كتاب تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
الجزء الأول بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القديم الأول الذي لا يزول ملكه ولا يتحول خالق الخلائق وعالم الذرات بالحقائق مفنى الأمم ومحيي الرمم ومعيد النعم ومبيد النقم وكاشف الغمم وصاحب الجود والكرم لا إله الا هو كل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجون واشهد ان لا اله الا الله تعالى عما يشركون واشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله الى الخلق أجمعين المنزل عليه نبا القرون الاولين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما تعاقبت الليالي والايام وتداولت السنين والاعوام
وبعد فيقول الفقير عبد الرحمن بن حسن الجبرتي الحنفي غفر الله له ولوالديه واحسن اليهما واليه اني كنت سودت أوراقا في حوادث آخر القرن الثاني عشر وما يليه من أوائل الثالث عشر الذي نحن فيه جمعت فيها بعض الوقائع اجمالية وأخرى محققة تفصيلية وغالبها محن ادركناها وامور شاهدناها واستطردت في ضمن ذلك سوابق سمعتها ومن افواه الشيخة تلقيتها وبعض تراجم الاعيان المشهورين من العلماء والامراء المعتبرين وذكر لمع من أخبارهم واحوالهم وبعض تواريخ مواليدهم ووفياتهم
فاحببت جمع شملها وتقييد شواردها في أوراق متسقة النظام مرتبة على السنين والاعوام ليسهل على الطالب النبيه المراجعة ويستفيد (1/5)
ما يرويه من المنفعة ويعتبر المطلع على الخطوب الماضية فيتأسى اذا لحقه مصاب ويتذكر بحوادث الدهر انما يتذكر اولو الالباب
فانها حوادث غريبة في بابها متنوعة في عجائبها وسميته عجائب الآثار في التراجم والاخبار وانا لنرجو ممن اطلع عليه وحل بمحل القبول لديه ان لا ينسانا من صالح دعواته وان يغضى عما عثر عليه من هفواته
اعلم ان التاريخ علم يبحث فيه عن معرفة احوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائعهم وانسابهم ووفياتهم وموضوعه احوال الأشخاص الماضية من الانبياء والاولياء والعلماء والحكماء والشعراء والملوك والسلاطين وغيرهم والغرض منه الوقوف علىالاحوال الماضية من حيث هي وكيكا كانت وفائدته العبرة بتلك الاحوال والتنصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تغلبات الزمن ليتحرز العاقل عن مثل احوال الهالكين من الامم المذكورة السالفين
ويستجلب خيار افعالهم ويتجنب سوء أقوالهم ويزهد في الفاني ويجتهد في طلب الباقى واول واضع له فى الاسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه وذلك حين كتب ابو موسى الاشعري الى عمر انه ياتينا من قبل امير المؤمنين كتب لا ندري على ايها نعمل فقد قرأنا صكا محله شعبان فما ندري أي الشعبانين أهو الماضي أم القابل وقيل رفع لعمر صك محله شعبان فقال أي شعبان هذا هو الذي نحن فيه او الذي هو آت ثم جمع وجوه الصحابة رضي الله عنهم وقال ان الأموال قد كثرت وما قسمناه غير مؤقت فكيف التوصل الى ما يضبط به ذلك
فقال له الهرمزان وهو ملك الاهواز وقد اسر عند فتوح فارس وحمل الى عمر واسلم على يديه أن للعجم حسابا يسمونه ماه روز ويسندونه الى من غلب عليهم الاكاسرة فعربوا لفظة ماه روز يمورخ ومصدره التاريخ واستعملوه في وجوه التصريف ثم شرح لهم الهرمزان كيفية استعمال ذلك فقال لهم عمر ضعوا للناس تاريخا يتعاملون عليه وتصير اوقاتهم فيما يتعاطونه من المعاملات مضبوطة
فقال (1/6)
له بعض من حضر من مسلمى اليهود ان لنا حسابا مثله مسندا الى الاسكندر فما ارتضاه الآخرون لما فيه من الطول
وقال قوم نكتب على تاريخ الفرس
قيل ان تواريخهم غير مسندة الى مبدأ معين بل كلما قام منهم ملك ابتدأوا التاريخ من لدن قيامه وطرحوا ما قبله
فاتفقوا على ان يجعلوا تاريخ دولة الاسلام من لدن هجرة النبي صلى الله عليه و سلم لان وقت الهجرة لم يختلف فيه احد بخلاف وقت ولادته ووقت مبعثه صلى الله عليه و سلم
وكان للعرب في القديم من الزمان بارض اليمن والحجاز تواريخ يتعارفونها خلفا عن سلف الى زمن الهجرة
فلما هاجر صلى الله عليه و سلم من مكة الى المدينة وظهر الاسلام وغلت كلمة الله تعالى اتخذت هجرته مبدأ لتاريخها وسميت كل سنة باسم الحادثة التي وقعت فيها
وتدرج ذلك الى سنة عشرة من الهجرة في زمن عمر فكان اسم السنة الاولى سنة الاذن بالرحيل من مكة الى المدينة والثانية سنة الأمر اي بالقتال الى آخره
وقال اصحاب التواريخ ان العرب في الجاهلية كانت تستعمل شهور الاهلة وتقصد مكة للحج وكان حجهم وقت عاشر الحجة كما رسمه سيدنا ابراهيم عليه الصلاة و السلام
ولكن لما كان لا يقع في فصل واحد من فصول السنة بل يختلف موقعه منها بسبب تفاضل ما بين السنة الشمسية والقمرية ووقوع ايام الحج في الصيف تارة وفي الشتاء اخرى وكذا في الفصلين الآخرين ارادوا ان يقع حجهم في زمان واحد لا يتغير وهو وقت ادراك الفواكه والغلال واعتدال الزمن في الحر والبرد ليسهل عليهم السفر ويتجروا بما معهم من البضائع والارزاق مع قضاء مناسكهم
فشكوا ذلك الى أميرهم وخطيبهم فقام في الموسم عند اقبال العرب من كل مكان فخطب ثم قال أنا أنشأت لكم في هذه السنة شهرا ازيده فتكون السنة ثلاثة عشر شهرا وكذلك افعل في كل ثلاث سنين او اقل حسبما يقتضيه حساب وضعته ليأتي حجكم وقت ادراك الفواكه والغلال (1/7)
فتقصدوننا بما معكم منها
فوافقت العرب على ذلك ومضت الى سبيلها فنسأ المحرم وجعله كبيسا واخره الى صفر وصفر الى ربيع الاول وهكذا فوقع الحج في السنة الثانية في عاشر المحرم وهو ذو الحجة عندهم
وبعد انقضاء سنتين او ثلاثة وانتهاء نوبة الكبيس أي الشهر الذي كان يقع فيه الحج وانتقاله الى الشهر الذي بعده قام فيهم خطيبا وتكلم بما اردا ثم قال انا جعلنا الشهر الفلاني من السنة الفلانية الداخلة للشهر الذي بعده ولهذا فسر النسىء بالتأخير كما فسر بالزيادة
وكانوا يديرون النسىء على جميع شهور السنة بالنوبة حتى يكون لهم مثلا في سنة محرمان وفي اخرى صفران ومثل هذا بقية الشهور فاذا آلت النوبة الى الشهر المحرم قام لهم خطيبا فينبئهم ان هذه السنة قد تكرر فيها اسم الشهر الحرام فيحرم عليهم واحدا منها بحسب رأيه على مقتضى مصلحتهم فلما انتهت النوبة في ايام النبي صلى الله عليه و سلم الى ذي الحجة وتم دور النسىء على جميع الشهور حج صلى الله عليه و سلم في تلك السنة حجة الوداع وهي السنة العاشرة من الهجرة لموافقة الحج فيها عاشر الحجة ولهذا لم يحج صلى الله عليه و سلم في السنة التاسعة حين حج أبو بكر الصديق رضى الله عنه بالناس لوقوعه في عاشر ذي القعدة
فلما حج صلى الله عليه و سلم حجة الوداع خطب وامر الناس بما شاء الله تعالى
ومن جملته الا ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض يعني رجوع الحج الى الموضع الاول كما كان في زمن سيدنا ابراهيم صلوات الله تعالى عليه ثم تلا قوله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا ان الله مع المتقين انما زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء اعمالهم والله لا يهدي القوم (1/8)
الكافرين
ومنع العرب من هذا الحساب وامر بقطعه والاستمرار بوقوع الحج في أي زمان اتى من فصول السنة الشمسية فصارت سنوهم دائرة في الفصول الاربع والحج واقع في كل زمان منها كما كان في زمن ابراهيم الخليل عليه السلام
ثم كون حجة الصديق واقعة في القعدة فهو قول طائفة من العلماء وقال آخرون بل وقعت حجته ايضا في ميقاتها من ذي الحجة وقد روي في السنة ما يدل على ذلك والله اعلم بالحقائق
ولما كان علم التاريخ علما شريفا فيه العظة والاعتبار وبه يقيس العاقل نفسه على من مضى من امثاله في هذه الدار وقد قص الله تعالى اخبار الامم السالفة في ام الكتاب فقال تعالى لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب
وجاء من احاديث سيد المرسلين كثير من اخبار الامم الماضين كحديثه عن بني اسرائيل وما غيروه من التوراة والانجيل وغير ذلك من اخبار العجم والعرب مما يفضى بمتأمله الى العجب
وقد قال الشافعي رضي الله عنه من علم التاريخ زاد عقله
ولم تزل الامم الماضية من حين اوجد الله هذا النوع الانساني تعتني بتدوينه سلفا عن سلف وخلفا من بعد خلف الى ان نبذه اهل عصرنا وأغفلوه وتركوه وأهملوه وغدوه من شغل البظالين واساطير الاولين ولعمري انهم لمعذورون وبالاهم مشتغلون ولا يرضون لاقلامهم المتعبة في مثل هذه المنقبة فان الزمان قد انعكست احواله وتقلصت ظلاله وانخرمت قواعده في الحساب فلا تضبط وقائعه في دفتر ولا كتاب
واشغال الوقت في غير فائدة ضياع وما مضى وفات ليس له استرجاع الا ان يكون مثل الحقير منزويا في زوايا الخمول والاهمال منجمعا عما شغلوا به من الاشغال فيشغل نفسه في اوقات من خلواته ويسلي وحدته بعد سيئات الدهر وحسناته
وفن التاريخ علم يندرج فيه علوم كثيرة لولاه ما ثبتت اصولها ولا تشعبت فروعها منها طبقات القراء والمفسرين والمحدثين وسير الصحابة (1/9)
والتابعين وطبقات المجتهدين وطبقات النجاة والحكماء والاطباء وأخبار الانبياء عليهم الصلاة والسلام واخبار المغازي وحكايات الصالحين ومسامرة الملوك من القصص والاخبار والمواعظ والعبر والامثال وغرائب الاقاليم وعجائب البلدان
ومنها كتب المحاضرات ومفاكهة الخلفاء وسلوان المطاع ومحاضرات الراغب
وأما الكتب المصنفة فيه فكثيرة جدا ذكر منها في مفتاح السعادة الفا وثلثمائة كتاب قال في ترتيب العلوم وهذا بحسب ادراكه واستقصائه والا فهي تزيد على ذلك لأنه ما الف في فن من الفنون مثل ما الف في التواريخ وذلك لانجذاب الطبع اليها والتطلع على لا امور المغيبات ولكثرة رغبة السلاطين لزيادة اعتنائهم بحسب التطلع على سير من تقدمهم من الملوك مع ما لهم من الاحوال والسياسات وغير ذلك فمن الكتب المصنفة فيه تاريخ ابن كثير في عدة مجلدات وهو القائل شعرا ... تمر بنا الايام تترى وانما ... نساق الى الآجال والعين تنظر ... فلا عائد صفو الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدر ...
وتاريخ الطبري وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري مات سنة عشر وثلاثمائة ببغداد وتاريخ ابن الاثير الجزري المسمى بالكامل ابتدأ فيه من اول الزمان الى اواخر سنة ثمان وعشرين وستمائة وله كتاب اخبار الصحابة في ست مجلدات
وتاريخ ابن الجوزي وله المنتظم في تواريخ الامم ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي في أربعين مجلدا وتاريخ ابن خلكان المسمى بوفيات الاعيان وانباء ابناء الزمان وتواريخ المسعودي اخبار الزمان والاوسط ومروج الذهب
ومن اجل التواريخ تواريخ الذهبي الكبير والاوسط المسمى بالعير والصغير المسمى دول الاسلام وتورايخ السمعاني منها ذيل تاريخ بغداد لابي بكر بن الخطيب نحو خمسة عشر مجلدا وتاريخ مرو يزيد على عشرين مجلدا والانساب في (1/10)
نحو ثمان مجلدات وتواريخ العلامة ابن حجر العسقلاني وتاريخ الصفدي وتواريخ السيوطي وتاريخ الحافظ ابن عساكر في سبعة وخمسين مجلدا وتاريخ اليافعي وبستان التواريخ ست مجلدات وتواريخ بغداد وتواريخ حلب وتواريخ اصبهان للحافظ ابي نعيم وتاريخ بلخ وتاريخ الاندلس والاحاطة في اخبار غرناطة وتاريخ اليمن وتاريخ مكة وتواريخ الشام وتاريخ المدينة المنورة وتواريخ الحافظ المقريزي وهي التاريخ الكبير المقفى والسلوك في دول الملوك والمواعظ والاعتبار في الخطط والاثار وغير ذلك ونقل في مؤلفاته اسماء تواريخ لم نسمع باسمائها في غير كتبه مثل تاريخ ابن ابي طي والمسيحي وابن المأمون وابن زولاق والقضاعي
ومن التواريخ تاريخ العلامة العيني كي اربعين مجلدا رأيت منه بعض مجلدات بخطه وهي ضخمة في قالب الكامل ومنها تاريخ الحافظ السخاوي والضوء اللامع في أهل القرن التاسع رتبه على حروف المعجم في عدة مجلدات وتاريخ العلامة ابن خلدون في ثمان مجلدات ضخام ومقدمته مجلد على حدة من أطلع عليها رأى بحرا متلاطما بالعلوم مشحونا بنفائس جواهر المنطوق والمفهوم وتاريخ ابن دقاق
وكتب التواريخ اكثر من ان تحصى وذكر المسعودي جملة كبيرة منها وتاريخه لغاية سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة فما ظنك بما بعد ذلك
قلت وهذه صارت اسماء من غير مسميات فانا لم نر من ذلك إلا بعض اجزاء بقيت في بعض خزائن كتب الاوقاف بالمدارس مما تداولته ايدي الصحافيين وباعها القومة والمباشرون ونقلت الى بلاد المغرب والسودان ثم ذهبت بقايا البقايا في الفتن والحروب واخذ الفرنسيس ما وجدوه الى بلادهم
ولما عزمت على جمع ما كنت سودته اردت ان اوصله بشيء قبله فلم اجد بعد البحث والتفتيش الا بعض كراريس سودها بعض العامة من الاجناد ركيكة التركيب مختلة التهذيب والترتيب وقد اعتراها النقص من مواضع في خلال بعض الوقائع
وكنت ظفرت بتاريخ من تلك (1/11)
الفروع لكنه على نسق في الجملة مطبوع لشخص يقال له احمد حلبي بن عبد الغني مبتدئا فيه من وقت تملك بني عثمان للديار المصرية وينتهي كغيره ممن ذكرناه الى خمسين ومائة وألف هجرية
ثم ان ذلك الكتاب استعاره بعض الاصحاب وزلت به القدم ووقع في صندوق العدم
ومن ذلك الوقت الى وقتنا هذا لم يتقيد احد بتقييد ولم يسطر في هذا الشأن شيئا يفيد فرجعنا الى النقل من افواه الشيخة المسنين وصكوك دفاتر الكتبة والمباشرين وما انتقش على احجار ترب المقبورين وذلك من اول القرن الى السبعين وما بعدها الى التسعين امور شاهدناها ثم نسيناها وتذكرناها ومنها الى وقتنا امور تعقلناها وقيدناها وسطرناها الى ان تم ما قصدنا باي وجه كان وانتظم ما أردنا استطراده من وقتنا الى ذلك الاوان
وسنورد ان شاء الله تعالى ما ندركه من الوقائع بحسب الامكان والخلو من الموانع الى ان يأتي امر الله وان مردنا الى الله ولم اقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير او طاعة وزير او أمير ولم أداهن فيه دولة بنفاق أو مدح او ذم مباين للأخلاق لميل نفساني أو غرض جسماني وانا استغفر الله من وصفي طريقا لم اسلكه وتجارتي برأس مال لم أملكه (1/12)
مقدمة
اعلم ان الله تعالى لما خلق الارض ودحاها وأخرج منها ماءها ومرعاها وبث فيها من كل دابة وقدر اقواتها احوج بعض الناس الى بعض في ترتيب معايشهم ومآكلهم وتحصيل ملابسهم ومساكنهم لانهم ليسوا كسائر الحيوانات التي تحصل ما تحتاج اليه بغير صنعة
فان الله تعالى خلق الانسان ضعيفا لا يستقل وحده بامر معاشه لاحتياجه الى غذاء ومسكن ولباس وسلاح فجعلهم الله تعالى يتعاضدون يتعاونون في تحصيلها وترتيبها بان يزرع هذا الذاك ويخبز ذاك لهذا وعلى هذا القياس تتم سائر أمورهم ومصالحهم وركز في نفوسهم الظلم والعدل
ثم مست الحاجة بينهم ميزانا للعدالة وقانونا للسياسة توزن به حركاتهم وسكناتهم وترجع اليه طاعاتهم ومعاملاتهم فانزل الله كتابه بالحق وميزانه بالعدل كما قال تعالى الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان
قال علماء التفسير المراد بالكتاب والميزان العلم والعدل وكانت مباشرة هذا الامر من الله بنفسه من غير واسطة وسبب على خلاف ترتيب المملكة وقانون الحكمة فاستخلف فيها من الآدميين خلائف ووضع في قلوبهم العلم والعدل ليحكموا بهما بين الناس حتى يصدر تدبيرهم عن دين مشروع وتجتمع كلمتهم على رأي متبوع ولو تنازعوا في وضع الشريعة لفسد نظامهم واختل معاشهم
فمعنى الخلافة هو ان ينوب احد مناب آخر في (1/13)
التصرف واقفا على حدود اوامره ونواهيه وأما معنى العدالة فهي خلق في النفس او صفة في الذات تقتضي المساواة لانها اكمل الفضائل لشمول اثرها وعموم منفعتها كل شيء وانما الانسان عادلا لما وهبه الله قسطا من عدله وجعله سببا وواسطة لايصال فيض واستخلفه في ارضه بهذه الصفة حتى يحكم بين الناس بالحق والعدل كما قال تعالى يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق
وخلائف الله هم القائمون بالقسط والعدالة في طريق الاستقامة ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه والعدالة تابعة للعلم باوساط الامور المعبر عنها في الشريعة بالصراط المستقيم
وقوله تعالى ان ربي على صراط مستقيم اشارة الى ان العدالة الحقيقة ليست الا لله تعالى فهو العادل الحقيقي الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ووضع كل شيء على مقتضى علمه الكامل وعدله الشامل
وقوله صلى الله عليه و سلم بالعدل قامت السموات والارض اشارة الى عدل الله تعالى الذي جعل لكل شيء قدرا لو فرض فارض زائدا عليه او ناقصا عنه لم ينتظم الوجود على هذا النظام بهذا التمام والكمال
اصناف العدل من الخلائق خمسة ورفع الله بعضهم فوق بعض درجات كما قال تعالى وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات
الاول الانبياء عليهم الصلاة والسلام فهم ادلاء الامة وعمد الدين ومعادن حكم الكتاب وأمناء الله في خلقه هم السرج المنيرة على سبيل الهدى وحملة الامانة عن الله الى خلقه بالهداية بعثهم الله رسلا الى قومهم وانزل معهم الكتاب والميزان ولا يتعدون حدود ما أنزل الله اليهم من الاوامر والزواجر ارشادا وهداية لهم حتى يقوم الناس بالقسط والحق ويخرجونهم من ظلمات الكفر والطغيان الى نور اليقظة والايمان وهم سبب نجاتهم من دركات جهنم الى درجات الجنان
وميزان عدالة (1/14)
الانبياء عليهم الصلاة والسلام الدين المشروع الذي وصاهم الله باقامته في قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا
فكل امر من امور الخلائق دنيا واخرى عاجلا وآجلا قولا وفعلا حركة وسكونا جار على نهج العدالة ما دام موزونا بهذا الميزان ومنحرف عنها بقدر انحرافه عنه ولا تصح الاقامة بالعدالة الا بالعلم وهو اتباع احكام الكتاب والسنة
الثاني العلماء الذين هم ورثة الانبياء فهم فهموا مقامات القدوة من الانبياء وان لم يعطوا درجاتهم واقتدوا بهداهم واقتفوا آثارهم اذ هم احباب الله وصفوته من خلقه ومشرق نور حكمته فصدقوا بما اتوا به وسروا على سبيلهم وايدوا دعوتهم ونشروا حكمتهم كشفا وفهما ذوقا وتحقيقا ايمانا وعلما بكمال المتابعة لهم ظاهرا وباطنا
فلا يزالون مواظبين على تمهيد قواعد العدل واظهار الحق برفع منار الشرع واقامة اعلام الهدى والاسلام واحكام مباني التقوى برعاية الاحوط في الفتوى تزهدا للرخص لانهم امناء لله في العالم وخلاصة بني ادم مخلصون في مقام العبودية مجتهدون في اتباع احكام الشريعة عن باب الحبيب لا يبرحون ومن خشية ربهم مشفقون مقبلون على الله تعالى بطهارة الاسرار وطائرون اليه باجنحة العلم والانوار هم ابطال ميادين العظمة وبلابل بساتين العلم والمكالمة
اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وتلذذوا بنعيم المشاهدة ولهم عند ربهم ما يشتهون
وما ظهر في هذا الزمان من الاختلال في حال البعض من حب الجاه والمال والرياسة والمنصب والحسد والحقد لا يقدح في حال الجميع لانه لا يخلو الزمان من محقيهم وان كثر المبطلون ولكنهم اخفياء مستورون تحت قباب الخمول لا تكشف عن حالهم يد الغيرة الالهية والحكمة الازلية
وهم آحاد الاكوان وافراد الزمان وخلفاء الرحمن وهم مصابيح الغيوب مفاتيح اقفال القلوب وهم خلاصة خاصة الله من خلقه وما برحوا ابدا في مقعد صدقه بهم يهتدي كل حيران ويرتوي كل ظمآن وذلك ان (1/15)
مطلع شمس مشارق انوارهم مقتبس من مشكاة النبوة المصطفوية ومعدن شجرة اسرارهم مؤيد بالكتاب والسنة لا احصي ثناء عليهم أفض اللهم علينا مما لديهم
الثالث الملوك وولاة الامور يراعون العدل والانصاف بين الناس والرعايا توصلا الى نظام المملكة وتوسلا الى قوام السلطنة لسلامة الناس في اموالهم وابدانهم وعمارة بلدانهم ولولا قهرهم وسطوتهم لتسلط القوي على الضعيف والدنيء على الشريف
فرأس المملكة واركانها وثبات احوال الامة وبنيانها العدل والانصاف سواء كانت الدولة اسلامية او غير اسلامية فهما اس كل مملكة وبنيان كل سعادة ومكرمة
فان الله تعالى امر بالعدل ولم تكتف به حتى اضاف اليه الاحسان فقال تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان لان بالعدل ثبات الاشياء ودوامها وبالجور والظلم خرابها وزوالها فان الطباع البشرية مجبولة على حب الانتصاف من الخصوم وعدم الانصاف لهم والظلم والجور كامن في النفوس لا يظهر الا بالقدرة كما قيل ... والظلم من شيم النفوس فان تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلم ...
فلولا قانون السياسة وميزان العدالة لم يقدر مصل على صلاته ولا عالم على نشر علمه ولا تاجر على سفره [ فان قيل فما حد الملك العادل قلنا هو مما قال العلماء بالله من عدل بين العباد وتحذر عن الجور والفساد حسبما ذكره رضى الصوفي في كتابه المسمى بقلادة الارواح وسعادة الافراح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة قيام ليلها وصيام نهارها
وفي حديث آخر والذي نفس محمد بيده انه ليرفع للملك العادل الى السماء مثل عمل الرعية وكل صلاة يصليها تعدل سبعين الف صلاة وكأن الملك العادل قد عبد الله بعبادة كل عابد وقام له بشكر كل شاكر فمن لم يعرف قدر هذه النعمة الكبرى والسعادة (1/16)
العظمى واشتغل بظلمه وهواه يخاف عليه بان يجعله الله من جملة اعدائه وتعرض الى اشد العذاب كما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال ان احب الناس الى الله تعالى يوم القيامة وأقربهم منه امام عادل وأن أبغض الناس الى الله تعالى واشدهم عذابا يوم القيامة امام جائر
فمن عدل في حكمه وكف عن ظلمه نصره الحق واطاعه الخلق وصفت له النعمى واقبلت عليه الدنيا فتهنأ بالعيش واستغنى عن الجيش وملك القلوب وأمن الحروب وصارت طاعته فرضا وظلت رعيته جندا لان الله تعالى ما خلق شيئا احلى مذاقا من العدل ولا اروح الى القلوب من الانصاف ولا امر من الجور ولا أشنع من الظلم
فالواجب على الملك وعلى ولاة الامور ان لا يقطع في باب العدل الا بالكتاب والسنة لانه يتصرف في ملك الله وعباد الله بشريعة نبيه ورسوله نيابة عن تلك الحضرة ومستخلفا عن ذلك الجناب المقدس ولا يأمن من سطوات ربه وقهره فيما يخالف امره فينبغي ان يحترز عن الجور والمخالفة والظلم والجهل فانه احوج الناس الى معرفة العلم واتباع الكتاب والسنة وحفظ قانون الشرع والعدالة فانه منتصب لمصالح العباد واصلاح البلاد وملتزم بفصل خصوماتهم وقطع النزاع بينهم وهو حامي الشريعة بالاسلام فلا بد من معرفة احكامها والعلم بحلالها وحرامها ليتوصل بذلك الى ابراء ذمته وضبط مملكته وحفظ رعيته فيجتمع له مصلحة دينه ودنياه وتمتلىء القلوب بمحبته والدعاء له فيكون ذلك اقوم لعمود ملكه وأدوم لبقائه وابلغ الاشياء في حفظ المملكة العدل والانصاف على الرعية
وقيل لحكيم أيما افضل العدل ام الشجاعة فقال من عدل استغنى عن الشجاعة لان العدل اقوى جيش وأهنأ عيش
وقال الفضيل بن عياض النظر الى وجه الامام العادل عبادة وان المقسطين عند الله على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن
قال (1/17)
[ سفيان الثوري صنفان اذا صلحا صلحت الامة واذا فسدا فسدت الامة الملوك والعلماء
والملك العادل هو الذي يقضي بكتاب الله عز و جل ويشفق على الرعية شفقة الرجل على اهله ]
روى ابن يسار عن ابيه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ايما وال ولي من أمر أمتي شيئا فلم ينصح لهم ويجتهد كنصيحته وجهده لنفسه كبه الله على وجهه يوم القيامة في النار
الرابع اوساط الناس يراعون العدل في معاملاتهم وأروش جناياتهم بالانصاف فهم يكافؤون الحسنة بالحسنة والسيئة بمثلها
الخامس القائمون بسياسة نفوسهم وتعديل قواهم وضبط جوارحهم وانخراطهم في سلك العدول لان كل فرد من افراد الانسان مسؤول عن رعاية رعيته التي هي جوارحه وقواه كما ورد كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما قيل صاحب الدار مسؤول عن اهل بيته وحاشيته
ولا تؤثر عدالة الشخص في غيره ما لم تؤثر اولا في نفسها اذ التأثير في البعيد قبل القريب بعيد
وقوله تعالى اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم دليل على ذلك والانسان متصف بالخلافة لقوله تعالى ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون
ولا تصح خلافة الله الا بطهارة النفس كما ان اشرف العبادات لا تصح الا بطهارة الجسم فما اقبح بالمرء ان يكون حسن جسمه باعتبار قبح نفسه كما قال حكيم لجاهل صبيح الوجه اما البيت فحسن واما ساكنه فقبيح
وطهارة النفس شرط في صحة الخلافة وكمال العبادة ولا يصح نجس النفس لخلافة الله تعالى ولا يكمل لعبادته وعمارة ارضه الا من كان طاهر النفس قد ازيل رجسه ونجسه
فللنفس نجاسة كما ان للبدن نجاسة فنجاسة البدن يمكن ادراكها بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك الا بالبصيرة كما اشار له بقوله تعالى انما المشركون نجس
فان الخلافة هي الطاعة والاقتدار على قدر (1/18)
طاقة الانسان في اكتساب الكمالات النفسية والاجتهاد بالاخلاص في العبودية والتخلق باخلاق الربوبية ومن لم يكن طاهر النفس لم يكن طاهر الفعل
فكل اناء بالذي فيه ينضح
ولهذا قيل من طابت نفسه طاب عمله ومن خبثت نفسه خبث عمله
وقيل في قوله عليه الصلاة و السلام لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب انه اشار بالبيت الى القلب وبالكلب الى النفس الامارة بالسوء او الى الغضب والحرص والحسد وغيرها من الصفات الذميمة الراسخة في النفس ونبه بان نور الله لا يدخل القلب اذا كان فيه ذلك الكلب
والى الطهارتين اشار بقوله تعالى وثيابك فطهر والرجز فاهجر
واما الذي تطهر به النفس حتى تصلح للخلافة وتستحق به ثوابه فهو العلم والعبادة الموظفة اللذان هما سبب الحياة (1/19)
توضيح
اعلم ان الانسان من حيث الصورة التخطيطية كصورة في جدار وانما فضيلته بالنطق والعلم
ولهذا قيل ما الانسان لولا اللسان الا بهمة مهملة او صورة فبقوة العلم والنطق والفهم يضارع الملك وبقوة الاكل والشرب والشهوة والنكاح والغضب يشبه الحيوان
فمن صرف همته كلها الى تربية القوة الفكرية بالعلم والعمل فقد لحق بافق الملك فيسمى ملكا وربانيا كما قال تعالى ان هذا الا ملك كريم
ومن صرف همته كلها الى تربية القوة الشهوانية باتباع اللذات البدنية ياكل كما تأكل الانعام فحقيق ان يلحق بالبهائم اما غمرا كثور او شرها كخنزير او عقور ككلب او حقودا كجمل او متكبرا كنمر او ذا حيلة ومكر كالثحلب او يجمع ذلك كله فيصير كشيطان مريد والى ذلك الاشارة بقوله تعالى وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت
وقد يكون كثير من الناس من صورته صورة انسان وليس هو في الحقيقة الا كبعض الحيوان
قال الله تعالى ان هم الا كالانعام بل هم أضل ... مثل لبهائم جهلا جل خالقهم ... لهم تصاوير لم يقرن بهن جحا (1/20)
من نصايح الرشاد لمصالح العباد
اعلم ان سبب هلاك الملوك اطراح ذوي الفضائل واصطناع ذوي الرذائل والاستفاف بعظة الناصح والاغتزار بتزكية المادح من نظر في العواقب سلم من النوائب وزوال الدول اصطناع السفل ومن استغنى بعقله ضل ومن اكتفى برأيه زل ومن استشار ذوي الالباب سلك سبيل الصواب ومن استعان بذوي العقول فاز بدرك المامول من عدل في سلطانه استغنى عن اعوانه عدل السلطان انفع للرعية من خصب الزمان الملك يبقى على الكفر والعدل ولا يبقى على الجور والايمان
ويقال حق على من ملكه الله على عباده وحكمه في بلاده ان يكون لنفسه مالكا وللهوى تاركا وللغيظ كاظما وللظلم هاضما وللعدل في حالتي الرضى والغضب مظهرا وللحق في السر والعلانية مؤثرا واذا كان كذلك الزم النفوس طاعته والقلوب محبته واشرق بنور عدله زمانه وكثر على عدوه انصاره واعوانه
ولقد صدق من قال ... يا ايها الملك الذي ... بصلاحه صلح الجميع ... أنت الزمان فان عدلت ... فكله أبدا ربيع ...
وقال عمرو بن العاص ملك عادل خير من مطر وابل من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه
موعظة كل محنة الى زوال وكل نعمة الى انتقال ... رأيت الدهر مختلفا يدور ... فلا حزن يدوم ولا سرور (1/21)
وشيدت الملوك به قصورا ... فما بقي الملوك ولا القصور ...
وقال المأمون ... يبقى الثناء وتنفد الاموال ... ولكل وقت دولة ورجال ...
من كبرت همته كثرت قيمته
لا تثق الدولة فانها ظل زائل ولا تعتمد على النعمة فانها ضيف راحل
فان الدنيا لا تصفو لشارب ولا تفي لصاحب
كتب عمر بن عبدالعزيز الى الحسن البصري أنصحني فكتب اليه ان الذي يصحبك لا ينصحك والذي ينصحك لا يصحبك
وسأل معاوية الاحنف بن قيس وقال له كيف الزمان فقال أنت الزمان ان صلحت صلح الزمان وان فسدت فسد الزمان
آفة الملوك سوء السيرة وآفة الوزراء خبث السريرة وآفة الجند مخالفة القادة وآفة الرعية مخالفة السادة وآفة الرؤساء ضعف السياسة وآفة العلماء حب الرياسة وآفة القضاة شدة الطمع وآفة العدول قلة الورع وآفة القوي استضعاف الخصم وآفة الجريء اضاعة الحزم وآفة المنعم قبح المن وآفة المذنب حسن الظن والخلافة لا يصلحها الا التقوى والرعية لا يصلحها الا العدل فمن جارت قضيته ضاعت رعيته ومن ضعفت سياسته بطلت رياسته
ويقال شيئان اذا صلح احدهما صلح الآخر السلطان والرعية
ومن كلام بعض البلغاء خير الملوك من كفى وكف وعفا وعف
قال وهب بن منبه اذا هم الوالي بالجور او عمل به ادخل الله النقص في اهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفي كل شيء واذا هم بالخير او عمل به ادخل الله البركة على اهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفي كل شيء ويعم البلاد والعباد
ولنقبض عنان العبارات النقلية في أرض الاشارات العقلية المقتطفة من نظم السلوك في مسامرة الملوك وغرر الخصائص وغرر النقائص وهو باب واسع كثير المنافع وملاك (1/22)
الامر في ذلك حسن القابلية وان تكون مرآة غير صدية كما قيل ... اذا كان الطباع طباع سوء ... فليس بنافع أدب الاديب ...
وقيل ان الاخلاق وان كانت غريزية فانه يمكن تطبعها بالرياضة والتدريب والعادة والفرق بين الطبع والتطبع ان الطبع جاذب مفتعل والتطبع مجذوب منفعل تتفق نتايجهما مع التكلف ويفترق تأثيرهما مع الاسترسال
وقد يكون في الناس من لا يقبل طبعه العادة الحسنة ولا الاخلاق الجميلة ونفسه مع ذلك تتشوق الى المنقبة وتتأنف من المثلبة
لكن سلطان طبعه يأبى عليه ويستعصي عن تكليف ما ندب اليه يختار العطل منها على التحلي ويستبدل الحزن على فواتها بالتسلي فلا ينفعه التأنيب ولا يردعه التأديب وسبب ذلك ما قرره المتكلمون في الاخلاق من ان الطبع المطبوع أملك للنفس التي هي محله لاستيطانه اياها وكثرة اعانته لها
واما الذي يجمع الفضائل والرذائل فهو الذي تكون نفسه الناطقة متوسطة الحال بين اللؤم والكرم وقد تكتسب الاخلاق من معاشرة الاخلاء اما بالصلاح او بالفساد فرب طبع كريم افسدته معاشرة الاشرار وطبع لئيم اصلحته مصاحبة الاخيار
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل
وقال علي رضي الله عنه لولده الحسن الاخ رقعة في ثوبك فانظر بمن ترقعه
وقال بعض الحكماء في وصيته لولده يا بني احذر مقارنة ذوي الطباع المزدولة لئلا تسرق طباعهم وأنت لا تشعر واما اذا كان الخليل كريم الاخلاق شريف الاعراق حسن السيرة طاهر السريرة فبه في محاسن الشيم يقتدي وبنجم رشده في طريق المكارم يهتدي واذا كان سيء الاعمال خبيث الاقوال كان المغتبط به كذلك ومع هذا فواجب على العاقل اللبيب والفطن الاريب ان يجهد نفسه حتى يحوز الكمال بتهذيب خلائقه ويكتسي حلل (1/23)
الجمال بدماثة شمائله وحميد طرائقه
وقال عمرو بن العاص المرء حيث يجعل نفسه ان رفعها ارتفعت وان وضعها اتضعت
وقال بعض الحكماء النفس عزوف ونفور الوف متى ردعتها ارتدعت ومتى حملتها حملت وان أصلحتها صلحت وان افسدتها فسدت
وقال الشاعر ... وما النفس الا حيث يجعلها الفتى ... فان أطعمت تاقت والا تسلت ...
وقالوا من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه والمنهج القويم الموصل الى الثناء الجميل ان يستعمل الانسان فكرة وتميزه فيما ينتج عن الاخلاق المحمودة والمذمومة منه ومن غيره فيأخذ نفسه بما استحسن منها واستملح ويصرفها عما استهجن منها واستقبح فقد قيل كفاك تأديبا ترك ما كرهه الناس من غيرك
اللهم بحرمة سيد الانام يسر لنا حسن الختام واصرف عنا سوء القضاء وانظر لنا بعين الرضاء وهذا اوان انشقاق كمائم طلع الشماريخ عن زهر مجمل التاريخ
اول خليفة في الارض
اول خليفة جعل في الارض آدم عليه الصلاة و السلام بمصداق قوله تعالى اني جاعل في الارض خليفة
ثم توالت الرسل بعده لكنها لم تكن عامة الرسالة بل كل رسول ارسل الى فرقة فهؤلاء الرسل عليهم السلام مقررون شرائع الله بين عباده وملزموهم بتوحيد وامتثال اوامره ونواهيه ليترتب على ذلك انتظام امور معاشهم في الدنيا وفوزهم بالنعيم السرمدي اذا امتثلوا في الاخرى الى ان جاء ختامهم الرسول الاكرم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ارسله الله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وامره بالصدع والاعلان والتطهير من عبادة الاوثان
وآمن به من آمن من الصحابة رضوان الله عليهم وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزي معه اولئك هم المفلحون
ولم يزل هذا الدين القويم من حين بعث النبي صلى الله عليه و سلم يزيد وينمو ويتعالى ويسمو حتى تم ميقاته وقربت من (1/24)
النبي وفاته وانزل الله عليه اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا
ولما قبض صلى الله عليه و سلم قام بالامر بعده ابو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي كرم الله وجهه ولم تصف له الخلافة بمغالبة معاوية رضوان الله عليهم اجمعين في الامر وبموت علي رضي الله عنه تمت مدة مدة الخلافة التي نص عليها النبي صلى الله عليه و سلم بقوله الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا
وبخلافة معاوية كان ابتداء دولة الامويين وانقرضت بظهور أبي مسلم الخراساني واظهاره دولة بني العباس
فكان اولهم السفاح وظهرت دولتهم الظهور التام وبلغت القوة الزائدة والضخامة العظيمة ثم اخذت في الانحطاط بتغلب الاتراك والديلم ولم تزل منحطة وليس للخلفاء في آخر الامر الا الاسم فقط حتى ظهرت فتنة التاتار التي ابادت العالم وخرج هولاكو خان وملك بغداد وقتل الخليفة المعتصم وهو آخر خلفاء بني العباس ببغداد
ملوك مصر بعد ضعف الخلافة العباسية
ملوك مصر بعد ضعف الخلافة العباسية
وفي خلافة امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه افتتحت الديار المصرية والبلاد الشامية على يد عمرو بن العاص ولم تزل في النيابة ايام الخلفاء الراشدين ودولة بني اامية وبني العباس الى ان ضعفت الخلافة العباسية بعد قتل المتوكل بن المعتصم بن الرشيد سنة سبع واربعين ومائتين
وتغلب على النواعي كل متملك لها فانفرد احمد بن طولون بمملكة مصر والشام ثم دولة الاخشيد وبعده كافور ابو المسك
ولما مات قدم جوهر القائد من قبل المعز الفاطمي من المغرب فملكها من غير ممانع واسس القاهرة وذلك في سنة احدى وستين وثلثمائة
وقد المعز الى مصر بجنوده (1/25)
وامواله ومعه رمم آبائه واجداده محمولة في توابيت وسكن بالقصرين وادعى الخلافة لنفسه دون العباسيين
واول ظهور امرهم في سنة سبعين ومائتين فظهر عبدالله بن عبيد الملقب بالمهدي وهو جد بني عبيد الحلفاء المصريين العبيديين الروافض باليمن واقام على ذلك الى سنة ثمان وسبعين فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كنانة فأعجبهم حاله فصحبهم الى مصر ورأى منهم طاعة وقوة فصحبهم الى المغرب فنما شأنه وشأن اولاده من بعده الى ان حضر المعز لدين الله ابو تميم معد بن اسمعيل بن القائم ابن المهدي الى مصر وهو اولهم فملكوا نيفا ومائتين من السنين الى ان ضعف أمرهم في ايام العاضد وسوء سياسة وزيره شاور فتملكت الافرنج بلاد السواحل الشامية وظهر بالشام نور الدين محمود بن زنكي فاجتهد في قتال الافرنج واستخلاص ما استولوا عليه من بلاد المسلمين وجهز أسد الدين شيركوه بعساكر لاخذ مصر فحاصرها نحو شهرين فاستنجد العاضد بالافرنج فحضروا من دمياط فرحل اسد الدين الى الصعيد فجبى خراجه ورجع الى الشام
وقصد الافرنج الديار المصرية في جيش عظيم وملكوا بلبيس وكانت اذ ذاك مدينة حصينة ووقعت حروب بين الفريقين فكانت الغلبة فيها على المصريين وأحاطوا بالاقليم برا وبحرا وضربوا على أهله الضرائب
ثم ان الوزير شاور أشار بحرق الفسطاط فأمر الناس بالجلاء عنها وأرسل عبيدة بالشعل والنفوط فأوقدوا فيها النار فأحترقت عن آخرها واستمرت النار بهاا أربعة وخمسين يوما وارسل الخليفة العاضد يستنجد نور الدين وبعث اليه بشعور نسائه فأرسل اليه جندا كثيفا وعليهم أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين يوسف فارتحل الافرنج عن البلاد وقبض أسد الدين على الوزير شاور الذي أشار بحرق المدينة وصلبه وخلع العاضد على أسد الدين الوزارة فلم يلبث ان مات بعد خمسة وستين يوما فولى (1/26)
العاضد مكانه ابن اخيه صلاح الدين وقلده الامور ولقبه الملك الناصر فبذل لله همته وأعمل حيلته واخذ في إظهار السنة واخفاء البدعة
فثقل أمره على الخليفة العاضد فابطن له فتنة أثارها في جنده ليتوصل بها الى هزيمة الاكراد واخراجهم من بلاده فتفاقم الامر وانشقت العصا ووقعت حروب بين الفريقين أبلى فيها الناصر يوسف واخوه شمس الدولة بلاء حسنا وانجلت الحروب عن نصرتهما فعند ذلك ملك الناصر القصر وضيق على الخليفة وحبس أقاربه وقتل أعيان دولته واحتوى على ما في القصور من الذخائر والاموال والنفائس بحيث استمر البيع فيه عشر سنين غير ما اصطفاه صلاح الدين لنفسه
وخطب للمستضيء العباسي بمصر وسير البشارة بذلك الى بغداد ومات العاضد قهرا وأظهر الناصر يوسف الشريعة المحمدية وطهر الاقليم من البدع والتشييع والعقائد الفاسدة وأظهر عقائد أهل السنة والجماعة وهي عقائد الاشاعرة والماتريدية وبعث اليه أبو حامد الغزالي بكتاب ألفه له في العقائد فحمل الناس على العمل بما فيه ومحا من الاقليم مستنكرات الشرع وأظهر الهدي ولما توفي نور الدين الشهيد انضم اليه ملك الشام وواصل الجهاد وأخذ في استخلاص ما تغلب عليه الكفار من السواحل وبيت المقدس بعد ما أقام بيد الافرنج نيفا واحدى وتسعين سنة وأزال ما أحدثه الافرنج من الآثار والكنائس
ولم يهدم القمامة اقتداء بعمر رضي الله عنه وافتتح الفتوحات الكثيرة واتسع ملكه ولم يزل على ذلك الى أن توفي سنة تسع وثمانين وخمسمائة ولم يترك الا أربعين درهما وهو الذي انشأ قلعة الجبل وسور القاهرة العظيم
وكان المشد على عمائره بهاء الدين قراقوش ثم استمر الامر في أولاده وأولاد أخيه الملك العادل وحضر الافرنج أيضا الى مصر في ايام الملك الكامل بن العادل وملكوا دمياط وهدموها فحاربهم (1/27)
شهورا حتى أجلاهم وعمرت بعد ذلك دمياط هذه الموجودة في غير مكانها وكانت تسمى بالمنشية والكامل هذا هو الذي أنشأ قبة الشافعي رضي الله عنه عندما دفن بجواره موتاهم وأنشأ المدرسة الكاملية بين القصرين المعروفة بدار الحديث
الملوك الايوبية
وفي أيام الملك الصالح نجم الدين ايوب بن الكامل حضر الافرنج وملكوا دمياط وزحفوا الى فارسكور واستمر الملك الصالح يحاربهم أربعة عشر شهرا وهو مريض وانحصر جهة الشرق وانشأ المدينة المعروفة بالمنصورة ومات بها سنة سبع وأربعين وستمائة والحرب قائم وأخفت زوجته شجرة الدر موته ودبرت الامور حتى حضر ابنه توران شاه من حصن كيفا وانهزمت الافرنج واسر ملكهم ريدا وكانوا طائفة الفرنسيس والملك الصالح هذا هو أول من اشترى المماليك واتخذ منهم جندا كثيفا وبنى لهم قلعة الروضة واسكنهم بها وسماهم البحرية ومقدمهم االفارس أقطاي
والملك الصالح هو الذي بنى المدارس الصالحية بين القصرين ودفن بقبة بنيت له بجانب المدرستين
ولما انهزم الافرنج ومات الصالح وتملك ابنه توران شاه استوحش من مماليك ابيه واستوحشوا منه فتعصبوا عليه وقتلوه بفارسكور وقلدوا في السلطنة شجرة الدر ثلاثة أشهر ثم خلعت وهي آخر الدولة الايوبية ومدة ولايتهم احدى وثمانون سنة
الملوك التركية
ثم تولى سلطنة مصر عز الدين أيبك التركماني الصالحي سنة ثمان واربعين وستمائة وهو أول الدولة التركية بمصر
ولما قتل ولوا ابنه المظفر علي فلما وقعت حادثة التتار العظمى خلع المظفر وتولى الملك (1/28)
المظفر قطز وخرج بالعساكر المصرية لمحاربة التتار فظهر عليهم وهزمهم ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك بعد ان كانوا ملكوا معظم المعمور من الارض وقهروا الملوك وقتلوا العباد وأخربوا البلاد
وفي سنة أربع وخمسين وستمائة ملكوا سائر بلاد الروم بالسيف وفي البحر
فلما فرغوا من ذلك صميعه نزل هولاكوخان وهو ابن طولون بن جنكيز خان على بغداد وذلك سنة ست وخمسين وهي اذ ذاك كرسي مملكة الاسلام ودار الخلافة فملكها وقتلوا ونهبوا واسروا من بها من جمهور المسلمين والفقهاء والعلماء والائمة والقراء والمحدثين واكابر الاولياء والصالحين وفيها خليفة رب العالمين وامام المسلمين وابن عم سيد المرسلين فقتلوه وأهله وأكابر دولته وجرى في بغداد مالم يسمع بمثله في الآفاق
ثم ان هولاكوخان أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وزيادة ثم تقدم التتار الى بلاد الجزيرة واستولوا على حران والرها وديار بكر في سنة سبع وخمسين ثم جاوزوا الفرات ونزلوا على حلب في سنة ثمان وخمسين وستمائة واستولوا عليها وأحرقوا المساجد وجرت الدماء في الازقة وفعلوا ما لم يتقدم مثله
ثم وصلوا الى دمشق وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب فخرج هاربا وخرج معه أهل القدرة ودخل التتار الى دمشق وتسلموها بالامان ثم غدروا بهم وتعدوها فوصلوا الى نابلس ثم الى الكرك وبيت المقدس فخرج سلطان مصر بجيش الترك الذين تهابهم الاسود وتقل في أعينهم أعداد الجنود فالتقاهم عند عين جالوت فكسرهم وشردهم وولوا الادبار وطمع الناس فيهم يتخطونهم
ووصلت البشائر بالنصر فطار الناس فرحا
ودخل المظفر الى دمشق مؤيدا منصورا واحبه الخلق محبة عظيمة وساق بيبرس خلف التتار الى بلاد حلب وطردهم وكان السلطان وعد (1/29)
بحلب ثم رجع عن ذلك
فتأثر بيبرس وأضمر له الغدر وكذلك السلطان وأسر ذلك الى بعض خواصه فأطلع بيبرس فساروا الى مصر وكل منهما محترس من صاحبه فاتفق بيبرس مع جماعة من الامراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق
الملك بيبرس
ودخل بيبرس مصر سلطانا وتلقب بالملك الظاهر وذلك سنة ثمان وخمسين وستمائة وهو السلطان ركن الدين أبو الفتح بيبرس البندقداري الصالحي النجمي أحد المماليك البحرية وعندما استقر بالقلعة أبطل المظالم والمكوس وجميع المنكرات وجهز الحج بعد انقطاعه اثنتي عشرة سنة بسبب فتنة التتار وقتل الخليفة ومنافقة أمير مكة مع التتار
فلما وصلوا الى مكة منعوهم من دخول المحمل ومن كسوة الكعبة فقال أمير المحمل لامير مكة أما تخاف من الملك الظاهر بيبرس فقال دعه يأتيني على الخيل البلق
فلما رجع امير المحمل وأخبر السلطان بما قاله أمير مكة جمع له في السنة الثانية أربعة عشر ألف فرس أبلق وجهزهم صحبة امير الحاج وخرج بعدهم على ثلاث نوق عشاريات فوافاهم عند دخولهم مكة وقد منعهم التتار وأمير مكة فحاربوهم فنصرهم الله عليهم وقتل ملك التتار وأمير مكة طعنه السلطان بالرمح وقال له أنا الملك الظاهر جئتك على الخيل البلق
فوقع الى الارض وركب السلطان فرسه ودخل الى مكة وكسا البيت وعاد الى مصر واستقر ملكه حتى مات بدمشق سابع عشري المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ومدته سبع عشرة سنة وشهران واثنا عشر يوما وحج سنة سبع وستين وستمائة
ولذلك خبر طويل ذكره العلامة القريزي في ترجمته في تواريخه وفي الذهب المسبوك فيمن حج من الخلفاء والملوك وكان من أعظم الملوك شهامة وصرامة وانقيادا للشرع وله فتوحات وعمارات مشهورة ومآثر (1/30)
حميدة ومنها رد الخلافة لبني العباس وذلك انه لما جرى ما جرى على بغداد وقتل الخليفة وبقيت ممالك الاسلام بلا خلافة ثلاث سنوات حضر شخص من أولاد الخلفاء الفارين في الواقعة الى عرب العراق ومعه عشرة من بني مهارش فركب الظاهر للقائه ومعه القضاة واهل الدولة فأثبت نسبه على يد قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الاعز ثم بويع بالخلافة فبايعه السلطان وقاضي القضاة والشيخ عز الدين بن عبد السلام ثم الكبار على مراتبهم ولقب بالمستنصر وركب يوم الجمعة وعليه السواد الى جامع القلعة وخطب خطبة بليغة ذكر فيها شرف بني العباس ودعا فيها للسلطان وللمسلمين ثم صلى بالناس ورسم بعمل خلعه خليفة الى السلطان وكتب له تقليدا وقرىء بظاهر القاهرة بحضرة الجمع وألبس الخليفة السلطان الخلعة بيده وفوض اليه الامور وركب السلطان بالخلعة والتقليد محمول على رأسه ودخل من باب النصر وزينت القاهرة والامراء مشاة بين يديه ورتب له أتابكيا واستادارا وخازندارا وحاجبا وشرابيا وكاتبا وعين له خزانة وجملة مماليك ومائة فرس وثلاثين بغلا وعشر قطارات جمال الى امثال ذلك
ثم إنه عزم على التوجه الى العراق فخرج معه السلطان وشيعه الى دمشق وجهز معه ملوك الشرق صاحب الموصل وصاحب سنجار والجزيرة وغرم عليه وعليهم ألف ألف دينار وستين ألف دينار وسافروا حتى تجاوزوا هيت فلاقاهم التتار فحاربوهم فعدم الخليفة ولم يعلم له خبر
وبعد ايام حضر شخص آخر من بني العباس وكان أيضا مختفيا عند بني خفاجة فتوصل مع العرب الى دمشق وأقام عند الامير عيسى بن مهنا فأخبر به صاحب دمشق فطلبه وكاتب السلطان في شأنه فأرسل يستدعيه فأرسله مع جماعة من امراء العرب فلما وصل الى القاهرة وجد المستنصر قد سبقه بثلاثة ايام فلم ير ان يدخل اليها فرجع الى حلب فبايعه صاحبها (1/31)
ورؤساؤها ومنهم عبد الحليم بن تيمية وجمع خلقا كثيرا وقصد عانة ولقب بالحاكم
فلما خرج المستنصر وافاه بعانة فانقاد له هذا ودخل تحت طاعته وخاصته فلما قدم المستنصر قصد الحاكم الرحبة وجاء الى عيسى ابن مهنا فكاتب الملك الظاهر فيه فطلبه فقدم الى القاهرة ومعه ولده وجماعته فأكرمه الملك الظاهر وبايعوه بالخلافة كما سبق للمستنصر وأنزله بالبرج الكبير بالقلعة
واستمرت الخلافة بمصر وأقام الحاكم فيها نيفا وأربعين سنة وهذه من مناقب الملك الظاهر
ولما مات الملك الظاهر تولى بعده ابنه الملك السعيد ثم أخوه الملك العادل وكان صغيرا والامر لقلاوون فخلعه واستبد بالملك ولقب بالملك المنصور قلاوون الالفي الصالحي النجمي جد الملوك القلاوونية وهو صاحب الخيرات والبيمارستان المنصوري والمدرسة والقبة التي دفن بها وله فتوحات بسواحل البحر الرومي ومصافات مع التتار وغير ذلك
تولى سنة ثمان وسبعين وستمائة ومات أواخر مدته احدى عشرة سنة
وتولى بعده ابنه الملك الاشرف خليل بن قلاوون وكان بطلا شجاعا ذا همة علية ورياسة مرضية خانه امراؤه وغدروه وقتلوه بترانة جهة البحيرة سنة ثلاث وتسعين وستمائة ونقل لتربته التي أنشأها بالقرب من المشهد النفيسي بجانب مدرسة اخيه الصالح على بن قلاوون
مات في حياة ابيه وكان هو أكبر أولاده مرشحا للسلطنة
ولما مات الاشرف تولى بعده اخوه الملك الناصر محمد بن قلاوون الالفي الصالحي النجمي اقيم في السلطنة وعمره تسع سنين فأقام سنة وخلع بمملوك ابيه زين الدين ( كنبغا ) الملك العادل فثار الامير حسام الدين لاجين المنصوري نائب السلطنة على العادل وتسلطن عوضه ثم ثار عليه طغى وكبرى فقتلاه وقتلا ايضا
واستدعي الناصر من الكرك فقدم واعيد الى السلطنة مرة ثانية فأقام عشر سنين وخمسة اشهر محجورا عليه (1/32)
والقائم بتدبير الدولة الاميران بيبرس الجاشنكير وسلار نائب السلطنة فدبر لنفسه في سنة ثمان وسبعمائة واظهر أنه يريد الحج بعياله فوافقه الاميران على ذلك وشرعا في تجهيزه وكتب الى دمشق والكرك برمي الاقامات وألزم عرب الشرقية بحمل الشعير فلما تهيأ لذلك احضر الأمراء تقاد معهم الخيل والجمال ثم ركب الى بركة الحاج وتعين معه للسفر جماعة من الأمراء
وعاد بيبرس وسلار من غير أن يترجلا له عند نزوله بالبركة فرحل من ليلته وخرج الى الصالحية وعيد بها وتوجه الى الكرك فقدمها في عاشر شوال ونزل بقلعتها وصرح بأنه قد ثنى عزمه عن الحج واختار الاقامة بالكرك وترك السلطنة ليستريح وكتب الى الأمراء بذلك وسأل ان ينعم عليه بالكرك والشوبك واعاد من كان معه من الامراء وسلمهم الهجن وعدتها خمسمائة هجين والمال والجمال وجميع التقادم وامر نائب الكرك بالمسير عنه وتسلطن بيبرس الجاشنكير وتلقب بالملك المظفر وكتب للناصر تقليدا بنيابة الكرك
فعندما وصله التقليد مع آل ملك اظهر البشر وخطب باسم المظفر على منبر الكرك وانعم على البريد الحاج آل ملك واعاده فلم يتركه المظفر واخذ يناكده ويطلب منه من معه من المماليك الذين اختارهم للاقامة عنده والخيول التي اخذها من القلعة والمال الذي اخذه من الكرك
وهدده فحنق لذلك وكتب الى نواب الشام يشكو ما هو فيه فاحثوه على القيام لاخذ ملكه ووعدوه بالنصرة فتحرك لذلك وسار الى دمشق واتت النواب اليه وقدم الى مصر وفر بيبرس وطلع الناصر الى القلعة يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة فأقام في الملك اثنتين وثلاثين سنة وثلاثة اشهر ومات في ليلة الخميس حادي عشري ذي الحجة سنة احدى واربعين وسبعمائة وعمره سبع وخمسون سنة وكسور ومدة سلطنته ثلاث واربعون سنة وثمانية اشهر وتسعة أيام (1/33)
وكان ملكا عظيما جليلا كفؤا للسلطنة ذا دهاء محبا للعدل والعمارة وطابت مدته وشاع ذكره وطار صيته في الآفاق وهابته الاسود وخطب له في بلاد بعيدة
ومن محاسنه انه لما استبد بالملك اسقط جميع المكوس من اعمال الممالك المصرية والشامية وراك البلاد وهو الروك الناصري المشهود وابطل الرشوة وعاقب عليها فلا يتقلد المناصب الا مستحقها بعد التروي والامتحان واتفاق الرأي ولا يقضي الا بالحق
فكانت أيامه سعيدة وأفعاله حميدة
وفي ايامه كثرت العمائر حتى يقال ان مصر والقاهرة زادا في ايامه اكثر من النصف وكذلك القرى بحيث صارت كل بلدة من القرى القبلية والبحرية مدينة على انفرادها وله ولامرائه مساجد ومدارس وتكايا مشهورة وحضر في أوائل دولته القان غازات بجنود التتار فخرج اليهم بعساكر مصر وهزمهم مرتين
وبعض مناقبه تحتاج الى طول ونحن لا نذكر الا لمعا فمن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات
وفي السيرة الناصرية مؤلف مخصوص مجلدان ضخمان ينقل عنه المؤرخون وللصفي الحلي فيه مرثية رائية بليغة نحو ستين بيتا
ولما مات دفن على والده بالقبة المنصورية بين القصرين
وتولى من اولاده واولاد اولاده اثنا عشر سلطانا منهم السلطان حسن صاحب الجامع بسوق الخيل بالرميلة ومن شاهده عرف علو همته بين الملوك وهو الذي ألف باسمه الشيخ بن أبي حجلة التلمساني كتبه العشرة التي منها ديوان الصبابة والسكردان وطوق الحمامة وحاطب ليل وقرع سن
ومنهم الملك الاشرف شعبان بن حسين بن الملك الناصر محمد وهو الذي امر الاشراف بوضع العلامة الخضراء في عمائمهم وفي ذلك يقول بعضهم (1/34)
جعلوا لابناء النبي علامة ... ان العلامة شأن من لم يشهر ... نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الاخضر ...
وفي ايام الاشراف هذا قدمت الافرنج الى الأسكندرية على حين غفلة ونهبوا اموالها واسروا نساءها ووصل الخبر الى مصر فتجهز الاشرف وسار بعساكره فوجدهم قد ارتحلوا عنها وتركوها
ولهذه الواقعة تاريخ اطلعت عليه في مجلدين ويقال ان الفرنساوي الذين يكون في أذنه قرط امه اصلها من النساء المأسورات في تلك الواقعة
وفي ايامه كثر عبث المماليك الاجلاب فأمر باخراجهم من مصر فتجمعوا وعصوا فحاربهم وقاتلهم فانهزموا فقبض على كثير منهم فقتل منهم طائفة وغرق منهم طائفة ونفى منهم طائفة وبقى منهم بمصر طائفة التجأوا الى بعض الامراء وهؤلاء المماليك كانوا من مماليك يلبغا العمري مملوك السلطان حسن ومنهم صرغتمش واسند مرو آلجاي اليوسفي وهم كثيرون مختلفوا الاجناس ومنهم من جنس الجركس فلم يزالوا في اختلاف ومقت وهياج وحقد للدولة الى أن تحيلوا وتراجعوا وتداخلوا في الدولة فاستقر أمرهم على ان طائفة منهم سكنوا بالطباق ودخلوا في مماليك الاسياد أي أولاد السلطان ومنهم من بقي أمير عشرة لا غير ومنهم من انضم الى المماليك السلطانية ومماليك الامراء وكانوا أرذل مذكور في الاقليم المصري
فلما عزم الاشرف على الحج وأخذ في أسباب ذلك انتهزوا عند ذلك الفرصة وكتموا امرهم ومكروا مكرهم وتواعدوا مع اصحابهم الذين بصحبة السلطان انهم يثيرون الفتنة مع السلطان في العقبة وكذلك المقيمون بمصر يفعلون فعلهم حتى ينقضوا نظام الدولة ويزيلوا السلطان والامراء
ولما خرج السلطان من مصر خرج في ابهة عظيمة وتجمل زائد بعد ان (1/35)
رتب الامور واستخلف بمصر وثغورها من يثق به واخذ بصحبته من لا يظن فيه الخيانة ومنهم جملة من الجلبان وابقى منهم ومن غيرهم بمصر كذلك ولا ينفع الحذر من القدر
فلما خرج السلطان وبعد عن مصر اثاروا الفتنة بعد ان استمالوا طائفة من المماليك السلطانية وفعلوا ما فعلوه ونادوا بموت السلطان وولوا ابنه ووقفوا مستعدين منتظرين فعل اصحابهم الغائبين مع السلطان وثار ايضا اصحابهم على السلطان في العقبة فانهزم بعد امور طالبا المجيء الى مصر وصحبته الامراء الكبار وبعض المماليك ونهبت الخزينة والحج وذهب البعض الى الشام والبعض الى الحجاز والبعض الى مصر صحبة حريم السلطان وجرى ما هو مسطر في الكتاب من ذبح الامراء واختفاء السلطان وخنقه وتمكن هؤلاء الاجلاب من الدولة ونهبوا بيوت الاموال وذخائر السلطان واقتسموا محاظيه وكذلك الامراء ووصل كل صعلوك منهم لمراتع الملوك وأزالوا عن الدولة القلاوونية وأخذوا لانفسهم الامريات والمناصب وأصبح الذين كانوا بالامس اسفل الناس ملوك الارض يجبى اليهم ثمرات كل شيء الجراكسة
ثم وقعت فيهم حوادث وحروب اسفرت عن ظهور برقوق الجركسي احد مماليك يلبغا العمري واستقراره اميرا كبيرا
وكان غاية في الدهاء والمكر فلم يزل يدبر لنفسه حتى عزل بن الاشرف واخذ السلطنة لنفسه وهو اول ملوك الجراكسة بمصر
وبالاشرف شعبان هذا وأولاده زالت دولة القلاوونية وظهرت دولة الجراكسة
اولهم برقوق وبعده ابنه فرج واستمر الملك فيهم وفي اولادهم الى الاشرف قانصوه الغوري وابتداء دولتهم سنة اربع وثمانين وسبعمائة وانقضاؤها سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فتكون مدة دولتهم مائة سنة (1/36)
وتسعة وثلاثين سنة
وسبب انقضائها فتنة السلطان سليم شاه ابن عثمان وقدومه الى الديار المصرية فخرج اليه سلطان مصر قانصوه الغوري فلاقاه عند مرج دابق بحلب وخامر عليه امراؤه خير بك والغزالي فخذلوه وفقدوه ولم يزل حتى تملك السلطان سليم الديار المصرية والبلاد الشامية
واقام خير بك نائبا بها كما هو مسطر ومفصل في تواريخ المتأخرين مثل مرج الزهور لابن اياس وتاريخ القرماني وابن زقبل وغيرهم
وعادت مصر الى النيابة كما كانت في صدر الاسلام ولما خلص له امر مصر عفا عمن بقي من االجراكسة وابنائهم ولم يتعرض لاوقاف السلاطين المصرية بل قرر مرتبات الاوقاف والخيرات والعلوفات وغلال الحرمين والانبار ورتب للايتام والمشايخ والمتقاعدين ومصارف القلاع والمرابطين وابطل المظالم والمكوس والمغارم
ثم رجع الى بلاده واخذ معه الخليفة العباسي وانقطعت الخلافة والمبايعة واخذ صحبته ما انتقاه من ارباب الصنائع التي لم توجد في بلاده بحيث انه فقد من مصر نيف وخمسون صنعة
ولما توفي تولى بعده ابنه المغازي السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان فاسس القواعد وتمم المقاصد ونظم الممالك وأنار الحوالك ورفع منار الدين واخمد نيران الكافرين وسيرته الجميلة اغنت عن التعريف وتراجمه مشحونة بها التصانيف
ولم تزل البلاد منتظمة في سلكهم ومنقادة تحت حكمهم من ذلك الاوان الذي استولوا عليها فيه الى هذا الوقت الذي نحن فيه وولاة مصر نوابهم وحكامها امراؤهم
وكانوا في صدر دولتهم من خير من تقلد امور الامة بعد الخلفاء المهديين واشد من ذب عن الدين واعظم من جاهد في المشركين
فلذلك اتسعت ممالكهم بما فتحه الله على ايديهم وايدي نوابهم وملكوا احسن المعمور من الارض ودانت لهم الممالك في الطول والعرض
هذا مع عدم اغفالهم الامر وحفظ النواحي والثغور واقامة الشعائر الاسلامية والسنن المحمدية (1/37)
وتعظيم العلماء واهل الدين وخدمة الحرمين الشريفين والتمسك في الاحكام والوقائع بالقوانين والشرائع فتحصنت دولتهم وطالت مدتهم وهابتهم الملوك وانقاد لهم الممالك والمملوك
ومما يحسن ايراده هنا ما حكاه الاسحاقي في تاريخه انه لما تولى السلطان سليم ابن السلطان سليمان المذكور كان لوالده مصاحب يدعى شمسي باشا العجمي ولا يخفي ما بين آل عثمان والعجم من العداوة المحكمة الاساس فأقر السلطان سليم شمسي باشا العجمي مصاحبا على ما كان عليه ايام والده وكان شمسي باشا المذكور له مداخل عجيبة وحيل غريبة يلقيها في قالب مرض ومصاحبة يسحر بها العقول فقصد ان يدخل شيئا منكرا يكون سببا لخلخلة دولة آل عثمان وهو قبول الرشا من ارباب الولاة والعمال
فلما تمكن من مصاحبة السلطان قال له على سبيل العرض عبدكم فلان المعزول من منصب كذا وليس بيده منصب الان قصده من فيض انعامكم عليه المنصب الفلاني ويدفع الى الخزينة كذا وكذا
فلما سمع السلطان سليم ما ابداه شمسي باشا علم انها مكيدة منه وقصده ادخال السوء بيت آل عثمان فتغير مزاجه وقال له يا رافضي مريد ان تدخل الرشوة بيت السلطنة حتى يكون ذلك سببا لازالتها
وامر بقتله فتلطف به وقال له يابا دشاه لا تعجل هذه وصية والدك لي فانه قال لي ان السلطان سليم صغير السن وربما يكون عنده ميل للدنيا فاعرض عليه هذا الامر فإن جنح اليه فامنعه بلطف فان امتنع فقل له هذه وصية والدك فدم عليها ودعا له بالثبات وخلص من القتل
فانظر يا اخي وتأمل فيما تضمنته هذه الحكاية من المعاني
واقول بعد ذلك يضيق صدري ولا ينطلق لساني وليس الحال بمجهول حتى يفصح عنه اللسان بالقول وقد اخر سني العجز ان افتح فما افغير الله ابتغى حكما
وفي اثناء الدولة العثمانية ونوابهم وامرائهم المصرية ظهر في عسكر (1/38)
مصر سنة جاهلية وبدعة شيطانية زرعت فيهم النفاق واسست فيما بينهم الشقاق ووافقوا فيها اهل الحرف اللئام في قولهم سعد وحرام وهو ان الجند بأجمعهم اقتسموا قسمين واحتزبوا بأسرهم حزبين فرقة يقال لها فقارية واخرى تدعى قاسمية ولذلك اصل مذكور وفي بعض سير المتأخرين مسطور لا بأس بايراده في المسامرة تتميما للغرض في مناسبة المذاكرة وهو ان السلطان سليم شاه لما بلغ من ملك الديار المصرية مناه وقتل من قتل من الجراكسة وسامهم في سوق المواكسة قال يوما لبعض جلسائه وخاصته واصدقائه يا هل ترى هل بقي احد من الجراكسة نراه وسؤال من جنس ذلك ومعناه
فقال له خيربك نعم ايها الملك العظيم هنا رجل قديم يسمى سودون الامير طاعن في السن كبير رزقه الله تعالى بولدين شهمين بطلين لا يضاهيهما احد في الميدان ولا يناظرهما فارس من الفرسان
فلما حصلت هذه القضية تنحى عن المفارشة بالكلية وحبس ولديه بالدار وسد ابوابه بالاحجار وخالف العادة واعتكف على العبادة
وهو الى الان مستمر على حالته مقيم في بيته وراحته
فقال السلطان هذا والله رجل عاقل خبير كامل ينبغي لنا ان نذهب لزيارته ونقتبس من بركته واشارته قوموا بنا جملة نذهب اليه على غفلة لكي اتحقق المقال واشاهده على أي حالة هو من الاحوال
ثم ركب في الحال ببعض الرجال الى ان توصل اليه ودخل عليه فوجده جالسا على مسطبة الايوان وبين يديه المصحف وهو يقرأ القرآن وعنده خدم واتباع وعبيد ومماليك انواع فعندما عرف انه السلطان بادر لمقابلته بغير توان وسلم عليه ومثل بين يديه فأمره بالجلوس ولاطفه بالكلام المأنوس الى ان أطمأن خاطره وسكنت ضمائره فسأله عن سبب عزلته وانجماعه عن خلطته بعشيرته فاجابه انه لما رأى في دولتهم اختلال الامور وترادف الظلم والجور وان سلطانهم مستقل برأيه فلم يضع الى وزير ولا عاقل مشير واقصى كبار (1/39)
دولته وقتل اكثرهم بما امكنه من حيلته وقلد مماليكه الصغار مناصب الامراء الكبار ورخص لهم فيما يفعلون وتركهم وما يفترون فسعوا بالفساد وظلموا العباد وتعدوا على الرعية حتى في المواريث الشرعية فانحرفت عنه القلوب وابتهلوا الى علام الغيوب فعلمت ان امره في ادبار ولا بد لدولته من الدمار فتنحيت عن حال الغرور وتباعدت عن نار الشرور ومنعت ولدي من التداخل في الاهوال وحبستهما عن مباشرة القتال خوفا عليهما لما اعلمه فيهما من الاقدام فيصيبهما كغيرهما من البلاء العام
فان عموم البلاء منصوص واتقاء الفتن بالرحمة مخصوص
ثم احضر ولديه المشار اليهما واخرجهما من محبسهما فنظر اليهما السلطان فرأى فيهما مخايل الفرسان الشجعان وخاطبهما فأجاباه بعبارة رقيقة والفاظ رشيقة ولم يخطئا في كل ما سألهما فيه ولم يتعديا في الجواب فضل التشبيه والتنبيه ثم احضروا ما يناسب المقام من موائد الطعام فأكل وشرب ولذ وطاب وحصل له مزيد الانشراح وكمال الارتياح
وقدم الامير سودون الى السلطان تقادم وهدايا وتفضل عليه الخان ايضا بالانعام والعطايا وامر بالتوقيع لهم حسب مطالبهم
ورفع درجة منازلهم ومراتبهم ولما فرغ من تكرمه واحسانه ركب عائدا الى مكانه وأصبح ثاني يوم ركب السلطان مع القوم وخرج الى الخلا بجمع من الملا وجلس ببعض القصور ونبه على جميع اصناف العساكر بالحضور فلم يتأخر منهم أمير ولا كبير ولا صغير فطلب الامير سودون وولديه فحضروا بين يديه فقال لهم أتدرون لم طلبتكم وفي هذا المكان جمعتكم
فقالوا لا يعلم ما في القلوب الا علام الغيوب فقال اريد ان يركب قاسم واخوه ذو الفقار ويترامحا ويتسابقا بالخيل في هذا النهار
فامتثلا أمره المطاع لانهما صارا من الجند والاتباع فنزلا وركبا ورمحا ولعبا واظهرا من انواع الفروسية الفنون حتى شخصت فيهما العيون وتعجب منهما (1/40)
الاتراك لانهم ليس لهم في ذلك الوقت ادراك
ثم اشار اليهما فنزلا عن فرسيهما وصعدا الى اعلى المكان فخلع عليهما السلطان وقلدهما امارتان ونوه بذكرهما بين الاقران وتقيدا بالركاب ولازما في الذهاب والاياب
ثم خرج في اليوم الثاني وحضر الامراء والعسكر المتواني فامرهم ان ينقسموا باجمعهم قسمين وينحازوا باسرهم فريقين قسم يكون رئيسهم ذا الفقار والثاني اخوه قاسم الكرار
واضاف الى ذي الفقار اكثر فرسان العثمانيين والى قاسم اكثر الشجعان المصريين وميز الفقارية بلبس الابيض من الثياب وامر القاسمية ان يتميزوا بالاحمر في الملبس والركاب
وامرهم ان يركبوا في الميدان على هيئة المتحاربين وصورة المتنابذين المتخاصمين فاذعنوا بالانقياد وعلوا على ظهور الجياد وساروا بالخيل وانحدروا كالسيل وانعفوا متسابقين ورمحوا متلاحقين وتناوبوا في النزال واندفعوا كالجبال وساقوا في الفجاج واثاروا العجاج ولعبوا بالرماح وتقابلوا بالصفاح وارتفعت الاصوات وكثرت الصيحات وزادت الهيازع وكثرت الزعازع وكاد الخرق يتسع على الراقع وقرب ان يقع القتل والقتال فنودي فيهم عند ذلك بالانفصال
فمن ذلك اليوم افترق امراء مصر وعساكرها فرقتين واقتسموا بهذه الملعبة حزبين
واستمر كل منهم على محبة اللون الذي ظهر فيه وكره اللون الآخر في كل ما يتقبلون فيه حتى اواني المتناولات والمأكولات والمشروبات والفقارية يميلون الى نصف سعد والعثمانيين والقاسمية لا يألفون الى نصف حرام والمصريين
وصار فيهم قاعدة لا يتطرقها اختلال ولا يمكن الانحراف عنها بحال من الاحوال ولم يزل الامر يفشو ويزيد ويتوارثه السادة والعبيد حتى تجسم ونما واهريقت فيه الدماء
فكم خربت بلاد وقتلت امجاد وهدمت دور واحرقت قصور وسبيت احرار وقهرت اخيار
وقيل غير ذلك وان اصل القاسمية ينسبون الى قاسم بك الدفتر دار (1/41)
تابع مصطفى بك والفقارية نسبة الى ذي الفقار بك الكبير واول ظهور ذلك من سنة خمسين والف والله اعلم بالحقائق
واتفق ان قاسم بك المذكور انشأ في بيته قاعة جلوس وتأنق في تحسينها وعمل فيها ضيافة لذي الفقار بك أمير الحاج المذكور فاتى عنده وتغدى عنده بطائفة قليلة ثم قال له ذو الفقار بك وانت ايضا تضيفني في غد وجمع ذو الفقار مماليكه في ذلك اليوم صناجق وامراء وااختيارية في الوجاقات وحضر قاسم بك بعشرة من طائفته واثنين خواسك خلفه والسعادة والسراج فدخل عنده في البيت واوصى ذو الفقار أن لا احد يدخل عليهما الا بطلب الى ان فرشوا السماط وجلس صحبته على السماط
فقال قاسم بك حتى الصناجق والاختيارية
فقال ذو الفقار انهم يأكلون بعدنا هؤلاء جميعهم مماليكي عندما اموت يترحمون علي ويدعون لي وانت قاعتك تدعو لك بالرحمة الكونك ضيعت المال في الماء والطين
فعند ذلك تنبه قاسم بك وشرع ينشيء اشراقات كذلك وكانت الفقارية موصوفة بالكثرة والكرم والقاسمية بكثرة المال والبخل
وكان الذي يتميز به احد الفريقين من الآخر اذا ركبوا في المواكب ان يكون بيرق الفقاري ابيض ومزاريقه برمانة وبيرق القاسمية احمر ومزاريقه بجلبة
ولم يزل الحال على ذلك
واستهل القرن الثاني عشر وامراء مصر فقارية وقاسمية فالفقارية ذو الفقار بك ابراهيم بك امير الحاج ودرويش بك واسمعيل بك ومصطفى بك قزلار واحمد بك قزلار بجدة ويوسف بك القرد وسليمان بك بارم ذيله ومرجان جوزبك كان اصله قهوجي السلطان محمد قلدوه صنجقا فقاريا بمصر الجميع تسعة وامير الحاج منهم والقاسمية مراد بك الدفتر دار ومملوكه ايواظ بك وابراهيم بك ابو شنب وقانصوه بك واحمد بك منوفية وعبد الله بك
ونواب مصر من طرف السلطان سليمان بن عثمان في اوائل القرن حسن باشا السلحدار سنة تسع وتسعين والف وسنة مائة (1/42)
وواحد بعد الالف والسلطان في ذلك الوقت السلطان سليمان بن ابراهيم خان وتقلد ابراهيم بك ابو شنب امارة الحاج واسمعيل بك فتردار وذلك سنة تسع وتسعين
وفي اواخر الحجة سنة تسع وتسعين والف حصلت واقعة عظيمة بين ابراهيم بك ابن ذي الفقار وبين العرب الحجازيين خلف جبل الجيوشي وقتلوا كثيرا من العرب ونهبوا ارزاقهم ومواشيهم واحضر منهم اسرى كثيرة ووقفت الغرب في طريق الحج تلك السنة بالشرفة فقتلوا من الحاج خلقا كثيرا واخذوا نحو الف جمل باحمالها وقتلوا خليل كتخدا الحج فعين عليهم خمسة امراء من الصناجق فوصلوا الى العقبة وهرب العربان
وفي ايامه سافر الفا شخص من العسكر والبسوا عليهم مصطفى بك طكوز جلان وسافروا الى ادرنه في غرة جمادي الأولى سنة مائة والف
وفي رابع جمادي الثانية خنق الباشا كتخدا بعد ان ارسله الى دير الطين على انه يتوجه الى جرجا لتحصيل الغلال وذلك لذنب نقمه عليه
وفي شعبان نقب المحابيس العرقانة وهرب المسجونون منها
وفي ايامه غلت الاسعار مع زيادة النيل وطلوعه في اوانه على العادة ثم عزل حسن باشا ونزل الى بيت محمد بك حاكم جرجا المقتول وتولى قيطاس بك قائمقام فكانت مدته هذه سنة واحدة وتسعة اشهر
ثم تولى احمد باشا وكان سابقا كتخدا ابراهيم باشا الذي مات بمصر وحضر احمد باشا من طريق البر وطلع الى القلعة في سادس عشر المحرم سنة مائة واحدى والف ووصل اغا بطلب الفي عسكري وعليهم صنجق يكون عليهم سر دار فعينوا مصطفى بك حاكم جرجا سابقا وسافر في منتصف جمادي الآخرة
وفي هذا التاريخ سافرت تجريدة عظيمة الى ولاية البحيرة والبهنسا وعليهم صنجقان وتوجهوا في ثاني عشر جمادي الآخرة وسافر ايضا (1/43)
خلفهم اسمعيل بك وجميع الكشاف وكتخدا الباشا واغوات البلكات وكتخدا الجاويشية وبعض اختيارية وحاربوا ابن وافي وعربانه مرارا ثم وقعت بينهم وقعة كبيرة فهزم فيها الاحزاب وولوا منهزمين نحو الغرق واما قيطاس بك وحسن اغا بليغا وكتخدا الباشا فانهم صادفوا جمعا من العرب في طريقهم فاخذوهم ونهبوا مالهم وقطعوا منهم رؤوساء ثم حضر والى مصر
وفي انامهم كانت وقعة ابن غالب شريف مكة ومحاربته بها مع محمد بك حاكم جدة فكانت الهزيمة على الشريف
وتولى السيد محسن بن حسين بن زيد امارة مكة ونودي بالامان بعد حروب كثيرة وزينت مكة ثلاثة ايام بلياليها وذلك في منتصف رجب ومرض احمد باشا وتوفي ثاني عشر جمادي الآخرة سنة اثنتين ومائة والف ودفن بالقرافة فكانت مدته سنة واحدة وستة اشهر
ومن مآثره ترميم الجامع المؤيدي وقد كان تداعى الى السقوط فامر بالكشف عليه وعمره ورمه
وفي رابع عشر رجب توفي قيطاس بك الدفتر دار
وفي ثاني يوم حضر قانصوه بك تابع المتوفي من سفره بالخزينة مكان كتخدا الباشا المتولي قائمقام بعد موت سيده فألبس قانصوه بك دفتر دار ثم ورد مرسوم بولاية علي كتخدا الباشا قائمقام واذن بالتصرف الى آخر مسرى فكانت مدة تصرفه اربعة وتسعين يوما
ثم تولى علي باشا وحضر من البحر الى القلعة في ثاني عشرى رمضان سنة اثنتين ومائة والف وحضر صحبته تترخان واقام بمصر الى ان توجه الى الحج ورجع على طريق الشام
وفي ثاني عشري القعدة حضر قرا سليمان من الديار الرومية ومعه مرسوم مضمونه الخبر بجلوس السلطان احمد بن السلطان ابراهيم فزينت مصر ثلاثة ايام وضربت مدافع من القلعة
وفي ثالث عشر صفر سنة ثلاث ومائة والف ورد نجاب من مكة واخبر بان الشريف سعد تغلب على محسن وتولى امارة مكة فارسل الباشا عرضا الى السلطنة بذلك
وفي ثامن ربيع (1/44)
اول ورد مرسوم مضمونه ولاية نظر الدشابش والحرمين لاربعة من الصناجق فتولى ابراهيم بك ابن ذي الفقار امير الحاج حالا عوضا عن اغات مستحفظان ومراد بك الدفتر دار على المحمدية عوضا عن كتخدا مستحفظان وعبدالله بك على وقف الخاصكية عوضا عن كتخدا العزب واسمعيل بك على اوقاف الحرمين عوضا عن باش جاويش مستحفظان
فالبسهم علي باشا قفاطين على ذلك
وفي مستهل رمضان من السنة حضر من الديار الرومية الشريف سعد بن زيد بولاية مكة وتوجه الى الحجاز
وفي شهر شوال سافر على كتخدا احمد باشا المنوفي الى الروم
وفي تاريخه تقلد اسمعيل بك الدفتردارية عوضا عن مراد بك
وفي ثالث عشر شوال قتل جلب خليل كتخدا مستحفظان ببابهم وحصلت في بابهم فتنة اثارها كحك محمد واخرجوا سليم افندي من بلكهم ورجب كتخدا والبسوهما الصنجقية في ثالث عشرينه وابطل كجك محمد الحمايات من مصر باتفاق السبع بلكات وابطلوا جميع ما يتعلق بالعزب والانكشارية من الحمايات بالثغور وغيرها
وكتب بذلك بيورلدي ونادوا به في الشوارع
وفي غرة القعدة قبض الباشا على سليم افندي وخنقه بالقلعة ونزل الى بيته محمولا في تابوت وتغيب رجب كتخدا ثم استعفى من الصنجقية فرفعوها عنه وسافر الى المدينة
وفي ثامن عشر ربيع الاول ورد مرسوم بتزيين الاسواق بمصر وضواحيها بمولودين توأمين رزقهما السلطان احمد سمي احدهما سليان والآخر ابراهيم
وفي ثاني عشر شعبان سافر حسين بك ابو يدك بألف نفر من العسكر لاحقا بابراهيم بك ابي شنب وقد كان سافر في اواخر ربيع الاول لقلعة كريد
وفي ثاني عشري رمضان سنة خمس ومائة والف الموافق الحادي عشر بشنس هبت ريح شديدة وتراب اظلم منه الجو وكان الناس في صلاة الجمعة فظن الناس انها القيامة وسقطت المركب التي على منارة جامع طولون وهدمت دور كثيرة (1/45)
سنة ست ومائة والف
وقصر مد النيل تلك تلك السنة وهبط بسرعة فشرقت الاارضي ووقع الغلاء والفناء
وفي شهر الحجة سافر اناس من مكة الى دار السلطنة وشكوا من ظلم الشريف سعد فعين إليه محمد بك نائب جده وإسمعيل باشا نائب الشام فوردا بصحبة الحاج فتحاربوا معه ونزعوه ونهب العسكر منزله وولوا الشريف عبدالله بن هاشم على مكة ثم بعد عود الحاج رجع سعد وتغلب وطرد عبدالله بن هاشم
وفي هذه السنة وقعت مصالحات في المال الميري بسبب الري والشراقي
وفي ثاني عشر جمادي الآخرة حضر الشريف احمد بن غالب امير مكة مطرودا من الشريف سعد
وفي ثامن عشري رجب سنة ألف ومائة وستة ورد الخبر بجلوس السلطان مصطفى بن محمد
وفي ثاني عشر شعبان طلع احمد بك بموكب مسافر اباش على الف عسكري الى انكروس وطلع بعده أيضا في سابع عشرينه اسمعيل بك بالف عسكري لمحافظة رودس بموكب الى بولاق فأقام بها ثلاثة ايام ثم سافر الى الاسكندرية
وفي رابع شعبان ورد مرسوم بضبط اموال نذير اغا واسمعيل اغا الطواشيين فسجنوهما بباب مستحفظان وضبطوا اموالهما وختموها
وفي خامس شوال انهى ارباب الاوقاف والعلماء والمجاورون بالازهر الى علي باشا امتناع الملتزمين من دفع خراج الاوقاف وخراج الرزق المرصدة على المساجد وما يلزم من تعطيل الشعائر فأمر الملتزمين بدفع ما عليهم من غير توقف فامتثلوا
وفي شوال ارسل الباشا الى مراد بك الدفتردار بعمل جمعية في بيته بسبب غلال الانبار فاجتمعوا وتشاوروا في ذلك فوقع التوافق ان البلاد الشرقي تبقى غلالها الى العام القابل واما الري فيدفع ملتزموها ما (1/46)
عليهم
واخذوا اوراقا بيعت بالثمن اشتراها الملتزمون من ارباب الاستحقاق عن الجراية مائة وخمسون نصفا وغلق الملتزمون ما عليهم بشراء الوصولات
وفي ثاني عشر شوال ورد الخبر من منفلوط بان الشريف فارس بن اسمعيل التيتلاوي قتل عبدالله بن وافي شيخ عرب المغاربة
وفي حادي عشر القعدة ورد اغا بمرسوم بمبيع متاع نذير اغا واسمعيل اغا المعتقلين وضبط اثمانها ما عدا الجواهر والذخائر التي اختلسوها من السرايا فانها تبقى بأعيانها وان يفحص عن اموالهما واماناتهما وان يسجنا في قلعة الينكجرية ففعل بهم ذلك وبلغ اثمان المبيعات الفا واربعمائة كيس خلاف الجواهر والذخائر فانها جهزت مع الاموال صحبة الخزينة على يد سليمان بك كاشف ولاية المنوفية
وفي منتصف المحرم سنة سبع ومائة والف اجتمع الفقراء والشحاذون رجالا ونساء وصبيانا وطلعوا الى القلعة ووقفوا بحوش الديوان وصاحوا من الجوع فلم يجبهم احد فرجموا بالاحجار
فركب الوالي وطردهم فنزلوا الى الرميلة ونهبوا حواصل الغلة التي بها ووكالة القمح وحاصل كتخدا الباشا وكان ملآنا بالشعير والفول وكانت هذه الحادثة ابتداء الغلاء حتى بيع الاردب القمح بستمائة نصف فضة والشعير بثلثمائة والفول باربعمائة وخمسين والارز بثمانمائة نصف فضة واما العدس فلا يوجد
وحصل شدة عظيمة بمصر واقاليمها وحضرت اهالي القرى والارياف حتى امتلأت منهم الازقة واشتد الكرب حتى اكل الناس الجيف ومات الكثير من الجوع وخلت القرى من اهاليها وخطف الفقراء الخبز من الاسواق ومن الافران ومن على رؤوس الخبازين
ويذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطيف وبايديهم العصي حتى يخبزوه بالفرن ثم يعودون به
واستمر الامر على ذلك الى ان عزل علي باشا في ثامن (1/47)
عشري المحرم سنة سبع ومائة الف
وورد مسلم اسمعيل باشا من الشام وجعل ابراهيم بك أبا شنب قائمقام ونزل علي باشا الى منزل احمد كتخدا العزب المطل على بركة الفيل فكانت مدته اربع سنوات وثلاثة اشهر واياما ثم تولى اسماعيل باشا وحضر من البر وطلع الى القلعة بالموكب على العادة في يوم الخميس سابع عشر صفر فلما استقر في الولاية ورأى ما فيه الناس من الكرب والغلاء امر بجميع الفقراء والشحاذين بقراميدان فلما اجتمعوا امر بتوزيعهم على الامراء والاعيان كل انسان على قدر حاله وقدرته واخذ لنفسه جانبا ولاعيان دولته جانبا وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحا ومساء الى ان انقضى الغلاء واعقب ذلك وباء عظيم فامر الباشا بيت المال ان يكفن الفقراء والغرباء فصاروا يحملون الموتى من الطرقات ويذهبون بهم الى مغسل السلطان عند سبيل المؤمن الى ان انقضى امر الوباء وذلك خلاف من كفنه الاغنياء واهل الخير من الامراء والتجار وغيرهم وانقضى ذلك في آخر شوال
وتوفي فيه الشيخ زين العابدين البكري وابراهيم بك ابن ذي الفقار امير الحاج وغيرهما
ولما انقضى ذلك عمل الباشا مهما عظيما لختان ولده ابراهيم بك وختن معه الفين وثلثمائة وستة وثلاثين غلاما من اولاد الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة كاملة ودينار
وورد مرسوم بمحاسبة علي باشا المنفصل فحوسب فطلع عليه ستمائة كيس فختموا منزله وباعوا موجوداته حتى غلق ذلك
وورد امر بالزينة بسبب نصره فزينت المدينة وضواحيها ثلاثة ايام
وفي رجب ورد مرسوم بطلب الفين من العسكر واميرهم مراد بك فلبس الخلع هو وارباب المناصب وسافروا في حادي عشر شعبان
وفي سابع عشر رجب سنة سبع ومائة والف تقلد قيطاس بك تابع امير الحاج ذي (1/48)
الفقار بك الصنجقية عوضا عن ابن سيده ابراهيم بك وورد الافراج عن نذير آغا ورتب له خمسمائة عثماني وخمس جرايات وعشر علائف في ديوان مصر واستمر رفيقه اسمعيل اغا في السجن
وفي رابع رجب ورد احمد بك من السفر وفي سابعه تقلد ايوب بك امارة الحج
وفي ثاني شعبان ورد اسمعيل راجعا من السفر
وفي ثالث عشر ربيع الاول سنة ثمان ومائة والف ورد امر بتزيين اسواق مصر سرورا بمولود للسلطان وسمي محمودا
وورد ايا الخبر باستشهاد مراد بك
قتل ياسف اليهودي
وفي ثالث عشر رمضان من السنة قامت العساكر على ياسف اليهودي
قتلوه وجروه من رجله وطرحوه في الرميلة وقامت الرعايا فجمعوا حطبا واحرقوه وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة
وسبب ذلك انه كان ملتزما بدار الضرب في دولة علي باشا المنفصل ثم طلب الى اسلامبول وسئل عن احوال مصر فأملى امورا والتزم بتحصيل الخزينة زيادة عن المعتاد وحسن بمكره احداث محدثات ولما حضر مصر تلقته اليهود من بولاق واطلعوه الى الديوان وقرئت الاوامر التي حضر بها ووافقه الباشا على اجرائها وتنفيذها
واشهر النداء بذلك في شوارع مصر فاغتنم الناس وتوجه التجار واعيان البلد الى الامراء وراجعوهم في ذلك فركب الامراء والصناجق وطلعوا الى القلعة وفاوضوا الباشا فجاد بهم بما لا يرضيهم فقاموا عليه قومة واحدة وسألوه ان يسلمهم اليهودي فامتنع من تسليمه فاغلظوا عليه وصمموا على اخذه منه فأمرهم بوضعه في العرقانة ولا يشوشوا عليه حتى ينظروا في امره ففعلوا به كما امرهم
فقامت الجند على الباشا وطلبوا ان يسلمهم اليهودي المذكور ليقتلوه فامتنع فمضوا الى السجن واخرجوه وفعلوا به ما ذكر
وفي تاريخه احضر الباشا الشيخ محمد الزرقاني احد شهود المحكمة بسبب انه كتب حجة وقف منزل آل بيت المال فأمر بحلق لحيته (1/49)
وتشهيره على جمل في الاسواق والمنادي ينادي عليه هذا جزاء من يكتب الحجج الزور
ثم امر بنفيه الى جزيرة الطينة
وفي صفر وردت سكة دينار عليها طرة فجمع الباشا الامراء واحضر امين الضربخانة وسلمها له وامره ان يطبع بها وان يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطا والوزن كل مائة شريفي مائة وخمسة عشر درهما وسعر ابي طرة مائة وخمسة عشر نصفا
وفي ذلك الشهر لبس عبدالرحمن بك على ولاية جرجا وتوجه اليها
وفي ثاني عشر ربيع الاول قامت العسكر المصرية وعزلوا الباشا فكانت مدة اسمعيل باشا سنتين وتقلد مصطفى بك قائمقام مصر الى ان حضر حسين باشا من صيدا وطلع الى القلعة في موكب عظيم في منتصف رجب سنة تسع ومائة والف
وورد مرسوم بطلب تجهيز الفي نفر من العسكر وعليهم يوسف بك المسلماني فقضى اشغاله وسافر في تاسع عشر رمضان
وفي منتصف شهر ذي الحجة خرج اسمعيل باشا الى العادلية ليسافر وكان قد حاسبه حسين باشا فتأخر عليه خمسون الف اردب دفع عنها خمسين كيسا وباع منزله وبلاد البدرشين التي كان قد وقفها وتوجه الى بغداد
وفي سنة عشر ومائة والف اخذ ارباب الاستحقاقات الجراية ولعلائف بثمن عن كل اردب قمح خمسة وعشرون نصفا فضة وكل رادب شعير ستة عشر نصفا
وفي آخر جمادي الثانية ظهر رجل من اهل الفيوم يدعى بالعليمي قدم الى القاهرة واقام بظهر القهوة المواجهة لسبيل المؤمن فاجتمع عليه كثير من العوام وادعوا فيه الولاية واقبلت عليه الناس من كل جهة واختلط النساء بالرجال وكان يحصل بسببه مفاسد عظيمة
فقامت عليه العسكر وقتلوه بالقلعة ودفن بناحية مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها (1/50)
وفي رابع عشر شوال كانت واقعة المغاربة من اهل تونس وفاس وذلك ان من عادتهم ان يحملوا كسوة الكعبة التي تحمل كل سنة للبيت الحرام ويمرون بها في وسط القاهرة وتحمل المغاربة جانبا منها للتبرك بها ويضربون كل من رأوه يشرب الدخان في طريق مرورهم
فرأوا رجلا من اتباع مصطفى كتخدا القازدغلي فكسروا انبوبته وتشاجروا معه وشجوا رأسه وكان في مقدمتهم طائفة منهم متسلحون وزاد التشاجر واتسعت القضية وقام عليهم اهل السوق
وحضر اوده باشة البوابة فقبض على اكثرهم ووضعهم في الحديد وطلع بهم الى الباشا واخبروه بالقضية فأمر بسجنهم بالعرقانة
فاستمروا حتى سافر الحج من مصر ومات منهم جماعة في السجن ثم افرج عن باقيهم
ثم تولى قره محمد باشا وحضر الى مصر منتصف ربيع الثاني سنة احدى عشرة ومائة والف وهو كتخدا اسمعيل باشا المتقدم ذكره
وفي ايامه سنة اربع عشرة حصلت حادثة الفضة المقصوصة والتسعيرة وسيأتي الخبر ذلك في ترجمة علي اغا مستحفظان
وفي سنة خمس عشرة وردت الاخبار بوفاة السلطان مصطفى وجلوس السلطان احمد بن محمد خان في سابع عشر ربيع الآخر منها وامر الباشا بقطع سقائف الدكاكين لاجل توسعة الطرق والاسواق ففعل ذلك ثم امر بقطع الارض وتمهيدها فحفروا نحو ذراع او اكثر من الاسواق ففعل ذلك
ثم امر بقطع الارض الى ان كشفت الجدران
ومكث محمد باشا واليا بمصر خمس سنوات الى ان عزل في شهر رجب سنة ست عشرة ومائة والف
ومن مآثره تعمير الاربعين الذي بجوار باب قراميدان وانشأ فيه جامعا بخطبة وتكية لفقراء الخلوتية من الاروام واسكنهم بها وانشأ تجاهها مطبخا ودار ضيافة للفقراء وفي علوها مكتبا للاطفال يقرأون فيه القرآن ورتب لهم ما يكفيهم
وأنشأ فيما بينها وبين البستان المعروف بالغوري حماما فسيحا مفروشا بالرخام الملون وجدد بستان الغوري (1/51)
وغرس فيه الاشجار ورمم قاعة الغوري التي بالبستان وعمر بجوار المنزل سكن اميراخور وبنى مسطبة عظيمة برسم الباس القفاطين وتسليم المحمل لامير الحاج وارباب المناصب وعمر مسطبة يرمى عليها النشاب وانشأ الحمام البديع بقراميدان ونقل اليه من القلعة حوض رخام صحن قطعة واحدة انزلوه من السبع حدارات وعملوا به فسقيه في وسط المسلخ وعمر بالقرافة مقام سيدي عيسى بن سيدي عبد القادر الجيلاني وجعل به فقراء مجاورين ورتب لهم ما يكفيهم وانشأ صهريجا بداخل القلعة بجوار نوبة الجاويشية ورتب فيها خمسة عشر نفرا يقرأون القرآن كل يوم بعد الشمس وهو الذي تسبب في قتل عبدالرحمن بك حاكم جرجا لحزازة معه من اجل مخدومة اسمعيل باشا وسيأتي تتمة ذلك في خبره عند ذكر ترجمته
وتولى رامي محمد باشا وكان تولي الوزارة في زمن السلطان مصطفى وانفصل عنها وجعل محافظا بجزيرة قبرص ثم حضر منها واليا على مصر فطلع الى القلعة في يوم الاثنين سادس شعبان سنة ست عشرة ومائة والف
وفي سبع عشرة تقلد قيطاس بك امارة الحج عوضا عن ايوب بك
وفي تلك السنة توقف النيل عن الزيادة فضج لناس وابتهلوا بالدعاء وطلب الاستسقاء واجتمعوا على جبل الجيوشي وغيره من الاماكن المعروفة باجابة الدعاء فاستجاب الله لهم في حادي عشر توت وشذ ذلك من النوازل فروى بعض البلاد وهبط سريعا فحصل الغلاء وبلغ سعر الاردب القمح مائتين واربعين فضة والفول كذلك والعدس مائتي نصف فضة والشعير مائة نصف فضة والارز اربعمائة نصف فضة الاردب وبيع اللحم الضاني كل رطل بثلاثة انصاف فضة والجاموسي والبقري بنصفي فضة والسمن القنطار بستمائة نصف فضة والزيت بثلثمائة وخمسين والدجاجة بثمانية انصاف
وعلى هذا فقس والبيض كل ثلاث بيضات بنصف والرطل الشمع الدهن بثمانية انصاف وكثر الشحاذون في الازقة (1/52)
وفي سنة ثمان عشرة لم يأت من اليمن ولا من الهند مراكب فشح القماش الهندي وغلا البن حتى بلغ القنطار الفين وسبعمائة وخمسين نصفا وغلا الشاش فبيع الفرحات خان بأربعمائة نصف فضة والخنكاري بسبعمائة نصف
وفي سادس رجب عزل محمد باشا وحضر مسلم علي باشا
وفي تاسعه نزل محمد باشا من القلعة في موكب عظيم وسكن بمنزل احمد كتخدا العزب سابقا المطل على بركة الفيل بالقرب من حمام السكران
ووصل علي باشا من طريق البحر وذهبت اليه الملاقاة على العادة وارسى بساحل بولاق يوم الاثنين تاسع شعبان وهو في نحو الف ومائتي نفس خلاف الاتباع
وفي ثاني عشر شعبان سنة ثمان عشرة ركب بالموكب وطلع الى القلعة وضربوا المدافع لقدومه
وفي اواخر هذا الشهر وقعت فتنة بين العزب والمتفرقة وسببها ان شخصا من يلك العزب يسمى محمد افندي كاتب صغير سابقا ثم بعد عزله تولى خليفة في ديوان المقابلة وحصل له تهمة عزل بها من المقابلة ثم عمل سردار بالاسكندرية على طائفة العرب وعمل كتخدا القبودان وركب في المراكب واشيع انه غرق في البحر فحلوا اسمه وماله من التعلقات في بابه وغيره
وبعد مدة حضر الى مصر وطلع الى الديوان وصحح اسمه الذي في العزب وجراياته وتعلقاته وبقي له بعض تعلقات لم يقدر على خلاصها ولم يساعده اهل بابه وأهملوا امره فتغير خاطره منهم وذهب الى بلك المتفرقة وانضم اليهم وسألهم ان يخرجوه من العزب ويدخلوه فيهم وجعل يركب معهم كل يوم للديوان ويمر على باب العزب
فبينما هو ذات يوم طالع الى الديوان اذ وقف له جماعة من العزب وقبضوا على لجام فرسه وانزلوه من على فرسه وحبسوه في بابهم
وبلغ الخبر المتفرقة وهم في الديوان وحضر محمد امين بيت المال في العزب وكان في ذلك (1/53)
اليوم نائبا عن باش جاويش لتمرضه
فعاتبه جماعة التفرقة على ما فعله جماعته فاغلظ عليهم في الجواب فقبضوا عليه من اطواقه وارادوا ضربه فدخل بينهم المصلحون وخلصوه من ايديهم
فنزل الى باب العزب وأخبرهم بما فعله المتفرقة فاجتمعت طائفة العزب ووقفوا على بابهم فلما مر عليهم اثنان من جماعة المتفرقة نازلين الى منازلهم وهما محمد الابدال وصاري علي فلما حاذياهم هجم عليهما طائفة العزب هجمة واحدة وضربوهما ضربا مؤلما وانزلوهما عن الخيل وشجوهما ونهبوا ما على الخيل من العدد واخذوا ما عليهما من الملبوس
فلما وصل الخبر للمتفرقة اجتمعوا مع بقية الوجاقات وقعدوا في باب الينكجرية وانهوا امرهم الى الاغوات والصناجق واهل الحل والعقد واستمروا على ذلك ثلاثة ايام الى ان وقع التوافق على اخراج اربعة انفار الذين كانوا سببا لاشعال نار الفتنة ونفيهم من مصر وهم احمد كتخدا العزب ومحمد امين بيت المال والشريف محمد باش اوده باشه ومحمد افندي قاضي اوغلي الذي كان الباعث على ذلك
فوافق على ذلك الجميع وصمموا عليه فسفروهم الى جهة الصعيد
وفي ثاني شهر الحجة عزل على اغا مستحفظان وتولى عوضه رضوان اغا كتخدا الجاوشية سابقا وركب بالشعار المعلوم وقطع ووصل وامر اهل الاسواق ان يدفعوا الارطال في دار الضرب بالدمغة السلطانية
وجعلوا على كل دمغة نصف فضة فتحصل من ذلك مال له صورة
وفي سابع عشر المحرم سنة تسع عشرة ومائة وألف توفي اسمعيل بك الدفتردار وولي ايوب بك عوضه وهو الذي كان امير الحاج سابقا
وفي سادس صفر ورد مرسوم من السلطان احمد بان يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطا وكانوا يقطعونه على ستة عشر
وفي يوم الخميس ورد امر بحبس محمد باشا الرامي وبيع كامل ما يملكه من متاع وملبوس وغيره فحبس بقصر يوسف صلاح الدين (1/54)
وابطال والي البحر الذي يتولى من باب العزب
وفيه وصل الحجاج وقد تاخروا الى نصف صفر بسبب دخول مراكب الهند وشراء ما بها من الاقمشة
وفي شهر ربيع حبس جماعة من اتباع الباشا وهم الكتخدا والخازندار وغيرهم من ارباب الكلمة
وفي ثامن عشر جمادي الآخرة تقلد ابراهيم بك الدفتردارية عوضا عن ايوب بك بموجب مرسوم سلطاني وفيه عزل رضوان اغا مستحفظان وتولى احمد اغا ابن بكير افندي عوضا عنه
وفيه ورد امر بابطال نوبة محمد باشا ونفيه الى جزيرة رودس فنزل من يومه الى بولاق واقام بها الى ان سافر
وفي اوائل رجب ورد امر بعزل علي باشا وحبسه في قصر يوسف واستخلاص ما عليه من الديون الى تجار اسلامبول وجعل ابراهيم بك قائمقام وحبس علي باشا وبيعت موجوداته
وفيها وقعت فتنة بباب الينكجرية فعزلوا افرنج احمد باشا اوده باشا وحسين اوده باشا ثم نفوهم الى الطينة بدمياط
ووردت الاخبار بولاية حسين باشا على مصر وقدومه الى الاسكندرية فقدم الى مصر في ثالث عشري شعبان سنة تسع عشرة
وفيه سافر الشريف يحيى بن بركات الى مكة بمرسوم سلطاني
وفيه فر افرنج احمد اوده باشا وحسين اغا من حبس الطينة ودخلا مصر ليلا فاختبآ عند اغات الجراكسة والتجأ حسين الى باب التفكجبة
وفي خامس عشرينه طلع حسين باشا الى القلعة بالموكب المعتاد على العادة
وفي سادس عشرينه اجتمع الينكجرية بالباب باسلحتهم لما بلغهم قدوم افرنج احمد الى مصر وقالوا لا بد من نفيه ورجوعه الى الطينة فعاند في ذلك طائفة الجراكسة وامتنعوا من التسليم فيه وقالوا لا بد من نقله من وجاقكم
وساعدهم بقية البلكات ولم يوافق الينكجرية على ذلك (1/55)
ومكثوا ببابهم يومين وليلتين وكذلك فعل كل من بلك ببابه
فاجتمع كل العلماء والمشايخ على الصناجق والاعيان وخاطبوهم في حسم الفتنة فوقع الاتفاق على ان يجعلوه صاحب طبلخانة وارسلوا له القفاطين مع كتخدا الباشا وارباب الدرك واحضروه الى مجلس الاغا وقرأوا عليه فرمان الصنجقية وان خالف يكون عليه بخلاف ذلك فامتثل الامر ولبس الصنجقية وطلع من منزل اغات الجراكسة بموكب عظيم الى منزله ونزل له الصنجق السلطاني والطبلجانة في غايته
ومن الحوادث انه حضر كتخدا حسين باشا المذكور من طريق البحر باوامر منها تحرير عيار الذهب على ثلاثة وعشرين قيراطا وان يضربوا الزلاطة والعثامنة التي يقال لها الاخشاءة بدار الضرب واحضر معه سكة لذلك فامتنع المصريون من ذلك ووافقوا على تصحيح عيار الذهب فقط
وفي شهر شوال حضر اغا بمرسوم ببيع موجودات علي باشا المسجون فباعوها بالمزاد بالديوان
وفي شهر الحجة ورد اغا بطلب خازندار ابراهيم بك الدفتردار وسببه انه انهى الى السلطان ان خليل الخازندار المذكور اتاه رجل دلال بقوس فصار يجذبها ويتصرف فيها وكان بجانبه رجل من العثمانيين فاخذ القوس من يد خليل المذكور واراد جذبها فلم يستطع فتعجب من قوة خليل المذكور واخذ منه القوس وسافر بها الى الديار الرومية ليمتحن بها اهل ذلك الفن فلم يقدر احد على جذبها واتصل خبرها بالسلطان فطلبها لجذبها فلم يستطع فتعجب من صعوبتها فقال له الرجل ان بمصر مملوكا عند ابراهيم بك اوترها وصار يجذبها حتى تجمع طرفاها وعنده ايضا مكحلة ثلاثون درهما يرمى بها الهدف وهو رامح على ظهر الحصان فامر السلطان باحضاره فجهزه ابراهيم بك وارسله
سنة عشرين ومائة والف
ورد قبودان يسمى جانم خوجه رئيس المراكب وطلع الى الديوان (1/56)
ومعه بقية الرؤساء فلما اجتمع بالباشا ابرز له مرسوما بتجهيز علي باشا الى الديار الرومية فجهز في ثامن عشرينه ونزل بموكب فيه حسين باشا والصناجق والاغوات واتباعهم ونزل في السفائن وسافر في اوائل ربيع الاول
وفي ثامن عشر شوال اجتمع عسكر بالديوان وانهوا الى الباشا ان محمد بك حاكم جرجا انزل عربان المغاربة وامنهم وهذا يؤدي الى الفساد فعزلوه وولوا آخر اسمه محمد من اتباع قيطاس بك جعلوه صنجقا والبسوه على جرجا وهو الذي عرف بقطامش وستأتي اخباره
وفي تاسع عشر شوال ورد محسن زاده اخو كتخدا الوزير ادخله حسين باشا بموكب حفل وطلع الى القلعة وابرز مرسوما بعزل ايواز بك وتولية محمد باشا محسن زاده في منصبه فانزله في غيظ قراميدان الى ان سافر صحبة الحاج الشريف
ومن الحوادث ان في يوم الاثنين رابع عشر القعدة سنة عشرين ومائة والف وقف مملوك لرجل يسمى محمد اغا الحلبي على دكان قصاب بباب زويلة ليشتري منه لحما فتشاجر مع حمار عثمان اوده باش البوابة فأعلم عثمان بذلك فارسل أعوانه وقبضوا على ذلك المملوك واحضروه اليه فأمر بحبسه في سجن الشرطة فلما بلغ محمد جاويش سجن مملوكه حضر هو واولاده واتباعه الى باب صاحب الشرطة لخلاص مملكوه فتفاوضا في الكلام وحصل بينهما مشاجرة فقبض عثمان اوده باشا علي محمد جاويش المذكور وأودعه في السجن وركب الى باش اوده باشا وهو اذ ذاك سليمان ابن عبدالله وطلع الى كتخدا مستحفظان وعرض القصة فلم يرضوا له بذلك وامروه باطلاقه فرجع واخرج محمد جاويش ومملوكه من السجن وركب
ففي ثاني يوم الحادثة اجتمعت طائفة الجاويشية مع طائفة المتغرفة والثلاث بلكات الاسباهية والامراء والصناجق والاغوات في الديوان وطلبوا نفي عثمان أوده باشا المذكور فلم توافقهم الينكجرية (1/57)
على ذلك فطلعوا الى الديوان وطلبوا عثمان المذكور للدعوى عليه فحضر واقيمت الدعوى بحضرة الباشا والقاضي فأمر القاضي بحبس عثمان كما حبس محمد جاويش فلم يرض الاخصام بذلك وقالوا لا بد من عزله ونفيه فلم توافقهم الينكجرية فطلب العسكر من الباشا أمرا بنفيه فتوقف في ذلك فنزلوا مفغضبين واجتمعوا بمنزل كتخدا الجاويشية وأنزلوا مطبخهم من نوية خاناه الى منزل كتخدا الجاويشية صالح اغا وأقاموا به ثلاثة ايام ليلا ونهارا وامتنعوا من التوجه الى الديوان ثم اجتمع اهل البلكات وتحالفوا انهم على قلب رجل واحد واتفقوا على نفي عثمان اوده باشا ثم اجتمعوا على الصناجق واتفقوا ان يكونوا معهم على طائفة الينكجرية لانهم لم يعتبروهم
وأرسل الاسباهية مكاتبات لانفارهم المحافظين مع الكشاف بالولايات يأمرونهم بالحضور
وفي ذلك اليوم عزل أوده باش البوابة وولي خلافة
وفي يوم الجمعة ثامن عشري الشهر حضر الى طائفة الينكجرية من أخبرهم ان العسكر يريدون قتالهم فأرسلوا القابجية الى انفارهم ليحضروا الى الباب بآلة الحرب فاجتمعوا وانزعج اهل الاسواق وقفل غالبهم دكاكينهم ثم اطمأنوا بعد ذلك وجلسوا في دكاكينهم
واستمر أهل الوجاقات الستة يجتمعون ويتشاورون في أبوابهم وفي منزل محمد اغا المعروف بالشاطر ومنزل ابراهيم بك الدفتردار واما الينكجرية فانهم كانوا يجتمعون بالباشا فقط
وفي يوم الاحد رابع عشر ذي الحجة قدم محمد بك الذي كان بالصعيد في جند كثيف واتباع كثيرة وطلع الى ديوان مصر على عادة حكام الصعيد المعزولين ولبس الخلع السلطانية ونزل الى بيته بالصليبة
ثم ان أهل الوجاقات الست اجتمعوا واتفقوا على ابطال المظالم المتجددة بمصر وضواحيها وكتبوا ذلك في قائمة واتفقوا ايضا ان من كان له وظيفة بدار الضرب والانبار والتعريف بالبحرين او المذبح لا يكون له (1/58)
جامكية في الديوان ولا ينتسب لوجاق من الوجاقات وان لا يحتمي احد من اهل الاسواق في الوجاقات وان ينظر المحتسب في امورهم ويحرر موازينهم على العادة وان يركب معه نائب من باب القاضي مباشرا معه وان يتعرض احد للمراكب التي ببحر النيل التي تحمل غلال الإنبار وأن يحمل الغلال المذكورة جميع المراكب التي ببحر النيل
ولا تختص مركب منها بباب من ابواب الوجاقات وان كل ما يدخل مصر من بلاد الامناء باسم الاكل لا يؤخذ عليه عشر وان لا يباع شيء من قسم الحيوانات والقهوة الى جنس الافرنج وان لا يباع الرطل البن بازيد من سبعة عشر نصفا فضة
وارسلوا القائمة المكتتبة الى الباشا ليأخذوا عليها بيورلدي وينادى به في الاسواق
فتوقف الباشا في اعطاء البيورلدي ولما بلغ الانكشارية ما فعل هؤلاء اجتمعوا ببابهم وكتبوا قائمة نظير تلك القائمة بمظالم الخردة ومظالم اسبانية الولايات وغيرها وارسلوها الى الباشا فعرضها على أهل الوجاقات فلم يعتبروها وقالوا لابد من اجراء قائمتنا وابطال ما يجب ابطال منها من المظالم
وفي يوم الأحد حادي عشري ذي الحجة اجتمع أهل الوجاقات ومعهم الصناجق بباب الغرب وقاضي العسكر ونقيب الاشراف بالديوان عند الباشا وارسلوا الى الباشا ان يكتب لهم بيورلدي بابطال ما سألوه فيه والمناداة به وان لم يفعل ذلك انزلوه ونصبوا عوضه حاكما منهم
وعرضوا ذلك على الدولة فلما تحقق الباشا منهم ذلك كتب لهم ما سألوه وكتب لهم القاضي ايضا حجة على موجبة ونزل بهما المحتسب وصاحب الشرطة ونائب القاضي واغا من اتباع الباشا ونادوا بذلك في الشوارع
وفي غاية الحجة سنة عشرين كسف جرم الشمس في الساعة الثامنة واستمر سبع عشرة درجة ثم انجلت
سنة احدى وعشرين ومائة والف
وفي يوم السبت رابع محرم سنة احدى وعشرين ومائة الف اجتمع (1/59)
الينكجرية عند اغاتهم وتحالفوا انهم على قلب رجل واحد واجتمع انفارهم جميعا بالغيط المعروف بخمسين كتخدا وتحالفوا كذلك
وفي سابعه اجتمع اهل الوجاقات بمنزل ابراهيم بك الدفتردار وتصالحوا على ان يكونوا كما كانوا عليه من المصافاة والمحبة بشرط ان ينفذوا جميع ما كتب في القائمة ونودي به ولا يتعرضوا في شيء منه فلم يستمر ذلك الصلح
وفي ليلة السبت حادي عشرة وقع في الجامع الازهر فتنة بعد موت الشيخ النشرتي وسيأتي ذكرها في ترجمة الشيخ عبدالله الشبراوي ثم ان الينكجرية قالوا لا نوافق على نقل دار الضرب الى الديوان حتى تكتبوا لنا حجة بان ذلك لم يكن لخيانة صدرت منا ولا تخوف عليها فامتنع اخصامهم من اعطاء حجة بذلك ثم توافق اهل البلكات الست على ان يعرضوا في شأن ذلك الى باب الدولة فان اقرها في مكانها رضوا به وان امر بنقلها نقلت فاجتمعوا هم ونقيب الاشراف ومشايخ السجاجيد وكتبوا العرض المذكور ووضعوا عليه ختومهم ما عدا الينكجرية فانهم امتنعوا من الختم ثم امضوه من القاضي وأرسلوه من أنفار من البلكات واغا من طرف الباشا في سادس عشري المحرم سنة احدى وعشرين ومائة والف
واما الينكجرية فانهم اجتمعوا ببابهم وكتبوا عرضا من عند انفسهم الى ارباب الحل والعقد من اهل وجاقهم بالديار الرومية وعينوا للسفرية على افندي كاتب مستحفظان سابقا واحمد جربجي وجهزوهم للسفر فسافروا في يوم الاثنين سابع عشرينه
وفي ثالث عشر ربيع الاول تقلد امارة الحاج قيطاس بك مقررا على العادة في صبيحية المولد النبوي في كل سنة وكان أشيع ان بعض الامراء سعى على منصب امارة الحج فلما بلغ الينكجرية ذلك اجتمعوا ببابهم لابسين سلاحهم وجلسوا خارج الباب الكبير على طريق الديوان بناء على انه ان لبس شخص امارة الحج خلاف قيطاس بك لا يمكنوه من ذلك (1/60)
فلما رأى الصناجق والامراء ذلك منهم خافوهم وقالوا هذه ايام تحصيل الخزينة ونخشى وقوع امره من هؤلاء الجماعة يؤدي الى تعطيل المال فاجتمع رأي الصناجق واهل الوجاقات الست على نفي ستة اشخاص من الينكجرية الذين بيدهم الحل والعقد ويخرجونهم من مصر الى بلاد التزامهم تسكينا للفتنة حتى يأتي جواب العرض
فلما بلغ الينكجرية ما دبروه اجتمعوا في بابهم في عددهم وعددهم فلم يلتفتوا الى فعلهم وقالوا لا بد من نفيهم او محاربتهم
واجتمعوا كذلك في ابوابهم واستعد الينكجرية في بابهم وشحنوه بالاسلحة والذخيرة والمدافع فحصل لاهل البلد خوف وانزعاج وأغلقوا الدكاكين وذلك سابع عشر ربيع الاول ونقل الجاويشية مطبخهم من القلعة من النوبة الى منزل كتخدا الجاويشية وأقام طائفة الينكجرية منهم طوائف محافظين على ابواب القلعة وباب الميدان والسحراء الذي بالمطبخ الموصل الى القرافة خوفا من ان العسكر يستميلون الباشا وينزلونه الميدان لانهم كانوا ارسلوا له كتخد الجاويشية وطلبوا منه النزول الى قراميدان ليتداعوا مع الينكجرية على بد قاضي العسكر فلم تمكنهم الينكجرية من ذلك وحصل لكتخدا الجاويشية ومن معه مشبقة في ذلك اليوم من المذكورين عند عودهم من عند الباشا وما خلصوا الا بعد جهد عظيم
وفي يوم الخميس عشري ربيع الاول اجتمع الصناجق والعسكر واختاروا محمد بك الذي كان بالصعيد لحصار القلعة من جهة القرافة على جبل الجيوشي بالمدافع والعسكر ففعل ما أمروا به وخافت العسكر وقوع نهب بالمدينة فعينوا مصطفى اغا أغات الجراكسة يطوف في اسواق البلد وشوارعها
كما كان يفعل في زمن عزل الباشا
وفي يوم السبت ثاني عشرينه اجتمع الامراء الصناجق والاسباهية بالرذيلة وعينوا احمد بك المعروف بافرنج احمد اغات التفكجية ليحاصروا طائفة الينكجرية من بابهم المتوصل منه الى المحجر وباب الوزير (1/61)
ويمنعوا من يصل اليهم بالامداد
واما الينكجرية الذين كانوا بالقاهرة فاجتمعوا بباب الشرطة واتفقوا على ان يدهموا العسكر المحافظين بالباب ويكشفوهم ويدخلوا الى باب الينكجرية
فلما بلغ الصناجق ذلك والعسكر عينوا ابراهيم الشهير بالوالي ومصطفى اغات الجبجية في طائفة من الاسباهية فنزلوا الى باب زويلة ولما بلغ خبرهم الينكجرية الذين كانوا تجمعوا في باب الشرشة تفرقوا فجلس مصطفى اغا محل جلوس الاوده باشا وابراهيم بك في محل جلوس العسس وانتشرت طوائفهم في نواحي باب زويلة والخرق واستمروا ليلة الاحد على هذا المنوال فطلع في صبحها نقيب الإشراف والخلماء وقاضي العسكر وارباب الاشاير واجتمعوا بالشيخونيتين بالصليبة وكتبوا فتوى بان الينكجرية ان لم يسلموا في نفي المطلوبين والا جاز محاربتهم وارسلوا الفتوى صحبة جوخدار من طرف القاضي الى باب الينكجرية فلما قرأت عليهم تراخت عزائمهم وفشلوا عن المحاربة وسلموا في نفي المطلوبين بشرط ضمانهم من القتل فضمنهم الامراء الصناجق وكتبوا لهم حجة بذلك فلما وصلتهم الحجة انزلوا الانفار الثمانية المطلوبين الى امير اللواء ايواز بك ورضوان اغا فتوجها بهم الى بولاق ومن هناك سافروا الى بلاد الريف
وفي يوم تاسع عشر ربيع الآخر ورد امير زياده اخوز صغير من الديار الرومية وطلع الى القلعة وابرز مرسومين فرثا بالديوان بمحضر الجميع احدهما بابطال المظالم والحمايات بموجب القائمة المعروضة من العسكر ونفي عطاء الله المعروف ببولاق واحمد جلبي بن يوسف اغا وان يحاسبوا تجارة القهوة على مرابحة العشرة اثني عشر بعد رأس المال والمصاريف والامر الثاني بنقل دار الضرب من قلعة الينكجرية الى حوش الديوان وبناء قنطرة اللاهون بالفيوم وان يحسب ما يصرف عليهما من مال الخزينة العامرة
وفي يوم تاريخه برز أمر من الباشا برفع صنجقية احمد بك الشهير بافرنج احمد بك والحاقه بوجاق الجميلة (1/62)
وفي يوم السبت اجتمع اعيان مستحفظان بمنزل احمد كتخدا المعروف بشهر اغلان وارسلوا خلف افرنج احمد وتصالحوا معه وتعاهدوا على الصدق وان لا يغدرهم ولا يغدروه
ومضوا معه الى الباب الجملي واخذوا عرضه وركب الحمار في يوم الاحد وطلع الى باب مستحفظان في جم غفير من الاوده باشية وتقرر باش اوده باشا كما كان سابقا وعاد الى منزله
وفي غاية الشهر رجع الانفار الثمانية المنفيون واخرجوهم من وجاق الينكجرية ووزعوهم على اهل الوجاقات باطلاع الامراء الصناجق والاغواث
وفي اوائل جمادي الاولى ارسل القاضي فأحضر مشايخ الحرف وعرفهم انه ورد أمر يتضمن ان لا يكون لاحد من ارباب الحرف والصنائع علاقة ولا نسبة في احد الوجاقات السبع فأجابوه بان غالبهم عسكري وابن عسكري وقاموا على غير امتثال ثم بلغ القاضي انهم اجمعوا على ايقاع مكروة به فخافهم وترك ذلك وتغافل عنه ولم يذكره بعد
وفي هذه السنة أبطل الينكجرية ما كانوا يفعلونه من الاجتماع بالمقياس وعمل الاسمطة والجمعيات وغيرها عند تنظيفه
وفي منتصف جمادي الثانية تم بناء دار الضرب التي احدثوها بحوش الديوان وضرب بها السكة وكان محلها قبل ذلك معمل البارود ونقل معمل البارود الى محل بجوارها
وفيه لبس ابراهيم بك ابو شنب أميرا على الحاج عوضا عن قيطاس بك وتولى قيطاس بك دفتردارية مصر عوضا عن ابراهيم بك بموجب مرسوم ورد بذلك من الاعتاب
وفي تاسع عشر رمضان ورد الخبر بعزل حسين باشا وولاية ابراهيم باشا القبودان ووردت منه مكاتبة بان يكون حسين باشا نائبا عنه الى حين حضوره ولم يفوض امر النيابة الى احد من صناجق مصر كما هو المعتاد (1/63)
وفي شهر شوال الموافق لكيهك القبطي ترادفت الامطار وسالت الاودية حتى زاد بحر النيل بمقدار خمسة اذرع وتغير لونه لكثرة ممازجة الطفل للماء في الاودية واستمرت الامطار تنزل وتسكب الى غاية الشهر وكان ابتداؤها من غرة رمضان
وفي منتصف ذي القعدة نزل حسين باشا من القلعة بموكب عظيم وأمامه الصناجق والاغوات الى منزل الامير يوسف اغا دار السعادة بسويقة عصفور ووصل ابراهيم باشا القبودان وطلع الى القلعة في منتصف الحجة
سنة اثنتين وعشرين ومائة والف
وفي منتصف محرم سنة اثنين وعشرين ومائة والف اجتمع اهل البلكات السبعة بسبيل علي باشا بجوار الامام الشافعي واتفقوا على نفي ثلاثة انفار من بينهم فنفوا في يوم الخميس من اختيارية الجاويشية قاسم اغا وعلي افندي كاتب الحوالة ومن وجاق المتفرقة علي افندي المحاسبجي وسببه انهم اتهموهم بانهم يجتمعون بالباشا في كل وقت ويعرفونه بالاحوال وانهم اغروه بقطع الجوامك المكتتبة باسماء أولاد وعيال المحلول عنهم وان العسكر راجعوه في ذلك فلم يوافقهم على ذلك وايضا راجعه الاختيارية المرة بعد المرة فقال لا اسلم الا الوجاقات السبعة فمن نقل اسمه فاني لا أعارضه فرضوا بذلك وأخذوه منه فرمانا فورد بعد ذلك سلحدار الوزير وعلى يده اوامر بابطال المرتبات وان من عاند في ذلك يؤدبه الحاكم فاذعنوا بالطاعة فاراد الباشا نفي الثلاثة أنفار من اختيارية العزب فلم توافق العسكر ثم اتفق العسكر على كتابة عرض بالاستعطاف بابقاء ذلك وسافر به سبعة انفار من الابواب السبعة
وفي يوم الخميس غاية ربيع الاول تقلد الامير ايواز بك امارة الحج عوضا عن ابراهيم بك لضعف مزاجه ووهن قوته (1/64)
وفي اوائل جمادى الاولى سنة اثنتين وعشرين ومائة والف ورد من الديار الرومية مرسوم قرىء بالديون مضمونه ان وزن الفضة المصرية زائد في الوزن عن وزن اسلامبول والامر بقطع الزائد وان تضرب سكة الجنزرلي ظاهرة ويحرر عياره على ثلاثة وعشرين قيراطا
وفي ثاني رجب حصلت زلزلة في الساعة الثامنة
وفيه ورد مرسوم بابقاء المرتبات التي عرض في شأنها كما كانت ولكن لا يكتب بعد اليوم في التذاكر أولاد وعيال ولا ترتب على جهة وقف
وفي خامس عشرة ورد عزل ابراهيم باشا وولاية خليل باشا واقامة ايوب بك قائمقام ونزل ابراهيم باشا من القلعة الى منزل عباس اغا ببركة الفيل فكانت مدته ثمانية اشهر ووصل خليل باشا الكوسنج وكان بصيدا من اعمال الشام فقدم بالبر يوم الثلاثاء عاشر شعبان سنة اثنتين وعشرين ومائة والف
وفي ثاني عشر ذي القعدة ورد امر بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم صنجق لسفر الموسقو وكانت النوبة على محمد بك حاكم جاجا حالا فتعذر سفره فأقيم بدله اسمعيل بك تابع ذي الفقار بك فقلدوه الصنجقية وأمده محمد بك باربعين كيسا مصرية وجعله بدلا عنه وألبس القفطان ثاني عشر الحجة
سنة ثلاث وعشرين ومائة والف
ودخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة والف واستهل المحرم بيوم الخميس الموافق الرابع عشر أمشير القبطي سابع شباط الرومي وفي ذلك اليوم انتقلت الشمس لبرج الحوت
وفيه نزل اسمعيل بك بموكب وشق في وسط القاهرة الى بولاق وسافر بالعسكر في منتصف المحرم
وفي يوم الجمعة سادس عشرة اجتمع طائفة مصطفى كتخدا القزدغلي ومعه من أعيان الينكجرية خمسة عشر نفرا واتفقوا انهم لا يرضون افرنج احمد باش اوده باشاا فاما يلبس الضلمة او يكون جربجيا في الوجاق وان لم (1/65)
يرض باحد الامرين يخرج المذكورون من الوجاق ويذهبون الى أي وجاق شاؤوا
