتنة وكفوا ايدى المتعدين والثاني يتضمن رفع الاحداثات التي في ضمن الاوامر التي كانت مع الدفترادر التي تقدمت الاشارة اليها
وفيه عزم الامراء على التوجه الى جهة بحرى فقصد البرديسي وصحبته محمد بك تابع محمد بك المنفوخ جهة دمياط ومعهم محمد علي وعلي بك أيوب وغيرهم وصحبتهم الجم الكثير من العساكر والعربان ولم يتخلف الا ابراهيم بك واتباعه والحكام وسافر سليمان كاشف البواب الى جهة رشيد وصحبته عساكر ايضا
وفي يوم الثلاثاء عدى الكثير إلى البر الشرقي وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه قدم جاويش الحجاج بمكاتيب العقبة واخبروا بموت الكثير من الناس بالحمى والاسهال وحصل لهم تعب شديد من الغلاء أيضا ذهابا وايابا ومات الشيخ أحمد العريشي الحنفي ودفن بنبط ومات أيضا محمد أفندى باش جاجرت ودفن بالينبع والشيخ علي الخياط الشافعي
وفيه عدى ابراهيم بك الى قصر العيني وركب مع البرديسي الى جهة الحلي وودعه ورجع الى قصر العيني فأقام به وجلس ابنه مرزوق بك في مضرب النشاب واستمر وكيل الالفي مقيما بقصر الجيزة
وفيه وردت الاخبار بأن محمد باشا لما ارتحل من المنصورة الى دمياط أبقي بفارسكور ابراهيم باشا ومملوكه سليم كاشف المنوفية بعدة من (2/586)
العسكر فتحصنوا بها فلما حضر اليهم حسن بك أخو طاهر بك بالعساكر تحاربوا معهم وملكوا منهم فارسكور فنهبوها وأحرقوها وفسقوا بنسائها وفعلوا مالا خير فيه وقتل سليم كاشف المنوفية المذكور أيضا ثم ان بعض أكابر العسكر المنهزمين ارسل الى حسن بك يطلب منه امانا وكان ذلك خديعة منهم فأرسل لهم أمانا فحضروا اليه وانضموا لعسكره وسهلوا له امر محمد باشا وانه في قلة وضعف وهم مع ذلك يراسلون اصحابهم ويشيرون عليهم بالعود والتثبت الى ان عادوا وتأهبوا للحرب ثانيا وخرج اليهم حسن بك بعساكره وخلفه المنضافون اليه من اولئك فلما ان نشبت الحرب بينهم اخذوهم مواسطة فاثخنوهم ووقعت فيهم مقتلة عظيمة وانهزموا الى فارسكور فتلقاهم اهل البلدة وكملوا قتلهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمساوق والحجارة جزاء لما فعلوه معهم حتى اشتفوا منهم ولم ينج منهم الا من كان في عزوة او هرب الى جهة اخرى وحضر الكثير منهم الى مصر في أسوأ حال
وفي يوم الجمعة والسبت حضر الكثير من حجاج المغاربة وصحبتهم مصاروة وفلاحون كثيرة
وفيه حضرت مكاتبة من الديار الرومية على يد شخص يسمى صالح افندى الى سكندرية فأرسل خورشيد افندى حاكم الاسكندرية يستأذن في حضوره بمكاتبة على يد راشته قنصل النيمسا فذهب راشته الى ابراهيم بك وأخبره واطلعه على المكتوب الذى حضر له فبعد ساعة وصل الخبر بوصول صالح افندى المذكور الى بولاق فأرسل ابراهيم بك رضوان كتخدا واحمد بك الارنؤدى وأمرهما بان يأخذا ما معه من الاوراق ويأمراه بالرجوع بغير مهلة ولا يدعاه يطلع الى البر ففعلا ذلك ومضمون ما في تلك الاوراق خطاب لطاهر باشا وانه بلغنا ما حصل من محمد باشا من الجور والظلم وقطع علوفات العسكر وانهم قاموا عليه وأخرجوه وهذه عادة العساكر اذا انقطعت علوفاتهم واننا وجهنا له ولاية سنانيك وان (2/587)
طاهر باشا يستمر على المحافظة واحمد باشا قائمقام الى ان يأتي المتولي وخطاب لمحمد باشا بمعنى ذلك والسر في تقليد احمد باشا قائمقام دون طاهر باشا ان طاهر باشا ارنؤد وليس له الا طوخان ومن قواعدهم القديمة انهم لا يقلدون الارنؤد ثلاثة اطواخ ابدا
وفي يوم السبت المذكور دخل الكثير من الحجاج آخر النهار وفي الليل
وفي يوم الاحد دخل الجم الغفير من الحجاج ومات الكثير من الداخلين في ذلك اليوم زكثير مرضى وحصل لهم مشقة عظيمة وشوب وغلاء وخصوصا بعد مجاوزتهم العقبة وبلغت الشربة الماء دينارا والبطيخة دينارين وكان حجاج كثير واكثرهم اوباش الناس من الفلاحين والنساء وغير ذلك وخرج سليم اغا مستحفظان وصحبته جماعة من الانكشارية والكشاف والاجناد والعسكر فاستلموا لمحمل من امير الحاج وامروه لا يدخل المدينة بل يقيم بالبركة حتى يحاسبوه ويسافر بمن معه من العسكر الى جهة الشام ثم رجعوا بالمحمل ودخلوا به المدينة وقت الظهر على خلاف العادة وحضر صحبة الحجاج كثير من اهل مكة هروبا من الوهابي ولغظ الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجيا وكافرا وهم المكيون ومن تابعهم وصدق اقوالهم ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه وارسل الى شيخ الركب المغربي كتابا ومعه اوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيآت اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ونشهد ان محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصى الله ورسوله فقد غوى ولا يضر الا نفسه ولن يضر الله شيئا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فقد قال الله تعالى قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين وقال الله تعالى قل ان كنتم تحبون الله (2/588)
فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فأخبر سبحانه انه اكمل الدين واتمه على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم وامرنا بلزوم ما انزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف وقال تعالى اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء قليلا ما تذكرون وقال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون والرسول صلى الله عليه و سلم قد اخبرنا بأن امته تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه و سلم انه قال لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوا القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن واخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال من كان على مثل ما انا عليه اليوم واصحابي اذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الامور التي اعظمها الاشراك بالله والتوجه الى الموتى وسؤالهم النصر على الاعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها الارب الارض والسموات وكذلك التقرب اليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد الى غير ذلك من انواع العبادة التي لا تصلح الا لله وصرف شيء من انواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لانه سبحانه وتعالى اغنى الاغنياء عن الشرك ولا يقبل من العمل الا ما كان خالصا كما قال تعالى فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ان الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ان الله لا يهدى من هو كاذب كفار فأخبر سبحانه انه لا يرضى من الدين الا ما كان خالصا لوجهه وأخبر ان المشركين يدعون الملائكة والانبياء (2/589)
والصالحين ليقربوهم الى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدى من هو كاذب كفار وقال تعالى ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل اتنبؤن الله بمالا يعلم في السموات ولا في الارض سبحانه وتعالى عما يشركون فأخبر انه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى من ذا الذى يشفع عنده الا بأذنه وقال تعالى فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم وقال تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضى له قولا وهو سبحانه وتعالى لا يرضى الا التوحيد كما قال تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا الا من الله كما قال تعاى وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا وقال تعالى ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فأنك اذا من الظالمين فاذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع الا بأذن الله لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجدا فيحمده بمحامد يعلمه اياها ثم يقال ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ثم يحد له حدا فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الانبياء والاولياء وهذا الذى ذكرناه لا يخالف فيه احد من العلماء المسلمين بل قد اجمع عليه السلف الصالح من الاصحاب والتابعين والائمة الاربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على مناهجهم وأما ما حدث من سؤال الانبياء والاولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعيادا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الامور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه و سلم أمته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم انه قال لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من امتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الاوثان وهو صلى الله عليه و سلم حمى جناب التوحيد اعظم حماية وسد كل طريق يؤدي الى الشرك (2/590)
فنهى ان يجصص القبر وان يبني عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه ايضا انه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره ان لا يدع قبرا مشرفا الا سواه ولا تمثالا الا طمسه ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لانها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه و سلم فهذا هو الذى أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الامر الى ان كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذى ندعو الناس اليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم واجماع السلف الصالح من الامة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان كما قال تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وندعو الناس الى اقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع وايتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر كما قال تعالى الذين ان مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللع عاقبة الامور فهذا هو الذى نعتقده وندين الله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له مالنا وعليه ما علينا ونعتقد أيضا ان أمة محمد صلى الله عليه و سلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وانه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك أقول ان كان كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضا وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه اغاثة اللهفان والحافظ المقريزى في تجريد التوحيد والامام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد يد الشيطان وغير ذلك انتهى (2/591)
وفي ذلك اليوم نودى على المتخلفين من الانكشارية بالسفر صحبة امير الحاج وقبضوا على أنفار منهم وأخرجوهم ومنعوا ايضا حجاج المغاربة من الدخول الى المدينة ومن دخل منهم لاجل حاجة فليدخل من غير سلاح فذهبوا الى بولاق وأقاموا هناك
وفي يوم الاثنين مر الوالي بناحية الجمالية فوجد انسانا من أكابر غزة يسمى علي أغا شعبان حضر الى مصر من جملة من حضر مع العرضي وكان مهندسا في عمارة الباشا ثم عين لسد ترعة الفرعونية لمعرفته بأمور الهندسة فوجده جالسا على دكان يتنزه حصة وفرسه وخدمه وقوف امامه فطلبه وأمره بالركوب معه فركب وذهب صحبته فكان آخر العهد به وكان في جيبه الف دينار ذهبا باخبار اخيه خلاف الورق فأخذ ثيابه وفرسه وما معه وخنقه وأخفى أمره وأنكره وكان رجلا لا بأس به
شهر ربيع الاول سنة
استهل بيوم الثلاثاء وفي يوم السبت خامسه أحمد باشا والعساكر الانكشارية الذين جمعوهم من المدينة وسافر صحبتهم من العساكر الذين كانوا صحبة أمير الحاج الجميع كانوا نحو الفين وخمسمائة وأما أمير الحاج فانهم عفوا عنه من السفر ودخل المدينة بخاصته
وفي هذا اليوم حضر علي كتخدا من جهة قبلي وهو كتخدا حسن باشا الى جرجا ومعه مكاتبة الى الامراء المصرلية وانه وصل الى اسيوط فكتبوا له أمانا بالحضور الى مصر بمن معه من العسكر ورجع علي كتخدا بذلك في ثاني يومه فقط
وفيه ورد الخبر بوصول أنجد بك الى ثغر دمياط بالريالة الى محمد باشا
وفي يوم الاربعاء تاسعه سافر الشريف عبد الله ابن سرور الى سكندرية متوجها الى اسلامبول وأنعم عليه ابراهيم بك بخمسين الف فضة
وفي يوم الجمعة كان المولد النبوى ونادوا بفتح الدكاكين ووقود القناديل فأوقدت الاسواق تلك الليلة التي قبلها ولكن دون ذلك (2/592)
واما الازبكية فلم يعمل وقدة الاقبالة بيت البكرى لاستيلاء الخراب عليها
وفي ثاني عشره سفروا جبخانة وجللا وبارودا الى جهه بحرى وأشيع بأن كثيرا من العسكر المصحوبين بالتجريدة ذهبوا الى محمد باشا وكذلك طائفة من الانكشارية المطرودين الذين خلصوا الى طريق دمياط
وفي يوم الاربعاء سادس عشره وردت مكاتبات من عثمان بك البرديسي بالخبر بوقوع الحرب بينهم وبين محمد باشا وعساكره
وفي يوم الاثنين رابع عشره وقع بين الفريقين مقتلة عظيمة وكانوا ملكوا منه متاريس القنطرة البيضاء قبل ذلك ثم هجم المصريون في ذلك اليوم عليهم هجمة عظيمة وكبسوا على دمياط بمخامرة بعض رؤساء عساكر الباشا وفتكوا في عسكر الباشا بالقتل وقتلت خواصه واتباعه وقتل حسين كتخدا شنن ومصطفى أغات التبديل ونهبوا دمياط وأسروا النساء وافتضوا الابكار وأخذوهم أسرى وصاروا يبيعونهم على بعضهم وفعلوا أفعالا شنيعة من الفسق والفجور واخذوا حتى ما على اجساد الناس من الثياب ونهبوا الخانات والبيوت والوكائل وجميع اسباب التجار التي بها من اصناف البضائع الشامية والرومية والمصرية وكان شيئا كثيرا يفوق الحصر وما بالمراكب حتى بيع الفرد الارز الذى هو نصف أردب بثلاثة عشر نصفا وقيمته ألف نصف والكيس الحرير الذى قيمته خمسمائة ريال بريالين الى غير ذلك والامر لله وحده والتجأ الباشا الى القرية وتترس بها فأحاطوا به من كل جهة فطلب الامان فأمنوه من القرية وحضر الى البرديسي وخطف عمامته بعض العسكر ولما رآه البرديسي ترجل عن مركوبه اليه وتمنى بالسلام عليه وألبسه عمامة وأنزله في خيمة بجانب خيمته متحفظا به ولما وصل الخبر بذلك الى مصر ضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة والجيزة ومصر العتيقة واستمر ذلك ثلاثة أيام بلياليها في كل وقت (2/593)
وفي عصريتها حضر جوخدار البرديسي وهو الذى قتل حسين اغا شنن وحكى بصورة الحال فألبسه ابراهيم بك فروة وأنعم عليه ببلاد المقتول وبيته وزوجته وأملاكه وجعله كاشف الغربية وذهب الى وكيل الالفي أيضا فخلع عليه فروة سمور وصار يبدر الذهب في حال ركوبه
وفي يوم الجمعة ذهب المذكور الى مقام الامام الشافعي وأرخى لحيته على عادتهم التي سنها السدنة ليعفيها بعد ذلك من الحلق
وفي ذلك اليوم عمل ابراهيم بك ديوانا ببيت ابنته بدرب الجماميز وحضر القاضي والمشايخ ولبس خلعة وتولى قائمقام مصر وضربت في بيته النوبة التركية
وفي عشرينه ورد الخبر بوصول علي باشا الطرابلسي الى اسكندرية واليا على مصر عوضا عن محمد باشا وحضر منه فرمان خطابا للامراء يعلمهم بوصوله ويذكر لهم انه متولي على الاقطار المصرية عوضا عن محمد باشا من اسكندرية الى اسوان ولم يبلغ الدولة موت طاهر باشا ولا دخولكم الى مصر ومعنا أوامر لطاهر باشا واحمد باشا انهم يتوجهون بالعساكر الى الحجاز بسبب الوهابيين فلما وصلنا الى اسكندرية بلغنا موت طاهر باشا وحضوركم الى المدينة بمعاونة الارنؤدية وقتل رجال الدولة والانكشارية وقتل من معهم واخراج من بقى على غير صورة الى غير ذلك وهذا غير مناسب ولا نرضى لكم بهذا على هذا الوجه فاننا نحب لكم الخير ولنا معكم عشرة سابقة ومحبة أكيدة ونطلب راحتكم في أوطانكم ونسعى لكم فيها على وجه جميل وكان المناسب ان لا تدخلوا المدينة الا بأذن الدولة فان تظاهركم بالخلاف والعصيان مما يوجب لكم عدم الراحة فان سيف السلطنة طويل فربما استعان السلطان عليكم ببعض المخالفين الذين لا طاقة لكم بهم ثم قال لهم في ضمن ذلك ان لنا معكم (2/594)
بعض كلام لا يحتمله الكتاب وعن قريب يأتيكم اثنان من طرفنا عاقلان تعلمون معهما مشاورة فكتبوا له جوابا حاصله ان محمد باشا لما كان متوليا لم نزل نترجى مراحمه وهو لا يزداد معنا الا قسوة ولا يسمح لنا بالاقامة بالقطر المصرى جملة وجرد علينا التجاريد والعساكر من كل جهة وينصرنا الله عليه في كل مرة الى ان حصل بينه وبين عساكره وحشة بسبب جماكيهم وعلوفاتهم فقاموا عليه وحاربوه وأخرجوه من مصر بمعونة طاهر باشا ثم قامت الانكشارية على طاهر باشا وقتلوه ظلما وقامت العساكر على بعضهم البعض وكنا حضرنا الى جهة الجيزة باستدعاء طاهر باشا فلما قتل طاهر باشا بقيت المدينة رعية من غير راع وخافت الرعية من جور العساكر وتعديهم فحضر الينا المشايخ والعلماء واختيارية الوجاقلية واستغاثوا بنا فأرسلنا من عندنا من ضبط العساكر ومن المدينة والرعية وأما محمد باشا فانه نزل الى دمياط وظلم البلاد والعباد وفرد عليها الفرد الشاقة وحرقها فتوحه عثمان بك البرديسي لتأمين اهالي القرى الى ان وصل الى ظاهر دمياط فأقام بمن معه خارج المدينة فما يشعر الا ومحمد باشا صدمهم ليلا وحاربهم فحاربوه فنصرهم الله عليه وانهزمت عساكره وقبض عليه وهو الآن عندنا في الاعزاز والاكرام ونحن الآن على ذلك حتى يأتينا العفو وأما قولكم اننا نخرج من مصر فهذا لا يمكن ولا تطاوعنا جماعتنا وعساكرنا على الخروج من اوطانهم بعد استقرارهم فيها وأما قولكم ان حضرة السلطان يستعين علينا ببعض المخالفين فاننا لا نستعين الا بالله واننا ارسلنا عرضحال نطلب العفو ونترجى الرضا ومنتظرون الجواب
وفي ثاني عشرينه حضر واحد اغا ومعه آخر فضربوا له مدافع وعملوا ديوانا وتكلم معهم وتكلم المشايخ الحاضرون في ظلم العثمانين وما احدثوه من المظالم والمكوس واتفقوا على كتابة عرضحال الى الباشا فكتبوا ذلك وامضوا عليه ونادوا في الاسواق برفع ما احدثه الفرنساوية والعثمانية (2/595)
من المظالم وزيادة المكوس ودفعوا الى الاغا الواصل الف ريال حق طريقه وسافر
وفيه وصل الخبر بأن سليمان كاشف لما وصل الى رشيد وبها جماعة من العثمانية وحاكمها ابراهيم افندى فلما بلغه وصول سليمان كاشف أخلى له البلد وتحصن في برج مغيزل فعبر سليمان كاشف الى البلد وخرج يحاصر ابراهيم افندى فهم على ذلك واذا بالسيد علي باشا القبطان وصل الى رشيد وأرسل الى سليمان كاشف يعلمه بحضوره وحضور علي باشا والي مصر ويقول ما هذا الحصار فقال له نحن نقاتل كل من كان من طرف حسين قبطان باشا وأما من كان من طرف الوزير يوسف باشا فلا نقاتله وارتحل من رشيد الى الرحمانية ودخل السيد على القبطان الى رشيد
وفي ثالث عشرينه سافر جوخدار البرديسي الى ولاية الغربية وكان شاهين كاشف المرادى هناك يجمع الفردة وتوجه الى طندتا وعمل على اولاد الخادم ثمانين الف ريال فحضروا الى مصر ومعهم مفاتيح مقام سيدي أحمد البدوى هاربين وتشكوا وتظلموا وقالوا لابراهيم بك لم يبق عندنا شيء فان الفرنساوية نهبونا وأخذوا اموالنا ثم ان محمد باشا ارسل المحروقي فحفر دارنا وأخذ منا نحو ثلمثائة الف ريال ولم يبق عندنا شيء جملة كافية
وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه وصل محمد باشا الى ساحل بولاق وصحبته المحافظون عليه وهم جماعة من عسكر الارنؤد الذين كانوا سابقا في خدمته وجماعة من الاجناد المصرلية ولم يكن معه من اتباعه الا ست مماليك فقط فان مماليكه المختصين به اختار منهم البرديسي من اختاره واقتسم باقيهم الارنؤد ومنهم من يخدم الارنؤد المحافظين عليه ووافق ان ذلك اليوم كان جمع سيدى أحمد البدوى ببولاق على العادة فنصبوا له خيمة لطيفة بساحل البحر وطلع اليها فرأى جمع الناس فظن انهم اجتمعوا للفرجة عليه فقال ما هذا فأخبروه بصورة الحال وكان ابراهيم بك في ذلك بيوم حضر الى بولاق ودخل الى بيت السيد عمر نقيب الاشراف باستدعاء (2/596)
فجلس عنده ساعة ثم ركب الى ديوان بولاق فنزل هناك ساعة أيضا ثم ركب الى بيته بحارة عابدين فلما وصل الباشا كما ذكر حضر اليه سليم كاشف المحرمجي وأركبه حصانا وركب مماليكه حميرا وذهبوا به الى بيت ابراهيم بك بحارة عابدين فوجدوا ابراهيم بك طلع الى الحريم فلم ينزل اليه ولم يقابله فرجع به سليم كاشف الى بيت حسن كاشف جركس وهو بيت البرديسي فبات به فلما كان في الصباح ركب ابراهيم بك الى قصر العيني فركب المحرمجي واخذ معه الباشا وذهب به الى قصر العيني فقابل ابراهيم بك هناك وسلم عليه وحضر الالفى وباقي الامراء بجموعهم وخيولهم فترامحوا تحت القصر وتسابقوا ولعبوا بالجريد ثم طلع اكابرهم الى أعلى القصر فصاروا يقبلون يد ابراهيم بك والباشا جالس حتى تحلقوا حواليهما ثم ان ابراهيم بك قدم له حصانا وقام وركب مع المحرمجي الى بيت حسن كاشف بالناصرية فسبحان المعز المذل القهار
وفي ثاني يوم غايته ركب ابراهيم بك الالفي وذهبا الى الباشا وسلما عليه في بيت البرديسي وهادياه بثياب وأمتعة وبعد ان كانوا يترجون عفوه ويتمنون الرضا منه ويكونوا تحت حكمه صار هو يترجى عفوهم ويؤمل رفدهم واحسانهم وبقى تحت حكمهم فالعياذ بالله من زوال النعم وقهر الرجال
شهر ربيع الثاني سنة
استهل بيوم الاربعاء في ثانيه ضربت مدافع كثيرة بسبب اقامة بنديرة الانجليز بمصر
وفيه عدى البرديسي من المنصورة الى البر الغربي متوجها الى جهة رشيد
وفي يوم السبت رابعه وردت هجانة من ناحية الينبع وأخبروا ان الوهابيين جلوا عن جدة ومكة بسبب أنهم جاءتهم اخبار بان العجم زحفوا على بلادهم الدرعية وملكوا بعضها والاوراق فيها خطاب من شريف (2/597)