وكان الاجتماع بباب العزب وساعدهم على ذلك أرباب البلكات الستة وصمموا ايضا على رجوع الثمانية انفار الذين كانوا اخرجوهم من باب الينكجرية ومشت الصناجق بينهم والاختيارية وصاروا يجتمعون تارة بمنزل قيطاس بك الدفتردار وتارة بمنزل ابراهيم بك امير الحاج سابقا ثم اجمع رأي الجميع على نقل الثمانية انفار المذكورين ومن انضم اليهم من الوجاقات الى باب العزب وان يخرجوا انفارا كثيرة من مصر منفيين منهم ثلاثة من الكتخدائية وعشرة من الجربجية والباقي من الينكجرية وعرضوا في شأن ذلك للباشا فاتفق الامر على ان من كان منهم مكتوبا لسفر الموسقو فليذهب مع المسافرين ومن لم يكن مكتوبا فيعطى عرضه ويذهب الى باب العزب
وحضر كاتب العزب والينكجرية في المقابلة واخرجوا من كان اسمه في السفر وما عداهم اعطوهم عرضهم وتفرقوا عن ذلك
ووقع الحث على سفر من خرج اسمه في المسافرين وعدم اقامتهم بمصر وان يلحقوا بالمسافرين بثغر الاسكندرية
وفي ثالث عشر صفر قدم ركب الحاج صحبة امير الحاج ايواز بك
وفيه اجتمع حسن جاويش القزدعلي الذي كان سردار القطار والامير سليمان جربجي تابع القزدغلي سردار الصرة وابراهيم جربجي سردار جداوي وطلبوا عرضهم من باب مستحفظان فذهب اليهم اختيارية بابهم واستعطفوهم فلم يوافقوهم ثم طلب موسى جربجي تابع بن الامير مرزان ان يخرج ايضا من الوجاق وينقلوا اسمه من الجملية فلم يوافقه رضوان اغا فذهب موسى جربجي الى ابراهيم بك وايواز بك وقيطاس بك وسألهم ان يتشفعوا له في ذلك فلم يوافق رضوان أغا فاتفق رأيهم ان يعرضوا للباشا بأن يعزل رضوان اغا المذكور ويتولى علي اغات الينكجرية سابقا وان يعزل سليمان كتخدا الجاويشية ويولى عوضه اسمعيل أغا تابع ابراهيم بك فامتنع (1/66)
الباشا من ذلك وكان اختيارية الجملية توافقوا مع الامراء الصناجق على عزل رضوان أغا فلما رأوا امتناع الباشا أخذوا الصندوق من منزل رضوان أغا واجتمعوا بمنزل باشجاويش واجتمع اهل كل وجاق ببابهم واستمروا على ذلك اياما
واما الينكجرية الذين انتقلوا الى العزب فانهم اجتمعوا بباب العزب وقطعوا الطريق الموصلة الى القلعة ومنعوا من يريد الطلوع الى باب الينكجرية من العسكر والاتباع ولم يبق في الطريق الموصلة الى القلعة الا باب المطبخ ثم توجهوا للسواقي لاجل منع الماء عن القلعة فمنعهم العسكر من الوصول اليها فكسروا كشب السواقي التي بعرب اليسار وقطعوا الاحبال والقواديس ثم ان نفرا من انفار الينكجرية أراد الطلوع من طريق المحجر فضربوه وشجوا رأسه ومنعوه فمضى من طريق الجبل ودخل من باب المطبخ واجتمع بافرنج احمد وبقية الينكجرية وعرفهم حاله فأخذه جماعة منهم وعرضوا امره على خليل باشا وقاضي العسكر فقال هؤلاء صاروا بغاة خارجين عن الطاعة حيث فعلوا ذلك ومنعونا الماء والزاد أخافوا الناس وسلبوهم فقد جاز قتالهم ومحاربتهم وذلك سابع عشر صفر ثم ان احمد أوده باشا استأذن الباشا في محاربة باب العزب وضربهم بالمدافع والمكاحل فأذن له في ذلك
ومن ذلك الوقت تعوق القاضي عن النزول وأخافوه واستمر مع الباشا الى انقضاء الفتنة مدة سبعين يوما ورجع افرنج احمد وشرع في المحاربة وضرب على باب العزب بالمدافع وذلك من بعد الزوال الى بعد العشاء وقتل من طائفة العزب اربعة انفار بالمحجر
ثم في صبيحة ذلك اليوم اجتمع من الامراء الصناجق الامير ايواز بك امير الحاج والامير ابراهيم ابو شنب وقانصوه بك ومحمود بك ومحمد بك تابع قيطاس بك الدفتردار واتفقوا على ان يلبسوا آلة الحرب ويذهبوا الى الرميلة معونة للعزب على الينكجرية فأخبروا ان أيوب بك ركب مدافع على طريق المارين على منزله (1/67)
وعلى قلعة الكبش وربما انهم اذا طلعوا الى الرميلة يذهب ايوب بك وينهب منازلهم فامتنعوا من الركوب وجلسوا في منازلهم بسلاحهم خوفا من طارق
واستمر افرنج احمد يحارب ثلاثة ايام بلياليها واجتمع على رضوان اغا طائفة من نفره وتذاكروا فيمن كان سببا لاثارة الفتنة
فقالوا سليم جربجي ومحمد افندي بن طلق ويوسف افندي واحمد جربجي توالى فقالوا لا نرضى هؤلاء الاربعة بعد اليوم ان يكونوا اختيارية علينا ثم ركبوا وتوجهوا الى منزل قيطاس بك وارسلوا من كل بلك اثنين من الاختيارية الى منزل ايوب بك يطلبون رضوان أغا فاركبوه في موكب عظيم وكتبوا تذاكر للاربعة الاختيارية المذكورين بأنهم يلزمون بيوتهم ولا يركبون لاحد ولا يجتمع بهم احد
ثم ركب رضوان أغا الى منزل أيوب بك وتذاكروا في الصلح وكتبوا تذكرة لاحمد باشا بابطال الحرب فأبى من الصلح فكتبوا عرضا الى الباشا عن لسان الصناجق وأغوات الوجاقات الخمس برفع المحاربة فأرسل الباشا الى الينكجرية فامتثلوا امره وابطلوا الحرب وضرب المدافع ثم ان الصناجق والاغوات أرسلوا يطلبون جماعة من اختيارية الينكجرية ليتكلموا معهم في الصلح فأجابوا الى الحضور غير انهم تعللوا الى الحضور بانقطاع الطريق من العسكر المقيمين بالمحجر فأرسلوا الى حسن كتخدا العزب فأرسل اليهم من احضرهم وخلت الطريق فاجتمع رأي الينكجرية على ارسال حسن كتخدا سابقا واحمد بن مقز كتخدا سابقا ايضا فاجتمعوا بالعسكر والصناجق بمنزل اسمعيل بك وحضر معهم جميع اهل الحل والعقد وتشاوروا في اخماد هذه الفتنة وأرسلوا الى باب الينكجرية فقالوا نحن لا نأبى الصلح بشرط ان هؤلاء الثمانية الذين كانوا سببا لاثارة هذه الفتنة لا يكونون في باب العزب بل يذهبون الى وجاقاتهم الاصلية ولا يقيمون فيه وان يسلموا الامير حسن الاخميمي للباشا يفعل فيه رأيه (1/68)
فأبى أهل باب العزب ذلك ولم يرضوه فأرسل الامراء الصناجق كتخداتهم الى افرنج احمد ومعهم اختيارية الوجاقات الخمسة يشفعون عنده بان الانفار والثمانية يرجعون كما ذكرتم الى وجاقاتهم ويعفون من النفي ومن طلب الامير حسن فلم يوافق افرنج احمد على ذلك وقال ان لم يرضوا بشرطي والا حاربتهم ليلا ونهارا الى ان أخفى آثار ديار العزب فتفرقوا على غير صلح ثم اجتمع الامراء الصناجق والاغوات في رابع شهر ربيع بمنزل ابراهيم بك بقناطر السباع وتذاكروا في اجراء الصلح على كل حال وكتبوا حجة على أن من صدر منه بعد اليوم ما يخالف رضا الجماعة يكون خصم الجماعة المذكورين جميعا
وكلموا أيوب بك ان يرسل الى افرنج احمد بصورة الحال وان يمنع المحاربة الى تمام الامر المشروع فبطل الحرب نحو خمسة عشر يوما واخذ افرنج احمد مدة هذه الايام في تحصين جوانب القلعة وعمل متاريس ونصب مدافع وتعبية ذخيرة وجبخانة ملأوا الصهاريج وحضر في اثناء ذلك محمد بك حاكم الصعيد ونزل بالبساتين فأقام ثلاثة ايام ودخل في اليوم الرابع ومعه السواد الاعظم من العرب والمغارية والهوارة ونزل ببيت آق بردى بالرميلة وحارب من جامع السلطان حسن من منزل يوسف اغات الجراكسة سابقا فلم يظفر وقتل من جماعته نحو ثلاثين نفرا وظهر عليه محمد بك المعروف بالصغير تابع قيطاس بك من انضم اليه من اتباع ابراهيم بك وايواز بك ومماليكه وكانوا تترسوا في ناحية سوق السلاح ووضعوا المتاريس في شبابيك الجامع وانتقل من محله وذهب الى طولون وتترس هناك وهجم على طائفة العزب الذين كانوا بسبيل المؤمن على حين غفلة وصحبته ذو الفقار تابع أيوب بك فوقع بينهم مقتلة عظيمة من الفريقين فلم يطق العزب المقاومة فتركوا السبيل وذهبوا الى باب العزب وربط محمد بك جماعة من عسكره في مكانهم (1/69)
ثم ان الشيخ الخليفي طلع الى باب الينكجرية وتكلم مع احمد أوده باشا والاختيارية في أمر الصلح فقام عليه افرنج احمد وأسمعه ما لا يليق وأرسل الى الطبجية وأمرهم بضرب المدافع على حين غفلة فانزعج الناس وقاموا وقام الشيخ ومضى وأما سكان باب العزب فانهم أخذوا ما امكنهم من أمتعتهم وتركوا منازلهم ونزلوا المدينة وتفرقوا في حارات القاهرة
وحصل عند الناس خوف شديد وأغلقوا الوكائل والخانات والاسواق ورحل غالب السكان القريبين من القلعة مثل جهة الرميلة والحطابة والمحجر خوفا من هدم المنازل عليهم
وكان الامر كما ظنوه فان غالبها هدم من المدافع واحترق والذي سلم منها حرقه عسكر طوائف الينكجرية بالنار
ولم يصب باب العزب شيء من ذلك ما عدا مجلس الكتخدا فانه انهدم منه جانب وكذلك موضع الاغا لاغير
ثم ان افرنج احمد توافق مع أيوب بك وعينوا عمر أغا جراكسة وأحمد أغا تفكجيان ورضوان أغا جمليان فقعدوا بمن انضم اليهم بالمدرسة بقوصون وجامع مزدادة بسويقة العزى وجامع قجماس بالدرب الاحمر ليقطعوا الطريق على العزب واختار افرنج احمد نحو تسعين نفرا من الينكجرية واعطى كل شخص دينارا طرلي وأرسلهم بعد الغروب الى الاماكن المذكورة فاما رضوان أغا فانه تعلل واعتذر عن الركوب واما احمد أغا فانه توجه الى المحل الذي عين له فتحارب مع طائفة من الصناجق والعزب في الجنابكية وأما الذين ربطوا بجامع مزدادة فلم يأتهم احد الى الصباح فأخذوا الفطور من الذاهبين به الى باب العزب
وفي أثناء ذلك نزل رجل أوده باشا من العزب من السلطان حسن يريد منزله فقبض عليه طائفة من الاخصام وسلبوه ثيابه وتركوه بالقميص وارسلوه الى افرنج احمد فلما بلغ العزب ذلك ارسلوا طائفة منهم الى المقيمين بجامع مزدادة فدخلوا من بيت الشريف يحيى بن بركات ونقبوا (1/70)
منزل عمر كتخدا مستحفظان اذ ذاك وما بجواره من المنازل الى أن وصلوا منزل مراد كتخدا
فبمجرد ما رآهم العسكر الذين بجامع مزدادة فروا وأما عمر أغات جراكسة المقيم بجامع قجماس فإنه وزع أتباعه جهة باب زويلة وجهة التبانة فحصل لاهل تلك الخطة خوف شديد خصوصا من كان بيته بالشارع
فأرسلت العزب صالح جربجي الرزاز بجملة من عسكر العزب ومن انضم اليهم من الينكجرية الذين انقلبوا الى العزب كأتباع الامير حسن باشجاويش سابقا والامير حسن جاويش تابع القزدغلي والامير حسن جلب كتخدا وجماعة محمد جاويش كدك فحاربوا مع من بجامع قجماس واستولى صالح جربجي عليه وعلى المتاريس التي بشبابيكه وملك الامير حسن جاويش تابع القزدغلي جامع المرداني وأقام به وحسن جاويش جلب أقام بجامع مع أصلم وانتشرت طوائفهم بتلك الاخطاط والاماكن فاطمأن الساكنون بها وأما عمر أغا الجراكسة فانه لما فر من جامع قجماس ذهب الى جامع المؤيد داخل زويلة ثم ان محمد بك ارسل بطلبه فركب ومر على أحمد أغا التفكجية فأركبه معه وذهبا الى محمد بك الصعيدي بالصليبية وحصل لاهل خط قوصون خوف عظيم بسبب اقامة احمد أغا بالسلمانية ورحل غالبهم من المنازل فلما رحل عنهم اطمأنوا وتراجعوا وحضرت طائفة من المتفرقة الى محل احمد أغا التفكجية وعملوا متاريس على رأس عطفة الحطب ومكثوا هناك اياما قلائل ثم رحلوا عنها
فأتى علي كتخدا الساكن بالداودية بطائفة من العزب فتملكوا ذلك الموضع وجلسوا به ثم ان طائفة من المتفرقة والاسباهية هجموا على منزل الامير قرا اسمعيل كتخدا مستحفظان فدخلوا من بيت مصطفى بك بن ايواز ونقبوا الحائط بينه وبين منزل قرا اسمعيل كتخدا فلما وصل الخبر الى العزب عينوا له بيرقا من عسكر العزب ورئيسهم احمد جربجي تابع ظالم علي كتخدا فلم يمكنه الدخول من جهة الباب فخرق صدر دكان وتوصل منه (1/71)
الى منزل احمد افندي كاتب الجراكسة سابقا ثم نقبوا منه محلا توصلوا منه الى منزل اسمعيل كتخدا ودخلوا على طائفة البغاة فوجدوهم مشغولين في نهب اثاث المنزل المذكور فهجموا عليهم هجمة واحدة فألقوا ما بايديهم من السلب ورجعوا القهقرى الى المحل الذي دخلوا منه من بيت مصطفى بك فتبعوهم وتقاتل الفريقان الى ان كانت الدائرة على المتفرقة والاسباهية ونهب العزب منزل مصطفى بك لكونه مكن البغاة من الدخول الى منزله ولكونه كان مصادقا لايوب بك
ثم ان احمد جربجي المذكور انتقل بمن معه من العسكر الى قوصون ودخل جامع الماس وتحصن به
وكان محمد بك حاكم جرجا يمر من هناك ويمضي الى الصليبة فانتهز أحمد جربجي فرصة هو انه وجد منزل حسين كتخدا الجزايرلي خاليا فدخل فيه فرأى داخله قصدا متصلا بمنزل محمد كتخدا عزبان المعروف بالبيرقدار بعلو دهليز منزله وطبقاته تشرف على الشارع فكمن فيه هو وطائفة ممن معه ليغتال محمد بك اذا مر به واذا بمحمد بك قد خرج من عطفة الحطب مارا الى جهة الصليبة فضربوه بالبندق فأصيب اربعة من طائفته فقتلوا فظن ان الرصاص أتاه من منزل محمد كتخدا البيرقدار فوقف على بابه واضرم النار فيه فاحترق اكثر المنزل ونهبوا ما فيه من اثاث ومتاع
ثم ان النار اتصلت بالاماكن المجاورة له والمواجهة فاحترقت البيوت والرباع والدكاكين التي هناك من الجهتين من جامع الماس الى تربة المظفر يمينا وشمالا وأفسدت ما بها من الامتعة والذي لم يحترق نهبته البغاة وخرجت النساء حواسر مكشفات الوجوه فأستولى احمد جربجي على جامع الماس وعلي كتخدا الساكن بالداودية أقام بالمدرسة السليمانية وأما اطراف القاهرة فانها تعطلت من المارة وعلى الخصوص طريق بولاق ومصر العتيقة والقرافة لكون أيوب بك ارسل الى حبيب الدجوى يستعين به فحضر منهم طائفة وكذلك اخلاط الهوارة الذين حضروا من الصعيد صحبة (1/72)
محمد بك فاحتاطوا بالاطراف يسلبون الخلق واستاقوا جمال السقائين حتى كاد اهل مصر يموتون عطشا وصار العسكر فرقتين ايواز بك وقيطاس بك الدفتردار وابراهيم بك امير الحاج سابقا ومحمد بك وقانصوه بك وعثمان بك بن سليمان بك ومحمود بك وبلكات الاسباهية الثلاثة والجاويشية والعزب عصبة واحدة وايوب بك ومحمد بك الكبير وأغوات الاسباهية من غير الانفار ومحمد أغا متفرقة باشا وأهل بلكه وسليمان أغا كتخدا الجاويشية وبلك الينكجرية المقيمين بالقلعة صحبة افرنج احمد والباشا وقاضي العسكر الجميع عصبة واحدة وأخذوا عندهم نقيب الاشراف بحيلة واحتبسوه عندهم وأغلقوا جميع أبواب القلعة ما عدا باب الجبل وامتنع الناس من النزول من القلعة والطلوع اليها من الباب المذكور
واستمر افرنج أحمد ومن معه يضربون المدافع على باب العزب ليلا ونهارا وبباب العزب خلق كثيرون منتشرون حوله وما قاربه من الحارات ورتبوا لهم جوامك تصرف عليهم كل يوم فلما طال الامر اجتمع الامراء الصناجق بجامع بشتك بدرب الجماميز واتفقوا على عزل الباشا واقامة قائمقام من الامراء فأقاموا قانصوه بك قائمقام نائبا ولوا اغوات البلكات وهم الاسباهية الثلاثة فولوا على الجملية سالح أغا وعلى الجراكسة مصطفى أغا وعلى التفكجية محمد أغا بن ذي الفقار بك واسمعيل اغا جعلوه كتخدا الجاويشية وعبدالرحمن أغا متفرقة باشا وقلدوا الزعامة الامير حسن الذي كان زعيما وعزله الباشا بعبدالله أغا فلما أحكموا ذلك وبلغ الخبر طائفة الينكجرية الذين بالقلعة توجهوا الى خليل باشا واخبروه بالصورة فكتب لاغوات البلكات الثلاث ومتفرقة باشا يأمرهم بمحاربة الصناجق ومن معهم لكونهم بغاة خارجين على نائب السلطان
ثم اتفق مع افرنج احمد على اتخاذ عسكر جديد يقال لهم سردن كجدي ويعطى لكل من كتب اسمه خمسة دنانير وخمسة عثامنة فكتبوا (1/73)
ثمانمائة شخص وعلى كل مائة بيرقدار ورئيس يقال له أغات السردن كجدي
ثم محمد بك الصعيدي اتفق مع افرنج احمد بان يهجم على طائفة العزب من طريق قراميدان ويكسر باب العزب المتوصل منه الى قراميدان ويهجم على العزب
ووصل خبر ذلك الى العزب فاستعدوا له وكمنوا قريبا من الباب المذكور فلما كان بعد العشاء الاخيرة هجموا على الباب المذكور وكان العزب أحضروا شيأ كثيرا من حطب القرطم وطلوه بالزيت والقار والكبريت فلما تكامل عسكر محمد بك أوقدوا النار في ذلك الحطب فأضاء لهم قراميدان وصار كالنهار ثم ضربوهم بالبندق ففروا فصار كل من ظهر لهم ضربوه فقتلوا منهم طائفة كثيرة وولوا منهزمين ثم ان قانصوه بك صار يكتب بيورلديات وأوامر ويرسلها الى محمد بك الصعيدي يأمره بالتوجه الى ولايته آمنا على نفسه وتحصيل ما عليه من الاموال السلطانية فأرعد وابرق
ثم ان جماعة من العزب أخذوا حسن الوالي المولى من طرف قائمقام مصر وذهبوا وصحبتهم جماعة من اتباع الامراء الصناجق الى باب الوالي ليملكوه فلما بلغ الخبر عبدالله أغا الوالي اخذ فرشه وفر الى بيت ايوب بك وفر الاود باشا ايضا فلما لم تجد العزب أحدا في بيت الوالي توجهوا لمنزل عبدالله الوالي لينهبوه فقام عليهم جماعة من أتباع سليمان كتخدا الجاويشية ومن بجوارهم من الجند فهزموا العزب وقتلوا منهم رجلا فأقام حسن الوالي بباب قيظاس بك الدفتردار فلما اتسع الخرق ارسل الباشا الى ابراهيم بك وايواظ بك وقيطاس بك يطلبهم الى الديوان ليتداعوا مع الينكجرية فلما حضر تابع الباشا وقرأ عليهم الفرمان أجابوا بالسمع والطاعة واعتذروا عن الطلوع بانقطاع الطرق من الينكجرية وترتيب المدافع ولولا ذلك لتوجهنا اليه
فلما يئس الباشا منهم اتفق مع ايوب بك ومن انضم اليه من العسكر على محاربتهم وبرز الجميع الى خارج البلد (1/74)
فلما كان يوم الاحد ثالث ربيع الاول ارسلوا ايوب بك ومحمد بك الى العزبان ليأخذوا جمال السقائين وحميرهم ومنع الماء عن البلد فأخذوا جميع ما وجدوه فعز الماء ووصل ثمن القربة خمسة أنصاف فضة فأمر الامراء الآخرون طائفة من العسكر أن يركبوا الى جهة قصر العيني ويستخلصوا الجمال ممن نهبهم فتوجهوا وجلسوا بالمساطب ينتظرون من يمر عليهم بالجمال
فلما بلغ محمد بك حضورهم هناك مع طائفة هوارة وهجموا عليهم وهم غير مستعدين فأندهشوا ودافعوا عن أنفسهم ساعة ثم فروا وتأخر عنهم جماعة لم يجدوا خيلهم لكون سواسهم أخذوها وفروا فقتلهم محمد بك وأرسل رؤوسهم للباشا فانسر سرورا عظيما واعطى ذهبا كثيرا
فلما رجع المنهزمون الى منزل قانصوه بك وايواظ بك لم يسهل عليهم ذلك واتفقوا على البروز اليهم فركبوا في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الثاني وخرج الفريقان الى جهة قصر العيني والروضة فتلاقيا وتحاربا وتقاتلا قتالا عظيما تجندلت فيقالا بطل وقتل من الجند خاصة زيادة عن الاربعمائة نفر من الفريقين خلاف العربان والهوارة وغيرهم
وقصد ايواظ بك محمد بك الصعيدي فأنهزم الى جهة المجراة فساق خلفه وكان الصعيدي قد اجلس أنفارا فوق المجراة مكيدة وحذرا فضربوا على ايواظ بك بالرصاص ليردوه فأصيب برصاصة في صدره فسقط عن جواده وتفرقت جموعه واخذ الاخصام رأسه
وبينما القوم في المعركة اذ ورد عليهم الخبر بموت ايواظ بك فانكسرت نفوسهم وذهبوا في طلبه فوجدوه مقتولا مقطوع الرأس فحمله أتباعه ورجع القوم الى منازلهم
ولما قطعوا رأس ايواظ بك وذهبوا بها الى محمد بك قال هذه رأس من قالوا رأس قليدهم ايواظ بك فأخذها وذهب بها عند أيوب بك ورضوان
فقال أيوب بك هذه رأس من قال رأس قليدهم
فبكى أيوب بك وقال حرم علينا عيش مصر (1/75)
قال محمد بك هذا رأس قليدهم وراحت عليهم
قال له ايوب بك أنت ربيت في أين اما تعلم ان ايواظ بك وراءه رجال وأولاد ومال
وهذه الدعوة ليس للقاسمية فيها جناية والان جرى الدم فيطلبون ثأرهم ويصرفون مالا ولا يكون الا ما يريده الله
ولما ذهبوا بالرأس الى الباشا فرح فرحا شديدا وظن تمام الامر له ولمن معه واعطى ذهبا وبقاشيش ودفنوا ايواظ بك وطلبوا من أيوب بك الرأس فأرسلها لهم بعد ما سلخها الباشا فدفنوها مع جثته
ثم ان ايوب بك كتب تذكرة وأرسلها الى ابراهيم أبو شنب يعزيه في ايواظ بك ويقول له ان شاء الله تعالى بعد ثلاثة ايام نأخذ خاطر الباشا ويقع الصلح
وأرادوا بذلك التثبيط حتى يأخذوا من الباشا دراهم يصرفونها ويرتبوا أمرهم
وام ما كان من امر اتباع ايواظ بك فركب يوسف الجزار واخذ معه اسمعيل بن ايواظ بك المتوفي واحمد كاشف وذهبوا عند قانصوه بك فوجدوا عنده ابراهيم بك واحمد بك مملوكه وقيطاس بك وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك الصغير المعروف بقطامش جالسين وعليهم الحزن والكآبة
فلما استقر بهم الجلوس بكى قيطاس بك فقال له يوسف الجزار وما فائدة البكاء دبروا امركم
قالوا كيف العمل
قال يوسف الجزار هذه الواقعة ليس لنا فيها علاقة انتم فقارية في بعضكم واننا الآن انجرحنا ومات منا واحد خلف الفا وخلف مالا اعملوني صنجقا وامير حاج وسر عسكر واعملوا ابن سيدي اسمعيل صنجقا يفتح بيت ابيه وفيه البركة واعطوني فرمانا من الذي جعلتموه قائمقام وحجة من نائب الشرع الذي اقمتموه ايضا على ان الذي سقطت عدالته يسقط عنه حلوان البلاد ونحن نصرف الحلوان على العسكر والله يعطي النصر لمن يشاء من عباده
ففعلوا ذلك وراضوا امورهم في الثلاثة ايام وتهيأ الفريقان للمبارزة وخرجوا يوم السبت تاسع عشر ربيع الثاني وكان (1/76)
ايوب بك حصن منزله فاتفق رايهم على محاربة العسكر المجتمعة اولا ثم محاصرة المنزل فخرج ايوب بك على جهة طولون ووقعت حروب وامور ثم رجعوا الى منازلهم فلما رأى طائفة العزب تطاول الامر وعدم التوصل الى القلعة وامتناع من فيها وضرب المدافع عليهم ليلا ونهارا اجمع رأيهم على ان يولوا كتخدا على الينكجرية ويجلسوه بباب الوالي بطائفة من العسكر وينادوا في الشوارع بان كل من كانت له علوفة في وجاقات مستحفظان يأتي تحت البيرق بالبوابة ومن لم يأت بعد ثلاثة ايام ينهب بيته
ففعلوا ذلك وعملوا حسن جاويش قريب المرحوم جلب خليل كتخدا لكونها نوبته والبسه قانصوه بك قائمقام قفطانا وركب وامامه الوالي والبيرق والعسكر والمنادي امامه ينادي بما ذكر الى ان نزل بيت الوالي واحضروا الاودة باشا المتولي اذ ذاك واجلسوه محله وطاف البلد بطائفته وكذلك العسكر
وفي يوم الخميس هجمت الينكجرية من البذرم على باب العزب ومعهم محمد بك الكبير وكتخدا الباشا وافرنج احمد فعندما نزل اولهم من البذرم وكان العزب قد اعدوا في الزاوية التي تحت قصر يوسف مدفعين ملآنين بالرش والفلوس الجدد فضربوا عليهم فوقع محمد اغا سر كدك والبيرقدار وانفار منهم فولوا منهزمين يطأ بعضهم بعضا
فاخذت العزب رؤوس المقتولين فارسلوها الى قانصوه بك
ثم ان قائمقام والصناجق اتفقوا على تولية علي اغا مستحفظان لضبطه واهتمامه فلما ارسلوا له ابى ان يقبل ذلك فتغيب من منزله فركب يوسف بك الجزار ومحمد بك الصغير وعثمان بك في عدة كبيرة ودخلوا على منزل علي اغا فلم يجدوه واخبروا بالمكان الذي هو فيه فطلبوه فاتى بعد امتناع وتخويف وتوجه معهم الى قائمقام فالبسه قفطان الاغاوية يوم الخميس رابع عشري ربيع الثاني وعاد الى منزله بالقفطان يقدمه العسكر مشاة بالسلاح (1/77)
والملازمون معلنين بالتكبير وبلفظ الجلالة كما هي عادتهم في المواكب
وفي صبيحة ذلك اليوم عين قائمقام بمعرفة حسن كتخدا مستحفظان طائفة من العسكر الى بولاق صحبة احمد جربجي ليجلسوه في التكية وصحبته والي بولاق واغا من المتفرقة عوضا عن اغات الرسالة الذي بها من جانب الباشا
فاجلسوه في منزله ونهبوا ما وجدوه لأغات الرسالة الاول من فرش وامتعة وخيل وغير ذلك
وفي صبيحة يوم السبت سادس عشريه خرج الفريقان الى خارج القاهرة من باب قناطر السباع واجتمعوا بالقرب من قصر العيني ومعهم المدافع وآلات الحرب فتحارب الفريقان من ضحوة النهار الى العصر وقتل من الفريقين من دنا اجله وايوب بك ومحمد بك بالقصر
ثم تراجع الفريقان الى داخل البلد وتاخرت طائفة من العزب فأتى اليهم محمد بك الصعيدي واحتاط بهم وحاصرهم وبلغ الخبر قانصوه بك فارسل اليهم يوسف بك ومحمد بك وعثمان بك فتقاتلوا مع محمد بك الصعيدي وهزموه وتبعوه الى قنطرة السد وقد كان ايوب بك داخل التكية المجاورة لقصر العيني فلما رأى الحرب ركب جواده ونجا بنفسه فبلغ يوسف بك انه بالتكية فقصدوه واحتاطوا بالقصر فاخبرهم الدراويش بذهابه فلم يصدقوهم ونهبوا القصر واخرجوه واحرقوه وعادوا الى منازلهم
وفي صبيحة يوم الاحد ذهب يوسف بك الجزار ونهب غيظ افرنج احمد الذي بطريق بولاق ثم اجتمعوا في محل الحرب وتحاربوا ولم يزالوا على ذلك وفي كل يوم يقتل منهم ناس كثير
وفي ثاني جمادي الاولى اجتمع الامراء الصناجق بمنزل قائمقام وتنازعوا بسبب تطاول الحرب وامتداد الايام ثم اتفقوا على ان ينادوا في المدينة بان من له اسم في وجاق من الوجاقات السبعة ولم يحضر الى بيت اغاته نهب ماله وقتل
وامهلوهم ثلاثة ايام ونودي بذلك في عصريتها (1/78)
وكتب قائمقام بيورلدى الى من في القلعة من طائفة الينكجرية والكتخدائية والجربجية والاوده باشية والنفر باننا امهلناكم ثلاثة ايام فمن لم ينزل منكم بعدها ولم يمتثهل نهبنا داره وهدمناها وقتلنا من ظفرنا به ومن فر رفعنا اسمه من الدفتر فتلاشى امرهم واختلفت كلمتهم
وفي رابعه خرج الامراء والاغوات الى محل الحرب وارسلوا طائفة كبيرة من العسكر المشاة لمحاصرة منزل ايوب بك فتحارب الفرسان الى آخر النهار واما الرجالة فانهم تسلقوا من منزل ابراهيم بك وتوصلوا الى منزل عمر اغا الجراكسة فتحاربوا مع من فيه الى ان اخلوه ودخلوا فيه وشرعوا ليلا في نقب الربع المبني على علو منزل ايوب بك فنقبوه وكمنوا فيه
فلما كان صبيحة يوم الاحد خامس عشره حملوا حملة واحدة على منزل ايوب بك وضربوا البنادق فلم يجدوا من يمنعهم بل فر كل من فيه وركب ايوب بك وخرج هاربا من باب الجبل فلم يعلم اين توجه فملوا منزله ونهبوه مع كونه كان مستعدا وركب في اعالي منزله المدافع وفي قلعة الكبش فارسل له افرنج احمد بيرقا وعساكر فلم يفده ذلك شيئا ونهبوا ايضا منزل احمد اغا التفكجية بعدما قتلوه ببيت قائمقام ولحق من لحق بايوب بك وفر الجميع الى جهة الشام وفر محمد بك الى جهة الصعيد ووقع النهب في بيوت من كان من حزبهم ونهبوا بيت يوسف اغا ناظر الكسوة سابقا وبيت محمد اغا متفرقة باشا وبيت محمد بك الكبير واحرقوه وبيت احمد جربجي القونيلي واحرقوا بيت ايوب بك وما لاصقه من الربع والدكاكين
فلما حصل ذلك واجتمع العساكر بمنزل قائمقام بالاسلحة وآلات الحرب وذلك سادس جمادى الاولى فارسلوا طائفة الى جبل الجيوشي فركبوا مدافع على محل الباشا ومدافع على قلعة المستحفظان واحاطوا بالقلعة من اسفل وضربوا ستة مدافع على الباشا ورموا بنادق
فنصب الباشا بيرقا ابيض يطلب (1/79)
الامان وفر من كان داخل القلعة من العسكر
فبعضهم نزل بالحبال من السور وبعضهم خرج من باب المطبخ فعند ذلك هجمت العساكر الخارجة على الباب ودخلوا الديوان فارسل الباشا القاضي ونقيب الاشراف يأخذان له امانا من الصناجق والعسكر فتلقوهما واكرموهما وسألوهما عن قصدهما فقالا لهم ان الباشا يقرئكم السلام ويقول لكم انا كنا اغتررنا بهؤلاء الشياطين وقد فروا المراد ان تعلمونا بمطلوبكم فلا نخالفكم
فقالوا لهما اعلموه ان الصناجق والامراء والاغوات والعسكر قد اتفقوا على عزله وان قانصوه بك قائمقام واما الباشا فانه ينزل ويسكن في المدينة الى ان نعرض الامر على الدولة ويأتينا جوابهم
فارسل القاضي نائبه الى الباشا يعرفه عن ذلك فاجابه بالطاعة واستأمنهم على نفسه وماله واتباعه وركب من ساعته في خوصه يقدمه قائمقام واغات مستحفظان عن يمينه واغات المتفرقة عن شماله واختيارية الوجاقات من خلفه وامامه ونزل من باب الميدان وشق من الرميلة على الصليبة والعامة قد اصطفت بشافهونه بالسب واللعن الى ان دخل بيت على اغا الخازندار بجوار المظفر وهجم العسكر على باب مستحفظان فملكوه ونهبوا بعض اسباب حسين اغا مستحفظان
وخرج حسين اغا من باب المطبخ فلما رآه يوسف بك اشار الى العسكر فقطعوه وقطعوا اسمعيل افندي بالمحجر وكذلك عمر اغات الجراكسة بحضرة اسمعيل بن ايواظ وخازنداره ذو الفقار وقع في عرض بلدية علي خازندار وحسن كتخدا الجلفي فحمياه من القتل وذو الفقار هذا هو الذي قتل اسمعيل بك بن ايواظ وصار اميرا كما يأتي ذكر ذلك في موضعه فقتلوه بباب العزب ونزل افرنج احمد وكجك احمد اوده باشا الى المحجر متنكرين فعرفهما الجالسون بالمحجر فقبضوا عليهما وذهبوا بهما الى باب العزب وقطعوا رؤوسهما وذهبوا بهما الى بيت ايواز بك
وطلع علي اغا الى محل حكمه وطلع حسن كتخدا من باب الوالي (1/80)
وامامه العساكر بالاسلحة الى باب مستحفظان والبيرق امامه
ونزل جاويش الى احمد كتخدا برمقس فوجده في بيت اسمعيل كتخدا عزبان فاخذه وطلع به الى الباب فخنقوه واخذوه الى منزله في تابوت
وركب علي اغا وامامه الملازمون بالبيرشان فطاف البلد وامر بتنظيف الاتربة واحجار المتاريس وبناء النقوب والبس قائمقام اغوات البلكات السبع قفاطين وطلع الذين كانوا بباب العزب من الينكجرية الى بابهم وعدتهم ستمائة انسان
وفي حادي عشر جمادى الاولى لبس يوسف بك الجزار على امارة الحاج ومحمود بك على السويس وعين يوسف بك المذكور مصطفى اغات الجراكسة للتجريدة على الشرقية
وفي رابع عشره لبس محمد بك الصغير على ولاية الصعيد وخرج من بيته بموكب الى الاثر وصحبته الطوائف الذين عينوا معه من السبع بلكات بسر دارياتهم وبيارقهم وعدتهم خمسمائة نفر منهم مائتان من الينكجرية والعزب وثلثمائة نفر من الخمس بلكات اعطوا كل نفر من المائتين الف نصف فضة ترحيلة ولكل شخص من الثلثمائة الف وخمسمائة نصف فضة وسافروا رابع جمادي الآخرة وكان محمد بك الكبير خرج مقبلا وصحبته الهوارة فخرج وراءه يوسف بك الجزار وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش فوصلوا دير الطين فلاقاهم شيخ الترابين فاخبرهم انه مر من ناحية التبين نصف الليل فرجعوا الى منازلهم وبلغهم في حال رجوعهم ان خازندار رضوان اغا تخلف عند الدراويش بالتكية فقبضوا عليه وقطعوا دماغه ولم يزل محمد بك الصعيدي حتى وصل اخميم وصحبته الهوارة وقتل ما بها من الكشاف ونهب البلاد وفعل افعالا قبيحة
ثم ذهب الى اسيوط وارسل الى قامئمقام جرجا فتصرف في جميع تعلقاته وارسلها اليه نقودا ونزل مختفيا الى بحري ومر من انيابة نصف الليل ولم يزل سائرا الى دمياط ونزل في مركب افرنجي وطلع الى حلب ووصل (1/81)
خبره الى السردار فجمع السردارة والعسكر ولحقوه على البرج فلم يدركوه ثم انه ركب من حلب وذهب الى دار السلطنة من البروكان ايوب بك ومحمد اغا متفرقة وكتخدا الجاويشة سليمان اغا وحسن الوالي وصلوا قبله وقابلوا الوزير واعلموه بقصتهم وعرضوا عليه الفتوى وعرض الباشا والقاضي فاكرمهم وانزلهم في مكان ورتب لهم تعيينا
ثم اتاهم محمد بك وقابل معهم الوزير ايضا فخلع عليه وولاه منصبا
واما رضوان اغا فانه تخلف ببلاد الشام ومحمد اغا الكور صحبته
وفي تاسع عشر جمادى الاولى رجع يوسف بك ومصطفى اغا من الشرقية
وفي سابع جمادى الآخرة تقلد محمد بك ابن اسمعيل بك ابن ايواظ بك الصنجقية ثم انهم اجتمعوا في بيت قائمقام وكتبوا عرضحال بصورة ما وقع وطلبوا ارسال باشا واليا على مصر وذكروا فيه ان الخزنة تصل صحبة محمد بك الدالي وانقضت الفتنة وما حصل بها من الوقائع التي لخصنا بعضها وذكرناه على سبيل الاختصار واستمر خليل باشا بمصر حتى حضر والي باشا وحاسبوه وسافر في ثامن عشر جمادى الاولى سنة اربع وعشرين ومائة والف وكاننت ايام فتن وحروب وشرور
تولية والي باشا على مصر
ثم تولى على مصر والي باشا فوصل الى مصر وطلع الى القلعة في اواخر رجب سنة ثلاث وعشرين ومائة والف
وفي شوال قلدوا احمد بك الاعسر تابع ابراهيم بك صنجقية وزادوه كشوفية البحيرة وكان قانصوه بك قائمقام قبل وصول الباشا رسم باخراج تجريدة الى هوارة المفسدين الذين اتوا الى مصر صحبة محمد بك الصعيدي ورجعوا صحبته واخربوا اخميم وقتلوا الكشاف وامير التجريدة محمد بك قطامش وصحبته الف عسكري واعطوا كل عسكري (1/82)
ثلاثة آلاف نصف فضة من مال البهار سنة تاريخه وان يكون محمد بك حاكم جرجا عن سنة ثلاث وعشرين واربعة وعشرين وقضى اشغاله وبرز خيامه الى الآثار ثم طلب الوجه البلي الى ان وصل الى اسيوط فقبض على كل من وجده من طرف محمد بك الصعيدي وقتله ومنهم حسين اوده باشا ابن دقماق ثم انتقل الى منفلوط وهربت طوائف الهوارة باهلها الى الجبل الغربي واتت اليه هوارة بحري صحبة الامير حسن فاخبروه بما وقع لهم وساروا صحبته الى جرجا فنزل بالصيوان وابرز فرمانا قرىء بحضرة الجميع باهراق دم هوارة قبلي وامر بالركوب عليهم الى اسنا وتسلط عليهم هوارة تجري ونهبوا مواشيهم واغنامهم ومتاعهم وطواحينهم واشتفوا منهم وكل من وجدوه منهم قتلوه ولم يزل في سيره حتى وصل قنا وقوص ثم رجع إلى جرجا ثم أن هوارة قبلي التجأوا إلى إبراهيم بك أبو شنب والتمسوا منه ان ياخذ لهم مكتوبا من قيطاس بك بالامان ومكتوبا الى حاكم الصعيد كذلك وفرمانا من الباشا بموجب ذلك فارسل الى قيطاس بك تذكرة صحبة احمد بك الاعسر يترجى عنده فاجاب الى ذلك وارسلوا به محمد كاشف كتخدا وبرجوع التجريدة والعفو عن الهوارة
ورجع محمد كاشف والتجريدة وصحبته التقادم والهدايا وارسلوا الى ابراهيم بك مركب غلال وخيولا مثمنة واغناما
وفي اواخر شوال ورد اغا من الدولة وعلى يده مرسومات منها محاسبة خليل باشا واستعجال الخزينة وبيع بلاد من قتل في ايام الفتنة وكذلك املاكهم
وفي شهر رمضان قبل ذلك جلس بجامع المؤيد فكثر عليه الجمع وازدحم المسجد واكثرهم اتراك ثم انتقل من الوعظ وذكر ما يفعله اهل مصر بضرايح الاولياء وايقاد الشموع والقناديل على قبور الاولياء وتقبيل اعتابهم وفعل ذلك كفر يجب على الناس تركه وعلى ولاة الامور السعي (1/83)
في ابطال ذلك
وذكر ايضا قول الشعراني في طبقاته ان بعض الاولياء اطلع على اللوح المحفوظ انه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن الاولياء على اللوح المحفوظ وانه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن والتكايا ويجب هدم ذلك
وذكر ايضا وقوف الفقراء بباب زويلة في ليالي رمضان
فلما سمع حزبه ذلك خرجوا بعد صلاة التراويح ووقفوا بالنبابيت والاسلحة فهرب الذين يقفون بالباب فقطعوا الجوخ والاكر المعلقة وهم يقولون اين الاولياء
فذهب بعض الناس الى العلماء بالازهر واخبروهم بقول ذلك الواعظ وكتبوا فتوى واجاب عليها الشيخ احمد النفراوي والشيخ احمد الخليفي بأن كرامات الاولياء لا تنقطع بالموت وأن انكاره على اطلاع الاولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ويجب على الحاكم زجره عن ذلك
واخذ بعض الناس تلك الفتوى ودفعها للواعظ وهو في مجلس وعظه فلما قرأها غضب وقال يا ايها الناس ان علماء بلدكم افتوا بخلاف ما ذكرت لكم واني اريد ان اتكلم معهم واباحثهم في مجلس قاضي العسكر فهل منكم من يساعدني على ذلك وينصر الحق
فقال له الجماعة نحن معك لا نفارقك
فنزل عن الكرسي واجتمع عليه العامة زيادة عن الف نفس ومر بهم من وسط القاهرة الى ان دخل بيت القاضي قريب العصر فانزعج القاضي وسألهم عن مرادهم فقدموا له الفتوى وطلب منه احضار المفتين والبحث معهما
فقال القاضي اصرفوا هؤلاء الجموع ثم نحضرهم ونسمع دعواكم
فقالوا ما تقول في هذه الفتوى قال باطلة
فطلبوا منه ان يكتب لهم حجة ببطلانها
فقال ان الوقت قد ضاق والشهود ذهبوا الى منازلهم وخرج الترجمان
فقال لهم فضربوه واختفى القاضي بجريمة
فما وسع النائب الا انه كتب لهم حجة حسب مرادهم ثم اجتمع الناس في يوم الثلاثاء عشرينه وقت الظهر بالمؤيد لسماع الوعظ على عادتهم فلم يحضر (1/84)
لهم الواعظ فاخذوا يسألون عن المانع من حضوره
فقال بعضهم اظن ان القاضي منعه من الوعظ
فقام رجل منهم وقال ايها الناس من اراد ان ينصر الحق فليقم معي
فتبعه الجم الغفير فمضى بهم الى مجلس القاضي فلما رآهم القاضي ومن في المحكمة طارت عقولهم من الخوف وفر من بها من الشهود ولم يبق الا القاضي فدخلوا عليه وقالوا له اين شيخنا فقال لا ادري
فقالوا له قم واركب معنا الى الديوان ونكلم الباشا في هذا الامر ونسأله ان يحضر لنا اخصامنا الذين افتوا بقتل شيخنا ونتباحث معهم فان اثبتوا دعواهم نجوا من ايدينا والا قتلناهم
فركب القاضي معهم مكرها وتبعوه من خلفه وامامه الى ان طلعوا الى الديوان فسأله الباشا عن سبب حضوره في غير وقته
فقال انظر الى هؤلاء الذين ملأوا الديوان والحوش فهم الذين اتوا بي وعرفه قصتهم وما وقع منهم بالامس واليوم وانهم ضربوا الترجمان واخذوا مني حجة قهرا واتوا اليوم واركبوني قهرا
فارسل الباشا الى كتخدا الينكجرية وكتخدا العزب وقال لهما اسألوا هؤلاء عن مرادهم
فقالوا نريد احضار النفراوي والخليفي ليبحثا مع شيخنا فيما افتيا به عليه فاعطاهم الباشا بيورلديا على مرادهم ونزلوا الى المؤيد واتوا بالواعظ واصعدوه الى الكرسي فصار يعظهم ويحرضهم على اجتماعهم في غد بالمؤيد ويذهبون بجمعيتهم الى القاضي وحضهم على الانتصار للدين وقمع الدجالين
وافترقوا على ذلك واما الباشا فانه لما اعطاهم البيورلدي ارسل بيورلديا الى ابراهيم بك وقيطاس بك بعرفهم ما حصل وما فعله العامة من سوء الادب وقصدهم تحريك الفتن وتحقيرنا نحن والقاضي وقد عزمت انا والقاضي على السفر من البلد
فلما قرأ الامراء ذلك لم يقر لهم قرار وجمعوا الصناجق والاغوات ببيت الدفتردار واجمعوا رايهم على ان ينظروا هذه العصبة من اي وجاق ويخرجوا من حقهم وينفي ذلك الواعظ من البلد (1/85)
وأمروا الاغا ان يركب ومن رآه منهم قبض عليه وان يدخل جامع المؤيد ويطرد من يسكنه من السفط
فلما كان صبيحة ذلك اليوم ركب الاغا وارسل الجاويشية الى جامع المؤيد فلم يجدوا منهم احدا وجعل يفحص ويفتش على افراد المتعصبين فمن ظفر به ارسله الى باب اغاته فضربوا بعضهم ونفوا بعضهم وسكنت الفتنة
سنة اربع وعشرين ومائة والف
وفي ثالث المحرم سنة اربع وعشرين ومائة والف ورد مرسوم سلطاني بطلب ثلاثة آلاف من العساكر المصرية الى الغزو
وفي ثامنه تشاجر رجل شريف مع تركي في سوق البندقانيين فضرب التركي الشريف فقتله ولم يعلم اين ذهب
فوضع الاشراف المقتول في تابوت وطلعوا به الى الديوان واثبتوا القتل على القاتل
فلما كان يوم عاشره قامت الاشراف وقفلوا اسواق القاهرة وصاروا يرجمون اصحاب الدكاكين بالحجارة ويأمرونهم بقفل الدكاكين وكل من لقوه من الرعية او من أمير يضربونه
ومكثوا على ذلك يومهم واصبحوا كذلك يوم الجمعة وارسلوا خبرا للاشراف القاطنين بقرى مصر ليحضروا واجتمعوا بالمشهد الحسيني ثم خرجوا وامامهم بيرق وذهبوا الى منزل قيطاس بك الدفتردار فخرج عليهم ابتاعه بالسلاح فطردوهم وهزموهم ثم فقرة جديدة
فلما تفاقم أمرهم تحركت عليهم اغوات الاسباهية الثلاث واغات الينكجرية في عددهم وعددهم وطافوا البلد
فعند ذلك تفرقت الجمعية ورجع كل الى مكانه ونادوا بالامن والامان وفتحت الدكاكين ثم اجتمع راي الامراء على نفي طائفة من اكابر الاشراف فتشفع فيهم المشايخ والعلماء فعفوا عنهم
وفي هذا الشهر وقع ثلج بقريتي سرسنة وعشما من بلاد المنوفية كل (1/86)
قطعة منه مقدار نصف رطل واقل واكثر ثم نزلت صاعقة احرقت مقدارا عظيما من زرع الناحية وقتلت اناسا
وفي يوم الخميس ثامن ربيع الاول سافر مصطفى بك تابع يوسف اغا من بولاق بالعسكر صحبة المعينين للغزو وحضرت العساكر الذين كانوا في سفر الموسقو صحبة سردارهم اسمعيل بك ولما عادوا الى اسلامبول بالنصر وضعوا لهم على رؤوسهم ريشا في عمائمهم سمة لهم
ومات اميرهم اسمعيل بك باسلامبول ودخلوا مصر وعلى رؤوسهم تلك الريش المسماة بالشلنجات
وفي ثاني عشرينه قبل الغروب خرجت فرتينة بريح عاصف اظلم منها الجو وسقط منها بعض منازل
وفي غرة ربيع الثاني ورد اغا ومعه مرسوم مضمونه حصول الصلح بين السلطنة والموسقو ورجوع العسكر المصري ولما رجعوا اخذوا منهم ثلثي النفقة وتركوا لهم الثلث وكذلك التراقي من الجوامك التي تعطى للسردارية واصحاب الدركات
وفي ثامن عشره ورد قابجي باشا وعلى يده مرسوم بتقليد قيطاس بك الدفتردار اميرا على الحاج عوضا عن يوسف بك الجزار وان يكون ابراهيم بك بشناق المعروف بابي شنب دفتردار
فامتثلوا ذلك ولبسوا الخلع ومرسوم آخر بانشاء سفينتين ببحر القلزم لحمل غلال الحرمين وان يجهزوا الى مكة مائة وخمسين كيسا من الاموال السلطانية برسم عمارة العين على يد محمد بك ابن حسين باشا
ثم ان قيطاس بك اجتمع بالامراء وشكا اليهم احتياجه لدراهم يستعين بها على لوازم الحاج ومهماته فعرضوا ذلك على الباشا وطلبوا منه ان يمده بخمسين كيسا من مال الخزينة ويعرض في شأنها بعد تسليمها الى الدولة وان لم يمضوا ذلك يحصلوها من الوجاقات بدلا عنها (1/87)
وفي يوم الاربعاء وصل من طريق الشام باشا معين لمحافظة جدة يسمى خليل باشا فدخل القاهرة في كبكبة عظيمة وعساكر رومية كثيرة يقال لهم سارجه سليمان وجمال محملة بالاثقال يقدمهم ثلاثة بيارق وخرج لملاقاتة الباشا وقيطاس بك امير الحاج في طائفة عظيمة من الامراء والاغوات والصناجق وقابلوه وانزلوه بالغيظ المعروف بحسن بك ومدوا هناك سماطا عظيما حافلا وقدموا له خيولا وساروا معه الى ان دخلوا الى المدينة في موكب عظيم الى ان انزلوه بمنزل المرحوم اسمعيل بك المتوفي في سفر الموسقو بجوار الحنفي فلم يزل هناك حتى سافر في اوائل رجب سنة تاريخه وخرج بموكب عظيم ايضا
وفي منتصف شعبان تقلد احمد بك الاعسر على ولاية جرجا عوضا عن محمد بك الصغير المعروف بقطامش ثم ورد امر بتقليد امارة الحج لمحمد بك قطامش عوضا عن سيده وطلع بالحج سنة اربع وعشرين ورجع سنة خمس وعشرين وذلك من فعل قيطاس بك سرا وتقلد ولاية جرجا مصطفى بك قزلار
وفي يوم الخميس عشرينه تقلد محمد بك المعروف بجركس تابع ابراهيم بك ابي شنب الصنجقية وكذلك قيطاس تابع قيطاس بك امير الحاج
وفي عاشر شوال ورد عبد الباقي افندي وتولى كتخدائية والي باشا ومعه تقرير للباشا على ولاية مصر
وفي ثالث عشر ذي القعدة ورد ايضا مرسوم صحبة اغا معين بطلب ثلاثة الاف من العسكر المصري لسفر الموسقو لنقضهم المهادنة وقرىء ذلك بالديوان بحضرة الجميع فالبسوا حسين بك المعروف بشلاق سردار عوضا عن عثمان بك ابن سليمان بك بارم ذيله وقضى اشغاله وسافر في اوائل المحرم (1/88)
سنة خمس وعشرين ومائة والف
ورد ايضا اغا باستعجال الخزينة ورجع الحجاج في شهر صفر صحبة محمد بك قطامش وانتهت رياسة مصر الى قيطاس بك ومحمد بك وحسن كتخدا النجدلي وكور عبدالله وابراهيم الصابونجي
فسولت لقيطاس بك نفسه قطع بيت القاسمية واخذ يدبر في ذلك واغرى سالم بن حبيب فهجم على خيول اسمعيل بك ابن ايواز بك في الربيع وجم أذناب الخيول ومعارفها ما عدا الخيول الخاص فانها كانت بدوار الوسية وذهب ولم يأخذ منها شيئا وحضر في صبحها امير اخور فاخبروه وكان عنده يوسف بك الجزار فلاطفة وسكن حدته واشار عليه بتقليد حسن ابي دفية قائمقام الناحية ففعل ذلك وجرت له مع ابن حبيب امور ستذكر في ترجمة ابن حبيب فيما يأتي
ثم انه كتب عرضحال ايضا على لسان الامير منصور الخبيري يذكر فيه ان عرب الضعفاء اخربوا الوادي وقطعوا درب الفيوم
وارسل ذلك العرضحال صحبة قاصد يأمنه فختمه منصور وارسله الى الباشا صحبة البكاري خفير القرافة
فلما طلع قيطاس بك في صبحها الى الباشا واجتمع باقي الامراء وكان قيطاس بك رتب مع الباشا امرا سرا وأغراه وأطعمه في القاسمية وما يؤول اليه من حلوان بلاد ابراهيم بك ويوسف بك وابن ايواظ بك واتباعهم فلما استقر مجلسهم دخل البكاري بالعرضحال فاخذه كاتب الديوان وقرأه على اسماع الحاضرين فاظهر الباشا الحدة وقال انا أذهب لهؤلاء المفاسيد الذين يخربون بلاد السلطان ويقطعون الطريق
فقال ابراهيم بك اقل ما فينا يخرج من حقهم وانحط الكلام على ذهاب ابراهيم بك واسمعيل بك ويوسف بك وقيطاس بك وعثمان بك ومحمد بك قطامش
وكان قانصوه بك في بني سويف في الكشوفية واحمد بك الاعسر في اقليم البحيرة فلما وقع الاتفاق على ذلك (1/89)
خلع عليهم الباشا قفاطين ونزلوا فأرسلوا خيامهم ومطابخهم الى تحت ام خنان ببر الجيزة وعدوا بعد العصر ونزلوا بخيلهم
واتفق قيطاس بك مع عثمان بك انهم يعدون خلفهم بعد المغرب ويكونون اكلوا العشاء وعلوا على الخيول وعندما ينزلون الى الصيوان زياده يتركون الخيول ملجمة والمماليك والطوائف باسلحتها
فاذا اتى الينا الثلاثة صناجق نقتلهم ثم نركب على طوائفهم وخيولهم مربوطة فنقتل كل من وقع ونخلص ثار الفقارية الذين قتلهم خال ابراهيم بك في الطرانة
فلما فعلوا ذلك وعدوا واوقدوا المشاعل وذلك وقت العشاء ونزلوا بالصيوان قال ابراهيم بك ليوسف بك واسمعيل بك قوموا بنا نذهب عند قيطاس بك
قالا له انت فيك الكفاية
فذهب ابراهيم بك وهو ماش ولم يخطر بباله شيء من الخيانة
فلما دخل عندهم وسلم وجلس سأله قيطاس بك عن رفقائه
فقال انهم جالسون محلهم فلم يتم ما ارادوه فيهم من الخيانة
فعند ذلك قام محمد بك وعثمان بك الى خيامهما وقلعا سلاحهما وخلعا لجامات الخيل وعلقا مخالي التبن ورجعا اليهما فقال قيطاس بك لابراهيم بك اركبوا انتم الثلاثة في غد وانصبوا عند وسيم ونحن نذهب الى جهة سقارة فنطرد العرب فيأتون الى جهتكم فاركبوا عليهم
فأجابه الى ذلك
ثم قام وذهب الى رفقائه فاخبرهم بذلك وباتوا الى الصباح
وفي الصباح حملوا وساروا الى جهة وسيم كما اشار اليهم قيطاس بك فنزلت اليهم الزيدية بالفطور فسألوهم عن العرب فقالوا لهم الوادي في امن وامان بحمد الله لا عرب ولا حرب ولا شر
واما قيطاس بك ومن معه فانه رجع الى مصر وارسل الى ابن حبيب بأن يجمع نصف سعد وعرب بلي ويرسلهم مع ابنه سالم يدهمون الجماعة بناحية وسيم ويقتلونهم فتلكأ ابن حبيب في جمع العربان لصداقة قديمة بينه وبين ابراهيم بك وحضر لهم رجل من الاجناد كان تخلف عنهم لعذر حصل له فأخبرهم برجوع قيطاس بك ومن معه (1/90)
الى مصر فركب ابراهيم بك ويوسف بك واسمعيل بك ونزلوا بالجيزة عند ابي هريرة وصحبتهم خيالة الزيدية وباتوا هناك وعادوا في الصباح الى منازلهم سالمين
وفي هذه السنة حصل طاعون وكان ابتداؤه في القاهرة في غرة ربيع الاول وتناقص في اواخر جمادى الآخرة
ووصل عابدين باشا الى الاسكندرية وتقلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع على ابن سيده اسمعيل بك ولما حضر الباشا الى الحلى وطلع الى العادلية واحضر الامراء تقادمهم وقدم له اسمعيل بك تقدمة عظيمة واحبه الباشا واختص به ومال قلبه الى فرقة القاسمية فقلدهم المناصب والكشوفيات
وحضر مرسوم بامارة الحج لاسمعيل بك ابن ايواظ بك وعابدين باشا هذا هو الذي قتل قيطاس بك بقراميدان كما يأتي خبر ذلك في ترجمة قيطاس بك
وهرب محمد بك قطامش تابعه بعد قتل سيده الى بلاد الروم واقام هناك مدة ثم عاد الى مصر وسيأتي خبر ذلك في ترجمته
وفي ولايته تقلد عبدالله كاشف وصاري علي وعلي الأرمني واسمعيل كاشف صناجق الاربعة ايواظية وتقلد منهم ايضا عبدالرحمن اغا ولجه اغات جملية واسمعيل اغا كتخدا وايواظ بك كتخدا جاويشية ومن اتباع ابراهيم بك ابي شنب قاسم الكبير وابراهيم فارسكور وقاسم الصغير ومحمد جلبي بن ابراهيم بك ابي شنب وجركس محمد الصغير خمستهم صناجق واستقر الحال وطلع بالحج الامير اسمعيل بك ابن ايواظ سنة سبع وعشرين و
سنة ثمان وعشرين
في امن وامان وسخاء ورخاء سنة ثمان وعشرين
وفي سنة ثمان وعشرين ورد اغا من اسلامبول وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم امير فادر وكانت النوبة على (1/91)
محمد بك جركس الكبير فلما اجتمعوا بالديوان وقرىء المرسوم خلع الباشا على محمد بك جركس القفطان ونزل الى داره فطوى القفطان وارسله الى سيده ابراهيم بك ويقول له عندك خلافي صناجق كثيرة فاني قشلان
فتكدر خاطره ثم ارسل اليه صحبة احمد بك الاعسر عشرين كيسا فاستقلها فاعطاه ايضا وصولا بعشرة اكياس على الطرانة فجهز حاله وركب الى قصر الحلى بالموكب واحضر عنده الحريم فاقام اياما في حظه وصفائه والاغا المعين يستعجل السفر وفي كل يوم يأتيه فرمان من الباشا بالاستعجال والذهاب وهو لا يبالي بذلك
ثم ان الباشا تكلم مع ابراهيم بك في شأن ذلك فلما نزل الى بيته ارسل اليه احمد بك الاعسر وقاسم بك الكبير فاخبراه بتقريظ الباشا والاستعجال فقال في جوابه جلوسي هنا احسن من اقامتي تحت الطرانة حتى يدفعوا لي العشرة اكياس فلا ارتحل حتى تأتيني العشرة اكياس
ورمى لهم الوصول نرجع أحمد بك إلى إبراهيم بك وأخبره بمقالته ورد إليه الوصول فما وسعه الا انه دفع ذلك القدر اليه نقدا وقال سوف يخرب هذا بيتي بعناده
فلما وصله ذلك نزل الى المراكب وسافر
ثم ورد مسلم علي باشا واخبر بولايته مصر
سنة تسع وعشرين ومائة والف
فاجتمعوا بالديوان وتقلد ابراهيم بك ابو شنب قائمقام ونزل الى بيته وخلع على احمد بك الاعسر وجعله امين السماط
ونزل عابدين باشا من القلعة عندما وصل الخبر بوصول علي باشا الى اسكندرية وسافرت اليه ارباب الخدم والعكاكيز وسافر عابدين باشا قبل حضور علي باشا بمصر
وحضر علي باشا وطلع الى القلعة على الرسم المعتاد واستقر في ولاية مصر والامور صالحة والفتن ساكنة ورياسة مصر للامير ابراهيم بك ابي شنب الكبير والامير اسمعيل بك ابن ايواظ بك ومحمد كتخدا جدك (1/92)
مستحفظان وابراهيم جربجي الصابونجي عزبان واتباع حسن جاويش القازدغلي وهم عثمان اوده باشا وسليمان اوده باشا وتابع مصطفى كتخدا وخلافهم من رؤساء باب العزب وباقي البلكات ومات الامير ابراهيم بك الكبير
سنة ثلاثين
فاستقل بالرياسة اسمعيل بك ابن ايواظ بك وسكن محمد بك ابن ابراهيم بك بمنزل ابيه وفي نفسه ما فيها من الغيرة والحمد لاسمعيل بك ابن خشداش ابيه
وفي اواخر سنة تسع وعشرين ورد قابجي وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من عسكر مصر وعليهم امير لسفر الجهاد وكان الدور على نمحمد بك ابن ايواظ اخي اسمعيل بك فعلم اخوه انه خفيف العقل فلا يستر نفسه في السفر فقلد احمد كاشف صنجقية وجعله امير العسكر وجعل مملوكه علي الهندي كتخدا اليه وقضوا اشغالهم
وركب الامير والسدادرة بالموكب ونزلوا الى بولاق وسافروا بعد ثلاثة ايام وادركوا عسكر الاورام وسافروا صحبتهم سنة ثلاثين
وحضر محمد جركس من السفر في سنة ثلاثين فوجد سيده ابراهيم بك توفي وامير مصر اسمعيل بك فتاقت نفسه للرياسة فضم اليه جماعة من الفقارية مثل حسين ابو يدك وذي الفقار تابع عمر اغا وأصلان وقيلان ومن يلوذ بهم من امثالهم واتخذ لهم سراجا قبيحا يقال له الصيفي وكان الدفتردار في ذلك الوقت احمد بك الاعسر تابع ابراهيم بك ابي شنب وكلما رأى تحرك محمد بك جركس لاثارة الفتن يهدي عليه ويلاطفه ويطفيء ناريته
وكان ذو الفقار لما قتل سيده عمر اغا واراد اسمعيل بك قتله ايضا في ذلك اليوم فوقع على خازندار حسن كتخدا الجلفي وحماه من القتل واخرج له حسن كتخدا حصة في قمن العروس بالمحلول عن (1/93)
سيده وهي شركة اسمعيل بك ابن ايواظ ولم يقدر حسن كتخدا ان يذاكر اسمعيل بك في فائظها لعلمه بكراهته لذي الفقار ويريد قتله
فلما مات حسن كتخدا الجلفي وحضر محمد بك جركس من السفر انضم اليه ذو الفقار المذكور وخاطب في شأنه اسمعيل بك فلم يفد ولم يرض ان يعطيه شيئا من فائظه وتكرر هذا مرارا حتى ضاق خناق ذي الفار من الفشل فدخل على محمد بك جركس في وقت خلوة وشكا اليه حاله وفاوضه في اغتيال اسمعيل بك
فقال له افعل ما تريد
فاخذ معه في ثاني يوم اصلان وقيلان وجماعة خيالة من الفقارية ووقفوا لاسمعيل بك في طريق طريق الرميلة عند سوق الغلة وهو طالع الى الديوان فمر اسمعيل بك وصحبته يوسف بك الجزار واسمعيل بك جرجا وصاري علي بك فرموا عليهم بالرصاص فلم يصب منهم الا رجل قواس ورمح اسمعيل بك ومن بصحبته الى باب القلعة ونزل هناك وكتب عرضحال ملخصه الشكوى من محمد بك جركس وانه قد جمع عنده المفسدين ويريد اثارة الفتن في البلد وارسله الى الباشا صحبة يوسف بك
فامر علي باشا بكتابة فرمان خطابا للوجاقات باحضار محمد بك جركس وان ابى فحاربوه واقتلوه
فلما وصل الخبر الى جركس ركب مع المنضمين اليه فقارية وقاسمية ووصل الى الرميلة فصادف الموجهين اليه فحاربهم وحاربوه وقتل حسين بك ابو يدك وآخرون وانهزم جركس وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول الى داره
فذهب على طريق الناصرية ولم يزل سائرا حتى وصل الى شبرا ولم يبق صحبته سوى مملوكين
فلاقاه جماعة من عرب الجزيرة فقبضوا عليهم واخذوا سلاحهم واتوا بهم الى بيت اسمعيل بك ابن ايواظ بك وكان عند احمد كتخدا امين البحرين والصابونجي فاشارا عليه بقتله فلم يرض
وقال انه دخل بيتي وخلع عليه فروة سمور واعطاه كسوة وذهبا ونفاه الى جزيرة قبرص
ورجع العسكر الذين كانوا بالسفر واستشهد امير العسكر (1/94)
احمد بك فقلدت الدولة علي كتخدا الهندي صنجقا عوضا عن مخدومه احمد بك واعطوه نظر الخاصكية قيد الحياة واطلقوا له بلاده من غير حلوان
فلما وصلوا الى مصر عمل له يوسف بك الجزار سماطا بالحلى ثم ركب وطلع الى القلعة وخلع الباشا على علي بك الهندي خلعة السلامة ونزل الى بيت اسمعيل بك وانعم عليه بتقاسيط بلاد فائظها اثنا عشر كيسا
واستمر صنجقا وناظرا على الخاصكية
وفي هذه السنة اعني سنة ثلاثين حصلت حادثة ببولاق وهو ان سكان حارة الجوابر تشاجروا مع بعض الجمالة اتباع اوسية امير الحاج فحضر اليهم اميراخور فضربوه ووصل الخبر الى الامير اسمعيل بك فارسل اليهم اغات الينكجرية والوالي فضربوهم فركب الصنجق بطائفته وقتلوا منهم جماعة وهرب باقيهم واخرجوا النساء بمتاعهن وسمروا الدرب من الجهتين
وكانت حادثة مهولة واستمر الدرب مقفولا ومسمرا نحو سنتين
وفيها كان موسم سفر الخزينة واميرها محمد بك ابن ابراهيم بك ابو شنب
وكان وصل اليه الدور وخرج بالموكب وارباب المناصب والسدادرة ولما وصل الى اسلامبول واجتمع بالوزير ورجال الدولة اوشى اليهم في حق اسمعيل بك ابن ايواظ وعرفهم انه ان استمر امره بمصر ادعى السلطنة بها وطرد النواب فان الامراء وكبار الوجاقات والدفتردار وكتخدا الجاويشية صاروا كلهم اتباعه ومماليكه ومماليك ابيه
وعلي باشا المتولي لا يخرج عن مراده في كل شيء ونفي وابعد كل من كان ناصحا في خدمة الدولة مثل جركس ومن يلوذ به وعمل للدولة اربعة آلاف كيس على ازالة اسمعيل بك والباشا وتولية وال آخر يكون صاحب شهامة
فاجابوه الى ذلك
وكان قبل خروجه من مصر اوصى قاسم بك الكبير على احضار محمد بك جركس فارسل اليه واحضره خفية واختفى عنده
ثم ان اهل الدولة عينوا رجب باشا امير الحاج الشامي ورسموا له عند (1/95)
حضوره الى مصر ان يقبض على علي باشا ويحاسبه ويقتله ثم يحتال على قتل اسمعيل بك ابن ايواظ وعشيرته ما عدا علي بك الهندي
ورجع محمد بك ابن ابي شنب الى مصر وعمل دفتردار وحضر مسلم رجب باشا ومعه الأمر بحبس علي باشا بقصر يوسف قائمقامية الى احمد بك الأعسر
وبعد ايام وصل الخبر بوصول رجب باشا الى العريش وسافرت له الملاقاة وتقلد ابراهيم بك قارسكور امين السماط وطلع اسمعيل بك اميرا بالحج
سنة احدى وثلاثين
وهي سنة احدى وثلاثون ومائة والف وذبك عند وصول رجب باشا إلى العريش ثم حضر رجب باشا إلى مصر وعملوا له الشنك والموكب على العادة فلما اسقر بالقلعة أحضر إليه ابن علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وامرهم بعمل حسابه ثم قطع راسه ظلما وسلخها وارسلها الى الباب ودفن علي باشا بمقام ابي جعفر الطحاوي بالقرافة ويعرف الى الان قبره بعلي باشا المظلوم وامر بضبط جميع مخلفاته ثم احضر له محمد جركس خفية وامر الاغا والوالي بالمناداة عليه وكل من آواه يشنق على باب داره
ثم اختلى به وقال له كيف العمل والتدبير في قتل ابن ايواظ بك وجماعته فقال له الرأي في ذلك ان ترسل الى العرب يقفون في طريق الوشاوشة فانهم يرسلون يعرفونكم بذلك فارسلوا لهم عبدالله بك وبعد عشرة ايام ارسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك ابن ايواظ بك واسمعيل بك جرجا وعبدالرحمن اغا ولجه اغات الجملية فعندما يرتحلون من البركة يقتل اسمعيل بك الدفتردار كتخدا الجاويشية وعند ذلك انا اظهر ونقلد امارة الحج الى محمد بك ابن اسمعيل بك ونرسله بتجريدة الى ابن ايواظ بك يقتلونه مع جماعته وهذا (1/96)
هو الرأي والتدبير
ففعلوا ذلك ولم يتم بل اختفى اسمعيل بك ودخل الى مصر ثم ظهر بعد ان دبر اموره وعزل رجب باشا وانزلوه الى بيت مصطفى كتخدا عزبان وفسد تدبيره وكتبوا عرضحال بصورة الواقع وارسلوه الى اسلامبول
وسيأتي تتمة خبر ذلك في ترجمة اسمعيل بك
وكان رجب باشا اخذ من مال دار الضرب مائة وعشرين كيسا صرفها على التجريدة
سنة ثلاث وثلاثين
وصل محمد باشا النشانجي سنة ثلاث وثلاثين
فعندما استقر بالقلعة طلب من رجب باشا المائة وعشرين كيسا وقلد امارة الحج لمحمد بك فطلع بالحج سنة ثلاث وسنة اربع وثلاثين ثم حضر مرسوم بالامان والعفو لاسمعيل بك ابن ايواظ بك وقرىء بالديوان وسافر رجب باشا وسكن الحال مع التنافر والحقد الباطني الكامن في نفس محمد بك جركس وابن استاذه محمد بك ابي شنب لاسمعيل بك ابن ايواظ وهو يسامح لهم ويتغافل عن افعالهم وقبائحهم ويسوس اموره معهم وكل عقدة عقدوها بمكرهم حلها بحسن رايه وسياسته وجودة رايه
وجرت بينه وبينهم امور ووقائع ومخاصمات وجمعيات ومصالحات يطول شرحها ذكرها احمد جلبي عبد الغني في تاريخه الذي ضاع مني
ولم يزل اسمعيل بك ظاهرا عليهم حتى خانوه واغتالوه وقتلوه بالقلعة على حين غفلة على يد ذي الفقار تابع عمر اغا وأصلان وقيلان ومن معهم وقتلوا معه اسمعيل بك جرجا وعبدالله اغا كتخدا الجاويشية ثم تحيلوا على قتل عبدالله بك ومحمد بك ابن ايواظ وابراهيم بك ابن الجزار وذلك في سنة ست وثلاثين ومائة والف في ايام ولاية محمد باشا المذكور
وسيأتي تتمة ذلك في ذكر تراجمهم وقلدوا ذا الفقار قاتل اسمعيل بك الصنجقية وكشوفية المنوفية (1/97)
وانضم اليه من كان خاملا من الفقارية وبدأ امرهم في الظهور
فممن انضم اليه مصطفى بك يلفيه ومحمد بك امير الحاج وهو ابن اسمعيل بك الكبير الفقاري واسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الاعور واسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وخلافهم اختيارية واغوات من الوجاقلية ونظم اموره وقضى لوازمه واشغاله وجعل مصطفى افندي الدمياطي كاتب تركي وعزم على السفر الى المنوفية وركب في موكب حافل وصحبته من ذكر من الفقارية
وكان رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية متوجهين الى بيت محمد بك جركس وكانا خصيصين به وبيدهما باب الينكجرية مع الاقواسي ولهما الكلمة بالباب دون القازدغلية
فصادفا موكب ذي الفقار فوقفا ونظرا الى الراكبين معه من الفقارية فتغير خاطرهم على جركس وتكدر مزاجهما وترحما على اسمعيل بك ابن ايواظ
ولما دخلا على جركس نظر اليهما فرآهما منفعلين فسألهما عن سبب انفعالهما فاخبراه بما راياه
وقالا ان دام هذا الحال قتلنا الفقارية فقال يكون خيرا
ثم امر الصيفي بقتل اصلان وقيلان فوظب معه سراجا يثق به وامره ان يقف في سلالم المقعد فعندما علم بحضورهما احدث الصيفي مشاجرة مع ذلك السراج وفزع عليه بالطبنجة فهرب السراج من امامه فجرى الصيفي خلفه فاخرج ذلك السراج طبنجته ايضا ورفع زنادها فقال له اصلان عيب فافرغها فيه وفرغ ايضا الصيفي طبنجته في قيلان وذلك بسلالم المقعد ببيت جركس ومسح الخدم الدم واخذوا خيولهما وارسلوا المقتولين الى بيوتهما في تابوتين
ثم ان محمد بك جركس طلع الى القلعة وطلب من الباشا فرمانا بتجريدة يرسلها الى ذي الفقار ومن معه من الفقارية فامتنع الباشا وقال رجل خاطر بنفسه بمعرفتكم واطلاعكم كيف اني اعطيكم بعد ذلك فرمانا بقتله
فقام جركس ونزل الى بيته ولم يطلع بعد ذلك الى الديوان واهملوا الدواوين والباشا
فلما ضاق خناق الباشا ابرز (1/98)
مرسوما برفع صنجقية جركس وكتب فرمانات للمشايخ والوجاقلية بذلك ويمنعهم من الذهاب اليه وبلغ الى جركس فتدارك الامر وعمل جمعيات ورتب امورا واجتمعوا بالرميلة وحوالي القلعة وعزلوا الباشا وانزلوه واسكنوه في بيت ابن الدالي وكان ذلك في اواخر سنة سبع وثلاثين فكانت مدته في هذه المدة اربع سنوات وارسلوا له محمد بك ابن ابي شنب فخلع عليه وجعلوه قائمقام واخذوا منه فرمانا بالتجريدة على ذي الفقار وجعلوا ابراهيم بك فارسكور امير العسكر وكاشف المنوفية
ووصل الخبر الى ذي الفقار بك بما حصل من مصطفى بك بلغيه فوزع طوائفه في البلاد ودخل الى مصر خفية الى بيت احمد اوده باشا مطر باز فلما سافر ابراهيم بك بالتجريدة فلم يجده فضبط موجوداته وتحقق من المخبرين انه دخل الى مصر وارسل الخبر بذلك لجركس فامر لهلوبة الوالي والصيفي بالفحص ولتفتيش عليه وارسلوا عرضحال محضرا بما نمقوه وبنزول الباشا
وكان محمد باشا ارسل قبل ذلك مكاتبات لرجال الدولة بما حصل بالتفصيل فلما وصل عرض المصريين عينوا علي باشا واليا جديدا الى مصر بتدبير ومكيدة وصحبته قبودان وقابجي بطلب الاربعة الاف كيس التي جعلها محمد بك ابن ابي شنب حلوانا على بلاد الشواربية
بعض الحوادث في تلك السنة
ومن الحوادث في ايام محمد باشا ان في اول الخماسين طلع الناس على جري العادة في ذلك لاشتنشاق النسيم في نواحي الخلاء وخرج سرب من النساء الى الازبكية وذهب منهن طائفة الى غيط الاعجام تجاه قنطرة الدكة فحضر اليهن جماعة سراجون وبأيديهم السيوف من جهة الخليج وهم سكارى وهجموا عليهن واخذوا ثيابهن وما عليهن من الحلي والحلل (1/99)
ثم ان الخفراء واوده باشة القنطرة حضروا اليهن بعد ذهاب اولئك السراجين فاخذوا ما بقي وكملوا بقية النهب وجميع من كان هناك من النساء من الاكابر ومن جملة ما ضاع حزام جوهر وبشت جوهر قالوا ان الحزام قيمته تسعة اكياس والبشت خمسة اكياس
ومن جملة من ان هناك آمنة الجنكية وصحبتها امرأة من الاكابر فعروهما واخذوا ما عليهما وكان لها ولد صغير وعلى راسه طاقية عليها جواهر وبنادقة وزوجا أساور جوهر وخلخال ذهب بندقي قديم وزنه اربعمائة مثقال
ومن جملة ما اخذوا لباس شبيكة من الحرير الاصفر والقصب الاصفر وفي كل عين من السبيكة لؤلؤة شريط مخيش والدكة كذلك واخذوا أزرهن وفرجياتهن وارسلن الى بيوتهن فتاتين بثياب يستترن بها وذهبن
وكانت هذه الحادثة من اشنع الحوادث
ثم ان في ثاني يوم قدموا عرضحال الى الباشا واخذوا على موجبه فرمانا الى اغات الينكجرية على انه يتوجه وصحبته الوالي واوده باشة البوابة فذهبوا الى محل الواقعة واحضروا اهل الخطة فشهدوا على ان هذه الفعلة من الخفراء بيد اوده باشة مركز القنطرة وهو الذي ارسل السراجين والحمارة فقبضوا على الخفراء والاوده باشا وسئلوا فانكروا فحبس الاوده باشا في بابة والخفراء في العرقانة وامر الباشا الوالي بعقابهم فلما رأوا آلة العذاب اقروا ان ذلك من فعل الاوده باشا
فاخذوا منه مالا كثيرا ونفوه الى ابي قير ونادى الاغا والوالي على النساء لا يذهبن الى الغيطان بعد اليوم ولا يركبن الحمير
ومنها انه ورد أغا من الديار الرومية في سابع عشر ربيع الآخرة سنة خمس وثلاثين وعلى يده مرسوم بدفع ستين كيسا الى باشة جدة ليشتروا بها مركبا هنديا لحمل غلال الحرمين عوضا عن مركب غرقت قبل هذا التاريخ
وحضر صحبة ذلك الاغا عظيم من تجار الشوام ومعه اتباعه ووصل الجميع على خيل البريد الى ان وصلوا الى بركة الحاج
فنزلوا (1/100)
ليأخذوا لهم راحة لكونهم وصلوا ارض الامان وفارقهم الاغا فنزل عليهم سالم بن حبيب فعراهم واخذ ما معهم وكذلك كل من صادفه في الطريق
ومن جملة ذلك سبعون جملا لعبدالرحمن بك محملة ذخيرة من الولجة الى منزله وكذلك جمال عبدالله بك وجمال السقائين وحصل منهم ما لا خير فيه وكان صحبة سالم عرب الجزيرة ومغاربه
وسبب ذلك انه لما طرد من دجوة وذهب الى الصعيد فنزل اليه قيحاس بك وجمع عليه عربان القبائل وحاربه وقتل اولاده فرجع من خلف الجبل وقعد بالبركة وقطع الطريق
فلما وصل الخبر بذلك الى مصر نزل اليه امير الحاج وكاشف القليوبية حمزة بك تابع ابن ايواظ وعينوا صحبتهم عرب الصوالحة وهم نصف حرام فنزل امير الحلي بالمسبك وجلس هناك وابن حبيب نازل في المساطب التي بعد البركة وناصب صيوان كاشف شرق اطفيح وكان نهبه وهو متوجه الى قبلي فان الكاشف لما اقبل عليه سالم رمح عليه وكان في قلة فهزمه سالم واخذ صيوانه ونهب الوطاق والجمال واخذ النقاقير ونزل البركة وربط خيوله هو ومن معه في الغيطان
فاكلوا ستة وثلاثين فدان برسيم في ليلة واحدة
ثم ان الباشا ارسل الى امير الحاج بالرجوع وعينوا عبدالله بك وحمزة بك وخليل اغا وارسل اسمعيل بك صحبتهم خمسمائة جندي من اتباعه ومن البلكات ومعهم فرمان لجميع العرب بالتعمير في اوطانهم ما عدا سالم بن حبيب واخوته ومن يلوذ به وسافرت لهم التجريدة وارتحل ابن حبيب وسار الى جهة غزة
ونهبت التجريدة ما في طريقهم من البلاد وارسل اليهم الباشا فرمانا بالعود فرجعوا من غير طائل
ومنها انه ورد شاهقتان وهما مركبان من ارض حوران مملؤتان قمح حنطة في كل واحدة عشرة الاف اردب بيعتا في دمياط وكان سعر الغلة غاليا بمصر لقصور النيل في العام الماضي وتسامعت البلاد بذلك (1/101)
فهذا هو السبب في ورود هذين المركبين
وفي شهر ذي القعدة سنة خمس وثلاثين ومائة والف تقلدا الصنجقية علي اغا الارمني الذي عرف بابي العزب وكذلك علي اغا صنجقية وامين العنبر وحاكم جرجا وكمل بذلك صناجق مصر اربعة وعشرين صنجقا
وكانوا في المعتاد القديم اثنين وعشرين وكتخدا الباشا وقبطان الاسكندرية فتكرم اباشا بصنجقية كتخداه لعلى بك الارمني اكرما لاسمعيل بك ابن ايواظ بك فكمل بذلك عشرة من اتباع اسمعيل بك وهم اسمعيل بك الدفتردار وعبدالله بك واخوه محمد وحمزة بك وعلي بك الهندي وصاري علي بك وابراهيم بك خازندار الجزار وعبدالرحمن بك ولجه وعلي بك هذا المعروف بابي العزب وهو عاشرهم ومن بيت ابي شنب محمد بك ابنه وجركس الكبير ومملوكه جركس الصغير وقاسم الكبير وقاسم الصغير والاعسر وابراهيم بك فارسكور وذو الفقار تابع قانصوه ومصطفى بك القزلار وقيطاس بك تابع قيطاس بك الكبير وابن اسمعيل بك الدفتردار وهو محمد بك واحمد بك المسلماني ومرجان جور وابراهيم الوالي تتمة اربعة عشرة
وتقلد كشوفية الغربية محمد بن اسمعيل بك والبحيرة احمد بك الاعسر وبني سويف قاسم بك الصغير والجيزة محمد بك ابي شنب الدفتردار والشرقية عبدالرحمن بك
ولبس علي القليوبية خليل اغا بعد عزله من اغاوية الجراكسة وتقلد قيطاس بك كشوفية المنوفية بعد عزله من اغاوية التفكجية وتقلد حسين اغا ابن محمد اغا تابع البكري كشوفية الفيوم وابراهيم بك الوالي على الخزينة والبس اسمعيل بك محمد اغا ابن اشرف علي اغاوية الجملية على ما هو عليه
وكان اراد محمد بك تلبيس مصطفى اغا بلغيه فحصل بين محمد بك ابن ابي شنب وبين إسمعيل بك ابن ايواظ بك غم وكلام في الديوان فلما رأى مصطفى اغا ذلك ما وسعه الا النزول من باب الميدان وتركهم والبس عبد الغفار افندي (1/102)
اغاوية الجراكسة ومصطفى اغا تابع عبدالرحمن بك اغات متفرقة
وركب اسمعيل بك بطائفته ونزل من باب الجبل الى قصره بمصر القديمة ونزل بن ابي شنب والاعسر وقاسم بك وهم مملؤون من الغيظ
وفي رجب قبل ذلك ورد اغا من الديار الرومية وعلى يده مرسوم وسيف وقفطان للشريف يحيي شريف مكة وتقرير للباشا على السنة واغاوية المتفرقة لعبد الغفار افندي ولم يسبق نظير ذلك
وان اغاوية المتفرقة تاتي من الديار الرومية وسبب ذلك ان حسن افندي والد عبد الغفار افندي كان عنده طواشي اهداه الى السلطنة فأرسل ذلك الاغا اغاوية المتفرقة الى ابن سيده فالبسه الباشا القفطان على ذلك فحصل بسبب ذلك فتنة في الوجاق
وسبب ذلك ان وجاقهم فرقتان ظاهرتان بخلاف غيره والظاهر منهما ستة اشخاص من الاختيارية وهم سليمان اغا الشاطر وعلي اغا وعبدالرحمن اغا القاشقجي وخليل اغا وابراهيم كاتب المتفرقة سابقا وكبيرهم محمد اغا السنبلاوين وهم من طرف محمد بك جركس لكن لما ظهر اسمعيل بك انحطت كلمتهم وظهرت كلمة الذين من طرف اسمعيل بك وهم اسمعيل اغا ابن الدالي واحمد حلبي بن حسين اغا استاذ الطالبية وايوب جلبي
فلما تولى عبد الغفار اغاوية لحق اولئك الحقد والحسد وتناجوا فيما بينهم على ان يملكوا الباب فاجتمعوا بانفارهم وملكوا الباب فهرب عبد الغفار اغا الى بيت إسمعيل بك وكان عنده الجماعة الآخرون
فدخل عليهم عبد الغفار اغا واخبرهم بما حصل فاشار عليهم اسمعيل بك ان يذهبوا الى بيت احمد جلبي ويجعلوه محل الحكم
وارسل اولئك الطرف فطلبوا محمد اغا ابطال وباكير اغا تابع اسمعيل بك الكبير ومصطفى اغا وكانوا منفيين من بابهم الى العزب وكانوا كبراءهم وخرجوا منهم في واقعة جركس المتقدمة فآبوا من الحضور اليهم
فلما ابوا عليهم عملوا القاشقجي باش اختيار عوضا عن ابطال وعزلوا وولوا على (1/103)
مرادهم وطلع في صبحها اسمعيل بك الى الديوان وصحبته علي بك وامير الحاج واخبروا الباشا بما حصل فارسل اثنين اغوات ومن كل وجاق اثنين اختيارية لينظروا الخبر ففزعوا عليهم فرجعوا واخبروا الباشا والامراء فأرسل لهم فرمانا بنفيهم الى الكشيدة فأبوا وصمموا على عدم ذهابهم الى الكشيدة
واقام الامراء عند الباشا الى الغروب ثم انهم نزلوا ووعدوا الباشا انهم في غد يفصلون هذا الامر وان لم يمتثلوا حاربناهم
فلما كان في ثاني يوم عملوا جمعية واتفقوا على توزيع الستة انفار على الست وجاقات وكتبوا من الباشا ست فرمانات لكل فرد منهم فرمان فكان كذلك وتفرقو ا في الوجاقات
ونزل اسمعيل بك ابن ايواظ ثالث عشر رجب سنة خمس وثلاثين الى بيته بعد اقامته في باب العزب ثلاثة ايام في طائفته ومماليكه وصناجقه بحيث ان اوائل الطائفة دخلوا الى البيت قبل ركوبه من باب العزب وكان خلفه نحو المائتين بالطرابيش الكشف وتمم الامر على مراده
ثم تحقق الخبر فظهر له ان اصل هذه الفتنة من اسمعيل اغا ابن الدالي فطلع في ثاني يوم الى الديوان والبس إسمعيل اغا اغاوية العزب واحضر محمد اغا ابطال وباكير أغا ومصطفى اغا من باب العزب وردهم الى محلهم وعمل ابطال باش اختيارا
وفي ذلك اليوم حضر عبدالله بك وحمزة بك المتوجهان الى العزب ومعهما اربعامئة وخمسون راسا وسبعة من المقادم بالحياة فارسل اليهما اسمعيل بك بأن يرمياا الرؤوس في الخانقاة ويقتلا الذين بالحياة ويدخلا الى مصر بالليل ففعلا ذلك والله اعلم بغرضه في ذلك
وفي ايامه ايضا في شعبان سنة خمس وثلاثين ورد عرضحال من مكة بان يحيى الشريف وعلي باشا والي جدة وعسكر مصر الذين عينوا صحبة احمد بك المسلماني واهل مكة تحاربوا مع الشريف مبارك شريف مكة (1/104)
سابقا وكان معه سبعة الاف من العرب اليمانية ووقع بينهم مقتلة عظيمة وسقط علي باشا من على ظهر جواده الا ان احمد بك ادركه وانقذه بجواده الجنيب فخلع على احمد خلعة سمور وسردارية مستحفظان
وكان ذلك في عرفات وقتل من العرب زيادة عن الفين وخمسمائة ومن العسكر نحو الخمسين ومن اتباع الباشا كذلك
ومات علي اغا سردار جمليان وكان الباشا قتل من الاشراف اثني عشر شخصا وكانوا في جيرة الشريف يحيى وقد ابطل الجيرة ثم انهم رجعوا بعد المعركة الى جدة وانهم مجتهدون في جمع اللموم وقادمون علينا بمكة والقصد الاهتمام والتعجيل بارسال قدر الف وخمسمائة عسكري وعليهم صنجق لان الذين عندنا عندما ينقضي الحج يذهبون الى بلادهم وتصير مكة خالية
وقد اخبرناكم وارسلنا بمثل ذلك الى الديار الرومية صحبة الشيخ جلال الدين ومفتي مكة فكتب الباشا والامرااء بذلك ايضا وانتظروا الجواب
ثم ورد الساعي واخبر بوصول علي باشا الى سكندرية في غليون البليك وحضر بعد يومين المسلم بقائم مقامية لمحمد بك جركس فخلع عليه فروة سمور وانزله بمكان شهر حواله ورتب له تعيينات
وسافرت الملاقاة وارباب الخدم والجاويشية والملازمون
وقلد محمد بك خازنداره رضوان صنجقية وجعله امين السماط واخذ الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها لرضوان المذكور وابطل الخط الشريف الذي بيده بالخاصكية قيد حياته
سنة ثمان وثلاثين
ووصل علي باشا في منتصف ربيع اول سنة 1138 وركب الى العادلية وخلع خلع القدوم وقدموا له التقادم وطلع الى القلعة بالموكب المعتاد وضربوا له المدافع والشنك وسكن الحال
ثم ان محمد باشا المنفصل (1/105)
ارسل تذكرة على لسان كتخداه خطابا لمصطفى بك بلغيه وعثمان جاويش القازدغلي مضمونها ان حضرة الباشا يسلم عليكم ويقول لكم لابد من التدبير في ظهور ذي الفقار وقطع بيت ابي شنب حكم الامر السلطاني وتحصيل الاربعة آلاف كيس الحلوان المعين بها القابجي
فلما وصلت التذكرة الى مصطفى بك احضر عثمان جاويش وعرضها عليه فقال هذا يحتاج اولا الى بيت مفتوح تجتمع فيه الناس
فاتفقا على ضم علي بك الهندي اليهما وهو يجمع طوائف الصناجق المقتولين ومماليكهم ثم يدبرون تدبيرهم بعد ذلك
فاحضروه وعرضوا عليه ذلك فاعتذر بخلويدة فقالوا له نحن نساعدك وكل ما تريده يحضر اليك
واحضر احمد اوده باشا المطرباز ذا الفقار بك عند علي بك الهندي ليلا ثم ان علي بك الهندي احضر مصطفى جلبي بن ايواظ فاحضر كامل طوائف اخيه وجماعة الامراء المقتولين وبلغ محمد بك جركس ان علي بك الهندي عنده لموم وناس
فارسل له رجب كتخدا ومحمد جاويش يأمره بتفريق الجمعية ووعده برد نظر الخاشكية اليه
فلما وصلا اليه وجدا كثرة الناس والازدحام واكلا وشربا فقال له رجب كتخدا ايش هذا الحال وانت اعتقدانها خلي وجمع الناس يحتاج الى مال
فقال له وكيف افعل قال اطردهم
قال وكيف اطردهم وهم ما بين ابن استاذي وخشداشي وابن خشداشي حتى اني رهنت بلدا
فقال اقعد مع عائلتك وخدمك ونرد لك نظر الخاصكية واخلص لك البلد المرهونة
قال يكون خيرا
وانصرفا من عنده ودخل علي بك فاخبر ذا الفقار بذلك فقال له ارسل الي سليمان اغا ابي دفية يوسف جربجي البركاوي
فارسل اليهما واحضرهما وادخلهما اليه وتشاوروا فيما يفعلونه
فاتفقوا على قتل ابراهيم افندي كتخدا العزب وبقتله يملكون باب العزب
وعند ذلك يتم غرضنا
فاصبحوا بعدما دبروا امرهم مع الباشا المعزول والفقارية والشواربية وفرقوا الدراهم
فركب ابو دفية بعد الفجر واخذ في طريقه (1/106)
يوسف جربجي البركاوي ودخلا على ابراهيم كتخدا عزبان فركب معهم الى الباب
وتطليس ذو الفقار واخذ صحبته سليمان كاشف ويوسف زوج هانم بنت ايواظ بك ويوسف الشرايبي ومحمد بن الجزار وأتوا الى الرميلة ينتظرونهم بعدما ربطوا المحلات والجهات
فعندما وصل ابراهيم كتخدا الى الرميلة تقدم اليه سليمان كاشف ليسلم عليه وتبعه خازنداره ابن ايواظ وضربه فسقط الى الارض ورمحوا الى الباب فطردوا البكجية وملكوه
وركب في الحال محمد باشا وحضر الى جامع المحمودية ونزل علي باشا الى باب العزب واجتمعت كامل صناجق نصف سعد وقسموا المناصب مثل الحال القديم امير الحلي من الفقارية والدفتردار من القاسمية ومتفرقة باشا من الفقارية وكتخدا الجاويشة من القاسمية ونحو ذلك
وقرأوا فاتحة على ذلك واغات الينكجرية ابو دفية
ومصطفى فندي الدمياطي زعيم وكان القبودان اتى من الاسكندرية ونزل في قصر عثمان جاويش القازدغلي بعسكره فأتى بهم وملك السلطان حسن وكرنك به مع ذي الفقار بك
وخلع محمد باشا على علي بك الهندي دفتردار وعلى ذي الفقار صنجقيته كما كان وعلى علي كاشف قطامش صنجقية وعلى سليمان كاشف صنجقية وحاكم جرجا وعلى مصطفى جلبي ابن ايواظ صنجقية وعلى يوسف اغا زوج هانم صنجقية وعلى يسف الشرايبي صنجقية وسليمان ابي دفية أغات مستحفظان الدمياطي والي
وحضر اليهم محمد بك امير الحاج سابقا ومصطفى بك بلغيه واسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الكور واسمعيل بك ابن قيطاس واقاموا في المحمودية
هذا ما كان من هؤلاء واما محمد بك جركس فانه استعد ايضا وارسل الى بيت قاسم بك عدة كبيرة من الاجناد ومدافع وعملوا متاريس عند درب الحمام وجامع الحصرية هجمت عساكرهم على من بسبيل المؤمن بالبنادق والرصاص حتى اجلوهم وهزموهم وهربوا الى جهة القلعة وسوق السلاح (1/107)
واكثرهم لم يدرك حصانه
فلما وقع ذلك عملوا متاريسهم في الحال عند مذبح الجمال ورموا على من بالمحمودية وهرب المجتمعون بالرميلة وبنى طائفة جركس في الحال متاريس عند وكالة الاشكنية وارتبك امر الفرقة الاخرى
ثم ان يوسف جربجي البركاوي وكان حين ذاك من الخاملين القشلانين وتقدم له الطلوع بالسفر سردار بيرق رمى نفسه في الهلاك وتسلق من باب العزب ونط الحائط والرصاص نازل وطلع عند محمد باشا والصناجق بالمحمودية وطلب فرمانا لكتخدا العزب يعطيه بيرق سردن جشتي ومائة نفر وضمن لهم طرد الذين بسبيل المؤمن وملك بيت قاسم بك وعند ذلك يسير البيارق على بيت جركس
وشرط عليهم ان يجعلوه بعد ذلك كتخدا العزب فكعلوا ذلك ونزل بمن معه من باب الميدان وسار بهم من جانب تكية اسمعيل باشا وهناك باب ينفذ على تربة الرميلة فوقف بهم هناك وطوى البيرق وهجم بمن معه على سبيل المؤمن بطلق رصاص متتابع وهم مهللون على حين غفلة
فاجلوهم وفروا من مكانهم الى درب الحصرية وهم في اقفيتهم حتى جاوزوا متاريسهم وملكوها منهم ودخلوا بيت قاسم بك واداروا المدافع على بيت قاسم بك وصعدوا منارة جامع الحصرية ورموا بالبنادق على بيت قاسم بك
فعند ذلك نزلت البيارق من الابواب وساروا الى جهة الصليبة وطلع القبودان الى قصر يوسف ورتب مدفعا على بيت جركس على الرحيل والفرار فخرج معه احمد بك الاعسر ومحمد بك جركس الصغير واركب خمسة من مماليكه على خمسة من الهجن المحملة بالمال وذهبوا الى جهة مصر القديمة وعدوا الى البر الآخر وساروا وتخلف منهم بمصر محمد بك ابن ابي شنب وعمر بك امير الحاج ورضوان بك وعلى بك وابراهيم بك فارسكور
وطلع محمد باشا الى القلعة ثانيا (1/108)
ونزل علي باشا وسافر الى منصبه بكريد
وترأس ذو الفقار بك وقلد عثمان بك كاشف مملوكه صنجقية وهو عثمان بك الشهير الذي يأتي ذكره وارسلوه صحبة يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ خلف محمد بك جركس ومعهم عساكر واغات البلكات فصاروا كل من وجدوه من اتباع جركس بالجيزة او خلافها يقتلونه
ووقعوا باحمد افندي الروزنامجي فارسلوه الى محمد باشا فسجنه مع المعلم داود صاحب العيار بالعرقانة ثم قتلوهما وقتلوا عمر بك امير الحاج ومحمد بك ابن ابي شنب وجدوه ميتا بالجامع الازهر وعملوا رجب كتخدا سردار جداوي والاقواسي يمق
وخرجا الى بركة الحاج ليذهبا الى السويس فارسلوا من قتلهما واتى برؤوسهما ونهبوا بيوت المقتولين والهربانين وبيت جركس الكبير ومن معه
وبعد ايام رجع عثمان بك ويوسف بك والتجريدة فاخبروا ذا الفقار بك وعلي بك الهندي انهم وصلوا حوش ابن عيسى سألوا العرب عن محمد بك جركس ومن معه فاخبروهم انهم باتوا هناك
ثم اخذوا معهم دليلا اوصلهم الى الجبل الاخضر وركبوا من هناك الى درفه
وكان هروب جركس وخروجه من مصر يوم السبت سابع جمادي الاخرة سنة ثمان وثلاثين ومائة والف
ثم انهم عملوا جمعية وكتبوا عرضحال بما حصل واعطوه للقابجي وسلموه الف كيس من اصل حلوان بلاد اسمعيل بك ابن ايواظ امرائه وبلاد ابي شنب وابنه وامرأته ايضا وذلك خلاف بلاد محمد بك قطامش ورضوان اغا وكور محمد اغا كتخدا قيطامس بك وكتبوا ايضا مكاتبة الى الوزير الاعظم بطلب محمد بك قطامش تابع قيطاس بك الذي تقدم ذكره وهروبه الى الروم بعد قتل سيده وختم عليه جميع الامراء الصناجق والاغوات وأعطاه الباشا الى قابجي باشا فلما وصل الى الدولة طلب الوزير محمد بك فلما حضر بين يديه قال له اهل مصر ارسلوا يطلبونك اليهم بمصر
فاعتذر بقلة ذات يده وانه مديون (1/109)
فانعموا عليه بالدفتردارية والذهاب الى مصر وكتبوا فرمانات لسائر الجهات باهدار دم محمد بك جركس اينما وجد لانه عاص ومفسد واهل شر وذلك حسب طلب المصريين
ثم ان محمد باشا والي مصر خلع على جماعة وقلدهم امريات فقلد مصطفى بن ايواظ صنجقية وحسن اغات الجملية سابقا صنجقية واسمعيل بن الدالي صنجقية ومحمد جلبي بن يوسف بك الجزار صنجقية وسليمان كاشف القلاقي صنجقية وذلك خلاف الوجاقات والبلكات والسدادرة وغيرهم
وسكن الحال وانتهت الرياسة بمصر الى ذي الفقار بك وعلي بك الهندي
وحضر محمد بك الى مصر من الديار الرومية فلم يتمكن من الدفتردارية لان علي بك الهندي تقلدها بموجب الشرط السابق وكل قليل يذاكر محمد بك ذا الفقار بك فيقول له طول روحك
فاتفق ان علي بك المعروف بابي العذب ومصطفى بك بن ايواظ ويوسف بك الخائن ويوسف بك الشرايبي وعبدالله اغا كتخدا الجاويشية وسليمان اغا ابادفية والكل من فرقة القاسمية كانوا يجتمعون في كل ليلة عند واحد منهم يعملون حظا ويشربون شرابا
فاجتمعوا في ليلة عند علي بك ابي العذب فلما اخذ الشراب من عقولهم تأوه مصطفى بك ابن ايواظ وقال يموت العزيز اخي الكبير والصغير ويصير الهندي مملوكنا سلطان مصر ونأكل من تحت يده والباشا في قبضته
وكان النيل قريب الوفاء فقال علي بك انا اقتل الباشا يوم جبر البحر
وقال ابو دفية وانا اقتل ذا الفقار
وقال مصطفى بك وانا اقتل الهندي
وكل واحد من الجماعة التزم بقتل واحد وقرأوا الفاتحة وكان معهم مملوك اصله من مماليك عبدالله بك ولما قتل سيده هرب الى الهند واقام في خدمته اياما فلما تقلد مصطفى بك الصنجقية اخذه من علي بك الهندي
فلما سمع منهم ذلك القول ذهب الى علي بك الهندي واخبره
فارسله الى ذي الفقار فاخبره ايضا
فبعثه الى الباشا فاخبره فلما كان يوم الديوان وطلع علي بك ابو (1/110)
العذب قبض عليه الباشا وقتله تحت ديوان قايتباي واحاط بداره ونهب ما فيها وكان شيئا كثيرا
وارسل في الوقت فرمانا الى الاغا بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك ابن ايواط واركبوه حمارا وصحبته مقدمه واحضروه الى الباشا فامر بقتله وقتل معه مقدمه ايضا واختفى الباقون
واخذ ذو الفقار فرمانا ينفي هانم بنت ابواظ بك وام محمد بك ابن ابي شنب ومحظيته علي بك فمانع عثمان جاويش القازدغلي في ذلك واستقبحه وضمن غائلتهن والزمهن ان لا يخرجن من بيوتهن ورتب لهن كفايتهن
فلما حصل ذلك ضعف جانب القاسمية وانفرد علي بك الهندي وكان ذو الفقار ارسل الى الشام فاحضر رضوان اغا ومحمد اغا الكور فجعلوا رضوان اغا اغات الجملية ومحمد بك الجزار غائب باقليم المنوفية
فعند ذلك اغتنموا الفرصة وتحرك محمد بك قطامش في طلب الدفتردارية فدبروا امرهم مع يوسف جربجي عزبان البركاوي ورضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي وقتلوا علي بك الهندي وذا الفقار قانصوه وارسلوا الى محمد بك الجزار تجريدة واميرها اسمعيل بك قيطاس وهو باقليم المنوفية وقلدوا مصطفى افندي الدمياطي صنجقية وجعلوه حاكم جرجا
وقبضوا على سليمان بك ابي شنب وقضى اسمعيل بك اشغاله وسافر بالتجريدة الى المنوفية واخذ صحبته عربان نصف سعد وساروا الى محمد بك الجزار
وان كلما وصله الخبر اخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل الى جسر سديمة فلحقوه هناك وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم اجناد وعرب وحمى نفسه الى الليل
ثم اخذ معه مملكوين وبعض احتياجات ونزل في مركب وسار الى رشيد وترك اربعة وعشرين مملوكا فاخذوا الهجن وساروا ليلا مبحرين حتى جاوزوا وطاق اسمعيل بك وتخلف عنهم مملوك ماشي فذهب الى وطاق اسمعيل بك قيطاس وعرفه بمكانهم فارسل اليهم كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم عنده فاقاموا في خدمته
ولم (1/111)
محمد بك في سيره حتى دخل الى رشيد واختفى في وكالة ووصل خبره الى حسين جربجي الخشاب فقبض عليه وقتله بعد ان استأذن في ذلك وتقلد في نظير ذلك الصنجقية وكشوفية البحيرة
سنة اربعين ومائة والف
ونزل بعد ذلك الى البحيرة ثم حضر محمد بك جركس من غيبته ببلاد الافرنج وطلع على درنه وارسل مركبه التي وصل فيها الى الاسكندرية وحضر اليه امراؤه الذين تركهم قبل جهة قبلي فركب معهم ونزل الى البحيرة ليصل الاسكندرية
فصادف حسين بك الخشاب ففر منه وغنم جركس خيامه وخيوله وجماله
ثم رجع االى الفيوم ونزل على بني سويف ثم ذهب الى القطيعة قرب جرجا واجتمع عليه القاسمية المشردون فحاربه حسين بك حاكم جرجا والسدادرة وقتل حسن بك وطائكته واستولى على وطاقهم وعازفهم
ووصلت اخباره الى مصر فجمع ذو الفقار بك جمعية واخرج فرمانا بسفر تجريدة فسافر اليه عثمان بك وعلي بك قطامش وعساكر فتلاقوا معه بوادي البهنسا
فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى محمد بك جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وحال بينهم الليل ورجع المهزومون الى مصر
فجمع ذو الفقار الامراء واتفقوا على التشهيل واخراج تجريدة اخرى فاحتاجوا الى مصروف فطلبوا فرمانا من الباشا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري عن السنة القابلة فامتنع عليهم فركبوا عليه وانزلوه وقلدوا محمد بك قطامش قائمقام واخذوا منه فرمانا بمطلوبهم وجهزوا أمر التجريدة واهتموا فيها اهتماما زائد ورتبوا اشغالهم
وخرجوا وجرت امور وحروب وقتل من جماعة جركس سليمان بك ثم وقعت الهزيمة على جركس (1/112)
تولية باكير باشا وعزله
ووصل الى مصر باكير باشا وذلك في سنة اثنتين واربعين ومائة والف وطلع الى القلعة فمكث اشهرا وعزله العساكر في أواخر السنة وحصل بمصر في أيام هذه التجار يدضنك عظيم وثار جماعة القاسمية المختفون بالمدينة ودبروا مكرهم ورئيسهم في ذلك سليمان اغا ابو دفية
ودخل منهم طائفة على ذي الفقار بك وقت العشاء في رمضان وقتلوه
وكان محمد بك جركس جهة الشرق ينتظر موعدهم معه فقضى الله بموت جركس خارج مصر وموت ذي الفقار داخلها
ولم يشعر احدهما بموت الآخر وكان بينهما خمسة ايام وثارت اتباع ذي الفقار بالقاسمية وظهروا عليهم وقتلوهم وشردوهم ولم يقم منهم قائم بعد ذلك الى يومنا هذا
وانقرضت دولة القاسمية من الديار المصرية وظهرت دولة الفقارية وتفرع منها طائفة القازدغلية وسيأتي تتمة الاخبار عند ذكر تراحمهم في وفياتهم
وقد جعلت هذا فضلا مستقلا من اول القرن الى سنة اثنتين واربعين ومائة والف التي هي آخر دولة القاسمية
ذكر من مات في هذه السنين
من العلماء والاعاظم على سبيل الاجمال بحسب الامكان فاني لم أعثر على شيء من تراجم المتقدمين من اهل هذا القرن ولم اجد شيئا مدونا في ذلك الا ما حصلته من وفياتهم فقط وما وعيته في ذهني واستنبطته من بعض أسانيدهم واجازات اشياخهم على حسب الطاقة وذلك من اول القرن الى آخر سنة اثنتين واربعين ومائة الف وهي اول دولة السلطان محمود بن عثمان
وأولهم الامام العلامة والحبر الفهامة شيخ السلام والمسلمين وارث علوم سيد المرسلين الشيخ محمد الخرشي المالكي شارح خليل وغيره ويروى عن والده الشيخ عبدالله الخرشي وعن العلامة الشيخ ابراهيم (1/113)
اللقاني كلاهما عن الشيخ سالم السنهوري المالكي عن النجم الغيطي عن شيخ الاسلام زكريا الانصاري عن الحافظ بن حجر العسقلاني بسنده الى الإمام البخاري توفي سنة احدى ومائة والف
ومات الشيخ الامام شمس الدين محمد بن داود بن سليمان العناني نزيل الجنبلاطية أخذ عن علي الحلبي صاحب السيرة والشهاب الغزي والشمس البابلي والشهاب الخفاجي والبرهان اللقاني وغيرهم
حدث عنه حسن بن علي البرهاني والخليفي والبديري وغيرهم توفي سنة ثمان وتسعين والف
ومات امام المحققين وعمدة المدققين صاحب التآليف العديدة والتصانيف المفيدة السيد احمد الحموي الحنفي ومن تصانيفه شرح الكنز وحاشية الدرر والغرر والرسائل وغير ذلك
توفي ايضا في تلك السنة رحمه الله ومن شيوخه الشيخ علي الاجهوري والشيخ محمد ابن علان والشيخ منصور الطوخي والشيخ احمد البشبيشي والشيخ خليل اللقاني وغيرهم كالشيخ عبدالله بن عيسى العلم الغزي
ومات علامة الفنون الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن احمد بن امير الدين محمد الضرير بن شرف الدين حسين الحسيني الشهير بالشرنبابلي شيخ مشايخ الازهر في عصره كذا ذكر نسبه شيخنا السيد مرتضى نقلا عن سبطه العلامة محمد بن بدر الدين اخذ عن شيوخ عدة كالشيخ سلطان المزاحي والشيخ علي الشبراماسي وأجازه البابلي واخذ عنه اليليدي والملوي والجوهري والشبراوي بواسطة الشيخ عبد ربه الديوي توفي سنة اثنتين ومائة والف
ومات الشريف المعمر ابو الجمال محمد بن عبد الكريم الجزائري روى عن ابي عثمان سعيد قدورة وابي البركات عبد القادر وابي الوفاء الحسن ابن مسعود البوسي وابي الغيث القشاشي واجازه البابلي والاجهوري (1/114)
ومحمد الزرقاني وعبدالعزيز بن محمد الزمزمي والشبراملسي والشهاب القيلوني والغنيمي والشهاب الشلبي ومحمد حجازي الواعظ ومفتي تعز محمد الحبشي والتجم الغزي والقشاشي والشهاب السبكي والمزاحي توفي سنة اثنتين ومائة والف
ومات الامام العالم العلامة ابو الامداد خليل بن ابراهيم اللقاني المالكي اخذ عن والده وعن اخويه عبدالسلام ومحمد اللقانيين والنور الاجهوري والشبراماسي والشيخ عبدالله الخرشي والشمس البابلي وسلطان المزاحي والشيخ عامر الشبراوي والشهاب القليوبي والشمس الشوبري الشافعي واحمد الشوبري الحنفي وعبد الجواد الجنبلاطي ويس العليمي الشامي وأحمد الدواخلي وعلي النبتيتي وعقد دروسا بالمسجد الحرام واخذ بها عن محمد بن علان الصديقي والقاضي تاج الدين المالكي وبالمدينة عن الوجيه الخياري وغرس الدين الخليلي وأجازوه توفي سنة خمس ومائة والف
ومات الامام ابو سالم عبدالله بن محمد بن ابي بكر العياشي المغربي الامام الرحالة قرأ بالمغرب على شيوخ منهم اخوه الاكبر عبد الكريم ابن محمد والعلامة ابو بكر بن يوسف الكتاني وامام المغرب سيدي عبد القادر الفاسي والعلامة أحمد بن موسى الابار ورحل الى المشرق فقرأ بمصر على النور الاجهوري والشهاب الخفاجي وابراهيم المأموني وعلي الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي وعبدالجواد الطريني المالكي وجاور بالحرمين عدة سنين فأخذ عن زين العابدين الطبري وعبد الله بن سعيد باقشير وعلي بن الجمال وعبدالعزيز الزمزمي وعيسى الثعالبي والشيخ ابراهيم الكردي وأجازوه ورجع الى بلاده وأقام بها الى ان توفي سنة تسعين والف وله رحلة مجلدات وذكر فيها انه اجتمع بالشيخ حسن العجمي واجاز كل صاحبه (1/115)
ومات الامام الحجة عبدالباقي بن يوسف بن احمد بن محمد بن علوان الزرقاني المالكي الوفائي ولد سنة عشرين والف بمصر ولازم النور الاجهوري مدة وأخذ عن الشيخ يس الحمصي والنور الشبراملسي وحضر في دروس الشمس البابلي الحديثية وأجازه جل شيوخه وتلقى الذكر من ابي الاكرام توفي سنة خمس واربعين والف وتصدر للاقراء بالأزهر وله مؤلبفات منها شرح مختصر خليل وغيره توفي في رابع عشرين رمضان سنة تسع وتسعين والف وصلى عليه اماما بالناس الشيخ محمد قوشي
ومات عالم القدس الشيخ عبدالرحيم بن ابي اللطف الحسيني الحنفي المقدسي قرأ بمكة على الامام زين العابدين بن عبدالقادر الطبري وبمصر على الشيخ الشبراملسي والشمس البابلي والشمس الشوبري والفقه على الشهاب الشوبري الحنفي وحسن الشرنبلالي وعبدالكريم الحموي الطرابلسي وبدمشق على السيد محمد بن علي بن محمد الحسيني المقدسي الدمشقي توفي غريبا بأدرنة سنة اربع ومائة والف
ومات الامام العلامة شمس الدين محمد بن قاسم بن اسمعيل البقري المقرىء الشافعي الصوفي الشناوي اخذ علم القراآت عن الشيخ عبدالرحمن اليمني والحديث عن البابلي والفقه عن المزاحي والزيادي والشوبري ومحمد المنياوي والحديث ايضا عن النور الحلبي والبرهان اللقاني والطريقة عن عمه الشيخ موسى بن اسمعيل البقري والشيخ عبدالرحمن الحلبي الاحمدي وغالب علماء مصر اما تلميذه او تلميذ تلميذه وألف واجاد وانفرد ومولده سنة ثماني عشرة والف وتوفي في رابع عشرى جمادى الثانية سنة احدى عشرة ومائة والف عن ثلاث وتسعين سنة
ومات الاديب الفاضل الشاعر ابو بكر بن محمود بن ابي بكر بن ابي الفضل العمري الدمشقي الشافعي الشهير بالصفوري ولد بدمشق (1/116)
ونشأ ورحل الى مصر وتوطنها وأخذ بها عن الشمس البابلي ونظم سيرة الحلبي ولم يتمه وجمع ديوان شعره باسم الاستاذ محمد بن زين العابدين البكري وكان من الملازمين له توفي سنة اثنتين ومائة والف ودفن بتربة الشيخ فرج خارج بولاق عند قصر الاستاذ البكري
ومات السيد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن احمد بن محمد كريشه بن عبد الرحمن بن ابراهيم بن عبد الرحمن السقاف ترجمة صاحب المشرع فقال ولد بمكة وتربى في حجر والده وادرك شيخ الاسلام عمر ابن عبد الرحيم البصري وصحب الشيخ محمد بن علوي وألبسه الخرقة وكذا أبو بكر بن حسين العيدروس الضرير وزوجة ابنته وأخذ عنه العلوم الشرعية وزار جده وعاد الى مكة وبها توفي ليلة الجمعة سنة اربع ومائة والف
ومات الاستاذ زين العابدين محمد بن محمد بن محمد ابن الشيخ ابي المكارم محمد ابيض الوجه البكري الصديقي ولد سنة ستين والف وكان تاريخ ولادته أشرق الافق بزين العابدين توفي سنة سبع ومائة والف في الفصل ودفن عند اسلافه بجوار الامام الشافعي رضي الله عنه
ومات السند شيخ الشيوخ برهان الدين ابراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني المدني ولد بشهران في شوال سنة خمس وعشرين والف وأخذ العلم عن محمد شريف الكوراني الصديقي ثم ارتجل الى بغداد واقام بها مدة ثم دخل دمشق ثم الى مصر ثم الى الحرمين والقى عصا تسيارة بالمدينة المنورة ولازم الصيفي القشاشي ويه تخرج وأجازه الشهاب الخفاجي والشيخ سلطان والشمس البابلي وعبد الله بن سعيد اللاهوري وابو الحسين علي بن مطير الحكمي وقد أجاز لمن ادرك عصره وتوفي ثامن عشرين جمادي الاولى سنة احدى ومائة والف
ومات الامام العلامة برهان الدين ابراهيم بن مرعي الشبرخيتي المالكي (1/117)
تفقه على الشيخ الاجهوري والشيخ يوسف الفيشي وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل في مجلدات وشرح على العشماوية وشرح على الاربعين النووية وشرح على الفية السيرة للعراقي مات غريقا بالنيل وهو متوجه الى رشيد سنة ست ومائة والف
ومات الاستاذ ابو السعود بن صلاح الدين الدنجيهي الدمياطي المولد والمنشأ الشافعي الفاضل البارع ولد سنة ألف ةوستين وجود القرآن على العلامة بن المسعودي ابي النور الدمياطي ثم قدم مصر ولازم دروس الشهاب البشبيشي وجد في الاشتغال وقدم مكة وتوفي وهو راجع من الحج بالمدينة في أوائل المحرم سنة تسع ومائة والف
ومات الامام العلامة مفتي المسلمين الشيخ حسن بن علي بن محمد ابن عبدالرحمن الجيرتي الحنفي وهو جد الشيخ الوالد أخذ عن أشياخ عصره من اهل القرن الحادي عشر كالبابلي والاجهوري والزرقاني وسلطان المزاحي والشبراملسي والشهاب الشويري وتفقه على الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير ولازمه ملازمة كلية وكتب تقاريره على نسخ الكتب التي حضرها عليه ومنها كتاب الاشباه والنظائر للعلامة بن نجيم وكتاب الدرر شرح الغرر لملاخسرو وكلا النسختين بخطه الاصلي وما عليهما من الهوامش ثم جرد ما عليهما فصارا تأليفين مستقلين وهما الحاشيتان المشهورتان على الدرر والاشباه للعلامة الشرنبلالي وكلتا النسختين وما عليهما من الهوامش موجودتان عندي الى الآن بخط المترجم ومن تآليفه رسالة على البسملة
ولما توفي الاستاذ الشرنبلالي في سنة تسع وستين وألف تصدر بعده للافادة والتدريس والافتاء واقرأ ولده الشيخ حسن وتقيد به حتى ترعرع وتمهر وتوفي المترجم في سنة ست وتسعين والف وترك الجد ابراهيم صغيرا فربته والدته الحاجة مريم بنت المرحوم الشيخ محمد المنزلي حتى بلغ رشده فزوجته ببنت عبد الوهاب افندي الدلجي (1/118)
وعقد عقده عليها بحضرة كل من الشيخ جمال الدين يوسف ابي الارشاد ابن وفي والشيخ عبدالحي الشرنبلالي الحنفي وشهاب الدين احمد المرحومي والشيخ شهاب الدين احمد البرماوي والشيخ زين الدين ابي السعود الدنجيهي الشافعي الدمياطي شيخ المدرسة المتبولية والشيخ شمس الدين محمد الارمناوي وغيرهم المثبتة اسماؤهم في حجة العقد في كاغد كبير رومي محرر ومسطر بالذهب وعليه لوحة مموهة بالذهب مؤرخة بغاية شعبان سنة ثمان ومائة والف وهي محفوظة عندي الى الان بامضاء موسى افندي بمحكمة الصالحية النجمية وبني بها في ربيع أول وحملت منه بالمرحوم الوالد فات الحد بعد ولادة الوالد بشهر واحد وذلك في سنة عشر ومائة والف وعمره ست عشرة سنة لا غير
ومات الامام العلامة نور الدين حسن بن احمد بن العباس بن احمد ابن العباس بن أبي سعيد المكناسي ولد بها سنة الف واثنتين وخمسين وقر الفاسي وكثيرين وقدم مصر سنة اربع وسبعين وألف وحضر دروس علي محمد بن احمد الفاسي نزيل مكناس وحضر دروس سيدي عبد القادر الشبراملسي ومنصور الطوخي واحمد البشبيشي ويحيى الشهاوي وحج واجتمع على السيد عبد الرحمن المحجوب المكناسي وكانت له مشاركة في سائر العلوم مات بمصر سنة احدى ومائة والف
ومات الشيخ الامام العلامة ابراهيم ابن محمد بن شهاب الدين بن خالد البرماوي الازهري الشافعي الانصاري الاحمدي شيخ الجامع الازهر قرأ على الشمس الشوبري والمزاحي والبابلي والشبراملسي ثم لازم دروس الشهاب القليوبي واختص به وتصدر بعده بالتدريس في محله توفي سنة ست ومائة والف روى عنه محمد بن خليل العجلوني وعلي ابن علي المرحومي نزيل مخا ورافقه المليحي في دروس القليوبي وترجمة واثنى عليه وله تآليف عديدة (1/119)
ومات عالم المغرب الشيخ الامام نور الدين حسن بن مسعود اليوسي قدم مكة حاجا سنة اثنتين ومائة والف وله مؤلفات عديدة مشهورة توفي بالمغرب سنة احدى عشرة ومائة والف
ومات الامام العلامة شيخ الشيوخ شاهين بن منصور بن عامر ابن حسن الأرمناوي الحنفي ولد ببلده سنة ثلاثين والف وحفظ القرآن والكنز والالفية والشاطبية والرجبية وغيرها ورحل الى الازهر فقرأ بالروايات على العلامة المقرىء عبد الرحمن اليمني الشافعي ولازم في الفقه العلامة احمد الشوبري واحمد المنشاوي الحنفيين واحمد الرفاعي ويس الحمصي ومحمد المنزلاوي وعمر الدفري والشهاب القليوبي وعبد السلام اللقاني وابراهيم الميموني الشافعي وحسن الشرنبلالي الحنفي وفي العلوم العقلية شيخ الإسلام محمد الشهير بسيبويه تلميذ احمد بن قاسم العبادي ولازمه كثيرا وبشره باشياء حصلت له واخذ عن العلامة سري الدين الدروري والشيخ علي الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي واجازه جل شيوخه وتصدر للاقراء في الازهر في فنون عديدة وعنه اخذ جمع من الاعيان كمحمد ابن حسن الملا والسيد علي الحنفي وغيرهما توفي سنة احدى ومائة والف
ومات العلامة الشيخ احمد بن حسن البشتكي اخذ عن البناء وعن الشيخ محمد الشرنبابلي وتوفي سنة عشر ومائة والف
ومات السيد الشريف عبد الله بن احمد بن عبد الرحمن بن احمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه التريمي الامام الفقيه المحدث اخذ عن مصطفى بن زين العابدين العيدروس والسيد محمد سعيد وعنه ولده عبد الرحمن والسيد شيخ بن مصطفى العيدروس واخواه زين العابدين وجعفر توفي ببندر الشحرفي آخر جمادى سنة اربع ومائة والف (1/120)
ومات خاتمة المحدثين بمصر شمس السنة محمد بن منصور الاطفيحي الوفائي الشافعي ولد سنة اثنتين واربعين والف واخذ عن ابي الضياء علي الشبراملسي وعن الشمس البابلي والشيخ سلطان المزاحي والشمس محمد عمر الشوبري الصوفي والشهاب احمد القليوبي توفي سنة خمس عشرة ومائة والف تاسع عشر شوال
ومات امام المحققين الشيخ عبد الحي بن عبد الحق بن عبد الشافي الشرنبلالي الحنفي علامة المتأخرين وقدوة المحققين ولد ببلده ونشأ بها ثم ارتحل الى القاهرة واشتغل بالعلوم واخذ عن الشيخ حسن الشرنبلالي والشهاب احمد الشوبري وسلطان المزاحي والشمس البابلي وعلي الشبراملسي والشمس محمد العناني والسري محمد بن ابراهيم الدروري والسراج عمر بن عمر الزهري المعروف بالدفري وتفقه بهم ولازم فضلاء عصره في الحديث والمعقول واخذ ايضا عن الشيخ العلامة يس بن زين الدين العليمي الحمصي والشيخ عبد المعطي البصير والشيخ حسين النماوي وابن خفاجي واجتهد وحصل واشتهر بالفضيلة والتحقيق وبرع في الفقه والحديث وأكب عليهما آخرا واشتهر بهما وشارك في النحو والاصول والمعاني والصرف والفرائض مشاركة تامة
وقصدته الفضلاء وانتفعوا به وانتهت اليه رياسة مصر
توفي سنة سبع عشرة ومائة والف ودفن عند معبد السيدة نفيسة
ومات الشيخ الامام الفقيه الفرضي الحيسوب صالح بن حسن بن احمد بن علي البهوتي الحنبلي اخذ عن اشياخ وقته وكان عمدة في مذهبه وفي المعقول والمنقول والحديث وله عدة تصانيف وحواش وتعليقات وتقييدات مفيدة متداولة بايدي الطلبة اخذ عن الشيخ منصور البهوتي الحنبلي ومحمد الخلوتي واخذ الفرائض عن الشيخ سلطان المزاحي ومحمد الدلجموني وهو من مشايخ الشيخ عبد الله الشبراوي ولازم عمه (1/121)
الشمس الخلوني واخذ الحديث عن الشيخ عامر الشبراوي وله الفية في الفقه والفية في الفرائض ونظم الكافي
توفي يوم الجمعة ثامن وعشرين ربيع الاول سنة احدى وعشرين ومائة والف
ومات الامام العلامة محمد فارس التونسي من ذرية سيدي حسن الششتري الاندلسي وهو والد الشيخ محمد ابن محمد فارس من اكابر الصوفية كان يحفظ غالب ديوان جده اقام بدمياط مدة ثم رجع إلى مصر ومات بها سنة اربع عشرة ومائة والف
ومات الامام العلامة الشيخ ابو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف ابن احمد بن علوان الزرقاني المالكي خاتمة المحدثين مع كمال المشاركة وفصاحة العبارة في باقي العلوم ولد بمصر سنة خمس وخمسين والف واخذ عن النور الشبراملسي وعن حافظ العصر البابلي وعن والده وحدث عنه العلامة السيد محمد بن محمد ابن محمد الاندلسي وعبد الله الشبراوي والملوي والجوهري والسيد زين الدين عبد الحي ابن زين العابدين بن الحسن البهنسي وعمر بن يحيى بن مصطفى المالكي والبدر البرهاني وله المؤلفات النافعة كشرح الموطأ وشرح المواهب واختصر المقاصد الحسنة للسخاوي ثم اختصر هذا المختصر في نحو كراسين باشارة والده وعم نفعها وكان معيدا لدروس الشبراملسي وكان يعتني بشأنه كثيرا وكان اذا غاب يسأل عنه ولا يفتتح درسه الا اذا حضر مع انه اصغر الطلبة فكان محسودا لذلك في جماعته وكان الشيخ يعتذر عن ذلك ويقول ان النبي صلى الله عليه و سلم اوصاني به
توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة والف
ومات الشيخ رضوان امام الجامع الازهر في غرة رمضان سنة خمس عشرة ومائة والف
ومات الشيخ المجذوب احمد ابو شوشة خفير باب زويلة وكانت (1/122)
كراماته ظاهرة وكان يضضع في فمه نحو المائة ابرة ويأكل ويشرب وهي في فمه لا تعوقه عن الاكل والشرب والكلام مات في يوم الثلاثاء سابع عشري جمادي الآخرة سنة خمس عشرة ومائة والف
ومات السند العمدة الشيخ حسن ابو البقاء بن علي ابن يحيى بن عمر العجمي المكي الحنفي صاحب الفنون ولد سنة تسع واربعين والف كما وجدته بخط والده بمكة وبها نشأ وحفظ القرآن وعدة متون واخذ عن الشيخ زين العابدين الطبري وعلي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير والسيد محمد صادق وحنيف الدين المرشدي والشمس البابلي وبالمدينة علي القشاشي ولبس منه الخرقة واخذ عن جمع من الوافدين كعيسى الجعفري ومحمد بن محمد العيثاوي الدمشقي وعبد القادر بن احمد الفضي الغزي وعبد الله بن ابي العياشي واجازه جل شيوخه وكتب اليه بالاجازة غالب مشايخ الاقطار كالشيخ احمد العجلي وهو من المعمرين والشيخ علي الشبراملسي وعبد القادر الصفوري الدمشقي والسيد محمد بن كمال الدين بن حمزة الدمشقي والشيخ عبد القادر الفاسي واعتنى باسانيد الشيوخ بالحرم وافاد وانتفع به جماعة من الاعلام كالشيخ عبد الخالق الزجاجي الحنفي المكي واحمد بن محمد بن علي المدرس المدني وتاج الدين الدهان الحنفي المكي ومحمد بن الطيب بن محمد الفاسي والشيخ مصطفى بن فتح الله الحموي توفي ظهر يوم الجمعة ثالث شوال سنة ثلاث عشرة ومائة والف بالطائف ودفن بالقرب من ابن عباس
ومات السيد عبد الله الامام العلامة الشيخ احمد المرحومي الشافعي وذلك سنة اثنتي عشرة ومائة والف
ومات الاستاذ المعظم والملاذ المفخم صاحب النفحات والاشارات الشيخ يوسف بن عبد الوهاب ابو الارشاد الوفائي وهو الرابع عشر من خلفائهم تولى النجادة يوم وفاة والده في ثاني رجب سنة ثمان وتسعين والف (1/123)
وسار سيرا حسنا بكرم نفس وحشمة زائدة ومعروف وديانة الى ان توفي في حادي عشر المحرم سنة ثلاث عشرة ومائة والف ودفن بحوطة اسلافه رضي الله عنهم
ومات الفقيه محمد بن سالم الحضرمي العوفي اخذ عن سليمان بن احمد النجار وعنه محمد بن عبد الرحمن بن محمد العيدروس توفي بالهند سنة احدى عشرة ومائة والف
ومات الامام العلامة المفيد الشيخ احمد بن محمد المنفلوطي الاصل القاهري الازهري المعروف بابن الفقي الشافعي ولد سنة اربع وستين والف واخذ القراءات عن الشمس البقري والعربية عن الشهاب السندوبي وبه تفقه والشهاب البشبيشي ولازمه السنين العديدة في علوم شتى وكذا اخذ عن النور الشبراملسي وحضر دروس الشهاب المرحومي وكان اماما عالما بارعا ذكيا حلو التقرير رقيق العبارة جيد الحافظة يقرر العلوم الدقيقة بدون مطالعة مع طلاقة الوجه والبشاشة وطرح التكلف ومن تآليفه حاشية علي الاشموني لم تكمل واخرى على شرح ابي شجاع للخطيب ورسالة في بيان السنن والهيئات هل هي داخلة في الماهية او خارجة عنها واخرى في اشراط الساعة وشرح البدور السافرة ومات قبل تبييضه فاختلسه بعض الناس وبيضة ونسبه لنفسه وكتمه
توفي فجأة قيل مسموما صبيحة يوم الاثنين سابع عشري شوال سنة ثمان عشرة ومائة والف
ومات الامام العالم العلامة الشيخ محمد النشرتي المالكي وهو كان وصيا على المرحوم الشيخ الوالد بعد موت الجد توفي يوم الاحد بعد الظهر واخر دفنه الى صبيحة يوم الاثنين وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل وحضر جنازته الصناجق والامراء والاعيان وكان يوما مشهودا وذلك سنة عشرين ومائة والف
ومات السيد ابو عبد الله احمد بن عبد الرحمن بن احمد بن محمد بن (1/124)
محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن احمد بن علي بن محمد بن احمد ابن الفقيه المقدم ولد بتريم واخذ عن احمد بن عمر البيتي والفقيه عبد الرحمن بن علو بلفقيه وابي بكر بن عبد الرحمن ابن شهاب العيدروس والقاضي احمد بن الحسين بلفقيه واحمد بن عمر عبديد وغيرهم واجازوه وتميز في العلوم وتمهر ودرس وصنفذ في الفقه والفرائض وممن روى عنه شيخ وجعفر وزين العابدين اولاد مصطفى بن زين العابدين بن العيدروس ومصطفى بن شيخ بن مصطفى العيدروس وغيرهم توفي بالشحر سنة ثمان عشرة ومائة والف
ومات الاديب الاريب الشيخ احمد الدلنجاوي شاعر وقته له ديوان في مجلد
ومات الشيخ العلامة المفيد سليمان الجنزوري الازهري توفي سنة اربع وعشرين ومائة والف
ومات الامام المحدث الاخباري مصطفى بن فتح الله الحموي الحنفي المكي اخذ عن العجمي والبابلي والنخلي والثعالبي والبصري والشبراملسي والمزاحي ومحمد الشلبي وابراهيم الكوراني وشاهين الارمناوي والشهاب احمد البشبيشي واكثر عن الشاميين وله رحلة الى اليمن توسع فيها في الاخذ عن اهلها والف كتابا في وفيات الاعيان سماه فوائد الارتحال ونتايج السفر في اخبار اهل القرن الحادي عشر توفي سنة اربع وعشرين ومائة والف حدث عنه السيد عمر بن عقيل العلوي
ومات السيد السند صاحب الكرامات والإشارات السيد عبد الرحمن السقاف باعلوى نزيل المدينة
قال الشيخ العيدروس في ذيل المشرع ولد بالديار الحضرمية ورحل الى الهند فأخذ بها الطريقة النقشبندية عن الاكابر العارفين واشتغل بها حتى لاحت عليه انوارها وورد الحرمين فقطن بالمدينة المنورة وبها تزوج الشريفة العلوية العيدروسية من ذرية (1/125)
السيد عبد الله صاحب الرهط وممن اخذ عليه بها الطريقة الشيخ محمد حياة السندي باشارة بعض الصالحين وكان المترجم يخبر عن نفسه انه لم يبق بيني وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم حجاب وانه لم يعط الطريقة النقشبندرية لاحد الا باذن من رسول الله صلى الله عليه و سلم وانه اعطى سيف ابي بكر بن العيدروس الاكبر الذي يشير اليه بقوله ... وسيفي في غمده ... لدفع الشدائد معدود ... وقوله ... بسيفي يلاقي المهند ... وقائع تشيب الولود ...
ولم يزل على طريقة حميدة حتى توفي بها سنة اربع وعشرين ومائة والف
ومات الامام الهمام عمدة المسلمين والاسلام الشيخ عبد ربه بن احمد الديوي الضرير الشافعي احد العلماء مصابيح الاسلام ولد ببلده ونشأ بها ثم ارتحل الى دمياط وجاور بالمدرسة المتبولية فحفظ القرآن وعدة متون منها البهجة الوردية واشتغل هناك على افاضلها كالشمس ابن ابي النور ولازمه في الفنون وتفقه به وقرأ عليه القرآن بالروايات واخذ عنه الطريق وتهذب به ثم ارتحل الى القاهرة فحضر عند الشهاب البشبيشي قليلا ثم لازم الشمس الشرنبابلي في فنون الى ان توجه الى الحج فأمره بالجلوس موضعه والتقييد بجماعته فتصدى لذلك وعم النفع وبرعت طلبته وقصدته الفضلاء من الآفاق وكان اماما فاضلا فقيها نحويا فرضيا حيسوبا عروضيا نحريرا ماهرا كثير الاستحضار غريب الحافظة صافي السريرة مشتغل الباطن بالله جميل الظاهر بالعلم توفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخرة ودفن يوم الاحد بعد الصلاة عليه بالازهر بمشهد حافل عظيم اجتمع فيه الخاص والعام وذلك سنة ست وعشرين ومائة والف (1/126)
ومات الشيخ الامام والعمدة الهمام عبد الباقي القليوبي سنة ثلاث وعشرين ومائة والف
ومات الشيخ العلامة ابو المواهب محمد بن الشيخ تقي الدين عبد الباقي ابن عبد القادر الحنبلي البعلي الدمشقي مفتي السادة الحنابلة بدمشق ولد بها واخذ عن والده وعمن شاركه ثم رحل الى مصر وقرأ بالروايات على مقرئها الشيخ البقري والفقه على الشيخ محمد البهوتي الخلوتي والحديث على الشمس البابلي والفنون على المزاحي والشبراملسي والعناني توفي في شوال سنة ست وعشرين ومائة والف عن ثلاث وثمانين سنة حدث عنه الشيخ ابو العباس احمد بن علي بن عمر الدمشقي كتابه وهو عال والشيخ محمد ابن احمد الحنبلي والسيد مصطفى بن كمال الدين الصديقي وغيرهم
ومات الامام العلامة المحقق المعمر الشيخ سليمان بن احمد بن خضر الخربتاوي البرهاني المالكي وهو والد الشيخ داود الخربتاوي الآتي ذكر ترجمته توفي سنة خمس وعشرين ومائة والف عن مائة وست عشرة سنة
ومات الشيخ الامام العالم العلامة الشيخ احمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي شارح الرسالة وغيرها ولد ببلدة نفرة ونشأ بها ثم حضر الى القاهرة فتفقه في مبادىء امره بالشهاب اللقاني ثم لازم العلامة عبد الباقي الزرقاني والشمس محمد بن عبد الله الخرشي وتفقه بهما واخذ الحديث عنهما ولازم الشيخ عبد المعطي البصير واخذ العربية والمعقول عن الشيخ منصور الطوخي والشهاب البشبيشي واجتهد وتصدر وانتهت اليه الرياسة في مذهبه مع كمال المعرفة والاتقان للعلوم العقلية لا سيما النحو واخذ الاعيان وانتفعوا به ومن مؤلفاته شرح الرسالة وشرح النورية وشرح الآجرومية توفي سنة خمس وعشرين ومائة والف عن اثنتين وثمانين سنة (1/127)
ومات الإمام العلامة الشهير الشيخ ابو العباس احمد بن محمد بن عطية ابن عامر بن نوار بن ابي الخير الموساوي الشهير بالخليفي الضرير اصله من الشرق وقدم جده ابو الخير وكان صالحا معتقدا واقام بمنية موسى من اعمال المنوفية فحصل له بها الاقبال ورزق الذرية الصالحة واستمروا بها وولد الشيخ بها ونشأ بها وحفظ القرآن ثم ارتحل الى القاهرة واشتغل بالعلوم على فضلاء عصره فتفقه على الشمس العناني والشيخ منصور الطوخي وهو الذي سماه بالخليفي لما ثقل عليه نسبة الموسوي فسأله عن اشهر اهل بلده فقال اشهرها من اولياء الله تعالى سيدي عثمان الخليفي فنسبه اليه ولازم الشهاب البشبيشي واخذ عنه فنونا وحضر دروس الشهاب السندوبي والشمس الشرنبابلي وغيرهما واجازه الشيخ العجمي واجتهد وبرع وحصل واتقن وتفنن وكان محدثا فقيها اصوليا نحويا بيانيا متكلما عروضيا منطقيا آية في الذكاء وحسن التعبير مع البشاشة وسعة الصدر وعدم الملل والسآمة وحلاوة المنطق وعذوبة الالفاظ انتفع به كثير من المشايخ
توفي في عصر يوم الاربعاء خامس عشر صفر ودفن صبيحة يوم الخميس سادس عشره بالمجاورين سنة سبع وعشرين ومائة والف عن ستة وستين سنة
ومات الامام العمدة الفهامة الشيخ احمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي توفي فجأة بعد صلاة العشاء ليلة الاحد سادس عشر المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف
ومات في تلك السنة ايضا الشيخ العلامة احمد الشرفي المغربي المالكي
ومات الشيخ العلامة شيخ الجامع الازهر الشيخ محمد شنن المالكي وكان مليئا متمول اغنى اهل زمانه بين اقرانه وجعل الشيخ محمد الجداوي وصيا على ولده سيدي موسى فلما بلغ رشده سلمه ماله فكان من صنف الذهب البندقي اربعون الفا خلاف الجنزرلي والطرلي وانواع الفضة (1/128)
والاملاك والضياع والوظائف والجماكي والرزق والاطيان وغير ذلك بدده جمعية ولده موسى وبنى له دارا عظيمة بشاطيء النيل ببولاق انفق عليها اموالا عظيمة ولم يزل حتى مات مديونا في سنة اثنتين وتسعين ومائة والف وترك ولدا مات بعده بقليل وكان للمترجم مماليك وعبيد وجوار ومن مماليكه احمد بك شنن الآتي ذكره توفي المترجم سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف عن سبع وسبعين سنة
ومات العمدة العالم الشيخ احمد الوسيمي توفي سنة احدى وثلاثين ومائة والف
ومات الجناب المكرم السيد حسن افندي نقيب السادة الاشراف وكانت لابيه وجده وعمه من قبله وبموته انقرضت دولتهم
واقيم في منصب النقابة عوضه السيد مصطفى بن سيدي احمد الرفاعي قائمقام الى حين ورود الامر توفي يوم الجمعة تاسع عشر رجب سنة احدى وعشرين ومائة والف ثم ورد في شهر جمادى سنة اثنتين وعشرين ومائة والف السيد عبد القادر نقيبا ونزل ببولاق بمنزل احمد جاويش الخشاب وهو اذ ذاك باشجاويش الاشراف وبات هناك فوجد في صبحها مذبوحا في فراشه وحبس باشجاويش بسبب ذلك بالقلعة ولم يظهر قاتله وتقلد النقابة محمد كتخدا عزبان سابقا لامتناع السيد مصطفى الرفاعي عن ذلك ووافى تاريخه ذبح عبد القادر
ومات العلامة الفقيه المحدث الشيخ منصور بن علي بن زين العابدين المنوفي البصير الشافعي ولد بمنف ونشأ بها يتيما في حجر والدته وكان بارا بها فكانت تدعو له فحفظ القرآن وعدة متون ثم ارتحل الى القاهرة وجاور بالازهر وتفقه بالشهابين البشبيشي والسندوبي والشمس الشرنبابلي والزين منصور الطوخي ولازم النور الشبراملسي في العلوم واخذ عنه الحديث وجد واجتهد وتفنن وبرع في العلوم العقلية والنقلية (1/129)
وكان اليه المنتهى في الحذق والذكاء وقوة الاستحضار لدقائق العلوم سريع الادراك لعويصات المسائل على وجه الحق نظم الموجهات وشرحها وانتفع به الفضلاء وتخرج به النبلاء وافتخرت بالاخذ عنه الابناء على الآباء
توفي حادي عشرين جمادى الاولى سنة خمس وثلاثين ومائة والف وقد جاوز التسعين
ومات الإمام العلامة شيخ الشيوخ الشيخ محمد الصغير المغربي سلخ رجب سنة ثمان وثلاثين ومائة والف
ومات الاجل الفاضل العمدة العلامة رضوان افندي الفلكي صاحب الزيج الرضواني الذي حرره على طريق الدر اليتيم لابن المجدي على اصول الرصد الجديد السمرقندي وصاحب كتاب اسنى المواهب وغير ذلك تآليف وحسابيات وتحقيقات لا يمكن ضبطها لكثرتها وكتب بخطه ما ينوف عن حمل بعير مسودات وجداول حسابيات وغير ذلك وكان بسكن بولاق منجمعا عن خلطة الناس مقبلا على شأنه وكان في ايامه حسن افندي الروزنامجي وله رغبة ومحبة في الفن فالتمس منه بعض آلات وكرات فاحضر الصناع وسبك عدة كرات من النحاس الاصفر ونقش عليها الكواكب المرصوده وصورها ودوائر العروض والميول وكتب عليهما طلاها بالذهب وصرف عليها اموالا كثيرة وذلك في سنة اثنتي عشرة او ثلاث عشرة ومائة والف
واشتغل عليه الجمالي يوسف مملوك حسن افندي المذكور وكلارجيه وتفرغ لذلك حتى انجب وتمهر وصار من المحققين في الفن واشتهر فضله في حياة شيخه وبعده والف كتابا عظيما في المنحرفات جمع فيه ما تفرق من تحقيقات المتقدمين واظهر ما في مكنون دقائق الاوضاع والرسومات والاشكال من القوة الى الفعل وهو كتاب حافل نافع نادر الوجود وله غير ذلك كثير ومن تآليف رضوان افندي المترجم النتيجة الكبرى والصغرى وهما مشهورتان متداولتان (1/130)
بايدي الطلبة بآفاق الارض وطراز الدرر في رؤية الاهلة والعمل بالقمر وغير ذلك
توفي يوم السبت ثالث عشري جمادي الاولى سنة اثنتين وعشرين ومائة والف
ومات الشيخ الصالح قطب الوقت المشهور بالكرامات معتقد ارباب الولايات الشيخ عبد الله النكاري الشافعي الشهير بالشرقاوي من قرية بالشرقية يقال لها النكارية اخذ عن الشيخ عبد القادر المغربي وكان يحكى عنه كرامات غريبة واحوال عجيبة
وممن كان يعتقده الشيخ الحفني والشيخ عيسى البراوي والشيخ علي الصعيدي وقد خص كل واحد باشارة نالها كما قال له وشملتهم بركته وانه تولى القبطانية وكان بينه وبين الشيخ محمد كشك مودة ومؤاخاة
توفي سنة اربع وعشرين ومائة والف
ومات الشيخ العمدة المنتقد الفاضل الشاعر البليغ الصالح العفيف حسن البدري الحجازي الازهري وكان عالما فصيحا مفوها متكلما منتقدا على اهل عصره وابناء مصره سمعت من الشيخ الوالد قال رايته ملازما لقراءة الكتب الستة تحت الدكة القديمة منجمعا عن خلطة الناس معتكفا على شأنه قانعا بحاله وله في الشعر طريقة بديعة وسليقة منيعة على غيره رفيعة وقلما تجد في نظمه حشوا او تكلمه
وله ارجوزة في التصوف نحو الف وحمسمائة بيت على طريق الصادح والباغم ضمنها أمثالا ونوادر وححكايات وديوان على حروف المعجم سماه باسمين تنبيه الافكار للنافع والضار واجماع الاياس من الوثوق بالناس شرح فيه حقيقة شرار الخليفة من الناس المنحرفة طباعهم عن طريقة قويم القياس استشهدت بكثير من كلامه في هذا المجموع بحسب المناسبة وفي بعض الوقائع والتراجم وله مزدوجة سماها الدرة السنية في الاشكال المنطقية ونظم رسالة الوضع للعلامة العضد ونظم لقطة العجلان في تعريف النقيضين والضدين والخلافين (1/131)
والمثلين وفي حكم المضارع صحيحا كان او معتلا ورموز الجامع الضغير وختم ديوانه باراجيز بديعة ضمنها نصايح ونوادر وامثالا واستغاثات وتوسلات للقبول موصلات
ومن كلامه في قافية الباء ... كن جار كلب وجار الشرة اجتنب ... ولو أخالك من ام يرى وأب ... وجانب الدار ان ضاقت مرافقها ... والمرأة السوء لو معروفة النسب ... ومركبا شرس الاخلاق لا سيما ... ان كان ذا قصر او ابتر الذنب ...
وله غير ذلك كثير اقتصرنا منه على هذا البعض
توفي سنة احدى وثلاثين ومائة والف رحمه الله
ومات الشيخ الامام خاتمة المحدثين الشيخ عبد الله بن سالم بن عيسى البصري منشئا المكي مولدا الشافعي مذهبا ولد يوم الاربعاء رابع شعبان سنة ثمان واربعين ومائة والف كما ذكره الحموي وحفظ القرآن واخذ عن علي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير وعيسى الجعفري ومحمد بن محمد بن سليمان والشمس البابلي والشهاب البشبيشي ويحيى الشاوي وعلي بن عبد القادر الطبري والشمس محمد الشرنبابلي والبرهان ابراهيم ابن حسن الكوراني ومحدث الشام محمد بن علي الكاملي ولبس الخرقة من يد السيد عبد الرحمن الادريسي والمسلسل بالاولية عن الشهاب احمد ابن محمد بن عبد الغني الدمياطي
وتوفي يوم الاثنين رابع رجب سنة اربع وثلاثين ومائة والف عن اربع وثمانين سنة ودفن بالمعلاة بمقام الولي سيدي عمر العرابي قدس سره
حدث عنه شيوخ العصر ابن اخته السيد العلامة عمر ابن احمد بن عقيل العلوي والشهاب احمد الملوي والجوهري وعلاء الدين بن عبد الباقي المزجاجي الزبيدي والسيد عبد الرحمن بن السيد عبد الرحمن بن السيد اسلم الحسيني والشبراوي والشيخ الوالد حسن الجبرتي وعندي سنده واجارته له بخطة والسيد المجدد محمد بن اسمعيل الصنعاني المعروف بابن الامير ذي الشرفين كتابة من صنعاء والسيد (1/132)
العلامة حسن بن عبد الرحمن باعيديد العلوي كتابة من المخنا والشيخ المعمر صبغة الله بن الهداد الحنفي كتابة من خير آباد ومحمد بن حسن ابن همان الدمشقي كتابة من القسطنطينية والشهاب بن احمد بن عمر بن علي الحنفي كتابة من دمشق كلهم عنه وحدث عنه ايضا شيوخ المشايخ الشيخ المعمر محمد بن حيوة السندي نزيل المدينة المنورة والشيخ محمد طاهر الكوراني والشيخ محمد ابن احمد بن سعيد المكي والشيخ العلامة اسمعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني العجلوني الدمشقي والشيخ عيد بن علي النمرسي الشافعي والشيخ عبد الوهاب الطندتائي والشيخ احمد باعنتر نزيل الطائف والشهاب احمد بن مصطفى بن احمد الاسكندرية وغيرهم كذا في المربي الكايلي فيمن روى عن البابلي
ومات الرجل الصالح المجذوب الصاحى احد صلحاء فقراء السادة الإحمدية بدمياط الشيخ ربيع الشبيال كان صالحا ورعا ناسكا حافظا لأوقاته ورعا ناسكا حافظا لا وقاته مداوما على الصلوات والعبادات والاذكار دائم الاقبال على الله لا يرى الا في طاعة اذا احرم في الصلاة يصفر لونه وتأخذه رعدة فإذا نطق بالتكبير يخيل لك بان كبده قد تمزق وكان يتكسب بحمل الامتعة للناس بالاجرة مع صرفه جميع جوارحه واعضائه لما خلق لاجله
توفي سنة احدى وعشرين ومائة والف
ومات الشيخ المقري الصوفي محمد ابن سلامة بن عبد الجواد الشافعي ابن العارف بالله تعالى الشيخ نور الدين ساكن الصخرية من اعمال فارسكور فارسكور الصخري الدمياطي المعروف بابي السعود بن ابي النور استاذ من جمع بين طريقي اهل الباطن والظاهر من اهل عصره ولد بدمياط ونشأ بها بين صلحائها وفضلائها فحفظ القرآن واشتغل بالعلوم فتفقه بالشيخ حلال الدين الفارسكوري وتلقى المنهج تسع مرات في تسع سنين عن العلامة مصطفى التلباني واخذ الطريق عن جمع من اكمل العارفين ثم ارتحل الى (1/133)
القاهرة فلازم الضياء المزاحي فتفقه به واخذ عنه فنونا وقرأ القارءات السبع والعشر عليه واخذ عن العلامة يس الحمصي فنونا واجتهد ودأب واتقن والف في القراءات وغيرها وعم النفع به واخذ عنه جمع من الافاضل
توفي سنة سبع عشرة ومائة والف
ومات احد الائمة المشاهير الإمام العلامة شهاب الدين احمد بن محمد النخلي الشافعي المكي ولد بمكة وبها نشأ واخذ عن علي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير وعيسى الثعالبي ومحمد بن سليمان والشمس البابلي وسليمان بن احمد الضيلي القرشي والسيد عبد الكريم الكوراني الحسيني والشمس الميداني والشهاب احمد المفلجي الوفائي والشيخ شرف الدين موسى الدمشقي والشيخ ابراهيم الحلبي الصابوتي والشيخ عبد الرحمن العمادي ومحمد بن علان البكري والصفي القشاشي والشيخ خير الدين الرملى وابى الحسن البازوري
توفي بمكة سنة ثلاثين ومائة والف عن تسعين سنة
روى عنه السيد عمر بن احمد والسيد عبد الرحمن ابن اسلم الحسيني والسيد عبد الله بن ابراهيم بن حسن الحنفي والشهاب احمد بن عمر بن علي الدمشقي والملوي والجوهري والشبراوي والحنفي وحسن الجبرتي والسيد سليمان بن يحيى بن عمر الزبيدي والسيد عبد الله ابن علي الغرابي واسمعيل بن عبد الله الاسكداري والشهاب احمد بن مصطفى الصباغ
ومات الشيخ الامام ابو العز محمد بن شهاب احمد بن احمد بن محمد ابن العجمي الوفائي القاهري خاتمة المسندين بمصر سمع على الشمس البابلي المسلسل بالاولية وثلاثيات البخاري وجملة من الصحيح والجامع الصغير وغير ذلك وذلك بعد عوده من مكة المشرفة كما رأيت ذلك بخط والده الشهاب في نص اجازته لنادرة العصر محمد بن سليمان المغربي
حدث عنه العلامة محمد بن احمد بن حجازي العشماوي والشيخ احمد بن (1/134)
الحسن الخالدي وابو العباس الملوي وابو علي المنطاوي وولده المعمر ابو العز احمد
ومات ابو عبد الله العلامة محمد بن علي الكاملي الدمشقي الشافعي الواعظ انتهى اليه الوعظ بدمشق وكان فصيحا روى عن الشبراملسي وعبد العزيز بن محمد الزمزمي والمزاحي والبابلي والقشاشي وخير الدين الرملي
توفي في خامس عشر ذي القعدة سنة احدى وثلاثين ومائة والف عن سبع وقيل عن تسع وثمانين روى عنه ابو العباس احمد بن علي بن عمر العدوى وهو عال والشيخ محمد بن احمد الحنبلي
ومات العلامة صاحب الفنون ابو الحسن بن عبد الهادي السندي الاثري شارح المسند والكتب الستة وشارح الهداية ولد بالسند وبها نشأ وارتجل الى الحرمين فسمع الحديث على البابلي وغيره من الواردين
وتوفي بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة والف
ومات الاجل العمدة بقية السلف الشيخ عبدالعظيم بن شرف الدين بن زين العابدين بن محيي الدين بن ولي الدين ابي زرعة احمد بن يوسف بن زكريا بن محمد بن احمد بن زكريا الانصاري الشافعي الازهري من بيت العلم والرياسة جده زكريا شيخ الاسلام عمر فوق المائة وولده يوسف الجمال روى عن أبيه والحافظ السخاوي والسيوطي والقلقشندي وحفيده محيي الدين روى عن جده وحفيده شرف الدين والد المترجم روى عن ابيه وعنه الائمة ابو حامد البديري وغيره نشأ المترجم في عفاف وتقوى وصلاح معظما عند الاكابر وكان كثير الاجتماع بالشيخ احمد بن عبد المنعم البكري ومن الملازمين له على طريقة صالحة وتجارة رابحة حتى مات سنة ست وثلاثين ومائة والف وصلى عليه بالازهر ودفن عند آبائه
ومات الشيخ العلامة حسن بن حسن بن عمار الشرنبلالي الحنفي ابو محفوظ حفيد ابي الاخلاص شيخ الجماعة ووالد الشيخ عبد الرحمن الآتي (1/135)
ترجمته في محله كان فقيها فاضلا محققا ذا تؤدة في البحث عارفا بالاصول والفروع
توفي سنة تسع وثلاثين ومائة والف
ومات العمدة الفاضل السيد محمد النبتيتي السقاف باعلوي وهو والد السيد جعفر الآتي ذكره احد السادة الافراد أعجوبة زمانه ولد باليمن ودخل الحرمين وبها أخذ عن السيد عبد الله باحسين السقاف وكان يأخذه الحال فيطعن نفسه بالسلاح فلا يؤثر فيه وكان يلبس الثياب الفاخرة ويتزيا بزي اشراف مكة
توفي بمكة سنة خمس وعشرين ومائة والف
ومات الاجل الاوحد السيد سالم بن عبد الله بن شيخ بن عمر بن شيخ ابن عبد الله بن عبد الرحمن السقاف ولد بجدة سنة احدى وثلاثين والف تقريبا ثم رحل به والده الى المدينة وبها حفظ القرآن وغيره ثم الى مكة وبها سكن واشتغل على علي بن الجمال وعلى محمد بن أبي بكر الشلبي في سنة اثنتين وسبعين وألف الى وقت تأليف الكتاب وجد في تحصيل المكارم والفضائل حتى بلغ الغايات ولبس الخرقة عن والده وعن المحبوب ولازمه وصحبه مدة وله نظم حسن
توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة والف
ومات الحسيب النسيب السيد محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن شيخ بن عبدالله بن شيخ العيدروس ولد بتريم وبها نشأ وأخذ عن السيد عبد الله بافقيه وعن والده وعنه أخذ السيد شيخ العيدروس وغيره
توفي ثامن عشر شوال سنة احدى وثلاثين ومائة وألف
ومات الشيخ الامام العالم العلامة محمد بن عبد الرحمن المغربي ناظم كتاب الشفا والمنظومة المسماة درة التيجان ولقطة اللؤلؤ والمرجان
توفي سنة احدى واربعين ومائة والف
ومات الإمام العلامة والنحرير الفهامة الشيخ علي العقدي الحنفي ولد سنة سبع وخمسين والف أدرك الشمس البابلي وشملته اجازته وأخذ الفقه عن السيد الحموي وشاهين الارمناوي وعثمان النحراوي والمعقول (1/136)
عن الشيخ سلطان المزاحي وعلي الشبراملسي ومحمد الحبار وعبد القادر الصفوري ولازم عمه العلامة عيسى بن علي العقدي وتفقه به وبالبرهان الوسيمي والشرف يحيى الشهاوي وعبد الحي الشرنبلالي ولازمه في الحديث والعلوم العقلية أكابر عصره كالشهاب احمد بن عبد اللطيف اليشبيشي والشمس محمد بن محمد الشرنبابلي والشهاب احمد بن علي السندوبي وأخذ عنه الشمائل وغيرها واجتهد وبرع واتقن وتفنن واشتهر بالعلم والفضائل وقصدته الطلبة من الاقطار وانتفعوا به وكان كثير التلاوة للقرآن وبالجملة فكان من حسنات الدهر ونادرة من نوادر العصر
توفي في شهر ربيع الآخر سنة اربع وثلاثين ومائة والف عن ست وسبعين سنة وأشهر
ومات الامام العلامة الشيخ محمد الحماقي الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وألف وتوفي بنخل وهو متوجه الى الحج في شهر القعدة سنة اربع وثلاثين ومائة وألف
ومات الإمام المحدث العلامة والبحر الفهامة الشيخ ابراهيم بن موسى الفيومي المالكي شيخ الجامع الازهر تفقه على الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي قرأ عليه الرسالة وشرحها وكان معيدا له فهيما وتلبس بالمشيخة بعد موت الشيخ محمد شنن ومولده سنة اثنتين وستين وألف أخذ عن الشبراملسي والزرقاني والشهاب احمد البشبيشي وغيرهم كالشيخ الغرقاوي وعلي الجزايرلي الحنفي واخذ الحديث عن يحيى الشاوي وعبد القادر الواطي وعبد الرحمن الاجهوري والشيخ ابراهيم البرماوي والشيخ محمد الشرنبابلي وآخرين وله شرح على العزية في مجلدين
توفي سنة سبع وثلاثين ومائة وألف عن خمس وسبعين سنة
ومات الجناب المكرم والملاذ المفخم محمد الدادة الشرايبي وكان انسانا كريم الاخلاق طيب الاعراق جميل السمات حسن الصفات يسعى في قضاء (1/137)
حوايج الناس ويؤاسي الفقراء ولما ثقل في المرض قسم ماله بين اولاده وبين الخواجا عبد الله بن الخواجا محمد الكبير وبين ابن احمد اخي عبد الله كما فعل الخواجا الكبير فانه قسم المال بين الدادة وبين عبد الله واخيه احمد وكان المال ستمائة كيس والمال الذي قسمه الدادة بين أولاده وبين عبد الله وابن أخيه وهم قاسم واحمد ومحمد جربجي وعبد الرحمن والطيب وهؤلاء اولاده لصلبه وعبد الله بن الخواجا الكبير وابن اخيه الذي يقال له ابن المرحوم الف واربعمائة وثمانون كيسا خلاف خان الحمزاوي وغيره من الاملاك وخلاف الرهن الذي تحت يده من البلاد وفائظها ستون كيسا والبلاد المختصة به اربعون كيسا وذلك خلاف الجامكية والوكائل والحمامات وثلاث مراكب في بحر القلزم وكل ذلك احداث الدادة واصل المال الذي استلمه الدادة في الاصل من الخواجا محمد الكبير سنة احدى عشرة ومائة والف تسعون كيسا لما عجز عن البيع والشراء ولما فعل ذلك وقسم المال بين الدادة وبين عبد الله وأخيه بالثلث غضب عبدالله وقال هو أخ لنا ثالث فقال أبو عبدالله لا يقسم المال الا مناصفة له النصف ولك ولاخيك النصف وهذا الموجود كله لسعد الدادة ومكسبه فاني لما سلمته المال كان تسعين كيسا وها هو الآن ستمائة كيس خلاف ما حدث من البلاد والحصص والرهن والاملاك
فكان كما قال وكان جاعلا لعبد الله مرتبا في كل يوم الف نصف فضة برسم الشبرقة خلاف المصروف والكساوي له ولاولاده ولعياله الى ان مات يوم السبت سادس عشر رجب سنة سبع وثلاثين ومائة والف وحضر جنازته جميع الامراء والعلماء وارباب السجاجيد والوجاقات السبعة والتجار واولاد البلد وكان مشهده عظيما حافلا بحيث ان اول المشهد داخل الى الجامع ونعشه عند العتبة الزرقاء وكان ذكيا فهيما دراكا سعيد الحركات وعلى قدر سعة حاله وكثرة ايراده ومصرفه لم يتخذ كاتبا ويكتب ويحسب لنفسه (1/138)
ومات الشيخ الامام العالم العلامة مفرد الزمان ووحيد الاوان محمد ابن محمد بن محمد الولي شهاب الدين احمد بن العلامة حسن بن العارف بالله تعالى علي بن الولي الصالح سلامة بن اولي الصالح العارف بدير بن محمد بن يوسف شمس الدين ابو حامد البديري الحسيني الشافعي الدمياطي مات جده بدير بن محمد سنة ستمائة وخمسين في وادي النسور وحفيده حسن ممن اخذ عن شيخ الاسلام زكريا الانصاري اخذ ابو حامد المترجم عن الشيخ الفقيه العلامة زين الدين السلسلي امام جامع البدري بالثغر وهو اول شيوخه قبل المجاورة ثم رحل الى الازهر فاخذ عن النور ابي الضياء علي بن محمد الشبراملسي الشافعي والشمس محمد بن داود العناني الشافعي قراءة على الثاني بالجنبلاطية خارج مصر القاهرة وامام شرف الدين بن زين العابدين بن محي الدين بن ولي الدين بن يوسف جمال الدين بن شيخ الاسلام زكريا الانصاري والمحدث المقري شمس الدين محمد بن قاسم البقري شيخ القراء والحديث بصحن الجامع الازهر والشيخ عبد المعطي الضرير المالكي وشمس الدين محمد الخرشي والشيخ عطية القهوقي المالكي والشيخ المحدث منصور بن عبد الرزاق الطوخي الشافعي امام الجامع الازهر والشيخ المحدث العلامة شهاب الدين ابي العباس احمد بن محمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي النقشبندي والمحقق شهاب الدين احمد بن عبد اللطيف البشبيشي الشافعي وحيسوب زمانه محمود بن عبد الجواد بن العلامة الشيخ عبد القادر المحلي والعلامة الشيخ سلامة الشربيني والعلامة المهندس الحيسوب الفلكي رضوان افندي ابن عبد الله نزيل بولاق ثم رحل الى الحرمين فاخذ بهما عن الامام ابي العرفان ابراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني في سنة احدى وتسعين والف والسيدة قريش واختها بنت الامام عبد القادر الطبري في سنة اثنتين وتسعين والف روى وحدث وافاد واجاد اخذ عنه الشيخ (1/139)
محمد الحنفي وبه تخرج واخوه الجمال يوسف والشيخ العارف بالله تعالى السيد مصطفى بن كمال الدين البكري وهو من اقرانه والفقيه النحوي الاصولي محمد بن يوسف الدنجيهي الشافعي والعلامة عبد الله بن ابراهيم بن محمد بن البشبيشي الشافعي الدمياطي ومصطفى بن عبد السلام المنزلي
توفي المترجم ابو حامد بالثغر سنة اربعين ومائة والف
ومات العلامة الهمام محمد بن احمد بن عمر الاسقاطي الازهري نزيل ادلب كان جل تحصيله بمصر على والده وبه تخرج وتفنن وصار له قدم راسخ وله مشايخ آخرون ازهريون وحصل بينه وبين والده نزاع في امر اوجب خروجه الى بر الشام فلما نزل ادلب تلقاه شيخ العلماء بها احمد ابن حسين الكاملي فانزله عنده واكرمه غاية الاكرام وارشد الطلبة اليه فانتفعوا به جدا ولم يزل مفيدا على اكمل الحالات حتى مات سنة تسع وثلاثين ومائة والف
ومات الشيخ العلامة الزاهد الياس بن ابراهيم الكوراني الشافعي ولد بكوران سنة احدى وثلاثين والف واخذ العلم بها عن عدة مشايخ وحج ودخل مصر والشام والقى بها عصا التسيار عاكفا على اقراء العلوم العقلية والنقلية وكان على غاية من الزهد وروى عنه شيوخ العصر كالشيخ احمد الملوي والشهاب احمد بن علي المنيني وله المؤلفات والحواشي
توفي بدمشق بمدرسة جامع العراس بعد العصر من يوم الاربعاء لاربع عشرة ليلة بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائة والف ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من قبر الشيخ نصر المقدسي رحمه الله
ومات الامام العالم العلامة المحدث ابو عبد الله محمد بن علي المعمر الكاملي الدمشقي الشافعي ولد سنة اربع واربعين والف واخذ العلم عن جماعة كثيرين وروى وحدث وانتهى اليه الوعظ بدمشق وكان فصيحا واذا عقد مجلس الوعظ تحت قبة النسر غصت اركانها الاربعة بالناس (1/140)
وكان يحضره في دروس الجامع الصغير كثير من الافاضل وتزدحم عليه الناس العوام لعذوبة تقريره روى عنه ولده عبد السلام ومحمد بن احمد الطرطوسي والشيخ ابو العباس احمد المنيني
توفي في منتصف القعدة سنة احدى وثلاثين ومائة والف
ومات الاستاذ بقية السلف الشيخ مصلح الدين بن ابي الصلاح عبد الحليم بن يحيى بن عبد الرحمن بن القطب سيدي عبد الوهاب الشعراني قدس سره جلس على سجادة ابيه وجده وكان رجلا صالحا مهيبا مجذوبا
توفي يوم الثلاثاء تاسع ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة والف ولم يعقب الا ابنته وابن عمة له وهو سيدي عبد الرحمن استخلف بعده وابن اخت له من ابراهيم جربجي باشجاويش الجاويشية جعلوا لكل منهم الثلث في الوقف وحرر الفائظ اثني عشر كيسا
ومات الاستاذ المجذوب الصاحي الشيخ احمد بن عبد الرزاق الروحي الضماطي الشناوي الجمال كان والده جمالا من اتباع المشايخ الشناوية وحفظ القرآن بالذكر والعبادة الى ان حصل له جذبة وربما اعتراه استغراق وكان من اكابر الأولياء اصحاب الكرامات
توفي في رمضان سنة اربع وعشرين ومائة والف
ومات الاستاذ العلامة احمد بن محمد بن احمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي الشهير بالبناء خاتمة من قام باعباء الطريقة النقشبندية بالديار المصرية ورئيس من قصد لرواية الاحاديث النبوية ولد بدمياط ونشأ بها وحفظ القرآن واشتغل بالعلوم على علماء عصره ثم ارتحل الى القاهرة فلازم الشيخ سلطان المزاحي والنور الشبراملسي فاخذ عنهما القراءات وتفقه بهما وسمع عليهما الحديث وعلى النور الاجهوري والشمس الشوبري والشهاب القليوبي والشمس البابلي والبرهان الميموني وجماعة آخرين واشتغل بالفنون من الدقة والتحقيق غاية قل ان يدركها (1/141)
احد من امثاله ثم ارتحل الى الحجاز فاخذ الحديث عن البرهان الكوراني ورجع الى دمياط وصنف كتابا في القراءات سماه اتحاف البشر بالقراءات الاربعة عشر ابان فيه عن سعة اطلاعه وزيادة اقتداره حتى ان الشيخ ابو النصر المنزلي يشهد بانه ادق من ابن قاسم العبادي واختصر السيرة الحلبية في مجلد والف كتابا في اشراط الساعة سماه الذخائر المهمات فيما يجب الايمان به من المسموعات وارتحل ايضا الى الحجاز وحج وذهب الى اليمن فاجتمع بسيدي احمد بن عجيل ببيت الفقيه فأخذ عنه حديث المصافحة من طريق المعمرين وتلقن منه الذكر على طريق النقشبندية وحل عليه اكسير نظره ولم يزل ملازما لخدمته الى ان بلغ مبلغ الكمال من الرجال فاجازه وامره بالرجوع الى بلده والتصدي للتسليك وتلقين الذكر فرجع واقام مرابطا بقرية قريبة من البحر المالح تسمى بعزبة البرج واشتغل بالله وتصدى للارشاد والتسليك وقصد للزيارة والتبرك والاخذ والرواية وعم النفع به لا سيما في الطريقة النقشبندية وكثرت تلامذته وظهرت بركته عليهم الى ان صاروا ائمة يقتدى بهم ويتبرك برؤيتهم
ولم يزل في اقبال على الله تعالى وازدياد من الخير الى ان ارتحل الى الديار الحجازية فحج ورجع الى المدينة المنورة فادركته المنية بعد شيل الحج بثلاثة ايام في المحرم سنة سبع عشرة ومائة والف ودفن بالبقيع مساء رحمه الله
واما من مات في هذه الاعوام من الامراء المشاهير فلنقتصر على ذكر بعض المشهورين مما يحسن ايراده في التبيين اذ الامر اعظم مما يحيط به المجيد فلنقتصر من الحلى على ما حسن بالجيد ما وصل علمه الي وثبت خبره لدي إذ ! في احوالهم متعذر والدواء من غير حمية غير متيسر ولم اخترع شيئا من تلقاء نفسي والله مطلع على امري وحدسي (1/142)
مات الامير ذو الفقار بك تابع الامير حسن بك الفقاري تولى الصنجقية وامارة الحج في يوم واحد وطلع بالحج احدى عشرة مرة وتوفي سنة اثنتين ومائة والف
ومات ابنه الامير ابراهيم بك تولى الامارة بعد ابيه وطلع اميرا على الحج سنة ثلاث ومائة والف وتحارب مع العرب تلك السنة في مضيق الشرفة فكانت معركة عظيمة وامتنع العرب من حمل غلال الحرمين فركب عليهم هو ودرويش بك وكبس عليهم آخر الليل عند الجبل الاحمر وساقوا منهم نحو الف بعير ونهب بيوتهم واحضر الجمال الى قراميدان واحضر ايضا بدنة اخرى شالوا معهم الغلال والقافلة
وولى من طرفه ابراهيم اغا الصعيدي زعيم مصر اخاف الناس وصار له سمعة وهيبة وطلع بالحج بعد ذلك ثلاث مرار في امن وامان
وتاقت نفسه للرئاسة ولا يتم له ذلك الا بملك باب مستحفظان وكان بيد القاسمية فاعمل حيلة بمعاضدة حسن اغا بلغيه واغراء علي باشا والي مصر حين ذاك فقلد رجب كتخدا مستحفظان وسليم افندي صناجق ثم عملوا دعوة على سليم بك المذكور انحط فيها الامر على حبسه وقتله
فلما راى رجب بك ذلك ذهب الى ابراهيم بك واستعفى من الامارة فقلدوه سردار جداوي وسافر من القلزم وتوفي بمكة وخلف ولدا اسمه باكير حضر الى مصر بعد ذلك ولما قتل سليم بك المذكور لا عن وارث ضبط مخلفاته الباشا لبيت المال واخذوا جميع ما في بيته الذي بالازبكية المجاور لبيت الدادة ابي القاسم الشرايبي وهو الذي اشتراه القاضي مواهب ابو مدين جربجي عزبان في سنة اربع ومائة والف
وقتلوا ايضا خليل كتخدا المعروف بالجلب وقلدوا كجك محمد باش اوده باشا وصار له كلمة وسمعة ونفى مصطفى كتخدا القازدغلي الى ارض الحجاز
وصفا الوقت لابراهيم بك وكجك محمد من طرفه في باب مستحفظان فعزم على قطع بيت القاسمية فاخرج ايواظ (1/143)
بك الى اقليم البحيرة وقاسم بك الى جهة بني سويف واحمد بك الى المنوفية
وخلا له الجو وانفرد بالكلمة في مصر وصار منزله بدرب الجماميز مفتوحا ليلا ونهارا لقضاء الحوايج مع مشاركة الامير حسن اغا بلغيه ثم انه عزم على قتل ابراهيم بك ابي شنب واتفق مع الباشا على ذلك بحجة المال والغلال التي عليه فلم يتم ذلك ولم يزل المترجم اميرا على الحج الى ان مات في فصل الشحاتين سنة سبع ومائة والف وطلع بالحج خمس مرات
ومات الامير اسمعيل بك الكبير الفقاري تابع حسن بك الفقاري وصهر حسن اغا بلغيه تولى الدفتردارية ثلاث سنين وسبعة اشهر ثم عزل وسافر أميرا على عسكر السفر إلى الروم ورجع إلى مصر واعيد إلى الدفتردارية ثانيا ولم يزل حتى مات سنة تسع عشرة ومائة والف فجأة ليلة السبت تاسع عشري المحرم وكانت جنازته حافلة وخلف ولده محمد بك تولى بعده الامارة وطلع بالحج سنة سبع وثلاثين ومائة والف
ومات الامير حسن اغا بلغيه الفقاري اغات ككللويان واصله رومي الجنس تابع محمد جاويش فياله تولى أغاوية العزب سنة خمس وثماني والف ثم عمل متفرقة باشا سنة تسع وثمانين والف ثم عزل عنها وتقلد أغات ككللويان سنة ثلاث وتسعين وألف وكان أميرا جليلا ذا دهاء ورأي وكلمة مسموعة نافذة بارض مصر صاحب سطوة وشهامة وحسن تدبير ولا يكاد يتم امر من الامور الكلية والجزئية الا بعد مراجعته ومشورته وكل من انفرد بالكلمة في مصر يكون مشاركا له وتزوج بابنه اسمعيل بك الكبير المذكور آنفا وولد له منها ابنه محمد بك الآتي ذكره الذي تولى امارة الحج في سنة وثلاثين ومائة والف ومصطفى كتخدا القازدغلي جد القازدغلية كان اصله سراجا عنده وهو الذي رقاه حتى صار الى ما صار اليه
وتفرعت عنه شجرة القازدغلية وغالب امراء مصر (1/144)
وحكامها يرجعون في النسبة الى احد البيتين وهم بيت بلغيه وبيت رضوان بك صاحب العمارة المتوفى سنة خمس وستين والف
ولم يترك اولادا بل ترك حسن بك امير الحاج المتقدم ذكره ولاجين بك حاكم الغربية وهو صاحب السويقة المنسوبة اليه واحمد بك اباظه وشعبان بك ابا سنة وقيطاس بك جركس وقانصوه بك وعلي بك الصغير وحمزة بك هؤلاء قتلوا بعده في فتنة القاسمية بالطرانة
واما امراؤه الذين يقتلوا واستمروا امراء بمصر مدة طويلة فهم محمد بك حاكم جرجا وذو الفقار بك الماحي الكبير وكان رضوان بك هذا وافر الحرمة مسموع الكلمة تولى امارة الحج عدة سنين وكان رجلا صالحا ملازما للصوم والعبادة والذكر وهو الذي عمر القصبة المعروفة به خارج باب زويلة عند بيته ووقف وقفا على عتقائه وعلى جهات بر وخيرات وكان من الفقارية
واما رضوان بك ابو الشوارب القاسمي وهو سيد ايواظ بك فظهر بعد موت رضوان بك المذكور وانفرد بالكلمة بمصر مع مشاركة قاسم بك جركس واحمد بك بشناق الذي كان بقناشر السباع وهو قاتل الفقارية بالطراثة وهو ايضا عم ابراهيم بك بشناق المعروف بابي شنب سيد محمد جركس الآتي ذكره
ومات قاسم بك هذا سنة اثنتين وسبعين والف وهو دفتردار بعد عزله من امارة الحج وانفرد بعد رضوان بك ابي الشوارب احمد بك
ثم مات رضوان بك عن ولده ازبك بك وانفرد احمد بك بشناق بامارة مصر نحو سبعة اشهر فطلع يوم عرفه يهني شيطان ابراهيم باشا بالعيد فغدره وقتلوه بالخناجر اواخر سنة اثنتين وسبعين والف ولم يزل حسن اغا بلغيه المترجم حتى توفي سنة خمس عشرة ومائة والف على فراشه وعمره نحو تسعين سنة
ولما مات حسن اغا انفرد بالكلمة بعده صهره اسمعيل بك وخضعت له الرقاب مشاركة ابراهيم بك ابي شنب بضعف
ومات الامير مصطفى كتخدا القازدغلي تابع لامير حسن اغا بلغيه اصله (1/145)
رومي الجنس حضر الى مصر وخدم عند حسن اغا المذكور ورقاه ولم يزل حتى تقلد كتخدا مستحفظان فلما حصل ما تقدم وتقلد كجك محمد باش اوده باشا بالباب خمل ذكر مصطفى كتخدا وخمدت شهرته ثم نفاه كجك محمد الى الحجاز فأقام بها سنتين إلى إن ترجى حسن أنما عند إبراهيم بك أمير الحاج وكجك محمد في رجوعه فردوه الى مصر فأقام مع كجك محمد خاملا فاغرى به رجلا سجماني كان عنده بناحية طلخا يضرب نشابا فضرب كجك محمد من شباك الجامع بالمحجر فاصابه وملك مصطفى كتخدا باب مستحفظان ذلك اليوم ونفى وقتل وفرق من يخشى طرفه وصفا له الوقت الى ان مات على فراشه سنة خمس عشرة ومائة والف
ومات كجك محمد المذكور باش اوده باشا وكان له سمعة وشهرة وحسن سياسة
ولما قصر مد النيل في سنة ست ومائة والف وشرقت البلاد وكان القمح بستين نصفا فضة الاردب فزاد سعره وبيع باثنتين وسبعين فضة نزل كجك محمد الى بولاق وجلس بالتكية واحضر الامناء ومنعهم من الزيادة عن الستين وخوفهم وحذرهم واجلس بالحملة اثنين من القابجية ويرسل حماره كل يومين او ثلاثة مع الحمار يمشي به جهة الساحل ويرجع فيظنون ان كجك محمد ببولاق فلا يمنكهم زيادة في الغلة
فلما قتل كما ذكر بيع القمح في ذلك اليوم بمائة نصف فضة ولم يزل يزيد حتى بلغ ستمائة نصف فضة
ومما اتفق له ان بعض التجار بسوق الصاغة اراد الحج فجمع ما عنده من الذهبيات والفضيات واللؤلؤ والجواهر ومصاغ حريمة ووضعه في صندوق واودعه عند صاحب له بسوق مرجوش يسمى الخواجا علي الفيومي بموجب قائمة اخذها معه مع مفتاح الصندوق وسافر الى الحجاز وجاور هناك سنة ورجع مع الحجاج وحضر إليه احبابه واصحابه للسلام عليه
وانتظر صاحبه الحاج علي الفيومي فلم يأته فسأل عنه فقيل له انه طيب بخير فأخذ شيئا من التمر واللبان والليف ووضعه في (1/146)
منديل وذهب اليه ودخل عليه ووضع بين يديه ذلك المنديل فقال له من انت فاني لا اعرفك قبل اليوم حتى تهاديني
فقال له انا فلان صاحب الصندوق الامانة فجحد معرفته وانكر ذلك بالكلية ولم يكن بينه وبينه بينة تشهد بذلك فطار عقل الجوهري وتحير في امره وضاق صدره فأخبر بعض اصحابه فقال له اذهب الى كجك محمد اوده باشه
فذهب اليه واخبره بالفضة فأمره ان يدخل الى المكان الداخل ولا يأتي اليه حتى يطلبه وارسل الى علي الفيومي
فلما حضر اليه بش في وجهه ورحب به وآنسه بالكلام الحلو ورأى في يده سبحة مرجان فأخذها من يده يقلبها ويلعب بها ثم قام كأنه يزيل ضرورة واعطاها لخادمه وقال له خذ خادم الخواجا صحبتك واترك دابته هنا عند بعض الخدم واذهب صحبة الخادم الى بيته وقف عند باب الحريم واعطهم السبحة امارة وقل لهم انه اعترف بالصندوق والامانة
كلما رأوا الامارة والخادم لم يشكوا في صحة ذلك وعندما رجع كجك محمد الى مجلسه قال للخواجا بلغني ان رجلا جواهرجي اودع عندك صندوقا امانة ثم طلبه فأنكرته
فقال لا وحياة راسك ليس له اصل وكأني اشتبهت عليه او انه خرفان وذهلان ولا اعرفه قبل ذلك ولا يعرفني
ثم سكتوا واذا بتابع الاوده والخادم داخلين بالصندوق على حمار فوضعوه بين ايديهما فامتنع وجه الفيومي واسفر لونه فطلب الاودة باشه صاحب الصندوق فحضر فقال له هذا صندوقك قال له نعم
قال له عندك قائمة بما فيه قال معي
واخرجها من جيبه مع المفتاح فتناولها الكاتب وفتحوا الصندوق وقابلوا ما فيه على موجب القائمة فوجده بالتمام
فقال له خذ متاعك واذهب
فأخذه وذهب الى داره وهو يدعو له ثم التفت الى الخواجا علي الفيومي وهو ميت في جلده ينتظر ما يفعل به فقال له صاحب الامانة اخذها وايش جلوسك فقام وهو ينفض غبار الموت وذهب (1/147)
واتفق ان احمد البغدادي اقم مدة يرصد المترجم يمر من عطفه النقيب ليضربه ويقتله الى ان صادفه فضربه بالبندقية من الشباك فلم تصبه وكسرت زاوية حجر واخبروه انها من يد البغدادلي فاعرض عن ذلك وقال الرصاص مرصود والحي ماله قاتل
وتقلد باش اوده باشه سنة خمس وثمانين والف فتحركت عليه طائفته وارادوا قتله فخرج من وجاقه الى وجاق آخر وعمل شغله في قتل كبار المتعصبين عليه وهم ذو الفقار كتخدا وشريف احمد باشجاويش باتفاق مع عابدي باشا المتولي اذ ذاك خفية فقتل الباشا الشريف احمد جاويش في يوم الخميس خامس الحجة سنة تسع وثمانين والف وهرب ذو الفقار الى طندتا فأرسلوا خلفه فرمانا خطابا لاسمعيل كاشف الغربية بقتله فركب الى طندتا وقتله وارسل دماغه وذلك بعد موت احمد جاويش بعشرة ايام ورجع كجك محمد الى مكانه كما كان واستمر مسموع الكلمة ببابه الى ان ملك الباب جربجي سليمان كتخدا مستحفظان في سنة اربع وتسعين والف
ونفى كجك محمد الى بلاد الروم ثم رجع في سنة خمس وتسعين والف بسعاية بعض اكابر البلكات بشرط ان يرجع الى لبس الضلمة ولا يقارش في شيء فاستمر خامل الذكر الى ان مات جربجي سليمان على فراشه فعند ذلك ظهر امر المترجم وعمل باش اوده باشا كما كان ولم يزل الى سنة سبع وتسعين والف فاستوحش من سليم افندي كاتب كبير مستحفظان ورجب كتخدا فانتقل الى وجاق جمليان وعمل جربجي وسافر هجان باشا ثم رجع الى بابه سنة تسع وتسعين والف كما كان بمعاضدة ابراهيم بك الفقاري واتفق معه على هلاك سليم افندي ورجب كتخدا فولوهما الصنجقية وقتلوهما كما ذكر
وكان سليم افندي المذكور قاسمي النسبة واستمر كجك محمد مسموع الكلمة نافذ الحرمة الى ان قتل غيلة كما ذكر في طريق المحجر في يوم الخميس سابع المحرم سنة ست ومائة والف (1/148)
ومات الامير عبد الله بك بشناق الدفتردار تولى الدفتردارية سنة ثلاث ومائة والف ثم عزل عنها بعد خمسة اشهر وعشرين يوما وسافر اميرا على العسكر الى الروم ورجع الى مصر وتولى قائمقام عندما عزل حسن باشا السلحدار في سنة اثنتين وذلك قبل سفره وحضر احمد باشا ثم عزل بعد ذلك المترجم من الدفتردارية واستمر اميرا الى ان مات سنة خمس عشرة ومائة والف على فراشه
ومات الامير سليمان بك الارمني المعروف ببارم ذيله تولى الصنجقية سنة اثنتين ومائة والف وكان وجيها ذا مال وخدم ومماليك وتولى كشوفيات المنوفية والغربية مرارا عديدة ولم يزل في امارته الى ان توفي على فراشه سنة احدى وعشرين ومائة والف وخلف ولدا يسمى عثمان جلبي تقلد امارة والده بعده وكان جميلا وجيها حاذقا يحب مطالعة الكتب ونشد الاشعار وتقلد كشوفية المنوفية والغربية والبحيرة وكان فارسا شجاعا ولم يزل حتى هرب مع من هرب في واقعة محمد بك قطامش سنة سبع وعشرين ومائة والف فاختفى بمصر ونهب بيته واستمر مخفيا الى ان مات بالطاعون سنة ثلاثين ومائة والف وخرجوا بمشهده جهارا ومات وعمره سبع وثلاثون سنة
ومات الامير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تأمر بعد سيده سنة عشرة ومائة والف فمكث خمس سنوات اميرا ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة ست عشرة ومائة والف
ومات قبله سيده الامير يوسف بك القرد تولى الصنجقية سنة ثلاث وسبعين والف وتولى امارة الحج ولم يزل حتى توفي سنة عشر والف
ومات الامير رمضان بك تولى الامارة سنة سبع وسبعين والف وعمل قائمقام عندما عزل احمد باشا الدفتردار وسبب ذلك انه لما ورد احمد باشا المذكور واليا على مصر في سنة ست وثمانين والف واشيع عنه بان (1/149)
قصده احداث مظالم على البيوت والدكاكين والطواحين مثل الشام ويفتش على الجوامك وغيرها فاجتمع العسكر في خامس الحجة بالرميلة وقاموا قومة واحدة وقطعوا عبد الفتاح افندي الشعراوي كاتب مقاطعة الغلال وهو نازل من الديوان
وكان قبل تاريخه ذهب الى الديار الرومية وحضر صحبته احمد باشا فاتهموه بانه هو الذي اغرى الباشا على ذلك
ولما نزل الامراء وارباب الديوان قام عليهم العسكر والعامة وقالوا لهم لا بد من نزول الباشا والا طلعنا اليه وقطعناه قطعا
فطلعوا الى الباشا فعرضوا عليه ذلك فامتنع وتكرر مراجعته والعسكر والناس يزيد اجتماعهم الى قريب العصر فلم يسعه الا النزول بالقهر عنه الى بيت حاجي باشا بالصليبة وولوا رمضان بك هذا قائمقام
فلم يزل حتى ورد عبد الرحمن باشا في سادس جمادي الآخرة من سنة سبع وثمانين والف ولم يزل المترجم اميرا حتى مرض ومات سنة ثلاث عشرة ومائة والف
ومات الامير درويش بك الفلاح تولى الامارة سنة خمس وتسعين والف ومات سنة ثمان ومائة والف
ومات الامير درويش بك جركس الفقاري وهو سيد ايوب بك تولى الامارة سنة ثمان وتسعين والف ومات سنة خمس ومائة والف
ومات الامير كتخدا عزبان البيرقدار وكان صاحب صولة وعز في بابه وكلمة وشهرة مع مشاركة محمد كتخدا البيقلي وكان المترجم شهير الذكر وبيته مفتوح وتسعى اليه الامراء والاعيان ويقضي حوائج الناس ويسعى في اشغالهم
وظهر في ايامه احمد اوده باشه القيومجي وظالم علي جاويش عزبان
مات المترجم ثالث عشري رمضان سنة سبع ومائة والف على فراشه بمنزله ناحية المظفر
ومات ايضا محمد كتخدا البيقلي في ثالث عشري رمضان سنة خمس ومائة والف بمنزله بسوق السلاح وعمره ولده بعد موته وهو يوسف كتخدا (1/150)
عزبان وكالة سنة ست عشرة ومائة والف
ومات الامير احمد جربجي عزبان المعروف بالقيومجي وسبب تسميته بالقيومجي ان سيده حسن جربجي كان اصله صائغا ويقال له باللغة التركية قيومجي فاشتهر بذلك وكان سيده في باب مستحفظان واحمد هذا عزبان وكان المشارك لاحمد جربجي في الكلمة على جاويش المعروف بظالم علي والى الى ان لبس ظالم علي كتخدا الباب سنة ثمان ومائة والف ومضى عليه نحو سبعة اشهر فانتبذ احمد جربجي وملك الباب على حين غفلة وانزل علي كتخدا الى الكشيدة فخاف على نفسه ظالم علي فالتجأ الى وجاق تفكجيان فسعى اليه جماعة منهم ومن اعيان مستحفظان وردوه الى بابه بان يكون اختياريا وضمنوه فيما يحدث منه فاستمر مع احمد كتخدا معززا الى ان مات ظالم علي على فراشه بمنزله بالجبانية الملاصق للحمام سنة خمس عشرة ومائة والف وانفرد بالكلمة احمد كتخدا ولم يزل الى ان مات على فراشه بمنزله ببولاق سنة عشرين ومائة والف وكان سخيا يضرب بكرمه المثل وكان به بعض عرج بفخذه الايسر بسبب سقطة سقطها من على الحمار وهو اوده باشا
ومات الامير الكبير المقدام ايواظ بك والد الامير اسمعيل بك واصل اسمه عوض فحرفت باعوجاج التركية الى ايواظ فان اللغة التركية ليس فيها الضاد فابدلت وحرفت بما سهل على لسانهم حتى صارت ايواظ وهو جركس الجنس قاسمي تابع مراد بك الدفتردار القاسمي الشهيد بالغزاة ومراد بك تابع ازبك بك امير الحاج سابقا ابن رضوان بك ابي الشوارب المشهور المتقدم ذكره تولى الامارة عوضا عن سيده مراد بك الشهيد بالغزاة في سنة سبع ومائة والف وفي سنة عشر ومائة والف
ورد مرسوم من الدولة خطابا لحسين باشا والي مصر اذ ذاك بالامر بالركوب على المتغلب عبد الله وافي المغربي بجهة قبلي ومن معه من العربان واجلائهم عن البلاد (1/151)
وحضرت جماعة من الملتزمين والفلاحين يشكون ويتظلمون من المذكورين فجمع حسين باشا الامراء والاغوات وامرهم بالتهيؤ للسفر صحبته فقالوا نحن نتوجه جميعا واما انت فتقيم بالقلعة لاجل تحصيل الاموال السلطانية
ثم وقع الاتفاق على اخراج تجريدة واميرها ايواظ بك وصحبته الف نفر من الوجاقات ويقرروا له على كل بلد كبيرة ثلاثة آلاف نصف فضة والصغيرة الف وخمسمائة فأجابهم الى ذلك وجعلوا لكل نفر ثلاثة آلاف فضة وللامير عشرة اكياس وخلع عليه الباشا قفطانا وخرج في يوم السبت سابع عشر جمادي الأخرة بموكب عظيم ونزل بدير الطين
فبات به واصبح متوجها الى قبلي ثم ورد منه في حادي عشر رجب يذكر كثرة الجموع ويطلب الامداد فعمل الباشا ديوانا وجمع الامراء واتفقوا على ارسال خمسة من الامراء الصناجق وهم ايوب بك امير الحاج حالا واسمعيل بك الدفتردار وابراهيم بك ابو شنب وسليمان بك قيطاس واحمد بك ياقوت زاده واغوات الاسباهية الثلاثة واتباعهم وانفارهم
فتهيأوا وسافروا ونزلوا بالجيزة واقاموا بها اياما فورد الخبر ان ايواظ بك تحارب مع العربان وهزمهم وفروا الى الوجه البحري من طريق الجبل ورجع الامراء الى مصر
وفي شوال نزلت جماعة من العربان بكرداسة فكسبهم ذو الفقار كاشف الجيزة وقتل منهم اربعة وسبعين رجلا وطلع برؤوسهم الى الديوان ثم ورد الخبر بان جمع ابي زيد بن وافي نزل بوادي الطرانة فاحتاط به قائمقام البحيرة وقتل من معه من الرجال واحتاط بالاموال والمواشي ولما بلغ بقية العربان ما حصل لابي زيد ضاقت بهم الارض ففروا الى الواحات واقاموا بها مدة حتى اخربوها واغلوها وانقطعت السيارة فالجأتهم الضرورة الى ان هبطوا في صعيد مصر بمحاجر الجعافرة بالقرب من اسنا وصحبتهم علي ابو شاهين شيخ النجمة
وحصل منهم الضرر فلما بلغ ذلك عبد الرحمن بك اغرى بهم عربان هوارة فاحتاطوا بهم (1/152)
ونهبوهم واخذوا منهم جملة كبيرة من الجمال وغيرها ففروا فتبعهم خيل هوارة الى حاجز منفلوط فتبعهم عبد الرحمن بك ومن معه من الكشاف فاثخنوهم قتلا ونهبا واخذوا منهم الفا وسبعمائة جمل باحمالها
وهرب من بقي
وما زالوا كلما هبطوا ارضا قاتلهم اهلها الى ان نزلوا الفيوم بالغرق وافترق منهم ابو شاهين بطائفة الى ولاية الجيزة فعين لهم الباشا تجريدة ذهبوا خلفهم الى الجسر الاسود فوجدوهم عدوا الى المنوفية
واما ايواظ بك فانه من حين نزوله الى الصعيد وهو يجاهد ويحارب في العربان حتى شتت شملهم وفرق جمعهم فتلقاهم عبد الرحمن بك فأذاقهم اضعاف ذلك وحضر ايواظ بك الى مصر ودخل في موكب عظيم والرؤوس محمولة معه وطلعوا الى القلعة وخلع عليه الباشا وعلى السدادرة الخلع السنية ونزلوا الى منازلهم في ابهة عظيمة وتولى كشوفية الاقاليم الثلاثة على ثلاث سنوات ورجع الى مصر
وحضر مرسوم بسفر عسكر الى البلاد الحجازية وعزل الشريف سعد وتولية الشريف عبد الله واميرها ايواظ بك فخلع عليه الباشا وشهل له جميع احتياجاته وبرز الى العادلية وصحبته السدادرة وسار برا في غير اوان الحج ولما وصل الى مكة جمع السدادرة القدم والجدد وحاربوا الشريف سعدا وهزموه وملك دار السعادة واجلس الشريف عبد الله عوضه وقتل في الحرابة رضوان اغا ولده وكان خازنداره واقام بمكة الى ايام الحج اتى اليه مرسوم بانه يكون حاكم جدة وكانت امارة جدة لامراء مصر اقام بجدة وحاز منها شيئا كثيرا
وكان الوكيل عنه بمصر يوسف جربجي الجزار عزبان ويرسل له الذخيرة وما يحتاجه من مصر
وتولى المترجم امارة الحج سنة اثنتين وعشرين وقتل في تلك السنة وذلك انه اشتدت الفتنة بين العرب والينكجرية وحضر محمد بك حاكم الصعيد معينا للينكجرية وصحبته السواد الأعظم من العسكر والعرب والمغاربة والهوارة فنزل بالبساتين ثم دخل الى مصر بجموعه نزل ببيت (1/153)
آقبراي وحارب المتترسين بجامع السلطان حسن وكان به محمد بك الصغير وهو تابع قيطاس بك مع من انضم اليه من اتباع ابراهيم بك وايواظ بك ومماليكه فكانت النصرة لمحمد بك الصغير بعد امور وحروب
وانتقل محمد بك جرجا الى جهة الصليبة ووقعت امور يطول شرحها مشهورة من قتل ونهب وخراب اماكن
وطال الامر ثم ان الامراء اجتمعوا بجامع بشتاك وحضر معهم طائفة من العلماء والاشراف واتفقوا على عزل خليل باشا واقامة قانصوه بك قائمقام وولوا مناصب واغوت ووالي
ووصل الخبر الى الباشا ومن معه فحرض الينكجرية وفيهم افرنج احمد ومحمد بك جرجا ومن معه على الحرب
ووقعت حروب عظيمة بين الفريقين عدة ايام وصار قانصوه بك يرسل بيولديات وتنابيه وارسل الى محمد بك جرجا يأمره بالتوجه الى ولايته ويجتهد في تحصيل المال والغلال السلطانية فعندما وصل اليه البيورلدي قام وقعد واحتد واشتد بينهم الجلاد والقتال
واجتمع الامراء والصناجق والاغوات عند قائمقام ورتبوا امورهم وذهبت طائفة لمحاربة منزل ايوب بك الى ان ملكوه بعد وقائع ونهبوه وخرج ايوب بك هاربا وكذلك منزل احمد اغا التفكجية بعد قتله
وخرج ايضا محمد اغا الشاطر وعلي جلبي الترجمان وعبد الله الوالي ولحقوا بأيوب بك وفروا الى جهة الشام وخرج محمد بك الكبير الى جهة قبلي وانتهبت جميع بيوت الخارجين وبيت محمد بك الكبير واحمد جربجي القنيلي واحرقوا بيت ايوب بك وما لاصقه من البيوت والحوانيت والرباع
وفي اثناء ذلك خروج من ذكر ايام اشتداد الحرب خرج محمد بك بمن معه الى جهة قصر العيني فوصل الخبر الى ايواظ بك فركب مع من معه ورفع القواس المزراق امام الصنجق فانشبك في سكفة الباب وانكسر فقالوا للصنجق كسر المزراق
قال وتطيروا من ذلك
فقال لعل بموتي ينصلح الحال
وطلب مزراقا آخر وسار الى جهة القبر الطويل فظهر (1/154)
محمد بك والهوارة فتحاربوا معهم فانهزم رجال محمد بك وفر هو ومن معه الى السواق فطمع فيهم ايواظ بك ورمح خلفهم وكان محمد بك اجلس جماعة سجمانية على السواقي لمنع من يطرد خلفهم عند الانهزام فرموا عليهم رصاصا فأصيب ايواظ بك وسقط من على جواده
وحصل بعد ذلك ما حصل من الحروب ونصرة القاسمية والعزب وهروب المذكورين وعزل الباشا ودفن ايواظ بك بتربة ابي الشوارب وكان اميرا خيرا شهما حزن عليه كثير من الناس
وخلف ولده السعيد البشهيد اسمعيل بك الشهير السابق ذكره والآتي ترجمته وما وقع له ولاخيه محمد بك المعروف بالمجنون ومصطفى بك وخلف عدة من المماليك والامراء ومنهم يوسف بك الجزار وغيره
ومات الامير ايوب بك تابع درويش بك وهو كان ممن تسبب في اثارة الفتننة المذكورة وتولى كبرها مع افرنج احمد وارسل الى محمد بك جرجا فحضر اليه معينا ومعه من ذكر من اخلاط العالم وحصل ما حصل واصله جركس الجنس ومن الفقارية تولى امارة الحج بعد موت ابراهيم بك ذي الفقار سنة سبع ومائة والف وطلع بالحج عشر مرات وعزل سنة سبع عشرة ومائة والف وتولى الدفتردارية ثم عزل عنها وقعت الفتنة وقهر فيها وخرج من مصر هاربا مع من هرب الى جهة الشام وذهب الى اسلامبول ولم يزل بها حتى مات سنة اربع وعشرين ومائة والف طريدا غريبا وحيدا بعد الذي رآه من العز والجاه بمصر وخلف من الاولاد الذكور الاناث اثني عشر لم ينتج منهم احد عاشوا وماتوا فقراء لان ماله انتهب في الفتنة
ومات الامير قيطاس بك وهو مملوك ابراهيم بك ذي الفقار كردلي الجنس تولى امارة الحج سنة سبع عشرة ومائة والف واستمر فيها الى سنة احدى وعشرين ومائة والف طلع بالحج خمس مرات ثم عزل وتولى (1/155)
الدفتردارية واستمر فيها الى سنة اربع وعشرين ومائة والف ثم عزل عنها وتولى امارة الحج سنة تاريخه ثم عزل وتلبس بالدفتردارية واستمر فيها الى ان قتل في سنة ست وعشرين ومائة والف قتله عابدي باشا وذلك انه لما حضر عابدي باشا الى مصر وقدم له الامراء التقادم وقدم له اسمعيل بك ابن ايواظ تقدمة عظيمة وكان اذ ذاك امين السماط فأحبه الباشا وسأل عمن تسبب في قتل ابيه فقالوا هذه قضية ليس لاحد فيها جنية وانما قيطاس بك وايوب بك من بيت واحد وكان ايوب بك اعظم فالتجأ قيطاس بك الى المرحوم ايواظ بك الى ان قتل بسببه وقتل ايضا كثير من رجاله
وبعدما بلغ مراده سعى في هلاكنا واراد قتلنا عند ام اخنان وسلط ابن حبيب على خيولنا في المربع وجم اذنابها
فقال الباشا يكون خيرا
ولما استقر الباشا وتقلد اسمعيل بك امارة الحج وقلدوا مناصب الاقاليم للقاسمية وتقلد عبد الله بك خازندار ايواظ بك الصنجقية وارسلوا بقتل الامير حسن كاشف اخميم
ثم ان قيطاس بك ارسل كور عبد الله سرا الى الباشا وكلمه في ادارة الكشوفيات على الفقارية وعمل رشوة فقال له هذه السنة مضت وفي العام القابل نعطيكم جميع الكشوفيات فاطمأن بذلك وشرع في عمل عزومة للباشا بقصر العيني فأجاب لذلك وذهب مع القاضي وابراهيم بك الدفتردار وارباب الخدم وقدم لهم تقادم وخلع عليه الباشا فروة سمور وركبوا اواخر النهار وذهبوا الى منازلهم
ومضى على ذلك ايام وكان محمد بك قطامش تابع قيطاس بك في الخفر بسبيل علام فحضر في بعض الايام الى الديوان لحاجة ودخل عند الباشا فقال له اين كنت ولم تحضر معنا عزومة سيدك
فقال انا في الخفر بسبيل علام
فقال الباشا وسبيل علام هذا بلد والاقلعة فعرفه انه مثل القلعة وحوله قصور لنزول الامراء
فقال الباشا احب ان ارى ذلك
فقال حبا وكرامة تشرفونا يوم السبت
فقال كذلك (1/156)
شهل روحك ونأتي صحبة سيدك والقاضي من غير زيادة وادع انت من شئت
وقال الباشا لقيطاس بك تنزل في صبح يوم السبت الى قراميدان فتأتيني هناك ونركب صحبته
فقال كذلك
فأرسل ابراهيم ابو شنب تلك الليلة تذكرة لقيطاس بك اقبل النصيحة ولا تذهب الى قراميدان
فلما قرأ التذكرة وأعرضها على كتخداه محمد اغا الكور فقال هذا عدو فلا تأخذ منه نصحية فانه لا يحب قربك من الباشا
وفي الصباح ركب في قلة وذهب الى قراميدان فوجد الباشا نزل وجلس بالكشك واوقف اتباعه وعسكره
فلما حضر قيطاس بك قال له الباشا من الشباك اطلع حتى يأتي القاضي ونركب سوية وخل الطوائف راكبين
فنزل وطلع وجلس فهجم عليه اتباع الباشا وقتلوه بالخناجر وقطعوا راسه ورموه لطائفته من الشباك
وركب الباشا في الحال وطلع الى القلعة
فشاله اتباعه وذهبوا الى بيته وذهبت طائفة الى سبيل علام اخبروا محمد بك بقتل سيده فركب من ساعته وصحبته عثمان بك فاتوا صيوان قيطاس بك الاعور وكان طالعا بالخزينة فعرفوه ان سيده قتله القاسمية بيد الباشا وطلبوه يركب معهم ياخذون بثأره فأتى وقال انه قتل بأمر سلطاني والخزنة في تسليمي وانتم فيكم البركة فساروا الى بيت استاذهم فوجدوا هناك حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله جاويش واحضروا راس الصنجق مسلوخة وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه بسبيل المؤمن ودفنوه بالقرافة وكرنك محمد بك قطامش تابعه هو وعثمان بك سليمان بك بارم ذيله ولم يتم له امر وهرب محمد بك الى بلاد الروم وسيأتي خبره في ترجمته واختفى عثمان بك في بيت رجل مغربي حتى مات وكان ابراهيم بك ابو شنب يعرف مكانه ويرسل له مصروفا وثارت فتنة عظيمة بعد قتل قيطاس بك بين الينكجرية والعزب وهو ان حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله جاويش اغراض (1/157)
قيطاس بك ملكوا باب مستحفظان في ذلك اليوم في شهر رجب وقتلوا كتخدا الوقت شريف حسين وابراهيم باش اوده باشه المعروف بكدك وكانوا يتهمونه في قتل قيطاس بك
ثم في اواخر رمضان ملك باب مستحفظان محمد كتخدا كدك على حين غفلة ليأخذ ثار اخيه حسين وقتل حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وانزلوا رممهما في صبحها الى بيوتهم وهرب كور عبد الله ثم قبضوا عليه بعد ستة ايام واحضروه وهو راكب على حصان وفي عنقه جنزير وعلى راسه ملاءة فطلع به محمد بك جركس الى الباشا فأمر به الى محمد كدك بالباب فقتله وارسل رمته الى بيته بسوق السلاح وذلك في غاية رمضان سنة سبع وعشرين ومائة والف
ومات الامير عبد الرحمن بك وكان اصله كاشف الشرقية وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة قلده الامارة اسمعيل باشا والي مصر سنة سبع ومائة والف هو ويوسف بك المسلماني
فانه لما وقع الفصل في تلك السنة وغنم الباشا اموالا عظيمة من حلوان المحاليل والمصالحات فلما انقضى الفصل عمل عرسا عظيما لختان اولاده في سنة ثمان ومائة والف وهادنه الاعيان والامراء والتجار بالهدايا والتقادم وكان مهما عظيما استمر عدة ايام لم يتفق نظيره لاحد من ولاة مصر نصبوا في ديوان الغوري وقاتباي الاحمال والقناديل وفرشوهما بالفرش الفاخرة والوسائد والطنافس وانواع الزينة ونصبوا الخيام على حوش الديوان وحوش السراية وعلقوا التعاليق بها وخيام تركية واتصل ذلك بابواب القلعة التحتانية الى الرميلة والمحجر ووقف ارباب العكاكيز وكتخدا الجاوشية واغات المتفرقة والامراء وباشجاويش الينكجرية والعزب والاغا والوالي والمحتسب الجميع ملازمون للخدمة وملاقاة المدعوين وفي اوسلعهم الحازم الزردخان وابو اليسر الجنكي ملازم بديوان الغوري ليلا ونهارا وجنك اليهود بديوان قايتباي (1/158)
وارباب الملاعيب والبهلوانيين والخيالة بالحيشان وابواب القلعة مفتوحة ليلا ونهارا واصناف الناس على اختلاف طبقاتهم واجناسهم امراء واعيان وتجار واولاد بلد طالعين نازلين للفرجة ليلا ونهارا
وختن مع اولاده عند انقضاء المهم مائتي غلام من اولاد الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة ودراهم ودعوا في اول يوم المشايخ والعلماء وثاني يوم ارباب السجاجيد والرق وثالث يوم الامراء والصناجق ثم الاغوات والوجاقلية والاختيارية والجربجية وواجب رعايات الابواب كل طائفة يوم مخصوص بهم ثم التجار وخواجات الشرب والغورية ثم القاقجية والعقادين والقوافين ومغاربة طيلون وارباب الحرف ومجاوري الازهر والعميان بوسط حوش الديوان غدوا وعشيا
ثم خلع الخلع والفراوي وانعم بحصص وعتامنة على ارباب الديوان والخدم وكذلك كساوي للجنك وارباب الملاهي والبهلوانيين والطباخين والمزينين وانعامات وبقاشيش
ولما تم وانقضى المهم قال الباشا لابراهيم بك وحسن افندي وكانا خصيصين به اريد اقلد امارة صنجقين لشخصين يكونان اشراقين ويكونان شجاعين قادرين
فوقع الاتفاق على يوسف اغا المسلماني وعبد الرحمن اغا كاشف الشرقية
هذا وكان ضرب هلباسو يد قبل تاريخه واشتهر بالشجاعة فخلع عليهما في يوم واحد وعملوا لهما رنك وسعاة ونزلت لهما الاطواغ والبيارق والتوبة وحضرت لهما التقادم والهدايا ولبسا الخلع
ثم ان الباشا انشأ له تكية في قراميدان ووقف سبع بلاد من التي اخذها من المحاليل في اقليم البحيرة وهي امانة البدرشين وناحية الشنباب وناحية سقارة وناحية مائة رهينة ابي صبر الصدر وناحية شبرامنت بالجيزة وناحية ترسا وجعلها للتكية وسحابة بطريق الحجاز وجعل الناظر على ذلك خازنداره وارخى لحيته واعطاه قائظ وعتامنة في دفتر العزب وقلده جربجي تحت نظر احمد كتخدا القيومجي وارسل كتخداه قرا محمد اغا الى اسلامبول لتنفيذ (1/159)
ذلك وسافر على الفور
وعندما وصل الى اسلامبول ارسل مقررا لمخدومه على سنة تسع ومائة والف صحبة امير اخور فوصل الى بولاق ونزلت له الملاقية وحضر الى الديوان
وبعد انفضاض الديوان دخل الامراء الكبار وهم ابراهيم بك ابو شنب وايواظ بك وقانصوه بك واسمعيل بك الدفتردار للتهنئة ولم يدخل حسن اغا بلغيه والاغوات وعبد الرحمن بك ويوسف بك وسليمان بارم ذيله وقيطاس بك وحسين بك ابو يدك وكامل الفقارية فسأل الباشا عنهم فرآهم نزلوا فانقبض خاطره من الفقارية وقال لابراهيم بك انا اكثر عتابي على اشراقي عبد الرحمن بك ويوسف بك وحيث انهما فعلا ذلك انا اطلب منهما حلوان الصنجقية ثمانية واربعين كيسا
فلاطفه ابراهيم بك وحسن افندي فلم يرجع وامر بكتابة فرمانين وارسلهما الى الاميرين المذكورين بطلب اربعة وعشرين كيسا من كل امير
فقال عبد الرحمن بك انا لم اطلب هذه البلية حتى ياخذ مني عليها هذا القدر
ولما حضر الاغا المعين ليوسف بك تركه في منزله وركب الى عبد الرحمن بك معا الى حسن اغا بلغيه وعملوا شغلهم وعزلوا الباشا
وكانوا تخيلوا منه الغدر بهم ونزل الى بيت كان اشتراه من عتقي عثمان جربجي مطل على بركة الفيل بحدرة طولون بجوار حمام السكران ثم باع المنزل والبلاد التي وقفها على التكية والسحابة وغلق الذي تأخر في طرفه من المال والغلال لحسين باشا المتولي بعده
وخرج الى العادلية وسافر الى بغداد
وتولى عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وحصل له امور مع عربان هوارة ذكر بعضه في ترجمة ايواظ بك
وانفصل عبد الرحمن بك من ولاية الصعيد وحضر الى مصر ونزل عند الآثار وارسل الى الباشا المتولي تقادم وعبيدا واغوات ونزل الباشا في ثاني يوم الى قراميدان وحضر عبد الرحمن بك باتباعه ومماليكه وخلفه النوبة التركي فسلم على الباشا وخلع عليه فروة سمور وركب الى البيت الذي نزل فيه وهو بيت رضوان بك بالقصبة (1/160)
المعروفة بالقوافين
وكان ذلك الباشا هو قرا محمد كتخدا اسمعيل باشا المنفصل المتقدم ذكره وفي نفسه من المترجم ما فيها بسبب مخدومه فانه هو الذي سعى في عزله وابطال وقفه وانسلخ من الفقارية وتنافس معهم وصار يقول انا قاسمي
فحقدوا عليه ذلك وسعوا في عزله من جرجا ولما حضر الى مصر تعصبوا عليه ووافق ذلك غرض الباشا لكراهته له بسبب استاذه
ولما استقر عبد الرحمن بك بمنزله حضرت اليه الامراء للسلام عليه ما عدا حسن اغا بلغيه ومصطفى كتخدا القازدغلي
ثم بعد انقضاء ذلك ورجوع الهوارة الى بلادهم وعمارهم كتبوا قوائم بما ذهب لهم من غلال ونحاس وثمنوها بثلثمائة كيس وجعلوا الآخذ لذلك جميعه عبد الرحمن بك وارسلوا القوائم الى ابن الحصري ووكلوا وجاق الينكجرية في خلاص ذلك من عبد الرحمن بك فعرض ذلك ابن الحصري على استاذه القازدغلي وحسن اغا بلغيه وكتبوا بذلك عرضحال وقدموه للباشا بعدما وضبوا ما أرادوا من الرابطة والتعصيب فارسل اليه الباشا يطلبه فامتنع من الطلوع وقال للاغا المعين سلم على حضرة الباشا وسوف اطلع بعد الديوان اقابله
فنزل اليه كتخدا الجاويشية واغات المتفرقة وتكلموا معه بسبب ما تقدم فقال انا لم اكن وحدي كان معي غزسيمانية وعرب هوارة بحري وكشاف الامير حسن الاخميمي لموم كثيرة وكل من طال شيئا أخذه وسوف أتوجه للدولة بالخزينة وأعرفهم بفعل ايوب بك وحسن اغا بلغيه والقازدغلي واضمن لهم فتوح مصر وقطع الجبابرة فلاعفوه وعالجوه على الطلوع فامتنع من الطلوع مع الجمهور وقال أروح معهم الى بيت القاضي ويقيموا بينتهم واثباتهم وانا قادر ومليء وما انا محتاج ولا مفلس
فرجعوا وعرفوا الجمع بما قاله بالحرف الواحد
فقال الباشا للقاضي اكتب له مراسلة بالحضور والمرافعة
فكتب له وأرسلها القاضي صحبة جوخدار من طرفه
فلما وصل اليه قال انا لست (1/161)
بعاصي الشرع ولا أترافع معهم الا في بيت القاضي ولا اطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار فعند ذلك بيتوا امرهم واتفقوا على محاربته
واجتمع عند عبد الرحمن بك اغراضه واحمد أوده باشا البغدادلي ووصله الخبر بركوبهم عليه فضاق صدره وخرج من منزله ماشيا واراد ان يذهب الى الجامع الازهر يقع على العلماء فلما وصل الى باب زويلة لحقه احمد البغدادلي وحسن الحازندار فرده وقالا له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد
وعند الصباح احتاطوا بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر من كل جانب ورموا عليه من جميع الجهات ودخلت طائفة من العسكر الى الجامع المواجه للبيت وصعدوا الى المنارة ورموا بالرصاص فاصيب احمد البغدادلي وحسن الخازندار وماتا وكان الصنجق والطائفة عند النقيب بالاسطبل فاخبروه بموت حسن الخازندار وكان يحبه فطلع الى المقعد فاصيب ايضا ومات
فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة وأولاد الخزنة فخرجوا من البيت مشاة بما عليهم من الثياب ظنوهم من طوائف الصناجق
ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي دخلوا وطلعوا الى المقعد فوجدوا الصنجق ميتا فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم للباشا وعبرت العساكر الى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا عظيمة وسبوا الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم من بنت الصنجق يظنوها جارية فخرجت امها تصرخ من خلفها فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي وطلع بها الى الباشا فانعم عليها بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها مصطفى جاويش وزوجها لبعض مماليك أبيها وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربيع الاول سنة ثلاث عشرة ومائة والف وأما يوسف بك فانه توفي بالسفر ببلاد الروم
ومات الامير علي أغا مستحفظان المشهور تولى أغاوية مستحفظان في (1/162)
سنة ثمان ومائة والف وفي سنة اثنتي عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة فشا امر الفضة المقاصيص والزيوف وقل وجود الديواني وان وجد اشتراه اليهود بسعر زائد وقصوه فتلف بسبب ذلك أموال الناس
فاجتمع اهل الاسواق ودخلوا الجامع الازهر وشكوا أمرهم للعلماء وألزموهم بالركوب الى الديوان في شأن ذلك فكتبوا عرضحال وقدموه الى محمد باشا فقرأه كاتب الديوان على رؤوس الاشهاد فأمر الباشا بعمل جمعية في بيت حسن أغا بابطال الفضة المقصوصة وظهور الجدد وادارة دار الضرب وعمل تسعيرة وضرب فضة وجدد نحاس ويكون ذلك بحضور كتخدائه وكامل الامراء الصناجق والقاضي والاغوات ونقيب الاشراف وكبار العلماء
وطلب جوابا كافيا وأعطاه ليد كتخدا الجاويشية فأرسل التنابيه مع الجاويشية تلك الليلة
واجتمع الجميع في صبحها بمنزل حسن أغا بلغيه واتفقوا على ابطال المقاصيص وضرب فضة جديدة توزع على الصيارف ويستبدلون المقاصيص بالوزن من الصيارف وان صرف الكلب بثلاثة واربعين نصفا والريال بخمسين والاشرفي بتسعين والطرلي بمائة وقيدوا بتنفيذ ذلك على اغا المذكور وكذلك الاسعار
وشرط عليهم ابطال
الحمايات وعدم معارضته في شيء
وكل من مسك ميزانا فهو تحت حكمي وكذلك الخصاصة وتجار البن والصابون ويركب بالملازمين ويكون معه من كل وجاق جاويش بسبب انفار الابواب
واخبروا الباشا بما حصل وكتب القاضي حجة بذلك وكتب المشايخ عليها وكذلك الباشا واعطوهما لعلي آغا فطلع الى الباب واحضر شيخ الخبازين وباقي مشايخ الحرف واحضر اردب قمح وطحنه وعمل معدله على الفضة الديواني خمسة اوراق بجديدين والبن بأثني عشر فضة الرطل والصابون بثلاثة والسكر النبات بأثني عشر الرطل والخام بخمسة والمنعاد بستة واربعة جدد والمكرر الشفاف بثمانية فضة واربعة جدد والشمع االسكندري باربعة عشر فضة (1/163)
والعسل الشهد بستة انصاف والسقر بثلاثة واربعة جدد والسائل بنصفين والمرسل الحر بنصف فضة والقطر المنعاد بنصفين والقطر القناني بثلاثة والسمن البقري بثلاثة فضة واربعة والمزهر بنصفين وستة جدد والجاموسي بنصفين وجديدين والزبد البقري بنصفين واربعة جدد والزبد الجاموسي بنصفين وجديدين واللحم الضاني بنصفين والماعز بنصف واربعة جدد والجاموسي بنصف وجديدين والزيت الطيب بنصفين وستة جدد والشيرج بنصفين والزيت الحار بنصف وستة جدد والجبن الكشكبان بثلاثة انصاف فضة والوادي بنصفين واربعة جدد والجاموسي الطري بنصف وأربعة جدد والجبن المنصوري المغسول بنصف وستة جدد والحالوم الطري بنصف وجديدين الرطل والجبن المصلوق بنصف واربعة جدد والشلفوطي والقربش بستة جدد الرطل والعيش العلامة خمسة اواق بجديدين والكشكار ستة اواق بجديدين
وحصل ذلك بحضرة مشايخ الحرف والمغارية وأرسل الاغا بقفل الصاغة ومسبك النحاس وامر باحضار الذهب والفضة المبتاعة والنحاس لدار الضرب واحضر شيخ الصيارفة وامرهم باحضار الذهب والريالات وقروش الكلاب يضرفونها بفضة وجدد نحاس وأعلمهم انه يركب ثالث يوم العيد ويشق بالمدينة وكل من وجد حانوته خاليا من الفضة والجدد قتل صاحبه أو سمره
وكتب القائمة بالاسعار وطلع بها للباشا علم عليها
وركب ثالث يوم من شهر شوال سنة اربع عشرة ومائة والف وعلى رأسه العمامة الديوانية المعروفة بالبيرشانة وامامه القابجية والملازمون والوالي وامين الاحتساب وأوده البوابة بطائفته والسبعة جاويشية خلفه ونائب القاضي في مقدمته وكيس جوخ مملوء عكاكيزشوم على كتف قواس والمشاعلي بيده القائمة وهو ينادي على رأس كل حارة يقف مقدار نصف ساعة
وضرب في ذلك اليوم اثنين قبانية وثلاثة زياتين وجرار لحم خشن ومات الستة من الضرب ورسم على شيخ (1/164)
القبانية بان لا احد يزن في بيت زيات سمنا ولا جبنا وصار يتفقد الدراهم ويحرر الارطال والصنج ويسأل عن اسعار المبيعات ولا يقبل رشوة وكل من وجده على خلاف الشرط سواء كان فلاحا أو تاجرا او قبانيا بطحه وضربه بالمساوق الشوم حتى يتلف او يموت وغالبهم لم يعش بذلك وصار له هيبة عظيمة ووقار زائد
ولم يقف احد في طريقه سواء كان خيالا أو حمارا أو قرابا الا ويخشاه حتى النساء في البيوت وهو فائت لم تستطع امرأة ان تطل من طاقة واتفق ان اسمعيل بك الدفتردار صادفه بالصليبة فلما رأى المقادم دخل درب الميضاة حتى مر الاغا فقيل له أنت صنجق ودفتردار وكيف انك تذهب من طريقه فقال كذا كتبنا على أنفسنا حتى يعتبر خلافنا
وأقام في هذه التولية ستة أشهر ثم عزل وولي رضوان أغا كتخدا الجاويشية سابقا وذلك أواخر سنة ثمان عشرة وعزل رضوان أغا في جمادى الاولى سنة تسع عشرة ومائة والف وتولى احمد اغا ابن باكير أفندي ثم تولى في ايام الواقعة الكبيرة في اواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة والف ولم يزل حتى مات في يوم الجمعة ثاني شهر شوال بجامع القلعة وذلك انه صلى الجمعة والسنن بعدها وسجد في ثاني ركعة فلم يرفع رأسه من السجود فلما أبطأ حركوه فاذا هو ميت فغسلوه وكفنوه ودفنوه بتربة باب الوزير وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة والف
وتولى بعده في اغاوية مستحفظان محمد افندي كاتب جمليان سابقا الشهير بابن طسلق وركب بالبيرشانة والهيئة وذلك عقيب الفتنة الكبيرة بنحو خمسة اشهر
ولما مات علي اغا وتولى هذا الاغا عملوا تسعيرة ايضا وجعلوا صرف الذهب البندقي بمائة وخمسة عشر نصف فضة والطرلي بمائة والريال بستين والكلب بخمسة واربعين ونودى بذلك وبمنع التجار وأولاد البلد من ركوب البغال والاكاديش ومنع من بيع الفضة بسوق الصاغة وان لاتباع الابرار الضرب وقفل دكاكين الصواغين (1/165)
ومات الامير الكبير ابراهيم بك المعروف بأبي شنب واصله مملوك مراد بك القاسمي وخشداش ايواظ بك تقلد الامارة والصنجقية مع ايواظ بك وكان من الامراء الكبار المعدودين تولى امارة الحج سنة تسع وتسعين والف وطلع بالحج مرتين ثم عزل عنها باستعفائه لامور وقعت له مع العرب باغراء بعض أمراء مصر
وسافر أميرا على العسكر المعين في فتح كريد في غرة المحرم سنة اربع والف
ولما ركب بالموكب خرج امامه شيخ الشحاتين وجملة من طوائفه لانه كان محسنا لهم ويعرفهم بالواحد
وكان اذا أعطى بعضهم نصفا في جهة ولاقاه في طريقه من جهة اخرى يقول له أخذت نصيبك في المحل الفلاني
ثم رجع الى مصر في شهر ذي الحجة وطلع الى الاسكندرية ووصل خبر قدومه الى مصر فجمع الشحاتون من بعضهم دراهم واشتروا حصانا أزرق عملوا له سرجا مغرقا ورختاور كابا مطليا وعباء زركش ورشمة كلفة ذلك اثنان وعشرون الف فضة ولما وصل الى الحلي قدموه له فقبله منهم وركبه الى داره وذهبت اليه الامراء والاعيان وسلموا عليه وهنوه بالسلامة وخلع على شيخ الشحاتين ونقيبهم كل واحد جوخة ولكل فقير جبة وطاقية وشملة ولكل امرأة قميص وملاية فيومي وأغدق عليهم اغداقا زائدا وعمل لهم سماطا وكان المتعين بالرياسة في ذلك الوقت ابراهيم بك ذو الفقار وفي عزمه قطع بيت القاسمية فأخرج ايواظ بك الى اقليم البحيرة وقانصوه بك الى بني سويف واحمد بك الى المنوفية
ولما حضر ابراهيم بك أبو شنب واستقر بمصر فأتفق ابراهيم بك ذو الفقار مع علي باشا المتولي اذ ذاك على قتله بحجة المال والغلال المنكسرة عليه في غيبته وقدرها اثنا عشر الف اردب واربعون كيسا صيفي وشتوي فأرسل اليه الباشا معين بفرمان يطلبه وكان أتاه شخص من اتباع الباشا انذره من الطلوع فقال للمعلمين تسلم على الباشا وبعد الديوان اطلع اقابله
ففات العصر ولم يطلع فارسل الباشا الى درويش بك وكان خفيرا بمصر القديمة وامره (1/166)
بالجلوس عند باب السر الذي يطلع على زين العابدين والى الوالي والعسس واوده باشا البوابة يجلس عند بيت ابراهيم ابي شنب
واشبع ذلك وضاق خناق ابراهيم بك ابي شنب واغتنم جيرانه واهل حارته لاحسانه في حقهم وحضر اليه بعض اصحابه يؤانسه مثل ابراهيم جربجي الداودية وشعبان افندي كاتب مستحفظان سابقا واحمد افندي روزنامجي سابقا
فهم على ذلك واذا بسليمان الساعي داخل على الصنجق بعد العشاء فأخبره ان مسلم اسمعيل باشا امير الحاج الشامي ورد الى العادلية وارسل جماعة جوخدارية بقائمقامية الى ابراهيم بك فأمر بدخولهم عليه فدخلوا واعطوه التذكرة فقرأها وعرف ما فيها فسري عنه الغم
وفي التذكرة ان كان غدا أول توت ندخل والا بعد غد وكانت سنة تداخل سنة ست في سنة سبع وكان الباشا أتى له مقرر من السلطان احمد وتوفي وتولى السلطان مصطفى فعزل علي باشا عن مصر وولى اسمعيل باشا حاكم الشام وارسل مسلمه بقائمقامية الى ابراهيم بك فسأل الصنجق احمد افندي عن اول توت فأخبره ان غدا أول توت
فقال لاحمد كاشف الاعسر خذ الحصان الفلاني وعشرة طائفة والجوخدارية ومشعلين واذهبوا الى العادلية وأحضروا بالاغا قبل الفجر
ففعلوا وحضروا به قبل الفجر بساعتين فخلع عليه فروة سمور وقال للمهنار دقوا النوبة قاصد مفرح فلما ضربت النوبة سمعت الجيران قالوا لا حول ولا قوة الا بالله ان الصنجق اختل عقله عارف انه ميت ويدق النوبة
ولما طلع النهار وأكلوا الفطور وشربوا القهوة ركب الصنجق بكامل طوائفه وصحبته الاغا وطلع الى القلعة وجلس معه بديوان الغوري وحضر اليهم كتخدا الباشا فأطلعوه على المرسوم فدخل على الكتخدا فأخبر مخدومه بذلك فقال لا اله الا الله
وتعجب في صنع الله ثم قال هذا الرجل يأكل رؤوس الجميع
ودخلوا اليه فخلع عليه وعلى المسلم ونزل الى داره ووصل الخبر الى اسمعيل بك الدفتردار فركب (1/167)
اسمعيل بك الى ابراهيم ذي الفقار أمير الحاج فركب معه بباقي الامراء وذهبوا الى ابراهيم بك يهنوه وكذلك بقية الاعيان وخلع على محمد بك اباظة وجعله امين السماط
وتولى المترجم الدفتردارية سنة 1119 واستمر بها الى 1121 ثم عزل وتقلد امارة الحج ثم أعيد الى الدفتردارية في سنة 1127 ولم يزل الى ان مات بالطاعون سنة 1130 وعمره اثنان وتسعون سنة وخلف ولده محمد بك أميرا يأتي ذكره
ومات افرنج احمد اوده باشا مستحفظان الذي تسببت عنه الفتنة الكبيرة والحروب العظيمة التي استمرت المدة الطويلة والليالي العديدة
وحاصلها على سبيل الاختصار هو ان افرنج احمد أوده باشا المذكور لما ظهر امره بعد موت مصطفى كتخدا القازدغلي مع مشاركة مراد كتخدا وحسن كتخدا فلما مات مراد كتخدا في سنة 1117 زاد ظهور امر المترجم ونفذت كلمته على أقرانه وكان جبارا عنيدا فتعصب عليه طائفة وقبضوا عليه على حين غفلة وسجنوه بالقلعة وكان ممن تعصب عليه حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا ابن اخت القازدغلي وكور عبد الله ثم أخرجوه من مصر منفيا
فغاب أياما ورجع بنفسه ودخل الى مصر والتجأ الى وجاق الجملية وطلب غرضه من باب مستحفظان فلم يرضوا بذلك وقالوا لا بد من خروجه الى محل ما كان
ووقع بينهم التشاجر واتفقوا بعد جهد على عدم نفيه وان يجعلوه صنجقا فقلدوه ذلك على كره منه واستمر مدة فلم يهنأ له عيش
وخمل ذكره وانفق ما جمعه قبل ذلك فاتفق مع أيوب بك الفقاري وعصب الوجاقات ونفوا حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله باش أوده باشا وقرا اسمعيل كتخدا ومصطفى كتخدا الشريف واحمد جربجي تابع باكير أفندي وابراهيم أوده باشا الاكنجي وحسين اوده بلضا العنترلي الجميع من باب مستحفظان فأخرجوهم الى قرى الارياف ورمى المترجم الصنجقية ورجع الى بابه وركب الحمار (1/168)
ثانيا وصار اوده باشا كما كان
وهذا لم يتفق نظيره ابدا وكان يقول عندما استقر صنجقا الذي جمعه الحمار اكله الحصان
ولما فعل ذلك زادت كلمته وعظمت شوكته ثم ان المنفيين المتقدم ذكرهم حضروا الى مصر باتفاق الوجاقات الستة ولم يتمكنوا من الرجوع الى بابهم وذلك ان الوجاقات الستة وبعض الامراء الصناجق ارادوا رجوع المذكورين الى باب مستحفظان وان افرنج احمد يلبس حكم قانونهم او يعمل جربجي وان كور عبد الله اوده باشا يرجع الى بابه ويلبس باش كما كان فعاند افرنج احمد وعضده ايوب بك وانضم اليهم من انضم من الاختيارية والصناجق والاغوات ووقع التفاقم والعناد وافترقت عساكر مصر وامراؤها فرقتين وجرى مالم يقع مثله في الحروب والكروب وخراب الدور
وطالت مدة ذلك قريبا من ثلاثة اشهر وانجلت عن ظهور العزب على الينكجرية
وقتل في اثنائها الامير ايواظ بك ثم كان ما ذكر بعضه آنفا في ترجمة المرحوم ايواظ بك وغيره وهرب ايوب بك ومحمد بك الصعيدي ومن تبعهم ونهبت دور الجميع واحزابهم وانتصر القاسمية ثم انزلوا الباشا بامان وهجمت العساكر على باب مستحفظان وملكوه وقبضوا على المترجم وقطعوا رأسه ورؤوس من معه وفيهم حسن كتخدا واسمعيل افندي وعمر أغات الجراكسية وذهبوا برؤوسهم الى بيت قانصوه بك قائمقام ثم طافوا بها على بيوت الامراء ثم وضعوها على اجسادهم بالرميلة ثم ارسلوهم عند الغروب الى منازلهم وذلك في اوائل جمادى الاولى سنة 1123 وهو صاحب القصر والغيظ المعروف به الذي كان بطريق بولاق ونهبه في ايام الفتنة يوسف بك الجزار وكان به شيء من الغلال والابقار والاغنام والارز والخيل والجاموس والدجاج والاوز والحمام حتى قلع أشجاره وهدم حيطانه
ولما بلغ محمد بك الكبير ما فعله يوسف بك الجزار في (1/169)
غيظ افرنج احمد عمد هو ايضا الى غيظ حسن كتخدا النجدلي وفعل به مثل ما فعل يوسف بك بغيظ افرنج احمد ووقع غير ذلك امور يطول شرحها
ومات محمد بك المعروف بالدالي وقد كان سافر بالخزينة سنة 1122 ومات ببلاد الروم ووصل خبر موته الى مصر فقلدوا ابنه اسمعيل بك في الامارة عوضا عنه بعد انقضاء الفتنة سنة 1124 وكان جركسي الجنس وعمل أغات متفرقة ثم اغات جمليان سنة 1113 ثم تقلد الصنجقية وسافر بالخزينة ومات بالديار الرومية كما ذكر
ومات الامير حسن كتخدا عزبان الجلفي وكان انسانا خيرا له بر ومعروف وصدقات واحسان للفقراء ومن مآثره انه وسع المشهد الحسيني واشترى عدة اماكن بماله وأضافها اليه ووسعه وصنع له تابوتا من أبنوس مطعما بالصدف مضببا بالفضة وجعل عليه سترا من الحرير المزركش بالمخيش
ولما تمموا صناعته وضعه على قفص من جريد وحمله أربع رجال وعلى جوانبه أربع عساكر من الفضة مطليات بالذهب ومشت امامه طائفة الرفاعية بطبولهم واعلامهم وبين ايديهم المباخر الفضة وبخور العود والعنبر وقماقم ماء الورد يرشون منها على الناس وساروا بهذه الهيئة حتى وصلوا المشهد ووضعوا ذلك الستر على المقام
توفي يوم الأربعاء تاسع شوال سنة 1124 وخرجوا بجنازته من بيته بمشهد عظيم حافل
وصلى عليه بسبيل المؤمن بالرميلة واجتمع بمشهده زيادة عن عشرة آلاف انسان وكان حسن الاعتقاد محسنا للفقراء والمساكين رحمه الله
ومات الامير ابراهيم جربجي الصابونجي عزبان وكان أسدا ضرغاما وبطلا مقداما كان ظهوره في سنة اثنتين وعشرين ومائة والف وشارك في الكلمة احمد كتخدا عزبان امين البحرين وحسن جربجي عزبان الجلفي وعمل اكنجي أوده باشه فلما لبس حسن جربجي الجلفي كتخدائية عزبان (1/170)
ألبس المترجم باش أوده باشه وذلك في 1123 فزادت حرمته ونفذت بمصر كلمته ولما قتل قيطاس بك الفقاري في سنة 1127 خمدت بموته كلمة احمد كتخدا امين البحرين فأنفرد بالكلمة في بابه ابراهيم جربجي الصابونجي المذكور وصار ركنا من اركان مصر العظيمة ومن ارباب الحل والعقد والمشورة وخصوصا في دولة اسمعيل بك ابن ايواظ
وادرك من العز والجاه ونفاذ الكلمة وبعد الصيت والهيبة عند الاكابر والاصاغر الغاية وكان يخشاه امراء مصر وصناجقها ووجاقاتها ولم يتقلد الكتخدائية مع جلالة قدره
وسبب تسميته بالصابونجي انه كان متزوجا بابنة الحاج عبد الله الشامي الصابونجي لكونه كان ملتزما بوكالة الصابون وكان له عزوة عظيمة ومماليك وابتاع ومنهم عثمان كتخدا الذي اشتهر ذكره بعده ولم يزل في سيادته الى ان مات على فراشه خامس شهر شوال سنة 1131 وخلف ولدا يسمى محمدا قلدوه بعده جربجيا سيأتي ذكره
وسعى له عثمان كاشف مملوك والده وخلص له البلاد من غير حلوان وكان عثمان اذ ذاك جربجيا بباب عزبان
ومات الامير الجليل يوسف بك المعروف بالجزار تابع الامير الكبير ايواظ بك تقلد الامارة والصنجقية في سنة 1123 ايام الواقعة الكبيرة بعد موت أستاذه من قانصوه بك قائمقام اذ ذاك
وكانت له اليد البيضاء في الهمة والاجتهاد والسعي لاخذ ثار سيده والقيام الكلي في خذلان المعاندين
وجمع الناس ورتب الامور وركب في اليوم الثاني من قتل سيده وصحبته اسمعيل بن استاذه واتباعهم وطلع الى باب العزب وفرق فيهم عشرة آلاف دينار وارسل الى البلكات الخمسة مثل ذلك وجر المدافع وخرج بمن انضم اليه الى ميدان محمد بك الصعيدي وطائفته ومن بصحبته من الهوارة حتى هزمهم واجلاهم عن الميدان الى السواقي
واستمر يخرج الى الميدان في كل يوم ويكر ويفر ويدبر الامور وينفق (1/171)
الاموال وينقب النقوب ويدبر الحروب حتى تم لهم الامر بعد وقائع وأمور ذكرنا بعضها في ولاية خليل باشا وفي بعض التراجم
وتقلد المترجم امارة الحج وطلع به في تلك السنة وتقلد قائمقامية في 1126 عن عابدي باشا
ولما حقدوا على اسمعيل بك بن سيده ودبروا على ازالته في ايام رجب باشا وظهر جركس من اختفائه بعد ان اخرجوا المترجم ومن معه بحجة وقوف العرب وقتلوا من كان منهم بمصر وأخرجوا لهم تجريدة قام المترجم في تدبير الامر واختفى اسمعيل بك ودخل منهم من دخل الى مصر سرا ووزع المماليك والامتعة على ارباب المناصب والسدادرة وأشاع ذهابهم الى الشام مع الشريف يحيى وتصدر هو للامر وكتم أموره ولم يزل يدبر على اظهار ابن سيده واستمال ارباب الحل والعقد وانفق الأموال سرا وضم اليه من الاخصام أعاظمهم وعقلاءهم مثل احمد بك الاعسر وقاسم بك الكبير واتفق معهم على اظهار اسمعيل بك واخيه اسمعيل بك جرجا وعمل وليمة في بيته جمع فيها محمد بك جركس وباقي ارباب الحل والعقد وأبرز لهم اسمعيل بك ومن معه بعد المذاكرة والحديث والتوطئة وتمموا أغراضهم وعزلوا الباشا وأنزلوه من القلعة وتأمر اسمعيل بك وظهر أمره كما كان وتولى الدفتردارية في سنة 1127 بعد انفصاله من امارة الحج ثم عزل عنها واستمر امير مسموع الكلمة وافر الحرمة الى ان مات في سنة 1134 ووقع له مع العرب عدة وقائع وقتل منهم الوفا فلذلك يسمى بالجزار
ولما مات قلدوا مملوكه ابراهيم أغا الصنجقية عوضا عنه
ومات الامير الجليل فانصوه بك القاسمي تابع قيطاس بك الكبير الدفتردار الذي كان بقناطر السباع رباه سيده وأرخى لحيته وجعله كتخداه وسافر معه الى سفر الجهاد في سنة 1126 فمات سيده بالسفر فقلدوه الامارة والصنجقية بالديار الرومية عوضا عن سيده وحضر الى (1/172)
مصر وتقلد كشوفية بني سويف خمس مرات وكشوفية البحيرة ثلاث مرات
ولما حصلت الفتنة في ايام خليل باشا كعب الشوم الكوسة 1123 كما تقدم غير مرة كان هو أحد الأعيان الرؤساء المشار اليهم من فرقة القاسمية فاجتمعوا وقلدوا المترجم قائمقام وعملوا ديوانهم وجمعيتم في بيته حتى انقضت الفتنة ونزل الباشا واستمر هو يتعاطى الاحكام احدا وتسعين يوما حتى حضر والي باشا الى مصر فعزل وكف بصره ومكث بمنزله حتى توفي على فراشه سنة 1127 وقلدوا امرته وصنجقيته لتابعه الامير ذي الفقار أغا وتزوج بابنته وفتح بيت سيده واحيا مآثره من بعده
ومات الامير اسمعيل بك المنفصل من كتخدائية الجاويشية واصله جلبي بن كتخدا ابري بك وهو من اشراقات اسمعيل بك بن ايواظ قلده الصنجقية سنة 1128 وتولى الدفتردارية سنة 1131 واستمر فيها سنتين وخمسة أشهر وقتله رجب باشا هو واسمعيل أغا كتخدا الجاويشية في وقت واحد عندما دبروا على قتل اسمعيل بك بن ايواظ وهو راجع من الحج فأحتجوا بالعرب وأرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك بن ايواظ واسمعيل بك ولجه لمحاربة العرب فلما بعدوا عن مصر طلع المترجم وصحبته اسمعيل أغا كتخدا الجاويشية وكان اصله كتخدا ايواظ بك الكبير فقتلوهما في سلالم ديوان الغوري غدرا باغراء محمد بك جركس
وفي ذلك الوقت ظهر جركس وركب حصان اسمعيل بك المذكور ونزل الى بيته وكان قتلهما في أوائل سنة 1133 وقتلا ظلما وعدوانا رحمهما الله
ومات الامير حسين بك المعروف بأبي يدك وأصله جرجي الجنس تقلد الامارة والصنجقية سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف وكان مصاهر لسليمان بك بارم ذيله وكان متزوجا بأبنته وكان معدودا من الفرسان والشجعان (1/173)
الا انه كان قليل المال ولما قتل قيطاس بك الفقاري وهرب محمد بك تابعه المعروف بقطامش الى الديار الرومية اختفى المترجم بمصر وذلك في سنة 1127 بعد ما أقام في الامارة اربعا وعشرين سنة
ثم ظهر مع من ظهر في الفتنة التي حصلت بين محمد بك جركس وبين اسمعيل بك بن ايواظ وكان المترجم من اغراض جركس
فلما هرب جركس هو ايضا فلحقه عبد الله بك صهر بن ايواظ وقتله بالريف وقطع رأسه فكان ظهوره سببا لقتله وذلك في سنة 1131
ومات الامير حسين بك أرنؤد المعروف بأبي يدك وكان أصله أغات جراكسة ثم تقلد الصنجقية وكشوفيات الاقاليم مرارا عديدة وسافر الى الروم أميرا على السفر في سنة 1124 فلما رجع في سنة 1129 استعفى من الصنجقية وسافر الى الحجاز وجاور بالمدينة المنورة
فكانت مدة امارته ثلاثا وعشرين سنة
واستمر مجاورا بالمدينة اربع سنوات ومات هناك سنة 1134 دفن بالبقيع
ومات الامير يوسف بك المسلماني وكان اصله اسرائيليا وأسلم وحسن اسلامه ولبس أغات جراكسة ثم تقلد كتخدا الجاويشية وانفصل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1107 وتلبس كشوفية المنوفية ثم امارة جدة ومشيخة الحرم وجاور بالحجاز عامين
ثم رجع وسافر بالعسكر الى الروم ورجع سالما وأخذ جمرك دمياط وذهب اليها وأقام بها الى ان مات 1120 وأقام في الصنجقية اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وترك ولدا يسمى محمد كتخدا عزبان
ومات الامير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تقلد الامارة عوضا عن سيده سنة 1110 ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة 1116
ومات الامير محمد بك الكبير الفقاري تقلد الامارة بعد سيده سنة 1117 وتولى امارة جرجا وحكم الصعيد مرتين
وكان من أخصاء أيوب (1/174)
بك المتقدم ذكرهما في الواقعة الكبيرة وأرسل اليه ايوب بك يستنصر به فأجاب دعوته وحضر الى مصر ومعه الجم الغفير من العزبان والهوارة والمغاربة وأجناس البوادي وحارب وقاتل داخل المدينة وخارجها كما تقدم ذكر ذلك غير مرة وكان بطلا هماما وأسدا ضرغاما ولم يزل حتى هرب مع ايواظ بك الى بلاد الروم فقلدوه الباشوية وعين في سفر الجهاد ومات سنة 1133
ومات الامير مصطفى بك المعروف بالشريف وهو بن الامير ايواظ بك الجرجي مملوك حسين أغا وكان والده ايواظ بك المذكور تولى أغاوية العزب سنة 1070 وتزوج ببنت النقيب برهان الدين افندي فولد له منها المترجم فلذلك عرف بالشريف وتقلد والده كتخدا الجاويشية 1079 وعزل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1081 وتولى كشوفية الغربية وتقلد قائمقام مصر وعزل ولم يزل اميرا حتى مات على فراشه وترك ولده هذا المترجم وكان سنه حين مات والده اثنتي عشرة سنة فرباه ريحان اغا تابع والده ثم مات ريحان اغا فعند ذلك اسرف مصطفى جلبي واتلف اموال ابيه وكانت كثيرة جدا وكان المترجم في وجاق المتفرقة وصار فيهم اختيارا الى ان لبس سردارية المتفرقة في سفر الخزينة سنة 1109 فمات صنجق الخزينة درويش بك الفلاح في السفر بالروم فلبس صنجقية المذكور حكم القانون ورجع الى مصر اميرا واستمر في امارته حتى مات سنة 1133 وكان قليل المال
ومات الامير احمد بك الدالي تابع الامير ايواظ بك الكبير القاسمي تقلد الصنجقية يوم الخميس سابع جمادى الاولى سنة 1127 ولبس في يومها قفطان الامارة على العسكر المسافر الى بلاد مورة بالروم عوضا عن خشداشة يوسف بك الجزار وسافر بعد ستين يوما ومات هناك وتقلد عوضه مملوكه علي بك ورجع الى مصر صنجقا وهو علي بك المعروف بالهندي (1/175)
ومات كل من الامير حسين كتخدا الينكجرية المعروف بحسين الشريف وابراهيم باش أوده باشا المعروف بكدك وذلك انه لما قتل قيطاس بك الفقاري بقراميدان على يد عابدي باشا في شهر رجب سنة 1127 وثارت بعد ذلك الفتنة بين باب الينكجرية والعزب وذلك ان حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله كانوا من عصبة قيطاس بك فلما قتل خافوا على انفسهم فملكوا باب مستحفظان على حين غفلة وقتلوا المذكورين وكانوا يتهمونهما بانهما تسببا في قتل قيطاس بك
ومات ايضا كل من الامير حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله وذلك انه لما ملك المذكورون الباب وقتلوا حسين كتخدا الشريف وابراهيم الباش كما تقدم وذلك في اواخر رجب وسكن الحال انتدب محمد كتخدا كدك لأخذ ثار اخيه وملك الباب على حين غفلة وذلك ليلة الثلاثاء ثالث عشري رمضان وتعصب معه طائفة من اهل بابه وطائفة من باب العزب وقتل في تلك الليلة حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وانزلوهما الى بيوتهما في صبح تلك الليلة في توابيت
وهرب كور عبد الله فقبض عليه محمد بك جركس بعد ستة ايام وحضر به وهو راكب على الحصان وفي عنقه الحديد ومغطى الرأس وطلع به الى عابدي باشا
فلما مثل بين يديه سبه ووبخه وأمره بأخذه الى بابه فأمر محمد كتخدا كدك بحبسه بالقلعة
وقتل في ذلك اليوم وأنزلوه الى بيته بسوق السلاح
ومات ايضا محمد كتخدا كدك المذكور فانه اشتهر صيته بعد هذه الحوادث ونفذت كلمته ببابه ولم يزل حتى مات على فراشه في شهر القعدة 1132
ومات الامير احمد بك المسلماني ويعرف ايضا باسكي نازي وكان اصله كاتب جراكسة وكان يسمى باحمد افندي ثم عمل باش اختيار جراكسة (1/176)
وحصل له عز عظيم وثروة وكثرة مال وكان أغنى الناس في زمانه وكان بينه وبين اسمعيل بك بن ايواظ وحشة وكان بن ايواظ يكرهه ويريد قتله فالتجأ الى محمد بك جركس
فلما هرب جركس في المرة الاولى اختفى احمد افندي المترجم وبيعت بلاده ومتاعه فلما ظهر جركس ثانيا ظهر احمد افندي وعمل صنجقيا سنة 1133 وصار صنجقيا فقيرا ثم ورد مرسوم بان يتوجه المترجم الى مكة لاجراء الصلح بين الاشراف فتوجه ومكث هناك سنة ثم رجع الى مصر ومكث بها مدة الى 1136 فأرسلوه الى ولاية جرجا ليشهل غلال المبري وكان ذلك حيلة عليه
فلما توجه الى جرجا أرسل محمد باشا فرمانا الى سليمان كاشف خفية بقتله فذهب سليمان كاشف ليسلم عليه فغمز عليه بعض أتباعه فضربوه وقتلوه عند العرمة وقطعوا رأسه في حادي عشرى شهر القعدة سنة 1136
ومات الامير علي كتخدا المعروف بالداودية مستحفظان وكان من اعيان باب الينكجرية وأصحاب الكلمة مع مشاركة مصطفى كتخدا الشريف وكان من الاعيان المعدودين بمصر ولم يزل نافذ الكلمة وافر الحرمة الى أن مات على فراشه في جمادى الاخرة سنة 1133
ومات الامير ابراهيم افندي كاتب كبير الشهير بشهر اوغلان مستحفظان وكان ايضا من الاعيان المشهورين ببابهم مع مشاركة عثمان كتخدا الجرجي تابع شاهين جربجي وانفرد معه بالكلمة بعد مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا بشناق لما خرجهما اسمعيل بك بن ايواظ الى الكشيدة كما تقدم الاشارة الى ذلك
فلما قتل اسمعيل بك رجع مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا ثانيا الى الباب وانحطت كلمة المترجم وعثمان كتخدا ثم عزل ابراهيم افندي المذكور الى دمياط وأهين ومكث هناك اشهر ثم حضروه وجعلوه سردار جداوي وتوجه مع الحج ومات هناك في سنة 1137 (1/177)
ومات النبيه الفطن الذكي حسن افندي الروزنامجي الدمرداشي وكان باش قلفه الروزنامجه فلما حضر اسمعيل باشا واليا على مصر في سنة ست ومائة والف وكانت سنة تداخل فتكلم الباشا مع ابراهيم بك أبي شنب في كسر الخزينة وعرض عليه المرسوم السلطاني بتعويض كسر الخزينة من اشغال العشرين الف عثماني التي كانت عليهم وكان له ميل للعلوم والمعارف وخصوصا الرياضيات والفلكليات ويوسف الكلارجي الفلكي الماهر هو تابع المذكور ومملوكه
وقرأ على رضوان افندي صاحب الازياج والمعارف وكان كثير العناية برضوان افندي المذكور ورسم باسمه عدة آلات وكرات من نحاس مطلية بالذهب واحضر المتفنين من ارباب الصنائع صنعوا له ما اراد بمباشرة وارشاد رضوان افندي وصرف على ذلك اموالا عظيمة وباقي اثر ذلك الى اليوم بمصر وغيرها ونقش عليها اسمه واسم رضوان افندي وذلك سنة 1113 وقبل ذلك وبعدها ولم يزل في سيادته حتى توفي
ومات الامير مصطفى بك القزلار المعروف بالخطاط تابع يوسف أغا القزلاردار السعادة تولى الامارة الصنجقية في سنة 1094 وتقلد قائمقامية بعد عزل اسمعيل باشا وذلك سنة 1109 قهرا عنه وتقلد مناصب عديدة مثل كشوفية جرجا وغيرها ثم تقلد الدفتردارية سنة ثلاث وثلاثين فكان بين لبسه الدفتردارية والقائمقامية اربع وعشرون سنة وبعد عزله من الدفتردارية مكث في منزله صنجقيا بطالا الى ان توفي سنة 1142
ومات الامير المعظم والملاذ المفخم الامير اسمعيل بك بن الامير الكبير ايواظ بك القاسمي من بيت العز والسيادة والامارة نشأ في حجر والده في صيانة ورفاهية وكان جميل الذات والصفات وتقلد الامارة الصنجقية بعد موت والده الشهيد في الفتنة الكبيرة كما تقدم وكان لها اهلا ومحلا وكان عمره اذ ذاك ست عشرة سنة وقد دب عذاره وسمته النساء قشطة (1/178)
بك
فانه لما اصيب والده في المعركة بالرملة تجاه الروضة وقتل في ذلك اليوم من الغز والاجناد خاصة نحو السبعمائة ودفن والده فلما اصبحوا ركب يوسف الجزار تابع ايواظ بك واحمد كاشف واخذوا معهم المترجم وذهبوا الى بيت قانصوه بك قائمقام فوجدوا عنده ابراهيم بك ابا شنب واحمد بك تابعه وقيطاس بك الفقاري وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش وهم جلوس وعليهم الكآبة والحزن وصاروا مثل الغنم بلا راع متحيرين في امرهم وما يؤول اليه حالهم فلما استقر بهم الجلوس نظر يوسف الجزار الى قيطاس بك فرآه يبكي فقال له لاي شيء تبكي هذه القضية ليس لنا فيها ذنب ولا علاقة واصل الدعوى فيكم معشر الفقارية والآن انحرجنا وقتل منا واحد وخلف مالا ورجالا قلدوني الصنجقية وامير الحاج وسر عسكر وكذلك قلدوا ابن سيدي هذا صنجقية والده فيكون عوضا عنه ويفتح بيته واعطونا فرمانا وحجة من الذي جعلتموه نائب شرع بالمعافاة من الحلوان ونحن نصرف الحلوان على المقاتلين والله يعطي النصر لمن يشاء
ففعلوا ذلك ورجع يوسف بك وصحبته اسمعيل بك ومن معهم الى بيت المرحوم ايواظ بك وقضوا اشغالهم ورتبوا امورهم وركبوا في صبحها الى باب العزب واخذوا معهم الاموال فانفقوا في الست بلكات وغيرهم من المقاتلين ونظموا احوالهم في الثلاثة ايام الهدنة التي كانوا اتفقوا على رفع الحرب فيها بعد موت ايواظ بك
وكان الفاعل لذلك ايوب بك وقصده حتى يرتب اموره في الثلاثة ايام ثم يركب على بيت قانصوه بك ويهجم على من فيه ولو فعل ذلك في اليوم الذي قتل فيه ايواظ بك لتم لهم الامر ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا
ولم يرد الله لهم بذلك وأخذوا في الجد والاجتهاد وبرزوا للحرب في داخل المدينة وخارجها وعملوا المكايد ونصبوا شباك المصايد وأنفقوا الاموال ونقبوا النقوب حتى نصرهم الله على الفرقة الاخرى وهم أيوب (1/179)
بك ومحمد بك الصعيدي وافرنج احمد وباب الينكجرية ومن تبعهم وقتل من قتل وفر من فر ونهبت دورهم وشردوا في البلاد وتشتتوا في البلاد البعيدة كما ذكر غير مرة واستقر الحال وسافر أميرا بالحج في تلك السنة يوسف بك الجزار واستقر المترجم بمصر وافر الحرمة محتشم المكانة مشاركا لابراهيم بك ابي شنب وقيطاس بك في الامر والرأي وفي نفس قيطاس بك ما فيها من حقد العصبية فصار يناكدهما سرا وسلط حبيب وابنه سالم على خيول اسمعيل بك فجم اذنابها ومعارفها كما ذكر ثم نصب لهما ولمن والاهما شباكا ومكايد ولم يظفره الله بهما ولم يزل على ذلك وهما يتغافلان ويغضيان عن مساويه الخفية الى ان حضر عابدي باشا وارسل قلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع يوسف بك على ابن سيده اسمعيل بك وجعله امين السماط
ولما وصل الباشا الى العادلية وقدمت له الامراء التقادم وقدم له اسمعيل بك المترجم تقدمة عظيمة وتقيد بخدمة السماط أحبه عابدي باشا ومال بكليته اليه ثم انه اختلى معه ومع يوسف بك وسألهما عن سبب موت والده فأخبراه ان مصر من قديم الزمان فرقتان وعرفاه الحال وان قيطامس بك وايوب بك بيت واحد ووقعت بينهما خصومة وأيوب بك أكثر عزوة وجندا فوقع قيطامس بك على ايواظ بك والتجأ اليه فقام بنصرته وفاداه وأنفق بسببه اموالا وتجندلت من رجاله أبطال الى أن مات وقتل وبلغ قيطاس بك بنا ما بلغ فلم يراع معنا جميلا وفي كل وقت ينصب لنا الحبائل ويحفر فينا الغوائل ونحن بالله نستعين فقال الباشا يكون خيرا
وأضمر لقيطاس بك السوء ولم يزل حتى قتله كما ذكر بقراميدان وورد أمر بتقليد المترجم على الحج اميرا وتقليد ابراهيم بك الدفتردارية وألبسهما عابدي باشا الخلع وتسلم أدوات الحج والجمال وأرسل غلال الحرمين وبعث القومانية والغلال الى البنادر وأرسل أناسا وعينهم لحفر الآبار المردومة وتنقية الاحجار من طريق الحجاج (1/180)
وضم اليه جماعة من الفقارية مثل حسين بك ابي يدك وذي الفقار معتوق عمر أغا بلغيه واصلان وقبلان وأمثالهم واخذوا يحفرون للمترجم وينصبون له الغوائل واتفقوا على غدره وخيانته ووقف له طائفة منهم بطريق الرميلة وهو طالع الى الديوان فرموا عليهم الرصاص فلم يصب منهم سوى رجل قواس ورمح اسمعيل بك وأمراؤه الى باب القلعة ونزل بباب العزب وكتب عرضحال وأرسله الى علي باشا صحبة يوسف بك الجزار مضمونه الشكوى من محمد بك جركس وانه جامع عنده المفاسيد ويريدون اثارة الفتن في البلد
فكتب الباشا فرمانات الى الوجاقات باحضار محمد بك جركس وان أبي فحاربوه وركب جركس بالمنضمين اليه وهم قاسمية وفقارية وذلك بعد ابائه وعصيانه فصادف المتوجهين اليه فحاربهم بالرميلة وآل الامر الى انهزامه وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول الى داره وخرج هاربا من مصر وقبض عليه العربان وأحضروه الى اسمعيل بك أسيرا عريانا في أسوأ حال فكساه واكرمه والبسه فروة سمور واشار عليه احمد كتخدا امين البحرين وعلي كتخدا الجلفي بقتله فلم يوافقهما على ذلك
وقال انه دخل الى بيتي وحل في ذمامي فلا يصح ان اقتله ثم نفاه الى قبرص
ولما سافر محمد بك بن ابي شنب الى اسلامبول بالخزينة في تلك السنة وصى قاسم بك بالارسال الى جركس واحضاره الى مصر ففعل وحضر الى مصر سرا واختفى عنده ولما وصل محمد بك بالخزينة واجتمع بالوزير الاعظم دس اليه كلاما في حق المترجم وقال له ان أهملتم أمره استولى على الممالك المصرية وطرد الولاة ومنع الخزينة فان الامراء والدفتردارية وكبار الامراء والوجاقات صاروا كلهم أتباعه ومساليكه ومماليك ابيه والذي ليس كذلك فهم صنائعه وعلي باشا المتولى لا يخرج عن مراده في كل ما يأمر به
وأخرج من مصر وأقصى كل ناصح في خدمة الدولة مثل محمد بك جركس ومن يلوذ به وعمل للوزير (1/181)
أربعة آلاف كيس على ازالة اسمعيل بك والباشا وتولية خلافة ويكون صاحب شهامة وتدبير وكان ذلك في دولة السلطان احمد فأجابوه الى ذلك وعينوا رجب باشا امير الحاج الشامي ورسموا له رسوما باملاء محمد بك أبي شنب ملخصها قتل الباشا واسمعيل بك وعشيرته ما عدا علي بك الهندي
ولما حضر رجب باشا الى مصر وقد كان قاسم بك احضر محمد جركس واخفاه وكان اسمعيل بك بن ايواظ طالعا بالحج سنة 1131 فاليوم الذي وصل فيه رجب باشا الى العريش ووصل المسلم الى مصر كان خروج اسمعيل بك بالحج من مصر وارسل رجب باشا مرسوما الى احمد بك الاعسر وجعله قائمقام وامره بانزال علي باشا الى قصر يوسف والاحتفاظ به ففعلوا ذلك ووصل رجب باشا فأحضر علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وامرهم بعمل حسابه ثم امر بقتله فقتلوه ظلما وسلخوا رأسه وأرسلها الى الروم وضبط مخلفاته ودبر معه أمر بن ايواظ