باشا وشريف مكة لطاهر باشا على ظن حياته
وفي يوم الاثنين نادى الاغا والوالي بالاسواق على العثمانية والاتراك والاغراب من الشوام والحلبية بالسفر والخروج من مصر فكل من وجد بعد ثلاثة أيام فدمه هدد وأمروا عثمان بك امير الحاج بالسفر على جهة الشام من البر ويسافر المنادى عليهم صحبته وكذلك ابراهيم باشا
وفي يوم الاربعاء خرج عثمان بك الى جهة العادلية وخرج الكثير من أعيان العثمانية معه وتتابع خروجهم في كل يوم وصاروا بيبعون متاعهم وثيابهم وهم خزايا حيارى في أسوأ حال واكثرهم متأهل ومتزوج ومنهم من نهب وسلب وصار لا يملك شيئا فلما تكامل خروجهم وسافروا في عاشره وهم زيادة عن ألفين وبقى منهم اناس التجؤا الى بعض المصرلية والانجليز وانتموا اليهم
وفيه وصلت الاخبار بان البرديسي وصل الى رشيد وان السيد علي باشا ريس القبطانية تحصن ببرج مغيزل وغالب أهلها جلا عنها خوفا من مثل حادثة دمياط ولما دخل عثمان بك البرديسي الى رشيد فرد على أهلها مبلغ دراهم يقال ثمانين الف ريال
وفي ثالث عشره حضر قنصل الفرنسيس فعملوا له شنكا ومدافع وأركبوه من بولاق بموكب جليل وقدامه آغات الانكشارية والوالي واكابر الكشاف وحسين كاشف المعروف بالافرنجي وعساكره الذين مثل عسكر الفرنسيس وهيئته لم يتقدم مثلها بين المسلمين ونصب بندريرته في بركة الازبكية من ناحية قنطرة الدكة على صارى طويل مرتفع في الهواء واجتمع اليه كثير من النصارى الشوام والاقباط وعملوا جمعيات وولائم وازدحموا على بابه وحضر صحبة كثير من الذين هربوا عند دخول المسلمين مع الوزير وكان المحتفل بذلك حسين كاشف الافرنجي
وفي ثامن عشره وصلت مكاتبة من البرديسي الى ابراهيم بك يخبر فيها انه لما وصل الى رشيد وتحصن السيد علي باشا بالبرج أرسل اليه فبعث له حسن بك قرابة علي باشا الطرابلسي الوالي فتكلم معه وقال (2/598)
له ما المراد ان كان حضرة الباشا واليا على مصر فليات على الشرط والقانون القديم ويقيم معنا على الرحب والسعة وان كان خلاف ذلك فاخبرونا به الى ان انتهى الكلام بيننا وبينه على مهلة ثلاثة أيام ورجع وانتظرنا بعد مضي الميعاد بساعتين فلم يأتنا منهم جواب فضربنا عليهم في يوم واحد مائة وخمسين قنطارا من البارود وأنكم ترسلون لنا أعظم ما يكون عندكم في البنب والمدافع والبارود فشهلوا المطلوب وأرسلوه في ثاني يوم صحبة حسين الافرنجي وتراسل الطلب خلفه ولحقوا به عدة أيام
وفي عشرينه وصل حسن باشا الذى كان والي جرجا الى مصر العتيقة فركب ابراهيم بك للسلام عليه وحضر الطبجية الى جبخانته فأخذوها وطلعوا بها الى القلعة وكذلك الجمال أخذها الجمالة والعسكر ذهبوا الى رفقائهم الذين بمصر وطولب بالمال واستمر بمصر العتيقة مستحفظا به من كل ناحية
وفي يوم السبت خامس عشرينه وقعت نادرة وهي ان محمد باشا طلب من سليم كاشف المحرمجي أن يأذن له في ان يركب الى خارج الناصرية بقصد التفسح فأرسل سليم كاشف يستأذن ابراهيم بك في ذلك فأذن له بان يركب ويعمل رماحة ثم يأتي اليه بقصر العيني فيتغدى عنده ثم يعود واوصى على ذبح اغنام ويعملون له كبابا وشواء فأركبه سليم كاشف بمماليكه وعدة من مماليك المحرمجي وصحبته ابراهيم باشا فلما ركب وخرج الى خارج الناصرية ارسل جواده ورمحه وتبعه مماليكه من خلفه فظن المماليك المصرلية انهم يعملون رماحة ومسابقة فلما غابوا عن اعينهم ساقوا خلفهم ولم يزالوا سائقين الى الازبكية وهو شاهر سيفه وكذلك بقية الطاردين والمطرودين فدخل الى احمد بك الارنؤدى وضرب بعض المماليك فرسه ببارودة فسقط وذلك عند وصوله الى بيت احمد بك المذكور ووصل الخبر الى سليم كاشف فركب على مثل ذلك بباقي اتباعه وهم شاهرون السيوف ورامحون الخيول واتصل الخبر بابراهيم بك فامر الكشاف بالركوب وأرسل الى البواقي بالطلوع الى القلعة وحفظ أطارف (2/599)
البلد فركب الجميع وتفرقوا رامحين وبأيديهم السيوف والبنادق فأنزعجت الناس وترامحوا وأغلقوا الحوانيت واختلف رواياتهم وظنوا وقوع الشقاق بين الارنؤد المصرلية وكذلك المماليك أيقنوا ذلك وطلع الكثير منهم الى القلعة ولما دخل محمد باشا عند احمد بك ومن معه من اكابر الارنؤد قاموا في وجهه ووبخوه بالكلام وقبضوا عليه وعلى مماليكه واخذوا ما وجدوه معهم من الدراهم وكان في جيب الباشا خاصة الف وخمسمائة دينار وحضر سليم كاشف المحرمجي عند ذلك فسلموه له فأركبه الباشا اكديشا لان فرسه اصيب ببارودة من بعض المماليك اللاحقين به عند وصوله الى بيت احمد بك وركب معه احمد بك أيضا واخذوه الى عند ابراهيم بك بقصر العيني فخلع ابراهيم بك على احمد بك فروة سمور وقدم له حصانا بسرجه وسكنت الفتنة ونعوذ بالله من الخذلان ومعاداة الزمان
وفي يوم الاحد سادس عشرينه وردت الاخبار ومكاتبة من البرديسي بنصرتهم على االعثمانية واستيلائهم على برج رشيد بعد ان حاربوا عليه نيفا وعشرين يوما واسروا السيد على القبطان واخرين معه وعدة كثيرة من العسكر وارسلوهم الى جهة الشرقية ليذهبوا على ناحية الشام بعد ان قتل منهم من قتل فعند ذلك عملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة وكذلك في ثاني يوم وثالث يوم
وفي يوم الاربعاء عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف تسعة اصابع وهو نحو الثلثين واظلم الجو وابتدأوه الساعة واحدة وثمان دقائق ونصف وتمام الانجلاء في ثالث ساعة وست عشرة دقيقة وكان ذلك في ايام زيادة النيل نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة
شهر جمادى الاولى سنة
استهل بيوم الجمعة في ثانيه الموافق لخامس عشر مسرى القبطي وفي النيل سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج صبحها بحضرة ابراهيم بك (2/600)
قائمقام والقاضي وجرى الماء في الخليج على العادة
وفيه وردت الاخبار بان علي باشا كسر السد الذى ناحية أبي قير الحاجز على البحر المالح وهذا السد من قديم الزمان من السدود العظام المتينة السلطانية وتتفقده الدول على ممر الايام بالمرمة والعمارة اذا حصل به أدنى خلل فلما اختلت الاحوال وأهمل غالب الامور وأسباب العمارات انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الاراضي والقرى التي بين رشيد وسكندرية وذلك من نحو ستة عشر عاما فلم يتدارك امره واستمر حاله يزيد وخرقه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك الى واقعة الفرنسيس فلما حضرت الانكليز والعثمانية شرموه أيضا من الناحية البحرية لاجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه المالحة على الاراضي الى قريب دمنهور واختلطت بخليج الاشرفية وشرقت الاراضي وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق حول الاسكندرية من البر وامتنع وصول ماء النيل الى أهل الاسكندرية فلم يصل اليهم الا ما يصلهم من جهة البحر في النقاير او ما خزنوه من مياه الامطار بالصهاريج وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون بمصر حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح افندى معين لخصوص السد واحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة والاجتهاد في سد الجسر فأقام العمل في ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الاتمام وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر اهل القرى والنواحي فما هو الا وقد حصلت هذه الحوادث وحضر علي باشا الى الثغر وخرج الاجناد المصرلية وحاربوا السيد على باشا القبطان على برج وشيد فخاف حضورهم الى الاسكندرية ففتحه ثانيا ورجع التلف كما كان وذهب ما صنعه صالح افندى المذكور في الفارغ بعد ما صرف عليه اموالا عظيمة واما اهل سكندرية فانهم جلوا عنها ونزل البعض في المراكب وسافر الى ازمير وبعضهم الى قبرص ورودس والاضات وبعضهم اكترى بالايام واقاموا بها على الثغر ولم يبق بالبلدة الا الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه على الرحلة وهم ايضا (2/601)
مستوفزون وعم بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق وقيل ان علي باشا المذكور فرد عليهم مالا وقبض على ستة انفار من أغنياء المغاربة واتهمهم انهم كتبوا كتابا للبرديسي يعدونه انه اذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلد بمعونة عسكر المغاربة فأخذ منهم مائة وخمسين كيسا بشفاعة القبطان الذى في البيليك بالثغر واجتهد في حفر خندق حول البلد واستعملهم في ذلك الحفر وفي عزمه ان يطلق فيه ماء البحر المالح فان فعل ذلك حصل به ضرر عظيم فقد اخبر من له معرفة ودراية بالامور انه ربما خرب اقليم البحيرة بسبب ذلك واجتهدوا ايضا في تحصين المدينة زيادة عن فعل الفرنسيس والانكليز
وفي يوم السبت تاسعه وصل السيد علي القبطان الى مصر وطلع الى قصر العيني وقابل ابراهيم بك فخلع عليه فروة سمور وقدم له حصانا معددا واكرمه وعظمه وانزلوه عند علي بك ايوب واعطوه سرية بيضاء وجارية حبشية وجاريتين سوداوين للخدمة ورتبوا له ما يليق به وهو رجل جليل من عظماء الناس وعقلائهم وأخبر القادمون البرديسي والاجناد المصريين ارتحلوا من رشيد الى دمنهور قاصدين الذهاب الى سكندرية وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة ومماليك وعساكر
وفيه أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا منه واستمر الرجاء والخوف أياما ثم انحط الرأى على قبض مال الجهات ورفع المظالم والتحرير من البلاد والميرى عن سنة تاريخه من الملتزمين ويؤخذ من القبط ألأف وأربعمائة كيس هذا مع توالي وتتابع الفرد والكلف على البلاد حتى خرب الكثير من القرى والبلاد وجلا أهلها عنها خصوصا اقليم البحيرة فانه خرب عن آخره ثم ان البرديسي استقر بدمنهور وبعدما أبقى برشيد مملوكه يحيى بك ومعه جملة من العساكر وكذلك بناحية البغاز وهم كانوا من وقت محاصرة البرج حتى منعوا عنه الامداد الذى اتاه من البحر وكان ما كان وشحن البرديسي برج مغيزل بالذخيرة والجبخانة وأنزلوا برشيد عدة فرد ومغارم وفتحوا بيوت الراحلين عنها ونهبوها وأخذوا أموالهم من (2/602)
الشوادر والحواصل والاخشاب والاحطاب والبن والارز وقلت الاقوات فيهم والعليق فعلفوا الدواب بشعير الارزبل والارز المبيض وغير ذلك مما لا تضبطه الاقلام ولا تحيط به الاوهام
وفي منتصف هذا الشهر في أيام النسىء نقص النيل نقصا فاحشا وانحدر من على الاراضي فأنزعج الناس وازدحموا على مشترى الغلال وزاد سعرها ثم استمر يزيد قيراطا وينقص قيراطين الى أيام الصليب وانكبت الخلائق على شراء الغلال ومنع الغنى من شراء ما زاد على الاردب ونصف اردب والفقير لا يأخذ الاويبة فأقل ويمنعون الكيل بعد ساعتين فتذهب الناس الى ساحل بولاق ومصر القديمة ويرجعون من غير شيء واستمر سليم اغا مستحفظان ينزل الى بولاق في كل يوم صار الامراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرا عن اصحابها ويخزنوها لانفسهم حتى قلت الغلة وعز وجودها في العرصات والسواحل وقل الخبز من الاسواق والطوابين وداخل الناس وهم عظيم وخصوصنا مع خراب البلاد بتوالي الفرد والمغارم وعز وجود الشعير والتبن وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب قلة العلف واجتمع بعض المشايخ وتشاوروا في الخروج الى الاستسقاء فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها وذهبوا الى ابراهيم بك وتكلموا معه في ذلك فقال لهم وأنا أحب ذلك فقالوا له وأين الشروط التي من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والاقلاع عن الذنوب وغير ذلك فقال لهم هذا أمر لا يمكن ولا يتصور ولا أقدر عليه ولا أحكم الا على نفسي فقالوا اذا نهاجر من مصر فقال وأنا معكم ثم قاموا وذهبوا
وفي أواخره وردت الاخبار برجوع البرديسي ومن معه من العساكر وقد كان أشيع انهم متوجهون الى الاسكندرية ثم ثنى عزمه عن ذلك لامور الاول وجود القحط فيهم وعدم الذخيرة والعلف والثاني الحاح العسكر بطلب جماكيهم المنكسرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل في حساب جماكيهم والثالث العجز عن أخذ الاسكندرية لوعر الطريق وانقطاع الطرق بالمياه المالحة فلو وصلوها وطال عليهم الحصار لا يجدون ما يأكلون (2/603)
ولا ما يشربون
واستهل شهر جمادى الثانية سنة بيوم الاحد
وفي أوائله نقص ماء النيل ووقف ماء الخليج وازدحم السقاؤن على نقل الماء الى الصهاريج والاسبلة ليلا ونهارا من الخليج وقد تغير ماؤه بما يصب فيه من الخرارات والمراحيض ولم ينزل بالاراضي التي بين بولاق والقاهرة قطرة ماء وزاد ضجيج الناس وارتفعت الغلات من السواحل والعرصات بالكلية فكانت الفقراء من الرجال والنساء يذهبون بغلقانهم الى السواحل ويرجعون بلا شيء وهم يبكون ويولولون
وفي سادسه وصل البرديسي ومن معه من العساكر الى بر الجيزة وخرج الامراء وغيرهم وعدوا لملاقاتهم فلما اصبح يوم السبت عدى محمد علي والعساكر الأرنؤدية الى بر مصر وكذلك البرديسي فخرجت اليهم الفقراء بمقاطفهم وغلقانهم وعيطوا في وجوههم فوعدهم بخير واصبح البرديسي مجتهدا في ذلك وأرسل محمد علي خازنداره ففتحوا الحواصل التي ببولاق ومصر العتيقة وأخرجوا منها الغلال الى السواحل واجتمع العالم الكثير من الرجال والنساء فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبة غله لا غير فكان الذي يريد الشراء يذهب الى خازندار البرديسي ويأخذ منه ورقة بعد المشقة والمزاحمة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة وما رتبوه عليها فحصل للناس اطمئنان واشترى الخبازون أيضا وفتحوا الطوابين والمخابز وخبزوا وباعوا فكثر الخبز والكعك بالاسواق وجعلوا سعر القمح ستة ريالات الاردب والفول خمسة ريالات وكذلك الشعير ان وجد وكان السعر لاضابط له منهم من كان يشتريه بثمانية وتسعة وسبعة خفية ممن توجد عنده الغلة في مصر أو الارياف فعند ذلك سكن روع الناس واطمأنت نفوسهم وشبعت عيونهم ودعوا لعثمان بك البرديسي
وفي هذا الشهر تحقق الخبر بجلاء الوهابي عن جدة ومكة ورجوعه الى بلاده وذلك بعد أن حاصر جدة وحاربها تسعة ايام وقطع عنها الماء ثم (2/604)
رحل عنها وعن مكة ورجع الشريف غالب الى مكة وصحبته شريف باشا ورجع كل شيء الى حاله الاول ورد المكوس والمظالم
وفي يوم الاحد وصل البرديسي الى بيته بالناصرية وهو بيت حسن كاشف جركس وبيت قاسم بك وقد فرشا له ونقلوا محمد باشا من بيت جركس الى دار صغيرة بجواره وعليه الحرس
وفي يوم الاثنين عملوا ديوانا عند ابراهيم بك فاجتمع فيه هو والبرديسي والالفي وتشاوروا في أمر جامكية العسكر فوزعوا على أنفسهم قدرا وكذلك على باقي الامراء والكشاف والاجناد كل منهم على قدر حاله في الايراد والمراعاة فمنهم من وزع عليه عشرون كيسا ومنهم عشرة وخمسة واثنان وواحد ونصف واحد وطلبوا من جمرك البهار قدرا كبيرا فعملوا على كل فرقتين مائة ريال وفتحوا الحواصل وأخرجوا منها متاع الناس وباعوه بالبخس على ذلك الحساب وأصحابه ينظرون وأخذوا ابن الحضارمة والينبعاوية بحيث وقف الفرق البن بستة ريالات على صاحبه وأخذوا من ذلك الاصل الف فرق بن وأخرجت من الحواصل وحملت
وفي يوم السبت رابع عشره انزلوا فردة ايضا على اهل البلد ووزعوها على التجار وارباب الحرف كل طائفة قدرا من الاكياس خمسين فما دونها الى عشرة وخمسة وبثت الاعوان للمطالبة فضج الناس واغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات والرشوت للوسائط والنصارى فخفف عن البعض وبعد منتصف الشهر انقلب الوضع المشروع في الغلة وانعكس الحال الى امر شنيع وهو انهم سعروها كل اردب بستة ريالات بظاهر الحال ولا يبيع صاحب الغلة غلته الا بأذن من القيم بعد ما يأخذ منه نصف الغلة او الثلث او الربع على حسب ضعفه وقوته من غير ثمن واذا أرادوا ذو الجاه الشراء ذهب أولا سرا وقدم المصلحة والهدية الى بيت القيم فعند ذلك يؤذن له في مطلوبه فيكيلون له الغلة ليلا وصار يتأخر في حضوره الى الساحل الى قريب الظهر فيذهب الناس والفقراء فينتظرونه واذا حضر (2/605)
ازدحموا عليه وتقدم أرباب المصانعات والوسايط فيؤذن لهم ويؤخذ منهم عن كل اردب ريال يأخذها القيم لنفسه زيادة عن الثمن وعن الكلفة وهي نحو الخمسين فضة خلاف الاجرة ويرجع الفقراء من غير شيء وأطلقوا للمحتسب أن يأخذ في كل يوم اربعمائة اردب منها مائتان للخبازين ومائتان توضع بالعرصات داخل البلد فكان يأخذ ذلك الى داره ولا يضعون بالعرصات شيئا ويعطى للخبازين من المائتين خمسين أردبا أو ستين ويبيع الباقي باغراضه بما أحب من الثمن ليلا فضج الناس وشح الخبز من الاسواق وخاطب بعض الناس الامراء الكبار في شأن ذلك واستمر الحال على ذلك الى آخر الشهر والامر في شدة وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة او التبن أو السمن فلا يقدر من يشترى شيئا من ذلك أن يمر به ولو قل حتى يكترى واحدا عسكريا أو مملوكا يحرسه حتى يوصله الى داره وان حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحرى أخذوها ونهبوا ما فيها جملة فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء
وفي عشرينه مات محمد بك الشرقاوى وهو الذى كان عوض سيده عثمان بك الشرقاوى
شهر رجب الفرد سنة
استهل بيوم الثلاثاء فيه رفعوا خازندار البرديسي من الساحل وقلدوا محمد كاشف تابع سليمان بك الاغا أمين البحرين والساحل ورفق بالامر واستقر سعر الغلة بالف ومائتين نصف فضة الاردب فتواجدت بالرقع والساحل وقل الخطف وأما السمن فقل وجوده جدا حتى بيع الرطل بستة وثلاثين نصفا فيكون القنطار بأربعين ريالا وأما التبن فصار يباع بالقدح ان وجد وسرب الناس بهائمهم من عدم العلف
وفيه حضر واحد انكليزى وصحبته مملوك الالفي وبعض من الفرنسيس فعملوا لهم شنكا ومدافع وأشيع حضور الالفي الى سكندرية ثم تبين ان هذا الانكليزى أتى بمكاتبات فلما مر على مالطة وجد ذلك المملوك (2/606)
وكان قد تخلف عن سيده لمرض اعتراه فحضر صحبته الى مصر فأشيع في الناس ان الالفي حضر الى الاسكندرية وان هذا خازنداره سبقه بالحضور الى غير ذلك
وفيه حضر ايضا بعض الفرنسيس بمكاتبة الى القنصل بمصر وفيها الطلب بباقي الفردة التي بذمة الوجاقلية فخاطب القنصل الامراء في ذلك فعملوا جمعية وحضر المشايخ وتكلموا في شأن ذلك ثم قالوا ان الوجاقلية الذين كانت طرفهم تلك الفردة مات بعضهم وهو يوسف باشجاويش ومصطفى كتخدا الرزاز وهم عظماؤهم ومن بقي منهم لا يملك شيئا فلم يقبلوا هذا القول ثم اتفق الامر على تأخير هذه القضية الى حضور الباشا ويرى رأيه في ذلك وحضر أيضا صحبة اولئك الفرنسيس الخبر بموت يعقوب القبطي فطلب اخوه الاستيلاء على مخلفاته فدافعته زوجته وأرادت أخذ ذلك على مقتضى شريعة الفرنسيس فقال اخوه انها ليست زوجته حقيقة بل هي معشوقته ولم يتزوج بها على ملة القبط ولم يعمل لها الاكليل الذى هو عبارة عن عقد النكاح فأنكرت ذلك فأرسل الفرنسيس يستخبرون من قبط مصر عن حقيقة ذلك فكتبوا لهم جوابا بأنها لم تكن زوجته على مقتضى شرعهم وملتهم ولم يعمل بينهم الاكليل فيكون الحق في تركته لاخيه لا لها
وفيه ورد الخبر بوقوع حادثة بالاسكندرية بين عساكر العثمانية وأجناس الافرنج المقيمين بها واختلفت الرواة في ذلك وبعد أيام وصل من أخبر بحقيقة الواقعة وهي أن علي باشا رتب عنده طائفة من عسكره على طريقة الافرنج فكان يخرج بهم في كل يوم الى جهة المنشية ويصطفون ويعملون مرش وارد بوش ثم يعودون ذلك مع انحراف طبيعتهم عن الوضع في كل شيء فخرجوا في بعض الايام ثم عادوا فمروا بمساكن الافرنج ووكالة القنصل فأخرج الافرنج رؤوسهم من الطيقان نساء ورجالا ينظرون ركبهم ويتفرجون عليهم كما جرت به العادة فضربوا عليهم من اسفل بالبنادق فضرب الافرنج عليهم أيضا فلم يكن الا ان هجموا عليهم ودخلوا (2/607)
يحاربونهم في اماكنهم والافرنج في قلة فخرج القناصل الستة ومن تبعهم ونزلوا الى البحر وطلعوا غليون الريالة وكتبوا كتابا بصورة الواقعة وأرسلوه الى اسلامبول والى بلادهم وأما العسكر اتباع الباشا فانه لما خرج الافرنج وتركوا اماكنهم دخلوا اليها ونهبوا متاعهم وما أمكنهم وأرسل الى القناصل خورشيد باشا فصالحهم وأخذ بخواطرهم واعتذر اليهم وضمن لهم ما أخذ منهم فرجعوا بعد علاج كبير وجمع الباشا علماء البلدة وأعيانها وطلب منهم كتابة عرض محضر على ما يمليه على غير صورة الحال فأمتنعوا عن الكتابة الا بصورة الواقع وكان المتصدر للرد الشيخ محمد المسيرى المالكي فمقته ووبخه ومن ذلك الوقت صار يتكلم في حقه ويزدريه اذا حضر مجلسه وسكنت على ذلك
وفي يوم الجمعة رابعه اجتمع المشايخ وذهبوا الى ابراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين ثم استولى على ذلك جماعتهم وأمروهم فطمنهم بالكلام اللين على عادته وكلموه ايضا على خبز الجراية المرتبة لفقراء الازهر فأطلق لهم دراهم تعطى للخباز يعمل بها خبزا
وفي ثامنه كتبوا مراسلة على لسان المشايخ وارسلوها الى علي باشا باسكندرية مضمونها طلبه لمنصبه والحضور الى مصر ليحصل الاطمئنان والسكون وتأمين الطرقات ويبطل أمر الاهتمام بالعساكر والتجاريد ولاجل الاخذ في تشهيل امور الحج وان تأخر عن الحضور ربما تعطل الحج في هذه السنة ويكون هو السبب في ذلك الى غير ذلك من الكلام
وفي عاشره سافر جعفر كاشف الابراهيمي رسولا الى احمد باشا الجزار بعكا لغرض باطني لم يظهر