وأما ما كان من امر الباشا وجركس ومن بمصرفانه فانه لما سافر يوسف بك الجزار ومن معه على الرسم المتقدم عملوا شغلهم وقتلوا اسمعيل بك الدفتردار واسمعيل اغا كتخدا الجاويشية وظهر محمد بك جركس ونزل من القلعة الى بيته وهو راكب ركوبة الدفتردار واستقر الباشا أحمد بك الاعسر دفتردار
ولما وصل المتوجهون الى سطح العقبة نزل يوسف بك الجزار وترك محمد بك بن ايواظ واسمعيل بك جرجا في السطح فلما دخل على الصنجق وسلم عليه اشتغل خاطره وقال له لاي شيء جئت فقال أنا لست وحدي بل صحبتي اخوك محمد بك واسمعيل بك جرجا وعبد الرحمن أغا ولجه
فقال لا اله الا الله كيف انكم تتركون البلد وتأتون اما تعلموا ان لنا أعداء والعثمانية ليس لهم امان ولا صاحب ويصيدون الارنب بالعجلة فأعدوا العدة وسافروا الى مصر وبعد ايام وصل مرسوم بالامان والرضا (1/182)
لاسمعيل بك وجماعته وولوا على مصر محمد باشا من حيث أتى بعدما دفع المائة وعشرين كيسا التي اخذها من دار الضرب وصرفها على تجريدة اجرود ولم يزل محمد بك جركس ومحمد بك بن سيده ومن يلوذ بهم مصرين على حقدهم وعداوتهم للمترجم وهو يتغافل عنهم ويغضي عن مساويهم ويسامح زلاتهم حتى غدروا به وقتلوه بالقلعة على حين غفلة وذلك انه لم يزل ذو الفقار تابع عمر اغا يطالب بفائظ حصته في قمن العروس ويكلم جركس يشفع له عند اسمعيل بك فيقول له اطرد الصيفي من عندك وأرسل الي بعد ذلك ذا الفقار ويأخذ الذي يطلع له عندي الى ان ضاق خناق ذي الفقار من الفشل والاعدام فطلع الى كتخدا الباشا وشكا اليه حاله فقال له وما الذي تريد نفعله قال اريد ان اقتل ابن ايواظ عندما يأتي الى هنا واعطوني صنجقية وعشرين كيسا فائظ من بلاده وكشوفية المنوفية فدخل الكتخدا واخبر مخدومه بذلك فأجابه الى مطلوبه على شرط ان لا يدخلنا في دمه
فنزل ذو الفقار واخبر جركس بما حصل وطلب ان يكون ذلك بحضوره هو وابراهيم بك فارسكور فأجابه الى ذلك ولما اجتمعوا في ثاني يوم عند كتخدا الباشا دخل ذو الفقار وقدم له عرضحال الى اسمعيل بك فاخذه وشرع يقرأ فيه واذا بذي الفقار سحب الخنجر وضرب الصنجق به في مدوده وكان معه قاسم بك الصغير واصلان وقبلان وخلافهم مستعدين لذلك فعندما رأوه ضرب اسمعيل بك سحبوا سيوفهم وضربوا ايضا اسمعيل بك جرجا فقتلوه فهرب صاري علي وكتخدا الجاويشية مشاة الى باب الينكجرية وقطعوا راس الاميرين وشالوا جثثهما الى بيوتهما فغسلوهما وكفنوهما ودفنوهما بمدفن ابي الشوارب الذي بطريق الازبكية عند غيظ الطواشي وذلك في سنة 1136
ثم ارسلوا رأسيهما مسلوخين فدفنوهما ايضا وانقضت دولة اسمعيل بك ابن ايواظ
وكانت (1/183)
ايامه سعيدة وافعاله حميدة والاقليم في امن وامان من قطاع الطريق واولاد الحرام وله وقائع مع حبيب واولاده يطول شرحها وسيأتي استطراد بعضها في ترجمة سويلم وكان صاحب عقل وتدبير وسياسة في الاحكام وفطانة ورياسة وفراسة في الامور وله عدة عمائر ومآثر منها انه جدد سقف الجامع الازهر وكان قد آل الى السقوط وانشأ مسجد سيدي ابراهيم الدسوقي بدسوق وكذلك انشأ مسجد سيدي علي المليجي على الصفة التي هما عليها الآن
ولما تمم بناء المسجد المليجي سافر اليه ليراه وذلك في منتصف شهر شعبان سنة 1135
ومن افاعيله الجميلة كان يرسل غلال الحرمين في اوانها ويرسل القومانية الى البنادر ويجعل في بندر السويس والمويلح والينبع غلال سنة قابلة في الشون تشحن السفائن وتسافر في اوانها ويرسل خلافها على هذا النسق
ولما بلغ خبر موته لاهل الحرمين حزنوا عليه وصلوا عليه صلاة الغيبة عند الكعبة وكذلك اهل المدينة صلوا عليه بين المنبر والمقام ومات وله من العمر ثمان وعشرون سنة وطلع امير بالحج ست مرات آخرها سنة ثلاث وثلاثين
وكان منزله هو بيت يوسف بك بدرب الجماميز المجاور لجامع بشناك المطل على بركة الفيل وقد عمره وزخرفه بانواع الرخام الملون وصرف عليه اموالا عظيمة وقد خرب وصار حيشانا ومساكن للفقراء وطريقا يسلك منها المارة الى البركة ويسمونها الخرابة ولما مات لم يخلف سوى ابنة صغيرة ماتت بعده بمدة يسيرة وحملين في سريتين ولدت احداهن ولدا وسموه ايواظ عاش نحو سبعة اشهر ومات وولدت الاخرى بنتا ماتت في فصل كو دون البلوغ فسبحان الحي الذي لا يموت
ومات الامير اسمعيل بك جرجا وكان اصله خازندار ايواظ بك الكبير وامره اسمعيل بك وقلده صنجقا ومنصب جرجا فلذلك لقب بذلك ولم يزل حتى قتل مع ابن سيده في ساعة واحدة ودفن معه في مدفن رضوان (1/184)
بك ابي الشوارب
ومات كل من الامير عبد الله بك والامير محمد بك بن ايواظ والامير ابراهيم بك تابع الجزار قتل الثلاثة المذكورون في ليلة واحدة وذلك انه لما قتل الامير اسمعيل بك بن ايواظ بالقلعة بيد ذي الفقار بممالأة محمد بك جركس في الباطن وعبد الله بك لم يكن حاضرا انضمت طوائف الامراء المقتولين ومماليكهم الى عبد الله بك لكونه زوج اخت المرحوم اسمعيل بك ومن خاصة مماليك ايواظ بك الكبير
وكان كتخداه في حياته وقلده اسمعيل بك الامارة والصنجقية وطلع اميرا بالحج في السنة الماضية التي هي سنة خمس وثلاثين ورجع سنة ست وثلاثين
فلما وقع ذلك انضموا اليه لكونه أرأس الموجودين واعقلهم واقبلت عليه الناس يعزونه في ابن سيده اسمعيل بك وازدحم بيته بالناس وتحقق المبغضون انه ان استمر موجودا ظهر شأنه وانتقم منهم فاعملوا الحيلة في قتله وقتل امرائهم
وطلع في ثاني يوم ذو الفقار قاتل المرحوم اسمعيل بك الى القلعة فخلع عليه الباشا وقلده الامرية والصنجقية وكاشف اقليم المنوفية
ونزل الى بيت جركس ومعه تذكرة من كتخدا الباشا مضمونها انه يجمع عنده عبد الله بك ومحمد بك ابن ايواظ وابراهيم بك الجزار ويعمل الحيلة في قتلهم
فكتب جركس تذكرة الى عبد الله بك وارسلها صحبة كتخداه بطلبه للحضور عنده ليعمل معه تدبيرا في قتل قاتل المرحومين فلما حضر كتخدا جركس الى بيت عبد الله بك بالتذكرة وجد البيت مملؤا بالناس والعساكر والاختيارية والجربجية وواجب رعاياه وعنده علي كتخدا الجلفي عزبان وحسن كتخدا حبانية تابع يوسف كتخدا تابع محمد كتخدا البيوقلي وغيرهم نفر وطوائف كثيرة فأعطاه التذكرة فقرأها ثم قال لعلي بك الهندي خذ محمد بك وابراهيم بك واذهبوا الى بيت محمد بك جركس وانظروا كلامه وارجعوا فاخبروني بما يقول (1/185)
فركبوا وذهبوا عند جركس فدخلوا عليه فوجدوا عنده ذا الفقار بك وهو يتناجى معه سرا فادخلهم الى تنهة المجلس وارسل في الحال الى كتخدا الباشا يخبره بحضور المذكورين عنده ويقول له أرسل إلى عبدالله بك واطلبه فان طلع اليكم وعوقتموه ملكنا غرضنا في باقي الجماعة
فارسل الكتخدا يقول لجركس ان لا يتعرض لعلي بك الهندي لان السلطان اوصى عليه وكذلك صاري علي اوصى عليه الباشا لانه امين العنبر وناصح في الخدمة
وارسل في الحال تذكرة الى عبد الله بك ياخذ خاطره ويعزيه في العزيز ابن سيده ويطلبه للحضور عنده ليدبر معه امر هذه القضية وقتل قاتل المرحوم
فراج عليه ذلك الكلام والتمويه
وركب في الحال لاجل نفاذ المقدور وقال لعلي كتخدا اجلس هنا ولا تفارق حتى ارجع وطلع الى القلعة ومعه عشرة من الطائفة ومملوكان والسعادة فقط ودخل على كتخدا الباشا فتلقاه بالبشاشة ورحب به وشاغله بالكلام الى العصر وعندما بلغ محمد بك جركس ركوب عبد الله بك وطلوعه الى القلعة صرف علي بك الهندي ووضع القبض على محمد بك ابن ايواظ وابراهيم بك الجزار وربط خيولهما بالاسطبل وطردوا جماعتهم وطوائفهم وسراجينهم ولم يزل كتخدا الباشا يشاغل عبد الله بك ويحادثه ويلاهيه الى قبيل الغروب حتى قلق عبد الله بك واراد الانصراف فقال له كتخدا الباشا لا بد من ملاقاتك الباشا ومحادثتك معه
وقام يستأذن له ودخل ورجع اليه وقال له ان الباشا لا يخرج من الحريم الا بعد الغروب وانت ضيفي في هذه الليلة لاجل ما نتحادث مع الباشا في الليل
وحسن له ذلك وتركه الى الصباح فطلع محمد بك جركس وابن سيده محمد بك ابن ابي شنب وذو الفقار بك وقاسم بك وابراهيم بك فرسكور واحمد بك الاعسر الدفتردار فخلع الباشا على محمد بك اسمعيل وقلده امير الحاج وقلد عمر اغا كتخدا (1/186)
جاويشية عوضا عن عبد الله اغا وقلد محمد اغا لهلوبة والي ونزلوا الى بيوتهم
وطلعت طوائف عبد الله بك واتباعه وانتظروه حتى انقضى امر الديوان ولم ينزل
فاستمروا في انتظاره الى بعد العصر ثم سألوا عنه فقالوا لهم انه جالس مع الباشا في التنهة فنزلوا وارسل محمد بك جركس لهلوبة الوالي الى بيت كتخدا الباشا فقعد به الى بعد العشاء فدخلت الجو خدارية الى عبد الله بك فاخذوا ثيابه وما في جيوبه وانزلوه وسلموه الى الوالي فاركبه على ظهر كديش ونزل به من باب الميدان وساروا به الى بيت جركس فاوقفوه عند الحوض المرصود ونزلوا بمحمد بك ابن ايواظ وابراهيم بك الجزار فاركبوهما حمارين وسار بهم ابراهيم بك فارسكور والوالي على جزيرة الخيوعية وانزلوهم في المركب وصحبتهم المشاعل فقتلوهم وسلخوا رؤوسهم ورموهم الى البحر ورجعوا وانقضى امرهم وتغيب حالهم وما فعل بهم اياما
وكانت قتلتهم في شهر ربيع الاول سنة 1136
ومات عبد الله بك وهو متقلد امارة الحج وعمره ست وثلاثون سنة وكان حليما سموح النفس صافي الباطن
ومات محمد بك ابن ايواظ بك وسنه ست وعشرون سنة وكان اصغر من اخيه المرحوم
ومات الامير قاسم بك الكبير وهو مملوك ابراهيم بك ابي شنب وخشداش محمد بك جركس تقلد الامارة والصنجقية بعد قتل قيطاس بك في سنة 1126 في ايام عابدي باشا ولما هرب جركس وقبض عليه العربان واحضروه الى اسمعيل بك ونفاه الى قبرص اتفق محمد بك ابن ابي شنب مع قاسم بك سرا على احضاره الى مصر وسافر محمد بك الى الروم بالخزينة واشتغل شغله هناك على قتل اسمعيل بك وارسل في الخفية واحضره الى مصر واخفاه حتى حضر رجب باشا وفعلوا ما تقدم (1/187)
ذكره
ولم يزل اميرا ومتكلما بمصر حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار بك والمحاربة الكبيرة التي خرج فيها جركس من مصر فقتل قاسم بك المذكور في بيته اصيب برصاصة من منارة الجامع كما تقدم وعندما علم جركس بموته حضر اليه والحرب قائم وكشف وجهه فرآه ميتا وذلك سنة 1138
ومات الامير قاسم بك الصغير وهو ايضا من اتباع ابراهيم بك ابي شنب وكان فرعون هذه الطائفة في دولة محمد بك جركس وهو من جملة المتعصبين مع ذي الفقار على قتل اسمعيل بك ابن ايواظ والضارب فيه ايضا وفي اسمعيل بك جرجا ولم يزل حتى مات في رمضان بولاية البهنسا سنة 1137
ومات محمد اغا متفرقة سنبلاوين وكان اغات وجاق المتفرقة وصاحب وجاهة ومات مقتولا باغراء من محمد بك جركس
ومات الامير ابراهيم افندي كتخدا العزب المذكور قتله سليمان اغا ابو دفية وسليمان كاشف وخازندار ابن ايواظ بالرميلة في حادثة ظهور ذي الفقار كما تقدم ذكر ذلك في ايام علي باشا وملكوا في ذلك الوقت باب العزب وحضر محمد باشا وعلي باشا ووقعت الحروب مع محمد بك جركس حتى خرج من مصر وذلك سنة ثمان وثلاثين وسيأتي تتمة ذلك في ترجمة جركس
ومات الامير عبد الرحمن بك ملتزم الولجة وهو من اتباع ايواظ بك الكبير القاسمي وامره ابنه اسمعيل بك ابن ايواظ وقلده الصنجقية وسافر بالخزينة 1135 وقتل اسمعيل بك في غيابه فلما حضر الى مصر خلع عليه محمد بك ابن ابي شنب الدفتردار قائمقام قفطان ولاية جرجا واستعجله في الذهاب والسفر الى قبلي فقضى اشغاله وبرز خيامه الى ناحية الآثار وخرجت الامراء والاغوات والاختيارية والوجاقات ومشوا في (1/188)
موكبه على العادة ونزلوا بصيوانه وشربوا القهوة والشربات وودعوه ورجعوا الى منازلهم
ثم أنه قال للطوائف والأتباع اذهبوا الى منازلكم واحضروا بعد غد بمتاعكم وانزلوا بالمراكب ونسير على بركة الله تعالى
ثم أنه تعشى هو ومماليكه وخواصه وعلق على الخيول والجمال وركب وسار راجعا من خلف القلعة الى جهة سبيل علام الى الشرقية ولم يزل سائرا الى ان وصل الى بلاد الشام ومنها الى بلاد الروم هذا ما كان من امره
واما جركس فانه احضر علي بك وقاسم بك وعمر بك امير الحاج وامرهم بالركوب بعد العشاء بالطوائف ويأخذوا لهم راحة عند السواقي ثم يركبوا بعد نصف الليل ويهاجموا وطاق عبد الرحمن بك ولجة على حين غفلة ويقتلوه ويأخذوا جميع ما معه ففعلوا ذلك وساروا قرابة فلم يجدوا غير الخيام فاخذوها ورجعوا ولم يزل المترجم حتى وصل الى اسلامبول واجتمع برجال الدولة فاسكنوه في مكان واخذ مكتوبا من أغات دار السعادة خطابا الى وكيله بمصر يتصرف له في حصصه بموجب دفتر المستوفي ويرسل له الفائظ كل سنة واستمر هناك الى ان مات
ومات الامير الشهير محمد بك جركس واصله من مماليك يوسف بك القرد وكان معروفا بالفروسية بين مماليك المذكور فلما مات يوسف بك في سنة 1107 اخذه ابراهيم بك ابو شنب وارخى لحيته وعمله قائمقام الطرانة وتولى كشوفية البحيرة عدة مرار ثم امارة جرجا وسافر الى الروم سر عسكر على السفر في سنة 1128 فضم اليه المبغضين له من الفقارية وغيرهم وتوافقوا على اغتياله ورصد له طائفة منهم ووقفوا له بالرميلة وضربوا عليه بالرصاص فنجاه الله من شرهم وطلع اسمعيل بك وصناجقة الى باب العزب وطلب جركس الى الديوان ليتداعى معه فعصي وامتنع وتهيأ للحرب والقتال فقوتل وهزم وخرج هاربا من مصر فقبض عليه العربان واحضروه اسيرا الى اسمعيل بك فاشاروا عليه بقتله (1/189)
فأبى وقال انه دخل حيا الى بيتي فلا سبيل الى قتله
وانزله بمكان واحضر له الطبيب فداوى جراحته واكرمه واعطاه ملابس وخلع عليه فروة سمور والف دينار ونفاه الى قبرص حسما للشر
واستمر الحقد في قلوب خشداشينه ومحمد بك ابن ابي شنب ابن استاذهم واتفقوا على احضار جركس سرا الى مصر
وسافر ابن ابي شنب بالخزينة الى دار السلطنة فاغرى رجال الدولة ورشاهم وجعل لهم اربعة آلاف كيس على ازالة اسمعيل بك وعشيرته
ووقع ما تقدم ذكره في ولاية رجب باشا
وحضر جركس الى مصر في صورة درويش عجمي واختفى عند قاسم بك ودبروا بعد ذلك ما دبروه من قتل الباشا وما تقدم ذكره في ترجمة اسمعيل بك
ونجا اسمعيل بك ايضا من مكرهم وظهر عليهم وسامحهم في كل ما صدر منهم مع قدرته على ازالتهم
ولم يزالوا مضمرين له السوء حتى توافقوا على قتله غدرا وخانوه وقتلوه بالديوان وازالوا دولته
وصفا
وصفا عند ذلك الوقت لمحمد بك جركس وعشيرته فلم يحسن السير وطغى وتجبر وسار في الناس بالعسف والجور واتخذ له سراجا من اقبح خلق الله واظلمهم وهو الذي يقال له الصيفي ورخص له فيما يفعله ولا يقبل فيه قول احد واتخذ له اعوانا من جنسه وخدما وكلهم على طبقته في الظلم والتعدي فكانوا يأخذون الاشياء من الباعة ولا يدفعون لها ثمنا ومن امتنع عليهم ضربوه بل وقتلوه وصاروا يخطفون النساء والاولاد
وصاروا يدخلون بيوت التجار في رمضان بالليل فلا ينصرفون حتى ضاق صدر الباشا وابرز مرسوما من الدولة برفع صنجقية محمد بك جركس وكتب فرامانات وارسلها الى الوجاقات ومشايخ العلم والبكري وشيخ السادات ونقيب الاشراف بالاخبار بذلك وبالمنع من الاجتماع عليه او دخول منزله
ووصل الخبر الى محمد بك جركس فكتب في الحال تذاكر وارسلها الى اختيارية الوجاقات والمشايخ بالحضور (1/190)
ساعة تاريخه لسؤال وجواب فذهب اليه الاختيارية فاكرمهم واجلهم واجلسهم ثم حضر المشايخ فلما تكامل المجلس اوقف طوائفه ومماليكه بالاسلحة ثم قال لهم تكونوا معي او اقتلكم جميعا
فلم يسعهم الا انهم قالوا له جميعا نحن معك على ما تريد
فقال اريد عزل الباشا ونزوله فقالوا نحن معك على ما تختار
ثم انهم كتبوا فتوى مضمونها ما قولكم في نائب السلطان اراد الافساد في المملكة وتسليط البعض على البعض وتحريك الفتن لاجل قتلهم واخذ اموالهم فماذا يلزم في ذلك فكتب المشايخ بوجوب ازالته وعزله قمعا للفساد وحقنا للدماء
فاخذ الفتوى منهم وقام واخذ معه رجب كتخدا ومصطفى كتخدا وابراهيم كتخدا عزبان ودخل الى داخل وترك الجماعة في المقعد والحوش وعليهم الحرس وباتوا على ذلك من غير عشاء ولا دثار فلما اصبح صباح يوم الجمعة عاشر القعدة ارسل احمد بك الاعسر الى الباشا يقول له انت تنزل او تحارب وكان ارسل قاسم بك الكبير الى ناحية الجبل بنحو الخمسمائة خيال فقال بل انزل وانظروا الى مكانا انزل فيه
ونزل في ذلك اليوم قبل الصلاة الى بيت محمد اغا الدالي بقوصون ولم يخرج جركس من بيته ولا احد من المعوقين سوى قاسم بك واحمد بك
ثم انه كتب عرضا على موجب الفتوى وختم عليه المشايخ والوجاقات وكتبوا فيه انه باع غلال الحرمين وغلال الانبار وباع من غلال الدشائش والخواسك ثمانية وعشرين الف اردب وختم عليه القاضي ايضا وارسله صحبة ستة انفار من الوجاقلية في غرة الحجة سنة 1137
ولما فعل ذلك اقام محمد بك الدفتردار ابن استاذه قائمقام فصار يعمل الدواوين في منزله ولم يطلع الى القلعة الا في يوم نزول الجامكية
ولما فعل جركس ذلك صفا له الوقت وعزل مملوكه محمد اغا الوالي وقلده الصنجقية وسماه جركس الصغير والبس على اغا مملوكه ابن اخي قاسم بك الصغير (1/191)
صنجقية عمه واعطاه بلاده وماله وجواره وقلد على المحرمجي مملوكه الصنجقية ايضا وكذلك احمد الخازندار مملوك احمد بك الاعسر وسليمان اغا جميزة تابع احمد اغا الوكيل صناجق البسهم الجميع قائمقام في بيته
ولم يتفق نظير ذلك وحضر جن علي باشا وطلع الى القلعة فلم يقابله جركس الا في قصر الحلي وكمل له من الامراء ثلاثة عشر صنجقا واستولوا على جميع المناصب والكشوفيات
ولما تأمر ذو الفقار بعد قتل اسمعيل بك انضم اليه كثير من الفقارية وسافر الى المنوفية فاراد ان يجرد عليه وطلب من الباشا فرمانا بذاك فامتنع فتغير خاطره من الباشا واستوحش كل من الآخر وحصل ما تقدم ذكره من عزل الباشا ثم جرد علي ذي الفقار فاختفى ذو الفقار وتغيب بمصر الى ان حضر علي باشا والي جريد واستقر بالقلعة ودبروا في ظهور ذي الفقار كما تقدم في خبر محمد باشا
وخرج محمد بك جركس هاربا من مصر فنهبوا بيته وبيوت اتباعه وعشيرته فاخرجوا من بيته شيئا لا يحد ولا يوصف حتى انه وجد به من صنف الحديد اكثر من الف قنطار ومن الغنم ازيد من الالف خروف
وبعدما احاطوا بما فيه من المواشي والامتعة ونهبوها هدموه واخذوا اخشابه وشبابيكه وابوابه
ولم يمض ذلك النهار حتى خرب عن آخره
ولم يبق به مكان قائم الاركان وقد اقام يعمر فيه نحو اربع سنوات فخرب جميعه من الظهر الى قبيل المغرب
وقتلوا كل من وجدوه من اتباعه واختفى منهم من اختفى ومن ظهر بعد ذلك قتلوه ايضا ونهبوا دياره
واخرج خلفه ذو الفقار تجريدة فلم يدركوه وذهب من خلف الجبل الاخضر الى درنه فصادف مركبا من مراكب الافرنج فنزل فيها مع بعض مماليكه وتفرق من كان معه من الامراء بالبلاد القبلية وسافر المترجم الى بلاد الافرنج فاكرموه وتشفعوا فيه عند العثماني بواسطة الالجي فقبلوا شفاعتهم فيه واخذوا له (1/192)
مرسوما بالعودة الى مصر واخذها ان قدر على ذلك بعد ان عرضوا عليه الولاية والباشوية ببعض الممالك فلم يقبل
ولم يرض الا بالعودة الى مصر فوصل الى مالطة وانشأ له سفينة وشحنها بالجبخانة والآلات والمدافع ورجع الى درنة فطلع من هناك وامر الرؤساء بالذهاب بالسفينة الى ثغر اسكندرية
وحضر اليه بعض امرائه واتباعه المتفرقين فركب معهم وذهب الى ناحية البحيرة فصادف حسين بك الخشاب فهرب من وجهه فنهب حملته وخيامه وذهب الى الاسكندرية وكانت سفينته قد وصلت فاخذ ما فيها من المتاع والجبخانة والآلات ورجع الى قبلي على حوش ابن عيسى واجتمع عليه الكثير من العربان وسار الى الفيوم فهجم على دار السعادة وهربت الصيارف فاخذ ما وجده من المال ونزل على بني سويف وكان هناك علي بك المعروف بالوزير فنزل اليه وقابله ثم سار الى القطيعة بالقرب من جرجا ثم عرجا جهة الغرب قبلي جرجا وارسل الى سليمان بك وطلبه للحضور اليه بمن عنده من القاسمية فعدى اليه سليمان بك ومن معه وقابله واطلعه على ما بيده من المرسوم والامان والعفو
وحضر اليه احمد بك الاعسر وجركس الصغير فركب بصحبة الجميع وانحدر الى جهة بحري فتعرض لهم حسن بك والسدادرة وعسكر جرجا وحاربوهم فقتل حسن بك وطائفته ولم ينج منهم الا من دخل تحت بيارق العسكر
ونزل جركس بصيوان حسن بك وانزلوا مطابخهم وعازقهم في المراكب وسار بمن معه طالبين مصر ووصلت اخبارهم الى ذي الفقار بك فعمل جمعية واخذ فرمانا بسفر تجريدة وأميرها عثمان بك تابع ذي الفقار وعلي بك قطامش وعساكر اسباهية وغيرهم فقضوا اشغالهم وعدوا الى ام خنان وصحبتهم الخبيري
وساروا الى وادي البهنسا فتلاقوا مع محمد بك جركس فتحاربوا معه يوما وليلة وكان مع جركس طائفة من الزيدية والهوارة وعرب نصف (1/193)
حرام فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى محمد جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وقتل منهم نحو مائة وسبعين جنديا وحال بينهم الليل ورجع المهزومون لمصر وقالوا لذي الفقار بك ان لم تتداركوا امركم والا دخلوا عليكم البيوت
فجمع ذو الفقار بك الامراء واتفقوا على تشهيل تجريدة اخرى واحتاجوا الى مصروف فطلبوا من الباشا فرمانا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري او من مال البهار على السنة القابلة فامتنع الباشا فركبوا عليه وعزلوه وانزلوه ولبسوا محمد بك قطامش قائمقام واخذوا منه فرمانا وجهزوا امر التجريدة فاخرجوا فيها مدافع كبار واحضروا سالم بن حبيب ومعه نصف سعد ونزل عثمان جاويش القازدغلي بجماعة جهة البدرشين وصحبته علي كتخدا الجلفي بالمراكب ورتبوا امورهم واشغالهم ووصل جركس ومن معه ناحية دهشور والمنشية ووقعت بينهم حروب ووقعت الهزيمة على جركس وقتل سليمان بك ونزلت القرابة المراكب وسارت الخيالة صحبة العرب مقبلين
وسار عثمان جاويش القازدغلي خلف قرا مصطفى جاويش ليلا ونهارا حتى ادركه عند ابي جرج فقبض عليه ومعه ثلاثة واخذ ما وجده معه وانزلهم في المركب واتى بهم الى مصر وقطعوا رؤوسهم وارسلوا فرمانا برجوع التجريدة ولحوق الصنجقيين وأغات البلك والاسباهية وسالم بن حبيب بجركس أينما توجه
فسافروا خلفه اياما ثم عدى الى جهة الشرق ومعه عرب خويلد واقام هناك ينتظر حركة القاسمية بمصر وكانوا عدوا معه سرا على قتل ذي الفقار بك فعدى اليه علي بك قطامش والعسكر وسالم بن حبيب فتلاقوا معه ووقع بينهم مقتلة عظيمة انجلت عن انهزام جركس ومن معه حتى القوا بأنفسهم في البحر
وأما جركس فانه خلع لجام الحصان واراد ان يعدي به بمفرده الى البر الاخر فانغرز الحصان في روبة وتحتها الماء عميق فنزل من على ظهره ليخلصه فزلقت رجله وغرق (1/194)
بجانبه وكان بالقرب منه شادوف وعليه رجلان من الفلاحين ينقلان الماء الى المزرعة فنزلا اليه فوجدا الحصان ميتا وهو غاطس بجانبه ولم يعلما من هو فجراه من رجله وأخذا سلاحه وزرخه وثيابه وما في جيوبه ودفناه بالجزيرة
ومر بهما قارب صياد فطلباه ووضعاه فيه وكان علي بك جالسا بجنب البحر ومعه سالم بن حبيب فنظر سالم الى القارب وهو مقبل فقال ما هذا الا سمكة عظيمة واصلة الينا فأوقفوا القارب في ناحية من البر وتقدم أحد الشدافين الى الصنجق وباس يده فقال له ما خبرك قال وجدنا جنديا من المهزومين وهو غرقان بحصانه فلعله من المطلوبين والا رميناه البحر فلما رآه عرفه ورجع الى الصنجق فأمر باخراجه من القارب ووضع احد الرجلين في الحديد وقال للثاني اذهب فآت بكامل ما أخذتماه وانا أطلق لك رفيقك وأمر بسلخ رأسه وغسلوه وكفنوه ودفنوه ناحية شرونة وارتحلوا وساروا الى مصر
وكان القاسمية الذين بمصر فعلوا فعلهم وقتلوا ذا الفقار بك وذلك في أواخر رمضان والبلد في كرب والقاسمية منتظرون قدوم جركس وأبواب المدينة مقفلة وعلى كل باب أمير من الصناجق والوجاقلية داثرون بالطوف في الشوارع وبأيديهم الاسلحة
فلما وصل علي بك قطامش الى الآثار النبوية وأرسل عرفهم بما حصل خرج اليه عثمان بك ودخل صحبته بموكب والرأس امامهم محمولة في صينية فكان ذلك اليوم يوم سرور عند الفقارية وحزن عظيم عند القاسمية
فطلعوا بالرأس الى القلعة فخلع عليهم الباشا الخلع السمور ونزلوا الى منازلهم وأتتهم التقادم والهدايا فكان بين موت جركس وذي الفقار خمسة ايام ولم يشعر أحدهما بموت الآخر
ثم تتبعوا القاسمية وقتلوا منهم الوفا
وبهذه الحوادث انقطعت دولة القاسمية والسبب في دمارهم محمد بك جركس المترجم وابن استاذه محمد بك بن أبي شنب وسوء أفعالهما وخبث (1/195)
نياتهما فان جركس هذا كان من أظلم خلق الله واتباعه كذلك وخصوصا سراجه المعروف بالصيفي وطائفته وكانت ايامه شر الايام وحصل منهم من انواع الفساد والافساد مالا يمكن ضبطه وكان موته في اواخر رمضان سنة 1142
ومات الامير علي بك المعروف بالهندي وهو مملوك احمد بك تابع أيواظ بك الكبير جرجي الجنس تقلد الامارة والصنجقية بالديار الرومية وذلك انه لما قلد اسمعيل بك بن ايواظ استاذ احمد بك الصنجقية والامارة على السفر الى بلاد مورة في سنة 1127 عوضا عن يوسف بك الجزار جعل عليا هذا كتخداه فلما توجهوا الى هناك وتلاقوا في مصاف الحرب هجم المصريون على طابور العدو بعد انهزام الروميين فكسروا الطابور وانهزم العدو واستشهد احمد بك امير العسكر المصري
فلما رجعوا الى اسلامبول ذكروا ذلك وحكوه لرجال الدولة فانعموا على علي الهندي وأعطوه صنجقية استاذه احمد بك واعطوه مرسوما بنظر الخاصكية قيد حياته زيادة على ذلك ورجع الى مصر ولم يزل معدودا في الامراء الكبار مدة دولة اسمعيل بك ابن سيد استاذه حتى قتل اسمعيل بك وأراد قتله محمد بك جركس هو وعلي بك الارمني المعروف بأبي العدبات فدافع عنهما محمد باشا وقال إن الهندي منظور مولانا السلطان والأرمني أمين العنبر وناصح في بخدمته وضمن عائلتهما الباشا فاستمروا في إمارتهما فلما استوحش جركس من ذي الفقار وجرد عليه وهو في كشوفية المنوفية هرب وحضر إلى مصر ودخل عند علي بك الهندي المذكور فاخفاه عنده خمسة وستين يوما ثم انتقل إلى مكان آخر والمترجم يكتم أمره فيه وجركس واتباعه يتجسسون ويفحصون عليه ليلا ونهارا وعزل جركس محمد باشا وحضر علي باشا ودبروا أمر وظهور ذي الفقار مع عثمان كتخدا القاذرغلي (1/196)
واحضروا اليهم المترجم وصدروه لذلك وأعانوه بالمال وفتح بيته وجمع اليه الايواظية والخاملين من عشيرتهم وكتموا امرهم وثاروا ثورة واحدة وأزالوا دولة جركس كما تقدم
وظهر امر ذي الفقار وتلقد علي بك الهندي الدفتردارية بموجب الشرط المتقدم وحضر محمد بك قطامش من الديار الرومية باستدعاء المصريين بتقليد الدفتردارية من الدولة فلم يمكنه المترجم منها حتى ضاقت نفسه منه ووجه عزمه الى ذي الفقار بك والح عليه وهو يعده ويمنيه ويأمره بالصبر والتأني الى ان حضر المملوك الواشي واخبر علي بك باجتماع مصطفى بك بن ايواظ وأبي العدب ومن معهم وذكر له ما قالوه في حال نشوتهم فلم يتغافل عن ذلك وقال لذلك المملوك اذهب الى ذي الفقار بك فأخبره
فذهب اليه فعرفه صورة الحال فأوقع بهم ما تقدم ذكره من قتلهم بيد الباشا وكان يظن مصافاة ذي الفقار له ويعتقد مراعاة حقه له وبهذه النكتة صار علي بك وحيدا فطمع فيه العدو واختلى محمد بك قطامش بذي الفقار بك وتذاكر معه امر الدفتردارية وعدم نزول علي بك عنها وقال لا بد من قتلي اياه فقال له ذو الفقار لا ادخل معك في دمه فان له في عنقي جميلا فان كنت ولا بد فاعلا فاذهب الى يوسف كتخدا البركاوي ورضوان أغا وعثمان جاويش القازدغلي ودبر معهم ما تريد ولكن ان قتلتم الهندي فلازم من قتل محمد بك الجزار وذي الفقار قانصوه
فقال محمد قطامش ان ابن الجزار له في عنقي جميل فانه صان بيتي وحريمي في غيابي كوالده من قبل فقال ذو الفقار بك وانا كذلك اقمت في الاختفاء بمنزل علي بك وبغيره باطلاعه
وانحط الامر بينهم على الخيانة والغدر وذهب محمد بك فاجتمع بيوسف البركاوي ومن ذكر وتوافقوا على ذلك
فاحضر يوسف كتخدا البركاوي باش سراجينه وكلمه على قتل الهندي ووعده بالاكرام فأخذ معه في صحبها خمسة انفار ووقف (1/197)
بهم عند باب االعزب
فلما اقبل علي بك في طائفته ابتكر ذلك السراج مشاجرة مع بعض السراجين وتسابوا فقيل لهم اما تستحوا من الصنجق فأخرج ذلك السراج الطبنجة وضربها في صدر الصنجق علي بك جواده الى جهة المحجر وسار على باب زويلة وذهب الى داره بحارة عابدين وحضر اليه طوائفه واغراضه واصحابه وامتلأ البيت والشارع وباتوا تلك الليلة وعند الفجر ركب محمد بك قطامش وحضر عند ذي الفقار بك فركب معه الى جامع السلطان حسن وحضر عندهم رضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وباقي الأغوات فارسلوا من طرفهم جاسوسا الى بيت الهندي فرجع وعرفهم بمن عنده فقال رضوان اغا انا أذهب اليه واحضره بحيلة الى بيت ذي الفقار بك ويأتي اغات مستحفظان فيأخذه اليكم
فركب رضوان اغا وارسلوا الى ذي الفقار بك وقانصوه أتى عندهم ايضا
فلما دخل رضوان اغا على علي بك الهندي وده شعلة نار فجلس معه وحادثه وخادعه وقال له بلغني ان ذو الفقار بك في بيتك خمسة وستين يوما وبينك وبينه عهد وميثاق فقم بنا الى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم منه ودع الجماعة ينتظرونا الى ان نعود اليهم
فطلب الحصان فاشار عليه علي كتخدا الجلفي بعدم الذهاب فلم يسمع وركب في قلة من اتباعه وصحبته مملوكان فقط وذهب مع رضوان اغا فدخل معه بيت ذي الفقار بك وتركه وسار ليأتي اليه بذي الفقار بك ذهب اليهم وعرفهم حصوله في بيت ذي الفقار
فارسلوا اليه اغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت ذي الفقار بك واخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له اكديشا عريانا فقام عثمان تابع صالح كتخدا عزبان الرزاز واخذ كليما قديما فوق الاكديش وميل عليه وقال له هذا جزاء من يقص جناحه بيده
واركبوه عليه وذهبوا به الى السلطان حسن (1/198)
فلما رآه ذو الفقار بك قال خذوا هذا ايضا واشار الى ذي الفقار قانصوه وكان رجلا وجيها ولحيته بيضاء عظيمة وعليه هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على اقدامهما الى سبيل المؤمن وقطعوا رؤوسهما ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما الى بيوتهما فما شعر الجماعة الجالسون في بيت الهندي الا وهم داخلون عليهم برمته فغسلوه وكفنوه ومشوا في جنازته وذهبوا الى منازلهم وانفض الجميع
وركب ذو الفقار ومن معه وطلعوا الى القلعة وتمموا اغراضهم
وكان المترجم سليم الصدر وعنده الحلم والعفة وسماحة النفس وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف ونظر الخاصكية بامر سلطاني قيد حياته
فلما ترأس محمد بك جركس وابن استاذه محمد بك ابن ابي شنب الدفتردارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية والبسه محمد باشا قفطانا بذلك فلم يمتثل محمد بك ابن ابي شنب ولم يمكنه منها فورد بعد ذلك مرسوم كذلك بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطانا وبعث الى محمد بك يطلب منه المفاتيح فوعده بذلك
ثم احضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية فاعطاها الى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي ومن كل بلك واحد وفتحوا الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فاخذ حجة بذلك
وكان موت المترجم في اوائل سنة 1140
ومات الامير ذو الفقار بك قانصوه وهو تابع قانصوه بك الكبير الايواظي القاسمي تقلد الامارة والصنجقية في سابع شعبان سنة 1128 ولبس عدة مناصب كثيرة مثل كشوفية بني سويف والبحيرة
ولما حصلت الحوادث وقتل اسمعيل بك ابن ايواظ اعتكف في بيته ولازم داره ولم يتداخل معهم في شيء من الامور فلما تعصب ذو الفقار بك ومحمد بك قطامش ومن معهم على قتل علي بك الهندي واخماد فرقة القاسمية عزم على قتل ذي الفقار قانصوه ايضا وارسل اليه واحضره الى جامع السلطان حسن (1/199)
وهو لم يخطر بباله انهم يغدرونه لأنجماعه عنهم
فلما احضروا علي بك الهندي على الصورة المتقدمة وسحبوه الى القتل فقال ذو الفقار بك خذوا هذا ايضا واشار الى المترجم لحزازة قديمة بينهما او لعلمه بانه من رؤساء القاسمية وقاعدة من قواعدهم
فقال لهم وما ذنبي خذوا عني الامرية والبلاد ولا تقتلوني ظلما
فلم يمهلوه ولم يسمعوا لقوله فسحبوه ماشيا مع الهندي وقتلوهما تحت سبيل المؤمن بالرميلة وكان انسانا عظيما وجيها منور الشبيبة عظيم اللحية رحمه الله تعالى
ومات الامير محمد بك ابن يوسف بك الجزار تقلد الامارة والصنجقية في شعبان سنة 1138 بعد واقعة محمد بك جركس وخروجه من مصر
ولما قتل علي بك الهندي وذو الفقار بك قانصوه كان هو في كشوفية المنوفية فعينوا له تجريدة وعليها اسمعيل بك قيطاس واخذ صحبته عربان نصف سعد وكان قد وصل اليه الخبر فاخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل الى جسر سديمة
فلحقوه هناك واحتاطوا به وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم اجناد وعرب وحمى نفسه الى الليل
ثم احضر مركبا فنزل فيها وصحبته مملوكان لا غير وفراش واخراج وذهب الى رشيد وترك اربعة وعشرين مملوكا خلاف المقتولين
فاخذوا الهجن وساروا ليلا متحيرين حتى جاوزوا وطاق اسمعيل بك
وتخلف منهم شخص فحضر الى وطاق اسمعيل بك قيطاس فاخبره فارتحل كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم عنده فخدموه الى ان مات
ودخل محمد بك الجزار ثغر رشيد فاختفى في وكالة فنمي خبره الى حسين جربجي الخشاب السردار فحضر اليه وقبض عليه وسجنه مع احد المملوكين وكان الثاني غائبا بالسوق فتغيب ولم يظهر الا بعد مدة وارخى لجنة وفتح له دكانا يبيع ويشتري ولم يعرفه احد
وارسل حسين جربجي الخبر الى مصر مع الساعي الى ذي الفقار بك ويستأذن في امره بشرط ان يجعلوه صنجقا (1/200)
ويعطوه كشوفية البحيرة عن سنة 1140
فأجيب الى ذلك وارسلوا له فرمانا بقتل محمد بك الجزار وقتل مملوكه وان يأتي هو الى مصر ويعطوه مراده ومطلوبه
ومع الفرمان اغا معين من طرف الباشا فقتلوا محمد بك ومعه مملوكه وسلخوا رؤوسهما
ورجع بهما الاغا المعين الى مصر
ومات الامير محمد بك ابن ابراهيم بك ابي شنب القاسمي وتقلد الامارة والصنجقية في حياة والده في سنة 1127 ولما توفي والده انتقل الى بيته الذي بالقرب من جامع اينال بالقرب من قناطر السباع وتولى عدة كشوفيات بالاقاليم في ايام المرحوم اسمعيل بك ابن ايواظ
وكان يحقده ويحسده ويكرهه باطنا هو ومماليك ابيه وخصوصا محمد بك جركس
وارادوا اغتياله واوقفوا له في طريقه من يقتله ونجاه الله منهم فظفر بهم واخرج جركس منفيا الى قبرص كما تقدم وسافر محمد بك المترجم بالخزينة فاغرى به رجال الدولة واوشى في حقه وحصل ما تقدم ذكره وايده الله عليهم ايضا في تلك المرة
ولما قتل اسمعيل بك واستقل محمد جركس فتقلد المترجم دفتردار وصار اميرا كبيرا يشار اليه ويرجع اليه في جميع الامور ولما عزلوا محمد باشا النشنجي تقلد المترجم ايضا قائمقام وعمل الدواوين في بيته ولم يطلع الى القلعة كعادة الوكلاء والنواب وقلد المناصب والامريات في منزله وصار كأنه سلطان
وكان على نسق مملوك ابيه محمد جركس في العسف وسوء التدبير ولا يخرج احدهما عن مراد الآخر
ولم يزل على ذلك حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار وخرج محمد بك جركس ومن معه هاربين واختفى المترجم
ثم ان جماعة من العامة وجدوه ميتا بالجامع الازهر
ومات ايضا عمر بك امير الحاج تابع عبد الرحمن بك جرجا المتقدم ذكره انطوى الى محمد بك جركس وامره وجعله امير الحاج في ايامه (1/201)
وكان غنيا وصاحب فائظ كثير ومات في واقعة جركس
ومات رضوان بك وهو من مماليك محمد بك جركس ويقال له رضوان الخازندار قلده الصنجقية واخذ نظر الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها له
وتنافس بسببها مع جركس وانجمع كل منهما عن الآخر مدة طويلة
ولما وقع لجركس ما وقع اختفى رضوان بك المذكور عند يوسف بك زوج هانم فاخبر عنه واخذه سليمان اغا وقتله فسمي لذلك يوسف الخائن
ومات الامير علي بك المعروف بالارمني ويعرف ايضا بالشامي وهو من اتباع ابن ايواظ وكان امين العنبر ويعرف ايضا بابي العدب تقلد الصنجقية في عشري شهر القعدة سنة 1135 ولما اراد اسمعيل بك تأميره لم يجدوا له امرية في المحلول
فانعم عليه الباشا بصنجقية كتخداه رعاية لخاطر ابن ايواظ
ومات ايضا مصطفى بك ابن ايواظ وهو اخو اسمعيل بك تقلد الامارة والصنجقية ايام ظهور ذي الفقار كما تقدم وصار من الامراء القاسمية المعدودين فلما احضر الباشا علي بك الارمني وقتله وامر بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك المذكور واحضروه على حمار وصحبته المقدم تابعه فقتلوهما تحت ديوان قايتباي بعد قتل علي بك بيومين
ومات الامير صاري علي بك ويقال له علي بك الاصغر لان صاري بمعنى الاصغر وهو من اتباع ايواظ بك تقلد الامارة والصنجقية غاية شعبان سنة 1135 ولبس كشوفية الغربية ولما قتل ابن استاذه اسمعيل بك استعفى من الصنجقية وعمل جربجيا بباب العزب واعتكف ببيته ولم يتداخل في امر من الامور ثم اعيد وسافر اميرا بالعسكر الى الروم وتوفي بدار السلطنة سنة 1141
ومات الامير احمد كتخدا عزبان المعروف بامين البحرين وكان من (1/202)
الاعيان المشهورين نافذ الكلمة وافر الحرمة
وكان بينه وبين الامير اسمعيل بك ابن ايواظ وحشة وكان يكرههه فلما ظهر اسمعيل بك خمدت كلمة المترجم واستمر في خموله ثم انضم الى اسمعيل بك وتحابب له وصار من اكبر اصدقائه
وعمل باش اوده باشه ثم تولى الكتخدائية وعمل امين البحرين ثالث مرة
وسمعت كلمته ونمي صيته فلما قتل اسمعيل بك رجع الى خموله
ثم نفي الى ابي قير بمعرفة اختيارية الباب وتعصب ابراهيم كتخدا افندي عليه وكان اذ ذاك ضعيف المزاج فارسلوا له الفرمان صحبة كمشك جاويش ومعه نحو المائتين نفر فدخلوا عليه منزله بدرب السادات مطل على بركة الفيل على حين غفلة واركبوه من ساعته وهم حوله الى بولاق وارسلوه الى ابي قير
ثم ارسلوا له فرمانا بالسفر الى سفر العجم مع صاري علي وجعلوه سردار العزب ومع الفرمان القفطان وفيه الامر له بان يجهز نفسه ويسافر من ابي قير الى الاسكندرية
توفي في سنة 1141
ومات الامير علي قاسم وهو ابن اخي قاسم بك الصغير ويلقب بالملفق ولما مات قاسم بك بالبهنسا كما تقدم قلد محمد بك جركس عليا هذا الصنجقية عوضا عن قاسم بك ونزل في منصبه واعطاه فائظه
ولم يزل اميرا حتى خرج محمد بك جركس من مصر هاربا وخرج معه من خرج واختفى المترجم فمين اختفى ببيت امرأة دلالة في كوم الشيخ سلامة ومات به
ومات الامير رجب كتخدا سليمان الاقواسي وذلك انه لما انقضى امر جركس قلدوا رجب كتخدا سردار جداوي وجعلوا الاقواسي يمق وجهزوا امورهما واحمالهما وخرجا الى البركة ليذهبا الى السويس فخرج اليهما صنجق من الامراء وصحبته جاويش من الباب فاتياهما آخر الليل وقتلاهما وقطعا رؤوسهما وضبطا ما وجداه من متاعهما وسلماه لبيت المال بالباب (1/203)
ومات الامير احمد افندي كاتب الروزنامة ابن محمد افندي التذكرجي خنقة محمد باشا النشنجي في واقعة جركس وظهور ذي الفقار بك ولما خرج جركس من مصر هاربا خرج معه الى وردان وكان جسيما فانقطع مع بعض المنقطعين واخذت ثيابهم العرب وقبضوا على من قبضوا عليه وفيهم احمد افندي الروزنامجي واتوا بهم الى مصطفى تابع رضوان اغا وكان في الطرانة قائمقام
فاخذهم وقتل منهم اناسا وارسل رؤوسهم وارسل احمد افندي بالحياة فحضرواا به الى بيت الدفتردار وهو راكب على ظهر حمار سوقي فارسله علي بك الهندي الدفتردار الي ذي الفقار لم يلتفت اليه ولم يخاطبه وارسله الى الباشا فمثل بين يديه وكان يوم ديوان وذلك بعد الواقعة بخمسة ايام فارسله الباشا الى كتخداه فبات عنده تلك الليلة ثم ارسله الى كتخدا مستحفظان فحبسه بالقلعة وخنقوه تلك الليلة وانزلوه الى بيته فغسلوه وكفنوه ودفنوه
ومات محمد جربجي المرابي وكان ذا مال عريض وضبط موجودة الفي كيس ولم يعقب اولادا الا اولاد سيده وزوجته بنت استاذه واوصى لشخص يقال له عمر اغا بثلاثين كيسا ولآخر بالفي دينار ولآخر بالف ولكل مملوك من مماليكه الف دينار ولمجاوري الازهر خمسمائة دينار
توفي في عشرين رمضان سنة 1138
ومات المعلم داود صاحب عيار خنقه محمد باشا النشنجي بعد خروج محمد بك جركس فقبضوا عليه وحبسوه بالعرقانة وخنقوه وهو الذي ينسب اليه الجدد الداودية
وفي سنة 1137 الماضية حضر من الديار الرومية امين ضربخانة وصاحب عيار وصناع دار الضرب وصحبتهم سكة الفندقلي والنصف فندقلي وان يكون عياره ثلاثة وعشرين قيراطا وصرف الفندقلي مائة واربعة وثلاثون نصفا والنصف سبعة وستون فاحضر الباشا المعلم داود وطلب منه سكة الجنزرلي واعطاه سكة الفندقلي وختم (1/204)
على سكة الجنزرلي في كيس واودعها في خزانة الديوان
وعندما سمع داود بهذه الاخبار قبل حضورهم الى مصر تدارك امره وفرق علي الباشا وكتخدا الباشا ومحمد بك جركس والمتكلمين عشرين الف دينار
فلما قرىء المرسوم بالديوان قالوا سمعنا واطعنا في امر السكة واما صاحب عيار فان لا يتغير فقال الباشا كذلك لكن يكون الاغا ناظرا على الضربخانة لاجل اجراء المرسوم وتم الامر على ذلك
فلما عزل الباشا اجتمع الموردون للذههب عند المعلم داود وكلموه في اخراج سكة الجنزرلي لانهم هابوا سكة الفندقلي وامتنعوا من جلب الذهب
وتعطل الشغل فرشا قائمقام واخرج له سكة الجنزرلي وسلمها لداود فاخذها الى داره بالجيزة وعمل له فرمانا للذهب واحضر الصناع والذهب من التجار وضرب في ستين يوما وليلة تسعمائة وثمانين الف جنزرلي ونقص من عياره قيراطا ودفع المصلحة وسدد ما عليه من ثمن الذهب وقضى ديونه وكشوفية دار الضرب
فصارت الصيارف تتوقف فيه ويقولون ضرب الجيزة يعجز خمسة انصاف فضة فنقمها محمد باشا على داود فلما عاد الى المنصب في واقعة جركس وذي الفقار قبض عليه وقتله وذلك في اواخر جمادي الاخرة سنة 1138
ومات الامير احمد بك الاعسر وهو من مماليك ابراهيم بك ابي شنب القاسمي تقلد الامارة والصنجقية في عشرين شهر شوال 1123 وتلبس بعده مناصب مثل جرجا والبحيرة والدفتردارية وعزل عنها وهو خشداش جركس وعضده وخرج معه من مصر ولما ذهب جركس الى بلاد الافرنج تخلف عنه واقام عند العرب ونزل عند ابن غازي بناحية درنه
فلما وصل الحاج المغربي ارسل معهم ثلاثة من مماليكه وارسل معهم مكاتيب ومفاتيح الى ولده وذكر له انه يتوجه الى رجل سماه له
فلما وصلت السفينة التي نزلوا بها اعلم القبطان سردار مستحفظان فقبض عليهم (1/205)
وارسل بخبرهم الى باب مستحفظان فاخبروا الباشا فاحضروا الى الشرطة وامره باحضار ابن احمد بك الاعسر فاحضره فامر بحبسه بالعرقانة فحبسوه وعاقبوه فاقر بان المال عند ابن درويش المزين وهو كان مزين ابراهيم بك ابي شنب فارسلوا اليه وهجموا عليه ليلا وأخذوا كل ما في داره ووجدوا عنده ثلاثة صناديق للاعسر ثم نفوا بعد ذلك ابن احمد بك الى دمياط ولم يزل احمد بك ينتقل مرة عند عرب درنة ومرة عند الهوارة بالصعيد وكذلك باقي جماعة جركس وخشداشينه حتى رجع اليهم جركس وخرجت اليهم التجاريد وقتل في الحرب سنة 1142
ومات الامير مصطفى بك الدمياطي قلده الصنجقية ذو الفقار بك بعد هروب محمد بك جركس وولاه جرجا وكان يقال له مصطفى الهندي فلما نزل الى جرجا وكان بها سليمان بك القاسمي عدى سليمان بك الى البر الشرقي تجاهه وصار كل يوم بعمل نشانا ويضرب الجرة فلم يتجاسر مصطفى بك على التعدية وكان غالب اتباع مصطفى بك وطوائفه قاسمية من اتباع المقتولين فراسلهم سليمان بك وراسلوه سرا ثم اتفقوا على قتل مصطفى بك فقتلوه وغدروه ليلا واخذوا خزانته وما امكنهم من متاعه وعدوا الى سليمان بك وانضموا اليه
فلما اصبح مماليكه وخاصته وجدوا سيدهم مقتولا فغسلوه وكفنوه ودفنوه
وكتب كتخداه بذلك الى ذي الفقار بك فلما وصل اليه الجواب ارسل اليه بالحضور بمخلفاته ومماليكه المشتروات ففعل ذلك وقلد عوضه حسن كاشف من اتباعه الصنجقية وولاية جرجا فارسل قائمقامه ثم جهز اموره ونزل الى منصبه
ومات سليمان بك القاسمي المذكور آنفا وذلك انه لما رجع محمد بك جركس وسار الى ناحية القطيعة ثم انتقل الى جهة الغرب قبلي جرجا فأرسل الى المتجرم يطلب للحضور اليه بمن معه من القاسمية فعدى اليه (1/206)
بمن ذكر وصحبته قرا مصطفى اوده باشا فقابلوه وارتحل معهم الى بحري فبرز اليهم حسن بك وقتل كما ذكر واستولى جركس على صيوانه ومطابخه وعازقه وارتحل جركس ومن معه الى بحري وخرجت اليهم التجاريد واميرها عثمان بك وعلي بك قطامش فتلاقوا معهم بوادي البهنسا ووقعت بينهم الحروب
وكان مع جركس طوائف الزيدية وخلافهم وانجلت الحرب عن هزيمة المصريين واستولى جركس ومن معه على خيامهم ونزل جركس في وطاق عثمان بك وسليمان بك المترجم في وطاق علي بك ورجع المنهزمون الى مصر وزحف جركس ومن معة الىناحية دهشور وخرجت لهم التجريدة ونصبوا تجاههم فاصبح سليمان بك وتهيأ للركوب والمحاربة فمنعه جركس وقال له هدا اليوم ليس لنا فيه حظ
فقال له كيف اصبر على القعاد والراية البيضاء امامي ثم ركب وهجم على التجريدة وقتل اناسا كثيرا وشتتهم وانحازوا خلف المتاريس وردوه بالمدافع وبرزوا اليهه مرتين وهزمهم وفي الثالثة اصيب جواده برصاصة في فخذه فسقط الى الارض فتحلقت به طوائفه ومماليكه وذهب بعض الخدم ليأتي اليه بمركوب آخر وتابع الاخصام الرمي حتى تفرق من حوله ولم يبق معه سوى مملوك وآخر من الطوائف فأصيب هو والطائفة فوقعا
فهجم عليه سالم بن حبيب واخذوهما الى الصيوان وقطعوا دماغهما ودفنوهما عند الشيمي فلما وقع لسليمان بك ما وقع ارتحل جركس وسار نحو الجبل
ومات قرا مصطفى جاويش وكان اوده باشا فلبسه جركس الضلمة في ايام رجب كتخدا مستحفظان سابقا ثم عمل كجك جاويش ونزل يجمع عمائد الباب من الوجه القبلي فوقع بمصر ما وقع ممن حروب جركس وقتل رجب كتخدا والاقواسي فالتجأ الى سليمان بك المذكور وعدى صحبة الشرق فلما وقعت الحروب وقتل سليمان بك اجتمع اليه الطوائف (1/207)
العرابة ونزل بهم المراكب وساروا الى قبلي فتبعه عثمان جاويش القازدغلي ليلا ونهارا حتى لحقه وهو راسي تحت ابي جرج وكانت الاجناد الذين بصحبته طلعوا جهة الشرق قرابة من عدم القومانية فقبضوا على مصطفى جاويش المذكور ومعه ثلاثة من الغزنهب عثمان جاويش ما وجده في المراكب وحضر الى مصر فقطعوا رأس مصطفى جاويش المذكور ومن معه
ومات الامير ذو الفقار بك الفقاري وهو مملوك عمر اغا من اتباع بلغية قتل سيده المذكور بعد انفصال الفتنة الكبيرة
لما طلع الامير اسمعيل بك اثر ذلك باب العزب وقتل حسن كتخدا برمق سرو أمر بقتل عمر اغا المذكور فقتلوه عند باب القلعة وامر بقتل المترجم ايضا وكان اذ ذاك خازنداره فالتجا الى علي خازندار حسن كتخدا الجلفي وكان من بدله فحماه وخاصم استاذه من اجله وخلص له نصف قمن العروس وكانت لاستاذه فاخرج له تقسيطها واخذ النصف الثاني اسمعيل بك من المحلول وتصرف في كامل البلد ومات حسن كتخدا الجلفي فانطوى المترجم الى محمد بك جركس وترجاه كي استخلاص فائظة من اسمعيل بك وكلمة بسببه مرارا فلم ينجع
وكلما خاطبه في امره قطب وجهه وقال له اما يكفيك اني تاركه حياء لاجل خاطرك فان اردت قبول شفاعتك فيه اطرد الصيفي من بيتك وارسل الي بعد ذلك المذكور يحاسبني واعطيه الذي له فيسكت جركس وضاق الحال بالمترجم من الفشل والاعدام فاستأذن جركس في غدر ابن ايواظ فقال افعل ما تريد فوقف له مع نظرائه بالرميلة وضربوا عليه الرصاص فلم يصيبوه ووقع بسبب ذلك ما وقع لجركس واخرج من مصر ونفي الى قبرص كما تقدم وتغيب المترجم فلم يظهر حتى رجع جركس وظهر امره ثانيا وعاد الى طلب فائظة والالحاح على جركس بذلك وهو يسوفه ويعده ويمنيه ويعتذر له (1/208)
الى ان ضاق خناقه وعاد الى حالة الغدر الاولى وفعل ما تقدم من المخاطرة بنفسه وقتله لابن ايواظ بمجلس كتخدا الباشا وكان اذ ذاك من آحاد الاجناد ولم يتقدم له امارة ولا منصب فعندها قلده الصنجقية وكشوفية المنوفية واخذ من فائظ اسمعيل بك عشرين كيسا وانضم اليه الكثير من فرقة الفقارية وحقد عليه القاسمية وحضر رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية عند جركس وتذاكروا امر ذي الفقار وانهم نظروه وهو خارج بالموكب الى كشوفية المنوفية ومعة عصبة الفقارية وامراؤهم راكبين فىموكبه مثل مصطفى بك بليغة ومحمد بك امير الحاج واسمعيل بك الدالى وقيطاس بك الاعور واسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وغيرهم وقالا له ان غفلنا عن هدا الحال قتلتنا الفقاريه فحركا فيه حمية الجاهلية وقتلا اصلان وقيلان بيد الصيفى وطلب من محمد باشا فرمانا بالتجريد على ذي الفقار فامتنع الباشا من ذلك وقال رجل خاطر بنفسه وفعل ما فعله باطلاعكم فكيف اعطيكم فرمانا بقتله
فتحامل جركس على الباشا وعزله وقلد محمد بك ابن استاذه قائمقام واخذ منه فرمانا وجهز التجريدة الى ذي الفقار وكتب بذلك مصطفى بك بلغيه الى ذي الفقار يخبره بما حصل ويأمره بالاختفاء ففعل ذلك وحضر الى مصر واختفى احمد أوده باشا المطر باز أياما وعند علي بك الهندي زيادة عن شهرين وحصل له ما تقدم ذكره من حضور علي باشا والقبطان وقيام الايواظية والفقارية وظهور ذي الفقار ووقوع الحرب بينهم وبين محمد بك جركس وخروجه من مصر وذهابه الى بلاد الافرنج ورجوعه وتجهيز ذي الفقار بك التجاريد اليه وهزمها وزحفه على مصر
وقد كان اوقع بالايواظية في غيبة جركس ما أوقعه من القتل والتشريد ما ذكرناه فلما قرب جركس من ارض مصر راسل القاسمية سرا ومنهم سليمان اغا ابو دفية وهم اذ ذاك خاملون ومتغيبون (1/209)
ومختفون وذو الفقار بك يخص عنهم ويأمر الوالي والاغا والاوده باشة البوابة بالتجسس والتفتيش على كل من كان من القاسمية وخصوصا يعسوبهم سليمان آغا المذكور
وقرب ركاب جركس من مصر بعد ما كسر التجاريد وعدى الى جهة الشرق واشتد الكرب بذي الفقار واجتهد في تحصين المدينة واجلس امراءه وصناجقه على الابواب وفي النواحي والجهات ولازم ارباب الدرك والمقادم الطواف والحرس وخصوصا بالليل وفتائل البندق مشعلة بالنار في الازقة والشوارع والقاسمية منتظرون الفرصة والوثوب من داخل البلدة
فلما تراسل جركس سليمان أغا أباد فيه الوثوب واعمال الحيلة على قتل ذي الفقار بك باي وجه أمكن توافقوا فيما بينهم على وقت معين واجتمع ابو دفية وخليل اغا تابع محمد بك قطامش وجمعوا اليم ثلاثين أود باشا من القاسمية وأعطاهم الفا ومائتي جنزرلي وان يضم كل واحد منهم اليه عشرة أنفار ويقفوا متفرقين جة باب الخرق وجامع الحين وقت آذان العشاء وجمع الي خليل أغا نحو سبعين نفرا من القاسمية ولبسوا كملابس أتباع أود باشة البوابة ومن داخل ثيابم الاسلحة وبايديم النبابيت
ولبس خليل اغا هيئة الاودة باشا وزيه وكان شبيا به في الصورة وأخذوا معم سليمان اغا ابادفية وو مغطى الرأس وبيده القرابينة ودخلوا الى بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهم يقولون قبضنا على أبي دفية وكان المترجم جالسا بالمقعد ومع الحاج قاسم الشرايبي وآخرون وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء فلما وقفوا بين يديه وقف على أقدامه وقال اين هو فقال خليل أغا ها هو وكشفوا رأسه فاراد ان يكلمه ويوبخه فاطلق ابو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة ما معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد فنط قاسم الشرايبي ومن معه من المقعد الى الحوش ونزلوا على (1/210)
الفور فوجدوا سراجه المسمى بالشتوي فقتلوه في سلالم المقعد وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه ايضا وهو داخل يظنوه مصطفى بك بلغيه واذا بعلي الخازندار يقول باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض القاسمية الى آخر الدهر
ولم يقم لهم بعدها قائم ابدا فانهم لما سمعوا قول الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم وتفرق جمعهم فذهب ابو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل اغا فاختفوا بمكان يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ الذي هو مختفي فيه وأربعة من اعيانهم اختفوا في دار عند مطبخ الازهر واما الجماعة المجتمعون بباب الخرق في انتظار اذان العشاء فما يشعرون الا بالكرشة في الناس فتفرقوا واختفوا فلو قدر الله انه اجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم محرمون في صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية ولكن لم يرد الله بذلك
ثم ان علي الخازندار ارسل الى مصطفى بك بلغيه فحضر اليه بجمعه واذا برجل سراج من العصبة المتقدمة حضر اليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك وجاهة عندهم فحبسوه الى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعلي كتخدا الجلفي ومحمد بك قطامش وخليل افندي جراكسة فغروا على الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش دم الصنجق عندك فان القاتل لاستاذنا مملوكك خليل اغا فقال انا طارده من يوم عزل من اغاوية العزب ووقت ما تجدوه اقتلوه ثم احضروا ذلك السراج بين ايديهم وسأله عثمان جاويش فعرفه انه ينكجري فارسلوه الى الباب ليقرروه على اسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى المؤمنين ودفنوه بالقرافة وطلعوا الى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا ايضا صالح (1/211)
كاشف تابع محمد بك قطامش وعزلوا محمد بك من امارة الحج باستعفائه لعدم قدرته
وارسلوا الى خشداشة عثمان بك فحضر من التجريدة وسكن ببيت استاذه وسكن علي بك في بيت محمد اغا تابع اسمعيل باشا في الشيخ الظلام وتزوج بزوجة سيده بعد ذلك وقطعوا فرمانا في اليوم الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية ومات محمد بك جركس بعد موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد موت ذي الفقار بك بخمسة ايام
وانقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى افنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في اواخر شهر رمضان سنة 1142 وكان الامير ذو الفقار بك اميرا جليلا شجاعا بطلا مهيبا كريم الاخلاق مع قلة ايراده وعدم ظلمه وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع الامراء والاعيان والوجاقات ويرسل لاهل العلم بالازهر ستين كسوة ودراهم تفرق على الفقراء المجاورين بالازهر ومن انشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها
ومات الامير يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ بك وتزوج بها بعد موت عبد الله بك واصل يوسف بك من مماليك ايواظ بك وقلده الامارة والصنجقية اسمعيل بك وعرف بالخائن لانه لما هرب عنده رضوان بك خازندار جركس اخبر عنه وخفر ذمة نفسه وسلمه اليهم فقتلوه فسماه اهل مصر الخائن
ولما حصل ما تقدم ذكره من قصة اجتماعهم وحديثهم في حال نشوتهم بمنزل علي بك الارمني ونقل عنهم المملوك مجلسهم الى علي بك الهندي وارسله علي بك الى الامير ذي الفقار والباشا فنقل لهما ذلك وقتل الباشا علي بك الارمني ومصطفى بك ابن ايواظ فاختفى المترجم وباقي الجماعة ولم يزل في اختفائه الى ان حضر رجل عطار الى اغات مستحفظان واخبره عن رجل من الفقهاء يأتي الى الجزار (1/212)
بجواره ويأخذ منه كل يوم زيادة عن عشرة أرطال من اللحم الضاني وكان من عادته ان لا يأخذ سوى رطلين ونصف في يومين ولا بد لذلك من سبب بان يكون عنده اناس من المطلوبين فركب الاغا والوالي الى ذلك البيت فوجدوا به امرأتين عجوزتين وعندهم حلل وقصاع ومعالق وليس بالبيت فراش ولا متاع فطلعوا الى أعلى المكان ونزلوا أسفله فلم يجدوا شيئا فنزل الاغا وهو يشتم العطار واراد ضربه واذا بشخص من الاجناد اراد ان يزيل ضرورة في ناحية فلاح له رأس انسان في مكان متسفل مظلم فلما رأى ذلك الجندي خبأ رأسه وانزوى الى داخل فاخبر الاغا فأوقدوا الطلق واذا بشخص صاعد من المحل وبيده سيف مسلول وهو يقول طريق فتكاثروا عليه وقتلوه ونزلوا بالطلق الى اسفل فوجدوا يوسف بك المترجم ومعه شخصان فقبضوا عليهم وانعم الاغا علي العطار وأخذهم الى الباشا فارسلهم الى عثمان بك ذي الفقار فضربوا رقابهم تحت المقعد
ومات كل من الامير محمد بك جركس الصغير واخ محمد بك الكبير وذلك انه لما انقضى امرمحمد بك جركس الكبير اختفى المذكوران ودخلا الى مصر متنكرين واختفيا في بيت رجل من اتباعهما بخطة القبر الطويل ومعهما مملوكان
فاخلى لهم البيت وباع الخيل وشال العدد واتى الى اغات الينكجرية فاخبره فارسل الاغا والوالي والاوده باشا وحضروا اليهم فرموا عليهم بالرصاص من الجانبين وكامنوهم الى الليل وحضر علي بك ومصطفى بك بلغيه فنقب عليهم مصطفى بك من بيت الى بيت حتى وصل اليهم واوقد نارا من اسفل المكان الذي هم فيه فاحسوا بذلك فقرأ احد المملوكين وهرب وقتل الثاني برصاصة وقبضوا على الاثنين وقتلوهما ودفنوهما
ومات الامير خليل اغا تابع محمد بك قطامش اغات العزب سابقا وهو (1/213)
الذي انتدب العمل المتصف المتقدم ذكره وتزيا بزي اوده باشا البوابة ودخل الى بيت الامير ذي الفقار وقت اذان العشاء ومعه سليمان ابو دفية وقتلوا ذا الفقار بك كما تقدم
ثم كانت الدائرة عليهم واختفوا ثم وقعوا بخازنداره بالخليج فقبضوا عليه وسجنوه وقرروه فأقر على سيده وغيره فقبضوا على خليل اغا من المكان الذي كان مختفيا فيه وكان بصحبته يوسف بك الشرايبي وسليمان اغا ابو دفية
ففي ذلك الوقت قال ابو دفية قوموا من هذا المكان فان قلبي يختلج
فقال يوسف الشرايبي وانا كذلك
فتقنعا وخرجا واستمر خليل اغا في محله حتى وصلوا اليه في ذلك اليوم وقتل كما ذكر واخذه الاغا الى بيت علي بك ذي الفقار فارسله الى الباشا وارسله الباشا الى عثمان بك فرمى دماغه تحت المقعد وكذلك عثمان اغا الرزاز وغيره
واما ابو دفية فانه لما تقنع هو ويوسف الشرايبي وخرجا وتفرقا فذهب ابو دفية الى بيت مقدمه ولبس زي بعض القواسة وركب فرسه ووضع له اوراقا في عمامته وخرج في وقت الفجر الى جهة الشرقية وذهب مع القافلة الى غزة ثم الى الشام وسافر منها الى اسلامبول
وخرج في السفر وذهب الى عند التترخان فاعطاه منصبا وعمله مرزة وتزوج بقونية ولم يزل هناك حتى مات
واما يوسف بك الشرايبي فذهب الى دار بالازبكية وخفى امره ومات بعد مدة ولم يعلم له خبر
ومات عبد الغفار اغا بن حسن افندي وقد تقدم انه تقلد في ايام ابن ايواظ اغاوية المتفرقة بموجب مرسوم ورد من الدولة بذلك وسببه ان حسن افندي والده كان له يد وشهرة في رجال الدولة وكان من يأتي منهم الى مصر يترددون إليه في منزله ويهادونه ويهاديهم فاتفق انه اهدى الى السلطنة عبدا طواشيا فترقى هناك وارسل الى ابن سيده مرسوما باغاوية المتفرقة وذلك في سنة 1135 بعد موت والده (1/214)
والبسه الباشا قفطانا بذلك وعند ذلك من النوادر التي لم يسبق نظيرها ووقع بذلك فتنة في البلكات تقدم الالماع يذكر بعضها والتجأ المترجم الى ابن ايواظ وهرب من الباب
ولحديث قتلة نبأ غريب وذلك انه في اثناء تتبع القاسمية وقتلهم ورد مكتوب من كتخدا الوزير الى عبد الله باشا الكبورلي بالوصية على عبد الغفار اغا فقال الباشا لكتخدا الجاويشية عندكم انسان يسمى عبد الغفار اغا قال له نعم كان اغات متفرقة ثم عمل اغات عزب وعزل
فقال ارسل اليه بالحضور
فخرج كتخدا الجاويشية واخبر محمد بك قطامش الدفتردار فقال ارسل اليه واطلبه للحضور
وطلب الوالي فقال له اذا انقضى امر الديوان فأنزل الى باب العزب واجلس هناك وانتظر عبد الغفار اغا وهو نازل من عند الباشا فاركب وسر خلفه حتى يدخل الى بيته فاعبر عليه واقطع رأسه
فلما احضر المترجم صحبة الجاويش ودخل الى الباشا وصحبته كتخدا الجاويشية وعرف الباشا عنه وتركه وخرج وانقضى الديوان وحضر الغداء فاشار الى عبد الغفار اغا فجلس واكل صحبته وحادثه الباشا فقال له انت لك صاحب في الدولة قال نعم كان لابي صديق من أغوات عابدي باشا وكان شهر حوالة وبلغني انه الان كتخدا الوزير وكان اشترى جارية ووضعها عندنا في مكان فكان ينزل ويبيت عندنا ولما عزل عابدي باشا اخذها وسافر فهو الى الان يودنا ويراسلنا بالسلام
فقال له الباشا انه ارسل يوصينا عليك فانظر ما تريد من الحوايج او المناصب
فقال لا اريد شيئا ويكفيني نظركم ودعاؤكم
واخذ خاطر الباشا ونزل الى داره فلما مر بباب العزب ركب الوالي ومشى في اثره ولم يزل سائرا خلفه حتى دخل الى البيت ونزل من على الحصان بسلم الركوبة وكان بيته بالناصرية فعند ذلك قبضوا عليه واخذوا عمامته وفروته وثيابه وسحبوه الى باب الاسطبل فقطعوا رأسه واخذها الوالي (1/215)
مع الحصان واتى بهما الى بيت محمد بك قطامش فصرخت والدته وزوجته وجواريه وتقنعن وطلعن الى القلعة صارخات فقال الباشا ما خبر هذا الحريم فقالت والدته حيث ان الباشا اراد قتله كان يفعل به ذلك بعيدا عنا فتعجب الباشا وقام من مجلسه وخرج الى ديوان قايتباي واستخبرهن فاخبرته بما حصل فاغتم غما شديدا وطلب الوالي وامر برجوع الحوايج والرأس واعطاهن كفنا ودراهم واعطى والدته فرمانا بكامل ما كان تحت تصرفه من غير حلوان ونزلت الاغوات والنساء فأخذوا الرأس والثياب وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه
ولما طلع محمد بك قطامش الى الديوان قال له الباشا تقتلون الاغوات في بيوتها من غير فرمان
فقال لم نقتله الا بفرمان فانه كان من جملة الثلثمائة المتعصبين على قتل اخينا ذي الفقار بك وعزل الباشا الوالي وقلد خلافه في الزعامة وكان المترجم آخر من قتل من القاسمية المعروفين رحمه الله وكان عند المترجم سبعة مماليك من مماليك محمد بك بن ابي شنب فبلغ خبرهم محمد بك قطامش فارسل من اخذهم من عنده قبل كائنته بنحو ثمانية ايام (1/216)
الفصل الثاني
في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم اعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة
ووجهه ان بهذا التاريخ كان انقراض فرقة القاسمية وظهور امر الفقارية وخلع السلطان احمد من السلطنة وولاية السلطان محمود خان ووالي مصر اذ ذاك عبد الله باشا الكبورلي بباء معطشة فارسية نسبة الى كبور بلدة بالروم وحضر الى مصر في السنة الخالية وكان من ارباب الفضائل وله ديوان شعر جيد على حروف المعجم ومدحه شعراء مصر لفضله وميله الى الادب وكان انسانا خيرا صالحا منقادا الى الشريعة ابطل المنكرات والخمامير ومواقف الخواطىء والبوظعن بولاق وباب اللوق وطولون ومصر القديمة وجعل للوالي والمقدمين عوضا عن ذلك في كل شهر كيسا من كشوفيات الباشوات وكتب بذلك حجة شرعية وفيها لعن كل من تسبب في رجوع ذلك
ووصل الامر بالزينة في أيامه لتولية السلطان محمود وكان الوقت غير قابل لذلك فعملوا شنكا ومدافع بالقلعة
عزل عبدالله باشا وتولية عثمان باشا الحلبي
وعزل عبدالله باشا المذكور اواخر سنة اربع واربعين ومائة والف وامراء مصر في هذا التاريخ محمد بك قطامش وتابعه علي بك قطامش وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعبدالله كتخدا القازدغلي وسليمان كتخدا القازدغلي وحسن كتخدا القازدغلي ومحمد كتخدا (1/217)
الداودية وعلي بك ذو الفقار وعثمان بك ذو الفقار خشداشة
ووصل مسلم محمد باشا السلحدار فأخبر بولاية محمد باشا السلحدار وقدم من البصرة سنة 1145 ونزل عبدالله باشا الى بيت شكريره واستمر محمد باشا واليا على مصر الى سنة ست واربعين ثم عزل وتولى عثمان باشا الحلبي ووصل المسلم بقائمقامية الى علي بك ذي الفقار فطلع الى الديوان ولبس القفطان من عثمان باشا ونزل الى بيته وحضر اليه الأمراء وهنوه وخلع علي اسمعيل بك أبي قلتج امين السماط ووصل عثمان باشا الى العريش وتوجهت اليه الملاقاة وارباب الخدم وحضر الى العادلية وعملوا له شنكا وطلع الى القلعة وخلع الخلع وورد قابجي باشا بالسكة وابطال سكة الذهب الفندقلي وضرب الزر محبوب كامل وصرفه مائة نصف فضة وعشرة انصاف وكذلك سكة النصف محبوب وصرفه خمسة وخمسون وزاد في الفندقلي الموجود بايدي الناس اثني عشر نصف فضة فصار يصرف بمائة نصف وستة واربعين نصفا
وحضر مرسوم ايضا بتعيين صنجق للوجه القبلي بتحرير النصارى واليهود وما عليهم من الجزية في كل بلد العال اربعمائة نصف وعشرون نصفا والوسط مائتان وسبعون والدون مائة
فتشاوروا فيمن ينزل بصحبته الاغا والكاتب من الامراء الصناجق لتحرير بلاد قبلي فقال حسين بك الخشاب انا مسافر بمنصب جرجا وينزل بصحبتي الاغا المعين وانظروا من يذهب الى بحري
فقال محمد بك قطامش كل اقليم يتقيد بتحريره الكاشف المتولى عليه ومعه الاغا والكاتب فاتفق الرأي على ذلك
وفي أيامه عمل اسمعيل بن محمد بك الدالي مهما لزواج ولده ودعا عثمان باشا الى منزله الذي ببركة الفيل وعندما حضر الباشا واستقر به الجلوس وضع بين يديه منديلا فيه الف دينار برسم تفرقة البقاشيش على الخدم وارباب الملاعيب وقدم له تقادم خيول هدايا وجوادا مرختا وذلك في شعبان سنة 1147 (1/218)
ومن الحوادث في ايامة ان في اوائل رمضان سنة تاريخه ظهر بالجامع الازهر رجل تكروري وادعى النبوة فاحضروه بين يدي الشيخ احمد العماوي فسأله عن حاله فاخبره انه كان في شربين فنزل عليه جبريل وعرج به الى السماء ليلة سبع وعشرين رجب وانه صلى بالملائكة ركعتين وأذن له جبريل ولما فرغ من الصلاة اعطاه جبريل ورقة وقال له انت نبي مرسل فأنزل وبلغ الرسالة واظهر المعجزات
فلما سمع الشيخ كلامه قال له أنت مجنون فقال لست بمجنون وانما انا نبي مرسل فأمر بضربه فضربوه وأخرجوه من الجامع
ثم سمع به عثمان كتخدا فأحضره وسأله فقال مثل ما قاله للشيخ العماوي فأرسله الى المارستان فاجتمع عليه الناس والعامة رجالا ونساء ثم انهم أخفوه عن اعين الناس
ثم طلبه الباشا فسأله فأجابه بمثل كلامه الاول فأمر بحبسه في العرقانة ثلاثة أيام ثم انه جمع العلماء في منتصف شهر رمضان وسألوه فلم يتحول عن كلامه فأمروه بالتوبة فامتنع واصر على ما هو عليه فامر الباشا بقتله فقتلوه بحوش الديوان وهو يقول فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ثم أنزلوه وألقوه بالرميلة ثلاثة ايام
من الحوادث الغريبة
في ايامه ايضا في يوم الاربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 اشيع في الناس بمصر بان القيامة قائمة يوم الجمعة سادس عشري الحجة وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والارياف وودع الناس بعضهم بعضا ويقول الانسان لرفيقه بقي من عمرنا يومان وخرج الكثير من الناس والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض دعونا نعمل حظا ونودع الدنيا قبل ان تقوم القيامة
وطلع اهل الجيزة نساء ورجالا وصاروا يغتسلون في البحر
ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم ومنهم من صار يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي واعتقدوا (1/219)
ذلك ووقع صدقه في نفوسهم
ومن قال لهم خلاف ذلك أو قال هذا كذب لا يلتفتون لقوله ويقولون هذا صحيح وقاله فلان اليهودي وفلان القبطي وهما يعرفان في الجفور والزايرجات ولا يكذبان في شيء يقولانه
وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا وفلان ذهب الى الامير الفلاني وأخبره بذلك وقال له احبسني الى يوم الجمعة وان لم تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج الى يوم الجمعة المعين المذكور
فلم يقع شيء
ومضى يوم الجمعة واصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان العالم قال ان سيدي احمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم
فيقول الآخر اللهم انفعنا بهم فاننا يا اخي لم نشبع من الدنيا وشارعون نعمل حظا ونحو ذلك من الهديانات
واقدم عثمان باشا في ولاية مصر الى سنة 1148 فكانت مدة ولايته بمصر سنة واحدة وخمسة اشهر
ولاية باكير باشا
وتولى بعده باكير باشا وهي ولايته الثانية فقدم من جدة الى السويس من القلزم لانه كان واليا بعد انفصاله من مصر فقدم يوم السبت رابع عشرى شوال سنة 1147 ولما ركب بالموكب كان خلفه من اتباعه نحو الثلاثين خيالا ملبسه بالزروخ المذهبة وله من الاولاد خمسة ركبوا امامه في الموكب وصرخت العامة في وجهه من جهة فساد المعاملة وهي الاخشا والمرادي والمقصوص والفندقلي فان الاخشا صار بستة عشر جديد والمرادي باثنى عشر والمقصوص بثمانية جدد وصار صرف الفندقلي بثلثمائة نصف والجنزرلي بمائتين وغلت بسبب ذلك الاسعار وصار الذي كان بالمقصوص بالديواني فلم يلتفت الباشا لذلك
وفي شهر القعدة ورد اغا وعلى يده مرسوم بطلب سفر ثلاثة آلاف عسكري لمحافظة بغداد وان يكون العسكر من اصحاب العتامنة ولا (1/220)
يرسلوا عسكرا من فلاحي القليوبية والجيزة والبحيرة وشرق اطفيح والمنصورة فقلدوا امير السفر مصطفى بك اباظة حاكم جرجا سابقا وسافر حسن بك الدالي بالخزينة وارتحل من العادلية في منتصف شهر الحجة وكان خروجه بالموكب في اوائل رجب
فاقام خارج القاهرة نحو خمسة اشهر وثمانية عشر يوما وأوكب مصطفى بك بموكب السفر يوم الخميس خامس الحجة وسافر في المحرم سنة ثمان واربعين
وفي عاشر الحجة يوم الاضحية قبل اذان العصر خرجت ريح سوداء غريبة اظلمت منها الدنيا وحجبت نور الشمس فغرق منها مراكب وسقطت اشجار ومن جملتها شجرة جميز عظيمة بناحية الشيخ فمر وهدمت دورا قديمة وشجرة اللبخة بديوان مصر القديمة ثم اعقبها بعد العشاء مطرة عظيمة ووصل أيوب بك امير سفر العجم وطلع الى الديوان والبسه الباشا قفطان القدوم والسدادة واصحاب الدركات وكانت مدة غيابه سنتين وثلاثة أشهر
وفي ايامه ورد أغا وعلى يده مراسيم وأوامر منها ابطال مرتبات الاولاد والعيال ومنها ابطال التوجيهات وان المال يقبض الى الديوان ويصرف من الديوان وان الدفاتر تبقى بالديوان ولا تنزل بها الافندية الى بيوتهم
فلما قرىء ذلك قال القاضي امر السلطان لا يخالف ويجب اطاعته
فقال الشيخ سليمان المنصوري يا قاضي الاسلام هذه المرتبات فعل نائب السلطان وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في مدة الملوك المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشرى ورتبوه على خيرات ومساجد وأسبلة ولا يجوز ابطال ذلك واذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر المرصد لها ذلك فلا يجوز لاحد يؤمن بالله ورسوله ابن يبطل ذلك وان أمر ولي الامر بابطاله لا يسلم له ويخالف امره لان ذلك مخالف للشرع ولا يسلم للامام في فعل ما يخالف الشرع ولا لنائبه (1/221)
ايضا
فسكت القاضي فقال الباشا هذا يحتاج الى المراجعة ثم قال الشيخ سليمان وأما التوجيهات ففيها تنظيم وصلاح وأمر في محله وانفض الديوان على ذلك وكتب الشيخ عبد الله الشبراوي عرضا في شأن المرتبات من انشائه ولولا خوف الاطالة اسطرته في هذا المجموع ثم انهم عملوا مصالحة على تنفيذ ذلك فجعلوا على كل عثماني نصف جنزرلي وحضروا المرتبات في قائمقامية ابراهيم بك أبي شنب وابن درويش بك وقطامش وعلي بك الصغير تابع ذي الفقار بك من سنة ثلاثين فبلغت ثمانية واربعين الف عثماني فكانت اربعة وعشرين الف جنزرلي فقسموها بينهم وأرسلوا الى عثمان بك ورضوان بك الف جنزرلي فأبيا من قبولها وقالا هذه دموع الفقراء والمساكين فلا نأخذ منها شيئا فان رجع رد الجواب بالقبول كانت مظلمة وان جاء بعدم القبول كانت مظلمتين الطاعون
ووقع الطاعون المسمى بطاعون كو ويسمى ايضا الفصل العائق يأخذ على الرائق ومات به كثير من الاعيان وغيرهم بحيث مات من بيت عثمان كتخدا القازدغلي فقط مائة وعشرون نفسا وصارت الناس تدفن الموتى بالليل في المشاعل
ووقع في ايامه الفتنة التي قتل فيها عدة من الامراء وسببها ان صالح كاشف زوج هانم بنت ايواظ بك كان ملتجئا الى عثمان بك ذي الفقار وتزوج ببنت ايواظ بك بعد يوسف بك الخائن وكان من القاسمية فحرضته على طلب الامارة والصنجقية وتأخذ له فائظ عشرين كيسا وكلم عثمان بك في شأن ذلك فوعده ببلوغ مراده وخاطب محمد بك قيطاس المعروف بقطامش وهو اذ ذاك كبير القوم في ذلك فلم يجبه وقال له تريد ان تفتح بيتا للقاسمية فيقتلونا على غفلة هذا لا يكون ابدا ما دمت حيا
وكان عثمان بك المذكور أخذ كشوفية (1/222)
المنصورة فأنزل فيها صالح كاشف قائمقام فلما كمل السنة ورجع تحركت الهمة الى طلب الصنجقية وعاود عثمان بك في الخطاب وهو كذلك تكلم مع محمد بك فصمم على الامتناع فوقع على الاغوات والاختيارية فلم يجب ولم يرض ووافقه على الامتناع علي بك تابع المذكور وخليل افندي فذهب صالح كاشف الى عثمان كتخدا القازدغلي واتفق معه على قتل الثلاثة وقال له اعمل تدبيرا في قتلهم فذهب الى رضوان بك امير الحاج سابقا وسليمان بك الفراش فاتفق معهما على قتل الثلاثة في بيت محمد بك الدفتردار باطلاع باكير باشا
وعرفوا محمد بك بذلك فرضي وكتب فرمانا بالجمعية في بيت الدفتردار بسبب الحلوان والخزينة
فركبوا بعد العصر الى بيت محمد بك قطامش وركبوا معه الى بيت الدفتردار وصحبتهم علي بك وصالح بك وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي واختيار من الاسباهية ويوسف كتخدا البركاوي وحضر عثمان بك ذو الفقار وعثمان كتخدا القازدغلي واحمد كتخدا الخربطلي وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة وعلي جلبي الترجمان
فلما تكاملت الجمعية امر محمد بك قطامش بكتابة عرضحال وقال للكاتب اكتب كذا وكذا فطلع الى خارج وصحبته كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا وجلس يكتب في العرض وقد قرب الغروب فارادوا الانصراف فوقف الدفتردار وقال هاتوا شربات
وكان ذلك القول هو الاشارة مع صالح كاشف وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك
ففتحوا باب الخزانة وخرج منها جماعة بطرابيش وهم شاهرون السلاح
فوقف محمد بك قطامش على أقدامه وقال هي خونة فضربه الضارب بالقرابينة في صدره ووقع الضرب وهاج المجلس في دخنة البارودة وظلام الوقت فلم يعلم القاتل من المقتول وعندما سمع كتخدا الجاويشية اول ضربة وهو جالس مع الافندي الكاتب نزل مسرعا وركب وعلي الترجمان القى بنفسه (1/223)
من شباك الجنينة وعثمان بك ذو الفقار أصابه فقطع شاشه وقاووقه ودفعه صالح كاشف فنجا بنفسه الى اسفل وركب حصان بعض الطوائف وخرج من باب البركة وأصيب باش اختيار مستحفظان البرلي بجراحة قوية فارسلوه الى منزله ومات بعد ثلاثة أيام
ثم اوقدوا الشموع وتفقدوا المقتولين واذا هم محمد بك قطامش وعلي بك تابعه وصالح بك وعثمان بك كتخدا القازدغلي واحمد كتخدا الخربطلي ويوسف كتخدا البركاوي وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي والاسباهي تتمة عشرة وباش اختيار الذي مات بعد ذلك في بيته
فعروا المقتولين ثيابهم وقطعوا رؤوسهم واتوا بهم جامع السلطان حسن فوجدوه مغلوقا فاحرقوا ضرفة الباب الذي جهة سوق السلاح ووضعوا الرؤوس العشرة على البسطة ووضعوا عند كل رأس شيئا من التبن وظنوا انهم غالبون
وطلع صالح كاشف الى الباشا من باب الميدان فخلع عليه الصنجقية فطلب منه دراهم يفرقها في العسكر المجتمعين اليه فقال له انزل لاشغالك وأنا أرسل اليك ما تطلب
فنزل الى السلطان حسن فوجد محمد كتخدا الداودية حضر باتباعه وجماعته هناك بظن انهم غالبون وعندما بلغ الخبر سليمان كتخدا الجلفي ركب في جماعة بعد المغرب وطلع الى باب العزب وكان كتخدا الوقت اذ ذاك احمد كتخدا اشراق يوسف كتخدا البركاوي فطرق الباب فقال التفكجية من هذا فعرفهم عن نفسه فقال الكتخدا قولوا له أنت توليت الكتخدائية وتعرف القانون وان الباب لا يفتح بعد الغروب فان كان له حاجة يأتي في الصباح
وأما عثمان بك فانه لما خرج من باب البركة وشاشه مقطوع لم يزل سائر الى باب الينكجرية فوجده ملآن جاويشية وواجب رعايا ونفر وطلع عندهم عمر جلبي بن علي بك قطامش فأخذه حسن جاويش النجدلي ومعه طائفة وطلع به الى الباشا بعد نزول صالح كاشف فخلع عليه صنجقية أبيه (1/224)
وأعطاه فرمانا بالخروج من حق الذين قتلوا الامراء وحرقوا باب المسجد
ونزل فرد على كتخدا الوقت وصحبته حسن جاويش النجدلي ومعهم بيرق وأنفار وواجب رعايا من المحجر خلف جامع المحمودية وبيت الحصري وزاوية الرفاعي
وكانت ليلة مولده وهي اول جمعة في شهر رجب سنة 1149 فعلموا متريز على باب الدرب قبالة باب السلطان حسن وضربوا عليها بالرصاص وكذلك من باب العزب وبيت الاغا وكان اغات العزب عبد اللطيف افندي روزنامجي مصر سابقا
واما صالح بك فانه انتظر وعد الباشا فلم يرسل له شيئا فأخذ رضوان بك وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك واختفوا في خان الخليلي واختفى ايضا محمد بك اسمعيل ومحمد كتخدا الداودية ندم على ما فعل فركب بجماعته وذهب الى بيت مصطفى بك الدمياطي فوجده مقفولا
فطرق الباب فلم يجبه احد فذهب الى بيت ابراهيم بك بلغيه ودخل هناك ولما بطل الرمي من السلطان حسن هجم حسن جاويش فلم يجد به أحدا ولما طلع النهار ذهبوا الى بيت الدفتردار فنهبوه ونهبوا ايضا بيت رضوان بك وذهبوا الى سليمان بك قتلوه وقطعوا رأسه ونهبوا البيت وأتوا الى الباب
ثم ان السبع وجاقات اجتمعوا في بيت علي كتخدا الجلفي وقالوا له أنت بيت سر يوسف كتخدا البركاوي ولا يفعل شيئا الا باطلاعك وعندك خبر بقتل أمرائنا واعياننا والشاهد على ذلك مجيء خشداشك سليمان كتخدا بعد المغرب بطائفته يملك باب العزب فحلف بالله العظيم لم يكن عنده خبر بشيء من ذلك ولا بمجيء سليمان كتخدا الى الباب ولكن أي شيء جاء بمحمد كتخدا الداودية الى السلطان حسن
ثم أنهم أنزلوا باكير باشا وعزلوه وطيبوا عليه حلوان بلاد المقتولين وكتبوا عرض محضر وسفروه صحبة سبعة أنفار
فحضر مصطفى اغا امير اخور كبير ومعه مرسوم من الدولة بضبط متروكات المقتولين فمكث بمصر شهرين ثم ورد امر بولايته على مصر وتوجيه باكير باشا الى جده (1/225)
تولية مصطفى باشا وسليمان باشا الشامي
فتولى مصطفى باشا فأقام واليا بمصر الى سنة 1152
وتولى بعده سليمان باشا الشامي الشهير بابن العظم ولما استقر في ولاية مصر أراد ايقاع فتنة بين الامراء فضم اليه عمر بك ابن علي بك قطامش فأرسل اليه من يأمنه على سره واتفق معه على قتل عثمان بك ذي الفقار وابراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي وهم اذ ذاك أصحاب الرياسة بمصر
ووعده نظير ذلك امارة مصر والحاج وان يعطيه من بلادهم فائظ عشرين كيسا فجمع عمر بك خليل أغا وأحمد كتخدا عزبان وإبراهيم جاويش قازذغلي واختلى بهم وعرفهم بالمقصود وتكفل أحمد كتخدا بقتل علي جاويش بعبد الله كتخدا
واذا انفرد ابراهيم بك اخذوه بعد ذلك بحيلة وقتلوه في الديوان
ثم ان احمد كتخدا اغرى بعلي كتخدا الاظ ابراهيم فقتل علي كتخدا عند بيت أقبري وهو طالع الى الديوان وبلغ الخبر عثمان بك فتدارك الامر وفحص عن القضية حتى انكشف له سرها وعمل شغله وقتل احمد كتخدا
وعندما قتل علي كتخدا ظن الباشا تمام المقصد فاراد ان يملك باب الينكجرية بحيلة وأرسل مائتي تفكجي ومعهم مطرجي وجوخدار وهم مستعدون بالاسلحة فمنعهم التفكجية من العبور وطلب الكتخدا شخصين من أعيانهم يسألهما عن مرادهم
فقالا ان الباشا مقصر في حقنا ولم يعطنا علائقنا
فارسل معهم باش جاويش بالسلام على الباشا من الاختيارية والوصية بهم فقبل ذلك ولم يتمكن من مراده
ثم ان حسين بك الخشاب طلع الى باب العزب وتحيل في نزول احمد كتخدا من الباب وملك هو الباب
واجتمعوا بعد ذلك وأمروا الباشا بالنزول الى قصر يوسف
فركب وأراد (1/226)
ان يدخل الى باب الينكجرية فرفعوا عليه البنادق فدخل الى قصر يوسف فوجده خرابا فاخذ حسن جاويش النجدلي خاطر الينكجرية على نزوله ببيت الاغا وانتقل الاغا الى السرجي فأقام الباشا الى ان نزل ببيت البيرقدار وسافر بعد ذلك فكانت ولايته على مصر الى شهر جمادى الاولى سنة 1153
تولية الوزير علي باشا
ثم تولى بعده الوزير علي باشا حكيم أوغلي وهي توليته الاولى بمصر فدخل مصر في شهر جمادى الاولى سنة ثلاث وخمسين ومكث الى عاشر جمادى الاولى سنة 1154 ونزل سليمان باشا الى بيت البيرقدار وعمل علي باشا اول ديوان بقراميدان بحضرة الجم الغفير وقرىء مرسوم الولاية بحضرة الجميع
ثم قال الباشا أنا لم آت الى مصر لاجل اثارة فتن بين الامراء واغراء ناس على ناس وانما أتيت لاعطي كل ذي حق حقه وحضرة السلطان اعطاني المقاطعات وأنا أنعمت بها عليكم فلا تتعبوني في خلاص المال والغلال وأخذ عليهم حجة بذلك
وانفض المجلس
ثم انه سلم على الشيخ البكري وقال له أنا بعد غد ضيفك ثم ركب وطلع الى السراية وأرسل الى الشيخ البكري هدية وأغناما وسكرا وعسلا ومربات ونزل اليه في الميعاد وأمر ببناء رصيف الجنينة التي في بيته وكان له فيه اعتقاد عظيم لؤيا منامية رآها في بعض سفراته منقولة عنه مشهورة
وكانت أيامه امنا وأمانا والفتن ساكنة والاحوال مطمئنة
ثم عزل ونزل الى قصر عثمان كتخدا القازدغلي بين بولاق وقصر العيني
تولية يحيى باشا
ثم تولى يحيى باشا ودخل الى مصر وطلع الى القلعة في موكبه على العادة وطلع اليه علي باشا وسلم عليه ونزل هو الآخر وسلم على علي (1/227)
باشا بالقصر ودعاه عثمان بك ذو الفقار وعمل له وليمة في بيته وقدم له تقادم كثيرة وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم ان الباشا نزل الى بيت احد من الامراء في دعوة وإنما الإمراء يعملون لهم الولائم بالقصور فى الخلاء مثل قصر العينى او المقياس
واقام يحيى باشا فى ولاية مصر الى إن عزل فى عشرين شهر رجب سنة 1156
توليةمحمد باشا اليدكشى
وتولى بعده محمد باشا اليدكشى وحضر الى مصر وطلع الى القلعه وفي ايامة كتب فرمان بابطال شرب الدخان فى الشوارع وعلى الدكاكين وابواب البيوت
ونزل الاغا والوالى فنادوا بذلك وشددوا فى الانكار والنكال بمن يفعل ذلك من عال او دون وصار الاغا يشق البلد فى التبديل كل يوم ثلاث مرات
وكل من راى فى يده الة الدخان عاقبه وربما اطعمه الحجر الذى يوضع فيه الدخان بالنار وكذلك الوالي
وفى ايامه ايضا قامت العسكر بطلب جراياتهم وعلائفهم من الشون ولم يكن بالشون اردب واحد فكتب الباشا فرمانا بعمل جمعية فى بيت علي بك الدمياطى الدفتردار وينظروا الغلال فى ذمة أي من كان يخلصونها منه
فلما كان فى ثانى يوم اجتمعوا وحضر الروزنامجى وكاتب الغلال والقلقات واخبروة ان بذمة ابراهيم بك قطامش اربعين الف اردب والمذكور لم يكن فى الجمعيه وانتظروه فلم يات
فارسلوا له كتخدا الجاويشيه واغات المتفرقة فامتنع من الحضور في الجمهور وقال الذي له عندي حاجة يأتي عندي قرجعوا واخبروهم بما قال
فقال العسكر نذهب اليه ونهدم بيته على دماغه فقام وكيل دار السعادة واخذ معه من كل بلك اثنين اختيارية وذهبوا الى ابراهيم بك قطامش
فقال له الوكيل اي شيء هذا الكلام والعسكر قائمة علىاختيارتها قال والمراد أى شيء وليس عندى غلال
قال له الوكيل نجعلها مثمنة (1/228)
بقدر معلوم
فثمنوا القمح بستين نصف فضة الاردب والشعير باربعين
فقال ابراهيم بك يصبروا حتى يأتينى شيء من البلاد
قال الوكيل العسكر لايصبروا ويحضل من ذلك امر كبير
فجمعوا ميلغ اليكون فبلغ ثمانين كيسا فرهن عند الوكيل بلدين لاجل معلوم
وكتب بذلك تمسك واخذ التقاسيط ورجع الوكيل الى محل الجمعية واحضر مبلغ الدارهم وكل من كان عليه غلال اورد بذلك السعر وهده كانت اول بدعة ظهرت فى تثمين غلال الانبار للمستحقين
واستمر محمد باشا فى ولاية مصر حتى عزل سنة 1158
تولية محمد باشا راغب
ووصل مسلم محمد باشا راغب وتقلد ابراهيم بك بلغيه قائمقام وخلع عليه محمد باشا القفطان وعلى محمد بك امين السماط
ثم وردالساعى من الاسكندري فأخبر بورود حضرة محمد باشا راغب الى ثغر الاسكندرية فنزل أرباب العكاكيز لملاقاته وحضروا صحبته الى مصر وطلع الى القلعة وحصل بينه وبين حسين بك الخشاب محبة ومودة وحلف له انه لا يخونه ثم أسر اليه ان حضرة السلطان يريد قطع بيت القطاشة والدمايطة فأجاب الى ذلك
واختلى بابراهيم جاويش وعرفه بذلك فقال له الجاويش عندك توابع عثمان بك قرقاش وذو الفقار كاشف وهم يقتلون خليل بك وعلي بك الدمياطي في الديوان
فقال له يحتاج ان يكون صحبتهم أناس من طرفك والا فليس لهم جسارة على ذلك
فقال له أنا اتكلم مع عثمان أغا ابي يوسف بطلب شرهم لانه من طرفي
فلما كان يوم الديوان وطلع حسين بك الخشاب وقرقاش وذو الفقار وجماعته وطلع علي بك الدمياطي وصحبته محمد بك وطلع في اثرهم خليل بك أمير الحاج وعمر بك بلاط جلسوا بجانب المحاسبة فحضر عثمان أغا أغات المتفرقة عند خليل بك فقال له لماذا لم تدخل عند (1/229)
الباشا
فقال له قد تركناه لك
فقال كأني لم اعجبك
واتسع بينهما الكلام فسحب ابو يوسف النمشة وضرب خليل بك واذا بالجماعة كذلك أسرعوا وضربوا عمر بك بلاط
قتلوه ودخلوا برأسيهما الى الباشا فقام علي بك الدمياطي ومحمد بك ونزلا ماشيين ودخلا الى نوبة الجاويشية فارسل الباشا للاختيارية يقول لهم انهما مطلوبان للدولة
وأخذهما وقطع رأسيهما ايضا
وكتبوا فرمانا الى الصناجق والاغوات واختيارية السبع وجاقات بأن ينزلوا بالبيارق والمدافع الى ابراهيم بك وعمر بك وسليمان بك الالفي وكان سليمان بك دهشور مسافرا بالخزينة
فنزلت البيارق والمدافع فضربوا أول مدفع من عند قنطرة سنقر فحمل الثلاثة احمالهم وخرجوا بهجنهم وعازقهم الى جهة قبلي ودخل العساكر الى بيت ابراهيم بك فنهبوه وكذلك بيت خليل بك وذهبوا الى بيت علي بك فوجدوا فيه صنجقيا من الصناجق ملكة بما فيه ولم يتعرضوا ليوسف بك ناظر الجامع الازهر ورفعوا صنجقية محمد بك صنجق ستة وماتت سته ايضا وذهب الى طندتا وعمل فقيرا بضريح سيدي أحمد البدوي
ولما رجع سليمان بك دهشور من الروم رفعوا صنجقيته وأمروه بالاقامة برشيد وقلدوا عثمان كاشف صنجقية وكذلك كجك أحمد كاشف وقلدوا محمد بك اباظة اشراق حسين بك الخشاب دفتردارية مصر
وانقضت تلك الفتنة
ثم ان الباشا قال لحسين بك الخشاب مرادي ان نعمل تدبيرا في قتل ابراهيم جاويش قازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي وتصير أنت مقدام مصر وعظيمها
فاتفق معه على ذلك وجمع عنده علي بك جرجا وسليمان بك مملوك عثمان بك ذي الفقار وقرقاش وذي الفقار كاشف ودار القال والقيل وسعت المنافقون وعلم ابراهيم جاويش ورضوان كتخدا ما يراد بهما
فحضر ابراهيم جاويش عند رضوان كتخدا وامتلأ باب الينكجرية وباب العزب بالعسكر والاودة باشية (1/230)
واجتمعت الصناجق والاغوات االسبعة في سبيل المؤمن والاسباهية بالرميلة وأرسلوا يطلبون فرمانا من الباشا بالركوب على بيت حسين بك الخشاب الذي جمع عنده المفاسيد أعدائنا وقصده قطعنا
فلما طلع كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا إلى راغب باشا وطلبوا منه فرمانا بذلك فقال الباشا رجل نفذ امر مولانا السلطان وخاطر بنفسه ولم ينكسر عليه مال ولا غلال كيف أعطيكم فرمانا بقتله الصلح أحسن ما يكون
فرجعوا وردوا عليهم بجواب الباشا فأرسلوا له من كل بلك اثنين اختيارية بالعرضحال وقالوا لهم ان ابي قولوا له ينزل ويولى قائمقام ونحن نعرف خلاصنا مع بعضنا
فنزل بكامل اتباعه من قراميدان ولما صار في الرميلة اراد ان ينزل علي شيخون الى بيت حسين بك الخشاب يكرنك معه فيه واذا بعزب المرابطين في السلطان حسن ردوه بالنار فقتل اغا من اغواته فنزل الى بيت آقبردي الى بيت ذي عرجان تجاه المظفر فارسلوا له ابراهيم بك بلغيه صحبة كتخدا الجاويشية خلع عليه قفطان القائمقامية ورجع الى بيته واخذوا منه فرمانا بجر المدافع والبيارق من ناحية الصليبية
وسارت الصناجق يقدمهم عمر بك امير الحاج ومحمد بك الدالي وابراهيم بك بلغيه ويوسف بك قطامش وحمزة بك وعثمان بك ابو سيف واحمد بك ابن كجك محمد واسمعيل بك جلفي وعثمان بك واحمد بك قازدغلية ورضوان بك خازندار عثمان كتخدا قازدغلي واحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الاربع جهات
فحارب بالبندق من الصبح الى الظهر حتى وزع ما يعز عليه وحمل أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين وذهب الى جهة الصعيد فدخل العسكر الى بيته
فلم يجدوا فيه شيء ولا الحريم
وهرب ايضا ابراهيم بك قيطاس الى الصعيد وعمر بك ابن علي بك وصحبته طائفة من الصناجق وهربوا الى أرض الحجاز وكان ذلك اواخر سنة (1/231)
فكانت مدة محمد باشا راغب في ولاية مصر سنتين ونصفا ثم سار الى الديار الرومية وتولى الصدارة
وكان انسانا عظيما عالما محققا وكان اصله رئيس الكتاب وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وفاته والله اعلم
ذكر من مات في هذه السنين من اعيان العلماء والاكابر والعظماء
مات الامام الكبير والاستاذ الشهير صاحب الاسرار والانوار الشيخ عبد الغنى بن اسمعيل النابلسى الحنفى الصالحى
ولد سنة 1050 واحواله شهيرة واوصافه ومناقبة مفردة بالتأليف
ومن مؤلفاتة المقصود فى وحدة الوجود وتحفة المسألة بشرح التحفه المرسلة والاصل للشيخ محمد فضل الله الهندى والفتح الربانى والفيض الرحمانى وربع الافادات فىربع العيادات وهو مؤلف جليل فى مجلد ضخم فى فقه الحنيفة نادر الوجود والرحلة القدسية وكوكب الصبح فى ازالة القبح والحديقة الندية فى شرح الطريقة المحمدية واالفتح الملكى واللمح الملكى وقطرالسماء ونظرة العلماء والفتح المدنى فى النفس اليمنى وبدبعيتان احداهما لم يلتزم فيها اسم النوع وشرحها والثانية التزمه فيها شرحها القلعى مع البديعيات العشر
توفي رضي الله عنه سنة 1143 عن ثلاث وتسعين سنة
ومات امام الائمة شيخ الشيوخ واستاذ الاساتذة عمدة المحققين والمدققين الحسيب النسيب السيد علي بن علي اسكندر الحنفى السيواسى الضرير اخذ عن الشيخ احمد الشوبرى والشرنبلالي والشيخ عثمان ابن عبدالله التحريري الحنفين وأخذ الحديث عن الشيخ البابلي والشبراملسي وغيرهم
وسبب تلقيبه باسكندرانه كان يقرأ دروسا بجامع اسكندر باشا بباب الخرق وكان عجيبا في الحفظ والذكاء وحدة الفهم وحسن الالقاء وكان الشيخ العلامة محمد السجيني اذا مر بحلقة (1/232)
درسه خفض من مشيته ووقف قليلا وأنصت لحسن تقريره وكان كثير الاكل ضخم البدن طويل القامة لايلبس زي الفقهاء بل يعتم عمامه لطيفة بعذبة مرخية وكان يقول عن نفسه أنا آكل كثيرا واحفظ كثيرا
وسافر مرة الى دار السلطنة وقرأ هناك دروسا واجتمع عليه المحققون حين ذاك وباحثوه وناقشوه واعترفوا بعمله وفضله وقوبل بالاجلال والتكريم وعاد الى مصر ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي في ذي القعدة سنة 1148 عن ثلاث وسبعين سنة وكسور اخذ عنه كثير من الاشياخ كالشيخ الحفني واخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ الدمياطي والشيخ الوالد والشيخ عمر الطحلاوي وغيرهم
وكان يقول بحرمة القهوة واتفق انه عمل مهما لزواج ابنه فهاداه الناس وبعث اليه عثمان كتخدا القازدغلي فردين فامر بطرحه في الكنيف لانه يرى حرمة الانتفاع بثمنه ايضا مثل الخمر ودليله في ذلك ما ذكر في وصف خمرة الجنة في قوله تعالى لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون بان الغول ما يعتري شارب الخمر بتركها وهذه العلة موجودة في القهوة بتركها بلا شك
توفي الى رحمة الله تعالى سنة 1146
ومات الامام العلامة والمحقق الفهامة شيخ مشايخ العلم الشيخ محمد عبد العزيز الزيادي الحنفي البصير أخذ عن الشيخ شاهين الارمناوي الحنفي عن العلامة البابلي واخذ عنه الشمس الحفني والدمنهوري والشيخ الوالد والدمياطي وغيرهم توفي في اواخر ربيع الاول سنة 1148
ومات الشيخ الفقيه العلامة المتقن المتفنن الشيخ عيسى بن عيسى السقطي الحنفي أخذ عن الشيخ ابراهيم بن عبد الفتاح بن أبي الفتح الدلجي الفرضي الشافعي وعن الشيخ احمد الاهناسي وعن الشيخ احمد ابن ابراهيم التونسي الحنفي الشهير بالدوقدوسي وعن السيد علي ابن السيد علي الحسيني الشهير باسكندر والشيخ محمد بن عبد العزيز بن (1/233)
ابراهيم الزيادي ثلاثتهم عن الشيخ شاهين الارمناوي واخذ ايضا عن الشيخ العقدي والشيخ ابراهيم الشرنبلالي والشيخ حسن بن الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي ثلاثتهم عن الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير
توفي المترجم في سنة 1143
ومات الاستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي الضرير أخذ عن الشيخ الشرنبالي ولازمه ملازمة كلية وأخذ ايضا عن الشيخ عبد ربه الديوي واهل طبقته مثل الشيخ مطاوع السجيني وغيره وكان اماما عظيما فقيها نحويا أصوليا منطقيا أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائهم
توفي سنة 1158
ومات الامام العلامة والبحر الفهامة امام المحققين شيخ الشيوخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد اللطيف بن احمد بن علي البشبيشي الشافعي خاتمة محققي العلماء وواسطة عقد نظام الاولياء العظماء ولد ببشبيش من اعمال المحلة الكبرى واشتغل علي علمائها بعد ان حفظ القرآن ولازم ولي الله تعالى العارف بالله الشيخ علي المحلي الشهير بالاقرع في فنون من العلم واجتهد وحصل واتقن وتفنن وتفرد وتردد على الشيخ العارف حسن البدوي وغيره من صوفية عصره وتأدب بهم واكتسى من أنوارهم ثم ارتحل الى القاهرة سنة 1081 وأخذ عن الشيخ محمد ابن منصور الاطفيحي والشيخ خليل اللقاني والزرقاني وشمس الدين محمد بن قاسم البقري وغيرهم واشتهر علمه وفضله ودرس وأفاد وانتفع به اهل عصره من الطبقة الثانية وتلقوا عنه المعقول والمنقول ولازم عمه الشهاب في الكتب التي كان يقرأها مع كمال التوحش والعزلة والانقطاع الى الله وعدم مسايرة احد من طلبة عمه والتكلم معهم بل كان الغالب عليه الجلوس في حارة الحنابلة وفوق سطح الجامع حتى كان يظن من لا يعرف حاله أنه بليد لا يعرف شيئا الى ان توجه عمه الى (1/234)
الديار الحجازية حاجا سنة 1094 وجاور هناك فأرسل له بان يقرأ موضعه
فتقدم وجلس وتصدر لتقرير العلوم الدقيقة والنحو والمعاني والفقه
ففتح الله له باب القبض فكان يأتي بالمعاني الغريبة في العبارات العجيبة وتقريره اشهى من الماء عند الظمآن وانتفع به غالب مدرسي الازهر وغالب علماء القطر الشامي ولم يزل على قدم الافادة وملازمة الافتاء والتدريس والاملاء حتى توفي في منتصف رجب سنة 1143
ومات الاستاذ الامام صاحب الاسرار وخاتمة سلسلة الفخار الشيخ احمد بن عبد المنعم بن محمد ابو السرور البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية بمصر اجازه ابو الاحسان بن ناصر وغيره وكان للوزير علي باشا بن الحكيم فيه اعتقاد عظيم كما تقدمت الاشارة الى ذلك وعندما ذهب الاستاذ للسلام عليه تلقاه وقبل يديه وأقدامه وقال هذا الذي كنت رأيته في عالم الرؤيا وقت كربنا في السفرة الفلانية ولعله الشيخ البكري كما أخبرني عن نفسه
فقيل له هو المشار اليه فاقبل بكليته عليه واستجازه في الزيارة بعد الغد وأرسل اليه هدية سنية ونزل لزيارته مرارا
توفي سنة 1153 ودفن بمشهد اسلافه عند ضريح الامام الشافعي
ومات الامام العلامة والعمدة الفهامة المتقنن المتفن المتبحر الشيخ محمد صلاح الدين البرلسي المالكي الشهير بشلبي اخذ عن الشيخ احمد النفراوي والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وروى عن البصري والنخلي وعنه اخذ الاشياخ المعتبرون
توفي ليلة الخميس سابع عشر صفر سنة 1154
ومات الامام العالم العلامة والعمدة الفهامة أستاذ المحققين وصدر المدرسين الشيخ احمد بن احمد بن عيسى العماوي المالكي اخذ عن الشيخ محمد الزرقاني والعلامة الشبراملسي والششخ محمد الاطفيحي (1/235)
والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ منصور المنوفي والشيخ احمد النفراوي كما نقلت ذلك من خطة واجازته للمغفور له عبد الله باشا كبورلي زاده وكان قد قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ وسنن ابي داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والمواهب قراءة لبعضها دارية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفية المصطلح من اولها الى اخرها دراية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفيه المصطلح من اولها الى آخرها العلامة الشبراملسي تصدر للاقراء والإفادة في محله وانتفع به الطلبة وكان حلو التقرير فصيحا كثير الاطلاع مستحضرا للاصول والفروع والمناسبات والنوادر والمسائل والفوائد تلقى عنه غالب اشياخ العصر وحضروا دروسه الفقهية والمعقولية كما هو مذكور في تراجمهم
ولم يزل مواظبا وملازما على الاقراء والافادة واملاء العلوم حتى وافاه الاجل المحتوم
وتوفي سابع جمادي الاولى من سنة 1155 وخلف بعده ابنه استاذنا الامام المحقق والتحرير المدقق بركة الوقت وبقية السلف الشيخ عبد المنعم ادام الله النفع بوجوده وأطال عمره مع الصحة والعافية آمين
ومات الامام العلامة الوحيد والبحر الخضم الفريد روض العلوم والمعارف وكنز الاسرار واللطائف الشيخ محمد بن محمد الغلاني الكثناوي الدانرانكوي السوداني كان اماما دراكا متقنا متفننا وله يد طولى وباع واسع في جميع العلوم ومعرفة تامة بدقائق الاسرار والانوار
تلقى العلوم والمعارف ببلاده عن الشيخ الامام محمد ابن سليمان بن محمد النوالي البرناوي الباغرماوي والاستاذ الشيخ محمد بندو والشيخ الكامل الشيخ هاشم محمد فودو ومعناه الكبير
قال وهو أول من حصل لي على يديه الفتح وعليه قرأت اكثر كتب الادب ولازمته حضرا وسفرا نحو اربع سنوات فأخذ عنه الصرف والنحو حتى أتقن ذلك وصار شيخه المذكور يلقبه بسيبويه
وكان يلقبه قبل (1/236)
ذلك بصاحب المقامات لحفظه لها واستحضاره لالفاظها استحضارا شديدا بحيث اذا ذكرت كلمة يأتي بما قبلها بالبديهة وعدم الكلفة
وتلقى عن الشيخ محمد بند وعلم الحرف والاوفاق وعلم الحساب والمواقيت على اسلوب طريقة المغاربة والعلوم السرية بانواعها الحرفية والوفقية وآلاتها الحسابية والميقاتية
وحصلت له منه المنفعة التامة قال وقرأت عليه الاصول والمعاني والبيان والمنطق وألفية العراقي وجميع عقائد السنوسي الستة
وسمع عليه البخاري وثلاثة ارباع مختصر الشيخ خليل من اول البيوع الى آخر باب السلم ومن اول الاجارة الى آخر الكتاب ونحو الثلث من كتاب ملخص المقاصد وهو كتاب لابن زكري معاصر الشيخ السنوسي في الف بيت وخمسمائة بيت في علم الكلام وأكثر تصانيفه الى غير ذلك
قال وسمعت منه كثيرا من الفوائد العجيبة والحكايات الغريبة والاخبار والنوادر ومعرفة الرجال ومراتبهم وطبقاتهم
ذكر ذلك في برنامج شيوخه المذكورين وكان للمترجم همة عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلوم المتوقف عليه تحصيل الكتب وكان يقول عن نفسه ان مما من الله علي به أني لم أقرأ قط من كتاب مستعار وانما ادنى مرتبتي اذا حاولت قراءة كتاب لم يكن موجودا عندي ان اكتب متنه موسع السطور لاقيد فيه ما أردته من شروحه او ما سمعته من تقريرات الشيخ عند قراءته واعلاها ان اكتب شرحه وحاشيته بدليل انه لولا علو همتي وصدق رغبتي في تحصيل العلوم لما فارقت اهلي وانسي وطلقت راحتي وبدلتهما بغربتي ووحشتي وكربتي مع كون حالي مع اهلي في غاية الغبطة والانتظام فبادرت في اقتحام الاخطار لكي ادرك الاوطار
ولما استأذن شيخه في الرحلة والحج فمر في رحلته بعدة ممالك واجتمع بملوكها وعلمائها فمن اجتمع به في كاغ برن الشيخ محمد كرعك واخذ عنه اشياء كثيرة من علوم الاسرار والرمل (1/237)
واقام هناك خمسة اشهر وعنده قرأ كتاب الوالية للكردي وهو كتاب جليل معتبر في علم الرمل وقرأ عليه هو الرجراجي وبعض كتب من الحساب
وله رحلة تتضمن ما حصل له في تنقلاته وحج سنة اثنتين واربعين ومائة والف وجاور بمكة وابتدأ هناك بتأليف الدر المنظوم وخلاصة السر المكتوم في علم الطلاسم والنجوم وهو كتاب حافل رتبه على مقدمة وخمسة مقاصد وخاتمه وقسم المقاصد ابوابا واتم تبييضه بمصر المحروسة في شهر رجب سنة ست واربعين ومن تأليفه كتاب بهجة الآفاق وايضاح اللبس والاغلاق في علم الحروف والاوفاق رتبه على مقدمة ومقصد وخاتمة وجعل المقدمة ثلاثة ابواب والمقصد خمسة ابواب وكل باب يشتمل على مقدمة وفصول ومباحث وخاتمة
وله منظومة في علم المنطق سماها منح القدوس وشرحها شرحا عظيما سماه ازالة العبوس عن وجه منح القدوس وهو مجلد حافل نحو ستين كراسا
وله شرح بديع على كتاب الدر والترياق في علم الافاق
ومن تآليفه بلوغ الارب من كلام العرب في علم النحو وله غير ذلك
توفي سنة 1154 بمنزل المرحوم الشيخ الوالد وجعله وصيا على تركته وكتبه وكان يسكن اولا بدرب الاتراك وهو الذي اخذ عنه علم الاوفاق وعلم الكسر والبسط الحرفية والعددية ودفنه الوالد ببستان العلماء بالمجاورين وبنى على قبره تركيبة وكتب عليها اسمه وتاريخه
ومات جامع الفضائل والمحاسن طاهر الاعراق والاوصاف السيد علي افندي نقيب السادة الاشراف ذكره الشيخ عبد الله الادكاوي في مجموعته واثنى عليه وكان مختصا بصحبته
وحج مع المترجم سنة 1147 وعاد الى مصر ولم يزل على احسن حال حتى توفي في الليلة الثامنة عشرة من شهر شوال سنة 1153
ومات الاستاذ العارف الشيخ ابو العباس احمد بن احمد العربي (1/238)
الاندلسي التلمساني الازهري المالكي اخذ الحديث عن الامام ابي سالم عبد الله بن سالم البصري المكي وابي العباس احمد بن محمد النخلي المكي الشافعيين وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب اخذ عنه الشيخ ابو سالم الحفني والسيد علي بن موسى المقدسي الحسيني وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب
وتوفي سنة 1151
ومات الامام العلامة والنحرير الفهامة شمس الدين محمد بن سلامة البصير الاسكندري المكي البليغ الماهر اخذ العلم عن الشيخ خليل اللقاني والشهاب احمد السندوبي والشيخ محمد الخرشي والشيخ عبد الباقي الزرقاني والشبرخيتي والابيذري وهو الشهاب احمد الذي روى عن البرهان اللقاني والبابلي واخذ ايضا عن الشيخ يحيى الشاوي والشهاب احمد البشبيشي وله تأليفات عديدة منها تفسير القرآن العزيز نظما في نحو عشر مجلدات
وقد اجاز الشيخ ابا العباس احمد بن علي العثماني واملي عليه نظما وذلك بمنزلة بالجانب الغربي من الحرم الشريف وعمر ابن احمد بن عقيل ومحمد بن علي بن خليفة الغرياني التونسي وحسين ابن حسن الانطاكي المقري اجازه في سنة 1131 في الطائف واسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم
توفي في ذي الحجة سنة 1149
ومات الشيخ الامام العالم العلامة صاحب التآليف العديدة والتقريرات المفيدة ابو العباس احمد بن عمر الديربي الشافعي الازهري اخذ عن عمه الشيخ علي الديربي قرأ عليه التحرير وابن قاسم وشرح الرحبية واخذ عن الشيخ محمد القليوبي الخطيب وشرح التحرير والشيخ خالد علي الآجرومية وعلى الازهرية وعن الشيخ ابي السرور الميداني والشيخ محمد الدنوشري المشهور بالجندي علم الحساب والفرائض واخذ عن الشيخ الشنشوري ومن مشايخه يونس بن الشيخ القليوبي والشيخ علي السنبطي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ محمد النفراوي المالكي واخوه (1/239)