وفي هذه الايام كثرت الغلال بالساحل والعرصات ووصلت مراكب كثيرة وكثر الخبز بالاسواق وشبعت عيون الناس ونزل السعر الى ثمانية ريالات وسبعة وانكفوا عن الخطف الا في التبن
وفي منتصفه فتحوا طلب مال الميرى ومال الجهات ورفع المظالم عن (2/608)
سنة تاريخه وعين لطلبها من البلاد امراء كبار ووجهت الغربية والمنوفية لعسكر الارنؤد فزاد على ذلك حق الطرق للمعينين للطلب والاستعجالات وتكثير المغارم والمعينين وكلفهم على من يتوانى في الدفع هذا وطلب الفردة مستمر حتى على اعيان الملتزمين ومن تأخر عن الدفع ضبطوا حصته وأخذوها واعطوها لمن يدفع ما عليها من مياسير المماليك فربما صالح صاحبها بعد ذلك عليها واستخلصها من واضع اليد ان أمكنه ذلك
وفي اواخره نبهوا على تعمير الدور التي اخربها الفرنسيس فشرع الناس في ذلك وفردوا كلفها على الدور والحوانيت والرباع والوكائل واحدثوا على الشوارع السالكة دروبا كثيرة لم تكن قبل ذلك وزاد الحال وقلد اهل الاخطاط بعضهم كما هو طبيعة اهل مصر في التقليد في كل شيء حتى عملوا في الخطة الواحدة دربين وثلاثة واهتموا لذلك اهتماما عظيما وظنوا ظنونا بعيدة وأنشؤا بدنات واكتافا من احجار منحوتة وبوابات عظيمة ولزم لبعضها هدم حوانيت اشتروها من اصحابها وفردوا اثمانها عن اهل الخطة
وفي اواخره ايضا نجزت عمارة عثمان بك البرديسي في الابراج والبوابات التي أنشأها بالناصرية فأنه انشأ بوابتين عظيمتين بالرحبة المستطيلة خارج بيته الذى هو بيت حسن كاشف جركس احداهما عند قناطر السباع والاخرى عند المزار المعروف بكعب الاحبار وبنى حولهما ابراجا عظيمة وبها طيقان بداخلها مدافع افواهما بارزة تضرب الى خارج ونقل اليها مدافع الباشا التي كانت بالازبكية فسبحان مقلب الاحوال
وفيه نزل ابراهيم بك والبرديسي وحسين بك اليهودى الى بولاق واخذوا ما وجدوه بساحل الغلة وارسلوه الى بحرى فأرتج الناس من ذلك وعزت الغلال وزاد سعرها بعد الانحلال
شهر شعبان سنة
اوله يوم الاربعاء فيه وصل كاتب ديوان علي باشا الذى يقال له ديوان افندى وعلى يديه مكاتبة وهي صورة خط شريف وصل من الدولة (2/609)
مضمونه الرضا عن الامراء المصرلية بشفاعة صاحب الدولة الصدر الاعظم يوسف باشا وشفاعة علي باشا والي مصر وأن يقيموا بأرض مصر ولكل امير فائظ خمسة عشر كيسا لا غير وحلوان المحلول ثمان سنوات وأن الاوسبة والمضاف والبراني يضم الى الميرى وان الكلام في الميرى والاحكام والثغور الى الباشا والروزنامجي الذى يأتي صحبة الباشا والجمارك والمقاطعات على النظام الجديد للدفتردار الذى يحضر أيضا فلما قرىء ذلك بحضرة الجمع من الامراء والمشايخ اظهروا البشر وضربوا مدافع ثم اتفق الرأى على ارسال جواب ذلك الفرمان فكتبوا جوابا مضمونه مختصرا انه وصل الينا صورة الخط الشريف وحصل لنا بوروده السرور بالعفو والرضا وتمام السرور حضوركم لتنتظم الاحوال واعظمها تشهيل الحج الشريف وأرسلوه ليلة الاثنين ثانية صحبة رضوان كتخدا ابراهيم بك ومحمود باشجاويش الانكشارية وصحبتهما من الفقهاء السيد محمد ابن الدواخلي من طرف الشيخ الشرقاوى
وفي هذه الايام كثر عيث العسكر وعربدتهم في الناس فخطفوا عمائم وثيابا وقبضوا على بعض أفراد واخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم
وفيه وصل قاضي عسكر مصر وكان معوقا بالاسكندرية من جملة المحجوز عليهم
وفي يوم الجمعة عاشره وقف جماعة من العسكر في خط الجامع الازهر في طلوع النهار وشلحوا عدة أناس واخذوا ثيابهم وعمائمهم فأنزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وصلت الى بولاق ومصر العتيقة واغلقوا الدكاكين واجتمع أناس وذهبوا الى الشيخ الشرقاوى والسيد عمر النقيب والشيخ الامير فركبوا الى الامراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم ثم ركب الاغا والوالي وامامه عدة كبيرة من عسكر الارنؤد وخلافهم والمنادى ينادى بالامن والامان للرعية وان وقع من العسكر والمماليك خطف شيء يضربوه وان لم يقدروا عليه فليأخذوه الى حاكمه ومثل هذا الكلام الفارغ وبعد مرور الحكام بالمنادة خطفوا (2/610)
عمائم ونساء
وفي ليلة الاربعاء ثامنه حضر الوالي الى قصر الشوك ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي يسمى عثمان كجك فتعشعى عنده ثم قبض عليه وختم على بيته واخذه صحبته وخنقه تلك الليلة ورماه في بئر فاستمر بها اياما حتى انتفخ فأخرجوه واخذته زوجته فدفنته وسببه أنه كان يجتمع بالعثمانيين ويغريهم بنساء الامراء وان بعضهم اشترى منه اواني نحاسا ولم يدفع له الثمن فطالب حريمه في ايام محمد باشا فلم تدفع له فعين عليها جماعة من عسكر محمد باشا ودخل بها الى دارها وطالبها فقالت له عندى شيء فطلع الى داخل الحريم وصحبته العسكر ودخل الى المطبخ واخذ قدور الطعام من فوق الكوانين وقلب ما فيها من الطعام واخذها وخرج
وفي يوم الأحدثاني عشرة نبه القاضي الجديد على أن نصف شعبان ليلة الثلاثاء وأخبر ان اتباعه شاهدوا الهلال ليلة الثلاثاء وهم عند البغاز على ان الهلال كان ليلة الأربعاء عسر الرؤية جدا فكان هذا أول احكامه الفاسدة وفي يوم الاربعاء اشيع ان الامراء في صبحها قاصدون عمل ديوان ببيت ابراهيم بك ليلبسوا ستة من الكشاف ويقلدوهم صناجق عوضا عمن هلك منهم وهم سليمان كاشف مملوك ابراهيم بك الوالي الذى تزوج عديلة بنت ابراهيم بك الكبير عوضا عن سيده وعبد الرحمن كاشف مملوك ابراهيم عثمان بك المرادى الذى قتل بأبي قير الذى تزوج امرأة سيده ايضا وعمر كاشف مملوك عثمان بك الاشقر الذى تزوج امرأة سيده ايضا ومحمد كاشف مملوك المنفوخ ورستم كاشف مملوك عثمان بك الشرقاوى ومحمد كاشف مملوك سليمان بك الاغا وتزوج ابنته ايضا فلما وقع الاتفاق على ذلك تجمع الكشاف الكبار ومماليك مراد بك وآخرون من طبقتهم وخرجوا غضابا نواحي الآثار ثم اصطلحوا على تلبيس خمسة عشر صنجقا
فلما كان يوم الاحد تاسع عشرة عملوا ديوانا بالقلعة والبسوا فيه خمسة (2/611)
عشر صنجقا وهم اربعة من طرف ابراهيم بك الكبير وهم صهراه سليمان زوج عديلة هاشم ابنة الامير ابراهيم بك الكبير عوضا عن سيده واسمعيل كاشف مملوك رشوان بك الذى تزوج بزوجة سيده زينب هانم ابنة الامير ابراهيم بك ايضا ومحمد كاشف الاشقر الذى تزوج بإمرأته وخليل اغا كتخدا ابراهيم بك ومن طرف البريسي حسين آغا الوالي وسليمان خازندار مراد بك وشاهين كاشف مراد ومحمد تابع محمد بك المنفوخ المرادى ورستم تابع عثمان الشرقاوى وعبد الرحمن كاشف تابع عثمان الطنبرجي الذى تزوج بإمرأته ومن طرف الالفي عثمان آغا الخازندار وحسين كاشف المعروف بالوشاش وصالح كاشف وعباس كاشف تابع سليمان بك الآغا ولبسوا حسن آغا مراد واليا عوضا عن حسين المذكور
وفيه ورد الخبر بوصول طائفة من الانكليز الى القصر وهم يزيدون على الالفين
وفي عشرينه حضر مكتوب من رضوان كتخدا ابراهيم بك من اسكندرية يخبر فيه انه وصل الى اسكندرية وقابل الباشا ووعد بالحضور الى مصر وانه يأمر بتشهيل ادوات الحج ولوازمه واطلق اربعة واربعين نقيرة حضرت الى رشيد ببضائع للتجار
وفيه حضر جعفر كاشف الابراهيمي من الديار الشامية وقد قابل احمد باشا الجزار واكرمه ورجع بجواب الرسالة وسافر ثانيا بعد ايام
وفيه قلدوا سليمان بك الخازندار ولاية جرجا وخرج بعسكره الى مصر القديمة وجلس هناك بقصر المحرمجي فاتفق ان جماعة من عسكره الاتراك الذين انضموا اليهم من العثمانية تشاجروا مع العساكر البحرية جماعة حسين بك اليهودى بسبب امرأة رقاصة في قهوة فقتل من الاتراك ثلاثة ومن البحرية اربعة وانجرح منهم كذلك جماعة فحنق حسين بك وتترس بالمقياس وبالمراكب ووجه المدافع الى القصر وضرب بها عليه وكان سليمان بك غائبا عن القصر فدخلت جلة داخل القصر من الشباك بين جماعة من (2/612)
الامراء كانوا جالسين هناك ينتظرون رب المكان ففزعوا وخرجوا من المجلس وبلغ سليمان بك الخبر فذهب الى البرديسي وأعلمه فأرسل البرديسي يطلب حسين بك فامتنع من الحضور والتجأ الى الالفي فأرسل البرديسي خبرا الى الالفي بعزل حسين بك عن قبطانبة البحر وتولية خلافه فلم يرض الالفي بعزله وقال لا يذهب ولا يعزل وترددت بينهم الرسل وكادت تكون فتنة ثم انحط الامر على ان حسين بك يطلع الى القلعة يقيم بها يومين أو ثلاثة تطيبا لخاطر سليمان بك واخمادا للفتنة فكان كذلك واستمر على ما هو عليه
وفي يوم الاحد سادس عشرينه البس ابراهيم بك عثمان كاشف تابع علي أغا كتخدا جاويشان واستقروا به كتخدا جاويشان عوضا عن سيده وكان شاغرا من مدة حلول الفرنساوية
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه ركب حسين بك اخو طاهر باشا في عدة وافرة وحضر الى بيت عثمان بك البرديسي بعد العصر على حين غفلة وكان عند الحريم فأنزعج من ذلك ولم يكن عند في تلك الساعة الا اناس قليلة فأرسل الى مماليكه فلبسوا اسلحتهم وارسلوا الى الامراء والكشاف والاجناد بالحضور وتواني في النزول حتى اجتمع الكثير منهم وصعد بعض الامراء الى القلعة وحصل بعض قلقة ثم نزل الى التنهة واذن لاخي طاهر باشا بالدخول اليه في قلة من اتباعه وسأل عن سبب حضوره على هذه الصورة فقال نطلب العلوفة ووقع بينهما بعض كلام وقام وركب ولم يتمكن من غرضه وارسل البرديسي الى محمد علي فحضر اليه وفاوضه في ذلك ثم ركب من عنده بعد المغرب
وفي تلك الليلة نادوا بعمل الرؤية فاجتمع المشايخ عند القاضي وكلموه في ذلك فرجع عما كان عزم عليه ونادوا بها ليلة الخميس فعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب بموكبه على العادة الى بيت القاضي فلم يثبت الهلال تلك الليلة ونودى بانه من شعبان واصبح الناس مفطرين فلما كان صبحها حضر بعض المغاربة وشهدوا برؤيته فنودى بالامساك وقت (2/613)
الضحى وترقب الناس الهلال ليلة الجمعة فلم يره الا القليل من الناس بغاية العمر وهو في غاية الدقة والخفاء
شهر رمضان المعظم سنة
استهل بيوم الجمعة في ثانيه قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر اعلى وأوسط وأدنى ستين الفا وعشرين الفا وعشرة مع ما الناس فيه من الشراقي والغلاء والكلف والتعايين وعيت العسكر وخصوصا بالارياف
وفيه نزلت الكشاف الى الاقاليم وسافر سليمان بك الخازندار الى جرجا واليا على الصعيد وصالح بك الالفي الى الشرقية
وفي ثامنه وصل الى ساحل بولاق عدة مراكب بها بضائع رومية ويميش وهي التي كان أطلقها الباشا وفيها حجاج وقرمان
وفيه حضر ساع من الاسكندرية وعلى يده مكتوب من رضوان كتخدا ومن بصحبته يخبرون بان الباشا كان وعدهم بالسفر يوم الاثنين وبرز خيامه وخازنداره الى خارج البلد فورد عليه مكاتبة من امراء مصر يأمرونه بان يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب الى رشيد فانحرف مزاجه من ذلك واحضر الرسل الذين هم رضوان كتخدا ومن معه واطلعهم على المكاتبة وقال لهم كيف تقولون اني حاكمكم وواليكم ثم يرسلون يتحكمون على أني لا أذهب الى مصر على هذا الوجه فأرسلوا بخبر ذلك
وفي يوم الاربعاء ثالث عشره غيمت السماء غيما مطبقا وامطرت مطرا متتابعا من آخر ليلة الاربعاء الى سادس ساعة من ليلة الخميس وسقط بسببها عدة أماكن قديمة في عدة جهات وبعضها على سكانها وماتوا تحت الردم وزاد منها بحر النيل وتغير لونه اصفر مما سال فيه من جبل الطفل وبقى على ذلك التغير أياما الا أنه حصل بها النفع في الاراضي والمزارع
وفي منتصفه ورد الخبر بخروج الباشا من الاسكندرية وتوجهه الى الحضور الى مصر على طريق البر وشرعوا في عمل المراكب التي تسمى بالعقبة لخصوص ركوب الباشا وهي عبارة عن موكب كبير قشاشي يأخذونها من اربابها قهرا (2/614)
وينقشونها بانواع الاصباغ والزينة والالوان ويركبون عليها مقعدا مصنوعا من الخشب المصنع وله شبابيك وطيقان من الخرط وعليه بيارق ملونه وشراريب مزينة وهو مصفح بالنحاس الاصفر ومزين بأنواع الزينة والستائر والمتكفل بذلك آغات الرسالة فلما خرج الباشا من الاسكندرية أرسل محمود جاويش والسيد محمد الدواخلى الى يحيى بك يقولان له ان حضرة الباشا يريد الحضور الى رشيد في قلة واما العساكر فلا يدخل احد منهم الى البلد بل يتركهم خارجها فلما وصلوا الى يحيى بك وارادوا يقولون له ذلك وجدوه جالسا مع عمر بك كبير الارنؤد الذى عنده وهم يقرؤن جوابا أرسله الباشا الى عمر بك المذكور يطلبه لمساعدته والخروج معه أمسكه بعض اتباع يحيى بك مع الساعي فلما سمعوا ذلك قالوا لبعضهم اى شيء هذا وتركوا ما معهم من الكلام وحضروا الى مصر صحبة رضوان كتخدا
وفي يوم الجمعة سادس عشره ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها لورود الخبر بموت حسين قبطان باشا وتوليه خلافه
وفي عشرينه اشيع سفرالالفي لملاقاة الباشا وصحبته أربعة من الصناجق وأبرز الخيام من الجيزة الى جهة انبابة واخذوا في تشهيل ذخيرة وبقسماط وجبخانه وغير ذلك
وفي رابع عشرينه عدى الالفى ومن معه الى البر الشرقي وأشيع تعدية الباشا الى بر المنوفية فلما عدوا الى البر الشرقي انتقلوا بعرضيهم وخيامهم الى جهة شبرا وشرعوا في عمل مخابز العيش في شلقان
وفيه حضر واحد بيان آغا يسمى صالح افندى وعلى يده فرمان فأنزلوه ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك ولا يجتمع به أحد
وفي غايته وصل الباشا الى ناحية منوف وفردوا له فردا على البلاد وأكلوا الزروعات وما أنبتته الارض
وانقضى هذا الشهر وما حصل به من عربدة الانؤد وخطفهم عمائم الناس وخصوصا بالليل حتى كان الانسان اذا مشى يربط عمامته خوفا عليها واذا تمكنوا من احد شلحوا ثيابه واخذوا (2/615)
ما معه من الدراهم ويترصدون لمن يذهب الى الاسواق مثل سوق أنبابه في يوم السبت لشراء الجبن والزبد والاغنام والابقار فيأخذون ما معهم من الدراهم ثم يذهبون الى السوق وينهبون ما يجلبه الفلاحون من ذلك للبيع فامتنع الفلاحون عن ذلك الافي النادر خفية وقل وجوده وغلا السمن حتى وصل الى ثلثمائة وخمسين نصف فضة العشرة أرطال قباني واما التبن فصار أعز من التبر وبيع قنطاره بألف نصف فضة ان وجد وعز وجود الحطب الرومي حتى بلغ سعر الحملة ثلثمائة فضة وكذا غلا سعر باقي الاحطاب وباقي الامور المعدة للوقود مثل البقمة وجلة البهائم وحطب الذرة ووقفت الارنؤد لخطف ذلك من الفلاحين فكانوا يأتون بذلك في آخر الليل وقت الغفلة ويبيعونه بأغلى الاثمان وعلم الارنؤد ذلك فرصدوهم وخطفوهم ووقع منهم القتل في كثير من الناس حتى في بعضهم البعض وغالبهم لم يصم رمضان ولم يعرف لهم دين يتدينون به ولا مذهب ولا طريقة يمشون عليها اباحية أسهل ما عليهم قتل النفس وأخذ مال الغير وعدم الطاعة لكبيرهم وأميرهم وهم أخبث منهم فقطع الله دابر الجميع وأما ما فعله كشاف الاقاليم في القرى القبلية والبحرية من المظالم والمغارم وأنواع الفرد والتساويف فشىء لا تدركه الافهام ولا تحيط به الاقلام وخصوصا سليمان كاشف البواب بالمنوفية فنسأل الله العفو والعافية وحسن العاقبة في الدين والدنيا والآخرة
استهل شهر شوال بيوم السبت
وفي ثانيه سب رجلا تاجرا من وكالة التفاح ثلاثة من العسكر فهرب منهم الى حمام الطنبدى فدخلوا خلفه وقتلوه داخل الحمام وأخذوا مافي جيبه من الدراهم وغيرها وذهبيوا وحضر أهله وأخذوه في تابوت ودفنوه ولم ينتطح فيه شاتان وقتل في ذلك اليوم أيضا رجل عند حمام القيصرلي وغير ذلك
وفيه وصل الباشا الى ناحية شلقان وصحبته عساكر كثيرة انكشارية وغيرهم من الذين خرجوا مطرودين من مصر وصحبته نحو ستين (2/616)
مركبا في البحر بها أثقاله ومتاعه وعساكر أيضا
وفيه ركب الالفي والامراء ما عدا ابراهيم بك والبرديسي فأنهما لم يخرجا من بيوتهما وذهبوا الى مخيمهم بشبرا وخرج أيضا محمد علي وأحمد بك وأتباعهم وابقوا عند بيوتهم طوائف منهم
وفيه وقعت مشاجرة بين الارنؤدية جهة بيوت سوارى العساكر بسبب امرأة قتل فيها خمسة أنفار بالازبكية
وفي ثالثة أوقفوا على أبواب المدينة جماعة من العساكر باسلحتهم فازعج الناس وارتاعوا من ذلك وأغلقوا الدروب والبوابات ونقلوا أمتعتهم وبضائعهم من الدكاكين واكثروا من اللغط وصار العسكر الواقفون بالابواب يأخذون من الداخل والخارج دراهم ويفتشون جيوبهم ويقولون لهم معكم أوراق فيأخذون بحجة ذلك ما في جيوبهم
وفي رابعه غيروا العسكر باجناد من الغز المصرلية فجلس على كل باب كاشف ومعه جماعة من العسكر فكان الكاشف الذى على باب الفتوح يأخذ ممن يمر به دراهم فان بزى الفلاحين بأن كا لابس جبة صوف او زعبوط أخذ منه ما في جيبه او عشرة أنصاف ان كان فقيرا وان كان من أولاد البلد ومجمل الصورة أو لابس جوخة ولو قديمة طالبه بألف نصف فضة أو حبسه حتى يسعى عليه أهله ويدفعونها عنه ويطلقه وسدوا باب الوزير وباب المحروق وقفلوا باب البرقية المعروف بالغريب بعد أن كانوا عزموا على سده بالبناء ثم تركوه بسبب خروج الاموات
وفيه نودى بوقود القناديل ليلا على البيوت والوكائل وكل ثلاثة دكاكين قنديل وفي صبحها خامسه شق الوالي وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل وشدد في ذلك
وفيه انتقل الالفي ومن معه من الامراء الى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم قبال عرضى الباشا وكلموه عن نزوله في ذلك المكان ونصب الخيام في داخل الخيام ودوسهم لهم فقال لهم هذه منزلتنا ومحطتنا فلم يسمع الباشا وأتباعه الاقلعهم الخيام والتأخر (2/617)
فهذه كانت أول حقارة فعلها المصرلية في العثمانية ونصب محمد علي وأحمد بك وعساكرهم جهة البحر ثم ان خدم الالفى أخذوا جمالا ليحملوا عليها البرسيم فنزلوا بها الى بعض الغيطان فحضر أميرا خور الباشا بالجمال لاخذ البرسيم ايضا فوجدوا جمال الالفى وأتباعه فنهرهم وطردوهم فرجعوا الى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب اليهم فركب رامحا الى الغيظ وأحضر أميراخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا ورجع الى سيده بالجمال ورأس أميراخور فذهب اتباع الباشا وأخبروه بقتل أميراخور واخذ الجمال فحنق واحضر رضوان كتخدا ابراهيم بك وتكلم معه ومن جملة كلامه أنا فعلت معكم ما فعلت وصالحت عليكم الدولة ولم تزل تضحك على ذقني وأنا اطاوعك وأصدق تمويهاتك الى ان سرت الى ههنا فأخذتم تفعلون معي هذه الفعال وتقتلون أتباعي وترذلوني وتأخذون حملتي وجمالي فلاطفه رضوان كتخدا في الجواب واعتذر اليه وقال له هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون في الامور وحضرة افندى شأنه العفو والمسامحة ثم خرج من بين يديه وارسل الى اتباع الالفي فاحضر منهم الجمال وردها الى وطاق الباشا وحضر اليه عثمان بك يوسف المعروف بالخازندار وأحمد آغا شويكار فقابلاه واخذا بخاطره ولم يخرج اليه احد من الامراء سواهما
وفي خامسه نادوا بخروج العساكر الارنؤدية الى العرضى وكل من بقي منهم ولم يكن معه ورقة من كبيره فدمه هدر
وصار الوالي بعد ذلك كلما صادف شخصا عسكريا من غير ورقة قبض عليه وغيبه واستمر يفتش عليهم ويتجسس على اماكنهم ليلا ونهارا ويقبض على من يجده متخلفا والقصد من ذلك تمييز الارنؤدية من غيرهم المتداخلين فيهم وكذلك من مر على المتقيدين بابواب المدينة وذلك باتفاق بين المصرلية والارنؤدية لاجل تميزهم من بعضهم وخروج غيرهم
وفيه أطلعوا السيد على القبطان أخا على باشا الى القلعة
وفي سادسه خرج البرديسي الى جهة شلقان ولم يخرج ابراهيم بك (2/618)
ولم يتنقل من بيته فنصب خيامه على موازاة خيام الالفى وباقي الامراء كذلك الى الجبل والارنؤدية جهة البحر وقد كان الباشا ارسل الى محمد علي وكبار الارنؤدية وغيرهم من قبائل العربان ومشايخ البلاد المشهورين مكاتبات قبل خروجه من الاسكندرية يستميلهم اليه ويعدهم ويمنيهم ان قاموا بنصرته ويحذرهم ويخوفهم ان استمروا على الخلاف وموافقة العصاة المتغليين
فنقل الارنؤدية ذلك الى المصرلية وأطلعوهم على المكاتبات سرا فيما بينهم واتفقوا على رد جواب المراسلة من الارنؤدية بالموافقة على القيام معه اذا حضر الى مصر وخرج الامراء لملاقاته والسلام عليه فيكون هو وعساكره أمامهم والارنؤدية المصرية من خلفهم فيأخذونهم مواسطة فيستأصلونهم والموعد بشلفان وسهلوا له أمر الامراء المصرلية وأنهم في قلة لا يبلغون الفا ولو بلغوا ذلك فمن المنضمين اليهم من خلاف قبيلتهم وهم ايضا معنا في الباطن
ودبروا له تدبيرا ومناصحات تروج على الاباليس منها ان يختار من عسكره قدر كذا من الموصوفين بالشجاعة والمعرفة بالسباحة والقتال في البحر ويجعلهم في السفن قبالته في البحر وان يعدوا بالعساكر البرية الى البر الشرقي من مكان كذا ويجعل الخيالة والرجالة معه على صفة ذكروها له
ولما وصل الى الرحمانية ارسل له الارنؤد مكاتبة سرا بان يعدى الى البر الشرقي وبينوا له الصواب ذلك وهو يعتقد نصحهم فعدى الى البر الشرقي
فلما حضر الى شلقان رتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بينباشا في طابور وعملوا متاريس ونصبوا المدافع واوقفوا المراكب بما فيها من العساكر والمدافع بالبحر على موازاة العرضي
فخرج الالفي كما ذكر بمن معه من الامراء المصرلية والعساكر الارنؤدية وارسل الى الباشا بالانتقال والتأخر فلم يجد بدا من ذلك فتأخر الى زفيتة ونزل ونصب هناك وطاقة ومتاريسه 2
وفي وقت تلك الحركة تسلل حسين بك الافرنج ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعملوا على مركب الباشا واحتاطوا بها وضربوا عليهم بالبنادق والمدافع وساقوهم الى جهة مصر وأخذوهم اسرى وذهبوا بهم (2/619)