الشيخ احمد النفراوي والشيخ خليل اللقاني والشيخ منصور الطوخي والشيخ ابراهيم الشبرخيتي والشيخ ابراهيم المرحومي والشيخ عامر السبكي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ شمس الدين محمد الحموي والشيخ ابو بكر الدلجي والشيخ احمد المرحومي والشيخ احمد السندوبي والشيخ محمد البقري والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد المعطي المالكي والشيخ محمد الخرشي والشيخ محمد النشرتي والشيخ ابو الحسن البكري خطيب الازهر وانتشر فضله وعلمه واشتهر صيته وافاد والف وصنف
فمن تآليفه غاية المرام فيما يتعلق بانكحة الانام وكتب حاشية عليه مع زيادة احكام وايضاح ما خفي فيه على بعض الانام وغاية المقصود لمن يتعاطى العقود على مذهب الائمة الاربعة والختم الكبير على شرح التحرير المسمى فتح الملك الكريم الوهاب بختم شرح تحرير تنقيح اللباب وغاية المراد لمن قصرت همته من العبادة وختم على شرح المنهج سماه فتح الملك الباري بالكلام على آخر شرح المنهج للشيخ زكريا الانصاري وختم على شرح الخطيب وعلى شرح ابن قاسم وكتابه المشهور المسمى فتح الملك المجيد لنفع العبيد جمع فيه ما جربه وتلقاه من الفوائد الروحانية والطبية وغيرها
وهو مؤلف لا نظير له في بابه وله رسالة على البسملة وحديث البداءة ورسالة تسمى تحفة المشتاق فيما يتعلق بالسنانية ومساجد بولاق ورسالة تسمى تحفة االصفا فيما يتعلق بابوي المصطفى والقول المختار فيما يتعلق بابوي النبي المختار ومناسك حج على مذهب الامام الشافعي وتحفة المريد في الرد على كل مخالف عنيد وفتح الملك الجواد بتسهيل قسمة التركات على بعض العباد بالطريق المشهورة بين الفريضيين في المسائل العائلة ورسالة في سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه والوقوف في المحشر والشفاعة العظمى واربعون حديثا وتمام الانتفاع لمن ارادها من الانام وجاشية على شرح ابن قاسم (1/240)
الغزي ورسالة تتعلق بالكواكب السبعة والساعات الجيدة وبضرب المنادل العلوية والسفلية واحضار عامر المكان واستنطاقه وعزله ولوح الحياة والممات وغير ذلك
توفي سابع عشرين شعبان سنة 1151
ومات الامام العلامة والبحر الفهامة شيخ مشايخ العصر ونادرة الدهر الصالح الزاهد الورع القانع الشيخ مصطفى العزيزي الشافعي ذكره الشيخ محمد الكشناوي في آخر بعض تآليفه بقوله وكان الفراغ من تأليفه في شهر كذا سنة ست واربعين وذلك في ايام الاستاذ زاهد العصر الفخر الرازي الشيخ مصطفى العزيزي وناهيك بهذه الشهادة
وسمعت وصفه من لفظ الشيخ الوالد وغيره من مشايخ العصر من انه كان ازهد اهل زمانه في الورع والتقشف في المأكل والملبس والتواضع وحسن الاخلاق ولا يرى لنفسه مقاما
وكان معتقدا عند الخاص والعام وتأتي الاكابر والاعيان لزيارته ويرغبون في مهاداته وبره فلا يقبل من احد شيئا كائنا ما كان مع قلة دنياه لا كثيرا ولا قليلا واثاث بيته على قدر الضرورة والاحتياج
وكان يقرأ دروسه بمدرسة السنانية المجاورة لحارة سكنه بخط الصنادقية بحارة الازهر ويحضر دروسه كبار العلماء والمدرسين ولا يرضىللناس بتقبيل يده ويكره ذلك فاذا تكامل حضور الجماعة وتحلقوا حضر من بيته ودخل الى محل جلوسه بوسط الحلقة فلا يقوم لدخوله احد
وعندما يجلس يقرأ المقري واذا تم الدرس قام في الحال وذهب الى داره وهكذا كان دأبه
توفي سنة اربع وخمسين واقام عثمان بك ذا الفقار وصيا على ابنته
ومات الامام العمدة المتقن الشيخ رمضان بن صالح بن عمر بن حجازي السفطي الخانكي الفلكي الحيسوني اخذ عن رضوان افندي وعن العلامة الشيخ محمد البرشمسي وشارك الجمال يوسف الكلارجي والشيخ الوالد وحسن افندي قطة مسكين وغيرهم واجتهد وحسب وحرر وكتب (1/241)
بخطة كثيرا جدا وحسب المحكمات وقواعد المقومات على اصول الرصد السمرقندي الجديد وسهل طرقها بادق ما يكون واذا نسخ شيئا من تحريراته رقم منها عدة نسخ في دفعة واحدة فيكتب من كل نسخة صفحة بحيث يكمل الاربع نسخ او الخمسة على ذلك النسق فيتم الجميع في دفعة واحدة
وكان شديد الحرص على تصحيح الارقام وحل المحلولات الخمسة ودقائقها الى الخوامس والسوادس وكتب منها عدة نسخ بخطه وهو شيء يعسر نقله فضلا عن حسابه وتحريره
ومن تصانيفه نزهة النفس بتقويم الشمس بالمركز والوسط فقط والعلامة باقرب طريق واسهل ما اخذ واحسن وجه مع الدقة والامن من الخطا وحرر طريقة اخرى على طريق الدر اليتيم يدخل اليها بفاضل الايام تحت دقائق الخاصة ويخرج منها المقوم بغاية التدقيق لمرتبة الثوالث في صفحات كبيرة متسعة في قالب الكامل
واختصرها الشيخ الوالد في قالب النصف ويحتاج اليها في عمل الكسوفات والخسوفات والاعمال الدقيقة يوما يوما
ومن تآليفه كفاية الطالب لعلم الوقت وبغية الراغب في معرفة الدائر وفضله والسمت والكلام المعروف في اعمال الكسوف والخسوف والدرجات الوريفة في تحرير قسي العصر الاول وعصر ابي حنيفة وبغية الوطر في المباشرة بالقمر ورسالة عظيمة في حركات افلاك السيارة وهيآتها وحركاتها وتركيب جداولها على التاريخ العربي على اصول الرصد الجديد وكشف الغياهب عن مشكلات اعمال الكواكب ومطالع البدور في الضرب والقسمة والجذور وحرك ثلثمائة وستة وثلاثين كوكبا من الكواكب الثابتة المرصودة بالرصد الجديد بالاطوال والابعاد ومطالع الممر ودرجاته لاول سنة 1139 والقول المحكم في معرفة كسوف النير الاعظم ورشف الزلال في معرفة استخراج قوس مكث الهلال بطريقي الحساب والجدول
واما كتاباته وحسابياته في اصول الظلال واستخراج (1/242)
السموت والدساتير فشيء لا ينحصر ولا يمكن ضبطه لكثرته وكان له بالوالد وصلة شديدة وصحبة اكيدة ولما حانت وفاته اقامة وصيا على مخلفاته وكان يستعمل البرشعثا ويطبخ منه في كل سنة قزانا كبيرا ثم يملأ منه قدورا ديدفنها في الشعير ستة اشهر ثم يستعمله بعد ذلك ويكون قد حان فراغ الطبخة الاولى وكان يأتيه من بلده الخانكة جميع لوازمه وذخيرة داره من دقيق وسمن وعسل وجبن وغير ذلك ولا يدخل لداره قمح الا لمؤنة الفراخ وعلفهم فقط واذا حضر عنده ضيوف وحان وقت الطعام قدم لكل فرد من الحاضرين دجاجة على حدته
ولم يزل حتى توفي ثاني عشر جمادي الاولى سنة 1158 يوم الجمعة ودفن بجوار تربة الشيخ البحيري كاتب القسمة العسكرية بجوار حوش العلامة الخطيب الشربيني
ومات قاضي قضاة مصر صالح افندي القسطموني
كان عالما بالاصول والفروع صوفي المشرب في التورع ولي قضاء مصر سنة 1154 وبهامات سنة 1155 ودفن عند المشهد الحسيني
ومات السيد زين العابدين المنوفي المكب احد السادة المشهورين بالعلم والفضل توفي سنة 1151
ومات اسيد الشريف حمود بن عبد الله ابن عمرو النموي الحسيني المكي احد اشراف آل نمي كان صاحب صدارة ودولة واخلاق رضية ومحاسن مرضية حسن المذاكرة والمطارحة لطيف المحاضرة والمحاورة
توفي ايضا سنة 1151
ومات الاجل الفاضل المحقق احمد افندي الواعظ الشريف التركي كان من اكابر العلماء امارا بالمعروف ولا يخاف في الله لومة لائم وكان يقرأ الكتب الكبار ويباحث العلماء على طريق النظار ويعظ العامة بجامع المرداني فكانت الناس تزدحم عليه لعذوبة لفظه وحسن بيانه وربما (1/243)
حضره بعض الاعيان من امراء مصر فيسبهم جهرا ويشير الى مثالهم وربما حنقوا منه وسلطوا عليه جماعة من الاتراك ليقتلوه فيخرج عليهم وحده فيغشى الله على ابصارهم
مات في حادي عشري الحجة سنة 1161
ومات القطب الكامل السيد عبد الله بن جعفر بن علوى مدهر باعلوى نزيل مكة ولد بالشحر وبها نشأ ودخل الحرمين وتوجه الى الهندي ومكث في دهلي مدة تقرب من عشرين عاما ثم عاد الى الحرمين واخذ عن والده واخيه العلامة علوي ومحمد بن احمد بن علي الستاري وابن عقيلة وآخرين
وعنه اخذ الشيخ السيد وشيخ والسيد عبد الرحمن العيدروس
وله مؤلفات نفيسة منها كشف اسرار علوم المقربين ولمح النور بباء اسم الله يتم السرور واشرق النور وسناه من سر معنى الله لا نشهد سواه والاصل اربعة ابيات للقطب الحداد واللآلىء الجوهرية على العقائد البنوفرية وشرح ديوان شيخ بن اسمعيل الشحري والنفحة المهداة بانفاس العيدروس بن عبد الله والايفا بترجمة العيدروس جعفر بن مصطفى وديوان شعر ومراسلات عديدة وله كرامات شهيرة
توفي بمكة سنة 1160
ومات السيد الاجل عبد الله بن مشهور بن علي بن ابي بكر العلوي احد السادة اصحاب الكرامات والاشراقات كان مشهورا برؤية الخضر ادركه السيد عبد الرحمن العيدروس وترجمه في ذيل المشرع واثنى عليه وذكر له بعض كرامات
توفي سنة 1144
ومات الاستاذ النجيب الماهر المتفنن جمال الدين يوسف بن عبد الله الكلارجي الفلكي تابع حسن افندي كاتب الروزنامة سابقا
قرأ القرآن وجود الخط وتوجهت همته للعلوم الرياضية كالهيئة والهندسة والحساب والرسم فتقيد بالعلامة الماهر رضوان افندي واخذ عنه واجتهد وتمهر (1/244)
وصار له باع طويل في الحسابيات والرسميات وساعده على ادراك مأمولة ثروة مخدومه فاستنبط واخترع ما لم يسبق به والف كتابا حافلا في الظلال ورسم المنحرفات والبسائط والمزاول والاسطحة جمع فيه ما تفرق في غيره من اوضاع المتقدمين بالاشكال الرسمية والبراهين الهندسية والتزم المثال بعد المقال والف كتابا ايضا في منازل القمر ومحلها وخواصها وسماها كنز الدرر في احوال منازل القمر وغير ذلك
واجتمع عنده كتب وآلات نفيسة لم تجتمع عند غيره ومنها نسخة الزيج السمرقندي بخط العجم وغير ذلك
توفي سنة 1153
ومات الامام العلامة والعمدة الفهامة مفتي المسلمين الشيخ احمد بن عمر الاسقاطي الحنفي المكنى بابي السعود تفقه على الشيخ عبد الحي الشرنبلالي والشيخ علي العقدي الحنفي البصير وحضر عليه المنار وشرحه لابن فرشته وغيره والشيخ احمد النفراوي المالكي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ احمد ابن عبد الرزاق الروحي الدمياطي الشناوي والشيخ احمد الشهير بالبناء واحمد بن محمد بن عطية الشرقاوي الشهير بالخليفي والشيخ احمد بن محمد المنفلوطي الشافعي الشهير بابن الفقيه والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وغيرهم كالشيخ عبد ربه الديوي ومحمد بن صلاح الدين الدنجيهي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح البهوتي ومهر في العلوم وتصدر لالقاء الدروس الفقيهة والمعقولية وافاد وافتى والف واجاد وانتفع الناس بتآليفه ولم يزل يملي ويفيد حتى توفي سنة 1159
ومات الاستاذ الكبير والعلم الشهير صاحب الكرامات الساطعة والانوار المشرقة اللامعة سيدي عبد الخالق بن وفا قطب زمانه وفريد اوانه وكان على قدم اسلافه وفيه فضيلة وميل للشعر وامتدحه الشعراء واجازهم الجوائز السنية وكان يحب سماع الآلات
توفي رحمه الله في ثاني عشر ذي الحجة سنة 1161 (1/245)
ومات الاستاذ شيخ الطريقة والحقيقة قدرة السالكين ومربي المريدين الامام المسلك السيد مصطفى بن كمال الدين المذكور في منظومة النسبة لسيدي عبد الغني النابلسي كما ذكره السيد الصديقي في شرحه الكبير على ورده السحري البكري الصديقي الخلوتي نشأ ببيت المقدس على اكرم الاخلاق واكملها رباه شيخه الشيخ عبد اللطيف الحلبي وغذاه بلبان اهل المعرفة والتحقيق ففاق ذلك الفرع الاصل وظهرت به في افق الوجود شمس الفضل فبرع فهما وعلما وابدع نثرا ونظما ورحل الى جل الاقطار لبلوغ اجل الاوطار كما دأب على ذلك السلف لما فيه من اكتساب المعالي والشرف
ولما ارتحل الى اسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث فيها سنة لم يؤذن له بارتحال ولم يدر كيف الحال
فلما كان آخر السنة قام ليلة فصلى على عادته من التهجد ثم جلس لقراءة الورد السحري فاحب ان تكون روحانية النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك المجلس ثم روحانية خلفائه الاربعة والائمة الاربعة والاقطاب الاربعة والملائكة الاربعة
فبينما هو في اثنائه اذ دخل عليه رجل فشمر عن اذياله كأنه يتخطى اناسا في المجلس حتى انتهى الى موضع فجلس فيه ثم لما ختم الورد قام ذلك الرجل فسلم عليه ثم قال ماذا صنعت يا مصطفى فقال له ما صنعت شيئا
فقال له الم ترني اتخطى الناس قال بلى انما وقع لي اني احببت ان تكون روحانية من ذكرناهم حاضرة
فقال له لم يتخلف احد ممن اردت حضوره وما اتيتك الا بدعوة والآن أذن لك في الرحيل
وحصل الفتح والمدد والرجل المذكور هو الولي الصوفي السيد محمد التافلاتي ومتى عبر السيد في كتبه بالوالد فهو السيد محمد المذكور وقد منحه علوما جمة
ورحل ايضا الى جبل لبنان والى البصرة وبغداد وما والاهما وحج مرات وتآليفه تقارب المائتين واحزابه واوراده اكثر من ستين واجلها ورده السحري اذ هو باب الفتح وله عليه ثلاثة شروح اكبرها في مجلدين
وقد شاد اركان هذه الطريقة واقام (1/246)
رسومها وابدى فرائدها واظهر فوائدها ومنحه الله من خزائن الغيب ما لا يدخل تحت حصر
قال الشيخ الحنفى انه جمع مناقب نفسه فىمؤلف نحو اربعين كراسا تسويدا فى الكامل ولم يتم
وقد راى النبى صلى الله عليه و سلم فى النوم وقال له من اين لك هذا المدد فقال منك يارسول الله
فأشار ان نعم ولقى الخضر عليه السلام ثلاث مرات وعرضت عليه قطبانية المشرق فلم يرضها وكان اكرم من السيل وامضى فى السر من السيف واوتى مفاتيح العلوم كلها حتى اذعن له اولياء عصره ومحققوه فى مشارق الارض ومغاربها واخد على على رؤساء الجن العهود وعم مدده سائر الورود ومناقبه تجل عن التعداد وفيما اشرنا اليه كفاية لمن اراد
واخذ عنه طريق السادة الخلوتية الاستاذ الحفني وارتحل لزيارته والاخذ عنه الى الديار الشامية كما سيأتي ذلك في ترجمته وحج سنة احدى وستين ثم رجع الى مصر وسكن بدار عند قبة المشهد الحسيني وتوفي بها في ثاني عشر ربيع الثاني 1162 ودفن بالمجاورين ومولده في آخر المائة الالف بدمشق الشام
ومات العلامة الثبت المحقق المحرر المدقق الشيخ محمد الدفري الشافعي اخذ العلم عن الاشياخ من الطبقة الاولى وانتفع به فضلاء كثيرون منهم العلامة الشيخ محمد المصيلحي والشيخ عبد الباسط السنديوني وغيرهما
توفي سنة 1161
ومات الاجل المكرم عبد الله افندي الملقب بالانيس احد المهرة في الخط الضابط كتب على الشاكري وغيره واشتهر امره جدا وكان مختصا بصحبة مير اللواء عثمان بك ذي الفقار امير الحاج وكتب عليه جماعة ممن رأيناهم ومنهم شيخ الكتبة بمصر اليوم حسن افندي مولى الوكيل المعروف بالرشدي وقد اجازه في مجلس حافل
توفي سنة 1159
ومات الامام الفقيه المحدث شيخ الشيوخ المتقن المتفنن المتجر الشيخ (1/247)
احمد بن مصطفى بن احمد الزبيري المالكي الاسكندري نزيل مصر وخاتمة المسندين بها الشهير بالصباغ ذكر في ذكر شيوخه انه اخذ عن ابراهيم بن عيسى البلقطري وعلي بن فياض والشيخ محمد النشرتي الزرقاني واحمد الغزاوي وابراهيم الفيومي وسليمان الشبرخيتي ومحمد زيتونه التونسي نزيل الاسكندرية وابي العز العجمي واحمد بن الفقيه والكبنكسي ويحيى الشاوي وعبد الله البقري وصالح الحنبلي وعبد الوهاب الشنواني وعبد الباقي القليني وعلي الرميلي واحمد السجيني وابراهيم الكتبي واحمد الخليفي ومحمد الصغير والوزراري وعبده الديوي وعبد القادر الواطي واحمد بن محمد الدرعي
ورحل الى الحرمين فاخذ عن البصري والنخلي والسندي ومحمد اسلم وتاج الدين القلعي ووالسيد سعد الله
وكان المترجم اماما علامة سليم الباطن معمور الظاهر قد عم به الانتفاع
روى عنه كثيرون من الشيوخ وكان يذهب في كل سنة الى تغر الاسكندرية فيقيم بها شعبان ورمضان وشوالا ثم يرجع الى مصر يملي ويفيد ويدرس حتى توفي في سنة 1162 ودفن بتربة بستان المجاورين بالصحراء
ذكر من مات في هذه السنين من الامراء المشهورين والاعيان
مات الامير علي بك ذو الفقار وهو مملوك ذي الفقار بك وخشداش عثمان بك ولما دخلوا على استاذه وقت العشاء وقتلوه كما تقدم كان هو إذ ذاك خازنداره كما تقدم فقال المترجم باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح
فكانت هذه الكلمة سببا لهزيمة القاسمية واخمادهم الى آخر الدهر وعد ذلك من فطانته وثبات جأشه في ذلك الوقت والحالة
ثم ارسل الى مصطفى بك بلغيه فحضر عنده وجمع اليه محمد بك قطامش وارباب الحل والعقد وارسلوا الى عثمان بك فحضر من التجريدة ورتبوا (1/248)
امورهم وقتلوا القاسمية الذينن وجدوهم في ذلك الوقت
ولما وقف العرب بطريق الحجاج في العقبة سنة سبع واربعين وكان امير الحاج رضوان بك ارسل الى محمد بك قطامش فعرفه ذلك فاجتمع الامراء بالديوان وتشاوروا فيمن يذهب لقتال العرب فقال المترجم انا اذهب اليهم واخلص من حقهم وانقذ الحجاج منهم ولا آخذ من الدولة شيئا بشرط ان اكون حاكم جرجا عن سنة ثمان واربعين فأجابوه الى ذلك والبسه الباشا قفطانا وقضى اشغاله في اسرع وقت وخرج في طوائفه ومماليكه واتباع استاذه وتوجه الى العقبة وحارب العرب حتى انزلهم من الحلزونات واجلاهم وطلع امير الحاج بالحجاج وساق هو خلف العرب فقتل منهم مقتلة عظيمة ولحق الحجاج بنخل ودخل صحبتهم
ولما دخل ترت سافر الى ولاية جرجا فاقام بها اياما ومات هناك بالطاعون
وامت الامير مصطفى بك بلغيه تابع حسن اغا بلغيه تقلد الامارة والصنجقية في ايام اسمعيل بك ابن ايواظ سنة 1135 ولم يزل اميرا متكلما وصدرا من صدور مصر اصحاب الامر والنهي والحل والعقد الى ان مات بالطاعون على فراشه سنة 1148
ومات ايضا رضوان اغا الفقاري وهو جرجي الجنس تقلد اغاوية مستحفظان عندما عزل علي اغا المقدم ذكره في اواخر سنة 1118 ثم تقلد كتخدا الجاويشية ثم اغات جملية في سنة 1120 وكان من اعيان المتكلمين بمصر وفر من مصر وهرب مع من هرب في الفتنة الكبرى الى بلاد الروم ثم رجع الى مصر سنة خمس وثلاثين باتفاق من اهل مصر بعدما بيعت بلاده وماتت عياله ومات له ولدان
فمكث بمصر خاملا الى سنة ست وثلاثين ثم قلده اسمعيل بك بن ايواظ آغاوية الجملية فاستقر بها نحو خمسين يوما
ولما قتل اسمعيل بك في تلك السنة نفي المترجم الى ابي قير خوفا من حصول الفتن فاقام هناك ثم رجع الى مصر واستمر بها الى (1/249)
ان مات في الفصل سنة 1148
ومات كل من اسمعيل بك قيطامس واحمد بك اشراق ذي الفقار بك الكبير وحسن بك وحسين بك كتخدا الدمياطي واسمعيل كتخدا تابع مراد كتخدا وخليل جاويش قباجيه وافندي كبير عزبان وحسن جاويش بيت مال العزب وافندي صغير مستحفظان واحمد اوده باشا المطرباز ومحمد اغا ابن تصلق اغات مستحفظان وحسن جلبي بن حسن جاويش خشداش عثمان كتخدا القازدغلي وغير ذلك مات الجميع في الفصل سنة ثمان واربعين
ومات احمد كتخدا الخربطلي وهو الذي عمر الجامع المعروف بالفاكهاني الذي بخط العقادين الرومي بعطفة خوش وقدم وصرف عليه من ماله مائة كيس واصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال سنة 1148 وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وجعل مملوكه علي ناظر عليه ووصيا على تركته
ومات المترجم في واقعة بيت محمد بك الدفتردار سنة 1149 مع من مات كما تقدم الالماع بذكر ذلك في ولاية باكير باشا
ومات الامير عثمان كتخدا القازدغلي تابع حسن جاويش القازدغلي والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العماير
تنقل في مناصب الوجاقات في ايام سيده وبعدها الى ان تقلد الكتخدائية ببابه وصار من ارباب الحل والعقد واصحاب المشورة واشتهر ذكره ونما صيته وخصوصا لما تغلبت الدول وظهرت الفقارية
ولما وقع الفصل في سنة ثمان واربعين ومات الكثير من اعيان مصر وامرائها غنم اموالا كثيرة من المصالحات والتركات وعمر الجامع المعروف بالازبكية بالقرب من رصيف الخشاب في سنة سبع واربعين وحصلت الصلاة فيه ووقع به ازدحام عظيم حتى ان عثمان بك ذا الفقار حضر للصلاة في ذلك اليوم متأخرا فلم يجد له محلا فيه فرجع (1/250)
وصلى بجامع ازبك
وملأوا المزملة بشربات السكر وشرب منه عامة الناس وطافوا بالقلل لشرب من بالمسجد من الاعيان وعمل سماطا عظيما في بيت كتخداه سليمان كاشف برصيف الخشاب وخلع فى ذلك اليوم على حسن افندى ابن البواب الخطيب والشيخ عمر الطهلاوي المدرس وارباب الوظائف خلعا وفرق عل الفقراء دراهم كثيرة وشرع فى بناء الحمام بجواره بعد تمام الجامع والسبيل والكتاب وبنى زاوية العميان بالازهر ورحبة رواق الاتراك والرواق ايضا ورواق السليمانيه ورتب لهم مرتبات من وقفه وجعل مملوكه سليمان الجوخدار ناظرا ووصيا والبسه الضلمة
ولم يزل عثمان كتخدا اميرا ومتكلما بمصر وافر الحرمة مسموع الكلمة حتى قتل مع من قتل ببيت محمد بك الدفتردار مع ان الجمعية كانت باطلاعه ورأية ولم يكن مقصودا بالذات فى القتل
ومات الامير الكبير محمد بك قيطاس المعروف بقطاش وهو مملوك قيطاس بك جرجي الجنس وقيطاس بك مملوك ابراهيم بك ابن ذي الفقار بك تابع حسن بك الفقارى تولى الامارة والصنجقية فىحياة استاذه وتقلد امارة الحج سنة خمس وعشرين وطلع بالحج مرتين وتقلد ايضا امارة الحج سنة 1146 و 1148 ولما قتل عابدى باشا استاذه بقراميدان سنة 1126 كما تقدم ذكر ذلك عصى المترجم وكرنك فى بيته هو وعثمان بك بارم ذيله وطلب بثار استاذه ولم يتم له امر وهرب الى بلاد الروم فاقام هناك الى ان ظهر ذو الفقار فى سنة ثمان وثلاثين وخرج جركس هاربا من مصر فارسل عند ذلك اهل مصر يستدعون المترجم ويطلبون من الدولة حضوره الى مصر وارسلو الى مصر وانعموا عليه بالدفتردارية
ولما وصل الى مصر لم يتمكن منها حتى قتل علي بك الهندى فعند ذلك تقلد الدفتردارية وظهر امره ونما ذكره وقلد مملوكه علي صنجقا وكذلك اشراقه ابراهيم بك
ولما عزل باكير باشا تقلد المترجم قائمقامية (1/251)
وذلك سنة ثلاث واربعين
وبعد قتل ذى الفقار بك صار المترجم اعظم الامراء المصرية وبيده النقض والابرام والحل والعقد وصناجقه علي بك ويوسف بك وصالح بك وابراهيم بك ولم يزل اميرا مسموع الكلمة وافر الحرمة حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار كما تقدم وقتل معه ايضا من امرائه علي بك وصالح بك
ومات معهم ايضا يوسف كتخدا البركاوي وكان اصله جربجيا بباب العزب وطلع سردار بيرق في سفر الروم ثم رجع الى مصر فأقام خاملا قليل الحظ من المال والجاه فلما حصلت الواقعة التي ظهر فيها ذو الفقار واجتمع محمد باشا وعلي باشا والامراء وحصرهم محمد بك جركس من جهات الرميلة من ناحية مصلى المؤمنين والحصرية وتلك النواحي وتابعوا رمي الرصاص على من بالمحمودية وباب العزب والسلطان حسن بحيث منعوهم المرور والخروج والدخول وضاق الحال عليهم بسبب ذلك فعندها تسلق المترجم وخاطر بنفسه ونط من باب العزب إلى المحمودية والرصاص نازل من كل ناحية وطلع عند الباشا والامراء وطلب فرمانا خطا بالكتخدا العزب بانه يفرد قايبر بمائة نفر واوده باشه ويكون هو سر عسكر ويطرد الذين في سبيل المؤمنين وهو يملك بيت قاسم بك ويفتح الطريق فاعطوه ذلك وفعل ما تقدم ذكره وملك بيت قاسم بك وجرى بعد ذلك ما جرى
ولما انجلت القضية جعلوه كتخدا باب العزب وظهر شأنه من ذلك الوقت واشتهر ذكره وعظم صيته
وكان كريم النفس ليس للدنيا عنده قيمة ولم يزل حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار
ومات الامير قيطاس بك الاعور وهو مملوك قيطاس بك الفقاري المتقدم ذكره تقلد الامارة في ايام استاذه ولما قتل استاذه كان المترجم مسافرا بالخزينة ونازلا بوطاقة بالعادلية وكان خشداشة محمد بك قطامش نازلا بسبيل علام فلما بلغه قتل استاذه ركب هو وعثمان بك بارم (1/252)
ذيله وأتيا اليه وطلباه للقيام معهما في طلب ثار استاذهم فلم يطاوعهما على ذلك وقال أنا معي خزينة السلطان وهي في ضماني فلا أدعها وأذهب معكما في الامر الفارغ وفيكم البركة
وذهب محمد بك وفعل ما فعله من الكرنكة في داره ولم يتم له امر وخرج بعد ذلك هاربا من مصر ولحق بقيامطس بك المذكور وسافر معه الى الديار الرومية واستمر هناك الى ان رجع كما ذكر وعاد المترجم من سفر الخزينة فاستمر أميرا بمصر وتقلد امارة الحج سنة اثنتين واربعين وتوفي بمنى ودفن هناك
ومات الامير علي كتخدا الجلفي تابع حسن كتخدا الجلفي المتوفي سنة 1124
تنقل في الامارة بباب عزبان بعد سيده وتقلد الكتخدائية وصار من اعيان الامراء بمصر وارباب الحل والعقد ولما انقضت الفتنة الكبيرة وطلع اسمعيل بك بن ايواظ الى باب العزب وقتل عمر اغا استاذ ذي الفقار بك وامر بقتل خازنداره ذي الفقار المذكور استجار بالمترجم وكان بلديه وكان اذ ذاك خازندار عند سيده حسن كتخدا فأجاره وأخذه في صدره وخلص له حصة قمن العروس كما تقدم فلم يزل يراعي له ذلك حتى ان يوسف كتخدا البركاوي انحرف منه في ايام امارة ذي الفقار وأراد غدره واسر بذلك الى ذي الفقار بك فقال له كل شيء اطاوعك فيه الا الغدر بعلي كتخدا فانه كان السبب في حياتي وله في عنقي ما لا انساه من المنن والمعروف وضمانه علي في كل شيء
وقلده الكتخدائية وسبب تلقبهم بهذا اللقب هو ان محمد اغا مملوك بشير اغا القزلار استاذ حسن كتخدا كان يجتمع به رجل يسمى منصور الزتاحرجي السنجلفي من قرية من قرى مصر تسمى سنجلف وكان متمولا وله ابنة تسمى خديجة فخطبها محمد اغا لمملوكه حسن اغا استاذ المترجم وزوجها له وهي خديجة المعروفة بالست الجلفية
وسبب قتل المترجم ما ذكر (1/253)
في ولاية سليمان باشا بن العظم لما أراد ايقاع الفتنة واتفق مع عمر بك ابن علي بك قطامش على قتل عثمان بك ذي الفقار وابراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي والمترجم وهم المشار اليهم اذ ذاك في رياسة مصر
واتفق عمر بك مع خليل بك واحمد كتخدا عزبان البركاوي وابراهيم جاويش القازدغلي وتكفل كل منهم بقتل احد المذكورين فكان احمد كتخدا ممن تكفل بقتل المترجم فأحضر شخصا يقال له لاظ ابراهيم من اتباع يوسف كتخدا البركاوي وأغراه بذلك فانتخب له جماعة من جنسه ووقف بهم في قبو السلطان حسن تجاه بيت آقبردي ففعل ذلك ووقف مع من اختارهم بالمكان المذكور ينتظر مرور علي كتخدا وهو طالع الى الديوان وارسل ابراهيم جاويش انسانا من طرفه سرا يقول لا تركب في هذا اليوم صحبة احمد كتخدا فانه عازم على قتلك
وبعد ساعة حضر اليه احمد كتخدا فقام وتوضأ وقال لكاتبه التركي خذ من الخازندار الفلاني الف محبوب ندفعها فيما علينا من مال الصرة
فاخذها الكاتب في كيس وسبقه الى الباب وركب مع احمد كتخدا وابراهيم جاويش وخلفهم حسن كتخدا الرزاز واتباعهم فلما وصلوا الى المكان المعهود خرج لاظ ابراهيم وتقدم الى المترجم كانه يقبل يده فقبض على يده وضربه بالطبنجة في صدره فسقط الى الارض واطلق باقي الجماعة ما معهم من آلات النار
وعبقت الدخنة فرمح ابن امين البحرين وذهب الى بيته وطلع احمد كتخدا وصحبته حسن كتخدا الرزاز الى الباب
ولما سقط علي كتخدا سحبوه الى الخرابة وفيه الروح فقطعوا راسه ووضعوها تحت مسطبة البوابة في الخرابة وطلعوا الى الباب وعندما طلع احمد كتخدا واستقر بالباب اخذ الالف محبوب من الكاتب وطرده واقترض من حسن كتخدا المشهدي الف محبوب ايضا وفرق ذلك على من الباب من أوده باشيه والنفر
ومن مآثر علي كتخدا المترجم القصر (1/254)
الكبير الذي بناحية الشيخ قمر المعروف بقصر الجلفي وكان في السابق قصر صغيرا يعرف بقصر القبرصلي وأنشأ ايضا القصر الكبير بالجزيرة المعروفة بالفرشة تجاه رشيد الذي هدمه الامير صالح الموجود الآن زوج الست عائشة الجلفية في سنة 1202 وبااع أنقاضه وله غير ذلك مآثر كثيرة وخبرات رحمه الله
ومات احمد كتخدا المذكور قاتل علي كتخدا المذكور ويعرف بالبركاوي لانه اشراق يوسف كتخدا البركاوي
وخبر قتله انه لما تم ما ذكر ونزل احمد كتخدا من باب العزب بتمويهات حسين بك الخشاب وملكه اتباع عثمان بك ندم على تفريطه ونزوله وعثمان بك يقول لا بد من قتل قاتل صاحبي ورفيق سيدي قبل طلوعي الى الحج والا ارسلت خلافي وأقمت بمصر وخلصت ثار المرحوم
وارسل الى جميع الاعيان والرؤساء بانهم لا يقبلوه وطاف هو عليهم بطول الليل فلم يقبله منهم احد فضاقت الدنيا في وجهه وتوفي في تلك الليلة محمد كتخدا الطويل فاجتمع الاختيارية والاعيان ببيته لحضور مشهده فدخل عليهم احمد كتخدا في بيت المتوفي وقال أنا في عرض هذا الميت
فقال له اطلع الى المقعد واجلس به حتى نرجع من الجنازة
فطلع الى المقعد كما أشاروا اليه وجلس لاظ ابراهيم بالحوش وصحبته اثنان من السراجين فلما خرجوا بالجنازة أغلقوا عليهم الباب من خارج وتركوا معهم جماعة حرسجية وأقاموا مماليك احمد كتخدا في بيته يضربون بالرصاص على المارين حتى قطعوا الطريق وقتلوا رجلا مغربيا وفراشا وحمارا
فارسل عثمان بك الى رضوان كتخدا يأمره بارسال جاويش ونفر وقابجية بطلب محمد كتخدا من بيته ففعل ذلك فلما وصلوا الى هناك ويقدمهم ابو مناخير فضة وجدوا رمي الرصاص فرجعوا ودخلوا من درب المغربلين وأرادوا ثقب البيت من خلفه فأخبرهم بعض الناس وقال لهم الذي مرادكم فيه (1/255)
دخل بيت الطويل فاتوا الى الباب فوجدوه مغلوقا من خارج فطلبوا حطبا وأرادوا ان يحرقوا الباب فخاف الذين أبقوهم في البيت من النهب فقتلوا لاظ ابراهيم ومن معه وطلعوا الى احمد كتخدا فقتلوه ايضا وألقوه من الشباك المطل على حوض الداودية فقطعوا رأسه واخذوها الى رضوان كتخدا فأعطاهم البقاقيش وقطع رجل ذراعه وذهب بها الى الست الجلفية واخذ منها بقشيشا ايضا
ورجع من كان في الجنازة وفتحوا الباب وأخرجوا لاظ ابراهيم ميتا ومن معه وقطعوه قطعا
واستمر احمد كتخدا مرميا من غير رأس ولا ذراع حتى دفنوه بعد الغروب ثم دفنوا معه الرأس والذراع
ومات الامير سليمان جاويش تابع عثمان كتخدا القازدغلي الذي جعله ناظرا ووصيا وكان جوخداره ولما قتل سيده استولى على تركته وبلاده ثم تزوج بمحظية استاذه الست شويكار الشهيرة الذكر ولم يعط الوارث الذي هو عبد الرحمن بن حسن جاويش استاذ عثمان كتخدا سوى فائظ اربعة اكياس لا غير
وتواقع عبد الرحمن جاويش على اختيارية الباب فلم يساعده احد فحنق منهم واتسلخ من بابهم وذهب الى باب العزب وحلف انه لا يرجع الى باب الينكجرية ما دام سليمان جاويش حيا
وكان المترجم صحبة استاذه وقت المقتلة ببيت الدفتردار فانزعج وداخله الضعف ومرض القصبة ثم انفصل من الجاويشية وعمل سردار قطار سنة احدى وخمسين وركب في الموكب وهو مريض وطلع الى البركة في تختروان وصحبته الطبيب فتوفي بالبركة وامير الحاج اذ ذاك عثمان بك ذو الفقار وكان هناك سليمان أغا كتخدا الجاويشية وهو زوج ام عبد الرحمن جاويش فعرف الصنجق بموت سليمان جاويش ووارثه عبد الرحمن جاويش واستأذنه في احضاره وان يتقلد منصبه عوضه فأرسلوا اليه وأحضروه ليلا وخلع عليه عثمان بك قفطان السردارية واخذ عرضه من (1/256)
باب العزب وطيب سليمان اغا خاطر الباشا بحلوان وكتب البلاد باسم عبد الرحمن جاويش واتباعه وتسلم مفاتيح الخشاخين والصناديق والدفاتر من الكاتب وجاز شيئا كثيرا وبرفي قسمه ويمينه
ومات الامير محمد بك بن اسمعيل بك الدفتردار وقتل الامراء المتقدم ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسن اغا بلغيه
وخبر موته أنه لما حصل ما حصل وانقلب التخت عليهم اختفى المترجم في مكان لم يشعر به احد فمرضت والدته مرض الموت فلهجت بذكر ولدها فذهبوا اليه وقنعوه وأتوا به اليها من المكان المحتفي فيه بزي النساء فنظرت اليه وتأوهت وماتت ورجع الى مكانه
وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت الى اغات الينكجرية واخبرته بذلك فركب الى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا البيت وقبضوا عليه وركبوه حمارا وطلعوا به الى القلعة فرموا عنقه وكانوا نهبوا بيته قبل ذلك في أثر الحادثة وكان موته اواخر 1149
ومات عثمان كاشف ورضوان بك امير الحاج سابقا ومملوكه سليمان بك فانهم بعد الحادثة وقتل الامراء المذكورين وانعكاس امر المذكورين اختفوا بخان النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت ايواظ الذي هو السبب في ذلك فاستمروا في اخفائهم مدة ثم انهم دبروا بينهم رأيا في ظهورهم واتفقوا على ارسال عثمان كاشف الى ابراهيم جاويش قازدغلي فغطى راسه بعد المغرب ودخل الى بيت ابراهيم جاويش فلما رآه رحب به وسأله عن مكانهم فأخبره انهم بخان النحاس وهم فلان وفلان يدعون لكم ويعرفون همتكم وقصدهم الظهور على أي وجه كان
فقال له نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام الى بعد العشاء عندما اراد ان يقوم فقال له اصبر وقام كأنه يزيل ضرورة
فأرسل سراجا الى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمان كاشف بانه عنده فأرسل اليه (1/257)
طائفة وسراجين وقفوا له في الطريق وقتلوه
ووصل الخبر الى ولده ببيت ابي الشوارب فحضر اليه وواراه واخذ ولده المذكور ابراهيم جاويش وطلع في صبحها الى الباب فأخبر أغات مستحفظان فنزل وكبس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبته ثلاثة فأحضرهم الى الباشا فقطع رؤوسهم
واما صالح كاشف فانه قام وقت الفجر فدخل الى الحمام فسمع بالحمام قتل عثمان كاشف في حوض الداودية فطلع من الحمام وهو مغطى الرأس وتأخر في رجوعه الى خان الخليلي
ثم سمع بما وقع لرضوان بك ومن معه فضاقت الدنيا في وجهه فذهب الى بيته وعبأ خرج حوايج وما يحتاج اليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خداما ومملوكا راكبا حصانا وركب وسار من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية وكلما أمسى عليه الليل يبيت في بلد حتى وصل عربان غزة
ثم ذهب في طلوع الصيف الى اسلامبول ونزل في مكان
ثم ذهب عند دار السعادة وكان اصله من اتباع والد محمد بك الدفتردار فعرفه عن نفسه فقال له انت السبب في خراب بيت ابن سيدي واستأذن في قتله فقتلوه بين الابواب في المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة وطلبهم الظهور من الاختفاء كالباحث على حتفه بظلفه
ومات الامير خليل بك قطامش امير الحاج سابقا تقلد الامارة والصنجقية سنة تسع واربعين بالحج اميرا سنة ثمان وخمسين ولم يحصل في امارته على الحجاج راحة وكذلك على غيرهم
وكان اتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب الى المناخ من غير ثمن ومنع عوائد العرب وصادر التجار في اموالهم بطريق الحج
وكانت اولاد خزنته ومماليكه اكثرهم عبيد سود يقفون في حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاتين
وكان الامير بك ذو الفقار يكرهه (1/258)
ولا تعجبه احواله ولما وقع للحجاج ما وقع في امارته ووصلت الاخبار الى مولاي عبد الله صاحب المغرب وتأخر بسبب ذلك الراكب عن الحج في السنة الاخرى ارسل مكتوبا الى علماء مصر واكابرهن ينقم عليهم في ذلك ويقول فيه وان مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور اهل الدين والسنة اي انصداع وضاقت من اجله الارض على الخلائق وتحمل من فيه ايمان لذلك ما ليس بطائق من تعدى امير حجكم على عباد الله واظهار جرأته على زوار رسول الله فقد نهب المال وقتل الرجال وبذل المجهود في تعدية الحدود وبلغ في خبثه الغاية وجاوز في ظلمه الحد والنهاية فيالها من مصيبة ما اعظمها ومن داهية دهماء ما اجسمها فكيف يا امة محمد صلى الله عليه و سلم يهان او يضام حجاج بيت الله الحرام وزائرو نبينا عليه الصلاة و السلام وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك وافصحت لنا علماء الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك فياللعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من اعيانها لا يقومون بتغيير هذا المنكر الفادح بشيوخها وشبانها
فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام الى آخر ما قال فلما وصل الجواب واطلع عليه الوزير محمد باشا راغب أجاب عنه بأحسن جواب وأبدع فيما اودع من درر وغرر تسلب عقول اولي الالباب يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام ينهي بعد ابلاغ دعاء نبع من عين المحبة وسما وملأ بساط ارض الود وطما ان كتابكم الذي خصصتم الخطاب به الى ذوي الافاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخرة الصديقية اخواننا مشايخ السلسلة البكرية تشرفت انظارنا بمطالعة معانية الفائقة والتقطت انامل أذهاننا درر مضامينه الكافية الرائقة التي ادرجتم فيها ما ارتكبه امير الحاج السابق في الديار المصرية في حق قصاد بيت الله الحرام وزوار روضة النبي الهاشمي عليه افضل الصلاة والسلام
فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل (1/259)
اكثر مما تحويه بطون السطور لكن الزارع لا يحصد الا من جنس زرعه في حزن الارض وسهله ولا يحيق المكر السيء الا باهله لان الشقي المذكور لما تجاسر الى بعض المنكرات في السنة الاولى حملناه الى جهالته واكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونته وتكشف عيون هدايته فلم تفد في السنة الثانية الا الزيادة في العتو والفساد ومن يضلل الله فما له من هاد
ولما تيقنا ان التهديد بغير الايقاع كالضرب في الحديد البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد هممنا باسقائه من حميم جراء افعاله لان كل أحد من الناس مجزى باعماله فوفقني الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع ثلاثة من رفقائه العاضدين له في الشرور وطردنا بقيتهم بانواع الخزي الى الصحاري فهم بحول الله كالحيتان في البراري وولينا امارة الحج من الامراء المصريين من وصف بين أقرانه بالانصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة
والحمد لله حق حمده رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصا من جماعة ركبوا غارب الاغتراب بقصد زيارة البلد الامين
فان كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر السالف فقد انقضى أوان غدره على ما شرحناه وصار كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف والحمد لله على ما منحنا من نصرة المظلومين وأقدرنا على رغم أنوف الظالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين والحمد لله رب العالمين تحريرا في سادس عشر المحرم افتتاح سنة 1161
واجاب ايضا الاشياخ بجواب بليغ مطول اعرضت عن ذكره لطوله ومات خليل بك المذكور قتيلا في ولاية راغب باشا سنة 1160 قتله عثمان أغا ابو يوسف بالقلعة وقتل معه ايضا عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش الذي كان تولى الصنجقية وسافر بالخزينة سنة سبع وخمسين عوضا عن عمر بك ابن علي بك ونزلت البيارق والعسكر والمدافع لمحاربة ابراهيم بك وعمر بك سليمان (1/260)
بك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم من مصر الى قبلى ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وبعض من هم من عصبتهم
ومات محمد بك المعروف باباظة وذلك انه لما حصلت واقعة حسين بك الخشاب وخروجه من مصر كما تقدم في ولاية محمد باشا راغب حضر محمد بك المذكور الى مصر وصحبته شخص آخر فدخلا خفية واستقرا بمنزل بعض الاختيارية من وجاق الجاويشية فوصل خبره الى ابراهيم جاويش فأرسل اليه اغات الينكجرية فرمى عليه بالرصاص وحاربه
وحضر ايضا بعض الامراء الصناجق فلم يزل يحاربهم حتى فرغ ما عنده من البارود فقبضوا عليه وقتلوه في الداودية ورموا رقبة بباب زويلة
ومات الاجل الامثل المبجل الخواجا الحاج قاسم بن الخواجا المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيادة والامارة والتجارة وسبب موته انه نزلت بانثيية نازلة فاشاروا عليه بفصدها واحضروا له حجاما ففصده فيها بمنزله الذي خلف جامع الغورية
ثم ركب الى منزله بالازبكية فبات به تلك الليلة
وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصد لم يصادف المحل فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الانثيين ونزل منه دم كثير
فقال له قتلتني انج بنفسك
وتوفي في تلك الليلة وهي ليلة السبت ثاني عشر ربيع الاخر سنة 1147 فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه الى اخيه سيدي احمد فأمرهم باطلاقه فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق والاغوات والاختيارية والكواخي حتى ان عثمان كتخدا القازدغلي لم يزل ماشيا امام نعشه من البيت الى المدفن بالمجاورين
ومات الامير حسن بك المعروف بالوالي الذي سافر بالخزينة الى الديار (1/261)
الرومية فتوفي بعد وصوله الى اسلامبول وتسليمه الخزينة بثلاثة ايام ودفن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه امارته وذلك في اوائل جمادى الاولى سنة 1148
ومات الوزير المكرم عبد الله باشا الكبورلي الذي كان واليا في مصر في سنة 1143 وقد تقدم انه من ارباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له معرفة بالفنون والادبيات والقراءات وتلا القرآن على الشهاب الاسقاطي وأجازه وعلى محمد بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة
الامير عثمان بك ذو الفقار
هو وان لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد اليها الى ان مات بالروم وانقطع امره من مصر فكأنه صار في حكم من مات
وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه لانه عاش بعد خروجه من مصر نيفا وثلاثين سنة
ولجلالة شأنه جعل اهل مصر سنة خروجه منها تاريخا لاخبارهم ووقائعهم ومواليدهم الى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب اعني سنة 1220 فيقولون جرى كذا سنة خروج عثمان بك وولدت سنة خروج عثمان بك او بعده بكذا سنة او شهر
هو تابع الامير ذي الفقار تابع عمر اغا تقلد الامارة والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور استاذه من اختفائه وخروج محمد بك جركس من مصر فتقلد الامارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا الى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فاخبرهم العرب انه ذهب من خلف الجبل الاخضر الى درنة
فعاد بالعسكر الى مصر وتقلد عدة مناصب وكشوفيات الاقاليم في حياة استاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين واربعين خرج اليه بالعسكر وجرى ما تقدم ذكره من الحروب والانهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش ولما قتل سيده (1/262)
بيد خليل آغا وسليمان ابي دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم ارسلوا اليه وحضر من التجريدة وجلس ببيت استاذه وتقلد خشداشة على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل براسه علي قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على امير منهم احضروه الى محمد باشا فيرسله الى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى افنوا الطائفة القاسمية قتلا وطردا وتشتتوا في البلاد واختفوا في النواحي والتجأ الكثير منهم الى اكابر الهوارة ببلاد الصعيد ومنهم من فر الى بلاد الشام والروم ولم يعد الى مصر حتى مات ومات خشداشه علي بك بولاية جرجا سنة ثمان واربعين فقلد عوضه مملوكه حسن الصنجقية
ولما حصلت كائنة قتل الامراء الاحد عشر ببيت الدفتردار وكان المترجم حاضرا في ذلك المجلس واصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخرج من باب البركة وسار الى باب الينكجرية واجتمع اليه الاعيان من الاختيارية والجاويشية واحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلدوه إمارة أبيه وضموا إليهم باب العزب وعملوا متاريس وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم وتفرقوا واختفوا كما تقدم وعزلوا الباشا
وظهر امر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت اليه رياسة مصر وقلد امراء من اشراقاته وحضر اليه مرسوم من الدولة بالامارة على الحج فطلع بالحج سنة احدى وخمسين ورجع سنة اثنتين وخمسين في امن وامان وسخاء ورخاء
ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علي كتخدا الجلفي تعصب المترجم ايضا لطلب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد اتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضا عن استاذه واحاط باحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ ابراهيم كما تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله اميرا على الحج وسافر به سنة ثلاث وخمسين (1/263)
ورجع سنة اربع وخمسين في امن وامان وطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة اربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين
ثم ورد امر للمترجم بامارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا
وفي تلك السنة عمل المترجم وليمة ليحيى باشا في بيته وحضر اليه وقدم له تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بان الباشا نزل الى بيت احد من الامراء وانما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصر مثل قصر العيني او المقياس
وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في امن وامان وانتهت اليه الرياسة وشمخ على امراء مصر ونفذ احكامه عليهم قهرا عنهم وعمل في بيته دواوين لحكومات العامة وانصاف المظلوم من الظالم وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصا ولا يجري احكامه الا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر امور الحسبة بنفسه
وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقارء ومنع المحتسب من اخذ الرشوات وهجج الشهود من المحاكم
وكان يرسل الخاصكية اتباعه في التعايين حتى على الامراء ولم يعهد عليه انه صادر احدا في ماله واخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الاغنياء وارباب الاموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه لشيء من اموالهم
ولما ورد الامر بابطال المرتبات وجعلوا على تنفيذها مصلحة للباشا وغيره افرزوا له قدرا امتنع من قبوله واقتدى به رضوان بك وقال هذا من دموع الفقراء وان حصلت الاجابة كانت مظلمة وان لم تحصل كانت مظلمتين
وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب اقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب وامنت الطرق والسبل البرية والبحرية في ايامه وله حسن تدبير في الامور طاهر الذيل شديد االغيرة
ولم يأت بعد اسمعيل بك ابن ايواظ في امراء مصر من يشابهه او (1/264)
يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة اذ قال كلاما او عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس الا ارباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد احمد النخال والشيخ عبد الله الادكاوي والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطة التعليق الحسن في خمسين جزأ لطافا كل مقامة على حدتها والف لاجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف وبالجملة فكان المترجم من خيار الامراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى استوحشوا منه وحضر اليه يوما على باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في قبضة فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه واراد ان يضربه وغير ذلك
السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر
مبدأ ذلك تغير خاطره من ابراهيم جاويش وتغير خاطر ابراهيم جاويش منه لامور وحقد باطني لا تخلو عنه الرياسة والامارة في الممالك
والثاني ان علي كاشف له حصة بناحية طحطا وباقي الحصة تعلق عبد الرحمن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فاجرها لعثمان بك ونزل علي كاشف فيها على حصته وحصة مخدومه فحضر اليه رجل واغراه على قتل حماد شيخ البلد وياخذ من اولاده مائة جنزرلي وحصانا ويعمل واحدا منهم شيخا عوضا عن ابيه ففعل ذلك ووعده الى ان يذهب منهم شخص الى مصر ويأتي بالدراهم من الامين وضمنهم الذي كان السبب في قتل ابيهم فحضر شخص منهم الى مصر وطلب من الامين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فاخذه واتى به الى ابراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف باغراء سالم شيخ البلد وانه ضمنهم ايضا في المائة جنزرلي وقد اتى في غرضين تمنع عنه علي كاشف وتخلص ثاره من سالم
فركب ابراهيم جاويش واتى بيت عبد الرحمن جاويش وصحبته الولد فقص (1/265)
عليه القصة وفمهما ثم انهم ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي فسلموا وجلسوا فقال ابراهيم جاويش نحن قد اتينا في سؤال قال الصنجق خير
فذكر القصة ثم قال له ارسل اعزل علي كاشف وارسل خلافه
فقال الصنجق صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح اني اعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود
وتراددوا في الكلام الى ان احتد الصنجق وقال ابراهيم جاويش انت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وانا استأجرت الحصة
فقال له الصنجق انزل اعمل كاشفا فيها على سبيل الهزل
فقام ابراهيم جاويش منتورا وقام صحبته عبد الرحمن جاويش وذهبوا الى بيت عمر بك فوجدوا عنده خليل اغا قطامش واحمد كتخدا البركاوي صنجق ستة فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال احمد كتخدا عزبان الجمل والجمال حاضران اكتب ايجار حصة اخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبها فرمانا بالتصرف في الناحية فاحضروا واحدا شاهدا وكتبوا الايجار
وبلغ الخبر عثمان بك فارسل كتخداه الى الباشا يقول لا تعط فرمانا بالتصرف في ناحية طحطا لابراهيم جاويش فلما خرجت الحجة ارسلها للباشا صحبة باشجاويش فامتنع الباشا من اعطاء الفرمان فقامت نفس ابراهيم جاويش من عثمان بك وعزم على غدره وقتله
ودار على الصناجق والوجاقلية وجمع عنده انفارا فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وارسل ابراهيم جاويش ابن حماد وقال له لما تطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهور الخيل ولما يأتيكم سالم اقتلوه واخرجوا من البلد حتى ينزل كاشف من طرفي ارسل لكم ورقة امان ارجعوا وعمروا
فنزل الولد وفعل ما قاله له الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم احدا وارسل ابراهيم جاويش كاشفا من طرفه (1/266)
بطائفة ومدافع ونقارية وورقة امان لاولاد حماد
واستمر علي كتخدا يسعى حتى اصلح بين الصنجق والجاويش والذي في القلب في القلب كما قيل ... ان القلوب اذا تنافر ودها ... مثل الزجاج كسرها لا يجبر ...
ولما اخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر الى مصر قبل نزول الكاشف الجديد وكانت هذه القضية اوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتردار وقتل الامراء
واما النفرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط وهو ان شيخ العرب همام رهن عند ابراهيم جاويش ناحية برديس تحت مبلغ معلوم لاجل معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعاد فارسل همام الى المترجم يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لابراهيم جاويش فاخبر عثمان بك الباشا وقال له هوارة قبلي راهنون عند ابراهيم جاويش بلدا وارسلوا يقولون ان اوقع فيها فراغه وارسل لها كاشفا قتلناه وقطعنا الجالب فانتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فانهم يوقفون المال والغلال
فلم يتمكن ابراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه وطالت الايام وعثمان بك مستمر على عناده وابراهيم جاويش يتواقع على الامراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه باشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات ونحو ذلك الى ان ضاق خناق ابراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وانجمعوا على رضوان كتخدا وكان انفصل من كتخدائية الباب فقالوا له اما ان تكون معنا واما ان ترفع يدك من عثمان بك
فلم يطاوع وقال هذا لا يكون وكيف اني افوت انسانا بذل مجهوده في تخليص ثارنا من اخصامنا ولولا هو لم يبق منا انسان
وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصا بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع امر بمصر الا بيدهم ومعونتهم
فلما ايسوا منه قالوا له اذا كان (1/267)
كذلك فانت سياق عليه في قضية اخينا ابراهيم جاويش فوعدهم بذلك وذهب الى عثمان بك وكلمه في خصوص ذلك
فقال هذا شيء لا يكون ولا يفرحون به فألح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له اترك هذا الكلام واشار الى وجهة بالمذبة فانجرح انفه فاخذ في نفسه رضوان كتخدا واغتم وقال له حيث انك لم تقبل شفاعتي دونك واياهم ولا ادخل بينك وبينهم
وركب الى بيته وارسل الى ابراهيم جاويش عرفه بذلك فركب في الوقت واخذ صحبته حسن جاويش النجدلي وذهبوا الى عمر بك فوجدوا عنده خليل بك ومحمد بك صنجق ستة فاجمعوا امرهم واتفقوا على الركوب على عثمان بك يوم الخميس على حين غفلة وهو طالع الى الديوان فاكمنوا له في الطريق فلما ركب في صبح يوم الخميس وصحبته اسمعيل بك ابو قلنج خرج عليه خليل بك ومن معه وهجم على عثمان بك شخص وضربه بالسيف في وجهه فزاغ عنه ولم يصب الا طرف انفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة الى بيت مناو وراس الخيمية وخاف من رجوعه على بيت ابراهيم جاويش ومر على قصبة رضوان على حمام الوالي وهرب ابو قلنج الى بيت نقيب الاشراف
وبلغ الخبر عبد الله كتخدا فركب في الحال ليتدارك القضية ويمنعه من الركوب فوجده قد ركب ولاقاه عند حمام الوالي فرجع صحبته الى البيت واذا بابراهيم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافرة واحاطوا بالجهات وهجموا على بيوت اتباعه واشراقاته واوقعوا فيها النهب واحرقوها بالنار وركبوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة وأخذوا ينقبون عليه البيت
فلما رأى ذلك الحال امر بشد الهجن وركب وخرج من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه الا بعض نقود مع اعيان المماليك وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من باب الحديد وذهب الى بولاق (1/268)
ونزل في جامع الشيخ ابي العلا ولم يذهب احد خلفه بل غم امره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر الى بيته ونهبوه وسبوا الحريم والجواري واخرجوا منه ما يجل عن الوصف واغتنى كثير من السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارا واكابر ولم يزالوا في النهب حتى قلعوا الرخام والاخشاب واوقدوا النار
وحضر اغات الينكجرية اواخر النهار واخرج العالم وقفل الباب واعطى المفتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار وأقامت النار وهم يطفئونها يومين وكان امرا شنيعا
واما عثمان بك فانه لما نزل بمسجد ابي العلا وصحبته عبد الله كتخدا اقاما الى بعد الغروب فارسل عبد الله كتخدا الى داره فاحضر خياما وفراشا وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا الى جهة قبلي من ناحية الشرق فلم يزالا الى ان وصلا الى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا واجتمعت عليه طوائف القاسمية الهاربين الكائنين بشرق اولاد يحيى وغيرهم
واما ما كان من ابراهيم جاويش القازدغلي فانه جعل مملوكه عثمان اغات متفرقة وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه اسمعيل اغات عزب وشرعوا في تشهيل تجريدة وجعلوا خليل بك قطامش امير العسكر
ووعدوه بولاية جرجا اذا قبض على عثمان بك
فجهزوا انفسهم وجمعوا الاسباهية وسافروا الى ان قربوا من ناحية اسيوط فارسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعوا واخبروا انهم نحو خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان وبشير كاشف وطوائفهم فاشاروا على عثمان بك بالهجوم على خليل بك ومن معه فلم يرض وقال المتعدي مغلوب
ثم انهم ارسلوا الى ابراهيم جاويش يطلبون منه تقوية فانهم في عزوة كبيرة فشرع في تجهيز نفسه واخذ صحبته علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل اتباعهم وانفارهم وسافروا الى ان وصلوا عند خليل بك
ووصل الخبر الى عثمان بك فتفكر في نفسه ساعة ثم قال لعبد الله (1/269)
كتخدا القازدغلي انتم لم تفوتوا بعضكم
واشار عليه بان يطلع الى عند السردار وطلع عند السردار وعدى عثمان بك ومن معه وانعم على القاسمية الواصلين اليه ورجعوا الى اماكنهم
وسار هو من جهة الشرق الى السويس ثم ذهب الى الطور فاقام عند عرب الطور مدة اياما
ووصل ابراهيم جاويش ومن معه الى اسيوط فوجدوه قد ارتحل وحضر اليهم السردار فاخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده فارسل اليه علي جاويش الطويل فاحضره الى ابراهيم جاويش وعاتبه وارتحل في ثاني يوم خوفا من دخول عثمان بك الى مصر
ولما وصل ابراهيم جاويش الى مصر اتفقوا على نفي عبد الله كتخدا الى دمياط فسافر اليها بكامل اتباعه ثم هرب الى الشام وتوفي هناك ورجعت اتباعه الى مصر بعد وفاته
ولما وصل عثمان بك الى السويس ارسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشف بطوائفهم وانهم اخذوا من البندر سمنا وعسلا وجبنا ودقيقا وذهبوا الى الطور فعملوا جمعية في بيت ابراهيم بك قطامش واتفقوا على ارسال صنجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما اغات بلوك واسباهية وكتخدا ابراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا الى الباشا فخلع عليهم قفاطين وجهزوا انفسهم واخذوا مدفعين وجبخانة وساروا
ووصل الخبر الى عثمان بك فخاف على العرب وركب بمن معه واتى قرب اجرود فتلاقى معهم هناك ووقعت بينهم معركة ابلى فيها علي بك وسليمان بك وبشير كاشف وقتل كتخدا ابراهيم بك وكان عثمان بك نازلا بعيدا عن المعركة فارسل اليهم وامرهم بالرجوع وارتحل الى الطور
واما التجريدة فانهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها مصر وكان عثمان بك ارسل مكاتبة سرا الى محمد افندي كاتبه التركي يطلبه ان يأتيه الى الطور فحضر محمد افندي المذكور الى ابراهيم جاويش الذي احضر رجلا بدويا طوريا (1/270)
وسلمه له فاركبه هجينا وسار به الى الطور فلما وصل اليه واجتمع به زين له الذهاب الى اسلامبول وحسن له ذلك وانه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الامور امور
فوافق على ذلك وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمد افندي ومعهم جماعة عرب اوصلوهم الى الشام ومنها ذهب الى اسلامبول ودخل علي بك وسليمان بك وبشير اغا الى مصر وبعد مدة ظهر بشير اغا فارسله ابراهيم جاويش قائمقام على امانة في الصعيد
ولما وصل المترجم الى اسلامبول وقابل رجال االدولة اكرموه وانزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمة وعينوا له كفايته من كل شيء
واجتمع بالسلطان وسأله عن احوال مصر فاخبره فقال له من جملة الكلام وما صنعت مع اخوانك حتى تعصبوا عليك واخرجوك قال لكوني اقول الحق واقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على الفي كيس ومن وسايا البلاد والخيار الشنبر الف كيس وحلوان بلادي الف كيس
فامر بكتابة مرسوم وطلب اربعة آلاف كيس وعينوا بذلك قابجي باشا ويكرمي سكزجلبي الذي كان الجي في بلاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى مصر في ايام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشي وذلك اواخر سنة سبع وخمسين
فلما قرىء ذلك المرسوم قالوا في الجواب اما البيت فقد نهبته العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته اتباعه وخدمه والعرب والفلاحون واما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقال لهم يكرمي سكزجلبي حرروا ثمن البلاد والخيار الشنبر واخصموا منه ما عليه وما بقي اكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجي باشا ويرجع لكم بالجواب
ففعلوا ذلك وذهب قابجي باشا وصحبته اسمعيل بك ابو قلتج بخزينة سنة ست وخمسين ولما عرض قابجي باشا (1/271)
العرض بحضرة عثمان بك قال ليس في جهتي هذا القدر ولكن ارسلوا يطلب الرزنامجي واحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وارسلوه صحبة جوخدار معين خطابا الى محمد باشا ويكرمي سكن جلبي وذكروا فيه ان يكرمي سكزجلبي يحضر بثلث الحلوان بولصة
فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والاغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم
فقالوا في الجواب ان من يوم هروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب واما الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا يمكنه النقص ولا الزيادة لان حساب المبري محرر في المقاطعات والحال ان ابن السكري كان ممن نافق على استاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه ابراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا وبعد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو احمد بك السكري استاذ يحيى كاشف استاذ علي كتخدا الموجود الان الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها اشتهر
ثم انهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا ثم اعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية
ثم انهم ارسلوا عثمان بك الى برصا فأقام بها مدة سنين ثم رجع الى اسلامبول واستمر بها الى ان مات في حدود سنة 1190
واما يوسف وجيش فالتجأ الى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي ولما سافر عثمان بك من اجرود الى الشام وارتاحوا من قبله قلد ابراهيم جاويش عثمان اغات تابعه المتفرقة وجعله صنجقا وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي وهو اول امرائه وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه اسمعيل اغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي
وتقلد امارة الحج سنة 1156 ابراهيم بك بلغيه ورجع مريضا في تختروان سنة 1157
وترك المترجم (1/272)
بمصر ولدين عاشا لحاهما وبنتا تزوج بها بعض الامراء واتفق انه سافر الى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته وفي اواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان
فاذا استوى راكبا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته
ومات مصطفى بك الدفتردار من اشراقات عثمان بك وذلك انه سافر أميرا على العسكر الموجه الى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155
ومات ايضا اسمعيل بك ابو قلنج وكان سافر ايضا بالخزينة عن سنة 1156 ومات باسلامبول ودفن هناك
ومات الامير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الامارة والصنجقية سنة 1149 في رجب بعد واقعة بيت محمد بك الدفتردار ولما قتل والده علي بك مع استاذ محمد بك اجتمع الامراء والاختيارية بباب الينكجرية وأحضروا المترجم وطلعوا به الى الباشا وقلدوه الامارة ليأخذ بثار أبيه وجرى ما جرى على اخصامهم
وظهر شأن المترجم ونما امره واشتهر صيته وتقلد امارة الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معه بالديوان سنة 1160 فخرج المترجم هاربا من مصر الى الصعيد ثم ذهب الى الحجاز ومات هناك
ومات علي بك الدمياطي ومحمد بك قتلا في اليوم الذي قتل فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولاية محمد باشا راغب كما تقدم ومحمد بك المذكور من القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة الى عمر بك ابن علي بك المذكور فقلده الصنجقية وسافر بالخزينة عوضا عنه سنة سبع وخمسين ومائة وألف (1/273)
ومات ابو مناخير فضة وذلك انه كان ببيت استاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه و سلم وكان جعله باش نفر عنده فأقام يتفرج الى نصف الليل وأراد الذهاب الى بيته فركب حماره وسار وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الامير حسين واذا بجماعة من اتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا انه مات فتركوه ثم رجعوا اليه بعد ساعة فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو من الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهم طائفة وشالوه ودفنوه في صحبها
وأرسل رضوان كتحدا فعزل الاوده باشة وولى خلافه وذلك في اواخر قبل واقعة الدمايطة
ومات علي كاشف قرقرش وهو من اتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الاوده باشه الذي كمل قتل ابي مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلس عند قنطرة سنقر واذا بانسان جائز بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه ابراهيم جاويش فأمر الوالي بقتله
فقتله والله أعلم بالحقائق
في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها
من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة والف الى اواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة والف وذلك بحسب التيسير والامكان ومالا يدرك كله لا يترك كله
فنقول لما عزل الجناب المكرم حضرة محمد باشا راغب في الواقعة التي خرج فيها حسن بك الخشاب ومحمد بك اباظة ونزل من القلعة (1/274)
الى بيت دوعزجان تجاه المظفر كما تقدم ثم سافر في اواخر سنة احدى وستين ومائة والف كما تقدم الى ثغر رشيد
ولاية احمد باشا المعروف بكور وزير
ووصل حضرة الجناب الافخم احمد باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه بذلك انه كان بعينه بعض حول فطلع الى ثغر سكندرية ووصلت السعاة ببشائر قدومه فنزلت اليه الملاقاة وارباب العكاكيز واصحاب الخدم مثل كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وكاتب الحوالة وغيرهم وكان الكاشف بالبحيرة اذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هناك
فأرسل عمر بك لكتخداه حسن أغا المذكور عوضا عن مخدومه المتوفى حتى تتم السنة وخرج عمر بك من مصر واستمر المذكور بالبحيرة الى ان احضر احمد باشا المذكور الى اسكندرية فحضر اليه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركوب أغواته واتباعه والجمال لحمل اثقاله وقدم له تقادم وعمل له السماط بالمعدية حكم المعتاد وعرفه بحاله ووفاة استاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا صنجقية استاذه واعطاه بلاده من غير حلوان وذلك قبل وصول الملاقاة
ووصل خبر ذلك الى مصر فارسل المتكلمون الى كتخدا الجاويشية يقولون له ان المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك فاغتاظ فسكتوا ووصل الى رشيد واجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر فيها احمد باشا وحضر الى مصر وطلع بالموكب المعتاد الى القلعة في غرة المحرم سنة 1162 وضربوا له المدافع والشنك من ابراج الينكجرية وعمل الديوان وخلع الخلع على الامراء والاعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصؤ وأمارتها الى ابراهيم جاويش ورضوان كتخدا وقلد ابراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو (1/275)
الذي عرف بالغزاوي صنجقيا وكذلك حسين أغا وهو الذي عرف بكشكش
وكذلك قلد رضوان كتخدا احمد أغا خازنداره صنجقيا فصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق وهم عثمان وعلي وحسين الابراهيمية واسمعيل واحمد ومحمد الرضوانية
ثم ان ابراهيم جاويش عمل كتخدا الوقت ثلاثة اشهر وانفصل عنها
وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلي من الحجاز وعمل كتخدا الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء المساجد وأبطل الخمامير
وسيأتي تتمة ذلك في ترجمته سنة وفاته
واقام احمد باشا في ولاية مصر الى عاشر شوال سنة 1163 وكان من ارباب الفضائل وله رغبة في العلوم الرياضية
ولما وصل الى مصر واستقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الازهر ةوالشيخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه العلوم فتعجب وسكت
وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة بجامع السراية ويطلع في كل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة وربما تغدى معه ثم يخرج الى المسجد ويأتي الى الباشا في خواصه فيخطب الشيخ ويدعو للسلطان وللباشا ويصلي بهم ويرجع الباشا الى مجلسه وينزل الشيخ الى داره
فطلع الشيخ على عادته في يوم الجمعة واستأذن ودخل عند الباشا يحادثه فقال له الباشا المسموع عندنا بالديار الرومية ان مصر منبع الفضائل والعلوم وكنت في غاية الشوق الى المجيء اليها فلما جئتها وجدتها كما قيل تسمع بالمعيدي خير من ان تراه
فقال له الشيخ هي يا مولانا كما سمعتم معدن العلوم والمعارف فقال وأين هي وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم اجد عندكم منها شيئا وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد
فقال (1/276)
له نحن لسنا أعظم علمائها وانما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند ارباب الدولة والحكام وغالب اهل الازهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية الا بقدر الحاجة الموصلة الى علم الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار
فقال له وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هو من شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت واستقبال القبلة وأوقات الصوم والاهلة وغير ذلك
فقال نعم معرفة ذلك من فروض الكفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج الى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والامور العطاردية واهل الازهر بخلاف ذلك غالبهم فقراء واخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك
فقال وأين البعض فقال موجودون في بيوتهم يسعى اليهم
ثم أخبره عن الشيخ الوالد وعرفه عنه وأطنب في ذكره فقال التمس منكم ارساله عندي
فقال يا مولانا انه عظيم القدر وليس هو تحت امري
فقال وكيف الطريق الى حضوره
قال تكتبون له ارسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع
ففعل ذلك وطلع اليه ولبى دعوته وسر برؤياه واغتبط به كثيرا
وكان يتردد اليه يومين في الجمعة وهما السبت والاربعاء وأدرك منه مأموله وواصله بالبر والاكرام الزائد الكثير ولازم المطالعة عليه مدة ولايته
وكان يقول لو لم أغنم من مصر الا اجتماعي بهذا الاستاذ لكفاني
ومما اتفق له لما طالع ربع الدستور واتقنه طالع بعده وسيلة الطلاب في استخراج الاعمال بالحساب وهو مؤلف دقيق للعلامة المارديني فكان الباشا يختلي بنفسه ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده مطابقا
فاتفق له عدم المطابقة في مسألة من المسائل فاشتغل ذهنه وتحير فكره الى ان حضر اليه الاستاذ في الميعاد فاطلعه على ذلك وعن السبب (1/277)
في عدم المطابقة فكشف له علة ذلك بديها
فلما انجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحا وحلف ان يقبل يده ثم احضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار ثم اشتغل عليه برسم المزاول والمنحرفات حتى اتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات على الواح كبيرة من الرخام صناعة وحفرا بالازمير كتابة ورسما
ولاية عبد الله باشا
وصل الخبر بولاية الشريف عبد الله باشا ووصل الى اسكندرية ونزل احمد باشا الى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة للباشا الجديد ثم وصل الى مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلع الى القلعة فأقام في ولاية مصر الى سنة 1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل الى القصر بقبة العزب وهاداه الامراء ثم سافر الى منصبه
ووصل محمد باشا امين فطلع الى القلعة وهو منحرف المزاج فأقام في الولاية نحو شهرين وتوفي في خامس شهر شوال سنة 1166 ودفن بجوار قبة الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه
قصد نصارى القبط الحج الى بيت المقدس
وفي هذا التاريخ احضر بطرك الاروام مرسوما سلطانيا بمنع طائفة النصارى الشوام من دخولهم كنائس الافرنج وان دخلوا فانهم يدفعون للدولة الف كيس
فارسل ابراهيم كتخدا فأخذ اربعة قسوس من دير الافرنج وحبسهم وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال
واستمر نصارى الشوام يدخلون كنائس الافرنج ولعلها من تحيلات ابراهيم كتخدا
ومن الحوادث ايضا في نحو هذا التاريخ ان نصارى الاقباط قصدوا الحج الى بيت المقدس وكان كبيرهم اذ ذاك نوروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هدية والف دينار (1/278)
فكتب له فتوى وجوابا ملخصه ان أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم
فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل أغراضهم وخرجوا في هيئة وابهة واحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم واولادهم ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيا عند قبة العزب واحضروا العربان ليسيروا في خفارتهم واعطوهم اموالا وخلعا وكساوي وانعامات
وشاع امر هذه القضية في البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبدالله الشبراوي الى بيت الشيخ البكري كعادته وكان علي افندي اخو سيدي بكري متمرضا فدخل اليه بعوده فقال له اي شيء هذا الحال يا شيخ الاسلام على سبيل التبكيت كيف ترضى وتفتي النصارى وتأذن لهم بهذه الافعال لكونهم رشوك وهادوك
فقال لم يكن ذلك
قال بل رشوك بالف دينار وهدية وعلى هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بازيد من ذلك ويصنعون لهم محملا ويقال حج النصارى وحج المسلمين وتصير سنة عليك وزرها الى يوم القيامة
فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظا وأذن للعامة في الخروج عليهم ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الازهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم وجرسوهم ونهبوا ايضا الكنيسة القريبة من دمرداش وانعكس النصارى في هذه الحادثة عكسة بليغة وراحت عليهم وذهب ما صرفوه وانفقوه في الهباء
ولاية مصطفى باشا وعزله وولاية علي باشا اوغلي الثانية
وحضر مصطفى باشا وطلع الى القلعة ثالث عشر ربيع الاول 1167 واستمر واليا على مصر الى ان ورد الخبر بعزله في اوائل شهر ربيع الاول سنة 1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم اوغلي وهي ولايته الثانية
وطلع الى سكندرية ونزلت اليه الملاقاة وارباب المناصب (1/279)
والعكاكيز
ثم حضر الى مصر وطلع الى القلعة يوم الاثنين غرة شهر جمادى الاولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته المعهودة وسلك طريقته المشكورة المحمودة فاحيا مكارم الاخلاق وادر على رعيته الارزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا له طبعا وصدر رحب لا يضيق بنازله ذرعا
واستمر في ولاية مصر الى شهر رجب سنة 1171
ذكر من مات في هذه الاعوام من العلماء والاعيان
مات الامام العلامة شيخ المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الازهري وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة منها انه كان ينفق من الغيب لانه لم يكن له ايراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من احد شيئا وينفق انفاق من لا يخشى الفقر واذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم الذهب والفضة واذا دخل الحمام دفع الاجرة عن كل من فيه
توفي سنة 1164
ومات الشيخ الامام الفقيه المحدث المسند محمد بن احمد بن يحيى بن حجازي العشماوي الشافعي الازهري تفقه على الشيخ عبده الديوي والشهاب احمد بن عمر الديربي وسمع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن تلميذه الشهاب احمد بن عبد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الاسناد واخذ عنه غالب فضلاء العصر
توفي يوم الاربعاء ثاني عشري جمادى الاولى سنة 1167 ودفن بتربة المجاورين
ومات الشيخ الامام العلامة سالم بن محمد النفراوي المالكي الازهري المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة احمد النفراوي الفقه واخذ الحديث عن الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته بالازبكية والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورا بمعرفة فروع المذهب واستحضار الفروع الفقهية
وكانت حلقة درسه اعظم الحلق (1/280)
وعليه مهابة وجلالة
توفي يوم الخميس سادس عشر من شهر صفر سنة 1168
ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن عمر بن الولي العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي احد الصدور المشار اليهم ولد سنة 1087 بالنقيطة احدى قرى المنصورة وقدم الازهر فأخذ عن شيوخ المذهب كشاهين الارمناوي وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالي وابي الحسن علي بن محمد العقدي وعمر الزهري وعثمان النحريري وقائد الابياري شارح الكنز فاتقن الاصول ومهر في الفروع ودارت عليه مشيخة الحنفية ورغب الناس في فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة مقبول الشفاعة
توفي سنة 1169
ومات الشيخ الامام الفاضل الصالح الشاعر الاديب عمر بن محمد بن عبد الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان قرأ على أفاضل عصره وتكمل في الفنون والقى دروسا بالازهر
توفي في رجب سنة 1167
ومات الاجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو استاذ الامراء المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسون الى القازدغلية
وكان متمولا ذا ثروة عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من قرية من قرى المنوفية يقال لها الراهب
وكان خادما لبعض اولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهن ولده عند الملتزم وهو علي كتخدا الجلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران فاقاما ببيت علي كتخدا حتى غلق أبوه ما عليه من المال واستلم ابنه ليرجع به الى بلده فامتنع صالح وألف المقام ببيت الملتزم واستمر به يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيها خفيف الروح والحركة
ولم يزل يتنقل في الاطوار حتى صار من ارباب الاموال واشترى المماليك والعبيد والجواري ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والايراد (1/281)
ويدخلهم في الوجاقات والبلكات بالمصانعات والرشوات لارباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب الجليلة كتخدا آت واختيارية وأمراء طبلخانات وجاويشية وأوده باشية وغير ذلك حتى صار من مماليكه ومماليكهم من يركب في العذارات فقط نحو المائة وصار لهم بيوت واتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافذة وعزوة كبيرة
وكان يركب حمارا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه ومات في سن السبعين ولم يبق في فمه سن وكان يقال له صالح جلبي والحاج صالح وبالجملة فكان من نوادر الزمن وكان يقرض ابراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر وكذلك غيرهم ويخرج الاموال بالربا والزيادة وبذلك امحقت دولتهم وزالت نعمهم في أقرب وقت وآل امرهم الى البوارهم واولادهم وبواقيهم لذهاب ما في ايديهم وصاروا اتباعا واعوانا للامراء المتأخرين
ومات الامير ابراهيم كتخدا تابع سليمان كتخدا القازدغلي وسليمان هذا تابع مصطفى كتخدا الكبير القازدغلي وخشداش حسن جاويش استاذ عثمان كتخدا والد عبد الرحمن كتخدا المشهور لبس الضلمة في سنة 1148 وعمل جاويشا وطلع سردار قطار في الحج في امارة عثمان بك ذي الفقار سنة 1153
وفي تلك السنة استوحش منه عثمان بك باطنا لانه كان شديد المراس قوي الشكيمة وبعد رجوعه من الحج في سنة 1152 نما ذكره وانتشر صيته ولم يزل من حينئذ ينمو أمره وتزيد صولته وتنفذ كلمته وكان ذا دهاء ومكر وتحيل ولين وقسوة وسماحة وسعة صدر وتؤدة وحزم واقدام ونظر في العواقب
ولم يزل يدبر على عثمان بك وضم اليه كتخداه احمد السكري ورضوان كتخدا الجلفي وخليل بك قطامش وعمر بك بسبب منافسة معه على بلاد هوارة كما تقدم حتى أوقع به على حين غفلة وخرج عثمان بك من مصر على الصورة المتقدمة (1/282)
فعند ذلك عظم شأنه وزادت سطوته واستكثر من شراء المماليك وقلد عثمان مملوكه الذي كان اغات متفرقة صنجقا وهو اول صناجقه وهو الذي عرف بالجرجاوي
ولما قتل خليل بك قطامش وعمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك في ايام راغب باشا بمغامرة حسين بك الخشاب ثم حصلت ايضا كائنة الخشاب وخروجه ومن معه من مصر وزالت دولة القطامشة والدمايطة والخشابية وعزلوا راغب باشا في اثناء ذلك كما تقدم فعند ذلك انتهت رئاسة مصر وسيادتها للمترجم وقسيمه رضوان كتخدا الجلفي ونفذت كلمتهما وعلت سطوتهما على باقي الامراء والاختيارية الموجودين بمصر وتقلد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة اشهر ثم انفصل عنها
وذلك كما يقال لاجل حرمة الوجاق وقلد مملوكية عليا وحسينا صنجقين وكذلك رضوان كتخدا كما سبق وصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق
واشتعل المترجم بالاحكام وقبض الاموال الميرية وصرفها في جهاتها وكذلك العلوفات وغلال الانبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة وقسيمة رضوان كتخدا مشتغل بلذاته ومنهمك على خلاعاته ولا يتداخل في شيء مما ذكر والمترجم يرسل له الاموال ويوالي بر الجميع ويراعي خواطرهم وينفذ اغراضهم وعبد الرحمن كتخدا مشتغل بالعمائر وفعل الخيرات وبناء المساجد
واستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الامريات والمناصب وقلد امارة الحج لمملوكه علي بك الكبير وطلع بالحج ورجع سنة 1167
وفي تلك السنة نزل على الحجاج سيل عظيم بمنزلة ظهر حمار فأخذ معظم الحجاج بجمالهم واحمالهم الى البحر ولم يرجع من الحجاج الا القليل
ومما يحكى عنه انه رأى في منامه ان يديه مملوءتان عقارب فقصها على الشيخ الشبراوي فقال هؤلاء مماليك يكونون مثل العقارب ويسري شرهم وفسادهم لجميع الناس
فان العقرب لدغت النبي صلى (1/283)
الله عليه وسلم في الصلاة فقال صلى الله عليه و سلم لعن الله العقرب لا تدع نبيا ولا غيره الا لدغته وكذا يكون مماليكك
وكان الامر كذلك وليس للمرتجم مآثر أخروية ولا افعال خيرية يدخرها ميعاده ويخفف عنه بها ظلم خلقه وعباده بل كان معظم اجتهاده الحرص على الرياسة والامارة وعمر داره التي بخط قوصون بجوار دار رضوان كتخدا والدار التي بباب الخرق وهي دار زوجته بنت البارودي والقصر المنسوب اليها أيضا بمصر القديمة
والقصرالذي عند سبيل قيماز بالعادلية وزوج الكثير من مماليكه نساء الامراء الذين ماتوا وقتلوا وأسكنهم في بيوتهم وعمل وليمة لمصفي باشا وعزمه في بيته بحارة قوصون في سنة 1166 وقدم له تقادم وهدايا وادرك المترجم من العز والعظمة ونفاذ الكلمة وحسن السياسة واستقرار الامور ما لم يدركه غيره بمصر ولم يزل في سيادته حتى مات على فرشه في شهر صفر سنة 1168
ومات بعده رضوان كتخدا الجلفي وهو مملوك علي كتخدا الجلفي تقلد كتخدائية باب عزبان بعد قتل استاذه بعناية عثمان بك ذي الفقار كما تقدم ولم يزل يراعي لعثمان بك حقه وجميلة حتى اوقع بينهما ابراهيم كتخدا كما تقدم
ولما استقرت الامور له ولقسيمه ترك له الرياسة في الاحكام واعتكف المترجم على لذاته وفسوقه وخلاعاته ونزهاته وانشأ عدة قصور واماكن بالغ في زخرفتها وتأنيقها وخصوصا داره التي انشأها على بركة الازبكية واصلها بيت الدادة الشرايبي وهي التي على بابها العامودان الملتفان المعروفة عند اولاد البلد بثلاثة وليه وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة منقوشة بالذهب المحلول واللازورد والزجاج الملون والالوان المفرحة والصنائع الدقيقة ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة بحيث جعلها بركة عظيمة وبنى عليها قصرا مطلا عليها وعلى الخليج الناصري من الجهة الاخرى
وكذلك (1/284)
انشأ في صدر البركة مجلسا خارجا بعضه على عدة قناطر لطيفة وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية وبوسطه بحيرة تمتلىء بالماء من اعلى ويصب منها الى حوض من اسفل ويجري الى البستان لسقي الاشجار
وبنى قصرا آخر بداخل البستان مطلا على الخليج وعلى الاعلاق من ظاهره
فكان يتنقل في تلك القصور وخصوصا في ايام النيل ويتجاهر بالمعاصي والراح والوجوه الملاح وتبرج النساء ومخاليع اولاد البلد
وخرجوا عن الحد في تلك الايام ومنع اصحاب الشرطة من التعرض للناس في افاعيلهم
فكانت مصر في تلك الايام مراتع غزلان ومواطن حور وولدان كأنما اهلها خلصوا من الحساب ورفع عنهم التكليف والخطاب
وهو الذي عمر باب القلعة الذي بالرميلة المعروف بباب العزب وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الآن
وقصدته الشعراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيح واعطاهم الجوائز السنية وداعب بعضهم بعضا فكان يغري هذا بهذا ويضحك منهم ويباسطهم واتخذ له جلساء وندماء منهم الشيخ علي جبريل والسيد سليمان والسيد حمودة السديدي والشيخ معروف والشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي صاحب المدامة الارجوانية في المدائح الرضوانية ومحمد افندي المدني
وامتدحه العلامة الشيخ يوسف الحفني بقصائد طنانة وللشيخ عمار القروي فيه مدحا في المترجم ومداعبة للسيد حمودة السديدي المحلاوي
ولم يزل رضوان كتخدا وقسيمة على امارة مصر ورئاستها حتى مات ابراهيم كتخدا كما تقدم فتداعى بموته ركن المترجم ورفعت النيام رؤوسها وتحركت حفائظها ونفوسها وظهر شان عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وراج سوق نفاقه واخذ يعضد مماليك ابراهيم كتخدا ويغريهم ويحرضهم على الجلفية لكونهم مواليه
فيخلص له بهم ملك مصر ويظن انهم يراعون حق ولائه وسيادته جده فكان الامر (1/285)
عليه بخلاف ذلك كما ستراه وهم كذلك يظهرون له الانقياد ويرجعون الى رايه ومشورته ليتم لهم به المراد
وكل من امراء ابراهيم كتخدا متطلع للرياسة ايضا بالبلدة من الاكابر والاختيارية واصحاب الوجاهة مثل حسن كتخدا ابي شنب وعلي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا الشعراوي وقرا حسن كتخدا واسمعيل كتخدا التبانة وعثمان اغا الوكيل وابراهيم كتخدا مناو وعلي اغا توكلي وعمر اغا متفرقة وعمر افندي محرم اختيار جاويشان وخليل جاويش حيضان مصلي وخليل جاويش القازدغلي وبيت الهياتم وابراهيم اغا بن الساعي وبيت درب الشمسي وعمر جاويش الداودية ومصطفى افندي الشريف اختيارية متفرقة وبيت بلغيه وبيت قصبة رضوان وبيت الفلاح وهم كثيرون اختيارية واوده باشيه ومنهم احمد كتخدا واسمعيل كتخدا وعلي كتخدا وذو الفقار جاويش واسمعيل جاويش وغيرهم فأخذ اتباع ابراهيم كتخدا يدبرون في اغتيال رضوان كتخدا وازالته وسعت فيهم عقارب الفتن فتنبه رضوان كتخدا لذلك فاتفق مع اغراضه وملك القلعة ولابواب والمحمودية وجامع السلطان حسن واجمع اليه جمع كثير من امرائه وغيرهم ومن انضم اليهم وكاد يتم له الامر فسعى عبد الرحمن كتخدا ولاختيارية في اجراء الصلح وطلع بعضهم الى رضوان نصحهم لانه كان سليم الصدر ففرق الجمع ونزل الى بيته الذي بقوصون فاغتنموا عند ذلك الفرصة وبيتوا امرهم ليلا وملكوا القلعة والابواب والجهات والمترجم في غفلته آمن في بيته مطمئن من قبلهم ولا يدري ما خبىء له فلم يشعر الا وهم يضربون عليه بالمدافع وكان المزين يحلق له رأسه فسقطت على داره الحلل فأمر بالاستعداد وطلب من يركن اليهم فلم يجد احدا وجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحي فحارب فيهم الى قريب الظهر وخامر عليه اتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل (1/286)
لبيت الراحة فاصابته في ساقه وهرب مملوكه الى الاخصام وكانوا وعدوه بأمرية ان هو قتل سيده
فلما حضر اليهم وأخبهم بما فعل أمر علي بك بقتله
ثم امر رضوان بك بالخيول وركب في خاصته وخرج من نقب نقبه في ظهر البيت وتألم من الضربة لانها كسرت عظم ساقه فسار الى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة فلم يتبعه احد ونهبوا داره ثم ركب وسار الى جهة الصعيد فمات بشرق اولاد يحيى ودفن هناك
فكانت مدته بعد قسيمه قريبا من ستة اشهر
ولما مات تفرقت صناجقه ومماليكه في البلاد وسافر بعضهم الى الحجاز من ناحية القصير ثم ذهبوا من الحجاز الى بغداد واستوطنوها وتناسلوا وماتوا وانقضت دولتهما
فكانت مدتهما نحو سبع سنوات ومصر في تلك المدة هادية من الفتن والشرور والاقليم البحري والقبلي امن وامان والاسعار رخية والاحوال مرضية واللحم الضاني المجروم من عظمه رطله بنصفين والجاموسي بنصف والسمن البقري عشرته باربعين نصف فضة اللبن الحليب عشرته باربعة انصاف والرطل الصابون بخمسة انصاف والسكر المنعاد كذلك والمكرر قنطاره بالف نصف والعسل القطر قنطاره بمائة وعشرين نصفا واقل والرطل البن القهوة باثني عشر نصفا والتمر يجلب من الصعيد في المراكب الكبار ويصب على ساحل بولاق مثل عرم الغلال ويباع بالكيل والارداب والارز اردبه باربعمائة نصف والعسل النحل قنطاره بخمسمائة نصف وشمع العسل رطله بخمسة وعشرين نصفا وشمع الدهن باربعة انصاف والفحم قنطاره باربعين نصفا والبصل قنطاره بسبعة انصاف وفسر على ذلك
يقول جامعة اني ادركت بقايا تلك الايام وذلك ان مولدي كان في سنة 1167 ولما صرت في سن التمييز رأيت الاشياء على ما ذكر الا قليلا وكنت اسمع الناس يقولون الشيء الفلاني زاد سعره عما كان في سنة كذا وذلك في مبادىء دولة ابراهيم كتخدا (1/287)
وحدوث الاختلال في الامور وكانت مصر اذ ذاك محاسنها باهرة وفضائلها ظاهرة ولاعدائها قاهرة يعيش رغدا بها الفقير وتتسع للجليل والحقير وكان لاهل مصر سنن وطرائق في مكارم الاخلاق لا توجد في غيرهم
ان في كل بيت من بيوت جميع الاعيان مطبخين احدهما اسفل رجالي والثاني في الحريم
فيوضع في بيوت الاعيان السماط في وقتي العشاء والغداء مستطيلا في المكان الخارج مبذولا للناس ويجلس يصدره امير المجلس وحوله الضيفان ومن دونهم مماليكه واتباعه
ويقف الفراشون في وسطه يفرقون على الجالسين ويقربون اليهم ما بعد عنهم من القلايا والمحمرات ولا يمنعون في وقت الطعام من يريد الدخول اصلا ويرون ان ذلك من المعايب حتى ان بعض ذوي الحاجات عند الامراء اذا حجبهم الخدام انتظروا وقت الطعام ودخلوا فلا يمنعهم الخدم في ذلك الوقت فيدخل صاحب الحاجة ويأكل وينال غرضه من مخاطبة الامير لانه اذا نظر على سماطه شخصا لم يكن رآه قبل ذلك ولم يذهب بعد الطعام عرف ان له حاجة
فيطلبه ويسأله عن حاجته فيقضيها له وان كان محتاجا واساه بشيء
ولهم عادات وصدقات في ايام المواسم مثل ايام اول رجب والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان والاعياد وعاشوراء والمولد الشريف يطبخون فيها الارز باللبن والزردة ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين
ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزردة
ويعطونهم بعد ذلك دراهم ولهم غير ذلك صدقات وصلات لمن يلوذ فيهم ويعرفون منه الاحتجاج وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية والشريك على المدافن والترب في الجمع والمواسم
وكذلك اهل القرى والارياف فيهم من مكارم الاخلاق مالا يوجد في غيرهم (1/288)
من اهل قرى الاقاليم
فان اقل ما فيهم اذا نزل به ضيف ولو لم يعرفه اجتهد وبادر بقراه في الحال وبذل وسعة في اكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا مشايخ البلاد والمشاهير من كبار العرب والمقادم فان لهم مضايف واستعدادات للضيوف ومن ينزل عليهم من السفار والاجناد
ولهم مساميح واطيان في نظير ذلك خلفا عن سلف الى غير ذلك مما يطول شرحه ويعسر استقصاؤه
ويموت رضوان كتخدا لم يقم لوجاق العزب صوله
ومات الاجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج احمد بن محمد الشرايبي وكان من اعيان التجار المشتهرين كاسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم واولاد مماليكهم من اعيان مصر جربجية وامراء ومنهم يوسف بك الشرايبي
وكانوا في غاية من الغنى والرفاهية والنظام ومكارم الاخلاق والاحسان للخاص والعام ويتردد الى منزلهم العلماء والفضلاء ومجالسهم مشحونة بكتب العلم النفيسة للاعارة والتغيير وانتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها وقفية ولا يدخلونها في مواريثهم
ويرغبون فيها ويشترونها باغلى ثمن ويضعونها على الرفوف والخزائن والخورنقات وفي مجالسهم جميعا
فكل من دخل الى بيتهم من اهل العلم الى اي مكان يقصد الاعارة او المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في اي علم كان من العلوم ولو لم يكن الطالب معروفا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فان رده في مكانه رده وان لم يرده واختص به او باعه لا يسأل عنه وربما بيع الكتاب عليهم واشتروه مرارا ويعتذرون عن الجاني بضرورة الاحتياج وخبزهم وطعامهم مشهور بغاية الجودة والاتقان والكثرة وهو مبذول للقاصي والداني مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة اسلافهم واخلاقهم جميلة واوضاعهم منزهة عن كل نقص ورذيلة
ومن (1/289)
اوضاعهم وطرائقهم انهم لا يتزوجون الامن بعضهم البعض ولا تخرج من بيتهم امرأة الا للمقبرة فاذا عملوا عرسا اولموا الولائم واطعموا الفقراء والقراء على نسق اعتادوه وتنزل العروس من حريم ابيها الى مكان زوجها بالنساء الخلص والمغاني والجنك تزفها ليلا بالشموع وباب البيت مغلوق عليهن وذلك عندما يكون الرجال في صلاة العشاء بالمسجد الازبكي المقابل لسكنهم وبيتهم يشتمل على اثني عشر مسكنا كل مسكن بيت متسع على حدته
وكان الامراء بمصر يترددون اليهم كثيرا من غير سبق دعوة وكان رضوان كتخدا يتفسح عند المترجم في كثير من الاوقات مع الكمال والاحتشام ولا يصحبة في ذلك المجلس الا اللطفاء من ندمائه واذا قصده الشعراء بمدح لا يأتونه في الغالب الا في مجلسه لينالوا فضيلتين ويحرزوا جائزتين
وكان من سنتهم انهم يجعلون عليهم كبيرا منهم وتحت يده الكاتب والمستوفي والجابي فيجمع لديه جميع الايراد من الالتزام والعقار والجامكية ويسدد الميري ويصرف لكل انسان راتبه على قدر حاله وقانون استحقاقه
وكذلك لوازم الكساوي للرجال والنساء في الشتاء والصيف ومصروف الجيب في كل شهر وعند تمام السنة يعمل الحساب ويجمع ما فضل عنده من المال ويقسمه على كل فرد بقدر استحقاقه وطبقته
واستمروا على هذا الرسم والترتيب مدة مديدة فلما مات كبارهم وقع بينهم الاختلاف واقتسوا الايراد واختص كل فرد منهم بنصيبه يفعل به ما يشتهي
وتفرق الجمع وقلت البركة وانعزل المحبون وصار كل حزب بما لديهم فرحون وكان مسك ختامهم صديقنا واخانا في الله اللوذعي الاريب والنادرة المفرد النجيب سيدي ابراهيم بن محمد بن الدادة الشرايبي الغزالي
كان رحمه الله تعالى ملكي الصفات بسام الثنايات عذب المورد رحيب النادي واسع الصدر للحاضر والبادي قطعنا معه اوقاتا كانت لعين الدهر قرة وعلى (1/290)
مكتوب العمر عنوان المسرة
وما زال يشتري متاع الحياة بجوهر عمره النفيس مواظبا على مذاكرة العلم وحضور التدريس حتى كدر الموت ورده وبدد الحسود بنوائبه عقده كما يأتي تتمة ذلك في سنة وفاته وانمحت بموته من بيتهم المآثر وتبدد بقية عقدهم المتناثر
ومات احمد جلبي ابن الأمير علي والأمير عثمان وتزوج مماليك القازدغلية نساءهم وسكنوا في بيتهم
ومنهم سليمان اغا صالح وتقلد الزعامة وصار بيتهم بيت الوالي وتوفي سنة 1171
وفاة السلطان محمود خان وتولية السلطان عثمان
ومات سلطان الزمان السلطان محمود خان العثماني وكانت مدته نيفا وعشرين سنة وهو آخر بني عثمان في حسن السيرة والشهامة والحرمة واستقامة الاحوال والمآثر الحسنة توفي ثامن صفر سنة 1168
وتولى السلطان عثمان بن أحمد اصلح الله شأنه
ومات النبيه النبيل والفقيه الجليل والسيد الاصيل السيد محمد المدعو حمودة السديدي احد ندماء الامير رضوان كتخدا ولد بالمحلة الكبرى وبها نشأ وحفظ القرآن واشتغل بطلب العلم فحصل مأموله في الفقه والمعقول والمعاني والبيان والعروض وعانى نظم الشعر وكان جيد القريحة حسن السليقة في النظم والنثر والانشاء وحضر الى مصر واخذ عن علمائها واجتمع بالامير رضوان كتخدا عزبان الجلفي المشار اليه وصار من خاصة ندمائه وامتدحه بقصائد كثيرة طنانة وموشحات ومزدوجة بديعة والمقامة التي داعب بها الشيخ عمار القروي واردفها بقصيدة رائية بليغة في هجو المذور سامحهما الله
وكل ذلك مذكور في الفوائح الجنائية لجامعه الشيخ عبد الله الادكاوي
حج رحمه الله ومات وهو آريب باجرود سنة 1163 (1/291)
ومات الاجل المكرم محمد جلبي ابن ابراهيم جربجي الصابونجي مقتولا وخبره انه لما توفي ابوه واخذ بلاده وبيتهم تجاه العتبة الزرقاء على بركة الازبكية فتوفى ايضا عثمان جربجي الصابونجي بمنفلوط وذلك سنة 1147 ومات غيره كذلك من معاتيقهم وكان محمد جربجي مثل والده بالباب ويلتجيء الى يوسف كتخدا البركاوي فلما مات البركاوي خاف من علي كتخدا الجلفي فالتجأ الى عبد الله كتخدا القازدغلي وعمل ينكجري فاراد ان يقلده اوده باشه ويلبسه الضلمة فقصد السفر الى الوجه القبلي وذلك في سنة اربع وخمسين فسافر واستولى على بلاد عثمان جربجي ومعاتيقه وقام هناك وكان رذلا نجيلا طماعا شرها في الدنيا وكان مماليكه يهربون منه وكانت اخته زوجا لعمر أغا خازندار أبيه ولم يفتقدها بشيء
ولما مات ابراهيم كتخدا الجلفي القازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي بدأ أمر اتباع ابراهيم كتخدا في الظهور وكان المتعين بالامارة منهم عثمان بك الجرجاوي وعلي بك الذي عرف بالغزاوي وحسين بك الذي عرف بكشكش وهؤلاء الثلاثة تقلدوا الصنجقية والامارة في حياة استاذهم
والذي تقلد الامارة منهم بعد موته حسين بك الذي عرف بالصابونجي وعلي بك بلوط قبان وخليل بك الكبير
واما من تأمر منهم بعد قتل حسين بك الصابونجي فهم حسن بك جوجه واسمعيل بك ابو مدفع
واما من تأمر بعد ذلك بعناية علي بك بلوط قبان عندما ظهر امره فهو اسمعيل بك الاخير الذي تزوج ببنت استاذه وكان خازنداره وعلي بك السروجي
فلما استقر امرهم بعد خروج رضوان كتخدا وزوال دولة الجلفية تعين بالرياسة منهم على اقرانه عثمان بك الجرجاوي فسار سيرا عنيفا من غير تدبر وناكد زوجة سيدة بنت البارودي وصادرها في بعض تعلقاتها (1/292)
فشكت امرها الى كبار الاختيارية فخاطبوه في شأنها وكلمه حسن كتخدا ابو شنب فرد عليه ردا قبيحا فتحزبوا عليه ونزعوه من الرياسة وقدموا حسين بك الصابونجي وجعلوه شيخ البلد
ولم يزل حتى حقد عليه خشداشينه وقتلوه
وخبر موت حسين بك المذكور انه لما مات ابراهيم كتخدا قلدوا المذكور امارة الحج وطلع سنة 1169 وسنة 1170 ثم تعين بالرياسة وصار هو كبير القوم والمشار اليه وكان كريما جوادا وجيها وكان يميل بطبعه الى نصف حرام لان اصله من مماليك الصابونجي فهرب من بيته وهو صغير وذهب الى ابراهيم جاويش فاشتراه من الصابونجي ورباه ورقاه ثم زوجه بزوجة محمد جربجي ابن ابراهيم الصابونجي وسكن بيتهم وعمره ووسعه وانشأ فيه قاعة عظيمة فلذلك اشتهر بالصابونجي
ولما رجع من الحجاز قلد عبد الرحمن اغا اغاوية مستحفظان وهو عبد الرحمن اغا المشهور في شهر شعبان من سنة 1171 وطلع بالحج في تلك السنة محمد بك بن الدالي ورجع في سنة 1172 ثم ان المترجم اخرج خشداشة علي بك المعروف ببلوط قبان ونفاه الى بلده النوسات واخرج خشداشة ايضا عثمان بك الجرجاوي منفيا الى اسيوط واراد نفي علي بك الغزاوي واخرجه الى جهة العادلية فسعى فيه الاختيارية بواسطة نسيبه علي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا ابي شنب فالزمه أن يقيم بمنزل صهره علي كتخدا المذكور ببركة الرطلي ولا يخرج من البيت ولا يجتمع باحد من اقرانه وأرسل الى خشداشة حسين بك المعروف بكشكش فاحضره من جرجا وكان حاكما بالولاية فأمره بالاقامة في قصر العيني ولا يدخل الى المدينة
ثم ارسل اليه يأمره بالسفر الى جهة البحيرة وأحضروا اليه المراكب التي يسافر فيها ويريد بذلك تفرق خشداشينه في الجهات ثم يرسل اليهم ويقتلهم لينفرد بالامر والرياسة ويستقل بملك مصر ويظهر (1/293)
دولة نصف حرام وهو غرضه الباطني
وضم اليه جماعة من خشداشينه وتوافقوا معه على مقصد ظاهرا وهم حسن كاشف جوجه وقاسم كاشف وخليل كاشف جرجي وعلي اغا المنجي واسمعيل كاشف ابو مدفع وآخر يسمى حسن كاشف
وكانوا من اخصائه وملازميه فاشتغل معهم حسين بك كشكش واستمالهم سرا واتفق معهم على اغتياله فحضروا عنده في يوم الجمعة على جري عادتهم وركبوا صحبته الى القرافة فزاروا ضريح الامام الشافعي ثم رجع صحبتهم الى مصر القديمة فنزلوا بقصر الوكيل وباتوا صحبته في انس وضحك
وفي الصباح حضر اليهم الفطور فأكلوه وشربوا القهوة وخرج المماليك ليأكلوا الفطور مع بعضهم وبقي هو مع الجماعة وحده وكانوا طلبوا منه انعاما فكتب الى كل واحد منهم وصولا بالف ريال والف اردب قمح وغلال ووضعوا الاوراق في جيوبهم ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه وقطعوه قطعا ونزلوا من القصر واغلقوه على المماليك والطائفة من خارج
وركب حسن كاشف جوجه ركوبة حسين بك وكان موعدهم مع حسين بك كشكش عند المجراة فانه لما احضروا له مراكب السفر تلكأ في النزول وكلما ارسل اليه حسين بك يستعجله بالسفر يحتج بسكون الريح او ينزل بالمراكب ويعدي الى البر الآخر ويوهم انه مسافر ثم يرجع ليلا ويتعلل بقضاء اشغاله
واستمر على ذلك الحال ثلاثة ايام حتى تمم اغراضه وشغله مع الجماعة ووعدهم بالامريات
واتفق معهم انه ينتظرهم عند المجراة وهم يركبون مع حسين بك ويقتلونه في الطريق ان لم يتمكنوا من قتله بالقصر
فقدر الله انهم قتلوه وركبوا حتى وصلوا الى حسين بك كشكش فاخبروه بتمام الامر فركب معهم ودخلوا الى مصر وذهب كشكش الى بيت حسين بك بالداودية وملكه بما فيه وارسل باحضار خشداشيه المنفيين
وعندما وصل الخبر الى علي بك الغزاوي ببركة الرطلي ركب في الحال مع القاتلين وطلعوا الى القلعة (1/294)
واخذوا في طريقهم اكابر الوجاقلية ومنهم حسن كتخدا ابو شنب وهو من اغراض حسين بك المقتول وكان مريضا بالآكلة في فمه
فلما دخلوا اليه وطلبوه نزل اليهم من الحريم فاخبروه بقتلهم حسين بك فطلبوه للركوب معهم فاعتذر بالمرض فلم يقبلوا عذره فتطيلس وركب معهم الى القلعة وولوا علي بك كبير البلد عوضا عن حسين بك المقتول وكان قتله في شهر صفر سنة 1171 ثم ان مماليكه وضعوا اعضاءه في خرج وحملوه على هجين ودخلوا به الى المدينة فادخلوه الى بيت الشيخ الشبراوي بالرويعي فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة
وسكن علي بك المذكور بيت حسين بك الصابونجي الذي بالازبكية واحضروا علي بك من النوسات وعثمان بك الجرجاوي من اسيوط وقلدوا خليل كاشف صنجقية واسمعيل ابو مدفع كذلك وقاسم كاشف قلدوه الزعامة ثم قلدوا بعد اشهر حسن كاشف المعروف بجوجه صنجقية ايما وكان ذلك في ولاية علي باشا ابن الحكيم الثانية فكان حال حسين بك المقتول مع قاتليه كما قال الشاعر ... واخوان تخذتهمو دروعا ... فكانوها ولكن للاعادي ... وخلتهمو سهاما صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي ...