الى الجيزة وبعدها قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين وكبيرهم يسمى مصطفى باشا اخذوه اسيرا ايضا
وكان بالمركب اناس كثيرة من التجار وصحبتهم بضائع واسباب رومية كان الباشا عوقهم بسكندرية فنزلوا في المراكب ليصلوا ببضائعهم وطمعا في عدم دفعهم الجمرك فوقعوا ايضا في الشرك وارتبكوا فيمن ارتبك ولما تأخر الباشا عن منزلته واستقر باراضي زفيتة احاطت به المصريون والعربان وتحلقوا حوله ووقفوا لعرضيه بالرصد فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه وارسل اليه الالفي على كاشف الكبير فقال له حضرة ولدكم الالفي يسلم عليكم ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم وما الموجب لكثرتها وهذه هيئة المنابذين لا المسالمين والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون الا باتباعهم وخدمهم المختصين بخدمتهم وقد ذكروا لك ذلك وانتم بسكندرية
فقال نعم وانما هذه العساكر متوجهة الى الحجاز تقوية لشريف باشا على الخارجي وعندما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشلهم ونرسلهم
فقال انهم اعدوا لكم قصر العيني تقيمون به فان القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم كما لا يخفاكم ذلك واما العسكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون الى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى نشهل لهم احتياجاتهم ونرسلهم ولسنا نقول ذلك خوفا منهم وانما البلدة في قحط وغلاء والعساكر العثمانية منحرفوا الطباع ولا يستقم حالهم مع الارنؤدية ويقع بينهم ما يوجب الفشل والتعب لنا ولكم
وفي ليلة الجمعة رابع عشره حصل خسوف للقمر جزئي بعد رابع ساعة من الليل ومقدار المنخسف اربع اصابع وثلث وانجلى في سابع ساعة الا شيئا يسيرا
وفي ذلك اليوم أرسل البرديسي الى شيخ السادات تذكرة صحبة واحد كاشف من اتباعه يطلب عشرين ألف ريال سلفة فلاطفه ورده بلطف فرجع الى مخدومه وأبقى ببيت الشيخ جماعة من العسكر فوبخه على (2/620)
الرجوع من غير قضاء حاجة وامره بالعود ثانيا فعاد اليه في خامس ساعة من الليل وصحبته جماعة اخرى من العسكر فازعجوا اهل البيت وارسلت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك الى المعينين تأمرهم ان لا يعملوا قلة أدب وأرسلت الى ابيها لان منزلها بجواره فاهتم لذلك وأرسل خليل بك الى البرديسي فكفه عن ذلك بعد علاج وسعي ورفع المعنيين
وفي ليلة الخميس عشرينه وصلت اخبار ومكاتبات من الامراء الذين ذهبوا بصحبة الباشا بالقرين فضربوا مدافع كثيرة بعد العشاء ونصف الليل
ومضمون ما ذكروه في المراسلة ان الباشا أراد ان يكبسهم بمن معه ليلا وكان معهم سائس يعرف بالتركي فحضر اليهم واخبرهم فتحذروا منهم فلما كبسوهم وقعت بينهم محاربة وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بك المنفوخ وانجرح المنفوخ أيضا جرحا بليغا واصيب الباشا وصاحبه من غير قصد والليل ليس له صاحب فقضى عليه وكان ذلك مقدورا وفي الكتاب مسطورا وانكم ترسلوا لنا أمانا بالحضور الى مصر والا ذهبنا الى الصعيد
هذا ما قالوه والواقع انهم لما سافروا معه كان بصحبته خمسة وأربعون نفسا لاغير والعساكر التي كانت سافرت قبله نجعت الى الصالحية او ذهبت حيث شاء الله وكان امامه عسكر المغاربة وخلفه الامراء المصرلية
فلما وصلوا الى اراضي القرين ونزلوا هناك عمل المغاربة مع الخدم مشاجرة وجسموها الى ان تضاربوا بالسلاح فقامت الاجناد المصرلية من خلفهم فصار الباشا ومن معه في الوسط والتحموا عليهم بالقتال ففر من اتباعه اربعة عشر نفسا الى الوادى وثلاثة عشر رموا بأنفسهم في ساقية قريبة منهم من حلاوة الروح وضرب الباشا بعض المماليك منهم بقرابينة فأصابته وقتل معه ابن اخته حسن بك وكتخداه وباقي الثمانية عشر فلما سقط الباشا وبه رمق رأى احد الاميرين فقال له في عرضك يا فلان ان معي كفنا بداخل الخرج فكفني فيه وادفني ولا تتركني مرميا
فلما انقضى ذلك اعطى ذلك الامير لبعض العرب دنانير واعطاه الكفن الذى اوصاه عليه وقال له اذهب الى مقتلهم (2/621)
وخذ الباشا وادفنه في تربة
ففعل كما امروا وحفروا لباقيهم حفرا وواروهم فيها
وانقضى امرهم
هذا اخبار بعض تلك البلاد المشاهدين للواقعة وكل ذلك وبال فعله وسوء سريرته وخبث ضميره فلقد بلغنا انه قال لعسكره ان بلغت مرادى من الامراء المصريين وظفرت بهم وبالارنؤد ابحت لكم المدينة والرعية ثلاثة ايام تفعلون بها ما شئتم
والدليل على ذلك ما فعله بالاسكندرية مدة اقامته بها من الجور والظلم ومصادرات الناس في اموالهم وبضائعهم وتسلط عساكره عليهم بالجور والخطف والفسق وترذيله لاهل العلم واهانته لهم حتى انه كان يسمى الشيخ محمد المسيرى الذى هو أجل مذكور في الثغر بالمزور واذا دخل عليه مع امثاله وكان جالسا اتكأ ومد رجليه قصدا لاهانتهم
خبر علي باشا المترجم المذكور
كان اصله من الجزائر مملوك محمد باشا حاكم الجزائر فلما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره ارسله بمراسلة الى حسين قبطان باشا وكان اخوه المعروف بالسيد علي مملوك للدولة ومذكورا عند قبطان باشا ومتولي الريالة فنوه بذكره فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس واعطاه فرمانات ويرق فذهب اليها وجيش له جيوشا ومراكب وأغار على متوليها وهو أخو حمودة باشا صاحب تونس وحاربه عدة شهور حتى ملكها بمخامرة أهلها لعلمهم انه متوليها من طرف الدولة
وهرب أخو حمودة باشا عند اخيه بتونس فلما استولى علي باشا المذكور على طرابلس اباحها لعسكره ففعلوا بها اشنع وأقبح من التمرلنكية من النهب وهتك النساء والفسق والفجور وسبي حريم متوليها واخذهن أسرى وفضحهن بين عسكره ثم طالبهم بالأموال
وأخذ اموال التجار وفرد على اهل البلد وأخذ اموالهم ثم ان المنفصل حشد وجمع جموعا ورجع الى طرابلس وحاصره اشد المحاصرة وقام معه المغرضون من أهل البلدة والمقروصون من علي باشا
فلما رأى الغلبة على نفسه نزل الى المراكب بما جمعه من الاموال والذخائر وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الاعيان شبه الرهائن (2/622)
وهرب الى اسكندرية وحضر الى مصر والتجأ الى مراد بك فأكرمه وانزله منزلا حسنا عنده بالجيزة وصار خصيصا به
وسبب مجيئه الى مصر ولم يرجع الى القبطان علمه انه صار ممقوتا في الدولة لان من قواعد دولة العثمانيين انهم اذا أمروا أميرا في ولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصا اذا كان ذا مال
ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما ولما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان وذهبوا الى امير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وانه يفعل بهما الفاحشة فارسل معهم جماعة من اتباعه في حصة مهملة وكبسوا عليه على حين غفلة فوجدوه راقدا ومعه أحد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحا بالغا وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة امير الحاج
ثم رجع الى مصر من البحر ايضا واقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات الى ان حضر الفرنسيس الى الديار المصرية فقاتل مع الامراء وتغرب معهم في قبلي وغيره ثم انفصل عنهم وذهب من خلف الجبل وسار الى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات الى الدولة فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا واخرجوه ووصل الخبر الى اسلامبول فطلب ولاية مصر على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية واوامرها بمصر وليس بها الا طاهر باشا والارنؤد وجعل على نفسه قدرا عظيما من المال ووصل الى اسكندرية وبلغه انعكاس الامر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الارنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة فاراد أن يدير أمرا ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه والجادع بيده مارن أنفه ولم يعلم انها القاهرة كم قهرت جبابرة وكادت فراعنة ... اذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده (2/623)
وكان صفته ابيض اللون عظيم اللحية والشوارب أشقرهما قليل الكلام يا لربي يحب اللهو والخدعة
ولما انقضى امره وارسل سليمان بك ومحمد بك مكاتبات الى شاهين بك ونظرائه بما ذكروا أن يأخذوا لهم أمانا من ابراهيم بك البرديسي فكتبوا لهم امانا بعد إمتناع منهما واظهار التغير والغضب والتأسف على التفريط منهما في قتله
وفي يوم الخميس المذكور عملوا ديوانا واحضروا صالح أغا قابجي باشا الذى حضر اولا ونزل ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك وقرأوا الفرمان الذى معه وهو يتضمن ولاية علي باشا
الاوامر المعتادة لاغير وليس فيها ما كان ذكره علي باشا من الجمارك والالتزام وغيره
وتكلم الشيخ الامير في ذلك المجلس وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب وشكا الامراء والمتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدى الكشاف النازلين في الاقاليم وجورهم على البلاد وانه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم فاتفق الحال على ارسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد
واما مصطفى باشا فانهم أنزلوه في مركب مع اتباع الباشا الذين كانوا بقصر العيني وسفروهم الى حيث شاء الله
وفيه وصل الالفي من سرحته الى مصر القديمة فأقام في قصره الذى عمره هناك وهو قصر البارودى يومين ثم عدى الى الجيزة ودخل اتباعه بالمنهوبات من الجمال والابقار والاغنام ومعهم الجمال محملة بالقمح الاخضر والفول والشعير لعدم البرسيم فانهم رعوا ما وجدوه في حال ذهابهم وفي رجوعهم لم يجدوا خلاف الغلة فرعوها وحملوا باقيها على الجمال لو شاء ربك ما فعلوه
وفي ثاني عشرينه وقعت معركة بين الارنؤودية وعسكر التكرور بالقرب من الناصرية بسبب حمل برسيم وضربوا على بعضهم بنادق رصاص وقتل (2/624)
بينهم انفار واستمروا على مضاربة بعضهم البعض نحو سبعة ايام وهم يترصدون لبعضهم في الطرقات
وفي خامس عشرينه عملوا ديوانا وقرأوا فرمانا وصل من الدولة مع الططر خطابا لعلي باشا والامراء بتشهيل اربعة آلاف عسكرى وسفرهم الى الحجاز لمحاربة الوهابيين وارسال ثلاثين الف اردب غلال الى الحرمين
وانهم وجهوا أربع باشات من جهة بغداد بعساكر وكذلك احمد باشا الجزار ارسلوا له فرمانا بالاستعداد والتوجه لذلك فإن ذلك من اعظم ما تتوجه اليه الهمم الاسلامية وامثال ذلك من الكلام والترفق وفيه بعض القول بالحسب والمروأة بتنجيز المطلوب من الغلال وان لم تكن متيسرة عندكم تبذلوا الهمة في تحصيلها من النواحي والجهات بأثمانها على طرف الميرى بالسعر الواقع
وفيه تقيد لضبط مخلفات علي باشا صالح افندى ورضوان كتخدا ونائب القاضي وباشكاتب
وفيه حضر الامراء الذين توجهوا بصحبة الباشا الى الشرقية
وفي هذا اليوم حضر عثمان كاشف البواب الذى كان بالمنوفية وترك خيامه واثقاله واعوانه على ما هم عليه وحضر في قلة من اتباعه
وفيه نقلوا عسكر التكرور من ناحية قناطر السباع الى جهة اخرى واخرجوا سكانا كثيرة من دورهم جهة الناصرة وأزعجوهم من مواطنهم واسكنوا بها عساكر وطبجية
وفيه انزلوا السيد علي القبطان من القلعة الى بيت علي بك ايوب كما كان وهذا السيد علي هو اخو علي باشا المقتول كما ذكر واصله مملوك وليس شريف كما يتبادر الى الفهم من لفظة سيد انها وصف خاص للشريف بل هي منقولة من لغة المغاربة فانهم يعبرون عن الامير بالسيد بمعنى المالك وصاحب السيادة
وفي سادس عشرينه انزلوا محمل الحاج من القلعة مطويا من غير هيئة وأشيع في الناس دورانه الى بيت ابراهيم بك صحبه احد الكشاف وطائفة (2/625)
من المماليك واتفق الرأى على سفره من طريق بحر القلزم صحبه محمد جاويش مستحفظان ومعه الكسوة والصرة وكان حضر الكثير من حجاج الجهة القبلية بجمالهم ودوابهم ومتاعهم فلما تحققوا عدم السفر حكم المعتاد باعوا جمالهم ودوابهم بالرميلة بأبخس الاثمان لعدم العلف بعد ما كلفوها بطول السنة
وما قاسوه أيضا في الايام التي اقاموها بمصر في الانتظار والتوهم
شهر ذى القعدة سنة
استهل بيوم الاثنين فيه أنزلوا حسين قبطان ومن معه من عسكر الارنؤد من القلعة وكانوا نحو الاربعمائة فذهبوا الى بولاق وسكنوا بها بعدما أخرجوا السكان من دورهم بالقهر عنهم ولم يبق بالقلعة من أجناسهم سوى الطبجية المتقيدين بخدمة المصرلية
وفيه ألبس ابراهيم بك كتخداه رضوان خلعة وأشيع انه قلده دفتردارية مصر وذهب الى البرديسي فخلع عليه ايضا وكذلك الألفي وذلك اكراما وتنويها بذكره جزاء فعله ومجيئه بالباشا وتحيله عليه
وفي ليلة الجمعة خامسه وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي حاكم رشيد يخبر فيها بوصول محمد بك الالفي الكبير الى ثغر رشيد يوم الاربعاء ثالثه وقد طلع على أبي قير وحضر الى ادكو ثم الى رشيد في يوم الاربعاء المذكور وقصده الاقامة برشيد ستة أيام فلما وصلت تلك الاخبارعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة بعد الغروب وكذلك بعد العشاء وفي طلوع النهار من جميع الجهات من الجيزة ومصر القديمة وبيت البرديسي والقلعة وأظهروا البشر والفرح وشرعوا في تشهيل الهدايا والتقادم وأضمروا في نفوسهم السوء له ولجماعته والمتآمرين حسدا لرآسته عليهم وخمولهم بحضوره فهاجت حفائظهم وكتموا حقدهم وتناجوا فيما بينهم وبيتواء امرهم مع كبار العسكر
وأرسل البرديسي كتابا الى مملوكه يحيى بك تابعه حاكم رشيد يأمره فيه بقتل الالفي هناك وركب هو الى النيل وعدى شاهين بك ومحمد بك المنفوخ واسمعيل بك (2/626)
صهر ابراهيم بك وعمر بك الابراهيمي الى بر الجيزة ليلة الاحد ونصبوا خيامهم ليستعدوا الى السفر من آخر الليل صحبه الالفي الصغير وعدى ايضا قبلهم حسين بك الوشاش الالفي ونصب خيامه بحرى منهم
فلما كان في خامس ساعة من الليل أرسلوا الى حسين بك يطلبونه اليهم فحضر مع مماليكه وقد رتبوا جماعة منهم تأتي بخيول ومشاعل من جهة القصر فقالوا له أين الخيول فاننا راكبون في هذا الوقت للملاقاة وها هو اخوك الالفي قد ركب وهو مقبل
فنظر فرأى المشاعل والخيول فلم يشك في صحة ذلك ولم يخطر بباله خيانتهم له فأمر مماليكه أن يذهبوا الى خيولهم ويركبوا ويأتوه بفرسه فأسرعوا الى ذلك وبقى هو وحده ينتظر فرسه فعاجلوه وغدروه وقتلوه بينهم وأرسلوا الى البرديسي بالخبر وكان محمد علي وأحمد بك والارنؤدية عدوا قبلي الجيزة ليلا وكمنوا بمكان ينتظرون الاشارة ويتحققون وقوع الدم بينهم فلما عملوا ذلك حضروا الى القصر وأحاطوا به وكان طبجي الآلفي مخامرا ايضا فعطل فوالي المدافع واستمروا في ترتيب الامراء على القصر الى آخر الليل فحضر الى الالفي من أيقظة واعلمه بقتل حسين بك واحاطتهم بالقصر فأراد الاستعداد للحرب وطلب الطبجي فلم يجده وأعلموه بما فعل بالمدافع فأمر بالتحميل وركب في جماعته الحاضرين وخرج من الباب الغربي وسار مقبلا فركب خلفه الامراء المذكورون وساروا مقدار ملقتين حتى تهبت خيولهم ولم يكن معهم خيول كثيرة لانهم لم يكونوا يظنون خروجه من القصر واشتغل أكثر أتباعهم بالنهب لأنه عندما ركب الألفي وخرج من القصر دخله العسكر والاجناد ونهبوا ما فيه من الاثقال والامتعة والفرش وغيرها وكان كاتبه المعلم غالي ساكنا بالجيزة وكذلك كثير من اتباعه ومقدميه فذهبوا الى دورهم فنهبوها وأخذوا ما عند كاتبه المذكور من الاموال ثم نهبوا دور الجيزة عن آخرها ولم يتركوا بها جليلا ولا حقيرا حتى عروا ثياب النساء وفعلوا بها مثل ما فعلوا بدمياط واصبح الناس بالمدينة يوم الاحد لا يعلمون شيئا من ذلك الا انهم سمعوا الصراخ (2/627)
ببيت حسين بك جهة التبانة وقيل انه قتل ببر الجيزة
فصار الناس في تعجب وحيرة واختلفت روياتهم ولم يفتحوا دكاكينهم ونقلوا أسبابهم منها وظلوا غالب اليوم لم يعلموا سر قتل حسين بك الا من صراخ اهل بيته
وكل ذلك وقع وابراهيم بك جالس في بيته ويسأل ممن يدخل اليه عن الخبر
واحضر محمود جاويش المعين للسفر بالمحمل وصير في الصرة والكتبة واشتغل معهم ذلك اليوم في عدد مال الصرة وحسابها ولوازم ذلك وبعد العصر اشيع المرور بالمحمل فاجتمع الناس للفرجة فمروا به من الجمالية الى قراميدان قبل الغروب وأصبح يوم الاثنين ثامنه ركب ابراهيم بك وامراؤه الى قراميدان وسلم المحمل واجتمع الناس للفرجة على العادة فمروا به من الشارع الاعظم الى العادلية وامامه الكسوة في اناس قليلة وطبل وأشاير وعينوا للذهاب معه أربعمائة مغربي من الحجاج رتبوا لهم جامكية ثلاثين نفرا من عسكر الارنؤد هذا ما كان من هؤلاء وأما ما كان من امر الالفي الكبير فانه لما حضر الى رشيد يوم الاربعاء ثالثه كما تقدم قابله يحيى بك وعمل له شنكا وطعاما وما يليق به وسأله عن مدة اقامته برشيد فقال له اريد الاقامة ستة أيام حتى نستريح ونزل ببيت مصطفى عبد الله التاجر
ولم يكن معه الا خاصة مماليكه وجوخداره تتمة ستة عشر فاستأذنه يحيى بك في ارسال الخبر الى مصر ليأتي الامراء الى ملاقاته فلم يرض بذلك ثم انه لم يقم برشيد الا ليلة واحدة وانزل امتعته في أربع مراكب من الرواحل وانتقل آخر الليل الى بيت البطروشي القنصل وأمر بتنقيل المتاع الى مراكب النيل وأهدى له البطروشي غرابا من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار الى مصر وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة
ويأبى الله الا ما يريد فلم يسعفه الريح وكان تأخيره سببا لنجاته
ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك جهز له الالفي الصغير بعض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت فاجتمعوا به عند نادر (2/628)
نصف الليل
فلما أصبح الصباح حضر اليه سليمان كاشف البواب وقابله ورجع معه الى منوف العلا فأقام هناك يوم الاحد وبات هناك ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح فلم يزل سائرا الى الظهيرة فلاقاه عدة من عسكر الارنؤد الموجهة اليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة فسلم عليهم فردوا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم اين تريدون فقالوا نريد الالفي فقال لهم ها هو الالفي فسكتوا
ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه الى الالفي فكذب ذلك وقال هذا شيء لا يكون ولا يصح ان اخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لاجل راحتنا ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر ثم ان طائفة منهم أدركت الغراب الذى قدمه له البطروشي وكان متأخرا عن المراكب فصعدوا اليه وأخذوا ما فيه من المتاع فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك فأرسل اليهم بعض من معه من الاتراك ليستخبر عن شأنهم وامرهم ولم ينتظر رجوعه بالجواب ولكنه اخذ بالحزم ونزل في الحال الى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن وامرهم ان يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة الى البحر فلاقاهم طائفة اخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي وكان بعيدا عنهم فاعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه اياه ولم يزل يجد في السير حتى وصل الى شبرا الشهابية فنظر الى رجل ساع واعلمه انه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب يخبر الواقع فعند ذلك تحقق الخبر وطلع الى البر وامر بتغريق القنجة ومشى مع المماليك على اقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا الى ناحية قرنفيل ودخل الى نجع عرب الحويطات والتجأ الى امرأة منهم فاجارته ولبت دعوته وركبته فرسا واصحبت معه شخصين هجانين وركب معهما وصار الى قرب الخانكة ليلا والمماليك معه مشاة فقابلهم جماعة من عرب بلى وكبيرهم يقال له سعد ابراهيم فاحتاطوا به فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع (2/629)
الهجانة الى ناحية الجبل ومضى فسمع الاجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك فأسرعوا اليهم وسألوهم عن سيدهم فقالوا انه كان معنا وفارقنا الساعة فأمر البرديسي من معه من المماليك والاجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من ادركه فليقتله في الحال فذهبوا خلفه فلم يعثر به احد منهم وخرم عليه سعد ابراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذى على ظهره فاشتغلوا به وتركهم وسار وغاب امره
وفي حال جلوسه عند العرب مر عليهم طائفة من الاجناد سائرين لانهم لما فعلوا فعلتهم في الجيزة لم يبق لهم شغل الا هو واخذوا في الاحتياط عليه ما امكن فأرسلوا عسكرا في المراكب وانبثت طوائفهم في الجهات البحرية شرقا وغربا فذهبت طائفة منهم الى الشرقية وطائفة الى القليوبية وكذلك المنوفية والغربية والبحيرة وسلكوا طريق الجبل الموصلة الى قبلي وذهب حسين بك ورستم بك الى صالح بك الالفي الذى بالشرقية وذهب شاهين بك الى سليمان كاشف البواب من البر الغربي ليقطع عليه الطريق وذهب علي بك ايوب ومحمد علي على جهة القليوبية ليلحقه بمنوف فلما وصل الى دجوة تعوق بسبب قلة المعادى فلما وصل الى منوف فوجدوه عدى الى الجهة الاخرى فأخذوا متروكاته التي تركها وهي بعض خيول وجمال وخمسين زلعة سمن مسلي وعملوا على أهل البلد أربعة آلاف ريال قبضوها منهم ورجعوا وكان عندما بلغه الخبر الاجمالي لم يكذب المخبر وذلك بعد مفارقة الالفي له بنحو ثلاث ساعات فعدى في الحال الى الجهة الغربية بأثقاله وعساكره فوجد أمامه شاهين بك فارسل يطلب منه أمانا فأجابه الى ذلك وارسل الى مصر من يأتي بالامان واطمأن شاهين ليلا فلما اصبح شاهين بك وجده قد ارتحل فرجع بخفي حنين وعدى الى القليوبية فبلغه خبر الالفي وما وقع له مع العرب فطلبهم فأخبروه انه غاب عنهم في الجبل من الطريق الفلاني فقبض عليهم واحضرهم صحبته مشنوقين في عمائمهم ووجد المماليك فقبض عليهم (2/630)
وأرسلهم الى البرديسي
واما مراكبه فأنه عندما نزل الى القنجة وفارقها ادركها العسكر الذين قابلوه في المراكب ونهبوا ما فيها وكان بها شيء كثير من الاموال وظرائف الانكليز والامتعة والجوخ والاسلحة والجواهر
فانه لما وصل الى القرالي اكرمه اكراما كثيرا وأهدى اليه تحفا غريبة وكذلك أكابرهم وأعطاه جملة كبيرة من المال على سبيل الامانة يرسل له بها غلالا وأشياء من مصر واشترى هو لنفسه أشياء بأربعة آلاف كيس يدفعها الى القنصل بمصر وأرسل له بها القرالي بوليصة وأهدى له صورة نفسه من جوهر ونظارات وآلات وغير ذلك
وأما الالفي الصغير فانه ذهب الى جهة قبلي وفرد الفرد والكلف على البلاد ومن عصى عليه أو تواني في دفع المطلوب نهبهم وحرقهم
وأما صالح بك الالفي فانه لما وصل اليه الخبر وقدوم الموجهين اليه ركب في الحال من زنكلون وترك حملته واثقاله فلم يدركوه ايضا
وفي يوم الثلاثاء احضروا مماليك الالفي الكبير وجوخداره الى بيت البرديسي وارسل ابراهيم بك والبرديسي مكاتبات الى الامراء بقبلي وهم سليمان بك الخازندار حاكم جرجا وعثمان بك حسن بقنا ومحمد بك المعروف بالغربية الابراهيمي يوصونهم ويحذرونهم من التفريط في الالفي الصغير والكبير ان وردا عليهما
واما شاهين بك فانه عدى الى الشرقية واجتهد في التفتيش ثم رجع في يوم الثلاثاء المذكور وامامه العرب المتهمون بانهم يعرفون طريقه وأنهم أدركوه فأعطاهم جوهرا كثيرا وتركوه وأحضروا صحبتهم حقا من خشب وجدوه مرميا في بعض الطرق فأحضر البرديسي مماليك الالفي وأراهم ذلك الحق فقالوا نعم كان مع استاذنا وفي داخله جوهر ثمين وارسلوا عدة من المماليك والهجانة الى الطريق التي ذكرها العرب وأحضر البرديسي ابن شديد وسأله فأخبره انه لم يكن حاضرا في نجعة وان أمه أو خالته هي التي اعطته الفرس والهجانة فوبخه ولامه فقال له هذه عادة العرب من قديم الزمان يجيرون طنيبهم ولا يخفرون ذمتهم
فحبسه أياما ثم اطلقه وقيل انه مر (2/631)
عليه علي بك أيوب ومحمد علي ومن معهم من العسكر وهو في خيش العرب وهو يراهم وأعماهم الله عن تفتيش النجع وعن السؤال أيضا
وفي ذلك اليوم خرج عثمان بك يوسف وحسين بك الوالي وأحمد أغا شويكار الى جهة الشرقية ومرزوق بك الى القليوبية يفتشون على الالفي
وفيه شرعوا في تشهيل تجريدة الى الالفي الصغير وأميرها شاهين بك وصحبته محمد بك المنفوخ وعمر بك وابراهيم كاشف
وفي يوم الجمعة ثاني عشره سافرت قافلة الحاج بالمحمل الى السويس
وفي يوم السبت حضر علي بك ايوب ومحمد علي من سرحتهما على غير طائل
وفيه سافر قنصل الانكليز من مصر بسبب هذه الحادثة فانه لما وقع ذلك اجتمع بابراهيم بك والبرديسي وتكلم معهما ولامهما على هذه الفعلة وكلمهما كلاما كثيرا منه انه قال لهما هذا الذى فعلتماه لاجل نهب مال القرالي ومطلوب مني اربعة آلاف كيس وهي البوليصة الموجهة على الالفي وغير ذلك فلاطفاه وأراد منعه من السفر فقال لا يمكن اني أقيم ببلدة هذا شأنها وطريقتنا لانقيم الا في البلدة المستقيمة الحال ثم نزل مغضبا وسافر وأراد ايضا قنصل الفرنسيس السفر فمنعاه
وفي يوم السبت طلب العسكر جماكيهم من الامراء وشددوا في الطلب واستقلوا الامراء في أعينهم وتكلموا مع محمد علي وأحمد بك وصادق أغا كلاما كثيرا فسمعوا في الكلام مع الامراء المصرلية فوعدوهم الى يوم الثلاثاء ومات بقطر المحاسب كاتب البرديسي يوم الاحد فلما كان يوم الثلاثاء اجتمع العسكر ببيت محمد علي وحصل بعض قلقة فحولهم على القبط بمائتي الف ريال منها خمسون على غالي كاتب الالفي وثلاثون على تركة بقطر المحاسب والمائة والعشرون موزعة عليهم فسكن الاضطراب قليلا
وفي يوم الثلاثاء المذكور رجع مرزوق بك من القليوبية
وفي يوم الاربعاء سابع عشره توفي ابراهيم افندى الروزنامجي وفيه (2/632)
حصل رجات وقلقات بسبب العسكر وجماكيهم وأرادوا أخذ القلعة فلم يتمكنوا من ذلك وقفل الناس دكاكينهم وقتلوا رجلا نصرانيا عند حارة الروم وخطفوا بعض النساء وامتعة وغير ذلك وركب محمد علي ونادى بالامان
وفي يوم السبت عشرينه حضر سليمان كاشف البواب بالامان ودخل الى مصر
وفي يوم الاحد أفرجوا عن كشاف الالفي المحبوسين
وفيه حضر عثمان بك يوسف من ناحية الشرقية واستمر هناك حسين بك الوالي ورستم بك وذهب المنفوخ واسمعيل بك الى ناحية شرق اطفيح لانه اشيع ان الالفي ذهب عند عرب المعازة فقبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وأرسلوا مائة هجان الى جميع النواحي واعطوهم دراهم يفتشون على الالفي
وفيه شرعوا في عمل فردة على أهل البلد وتصدى لذلك المحروقي وشرعوا في كتب قوائم لذلك ووزعوها على العقار والاملاك اجرة سنة يقوم بدفع نصفها المستأجر والنصف الثاني بدفعه صاحب الملك
وفي يوم الاربعاء رابع عشرينه شرح كتاب الفردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الاجناد وطافوا بالاخطاط يكتبون قوائم الاملاك ويصقعون الاجر فنزل بالناس مالا يوصف من الكدر مع ما هم فيم من الغلاء ووقف الحال وذلك خلاف ما قرروه على قرى الارياف فلما كان في عصر ذلك اليوم نطق افواه الناس بقولهم الفردة بطالة وباتوا على ذلك وهم ما بين مصدق ومكذب
وفي يوم الخميس خامس عشرينه اشيع ابطال الفردة مع سعي الكتبة والمهندسين في التصقيع والكتابة وذهبوا الى نواحي باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى فضج الفقراء والعامة والنساء وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلاما على الامراء مثل قولهن ايش تأخذ من تفليسي با برديسي وصبغن أيديهن (2/633)
بالنيلة وغير ذلك فاقتدى بهن خلافهن وخرجوا ايضا ومعهم طبول وبيارق وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع الكثير الى الجامع الازهر وذهبوا الى المشايخ فركبوا معهم الامراء ورجعوا ينادون بأبطالهم
وسر الناس بذلك وسكن اضطرابهم وفي وقت قيام العامة كان كثير من العسكر منتشرين في الاسواق فداخلهم الخوف وصاروا يقولون لهم نحن معكم سواسو انتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفردة وعلوفاتنا على الميرى ليست عليكم أنتم اناس فقراء فلم يتعرض لهم أحد
وحضر كتخدا محمد علي مرسلا من جهته الى الجامع الازهر وقال مثل ذلك ونادى به في الاسواق ففرح الناس وانحرفت طباعهم عن الامراء ومالوا الى العسكر وكانت هذه الفعلة من جملة الدسائس الشيطانية
فان محمد علي لما حرش العساكر على محمد بك باشا خسروا وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والارنؤد ثم بالاتراك عليه حتى أوقع به أيضا وظهر أمر أحمد باشا وعرف انه ان تم له الامر ونما أمر الاتراك لا يبقون عليه فعاجله وأزاله بمعونة الامراء المصرلية واستقر معهم حتى أوقع باشتراكهم قتل الدفتردار والكتخدا ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيرا ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه
كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصا البرديسي فانه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر واغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدقه وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه وتحصن بعساكره واقامهم حوله في الابراج وفعل بمعونتهم ما فعله بالالفي واتباعه وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعملوا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستضعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الاحجام خوفا من قيام أهل البلد معهم ولعلمهم بميلهم الباطني اليهم فاضطروهم الى عمل هذه الفردة ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل
وعند ذلك تبرأ (2/634)
محمد علي والعسكر من ذلك وساعدوهم في رفعها عنهم فمالت قلوبهم اليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا الى الله في إزالة الامراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم وتحقق العسكر منهم ذلك وانحرف الامراء على الرعية باطنا بل اظهر البرديسي الغيظ والانحراف من أهل مصر وخرج من بيته مغضبا الى جهة مصر القديمة وهو يلعن أهل مصر ويقول لا بد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لاوامرنا ثم اخذوا يدبرون على العسكر وارسلوا الى جماعتهم المتفرقين في الجهات القبلية والبحرية يطلبونهم للحضور فأرسلوا الى حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية واسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومحمد بك المنفوخ ليأتيا من شرق اطفيح والفريقان كانوا لرصد الالفي وانتظاره وارسلوا الى سليمان بك حاكم الصعيد بالحضور من اسيوط بمن حوله من الكشاف والامراء والى يحيى بك حاكم رشيد واحمد بك حاكم دمياط واصعدوا محمد باشا المحبوس الى القلعة وعلم الانؤدية منهم ذلك فبادروا واجتمعوا بالازبكية في يوم الاحد ثامن عشرينه فارتاع الناس واغلقوا الحوانيت والدروب وذهب جمع من العسكر الى ابراهيم بك واحتاطوا بمهمات بيته بالداودية وكذلك ببيت البرديسي بالناصرية وتفرقوا على بيوت باقي الامراء والكشاف والاجناد
وكان ذلك وقت العصر والبرديسي عنده عدة كبيرة من العسكر المختصين به ينفق عليهم ويدر عليهم الارزاق والجماكي والعلوفات ومنهم الطبجية وغيرهم وعمر قلعة الفرنسيس التي فوق تل العقارب بالناصرية وجددها بعد تخريبها ووسعها وانشأ بها اماكن وشحنها بآلات الحرب والذخيرة والجبخانة وقيد بها طبجية وعساكر من الآرنؤدية وذلك خلاف المتقيدين بالابراج والبوابات التي انشأها قبالة بيته بالناصرية جهة قناطر السباع والجهة الاخرى كما سبق ذكر ذلك
فلما علم بوصول العساكر حول دائرته وكان جالسا صحبة عثمان بك يوسف فقام وقال له كن أنت في مكاني هنا حتى اخرج وارتب الامر وارجع اليك وتركه وركب الى خارج فضربوا عليه بالرصاص (2/635)
فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة وذهب الى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب وكان العسكر نقبوا نقبا من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والاجناد فقاتلوا من وجدوه واوقعوا النهب في الدار وانضم اليهم اجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤس وتسلمهم طائفة منهم على تلك الصورة وذهبوا بهم الى جهة الصليبة فأودعوهم بدار هناك
وفي سابع ساعة من الليل ارسل محمد علي جماعة من العسكر ومعهم فرمان وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الاسكندرية بولايته على مصر فذهبوا به الى القاضي واطلعوه عليه وامروه أن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط علم الناس بذلك
فلما أصبح أرسل اليهم فقالوا لا تصح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة فأرسله اليهم واطلعوا عليه وأشيع بين الناس
واما ابراهيم بك فأنه استمر مقيما ببيته بالداودية وامر مماليكه واتباعه ان يجلسوا برؤس الطرق الموصلة اليه فجلس منهم جماعة وفيهم عمر بك تابعه بسبيل الدهيشة المقابل لباب زويله وكذلك ناحية تحت الربع والقربية وجهة سويقة لاجين والداودية وصار العسكر يضربون عليهم وهم كذلك ودخل عليهم الليل فلم يزالوا على ذلك الى الصباح واضمحل حالهم وقتل الكثير من المماليك والاجناد ووصل اليهم خبر خروج البرديسي فعند ذلك طلبوا الفرار والنجاة بارواحهم
وعلم ابراهيم بك بخروج البرديسي وأنه ان استمر على حاله أخذ فركب في جماعته في ثاني ساعة من النهار وخرجوا على وجوههم والرصاص يأخذهم من كل ناحية فلم يزل سائرا حتى خرج الى الرميلة وهدم في طريقه أربعة متاريس وأصيب بعض مماليك وخيول وخدامين واصيب رضوان كتخداه وطلعت روحه عند الرميلة فأنزلوه عند باب العزب وأخذوا ما معه من جيوبه ثم شالوه الى داره ودفنوه (2/636)
وقبضوا على عمر بك تابع الاشقر الابراهيمي من سبيل الدهيشة هو ومماليكه
وأما الذين بالقلعة من الامراء فأنهم اصبحوا يضربون بالمدافع والقنابر على بيوت الارنؤد بالازبكية الى الضحوة الكبرى فلما تحققوا خروج ابراهيم بك والبرديسي ومن أمكنه الهروب لم يسعهم الا انهم ابطلوا الرمي وتهيؤا للفرار ونزلوا من باب الجبل ولحقوا بابراهيم بك وعند نزولهم ارادوا اخذ محمد باشا وعلي باشا القبطان وابراهيم باشا فقام عليهم عسكر المغاربة ومنعوهم من اخذهم ونهب المغاربةالضربخانة وما فيها من الذهب والفضة والسبائك حتى العدد والمطارق وتسلم العسكر القلعة من غير مانع ولم تثبت المصرلية للحرب نصف يوم في القلعة ولم ينفع اهتمامهم بها طول السنة من التعمير والاستعداد وما شحنوه بها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وملؤا ما بها من الصهاريج بالماء الحلوه وقام أحمد بك الكلارجي وعبد الرحمن بك الابراهيمي وسليم اغا مستحفظان من وقت مجيئهم الى مصر متقيدين ومرتبطين بها ليلا ونهارا لا ينزلون الى بيوتهم الا ليلة في الجمعة بالنوبة اذا نزل احدهم اقام الآخران وطلع محمد علي اليها ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه امامهم المنادى ينادى بالامان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي واشيع في الناس رجوع محمد باشا الى ولاية مصر فبادر المحروقي الى المشايخ فركبوا الى بيت محمد علي يهنون الباشا بالسلامة والولاية وقدم له المحروقي هدية واقام على ذلك بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فكان مدة حبسه ثمانية اشهر كاملة فأنه حضر الى مصر بعد كسرته بدمياط في آخر ربيع الاول وهو اخر يوم منه واطلق في آخر يوم من ذي القعدة وخرج الامراء على اسوا حال من مصر ولم يأخذوا شيئا مما جمعوه وكنزوه من المال وغيره الا ما كان في جيوبهم او كان منهم خارج البلد مثل سليم كاشف ابي دياب فأنه كان مقيما بقصر العيني او الغائبين منهم جهة قبلي وبحرى
واما من كان داخل البلد فأنه لم يخلص له سوى ما كان في جيبه فقط ونهب العسكر اموالهم وبيوتهم (2/637)
وذخائرهم وامتعتهم وفرشهم وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن وتسلطوا على بعض بيوت الاعيان من الناس المجاورين لهم ومن لهم بهم ادنى نسبة او شبهة بل وبعض الرعية الا من تدراكه الله برحمته او التجأ الى بعض منهم او صالح على بيته بدراهم يدفعها لمن التجأ اليه منهم ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها مالا يوصف من تلك الامور وخربوا اكثر البيوت واخذوا اخشابها ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والادهان وكان شيئا كثيرا وصاروا يبيعونه على من يشتريه من الناس ولولا اشتغالهم بذلك لما نجا من الامراء المصرلية الذين كانوا بالبلدة أحد
ولو رجع الامراء عليهم وهم مشتغلون بالنهب لتمكنوا منهم ولكن غلب عليهم الخوف والحرص على الحياة والجبن وخابت فيهم الظنون وذهبت نفختهم في الفارغ وجازاهم الله ببغيهم وظلمهم وغرورهم وخصوصا ما فعلوه مع علي باشا من الحيل حتى وقع في أيديهم ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله ثم طردوه وقتلوه فأنه وان كان خبيثا لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الالفي الكبير بعد ما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة وقاسى هول الاسفار والفراتين في البحار فجازوه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل اتباعه وحبسهم وبلصهم واتخذوهم أعداء واخصاما من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم الا الحسد والحقد وحذرا من رآسته عليهم وكانت هذه الفعلة سببا لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في اعينهم فان الالفي واتباعه كانوا يرون في انفسهم ان الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم من مغارم الفلاحين وطلب الكلف فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى الى ان حصل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة وخصوصا كونها على يد هؤلاء (2/638)
وكانوا يرون في أنفسهم ان الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا انهم صاروا أتباعهم وجندهم مع انهم كانوا قادرين على ازالتهم من الاقليم وخصوصا عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا واخرجوا جميع العسكر وحازوهم الى جهة البحر وحصنوا ابواب البلد بمن يثقون به من اجنادهم ورسموا لهم رسوما امتثلوها فلو ارسلوا لهم بعد ايقاعهم بعلي باشا اقل اتباعهم وامروهم بالرحلة لما وسعتهم المخالفة حتى ظن كثير ممن له ادنى فطنه حصول ذلك فكان الامر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم ودخولهم الى المدينة ثانيا وعند ذلك تحقق لذوى الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الالفي وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون اتباعه ويخشونهم وخصوصا لما سمعوا بوصوله على الهيئة المجهولة لهم داخلهم من ذلك امر عظيم استمر في اخلاطهم يوما وليلة الى ان اجلاه البرديسي ومن معه يشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم وفرقوا جمعهم في النواحي حرصا على قتل الالفي واتباعه فعند ذلك زالت هيبتهم من قلوب العسكر واوقعوا بهم ما اوقعوا ولا يحيق المكر السيء الا باهله
شهر ذى الحجة الحرام استهل بيوم الثلاثاء سنة
فيه قلدوا علي أغا الشعراوى واليا على مصر
وفيه نهبوا بيت محمد أغا المحتسب وقبضوا عليه وحبسوه
وفي ليلة الاربعاء انزلوا محمد باشا خسروا وابراهيم باشا الى بولاق وسفروهما الى بحرى ومعهما جماعة من العسكر وكانت ولايته هذه الولاية الكذابة شبيهة بولاية احمد باشا الذى تولى بعد قتل طاهر باشا يوما ونصفا وكان قد اعتقد في نفسه رجوعه لولاية مصر حتى انه لما نزل من القلعة الى بيت محمد علي نظر الى بيته من الشباك مهدوما منخربا فطلب في ذلك الوقت المهندسين وامرهم بالبناء وذلك من وساوسه يقال (2/639)
ان السبب في سفره اخوة طاهر باشا فأنهم داخلهم غيظ شديد ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم انه لا يستقيم حاله معهم وربما تولد بذلك شر فعجل بسفره وذهابه
ومن الاتفاقيات العجيبة أيضا ان طاهر باشا لما غدر بمحمد باشا اقام بعده اثنين وعشرين يوما وكذلك لما غدر المصرلية بالالفي لم يقيموا بعد ذلك الامثل ذلك
وفيه صعد عابدى بك اخو طاهر باشا بالقلعة واقام بها
وفي ليلة الخميس ثالثة اطلقوا عثمان بك يوسف وسافر الى جماعته جهة قبلي يقال انه افتدى نفسه منهم بمال واطلقوه ومعه خمسة مماليك واعطوه خمسة جمال واربعة هجن وخيلا
وفيه افرجوا عن محمد آغا المحتسب وابقوه في الحسبة على مصلحة عملوها عليه وقام بدفعها وركب وشق في المدينة وعمل تسعيرة ونادى بها في الشوارع والاسواق واما الامراء فأنهم باتوا اول ليلة جهة البساتين وفي ثاني يوم ذهبوا الى حلوان وحضر اليهم حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية ومروا من تحت القلعة وانفصلوا من العسكر الذين كانوا معهم في الطرية وتركوا لهم الحملة ووصل اليهم أيضا يحيى بك من ناحية رشيد وأحمد بك من دمياط وذهبوا اليهم ووصل يحيى بك من ناحية الجيزة ونهبوا البلاد وأكلوا الزروعات واستمروا على ذلك وانتشروا الى ان صارت اوائلهم بزاوية المصلوب وأواخرهم بالجيزة
وفيه كتبوا مكاتبات من نساء الامراء المصرلية بأنهم لا يتعرضون لاحد من العساكر الكائنة بقبلي وان قتل منهم أحد اقتصوا من حريمهم واولادهم بمصر
وفي يوم الجمعة حضر محمد بك المبدول بأمان ودخل الى مصر
وفي يوم الاحد سادسه اصعدوا عمر بك وبقية الكشاف وبعض الاجناد المصرية الى القلعة (2/640)
وفيه عدى كثير من العسكر الى بر الجيزة ووقع بينهم وبين العرب بعض مناوشات وقتل أناس كثيرة من الفريقين
وفي سابعه ظهر محمد بك الالفي الكبير من اختفائه وكان متواريه بشرقية بلبيس برأس الوادى عند شخص من العربان يسمى عشيبة فأقام عنده مدة هذه الايام وخلص اليه صالح تابعه بما معه من المال وكان البرديسي استدل على مكانه واحضر اناسا من العرب وجعل لهم مالا كثيرا عليه واخذوا في التحيل عليه فحصلت هذه الحوادث وجوزى البرديسي بنيته وخرج من مصر كما ذكر وكانوا في تلك المدة يشيعون عليه اشاعات مرة بموته ومرة بالقبض عليه وغير ذلك فلما حصل ما حصل وانجلت الطرق من المراصدين اطمأن حينئذ وركب في عدة من الهجانة وصحبته صالح بك وتابعه ومروا من خلف الجبل وذهب الى شرق اطفيح ونزل عند عرب المعازة وتواتر الخبر بذلك
وفي تاسعه وصل احمد باشا خورشيد الى منوف فتقيد السيد أحمد المحروقي وجرجس الجوهرى بتصليح بيت ابراهيم بك بالداودية وفرشه
وفي ليلة الاثنين رابع عشره وصل الباشا الى ثغر بولاق فضربوا شنكا ومدافع وخرج العساكر في صبحها والوجاقلية وركب ودخل من باب النصر وأمامه كبار العساكر بزينتهم ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية ودخل الى الدار التي أعدت له بالداودية وقدموا له التقادم وعملوا بها تلك الليلة شنكا وسواريخ