واما من مات في هذا التاريخ من الاعيان خلاف حسين بك المذكور فالشيخ الامام الفقيه المحدث الاصولي المتكلم الماهر الشاعر الاديب عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي الشافعي ولد تقريبا في سنة 1092 وهو من بيت العلم والجلالة فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الاميني في الخلاصة ووصفه بالحفظ والذكاء فاول من شملته اجازته سيدي محمد بن عبد الله الخرشي وعمره اذ ذاك نحو ثمان سنوات وذلك في سنة 1100 وتوفي الشيخ الخرشي المالكي في سابع عشرين الحجة سنة 1101 وتولى بعده مشيخة الازهر الشيخ محمد النشرتي (1/295)
المالكي وتوفي في ثامن عشري الحجة سنة 1120 ووقع بعد موته فتنة بالجامع الازهر بسبب المشيخة والتدريس بالاقبغاوية وافترق المجاورون فرقتين تريد الشيخ احمد النفراوي والاخرى تريد الشيخ عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرا بمصر فتعصب له جماعة النشرتي وارسلوا يستعجلونه للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ احمد النفراوي وحضر للدتريس بالاقبغاوية فمنعه القاطنون بها وحضر القليني فانضم اليه جماعة النشرتي وتعصبوا له فحضر جماعة النفراوي الى الجامع ليلا ومعهم بنادق واسلحة وضربوا بالبنادق في الجامع واخرجوا جماعة القليني وكسروا باب الاقبغاوية واجلسوا النفراوي مكان النشرتي
فاجتمعت جماعة القليني في يومها بعد العصر وكبسوا الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة انفار وانجرح بينهم جرحى كثيرة وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديل
وحضر الوالي فاخرج القتلى وتفرق المجاورون ولم يبق بالجامع احد
ولم يصل فيه ذلك اليوم وفي ثاني يوم طلع الشيخ احمد النفراوي الى الديوان ومعه حجة الكشف على المقتولين فلم يلتفت الباشا الى دعواه لعلمه بتعديه وامره بلزوم بيته وامر بنفي الشيخ محمد شنن الى بلده الجدية وقبضوا على من كان بصحبته وحبسوهم في العرقانة وكانوا اثنى عشر رجلا
واستقر القليني في المشيخة والتدريس
ولما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن وكان النفراوي قد مات
ولما مات الشيخ شنن تقلد المشيخة الشيخ ابراهيم ابن موسى الفيومي المالكي
ولما مات في سنة سبع وثلاثين انتقلت المشيخة الى الشافعية فتولاها الشيخ عبد الله السبراوي المترجم المذكور في حياة كبار العلماء بعد ان تمكن وحضر الاشياخ كالشيخ خليل بن ابراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ احمد النفراوي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ (1/296)
محمد المغربي والشيخ عيد النمرسي
وسمع الاولية واوائل الكتب من الشيخ عبد الله بن سالم البصري ايام حجه ولم يزل يترقى في الاحوال والاطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار اعظم الاعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والامراء ونفذت كلمته وقبلت شفاعته وصار لاهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام واقبلت عليه الامراء وهادوه بانفس ما عندهم وعمر دارا عظيمة على بركة الازبكية بالقرب من الرويعي وكذلك ولده سيدي عامر عمر دارا تجاه دار أبيه وصرف عليها اموالا جمة
وكان يقتني الظرائف والتحائف من كل شيء والكتب المكلفة النفسية بالخط الحسن وكان راتب مطبخ ولده سيدي عامر في كل يوم من اللحم الضاني راسين من الغنم السمان يذبحان في بيته وكان طلبة العلم في ايام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي في غاية الادب والاحترام
ومن آثاره كتاب مفائح الالطاف في مدائح الاشراف وشرح الصدر في غزوة بدر الفها باشارة علي باشا ابن الحكيم وذكر في اخرها نبذة من التاريخ وولاة مصر الى وقت صاحب الاشارة
وله ديوان يحتوي على غزليات واشعار ومقاطيع مشهور بايدي الناس وغير ذلك كثير توفي في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة ختام سنة 1171 وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة تقريبا
ومات الشيخ الامام الاحق بالتقديم الفقيه المحدث الورع الشيخ حسن ابن علي بن احمد بن عبد الله الشافعي الازهري المنطاوي الشهير بالمدابغي اخذ العلوم عن الشيخ منصور المنوفي وعمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ عيد النمرسي والشيخ محمد بن احمد الوزازي ومحمد بن سعيد التنبكتي وغيرهم خدم العلم ودرس بالجامع الازهر وافتى والف واجاد منها حاشيته على شرح الخطيب على ابي شجاع نافعة للطلبة وثلاثة شروح (1/297)
على الآجرومية وشرح الصيغة الاحمدية وشرح الدلائل وشرح على حزب البحر وشرح حزب النووي شرحا لطيفا
واختصر شرح الحزب الكبير للبناني ورسالة في القراءات العشر واخرى في فضائل ليلة القدر واخرى في المولد الشريف وحاشيته على جمع الجوامع المشهورة وحاشيته على شرح الاربعين لابن حجر واختصر سيرة ابن الميت وحاشية التحرير وحاشية علي الاشموني وشرح قصيدة المقري التي اولها سبحان من قسم الحظوظ وحاشية على الشيخ خالد وغير ذلك
ومات العلامة القدوة شمس الدين محمد بن الطيب بن محمد الشرفي الفاسي ولد بفاس سنة 1110 واستجاز له والده من ابي الاسرار حسن ابن علي العجمي من مكة المشرفة وعمره اذ ذاك ثلاث سنوات فدخل في عموم اجازته وتوفي بالمدينة المنورة سنة 1170 وتاريخه مغلق عن ستين عاما رحمه الله تعالى
ومات الشيخ داود بن سليمان بن احمد بن محمد بن عمر بن عامر بن خضر الشرنوبي البرهاني المالكي الخربتاوي ولد سنة 1080 وحضر على كبار اهل العصر كالشيخ محمد الزرقاني والخرشي وطبقتهما وعاش حتى الحق الاحفاد بالاجداد وكان شيخا معمرا مسندا له عناية بالحديث
توفي في جمادى الثانية سنة 1170
ومات الشيخ القطب الصالح العارف الواصل الشيخ محمد بن علي الجزائي القاسمي الشهير بكشك ورد مصر صغيرا وبها نشأ وحج واخذ الطريقة عن سيدي احمد السوسي تلميذ سيدي قاسم وجعله خليفة القاسمية بمصر فلو حظ بالانوار والاسرار ثم دخل المغرب ليزور شيخه فوجده قد مات قبل وصوله بثلاثة ايام واخبره تلامذة الشيخ ان الشيخ اخبر بوصول المترجم واودع له امانة فاخذها ورجع الى مصر وجلس للارشاد واخذ العهود ويقال إنه تولى القبطانية توفي سنة 1170 (1/298)
ومات الشيخ الفاضل العلامة محمد بن احمد الحنفي الازهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ سليمان المنصوري والسيد محمد ابي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب ودرس بالازهر وبمسجد الحنفي ومسجد محرم في انواع الفنون ولازم الشيخ العقيقي كثيرا ثم اجتمع بالشيخ احمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زي الفقراء ثم باع ما ملكت يداه وتوجه الى السويس فركب في سفينة فانكسرت فخرج مجردا يساتر العورة
ومال الى بعض خباء الاعراب فاكرمته امرأة منهم وجلس عندها مدة يخدمها ثم وصل الى الينبع على هيئة رثة واوى الى جامعها
واتفق له انه صعد ليلة من الليالي على المنارة وسبح على طريقة المصريين فسمعه الوزير اذ كان منزله قريبا من هناك فلما اصبح طلبه وسأله فلم يظهر حاله سوى انه من الفقراء فانعم عليه ببعض ملابس وامره ان يحضر الى داره كل يوم للطعام ومضت على ذلك برهة الى ان اتفق موت بعض مشايخ العربان وتشاجر اولاده بسبب قسمة التركة فاتوا الى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فراى الوزير ان يكتب السؤال ويرسله مع الهجان باجرة معينة الى مكة يستفتي العلماء فاستقل الهجان الاجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع الزيادة للهجان وامتنع اكثرهم ووقعوا في الحيرة
فلما راى المترجم ذلك طلب الدواة والقلم وذهب الى خلوة له بالمسجد فكتب الجواب مفصلا بنصوص المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ تعجب واكرمه الوزير واجله ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس الفقه والحديث هناك حتى اشتهر امره واقبلت عليه الدنيا
فلما امتلأ كيسه وانجلى بؤسه وقرب ورود الركب المصري رأى الوزير تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم يجد بدا عاهده على انه يحج ويعود اليه فوصل مع الركب الى مكة واكرم وعاد الى (1/299)
مصر ولم يزل على حالة مستقيمة حتى توفي عن فالج فيه جلس فيه شهورا في سنة 1170 وهو منسوب الى سفط الصائم احدى قرى مصر من اعمال الفشن بالصعيد الادنى ولم يخلف في فضائله مثله رحمه الله
ومات الامام الاديب الماهر المتفنن اعجوبة الزمان علي بن تاج الدين محمد ابن عبد المحسن بن محمد بن سالم القلعي الحنفي المكي ولد بمكة وتربى في حجر ابيه في غاية العز والسيادة والسعادة وقرأ عليه وعلى غيره من فضلاء مكة واخذ عن الورادين اليها ومال الى فن الادب وغاص في بحره فاستخرج منه اللآلىء والجواهر وطارح الادباء في المحاضر فبان فضله وبهر برهانه ورحل الى الشام في سنة 1142 واجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي فاخذ عنه وتوجه الى الروم وعاد الى مكة وقدم الى مصر سنة ستين ثم غاب عنها نحو عشر سنين ثم ورد عليها وحينئذ كمل شرحه على بديعيته وعلى بديعيتين لشيخه الشيخ عبد الغني وغيره ممن تقدم وهي عشر بديعيات وشرحه على بديعيته ثلاث مجلدات قرظ عليه غالب فضلاء مصر كالشبراوي والادكاوي والمرحومي ومن اهل الحجاز الشيخ ابراهيم المنوفي وكان للمترجم بالوزير المرحوم علي باشا ابن الحكيم التئام زائد لكونه له قوة يد ومعرفة في علم الرمل وكان في اول اجتماعه به في الروم اخبره بامور فوقعت كما ذكر فازداد عنده مهابة وقبولا
ولما تولى المذكور ثاني توليته وهي سنة سبعين قدم اليه من مكة من طريق البحر فاغدق عليه ما لا يوصف ونزل في منزل بالقرب من جامع ازبك بخط الصليبة وصار يركب في موكب حافل تقليدا للوزير
ورتب في بيته كتخدا وخازندار والمصرف والحاجب على عادة الامراء وكان فيه الكرم المفرط والحياء والمروءة وسعة الصدر في اجازة الوافدين مالا وشعرا
ومدحه شعراء عصره بمدائح جليلة منهم الشيخ عبد الله الادكاوي له فيه عدة قصائد وجوزي بجوائز سنية
ولما عزل مخدومه (1/300)
توجه معه الى الروم فلما ولى الختام ثانيا زاد المترجم عنده ابهة حتى صار في سدة السلطنة احد الاعيان المشار اليهم واتخذ دارا واسعة فيها اربعون قصرا ووضع في كل قصر جارية بلوازمها
ولما عزل الوزير ونفي الى احدى مدن الروم سلب المترجم جميع ما كان بيده ونفي الى الاسكندرية
فمكث هناك حتى مات في سنة 1172 شهيدا غريبا ولم يخلف بعده مثله
وله ديوان شعر ورسائل منها تكميل الفضل بعلم الرمل ومتن البديعية سماه الفرج في مدح عالي الدرج اقترح فيها بانواع منها وسع الاطلاع والتطريز والرث والاعتراف والعود والتعجيب والترهيب والتعريض وامثلة ذلك كله موضحة في شرحه على البديعية
ولما تغيرت دولة مخدومه وتغير وجه الزمان عاد روض انسه ذابل الافنان ذا احزان واشجان لم يطب له المكان ودخل اسم عزه في خبر كان وتوفي في نحو هذا التاريخ
ومات العمدة الاجل النبيه الفصيح المفوه الشيخ يوسف بن عبد الوهاب الدلجي وهو اخو الشيخ محمد الدلجي كلاهما ابنا خال المرحوم الوالد وكان انسانا حسنا ذا ثروة وحسن عشرة وكان من جملة جلساء الامير عثمان بك ذي الفقار ولديه فضيلة ومناسبات ويحفظ كثيرا من النوادر والشواهد وكان منزله المشرف على النيل ببولاق مأوى اللطفاء والظرفاء ويقتني السراري والجواري توفي سنة 1171 عن ولديه حسين وقاسم وابنة اسمها فاطمة موجودة في الاحياء الى الان
ومات الشيخ النبيه الصالح علي بن خضر بن احمد العمروسي المالكي اخذ عن السيد محمد السلموني والشهاب النفراوي والشيخ محمد الزرقاني ودرس بالجامع الازهر وانتفع به الطلبة واختصر المختصر الخليلي في نحو الرابع ثم شرحه وكان انسانا حسنا منجمعا عن الناس مقبلا على شأنه توفي سنة 1173 (1/301)
ومات الاستاذ المبجل ذو المناقب الحميدة السيد شمس الدين محمد ابو الاشراق بن وفي وهو ابن اخي الشيخ عبد الخالق ولما توفي عمه في سنة 1161 خلفه في المشيخة والتكلم وكان ذا ابهة ووقار محتشما سليم الصدر كريم النفس بشوشا
توفي سادس جمادى الاولى سنة 1171 وصلي عليه بالازهر وحمل الى الزاوية فدفن عند عمه وقام بعده في الخلافة الاستاذ مجد الدين محمد ابو هادي ابن وفي رضي الله عنهم اجمعين
ومات الامام العلامة الفريد الفقيه الفرضي الحيسوبي الشيخ حسين المحلي الشافعي كان وححيد دهرة وفريد عصره فقها واصولا ومعقولا جيد الاستحضار والحفظ للفروع الفقيه
واما في علم الحساب الهوائي والغباري والفرائض وشباك ابن الهائم والجبر والمقابلة والمساحة وحل الاعداد فكان بحرا لا تشبهه البحار ولا يدرك له قرار وله في ذلك عدة تآليف ومنها شرح السخاوية وشرح النزهة والقلصاوي وكان يكتب تآليفه بخطه ويبيعها لمن يرغب فيها ويأخذ من الطالبين اجرة على تعليمهم فاذا جاء من يريد التعلم وطلب ان يقرأ عليه الكتاب الفلاني تعزز عليه وتمنع ويساومه على ذلك بعد جهد عظيم وكان له حانوت بجوار باب الازهر يتكسب فيه ببيع المناكيب لمعرفة الاوقات والكتب وتسفيرها
والف كتابا حافلا في الفروع الفقيهة على مذهب الامام الشافعي وهو كتاب ضخم في مجلدين معتبر مشهور معتمد الاقوال في الافتاء وله غير ذلك كثير
وبالجملة فكان طودا راسخا تلقى عنه كثير من اشياخ العصر ومنهم شيخنا الشيخ محمد الشافعي الجناحي المالكي وغيره
توفي سنة 1170
ومات الشيخ الامام المعمر القطب احد مشايخ الطريق صاحب الكرامات الظاهرة والانوار الساطعة الباهرة عبد الوهاب بن عبد السلام بن احمد (1/302)
ابن حجازي بن عبد القادر بن ابي العباس بن مدين بن ابي العباس بن عبد القادر بن ابي العباس بن شعيب بن محمد بن القطب سيدي عمر الرزوقي العفيفي المالكي البرهاني يتصل نسبة الى القطب الكبير سيدي مرزوق الكفافي المشهور ولد المترجم بمنية عفيف احدى قرى مصر ونشأ بها على صلاح وعفة ولما ترعرع قدم الى مصر فحضر على شيخ المالكية في عصره الشيخ سالم النفراوي اياما في مختصر الشيخ خليل واقبل على العبادة وقطن بالقاعة بالقرب من الازهر بجوار مدرسة السنانية وحج فلقي بمكة الشيخ ادريس اليماني فأجازه وعاد الى مصر وحضر دروس الحديث على الامام المحدث الشيخ احمد بن مصطفى الاسكندري الشهير بالصباغ ولازمه كثيرا حتى عرف به
واجازه مولاي احمد التهامي حين ورد الى مصر بطريقة الاقطاب والاحزاب الشاذلية والسيد مصطفى البكري بالخلوتية
ولما توفي شيخه الصباغ لازم السيد محمد البليدي في دروسه من ذلك تفسير البيضاوي بتمامه
وروى عنه جملة من افاضل عصره كالشيخ محمد الصبان والسيد محمد مرتضى والشيخ محمد بن اسمعيل النفراوي وسمعوا عليه صحيح مسلم بالاشرفية وكان كثيرا لزيارة لمشاهد الاولياء متواضعا لا يرى لنفسه مقاما متحرزا في مأكله وملبسه لا ياكل الا ما يؤتى اليه من زرعه من بلده من العيش اليابس مع الدقة وكانت الامراء تأتي لزيارته ويشمئز منهم ويفر منهم في بعض الاحيان
وكل من دخل عنده يقدم له ما تيسر من الزاد من خبزه الذي كان يأكل منه
وانتفع به المريدون وكثروا في البلاد ونجبوا ولم يزل يترقى في مدارج الوصول الى الحق حتى تعلل اياما بمنزله الذي بقصر الشوك
وتوفي في ثاني عشر صفر سنة 1172 ودفن سيدي عبد الله المنوفي ونزل سيل عظيم وذلك في سنة 1178 فهدم القبور وعامت الاموات فانهدم قبره وامتلأ بالماء فاجتمع اولاده ومريدوه وبنوا له قبرا في العلوة على يمين (1/303)
تربة الشيخ المنوفي ونقلوه اليه قريبا من عمارة السلطان قايتباي وبنوا على قبره قبة معقودة وعملوا له مقصورة ومقاما من داخلها وعليه عمامة كبيرة وصيروه مزارا عظيما يقصد للزيارة ويختلط به الرجال والنساء
ثم أنشأوا بجانبه قصرا عاليا عمره محمد كتخدا اباظة وسوروا له رحبة متسعة مثل الحوش لموقف الدواب من الخيل والحمير دثروا بها قبورا كثيرة بها كثير من اكابر الاولياء والعلماء والمحدثين وغيرهم من المسلمين والمسلمات
ثم انهم ابتدعوا له موسما وعيدا في كل سنة يدعون اليه الناس من البلاد القبلية والبحرية فينصبون خياما كثيرة وصواوين ومطابخ وقهاوي ويجتمع العالم الاكبر من اخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الارياف وارباب الملاهي والملاعب والغوازي والبغايا والقزادين والحواة فيملأون الصحراء والبستان فيطأون القبور ويوقدون عليها النيران ويصبون عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهارا ويستمر ذلك نحو عشرة ايام او اكثر ويجتمع لذلك ايضا الفقهاء والعلماء وينصبون لهم خياما ايضا ويقتدي بهم الاكابر من الامراء والتجار والعامة من غير انكار بل ويعتقدون ان ذلك قربة وعبادة
ولو لم يكن كذلك لانكره العلماء فضلا عن كونهم بفعلونه فالله يتولى هدانا اجمعين
ومات الشيخ الاجل المعظم سيدي محمد بكري احمد بن عبدالمنعم ابن محمد بن ابي السرور محمد بن القطب ابي المكارم محمد ابيض الوجه ابن ابي الحسن محمد بن الجلال عبد الرحمن بن احمد بن محمد بن احمد ابن محمد بن عوض بن محمد بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن الحسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن نجم بن عيسى بن شعبان ابن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن ابي بكر الصديق وكان يقال له سيدي ابو بكر البكري شيخ (1/304)
السجادة بمصر ولاه ابوه الخلافة في حياته لما تفرس فيه النجابة مع وجود اخوته الذين هم اعمامه وهم ابو المواهب وعبد الخالق ومحمد بن عبد المنعم
فسار في المشيخة احسن سير وكان شيخا مهيبا ذا كلمة نافذة وحشمة زائدة تسعى اليه الوزراء والاعيان والامراء
وكان الشيخ عبد الله الشبراوي يأتيه في كل يوم قبل الشروق يجلس معه مقدار ساعة زمانية ثم يركب ويذهب الى الازهر
ولما مات خلفه ولده الشيخ سيد احمد وكان المترجم متزوجا بنت الشيخ الحنفي فاولدها سيدي خليلا وهو الموجود الآن تركه صغيرا فتربى في كفالة ابن عمه السيد محمد افندي ابن علي افندي الذي انحصرت فيه المشيخة بعد وفاة ابن عمه الشيخ سيد احمد مضافة الى نقابة السادة الاشراف كما يأتي ذكر ذلك ان شاء الله
وكانت وفاة المترجم في اواخر شهر صفر سنة 1171
ومات ايضا في هذه السنة السلطان عثمان خان العثماني
وتولى السلطان مصطفى بن احمد خان وعزل علي باشا ابن الحكيم وحضر الى مصر محمد سعيد باشا في اواخر رجب سنة 1171 واستمر في ولاية مصر الى سنة 1173
وفي تلك السنة نزل مطر كثير سالت منه السيول
ومات افضل النبلاء وانبل الفضلاء بلبل دوحة الفصاحة وغريدها من انحازت له بدائعها طريفها وتليدها الماجد الاكرم مصطفى اسعد اللقيمي الدمياطي وهو احد الاخوة الاربعة وهم عمر ومحمد وعثمان والمترجم اولاد المرحوم احمد بن محمد بن احمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي الشافعي سبط العنبوسي وكلهم شعراء بلغاء توفي في سنة 1173
ومات اديب الزمان وشاعر العصر والاوان العلامة الفاضل شمس الدين الشيخ محمد سعيد بن محمد الحنفي الدمشقي الشهير بالسمان ورد الى مصر في سنة 1144 فطارح الادباء وزاحم بمناكبه الفضلاء ثم عاد الى وطنه وورد الى مصر ايضا في سنة 1172 وكان ذا حافظة وبراعة وحسن عشرة وصار بينه وبين الشيخ عبد الله الادكاوي محاضرات ومطارحات (1/305)
وذكره في مجموعته واثنى عليه واورد له من شعره كثيرا ثم توجه الى الشام وقد وافاه الحمام ودفن بالصالحية سنة ثلاث وسبعين ومائة والف
ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم الناثر الشيخ عامر الانبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء لهيب شراره محرق كان يأتي من بلده يزور العلماء والاعيان
وكلما راى لشاعر قصيدة سائرة قلبها وزنا وقافية الى الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك
وكان الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسبه ويقول له يا شيخ عامر لا تزفر قصيدتي الفلانية وهذه جائزتك
ومن بعده الشيخ الحفني كان يكرمه ويغدق عليه ويستأنس لكلامه
وكان شيخا مسنا صلحا مكحل العينين دائما عجيبا في هيئته ومن نظمه الفية الطعام على وزن الفية ابن مالك واولها ... يقول عامر هو الانبوطي ... احمد ربي لست بالقنوطي ...
ومات الامير الكبير عمر بك بن حسن بك رضوان وذلك انه لما قلد ابراهيم كتخدا تابعه علي بك الكبير امارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167 ونزل عليهم السيل العظيم يظهر حمار والقى الحجاج واحمالهم الى البحر ولم يرجع منهم الا القليل تشاوروا فيمن يقلدونه امارة الحج فاقتضى راي ابراهيم كتخدا تولية المترجم وقد صار مسنا هرما فاستعفى من ذلك فقال له ابراهيم كتخدا اما أن تطلع بالحج او تدفع مائتي كيس مساعدة
فحضر عند ابراهيم كتخدا فرأى منه الجد
فقال اذا كان ولا بد فاني اصرفها واحج ولو اني اصرف الف كيس
ثم توجه الى القبلة وقال اللهم لا ترني وجه ابراهيم هذا بعد هذا اليوم اما اني اموت او هو يموت
فاستجاب الله دعوته ومات ابراهيم كتخدا في صفر قبل دخول الحجاج الى مصر بخمسة ايام
وتوفي عمر بك المذكور سنة 1171
ومات الرجل الفاضل النبيه الذكي المتفنن المتقن الفريد الاوسطي (1/306)
ابراهيم السكاكيني كان انسانا حسنا عطارديا يصنع السيوف والسكاكين ويجيد سقيها وجلاءها ويصنع قراباتها ويسقطها بالذهب والفضة ويصنع المقاشط الجيدة الصناعة والسقي والتطعيم والبركارات للصنعة واقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك
وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون الخطوط لا تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرا مثل مقامات الحريري وكتب ادبية ورسائل كثيرة في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته وصفاته وصناعته لم يخلف بعده مثله
توفي في حدود هذا التاريخ وكان حانوته تجاه جامع المرداني بالقرب من درب الصياغ
وفي تلك السنة اعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه السيول واعقبه الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي اخذ المليح والمليحة
مات به الكثير من الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصى ثم خف واخذ ينقر في سنة 1172 وكان قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفى مولود في تلك السنة وورد الامر بالزينة في تلك الايام
وهذا المولود هو السلطان سليم المتولي الآن ولما قتل حسين بك القازدغلي المعروف بالصابونجي وتعين في الرياسة بعده علي بك الكبير واحضر خشداشينه المنفيين واستقر امرهم وتقلد امارة الحج سنة 1173 فبيت مع سليمان بك الشابوري وحسن كتخدا الشعراوي وخليل جاويش حيضان مصلي واحمد جاويش المجنون واتفق معهم على قتل عبد الرحمن كتخدا في غيبته واقام عوضه في مشيخة البلد خليل بك الدفتردار فلما سافر استشعر عبد الرحمن كتخدا بذلك فشرع في نفي الجماعة المذكورين فاغرى بهم على ذلك بلوط قبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي واحمد جاويش الى الحجاز من طريق السويس على البحر ونفى حسن كتخدا الشعراوي وسليمان بك الشابوري مملوك خشداشه الى فارسكور
فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج الى العقبة وصل اليه (1/307)
الخبر فكتم ذلك وامر بعمل شنك يوهم من معه بان الهجان اتاه بخبر سار ولم يزل سائرا الى ان وصل الى قلعة نخل فانحاز الى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهم الحجاج والمحمل وركب في خاصته وسار الى غزة وسار الحجاج من غير امير الى ان وصلوا الى أجرود فأقبل عليهم حسين بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل الى مصر واستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة شهر واكثر وكاتب الدولة بواسطة باشة الشام فارسلوا اليه واحدا اغا ووعدوه ومنوه وتحيلوا عليه حتى استقصوا ما معه من المال والاقمشة وغير ذلك
ثم حضر الى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي واغرااضه ومات بعد وصوله الى مصر بثمانية ايام
يقال ان بعض خشداشينه شغله بالسم حين كان يطوف عليهم للسلام
ولاية مصطفى باشا واحمد باشا كامل
وفي تلك السنة حضر مصطفى باشا واليا على مصر واستمر الى اواخر سنة 1174 ونزل الى القبة متوجها الى جدة فاقام هناك
وحضر احمد باشا كامل المعروف بصبطلان في اواخر سنة 1174
وكان ذا شهامة وقوة مراس فدقق في الاحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الانبار والغلال فتعصبت عليه الامراء وعزلوه واصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه الى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا خازنداره الى جدة وكيلا عنه
ولما وصل العرض الى الدولة وكان الوزير اذ ذاك محمد باشا راغب فوجهوا احمد باشا المنفصل الى ولاية قندية ومصطفى باشا الى حلب ووجهوا باكير باشا والي حلب الى مصر فحضر وطلع الى القلعة واقام نحو شهرين ومات ودفن بالقرافة سنة 1175 وحضر حسن باشا في اواخر (1/308)
سنة ست وسبعين ثم عزل
وحضر حمزة باشا في سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر الحال وتقلد في امارة الحج حسين بك كشكش وطلع سنة 1174 ووقف له العرب في مضيق وحضر اليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم فاحضر كاتبه الشيخ خليل كاتب الصرة والصراف وامرهم بدفع مطلوبات العرب
فذهبوا معه الى خيمته واحضر المال وشرع الصراف يعد لهم الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشهيل فقال لهم حينئذ لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا حتى ينزل الحج في المحطة يحصل المطلوب
وسار الحج حتى خرج من ذلك المضيق الى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فامر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن آخرهم وفيهم نيف وعشرون كبيرا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هزاع المذكور وامر بالرحيل وضربوا المدفع وسار الحج وتفرق قبائل العرب ونساؤهم يصرخون بطلب الثأر
فتجمعت القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق وهو يسوق عليهم من امام الحج وخلفه ويحاربهم ويقاتلهم بمماليكه وطوائفه حتى وصل الى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال
ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الامراء من خشداشينه وغيرهم وقال له علي بك بلوط قبن انك افسدت علينا العرب واخربت طريق الحج ومن يطلع بالحج في العام القابل بعد هذه الفعلة التي فعلتها فقال انا الذي اسافر بالحج في العام القابل ومني للعرب اصطفل
فطلع ايضا في السنة الثانية وتجمع عليه العرب ووقفوا في كل طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال واستعدوا له بما استطاعوا من الكثرة من كل جهة فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من امام الحج ومن خلفه حتى شردهم واخافهم وقتل منهم الكثير ولم يبال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة (1/309)
فانه لم يكن معه الا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والاجناد وعسكر المغاربة
وكان يبرز لحربهم حاسرا راسه مشهورا حسامه فيشتت شملهم ويفرق جمعهم فهابوه وانكمشوا عن ملاقاته وانكفوا عن الحج
فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة
فحج اربع مرات اميرا بالحج آخرها سنة 1176 ورجع سنة 1177 ولم يتعرض له احد من العرب ذهابا وايابا بعد ذلك
وكذلك اخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفلاحي ويسلبون الناس فكان يخرج اليهم على حين غفلة فيقتلهم وينهب مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في اشناف على الجمال فارتدععوا وانكفوا عن أفاعيلهم
وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك
وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل امره وقلد اسمعيل بك الصنجقية وجعله اشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما احتفل به للغاية ببركة الفيل
وكان ذلك في أيام النيل سنة 1174 فعملوا على معظم البركة أخشابا مركبة على وجه الماء يمشي عليها الناس للفرجة
واجتمع بها ارباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الاصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الاصناف والانواع وعلقوا القنناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة وغالبها سكن الامراء والاعيان اكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك ابراهيم كتخدا ابي العروس
وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات
واستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلا ونهارا للحظ والفرجة من جميع النواحي
ووردت على علي بك الهدايا والصلات من اخوانه الامراء والاعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والاقباط والافرنج والاروام واليهود والمدينة عامرة بالخير والناس مطمئنة (1/310)
والمكاسب كثيرة والاسعار رخية والقرى عامرة
وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربان ومقادم الاقاليم والبنادر بالهدايا والاغنام والجواميس والسمن والعسل وكل من الامراء الابراهيمية كأنه صاحب الفرح والمشار اليه من بينهم صاحب الفرح علي بيك
وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بانواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الاعيان والجاويشية والملازمين والسعاة والاغوات امام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك المهاترة والطبالون وغيرهم من المقدمين والخدم والجاويشية والركبدارية والعروس في عربة
وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك ابو الذهب ماشيا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها اولاد خزنات الامراء ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات
فمن ذلك الوقت اشتهر امر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد ايضا علي بك المعروف بالسروجية
ولما كان عبد الرحمن كتخدا ابن سيدهم ومركز دائرة دولتهم انضوى الى ممالأته ومال هو الآخر الى صداقته ليقوى به على ارباب الرياسة من اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الامر لنفسه
حتى ان عبد الرحمن كتخدا لما اراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا على احمد جاويش المجنون ما يقتضي نفيه ثم عرضوا ذلك على عبد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك واظهر الغيظ واصبح في ثاني يوم اجتمع عنده الاختيارية والصناجق على عادتهم
فلما تكامل حضور الجميع عين عبد الرحمن كتخدا غاديا الى بيت علي بك وكذلك باقي الامراء والاختيارية وصار الجميع والديوان في بيته من ذلك اليوم ولبس الخلعة من الباشا على ذلك
ثم انهم طلعوا ايضا في ثاني يوم الى الديوان واجتمعوا بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي احمد جاويش وخليل (1/311)
جاويش وسليمان بك الشابوري فقال عبد الرحمن كتخدا واكتبوا معهم حسن كتخدا الشعراوي ايضا
فكتبوه واخرجوا فرمانا بذلك ونفوهم كما ذكر واستمروا في نفيهم
وعمل احمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش اقام ايضا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك يمهد لنفسه واستكثر من شراء المماليك وشرع في مصادرة الناس
ويتحيل على اخذ الاموال من ارباب البيوت المدخرة والاعيان المستورين مع الملاطفة وادخال الوهم على البعض بمثل بمثل النفي والتعرض الى الفائظ ببعض المقنضيات ونحو ذلك
حادثة سماوية
ومن الحوادث السماوية ان في يوم السبت تاسع عشر جمادى الاولى هبت ريح عظيمة شديدة نكباء غربية غرق منها بالاسكندرية ثلاثة وثلاثون مركبا في مرسى المسلمين وثلاثة مراكب في مرسى النصارى
وضجت الناس وهاج البحر شديدا وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة اشجار
وطلع علي بك اميرا بالحج في سنة 1177 ورجع في اوائل سنة 1178 في ابهة عظيمة وارخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم
فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بابي الذهب
ثم قلد مملوكه ايوب اغا ورضوان قرابينه وابراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق ايضا
وانقضت تلك السنة وامر علي بك يتزايد
وشهلوا امور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والانبار وخرج المحمل على القانون المعتاد واميره حسن بك رضوان
ولما رجعوا من البركة بعد ارتحال الحج طلع علي بك (1/312)
وخشداشينه واغراضه وملكوا ابواب القلعة وكتبوا فرمانا واخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين
فاما عبد الرحمن كتخدا فارسلوه الى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصله إلى السويس
ونفوا باقي الجماعة الى جهة بحري وارتجت مصر في ذلك اليوم وخصوصا لخروج عبد الرحمن كتخدا فأنه كان اعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة وبه ارتفع قدر الينكجرية على العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك واتباع وعساكر مغاربة وغيرهم حتى ظن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم
فلم يحصل شيء من ذلك سوى ما نزل بالناس من البهتة والتعجب
ثم ارسل الى صالح بك فرمانا بنفيه الى غزة فوصل اليه الجاويش في اليوم الذي نزل فيه عبد الرحمن كتخدا في المركب وسافر وذهب صالح بك الى غزة فاقام بها مدة قليلة ثم ارسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به الى ناحية بحري واجلسوه برشيد ورتب له علي بك ما يصرفه وجعل له فائظا في كل سنة عشرة اكياس
فاقام برشيد مدة فحضرت اخبار وصول الباشا الجديد وهو حمزة باشا الى ثغر سكندرية فارسلوا الى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به الى دمياط يقيم بها وذلك لئلا يجتمع بالباشا
فلما وصلت اليه الاخبار بذلك ركب بجماعته ليلا وسار الى جهة البحيرة وذهب من خلف جبل الفيوم الى جهة قبلى فوصل الى منية ابن خصيب فاقام بها واجتمع عليه اناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد وبنى له ابنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقة مع شيخ العرب همام واكابر الهوارة واكثر البلاد الجارية في التزامه جهة قبلي
واجتمع عليه الكثير منهم وقدموا له التقادم والذخيرة وما يحتاج اليه (1/313)
ووصل المولى حفيد افندي القاضي وكان من العلماء الافاضل ويعرف بطرون افندي وكان مسنا هرما فجلس على الكرسي بجامع المشهد الجسيني ليملي درسا فاجتمع عليه الفقهاء الازهرية وخلطوا عليه وكان المتصدي لذلك الشيخ احمد بن يونس والشيخ عبد الرحمن البراذعي فصار يقول لهم كلموني بآداب البحث أما قرأتم آداب البحث
فزادوا في المغالطة فما وسعه الا القيام فانصرفوا عنه وهم يقولون عكسناه
وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده فارسل اليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الامراء والاختيارية والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمة بالارز والسمن والعسل والسكر وكذلك امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي واجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم واستمر ذلك عدة أيام والناس تغدو وتروح للفرجة
وسعت العلماء والامراء والاعيان والتجار لدعوته
وفي يوم الزفة ارسل اليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقم الباشا من الاغوات والسعاة والجاويشية والنوبة التركية واركبوا الغلام بالزفة الى بيت علي بك فالبسه فروة سمور ورجع الى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان مهما مشهودا واتحد هذا القاضي بالشيخ الوالد وتردد كل منهما على الآخر كثيرا وحضر مرة في غير وقت ولا موعد في يوم شديد الحر فلما صعد الى اعلى الدرج وكان كثيرا فاستلقى من التعب على ظهره لهرمه فلما تروح وارتاح في نفسه قال له الشيخ يا افندي لاي شيء تتعب نفسك أنا آتيك متى شئت
فقال انا اعرف قدرك وانت تعرف قدري
وكان نائبه من الاذكياء أيضا
ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليا على مصر وطلع الى القلعة عرضوا له امر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال (1/314)
والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه وتقلد حسين بك كشكش حاكم جرجا وامير التجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد بك ابو الذهب وحسن بك الازبكاوي فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيرة ثم توجه وعدى الى شرق أولاد يحيى وكان حسين بك شبكة مملوك حسين بك كشكش نفاه علي بك الى قبلي فلما ذهب صالح بك الى قبلي انضم اليه وركب معه فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق اولاد يحيى انفصل عنه وحضر الى سيده حسين بك وانضم إليه كما كان ورجع محمد بك وحسن بك الى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور يريد الذهاب الى منصبه بجرجا وأقام في المنية فارسل اليه علي بك فرمانا بنفيه الى جهة عينها له فلم يتمثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وامرائه وحضر الى مصر ليلا فوجد الباب الموصل لجهة قناطر السباع مغلوقا فطرقه فلم يفتحوه فكسره ودخل وذهب الى بيته وبقي الامر بينهم على المسالمة أياما فاراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونا للباءة فوضع له السم في المعجون واحضره له فامره ان يأكل منه اولا فتلكأ واعتذر فامر بقتله
وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيا روميا يلبس على رأسه قلبق سمور وكان وجيها جميل الصورة فصيحا متكلما يعرف التركية والعربية والرومية والطليانية
وعلم حسين بك انها من عزيمة علي بك فتأكدت بينهما الوحشة واضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك او اخراجه فوافقوه ظاهرا واشتغل حسين بك على اخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته وانتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم عليه
فعند ذلك أرسل اليهم يسألهم عن مرادهم فحضر اليه منهم من يأمره بالركوب والسفر فركب (1/315)
واخرجوه منفيا الى الشام ومعه مماليكه وأتباعه وذلك في اواخر شهر رمضان سنة 1179 واقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى عملوا حسابه وحساب أتباعه وهم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع حتى فرغوا من الحساب واستخلصوا ما بقي على طرفهم ثم سافروا الى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى من امراء مصر انه اذا خرج الى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته من ميري وخلافة وان لم يكن معه ما يوفي ذلك باع اساس داره ومتاعه وخيوله ولا يذهب الا خالص الذمة
وسافر صحبة علي بك امراؤه وهم محمد بك وايوب بك ورضوان بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي واحمد جاويش وسليمان جاويش وقيطاس كتخدا وباقي اتباعه
واستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي جماعتهم وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالح بك رجع من شرق اولاد يحيى الى المنية واستقر فيها وحصنها
فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريدة وبرزوا الى جهة البساتين
وفي تلك الايام رجع علي بك ومن معه على حين غفلة ودخل الى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وايوب بك دخل منزل ابراهيم أغا الساعي فاجتمع الامراء بالاثار وعملوا مشوره في ذلك
فاقتضى الرأي بان يرسلوه الى جدة فاجتمع الرأي بان يعطوه النوسات ويذهب اليها فرضي بذلك وذهب الى النوسات وأقام بها وأرسلوا محمد بك وأيوب بك ورضوان بك الى قبلي بناحية اسيوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الاسيوطي فانضموا اليه وصادقوه وسفروا التجريدة الى صالح بك فهزمت فارسلوا له تجريدة اخرى واميرها حسن بك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم الا بعض مناوشات ورجعوا أيضا كانهم مهزومون وارسلوا له ثالث ركبة (1/316)
فكانت الحرب بينهم سجالا ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع صالح بك ان يذهب الى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال والغلال
وكان ذلك في شهر جمادى الاولى سنة 1180
وفي ثاني شعبان منها اتهموا حسن بك الازبكاوي انه يراسل علي بك وعلي بك يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج ام عبد الرحمن كتخدا وكان مقيما بمصر القديمة وقد صار مسنا فسفروهم الى جهة بحري وتخيلوا من اقامة علي بك بالنوسات فارسلوا له خليل بك السكران فاخذه وذهب به الى السويس ليسافر الى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها
وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الامراء الى قراميدان ليهنئوا الباشا بالعيد وكان معتاد الرسوم القديمة ان كبار الامراء يركبون بعد الفجر من يوم العيد كذلك ارباب العكاكيز فيطلعون الى القلعة ويمشون امام الباشا من باب السراية الى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون اتكة ويهنئونه وينزلون الى بيوتهم فيهنىء بعضهم بعضا على رسمهم واصطلاحهم وينزل الباشا في ثاني يوم الى الكشك بقراميدان وقد هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستائر واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبوا جميع الاحتياجات واللوازم من الليل واصطفت الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون وجلس الباشا الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتردار وأمير الحاج والامراء الصناجق والاختيارية وكتخدا والعزب أصحاب الوقت والمقادم والاوده باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا (1/317)
ويعيدون عليه على قدر مراتبهم بالقانون والترتيب ثم ينصرفون
فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنا الامراء الصناجق الباشا وخرجوا الى دهليز القصر يريدون النزول وقف لهم جماعة وسحبوا السلاح عليهم وضربوا عليهم بنادق فاصيب عثمان بك الجرجاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم واحتاط بهم مماليكهم ونط اكثرهم من حائط البستان ونفذوا من الجهة الاخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة
وانجرح أيضا اسمعيل بك ابو مدفع ومحمود بك وقاسم أغا ولكن لم يمت منهم الا عثمان بك
وباتوا على ذلك فلما اصبحوا اجتمعوا وطلعوا الى الابواب وارسلوا الى الباشا يأمرونه بالنزول فنزل الى بيت احمد بك كشك بقوصون وعند نزوله ومروره بباب العزب وقف له حسين بك كشكش وأسمعه كلاما قبيحا ثم انهم جعلوا خليل بك بلغيه قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقا عوضا عن سيده ونسبت هذه النكتة الى حمزة باشا وقيل انها من علي بك الذي بالنوسات ومراسلاته الى حسن بك جوجو فبيت مع انفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة ايام وتواعدوا على ذلك اليوم وذهبوا الى الكشك بقراميدان وكانوا نحو الاربعين فاختلفوا واتفقوا على ثاني يوم بدهليز بيت القاضي وتفرقوا الا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الاتفاق وفعلوا هذه الفعلة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم
وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت اشجارها وذهبت نضارتها ولما حصلت هذه الحادثة أرسلوا حمزة بك الى علي بك فوجده في المركب الغاطس ينتظر اعتدال الريح للسفر فرده الى البر واركبه بمماليكه واتباعه ورجع الى جهة مصر ومر من الجبل وذهب الى جهة شرق اطفيح ثم الى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك الى مصر
ثم ان علي بك اجتمع (1/318)
عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الانضمام الى صالح بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفيا من قبله وجعله سفيرا فيما بينه وبين صالح بك هو وخليل بك الاسيوطي وعثمان كتخدا الصابونجي فارسلهم فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم
فعند ذلك ارسل اليه محمد بك ابو الذهب فلم يزل به حتى انخدع له واجتمع عليه بكفالة شيخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب والسيف
وكتبوا بذلك حجة واتفق مع علي بك انه اذا تم لهم الامر اعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته
واتفقوا على ذلك بالمواثيق الاكيدة وأرسلوا بذلك الى شيخ العرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال والرجال واجتمع عليهم المتفرقون والمشردون من الغز والاجناد والهوارة والشجعان ولموا جموعا كثيرة وحضروا الى المنية وكان بها خليل بك السكران
فلما بلغه قدومهم ارتحل منها وحضر الى مصر هاربا واستقر علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها اسوارا وابراجا وركبوا عليها المادفع وقطعوا الطريق على المسارفين المبحرين والمقبلين
وأرسل علي بك الى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته جماعة كشاف فارتحلوا ليلا وذهبوا الى المنية فعمل الامراء جمعية وعزموا على تشهيل تجريدة وتكلموا وتشاوروا في ذلك فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم الكلام ومانع في ذلك وحلف انه لا يسافر أحد بتجريدة مطلقا وان فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير ابدا فقالوا انه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وان لم نذهب اليه أتى هو الينا وفعل مراده فينا فقال لهم الشيخ أنا أرسل اليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب
فلم يسعهم الا الامتثال فكتب له الشيخ مكتوبا ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه اليه فلم يلبث الشيخ بعد (1/319)
هذا المجلس الا أياما ومرض ورمى بالدم وتوفى الى رحمة الله تعالى
فيقال انهم اشغلوه وسموه ليتمكنوا من اغراضهم
ولاية محمد باشا راقم
وفي أثناء ذلك ورد الخبر بوصول محمد باشا راقم الى سكندرية فارسلوا له الملاقاة وحضر الى مصر وطلع الى القلعة في غرة ربيع الثاني سنة 1181
وفي حادي عشر جمادى الاولى اجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن بك رضوان دفتردار مصر
وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلغيه امير الحاج وقاسم أغا صنجقا وكتبوا فرمانا بطلوع التجريدة الى قبلي ولبس صاري عسكرها حسين بيك كشكش وشرعوا في التشهيل واضطرهم الحال الى مصادرة التجار وأحضر خليل بيك النواخيد وهم منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ ابراهيم وكاتب البهار وطلب منهم مال البهار معجلا فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجوا من بين يديه وأخذوا في تشهيل المطلوب وجمع المال من التجار وبرز حسين بيك خيامه للسفر في منتصف جمادى الاولى وخرج صحبته ستة من الصناجق وهم حسن بيك جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة واسمعيل بيك أبو مدفع وحمزة بيك وقاسم بيك واسرعوا في الارتحال
وفي عشرينه اخرج خلفهم ايضا خليل بك تجريدة اخرى وفيها ثلاثة صناجق ووجاقلية وعسكر مغاربة وسافروا ايضا في يومها وبعد ثلاثة ايام ورد الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويف فكانت الهزيمة على حسين بك ومن معه وقتل علي أغا الميجي وخلافه
وقتل من ذلك الطرف ذو الفقار بك ورجع المهزومون في ذلك ثاني يوم (1/320)
الاحد طلعوا الى ابواب القلعة وطلبوا من الباشا فرمانا بالتجريدة على الكثرة وهو يوم السبت رابع عشرينه وهم في اسوأ حال
واصبحوا يوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس من الميري يصرفوها في اللوازم فامتنع الباشا من ذلك وحضر الخبر يوم الاثنين بوصول القادمين الى غمازه وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين خيامهم جهة البساتين فارتحلوا ليلا وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك ومن معهما وتحيروا في امرهم وتحققوا الادبار والزوال وأرسل الباشا الى الوجاقلية يقول لهم كل وجاق يلازم بابه
وفي سابع عشرينه حضر علي بك صالح بك ومن معهم الى البساتين فازداد تحيرهم وطلعوا الى الابواب فوجدوها مغلوقة فرجعوا الى قراميدان وجلسوا هناك ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الامراء والاجناد وخرجوا الى جهة علي بك وكان حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك وصالح بك سرا ويكاتبهما وضم اليه بعض الامراء مثل قاسم بك خشداشه واسمعيل بك زوج هانم بنت سيدهم وعلي بك السروجي وجن علي وهو خشداش ابراهيم بك بلغية وكثير من اعيان الوجاقلية ويرسلون لهم الاوراق في داخل الاقصاب التي يشربون فيها الدخان ونحو ذلك
وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الاولى هرب الامراء الذين بمصر وهو خليل بك شيخ البلد واتباعه وحسين بك كشكش واتباعه وهم نحو عشرة صناجق وصحبتهم مماليكهم وأجنادهم عدة كثيرة وأصبح يوم الخميس فخرج الاعيان وغيرهم لملاقاة القادمين ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم ومماليكهم واتباعهم وجميع من كان منفيا بالصعيد قبل ذلك من امراء ووجاقلية وغيرهم وحضر صحبتهم علي كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي وقلده علي بك (1/321)
الصنجقية مجددا وضربت النوبة في بيته ثم أعطاه كشوفية الشرقية وسافر اليها
وفي يوم الاحد ثاني جمادى الثانية طلع علي بك وصالح بك وباقي الامراء القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو واسمعيل بك زوج هانم وجن علي وعلي بك السروجي وقاسم بك والاختيارية والوجاقلية وغيرهم الى الديوان بالقلعة فخلع الباشا على علي بك واستقر في مشيخة البلد كما كان وخلع علي صناجقه خلع الاستمرار أيضا في امارتهم كما كانوا ونزلوا الى بيوتهم وثبت قدم علي بك في امارة مصر ورئاستها في هذه المرة وظهر بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية والاقطار الحجازية والبلاد الشامية وقتل المتمردين وقطع المعاندين وشتت شمل المنافقين و وخرق القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي كانت مستقمية ثم انه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه الى مصر وعزم على نفي بعض الاعيان واخراجهم من مصر فعلم انه لا يتمكن من اغراضه مع وجود حسن بك جوجو وانم ما دام حيا لا يصفو له الحال فأخذ يدبر على قتله فبيت مع اتباعه على قتله فحضر حسن بك جوجو وعلي بك جن علي عند علي بك وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب الى بيته فركب وركب معه جن علي ومحمد بك ابو الذهب وايوب بك ليذهبا ايضا الى بيوتهما لاتحاد الطريق فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي ورجعوا وأخبروا سيدهم علي بك وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181 واصبح علي بك مالكا للابواب ورسم بنفي قاسم بك واسمعيل بك ابي مدفع وعبد الرحمن بك واسمعيل بك كتخدا عزبان ومحمد كتخدا زنور ومصطفى جاويش تابع (1/322)
مصطفى جاويش الكبير مملوك ابراهيم كتخدا وخليل جاويش درب الحجر
وفي حادي عشر شهر شوال اخرج ايضا نحو الثلاثين شخصا من الاعيان ونفاهم في البلاد وفيهم ثمانية عشر اميرا من جماعة الفلاح وفيهم علي كتخدا واحمد كتخدا الفلاح وابراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان الكبير وصناجقه حسن بك ابو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده باشية فنفى الجميع الى جهة قبلي وارسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية الى السويس ليذهب الى الحجاز من القلزم واستمر هناك الى أن مات
وفيه قبض علي بك على الشيخ يوسف بن وحيش وضربه علقة قوية ونفاه الى بلده جناج فلم يزل بها الى أن مات
وكان من دهاة العالم وكان كاتبا عند عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى والشكاوى والتحيلات والمداهنات والتلبيسات وغير ذلك
وفي شهر الحجة وصلت اخبار عن حسين بك كشكش وخليل بك انهم لما وصلوا الى غزة جمعوا جموعا وانهم قادمون الى مصر فشرع علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة وبرزوا وسافروا
ثم ورد الخبر بعد ثلاثة ايام انهم عرجوا الى جهة دمياط ونهبوا منها شيئا كثيرا ثم حضروا الى المنصورة ونهبوا منها كذلك فارسل علي بك يأمر التجريدة بالذهاب اليهم وأرسل لهم أيضا عسكرا من البحر فتلاقوا معهم عند الديزس والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود فوقع بينهم وقعة عظيمة وانهزمت التجريدة وولوا راجعين
وقتل في هذه المعركة سليمان جربجي باش اختيار جمليان واحمد جرجبي ظنان جراكسه وعمر أغا جاووشان أمين الشون وكانوا صدور الوجاقات ولم يزالوا في هزيمتهم الى دجوة
فلما وصل الخبر بذلك الى علي بك اهتم لذلك ونزل الباشا وخرج الى (1/323)
قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية والعلماء وارباب السجاجيد وأمر الباشا بأن كل من كان وجاقيا او عليه عتامنة يشهل نفسه ويطلع الى التجريدة أو يخرج عنه بدلا واجتهد علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة أخرى وكبيرها محمد بك ابو الذهب وسافروا في أوائل المحرم واجتمعوا بالتجريدة الاولى وسار الجميع خلف حسين بك وخليل بك ومن معهم وكانوا عدوا الى بر الغربية بعد ان هزموا التجريدة فلو قدر الله انهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهم كما فعل علي بك وصالح بك لدخلوا الى مصر من غير مانع ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك
وانقضت هذه السنين وما وقع بها
من مات في هذه الاعوام من اكابر العلماء وأعاظم الامراء
مات الشيخ الامام الفقيه المحدث الشريف السيد محمد بن محمد البليدي المالكي الاشعري الاندلسي حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي في سنة 1110 ثم على اشياخ الوقت كالشيخ العزيزي والملوي والنفراوي وتمهر ثم لازم الفقه والحديث بالمشهد الحسيني فراج امره واشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد الناس فيه وانكبوا على تقبيل يده وزيارته وخصوصا تجار المغاربة لعلة الجنسية فهادوه وواسوه واشتروا له بيتا بالعطفة المعروفة بدرب الشيشيني وفسطوا المنه على أنفسهم ودفعوه من مالهم
فلم يزل مقبلا على شانه ملازما على طريقته مواطبا على املاء الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطأ والشفاء والشمائل حتى توفي ليلة التاسع والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة والف
ومات الاستاذ المعظم ذو المناقب العلية والسجايا المرضية بقية السلف السيد مجد الدين محمد أبو هادي بن وفي ولد سنة 1151 ومات والده وهو طفل فنشأ يتيما وخلف عمه في المشيخة والتكلم واقبل على العلم (1/324)
والمطالعة والاذكار والاوراد وولى نقابة الاشراف بمصر في الاثناء فساس فيها أحسن سياسة وجمع له بين طرفي الرياسة وكان ابيض وسيما ذا مهابة لايهاب في الله امارا بالمعروف فاعلا للخير توفي يوم الخميس خامس ربيع الاول سنة 1176 وصلي عليه بالازهر في مشهد عظيم حضره الاكابر والاصاغر وحمل على الاعناق ودفن بزاويتهم بالقرب من عمه رضي الله عنه وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد ابو الامداد
ومات ايضا في هذا الشهر والسنة الصدر الاعظم المغفور له محمد باشا المعروف براغب وكان معدودا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعا للرياستين حويا للفضيلتين وله تأليف وابحاث في المعقول والمنقول والفروع والاصول وهو الذي حضر الى مصر واليا في سنة 1159 ووقع له ما وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم ورجع الى الديار الرومية وتولى الصدارة ثم توفي الى رحمة الله تعالى في رابع عشرين شهر رمضان سنة 1176
ومات الشيخ المجذوب علي الهواري كان من ارباب الاحوال الصادقين والاولياء المستغفرين وأصله من الصعيد
وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد ركوبها ولذلك لقب بالهواري
ثم اقلع من ذلك وانجذب مرة واحدة وكان للناس فيه اعتقاد حسن وحكى عنه الكشف غير واحد ويدور في الاسواق والناس يتبركون به
مات شهيدا بالرميلة أصابته رصاصة من يد رومي فلتة في سنة 1176 وصلوا عليه بالازهر وازدحم الناس على جنازته رحمه الله
ومات الشيخ المسند عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي الشافعي الشهير باسقاف ابن أخت حافظ الحجاز عبد الله بن سالم البصري وأسقاف لقب جده الاكبر عبد الرحمن من آل باعلوي
ولد بمكة سنة 1102 وروى عن خالد المذكور وعن الشيخين العجمي والنخلي (1/325)
والشيخ تاج الدين المفتي وحسين بن عبد الرحمن الخطيب ومحمد عقبلة وادريس بن أحمد اليماني والشيخ عيد وعبد الوهاب الطنتدائي ومصطفى ابن فتح الله الحنفي وسمع الاولية عاليا عن الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة 1110 ومهر وانجب واشتهر صيته وسمع منه كبار الشيوخ وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ احمد الجوهري وعندي اجازته للوالد بخطه وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد عقيلة ومحمد السندي وذلك بمكة سنة 1157 وبه تخرج شيخنا السيد محمد مرتضى في غالب مروياته وسمعت منه إنه اجتمع به بالمدينة المنورة عند باب الرحمة احد ابواب الحرم الشريف وسمع منه وأجازه اجازة عامة وذلك في سنة 1163 ولازمه بمكة سنة 1164 وسمع منه أوائل الكتب الستة وأباح له كتب خاله يراجع فيها ما يحتاج اليه وسمع من لفظه المسلسل بالعيد بالحرم المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع وأجازهما توفي في سنة 1174
ومات العمدة العلامة المفوه النبيه الفقيه الشيخ محمد العدوي الحنفي تفقه على كل من الاسقاطي والسيد علي الضرير والشيخ الزيادي وغيرهم
وحضر في المعقول على أشياخ الوقف كالملوكي والعماوي وتصدر للافادة والاقراء وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق
توفي في ثالث الحجة سنة 1175
ومات الامام العلامة الفقيه المتقن الشيخ محمد بن عبدالوهاب الدلجي الحنفي وهو ابن خال الوالد اشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت ودرس وأفتى واقتنى كتبا نفيسة في الفقه وجميعها بخط حسن وقابلها وصححها وكتب عليها بخطه الحسن وكانت جميع كتبه الفقهية وغيرها في غاية الجودة والصحة يضرب بها المثل ويعتمد عليها الى الآن
وكان ملازما للافادة والافتاء والتدريس والنفع على حالة حسنة ودماثة (1/326)
أخلاق وحسن عشرة ولم يزل حتى توفي في شهر رجب سنة 1177
ومات الفقيه الصالح الخير الدين حسن بن سلامة الطيبي المالكي نزيل ثغر رشيد تفقه على شيخه محمد بن عبد الله الزهيري وبه تخرج وأجازه محمد بن عثمان الصافي البرلسي في طريقة البراهمة وسيدي احمد ابن قاسم البوتي حين ورد ثغر رشيد في الحديث ودرس بجامع زغلول وأفتى ودرسه اكبر الدروس وكان لديه فوائد كثيرة
توفي سنة 1176
ومات المفتي الفاضل النبيه زين الدين ابو المعالي حسن بن علي بن علي ابن منصور بن عامر بن ذئاب شمة الفوي الاصل المكي ينتهي نسبة الى الولي الكامل سيدي محمد بن زين النحراوي ومن أمة الى سيدي ابراهيم البسيوني ولد بمكة سنة 1142 وبها تنشأ واخذ العلم عن الشيخ عطاء بن أحمد المصري والشيخ احمد الاشبولي وغيرهما من الواردين بالحرمين وأتى الى مصر فحضر دروس الشيخ الحفني وله انتسب وأجازه في الطريقة البرهامية بلدية الشيخ منصور هدية وألف وأجاد وكان فصيحا بليغا ذكيا حاد الذهن جيد القريحة له سعة اطلاع في العلوم الغريبة ونظم رائق مع سرعة الارتجال وقد جمع كلامه في ديران هو على فضله عنوان وسكن في الآخر بولاق وبها توفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان سنة 1146
ومات الشيخ الامام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن محمد المغربي الاصل المالكي المصري أتى والده من المغرب فتدير مصر وولده المترجم بها نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم فأدرك منها المروم وحضر دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت الى ان استكمل هلال معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات واشتهر وكان حسن الالقاء للعلوم حسن التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن اماما في المعقولات وحلالا للمشكلات وولي (1/327)
خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث وانتفع به جماعة كثيرون من أهل عصرنا وله مؤلفات منها شرح المقولات العشر
توفي يوم الخميس خامس عشرين المحرم سنة 1177 بالري وهو منصرف من الحج
ومات السيد الاديب الشاعر المفنن عمر بن علي الفتوشي التونسي ويعرف بابن الوكيل ورد مصر في سنة أربع وخمسين فسمع الصحيح على الشيخ الحفني وأجازه في ثاني المحرم منها ثم توجه الى الاسكندرية وتديرها مدة ثم ورد في أثناء أربع وسبعين وكان ينشد كثيرا من المقاطع لنفسه ولغيره والف رسالة في الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم خرج صيغها بالدور الاعلى للشيخ الاكبر وتولى نيابة القضاء بالكاملية وكان انسانا حسنا لطيف المحاورة كثير التودد والمراعاة بشوش الملتقى مقبلا على شأنه
توفي في ثاني ذي الحجة 1175
ومات الاستاذ الذاكر الشيخ محفوظ الفوي تليذ سيدي محمد ابن يوسف من ورم في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة 1178
ودفن يومه قريبا من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها
ومات العالم الفقيه المحدث الاصولي الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى الدنجيهي الشافعي بدمياط في سادس شعبان سنة 1178
ومات الجناب المكرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم النبوي عبد الرحمن آغا في ثامن شوال سنة 1179 ودفن بجوار المشهد النفيسي
ومات الجناب المكرم محب الفقراء والمساكين الامير ابراهيم أوده باشه غالم فجأة في ثامن جمادى الاولى سنة 1177 ودفن بمقبرتهم عند السادة المالكية
ومات ايضا العمدة الشيخ عبد الفتاح المرحومي بالازبكية في تاسع شوال سنة 1178 (1/328)
ومات الاجل المكرم الحاج حسن فخر الدين النابلسي عن سن عالية وكان من ارباب الاموال رابع عشرين جمادى الاولى سنة 1178
ومات الامير الاجل المحترم صاحب الخيرات والمحبب الى الصالحات علي بن عبد الله مولى بشير آغا دار السعادة ولي وكالة دار السعادة فباشر فيها بحشمة وافرة وشهامة باهرة
وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق مظهر التجليات الاشراق مع ميله الى الفنون الغريبة وكماله في البدائع العجيبة من حسن الخط وجودة الرمي واتقان الفروسية
ومدحته الشعراء وأحبته العلماء والقت اليه الرياسة قيادها فاصلح ما وهن من اركانها وازال فسادها ولقد عزل عن منصبه ولم يأفل بدر كماله واستمر ناموس حشمته باقيا على حاله واقتنى كتبا نفيسة وكان سموحا باعارتها وكان من جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على هيئة القاموس وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوائد الغريبة ومنها كشف الظنون في اسماء الكتب والفنون لمصطفى خليفة وهو كتاب عجيب
توفي يوم الاثنين ثامن عشر شهر صفر سنة 1176 وصلى عليه بسبيل المؤمن ودفن بالقرافة بالقرب من الامام الشافعي ولم يخلف بعده مثله في المروءة والكرم رحمه الله تعالى وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة
ومات الامام العالم العلامة والمدقق الفهامة الشيخ يوسف شقيق الاستاذ شمس الدين الحفني اخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركا لاخيه وتلقى عن أخيه ولازمه ودرس وافاد وافتى والف ونظم الشعر الفائق الرائق وله ديوان شعر مشهور وكتب حاشية عظيمة على الاشموني وهي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء وحاشية على مختصر السعد وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الاسلام وحاشية على جمع الجوامع لم تكمل وحاشية على الناصر وابن قاسم وشرح شرح الازهرية لمؤلفها وشرح على (1/329)
شرح السعد لعقائد النسفي وحاشية الخيالي عليه
توفي في شهر صفر سنة 1178
ومات الامام الفصيح المفرد الاديب الماهر الناظم الناثر الشيخ علي ابن الخبر بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي
توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة سنة 1178
ومات الامام العلامة السيد ابراهيم بن محمد ابي السعود بن علي بن علي الحسيني الحنفي ولد بمصر وقرأ الكثير على والده وبه تخرج في الفنون ومهر في الفقه وانجب وغاص في معرفة فروع المذهب وكانت فتاوية في حياة والده مسددة معروفة ويده الطولى في حل الاشكالات العقيمة مذكورة موصوفة رحل في صحبة والده الى المنصورة فمدحهما القاضي عبد الله بن مرعي المكي واثنى عليهما بما هو مثبت في ترجمته ولو عاش المترجم لتم به جمال المذهب
توفي يوم الاحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1179
ومات الفقيه الزاهد الورع العالم المسلك الشيخ محمد بن عيسى ابن يوسف الدمياطي الشافعي أخذ المعقول عن السيد على الضرير والشيخ العزيزي والشيخ ابراهيم الفيومي والفقه أيضا عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ الملوي والحفني وطبقتهم واجتمع بالسيد مصطفى البكري واخذ عنه الطريقة الخلوتية ولقنه الاسماء بشروطها والف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه السيد مصطفى العزيزي وله حاشية على سلم الاخضري في المنطق وحاشية علي السنوسية وغير ذلك
توفي في ثامن رمضان سنة 1178 وكانت جنازته حافلة وصلى عليه بالازهر ودفن ببستان المجاورين وبنوا على قبره سقيفة يجتمع تحتها تلامذته في صبح يوم الجمعة يقرأون عنده القرآن ويذكرون واستمروا على ذلك مدة سنين
ومات الامام العلامة الناسك الشيخ احمد بن محمد السحيمي الشافعي (1/330)
نزيل قلعة الجبل حضر دروس الاشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وبه انتفع وتصدر للتدريس بجامع سيدي سارية واحيا الله به تلك البقعة وانتفع به الناس جيلا بعد جيل وعمر بالقرب من منزله زاوية وحفر ساقية بذل عليها بعض الامراء باشارته مالا حفيلا فنبع الماء وعد ذلك من كراماته فانهم كانوا قبل ذلك يتعبون من قلة الماء كثيرا
وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة وصنف التصانيف المفيدة في علم التوحيد على الجوهرة وجعله متنا وشرحه مزجا وهي غاية في بابها وله حال مع الله وتؤثر عنه كرامات اعتنى بعض اصحابه بجمعها واشتهر بينهم انه كان يعرف الاسم الاعظم وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح والخير وحسن السلوك على قدم السلف
توفي ثامن شعبان سنة 1178
ودفن بباب الوزير
ومات الامام العلامة شمس الدين ابو عبد الله محمد بن احمد بن صالح ابن احمد بن علي بن الاستاذ ابي السعود الجارحي الشافعي ويقال له السعودي نسبة الى جده المذكور حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء الوقت
وكان اماما محققا له باع في العلوم وكان مسكنه في باب الحديد احد ابواب مصر وحضر السيد البليدي في تفسير البيضاوي وكان الشيخ يعتمده في اكثر ما يقول ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه
توفي في شعبان سنة 1179
ومات السيد الاجل المحترم فخر اعيان الاشراف المعتبر بن السيد محمد بن حسين الحسيني العادلي الدمرداشي ولد بمصر قبل القرن بقليل وادرك الشيوخ وتمول واثرى وصار له صيت وجاه وكان بيته بالازبكية ويرد عليه العلماء والفضلاء وكان وحيدا في شأنه وكلمته مقبولة عند الامراء والاكابر
ولما تولى الشيخ ابو هادي الوفائي رحمه الله تعالى كان يتردد الى مجلسه كثيرا
توفي سنة 1178 (1/331)
ومات الشيخ الفاضل الناسك الكاتب الماهر البليغ سليمان بن عبد الله الرومي الاصل المصري مولى المرحوم علي بك الدمياطي جود الخط على حسن افندي الضيائي وانجب وتميز فيه واجيز وكتب بخطه الفائق كثيرا من الرسائل والاحزاب والاوراد وكانت له خلوة بالمدرسة السليمانية لاجتماع الاحباب وكان حسن المذاكرة لطيف الشمائل حلو الفاكهة يحفظ كثيرا من الاناشيد والمناسبات
توفي سنة 1179
ومات السيد العالم الاديب الماهر الناظم الناثر محمد بن رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي ولد باسيوط على رأس الاربعين ونشأ هناك وامه شريفة من بيت شهير هناك ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد الحفني ولازمه وانتسب اليه فلاحظته لوناره ولبسته اسراره ومال الى فن الادب فأخذ منه بالحظ الاوفر وخطه في غاية الجودة والصحة
وكتب نسخة من القاموس وهي في غاية الحسن والاتقان والضبط وله شعر عذب يغوص فيه على غرائب المعاني وربما يبتكر ما لم يسبق اليه
وتوجه بآخر امره الى بلده وبه توفي سنة 1180 رحمه الله
ومات الامام الصوفي العارف الناسك الشيخ محمد سعيد بن أبي بكر بن عبد الرحيم بن مهنا الحسيني البغدادي ولد بمحلة ابي النجيب من بغداد وبها نشأ واخذ عن الشيخ عبد العزيز بن احمد الرحبي وحسن ابن مصطفى القادري وآخرين وحج وقطن المدينة مدة واجازه الشيخ محمد حيوة السندي والشيخ حسن الكوراني
ورد مصر سنة 1171
فنزل بقصر الشوك قرب المشهد الحسيني وكان له في كلام القوم علافان الى الغاية يورده على طريقة غريبة بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به وكان يذهب لزيارته الاجلاء من الاشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد محمد مرتضى والشيخ العفيفي وبالجملة فكان من (1/332)
اعاجيب دهره وكان الشيخ العفيفي ينوه بشأنه ويقول في حقه انه من رجال الحضرة وانه ممن يرى النبي صلى الله عليه و سلم عيانا
وتوجه الى الديار الرومية ثم عاد الى المدينة ثم ورد ايضا الى مصر بعد ذلك ونزل قرب الجامع الازهر
ثم توجه الى الديار الرومية وقطن بها
وظهرت له هناك الكرامات وطار صيته وعلت كلمته وصار له اتباع ومريدون ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الاجل المحتوم في اواخر الثمانين وخلف ولده من بعده رحمه الله تعالى وسامحه
ومات الفقيه الصالح العلامة الفرضي الحيسوبي الشيخ احمد بن احمد السبلاوي الشافعي الازهري الشهير برزة كان اماما عالما مواظبا على تدريس الفقه والمعقول بالجامع الازهر وكان يحترف بيع الكتب وله حانوت بسوق الكتبيين مع الصلاح والورع والديانة ملازما على قراءة ابن قاسم بالازهر كل يوم بعد الظهر اخذ عن الاشياخ المتقدمين وانتفع به الطلبة وكان انسانا حسنا بهي الشكل عظيم اللحية منور الشيبة معتنيا بشأنه مقبلا على ربه
توفي سنة 1180
ومات الاجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه حسن افندي ابن حسن الضيائي المصري المجود المكتب ولد كما وجد بخطه سنة 1092 في منتصف جمادى الثانية واشتغل بالعلم على اعيان عصره واشتغل بالخط وجوده على مشايخ هذا الفن في طريقتي الحمدية وابن الصائغ
اما الطريقة الحمدية فعلى سليمان الشاكري والجزائري وصالح الحمامي واما طريقة ابن الصائغ فعلى الشيخ محمد بن عبد المعطي السملاوي فالشاكري والحمامي جودا على عمر افندي وهو على درويش علي وهو على خالد افندي وهو على درويش محمد شيخ المشايخ حمد الله بن بير علي المعروف بابن الشيخ الاماسي واما السملاوي فجود على محمد ابن محمد بن عمار وهو على والده وهو على يحيى المرصفي وهو على (1/333)
اسمعيل المكتب وهو على محمد الوسمي وهو على ابي الفضل الاعرج وهو على ابن الصائغ بسنده
وكان شيخا مهيبا بهي الشكل منور الشيبة شديد الانجماع عن الناس وله معرفة في علم الموسيقى والاوزان والعروض
وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيرا ويذاكره في العلوم والمعارف ويكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسائل والمرقعات وقد اجاز في الخط لاناس كثيرا ويجتمع في مجالس الكتبة مع صرامة وشهامة وعزة نفس
توفي في منتصف ذي الحجة سنة 1180
ومات الامام العالم احد العلماء الاذكياء وافراد الدهر البحاث في المعضلات الفتاح للمقفلات الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات حضر دروس فضلاء الوقت وانضوى الى الشيخ سليمان الزيات ولازمه حتى صار معيدا الدروسة ومهر وانجب وتضلع في الفنون ودرس واملى
وكان اوحد زمانه في المعقولات ولازم اخيرا دروس الشيخ الحفني وتلقن منه العهد ثم ارسله الشيخ الى بلاد الصعيد لانه جاءه كتاب من احد مشايخ الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بان يرسل اليهم احد تلامذته ينفع الناس بالناحية فكان هو المعين لهذا المهم فالبسه واجازه ولما وصل الى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول التام وعين له منزل واسع وحشم وخدم واقطعوا له جانبا من الارض ليزرعها
فقطن بالبهجورة واعتنى به اميرها شيخ العرب اسمعيل بن عبد الله فدرس وافتى وقطع العهود واقام مجلس الذكر وراج امره وراش جناحه ونفع وشفع واثرى جدا وتملك عقارات ومواشي وعبيدا وزروعات ثم تقلبت الاحوال بالصعيد واوذي المترجم واخذ ما بيده من الاراضي وزحرحت حاله فأتى الى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة شيخه
ثم عاد ولم يحصل على طائل وما زال بالبهجورة حتى مات في اواخر سنة 1181 (1/334)
ومات الامام العلامة المتقن المعمر مسند الوقت وشيخ الشيوخ الشيخ احمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيري الملوي الشافعي الازهري ولد كما اخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة 1088 وامه آمنة بنت عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف الدين ابن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي الحسني اعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة واخذ عن الكبار من اولى الاسناد والحق الاحفاد بالاجداد فمن شيوخه الشهاب احمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الاطفيحي والشهاب الخليفي والشيخ عيد النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وابو العز محمد بن العجمي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ رضوان الطوخي والشيخ عبد الجواد وخاله ابو جابر علي بن فامر الايتاوي وابو الفيض علي بن ابراهيم البوتيجي وابو الانس محمد بن عبد الرحمن المليجي هؤلاء من الشافعية ومن المالكية محمد بن عبد الرحمن بن احمد الورزازي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ عمر بن عبد السلام التطواني والشيخ احمد الهشتوكي والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي والشيخ احمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي وابن ابي زكري وسليمان الحصيني والشبرخيتي ومن الحنفية السيد علي بن علي الحسيني الضرير الشهير باسكندر ورحل الى الحرمين سنة 1122
فسمع علي البصري والنخلي الاولية واوائل الكتب الستة واجازه والشيخ محمد طاهر الكوراني واجازه الشيخ ادريس ليماني ومنلا الياسي الكوراني ودخل تحت اجازة الشيخ ابراهيم الكوراني في العموم وعاد الى مصر وهو امام وقته المشار اليه في حل المشكلات المعول عليه في المعقولات والمنقولات قرأ المنهج مرارا وكذا غالب الكتب وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل
وكان تحريره اقوى من تقريره
وله رضي (1/335)
الله نعه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن السلم كبير وصغير وشرحان كذلك على السمرقندية وشرح على الياسمينية وشرح الاجرومية ونظم النسب وشرحها وشرح عقيدة الغمري وعقود الدرر على شرح ديباجة المختصر أتمه بالمشهد الحسيني سنة ثلاث وعشرين
ونظم الموجهات وشرحها وتعريب رسالة منلا عصام في المجاز ومجموع صيغ صلوات على النبي صلى الله عليه و سلم
ومؤلفاته مشهورة مقبولة متدولة بايدي الطلبة ويدرسها الاشياخ
وتعلل مدة وانقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش ومع ذلك يقرأ عليه كل يوم اوقات مختلفة انواع العلوم وترد عليه الناس من الآفاق ويقرأون عليه ويستجيزونه فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم ومنهم من يأتيه للزيارة والتبرك وطلب الدعاء فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم وكان ممتع الحواس واقام على هذه الحالة نحو الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الاول سنة 1181
ومات الشيخ الامام الصالح عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين الحسيني البهنسي المالكي نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة 1083 وقدم الى مصر فأخذ عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي والشيخ محمد بن سيف والشيخ محمد الخرشي وحج سنة 1113
والف فأخذ عن البصري والتخلي واجازه السيد محمد التهامي بالطريقة الشاذلية والسيد محمد بن علي العلوي في الاحمدية والشيخ محمد شويخ في الشناوية وحضر دروس المحدث الشيخ علي الطولوني ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وافاد الطلبة وكان شيخا بهيا معمرا منور الشيبة منجمعا عن الناس زاهدا قانعا بالكفاف
توفي ليلة الاثنين حادي عشري شعبان سنة 1181 بمنزلة ببولاق وصلي عليه (1/336)
بالجامع الكبير في مشهد حافل وحمل على الاعناق الى مدافن الخلفاء قرب مشهد السيدة نفيسة فدفن بها رحمه الله
ومات الشيخ امام السنة ومقتدى الامة عبد الخالق بن ابي بكر بن الزين ابن الصديق بن الزين بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن ابي القاسم النمري الاشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم والتصوف جده الاعلى محمد بن محمد بن ابي القاسم صاحب الشيخ اسمعيل الجبرتي قطب اليمن وحفيده عبد الرحمن بن محمد خليفة جده في التسليك والتربية وهو الذي تدير زبيد باهلة وعياله وكان قبل بالمزجاجة وهي قرية اسفل زبيد خربت الآن
ولد المترجم سنة ألف ومائة بزبيد وحفظ القرآن وبعض المتون ولما ترعرع اخذ عن الامام المسند الشيخ علاء الدين المزجاجي والسيد عبد الفتاح بن اسمعيل الخاص والشيخ علي المرحومي نزيل مخا واجازه من مكة الشيخ حسن العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيخ علي بن علي المزجاجي نزيل مكة ووفد الى الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ محمد عقيلة
روى عنه الكتب الستة وحمل عنه المسلسلات بشرطها والبسه وحكمه وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والاصول وكان يحثه على قراءة الاخسكيتي ويقول لا يستغنى عنه طالب وحضر دروس الشيخ عبد المنعم ابن تاج الدين القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد بن سعيد التنبكتي وبالمدينة عن الشيخ محمد طاهر الكردي سمع منه اوائل الكتب الستة والشيخ محمد حياة السدي لازمه في سماع الكتب الستة وعاد الى زبيد فاقبل على التدريس والافادة وسمع عليه شيخنا السيد محمد مرتضى الصحيحين وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا موضح بالنخل خارج زبيد كان يمكث فيه ايام خراف النخل والكنز والمنار كلاهما للنسفي ومسلسلات شيخه بن عقلية وهي خمسة واربعون مسلسلا
وسمع عليه ايضا (1/337)
المسلسل بيوم العيد ولازم درسه العامة والخاصة والبسه الخرقة ونقبه وحكمه بعد ان صحبه وتأدب به وبه تخرج شيخنا المذكور
كذا ذكر في ترجمته
قال وفي اخرى توجه الى الحرمين فمات بمكة في ذي الحجة سنة 1181
ومات الشيخ الامام الثبت العلامة الفقيه المحدث الشيخ عمر بن علي ابن يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الازهري تفقه على الشيخ سالم النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي والشهاب بن الفقيه والشيخ محمد الصغير الورزازي والشيخ احمد الملوي والشبراوي والبليدي وسمع الحديث عن الشهابين احمد البابلي والشيخ احمد العماوي وابي الحسن علي بن احمد الحريشي الفاسي وتمهر في الفنون ودرس بالجامع الازهر وبالمشهد الحسيني واشتهر امره وطار صيته واشير اليه بالتقدم في العلوم وتوجه الى دار السلطنة في مهم اقتضى لامراء مصر فقوبل بالاجابة والقى هناك دروسا في الحديث في آيا صوفية وتلقى عنه اكابر العلماء هناك في ذلك الوقت وصرف معززا مقضيا حوائجه وذلك في سنة 1147
ولما تمم عثمان كتخدا القزدغلي بناء مسجده بالازبكية في تلك السنة تعين المترجم للتدريس فيه وذلك قبل سفره الى الديار الرومية وكان مشهورا في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الالقاء وقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني وافاد وأجاز الاشياخ وكان يطلع في كل جمعة الى المرحوم حمزة باشا مرة فيسمع عليه الحديث
وكان للناس فيه اعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكون ولكلامه وقع في القلوب توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر سنة 1181 وصلي عليه بصباحه في الازهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين رحمه الله
ومات الوجيه الصالح الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن نور الدين بن بايزيد بن احمد بن القطب شمس الدين بن أبي (1/338)
المفاخر محمد بن داود التشربيني الشافعي وهو احد الاخوة الثلاثة وهو اكبرهم تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد ابيه فسار فيها سيرا مليحا واحيا المآثر بعدما اندرست وعمر الزاوية واكرم الوافدين واقام حلقة الذكر كل يوم وليلة بالمسجد ويغدق على المنشدين وورد مصر مرارا منها صحبة والده ومنها بعد وفاته والف باسمه شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الاوسية سماها عقيلة الاتراب في سند الطريقة والاحزاب وفي آخره اتى الى مصر لمقتضى ومرض ثلاثة ايام
وتوفي ليلة الاحد غرة ذي القعدة سنة 1181
ومات الشيخ الامام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علما وعملا ومن أدرك ما لم تدركه الاول المشهود له بالكمال والتحقيق والمجمع على تقدمه في كل فريق شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي وهو شريف حسيني من جهة ام أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبد الكريم بن السيد برطع المدفون ببركة الحاج وينتهي نسبه الى الامام الحسين رضي الله عنه وكان والده مستوفيا عند بعض الامراء بمصر وكان غاية من العفاف ولد على راس المائة ببلده حفنا بالقصر قرية من اعمال بلبيس وبها نشأ والنسبة اليها حفناوي وحفني وحفنوي وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يذكر الا بها وقرأ بها القرآن الى سورة الشعراء ثم حجزه ابوه باشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وعمره اربع عشرة سنة بالقاهرة فكمل حفظ القرآن ثم اشتغل بحفظ المتون فحفظ الفية ابن مالك والسلم والجوهرة والرحبية وابا شجاع وغير ذلك
واخذ العلم عن علماء عصره واجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر واقرأ ودرس وأفاد في حياة اشياخه واجازوه بالافتاء والتدريس فاقرا الكتب الدقيقة كالاشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد وغير ذلك من كتب الفقه والمنطق والاصول والحديث (1/339)
والكلام عام اثنتين وعشرين واشياخه الذين اخذ عنهم وتخرج عليهم الشيخ احمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ احمد الملوى والشيخ محمد السجاعي والشيخ يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ محمد الصغير ومن اجل شيوخه الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي الشهير بابن المبت اخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات والاحياء للإمام الغزالي وصحيح البخاري ومسلم وسنن ابي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه والموطأ ومسند الشافعي والمعجم الكبير للطيراني والمعجم الاوسط والصغير له أيضا وصحيح ابن حيان والمستدرك للنيسابوري والحلية للحافظ ابي نعيم وغير ذلك
وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم وحين جلس للافادة لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق العيش والنفقة فاشترى دواة وأقلاما واوراقا واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفا من انقطاعه عن العلم
وكان يتردد الى زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل ويمكث فيها الليالي متحنثا واقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع العلماء وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه وكذلك جمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وحاشية حفيده علبه كتب عليها وقرأها غير مرة وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي اذا رفع اليه سؤال يرسله اليه
واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وعالى النظم والنثر وتخرج عليه غالب اهل عصره وطبقته ومن دونهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ اسمعيل الغنيمي صاحب التآليف البديعة والتحريرات الرفيعة المتوفى سنة احدى وستين وشيخ الشيوخ الشيخ علي الغدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيخ محمد الزهار نزيل المحلة الكبرى وغيرهم كما هو في تراجم المذكورين منهم
وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله احد لمهابته وجلالته فمن تآليفه المشهورة (1/340)
حاشية على شرح رسالة العضد للسعد وعلى الشنشوري في الفرائض وعلى شرح الهمزية لابن حجر وعلى مختصر السعد وعلى شرح السمرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة وله تصانيف أخر مشهورة
وكان كريم الطبع جدا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة جميل السجايا مهاب الشكل عظيم اللحية أبيضها كان على وجهه قنديلا من النور
وكان كريم العين على احداهما نقطة واكثر الناس لا يعلمون ذلك لجلالته ومهابته وكان في الحلم على جانب عظيم ومن مكارم آخلاقه اصغاؤه لكلام كل متكلم ولو من الخزعبلات مع انبساطه اليه واظهار المحبة ولو أطال عليه ومن رآه مدعيا شيئا سلم له في دعواه ومن مكارم اخلاقه انه لو سأله انسان اعز حاجة عليه اعطاها له كائنة ما كانت ويجد لذلك انسا وانشراحا ولا يعلق أمله بشيء من الدنيا وله صدقات وصلات اخفية وظاهرة وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الاردب والطاحون دائمة الدوران وكذلك دق البن وشربات السكر ولا ينقطع وورد الورادين ليلا ونهارا ويجتمع على مائدته الاربعون والخمسون والستون ويصرف على بيوت اتباعه والمنتسبين اليه
وشاع ذكره في أقطار الأرض واقبل عليه الوافدون بالطول والعرض وهادته الملوك وقصده والآخرة وجده
وكان رزقه فيضا الهيا
وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه في خصوص الاستاذ وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلك
وصل في ذكر أخذ العهد بطريق الخلوتية
وهي نسبة الى سيدي محمد الخلوتي احد اهل السلسلة ويعرفون (1/341)
أيضا بالقرباشلية نسبة الى سيدي علي افندي قره باش احد رجالها ايضا وهذا هو الاسم الخاص المميز لهم عن غيرهم من الخلوتية ولذلك قال السيد البكري في الالفية ... والخلوتية الكرام فرق ... قد نهجوا نهج الجنيد فرقوا ... وخيرهم طريقنا العلية ... من قد دعوا بالقربا شليه ...
وهي طريقة مؤيدة بالشريعة الغراء والحنفية السمحاء ليس فيها تكليف بما لا يطاق وكانت خير الطرق لان ذكرها الخاص بها لا اله الا الله وهي أفضل ما يقول العبد كما في الحديث الشريف
وكان المترجم رضي الله عنه اشتغل بالسلوك وطريق القوم بعد الثلاثين فاخذ على رجل يقال له الشيخ احمد الشاذلي المغربي المعروف بالمقري فتلقى منه بعض أحزاب واوراد ثم قدم السيد البكري من الشام سنة 1133 فاجتمع عليه الشيخ بواسطة بعض تلامذة السيد وهو السيد عبد الله السلفيتي فسلم عليه وجلس فجعل السيد ينظر اليه وهو كذلك ينظر اليه فحصل بينهما الارتباط القلبي ثم قام وجلس بين يدي السيد بعد الاستئذان وكانت عادة السيد اذا اتاه مريد امره اولا بالاستخارة قبل ذلك الا هو فلم يأمره بها وذلك اشارة الى كمال الارتباط فأخذ عليه العهد حالا ثم اشتغل بالذكر والمجاهدة
فرأى في منامه في بعض الليالي السيد البكري والشيخ احمد الشاذلي المذكور جالسين والشيخ حمد يعاتبه على دخوله في الطريق ويعاتب أيضا السيد فقال له السيد هل لك معه حاجة قال نعم لي معه أمانة
واذا بجريدة خضراء بيد السيد فقال له هذه امانتك قال نعم
فكسرها نصفين ورماها للشاذلي وقال له خذ امانتك ثم انتبه
فاخبر السيد فقال له هذا اتصال بنا وانفصال عنه
وهذه النسبة الباطنية التي صار بها سلمان الفارسي وصهيب من أهل البيت
وقال ابن الفارض في التائيه على لسان (1/342)
الصادق صلى الله عليه و سلم ... واني وان كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بالأبوة ...
فان آدم له أب من حيث النسبة الظاهرة وهو أب لآدم من حيث النسبة الباطنة لانه نائب عنه في الارسال ومنبأ بخده في الانزال ولم يستمد من الحضرة العلية الا بواسطته ولذلك لما توسل به قبلت توبته وزادت محبته ولم يجعل مهر حواء سوى الصلاة والسلام عليه كما ورد ذلك كله وهو من المعلوم ضرورة
فظهر بهذا ان هذه النسبة أعظم من تلك لترتب الثمرة عليها
ثم سار في طريقة القوم اتم سير حتى لقنه الاستاذ الاسم الثاني والثالث
ومن حين أخذ عليه العهد لم يقع منه في حق الشيخ الا كمال الادب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره
فمن ذلك انه كان لا يتكلم في مجلسه أصلا الا اذا سأله فانه يجيبه على قدر السؤال ولم يزل يستعمل ذلك معه حتى اذن له بالتكلم في مجلسه في بعض رحلاته الى القاهرة وسببه انه لما رأى اقبال الناس عليه وتوجههم اليه قال له انبسط الى الناس واستقبلهم لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم
ومما اتفق له ان شيخه المذكور قال له مرة تعال الليلة مع الجماعة واذكروا عندنا في البيت
فلما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد فلم يتخلف وذهب حافيا والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له كيف جئت في هذه الحالة
فقال يا سيدي امرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر وايضا لا عذر والحالة هذه لا مكان المجيء وان كنت حافيا
فقال له احسنت هذا أول قدم في الكمال الى غير ذلك
ولما علم الشيخ صدق حاله وحسن فعاله قدمه على خلفائه وأولاده حسن ولائه ودعاه بالاخ الصادق ومنحه اسرارا واراه عيون الحقائق وكيفية تلقين الذكر واخذ العهد كما وجد بخط الاستاذ يظهر ثبت عبد الله بن سالم البصري ما نصه (1/343)
هذه صورة أخذ العهد ارسلها اليه السيد البكري الصديقي الخلوتي حين أذنه باخذ العهود على طريقة السادة الخلوتية
ونص ما كتب كيفية المبايعة للنفس الطائعة ان يجلس المريد بين يدي الاستاذ ويلصق ركبته بركبته والشيخ مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة ويضع يده اليمنى في يده مسلما له نفسه مستمدا من امداده ويقول له قل معي استغفر الله العظيم ثلاث مرات ويتعوذ ويقرأ آية التحريم يا ايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا الى قدير ثم يقرأ آية المبايعة التي في الفتح ليزول الإشتباه وهي إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم الى قوله تعالى عظيما ثم يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو الله لنفسه وللآخذ بالتوفيق ويوصيه بالقيام باوراد الطريق والدوام على ذوق اهل هذا الفريق وعرض الخواطر وقص الرؤيات العواطر واذا وقعت الاشارة بتلقين الاسم الثاني لقنه ليبلغ الاماني
وفتح له باب توحيد الافعال اذ لا غيره فعال وفي الثالث توحيد الاسماء ليشهد السر الاسمى وفي الرابع توحيد الصفات ليدرجه الى اعلى الصفات وفي الخامس توحيد الذات ليحظى باوفر اللذات وفي السادس والسابع يكمل له التوابع
ونسأل الله تعالى الهداية والرعاية والعناية والدراية والحمد لله رب العالمين انتهى
هذا ما كتب بخطه الشريف
قال ورأيت أيضا بظهر الثبت المذكور ما نصه
ثم رأيت في الفتوحات الالهية في نفع ارواح الذوات الانسانية وهو كتاب نحو كراس لشيخ الاسلام زكريا الانصاري ما نصه اذا اراد الشيخ ان ياخذ العهد على المريد فليتطهر وليأمره بالتطهر من الحدث والخبث ليتهيا لقبول ما يلقيه اليه من الشروط في الطريق ويتوجه الى الله تعالى ويسأله القبول لهما ويتوسل اليه في ذلك بمحمد صلى الله عليه و سلم لانه الواسطة بينه وبين خلفه ويضع يده اليمنى على يد المريد اليمنى بان يضع رحته على راحته ويقبض ابهامه باصابعه ويتعوذ (1/344)
ويبسمل ثم يقول الحمد لله رب العالمين استغفر الله العظيم الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ويقول المريد بعده مثل ما قال
ثم يقول اللهم اني اشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وأولياءك اني قد قبلته شيخنا في الله ومرشدا وداعيا إليه ثم يقول الشيخ اللهم إني اشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك إني قد قبلته ولدا في الله فاقبله واقبل عليه وكن له ولا تكن عليه
ثم يدعو كأن يقول اللهم اصلحنا وأصلح بنا واهدنا واهد بنا وارشدنا وارشد بنا اللهم ارنا الحق حقا والهمنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم اقطع عنا كل قاطع بقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك عنك انتهى
قلت والمراتب السبعة التي اشار اليها السيد في الكيفية المتقدمة هي مراتب الاسماء السبعة وللنفس في كل مرتبة منها مرتبة باسم خاص دال عليها الاسم الاول لا اله الا الله وتسمى النفس فيه أمارة والثاني الله وتسمى النفس فيه لوامة والثالث هو وتسمى النفس فيه ملهمة والرابع حق وهو اول قدم يحله المريد من الولاية كما مرت الاشارة اليه وتسمى النفس فيه مطمئنة الخامس حي وتسمى النفس فيه راضية والسا دس قيوم وتسمى النفس فيه مرضية والسابع قهار وتسمى النفس فيه كاملة وهو غاية التلقين
وكلها ما عدا الاول منها تلقن في الاذن اليمنى الا السابع ففي اليسري وتلقينها بحسب ما يراه الشيخ من احوال المريدين افعال واقوال وعالم مثال
واعلم ان سلسلة القوم هذه في كيفية اخذ العهد والتلقين مروية عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو يرويه عن جبريل وهو يرويه عن الله عز و جل
وفي بعض الروايات روايته عن رؤساء الملائكة الاربع والنبي صلى الله عليه و سلم لقن عليا رضي الله عنه وصورة ذلك كما في ريحان القلوب في التوصل الى المحبوب لسيدي (1/345)
يوسف العجمي ان عليا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله دلني على اقرب الطرق الى الله تعالى
فقال يا علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات
فقال علي رضي الله عنه هذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا علي لا تقوم الساعة وعلى وجه الارض من يقول الله
فقال علي كيف اذكر يا رسول الله
قال غمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل انت ثلاث مرات وانا اسمع
فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا اله الا الله ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته وعلي يسمع ثم قال علي لا اله الا الله ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته والنبي صلى الله عليه و سلم يسمع
ثم لقن علي الحسن البصري رضي الله عنهما على الصحيح عند اهل السلسلة الاخيار من المحدثين
قال الجاحظ السيوطي الراجح ان البصري اخذ عن علي ومثله عن الضياء المقدسي ومن المقرر في الاصول أن المثبت مقدم على النافي ثم لقن الحسن البصري حبيبا العجمي وهو لقن داود الطائي وهو لقن معروفا الكرخي وهو لقن سريا السقطي وهو لقن أبا القاسم سيد الطائفتين الجنيد البغدادي وعنه تفرقت سائر الطرق المشهورة في الاسلام
ثم لقن الجنيد ممشاد الدينوري وهو لقن محمد الدينوري وهو لقن القاضي وجيه الدين وهو لقن عمر البكري وهو لقن ابا النجيب السهروردي وهو لقن قطب الدين الابهري وهو لقن محمد النجاشي وهو لقن شهاب الدين الشيرازي وهو لقن جلال الدين التبريزي وهو لقن إبراهيم الكيلاني وهو لقن اخي محمد الخلوتي واليه نسبة اهل الطريق وهو لقن بير عمر الخلوتي وهو لقن اخي بيرام الخلوتي وهو لقن عز الدين الخلوتي وهو لقن صدر الدين الخيالي وهو لقن يحيى الشرواني صاحب ورد الستار وهو لقن بير محمد الارزنجاني وهو لقن جلبي سلطان المشهور بجلبي خليفة وهو لقن خير التوقادي وهو لقن (1/346)
شعبان القسطموني وهو لقن اسمعيل الجورومي وهو المدفون في باب الصغير في بيت المقدس عند مرقد سيدي بلال الحبشي وهو لقن سيدي علي افندي قره باش اي اسود الرأس باللغة التركية واليه نسبة طريقنا كما مر وهو لقن مصطفى افندي ولده وخلفاؤه كما قال السيد الصديقي اربعمائة ونيف واربعون خليفة وهو لقن عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي وهو لقن شمس الطريقة وبرهان الحقيقة السيد مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي وهو لقن قطب رحاها ومقصد سرها ونجواها شيخنا الشيخ محمد الحفناوي وهو لقن وخلف اشياخا كثيرة منهم بركة المسلمين وكهف الواصلين الصوفي الصائم القائم العابد الزاهد الشيخ محمد السمنودي المعروف بالمنير شيخ القراء والمحدثين وصدر الفقهاء والمتكلمين
من مناقبه الحميدة صيام الدهر مع عدم التكلف لذلك وقيام الليل يقرأ في كل ركعة ثلث القرآن وربما نصفه او جميعه في كل ركعة هذا ورده دائما صيفا وشتاء فتى وشيخا يافعا ومنها تواضعه وخموله وعدم رؤية نفسه ويبرأ من ان تنسب اليه منقبة وسيأتي باقي ترجمته في وفاته
ومنهم علامة وقته واوانه الولي الصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم القوى طلب العلم وبرع فيه وفاق على أقرانه ثم جذبته ايدي العناية الى الشيخ فاخذ عليه العهد ولقنه اسماء الطريق السبعة على حسب سلوكه في سيره ثنم البسه التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الذكر ودعا الناس اليها من سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار القرآن
ومنهم العالم النحرير الصوفي الصالح السلك الراجح الشيخ محمد السنهوري ثم الفوى طلب العلم حتى صار من اهل الافتاء والتدريس وانتصب للتأكيد والتأسيس ثم دعته سعادة حضرة القوم فسلك مع (1/347)
المجاهدة وحسن السيرة على يد الاستاذ حتى لقنه الاسماء السبعة والبسه التاج واقامة خليفة يهدي لاقوم منهاج ثم اذن له في التوجه الى بلده فتوجه اليها وربي بها المريدين وادار مجالس الاذكار بتلك البقاع وعم به في الوجود الانتفاع
ومنهم البحر الزاخر حائز مراتب المفاخر الولي الرباني والصوفي في العالم الانساني الشيخ محمد الزعيري اشتغل بالعلم حتى برع وصار قدوة لكل مفتدي وجذوة لمن لا يهتدي ثم سلك على يد الاستاذ فاخذ عليه العهد ولقنه الاسماء على حسب سيره وسلوكه ثم خلفه والبسه التاج واجازه بالتلقين والتسليك
ومنهم الحبر العلامة والبحر الفهامة شيخ الافتاء والتدريس الشيخ خضر رسلان اشتغل على الشيخ مدة مديدة ولازمه شديدة واخذ عليه العهد في طريق الخلوتية حتى تلقن الاسماء والبسه الشيخ التاج وصار خليفة مجازا باخذ العهود والتسليك
ومنهم الشيخ الصوفي الولي صاحب الكرامات والايادي والمكرمات شيخنا الشيخ محمود الكردي اخذ على الشيخ العهد والطريق ولقنه الاسماء فكان محمود الإفعال معروفاة بالكمال ثم البسه التاج وصار خليفة واجازه بالتلقين والتسليك فارشد الناس وازال عن قلوبهم الوسواس
وهو مشهور البركة يعتقده الخاص والعام كثير الرؤية لرسول الله صلى الله عليه و سلم ومن كراماته انه متى اراد رؤية النبي صلى الله عليه و سلم رآه
وله مكاشفات عجبية نفعنا الله بحبه ولا حجبنا عن قربه وهو الذي قام للارشاد والتسليك بعد انتقال شيخه وسلك على يده كثير وخلفوه من بعده منهم الشيخ الصالح الصوفي والشيخ محمد السقاط والشيخ العلامة شيخ الاسلام والمسلمين مولانا الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الازهر الآن والإمام الاوحد (1/348)
الشيخ محمد بدير الذي هو الآن بالقدس الشريف والمشار اليه في التسليك بتلك الديار والشيخ الصالح الناجح ابراهيم الحلبي الحنفي والسيد الاجل العلامة والرحالة الفهامة السيد عبد القادر الطرابلسي الحنفي والشيخ الامام العمدة الهمام الشيخ عمر البابلي وغيرهم ادام الله النفع بوجودهم
ومنهم العالم الالمعي الفهامة بقية السلف والخليفة ونعم الخلف الشيخ محمد سبط الاستاذ المترجم أطال الله بقاءه
ومنهم الشيخ الفهامة الاديب الاريب واللوذعي النجيب الشيخ محمد البلناوي الشهير بالدمنهوري الشافعي
ومنهم الشيخ الصوفي القدوة الشيخ احمد الغزالي تلقن منه الاسماء وتخلف عنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك
ومنهم العالم العامل الشيخ احمد القحافي الانصاري اخذ العهد وانتظم في سلك اهل الطريق وتلقن الاسماء وصار خليفة مجازا فارشد الناس وافتتح مجالس الاذكار
ومنهم تاج الملة وانسان عين المجد من غير علة ذو النسب الباذخ والشرف الرفيع الشانح السيد علي القناوي تلقن الاسماء والبس التاج وصار خليفة حقا ومجازا بالتلقين والتسليك فادار مجالس الاذكار واشرقت به الانوار
ومنهم العلامة العامل والفهامة الواصل الفاضل الشيخ سليمان المنوفي نزيل طندتا وارشده وخلفه والبسه التاج واجازه فسلك وأرشد وله أحوال عجيبة
ومنهم الصوفي الصالح الشيخ حسن السخاوي نزيل طندتا ايضا لقنه وخلفه والبسه التاج فدعا الناس لاقوم منهاج
ومنهم علامة الانام الشيخ محمد الرشيدي الملقب بشعير لقنه وخلفه واجازه فكثر نفعه (1/349)
ومنهم العلامة الاوحد ومن على مثله الخناصر تعقد الشيخ يوسف الرشيدي الملقب بالشيال رحل ايضا اليه فتلقن منه وسلك على يديه حتى صار خليفة والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك ورجع الى بلاده باوفر زاد وادار مجالس الذكر واكثر المراقبة والفكر حتى كثرت اتباعه وعم انتفاعه
ومنهم العمدة المقدم الهمام الناسك السالك الشيخ محمد الشهير بالسقالقنه واجازه بالتلقين والتسليك فكثر نفعه وطاب صنعه
ومنهم فريد دهره وعالم عصره معدن الفضل والكمال قطب الجمال والجلال الشيخ باكير افندي لقنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك
ومنهم بدر الطريق وشمس افق التحقيق العالم العلامة والصوفي الفهامة الشيخ محمد الفشني لقنه وخلفه والبسه التاج فاخذ العهود ولقن وسلك وفاق في سائر الآفاق وتقدم في الخلاف والوفاق
ومنهم العالم العامل والشهم الماهر الكامل الشيخ عبد الكريم المسيري الشهير بالزيات تلقن العهد والاسماء حسب سلوكه وسيره واجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك فزاد نورا على نور وحبي بلذة الطاعة والحبور
ومنهم شيخ الفروع والاصول الجامع بين المعقول والمنقول علامة الزمان والحامل في وقته لواء العرفان الشيخ احمد العدوي الملقب بدر دير جذبته العناية الى نادي الهداية فجاء الى الشيخ وطلب منه تلقين الذكر فلقنه وسار أحسن سير وسلك احسن سلوك حتى صار خليفة باخذ العهود والتلقين والتسليك مع المجاهدة والعمل المرضي وسيأتي في وفياتهم تتمة تراجمهم رضي الله عنهم
ومنهم أيضا الشيخ العلامة الولي الصوفي الشيخ محمد الرشيدي الشهير بالمعصراوي
ومنهم الامام الجامع والولي الصوفي النافع مولاي احمد الصقلي المغربي تلقن وتخلفه وأجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك (1/350)
ومنهم الامجد العامل بعمله والمزدري السحر بفهمه الشيخ سليمان البتراوي ثم الانصاري
ومنهم الصالح العامل الفهامة العابد الزاهد الشيخ اسمعيل اليمني تلقن وسلك مع التقى والعفاف والملازمة الشديدة والخدمة الاكيدة وحسن المجاهدة
ومنهم النحرير الكامل واللوذعي الفاضل مؤلف المجموع الشيخ حسن بن علي المكي المعروف بشمه الناظم الناثر الحاوي الخير المتكاثر وغير هؤلاء ممن لم نعرف كثير
في ذكر رحلة الاستاذ المترجم الى بيت المقدس
وهو انه لما اذن له السيد البكري بأخذ العهود وتلقين الذكر لم يقع له تسليك أحد في هذه الطريقة إنما كان شغله وتوجهه كله الى العلم واقرائه لكن ذلك بجسمه واما قلبه فلم يكن الا عند شيخه السيد الصديقي ولم يزل كذلك الى عام تسع واربعين
فحن جسمه الى زيارة شيخه وانشد لسان حاله ... أخذتم فؤادي وهو بعضى فما الذي ... يضركم لو كان عندكم الكل ...