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره مر الوالي وامامه المنادى وبيده فرمان من الباشا ينادى به على الرعية بالامن والامان والبيع والشراء
وفي منتصفه حضر عبد الرحمن بك الابراهيمي وكان في بشبيش بناحية بحرى فطلب امانا وحضر الى مصر
وفي يوم الجمعة تحول الباشا من الداودية الى الازبكية وسكن ببيت البكرى حيث كان حريم محمد باشا فركب قبل الظهر في موكب وذهب (2/641)
الى المشهد الحسيني وصلى الجمعة هناك ورجع الى الازبكية
وفيه فتحوا طلب مال الميرى من السنة القابلة لضرورة النفقة فاغتم الملتزمون لذلك لضيق الحال وتعطل الاسباب وعدم الامن وتوالى طلب الفرد من البلاد فلو فضل للملتزم شيء لا يصل اليه الا بغاية المشقة وركوب الضرر لوثوب الخلائق من العربان والفلاحين والاجناد والعساكر على بعضهم البعض من جميع النواحي القبلية والبحرية ثم ان الوجاقلية وبعض المشايخ راجعوا في ذلك فانحط الامر بعد ذلك على طلب نصف مال الميرى من سنة تسعة عشر وبواقي سنة سبعة عشر وثمانية عشر وكذلك باقي الحلوان الذى تأخر على المفلسين وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد هذا والاجناد والعرب محيطة ببر الجيزة والعسكر من داخل الاسوار لا يجسرون على الخروج اليهم وحجزوا المراكب الواردة بالغلال وغيرها حتى لم يبق بالسواحل شيء من تلك الغلة أبدا ووصل سعر الادرب القمح ان وجد خمسة عشر ريالا
وفي يوم الاحد عشرينه وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد فدخلوا الى البلدة وأزعجوا كثيرا من الناس وسكنوا البيوت بمصر القديمة بعد ما أخرجوهم منها واخذوا فرشهم ومتاعهم وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحرى
وفيه قلدوا الحسبة لشخص عثمانلي من طرف الباشا وعزلوا محمد اغا المحتسب وكذلك عزلوا على آغا الشعراوى وقلدوا الزعامة لشخص آخر من اتباع الباشا وقلدوا اخر آغات مستحفظان
وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه خرجت عساكر كثيرة وعدت الى البر الغربي ووقعت في صبحها حروب بينهم وبين المصرلية والعربان وكذلك في ثاني يوم دخلت عساكر جرحى كثيرة وعملوا لهم متاريس عند ترسة والمعتمدية وتترسوا بها والمصرلية والعربان يرمحون من خارج وهم (2/642)
لا يخرجون البهم من المتاريس واستمروا على ذلك الى يوم الاحد سابع عشرينه
وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع ورجع محمد علي والكثير من العساكر واشيع ترفع المصرلية الى فوق ووقع بين العربان اختلاف واشاعوا نصرتهم على المصرلية وانهم قتلوا منهم أمراء وكشافا ومماليك وغير ذلك
وفي ذلك اليوم شنقوا شخصا بباب زويلة وآخر بالحبانية وهما من الفلاحين ولم يكن لهما ذنب قيل انه وجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب فقالوا انكم تأخذونه الى المحاربين وكان شيئا قليلا
وفيه نزل جماعة من العسكر جهة قبة الغورى ومعهم نحو ثلاثين نفرا بجمالهم فقرطوا القمح المزروع وكان قد بدا صلاحه فطارت عقول الفلاحين واجتمعوا وتكاثروا عليهم وقبضوا على ثلاثة اشخاص منهم وهرب الباقون فدخلوا بهم المدينة ومعهم الاحمال وصحبتهم طبل وأطفال ونساء وذهبوا تحت بيت الباشا فأمر بقتل شخص منهم لانه شامي وليس بارنؤدى ولا انكشارى فقتلوه بالازبكية فوجدوا على وسطه ستمائة بندقي ذهب وثلثمائة محبوب ذهب والله اعلم وانقضت السنة وما حصل بها من الحوادث
وأما من مات فيها ممن له ذكر
فمات الفقيه العلامة والتحرير الفهامة الشيخ احمد اللحام اليونسي المعروف بالعريشي الحنفي حضر من بلدته خان يونس في سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وحضر أشياخ الوقت وأكب على حضور الدروس وأخذ البيلي والشيخ محمد الجناجي والصبان والفرماوى وغيرهم وتفقه على الشيخ عبد الرحمن ولازمه وبه تخرج وحضر على شيخ الوالد في الدر المختار من أول كتاب البيوع الى كتاب الاجارة بقراءته وذلك سنة اثنتين وثمانين ومائة والف ولم يزل ملازما للشيخ عبد الرحمن (2/643)
ملازمة كلية وسافر صحبته الى اسلامبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم وعاد صحبته الى مصر ولم يزل ملازما له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته فأوصى اليه بجميع كتبه واستقر عوضه في مشيخة روانق الشوام وقرأ الدروس في محله وكان فصيحا من المعقولات والمنقولات وقصدته الناس في الافتاء واعتمدوا اجوبته وتداخل في القضايا والدعاوى واشتهر ذكره واشترى دارا واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له اتباع وخدم وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم اليه وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر اشهرا ولما حضرت الفرنساوية الى مصر وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة والبسه كلهبر سارى عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة وركب يصحبه قائمقام في موكب الى المحكمة وفوضوا اليه امر النواب بالاقاليم ولما قتل كلهبر انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه ثم تبينت براءته من ذلك الى ان رتبوا الديوان في آخر مدتهم ورسم عبد الله جاك منو باختيار قاض بالقرعة فلم تقم الا على المترجم فتولاه ايضا وخلعوا عليه وركب مثل الاول الى المحكمة واستمر بها الى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والافتاء ثم قصد الحج في هذه السنة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه وتوفي ودفن بنبط رحمه الله
ومات الشيخ الامام العمدة الفقيه الصالح المحقق الشيخ علي المعروف بالخياط الشافعي حضر أشياخ الوقت وتفقه على الشيخ عيسى البراوى ولازم دروسه وبه تخرج واشتهر بالعلم والصلاح واقرأ الدروس الفقهية والمعقولية وانتفع به الطلبة وانقطع للعلم والافادة ولما وردت ولاية (2/644)
جدة لمحمد باشا توسون طلب انسانا معروفا بالعلم والصلاح فذكر له الشيخ المترجم فدعاه اليه واكرمه واساه واحبه وأخذه صحبته الى الحجاز وتوفي هناك رحمه الله
ومات الرئيس المبجل المهذب محمد افندي باش جاجرت الروزنامة وأصله تربية محمد افندى كاتب كبير الينكجرية وتمهر في صنعة الكتابة وقوانين الروزنامة وكان لطيف الطبع سليم الصدر محبوبا للناس
مشهور بالذوق وحسن الاخلاق مهذبا في نفسه متواضعا يسعى في حوائج اخوانه وقضاء مصالحهم المتعلقة بدفاترهم قانعا بحاله مترفها في مآكله وملبسه واقتنى كتبا نفيسة ومصاحف وتجتمع ببيته الاحباب ويدير عليهم سلاف انسه المستطاب مع الحشمة والوقار وعدم الملل والغفار ولما اختلفت الاحوال وترادفت الفتن ضاق صدره من ذلك واستوحش من مصر وأحوالها فقصد الهجرة بأهله وعياله الى الحرمين وعزم على الاقامة هناك فلما حصل هناك رأى فيها الاختلاف والخلل كذلك بسبب ظلم الشريف غالب وأتباعه واغارة الوهابيين على الحرمين وفتن العربان فلم يستحسن الاقامة هناك واشتاق لوطنه فعزم على العودة الى مصر فمرض بالطريق وتوفي ودفن بالينبع رحمه الله
ومات الامير حسين بك الذى عرف بالوشاش وهو من مماليك محمد بك الالفي وكان يعرف اولا بكاشف الشرقية لانه كان تولى كشوفيتها وكان صعب المراس شديد الباس قوى الجنان قلبه مع نحافة جسمه أعظم من جبل لبنان لا يهاب كثرة الجنود وتخشى سطوته الاسود ولما أجمعوا على خيانة الالفي واتباعه قال لهم ابراهيم بك الكبير على ما بلغنا لا يتم مرامكم بدون البداءة بالمترجم فان امكنكم ذلك والا فلا تفعلوا شيئا فلم يزالوا يدبرون عليه ويتملقونه له ويظهرون له خلاف ما يبطنون حتى تمكنوا من غدره على الصورة المتقدمة وسبب تلقبه بالوشاش انه كان طلع لملاقاة الحجاج بمنزلة الوش في سنة ورود الفرنساوية فلما (2/645)
لاقى الحجاج وامير الحاج صالح بك رجع صحبتهم الى الشام وحصل منه بعد ذلك المواقف الهائلة مع الفرنساوية مع أستاذه ومنفردا في الجهات القبلية والشامية ولما انجلت الحوادث وارتحلت الفرنساوية من الديار المصرية واستقرت المصريون بعد حوادث العثمانية تأمر المترجم في ستة عشر صنجقا المتأمرين وظهر شأنه واشتهر فيما بينهم ونفذت اوامره فيهم ونغص عليهم وناكدهم وعاندهم وأغار على ما بأيديهم حتى ثقلت وطأته عليهم فلم يزالوا يحتالون عليه حتى أوقعوه في حبال صيدهم وهو لا يخطر بباله خيانتهم وغدروه بينهم كما ذكر
ومات الامير رضوان كتخدا ابراهيم بك وهو أغنى مماليكه رباه واعتقه وجعله جوخداره وكان يعرف اولا برضوان الجوخدار واستمر في الجوخدارية مدة طويلة ولما رجع مع أستاذه في أواخر سنة خمس ومائتين وألف بعد موت اسمعيل بك وأتباعه الى مصر ارخى لحيته وتقلد كتخدائية استاذه وتزوج ببعض سراريه وسكن دار عبدى بك بناحية سويقة العزى ثم انتقل منها الى دار مكة على بركة الفيل تجاه بيت شكر فره وعمرها وصارت له وجاهة بين الامراء والاعيان وباشر فصل الخصومات والدعاوى وازدحم الناس ببيته واشتهر ذكره وعظم شأنه وقصدته ارباب الحاجات وأخذ الرشوات والجعالات وكان يقرأ ويكتب ويناقش ويحاجج ويعاشر الفقهاء ويباحثهم ويميل بطبعه اليهم ويحب مجالستهم ولا يمل منهم وعنده حلم وسعة صدر وتؤدة وتأن في الامور واذا مهر له الحق لا يعدل عنه وعنده دهقنة ومداهنة وقوة خرم ولما حضر علي باشا الطرابلسي على الصورة المتقدمة كان المترجم والمتعين في الارسال اليه فلم يزل يتحيل عليه حتى انخدع له وادخل رأسه الجراب وصدق تمويهاته وحضر به الى مصر وأوردوه بعد الموارد وحاز بذلك منقبة بين اقرانه ونوه بعد بشأنه وخلعوا عليه الخلع وعرضوا عليه الامارة فأباها واستمر على حالته معدودا في ارباب الرياسة وتأتي الامراء الى (2/646)
داره ولم يزل حتى ثارت العسكر على من بالبلدة من الامراء وحصروا ابراهيم بك ببيته في ثاني يوم هاربا والمترجم خلفه والرصاص يأخذهم من كل ناحية فأصيب في دماغه فمال عن جواده واستند على الخدم وذلك جهة الدرب الاحمر فلم يزل في غشوته حتى خرجت روحه بالرميلة فأنزلوه عند باب العزب واحتاط به المتقيدون بالباب واخذوا ما في جيوبه ثم احضروا له تابوتا وحملوه فيه الى داره فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة سامحه الله فانه كان من خيار جنسه لولا طمع فيه ولقد بلوته سفرا وحضرا يافعا وكهلا فلم ار ما يشينه في دينه غفوفا طاهر الذيل وقورا محتشما فصيح اللسان حسن الرأى قليل الفضول جيد النظر
ومات العمدة الشريف السيد ابراهيم افندى الروزنامجي وهو ابن اخي السيد محمد الكماحي الروزنامجي المتوفي سنة سبع ومائتين والف واصلهم روميون الجنس وكان في الاصل جربجيا ثم عمل كاتب كشيدة وكان يسكن دارا صغيرة بجوار دار عمه واستمر على ذلك خامل الذكر فلما توفي عمه السيد محمد انتبذ عثمان افندى العباسي المنفصل عن الروزنامة سابقا يريد العود اليها عن شوق وتطلع لها وظنه شغور المنصب عن المتأهل اليه سواه فلم تساعده الاقدار لشدة مراسه وسأل ابراهيم بك عن شخص من اهل بيت المتوفي فذكر له السيد ابراهيم المرقوم وخموله وعدم تحمله لاعباء ذلك المنصب فقال لا بد من ذلك قطعا لطمع المتطلعين والتزم بمراعاته ومساعدته وطلبه ونقله من حضيض الخمول الى اوج السعادة والقبول فتقلد ذلك وساس الامور بالرفق والسير الحسن واشترى دارا عظيمة بدرب الاغوات وسكنها واستمر على ذلك الى ان ورد الفرنساوية الى مصر فخرج من خرج هاربا الى الشام ثم رجع مع من رجع ولم يزل حتى تمرض وتوفي في يوم الاربعاء سادس عشر القعدة من السنة رحمه الله تعالى (2/647)
واستهلت سنة تسعة عشر ومائتين والف
فكان ابتداء المحرم بيوم الخميس فيه ركب الوالي العثملي وشق من وسط المدينة فمر على سوق الغورية فأنزل الغورية فأنزل شخصا من ابناء التجار المحتشمين وكان يتلو في القرآن فأمر الاعوان فسحبوه من حانوته وبطحوه على الارض وضربوه عدة عصي من غير جرم ولا ذنب وقع منه ثم تركه وسار الى الاشرفية فأنزل شخصا من حانوته وفعل به مثل ذلك فأنزعج اهل الاسواق واغلقوا حوانيتهم واجتمع الكثير منهم وذهبوا الى بيت الباشا يشكون فعل الوالي وسمع المشايخ بذلك فركبوا ايضا الى بيت الباشا وكلموه فأظهر الحنق والغيظ على الوالي ثم قاموا وخرجوا من عنده فتبعهم بعض المتكلمين في بيت الباشا وقال لهم ان الباشا يريد قتل الوالي والمناسب منكم الشفاعة فرجعوا الى الباشا وشفعوا في الوالي وأرسل سعيد أغا الوكيل وأحضروا له المضروب وأخذ بخاطره وطيب نفسه بكلمات ورجع الجميع كما ذهبوا وظنوا عزل الوالي فلم يعزل
وفيه رجع المصرلية والعربان وانتشروا بأقليم الجيزة حتى وصلوا الى انبابة وضربوها ونهبوها وخرج اهلها على وجوههم وعدوا الى البر الشرقي وأخذ العسكر في اهبة التشهيل والخروج لمحاربتهم
وفي يوم الجمعة ثانية سافر السيد علي القبطان الى جهة رشيد وخرج بصحبته جماعة كثيرة من العساكر الذين غنموا الاموال من المنهوبات فاشتروا بضائع وأسبابا ومتاجر ونزلوا بها صحبته وتبعهم غيرهم من الذين يريدون الخلاص والخروج من مصر فركب محمد علي الى وداع السيد علي المذكور ورد كثيرا من العساكر المذكورة ومنعهم عن السفر
وفي سادسه خرج محمد علي وأكابر العسكر بعساكرهم وعدوا الى برانبابة ووصلوا ونصبوا وطاقهم وعملوا لهم عدة متاريس وركبوا عليها المدافع واستعدوا للحرب فلما كان يوم الاحد حادى عشره كبس المماليك والعربان وقت الغلس على متاريس العسكر وحملوا على متراس (2/648)
حملة واحدة فقتلوا منهم وهرب من بقى والقوا بأنفسهم في البحر فاستعد من كان بالمتاريس الآخر وتابعوا رمي المدافع وخرجوا للحرب ووقع بينهم مقتلة عظيمة ابلى فيها الفريقان نحو أربع ساعات ثم انجلت الحرب بينهم وترفع المصرلية والعربان وانكفوا عن بعضهم وفي وقت الظهر أرسلوا سبعة رؤوس من الذين قتلوا من المصرلية في المعركة وشقوا بهم المدينة ثم علقوها بباب زوبلة وفيهم رأس حسين بك الوالي وكاشفين ومنهم حسن الكاشف الساكن بحارة عابدين ومملوكان وعلقوا عند رأس حسين بك الوالي المذكور صليبا من جلد زعموا انهم وجدوه معه وأصيب اسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومات بعد ذلك ودفن بأبي صير
وفي ثاني عشره حصلت اعجوبة ببيت بالقربية به بغلة تدور بالطاحون فزنقوها بالادارة فاسقطت حملا ليس فيه روح فوضعوه في مقطف ومروا به من وسط المدينة وذهبوا به الى بيت القاضي وأشيع ذلك بين الناس وعاينوه
وفي يوم السبت سابع عشره حضر علي كاشف المعروف بالشغب بثلاث معجمات وتشديد الشين وفتح الغين وسكون الباء رسولا من جهة الالفي ووصل الى جهة البساتين وأرسل الى المشايخ يعلمهم بحضوره لبعض اشغال فركب المشايخ الى الباشا واخبروه بذلك فاذن بحضوره فحضر ليلا ودخل الى بيت الشيخ الشرقاوى فلما اصبح النهار اشيع ذلك وركب معه المشايخ والسيد عمر النقيب وذهبوا به الى بيت الباشا فوجدوه راكبا في بولاق فانتظروه حصة الى ان حضر فتركوا عنده على كاشف المذكور ورجعوا الى بيوتهم واختلى به الباشا حصة وقابله بالبشر ثم خلع عليه فروة سمور وقدم له مركوبا بعدة كاملة وركب الى بيته وأمامه جملة من العسكر مشاة وقدم له محمد علي أيضا حصانا
وفيه شرعوا في عمل شركفلك للحرب بالازبكية
وفي يوم الاثنين تاسع عشره ورد ططرى وعلى يده بشارة الباشا (2/649)
بتقليده ولاية مصر ووصول القابجي الذي معه التقليد والطوخ الثالث الى رشيد وطوخان لمحمد علي وحسن بك أخي طاهر باشا وأحمد بك فضربوا عدة مدافع وذهب المشايخ والاعيان للتهنئة
وفي يوم الثلاثاء قتل الباشا اشخاص احدهم رجل سروجي وسبب ذلك ان الرجل السروجي له أخ اجير عند بعض الاجناد المصرلية فأرسل لاخيه فاشترى له بعض ثياب ونعالات وأرسلها مع ذلك الرجل فقبضوا عليه وسألوه فأخبرهم فاحضروا ذلك الرجل السروجي واحضروا أيضا رجلا بيطارا متوجها الى بولاق معه مسامير ونعالات فقبضوا عليه واتهموه أنه يعدى الى البر الآخر ليعمل لاخصامهم نعالات للخيل فامر الباشا بقتله وقتل السروجي والرجل الذي معه الثياب فقتلوهم ظلما
وفي يوم الاربعاء حضر القابجي الذي على يده البشرى وهو خازندار الباشا وكان ارسله حين كان بسكندرية ويسمونها المجسدة ولم يحضر معه اطواخ ولا غير ذلك فضربوا له شنكا ومدافع
وفيه خلع الباشا على السيد أحمد المحروقي فروة سمور وأقره على ما هو عليه أمين الضربخانة وشاه بندر وكذلك خلع على جرجس الجوهرى واقره باش مباشر الاقباط على ما هو عليه
وفيه رجع علي كاشف الشغب بجواب الرسالة الى الالفي
وفيه تحقق الخبر بموت يحيى بك وكان مجروحا من المعركة السابقة
وفي يوم الخميس عمل الباشا الديوان وحضر المشايخ والوجاقلية وقرأوا المرسوم بحضرة الجمع ومضمونه اننا كنا صفحنا ورضينا عن الامراء المصرلية على موجب الشروط التي شرطناها عليهم بشفاعة علي باشا والصدر الاعظم فخانوا العهود ونقضوا الشروط وطقوا وبغوا وظلموا وقتلوا الحجاج وغدروا علي باشا المولى عليهم وقتلوه ونهبوا امواله ومتاعه فوجهنا عليهم العساكر في ثمانين مركبا بحرية وكذلك احمد باشا الجزار بعساكر برية للانتقام منهم ومن العسكر الموالين لهم فورد الخبر بقيام العساكر عليهم ومحاربتهم لهم وقتلهم واخراجهم فعند ذلك رضينا عن العسكر (2/650)
لجبرهم ما وقع من الخلل الاول وصفحنا عنهم صفحا كليا وأطعنا لهم السفر والاقامة متى شاؤا وأينما أرادوا من غير حرج عليهم ولينا حضرة احمد باشا خورشيد كامل الديار المصرية لما علمنا فيه من حسن التدبير والسياسة ووفور العقل والرآسة الى غير ذلك وعملوا شنكا وحراقة وسواريخ بالازبكية ثلاث ليال ومدافع تضرب في كل وقت من الاوقات الخمسة من القلعة وغيرها
وفيه تواترت الاخبار بان الامراء القبالي عملوا وحسات وقصدهم التعدية الى البر الشرقي
وفي يوم الاحد خامس عشرينه عدى الكثير منهم على جهة حلوان وانتقل الكثير من العسكر من بر الجيزة الى بر مصر فخاف أهل المطرية وغيرها وجلوا عنها وهربوا الى البلاد وحضر كثير منهم الى مصر خوفا من وصول القبالي
وفي يوم الخميس حادى عشرينه سافر الشيخ الشرقاوى الى مولد سيدى احمد البدوى واقتدى به كثير من العامة وسخاف العقول وكان المحروقي وجرجس الجوهرى مسافرين ايضا وشهلوا احتياجاتهم واستأذنوا الباشا فأذن لهم فلما تبين لهم تعدية المصرلية الى الجهة الشرقية امتنعوا من السفر ولم يمتنع الشيخ الشرقاوى ومن تابعه
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه وصل فريق منهم الى جهة قبة باب النصر والعادلية من خلف الجبل ورمحوا خلف باب النصر من خارج وباب الفتوح ونواحي الشيخ قمر والدمرداش ونهبوا الوايلي وما جاوره وعبروا الدور وعروا النساء وأخذوا دسوتهم وغلالهم وزروعهم وخرج أهل تلك القرى على وجوههم ومعهم بعض شوالي وقصاع ودخل الكثير منهم الى مصر
وفي يوم الاربعاء جمع الباشا ومحمد علي العسكر واتفقوا على الخروج والمحاربة وأخرجوا المدافع والشركفلكات الى خارج باب النصر وشرعوا في عمل متاريس وفي آخر النهار ترفع المصرلية والعرب وتفرقوا (2/651)
في اقليم الشرقية والقليبوبية وهم يسعون في الفساد ويهلكون الحصاد فما وجدوه مدروسا من البيادر أخذوه أو قائما على ساقه رعوه أو غير مدروس أحرقوه أو كان من المتاع نهبوه أو من المواشي ذبحوه واكلوه وذهب منهم طائفة الى بلبيس فحاصروا بها كاشف الشرقية يومين ونقبوا عليه الحيطان حتى غلبوه وقتلوا من معه من العسكر وأخذوه اسيرا ومعه اثنان من كبار العسكر ثم نهبوا البلد وقتلوا من أهلها نحو المائتين وحضر ابو طويلة شيخ العائد عند الامراء ولامهم وكلمهم على هذا النهب وقال لهم هذه الزروعات غالبها للعرب والذى زرعه الفلاح في بلاد الشرق شركة مع العرب وان هبود العرب المصاحبين لكم ليس لهم رأس مال في ذلك فكفوهم وامنعوهم ويأتيكم كفايتكم واما النهب فانه يذهب هدرا فلما سمع كبار العرب المصاحبين لهم من الهنادى وغيرهم قوله هبود العرب اغتاظوا منه وكادوا يقتلونه فدخل بمن معه جامع قليوب وتترس به وحارب ثلاث ليال وأصيب كثير من المحاربين له ثم تركوه ففر بمن بقى معه الى البحر ونزل في قارب وحضر الى مصر وأخذوا حملته ومتاعه وجبخانته وطلبوا مشايخ النواحي مثل شيخ الزوامل والعائد وقليوب والزموهم بالكلف وفردوا على القرى الفرد والكلف الشاقة مثل الف ريال والفين وثلاثة وعينوا بطلبها العرب وعينوا لهم خدما وحق طرق خلاف المقرر عشرين الف فضة وأزيد ومن استعظم شيئا من ذلك أو عصى عليهم حاربوا القرية ونهبوها وسبوا نساءها وقتلوا اهلها وحرقوا جرونهم وقل الواردون الى المدينة بالغلال وغيرها فقلت من الرقع وازدحم الناس على ما يوجد من القليل فيها واحتاج العسكر الى الغلال لاخبارهم لانهم لم يكن عندهم شيء مدخر فأخذوا ما وجدوه في العرصات فزاد الكرب ومنعوا من يشترى زيادة على ربع من الكيل ولا يدركه الا بعد مشقة بستين نصفا واذا حضر للبعض من الناس غلة من مزرعته القريبة لا يمكنه ايصالها الى (2/652)
داره الا بالتجوه والمصانعة والمغرم لقلقات الابواب واتباعهم فيحجزون ما يرونه داخل البلد من الغلة متعللين بانهم يريدون وضعها في العرصات القريبة منهم فيعطونها للفقراء بالبيع فيعطونهم دراهم ويطلقونهم
وفي اواخره طلبوا جملة اكياس لنفقة العسكر فوزعوا جملة اكياس على الاقباط والسيد احمد المحروقي وتجار البهار ومياسير التجار والملتزمين
وطلبوا ايضا مال الجهات والتحرير وباقي مسميات المظالم عن سنة تاريخه معجلة