فارسل اليه السيد يدعوه لزيارته فهام إذ فهم رمز اشارته وتعلقت نفسه بالرحيل فترك الاقراء والتدريس وتقشف وسافر الى أن وصل بالقرب من بيت المقدس
فقيل له اذا دخلت بيت المقدس فادخل من الباب الفلاني وصل ركعتين وزر محل كذا فقال لهم انا جئت قاصدا بيت المقدس وما جئت قاصدا الا أستاذي فلا أدخل الا من بابه ولا أصلي الا في بيته
فعجبوا له فبلغ السيد كلامه فكان سببا لاقباله عليه وامداده ثم سار حتى دخل بيت المقدس فتوجه الى بيت الاستاذ فقابله بالرحب والسعة وأفرد له مكانا ثم أخذ في المجاهدة من الصلاة والصوم والذكر (1/351)
والعزلة والخلوة قال فبينما انا جالس في الخلوة اذا بداع يدعوني اليه فجئت اليه فوجدت بين يديه مائدة فقال انت صائم قلت نعم فقال كل فامتثلت امره واكلت فقال اسمع ما اقول لك ان كان مرادك صوما وصلاة وجهادا او رياضة فليكن ذلك في بلدك واما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد اوقاتك بما تروم من المجاهدة وانما يكون ذلك بحسب الاستطاعة وكل واشرب وانبسط قال فامتثلت اشارته ومكثت عنده اربعة اشهر كأنها ساعة غير اني لم افارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه المدة الاسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان واشهد مشاهد الجمع الاول والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني اسرار المثاني ثم لما انقضت المدة واراد العود الى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى وصل الى غزة فبلغ خبره امير تلك القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه مع قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء الطريق اعراب فخاوفوهم فقالوا لاهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وان كنا منهم فلا نقدر نكلمكم وهذا معكم واشاروا الى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى انتهوا الى مكان في اثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم ان طريقكم هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقال لهم اعراب ذلك المكان نحن نسير معكم ونسلك بكم طريقا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرا من الدراهم نأخذه منكم اذا وصلتم الى بلبيس فتوقف الركب أجمعه فقال الاستاذ انا ادفع لكم هذا القدر هنالك فقالوا لا سبيل الى ذلك كيف تدفع انت وليس لك في القفل شيء والله ما نأخذ منك شيئا الا ان ضمنت اهل القافلة فقبل ذلك فاتفق الرأي على دفع الدراهم من ارباب التجارات بضمانة الشيخ فضمنهم وساروا حتى وصلوا الى بلبيس ثم منها الى القاهرة فسرت به أتم سرور وأقبل عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب واخذ العهود على العالم (1/352)
وادار مجالس الاذكار بالليل والنهار واحيا طريق القوم بعد دروسها وأنقذ من ورطة الجهل مهجا من عي نفوسها فبلغ هدية الاقطار كلها وصار في كثير من قرى مصر نقيب وخليفة وتلامذة واتباع يذكرون الله تعالى ولم يزل امره في ازدياد وانتشار حتى بلغ سائر اقطار الارض
وسار الكبار والصغار والنساء والرجال يذكرون الله تعالى بطريقته وصار خليفة الوقت وقطبه ولم يبق ولي من اهل عصره الا اذعن له وحين تصدى للتسليك واخذ العهود اقبل عليه الناس من كل فج وكان في بدء الامر لا يأخذون الا بالاستخارة والاستشارة وكتابة اسمائهم ونحو ذلك فكثر الناس عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد الصديقي بذلك فقال له لا تمنع احدا يأخذ عنك ولو نصرانيا من غير شرط واسلم على يديه خلق كثير من النصارى واول من اخذ عنه الطريق وسلك على يديه الولي الصوفي العالم العلامة المرشد الشيخ احمد البناء الفوي ثم تلاه من ذكر وغيرهم وكان استاذه السيد يثني عليه ويمدحه ويراسله نظما ونثرا ويترجمه بالاخ ولولا رآه قسيما له في الحال ما صدر عنه ذلك المقال حتى انه قال له يوما اني اخشى من دعائكم لي بالاخ لانه خلاف عادة الاشياخ مع المريدين فقال له لا تخش من شيء وامتدحه اشياخه ومعاصروه وتلامذته
توفي رضي الله عنه يوم السبت قبل الظهر سابع عشري ربيع الاول سنة 1181 ودفن يوم الاحد بعد ان صلي عليه في الازهر في مشهد عظيم جدا وكان يوم هول كبير وكان بين وفاته ووفاة الاستاذ الملوي ثلاثة عشر يوما ومن ذلك التاريخ ابتدأ نزول البلاء واختلال احوال الديار المصرية وظهر مصداق قول الراغب ان وجوده امان على اهل مصر من نزول البلاء وهذا من المشاهد المحسوس وذلك انه لم يكن في الناس من يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الهدى فسد نظام العالم وتنافرت القلوب ومتى تنافرت القلوب نزل البلاء ومن المعلوم المقرر ان صلاح (1/353)
الامة بالعلماء والملوك وصلاح الملوك تابع لصلاح العلماء وفساد اللازم بفساد الملزوم فما بالك بفقده والرحى لا تدور بدون قطبها وقد كان رحمه الله قطب رحى الديار المصرية ولا يتم امر من امور الدولة وغيرها الا باطلاعه واذنه ولما شرع الأمراء القائمون بمصر في اخراج التجاريد لعلي بك وصالح بك واستأذنوه فمنعهم من ذلك وزجرهم وشنع عليهم ولم يأذن بذلك كما تقدم وعلموا انه لا يتم قصدهم بدون ذاك فاشغلوا الاستاذ وسموه فعند ذلك لم يجدوا مانعا ولا رادعا وأخرجوا التجاريد وآل الامر لخذلانهم وهلاكهم والتمثيل بهم وملك علي بك وفعل ما بدا له فلم يجد رادعا أيضا ونزل البلاء حينئذ بالبلاد المصرية والشامية والحجازية ولم يزل يتضاعف حتى عم الدنيا وأقطار الارض فهذا هو السر الظاهري وهو لا شك تابع للباطني وهو القيام بحق وراثه النبوة وكمال المتابعة وتمهيد القواعد واقامة اعلام الهدى والاسلام واحكام مباني التقوى لانهم امناء الله في العالم وخلاصة بني آدم اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون
ومات شمس الكمال ابو محمد الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن الشيخ نور بن بايزيد شهاب الدين احمد بن القطب سيدي محمد بن أبي المفاخر داود الشربيني بمصر ونقلوا جسده الى شريين ودفن عند جده سامحه الله وتجاوز عن سيآته وتولى بعده في خلافتهم أخوه الشيخ محمد ولهما أخ ثالث اسمه علي وكانت وفاة المترجم ليلة الاحد غرة ذي القعدة سنة 1181
ومات الشيخ الامام العلامة المتقن المتفنن الفقيه الاصولي النحوي الشيخ محمد بن محمد بن موسى العبيدي الفارسي الشافعي واصله من فارسكور أخذ عن الشيخ علي قايتباي والشيخ الدفري والبشبيشي والنفراوي وكان آية في المعارف والزهد والورع والتصوف وكان (1/354)
يلقي دروسا بجامع قوصون على طريقة الشيخ العزيزي والدمياطي وبآخراته توجه الى الحجاز وجاور به سنة والقى هناك دروسا وانتفع به جماعة ومات بمكة وكان له مشهد عظيم ودفن عند السيدة خديجة رضي الله عنها
ومات الشيخ الامام العلامة مفيد الطالبين الشيخ احمد ابو عامر النفراوي المالكي أخذ الفقه عن الشيخ سالم النفراوي والشيخ البليدي والطحلاوي والمعقول عنهم وعن الشيخ الملوي والحفني والشيخ عيسى البراوي وبرع في المعقول والمنقول ودرس وافاد وانتفع به الطلبة وكان درسه حافلا وله حظوة في كثرة الطلبة والتلاميذ توفي سنة 1181
ومات الامير حسن بك جوجو وجن علي بك وهما من مماليك ابراهيم كتخدا وكان حسن مذبذبا ومنافقا بين خشداشينه يوالي هؤلاء ظاهرا وينافق الآخرين سرا وتعصب مع حسين بك وخليل بك حتى أخرجوا علي بك الى النوسات ثم صار يراسله سرا ويعلمه باحوالهم وأسرارهم الى أن تحول الى قبلي وانضم الى صالح بك فأخذ يستميل متكلمي الوجاقلية الى أن كانوا يكتبون لاغراضهم بقبلي ويرسلون المكاتبات في داخل افصاب الدخان وغيرها وهو مع من بمصر في الحركات والسكنات الى أن حضر علي بك وصالح بك وكان هو ناصبا وطاقة معهم جهة البساتين فلما أرادوا الارتحال استمر مكانه وتخلف عنهم وبقي مع علي بك بمصر يشار اليه ويرى لنفسه المنة عليه وربما حدثته بالامارة دونه وتحقق علي بك انه لا يتمكن من اغراضه وتمهيد الامر لنفسه ما دام حسن بك موجودا فكتم امره واخذ يدبر على قتله
فبيت مع اتباعه محمد بك وايوب بك وخشداشينهم وتوافقوا على اغتياله فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن من شهر رجب حضر حسن بك المذكور وكذا خشداشه جن علي بك وسمرا معه حصة من الليل ثم ركبا فركب صحبتهما محمد (1/355)
بك وايوب بك ومماليكهما واغتالوهما في اثناء الطريق كما تقدم
ومات الامير رضوان جربجي الرزاز وأصله مملوك حسن كتخدا ابن الامير خليل أغا وأصل خليل أغا هذا شاب تركي خردجي يبيع الخردة دخل يوما من بيت لاجين بك الذي عند السويقة المعروفة بسويقة لاجين وهو بيت عبد الرحمن أغا المتخرب الآن وكان ينفذ من الجهتين فرآه لاجين بك فمال قلبه اليه ونظر فيه بالفراسة مخايل النجابة فدعاه للمقام عنده في خدمته فأجاب لذلك واستمر في خدمته مدة وترقى عنده ثم عينه لسد جسر شرمساح ووعده بالاكرام ان هو اجتهد في سده على ما ينبغي فنزل اليه وساعدته العناية حتى سده وأحكمه ورجع ثم عينه لجبي الخراج وكان لا يحصل له الخراج الا بالمشقة وتبقى البواقي على البواقي القديمة في كل سنة فلما نزل وكان في اوان حصاد الارز فوزن من المزارعين شعير الارز من المال الجديد والبواقي اولا باول وشطب جميع ذلك من غير ضرر ولا أذية وجمعه وخزنه واتفق انه غلا ثمنه في تلك السنة غلوا زائدا عن المعتاد فباعه بمبلغ عظيم ورجع لسيده بصناديق المال فقال لا أخذ الا حقي واما الربح فهو لك فأخذ قدر ماله واعطاه الباقي فذهب واشترى لمخدومه جارية مليحة واهداها له فلم يقبلها وردها اليه وأعطى له البيت الذي بلتبانة ونزل له عن طصفة وكفرها ومنية تمامه وصار من الامراء المعدودين فولد لخليل هذا حسن كتخدا ومصطفى كتخدا كانا أميرين كبيرين معدودين بمصر ومماليكه صالح كتخدا وعبد الله جربجي وابراهيم جربجي وغيرهم ومن مماليكه حسن حسين جربجي المعروف بالفحل ورضوان جربجي هذا المترجم وغيرهما أكثر من المائة أمير
وكان رضوان جربجي هذا من الامراء الخيرين الدينين له مكارم أخلاق وبر ومعروف ولما نفي علي بك عبد الرحمن كتخدا نفاه أيضا وأخرجه من مصر
ثم ان علي بك ذهب (1/356)
يوما عند سليمان أغا كتخدا الجاويشية فعاتبه على نفي رضوان جربجي فقال له علي بك تعاتبني على نفي رضوان جربجي ولا تعاتبني على نفي ابنك عبد الرحمن كتخدا فقال ابني المذكور منافق يسعى في اثارة الفتن ويلقي بين الناس فهو يستاهل واما هذا فهو انسان طيب وما علمنا عليه ما تشينه في دينه ولا دنياه فقال نرده لاجل خاطرك وخاطره ورده ولم يزل في سيادته حتى مات على فراشه سادس جمادى الاولى في هذه السنة والله سبحانه وتعالى أعلم
سنة اثنتين وثمانين ومائة والف
استهل شهر المحرم بيوم الاربعاء في ثانية سافرت التجريدة المعينة الى بحري بسبب الامراء المتقدم ذكرهم وهم حسين بك وخليل بك ومن معهم وقد بذل جهده علي بك حتى شهل أمرها ولوازمها في أسرع وقت وسافرت يوم الخميس وأميرها وسر عسكرها محمد بك ابو الذهب
فلما وصلوا الى ناحية دجوة وجدوهم عدوا الى مسجد الخضر فعدوا خلفهم فوجدوهم ذهبوا الى طندتا وكرنكوا بها فتبعوهم الى هناك واحاطوا بالبلدة من كل جهة ووقع الحرب بينهم في منتصف شهر المحرم فلم يزل الحرب قائما بين الفريقين حتى فرغ ما عندهم من الجبخانة والبارود فعند ذلك أرسلوا الى محمد بك وطلبوا منه الامان فأعطاهم الامان وارتفع الحرب من بين الفريقين
وكاتبهم محمد بك وخادعهم والتزم لهم باجراء الصلح بينهم وبين مخدومه علي بك فانخدعوا له وصدقوه وانحلت عزائمهم واختلفت آراؤهم
وسكن الحال تلك الليلة ثم ان محمد بك أرسل في ثاني يوم الى حسين بك يستدعيه ليعمل معه مشورة فحضر عنده بمفرده وصحبته خليل بك السكران تابعة فقط
فلما وصلوا الى مجلسه ودخلوا اليه فلم يجدوه فعندما استقر بهما الجلوس دخل عليهما جماعة وقتلوهما وحضر في أثرهما (1/357)
حسن بك شبكة ولم يعلم ما جرى لسيده فلما قرب من المكان أحس قلبه بالشر فاراد الرجوع فعاقه رجل سائس يسمى مرزوق وضربه بنبوت فوقع الى الارض فلحقه بعض الجند واحتز رأسه فلما علم بذلك خليل بك الكبير ومن معه ذهبوا الى ضريح سيدي أحمد البدوي والتجأوا الى قبره واشتد بهم الخوف وعلموا انهم لاحقون باخوانهم فلما فعلوا ذلك لم يقتلوهم وأرسل محمد بك يستشير سيده في أمر خليل بك ومن معه فأمر بنفيه الى ثغر سكندرية وخنقوه بعد ذلك بها
ورجع محمد بك وصالح بك والتجريدة ودخلوا المدينة من باب النصر في موكب عظيم وامامهم الرؤوس محمولة في صوان من فضة وعدتها ستة رؤوس وهي رأس حسين بك وخليل بك السكران وحسن بك شبكة وحمزة بك واسمعيل بك أبي مدفع سليمان أغا الوالي وذلك يوم الجمعة سابع عشر المحرم
وفي يوم الثلاثاء رابع عشر صفر حضر نجاب الحج واطمأن الناس وفي يوم الجمعة سابع عشره وصل الحجاج بالسلامة ودخلوا المدينة وامير الحاج خليل بك بلغيه وسر الناس بسلامة الحجاج وكانوا يظنون تعبهم بسبب هذه الحركات والوقائع
وفي ثامن عشر صفر اخرج علي بك جملة من الامراء من مصر ونفى بعضهم الى الصعيد وبعضهم الى الحجاز وارسل البعض الى الفيوم وفيهم محمد كتخدا تابع عبد الله كتخدا وقرا حسن كتخدا وعبد الله كتخدا تابع مصطفى باش اختيار مستحفظان وسليمان جاويش ومحمد كتخدا الجردلي وحسن افندي الباقرجي وبعض أوده باشية وعلي جربجي وعلي افندي الشريف جمليان
وفيه صرف علي بك مواجب الجامكية
وفيه ارسل علي بك وقبض على أولاد سعد الخادم بضريح سيدي احمد البدوي وصادرهم وأخذ منهم اموالا عظيمة لا يقدر قدرها (1/358)
وأخرجهم من البلدة ومنعهم من سكناها ومن خدمة المقام الاحمدي وأرسل الحاج حسن عبد المعطي وقيده بالسدنة عوضا عن المذكورين وشرع في بناء الجامع والقبة والسبيل والقيسارية العظيمة وأبطل منها مظالم أولاد الخادم والحمل والنشالين والحرمية والعيارين وضمان البغايا والخواطيء وغير ذلك
وفي تاسع شهر ربيع الاول حضر قابجي من الديار الرومية بمرسوم وقفطان وسيف لعلي بك من الدولة وفيه وصلت الاخبار بموت خليل بك الكبير بثغر سكندرية مخنوقا
وفي يوم السبت ثاني عشرة نزل الباشا الى بيت علي بك باستدعائه فتغدى عنده وقدم له تقادم وهدايا
وفي يوم الاحد ثامن عشر ربيع الاخر اجتمع الامراء بمنزل علي بك على العادة وفيهم صالح بك وقد كان علي بك بيت مع اتباعه على قتل صالح بك فلما انقضى المجلس وركب صالح بك ركب معه محمد بك وايوب بك ورضوان بك واحمد بك بشناق المعروف بالجرار وحسن بك العبداوي وعلي بك الطنطاوي واحدق الجميع بصالح بك ومن خلفهم الجند والمماليك والطوائف فلما وصلوا الى مضيق الطريق عند المفارق بسويقة عصفور تأخر محمد بك ومن معه عن صالح بك قليلا واحدث له محمد بك حماقة مع سائسه وسحب سيفه من غمده سريعا وضرب صالح بك وسحب الآخرون سيوفهم ما عدا احمد بك بشناق وكملوا قتلته ووقع طريحا على الارض ورمح الجماعة الضاربون وطوائفهم الى القلعة وعندما رأوا مماليك صالح بك واتباعه ما نزل بسيدهم خرجوا على وجوههم ولما استقر الجماعة القاتلون بالقلعة وجلسوا مع بعضهم يتحدثون عاتبوا أحمد بك بشناق في عدم ضربه معهم صالح بك وقالوا له لماذا لم تجرد سيفك وتضرب مثلنا فقل بل ضربت معكم فكذبوه (1/359)
فقال له بعضهم أرنا سيفك فامتنع وقال ان سيفي لا يخرج من غمده لاجل الفرجة ثم ستوا وأخذ في نفسه منهم وعلم انهم سيخبرون سيدهم بذلك فلا يأمن غائلته وذلك ان احمد بك هذا لم يكن مملوكا لعلي بك وانما كان اصله من بلاد بشناق حضر الى مصر في جملة اتباع علي باشا الحكيم عندما كان واليا على مصر في سنة 1169
فاقام في خدمته الى سنة 1171
وتلبس صالح بك بامارة الحج في ذلك التاريخ فاستأذن احمد بك المذكور علي باشا في الحج واذن له فحج مع صالح بك واكرمه واحبه والبسه زي المصريين ورجع صحبته وتنقلت به الاحوال وخدم عند عبدالله بك علي ثم خدم عند علي بك فأعجبه شجاعته وفروسيته فرقاه في المناصب حتى قلده الصنجقية وصار من الامراء المعدودين
فلم يزل يراعي منة صالح السابقة عليه فلما عزم علي بك على خيانة صالح بك السابقة وغدره خصصه بالذكر وأوصاه ان يكون اول ضارب فيه لما يعلمه في من العصبية له فقيل له ان احمد بك اسر ذلك الى صالح بك وحذره غدر علي بك اياه فلم يصدقه لما بينهما من العهود والايمان والمواثيق ولم يحصل منه ما يوجب ذلك ولم يعارضه في شيء ولم ينكر عليه فعلا
فلما اختلى صالح بك بعلي بك اشار البه بما بلغه فحلف له علي بك بان ذلك نفاق من المخبر ولم يعلم من هو فلما حصل ما حصل ورأى مراقبة الجماعة له ومناقشتهم له عند استقرارهم بالقلعة تخيل وداخله الوهم وتحقق في ظنه تجسم القضية فلما نزلوا من القلعة وانصرفوا الى منازلهم تفكر تلك الليلة وخرج من مصر وذهب الى الاسكندرية وأوصى حريمه بكتمان امره ما امكنهم حتى يتباعد عن مصر فلما تأخر حضوره بمنزل علي بيك وركوبه سألوا عنه فقيل له انه متوعك فحضر اليه في ثاني يوم محمد بيك ليعوده وطلب الدخول اليه فلم يمكنهم منعه فدخل الى محل (1/360)
مبيته فلم يجده في فراشه فسأل عنه حريمه فقالوا لا نعلم له محلا ولم يأذن لاحد بالدخول عليه وفتشوا عليه فلم يجدوه وارسل علي بيك عبد الرحمن آغا وامره بالتفتيش عليه وقتله فاحاط بالبيت وفتش عليه في البيت والخطة فلم يجده وهو قد كان هرب ليلة الواقعة في صورة جزائرلي مغربي وقصقص لحيته وسعى بمفرده الى شلقان وسافر الى بحري ووصل السعاة بخبره لعلي بيك بانه بالاسكندرية فارسل بالقبض عليه فوجدوه نزل بالقبطانة واحتمى بها وكان من امره ما كان بعد ذلك كما سيأتي وهو احمد باشا الجزار الشهير الذكر الذي تملك عكا وتولى الشام وامارة الحج الشامي وطار صيته في الممالك
وفيه عين علي بيك تجريدة على سويلم بن حبيب وعرب الجزيرة فنزل محمد بيك بتجريدة الى عرب الجزيرة وايوب بيك الى سويلم فلما ذهب ايوب بيك الى دجوة فلم يجد بها احدا وكان سويلم بائتا في سند نهور وباقي الحبابية متفرقين في البلاد فلما وصله الخبر ركب من سند نهور وهرب بمن معه الى البحيرة والتجأ الى الهنادي
ونهبوا دوائره ومواشيه وحضروا بالمنهوبات الى مصر واحتج عليه بسبب واقعة حسين بيك وخليل بيك لما اتيا الى دجوة بعد واقعة الديرس والجراح قدم لهم التقادم وساعدهم بالكلف والذبائح ونحو ذلك والغرض الباطني اجتهاده في ازالة اصحاب المظاهر كائنا ما كان
وفي يوم الاثنين تاسع عشرة امر علي بك باخراج علي كتخدا الخربطلي منفيا وكذلك يوسف كتخدا مملوكه ونفي حسن افندي درب الشمسي واخوته الى السويس ليذهبوا الى الحجاز وسليمان كتخدا الجلفي وعثمان كتخدا عزبان المنفوخ وكان خليل بك الاسيوطي بالشرقية فلما سمع بقتل صالح بك هرب الى غزة
وفي يوم الاحد خامس جمادى الاولى طلع علي بك الى القلعة وقلد (1/361)
ثلاثة صناجق من اتباعه وكذلك وجاقلية وقلد ايوب بك تابعه ولاية جرجا وحسن بك رضوان امير حج وقلد الوالي وفي جمادى الآخرة قلد إسمعيل بك الدفتروارية وصرف المواجب في ذلك اليوم
وفي منتصف شهر رجب وصل آغا من الديار الرومية وعلى يده مرسوم بطلب عسكر للسفر فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسوم وكان علي بك احضر سليمان بك الشابوري من نفيه بناحية المنصورة وكان منفيا هناك من سنة 1172
وفي يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة ولبسوا سليمان بك الشابوري امير السفر الموجه الى الروم واخذوا في تشهيله وسافر محمد بك ابو الذهب بتجريدة ومعه جملة من الصناجق والمقاتلين لمنابذة شيخ العرب همام فلما قربوا من بلاده ترددت بيتهم الرسل واصطلحوا معه على أن يكون لشيخ العرب همام من حدود برديس ولا يتعدى حمكه لما بعدها
واتفقوا على ذلك ثم بلغ شيخ العرب انه ولد لمحمد بك مولود فارسل له بالتجاوز عن برديس ايضا انعاما منه للمولود ورجع محمد بك ومن معه الى مصر
وفيه قبض علي بك على الشيخ احمد الكتبي المعروف بالسقط وضربه علقة قوية وامر بنفيه الى قبرص فلما نزل الى البحر الرومي ذهب الىا اسلامبول وصاهر حسن افندي قطه مسكين النجم واقام هناك الى أن مات وكان المذكور من دهاة العالم يسعى في القضايا والدعاوى يحيى الباطل ويبطل الحق بحسن سبكه وتداخله
وفي سابع عشرة حصلت قلقة من جهة والي مصر محمد باشا وكان اراد ان يحدث حركة فوشي به كتخداه عبد الله بك الى علي بك فاصبحوا وملكوا الابواب والرميلة والمحجر وحوالي القلعة وأمروه بالنزول فنزل من باب الميدان الى بيت احمد بك كشك واجلسوا عنده الحرسجية (1/362)
وفي يوم الاحد غرة شعبان تقلد علي بك قائمقامية عوضا عن الباشا
وفي يوم الخميس أرسل علي بك عبد الرحمن اغا مستحفظان الى رجل من الاجناد يسمى اسمعيل اغا من القاسمية وامره بقتله وكان اسمعيل هذا منفيا جهة بحري وحضر الى مصر قبل ذلك وأقام ببيته جهة الصليبة
وكان مشهورا بالشجاعة والفروسية والاقدام فلما وصل الاغا حذاء بيته وطلبه ونظر الى الاغا واقفا باتباعه ينتظره علم انه يطلبه ليقتله كغيره لانه تقدم قتله لاناس كثيرة على هذا النسق بأمر علي بك فامتنع من النزول واغلق بابه ولم يكن عنده احد سوى زوجته وهي ايضا جارية تركية
وعمر بندقيته وقرابينته وضرب عليهم فلم يستطيعوا العبور اليه من الباب وصارت زوجته تعمر له وهو يضرب حتى قتل منهم أناسا وانجرح كذلك واستمر على ذلك يومين وهو يحارب وحده
وتكاثروا عليه وقتلوا من اتباعه وهو ممتنع عليهم الى ان فرغ منه البارود والرصاص ونادوه بالامان فصدقهم ونزل من الدرج فوقف له شخص وضربه وهو نازل من الدرج وتكاثروا عليه وقتلوه وقطعوا رأسه ظلما رحمه الله تعالى
وفي تاسع عشره صرفت المواجب على الناس والفقراء
وفي ثامن عشرينه خرج موكب السفر الموجه الى الروم في تجمل زائد
وفي عاشر رمضان قبض علي بك على المعلم اسحق اليهودي معلم الديوان ببولاق وأخذ منه اربعين الف محبوب ذهب وضربه حتى مات وكذلك صادر اناسا كثيرة في اموالهم من التجار مثل العشوبي والكمين وغيرهما وهو الذي ابتدع المصادرات وسلب الاموال من مبادي ظهوره واقتدى به من بعده
وفي شوال هيأ علي بك هدية حافلة وخيولا مصرية جيادا وارسلها الى اسلامبول للسلطان ورجال الدولة وكان المتسفر بذلك ابراهيم (1/363)
أغا سراج باشا وكتب مكاتبات الى الدولة ورجالها والتمس من الشيخ الوالد أن يكتب له ايضا مكاتبات لما يعتقده من قبول كلامه واشارته عندهم ومضمون ذلك الشكوى من عثمان بك بن العظم والي الشام وطلب عزله عنها بسبب انضمام بعض المصريين المطرودين اليه ومعاونته لهم وطلب منه ان يرسل من طرفه اناسا مخصوصين فأرسل الشيخ عبد الرحمن العريشي ومحمد افندي البردلي فسافروا مع الهدية وغرضه بذلك وضع قدمه بالقطر الشامي ايضا
وفي ثاني عشر ذي القعدة رسم بنفي جماعة من الامراء ايضا وفيهم ابراهيم اغا الساعي اختيارية متفرقة واسمعيل افندي جاويشان وخليل أغا باش جاويشان جمليان وباشجاويش تفكجيان ومحمد افندي جراكسة ورضوان والزعفراني فارسل منهم الى دمياط ورشيد واسكندرية وقبلي وأخذ منهم دراهم قبل خروجهم واستولى على بلادهم وفرقها في اتباعه وكانت هذه طريقته فيمن يخرجه يستصفي اموالهم أولا ثم يخرجهم ويأخذ بلادهم واقطاعهم فيفرقها على مماليكه واتباعه الذين يؤمرهم في مكانهم ونفى ايضا ابراهيم كتخدا جدك وابنه محمدا الى رشيد وكان ابراهيم هذا كتخدا ثم عزله وولاه الحسبة فلما نفاه ولى مكانه في الحسبة مصطفى اغا والله اعلم
من مات في هذه السنة
ومات الامام الفقيه المحدث الاصولي المتكلم شيخ الاسلام وعمدة الانام الشيخ احمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف بن كريم الدين الكريمي الحالدي الشافعي الازهري الشهير بالجوهري وانما قيل له الجوهري لان والده كان يبيع الجوهر فعرف به ولد بمصر سنة 1096 واشتغل بالعلم وجد في تحصيله حتى فاق أهل عصره ودرس بالازهر وأفتى نحو ستين سنة مشايخه كثيرون منهم الشهاب احمد بن الفقيه (1/364)
ورضوان الطوخي امام الجامع الازهر والشيخ منصور المنوفي والشهاب أحمد الخليلي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد ابو العز العجمي والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ عبد الجواد المخلي الشافعيون والشيخ محمد السجلماسي والشيخ أحمد الننراوي ! والشيخ سليمان الحصيني والشيخ عبدالله الكنكسي الشيخ محمد الصغير الورزازي وابن زكري والشيخ احمد الهشتوكي والشيخ سليمان الشبرخيتي والسيد عبد القادر المغربي ومحمد القسطنطيني ومحمد النشرتي المالكيون ورحل الى الحرمين في سنة 1120 فسمع من البصري والنخلي في سنة 1124 ثم في سنة 1130 وحمل في هذه الرحلات علوما جمة اجازه مولاي الطيب بن مولاي عبد الله الشريف الحسيني وجعله خليفة بمصر وله شيوخ كثيرون غير من ذكرت وقد وجدت في بعض اجازاته تفصيل ما سمعه من شيوحه ما نصه على البصري والنخلي أوائل الكتب الستة والاجازة العامة مع حديث الرحمة بشرطه وعلى الاطفيحي بعض كتب الفقه والحديث والتصوف والاجازة العامة وعلى السجلماسي في سنة 1126 الكبرى للسنوسي ومختصرة المنطقي وشرحه وبعض تلخيص القزويني وأول البخاري الى كتاب الغسل وبعض الحكم العطائية وأجازه علي بن زكري أوائل الستة وأجازه وعلى الكنكسي الصحيح بطرفيه وشرح العقائد للسعد وعقائد السنوسي وشروحها وشرح التسهيل لابن مالك الى آخره وشرح الالفية للمكوي والمطول بتمامه وشرح التلخيص وعلى الهشتوكي الاجازة بسائرها وعلى النفراوي شرح التلخيص مرارا وشرح الفية المصطلح وشرح الورقات وعلي الديوي شرح المنهج لشيخ الاسلام مرارا وشرح التحرير وشرح القية ابن الهائم وشرح التلخيص وشرح ابن عقيل على الالفية وشرح الجزرية وعلى المنوفي جمع الجوامع وشرحه للمحلى وشرح التلخيص (1/365)
وعلى ابن الفقيه شرح التحرير وشرح الخضيب مرارا وشرح العقائد النسفية وشرح التلخيص والخبيصي وعلى الطوخي شرح الخطيب وابن قاسم مرارا وشرح الجوهرة لعبد السلام وعلي الخليفي البخاري وشرح التلخيص والاشموني والعصام وشرح الورقات وعلي الحصيني شرح الكبرى للسنوسي بتمامه وعلى الشبرخيتي شرح الرحبية وشرح الاجرومية وغيرهما وعلى الورزازي شرح الكبرى بتمامه مرارا وشرح الصغرى وشرح مختصر السنوسي والتفسير وغيره وعلي البشبيشي المنهج مرارا وجمع الجوامع مرارا والتلخيص والفية المصطلح والشمائل وشرح التحرير لزكريا وغيره هذا نص ما وجدته بخطه
واجتمع بالقطب سيدي احمد بن ناصر فأجازه لفظا وكتابه وممن أجازه أبو المواهب البكري واحمد البناء وأبو السعود الدنجيهي وعبد الحي الشرنبلالي ومحمد بن عبد الرحمن المليجي وفي الحرمين عمر بن عبد الكريم الخلخالي حضر دروسه وسمع منه المسلسل بالاولية بشرطه وتوجه بآخرته الحرمين باهله وعياله وألقى الدروس وانتفع به الواردون ثم عاد الى مصر فانجمع عن الناس وانقطع في منزله يزار ويتبرك به وله تآليف منها منقذة العبيد عن ربقة التقليد في التوحيد وحاشية علي عبد السلام ورسالة في الاولية وأخرى في حياة الانبياء في قبورهم وأخرى في الغرائق وغيرها وكانت وفاته وقت الغروب يوم الاربعاء ثامن جمادى الاولى وجهز بصباحه وصلي عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن بالزاوية القادرية داخل درب شمس الدولة رحمه الله
ومات الامام العلامة والحبر الفهامة الفقيه الدراكة الاصولي النحوي شيخ الاسلام وعمدة ذوي الافهام الشيخ عيسى بن احمد بن عيسى بن محمد الزبيري البراوي الشافعي الازهري ورد الجامع وهو (1/366)
صغير فقرأ العلم على مشايخ وقته وتفقه على الشيخ مصطفى العزيزي وابن الفقيه وحضر دروس الملوي والجوهري والبشبراوي وانجب وشهد له بالفضل أهل عصره وقرأ الدروس في الفقه واحدقت به الطلبة واتسعت حلقته واشتهر بحفظ الفروع الفقهية حتى لقب بالشافعي الصغير لكثرة استحضاره في الفقه وجودة تقريره وانتفع به طلبة العصر طبقة بعد طبقة وصاروا مدرسين وروى الحديث عن الشيخ محمد الدفري وكان حسن الاعتقاد في الشيخ عبد الوهاب العفيفي وفي سائر الصلحاء
وله مؤلفات مقبولة منها حاشية على شرح الجوهرة في التوحيد وشرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلد يذكر في كل حديث ما يتعلق بالفقه خاصة ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي سحر ليلة الاثنين رابع رجب وجهز في صباحه وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل ودفن بالمجاورين وبني على قبره مزار ومقام واستقر مكانه في التصدر والتدريس ابنه العلامة الشيخ احمد ولازم حضوره تلامذة ابيه رحمه الله
ومات الامام العلامة الفقيه واللوذعي الذكي النبيه عمدة المحققين ومفتي المسلمين حسن بن نور الدين المقدسي الحنفي الازهري تفقه على شيخ وقته الشيخ سليمان المنصوري والشيخ محمد عبد العزيزي الزيادي وحضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي والسيد علي الضرير والملوي والجوهري والحفني والبليدي وغيرهم ودرس بالجامع الازهر في حياة شيوخه ولما بنى الامير عثمان كتخدا مسجده بالازبكية جعله خطيبا واماما به وسكن في منزل قرب الجامع وراج أمره ولما شعر فتوى الحنفية بموت الشيخ سليمان المنصوري جعل شيخ الحنفية بعناية عبد الرحمن كتخدا وكان له به الفة ثم ابتنى منزلا نفيسا مشرفا على بركة الازبكية بمساعدة بعض الامراء واشتهر امره ودرس بعدة (1/367)
أماكن كالصرغقشية المشروطة لشيخ الحنفية والمدرسة المحمودية والشيخ مطهر وغيرها والف متنا في فقه المذهب ذكر فيه الراجح من الاقوال واقتنى كتبا نفيسة بديعة الامثال وكان عنده ذوق والفة ولطافة وأخلاق مهذبة توفي يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة
ومات الامام العلامة احد أذكياء العصر ونجباء الدهر الشيخ محمد ابن بدر الدين الشافعي سبط الشمس الشرنبابلي ولد قبل القرن بقليل وأجازه جده وحضر بنفسه على شيوخ وقته كالشيخ عبد ربه الديوي والشيخ مصطفى العزيزي وسيدي عبد الله الكنكسي والسيد علي الحنفي والشيخ الملوي في آخرين وباحث وناصل والف وأفاد ولزمه سليقة في الشعر جيدة وكلامه موجود بين ايدي الناس وله ميل لعلم اللغة ومعرفة بالانساب غير انه كان كثير الوقيعة في الشيخ محي الدين ابن عربي قدس الله سره والف عدة رسائل في الرد عليه وكان يباحث بعض اهل العلم فيما يتعلق بذلك فينصحونه ويمنعونه من الكلام في ذلك فيعترف تارة وينكر أخرى ولا يثبت على اعترافه وبلغني انه الف مرة رسالة في الرد عليه في ليلة من الليالي ونام فاحترق منزله بالنار واحترقت تلك الرسالة من جملة ما احترق من الكتب ومع ذلك فلم يرجع عما كان عليه من التعصب وربما تعصب لمذهبه فيتكلم في بعض مسائل مع الحنفية ويرتب عليها أسئلة ويغض عنهم ولما كان عليه مما ذكر لم يخل حاله عن ضيق وهيئته عن رثاثة توفي المترجم في المحرم افتتاح السنة وصلي عليه بالازهر ودفن بالقرافة عند جده لامه رحمه الله تعالى
ومات الجناب الامجد والملاذ الاوحد حامل لواء علم المجد وناشره وجالب متاع الفضل وتاجره السيد أحمد بن اسمعيل بن محمد أبو الامداد سبط بني الوفي والده وجده من أمراء مصر وكذا اخوه لابيه محمد وكل منهم قد تولى الامارة والمترجم أمه هي ابنة الاستاذ سيدي (1/368)
عبد الخالق بن وفي ولد بمصر ونشأ في حجر أبويه في عفاف وحشمة وأبهة وأحبه الناس لمكان جده لامه المشار اليه مع جذب فيه وصلاح وتولى نقابة السادة الاشراف سنة 1168 ثم تولى الخلافة الوفائية بعد وفاة السيد ابي هادي فنزل عن النقابة للسيد محمد افندي الصديقي وقنع بخلافة بيتهم وكان انسانا حسنا بهيا ذا تؤدة ووقار وفيه قابلية لادراك الامور الدقيقة والاعمال الرياضية وهو الذي حمل الشيخ مصطفى الخياط الفلكي على حساب حركة الكواكب الثابتة وأطوالها وعروضها ودرجات ممرها ومطالعها لما بعد الرصد الجديد الى تاريخ وقته وهي من مآثره مستمرة المنفعة لمدة من السنين واقتنى كثيرا من الآلات الهندسية الادوات الرسمية رغب فيها وحصلها بالاثمان الغالية وهو الذي أنشأ المكان اللطيف المرتفع بدارهم المجاور للقاعة الكبيرة المعروفة بأم الافراح المطل على الشارع المسلوك وما به من الرواشن المطلة على حوش المنزل والطريق وما به من الخزائن والخورنقات والرفارف والشرفات والرفوف الدقيقة الصنعة وغير ذلك وهو الذي كنى الفقير بابي العزم وذلك في سنة 1177 برحاب اجدادهم يوم المولد النبوي المعتاد وتوفي في سابع المحرم سنة تاريخه وصلي عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن بتربة اجدادهم نفعنا الله بهم وامدنا من أمدادهم
وتولى الخلافة بعده مسك ختامهم ومهبط وحي اسرارهم نادرة الدهر وغرة وجه العصر الامام العلامة واللوذعي الفهامة من مصابيح فضله مشارق الانوار السيد شمس الدين محمد ابو الانوار نسأل الله لحضرته طول البقاء ودوام العز والارتقاء آمين
ومات الامام العلامة الفقيه النبيه شيخ الاسلام وعمدة الانام الشيخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الرحمن بن احمد السجيني الشافعي الازهري شيخ الازهر وكنيته ابو الجود اخذ عن عمه الشمس السجيني (1/369)
ولازمه وبه تخرج وبعد وفاته درس المنهج موضعه وتولى مشيخة الازهر بعد الشيخ الحفني وسار فيها بشهامة وصرامة الا انه لم تطل مدته وتوفي رابع عشر شوال وصلي عليه بالازهر ودفن بجوار عمه باعلى البستان واتفق انه وقعت له حادثة قبل ولايته على مشيخة الجامع بمدة وهي التي كانت سببا لاشتهار ذكره بمصر وذلك ان شخصا من تجار خان الخليلي تشاجر مع رجل خادم فضربه ذلك الخادم وفر من امامه فتبعه هو وآخرون من ابناء جنسه فدخل الى بيت الشيخ المترجم فاضل خلفه وضربه برصاصة فاصابت شخصا من اقارب الشيخ يسمى السيد احمد فمات وهرب الضارب فطلبوه فامتنع عليهم وتعصب معه اهل خطته وابناء جنسه فاهتم الشيخ عبد الرؤوف وجمع المشايخ والقاضي وحضر اليهم جماعة من امراء الوجاقلية وانضم اليهم الكثير من العامة وثارت فتنة أغلق الناس فيها الاسواق والحوانيت واعتصم اهل خان الخليلي بدائرتهم واحاط الناس بهم من كل جهة وحضر اهل بولاق واهل مصر القديمة وقتل بين الفريقين عدة اشخاص واستمر الحال على ذلك اسبوعا ثم حضر علي بك ايضا وذلك في مبادي امره قبل خروجه منفيا واجتمعوا بالمحكمة الكبرى وامتلأ حوش القاضي بالغوغاء والعامة وانحط الامر على الصلح وانفض الجمع ونودي في صبحها بالامان وفتح الحوانيت والبيع والشراء وسكن الحال
ومات الشيخ الصالح الخير الجواد احمد بن صلاح الدين الدنجيهي الدمياطي شيخ المتبولية والناظر على اوقافها كان رجلا رئيسا محتشما صاحب احسان وبر ومكارم اخلاق وكان ظلا ظليلا على الثغر يأوي اليه الواردون فيكرمهم ويواجههم بالطلاقة والبشر التام مع الاعانة والانعام ومنزله مجمع للاحباب ومورد لائتناس الاصحاب وتوفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة عن ثمانين سنة تقريبا (1/370)
ومات الامام الفاضل احد المتصدرين بجامع بن طولون الشيخ احمد ابن احمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عامر العطاشي الفيومي الشافعي كان له معرفة في الفقه والمعقول والادب بلغني انه كان يخبر عن نفسه انه يحفظ اثني عشر الف بيت من شواهد العربية وغيرها وادرك الاشياخ المتقدمين واخذ عنهم وكان انسانا حسنا منور الوجه والسيبة ولديه فوائد ونوادر مات في سادس جمادى الثانية عن نيف وثمانين سنة تقريبا غفر الله له
ومات الامير خليل بك القازدغلي اصله من مماليك ابراهيم كتخدا القازدغلي وتقلد الامارة والصنجقية بعد موت سيده وبعد قتل حسين بك المعروف بالصابونجي وظهر شأنه في أيام علي بك الغزاوي وتقلد الدفتردارية ولما سافر علي بك اميرا بالحج في سنة ثلاث وسبعين جعله وكيلا عنه في رياسة البلد ومشيختها وحصل ما حصل من تعصبهم على علي بك وهروبه الى غزة كما تقدم وتقلبت الاحوال فلما نفي علي بك جن في المرة الثانية كان هو المتعين للامارة مع مشاركة حسين بك كشكش فلما وصل علي بك وصالح بك على الصورة المتقدمة هرب المترجم مع حسين بك وباقي جماعتهم الى جهة الشام ورجعوا في صورة هائلة وجرد عليهم علي بك وكانت الغلبة لهم على المصريين فلم يجسراو على الهجوم كما فعل علي بك وصالح بك
فلو قدر الله لهم ذلك كان هو الرأي فجهز علي بك على الفور تجريدة عظيمة وعليهم محمد بك ابو الذهب وخشداشينه فخرجوا اليهم وعدوا خلفهم ولحقوهم الى طندتا فحاصروهم بها وحصل ما حصل من قتل حسين بك ومن معه والتجأ المترجم الى ضريح سيدي احمد البلدوي فلم يقتلوه اكراما لصاحب الضريح
وارسل محمد بك يخبر مخدومه ويستشيره في أمره فارسل اليه بتأمينه وارساله الى ثغر سكندرية ثم ارسل بقتله فقتلوه بالثغر خنقا ودفن هناك
وكان اميرا جليلا ذا عقل ورياسة واما الظلم فهو قدر مشترك في الجميع (1/371)
ومات ايضا الامير حسين بك كشكش القازدغلي وهو ايضا من مماليك ابراهيم كتخدا وهو احد من تآمر في حياة استاذه وكان بطلا شجاعا مقداما مشهورا بالفروسية وتقلد امارة الحج اربع مرات آخرها سنة 1176 ورجع اوائل سنة 1177 ووقع له مع العرب ما تقدم الالماع به في الحوادث السابقة واخافهم وهابوه حتى كانوا يخوفون بذكره اطفالهم وكذلك عربان الاقاليم المصرية
وكان اسمر جهوري الصوت عظيم اللحية يخالطها الشيب يميل طبعه الى المزاح والخدعة واذا لم يجد من يمازحه في حال ركوبه وسيره مازح سواسه وخدمه وضاحكهم
وسمعته مرة يقول لبعضهم مثلا سائرا ونحو ذلك
وكان له ابن يسمى فيض الله كريم العين فكان يكنى به
قتل المترجم بطندتا واتى برأسه الى مصر كما تقدم ودفن هناك وقبره ظاهر مشهور ودفن ايضا معه مملوكه حسن بيك شبكة وخليل بيك السكران وكانا ايضا يشبهان سيدهما في الشجاعة والخلاعة
ومات الامير الكبير الشهير صالح بك القاسمي وأصله مملوك مصطفى بك المعروف بالفرد ولما مات سيده تقلد الامارة عوضه وجيش عليه خشداشينه واشتهر ذكره وتقلد امارة الحج في سنة 1172 كما تقدم في ولاية علي باشا الحكيم وسار أحسن سير ولبسته الرياسة والامارة والتزم ببلاد أسياده واقطاعاتهم القبلية هو وخشداشينه واتباعهم وصار لهم نماء عظيم وامتزجوا بهوارة الصعيد وطباعهم ولغتهم ووكله شيخ العرب همام في اموره بمصر وأنشأ داره العظيمة المواجهة للكبش ولم يكن لها نظير بمصر
ولما نما أمر علي بك ونفي عبد الرحمن كتخدا الى السويس كان المترجم هو المتسفر عليه وأرسل خلفه فرمانا بنفيه الى غزة ثم نقل منها الى رشيد ثم ذهب من هناك الى الصعيد من ناحية البحيرة واقام بالمنية وتحصن بها وجرى ما جرى من توجيه المحاربين اليه وخروج (1/372)
علي بك منفيا وذهابه الى قبلي وانضمامه الى المذكور كما تقدم بعد الايمان والعهود والمواثيق وحضوره معه الى مصر على الصورة المذكورة آنفا وقد ركن اليه وصدق مواثيقه ولم يخرج عن مزاجه ولا ما يأمر به مثقال ذرة وباشر قتال حسين بك كشكش وخليل بك ومن معهما مع محمد بك كما ذكر آنفا كل ذلك في مرضاة علي بك وحسن ظنه فيه ووفائه بعهده الى ان غدر به وخانه وقتله كما ذكر
وخرجت عشيرته وأتباه من مصر على وجوههم منهم من ذهب الى الصعيد ومنهم من ذهب الى جهة بحري
وكان أميرا جليلا مهيبا لين العريكة يميل بطبعه الى الخير ويكره الظلم سليم الصدر ليس فيه حقد ولا يتطلع لما في أيدي الناس والفلاحين ويغلق ما عليه وعلى أتباعه وخشداشينه من المال والغلال الميرية كيلا وعينا سنة بسنة وقورا محتشما كثير الحياء وكانت احدى ثناياه مقلوعة فاذا تكلم مع أحد جعل طرف سبابته على فمه ليسترها حياء من ظهورها حتى صار ذلك عادة له
ولما بلغ شيخ العرب همام موته اغتم عليه غما شديدا وكان يحبه محبة اكيدة وجعله وكيله في جميع مهماته وبعلقاته بمصر ويسدد له ما عليه من الاموال الميرية والغلال
ولما قتل الامير صالح بك أقام مرميا تجاه الفرن الذي هناك حصة ثم أخذوه في تابوت الى داره وغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة رحمه الله
ومات وحيد دهره في المفاخر وفريد عصره في المآثر نخبة السلالة الهاشمية وطراز العصابة المصطفوية السيد جعفر بن محمد البيتي السقاف باعلوي الحسيني أديب جزيرة الحجاز ولد بمكة وبها أخذ عن النخلي والبصري وأجيز بالتدريس فدرس وأفاد
واجتمع إذ ذاك بالسيد عبد الرحمن العيدروس وكل منهما أخذ عن صاحبه وتنقلت به الاحوال فولي كتابة الينبع ثم وزارة المدينة وصار اماما في الادب يشار اليه بالبنان وكلامه العذب يتناقله الركبان وله ديوان شعر جمعه لنفسه (1/373)
وله مدائح وقصائد وغزليات كلها غرر محشوة بالبلاغة تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه
توفي بهذه السنة بالمدينة المنورة
سنة ثلاث وثمانين ومائة والف
فيها في المحرم أخرج علي بك عثمان اغا الوكيل من مصر منفيا الى جهة الشام وكذلك احمد أغا اغات الجوالي وأغات الضربخانة الى جهة الروم
وكان أحمد أغا هذا رجلا عظيما ذا غنية كبيرة وثروة زائدة فصادره علي بك في ماله وامره بالخروج من مصر فاحضر المطربازية والدلالين والتجار وأخرج متاعه وذخائره وباعها بسوق المزاد بينهم فبيع موجوده من أمتعة وثياب وجواهر وتحف واسلحة وكتب واشياء نفيسة وهو ينظر اليها ويتحسر ثم سافر الى جهة الاسكندرية
وفيها توفي محمد باشا الذي كان بقصر عبد الرحمن كتخدا بشاطيء النيل ولعله مات مسموعا ودفن بالقرافة الصغرى عند مدافن الباشوات بالقرب من الامام الشافعي
ونزل الحج ودخل الى مصر مع امير الحاج خليل بك بلغيا في امن وأمان
ووصل باشا من طريق البر وطلع الامراء الى العادلية لملاقاته ونصبوا خيامهم ودخل بالموكب وذلك في شهر صفر
وفيها أرسل علي بك تجريدة الى سويلم بن حبيب والهنادي بالبحيرة ثم نقل منها الى المحلة الكبرى فاقام سنين
وفيها ارسل علي بك تجريدة الى سويلم بن حبيب والهنادي بالبحبر وباش التجربدة اسمعيل بك وذلك ان ابن حبيب لما رحل من دجوة وذهب الى البحيرة وانضم الى عرب الهنادي وكان المتولي على كشوفية البحيرة عبدالله بك تابع علي بك فحاربوه وحاربهم حتى قتل عبد الله بك المذكور في المعركة ونهبوا متاعة ووطاقه وكان احمد بك بشناق لما خرج من مصر هاربا بعد قتل صالح بك كما تقدم ذهب الى الروم فصادف (1/374)
هناك جماعة من الهربانين ومنهم يحيى السكري وعلي أغا المعمار وعلي بك الملط وغيرهم وزيفوا بسبب المغرضين لعلي بك بدار السلطنة فنزلوا في مركبين الى درنة فوصلوها متفرقين
فالتي وصلت اولا بها يحيى السكري وعلي المعمار والملط فركبوا عندما وصلوا الى درنة وذهبوا الى الصعيد ووصلت المركب الأخرى بعد أيام وبها أحمد بك بشناق فطلع الى عند الهنادي
فلما وصل اسمعيل بك ومن معة بالتجريدة فتحاربوا مع الحبايبة والهنادي ومعهم أحمد بك بشناق ثلاثة أيام وكان سويلم بن حبيب منعزلا في خيمة صغيرة عند امرأة بدوية بعيدا عن المعركة فذهب بعض العرب وعرف الامراء بمكانة فكبسوه وقتلوه وقطعوا رأسة ورفعوها على رمح واشتهر ذلك
فارتفع الحرب من بين الفريقين وتفرق الهنادي وعرب الجزيرة والصوالحة وغيرهم وراحت كسرة على الجميع ولم يقم لهم قائم من ذلك اليوم
وتغيب أحمد بك بشناق فلم يظهر الا بعد مدة ببلاد الشام
وفيها تقلد أيوب بك على منصب جرجا وخرج مسافرا ومعه عدة كبيرة من العساكر والاجناد فوصلوا الى قرب اسيوط فوردت الاخبار باجتماع الامراء المنفيين وتملكهم اسيوط وتحصنهم بها وكان من أمرهم انه لما ذهب محمد بك أبو الذهب الى جهة قبلي لمنابذة شيخ العرب همام كما تقدم وجرى بينهما الصلح على ان يكون لهمام من حدود برديس وتم الامر على ذلك بشرط ان تطرد المصريين الذين عندك ولا تبقي منهم احدا بدائرتك
فجمعهم وأخبرهم بذلك وقال لهم اذهبوا الى اسيوط واملكوها قبل كل شيء فان فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة وأنا امدكم بعد ذلك بالمال والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا وذهبوا الى اسيوط وكان بها عبد الرحمن كاشف من طرف علي بك وذو الفقار كاشف (1/375)
وقد كانوا حصنوا البلدة وجهاتها وبنوا كرانك والبوابة وركب عليها المدافع فتحيل ليلا وزحفوا الى البوابة ومعهم انخاخ وأحطاب جعلوا فيها الكبريت والزيت وأشعلوها وأحرقوا الباب وهجموا على البلدة فلم يكن له بهم طاقة لكثرتهم وهم جماعة صالح بك وباقي القاسمية وجماعة الخشاب وجماعة الفلاح وجماعة مناو ويحيى السكري وسليمان الجلفي وحسن كاشف ترك وحسن بك ابو كرش ومحمد بك الماوردي وعبد الرحمن كاشف من خشداشين صالح بك وكان من الشجعان ومحمد كتخدا الجلفي وعلي بك الملط تابع خليل بك وجماعة كشكش وغيرهم ومعهم كبار الهوارة واهالي الصعيد
فملكوا اسيوط وتحصنوا بها وهرب من كان فيها ووردت الاخبار بذلك الى علي بك فعين للسفر ابراهيم بلغيا ومحمد بك أبا شنب وعلي بك الطنطاوي ومن كل وجاق جماعة وعساكر ومغاربة وأرسل الى خليل بك القاسمي المعروف بالاسيوطي فاحضره من غزة وطلع هو وابراهيم بك تابع محمد بك بعساكر أيضا وعزل الباشا وأنزله وحبسه ببيت ايواظ يك عند الزير المعلق ثم سافر محمد بك ابو الذهب ورضوان بك وعدة من الامراء والصناجق وضم اليهم ما جمعه وجلبه من العساكر المختلفة الاجناس من دلاة ودروز ومتاولة وشوام
وسافر الجميع برا وبحرا حتى وصلوا الى أيوب بك وهو يرسل خلفهم في كل يوم بالامداد والجبخانات والذخيرة والبقسماط وذهب الجميع الى أن وصلوا قرب اسيوط ونصبوا عرضيهم عند جزيرة منقباط وتحققوا وصول محمد بك ومن معه وفرحوا بذلك لانهم كانوا رأوا في زايرجات الرمل سقوطه في المعركة
ثم أجمعوا رأيهم على ان يدهموهم آخر الليل فركبوا في ساعة معلومة وسار بهم الدليل في طوق الجبل وقصدوا النزول من محل كذا على ناحية كذا من العرضي فتاه وضل بهم الدليل حتى تجاوزوا (1/376)
المكان المقصود بساعتين واخذوا جهة العرضى فوجدوه قبليهم بذلك المقدار وعلموا فوات القصد وان القوم متى علموا حصولهم خلفهم ملكوا البلدة من غير مانع قبل رجوعهم من المكان الذي اتوا منه فما وسعهم الا الذهاب اليهم ومصادمتهم على أي وجه كان فلم يصلوهم الا بعد طلوع النهار
وتبقظ القوم واستعدوا لهم فالتطموا معهم وهم قليلون بالنسبة اليهم ووقع العرب واشتد الجلاد وبذلوا جهدهم في الحرب ويصرخ الكثير منهم بقوله اين محمد بك فبرز اليهم محمد بك أبو شنب وهو يقول أنا محمد بك
فقصدوه وقاتلوه وقاتلهم حتى قتل وسقط جواد يحيى السكري فلم يزل يقاتل ويدافع حصة طويلة حتى تكاثروا علية وقتلوة وعبد الرحمن كاشف القاسمي يحارب بمدفع يضربة وهو على كتفة
وانجلت الحرب عن هزيمتهم ونصرة المصريين عليهم وذلك عند جبانة اسيوط
فتشتتوا في الجهات وانضموا الى كبار الهوارة وملك المصريون اسيوط ودفنوا القتلى ومحمد بك أبا شنب
واغتم محمد بك ابو الذهب لموته وفرح لوقوع الزايرجة عليه ومفاداته لة لأنه كان يعلم ذلك أيضا
وأقاموا بأسيوط اياما ثم ارتحلوا الى قبلي بقصد محاربة همام والهوارة
واجتمع كبار الهوارة مع من انضم اليهم من الأمراء المهزومين فراسل محمد بك اسمعيل أبا عبد الله وهو ابن عم همام واستماله ومناه وواعده برياسة بلاد الصعيد عوضا عن شيخ العرب همام حتى ركن الى قوله وصدق تمويهاته وتقاعس وتثبط عن القتال وخذل طوائفه
ولما بلغ شيخ العرب همام ما حصل ورأى فشل القوم خرج من فرشوط وبعد عنها مسافة ثلاثة ايام ومات مكمودا مقهورا ووصل محمد بك ومن معه الى فرشوط فلم يجدوا مانعا فملكوها ونهبوا واخذوا جميع ما كان بدوائر همام وأقاربة واتباعه من ذخائر وأموال وغلال
وزالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك التاريخ كانها (1/377)
لم يكن ورجع الأمراء الى مصر ومحمد بك أبو الذهب وصحبته درويش ابن شيخ العرب همام
فانه لما مات أبوه وانكسر ظهر القوم بموته وعلموا انهم لا نجاح لهم بعده أشاروا على ابنه بمقابلة محمد بك وانفصلوا عنه وتفرقوا في الجهات
فمنهم من ذهب الى درنه ومنهم من ذهب الى الروم ومنهم من ذهب الى الشام
وقابل درويش بن همام محمد بك وحضر صحبته الى مصر وأسكنه في مكان بالرحبة المقابلة لبيته وصار يركب ويذهب لزيارة المشاهد ويتفرج على مصر ويتفرج عليه الناس ويعدون خلفه وأمامه لينظروا ذاته
وكان وجيها طويلا أبيض اللون اسود اللحية جميل الصورة ثم ان علي بك أعطاه بلاد فرشوط والوقف بشفاعة محمد بك
وذهب الى وطنه فلم يحسن السير والتدبير وأخذ امره في الانحلال وحاله في الاضمحلال وارسل من طالبه بالاموال والذخائر فاخذوا ما وجدوه
وحضر الى مصر والتجأ الى محمد بك فاكرمه وانزله بمنزل بجواره فلم يزل مقيما به حتى خرج محمد بك من مصر مغاضبا لاستاذه فلحق به الى الصعيد وخلص الاقليم المصري بحري
وقبلي الى علي بك وأتباعه فشرع في قتل المنفيين الذين أخرجهم الى البنادر مثل دمياط ورشيد والاسكندرية والمنصورة فكان يرسل اليهم ويخنقهم واحدا بعد واحد فخنق علي كتخدا الخربطلي برشيد وحمزة بك تابع خليل بك بزفتا وقتلوا معه سليمان أغا الوالي وإسمعيل بك أبا مدفع بالمنصورة وعثمان بك تابع خليل بك هرب الى مركب البيليك فحماه وذهب الى اسلامبول ومات هناك ونفى أيضا جماعة واخرجهم من مصر وفيهم سليمان كتخدا المشهدي وابراهيم أفندي جمليان
ومات الباشا المنفصل بالبيت الذي نزل فيه ولحق بمن قبله
ومما اتفق ان علي بك صلى الجمعة في اوائل شهر رمضان بجامع الداودية فخطب الشيخ عبد ربه ودعا للسلطان ثم دعا لعلي بك
فلما (1/378)
انقضت الصلاة وقام علي بك يريد الانصراف احضر الخطيب وكان رجلا من اهل العلم يغلب عليه البله والصلاح فقال له من امرك بالدعاء باسمي على المنبر أقيل لك اني سلطان فقال نعم انت سلطان وانا ادعو لك
فاظهر الغيظ وامر بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي فقام بعد ذلك متألما من الضرب وركب حمارا وذهب الى داره ثم ان علي بك ارسل اليه في ثاني يوم بدراهم وكسوة واستسمحه
من مات في هذه السنة من العلماء والامراء
مات الامام الولي الصالح المعتقد المجذوب العالم العامل الشيخ علي ابن حجازي بن محمد البيومي الشافعي الخلوتي ثم الاحمدي ولد تقريبا سنة 1108 حفظ القرآن في صغره وطلب العلم وحضر دروس الاشياخ وسمع الحديث والمسلسلات على عمر بن عبد السلام التطاوني وتلقن الخلوتية من السيد حسين الدمرداشي العادلي وسلك بها مدة ثم اخذ طريق الاحمدية عن جماعة ثم حصل له جذب ومالت اليه القلوب وصار للناس فيه اعتقاد عظيم
وانجذبت اليه الارواح ومشى كثير من الخلق على طريقته واذكاره وصار له اتباع ومريدون وكان يسكن الحسينية ويعقد حلق الذكر في مسجد الظاهر خارج الحسينية وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته وكان ذا واردات وفيوضات واحواله غريبة
والف كتبا عديدة منها شرح الجامع الصغير وشرح الحكم لابن عطاء الله السكندري وشرح الانسان الكامل للجيلي وله مؤلفات في طريق القوم خصوصا في طريق الخلوتية الدمرداشية الفه سنة 1144 وشرح الاربعين النووية ورسالة في الحدود وشرح على الصيغة الاحمدية وشرح على الصيغة المطلسمة وله كلام عال في التصوف واذا تكلم افصح في البيان واتى بما يبهر الاعيلان وكان يلبس قميصا ابيض وطاقية بيضاء (1/379)
ويعتم عليها بقطعة شملة حمراء لا يزيد على ذلك شتاء وصيفا وكان لا يخرج من بيته الا في كل اسبوع مرة لزيارة المشهد الحسيني وهو على بغلة واتباعه بين يديه وخلفه يعلنون بالتوحيد والذكر وربما جلس شهورا لا يجتمع باحد من الناس
وكانت له كرامات ظاهرة
ولما كان يعقد الذكر بالمشهد الحسيني في كل يوم ثلاثاء ويأتي بجماعته على الصفة المذكورة ويذكرون في الصحن الى الضحوة الكبرى قامت عليه العلماء وانكروا ما يحصل من التلوث في الجامع من اقدام جماعته اذ غالبهم كانوا يأتون حفاة ويرفعون اصواتهم بالشدة وكاد ان يتم لهم منعه بواسطة بعض الامراء فانبرى لهم الشيخ الشبراوي وكان شديد الحب في المجاذيب وانتصر له وقال للباشا والامراء هذا الرجل من كبار العلماء والاولياء فلا ينبغي التعرض له
وحينئذ امره الشيخ بان يعقد درسا بالجامع الازهر فقرأ في الطيبرسية الاربعين النووية وحضره غالب العلماء وقرر لهم ما بهر عقولهم فسكتوا عنه وخمدت نار الفتنة
ومن كلامه في آخر رسالة الخلوتية ما نصه فمن منن الله علي وكرمه أني رأيت الشيخ دمرداش في السماء وقال لي لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة وكنت ارى النبي صلى الله عليه و سلم في الخلوة في المولد فقال لي في بعض السنين لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة ورأيته يقول لابي بكر رضي الله عنه اسع بنا نطل على زاوية الشيخ دمرداش وجاءا حتى دخلا في الخلوة ووقفا عندي وأنا اقول الله الله وحصل لي في الخلوة وهم في رؤية النبي صلى الله عليه و سلم فرأيت الشيخ الكبير يقول لي عند ضريحه مد يدك الى النبي صلى الله عليه و سلم فهو حاضر عندي
ورأيته في خلوة الكردي يعني الشيخ شرف الدين المدفون بالحسينية بين اليقظة والنوم وأنا جالس فانتبهت فرأيت النور قد ملأ المحل فخرجت منها هائما فحاشني بعض من كان في المحل فوقفت عند الشيخ ولم أقدر (1/380)
على العود الى الخلوة من الهيبة الى آخر الليل
وتبسم في وجهي مرة واعطاني خاتما وقال لي والذي نفسي بيده في غد يظهر ما كان مني وما كان منك
ومن كراماته انه كان يتوب العصاة من قطاع الطريق ويردهم عن حالهم فيصيرون مريدين له وذا سمعته من الثقات ومنهم من صار من السالكين وكان تارة يربطهم بسلسلة عظيمة من حديد في عمدان مسجد الظاهر وتارة بالشوق في رقبتهم يؤدبهم بما يقتضيه رأيه
وكان اذا ركب ساروا خلفه بالاسلحة والعصي وكانت عليه مهابة الملوك
واذا ورد المشهد الحسيني يغلب عليه الوجد في الذكر حتى يصير كالوحش النافر في غاية القوة فاذا جلس بعد الذكر تراه في غاية الضعف
وكان الجالس يرى وجهه تارة كالوحش وتارة كالعجل وتارة كالغزال
ولما كان بمصر مصطفى باشا مال اليه واعتقده وزاره فقال له انك ستطلب الى الصدارة في الوقت الفلاني فكان كما قال له الشيخ
فلما ولي الصدارة بعث الى مصر وبنى له المسجد المعروف به بالحسينية وسبيلا وكتابا وقمة وبداخلها مدفن للشيخ علي على يد الامير عثمان أغا وكيل دار السعادة ولما مات خرجوا بجنازته وصلي عليه بالازهر في مشهد عظيم ودفن بالقبر الذي بني له بداخل القبة بالمسجد المذكور
ومات علامة وقته واوانه الآخذ من كمية البلاغة بعنانه والولي الصوفي من صفا فصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم الفوي رحل من بلدته فوة الى الجامع الازهر فطلب العلم وأخذ عن الشيخ الديربي فجعله ممليا عليه في الدرس حتى قرأ الاشموني والمختصر ونحو ذلك واخبر عن نفسه كان ملازما لولي من أولياء الله تعالى فحين تعلقت نفسه بالمجيء الى الجامع الازهر توجه مع هذا الولي لزيارة ثغر دمياط
ثم اشتغل بالفقه وغيره من أصول ومنطق ومعان وبيان وتفسير وحديث وغير ذلك حتى فاق على أقرانه وصار علامة زمانه
ثم اخذ عن الشيخ الحفني الطريق (1/381)
وتلقن الاسماء وسار على حسب سلوكه وسيره والبسه التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الاذكار ودعا الناس اليها في سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار القرآن ويتكلم في الحقائق
نقل عن الشيخ الحفني انه ورد عليه منه مكتوب فقال الحمد لله الذي جعل في اتباعه من هو كمحيي الدين ابن العربي
توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وخلف ولده السيد احمد موجود في الاحياء بارك الله فيه
وممن أخذ عنه صاحبنا العمدة العلامة الصالح السيد علي المعروف بزيادة الرشيدي وهو خليفة الخلوتية الآن بثغر رشيد نفع الله به
ومات الجناب المبجل الفريد الكاتب الماهر المنشيء البليغ المجيد محمد أفندي بن اسمعيل السكندري العارف بالالسنة الثلاثة العربية والفارسية والتركية وكان لديه محاورات ولطائف ادبية وميل شديد الى علم اللغة وبحث عن الادوات المتعلقة به ورسائله في الالسن الثلاثة غاية في الفصاحة مع حسن حظ ووفور حظ ومهابة عند الامراء وقبول عند الخواص ووالده كان اسرائيليا فاسلم وحسن اسلامه وتولى مناصب جليلة بالثغر وله هناك شهرة فولد هذا هناك وهذبه وادبه حتى صار الى ما صار واستقر بمصر وما زالت له املاك هناك وقرابة رايته يأتي لزيارة الشيخ الوالد وقد اكتهل وتناهى في السن وابقى الدهر في زواياه خبايا مستحسنة
ورأيت بخط يده كتاب بهارستان لمولانا جامي قد احسن في كتابته واتقن في سياقه ومجموعا فيه النوادر من اشعار الالسن الثلاثة
وبالجملة لم يكن في عصره من يدانية في الفنون التي كان تجمل بها
وقد ذكره الاديب الشيخ عبد الله الادكاري في بضاعة الاريب واثنى على محاسنه وكانت بينهما الفة تامة ومصافاة ومصادقة ومحاورات ادبية
فان المترجم كان أوحد عصره ووحيد مصره لم يدانيه في مجموعة (1/382)
الفضائل احد ولم يزل حميد المسغى جميل السيرة بهيا وقورا مهيبا عند الامراء والوزراء حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة حادي عشر المحرم من السنة
ومات الاستاذ العارف سيدي علي بن العربي بن علي العربي الفاسي المصري الشهير بالسقاط ولد بفاس وقرأ على والده وعلى العلامة محمد ابن أحمد بن العربي بن الحاج الفاسي سمع منه الاحياء جميعا بقراءة ولد عمه النبيه الكاتب ابي عبد الله محمد بن الطيب بن محمد بن علي السقاط وعلى ولده ابي العباس احمد بن محمد العربي ابن الحاج وعلى سيدي محمد بن عبد السلام البناني كتب العربية والمعقول والبيان ولما ورد مصر حاجا لازمه فقرأ عليه بلفظه من الصحيح الى الزكاة والشمايل بطرفيه بالجامع الازهر وكثيرا من المسلسلات والكتب التي تضمنتها فهرست ابن غازي قراءة بحث وتفهيم واجازه حينئذ باواسط جمادى الثانية سنة 1143 وجاور بمكة فسمع على البصري الصحيح كاملا ومسلما بفوت وجميع الموطأ رواية يحيى بن يحيى وذلك خلف المقام المالكي عند باب ابراهيم واجازه وعلى النخلي اوائل الكتب الستة واجازه وعاد الى مصر فقرأ على الشيخ ابراهيم الفيومي اوائل البخاري وعلى احمد بن احمد الغرقاوي واجازه وعلى عمر بن عبد السلام التطاوني جميع الصحيح وقطعة من البيضاوي بجامع الغوري سنة 1136 وجميع المنح البادية في الاسانيد العالية واضافه على الاسودين وشابكه وصافحه وناوله السبحة واجازه بسائر السلسلات وعلى محمد القسطنطيني رسالة ابن ابي زيد برواق المغاربة وعلى محمد بن زكري شرحه على الحكم بجامع الغوري وعلى سيدي محمد الزرقاني كتاب الموطأ من باب العتق الى آخره واجازه به يوم ختمه وذلك ثامن شعبان سنة 1113
وروى حديث الرحمة عن سيدي السيد مصطفى البكري في سنة 1160 (1/383)
واجازه ابن الميت في العموم واجتمع به شيخنا السيد مرتضى في منزل السيد علي المقدسي كان قد اتى اليه لمقابلة المنح البادية على نسخته وشاركهما في المقابلة واحبه وباسطه وشافهه بالإجازة العامة وكان انسانا مستأنسا بالوحدة منجمعا عن الناس محبا للانفراد غامضا مخفيا ولا زال كذلك حتى توفي في آواخر جمادى الاولى سنة 1183 ودفن بالزاوية بالقرب من الفحامين
ومات الجناب الاجل والكهف الاظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الاصيلي الملكي ملجأ الفقراء والامراء ومحط رجال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الامير شرف الدولة همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام بن صبيح بن سيبيه الهوراي عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الاسفار وتلقى عنده عصى التسيار واخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان منها انه اذا نزل بساحته الوفود والضيفان تلقاهم الخدم وانزلوهم في اماكن معدة لامثالهم واحضروا لهم الاحتياجات واللوازم من السكر وشمع العسل والاواني وغير ذلك ثم مرتب الاطعمة في الغداء والعشاء والفطور في الصباح والمربيات والحلوى مدة اقامتهم لمن يعرف ومن لا يعرف
فان أقاموا على ذلك شهورا لا يختل نظامهم ولا ينقص راتبهم والا قضوا اشغالهم على اتم مرادهم وزادهم اكراما وانصرفوا شاكرين وان كان الوافد ممن يرتجى البر والاحسان اكرمه واعطاه وبلغه اضعاف ما يترجاه
ومن الناس من كان يذهب اليه في كل سنة ويرجع بكفاية عامة وهذا شأنه في كل من كان من الناس
وأما اذا كان الوافد عليه من اهل الفضائل او ذوي البيوت قابلة بمزيد الاحترام وحياة بجزيل الانعام وكان ينعم بالجواري والعبيد والسكر والغلال والثمر والسمن والعسل واذا (1/384)
ورد عليه انسان ورآه مرة وغاب عنه سنين ثم نظره وخاطبه عرفه وتذكره ولا ينساه
وحاله فيما ذكر من الضيفان والوافدين والمسترفدين أمر مستمر على الدوام لا ينقطع أبدا
وكان الفراشون والخدم يهيئون أمر الفطور من طلوع الفجر فلا يفرغون من ذلك الا ضحوة النهار ثم يشرعون في أمر الغداء من الضحوة الكبرى الى قريب العصر ثم يبتدئون في أمر العشاء وهكذا
وعنده من الجواري والسراري والمماليك والعبيد شيء كثير ويطلب في كل سنة دفتر الارقاء ويسأل عن مقدار من مات منهم فان وجده خمسمائة أو أربعمائة استبش وانشرح وان وجده ثلثمائة او اقل او نحو ذلك اغتم وانقبض خاطره ورأى ان ربما كانت في اعظم من ذلك وكان له برسم زراعة قصب السكر وشركة فقط اثنا عشر ألف ثور وهذا بخلاف المعد للحرث ودراس الغلال والسواقي والطواحين والجواميس والابقار الحلابة وغير ذلك
واما شون الغلال وحواصل السكر والتمر بأنواعه والعجوة فشيء لا يعد ولا يحد وكان الانسان الغريب اذا رأى شون الغلال من البعد ظنها مزارع مرتفعة لطول مكث الغلال وكثرتها فينزل عليها ماء المطر ويختلط بالتراب فتنبت وتصير خضرا كأنها مزروعة وكان عنده من الأجناد والقواسة واكثرهم من بقايا القاسمية انضموا اليه وانتسبوا له وهم عدة وافرة وتزوجوا وتوالدوا وتخلقوا باخلاق تلك البلاد ولغاتهم وله دواوين وعدة كتبة من الأقباط والمستوفيين والمحاسبين لا يبطل شغلهم ولا حسابهم ولا كتابتهم ليلا ونهارا ويجلس معهم حصة من الليل الى الثلث الاخير بمجلسه الداخل بحاسب ويملي ويأمر بكتابة مراسيم ومكاتبات
لا يعزب عن فكره شيء قل ولاجل ثم يدخل الى الحريم فينام حصة لطيفة ثم يقوم الى الصلاة
واذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا فيه قطنة وماء ورد فاذا قرب (1/385)
منه بعض الاجلاف وتحادثوا معه وانصرفوا مسح بتلك القطنة عينيه وشمها بانفه حذرا من رائحتهم وصنانهم
وكان له صلات واغداقات وغلال يرسلها للعلماء وارباب المظاهر بمصر في كل سنة
وكان ظلا ظليلا بارض مصر ولما ارتحل لزيارته شيخنا السيد محمد مرتضى وعرف فضله اكرمه اكراما كثيرا وانعم عليه بغلال وسكر وجوار وعبيد وكذلك كان فعله مع امثاله من أهل العلم والمزايا
ولم يزل هذا شأنه حتى ظهر امر علي بك وحصل ما تقدم شرحه من وقائعه من خشداشينه وذهابه الى الصعيد وصلحه مع صالح بك وانضمامه اليه وكان المترجم صديقا لصالح بك وعشيرته فامدهما بالمال والرجال مراعاة لسعي صالح بك حتى تم لهما الامر وغدر علي بك بصالح بك وخرجت رجاله واتباعه الى الصعيد واعلموه بما اوقعه بهم علي بك فاغتم على فقد صالح بك غما شديدا
وحمله ذلك على ان اشار عليهم بذهابهم الى اسيوط وتملكهم اياها فانها باب الصعيد فذهبوا اليها مع جملة المنفيين من مصر والمطرودين كما تقدم وامدهم شيخ العرب المترجم حتى ملكوها واخرجوا من كان بها واستوحش منه علي بك بسبب ذلك وتابع ارسال التجاريد وقدر الله بخذلان القبالي ورجوعهم الى قبلي على تلك الصورة فعند ذلك علم همام انه لم يبق مطلوبا لهم سواه وخصوصا مع ما وقع من فشل كبار الهوارة وآقاربه ونفاقهم عليه فلم يسعه الا الارتحال من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات وذهب الى جهة اسنا فمات في ثامن شعبان من السنة ودفن في بلدة تسمى قمولة فقضى عليه بها رحمه الله
وخلف من الاولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم
ولما مات انكسرت نفوس الامراء ثم ان اكابر الهوارة قدموا ابنه درويشا لكونه اكبر اخوته واشاروا عليه بمقابلة محمد بك ففعل
واما الامراء فنهم من اخذ أمانا من محمد بك وقابله وانضم اليه ومنهم من ذهب الى ناحية (1/386)
درنه ونزل البحر وسافر الى الشام والروم ومنهم من انزوى الى الهوارة بالصعيد
وحضر درويش صحبة محمد بك الى مصر وقابل علي بك واعطاه بلاد فرشوط ورجع مكرما الى بلاده
فلم يحسن السير ولم يفلح واول ما بدأ في احكامه انه صار يقبض على خدم ابيه واتباعه ويعاقبهم ويسلب اموالهم وقبض على رجل يسمى زعيتر وكيل البصل المرتب لمطابخ أبيه فأخذ منه أموالا عظيمة في عدة ايام على مرار اخذ منه في دفعة من الدفعات من جنس الذهب البندقي أربعين الفا وكذلك من يصنع البرد للجواري السود والعبيد وذلك خلاف وكلاء الغلال والاقصاب والسكر والسمن والعسل والتمر والشمع والزيت والبن والشركاء في المزارع
ووصلت اخباره بذلك الى علي بك فعين عليه احمد كتخدا وسافر اليه بعدة من الاجناد والمماليك وطالبه بالاموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها الى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام امارته واخذ منه جملة وكذلك اتباعه من بعده حتى اخرجوا ما في دورهم من المتاع والاواني والنحاس قناطير مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لاجل استخراج الخبايا حتى هدموا الدور والمجالس ونبشوها واخربوها وحضر درويش المذكور بآخرة الى مصر جاليا عن وطنه ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس
واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بارض الوقف اسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا
فاما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 ايام الفرنسيس لامور نقمها عليه وخلف ولدا يدعى محمدا
واما عبد الكريم فانه مات على فراشه قريبا من ذلك التاريخ وترك ولدا يدعى هماما دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل الينا من السفار
وكاتبني وكاتبته في بعض المقتضيات ورأيت ابن عمه محمد المكذور حين اتى الى مصر بعد ذهاب الفرنسيس وتردد عندي مرارا وسبحان من يرث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين (1/387)
ومات الجناب الكبير والمقدام الشهير من سرت بذكره الركبان وطار صيته بكل مكان الفارس الضرغام النجيب شيخ العرب سويلم بن حبيب من اكابر عظماء مشايخ العرب بالقليوبية ومسكنهم دجوة على شاطيء البحر وهو كبير نصف سعد مثل أبيه حبيب بن احمد وليس لهم اصل مذكور في قبائل العرب وانما اشتهروا بالفروسية والشجاعة
وحبيب هذا اصله من شطب قرية قريبة من اسيوط ولما مات حبيب خلف ولديه سالما وسويلما وكان سالم أكبر من اخيه وهو الذي تولى الرياسة بعد ابيه واشتهر بالفروسية وعظم امره وطار صيته وكثرت جنوده وفرسانه ورحاله وخيوله واطاعته جميع المقادم وكبار القبائل ونفذت كلمته فيهم وعظمت صولته عليهم وامتثلوا امره ونهيه ولا يفعلون شيئا بدون اشارته ومشورته
صار له خفارة البرين الشرقي والغربي من ابتداء بولاق الى رشيد ودمياط
وكان هو وفرسه مقوما على انفراده بالف خيال
وكان ظهور حبيب هذا في اوائل القرن
واتفق له ولابنه سالم هذا وقائع وامور مع اسمعيل بك ابن ايواظ وغيره لا بأس يذكر بعضها في ترجمته منها ان في سنة 1125 ارسل حبيب ولده سالما الى خيول الامير اسمعيل بك ابن ايواظ وهجم عليها بالمربع وجم معارفها واذنابها وتركها وذهب ولم ياخذ منها شيئا
وذلك باغراء بعض الناس مثل قيطاس بك وخلافه
وكانت الخيول بالغيط جهة القليوبية
وحضر اميرا خور واخبر مخدومه فاغتاظ لذلك وعزم على الركوب عليه فلاطفه يوسف بك الجزار حتى سكن غيظه ثم احضر حسنا ابا دفية زعيم مصر سابقا من القاسمية مشهور بالشجاعة وجعلوه قائمقام الامانة فسافر بجبخانة ومدفعين وصحبته طوائف ورجال وامره بان يطلب شر حبيب وان قدر على قتله فليفعل
وكتب مكاتبات للنواحي بان يكونوا مطيعين للمذكور فلم يزل حتى نزل في غيط برسيم عند ساقية خراب وعمل هناك متراسا (1/388)
ووضع المدفعين وغطاهما بلباد واقام رصد خيالة بالطريق واذا بسالم بن حبيب ركب في عبيده ورجاله متوجهين الى الجزيرة فنزل بطريقه بغيط الاوسية فحضر الخيالة الرصد الى الامير حسن ابي دفية واخبروه فركب برجاله وابقى عند المدافع عشرة من السجمانية واوصاهم بانهم اذا انهزموا من القوم فانهم يرمون بالمدفعين سواء ففعلوا ذلك بعدما لاقاهم ورمى منهم رجالا ووقع منهم ايضا عند رمي المدافع والرصاص ثلاثة عشر خيالا واخذوا منهم نحو ستة قلائع
ورجع سالم بن حبيب بمن بقي من طائفته الى ابيه وعرفه بما وقع له مع الامير حسن ابي دفية فارسل الى عرب الجزيرة فاحضر منهم فرسانا كثيرة وكذلك من اقليم المنوفية وركب الجميع قاصدين مناوشته
ووصلته أخبار ذلك فركب بمن معه وفعل كالأول وركب مبحرا وانعطف عليهم وحاربهم فرمى منهم فرسانا فانهزموا امامه
فوقف مكانه فرجعت عليه العرب والعبيد فانهزم امامهم فرمحوا خلفه طمعا منهم حتى وصل المدافع فرموا بهم واتبعوهم بطلق الرصاص فولوا هاربين وسقط من عرب الجزيرة وغيرها عدة فرسان
واخذوا منهم خيولا وسلاحا وحضرت نساؤهم ورفعوا القتلى ورجع سالم الى ابيه وعرفه بما جرى عليهم من حرقهم وقتل فرسانهم فارسل حبيب الى قيطاس بك يقول له انك اغريتنا بابن ايواظ وتولد من ذلك انه وجه علينا قائمقامه حرقنا بالنار وقتل منا اجاويد
فأرسل اليه مكاتبة خطابا للقصاصين بمعاونته ومساعدته فحضر اليه منهم عدة فرسان ضاربي نار وجمع اليه عربان الجزيرة وخيالة كثيرة من المنوفية وركب حبيب واولاده وجموعه الى جسر الناحية ونزل هناك وارسل اولاده بخيول يطلبون شر ابي دفية
واذا ركب عليهم انهزموا امامه حتى يصلوا الى محل رباطهم بالجسر ففعلوا ذلك الى ان وصلوا الى الجسر فضربت القصاصة بنادقهم طلقا واحدا فرموا نحو ثلاثين جنديا من الكبار والذي ما اصيب في بدنه (1/389)
اصيب حصانه وردت عليهم الخيول وانهزم الامير حسن ابو دفية بمن بقي معه الى دار الاوسية فاخذت العرب الخيول الشاردة وعروا الغز ورموهم في مقطع من الجسر وارسل العبيد اتوابا لجراريف وجرفوا عليهم التراب من غير غسل ولا تكفين
ورجع الى بلده وخلص ثأره وزيادة وحضرت الاجناد الى مصر واخبروا الصنجق بما وقع لهم مع حبيب واولاده فعزل الامير حسن ابا دفية من قائمقاميته وولى خلافه واخذ فرمانا بضرب حبيب واولاده وركب عليهم من البر والبحر ووصلت النذيرة الى حبيب فرمى مدافع ابي دفية البحر ووضع النحاس في اشناف والقاها ايضا في البحر
وقيل ان حبيب قبل هذه الواقعة بايام احضر ستة قناديل وعمرها بعدما عاير فتائلها وزنها بالميزان عيارا واحدا وكتب على كل قنديل ورقة باسمه واسم اخيه واولاده واسم ابن ايواظ واسرجها دفعة واحدة فانطفأ الذي باسمه اولا ثم انطفأ قنديل ابن ايواظ ثم قناديل اخيه واولاده شيئا بعد شيء
فقال انا اموت في دولة ابن ايواظ
ولما وصل اليه الخبر بحركة ابن ايواظ وركوبه عليه فركب باخيه واولاده وخرجوا هاربين ووصل ابن ايواظ الى دجوة ورمحوا على دواويرهم ورموا الرصاص وكانت المراكب وصلت الى البر الغربي تجاه دجوة ورسوا هناك وموعدهم سماع البنادق
فعند ذلك عدوا الى البر الشرقي وطلعوا اليه
فامر ابن ايواظ بهدم دواوير الحبايبة فهدموها بالقزم والفؤوس وانشأ كفرا بعيدا عن البحر بساقيه وحوض دواب وجامع وميضاة وطاحونين وجمع اهل البلد فعمروا مساكنهم في الكفر وسموه كفر الغلبة
ورجع الامير اسمعيل بك الى مصر واخذ الغز والاجناد ابقارا وعجولا واغناما وجواميس وامتعة وفرشا واخشابا شيئا كثيرا ووسقوه في المراكب وحضروا به من البر ايضا الى مصر
وكتب مكاتبات الى سائر القبائل من العربان بتحذيرهم من قبولهم حبيبا (1/390)
واولاده وان لا ينجمع عليه احد ولا يأويه فلم يسعهم الا انهم ذهبوا عند عرب غزة فاكرموهم ولم يزل بها حتى مات وحضر سالم ابنه بعد ذلك الى قليوب ببيت الشواربي شيخ الناحية سرا واخذله مكاتبة من ابراهيم بك ابي شنب خطابا الى ابن وافي المغربي بأن يوطن اولاد حبيب عنده حتى يأخذ لهم اجازة من استاذهم فارسل احضر عمه واخاه سويلما وعدوا الى الجبل الغربي وساروا عند ابن وافي شيخ المغاربة فرحب بهم وضرب لهم بيوت شعر واقاموا بها الى سنة 1130 فمات ابراهيم بك ابو شنب وكان يؤاسي اولاد حبيب ويرسل لهم وصولات بغلال يأخذونها من بلاده القبلية
فلما مات في الفصل ضاقت معيشتهم فحضر سالم بن حبيب من عند ابن وافي خفية وذلك قبل طلوع ابن ايواظ بالحج سنة احدى وثلاثين ودخل بيت السيد محمد دمرداش وسلم عليه وعرفه بنفسه فرحب به وشكا له حال غربته وبات عنده تلك الليلة واخذه في الصباح الى ابن ايواظ فدخل عليه وقبل يده ووقف فقال السيد محمد للصنجق عرفت هذا الذي قبل يدك
قال لا
قال هذا الذي جم أذناب خيولك
قال سالم
قال لبيك
قال اتيت بيتي ولم تخف قال له نعم اتيت بكفني اما ان تنتقم واما ان تعفو فأننا ضقنا من الغربة وها انا بين يديك
فقال له مرحبا بك احضر اهلك وعيالك وعمر في الكفر واتق الله تعالى وعليكم الامان
وامر له بكسوة وشال وكتب له أمانا وارسل به عبده
وركب سالم وذهب عند ابراهيم الشواربي بقليوب فاقام عنده حتى وصل العبد بالامان الى عمه واخيه في بني سويف فحملوا وركبوا وساروا الى قليوب ونزلوا بدار اوسية الكفر حتى بنوا لهم دواوير واماكن ومساكن واتتهم العرنبية ومشايخ البلاد ومقادمها للسلام والهدايا والتقادم
فاقام على ذلك حتى تولى محمد بك ابن اسمعيل بك امير الحاج فأخذ منه اجازة بعمار البلد الذي على البحر (1/391)
وشرع في تعمير الدور العظيمة والبساتين والسواقي والمعاصر والجوامع وذلك سنة 1134 واستقام حال سالم واشتهر ذكره وعظم صيته واستولى على خفارة البرين ونفذت كلمته بالبلاد البحرية من بولاق الى البغازين وصارت المراكب والرؤساء تحت حكمة وضرب عليها الضرائب والعوائد الشهرية والسنوية وانشأ الدواوير الواسعة والبستان الكبير بشاطيء النيل وكان عظيما جدا وعليه عدة سواق وغرس به اصناف النخيل والاشجار المتنوعة فكانت ثماره وفاكهته وعنبه تجتني بطول السنة واحضر لها الخولة من الشام ورشيد وغير ذلك
ولما وقعت الوقائع بين ذي الفقار بك ومحمد بك جركس المتقدم ذكرها وحضر جركس بمن معه من اللموم الى قرب المنشية وخرجت اليه عساكر مصر وارسلوا الى سالم بن حبيب فجمع العربان وحضر بفرسانه وعبيده الى ناحية الشيمي وحارب مع الأجناد المصرية حتى قتل سليمان بك في المعركة وولى جركس ورجعت التجريدة وتبعه سالم بن حبيب والأسباهية وذهبوا خلفه فعدى الشرق فعدوا خلفه وطلعت تجريدة اخرى من مصر فتلاقوا معهم وتحاربوا مع محمد بك جركس فكانت بينهم وقعة عظيمة فكانت الهزيمة على جركس وحصل ما حصل من وقوع جركس في الروبة وموته ودفنوه بناحية شرونه كما تقدم ورجع سالم بن حبيب بما غنمه في تلك الوقائع الى بلده واشتهر امره واشترى السراري البيض ولم يزل حتى توفي سنة 1151 وخلف ولدا يسمى عليا اشتهر ايضا بالفروسية والنجابة والشجاعة ولما مات سالم ترأس عوضه أخوه سويلم في مشيخة نصف سعد فسار بشهامة واشتهر ذكره وعظم صيته في الاقليم المصري زيادة عن أخيه سالم ووسع الدواوير والمجالس ولما سافر الامير عثمان بك الفقاري بالحج ورجع سنة احدى وخمسين المذكورة فارسل (1/392)
هدية الى سويلم المذكور وارسل له الآخر التقادم ثم ان الامير عثمان بك تغير خاطره على سويلم لسبب من الاسباب فركب عليه على حين غفلة ليلا وتعالى به الدليل ونزل على دجوة طلوع الشمس وكان الجاسوس سبق اليهم وعرفهم بركوب الصنجق عليهم فخرجوا من الدور ووقفوا على ظهور خيولهم بالغيط بعيدا عن البلد فلما حضر الصنجق ورمح على دورهم ورمى الطوائف بالرصاص فلم يجدوا أحدا
فلم يتعرض لنهب شيء ومنع الغز والطوائف عن اخذ شيء وبلغ خبر ركوب الصنجق عمر بك رضوان وابراهيم بك فركبا خلفه حتى وصلا اليه وسلما عليه فعرفهما انه لم يجدهم بالبلد فركب عمر بك وأخذ صحبته مملوكين فقط وسار نحو الغيط فرآهم واقفين على ظهور الخيل فلما عاينوه وعرفوه نزلوا عن الخيل وسلموا عليه فقال لهم لاي شيء تهربون من استاذكم وعرفهم انه اتى بقصد النزهة وأحضر صحبته علي بن سالم فقابل به الامير وقبل يده ورجع الى دواره وأحضر اشياء كثيرة من انواع المآكل حتى اكتفى الجميع
وعزموا عليهم تلك الليلة فبات الصنجق وباقي الامراء وذبح لهم اغناما كثيرة وعجلين جاموس وتعشى الجميع واخرجوا لهم في الصباح شيئا كثيرا من انواع الفطورات ثم قدم لهم خيولا صافنات وركبوا ورجعوا الى منازلهم ولما هرب ابراهيم بك قطامش في ايام محمد راغب باشا وكان سويلم مركونا عليه فجمع سويلم عرب بلي وضرب ناحية شبرا المعدية فوصل الخبر الى ابراهيم جاويش القازدغلي فأخذ فرمانا بضرب ناحية دجوة والخروج من حق اولاد حبيب فعين عليم ثلاثة صناجق وهم عثمان بك ابو يوسف واحمد بك كشك وآخر ووصلتهم النذيرة بذلك فوزعوا دبشهم وحريمهم في البلاد وركبوا خيولهم ونزلوا في الغيط ونزلت لهم التجريدة ومعهم الجبخانة والمحاربون وهجموا على البلد فوجدوها خالية
ولما رأى الحبايبة كثرة التجريدة فوسعوا وذهبوا الى ناحية (1/393)
الجبل الشرقي وارسل ابراهيم جاويش الى عثمان بك ابي سيف امير التجريدة بانه ينادي في البلاد عليهم ولم يدع احدا منهم ينزل الريف فركب عثمان بك وطاف بالبلاد يتجسس عليهم وظفر لهم بقومانية وذخيرة ذاهبة اليهم من الريف على الجمال فحجزها واخذها وذلك مرتين ورجع عثمان بك ومن معه الى مصر وصحبتهم ما وجدوه للحبايبة في البلاد من مواش وسكر وعسل واخشاب وهدموا جانبا من بيوتهم وكان علي بن سالم لم يذهب مع سويلم الى الجيل بل اخذ عياله وذهب عند اولاد فودة فلما سمع بالتقريظ على اصحاب الدرك فأتى الى مصر ودخل الى بيت ابراهيم جاويش وعرفه بنفسه وطلب منه الامان فعفا عنه بشرط ان لا يقرب دجوة ويسكن في اي بلد شاء يزرع مثل الناس ثم ان سويلما ومن معه ارسلوا الى حسين بك الخشاب بان يأخذ لهم امانا من ابراهيم جاويش ففعل وقبل شفاعة حسين بك بشرط ابطال حماية المراكب واذية بلاد الناس ويكفيهم الخفارة التي اخذوها بالقوة واستخلص لهم المواشي التي كان جمعها عثمان بك ابو سيف واستقر سويلم كما كان بدجوة وبنى له دورا عظيما ومقاعد مرتفعة شاهقة في العلو يحمل سقوفها عدة اعمدة وعليها بوائك مقوصرة ترى من مسافة بعيدة في البر والبحر وبها عدة مجالس ومخادع ولواوين وفسحات علوية وسفلية وجميعه مفروش بالبلاط الكدان وبنى بداخل ذلك الدوار مسجدا ومصلى وبداخل حوش الدوار مساطب ومنايف لاجناس الناس الآفاقية وغيرهم وبنى تحت ذلك الدوار بشاطيء النيل رصيفا متينا ومساطب يجلس عليها في بعض الاوقات وانشأ عدة مراكب تسمى الخرجات ولها شرفات وقلوع عظيمة وعليها رجال غلاظ شداد فاذا مرت بهم سفينة صاعدة أو حادرة صرخ عليها أولئك الرجال قائلين البرفان امتثلوا وحضروا وأخذوا منهم ما أحبوه من حمل السفينة وبضائع التجار وان (1/394)
تلكأوا في الحضور قاطعوا عليهم بالخرجات في أسرع وقت وأحضروهم صاغرين وأخذوا منهم أضعاف ما كان يؤخذ منهم لو حضروا طائعين من أول الامر وكان له قواعد واغراض وركائز واناس من الامراء وأعوانهم بمصر يراسلهم ويهاديهم فيذبون عنه ولا يسمعون فيه شكوى وله عدة من العبيد السود التجارية الفرسان ملازمين له مع كل واحد حرمدان مقلدية ملآن بالدنانير الذهب وكان لا يبيت في داره ويأتي في الغالب بعد الثلث الاخير فيدخل الى حريمه جصة ثم يخرج بعد الفجر فيعمل ديوانا ويحضر بين يديه عدة من الكتبة ويتقدم اليه ارباب الحاجات ما بين مشايخ بلاد واجناد وملتزمين وعرب وفلاحين وغير ذلك والجميع وقوف بين يديه والكتاب يكتبون الاوراق والمراسلات الى النواحي وغالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده ولهم فيها الشركاء والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم والمميزة عن غيرها بالعظم والضخامة ولا يقدر ملتزم ولا قائمقام على تنفيذ امر مع فلاحيه الا باشارته أو باشارة من البلد في حمايته من اقاربه وكذلك مشايخ البلاد مع استاذيهم وكان لهم طرائق واوضاع في الملابس والمطاعم فيقول الناس سرج حبايبي وشال حبايبي ومركوب حبايبي الى غير ذلك وكان مع شدة مراسه وقوة بأسه يكرم الضيفان ويحب العلماء وارباب الفضائل ويأنس بهم ويتكلم معهم في المسائل ويؤاسيهم ويهاديهم وخصوصا ارباب المظاهر وكان انسانا حسنا وجيها محتشما مقتصرا على حاله وشأنه ملازما على قراءة الاوراد والمذاكرة ويحب اهل الفضل والصلاح ويتبرك بهم وبدعائهم وترددنا عليه وتردد الينا بمصر كثيرا وبلونا منه خيرا وحسن عشرة وكان معه أخوه شيخ العرب محمد علي مثل حاله ويزيد عنه الانجماع عن الناس لغير ما يعنيه ويعانيه في خاصة نفسه وكان ابوهما على نزل بقليوب بدار فيحاء وكان حسن الخلق والخلق وله حشم واتباع (1/395)
كثيرة وله هيبة عندهم وكان طيب السيرة فصيحا مفوها في حفظه أشعار ونوادر ولديه معرفة وكان يفهم المعنى ويحقق الالفاظ ويطالع الكتب ومقامات الحريري ونحو ذلك
ومات الامير المبجل علي كتخدا مستحفظان الخربطلي وهو من مماليك احمد كتخدا الخربطلي الذي جدد جامع الفاكهاني الذي بخط العقادين وصرف عليه من ماله مائة كيس وذلك في سنة 1148 واصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال من السنة المذكورة وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وفي تلك السنة ألبس مملوكه المترجم على أودة باشه الضلمة وجعله ناظرا ووصيا ومات سيده في واقعة محمد بك الدفتردار في جملة الاحد عشر اميرا المتقدم بيانهم وعمل جاويش في الباب ثم عمل كتخدا واشتهر ذكره بعد انقضاء دولة عثمان بك الغفاري واستقلال ابراهيم كتخدا ورضوان كتخدا الجلفي بامارة مصر وزوج ابنته لعلي بك الغزاوي وعمل لها فرحا عظيما ببركة الرطلي عدة ايام كانت من مقترحات مصر وبعد انقضاء ايام الفرح زفت العروس في زفة عظيمة اجتمع العالم من الرجال والنساء والصبيان للفرجة عليها ودخل بها علي بك المذكور وولد له منها حسن جلبي المشهور وانشأ علي كتخدا المترجم داره العظيمة برأس عطفة خشقدم جهة الباطنية وداره المطلة على بركة الرطلي والقصر على الخليج الناصري والقباب المعروفة به وغير ذلك ونفاه علي بك الى جهة قبلي كما تقدم فلما ذهب علي بك الى قبلي صالحه وانضوى اليه وكان هو السفير بينه وبين صالح بك في الصلح وبذل جهده في ذلك هو وخليل بك الاسيوطي حتى أتموه على الوجه المتقدم وحضر صحبته علي بك الى مصر وسكن بداره وأقبلت عليه الناس وقصدوه في الدعاوى والشكاوى وامن جانب علي بك واعتقد صداقته (1/396)
وظن انه قلده منته فلم يلبث الا أياما واخرجه منفيا الى رشيد ثم ارسل من خنقه هناك وكان اميرا جليلا وجيها جميل الصورة واسع العينين أبيض اللحية ضخما مهاب الشكل بهي الطلعة ودفن هناك
ومات الامير محمد بك ابو شنب وهو من مماليك علي بك وقتل في معركة اسيوط كما تقدم ودفن هناك وكان من الشجعان المعروفين
سنة اربع وثمانين ومائة والف
فيها ورد على علي بك الشريف عبد الله من اشراف مكة وكان من أمره انه وقع بينه وبين ابن عمه الشريف احمد اخي الشريف مساعد منازعة في امارة مكة بعد وفاة الشريف مساعد فتغلب عليه الشريف احمد واستقل بالامارة وخرج الشريف عبد الله هاربا وذهب الى ملك الروم واستنجد به فكتب له مكاتبات لعلي بك بالمعونة والوصية والقيام معه وحضر الى مصر بتلك المكاتبات في السنة الماضية وكان علي بك مشتغلا بتمهيد القطر المصري ووافق ذلك غرضه الباطني وهو طمعه في الاستيلاء على الممالك فانزله في مكان وأكرمه ورتب له كفايته واقام بمصر حتى تمم اغراضه بالقطر وخلص له قبلي وبحري وقتل من قتله وأخرج من أخرجه فالتفت عند ذلك الى مقاصده البعيده وامر بتجهيز الذخائر والاقامات وعمل البقسماط الكثير حتى ملأوا منه المخازن ببولاق ومصر القديمة والقصور البرانية وبيوت الامراء المنافي الخالية ثم عبوا ذلك وارسل مع باقي الاحتياجات واللوازم من الدقيق والسمن والزيت والعسل والسكر والاجبان في البر والبحر واستكتب اصناف العساكر اتراكا ومغاربة وشواما ومتاولة ودروزا وحضارمة ويمانية وسودانا وحبوشا ودلاة وغير ذلك وارسل منهم طوائف في المقدمات (1/397)
والمشاة أنزلوهم من القلزم وصحبتهم الجبخانات والمدافع وآلات الحرب وخرجت التجريدة في شهر صفر بعد دخول الحجاج في تجمل زائد ومهيأ عظيم وساري عسكرها محمد بك ابو الذهب وصحبته حسن بك ومصطفى بك وخلافهم
وفي ثاني عشرين ربيع الاول وردت الاخبار من الاقطار الحجازية بوقوع حرابة عظيمة بين المصريين وعرب الينبع وخلافهم من قبائل العربان والاشراف ووقعت الهزيمة على المذكورين وقتل وزير الينبع المتولي من طرف شريف مكة وقتل معه خلائق كثيرة
وفي تاسع شهر ربيع الاخر وصل نجاب الى مصر من الديار الحجازية وأخبر بدخول محمد بك ومن معه الى مكة وانهزام الشريف احمد وخروجه هاربا ونهب المصريين دار الشريف ومن يلوذ به واخذوا منها أشياء كثيرة من امتعة وجواهر واموال لها قدر وجلس الشريف عبد الله في امارة مكة ونزل حسن بك الى بندر جدة وتولى امارتها عوضا عن الباشا الذي تولاها من طرف ملك الروم ولذلك عرف بالجداوي واقام محمد بك اياما بمكة ثم عزل على المسير والرجوع الى مصر ووصلت الاخبار والبشائر بذلك وأرسلت اليه الملاقاة بالعقبة وخلافها فلما ورد الخبر بوصوله الى العقبة وخرجت الامراء الى بركة الحاج والدار الحمراء لانتظار قدومه فوصل في اوائل شهر رجب ودخل الى مصر في ثامنه في موكب عظيم وأتت اليه العلماء والاعيان للسلام وقصدته الشعراء بالقصائد والتهاني
وفي منصف رجب المذكور عزل علي بك عبد الرحمن اغا مستحفظان وقلد عوضه سليم اغا الوالي وقلد عوض الوالي موسى أغا من اتباعه وأمر عبد الرحمن اغا بالسفر الى ناحية غزة وهي اول حركاته الى جهة (1/398)
الشام وأمره بقتل سليط شيخ عربان غزة فلم يتحيل عليه حتى قتله هو واخوته وأولاده وكان سليط هذا من العصاة العتاة له سير وأخبار
وفيه زاد اهتمام علي بك بالتحرك على جهة الشام واستكثر من جمع طوائف العساكر وعمل البقسماط والبارود والذخائر والمؤن وآلات الحرب وامر بسفر تجريدة وأميرها اسمعيل بك وصحبته علي بك الطنطاوي وعلي بك الحبشي فبرزوا الى جهة العادلية وخرجوا بما معهم من طوائف العسكر والمماليك والاحمال والخيام والجبخانات والعربات والضوبة وقرب الماء الكثيرة على الجمال والكرارات والمطابخ والطبول والرمور والنقاقير وغير ذلك فلما تكامل خروجهم اقاموا بالادلية اياما حتى قضوا لوازمهم وارتحلوا وسافروا الى جهة الشام
وفي حادي عشرينة برزت تجريدة اخرى وعليها سليمان بك وعمر كاشف وحملة كثيرة من العساكر فنزلوا من طريق البحر على دمياط
وفي عاشر شهر القعدة وردت اخبار من جهة الشام واشيع وقوع حرابات بينهم وبين حكام الشام وأولاد العظم
وفي منصفه خرجت تجريدة اخرى وسافرت على طريق البر على النسق
وفي سابع عشره طلب علي بك حسن اغا تابع الوكيل والروزنامجي وباش قلفة واسمعيل اغا الزعيم وآخرون وصادروهم في نحو اربعمائة كيس بعد ما عوفهم اياما
وفي اواخره عمل علي بك دراهم على القرى وقرر على كل بلد مائة ريال وثلاثمائة ريال حق طريق فضجت الناس من ذلك وطلب من النصارى القبط مائة الف ريال ومن اليهود اربعين الفا وقبضت جميعها في اسرع وقت (1/399)
من مات في هذه السنة
مات الشيخ العمدة الفاضل الكامل الاديب الماهر الناظم الناثر الشيخ عبد الله بن عبد الله بن سلامة الادكاوي المصري الشافعي الشهير بالمؤذن ولد بادكو وهي قرية قرب رشيد سنة 1104 كما اخبر من لفظه وبها حفظ القران وورد الى مصر فحضر دروس علماء عصره وادرك الطبقة الاولى واشتهر بفن الادب وانضوى الى فخر الادباء في عصره السيد على افندي برهان زاده نقيب الساده الاشراف فأنزله عنده في اكرام واحتفل به وكفاه المؤنة من كل وجه وصار يعاطيه كؤوس الآداب ويصافيه بمطارحة أشهى من ارتشاف الرضاب وحج بصحبته بيت الله الحرام وزار قبر نبيه عليه الصلاة و السلام وذلك سنة 1147 وعاد الى مصر واقبل على تحصيل الفنون الادبية فنظم ونثر ومهر وبهر ورحل الى رشيد وفوة والاسكندرية مرارا واجتمع على اعيان كل منها وطارحهم ومدحهم وفي سنة تسع وثمانين من نظمه بيتين بخطه في جدار جامع بن نصر الله بقوة تاريخ كتابتهما سنة خمس واربعين وبعد وفاة السيد النقيب تزوج وصار صاحب عيال وتنقلت به الاحوال وصار يتأسف على ما سلف من عيشه الماضي في ظل ذلك السيد قدس سره فلجأ الى أستاذ عصره الشيخ الشبراوي ولازمه واعتنى به وصار لا ينفك عنه ومدحه بغرر قصائده وكان يعترف بفضله ويحترمه ولما توفي انتقل الى شيخ وقته الشمس الحفني فلازمه سفرا وحضرا ومدحه بغرر قصائده فحصلت له العناية والاعانة وواساه بما به حصلت الكفاية والصيانة وله تصانيف كلها غرر ونظم نظامه عقود الدرر فمنها الدرة الفريدة والمنح الربانية في تفسير آيات الحكم العرفانية والقصيدة للزدية في مدح خير البرية ألفها لعلي باشا الجكيم ومختصر شرح بانت سعاد للسيوطي والفوائح الجنانية في المدائح الرضوانية جمع فيها اشعار (1/400)
المادحين للمذكور ثم أورد خاتمتها ماله من الامداح فيه نظما ونثرا وهداية المتهومين في كذب المنجمين والنزهة الزهية بتضمين الرحبية نقلها من الفرائض الى الغزل وعقود الدرر في أوزان الابحر الستة عشر التزم في كل بيت منها الاقتباسات الشريفة والدر الثمين في محاسن التضمين وبضاعة الاريب في شعر الغريب وذيلها بذيل يحكي دمية القصر وله المقامة التصحيفية والمقامة القمذية في المجون وله تخميس بانت سعاد صدرها بخطبة بديعة وجعلها تأليفا مستقلا وديوانه المشهور على حروف التهجي وغير ذلك وقد كتب بخطه الفائق كثيرا من الكتب الكبار ودواوين الاشعار وكل عدة اشياء من غرائب الاسفار رأيت من ذلك كثيرا وقاعدة خطه بين اهل مصر مشهورة لا تخفى ورأيت مما كتب كثيرا فمن الدواوين ديوان حسان رضي الله عنه رأيته بخطه وقد أبدع في تنميقه وكتب على حواشيه شرح الالفاظ الغريبة ونزهة الالباب الجامع لفنون الآداب وله مطارحات لطيفة مع شعراء عصره والواردين على مصر ولم يزل على حاله حتى صار أوحد زمانه وفريد عصره وأوانه ولما توفي الاستاذ الحفني اضمحل حاله ولعب بلباله واعترته الامراض ونصب روض عزه وغاض وتعلل مدة ايام حتى وافاه الحمام في نهار الخميس خامس جمادى الاولى من السنة واخرج بصباحه وصلى عليه بالازهر ودفن بالمجاورين فسرب تربة الشيخ الحفني وفي سنة ثلاث وسبعين ومائة والف لما اختلفت خدام المشهد النفيسي وكبيرهم اذ ذاك الشيخ عبد اللطيف في امر العنز وذلك انهم أظهروا عنزا صغيرة مدرة زعموا ان جماعة من الاسرى ببلاد الافرنج توسلوا بالسيدة نفيسة واحضروا تلك العنز وعزموا على ذبحها في ليلة يجتمعون فيها يذكرون ويدعون ويتوسلون في خلاصهم ونجاتهم من الاسر فاطلع عليم الكافر فزجوهم وسبهم ومنعهم من ذبح العنز وبات تلك الليلة فرأى رؤيا هالته (1/401)
فلما اصبح اعتقهم واطلقهم واعطاهم دراهم وصرفهم مكرمين ونزلوا في مركب وحضروا الى مصر وصحبتهم تلك العنز وذهبوا الى المشهد النفيسي بتلك العنز وذكروا في تلك العنز غير ذلك من اختلاقهم وخورهم كقولهم انهم يوم كذا اصبحوا فوجدوها عند المقام او فوق المنارة وسمعوها تتكلم أو ان السيدة تكلمت واوصت عليها وسمع الشيخ المذكور كلامها من داخل القبر وابرزها للناس واجلسها بجانبه ويقول للناس ما يقوله من الكذب والخرافات التي يستجلب بها الدنيا وتسامع الناس بذلك فأقبل الرجال والنساء من كل فج لزيارة تلك العنزة وأتوا اليها بالندور والهدايا وعرفهم انها لا تأكل الا قلب اللوز والفستق وتشرب ماء الورد والسكر المكرر ونحو ذلك فأتوه باصناف ذلك بالقناطير وعمل النساء للعنز القلائد الذهب والاطواق والحلي ونحو ذلك وافتتنوا بها وشاع خبرها في بيوت الامراء وأكابر النساء وارسلن على قدر مقامهن من النذور والهدايا وذهبن لزيارتها ومشاهدتها وازدحمن عليها فارسل عبد الرحمن كتخدا الى الشيخ عبد اللطيف المذكور والتمس منه حضوره اليه بتلك العنز ليتبرك بها هو وحريمه فركب المذكور بغلته وتلك العنز في حجره ومعه طبول وزمور وبيارق ومشايخ وحوله الجسم الغفير من الناس ودخل بها بيت الامير المذكور على تلك الصورة وصعد بها الى مجلسه وعنده الكثير من الامراء والاعيان فزارها وتملس بها ثم أمر بادخالها الى الحريم ليتبركن بها وقد كان أوصى الكلارجي قبل حضوره بذبحها وطبخها فلما أخذوها ليذهبوا بها الى جهة الحريم ادخلوها الى المطبخ وذبحوها وطبخها قيمة وحضر الغداء وتلك العنز في ضمنه فوضعوها بين ايديهم واكلوا منها والشيخ عبد اللطيف كذلك صار يأكل منها والكتخدا يقول كل يا شيخ عبد اللطيف من هذا للرميس السيمن فيأكل منها ويقول والله انه طيب ومستو ونفيس وهو لا يعلم (1/402)
انه عنزه وهم يتغامزون ويضحكون فلما فرغوا من الاكل وشربوا القهوة وطلب الشيخ العنز فعرفه الامير انها هي التي كانت بين يديه في الصحن وأكلها فبهت فبكته الامير ووبخه وامره بالانصراف وان يوضع جلد العنز على عمامته ويذهب به كما جاء بجمعيته وبين يديه الطبول والاشاير ووكل به من اوصله محله على تلك الصورة ولم يزل المترجم حتى تلعل بالامراض والاسقام واضمحل منه الجسم والقوى بالآلام حتى وافاه الحمام في يوم الخميس خامس جمادى الاولى من السنة رحمه الله وابنه العلامة السيد احمد المعروف بكتيكت مفتي الشافعية بثغر سكندرية والسيد هلال الكتبي توفيا بعده بسنين والشيخ صالح الصحاف موجود مع الاحياء أعانه الله على وقته
ومات الامام الفصيح البارع الفقيه الشيخ جعفر بن حسن بن عبد الكريم ابن محمد بن رسول الحسيني البرزنجي المدني مفتي الشافعية بها ولد بالمدينة وأخذ عن والده والشيخ محمد حيوة السندي وأجازه السيد مصطفى البكري وكان يقرأ دروس الفقه داخل باب السلام وكان عجيبا في حسن الالقاء والتقرير ومعرفة فروع المذهب تولى الافتاء والخطابة مدة تزيد على عشرين سنة كان قوالا بالحق امارا بالمعروف واجتمع به الشيخ سليمان بن يحيى شيخ المشايخ وذكره في رحلته وأثنى عليه وله مؤلفات منها البر العاجل باجابة الشيخ محمد غافل والقبض اللطيف باجابة نائب الشرع الشريف وفتح الرحمن على أجوبة السيد رمضان توفي في شهور هذه السنة قيل مسموما والله اعلم
ومات الولي العارف احد المجاذيب الصادقين الاستاذ الشيخ احمد ابن حسن النشرتي الشهير بالعريان كان من ارباب الاحوال والكرامات ولد في اول القرن وكان اول امره الصحو ثم غلب عليه السكر فأدركه المحو وكانت له في بدايته امور غريبة وكان كل من دخل عليه زائرا (1/403)
يضربه بالجريد وكان ملازما للحج في كل سنة ويذهب الى موالد سيدي احمد البدوي المعتادة وكان اميا لا يقرأ ولا يكتب واذا قرأ قارىء بين يديه وغلط يقول له قف فانك غلطت وكان رجلا جلاليا يلبس الثياب الخشنة وهي جبة صوف وعمامة صوف حمراء يعتم بها على لبدة من صوف ويركب بغلة سريعة العدو وملبسه دائما على هذه الصفة شتاء وصيفا وكان شهير الذكر يعتقده الخاصة والعامة وتأتي الامراء والاعيان لزيارته والتبرك به ويأخذ منهم دراهم كثيرة ينفقها على الفقراء المجتمعين عليه وانشأ مسجده تجاه الزاهد جوار داره وبنى بجواره صهريجا وعمل لنفسه مدفنا وكذلك لاهله وأقاربه واتباعه واتحد به شيخنا السيد أحمد العروسي واختص به اختصاصا زائدا فكان لا يفارقه سفرا ولا حضرا وزوجه احدى بناته وهي ام أولاده وبشره بمشيخة الجامع الازهر والرئاسة فعادت عليه بركته وتحققت بشارته وكان مشهورا بالاستشراف على الخواطر توفي رحمه الله في منتصف ربيع الاول وصلى عليه بالازهر ودفن بقبره الذي اعده لنفسه في مسجده نفعنا الله به وبعباده الصالحين
ومات الفقيه الصالح الشيخ علي بن احمد بن عبد اللطيف البشبيشي الشافعي روى عن ابيه عن البابلي توفي في غاية ربيع الثاني من السنة
ومات الشيخ المبجل الصالح المفضل الدرويش الشيخ احمد المولوي شيخ المولوية بتكية المظفر وكان انسانا حسنا لا باس به مقبلا على شأنه منجمعا عن خلطة كثير من الناس الا بحسب الدواعي توفي في سابع عشرين ربيع الآخر من السنة ولم يخلف بعده مثله
ومات المقدام الخير الكريم صاحب الهمة العالية والمروءة التامة شمس الدين حمودة شيخ ناحية برمة بالمنوفية اخذ عن الشيخ الحفني وكان كثير الاعتقاد فيه والاكرام له ولاتباعه وله حب في اهل الخير واعتقاد (1/404)
في اهل الصلاح ويكرم الوافدين والضيفان
وكان جميل الصورة طويلا مهيبا حسن الملبس والمركب
توفي يوم الخميس حادي عشر رجب من السنة وخلف اولادا منهم محمد الحفني الذي سماه على اسم الشيخ لمحبته فيه واحمد وشمس الدين
ومات بقية السلف ونتيجة الخلف الشيخ احمد سبط الاستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراني وشيخ السجادة كان انسانا حسنا وقورا مالكا منهج الاحتشام والكمال منجما عن خلطة الناس الا بقدر الحاجة
توفي يوم السبت ثامن صفر من السنة وخلف ولده سيدي عبد الرحمن مراهقا تولى بعده على السجادة مع مشاركة قريبة الشيخ احمد الذي تزوج بوالدته
ومات الامام العلامة الفقيه الصالح الناسك صائم الدهر الشيخ محمد الشوبري الحنفي تفقه على الشيخ الاسقاطي والشيخ سعودي وبعد وفاة المذكورين لازم الشيخ الوالد وتلقى عنه كثيرا وكان انسانا حسنا وجيها لا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه صائم الدهر وملازما لداره بعد حضور درسه وكان بيته بقنطرة الامير حسين مطلا على الخليج
سنة خمس وثمانين ومائة والف
اخرج علي بك تجريدة عظيمة وسر عسكرها واميرها محمد بك ابو الذهب وايوب بك ورضوان بك وغيرهم كشاف وارباب مناصب ومماليكهم وطوائفهم واتباعهم وعساكر كثيرة من المغاربة والترك والهنود واليمانية والمتاولة وخرجوا في تجمل زائد واستعداد عظيم ومهيأ كبير ومعهم الطبول والزمور والذخائر والاحمال والخيام والمطابخ والكرارات والمدافع والجيخانات ومدافع الزنبلك على الجمال وأجناس العالم الوفا مؤلفة وكذلك أنزلوا الاحتياجات والاثقال وشحنوا بها السفن (1/405)
وسافرت من طريق دمياط في البحر
فلما وصلوا الى الديار الشامية فحاصروا يافا وضيقوا عليها حتى ملكوها بعد أيام كثيرة ثم توجهوا الى باقي المدن والقرى وحاربهم النواب والولاة وهزموهم وقتلوهم وفروا من وجوههم واستولوا على المماليك الشامية الى حد حلب ووردت البشائر بذلك فنودي بالزينة فزينت مصر وبولاق ومصر العتيقة زينة عظيمة ثلاثة أيام بلياليها وتفاخروا في ذلك الى الغاية وعملت وقدات واحمال قناديل وشموع بالاسواق وسائر الجهات وعملوا ولائم ومغاني وآلات وطبولا وشنكا وحراقات وغير ذلك وذلك في شهر ربيع اول من السنة
وتعاظم علي بك في نفسه ولم يكتف فارسل الى محمد بك يأمره بتقليد الامراء والمناصب والولايات على البلاد التي افتتحوها وملكوها وان يستمر في سيره ويتعدى الحدود ويستولي على المماليك الى حيث شاء وهو يتابع اليه ارسال الامدادات واللوازم والاحتياجات
ولا يثنون عنانهم عما يامرهم به
فعند ذلك جمع محمد بك امراءه وخشداشينه الكبار في خلوة وعرض عليهم الاوامر فضاقت نفوسهم وسئموا الحرب والقتال والغربة وذلك ما في نفس محمد بك أيضا
ثم قال لهم ما تقولون قالوا وما الذي تقوله والرأي لك فانت كبيرنا ونحن تحت أمرك واشارتك ولا نخالفك فيما تأمر به
فقال ربما يكون رأيي مخالفا لامر استاذنا
قالوا ولو مخالفا لامره فنحن جميعا لا نخرج عن امرك واشارتك فقال لا أقول لكم شيئا حتى نتحالف جميعا ونتعاهد على الرأي الذي يكون بيننا
ففعلوا ذلك وتعاهدوا وحلفوا على السيف والكتاب
ثم انه قال لهم ان أستاذكم يريد ان تقطعوا اعماركم في الغربة والحرب والاسفار والبعد عن الاوطان وكلما فرغنا من شيء فتح علينا غيره فرأيي ان نكون على قلب رجل واحد ونرجع الى مصر ولا نذهب الى جهة من الجهات وقد فرغنا من خدمتنا وان كان يريد غير ذلك من المماليك يولي (1/406)
امراء غيرنا ويرسلهم الى ما يريد ونحن يكفينا هذا القدر ونرتاح في بيوتنا وعند عيالنا
فقالوا جميعا ونحن على رايك
واصبحوا راحلين وطالبين الى مصر فحضروا في أواخر شهر رجب على خلاف مراد مخدومهم وبقي الامر على السكوت
ثم ان علي بك قلد ايوب بك امارة جرجا وقضى اشغاله وسافر الى الصعيد بطائفته واتباعه
وانقضى شهر شعبان ورمضان وعلي بك مصمم على رجوع محمد بك الى جهة الشام وذلك مصمم على خلاف ذلك
وبدت بينهما الوحشة الباطنية
فلما كان ليلة رابع شهر شوال بيت علي بك مع علي بك الطنطاوي وخلافه واتفق معهم على غدر محمد بك فركبوا عليه ليلا واحاطوا بداره ووقفت له العساكر بالاسلحة في الطرق فركب في خاصته وخرج من بينهم وذهب الى ناحية البساتين وارتحل الى الصعيد
فحضر اليه بعض الامراء أصحاب المناصب وعلي كاشف تابع سليمان افندي كاشف شرق أولاد يحيى وقدموا له ما معهم من الخيام والمال والاحتياجات
ولم يزل في سيره حتى وصل الى جرجا واجتمع عليه أيوب بك خشداشه وأظهر به المصافاة والمؤاخاة وقدم له هدايا وخيولا وخياما فلم يلبث الا وقد أحضر عيون محمد بك الذين أرصدهم بالطريق رجلا ومعه مكاتبة من علي بك خطابا لايوب بك يأمره ويستحثه على عمل الحيلة وقتل محمد بك باي وجه أمكنه ويعده امارته وبلاده وغير ذلك
فلما قرأ المراسلة وفهم مضمونها أكرم الرجل وقال له تذهب اليه بالكتاب وأثنى بجوابه ولك مزيد الاكرام فذهب ذلك الساعي واوصل الكتاب الى أيوب بك وطلب منه رد الجواب وأعطاه الجواب وذكر فيه أنه مجتهد في تتميم الغرض ومترقب حصول الفرصة
فحضر به الى محمد بك
فعند ذلك استعد محمد بك وتحقق خيانته ونفاقه فاتفق مع خاصته وامرائه بالاستعداد والوثوب وانه اذا حضر اليه أيوب بك أخذ أرباب المناصب نظراءهم وتحفظوا عليهم
فلما حضر في (1/407)
صبحها أيوب بك جلس معه في خلوة وأخذ كل من الخازندار والكتخدا والجوخدار والسلحدار نظراءهم من جماعة محمد بك ثم قال محمد بك يخاطب أيوب بك يا هل ترى نحن مستمرون على الاخوة والمصافاة والصداقة والعهد واليمين الذي تعاقدنا عليه بالشام قال نعم وزيادة
قال ومن نكث ذلك وخان اليمين ونقض العهد قال يقطع لسانه الذي حلف به ويده التي وضعها على المصحف
فعند ذلك قال له بلغني أنه أتاك كتاب من أستاذنا علي بك
فجمد ذلك فقال لعل ذلك صحيح وكتبت له الجواب أيضا
قال لم يكن ذلك ابدا ولو اتاني منه جواب لأطلعتك عليه ولا يصح اني أكتمه عنك أو أرد له جوابا