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه خرج الكثير من العسكر ورتبوا انفسهم ثلاث فرق في ثلاث جهات وردوا الخيول الا القليل ووقع بينهم مناوشات قتل فيها أنفار من الفريقين
شهر صفر الخير سنة
استهل بيوم الجمعة فيه نادوا على الفلاحين والخدامين البطالين بالخروج من مصر وكل من وجد بعد ثلاثة ايام وليس بيده ورقة من سيده يستاهل الذى يجرى عليه
وفي ثانيه طاف الاعوان وجمعوا عدة من الناس العتالين وغيرهم ليسخروهم في عمل المتاريس وجر المدافع
وفي خامسه قبض الوالي على شخص يشترى طربوشا عتيقا من سوق العصر بسويقة لاجين واتهمه انه يشترى الطرابيش للاخصام من غير حجة ولا بيان ورمى رقبته عند باب الخرق ظلما
وفي سابعه نزل الارنؤد من القلعة وتسلمها الباشا وطلع اليها وضربوا لطلوعه عدة مدافع ورجع الى داره آخر النهار
وفيه اشيع قدوم سليمان بك حاكم جرجا ووصوله الى بنى سويف وفي عقبة الالفي الصغير أيضا
وفيه هجم طائفة من الخيالة في طلوع الفجر على المذبح السلطاني واخذوا ثورين أحدهما من المذبح والآخر من بعض الغيطان وهرب الجزارون (2/653)
وفي يوم السبت تاسعه طلع الباشا الى القلعة وسكن بها وضربوا له عدة مدافع
وفيه حضر كاشف الشرقية المقبوض عليه ببلبيس ومعه اثنان وقد أفرج عنهم الامراء المصرلية وأطلقوهم فلما وصلوا الى الباشا خلع عليهم وألبسهم فراوى جبرا لخاطرهم
وفيه وصل الخبر بوقوع حرب بين العسكر والمصرلية والعربان وحضر عدة جرجى وكانت الواقعة عند الخصوص وبهتيم وجلا اهل تلك القرى وخرجوا منها وحضروا الى مصر بأولادهم وقصاعهم فلم يجدوا لهم مأوى ونزل الكثير منهم بالرميلة
وفيه حضر اناس من الذين ذهبوا الى مولد السيد البدوى وفيهم عرايا ومجاريح وقتلى وقد وقفت لهم العرب وقطعت عليهم الطرق فتفرقوا فرقا في البر والبحر وحصر العرب طائفة كبيرة منهم بالقرطيين وحصل لهم مالا خير فيه وأما الشيخ الشرقاوي فأنه ذهب إلى المحلة الكبيرة وأقام بها اياما ثم ذهب مشرقا الى بلدة القرين
وفيه حضر مصطفى أغا الارنؤدى هجانا برسالة من عند الالفي وفيها طلب اتباعه الذين بمصر فلم ياذنوا لهم في الذهاب اليه واحتجوا بعدم تحقق صداقته العثمانية
وفيه ورد الخبر بتوجه سليمان بك الخازندار حاكم جرجا الى جهة بحرى وانه وصل الى بنى سويف وان الالفي الصغير في اثره بحرى منية ابن خصيب والالفي الكبير مستقر بأسيوط يقبض في الاموال الديوانية والغلال وأشيع صلحه مع عشيرته سرا ومظهر خلاف ذلك مع العثمانية
وفي يوم الاحد عاشره أحضروا جماعة من الوجاقلية عند كتخدا الباشا فلما استقروا في الجلوس كلموهم وطلبوا منهم سلفة وحبسوا رضوان كاشف الذى بباب الشعرية وطلبوا منه عشرين كيسا وكذلك طلبوا من باقي الاعيان مثل مصطفى آغا الوكيل وحسن (2/654)
آغا محرم ومحمد افندى سليم وابراهيم كتخدا الرزاز وخلافهم مبالغ مختلفة المقادير وعملوا على الاقباط ألف كيس وحلف الباشا انها لا تنقص عن ذلك وفردوا عن البنادر مثل دمياط ورشيد وفوة ودمنوهر والمنصورة وخلافها مبالغ أكياس ما بين ثمانين كيسا ومائة كيس وخمسين كيسا وغير ذلك لنفقة العسكر وأحضر الباشا الروزنامجي واتهمه في التقصير
وفي يوم الاثنين ارسل الباشا الوالي والمحتسب الى بيت الست نفيسة زوجة مراد بك وطلبها فركبت معهما وصحبتهما امرأتان فطلعا بهن الى القلعة وكذلك ارسلوا بالتفتيش على باقي نساء الامراء فاختفى غالبهن وقبضوا على بعضهن وذلك كله بعد عصر ذلك اليوم فلما حصلت الست نفيسة بين يديه قام اليها واجلها ثم امرها بالجلوس وقال لها على طريق اللوم يصح ان جاريتك منور تتكلم مع مصادق آغا وتقول له يسعى في امر المماليك العصاة وتلتزم له بالمكسور من جامكية العسكر فأجابته ان ثبت ان جاريتي قالت ذلك فأنا المأخوذة به دونها فأخرج من جيبه ورقة وقال لها وهذه واشار الى الورقة فقالت وما هذه الورقة ارنيها فاني اعرف ان اقرأ لانظر ما هي فأدخلها ثانيا في جيبه ثم قالت له انا بطول ما عشت بمصر وقدرى معلوم عند الاكابر وخلافهم والسلطان ورجال الدولة وحريمهم يعرفوني أكثر من معرفتي بك ولقد مرت بنا دولة الفرنسيس الذين هم اعداء الدين فما رأيت منهم الا التكريم وكذلك سيدى محمد باشا كان يعرفني ويعرف قدرى ولم نر منه الا المعروف واما انت فلم يوافق فعلك فعل اهل دولتك ولا غيرهم فقال ونحن ايضا لا نفعل غير المناسب فقالت له وأى مناسبة في أخذك لي من بيتي بالوالي مثل ارباب الجرائم فقال انا ارسلته لكونه اكبر اتباعي فأرساله من باب التعظيم ثم اعتذر اليها وامرها بالتوجه الى بيت الشيخ السحيمي بالقلعة واجلسوها عنده بجماعة من العسكر واصبح الخبر شائعا بذلك فتكدرت (2/655)
خواطر الناس لذلك وركب القاضي ونقيب الاشراف والشيخ السادات والشيخ الامير وطلعوا الى الباشا وكلموه في أمرها فقال لا بأس عليها واني انزلتها ببيت الشيخ السحيمي مكرمة حسما للفتنة لانها حصل منها ما يوجب الحجز عليها فقالوا نريد بيان الذنب وبعد ذلك اما العفو أو الانتقام فقال انها سعت مع بعض كبار العسكر تستميلهم الى المماليك العصاة ووعدتهم بدفع علوفاتهم وحيث انها تقدر على دفع العلوفة فينبغي انها تدفع العلوفة فقالوا له ان ثبت عليها ذلك فانها تستحق ما تأمرون به فيحتاج أن تتفحص على ذلك فقام اليها الفيومي والمهدى وخاطباها في ذلك فقالت هذا الكلام لا أصل له وليس لي في المصرلية زوج حتى اني أخاطر بسببه فان كان قصده مصادرتي فلم يبق عندى شيء وعلي ديون كثيرة فعادوا اليه وتكلموا معه وراددهم فقال الشيخ الامير للترجمان قل لافندينا هذا أمر غير مناسب ويترتب عليه مفاسد وبعد ذلك يتوجه علينا اللوم فان كان كذلك فلا علاقة لنا بشيء من هذا الوقت أو نخرج من هذه البلدة وقام قائما على حيله يريد الذهاب فأمسكه مصطفى اغا الوكيل وخلافه وكلموا الباشا في اطلاقها وانها تقيم ببيت الشيخ السادات فرضي بذلك وانزلوها ببيت الشيخ السادات وكانت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك عندما وصلها الخبر ذهبت الى بيته أيضا
وفيه شنقوا شخصا على السبيل بباب الشعرية شكا منه اهل حارته وانه يتعاطى القيادة ويجمع بين الرجال والنساء وغير ذلك
وفي يوم الحميس رابع عشره كتبوا أوراقا وألصقوها بالاسواق بطلب ميرى سنة تاريخه المعجلة بالكامل وكانوا قبل ذلك طلبوا نصفها ثم اضطرهم الحال بطلب الباقي وعملوا قوائم بتوزيع خمسة آلاف كيس استقر منها على طائفة القبطة خمسمائة كيس بعد الالف وجملة على الملتزمين خلاف ما أخذ منهم قبل ذلك وعلى الست نفيسة وبقية نساء الامراء ثمانمائة كيس (2/656)
بسم الله الرحمن الرحيم
وفيه خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء
وفيه وصل سليمان بك الخازندار وعدى إلى جهة طرأ فخرج عدة من العسكر خلاف المرابطين هناك قبل ذلك من العسكر والمغاربة فقصد المرور من خلف الجبل واللحوق بجماعته جهة الشرق في آخر الليل فوقف له العسكر وضربوا عليه بالمدافع الكثيرة واستمر الضرب من الفجر إلى عصر يوم الجمعة ونفذ بمن معه على حماية وقتلوا منه مملوكا واحدا وحضروا برأسه إلى تحت القلعة
وفيه رجع الكثير من عسكر الارنؤد وغيرهم ودخلوا إلى المدينة يطلبون لعوفة واستمر من بقي منهم ببهتيهم وبلقس ومسطرد وقد اخرجوا أهاليها منها ونهبوها واستولوا على ما فيها من غلال واتبان وغير ذلك وكرنكوا فيها ونقبوا الحيطان لرمي بنادق الرصاص من الثقوب وهم مستترون من داخلها ونصبوا خيامهم في أسطحة الدور وجعلوا المتاريس من خارج البلدة وعليها المدافع فلا يخرجون إلى خارج ولا يبرزون إلى ميدان الحرب وكل من قرب منهم من الخيالة المقاتلين رموا عليه بالمدافع والرصاص ومنعوا عن أنفسهم واستمروا على ذلك
وفيه وردت مكاتبات إلى التجار من الحجاز واخبروا بان الحجاج أدركوا الحج والوقوف بعرفة ودخلوا قبل الوقوف بيومين واخبروا أيضا بوفاة شريف باشا إلى رحمة الله تعالى وكان من خيار دولة العثمانيين ووردت (3/5)
أخبار أيضا من البلاد الشامية بوفاة احمد باشا الجزار في سادس عشرين المحرم
وفي يوم السبت سادس عشرة أرسلوا تنابيه إلى أرباب الحرف والصنائع بطلب دراهم وزعت عليهم مجموعها خمسمائة كيس فضج الناس وتكدروا مع ما هم فيه من وقف الحال وغلاء الأسعار في كل شيء واصبحوا على ذلك يوم الأحد فلم يفتحوا الحوانيت وانتظروا ما يفعل بهم وحضر منهم طائفة إلى الجامع الأزهر ومر الأغا والوالي ينادون بالأمان وفتح الدكاكين فلم يفتح منهم إلا القليل
وفيه سرح سليم كاشف المحرمجي إلى جهة بحري وأشيع وصول الألفي الصغير إلى المنية واصبح يوم الاثنين اجتمع الكثير من غوغاء العامة والأطفال بالجامع الأزهر ومعهم طبول وصعدوا إلى المنارات يصرخون ويطلبون وتحلقوا بمقصورة الجامع يدعون ويتضرعون ويقولون يا لطيف وأغلقوا الأسواق والدكاكين ووصل الخبر إلى الباشا بل سمعهم من القلعة فأرسل قاصدا إلى السيد عمر النقيب يقول أننا رفعنا عن الفقراء فقال له إن هؤلاء الناس وأرباب الحرف والصنائع كلهم فقراء وما كفاهم ما هم فيه من القحط والكساد ووقف الحال حتى تطلبوا منهم مغارم لجوامك العسكر وما علاقتهم بذلك فرجع الرسول بذلك وحضر الآغا ومعه عدة من العسكر وجلس بالغورية وهو يأمر الناس بفتح الحوانيت ويتوعد من يتخلف فلم يحضر أحد ولم يسمعوا لقوله وفي وقت العصر رجع القاصد ومعه فرمان برفع الغرامة عن المذكورين ونادى المنادي بذلك فاطمأن الناس وتفرقوا وذهبوا إلى بيوتهم وخرج الأطفال يرمحون ويصرخون ويفرحون
وفي ذلك اليوم عدى محمد علي وجمع كثير من العسكر والمغاربة إلى بر الجيزة وبرزوا إلى خارج فنزل عليهم جملة من العرب فحاربوهم فقتل بينهم أنفار وانجرح منهم كذلك ثم ترفعوا عنهم فرجعوا ومعهم (3/6)
راس من العرب ومع المغاربة قتيل منهم في تابوت وهم يقولون طردناهم وخطفوا بعض مواش وأغنام في طريقهم من الرعيان فقتلوهم أخذوها منهم
وفي تاسع عشرة حضر كتخدا الباشا كاتب البهار وأمره بإحضار ستمائة فرق بن فاعتذر إليه بعدم وجود ذلك فقال إنما نأخذها بأثمانها فقال له ليس علي إلا التعريف وقد عرفتك أن هذا القدر لا يوجد وان أردت فأرسل معي من تريد وتكشف على حواصل التجار والخانات فطافوا على الخانات وفتحوا الحواصل فلم يجدوا إلا سبعين فرقا وأكثرها عليه نشانات كبار العسكر من مشترواتهم فرجعوا من غير شيء ثم نودي في اثر ذلك بالأمان
وفيه وقعت معركة بسوق الصاغة بين بعض العسكر الذين يتحشرون في أيام الأسواق في الدلالين والباعة ويعطلون عليهم دلالتهم وصناعتهم ومعايشهم وضربوا على بعضهم بالرصاص ففزع الناس وحصلت كرشة وظن من لا يعلم الحقيقة من العسكر أنها قومة فهربوا يمينا وشمالا وطلبوا النجاة والتواري ووافق مرور اغات الانكشارية في ذلك الوقت فانزعج هو ومن معه وطلب الهرب ثم انكشف الغبار وظهر شخص عسكري مطروح وبه رمق آخر مجروح فرجع الآغا وأمر بحمله في تابوت ونادى بالأمان
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينة قبل المغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وكذلك في صبحها يوم السبت ولم يظهر لذلك سبب سوى ما يقولونه من التمويهات ومن وصول الاطواخ وعساكر ودلاة برية تارة بحيرة أخرى
وفيه أشيع وقوع معركة بين المصرلية والعثمانية واخذوا منهم متاريس بلقس ومدافع ووصل منهم جرحى دخلوا ليلا وحضر من المصرلية طائفة ناحية شلقان وقطعوا الطريق على السفار في البحر واخذوا مركبين واحرقوا مراكب وامتنع الواصلون والذاهبون وارتفعت الغلال من الرقع والعرصات وغلا سعرها فخرج إليهم مراكب يقال لها الشلنبات وضربوا (3/7)
عليهم بالمدافع وأجلوهم عن ذلك الموضع ووصل بعض مراكب من المعوقين
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرية أرسل الباشا إلى المشايخ فذهبوا إليه فاستشارهم في خروجه إلى الحرب وخروجهم صحبته مع الرعية فلم يصوبوا رأيه في ذلك وقالوا له إذا انهزم العسكر تأمر غيرهم بالخروج وإذا كانت الهزيمة علينا وأنت معنا من يخرج بعد ذلك وانفض المجلس على غير طائل
وفي أو آخره يوم الأربعاء ويوم الخميس وقع بينهم مساجلات ومحاربات ومغالبات واحترقت جبخانة العثمانيين وقيل أخذ باقيها ورجع منهم قتلى ومجاريح وانجرح عابدي بك أخو طاهر باشا واحترق أشخاص من الطبجية ودخل سلحدار الباشا والوالي وأمامهما رأس واحدة بشوارب كأنه من المماليك
وفي عصرية ذلك اليوم اخرجوا عساكر ومعهم مدافع وجباخنة أيضا محملة على نيف وثلاثين جملا
وفيه ضيقوا على نساء الأمراء في طلب الغرامة وألزموا بقبضها وتحصيلها الست نفيسة وعديلة هانم ابنة إبراهيم بك فوزعتاها بمعرفتهما على باقي النساء وأرسلوا عساكر يلازمون بيوتهن حتى يدفعن ما التزمن به فاضطر أكثرهن لبيع متاعهن فلم يجدن من يشتري لعموم المضايقة والكساد وانقضى هذا الشهر والحال على ما هو عليه من استمرار الحروب والمحاصرات بين الفريقين وانقطاع الطرق برا وبحرا وتسلط العربان واستغنامهم تفاشل الحكام وانفكاك الأحكام وذلك تسلط الفلاحين المقاومين من سعد وحرام على بعضهم البعض بحسب المقدرة والقوة والضعف وجهل القائمين المتآمرين بطرائق سياسة الإقليم ولايعرفون من الأحكام إلا اخذ الدراهم بأي وجه كان وتمادى قبائح العسكر بما لا تحيط به الأوراق والدفاتر بحيث انه لايخلوا يوم من زعجان ورجفات وكرشات في غالب الجهات أما لأجل امرأة أو أمرد أو خطف شيء أو تنازع وطلب شر بأدى (3/8)
سبب مع العامة والباعة أو مشاحنة مع السوقة والمتسببين بسبب ابدال دنانير ذهب ناقص بدراهم مكررة فضة كاملة المصارفة من صيارف أو باعة أو غير ذلك وتعطل أسباب المعايش وغلو الأسعار في كل شيء وقلة المجلوب ومنع السبل ووصل سعر الأردب القمح ستة عشر ريالا والفول والشعير اكثر من ذلك لقلته وعزته وإذا حضر منه شئ أخذوه لاحتياج العليق قهرا بأبخس الثمن عند وصوله المأمن وأجرة طحين الويبة من القمح ستة وأربعون نصفا مع ما يسرقه الطحانون منها ويخلطونه فيها وأجرة خبيزها عشرون نصفا بحيث حسب ثمن الأردب بعد غربلته وأجرته ومسكه وكلفته وطحينه وخبيزه إلى أن يصير خبزا أربعة وعشرون ريالا فسبحان اللطيف الخبير المدبر ومن خفي لطفه كثرة الخبز وأصناف الكعك والفطير في الأسواق وسعر الرطل من اللحم الجفط بما فيه من العظم والكبد تسعة أنصاف والجاموسي سبعة أنصاف الرطل والراوية الماء ثلاثون نصفا والسمن القنطار بالفين وأربعمائة نصف وشح الأرز وقل وجوده وغلا ثمنه ووصل سعر الأردب إلى خمسة وعشرين ريالا والجبن القريش بثمانية عشر نصفا الرطل وأما الخضارات فعز وجودها وغلا ثمنها بحيث أن الرطل من البامية بما فيها من الخشب الذي يرمى من وقت طلوعها إلى أن بلغت حد الكثرة بثمانية أنصاف كل رطل والرطل قباني اثنتا عشرة أوقية وعز وجود البن وغلا سعره حتى بلغ في هذا الشهر الرطل سبعين ونصفا والسكر العادة الصعيدي خمسة وأربعون نصفا الرطل والواحد والعسل الأبيض الغير الجيد ثلاثون نصفا والعسل الأسود خمسة عشر نصفا والعسل القطر عشرون نصفا الرطل والصابون أربعة وعشرون نصفا كل ذلك بالرطل القباني الذي عمله محمد باشا فلا جزاه الله خيرا والشيرج بألفين فضة القنطار وورد الكثير من الحطب الرومي ورخص سعره إلى مائة وعشرين نصفا الحملة بعد ثلثمائة نصف وأما أنواع البطيخ والعبدلاوي فلم يشتره اكثر الناس لقلته وغلوا ثمنه فانه بيعت الواحدة بعشرين نصفا فأقل (3/9)
فأكثر والخيار بخمسة أنصاف الرطل من وقت طلعوه إلى أن بلغ حد الكثرة وبقي بحال لاتقبله الطبيعة البشرية فعند ذلك بيع بنصفين وأما الفاكهة فلا يشتريها إلا أفراد الأغنياء أو مريض يشتهيها أو امرأة وحمى لغلوها فإن رطل الخوخ بخمسة عشر نصفا والتفاح الأخضر كذلك وقس على ذلك لقلة المجلوب وخراب البساتين وغلو علف البهائم وحوز المتسيين واخذ الرشوات منهم وتركهم وما يدينون وأما الأتبان فأنها كثرت وانحل سعرها عما كانت
شهر ربيع الأول سنة استهل بيوم السبت
فيه وقع هرج ومرج وإشاعات ثم تبين أن طائفة من العربان والمماليك وصلوا إلى خارج باب النصر وظاهر الحسينية وناحية الزاوية الحمراء وجزيرة بدران جهة الحلى ورمحوا على من صادفوه بتلك النواحي وحالوا بين العسكر الخارجين وبين عرضيهم واخذوا ما معهم من الجراية والعليق والجبخانة فنزل الباشا ومعه عساكر وذهب إلى جهة بولاق ثم إلى ناحية الزاوية الحمراء أغلقوا أبواب المدينة ثم رجع الباشا بعد العصر ودخل من باب العدوى وطلع إلى القلعة وهو لابس برنسا ثم تكرر بينهم وقائع وخروج عساكر ودخول خلافهم ونزول الباشا وطلوعه
وفي رابع حضر الشيخ عبد الله الشرقاوي من غيبته بالقرين بعد ذهابه إلى المحلة من طندتا
وفي يوم الخميس سادسة حضر هجانة بمكاتبة من عند الألفي الكبير للباشا وفيها الأخبار بعزمه على الحضور إلى مصر هو وعثمان بك حسن ويلتمس أن يخلوا له الجيزة وقصر العيني لينظر في هذا الأمر والفساد والواقع بمصر فكتب له الباشا جوابا ملخصه على ما نقل إلينا انك في السابق عرفتنا انك مذعن للطاعة وأرسلنا لك بالآذن والإقامة بجرجا وما عرفنا موجب هذا الحضور فإن كنت طائعا وممتثلا ما كنت ولك الولاية والحكم بالإقليم القبلي وأرسل المال والغلال ونحو ذلك من الكلام وسافروا (3/10)
بالجواب يوم السبت ثامنه
وفيه ترفع الأمراء المصرلية إلى ناحية مشتهروبنها وانتقلوا من منزلتهم وأشاع العسكر ذهابهم وهروبهم
وفيه وردت مكاتبات من الحجاز واخبروا فيها بموت محمود جاويش الذي سافر بالمحمل وكذلك الحاج يوسف صبر في الصرة وان طائفة من الوهابيين حاصروا جدة ولم يملكوها وان ببلاد الحجاز غلاء شديدا لمنع الوارد عنهم والأردب والقمح بثلاثين ريالا فرانسا عنها من الفضة العددية خمسة آلاف وأربعمائة
وفي يوم السبت ثامنة أرسلوا فعلة وعمالا لعمل متاريس وابنية بناحية طرا وكذلك بالجيزة وأرسلوا هناك مراكب حربية يسمونها الشلنبات وفي يوم الثلاثاء خرج محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا إلى جهة القليوبية وصحبتهم عساكر كثيرة وأدوات وعدى طائفة من الأمراء إلى بر المنوفية وهرب حاكم المنوفية من منوف
وفي ثالث عشرة ورد الخبر بوصول مراكب داوات من القلزم إلى السويس وفيها حجاج والمحمل واخبروا بمحاصرة الوهابين لمكة والمدينة وجدة وان اكثر أهل المدينة ماتوا جوعا لعزة الأقوات والأردب القمح بخمسين فرانسا أن وجد والأردب الأرز بمائة فرانسا وقس على ذلك
وفي خامس عشرة يوم السبت وصلت مراكب وفيها طائفة من العسكر وهم الذين يسمونهم النظام الجديد الذين يقلدون محاربة الإفرنج وأشاعوا انهم خمسة آلاف وعشرة آلاف ووصل صحبتهم الآغا الذي كان حضر بالمجدة والبشارة للباشا بالتقليد الأطواخ ورجع إلى إسكندرية فحضر أيضا وضربوا لوصوله مدافع وشنكا جهة بولاق وأرسلوا له خيولا ويرقا وطبلخانات واركبوه من بولاق وشق من وسط المدينة وأمامه وخلفه أتباع الباشا والوالي والجنيبات وعسكر النظام الجديد وهم دون المائة شخص والآغا المذكور ومعه أوراق في أكياس حرير ملون (3/11)
وخلفه آخر راكب ومعه بقجة يقال أن بداخلها خلعة برسم الباشا وآخر معه صندوق صغير وعليه دواة كتابة منقوشة بالفضة وخلفهم الطبلخانات فلما وصلوا إلى القلعة ضربوا لوصولهم مدافع كثيرة من القلعة وعمل الباشا ديوانا في ذلك الوقت بعد العصر وقرأوا التقليد المذكور
وفي ذلك اليوم وصلت طائفة من العربان إلى جهة بولاق وجزيرة بدران وناحية المذبح وخطفوا ما خطفوه وذهبوا بما أخذوه
وفيه ورد الخبر بوصول الألفي الكبير إلى ناحية بني سويف وعثمان بك حسن في مقابلته بالبر الشرقي
وفي يوم الاثنين وصل قاصد من الألفي بمكتوب خطابا للمشايخ العلماء مضمونه انه لا يخفاكم اننا كنا سافرنا سابقا لقصد راحتنا وراحة البلاد ورجعنا باوامر وحصل لنا ما حصل ثم توجهنا إلى جهة قبلي واستقرينا بأسيوط بعد حصول الحادث بين إخواننا الأمراء والعسكر وخروجهم من مصر وأرسلنا إلى افندينا الباشا بذلك فأنعم علينا بولاية جرجا ونكون تحت الطاعة فامتثلنا ذلك وعزمنا على التوجه حسب الأمر فبلغنا مصادرة الحريم والتعرض لهم بما لا يليق من الغرائم وتسليط العساكر عليهم ولزومهم لهم فثنينا العزم واستخرنا الله تعالى في الحضور إلى مصر لننظر في هذه الأحوال فإن التعرض للحريم والعرض لا تهضمه النفوس وكلام كثير من هذا المعنى فلما وصلتهم المكاتبة أخذوها إلى الباشا واطلعوه عليها فقال في الجواب انه تقدم انهم تركوا نساءهم للفرنسيس واخذوا منهم أموالا وإني كنت أعطيت له جرجا ولعثمان بك قنا وما فوق ذلك من البلاد وكان في عزمي أن اكاتب الدولة وأطالب لهم أوامر ومراسيم بما فعلته لهم وبراحتهم فحيث أنهم لم يرضوا بفعلي وغرتهم أمانيهم فليأخذوا على نواصيهم
وفيه شرعوا في حفر خندق قبلي الإمام الليث بن سعد ومتاريس
وفي ذلك اليوم أرسل محمد علي إلى مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف (3/12)
الصابونجي فلما حضرا اليه عوقهما إلى الليل ثم أرسلهما إلى القلعة بعد العشاء ماشيين ومعهما عدة من العسكر فحبسا بها
وفي يوم الخميس عشرينه عمل الباشا ديوانا وحضر المشايخ والوجاقلية واظهر زينته وتفاخره في ذلك الديوان واوقف خيوله المسومة بالحوش وخيول شجر الدر واصطفت العساكر بالأبواب والحوش والديوان ووقفت أصناف الديوان باختلاف أشكالهم والسعاة بالطاسات المذهبة على رؤوسهم وخرج الباشا بالشعار والهيبة وعلى رأسه الطلخان بالطراز إلى الديوان الكبير المعروف بديوان المغوري وقد اعدوا له كرسيا بغاشية جوخ احمر وبساط مفروشا خلاف الموضع القديم فجلس عليه وزعقت الجاويشية واحضر التقليد فقرأه ديوان أفندي بحضور الجمع الكبير ثم قرأ فرمانين آخرين مضمون أحدهما اكثر كلاما من الثاني ملخصه الولاية وحكاية الحال الماضية من ولاية علي باشا وشفاعته في الأمراء المصرية بشرط توبتهم ورجوعهم ثم عودهم إلى البغي والفجور وغدر علي باشا المذكور وظلمهم الرعية بمعونة العسكر ثم قيام الرعية والعسكر عليهم حتى قتلوهم أخرجوهم من مصر فعند ذلك صفحنا عن العسكر وعفونا عما تقدم منهم وامرناهم بان يلازموا الطاعة ويكونوا مع احمد باشا خورشيد بالحفظ والصيانة والرعاية لكافة الرعية والعلماء وأبعاد أهل الفساد والمعتدين وطردهم وتشهيل لوازم الحج والحرمين من الصرة والغلال ونحو ذلك من الكلام المحفوظ المعتاد المنمق ولما انقضى أمر قراءة الأوراق قام الباشا إلى مجلسه الداخل ودخل اليه المشايخ فخلع عليهم فراوي سمور وكذلك الوجاقلية والكتبة والسيد احمد المحروقي ثم عملوا شنكا ومدافع كثيرة وطبولا واحضر في ذلك الوقت المعلم جرجس وكبار الكتبة وعدتهم اثنان وعشرون قبطيا ولم تجر عادة بإحضارهم فخلع عليهم أيضا ثم نزلوا إلى بيت المحروقي فتغدوا عنده ثم عوقهم إلى العصر ثم طلبهم الباشا إلى القلعة فحبسهم تلك الليلة واستمروا في الترسيم وطلب منهم ألف كيس (3/13)
وفي يوم السبت ثاني عشرينه افرجوا عن مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي على ثلثمائة كيس
وفيه حضر محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا وطلعا إلى القلعة فخلع عليهما الباشا وهنآه بالولاية واستقر بمحمد علي والي جرجا وحسن بك وإلي الغربية وضربوا لذلك مدافع كثيرة وشنكا وعملوا تلك الليلة حراقة وسواريخ من الازبكية وجهة الموسكي والحال انهم لايقدرون أن يتعدوا بر الجيزة ولا شلقان فإن طوائف عسكر الألفي وصلوا إلى بر الجيزة واخذوا منها الكلف والأمراء البحرية منتشرون ببر الغربية والمنوفية
وفيه هرب شخص من كبار الأرنؤد يقال له إدريس أغا كان بجماعته جهة برشوم التين فركب إلى المصرلية ولحق بهم وتبعه جماعته وهم نحو المائة وخمسين شخصا
وفيه أرسل الباشا اغاة الانكشارية ليقبض على علي كاشف من أتباع الألفي من بيته بسوق الانماطيين فأرسل إلى الارنؤد فأرسلوا له جماعة منعوا الآغا من أخذه وجلسوا عنده فأرسل الباشا من طرفه جماعة أقاموا محافظين عليه في بيته ثم أن سليمان أغا كبير الارنؤد الذي التجأ اليهم المذكور حضر اليه واخذه الى داره بالازبكية وصحبته الامير مصطفى البردقجي الألفي أيضا
وفي يوم الاثنين وصل شخص رومي بمراسلة من عند الألفي الى الباشا فعند ما قرا الباشا المراسلة امر بقتله حالا فرموا عنقه برحبه القلعة وحضر أيضا مملوك بمراسلة من عثمان بك حسن يذكر فيها حضوره مع الألفي وانه اغتر بكلامه وتمويهاته عليه وان بيده اوامر شريفة من الدولة ومن حضرة الباشا بالحضور ثم ظهر انه لم يكن بيده شيء وان عثمان بك ممتثل لما يأمره به الباشا وامثال ذلك فكتب له جوابا وخلع على ذلك المملوك ورجع سالما (3/14)
وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه أخرجوا عن النصارى الاقباط بعد ما قرروا عليهم ألف كيس خلاف البراني وقدره مائتان وخمسون كيسا ونزلوا الى بيوتهم بعد العشاء الاخيرة في الفوانيس
وفيه وصل الألفي الصغير وانتشرت خيوله الى بر انبابة فرموا عليهم مدافع من المراكب وبولاق ورفعوا الغلة من الرقع واشيع أن الألفي الكبير وصل الى الشوبك وعثمان بك حسن وصل الى حلوان ورجع ابراهيم بك البرديسي وباقي الامراء الى ناحية بنها بعدما طافوا المنوفية والغربية وقبضوا الكلف والفرد وخروج كثير من العسكر الى معسكرهم ناحية شلقان وما وازاها الى الشرق وخرج أيضا عدة من العسكر الى ناحية طرا والجيزة
وفيه ارسل الألفي الصغير وروقة لشخص من كبار العسكر مقطوع الانف كان من اتباعه حين كان بمصر يطلبه للحضور اليه ويعده بالاكرام وان يكون كما كان في منزلته عنده فأخذ الورقة والرسول الى الباشا فأمر بقتل المرسال وهو رجل فلاح فقطعوا رأسه بالرميلة وانعم على مقطوع الانف بعشرين ألف نصف فضة وشكره وقبل ذلك بايام وصلت هجانة من العريش واخبروا بورود عساكر من الدلاة وغيرهم معونة لمن بمصر واختلفت الروايات في عدتهم فالمكثر من كذابي العثمانية يقولون عشرة آلاف والمقل من غيرهم يقولون الفان او ثلاثة
وفي يوم الاربعاء تواترت الاخبار بقربهم من الصالحية وانتقل الامراء البحرية الى بلبيس وركب منهم عدة وافرة لملاقاة العسكر الواردين وخرج كثير من العسكر الخيالة والرجالة الى جهة الشرقية ببلبيس ونقلوا عرضيهم من ناحية البحر وردوا الكثير من اثقالهم الى المدينة
وفي يوم الخميس احضر الباشا طائفة اليهود وحبسهم وطلب منهم ألف كيس واستمروا في الحبس
وفيه رجع الألفي الصغير من ناحية انبابة الى جهة الشيمي باستدعاء من (3/15)
سيدة واشاع العثمانية انهم ذهبوا ورجعوا من حيث اتوا لعجزهم وعدم قدرتهم عليهم وكان في ظنهم امور لاتتم لهم كما ظنوا ولحقتهم جميع العساكر من الجهة الشامية
وفيه ارسلوا ملاقاة للعساكر الواردين وفيها قومانية وجبخانة ولوازم على ستين جملا ومعهم هجانة فعندما توسطوا البرية اطاح بهم العربان واخذوهم
وفيه تسحب اشخاص من كبار العسكر باتباعهم وذهبوا الى المصريين وانضموا اليهم فمنهم من ذهب الى قبلي ومنهم من ذهب الى بحري
وفيه عدى الألفي الكبير والصغير الى البر الشرقي عند عثمان بك وترفعت مراكبهم الى قبلي
وفيه حضر عابدي بك وحسن بك من البحر الى بولاق وانتقل محمد علي الى طنط جهة براشيم التين بعد مقتلة وقعت بينهم وبين المصرلية وانهزموا وذهبوا الى تلك الجهة
وفي يوم الاحد غايته افرجوا عن طائفة اليهود بعد أن قرروا عليهم مائتي كيس خلاف البراني
وفيه حضر خازندار الباشا من الديار الرومية الى ساحل بولاق وصحبته امتعة ولوازم للباشا واشياء في صناديق
استهل شهر ربيع الثاني بيوم الاثنين سنة
فيه ركب الخازندار المذكور وطلع الى القلعة من وسط المدينة ونزل لملاقاته اغوات الباشا والجاويشية والشفاسية وحضر صحبته نحو خمسين عسكريا مشوا امامه وخلفه والصناديق التي حضرت معه خلفه محملة على الجمال والجاويشية امامه يضربون على طبلات حكم العادة في ركوباتهم ومعه عدة كبيرة من اتباع الباشا وامامه الجنيبات والخيول
وفيه وصلت مراكب من الديار الحجازية الى السويس وفيها حجاج ومغاربة ولم يصل منهم الا القليل واكثرهم قتله العسكر الذي بقي (3/16)
بمكة بعد موت شريف باشا ومن انضم اليهم من اجناسهم وقد حصل منهم غاية الضرر والفساد والقتل حتى في داخل الحرم لأن الشريف غالبا ضمهم اليه ورتب لهم جامكية واستمروا معه على هذا الحال الفظيع
وفيه انبهم امر العسكر الدلاة القادمين من الجهة الشامية واضطربت الروايات عن اخبارهم فمنهم من قال أن المصرلية وقفوا لهم بالطرق وقاتلوهم ورجع من نجا منهم بنفسه ومنهم من قال انهم لما بلغهم قطع الطريق عليهم رجعوا من حيث اتوا وبعضهم طلب الامان وانضم اليهم ومنهم من قال أن فرقة منهم ذهبت من فم الرمانة من طريق دمياط وقيل انهم حضورا بثمانين رأسا منهم الى بلبيس
وفي يوم الابعاء خرج الوالي بعده من العسكر وصحبته مدافع وجبخانة واستقر بزاوية المرداش
وفي يوم الخميس رابعه هجم الامراء القبالي وهم الألفي واتباعه وعثمان بك حسن ومن انضم اليهم على طرا وملكوا منها البرج الذي من ناحية الجبل بعد ما ضربوا عليه من اعلى الجبل وتعدوا الى ناحية البساتين وتركوا طرا ومن فيها خلف ظهورهم وتحاربوا مع طوابير العسكر وكانوا انفارا قليلة ونظرهم الباشا من قلعته فزعق على السلحدار فركب في عدة من الشفاسية وخرج اليهم فعندما واجهوهم لم يثبتوا وولوا بعدما سقط منهم انفار
وفيه وصل جواب من الامراء القبالي الى المشايخ يذكرون فيه انهم يخاطبون الباشا في اخماد الحرب وصلحه معهم فان ذلك اصلح له ويكونون معه على مايحب وما يأمر به ويرتاح من علوفة العسكر التي اوجبت له المصادرات وسلب الاموال وخراب الاقليم وان يختار من العسكر طائفة معلومة معدودة يقيمون بمصر ويأمر الباقي بالسفر إلى بلادهم فلما خاطبوه بذلك واطلعوه على المكاتبة أبي وقال ليس لهم عندي الا الحرب
وفي يوم الجمعة حصلت أيضا بينهم محاربة واصيب من المراكب (3/17)
الحربية التي يسمونها الشلنبات اثنتان غرقت احداهما واحرقت الثانية واتهم الباشا الطبجية فقتل منهم خمسة اثنان بالقلعة وثلاثة بالرميلة
وفي يوم السبت حضر محمد علي من بحرى وذهب الى جهة القرافة فأقام بمقام عقبة بن عامر الجهني ووقع في ذلك اليوم محاربات أيضا
وفي يوم الاحد اشيع حضور الامراء القبالي الى ناحية بهتيم وانهم ارسلوا الى المطرية بالجلاء عنها ورمحت العرب نواحي بولاق والجهات البرانية وضربوا عليهم مدافع وفي ذلك اليوم نظر الباشا وكبار العسكر الى جهة البساتين فلم يروا احدا من المصرلية فركب محمد علي واخذ معه عدة وافرة ودخلوا تلك الجهة فلم يرو امامهم احدا فلم يزالوا سائرين واذا بكمين خرج عليهم من جانب الجبل فاوقع معهم وقعة قوية حتى اثخنوهم وقتل منهم من قتل حتى لحقو بالمشاة الرجالة فضربوا عليهم طلقا وولوا مدبرين فصار محمد علي يستحثهم ويردهم ويحرضهم فلم يسمعوا له ورجعوا وفيهم جرحى كثيرة طلعوا بطائفة منهم الى القلعة ودخل الباقون الى المدينة وطلبوا طائفة المزينين لمداواة الجرحى بالقلعة اخذوا في ذلك اليوم برج الدير الذي كان بأيدي العسكر جهة البحر بطرا وقتلوا من به من العسكر واعطوا لمن بقي الامان وهم نحو الثلاثين شخصا
وفي يوم الاثنين ثامنه وصل المصرلية الذين كانوا جهة الشرق ووصلت مقدماتهم الى جهة العادلية وناحية الشيخ قمر بل وعند الكيمان خارج باب النصر فأغلقوا باب النصر وباب الفتوح والعدوى وهربت سكان الحسينية وحصلت كرشة بالجمالية ولم يخرج اليهم احد من العسكر بل اخذوا يضربون المدافع من على السور ودخل محمد بك المنفوخ الى الحسينية وجلس بمسجد البيومي وانتشر المماليك والاتباع على الدكاكين والقهاوي واستمر ضرب المدافع الى بعد الظهر ثم أن المصرية ترفعوا عن الحسينية الى اليشبكية فبطل الرمي ودخل الوالي وامامه ثلاثة رؤوس تبين (3/18)
انها رؤوس مغاربة من مقاطيع الحجاج المرضى كانوا مطروحين خارج القاهرة
وفيه طلب جماعة من المماليك السيد بدرا المقدسي فخرج اليهم من داره خارج باب الفتوح فأخذوه عند البرديسي وابراهيم بك فاسر اليه ابراهيم بك بان يكون سفيرا بينهم وبين الباشا في الصلح معهم وانه لايستقيم حاله مع العسكر ولا يرتاح معهم وليعتبر بما فعلوه محمد باشا واما نحن فنكون معه على ما ينبغي من الطاعة والخدمة وحضر في اواخر النهار فلما اصبح يوم الثلاثاء ركب وطلع الى الباشا وبلغه ذلك فقال له الباشا على سبيل الاختبار والمسايرة قولك صحيح ومن يرجع اليهم بالجواب فقال انا فحقدها عليه ثم قام من عنده فارسل خلفه وعوقه عند الخازندار فذهب اليه في ثاني يوم شيخ السادت والسيد عمر النقيب وترجوا في اطلاقه فامتنع وقال اخاف عليه أن يقتله العسكر ولا بأس عليه ولا يصلح اطلاقه في هذا الوقت وبعد خمسة ايام يكون خيرا فإنه مقيم عند الخازندار في اكرام وفي مكان احسن من داره وهذا رجل اختيار يفعل هذه الفعال يخرج الى المخالفين متنكرا ويرجع من عندهم بكلام ثم يطلب العود اليهم ثانيا
وفي ليلة الثلاثاء المذكور حضر محمد علي عند الباشا بعد الغروب وقبض منه خمسين كيسا وقيل ثمانين ورجع الى معسكره فجمع العسكر وتكلم معهم وفرق عليهم الدراهم واتفق معهم على الركوب والهجوم على من بطرا في تلك الليلة على حين غفلة وكان كاتبهم قبل ذلك يلاطفهم ويظهر العجز ويطلب معهم الصلح وامثال ذلك وفي ظن اولئك صدقة وعدم قدرتهم على مقاومتهم وملاقاتهم فلما مضى نحو خمس ساعات من الليل ركب محمد علي في نحو اربعة آلاف فرسانا ورجالا فلما قربوا من الحرس في اخر السادسة ترجلوا وقسموا انفسهم ثلاثة طوابير ذهب قسم منهم جهة الدير والثاني جهة المتاريس والثالث جهة الخيل والجماعة (3/19)
وهم صالح بك الألفي ومن معه في غفلتهم ونومهم مطمئنين وكذلك حرسهم فلم يشعروا الا وقد صدموهم فاستيقظ القوم وبادروا الى الهرب والنجاة فملكوا منهم الدير وابراج طرا وكان بها عسكر العثمانيين الى هذا الوقت محصورين وقد اشرفوا على طلب الامان واخذوا مدفعين كانا بالمتراس وبعض امتعة وثمان هجن وثلاثة عشر فرسا وقتل بينهم بعض اشخاص وانجرح كذلك ورجع محمد علي والعسكر على الفور من آخر الليل ومعه خمسة رؤوس فيها رأس واحدة لم يعلم رأس من هي والباقي رؤوس عربان او سياس او غير ذلك وزعموا أن تلك الرأس هي رأس صالح بك وارسلوا المبشرين آخر الليل الى الاعيان لياخذوا البقاشيش واشاعوا أنهم قبضوا على الألفي الصغير واحضروه معهم حيا والباقي رموا بأنفسهم الى البحر ولما طلع محمد علي الى الباشا خلع عليه الفروة التي حضرت له من الدولة وعلقوا تلك الرؤوس على السبيل بالرميلة وضربوا شنكا من القلعة ومدافع واظهروا السرور وداروا بالاسواق يضربون بالطنابير وشمخ المغرضون بانافهم على المغرضين للمصرلية ثم تبين عدم صحة تلك الاشاعة وان تلك الراس راس بعض الأجناد ولم يمسك الألفي كما قالوا
وفي يوم الاربعاء عاشره وصل من بحرى ثلاث شلنبات كان الباشا ارسل بطلبها عوضا عما تلف فعند ما وصلوا الى جهة باسوس وهناك مركز للمصرلية على جرف عال اقعدوا به طبجية ليمنعوا من يمر بالمراكب فضربوا عليهم وضرب من في المراكب الحربية أيضا على من في البر فكان ضرب من في البر يصيب من في البحر وضربهم لايصيبهم لعلو الجرف عليهم فاحترقت جبخانة احدى الشلنبات واحترق ما فيها بها وغرقت الثانية ويقال أن الثالثة لم تكن من المراكب الحربية بل هي مركب معاش وكان حضر في خفارتهم عدة من المراكب المسافرين فخافوا ورجعوا وقبضوا على بعض قواويس بها غلال فأخذوا مافيها فلما شاع ذلك بالمدينة رفعوا ماكان (3/20)
موجودا من الغلة بالعرصات وشحت الغلال وعدم الفول والشعير وبيع ربع الويبة من الفول بتسعين نصفا وقل وجود الخبز في الاسواق وخطف بعض العسكر ما وجدوه من الخبز ببعض الافران واخذوا الدقيق من الطواحين وصار بعض العسكر يدخل بعض البيوت ويطلبون منهم الاكل والعليق لدوابهم
وفي يوم الخميس والجمعة اشتد الحال وبيع ربع الويبة من القمح بسبعين نصفا وثمانين نصفا وعدم الفول واشترى بعض من وجده ربعا بمائة نصف فضة فيكون الاردب على ذلك الحساب بألفين واربعمائة نصف وخرج عساكر كثيرة ووقعت حروب بين الفريقين ورجع القبليون الى طرا وحاربوا عليها وكانوا شرعوا في عمارة ما تهدم من ابراجها ونقلوا اليها الذخيرة والقومانية والجبخانة والعسكر واخذوا جمال السقائين لنقل الماء الى الصهريج الذي ببرج طرا ودار الآغا والوالي على المخازن ببولاق ومصر واخذوا منها ما وجدوه من الغلة وامروا ببيعه على الناس بخمسين نصفا الربع واخذوا لانفسهم ما وجدوه من الشعير والفول
وفي يوم السبت قلدوا حسن أغانجاتي الحسبة فخافته السوقة واجتهدوا في تكثير العيش والكعك والمأكولات بقدر امكانهم واجتهد هو أيضا في الفحص على الغلال المخزونة وبيعها للخبازين واما اللحم الضاني فانه انعدم بالكلية لعدم ورود الاغنام
وفيه شح ورود الغلة في العرصات وذهب اناس الى برانبابة فاشتروا الربع بثمانين نصفا وازيد من ذلك والقول بمائة وعشرين وعلق اكثن الناس على بهائمهم ما وجدوه من اصناف الحبوب مثل الحمص والعدس وهم المياسير من الناس واما غيرهم فاقتصروا على التبن واما العنب والتين في وقت وفرتهما فلم يظهر منهما الا القليل وبيع الرطل من العنب بأربعة عشر نصفا والتين بسبعة انصاف وذلك بعد سلوك الطريق ومشي السفن
وفي يوم الاحد رابع عشره اجتمعت العساكر الكثيرة للحرب عند (3/21)
شبرا ورموا على بعضهم بالمدافع والقرابين والبنادق من ضحوة النهار ثم التحم الحرب بين الفريقين واشتد الجلاد بينهما الى بعد منتصف النهار وصبر الفريقان وقتل بينهما عدة كبيرة من العسكر الأرنؤد وطائفة المماليك والعربان فقتل من اكابر العسكر اربعة او خمسة ودخلوا بهم المدينة وانكف الفئتان وانحاز الى معسكرهما وبعد هجعة من الليل اجتمع العسكر من الانكشارية والارنؤدية وغيرهم وكبسوا على متاريس شبرا وبها حسين بك المعروف بالافرنجي وعلي بك ايوب ومعهما عسكر من الأرنؤد الذين انضموا اليهما ومنهم الرماة والطبجية فاجلوهم عن المتاريس وملكوها منهم ووقع بينهم قتلى كثيرة وقتل من عسكر حسين بك المذكور نحو مائة وستين نفرا وعدة من مماليك علي بك ايوب خلاف الجرحى وزحفوا على باقي المتاريس فملكوا منهم متاريس شلقان وباسوس وانهزم المصرلية الى جهة الشرق بالخانكة وابى زعبل وقيل أن العسكر المنضمين اليهم المتقيدين بالمتاريس هم الذين خامروا عليهم وانهزموا عن المتاريس حتى كانوا هم السبب في هزيمتهم فلما اصبح النهار حضروا بسبعة رؤوس فيها ثلاثة من الأجناد الملتحين وثلاثة شوارب ورأس أسود فعلقوها بباب زويلة ومن الثلاثة أجناد رأس له لحية طويلة شائبة شبيهة بلحية ابراهيم بك الكبير فقال بعض الناس هذه راس ابراهيم بك بلا شك واشيع ذلك بينهم فاجتمع الناس من كل ناحية للنظر اليه ووصل الخبر الى الباشا فاحضر عبد الرحمن بك والمزين الذي كان يحلق له لمعرفتهما به واخرين وطلب الراس فأحضروها وتأملوها فمنهم من اشتبهت عليه ومنهم من انكرها لعلامات يعرفها به وهي الصلع وسقوط بعض الاسنان ثم اعيدت الى مكانها على ذلك الاشتباه ثم انهم عملوا شنكا ومدافع لذلك ثم طلبها محمد علي أيضا وفعل مثل ذلك وردها أيضا ثم رفعوها في الليل واستمر الفرح والشنك يومين والناس بين ناف ومثبت ومسلم ومنكر ومعاند ومكابر حتى وردت خدم من معسكرهم واخبروا بحياة ابراهيم (3/22)
بك وانه بوطاقة جهة الشرق فزال الشك وارسل المصريون الى بيوتهم اوراقا
وفي ليلة الاثنين المذكور وقع خسوف قمري وطلع من المشرق منخسفا اخذا في الانجلاء ومقدار المنخسف منه عشرة اصابع وتم انجلاؤه في ثاني ساعة من الليل وكان باول برج الدلو
وفي ليلة الخميس وصل امير اخور الصغير من الديار الرومية وطلع الى بولاق في صبحها وركب الى القلعة فانزله الباشا ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك بدرب الجماميز ولم يعلم ما بيده من الاوامر ثم تبين أن من الأوامر التي معه اخراج خمسمائة من العسكر الى بندر ينبع البحر يقيمون بها محافظين لها من الوهابيين ويدفع لهم جامكية سنة كاملة وذخيرتها وما يحتاجون اليه من مؤنة وغلال وجبخانة
وفي يوم الثلاثاء قرأوا تلك الاوامر وفيها انه تعين محمد باشا أبو مرق بعساكر الشام الى الحجاز فاحضر الباشا كبار العسكر وعرض عليهم ذلك الامر وقال لهم انه ورد لي اذن عام في تقليد من اقلده فمن احب منكم قلدته امرية طوخ أو طوخين فامتنعوا من ذلك وقالوا نحن لا نخرج من مصر ولا نتقلد منصبا خارجا عنها ووصلت الاخبار في هذه الايام أن الوهابيين ملكوا الينبع
وفيه وردت الاخبار بأن الألفي عدى الى البر الشرقي وكان قبل ذلك عدى الى البر الغربي وانتشرت عساكره الى الجسر الاسود ثم رجعوا وعدوا الى البر الشرقي
وفي يوم الاربعاء سابع عشره ركب الامراء المصرلية وانتقلوا من الخانكة ومروا من خلف الجبل بحملاتهم واثقالهم وذهبوا الى جهة قبلي وخاب سعيهم ولم ينالوا غرضهم وكانوا في ظنهم انهم اذا حصلوا بالقرب من المدينة خرج اليهم الكثير من العسكر وانضم اليهم لمقدمات سبقت منهم ومراسلات وكلام وقع بينهم وبين اتباعهم ومماليكهم المجتمعين عند (3/23)
اكابرهم وذبهم عنهم وعن بيوتهم وحريمهم بل واخراج بعض الاتباع والمماليك بمطلوبات الى اسيادهم خفية وليلا حتى استقر في اذهان كثير من العقلاء ممالات كثير من البنباشيات ورؤساء العسكر من المصرلية وعندما تحقق العسكر ذهابهم دخلوا الى المدينة بأثقالهم وحملوهم وانتشروا بها حتى ملؤا الازقة والطرق والبيوت وقدمت السفن المعوقة وتواجدت الغلال بالرقع وتخلف عنهم اناس كانوا منضمين اليهم طلبوا امانا بعد ذلك وحضروا بعد ذلك الى مصر وقدمت عساكر ودلاة في المراكب ودخلوا البيوت بمصر وبولاق واخرجوا منها اهلها وسكنوها واذا سكنوا دارا اخربوها وكسروا اخشابها واحرقوها لوقودهم فإذا صارت خرابا تركوها وطلبوا غيرها ففعلوا بها كذلك وهذا دأبهم من حين قدومهم الى مصر حتى عم الخراب سائر النواحي وخصوصا بيوت الامراء والاعيان وبواقي دور بركة الفيل وما حولها من بيوت الاكابر والقصور التي كانت يضرب بأدناها المثل وفي ذلك يقول صاحبنا العلامة الشيخ حسن العطار واما بركة الفيل فقد رميت بكل خطب جليل واورثت العين بوحشتها بكاء وعويلا والقلب بذكر ما سلف من مباهجها حزنا طويلا
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه طلع المشايخ عند الباشا وشفعوا في السيد بدر المقدسي فأطلقه ونزل إلى داره
وفي يوم الخميس خامس عشرينه قلدوا علي آغا الوالي على العسكر المعين الى الينبع اميرا وضربوا له مدافع وفرح الناس بعزله من الولاية فانه كان اخبث من تقلد الولاية من العثمانية وكان الباشا يراعي خاطره ولا يقبل فيه شكوى وتعين للسفر معه عدة من العسكر من اخلاط مصر البطالين اروام وخلافهم
وفيه قلدوا مناصب كشوفية الاقاليم لاشخاص من العثمانية
وفي ثامن عشرينة تشاجر شخص من العسكر مع شخص حكيم فرنساوي عند حارة الافرنج بالموسكي فاراد العسكري قتل الفرنساوي (3/24)