فعند ذلك أخرج له الجواب من جيبه وأحضر اليه ذلك الرسول فسقط في يده وأخذ ينتنصل ببادر العذر
فعند ذلك قال له حينئذ لا تصح مرافقتك معي وقم فأذهب الى سيدك وأمر بالقبض عليه وأنزلوه الى المركب وأحاط بوطاقه وأسبابه وتفرقت عنه جموعه
فلما صار وحيدا في قبضته أحضر عبد الرحمن أغا وكان إذ ذاك بناحية قبلي وانضم الى محمد بك فقال له اذهب الى أيوب بك واقطع يده ولسانه كما حكم على نفسه بذلك
فأخذ معه المشاعلي وحضر اليه في السفينة وقطعوا يمينه ثم شبكوا في لسانه سنارة وجذبوه ليقطعوه فتخلص منهم والقى بنفسه الى البحر فغرق ومات
وكان قصد محمد بك أن يفعل به ذلك ويرسله على هذه الصورة الى سيده بمصر
ثم انهم أخرجوه وغسلوه وكفنوه ودفنوه
فعندما وقع ذلك أقبلت الامراء والاجناد المتفرقون بالاقاليم على محمد بك وتحققوا عند ذلك الخلاف بينه وبين سيده وقد كانوا متجمعين عن الحضور اليه ويظنون خلاف ذلك
وحضر اليه جميع المنافي وأتباع القاسمية والهوارة الذين شردهم علي بك وسلب نعمتهم فانعم عليهم واكرمهم وتلقاهم بالبشاشة والمحبة واعتذر لهم وواساهم وقلدهم الخدم (1/408)
والمناصب وهم أيضا تقيدوا بخدمته وبذلوا جهدهم في طاعته
ووصلت الاخبار بذلك الى مصر وحضر اليه كثير من مماليك أيوب بك واتباعه سوى من انضم منهم والتجأ الى محمد بك واتباعه فعند ذلك نزل بعلي بك من القهر والغيظ المكظوم ما لا يوصف وشرع في تشهيل تجريدة عظيمة وأميرها وسر عسكرها اسمعيل بك واحتفل بها احتفالا كثيرا وامر بجمع أصناف العساكر واجتهد في تنجيز أمرها في أسرع وقت وسافروا برا وبحرا في اواخر ذي القعدة
فلما التقى الجمعان خامر اسمعيل بك وانضم بمن معه من الجموع الى محمد بك وصاروا حزبا واحدا ورجع الذين لم يميلوا وهم القليل الى مصر
فعند ذلك اشتد الامر بعلي بك ولاحت على دولته لوائح الزوال وكاد يموت من الغيظ والقهر وقلد سبع صناجق والكل مزلقون وسماهم أهل مصر السبع بنات وهم مصطفى بك وحسن بك ومراد بك وحمزة بك ويحيى بك وخليل بك كوسه ومصطفى بك اود باشه وعمل لهم برقا وداقما ولوازم وطبلخانات في يومين وضم اليهم عساكر وطوائف ومماليك وأتباعا وبرز بنفسه الى جهة البساتين وشرع في تشهيل تجريدة أخرى وأميرها علي بك الطنطاوي وأخرج الجبخانات والمدافع الكثيرة وأمر بعمل متاريش من البحر الى جهة الجبل وانقضت السنة
من مات في هذه السنة ممن له ذكر
مات الامام الفقيه الصالح الخير الشيخ علي بن صالح ابن موسى بن احمد بن عمارة الشاوري المالكي مفتي فرشوط قرأ بالازهر العلوم ولازم العلامة الشيخ علي العدوي وتفقه عليه وسمع الحديث من الشيخ أحمد ابن مصطفى السكندري وغيره ورجع الى فرشوط فولي افتاء المالكية بها فسار فيها سيرا مقتصدا ولما ورد عليه الشيخ ابن الطيب راجعا من الروم تلقى عنه شيئا من الكتب وأجازه وكان لشيخ العرب همام بن يوسف في حقه عناية شديدة وصحبة أكيدة وكانت شفاعات العلماء مقبولة (1/409)
عنده بعناية ولذلك راج امره واشتهر ذكره وطار صيته
وكان حسن المذاكرة والمحاورة محتشما في نفسه مجملا في ملابسه وجيها معتبرا في الاعين
والف شيخنا السيد محمد مرتضى باسمه نشق الغوالي من المرويات العوالي وذلك ايام رحلته الى فرشوط ونزوله عنده ورفع من شأنه عند شيخ العرب واكرمه اكراما كثيرا ولما تغيرت احوال الصعيد قدم الى مصر مع ابن مخدومه وما زال بها حتى توجه الى طندتا وكان يعتريه حصر البول فيجلس اياما وهو ملازم للفراش فزار وعاد
توفي يوم دخوله الى بولاق نهار الثلاثاء ثالث عشر شعبان من السنة وكان يوما مطير اذا رعد وبرق فوصل خبره الى الجامع الازهر فخرج اليه الشيخ علي الصعيدي وكثير من العلماء وتخلف من تخلف لذلك العذر فجهزوه هناك وكفنوه وأتوا به الى الازهر وأراد الشيخ الصعيدي دفنه في مدفن عبد الرحمن كتخدا لصعوبة الذهاب به الى القرافة ثم دفنوه بالمجاورين بجانب تربة الشيخ الصعيدي التي دفن فيها
ومات الفقية الفاضل العلامة الشيخ علي بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عيسى بن سليمان الخطيب الجديمي العدوي المالكي الازهري الشهير بالخرائطي ولد في اول القرن الجامع الازهر فحضر دروس جامعة من فضلاء العصر ولازم بلدية الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية ودرس بالازهر ونفع الطلبة وكان انسانا حسنا منور الشيبة ذا خلق حسن وتودد وبشساشة ومروءة كاملة له ميل تام في علم الحديث ويتأسف على فوات اشتغاله به ويحب كلام السلف ويتأمل في معانيه مع سلامة الاعتقاد وكثرة الاخلاص
توفي عشية يوم الاربعاء ثاني المحرم افتتاح سنة 1185
ومات الامام العلامة الفاضل المحقق الدراك المتفنن الشيخ محمد ابن اسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن خضر النقراوي المالكي وكان والده من اهل العلم والصلاح والزهد عن جانب عظيم وعمر كثيرا حتى جاوز المائة (1/410)
وانحنى ظهره وتوفي سنة 1178
تربى المترجم في حجر ابيه وحفظ القران والمتون وحضر دروس الشيخ سالم النقراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء ومهر وانجب درس وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسائل ودقائق العلوم مستحضرا للمسائل الفقهية والعقلية ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية فاحضره والده للشيخ الوالد سنة 1171 والتمس منه مطالعته عليه فأجابه الى ذلك ورحب به وكان عمره اذ ذاك نيفا وعشرين سنة
ولما رأى ما فيه من الذكاء والنجابة والقوة الاستعدادية والجد في الطلب اغتبط به كثيرا وصرف اليه همته وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه واشترى له حمارا ورتب له مصروفا وكسوة ولازمه ليلا ونهارا ذهابا وايابا حتى اشتهر بنسبته اليه فكان يرسله في مهماته واسراره الى اكابر مصر واعيانها مثل علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما فيحسن الخطاب والجواب مع الحشمة وحسن المخاطبة مع معرفتهم بفضله وعلمه وكانوا يكرمونه
ومدحهم بقصائد لم أعثر على شيء منها للاهمال وطول العهد فكان لا يذهب الى داره الا في النادر بعد حصة من الليل ويرجع في الفجر وينزل إلى الجامع بعد طلوع النهار فيقرأ درسين ثم يعود في الصخوة الكبرى فيقيم الى العصر فيذهب الى الجامع فيقرأ درسا في المعقول ثم يعود
وهكذا كان دأبه الى أن مات
تلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة وشرحها القاضي زاده والجغميني والمبادي والغابات والمقاصد في أقل زمن مع التحقيق والتدقيق وحضر عليه المطول والمواقف والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالازهر وغير ذلك كل ذلك بقراءته وعانى علم الاوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره وأقبلت عليه روحانيته
وأجازه الملوي والجوهري (1/411)
والحنفي والعفيفي وغيرهم ولما نفي علي بك الى النوسات أرسل الى الشيخ فطلب منه أشياء يرسلها اليه مع المترجم فأرسله اليه وأقام عنده أياما ورجع من غير أن يعلم أحد بذهابه ورجوعه وكان يكتب الخط الجيد وجوده على الشيخ أحمد حجاج المعروف بابي العز
وكتب بخطه كثيرا وألف حاشيه على شرح العصام على السمرقندية وأجوبة عن الاسئلة الخمسة التي أوردها الشيخ أحمد الدمنهوري على علماء العصر وأعطاها الى علي بك وقال له أعطها للعلماء الذين يترددون عليك يجيبوني عنها ان كانوا يزعمون انهم علماء فاعطاها علي بك للشيخ الوالد وأخبره بمقابلة الشيخ الدمنهوري فقال له هذه وان كانت من عويصات المسائل يجيب عنها ولدنا الشيخ محمد النقراوي
والخسة الاسئلة المذكورة الاول في ابطال الجزء الذي لا يتجزأ
ا الثاني في قول ابن سينا ذات الله نفس الوجود المطلق ما معناه
الثالث في قول أبي منصور الماتريدي معرفة الله واجبة بالعقل مع ان المجهول من كل وجه يستحيل طلبه
الرابع في قول البرجلي ان من مات من المسلمين لسنا نتحقق موته على الاسلام
الخامس في الإستثناء في الكلمة المشرقة هل هو متصل أو منفصل
فأجاب عنها بأجوبة منطوية على مطارح الانظار دلت على رسوخه وسعة اطلاعه وغوصه ومعرفته بدقائق كلام أذكياء الحكماء والمتكلمين وفضلاء الاشعرية والماتريدية
وعانى الرسم فرسم عدة بسائط ومنحرفات وحسب كثيرا من الاصول والدساتير وتصدى لتعليم الطلبة الذين كانوا يردون من الآفاق لطلب العلوم الغريبة وكتب شرحا على متن نور الايضاح في الفقه الحنفي باسم الامير عبد الرحمن كتخدا وله رسالة سماها الطراز المذهب في بيان معنى المذهب وهي عبارة عن جواب على سؤال ورد من ثغر سكندرية نظما وكان له سليقة جيدة في النثر والنظم ولما ورد الى مصر محمد أفندي سعيد قاضيا في سنة 1181 امتدحه بقصيدة بليغة لم أعثر (1/412)
عليها وكان به حدة طبيعة وهي التي كانت سببا لموته وهو انه حصل بينه وبين الشيخ البجرمي منافسة فشكاه الى الشيخ الدمنهوري وهو إذ ذاك الشيخ الجامع فارسل اليه فلما حضر عنده في مجلسه بالازهر فتحامل عليه فقام من عنده وقد أثر فيه القهر ومرض أياما وتوفي في شهر جمادى الثانية من السنة
واغتم عليه الشيخ المرحومي غما شديدا وتأثر لفراقه وحزن لموته وتوعك أياما بسبب ذلك
ومات الامام الفقيه العلامة المفتي الشيخ ابراهيم بن الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي تفقه على علماء عصره وحضر دروس الاشياخ المتقدمين كالملوي والحفني والبراوي والشيخ أحمد رزة والشيخ عطية الاجهوري وأنجب في الاصول والفروع الفقهية وتصدر ودرس وانقطع والافتاء والقضاء بين المتخاصمين من اهل القرى للافادة واكثرهم من أهل بلاده وكان لا يفارق محل درسه بالازهر من الشروق الى الغروب
وانفرد بالافتاء مدة طويلة على مذهبه وقلما يرى فتوى وليس عليها جوابه
ولم يزل هذا دأبه حتى تعلل أياما وتوفي ثالث ربيع الثاني من السنة
ومات أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر من جمع متفرقات الفضائل وحاز أنواع الفواضل الصالح الرحلة الشيخ علي بن محمد الجزائرلي المعروف بابن الترجمان ولد بالجزائر سنة 1100 وكان ينتمي الى الشرف وزاحم العلماء بمناكبه في تحصيل انواع العلوم واجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله ودخل الروم مرارا وحظي بارباب الدولة واتى الى مصر وابتنى بها دارا حسنة قرب الازهر وكان يخبر عن نفسه انه لا يستغنى عن الجماع في كل يوم فلذلك ما كان يخلو عن امرأة او اثنتين حتى في أسفاره
ولما ورد الامير احمد اغا امينا على دار الضرب بمصر المحروسة الذي صار فيما بعد (1/413)
باشا كان مختصا بصحبته لا يفارقه ليلا ولا نهارا وله عليه اغداقات جميلة وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلا وتوجه الى دار السلطنة وكانت اذ ذاك حركة السفر الى الجهاد كتب هذا عرضحالا الى السلطان مصطفى صورته ان من قرأ استغاثة ابي مدين الغوت في صف الجهاد حصلت النصرة
وقدمه الى السلطان فاستحسن ان يكون صاحب هذا العرض هو الذي يتوجه بنفسه ويقرأ هذه الاستغاثة تبركا ففاجاءه الامر من حيث لا يحتسب واخذ في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغما عن انفه ووصل الى معسكر المسلمين وصار يقرأ فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير امراء العسكر فاسر مع من اسر وذهب به الى بلاد موسقو وبقي اسيرا مده ولم يغثه احد بخلاصه منهم لاشتغال الناس بما هو اهم حتى توفي هناك شهيدا غريبا في هذه السنة رحمه الله
ومات الشيخ الصالح العلامة علي الفيومي المالكي شيخ رواق أهل بلاده حضر دروس الشيخ ابراهيم الفيومي وشيخنا الشيخ علي الصعيدي ودرس برواقهم وكان سريع الادراك متين الفهم له في على الكلام باع طويل
وتزوج ابنة الشيخ احمد الحماقي الحنفي وتوفي ثاني شهر رمضان من السنة ودفن بالمجاورين
ومات الشيخ الفاضل الصالح علي الشيبني الشافعي نزيل جرجا قرأ على جماعة من مشايخ عصره وتكمل في العربية والفقه وتوجه الى الصعيد فخالط أولاد تمام من الهوارة في بيج القرمون فأحبوه وسكن عندهم مدة ثم سكن جرجا
وكان يتردد أحيانا الى مصر وكان كثير الاجتماع بصهرنا علي أفندي درويش المكتب وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلم وحسن المعاشرة ومعرفة التجويد ووجوه القراءات
فلما تغيرت أحوال الصعيد اتى المترجم الى مصر وكان (1/414)
حسن المذاكرة والمرافقة مع مداومة الذكر وتلاوة القرآن غالبا
توفي تاسع عشر رمضان في بيت بعض احبابه بعلة البطن وصلى عليه الشيخ احمد بن محمد الراشدي ودفن بالمجاورين
ومات العمدة الفاضل اللغوي الماهر المنشىء الاديب الشيخ عبد الله ابن منصور التلباني الشافعي المعروف بكاتب المقاطعة وهو بن أخت الشيخ المعمر أحمد بن شعبان الزعبلي ولد سنة 1098 تقريبا وأدرك الطبقة الاولى من الشيوخ العزيزي والعشماوي والنفراوى
وكانت له معرفة تامة بعلم اللغة والقراءة واقتنى كتبا نفيسة في سائر الفنون وكان سموحا باعارتها لاهلها وكان يعرف مظنات المسائل في الكتب
وكان الاشياخ يجلونه ويعرفونه مقامه ولما دخل الشيخ ابن الطيب أحبه واغتبط به وبصحبته وحصل حاشيته على القاموس في مجلدين حافلين استكتابا وقرظ على شرح البديعية لعلي بن تاج الدين القلعي ذكر فيه من نوع وسع الاطلاع له
ولم يزل حتى فأجاته المنون في ثالث عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالجامع الازهر ودفن شرقي مقام سيدي عبد الله المتوفي بالمجاورين رحمه الله
ومات الامير الجليل ابراهيم افندي الهياتم جمليان مطعونا في نهار الاربع ثالث عشرين المحرم من السنة
سنة ست وثمانين ومائة وألف
فيها في المحرم خرج علي بك الى جهة البساتين كما تقدم في أواخر العام الماضي وعمل متاريس ونصب عليها المدافع من البحر الى الجبل واجتهد في تشهيل تجريدة وأميرها علي بك الطنطاوي وصحبته باقي الامراء الذين قلدهم والعسكر فعدوا في منتصفه لمحاربة محمد بك أبي الذهب واسمعيل بك ومن معهما
وكانوا سائرين يريدون مصر فتلاقوا (1/415)
معهم عند بياضة ووقعت بينهم معركة قوية ظهر فيها فضل القاسمية وخصوصا أباع صالح بك وعلي أغا المعمار ووقعت الهزيمة على عسكر علي بك وساق خلفهم القبالي مسافة فمانعوا عن أنفسهم وعدوا على دير الطين وكان علي بك مقيما به فلما حصل ما حصل اشتد القهر بالمذكور وتحير في أمره وأظهر التجلد وأمر بالاستعداد وترتيب المدافع وأقام الى آخر النهار وتفرق عنه غالب عساكره من المغاربة وغيرهم
وحضر محمد بك الى البر المقابل لعلي بك ونصب صيوانه وخيامه تجاهه فتفكر علي بك في أمره وركب عند الغروب وسار الى جهة مصر ودخل من باب القرافة وطلع الى باب العزب فأقام به حصة من الليل
وأشيع بالمدينة ان مراده المحاصرة بالقلعة
ثم انه ركب الى داره وحمل حموله وأمواله وخرج من مصر وذهب الى جهة الشام وذلك ليلة الخامس والعشرين من شهر المحرم وصحبته علي بك الطنطاوي وباقي صناجقه ومماليكه وأتباعه وطوائفه
فلما أصبح يوم الخميس سادس عشرينه عدى محمد بك الى بر مصر وأوقدوا النار في ذلك اليوم في الدير بعد ما نهبوه ودخل محمد بك الى مصر وصار أميرها ونادى أصحاب الشرطة على اتباعه بان لا أحد ياؤيهم ولا يتاويهم فكاننت مدة غيبته سبعين يوما
وأرسل عبد الرحمن اغا مستحفظان الى عبد الله كتخدا الباشا فذهب اليه بداره وقبض عليه وقطع رأسه ونادى بابطال المعاملة التي ضربها المذكور بيد رزق النصراني وهي قروش مفرد ومجوز وقطع صغار تصرف بعشرة أنصاف وخمسة انصاف ونصف قرش
وكان أكثرها نحاسا وعليها علامة علي بك
وأما من مات في هذه السنة من العظماء
فمات السيد الامام العلامة الفقيه المحدث الفهامة الحسيب النسيب السيد علي بن موسى بن مصطفى بن محمد بن شمس الدين بن (1/416)
محب الدين بن كريم الدين بن بهاء الدين داود بن سليمان بن شمس الدين ابن بهاء الدين داود الكبير بن عبد الحفيظ بن أبي الوفاء محمد البدري ابن أبي الحسن علي بن شهاب الدين أحمد بن بهاء الدين داود بن عبد الحافظ ابن محمد بن بدر ساكن وادي النسور بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن زكي الدين سالم بن محمد بن محمد بن زيد بن حسن بن السيد عريض المرتضى الاكبر ابن الامام زيد الشهيد ابن الامام علي زين العابدين ابن السيد الشهيد الامام الحسين ابن الامام علي بن أبي طالب الحسيني المقدسي الأزهري المصري ويعرف بابن النقيب لأن جدوده تولوا النقابة ببيت المقدس ولد تقريبا سنة 1125 بيت المقدس وبها نشأ وقرأ القرآن على الشيخ مصطفى الاعرج المصري والشيخ موسى كبيبة علي عود ومحمد بن نسبة الفضلي المكي وأخذ العلم عن عم أمه صاحب الكرامات حسين العلمي نزيل لد وأبي بكر بن أحمد العلمي مفتي القدس والشيخ عبد المعطي الخليلي ووصل الى الشام فحضر دروس الشيخ أحمد المتيتي والشيخ اسمعيل العجلوني والشيخ عبد الغني النابلسي واجتمع على الشيخ صالح البشيري الآخذ عن الخضر عليه السلام وعامر ابن نعير وأحمد القطناني ومصطفى بن عمر والدمشقي
وكان من الابدال وأحمد النحلاوي وكان من أرباب الكشف ومحمد بن عميرة الدمشقي وعمران الدمشقي وزيد اليعبداوي وخليفة بن علي اليعبداوي ورضوان الزاوى وأحمد الصفدي المجذوب والشيخ مصطفى بن سوار ودخل حماة فأخذ عن القطب السيد يس القادري وحلب فأخذ بها عن أحمد البني وعبد الرحمن السمان كلاهما من تلاميذ الشيخ أحمد الكتبي وعن الشيخ محمد بن هلال الرامهداني والشيخ عبد الكريم الشرباتي وعاد الى بيت المقدس فاجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي أيضا وبالسيد مصطفى البكري بحلب حين كان راجعا من بغداد فأخذ عنه الطريقة ورغبة (1/417)
في مصر فوردها وحضر على الشمس السجيني ومصطفى العزيزي والسيد علي الضرير الحفني وأحمد بن مصطفى الصباغ والشهابين الملوي والجوهري والشمس الحنفي وأحمد العماوي وشيخ المذهب سليمان المنصوري وأجازه سيدي يوسف بن ناصر الدرعي وأحمد العربي وأحمد بن عبد اللطيف زروق وسيدي محمد العياشي الاطروش والشيخ ابن الطيب في آخرين ورأس في المذهب وتمهر في الفنون ودرس بالمشهد الحسيني في التفسير والفقه والحديث واشتهر أمره وطار صيته
وكان فقيها في المذهب بارعا في معرفة فنونه عارفا بأصوله وفروعه ويستنبط الاحكام بجودة ذهنه وحسن حافظته ويكتب على الفتاوى برائق لفظه
وكانت له في النثر طريقة غريبة لا يتكلف في الاسجاع واذا سئل عن مسألة كتب عليها الجواب أحسن من الروض جاد به الغمام وأغزر من الوبل ساعده نوء النعام
ويكتب في الترسل على سجية بادرة وفكرة على السرعة صاددة وكان ذا جود وسخاء وكرم ومرؤة ووفاء لا يدخل في يده شىء من متاع الدنيا الا وبذله لسائليه وأغدق به على معتفيه وكان منزله الذي قرب المشهد الحسيني مورد الآملين ومحطا لرجال الوافدين مع رغبته في الخيل المنسوبة وحسن معرفته لانسابها وعزوه لاربابها وكان اصطبله دائما لا يخلو من اثنين أو ثلاثة يركب عليها في شرائها لمعرفته بالفروسية في رمي السهام واستعمال السلاح واللعب بالرماح وغير ذلك
ولما ضاق عليه منزله لكثرة الوفاد عليه ولكثرة ميله الى ربط الخيول انتقل الى منزل واسع بالحسينية في طرف البلد بناء على ان الاطراف مساكن الاشراف فسكنه وعمر فيه وفي الزاوية التي قرب بيته وصرف عليها مالا كثيرا
وفي سنة 1177 استخار الله تعالى في التوجه الى دار السلطنة لامور اوجبت رحلته اليها منها انه ركبت عليه الديون وكثر مطالبوها وضاق (1/418)
صدره من عدم مساعدة الوقت له وكان اذ ذاك محل تدريسه بالمشهد الحسيني وعزم عبد الرحمن كتخدا على هدمة وانشائه على هذه الصورة ورأي أن هذه البطالة تستمر أشهرا فوجد فرصة وتوجه اليها وقرأ دروسا في الحديث في عدة جوامع واشتهر هناك بالمحدث وأقبلت عليه الناس أفواجا للتلقي واحبته الامراء وأرباب الدولة وصارت له هناك وجاهة
الا انه كان في درسه ينتقل تارة الى الرد العنيف على أرباب الاموال والاكابر وملوك الزمان وينسبهم الى الجور والعدوان وانحرافهم عن الحق فوشي به الحاسدون فبرز الامر بخروجه من البلد وكان قد تزوج هناك فعاد الى مصر
فلما وصل الى بولاق ذهب اليه جماعة من الفضلاء واستقبلوه
واستقر في منزله وعاد الى دروسه في المشهد وذلك سنة 1183 ولم يترك عادته المألوفة من اكرام الضيوف وبذل المعروف وكان لا يصبر على الجماع وعنده ثلاث نسوة شامية ومصرية ورومية واذا خرج الى الخلاء أو بعض المنتزهات أخذ صحبته من يريدها منهن ونصب لها خيمة وألف الاغتسال مدة اقامته يوما أو يومين أو اكثر
واتفق له في آخر أمره انه ذهب عند محمد بك أبي الذهب وكان في ضائقة فحادثه الامير على سبيل المباسطة وقال له كيف رأيت أهل اسلامبول فقال لم يبق باسلامبول ولا بمصر خير ولا يكرمون الاشرار الخلق وأما أهل العلم والاشراف فانهم يموتون جوعا
ففهم الامير تعريضه وامر له بمائة الف نصف فضة من الضربخانة فقضى منها بعض ديونه وأنفق باقيها على الفقراء وعاش بعدها أربعين يوما وتعلل بخراج أياما واحضروا له رجلا يهوديا فقصده بمشتر قيل انه مسموم فكان سببا لموته
وتوفي عصر يوم الاحد سادس شهر شعبان من السنة وجهز في صبح يوم الاثنين وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بمقبرة باب النصر على أكمة هناك
ولما أحضر له الناس من الاعيان (1/419)
عدة أكفان وكل منهم يريد أن لا يوضع الا في كفنه فاخذوا من كل كفن قطعة وكفنوه في مجموع ذلك جبرا لخواطرهم
وأعطى الامير محمد بك لاخيه مولانا السيد بدر الدين عندما أخبره بموته خمسمائة ريال لتجهيزه ولوازمه
وجلس مكانه في الدار أخوه السيد بدر المذكور وتصدره مكانه لاملاء درس الحديث النبوي بمسجد المشهد الحسيني وأقبلت عليه الناس والاعيان ومشى على قدم أخيه وسار سيرا حسنا وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الاخلاق واطعام الطعام واكرام الضيفان والتردد الى الاعيان والامراء والسعي في حوائج الناس والتصدي لاهل حارته وخطته في دعاويهم وفصل خصوماتهم وصلحهم والذب عنهم ومدافعة المتعدى عليهم ولو من الامراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم حتى صار مرجعا وملجأ لهم في أمورهم ومقاصدهم وصار له وجاهة ومنزلة في قلوبهم ويخشون جانبه وصولته عليهم
ثم انه هدم الزاوية وما بجانبها وأنشأها مسجدا نفيسا لطيفا وعمل به منبرا وخطبة ورتب به اماما وخطيبا وخادما وجعل بجانبه ميضاه ومصلى لطيفة يسلك اليهما من باب مستقل وبها كراسي راحة وأنشأ بجانب المسجد دارا نفيسة وانتقل اليها بعياله وترك الدار التي كانت سكنه مع اخيه لانها كانت بالاجرة وبنى لاخيه ضريحا بداخل ذلك المسجد ونقله اليه وذلك سنة 1205
فلما كانت الحوداث في سنة 1213 واستيلاء الفرنسيس على الديار المصرية وقيام سكان الجهة الشرقية من أهلى البلد وهي القومة الاولى التي قتل فيها دبوي قائمقام تحركت في السيد بدر الدين المذكور الحمية وجمع جموعه من اهل الحسينية والجهات البرانية وانتبذ لمحاربة الافرنج ومقاتلتهم وبذل جهده في ذلك
فلما ظهر الافرنج على المسلمين لم يسع المذكور الاقامة وخرج فارا الى جهة البلاد الشامية وبيت المقدس وفحص عنه الافرنج وبثوا خلفه الجواسيس (1/420)
فلم يدركوه فعند ذلك نهبوا داره ودهموا منها طرفا وكل تخريبها أوباش الناحية وخربوا المسجد وصارت في ضمن الاماكن التي خربها الفرنسيس بهدم ما حول السور من الابنية ثم في الواقعة الكبيرة الثانية عندما حضر الوزير والعساكر الرومية ورجعوا بعد نقض الصلح بدون طائل كما يأتي تفصيل ذلك
فلما حضروا ثانيا بمعونة الانكليز وتم الامر وسافر الفرنسيس الى بلادهم ورجع المذكور الى مصر وشاهد ما حصل لداره ومسجده من التخريب أخذ في اسباب تعميرهما وتجديدهما حتى أعادهما أحسن مما كانا عليه قبل ذلك وسكن بها وهو الآن بتاريخ كتابة هذا المجموع سنة 1220 قاطن بها ومحله مجمع شمل المحبين ومحط رحال القاصدين بارك الله فيه
ومات الفقيه المفنن العلامة الشيخ علي ين شمس الدين بن محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيدي الشهير بالخضري ولد بالثغر سنة أربع وعشرين وأمه آمنة بنت الحاج عامر بن أحمد العراقي وأمها صالحة بنت الشريف الشريف الحاج علي زعيتر أحد أعيان التجار برشيد حفظ المترجم الزبد والخلاصة وسبيل السعادة والمنهج الى الديات والجزرية والجوهرة وسمع على الشيخ يوسف القشاشي الجزرية وابن عقيل والقطر وعلى الشيخ عبد الله بن مرعي الشافعي في شوال سنة احدى واربعين جمع الجوامع والمنهج وألقى منه دروسا بحضرته ومختصر السعد واللقاني على جوهرته وشرح ابنه عبد السلام والمناوي على الشمائل والبخاري وابن حجر على الاربعين والمواهب وعلى الشمس محمد بن عمر الزهيرى معظم البخارى دراية والمواهب وابن عقيل والاشموني على الخلاصة وجمع الجوامع والمصنف على أم البراهين ونصف النفراوي على الرسالة والبيضاوي الى قوله تعالى واذا وقع القول فكلمه بعد موته
وفي سنة ثمان وثلاثين وفد على الثغر الشيخ عطية الاجهوري فقرأ (1/421)
عليه العصام في الاستعارات مع الحفيد وعلى الشيخ محمد الادكاوي شرح السيوطي على الخلاصة والشنشوري على الرحبية والتحرير لشيخ الاسلام ثم قدم الجامع الازهر سنة ثلاث وأربعين فجاور ثلاث سنوات فسمع على الشيخ مصطفى العزيزي شرح المنهج مرتين والخطيب والشمائل واجازه بالافتاء والتدريس في رجب سنة ست وأربعين وكان به بارا رحيما شفوقا بمنزلة الوالد حتى بعد الوفاة وجرت له معه وقائع كثيرة تدل على حسن توجهه له دون غيره من الطلبة
وسمع على السيد علي الحنفي الضرير الاشموني وجمع الجوامع والمغني وبعض المنفرجة والقسطلاني على البخاري وتصريف العزى على الشمس محمد الدلجي المغني كله قراءة بحث والخطيب وجمع الجوامع وعلى الشيخ علي قايتباي الخطيب فقط وعلى الشيخ الحفني الخطيب والمنهج وجمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وألفية المصطلح ومعراج الغيطي وعلى أخيه الشيخ يوسف الاشموني والمختصر ورسالة الوضع وعلى الشيخ عطية الاجهوري المنهج والمختصر والسلم وعلى أحمد الشبراملسي الشافعي المختصر والتجرير وبعض العصام ومنظومة في أقسام الحديث الضعيف وعلى الشيخ محمد السجيني الشمائل وموضع من المنهج وأجازه الشيخ الشبراوي بالكتب الستة بعد أن سمع عليه بعضا منها ورجع عن فتواه مرتين في وقفين وعلى الشيخ أحمد بن سابق الزعبلي المنهج كله مرتين وعلى الشيخ أحمد المكودى كبرى السنوسي وبعض مختصره دراية وعلى الشيخ محمد المنور التلمساني شيخ المكودى المذكور أم البراهين دراية وعلى الشيخ أحمد العماوي المالكي بعض سنن أبي داود وجمع الجوامع والمغني والازهرية
ولما رجع الى الثغر لازم الشيخ شمس الدين الغوى خطيب جامع المحلي فسرد عليه معظم متن الزبد والمنهج وشرحه والشنشورى ومتن العباب وهو (1/422)
الذي عرفه به وبطريق تركيب الفتاوى أسئلة وأجوبة
وكان يقول لا بد للمبتلي بالافتاء من العباب لوضوحه واستيعابه
وأجازه الشيخ شلبي البرلسي والشيخ عبد الدائم بن أحمد المالكي وأحمد بن أحمد بن قاسم الوني
وله مؤلفات جليلة منها شرح لقطة العجلان وحاشية على شرح الاربعين النووية للشبشيرى أجاد فيها كل الاجادة وقد رأيت كلا منهما بالثغر عند ولده السيد أحمد توفي في خامس عشرين شعبان من السنة
ومات الشاب الصالح والنجيب الاريب الفالح العلامة المستعد النبيه الذكي الشيخ محمد بن عبد الواحد بن عبد الخالق البناني أبوه وجده وعمه من أعيان التجار والثروة بمصر نشأ في عفة وصلاح وحفظ القرآن والمتون وحبب اليه طلب العلم فتقشف لذلك وتجرد ولازم الحضور والطلب ودأب واجتهد في التحصيل وسهر الليل وكان له حافظة جيدة وفهم حاد وقوة استعدادية وقابلية فأدرك في الزمن اليسير ما لم يدركه غيره في الزمن الكثير ولازم شيخنا الشيخ محمد الجناحي المعروف بالشافعي ملازمة كلية وتلقى عنه غالب تحصيله في الفقه والمعقول والمنطق والاستعارات والمعاني والبيان والفرائض والحساب وشباك ابن الهاثم وغير ذلك وحضر دروس الشيخ الصعيدي والدردير وغيرهم حتى مهر وأنجب ودرس واشتهر بالفضل وعمل الختوم وحضره أشياخ العصر وشهدوا بفضله وغزارة علمه وانتظم في عداد أكابر المحصلين والمفيدين والمستفيدين ولم يزل هذا حاله حتى وافاه الحمام وانمحق بدره عند التمام ومات مطعونا في هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة لم يجاوز الثلاثين عوضه الله الجنة وهو ابن عم الامام العلامة الشيخ مصطفى بن محمد بن عبد الخالق من أعيان العلماء المشاهير بمصر الآن بارك الله فيه
ومات الفقيه الفاضل المحقق الشيخ أحمد بن أحمد الحمامي الشافعي (1/423)
الازهري ولد بمصر واشتغل بالعلم من صغره ومال بكليته اليه وحبب اليه مجالسة أهله فلازم الشيخ عيسى البراوى حتى مهر وتفقه عليه وحضر دروس الشمس الحفني والشيخ علي الصعيدي وغيرهما واجازوه وحج في سنة خمس وثمانين مرافقا لشيخنا الشيخ مصطفى الطائي ورجعا الى مصر وتصدر للتدريس والافتاء في حياة شيوخه ودرس وأفاد
وكان أكثر ملازمته لزاوية الشيخ الخضرى ويقرأ درسا بالصرغتمشية وانتفع به جماعة وله حاشية على الشيخ عبد السلام مفيدة وأخرى على الجامع الصغير للسيوطي لم تتم وكان ذا صلاح وورع وخشية من الله وسكون ووقار
توفي يوم الاربعاء تاسع ربيع الاول من السنة ودفن ثاني يوم بمشهد عظيم بالقرب من السادة المالكية
ومات الامام الصوفي العارف المعمر الشيخ علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القدوس ابن القطب شمس الدين محمد الشناوي الروحي الاحمدي المعروف ببندق ولد قبل القرن وأخذ عن عميه محمد العالم وعلي المصرى وهما عن عمهما الشمس محمد بن عبد القدوس الشهير بالدناطي عن ابن عمه الشهاب الخامي ومسكنهم بمحلة روح وهو شيخ مشايخ الاحمدية في عصره
وانتهت اليه الرياسة في زمنه وعاش كثيرا حتى جاوز المائة ممتعا بالحواس وكان له خلوة في سطح منزله ولها كوة مستقبلة طندتا بين يديها فضاء واسع يرى منها آثار طندتا وهو مستقبل القبلة في حال جلوسه ونومه ونظره الى تلك الكوة
وأخبرني أولاده انه هكذا هو مستمر على هذه الطريقة من مدة طويلة
توفي في أوائل جمادى الاولى من السنة واجتمع بمشهده غالب أهل البلاد من المشايخ والاعيان والصلحاء من الآفاق والسيد محمد مجاهد الاحمدي والشيخ محمد الموجه والسيد أحمد تقي الدين وغيرهم ودفن عند أسلافه بمحلة روح (1/424)
ومات الامير خليل بك ابن ابراهيم بك بلفيا تقلد الامارة والصنجقية بعد موت والده وفتح بيتهم وأحيا ما آثرهم وكان أهلا للامارة ومحلا للرئاسة وتقلد امارة الحج في سنة احدى وثمانين ورجع في أمن وسخاء وطلع أيضا في السنة الثانية ومات بالحجاز ورجع بالحج أخوه عبد الرحمن أغا بلفيا
ومات الاجل المكرم الرئيس محمد تابع المرحوم محمد أوده باشه طبال مستحفظان ميسو الجداوى وهو زوج الجدة أم المرحوم الولد تزوج بها بعد موت الجد في سنة 1114 وقطن بها ببندر جدة وأولدها حسينا ومحمدا وتوفي سنة أربع وخمسين عن ولديه المذكورين وأخيهما محمود من أبيهما وعتقائه ومنهم المترجم قرباه ابن سيدة وهو العم حسين فأنجب وعانى التجارة ورئاسة المراكب الكبار ببحر القلزم حتى صار من أعيان النواخيد الكبار واشتهر صيته وذكره وكثر ماله وبنى دارا بمصر بجوار المدارس الصالحية واشترى المماليك والعبيد والجوارى وصار له داربمصر وبجدة ولم يزل حتى توفي بالشام وهو راجع الى مصر ووصل نعيه في سابع عشرين ربيع الثاني رحمه الله
ومات الخواجا الصالح المعمر الحاج محمد بن عبد العزيز البندارى وكان انسانا حسنا وهو الذي عمر العمارة والمساكن بطندتا واشتهرت به
توفي في غرة ربيع أول بعد تعلل رحمه الله تعالى
سنة سبع وثمانين ومائة وألف
فيها تواترت الاخبار والارجافات بمجيء علي بك من البلاد الشامية بجنود الشام وأولاد الظاهر عمر فتهيأ محمد بك للقائه وبرز خيامه الى جهة العادلية ونصب الصيوان الكبير هناك وهو صيوان صالح بك وهو في غاية العظم والاتساع والعلو والارتفاع وجميعه بدوائره من جوخ (1/425)
صاية وبطانته بالاطلس الاحمر وطلائعه وعساكره من نحاس أصفر مموه بالذهب
فأقام يومين حتى تكامل خروج العسكر ووصل الخبر بوصول علي بك بجنوده الى الصالحية فارتحل محمد بك في خامس شهر صفر فالتقيا بالصالحية وتحاربا فكانت الهزيمة على علي بك واصابته جراحة في وجهه فسقط عن جواده فاحتاطوا به وحملوه الى مخيم محمد بك وخرج اليه وتلقاه وقبل يده وحمله من تحت ابطه حتى أجلسه بصيوانه
وقتل علي بك الطنطاوي وسليمان كتخدا وعمر جاويش وغيرهم وذلك يوم الجمعة ثامن شهر ضفر ووصل خبر ذلك الى مصر في صبح يوم السبت وحضروا الى مصر وأنزل محمد بك أستاذه في منزله الكائن بالازبكية بدرب عبد الحق وأجرى عليه الاطباء لمداواة جراحاته
وفي خامس عشر صفر وصل الحجاج ودخلوا الى مصر وأمير الحج ابراهيم بك محمد
وفي تلك الليلة توفي الامير علي بك بعد وصوله بسبعة أيام قيل انه سم في جراحاته فغسل وكفن ودفنوه عند اسلافه بالقرافة
وفي سابع عشر ربيع الاول وصل الوزير خليل باشا والي مصر واطلع الى القلعة في موكب عظيم وذلك يوم الخميس تاسع عشرة وضربوا له مدافع وشنكا من الابراج
وكان وصوله من طريق دمياط فعمل الديوان وخلع الخلع
ومات في هذه السنة الشيخ الامام الصالح العلامة المفيد الشيخ أحمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسن الجوهرى الخادلى الشافعي ولد بمصر سنة 1132 وبها نشأ وسمع الكثير من والده ومن شيخ الكل الشهاب الملوى وآخرين
وتصدر في حياة أبيه للتدريس وحج معه وجاور سنة وكان انسنا حسنا ذا مودة وبر وشهامة ومروءة تامة واخلاق لطيفة
توفي بعد ان تعلل أياما في حادي عشري ربيع الاول وصلي (1/426)
عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن مع والده بالزاوية القادرية بدرب شمس الدولة
ومات المبجل المفضل الامام العارف صاحب المعارف علي بن محمد بن القطب الكامل السيد محمد مراد الحسيني البخاري الاصل الدمشقي الحنفي ويعرف بالمرادى نسبة لجده المذكور ولد بدمشق وأخذ عن أبيه وغيره من العلماء كعلي بن صادق الداغستاني وغيره وكان انسانا عظيم الشأن ساطع البرهان طيب الاعراق كريم الاخلاق منزله مأوى القاصدين ومحط رجال الواردين وهو والد خليل أفندي المفتي بدمشق نزل عنده السيد العيدروس فأكرمه وبره ولم يزل حتى توفي في هذه السنة
وتوفي بعده بشهرين أيضا أخوه حسين أفندي المرادى رحمهما الله
ومات الماهر الاديب الشاعر الكاتب المنشىء الشيخ ابراهيم بن محمد سعيد بن جعفر الحسني الادريسي المنوفي المكي الشافعي ولد في آخر القرن الحادى عشر بمكة وأخذ عن كبار العلماء كالبصرى والنخلي وتاج الدين القلعي والعجمي ثم من الطبقة التي تليه مثل علي السخاوى وابن عقيلة في آخرين من الواردين على الحرمين من آفاق البلاد واعلى ما عنده اجازة الشيخ ابراهيم الكوراني له وله شعر نفيس وقد جمع في ديوان وبينه وبين السيد جعفر البيثي والسيد العيدروس مخاطبات ومحاورات ودخل الهند بسفارة صاحب مكة فأكرم وعاد الى مكة وولي كتابة السر لملكها وكان يكاتب رجال الدولة على لسانه على إختلاف طبقاتهم وكان قلمه كلسانه سيالا وربما شرع في كتابة سورة من القرآن وهو يتلو سورة أخرى بقدرها فلا يغلط في كتابته ولا في قراءته حتى تتما معا وهذا من أعجب ما سمعت
وكان له مهارة ومعرفة في علم الطب واما انشاآته فاليها المنتهي في العذوبة وتناسب القوافي
وأما في نظمه فهو فريد عصره لا يجاريه فيه مجار ولا يطاوله مطاول (1/427)
ومات البارع المقرىء المجود المحدث الشيخ عبد القادر بن خليل بن عبد الله الرومي المدني المعروف بكدك زاده ولد بالمدينة سنة 1140 وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شمس الدين محمد السجاعي نزيل المدينة تلميذ البقرى الكبير وحفظ الشاطبية واشتغل بالعلم على علماء بلده والواردين عليه سمع اكثر كتب الحديث على الشيخين ابن الطيب ومحمد حياة بقراءته عليهما في الاكثر ولازم الشيخ ابن الطيب ملازمة كلية حتى صار معيدا لدروسه وكان حسن النغمة طيب الاداء ولي الخطابة والامامة بالروضة المطهرة وكان اذا تقدم الى المحراب في الصلوات الجهرية تزدحم عليه الخلق لسماع القرآن منه ثم ورد الى مصر فأدرك الشيخ المعمر داود بن سلمان الخربتاى فتلقى منه أشياء واجازه وذلك في سنة 1168 وحضر الشيخ الملوى والجوهرى والحفني والبليدى وحمل عنهم الكثير وتزوج ثم توجه الى الروم ثم عاد الى المدينة فلم يقر له بها قرار ثم أتى الى مصر ودار على الشيوخ البقية ثانيا وأخذ عنهم وأحبه السيد اسمعل بن مصطفى الكماخي وصار يجلس عنده أياما في منزله الملاصق لجامع قوصون فشرع في أخذ خطابته له فاشترى له الوظيفة فخطب به على طريقة المدينة وازدحمت عليه الناس وراج أمره وتزوج ثم توجه الى الروم وباع الوظيفة وانخلع عما كان عليه وجلس هناك مدة وسمع السلطان قراءته في بعض المواضع في حالة التبديل فأحب أن يكون اماما لديه وكاد أن يتم فاحس امام السلطان بذلك فدعاه الى منزله وسقاه شيئا مما يفسد الصوت حسدا عليه فلما أحس بذلك خرج فارا فعاد الى مصر واشتغل بالحديث وشرع في عمل المعجم لشيوخه الذين أدركهم في بلده وفي رحلاته الى البلاد
ودخل حلب فاجتمع بالشيخ أبي المواهب القادرى وقرأ عليه شيئا من الصحيح وأجازه واخذ عن السيد المعمر ابراهيم بن محمد الطرابلسي النقيب ومن (1/428)
درويش مصطفى الملقي ودخل طرابلس الشام وأخذ الاجازة من الشيخ عبد القادر الشكعاوي ودخل خادم ( احدى قرى الروم ) فاجتمع بالشيخ المعروف بمفتي خادم ورام ان يسمع منه الآولية فلم يجد عنده اسنادا وانما هو من أهل المعقول فقط ورجع الى مصر فاجتمع بشيخنا السيد مرتضى وتلقى عنه الحديث واهتم في جمع رجاله وتمهر في الاسناد وجمع من ذلك شيئا كثيرا في مسودات بخطه ثم عاد الى الحريمن ومنهما الى ارض اليمن فاجتمع بمن بقي من الشيوخ وأخذ عنهم ودخل صنعاء ومدح كلا من الوزير والامام بقصيدة فأكرم بها واجتمع على علمائها وتلقى عنهم وصار بينه وبين الشيخ أحمد قاطن أحد علمائها محاورات ثم دخل كوكيان فاجتمع على فريد عصره السيد عبد القادر بن أحمد الحسني من بيت الائمة ودخل شبام فأجتمع على السيد ابراهيم بن عيسى الحسني واللحية فأجتمع بها على الشيخ عيسى زريق وذلك في سنة 1185 وعاد الى مصر بالفوائد الغزار وبما حمل في طول غيبته من النوادر والاسرار وفي هذه الخطرات التي ذكرت دخل الصعيد من طريق القصير واجتمع على مشايخ عربان الهوارة ومدحهم بقصائد طنانة وأكرموه وله ديوان جمع فيه شعره وما مدح به الآكابر والاولياء وكان عنده مسودة بخطه وهذا قبل أن يسافر الى الشام والروم واليمن والصعيد فقد تحصل له في هذه السفرات كلام كثير مفرق لم يلحقه بالديوان وكان كلما نزل في موضع ينشيء فيه قصيدة غريبة في بابها وكان يغوص على المعاني بفكرة الثاقب فيستخرجها ويكسوها حلة الالفاظ ويبرزها أعجوبة تلعب بالعقول وتعمل عمل الشمول فلله دره من بليغ لم يبلغ معاصروه شأوه ولو اقام في موضع كغيره لاطلع ضياه ولكنه الف الغربة وهانت عنده الكربة فلم ينال بخشن ولا لين ولم يكترث بصعب ولا هين وأجازه الشيخ محمد السفاريني أجازه طويلة في خمسة (1/429)
كراريس فيها فوائد جمة
ولم يزل تتنقل به الاحوال حتى سافر الى القدس الشريف فمكث هناك قليلا وزار المشاهد الكرام ومراقد الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم ارتحل الى نابلس فنزل في دار السيد موسى التميمي وهو اذ ذاك قاضي البلد فأكرمه وآواه واحترمه
ومرض اياما وانتقل الى رحمة الله تعالى في سلخ جمادى الثانية منها ووصل نعيه الى مصر وكانت معه كتبه وما جمعه في سفره من شعره والعجم الذي جمعه في الشيوخ والاجراء والاماني التي حصلها وضاع ذلك جميعه ولله في خلقه ما أراد
ومات العمدة الشاب الصالح الشيخ محمد بن حسن الجزايرلي ثم المدني الحنفي الازهري ولد بمكة اذ كان والده يتجر بالحرمين في حدود الستين وقدم به الى مصر فلازم الشيخ حسن المقدسي مفتي الحنفية ملازمة كلية وانضوى اليه فقرأ عليه المتون الفقهية ودرجه في أدنى زمن الى معرفة طرق الفتوى حتى كان معيدا لدروسه وكاتبا لسؤالاته وربما كتب على الفتوى بأذن شيخه
وفي أثناء حضر في المعقول على الشيخ الصعيدي والشيخ البيلي والشيخ محمد الامير وغيرهما من مشايخ الوقت وحصل طرفا من العلوم وصارت له الشهرة في الجملة وأعطاه شيخه تدريس الحديث بالصرغتمشية فكان في كل جمعة يقرأ فيه البخاري وزوجه امرأة موسرة لها بيت بالازبكية
وبعد وفاة شيخه تصدر لللاقراء في محله وصار ممن يشار اليه ولم يزل حتى مات في عنفوان شبابه في هذه السنة ويقال ان زوجته سمته
ومات الامير الكبير علي بك الشهير صاحب الوقائع المذكورة والحوادث المشهورة وهو مملوك ابراهيم كتخدا تابع سليمان جاويش تابع مصطفى كتخدا القازدغلي تقلد الامارة والصنجقية بعد موت استاذه في سنة 1168 وكان قوي المراس شديد الشكيمة عظيم الهمة لا يرضى لنفسه (1/430)
بدون السلطنة العظمى والرياسة الكبرى لا يميل لسوى الجد ولا يحب اللهو ولا المزح ولا الهزل ويحب معالي الامور من صغره
واتفق ان بعض ولاة الامور تشاوروا في تقليده الامارة فنقل اليه مجلسهم وذكر له مساعدة فلان وممانعة فلان فقال انا لا اتقلد الامارة الا بسيفي لا بمعونة أحد
ولم يزل يرقى في مدارج الصعود حتى عظم شأنه وانتشر صيته ونما ذكره وكان يلقب بجن علي ولقب أيضا ببلوط قبان وانضم الى عبد الرحمن كتخدا واظهر له خلوص المحبة واغثر هو ايضا به وظن صحة خلوصه فركن اليه وعضده وساعده ونوه بشأنه ليقوى به على نظرائه من الاختيارية والمتكلمين
واتفق انه وقع بين أحمد جاويش المجنون تابعه وبين أهل وجاقة حادثة نقموا عليه فيها وأوجبوا عليه النفي بحسب قوانينهم واصطلاحهم واعرضوا الامر على عبد الرحمن كتخدا استاذه فعارض في ذلك ولم يسلم لهم في نفي أحمد جاويش ورأى ذلك نقصا في حقه فتلطف به بعضهم وترجوا في اخراجه ولو الى ناحية ترسا بالجيزة أياما قليلة مراعاة وحرمة للوجاق فلم يرض وحنق واحتد
فلما كان في اليوم الثاني واجتمع عليه الامراء والاعيان على عادتهم قال لهم أيها الامراء من انا اجابه الجميع بقولهم أنت استاذنا وابن استاذنا وصاحب ولائنا
قال اذا أمرت فيكم بامر تنفذوه وتطيعوه قالوا نعم
قال علي بك هذا يكون أميرنا وشيخ بلدنا ومن بعد هذا اليوم يكون الديوان والجمعية بداره وانا أول من اطاعه وآخر من عصى عليه
فلم يسعهم الا قبول ذلك بالسمع والطاعة وأصبح راكبا الى بيت علي بك وتحول الديوان والجمعية اليه من ذلك اليوم واستفحل أمره ولم يمض على ذلك الا مدة يسيرة حتى أخرج أحمد جاويش المذكور وحسن كتخدا الشعرواي وسليمان بك الشابوري كما تقدم ثم غدر به أيضا واخرجه الى الحجاز من طريق السويس وأرسل معه صالح بك ليوصله الى ساحل (1/431)
القلزم فلما شيعه هناك أرسل بنفي صالح بك الى غزة ثم رد الى رشيد ومنها ذهب الى منية ابن خصيب وتحصن بها وجرد عليه المترجم التجاريد ولم يزل ممتنعا بها حتى تعصب على المترجم خشداشينه واخرجوه منفيا الى النوسات ثم وجهوه الى السويس بعد قتل حسن بك الأزبكاوى ثم منها الى الجهة القبلية بعد قتل عثمان بك الجرجاوى وانضم الى صالح بك وتعاقد معه وحضر معه الى مصر وقتل الرؤساء من أقرانه ثم غدر بصالح بك أيضا كما تقدم مجمل ذلك ثم نفى باقي الأعيان وفرق جمعهم في القرى والبلدان وتتبعهم خنقا وقتلا وأبادهم فرعا وأصلا وافنى باقيهم بالتشريد وجلوا عن أوطانهم الى كل مكان بعيد واستأصل كبار خشداشينة وقبيلته واقصى صغارهم عن ساحته وسدته
واخرب البيوت القديمة واخرم القوانين الجسيمة والعوائد المرتبة والرواتب التي من سالف الدهر كانت منظمة وقتل الرجال واستصفى الأموال وحارب كبار العربان والبوادي وعرب الجزيرة والهنادي واعاظم الشجعان ومقادم البلدان وشتت شملهم وفرق جمعهم واستكثر من شراء المماليك وجمع العسكر من سائر الأجناس واستخلص بلاد الصعيد وقهر رجالها الصناديد ولم يزل يمهد لنفسه حتى خلص له ولأتباعه الأقليم من الأسكندرية الى أسوان ثم جرد عساكره الى البلاد الحجازية ونفذ اغراضه بها ثم التفت الى البلاد الشامية وتابع إرسال البعوث والسرايا والتجاريد اليها وقتل عظماءها وكبراءها وولاتها واستولت اتباعه على البلاد الشامية حتى أنهم أقاموا في حصار يافا أربعة اشهر حتى ملكوها وعمر قلاع الاسكندرية ودمياط وحصنها بعساكره ومنع ورود الولاة العثمانيين وكان يطلع كتب الاخبار والتواريخ وسير الملوك المصرية ويقول لبعض خاصته ان ملوك مصر كانوا مثلنا مماليك الاكراد مثل السلطان بيبرس والسلطان قلاوون وأولادهم وكذلك ملوك الجراكسة وهم مماليك بني (1/432)
قلاون الى آخرهم كانوا كذلك وهؤلاء العثمانية أخذوها بالتغلب ونفاق أهلها
وينوه ويشير بمثل هذا القول بما في ضميره وسريرته ولو لم يخنه مملوكه محمد بك لرد الامور الى أصولها وكان لا يجالس الا أهل الوقار والحشمة والمسنين مثل محمد افندي كاتب كبير الينكجرية ومصطفى افندي توكلي وعبد الله كتخدا محمد باشا الراقم ومرتضى أغا وأحمد افندي يجالسونه بالنوبة في اوقات مخصوصة مع غاية التحرز في الخطاب والمسامرة بوجيز القول وكاتب انشائه العربي الشيخ محمد الهلباوي الدمنهوري وكاتبه الرومى مصطفى افندي الاشقر ونعمان افندي وهو منجمه أيضا ويجل من العلماء المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ على العدوى والشيخ أحمد الحماقي وكاتبه القبطي المعلم رزق بلغ في ايامه من العظمة ما لم يبلغه قبطي فيما رأينا ومن مسقاته كرع المعلم ابراهيم الجوهرى وأدرك ما أدركه بعده في ايام محمد بك واتباعه من بعده وتتبع المفسدين والذين يتداخلون في القضايا والدعاوى ويتحيلون على ابطال الحقوق بأخذ الرشوات والجعالات وعاقبهم بالضرب الشديد والاهانة والقتل والنفي الى البلاد البعيدة
ولم يراع في ذلك أحدا سواء كان متعمما أو فقيها أو قاضيا أو كاتبا أو غير ذلك بمصر أو غيرها من البناذر والقرى وكذلك المفسدون وقطاع الطريق من العرب وأهل الحوف والزم أرباب الادراك والمقادم بحفظ نواحيهم وما في حوزهم وحدودهم وعاقب الكبار بجناية الصغار فأمنت السبل وانكفت أولاد الحرام وانكمشوا عن قبائحهم وايذائهم بحيث ان الشخص كان يسافر بمفرده ليلا راكبا أو ماشيا ومعه حمل الدراهم والدنانير الى أي جهة ويبيت في الغيط أو البرية آمنا مطمئنا لا يرى مكروها أبدا
وكان عظيم الهيبة اتفق لاناس ماتوا فرقا من هيبته وكثيرا من كان تأخذه الرعدة بمجرد المثول بين يديه فيقول له هون (1/433)
عليك ويلاطفه حتى ترجع له نفسه ثم يخاطبه فيما طلبه بصدده وكان صحيح الفراسة شديد الحذق يفهم ملخص الدعوى الطويلة بين المتخاصمين ولا يحتاج في التفهيم الى ترجمان أو من يقرأ له الصكوك والوثائق بل يقرأها ويفهم مضمونها ثم يمضيها أو يمزقها
وألبس سراجينه قواويق فتلى بالفاء من جوخ أصفر تمييزا لهم عن غيرهم من سراجين امرائه ولم يزل منفردا في سلطنة مصر لا يشاركه مشارك في رأيه ولا في احكامه وامرؤها وحكامها مماليكه وأتباعه فلم يقنع بما أعطاه مولاه وخوله من ملك بحريها وقبليها الذي افتخرت به الملوك والفراعنة على غيرها من الملوك وشرهت نفسه وغرته أمانيه وتطلبت نفسه الزيادة وسعة المملكة وكلف امراءه الاسفار وفتح البلاد حتى ضاقت أنفسهم وشموا الحروب والغربة والبعد عن الوطن فخالف عليه كبير امرائه محمد بك ورجع بعد فتح البلاد الشامية بدون استئذان منه واستوحش كل من الآخر فوثب عليه وفر منه الى الصعيد وكان ما كان من رجوعه بمن انضم اليه وخامر معه وكانت وكانت الغلبة له على مخدومه وفر منه الى الشام وجند الجنود وقصد العود لمملكته ومحل سيادته فوصل الى الصالحية
وخرج اليه محمد بك وتلاقيا واصيب المترجم بجراحة في وجهه واخذ أسيرا وقتل من قتل من امرائه ورجع محمد بك وصحبته مخدومه المذكور محمولا في تخت فأنزلوه في داره بدرب عبد الحق فأقام سبعة أيام ومات والله أعلم بكيفية موته
وكان ذلك في منتصف شهر صفر من السنة
فغسل وكفن وخرجوا بجنازته وصلى عليه بمصلى المؤمنين في مشهد حافل ودفن بتربة استاذه ابراهيم كتخدا بالقرافة الصغرى بجوار الامام الشافعي ومدفنهم مشهور هناك وبواجهته سبيل يعلوه قصر مفتح الجوانب
ومن مآثره العمارة العظيمة بطندتا وهي المسجد الجامع والقبة على مقام سيدي أحمد (1/434)
البدوي رضى الله عنه والمكاتب والميضأة الكبيرة والحنفيات وكراسي الراحة المتسعة والمنارتان العظيمتان والسبيل المواجه للقبة والقيسارية العظيمة النافذة من الجهتين وما بها من الحوانيت للتجار وسميت هناك بالغورية لنزول تجار أهل الغورية بمصر في حاونيتها أيام مواسم الموالد المعتادة لبيع الاقمشة والطرابيش والعصائب وكان المشد على تلك العمارة المعلم حسن عبد المعطي وكان من الرجال أصحاب الهمم وولاه سدانة الضريح عوضا عن أولاد سعد الخادم لسوء سيرتهم وظلمهم فنكبهم المترجم واخذ ما امكنه أخذه من مالهم وهو شيء كثير وأنفقه في هذه العمارة ووقف عليها أوقافا ورتب بالمسجد عدة من الفقهاء والمدرسين والطلبة والمجاورين وجعل لهم خبزا وجرايات وشوربة في كل يوم وجدد أيضا قبة الامام الشافعي رضي الله عنه وكشف ما عليها من الرصاص القديم من أيام الملك الكامل الايوبي في القرن الخامس وقد تشعت وصدىء لطول الزمان فجدد ما تحته من خشب القبة البالي بغيره من الخشب النقي الحديث ثم جعلوا عليه صفائح الرصاص المسبوك الجديد المثبت بالمسامير العظيمة وهو عمل كثير
وجدد نقوش القبة من داخل بالذهب واللازورد والاصباغ وكتب بافريزها تاريخا منظوما صالح افندى
وهدم أيضا الميضاة التي كانت من عمارة عبد الرحمن كتخدا وكانت صغيرة مثمنة الاركان ووسعها وعمل عوضها هذه الميضأة الكبيرة وهي مربعة مستطيلة متسعة وبجانبها حنفية وبزابيز يصب منها الماء وحول الميضاة كراسي راحة بحيضان متسعة تجري مياهها الى بعضها وماؤها شديد الملوحة
ومن انشائه أيضا العمارة العظيمة التي أنشأها بشاطىء النيل ببولاق حيث دكك الحطب تحت ربع الخرنوب وهي عبارة عن قيسارية عظمية بباين بين يسلك منها من يجري الى قبلي وبالعكس وخانا عظيما يعلوه مساكن من الجهتين وبخارجه حوانيت وشونه غلال حيث مجرى النيل ومسجد متوسط (1/435)
فحفروا اساس جميع هذه العمارة حتى بلغوا الماء ثم بنوا لها خنازير مثل المنارات من الاحجار والدبش والمؤن وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى استقرت على الارض الصحيحة ثم ردموا ذلك الخندق المحتوي على تلك الخنازير بالمؤن ولاحجار واستعلوا عليه بعد ذلك بالبناء المحكم بالحجر النحيت وعقدوا العقود والقواصر والاعمدة والاخشاب المتينة
وكان العمل في ذلك سنة خمس وثمانين
ومات المترجم قبل اتمامها وبناء أعاليها
وكانت هذه العمارة من أشام العمائر لان النيل انحسر بسببها عن ساحل بولاق وبطل تياره واندفع الى ناحية انبابة ولم تزل الارض تعلو والاتربة تزيد فيما بين زاوية تلك العمارة الى شون الغلال ويزيد نموها في كل سنة حتى صار لا يركبها الماء الا في سنين الغرق
ثم فحش الامر وبنى الناس دورا وقهاري في بحري العمارة وسبحوا الى جهة قرب الماء مغربين والقوا أتربة العمائر وما يحفرونه حول ذلك واقتدى بهم الترابة وغيرهم ولم يجدوا مانعا ولا رادعا وكلما فعلوا ذلك هرب الماء وضعف جريانه وربت الارض وعلت وزادت حتى صارت كيمانا تنقبض النفوس من رؤيتها
وتمتلىء المنافس من عجاجها وخصوصا في وقت الهجير
بعد ان كانت نزهة للناظرين
ولقد ادركنا فيمل قبل ذلك تيارا لنيل يندفع من ناحية بولاق التكرور الى تلك الجهة ويمر بقوته تحت جدران الدور والوكائل القبلية وساحل الشون ووكالة الابزار وخضرة البصل وجامع السنانية وربع الخرنوب الى الجيعانية وينعطف الى قصر الحلي والشيخ فرج صيفا وشتاء ولا يعوقه عائق ولا يقدر أحد أن يرمي بساحل النيل شيئاا من التراب فان اطلع الحاكم على ذلك نكل به أو بخفير تلك الناحية وهذا شيء قد تودع منه ومن امثاله وأخر من أدركنا فيه هذا الالتفات والتفقد للامور الجزئية التي يترتب بزيادتها الضرر العام عبد الرحمن أغا مستحفظان فانه كان يحذو طريق الحكام السالفين الى (1/436)
ان ضعفت شوكته بتآمر الاصاغر وقيد حكمه بعد الاطلاق وترك هذا الامر ونسي بموته وتقليد الاغاشم وتضاعف الحال حتى ان بعض الطرق الموصلة الى بولاق سدت بتراكم الاتربة التي يلقيها أهل الاطارف خارج الدروب ولا يجدون من يمنعهم أو يردعهم وقدرت علو الارض بسبب هذه العمارة زيادة عن أربع قامات فاننا كنا نعد درج وكالة الابزاريين من ناحية البحر عندما كنا ساكنين بها قبل هذه العمارة نيفا وعشرين درجة وكذلك سلم قيطون بيت الشيخ عبد الله القمري وقد غابت جميعها تحت الارض وغطتها الاتربة ولله عاقبة الامور
ومن إنشاء المترجم داره المطلة على بركة الازبكية بدرب عبد الحق التي بها والحوض والساقية والطاحون بجوارها وهي الان مسكن الست نفيسة
وبالجملة فأخبار المترجم ووقائعه وسيرته لو جمعت من مبدأ أمره الى اخره لكان مجلدات وقد ذكرنا فيما تقدم لمعا من ذلك بحسب الاقتضاء مما استحضره الذهن القاصر والفكر المشوش الفاتر بتراكم الهموم وكثرة الغموم وتزايد المحن واخطلاط الفتن واختلال الدول وارتفاع السفل ولعل العود يخضر بعد الذبول ويقطع النجم بعد الافول او يبسم الدهر بعد كشارة أنيابه أو يلحظنا من نظره المتغابي في أيابه ... زمن كاحلام تقضى بعده ... زمن نعلل فيه بالأحلام ...
ولله في خلقه من قديم الزمان عادة وانتظار الفرج عبادة نسأله انقشاع المصائب وحسن العواقب
ومات سلطان الزمان السلطان مصطفى بن احمد خان تولى السلطنة في سنة 1171 فكانت مدة سلطنته ست عشرة سنة وكانت له عناية ومعرفة بالعلوم الرياضية والنجومية ويكرم أرباب المعارف
وكان يراسل المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري ويهاديهما ويرسل اليهما الصلات والكتب وأرسل مرة الى الشيخ الوالد ثلاثة كتب مكلفة من (1/437)
خزانته وهي كتاب القهستاني الكبير وفتاوى انقروي ونور العين في اصلاح جامع الفصولين كلاهما في الفقه الحنفي وله مؤلف في الفن دقيق ينسب اليه
وتولى بعده السطان عبد الحميد خان جعل الله ايامه سعيدة
ومات الامير علي بك الشهير بالطنطاوي وهو من مماليك عي بك المذكور وكان من الشجعان المعروفين والفرسان المشهورين ولم ينافق على سيده مع المنافقين ولم يمرق مع المارقين ولم يزل مع مخدومه فيما وجهه اليه حتى قتل بالصالحية بين يديه
ومات الرئيس المبجل الامير اسماعيل افندي الروزنامجي رئيس الكتبة بمصر وكان انسانا حسنا منور الوجه والشيبة ضابطا محررا خيرا أصيب بوجع عينيه فوعده الحاج سليمان الحكاك بشيء من الكحل وأودعه في ورقه وضعها في طي عمامته وكان بها ورقة أخرى فيها شيء من السليماني لم يتذكرها وهو أبيض والكحل أيضا ابيض فلما حضر عندما خرج الورقة التي بها السليماني من عمامته وأعطاها له وأمره أن يكتحل منها وقت النوم يظنها إنها ورقة الكحل ثم انصرف الى داره
فلما نزع عمامته وقتا النوم رأى ورقة الكحل وتذكر عند ذلك الاخرى فلم يمكنه الذهاب والتدارك ليلا لبعد المكان وفوات الوقت والمسكين صلى العشاء واكتحل من الورقة فزال بصره في الحال واستمر مكفوفا الى ان مات سحر ليلة الاحد سادس عشر ذي الحجة من آخر السنة وصلي عليه من الغد بسبيل المؤمنين ودفن بقبره الذي أعده لنفسه بالقرب من بن أبي جمرة عوضه الله الجنة
ومات الرجل الصالح الامير مراد أغا تابع قيطاس بك القطامشي وكان منجمعا عن الناس راضيا بحاله قانعا بمعيشته ملازما على حضور الجماعة والصلوات في المسجد
توفي يوم الاربعاء سابع عشرين شوال وصلي عليه بمصلى أيوب بك ودفن بالقرافة عند الطحاوي (1/438)
ومات الامير حسن كتخدا مستحفظان القازدغلي الملقب بقرا وكان من الامراء الكبار أصحاب الحل والعقد بمصر في الزمن السابق وانقطع في بيته عن المقارشة والتداخل في الامور وكان مريضا بمرض الاكلة في فمه ولذلك تركه علي بك واهمله حتى مات يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة من السنة عن ذلك المرض وورم في رجليه أيضا ودفن في يومه ذلك بالقرافة
ومات أيضا مصطفى أفندي الاشقر كاتب ديوان علي بك خنقه خليل باشا بالقلعة في سابع عشرين جمادى الاولى بموجب مرسوم من الدولة حضر بطلب رأسه ورأس عبدالله كتخذا ونعمان أفندي ومرتضي أغا فوجد محمد بك امضى الامر في عبد الله كتخدا وقطع رأسه في منزله بيد عبد الرحمن أغا ونعمان افندي ذهب الى الحجاز اثر موت علي بك وكذلك مرتضى أغا اختفى وتغيب وذهب من مصر ولم يعلم له مكان واستمر المترجم فطلبه الباشا فلما حضر اليه أمر بخنقه فخنقوه وسلخوا رأسه ودفنوه بالقرافة وأخذ موجوداته الباشا الى الميرى
ومات الاجل المبجل المجيد الضابط الماهر اسمعيل بن عبد الرحمن الرومي الاصل ثم المصري المكتب الملقب بالوهبي شيخ الخطاطين بمصر كتب الخط وجوده على شيخ عصره السيد محمد النورى وبرع واجتهد واشتغل قليلا بالعلم وكتب بيده المصاحف مرارا
واما نسخ الدلائل والاحزاب والاوراد السبعة فمما لا يحصى كثرة وكان انسانا حسنا بشوشا محبا للناس فيه مكارم الاخلاق وطيب النفس كتب عليه غالب من بمصر من أهل الكتابة وكان صاحب نقش وهمة عالية
وكان يلي منصب سيده في الخدمة العسكرية وكتب عدة ألواح كبار وتوجه بها باشارة بعض امراء مصر الى المدينة المنورة
فعلقها في المواجهة الشريفة بيده ونال بهذه الزيارة الشريفة والخدمة المنيفة سرورا وشرفا
ولما كانت سنة (1/439)
أتى الامر من صاحب الدولة بتوجيه بعض عساكر مصرية تقوية للمجهادين فكان هو من جملة المعينين فيهم رئيسا في طائفتهم فتوجه الى الاسكندرية وركب منها الى الروم وابلى في تلك السفرة بلاء حسنا
وبعد مدة اذن لهم بالانصراف فعاد الى مصر وقد وهنت قواه واعترته الامراض وزاد شكواه وهو مع ذلك يكتب ويفيد ويجيز ويعيد ويحضر مجالس أهل الخط على عادته
وجلس ملازما لفراشه مدة حتى وافاه الحمام ليلة الاحد سادس عشر ذي الحجة فجهز وصلى عليه بمشهد حافل في مصلى المؤمنين ودفن عند ابن أبي جمرة قرب العياشي في قبر كان أعده لنفسه منذ مدة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
سنة ثمان وثمانين ومائة وألف
استهلت ووالي مصر خليل باشا محجور عليه ليس له في الولاية الا الاسم والعلامة على الاوراق والتصرف الكلي للامير الكبير محمد بك أبي الذهب والامراء واعيان الدولة مماليكه واشرافاته والوقت في هدوء وسكون وامن والاحكام في الجملة مرضية والاسعار رخية وفي الناس بقية وستائر الحياء عليهم مرخية شعر ... ماالدهر في حال السكون بساكن ... ولكنه مستجمع لو ثوب ...
ومات في هذه السنة الامام العلامة والتحرير الفهامة حامل لواء العلوم على كاهل فضله ومحرر دقائق المنطوق والمفهوم بتحريره ونقله من تكلحت بحبره عيون الفتوى وتشنفت المسامع بما عنه يروى وارتفع من حضيض التقليد الى ذرا الفضائل وسابق في حلبة العلوم فحاز قصب الفواضل الروض النضير الذي ليس له في سائر العلوم نظير وهو في فقه النعمان الجامع الكبير عمدة الانام وفيلسوف الاسلام سيدى ووالدي بدر الملة أبي التدائي حسن بن برهان الدين ابراهيم ابن (1/440)
الشيخ العلامة حسن ابن الشيخ نور الدين علي بن الوالي الصالح شمس الدين محمد بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الزيلعي الجبرتي العقيلي الحنفي وبلاد الجبرت هي بلاد الزيلع باراضي الحبشة تحت حكم الخطي ملك الحبشة وهم عدة بلاد معروفة تسكنها هذه الطائفة وهم المسلمون بذلك الاقليم ويتمذهبون بمذهب الحنفي والشافعي لا غير وينسبون الى سيدنا اسلم بن عقيل بن أبي طالب وكان اميرهم في عهد النبي صلى الله عليه و سلم النجاشي المشهور الذي آمن به ولم يره وصلى عليه النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الغيبة كما هو مشهور في كتب الاحاديث وهم قوم يغلب عليهم التقشف والصلاح ويأتون من بلادهم بقصد الحج والمجاورة في طلب العلم ويحجون مشاة ولهم رواق بالمدينة المنورة ورواق بمكة المشرفة ورواق بالجامع الازهر بمصر وللحافظ المقريزي مؤلف في أخبار بلادهم وتفصيل احوالهم ونسبهم
ومنهم القطب الكبير والمعتقد الشهير الشيخ اسمعيل بن سودكين الجبرتي تلميذ الشيخ ابن العربي ويسمى قطب اليمن والشيخ عبد الله الذي ترجمه الحافظ السيوطي في حسن المحاضرة وهو الذي كان يعتقده الملك الظاهر برقوق واوصى عند موته بأن يدفن تحت قدمه بالصحراء ومنهم الولي العارف الشيخ علي الجبرتي الذي كان يعتقده السلطان الاشرف قايتباي وارتحل الى بحيرة ادكو فيما بين رشيد والاسكندرية وبنى هناك مسجدا عظيما ووقف عليه عدة أماكن وقيعان وأنوال حياكة وبساتين ونخيل كثيرة وهو موجود الى الآن عامر بذكر الله والصلاة وهو تحت نظر الفقير الا أن غالب اماكنه زحفت عليها الرمال وطمستها وغابت تحتها وفيه الى الآن بقية صالحة
وبنى ايضا مسجدا شرقي عمارة السلطان قايتباي ودفن به وقد خرب وانطمست معالمه ولم يبق الا مدفنه وحوله حائط منهدم من غير باب ولا سقف وقبره ظاهر مكشوف يزار وللناس فيه اعتقاد عظيم (1/441)
ومن كراماته التي أكرمه الله بها انه يرى على قبره في بعض الليالي المظلمة نور مثل القنديل المستنير يري ذلك سكان العمارة وغيرهم وهو أمر مشهور ومنها أن السفار وقوافل الاعراب ينزلون بأحمالهم حول قبره في الحوطة ويتركونها من غير حارس ليالي وأياما آمنين فلا يتعدى عليها سارق البتة ويعتقدون العطب للجاني في بدنه أو ماله وهو أمر مشهور ايضا مقرر في اذهانهم الى الآن
ومنهم الامام الحجة المجتهد الفقيه الاصولي الجدلي صاحب التصحيح والترجيح فخر الدين أبي عمر وعثمان الحنفي الزيلعي شارح الكنز المسمى بتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق المدفون بحوطة سيدي عقبة بن عامر الجهني والشيخ الزيلعي الشافعي المدفون بالقرافة الكبرى وغير هؤلاء كثير ببلادهم وبأرض الحجاز ومصر والقصد بذلك التعريف بالنسبة قال تعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن اكرمكم عند الله اتقاكم
والنجاشي أول من آمن بالنبي صلى الله عليه و سلم من الملوك ولم يره وأسلم على يد ابن عمه جعفر بن أبي طالب وزوجه أم حبيبة رضي الله عنها وجهزها من عنده وأرسلها للنبي صلى الله عليه و سلم من الحبشة الى المدينة ومن أراد الاطلاع على أخبار النجاشي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه و سلم وهداياه الى النبي صلى الله عليه و سلم وهدايا النبي اليه وبعض أخبار الحبشة وما رد فيهم من الآيات الاحاديث والاثار فلينظر في كتاب الطراز المنقوش في محاسن الحبوش للامام العلامة علاء الدين محمد بن عبد الله البخاري خطيب المدينة المنورة ورفع شأن الحبشان للعلامة جلال الدين السيوطي وتنوير الغبش في فضائلي السودان والحبش لابن الجوزي وفي تفسير البغوى اخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت لما مات النجاشي كنا نحدث انه لا يزال يرى على قبره نور وفي أزهار العروش في من عرف اسمه من الصحابة الحبوش ومن عبيدة صلى الله عليه و سلم (1/442)
ومنهم أحد كبار المجاهدين والمهاجرين بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم ومولى أبي بكر الصديق وهو أول من اذن في الاسلام وأول من ثوب في الفجر كما في الاوائل للسيوطي وكان خازن رسول الله صلى الله عليه و سلم على بيت المال كما في تهذيب الاسماء واللغات وكان يبدل الشين بالسين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم في شأنه شين بلال سين عندي وعند الله
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول كان أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا يعنى بلالا
وروى عنه كثير من كبار الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عمر واسامة بن زيد وجابر وأبو سعيد الخدري وكعب بن عرفجة والبراء ابن عازب وغيرهم وجماعة من التابعين رضي الله عنهم اجمعين
ومنهم شقران بضم الشين المعجمة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم واما خدامه من الحبشة الاحرار فكثيرون وكذلك الصحابيات من امائه واهل بيته
ومنهم ام ايمن ذات الهجرتين وهي مرضعته وحاضنته وحليمة السعدية وثويبة وبركة جارية ام حبيبة وبريرة مولاة عائشة رصى الله عنها وتبعة جارية ام هانىء بنت ابي طالب وغفرة وسعيرة كذلك عبيد الصحابة
ومنهم مهجع بكسر الميم وفتح الجيم مولى عمر بن الخطاب وهو اول من استشهد ببدر وكان من المهاجرين الاولين وعده النبي صلى الله عليه و سلم من سادات اهل الجنة وقال في شأنه يوم قتل سيد الشهداء مهجع وهو اول من يدعى الى باب الجنة من هذه الامة
ومنهم اسلم مولى عمر بن الخطاب وايمن الحبشي المكي والد عبد الواحد ابن ايمن وبسار مولى المغيرة بن شعبة اخرج الحسن بن محمد الخلال في كرامات الاولياء عن أبي هريرة رضى الله عنه قال دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم فقال لي يا أبا هريرة يدخل علي الساعة (1/443)
من هذا الباب رجل من اجل السبعة الذين يدفع الله عز و جل عن أهل الارض بهم الاذى
فاذا حبشى قد طلع من ذلك الباب أقرع أجدع على رأسه جرة فيها ماء
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا ابا هريرة هو هذا
ثم قال مرحبا بيسار ثلاث مرات وكان يرش المسجد ويكنسه ومات في عهده صلى الله عليه و سلم
واما الصحابة الاحرار من الجيوش الاخيار الذين كانوا يخدمون الرسول واصحابه واهل بيته فكثيرون جدا لا يمكن استيعابهم في هذا الاستطراد ضبطا وعددا وكذلك ابناء الحبشات من قريش من الصحابة والتابعين وأهل البيت الطاهرين والخلفاء العباسيين ومن ولد بأرض الحبشة من الصحابة من الحبشان مثل صفوان ابن امية بن خلف الجمحي وعمرو ابن العاص وغيرهما مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو أول مولود في الاسلام بأرض الحبشة بالاتفاق وكان يسمى بحر الجود وأخباره في السخاء والكرم مشهورة والحرث بن حاطب الصحابي ومحمد بن حاطب وعمرو بن أبي سلمة وفي الجيوش أخلاق لطيفة وشمائل ظريفة وفيهم الحذق والفطانة ولطافة الطباع وصفاء القلوب لكونهم من جنس لقمان الحكيم وهم أجناس منهم السحرتي والامحرى وهم أحسن أجناس الحبوش الموصوفين بالصباحة والملاحة والفصاحة والسماحة والنعومة في الخد والرشاقة في القد ولله در الشيخ العلامة القاضي عبد البر ابن الشحنة الحنفي حيث يقول ... حبشية سألتها عن جنسها ... فتبسمت عن در ثغر جوهري ... فطفقت أسأل عن نعومة ما خفى ... قالت فما تبغيه جنسى أمحرى ...
والامحرية تفوق على السحرتية باللطف والظرف والسحرتية تفوق على الامحرية بالشدة والعنف فبينهما عموم وخصوص مطلق وقيل ان النجاشي منهم رضى الله عنه ويقال ان بني أرفدة الذين لعبوا بحرابهم (1/444)
بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وفازوا بخطابه أعني قوله لهم دونكم يا بني ارفدة منهم ويقرب من هذين النوعين نوعان آخران نوع الدموات وبلين ونوعان آخران وهما قمو وقتر ونوع آخر يسمى ازاره
عود وانعطاف
ان الشيخ عبد الرحمن وهو الجد السابع لجامعه واليه ينتهي علمنا بالاجداد هو الذي ارتحل من بلاده ووصل الينا خبره سلفا عن خلف فقدم من طريق البحر الى جدة وانتقل الى مكة فجاور بها
وحج مرارا وذهب أيضا الى المدينة المنورة فجاور بها سنتين ولقي من لقي بالحرمين من الاشياخ وتلقى عنهم ثم رجع الى جدة وحضر الى مصر من طريق القلزم فدخل الى الجامع الازهر في أوائل العاشر وجاور بالرواق ولازم حضور الاشياخ واجتهد في التحصيل وتولى شيخا على الرواق والتكلم على طائفته وتزوج وولد له
فلما مات خلف ولده الشيخ شمس الدين محمد ونشأ على قدم الصلاح والاشتغال بطلب العلم وتولى مشيخة الرواق كوالده وانجب وقرأ دروسا في الفقه والمعقول بالرواق وكان على غاية من الصلاح وملازمة الجماعة والسنن ولا يبيت عند عياله ليلة أو ليلتين في الجمعة وغالب لياليه يبيتها بالرواق لاجل الاشتغال بالمطالعة اول الليل على السهارة والتهجد آخره
ومما اتفق له وعد من كراماته أن السراج انطفأ في بعض الليالي الشتوية فايقظ النقيب ليسرج له سراجا فقام من نومه متكرها وأخذ قنديلا وذهب ليسرجه فلما عاد به وقرب من الرواق رأى نورا فستر ذلك القنديل ونظر اليه من بعد لينظر من أين أتاه الاسراج فوجده يطالع في الكراس وهو في يده اليسار وسبابة يده اليمنى رافعها وهي تضىء مثل الشمعة المستنيرة ويطالع في نورها
ثم دخل النقيب بالقنديل فاختفى ذلك الضوء وعلم الشيخ ذلك من النقيب فعاتبه على التجسس وأشار اليه بكتمان سره ولم يعش الشيخ بعد ذلك الا قليلا (1/445)
وتوفي الى رحمة الله تعالى
وخلف ابنه الشيخ علي فنشأ أيضا على قدم اسلافه في ملازمة العلم والعمل وصار له شهرة وتزوج بزينب بنت الامام العلامة القاضي عبد الرحمن الجويني ولم يزل مواظبا على شأنه وطريقة اسلافه حتى توفي وخلف ولديه الامام العلامة الشيخ حسن الذي تقدم ذكر تجرمته المتوفي سنة 1097 وأخاه الشبخ عبد الرحمن ومات في حياة أخيه سنة 1086 وكان لزينب الجوينية اماكن جارية في ملكها وقفتها على ولدي زوجها المذكورين
ولما توفي الشيخ حسن أعقب الجد ابراهيم وضيعا فكفلته والدته الحاجة مريم بنت الشيخ العمدة الضابط محمد بن عمر المنزلي الانصاري فنشأ أيضا نشوءا صالحا حتى بلغ الحلم فزوجوه بستيتة بنت عبد الوهاب أفندي الدلجي في سنة 1108 وبنى بها في تلك السنة وحملت بالمترجم وولدته في سنة عشر ومائة وألف ومات والده وعمره شهر واحد وسن والده اذ ذاك ست عشرة سنة فربته والدته بكفالة جدته أم أبيه المذكورة وصاية الامام العلامة الشيخ محمد النشرتي وقرروه في مشيخة الرواق كأسلافه والمتكلم عند الوصي المذكور فتربى في حجورهم حتى ترعرع وحفظ القرآن وعمره عشر سنين واشتغل بحفظ المتون فحفظ الالفية والجوهرة ومتن كنز الدقائق في الفقه ومتن السلم والرحبية ومنظومة ابن الشحنة في الفرائض وغير ذلك
واتفق له في أثناء ذلك وهو ابن ثلاث عشرة سنة أنه مر مع خادمه بطريق الازهر فنظر شيخ مقبل منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار طاعن في السن والناس يزدحمون على تقبيل يده ويتبركون به فسأل عنه وعرف أنه ابن الشيخ الشرنبلالي فتقدم اليه ليقبل يده كغيره فنظر اليه الشيخ وتوسمه وقبض على يده وقال من يكون هذا الغلام ومن أبوه فعرفوه عنه فتبسم وقال عرفته بالشبه
ثم وقف وقال اسمع يا ولدي أنا قرأت على جدك وهو قرأ على والدي وأحب أن تقرأ علي شيئا وأجيزك وتتصل بيننا سلسلة (1/446)
الاسناد وتلحق الاحفاد بالاجداد
فامتثل اشارته ولازم الحضور عنده في كل يوم وقرأ عليه متن نور الايضاح تأليف والده في العبادات وكتب له الاجازة ونصها الحمد لله الذي أنعم على عبده بتوفيقه وأرشده الى سواء طريقه وأذاقه حلاوة التفقه في دينه وتمام تحقيقه وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا سريك له المنعم بلطائف الانعام وعظيمه ودقيقه وأشهد أن سيدنا وسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم عبده ورسوله الهادي الى الخير الكامل والجبر الشامل فأصبح كل أحد مغمورا في بحر فضله وجوده محفوظا من كيد الشيطان وجنوده وتعويقه وعلى آله الاطهار وصحابته الاخيار
وبعد فقد حضر لدى الولد النجيب الموفق اللبيب الفطن الماهر الذكي الباهر سليل العلماء الاعلام نتيجة الفضلاء العظام نور الدين حسن بن برهان الدين ابراهيم بن العلامة مفتي المسلمين وامام المحققين الشيخ حسن الجبرتي الحنفي رحم الله اسلافه وبارك فيه وقرأ على متن نور الايضاح من أوله الى آخره تأليف والدي المندرج الى رحمة الله تعالى سيدي وسندى الامام العلامة الشيخ حسن ابن عمار الشرنبلالي وأجزته أن يروى ذلك عني وجميع ما يجوز لي روايته اجازة عامة كما أجازني به وتفقه ابي حنيفة النعمان رضى الله عنه كما تلقى ذلك هو عن الشيخ علي المقدسي شارح نظم الكنز عن العلامة الشلبي شارح الكنز عن القاضي عبد البر بن الشحنة عن المحقق الكمال بن الهمام عن سراج الدين قارىء الهداية عن علاء الدين السيرامي عن السيد جلال الدين شارح الهداية عن علاء الدين بن عبد العزيز البخاري عن حافظ الدين صاحب الكنز عن شمس الأئمة الكردري عن برهان الدين صاحب الهداية عن فخر الإسلام البزدوى عن شمس الائمة السرخسي عن شمس الائمة الحلواني عن القاضي ابن علي النسفي عن الامام محمد بن الفضل البخاري عن عبد الله السند موني عن الامير عبد الله بن أبي حفص (1/447)
البخاري عن أبيه المذكور عن الامام محمد بن الحسن الشيباني عن الامام أبي يوسف عن الامام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضى الله عنه عن الامام حماد بن سليمان عن ابراهيم النخعي عن الامام علقمة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم عن أمين الوحي جبريل عليه السلام عن الله عز و جل
واوصى الولد الاعز بالتقوى ومراقبة الله في السر والنجوى والله تعالى يوقفه وينفع به وبعلومه ويهدينا واياه لما كان عليه السلف الصالح في اسساس الدين ورسومه
قال ذلك الفقير الى الله تعالى حسن بن حسن الشرنبلالي الحنفي في ثالث ربيع الاول من سنة 1123 وتوفي الشيخ في آخر تلك السنة وقد جاوز التسعين
واشتغل المترجم واجتهد في طلب العلوم وحضر اشياخ العصر وتفقه على الامام العلامة السيد علي السيواسي الضرير وحضر عليه شرح الكنز للعيني والدر المختار وكتاب الاشباه والنظائر لابن نجيم وشرح المنار لابن نجيم وشرح المنار لابن فرشتة وشرح التحرير للكمال بن الهمام وشرح جمع الجوامع ومختصر السعد وعلى العلامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي شرح الكنز للعلامة الزيلعي والدرر لملاخسرو والسيد علي السراجية في الفرائض وشرح منظومة بن الشحنة في الفرائض والشنشورى على الرحبية والتلخيص ومتن الحكم وشرح التحفة وعلى الشيخ علي العقدي الحنفي ملا مسكين على الكنز ومتن الهداية والسراجية والمنار والنزهة في علم الغبار والقلصادى ومنظومة ابن الهائم وعلى الفقيه محمد بن عبد العزيز الزيادى الحنفي ملتقى الابحر وفتح القدير والحكم لابن عطاء والقدورى وعقود الجمان في المعاني والبيان وايساغوجي وعلى الشيخ الفقيد المحدث الشهاب احمد بن مصطفى الاسكندري الشهير بالصياغ شرح الكبرى وام البراهين وشرح العقائد والمواقف وشرح المقاصد للسعد والكشاف والبيضاوى والشمائل والصحيحين رواية ودراية والاربعين (1/448)
النووية والمشارق والقطب على الشمسية والمواهب اللدنية وشرح النخبة وعلى الشيخ منصور المنوفي شرح ابن عقيل على الالفية والشيخ خالد على الآجرومية والازهرية والتوضيح وشرح تصريف العزى وشرح التلمسانية والخبيصي على التهذيب وشيخ الاسلام على الخزرجية وعلى الشيخ عيد النمرسي شرح الورقات والسمرقندية وآداب البحث والعضدية والعصام على السمرقندية وعلم الجبر والمقابلة والعروض واعمال المناسخات والكسورات والاعداد الصم والغربال والمساحة والحساب وعلى الشيخ شلبي البرانسي تلخيص المفتاح والمطول والتجريد وعلى الشيخ محمد السجيني الضرير المكودى على الالفية والفاكهي وشرح الشذور وملاجامي وشرح مختصر ابن الحاجب والمطول وعلى الشيخ احمد العمادى شرح الجوهرة لعبد السلام والسكتاني على الصغرى وشرح مختصر السنوسي والكافي ونوادر الاصول والجامع الصغير وشرح المقاصد وعلى الشيخ حسن المدابغي الاشموني على الالفية وشرح المراح وقواعد الاعراب والمغنى وعلى الشيخ الملوى شرحه على السلم وشرح معراج الغيظي وأوضح المسالك وأوائل الكتب الستة والمسلسلات والمسندات وحضر ايضا دروس الشيخ عبد الرؤف البشبيشي وأبو العز العجمي وغيرهما وجد في التحصيل حتى فاق أهل عصره وباحث وناضل ودرس بالرواق في الفقه والمعقول وبالسنانية ببولاق
وكان لجدته أم أبيه مكان مشرف على النيل بربع الخرنوب عندما كان النيل ملاصقا لسدته فساكنها مدة فكان يغدو الى الجامع ثم يعود الى بولاق وله حاصل بربع الخرنوب يجلس فيه حصة ثم يعود الى السنانية فيملي هناك درسا ثم احترق ذلك المنزل بما فيه وتلف فيه اشياء كثيرة من المتاع والصيني القديم فانتقلت الى مصر وكانوا يذهبون الى مكان لها بمصر العتيقة في ايام النيل بقصد النزهة وهي التي أعانته على تحصيل العلوم اشتغاله بالعلم كان يعاني التجارة (1/449)
والبيع والشراء والمشاركة والمضاربة والمقايضة وكانت جدته ذات غنية وثروة ولها أملاك وعقارات ووقفت عليه أماكن ومنها الوكالة بالصنادقية والحوانيت بجوارها وبالغورية ومرجوش ومنزل بجوار المدرسة الاقبغاوية ورتبت في وقفها عدة خيرات ومكتب لاقراء أيتام المسلمين بالحانوت المواجه للوكالة المذكورة وربعة تقرأ في كل يوم وختمات في ليالي المواسم وقصعتي تريد في كل ليلة من ليالي رمضان وثلاث جواميس تفرق على الفقهاء والايتام والفقراء في عيد الاضحية
وتزوج بجدته المذكورة بعد موت جده الامير علي أغا باش اخيتار متفرقة المعروف بالطورى وتزوج المترجم بابنته وله حكم قلاع الطور والسويس والمويلح وكانت اذ ذاك عامرة وبها المرابطون ويصرف عليهم العلوفات والاحتياجات
ولما مات علي أغا المذكور سنة سبع وثلاثين تقلد ذلك بعده المترجم مدة مع كونه في عداد العلماء وربي معتوقية عثمان وعليا ولم يزالا في كنفه حتى مات بعد مدة طويلة وأرسل خادما له يسعى سليمان الحصافي جربجيا على قلعة المويلح فقتلوه هناك فتكدر لذلك وترك هذا الامر وأعرض عنه وأقبل على شأنه من الاشتغال وماتت زوجته بنت الامير علي أغا المذكور في حياة ابيها فتزوج ببنت رمضان جلبي بن يوسف المعروف بالخشاب تابع كور محمد وهم بيت مجد وثروة ببولاق ولهم املاك وعقارات وأوقاف ومن ذلك وكالة الكتان وربع وحوانيت تجاه جامع الزردكاش وبيت كبير بساحل النيل وآخره تجاه جامع مزره جربجي وهو سكن رمضان جلبي المذكور وكان انسانا حسنا رقيق الحاشية وفيه فضيلة وسليفة جيدة
ومات رمضان جلبي المذكور سنة 1139 واستمرت ابنته في عصمة المترجم حتى ماتت في المحرم سنة 1182 وعمرها ستون سنة
وكانت من الصالحات الخيرات المصونات وحجت صحبته في سنة احدى وخمسين وكانت به بارة وله مطيعة
ومن جملة برهالة وطاعتها أنها كانت تشتري له من (1/450)
السراري الحسان من مالها وتنظمهن بالحلي والملابس وتقدمهن اليه وتعتقد حصول الاجر والثواب لها بذلك وكان يتزوج عليها كثيرا من الحرائر ويشتري الجوارى فلا تتأثر من ذلك ولا يحصل عندها ما يحصل في النساء من الغيرة
ومن الوقائع الغريبة انه لما حج المترجم في سنة ست وخمسين واجتمع به الشيخ عمر الحلبي بمكة الوصي بان يشترى جارية بيضاء تكون بكرا دون البلوغ وصفتها كذا وكذا فلما عاد من الحج طلب من اليسرجية الجوارى لينقى منهن المطلوب فلم يزل حتى وقع على الغرض فاشتراها وأدخلها عند زوجته المذكورة حتى يرسلها مع من أوصاه بارسالها صحبته
فلما حضر وقت السفر أخبرها بذلك لتعمل لهم ما يجب من الزوادة ونحو ذلك فقالت له اني أحببت هذه الوصية حبا شديدا ولا أقدر على فراقها وليس لي أولاد وقد جعلتها مثل ابنتي والجارية بكت ايضا وقالت لا أفارق سيدتي ولا اذهب من عندها أبدا
فقال وكيف يكون العمل قالت ادفع ثمنها من عندى واشتر أنت غيرها ففعل
ثم انها اعتقتها وعقدت له عليها وجهزتها وفرشت لها مكانا على حدتها وبنى بها في سنة خمس وستين وكانت لا تقدر على فراقها ساعة مع كونها صارت ضرتها وولدت له أولادا
فلما كان في سنة اثنين وثمانين المذكورة مرضت الجارية فمرضت فقامت الجارية في ضحوة النهار فنظرت الى مولاتها وكانت في حالة غطوسها فبكت وزاد بها الحال وماتت تلك الليلة فأضجعوها بجانبها فاستيقظت مولاتها آخر الليل وحبستها بيدها وصارت تقول ان قلبي يحدثني انها ماتت ورأيت في منامي ماا يدل على ذلك فلما تحققت ذلك قامت وجلست وهي تقول لا حياة لي بعدها وصارت تبكي وتنتحب حتى طلع النهار وشرعوا في تشهيلها وتجهيزها وغسلوها بين يديها وشالوا جنازتها ورجعت الى فراشها ودخلت في سكرات الموت وماتت آخر النهار وخرجوا بجنازتها أيضا في اليوم الثاني
وهذا من أعجب ما شاهدته (1/451)
ورأيته ووعيته وكان سني اذ ذاك أربع عشرة سنة
واشتغل المترجم في أيام اشتغاله بتجويد الخط فكتب على عبد الله أفندي الانيس وحسن أفندي الضيائي طريقة الثلث والنسخ حتى أحكم ذلك وأجازه الكتبة وأذنوه ان يكتب الاذن على اصطلاحهم ثم جود في التعليق على أحمد أفندي الهندى النقاش لفصوص الخواتم حتى أحكم ذلك وغلب على خطه طريقته ومشى عليها وكتب الديواني والقرمة وحفظ الشاهدى واللسان الفارسى والتركي حتى ان كثيرا من الاعاجم والاتراك يعتقدون ان أصله من بلادهم لفصاحته في التكلم بلسانهم ولغتهم
وفي سنة اربع واربعين اشتغل بالرياضيات فقرأ على الشيخ محمد النجاحي رقائق الحقائق للسبط المارديني والمجيب والمقنطر ونتيجة اللادقي والرضوانية والدرلابن المجدى ومنحرفات السبط والى هنا انتهت معرفة الشيخ النجاحي
وعند ذلك انفتح له الباب وانكشف عنه الحجاب وعرف السمت والأرتفاع والتقاسم والأرباع والميل الثاني والأول والأصل الحقيقي والمعدل وخالط أرباب المعارف وكل من كان من بحر الفن غارف وحل الرموز وفتح الكنوز واستخرج نتائج الدر اليتيم والتعديل والتقويم وحقق اشكال الوسايط في المنحرفات والبسائط والزيج والمحلولات وحركات التداوير والنطاقات والتسهيل والتقريب والحل والتركيب والسهام والظلال ودقائق الأعمال وانتهت اليه الرياسة في الصناعة واذعنت له أهل المعرفة بالطاعة وسلم له عطارد وجمشيد الراصد وناظره المشترى وشهد له الطوسي والأبهري وتبوأ من ذلك العلم مكانا عليا وزاحم بمنكبه العيوق والثريا وقدم القدوة العلامة والحكيم الفهامة الشيخ حسام الدين الهندي وكان متضلعا من العلوم الرياضية والمعارف الحكمية والفلسفية فنزل بمسجد في مصر القديمة واجتمع عليه بعض الطلبة مثل الشيخ الوسمي والشيخ أحمد الدمنهوري وتلقوا عنه أشياء في الهيئة فبلغ خبره المترجم (1/452)
فذهب اليه للاخذ عنه فاغتبط به الشيخ وأحبه وأقبل بكليته عليه فلم يزل به حتى نقله الى داره وافرد له مكانا وأكرم نزله وقام باوده وطالع عليه الجغميني وقاضي زاده عليه والتبصرة والتذكرة وهداية الحكمة لأثير الدين الأبهري وما عليها من المواد والشروح مثل السيد والمبيدي قراءة بحث وتحقيق وأشكال التأسيس في الهندسة وتحرير اقليدس والمتوسطات والمبادي والغايات والأكر وعلم الأرتماطيقي وجغرافيا وعلم المساحة وغير ذلك
ثم أراد أن يلقنه على الصنعة الألهية وكان من الواصلين فيها فغالطه عن ذلك وأبت نفسه الأشتغال بسوى العلوم المهذبة للنفس وكان يحكي عنه امورا وعبارات واشارات تشعر بأنه كان من الكمل الواصلي في كل شيء ولم يزل عنده حتى عزم على الرحلة وسافر الى بلاده
وقدم الى مصر الأمام العلامة الشيخ محمد الغلاني الكشناوى وسكن بدرب الأتراك فأجتمع عليه المترجم وتلقى عنه علم الأوفاق وقرأ عليه شرح منظومة الجزنائية للقوصاني والدر والترياق والمرجانية في خصوص المخمس الخالي الوسط والأصول والضوابط والوفق المئيني وعلم التكسير للحروف وغير ذلك وسافر الشيخ الى الحج وجاور هناك فلما رجع أنزله عنده وصحبته زوجته وجواره وعبيده وكمل عنده غالب مؤلفاته ولم يزل حتى مات كما تقدم ذكر ذلك في ترجمته ولقي المترجم في حجاته الشيخ النخلي وعبدالله بن سالم البصري وعمر بن أحمد ابن عقيل المكي والشيخ محمد حياة السندي الكوراني وأبو الحسن السندى والسيد محمد السقاف وغيرهم وتلقى عنهم واجازوه وتلقوا هم أيضا عنه ولقنه الشيخ أبو الحسن السندى طريق السادة النقشبندية والأسماء الأدريسية
وهذه صورة اجازة الشيخ عمر ابن أحمد بن عقيل ومن خطه نقلت بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين (1/453)
اصطفى خصوصا أفضل أنبيائه وعترته الطاهرين وصحابته أجمعين وبعد فان مما تطابقت عليه النصوص وتوافقت عليه ألسنة العموم والخصوص أن الباحث عن ألسنة الغراء لأتباع هدى سيد الأنبياء الموجب لمحبة ذي الآلاء والنعماء هو الفائز بالقدح المعلى والمرفوع الى المقام الأعلى ومن المعلوم أنه لم يبق في زماننا ما يتداول منها الا التعلل برسوم الأسناد بعد انتقال أهل المنزل والناد فذو الهمة هو الذي يثابر على تحصيل أعلاه وينافس في فهم متنه ويفحص عن معناه ويناقش في رجاله الذين عليهم مغناه الا وهو الشيخ الأجل الراقي بعزمه المتين من العلم والعمل الى أعلى محل سيدنا واستاذنا الشيخ حسن المرحوم ابراهيم بن الشيخ حسن الجبرتي أمده الله بالمدد الألهي فطلب من هذا الفقير أن أجيزه فلما لم أجد بدا من الأمتثال قلت سائلا التوفيق في الاول والفعال أجزت مولانا الشيخ حسن المذكور المنوه بذكره أعلى السطور أجزل الله تعالى له الاجور ما يجوز لي وعني روايته من مقروء ومسموع وأصول وفروع بشرطه المعتبر من تقوى الله والصيانة وضبط الالفاظ وسير الرجال والديانة حسبما أجازني بذلك شيوخ أكابر عدة هم في الشدائد عدة ومنهم بل من أجلهم سيدي وجدى لامي بعد أن قرأت عليه جانبا كبيرا من كتب الحديث وغيره قراءة تحقيق وتدقيق وغيره من الشيوخ أهل التوفيق وقد سمع مولانا الشيخ حسن منى أوائل البخارى ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذى وابن ماجه والموطأ فليروعني المجاز المذكور متى شاء مما اتصلت بي روايته متى أراد رفع سند أو كتاب لمن هو من أهل الدراية وهو دام أنسه وزكا قدسه في غنية عن ذلك ولكن جرت العادة بأخذ الاكابر عن الاصاغر تكثيرا لسوادنا فهي سنة الاوائل والاواخر
وكذلك اجرت له بالصلاة المشهورة النفع بهذه الصيغة اللهم صل على سيدنا محمد وآله كما لا نهاية لكمالك وعد كماله حسبما أجازني بها ملانا الشيخ طاهر (1/454)
ابن الملا ابراهيم الكوراني عن شيخه الشيخ حسن المنوفي مفتي الحنفية بالمدينة سابقا عن شيخه مولانا الشيخ علي الشبراملسي عن بعض اجلاء شيوخه وأمره أن يصلي بها بين المغرب والعشاء بلا عدد معين وبالمواظبة عليها يظهر نتائج فتحها خصوصا لمبتغى هذا العلم المجد في طلبه من ذويه نفعه الله تعالى بالعلم وجعله من أهليه وقد أجزت الشيخ المذكور ضاعف الله تعالى له الاجور بالاسماء الاربعينية الادريسية السهروردية بقراءتها واقرائها لخل صادق ان وجد كما أجازني بذلك جملة من الشيوخ وقد اتصل سندي بها أيضا عن مولانا وسيدنا الامجد مولانا الشيخ احمد بن محمد النخلي أنزل عليه شآبيب الرحمة والغفران الواحد العلي وهو يرويها عن الشيخ حجازي الديربي عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الخامي الشناوي وأجازه شيخه أيضا بشرحها للشيخ عثمان النحراوى قال الشيخ عثمان أجازني بالاسماء الادريسية العظام الشيخ كمال الدين السوداني وهو يرويها عن شيخه أبي المواهب أحمد الشناوى عن السيد صبغة الله أحمد عن السيد وجيه الدين العلوى عن الحاج حميد الشهير بالشيخ محمد الغوث عن الحاج حصور عن أبي الفتح هدية الله سيرمست عن الشيخ قاضن الستارى عن الشيخ ركن الدين صينوورى عن الشيخ يابوتاج الدين عن السيد جلال الدين البخارى عن الشيخ ركن الدين أبي الفتح عن الشيخ صدر الدين أبي الفضل عن الشيخ أبي البركات بهاء الدين زكريا عن شيخ الشيوخ شهاب الدين السهروردى عن سيدي وجيه الدين المعروف بعمويه عن الشيخ أحمد اسود الدينوري عن الشيخ ممشاد الدينوري عن الشيخ أبي القاسم الجنيد البغدادى عن خاله سرى السقطى عن الشيخ معروف الكرخي عن الشيخ داود الطائي عن الشيخ حبيب العجمي عن سيد التابعين حسن البصري عن امام المشارق والمغارب سيدنا علي بن ابي طالب عن (1/455)
سيدنا ومولانا سيد الخلق حبيب الحق عبده ورسوله وحبيبه وصفيه وخليله النبي الرسول الحاوى لجميع الكمالات الاصلية والفرعية الجامع لكل الصفات السنية والمراتب العلية المبعوث لكل الخلق المتخصص بالقرب من العالم الحق سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم محمد صلى الله عليه و سلم قال ذلك بفمه وكتبه بقلمه أسير ذنبه عمر بن أحمد بن عقيل السقاف باعلوى حفيد مولانا الشيخ عبد الله ابن سالم البصري عفا الله تعالى عنهم أجمعين سائلا من الشيخ المذكور ان لا ينساني وأصولي ومشايخي في الدين وجميع أقاربي من صالح الدعوات في خلواته وجلواته وحركاته وسكناته وأوصيه بما أوصي به نفسي وسائر المسلمين من ملازمة التقوى وكمال الاستعداد واتباع سبيل الهدى والرشاد واسأل الله تعالى الكريم المنان أن يوفقني واياه والمسلمين لصالح القول والعمل ويجنبنا الخطأ والزلل ويجعلنا من العلماء العاملين والهداة الراشدين وان يميتنا على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم وعلى آله وصحابته أجمعين في كل وقت وحين
وللمترجم أشياخ غير هؤلاء كثيرون اجتمع بهم وتلقى عنهم وشاركهم وشاركوه مثل علي أفندي الداغستاني والشيخ عبد ربه سليمان بن أحمد الفشتالي الفاسي والشيخ عبد اللطيف الشامي والجمال يوسف الكلارجي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد النشيلي والشيخ عمر الحلبي والشيخ حسين عبد الشكور المكي والشيخ ابراهيم الزمزمي وحسن أفندي قطعة مسكين واحمد افندي الكرتلي والاستاذ عبد الخالق بن وفي وكان خصيصا به واجازه بالاحزاب وهو الذي كناه بأبي التداني وألبسه التاج الوفائي والسيد مصطفى العيدروس وولده السيد عبد الرحمن والسيد عبد الله العيدروسي والشيخ علي بندق الشناوى الاحمدى وكثير من المشايخ الازهرية مثل السيد محمد البنوفرى والشيخ عمر الاسقاطي والشيخ احمد الجوهرى والشيخ أحمد (1/456)
الدلجي بن خال المترجم والشيخ أحمد الراشدى والشيخ ابراهيم الحلبي صاحب حاشية الدر والسيد سعودى محشي ملا مسكين وغيرهم من الآكابر والاخيار وأهل الاسرار والانوار حتى كمل في المعارف والفنون ورمقته بالاجلال العيون وعلا شأنه على علماء الزمان وتميز بين الاقران واذعنت له أهل الاذواق وشاع ذكره في الآفاق ووفدت عليه الطلاب البلدانية والواردون من النواحي الآفاقية وأتوا اليه من كل فج يسعون لميقاته ولزموا الطواف بكعبة فضله والوقوف بعرفاته فمنهم من ينفر بعد اتمام نسكه وبلوغ امنيته ومنهم من يواظب على الاعتكاف بساحته وكان رحمه الله عذب المورد للطالبين طلق المحيا للورادين يكرم كل من أم حماه ويبلغ الراجي مناه والمقتفى جدواه والراغب أقصى مرماه مع البشاشة والطلاقة وسعة الصدر والرياقة وعدم رؤية المنة على المحتدى ومسامحة الجاهل والمعتدى مع حسن الاخلاق والصفات التي سجدت لها الخناصر كأنها آيات سجدات وكانت ذاته جامعة للفضائل والفواضل منزهة عن النقائص والرذائل وقورا محتشما مهيبا في الاعين معظما في النفوس محبوبا للقلوب لا يعادى أحدا ولا يخاصم على الدنيا فلذلك لا تجد من يكرهه ولا من ينقم عليه في شيء من الاشياء وأما مكارم الاخلاق والحلم والصفح والتواضع والقناعة وشرف النفس وكظم الغيظ والانبساط الى الجليل والحقير كل ذلك سجيته وطبعه من غير تكلف لذلك ولا يرى لنفسه مقاما أصلا ولا يعرف التصنع في الامور ولا دعوى علم ولا معرفة ولا مشيخة على التلاميذ والطلبة ولا يرضى التعاظم ولا تقبيل اليد وله منزلة عظيمة في قلوب الآكابر والامراء والوزراء والاعيان ويسعون اليه ويذهب اليهم لبعض المقتضيات والشفاعات ويرسل اليهم فلا يردون شفاعته ولا يتوانون في حاجة يتكلم فيها وله عندهم محبة ومنزلة في قلوبهم زيادة عن نظرائه من الاشياخ لمعرفته (1/457)
بلسانهم ولغتهم واصطلاحهم ورغبتهم فيما يعلمونه فيه من المزايا والاسرار والمعارف المختص بها دون غيره وخصوصا أكابر العثمانيين والوزراء وأهل العلوم والفضلاء منهم مثل علي باشا ابن الحكيم وراغب باشا وأحمد باشا الكور وغيرهم ويأتون اليه أحيانا في التبديل
وأكرموه وهادوه كل ذلك مع العفة والعزة وعدم التطلع لشيء من أسباب الدنيا بوظيفة أو مرتب أو فائظ أو نحو ذلك
وكان بينه وبين الامير عثمان بك ذي الفقار صحبة ومحبة وحج في أيام امارته على الحج مرافقا له ثلاث مرات من ماله وصلب حاله ولم يصله منه سوى ما كان يرسله اليه على سبيل الهدية وكان منزل سكنه الذي بالصنادقية ضيقا من أسفل وكثير الدرج فعالجه ابراهيم كتخدا على أن يشترى له أو يبني له دارا واسعة فلم يقبل وكذلك عبد الرحمن كتخدا وكان له ثلاثة مساكن أحدها هذا المنزل بالقرب من الازهر وآخر بالابزارية بشاطىء النيل ومنزل زوجته القديمة تجاه جامع مرزه
وفي كل منزل زوجة وسرار وخدم فكان ينتقل فيها مع أصحابه وتلامذته وكان يقتني المماليك والعبيد والجوارى البيض والحبوش والسود ومات له من الاولاد نيف وأربعون ولدا ذكورا واناثا كلهم دون البلوغ ولم يعش له من الاولاد سوى الحقير وكان يرى الاشتغال بغير العلم من العبثيات واذا أتاه طالب فرح به وأقبل عليه ورغبه وأكرمه وخصوصا اذا كان غريبا وربما دعاه للمحاورة عنده وصار من جملة عياله ومنهم من أقام عشرين عاما قياما ونياما لا يتكلف الى شىء من أمر معاشه حتى غسل ثيابه من غير ملل ولا ضجر
وانجب عليه كثير من علماء وقته المحققين طبقة بعد طبقة مثل الشيخ احمد الراشدى والشيخ ابراهيم الحلبي والشيخ مصطفى أبي الاتقان الخياط والسيد قاسم التونسي والشيخ العلامة احمد العروسي والشيخ ابراهيم الصيحاني المغربي والطبقة الاخيرة التي ادركناها مثل الشيخ ابي الحسن (1/458)
القلعي والشيخ عبد الرحمن البناني
وأما الملازمون له فهم الشيخ محمد ابن اسمعيل النفراوي والشيخ محمد الصبان والشيخ محمد عرفة الدسوقي والشيخ محمد الامير والشيخ محمد الشافعي الجناجي المالكي والشيخ مصطفى الريس البولاقي والشيخ محمد الشوبري والشيخ عبد الرحمن العريشي والشيخ محمد الفرماوى وهؤلاء كانوا المختصين به الملازمين عنده ليلا ونهارا وخصوصا الشيخ محمد النفراوى والصبان ومحمود أفندي النيشي والفرماوى والشيخ محمد الامير والشيخ محمد عرفة فانهم كانوا بمنزلة أولاده خصوصا الاولين فانهما كانا لا يقارفانه الا وقت اقراء دروسهما وكان يباسط اخصاءه منهم ويمازحهم ويروحهم بالمناسبات والادبيات والنوادر والابيات الشعرية والمواليات والمجونيات والحكايات اللطيفة والنكات الظريفة وينتقلون صحبته في منازل بولاق ومواطن النزهة فيقطعون الاوقات ويشغلونها حصة في مدارسة العلم وأخرى في مطارحات المسائل وأخرى للمفاكهة والمباسطة والنوادر الادبية
ومن الملازمين على الترداد عليه والاخذ عنه الشيخ محمد الجوهرى والشيخ سالم القيرواني ومحمد أفندي مفتي الجزائر والسيد محمد الدمرداش وولداه السيد عثمان والسيد محمد
وممن تلقى عنه شيخ الشيوخ الشيخ علي العدوى تلقى شرح الزيلعي على الكنز في الفقه الحنفي وكثيرا من المسائل الحكمية
ولما قرأ كتاب المواقف فكان يناقشه في بعض المسائل محققو الطلبة فيتوقف في تصويرها لهم فيقوم من حلقته ويقول لهم اصبروا مكانكم حتى اذهب الى من هو أعرف مني بذلك وأعود اليكم
ويأتي الى المترجم فيصورها له بأسهل عبارة ويقوم في الحال فيرجع الى درسه ويحققها لهم وهذا من أعظم الديانة والانصاف
وقد تكرر منه ذلك غير مرة وكان يقول عنه لم نر ولم نسمع من توغل في علم الحكمة والفلسفة وزاد ايمانه الا هو رحم الله الجميع
وممن تلقى عنه من أشياخ (1/459)
العصر العلامة الشيخ محمد المصليحي والعلامة الشيخ حسن الجداوي والشيخ محمد المسودى والشيخ أحمد بن يونس والشيخ محمد الهلباوى والشيخ أحمد السجاعي لازمه كثيرا وأخذ عنه في الهيئة والفلكيات والهداية وألف في ذلك متونا وشروحا وحواشي
وأما من تلقى عنه من الآفاقيين وأهالي بلاد الروم والشام وداغستان والمغاربة والحجازيين فلا يحصون واجل الحجازيين الشيخ ابراهيم الزمزمي
وأما ما اجتمع عنده وما اقتناه من الكتب في سائر العلوم فكثير جدا قلما اجتمع ما يقاربها في الكثرة عند غيره من العلماء أو غيرهم
وكان سموحا باعارتها وتغييرها للطلبة وذلك كان السبب في اتلاف اكثرها وتخريمها وضياعها حتى انه كان أعد محلا في المنزل ووضع فيه نسخا من الكتب المستعملة التي يتداول علماء الازهر قراءتها للطلبة مثل الاشموني وابن عقيل والشيخ خالد وشروحه والازهرية وشروحها والشذور وكذلك من كتب التوحيد مثل شروح الجوهرة والهدهدى وشرح السنوسية والكبرى والصغرى وكتب المنطق والاستعارات والمعاني وكذلك كتب الحديث والتفسير والفقه في المذاهب وغير ذلك فكانوا يأتون الى ذلك المكان ويأخذون ويغيرون وينقلون من غير استئذان فمنهم من يأخذ الكتاب ولا يرده ومنهم من يهمل التغيير فتضيع الكراريس ومنهم من يسافر ويتركها عند غيره ومنهم من يهمل آخر الكتاب ويتفق ان الاثنين والثلاثة يشتركون في الكتاب الواحد والنسخة الواحدة ولا بد من حصول التلف من أحدهم ولا بد من حصول الضياع والتلف في كل سنة وخصوصا في اواخر الكتب عندما تفتر هممهم
وأكثر الناس منحرفو الطباع معوجو الاوضاع
واقتنى أيضا كتبا نفيسة خلاف المتداولة وأرسل اليه السلطان مصطفى نسخا من خزائنه وكذلك اكابر الدولة بالروم ومصر وباشة تونس والجزائر واجتمع لديه من كتب الاعاجم مثل الكلستان وديوان حافظ (1/460)
وشاه نامه وتواريخ العجم وكليله ودمنه ويوسف زليخا وغير ذلك وبها من التشاويه والتصاوير البديعة الصنعة الغريبة الشكل وكذلك الآلات الفلكية من الكرات النحاس التي كان اعتنى بوضعها حسن افندي الروزنامجي بيد رضوان افندى الفلكي كما تقدم في ترجمتها
ولما مات حسن أفندي المذكور اشترى جميعها من تركته وكذلك غيرها من الآلات الارتفاعية والميالات وحبق الارصاد والاسطرلابات والارباع والعدد الهندسية وأدوات غالب الصنائع مثل التجارين والخراطين والحدادين والسمكرية والمجلدين والنقاشين والصواغ وآلات الرسم والتقاسيم ويجتمع به كل متقن وعارف في صناعته مثل حسن أفندي الساعاتي وكان ساكنا عنده وعابدين أفندي الساعاتي وعلي افندي رضوان وكان من ارباب المعارف في كل شيء ومحمد افندى الاسكندراني والشيخ محمد الاقفالي وابراهيم السكاكيني والشيخ محمد الزبداني وكان فريدا في صناعة التراكيب والتقاطير واستخراج المياه والادهان وغير هؤلاء ممن رأيت ومن لم أر وحضر اليه طلاب من الافرنج وقراوا عليه علم الهندسة وذلك سنة تسع وخمسين وأهدوا له من صنائعهم وآلاتهم اشياء نفيسة وذهبوا الى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم من ذلك الوقت وأخرجوه من القوة الى الفعل واستخرجوا به الصنائع البديعة مثل طواحين الهواء وجر الاثقال واستنباط المياه وغير ذلك
وفي أيام اشتغاله بالرسم رسم ما لا يحصى من المنحرفات والمزاول على الرخامات والبلاط الكذان ونصبها في اماكن كثيرة ومساجد شهيرة مثل الازهر والاشرفية وقوصون ومشهد الامام الشافعي والسادات
وفي الآثار منها ثلاثة واحدة باعلى القصر وأخرى على البوابة وأخرى عظيمة بسطح الجامع بقى منها قطعة وكسر باقيها فراشو الامراء الذين كانوا ينزلون هناك للنزاهة ليمسحوا بها صواني الاطعمة الصفر وكذلك بورد ان بالتماس مصطفى أغا الورداني (1/461)
وكذلك بحوش مدفن الرزازين بالتماس رضوان جرجبي الرزاز رحمه الله ولما تمهر الآخذون عنه والملازمون عنده ترك الاشتغال بذلك واحال الطلاب عليهم فاذا كان الطالب من أبناء العرب تقيد بتلميذه الشيخ محمد ابن اسمعيل النفراوى وان كان من الاعاجم والاتراك تقيد بمحمود افندي النيشي
واشتغل هو بمدارسة الفقه واقرائه ومراجعة الفتاوى والتحرى في الفروع الفقهية والمسائل الخلاقية وانكب عليه الناس يستفتونه في وقائعهم ودعاويهم
وتقرر في اذهانهم تحرية الحق والنصوص حتى ان القضاة لا يثقون الا بفتواه دون غيره وتقيد للمراجعة عنده الشيخ عبد الرحمن العريشي فانفتحت قريحته وراج أمره وترشح بعده للافتاء
وكان المترجم لا يعتني بالتأليف الا في بعض التحقيقات المهمة منها نزهة العينين في زاكاة المعدنين ورفع الاشكال بظهور العشر في العشر في غالب الاشكال والاقوال المعربة عن أحوال الاشربة وكشف اللثام عن وجوه مخدرات النصف الاول من ذوى الارحام والوشي المجمل في النسب المحمل والقول الصائب في الحكم على الغائب وبلوغ الآمال في كيفية الاستقبال والجداول البهية برياض الخزرجية في علم العروض واصلاح الاسفار عن وجوه بعض مخدرات الدر المختار ومآخذ الضبط في اعتراض الشرط على الشرط والنسمات الفيحية على الرسالة الفتحية والعجالة على أعدل آلة وحقائق الدقائق على دقائق الحقائق واخصر المختصرات على ربع المقنطرات والثمرات المجنية من أبواب الفتحية والمفصحة فيما يتعلق بالاسطحة والدر الثمين في علم الموازين وحاشية على شرح فاضي زادة على الجغميني لم تكمل وحاشية على الدر المختار لم تكمل ومناسك الحج وغير ذلك جواش وتقييدات على العصام والحفيد والمطول والمواقف والهداية في الحكمة والبرزنجي على قاضي زاده وأمثلة وبراهين هندسية شتى
وماله من الرسومات المخترعة (1/462)
والآلات النافعة المبتدعة ومنها الآلة المربعة لمعرفة الجهات والسمت والانحرافات باسهل ماخذو أقرب طريق والدائرة التاريخية وبركار الدرجة
واتفق انه في سنة اثنتين وسبعين وقع الخلل في الموازين والقبابين وجهل أمر وضعها ورسمها وبعد تحديدها وريحها ومشيلها واستخراج رمامينها وظهر فيها الخطأ واختلفت مقادير الموزونات وترتب على ذلك ضياع الحقوق وتلاف الاموال وفسد على الصناع تقليدهم الذى درجوا عليه فعند ذلك تحركت همة المترجم لتصحيح ذلك وأحضر الصناع لذلك من الحدادين والسباكين وحرر المثاقيل والصنج الكبار والصغار والقرسطونات ورسمها بطريق الاستخراج على أصل العلم العملي والوضع الهندسي وصرف على ذلك أموالا من عنده ابتغاء لوجه الله ثم أحضر كبار القبانية والوزانين مثل الشيخ علي خليل والسيد منصور والشيخ علي حسن والشيخ حسن ربيع وغيرهم وبين لهم ما هم عليه من الخطأ وعرفهم طريق الصواب في ذلك وأطلعهم على سر الوضع والصنعة ومكنونها واحضروا العدد وأصلحوا منها ما يمكن اصلاحه وابطلوا ما تقدم وضعه وفسدت لقمه ومراكزه وقيدوا بصناعة ذلك الاسطى مراد الحداد ومحمد ابن عثمان حتى تحررت الموازين وانضبط امرها وانصلح شأنها
وسرت في الناس العدالة الشرعية المأمورين باقامتها واستمر العمل في ذلك أشهرا وهذا هو السبب الحامل له على تصنيف الكتاب المذكور وهذا هو ثمرة العلم ونتيجة المعرفة والحكمة المشار اليها بقوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء
ولما وصل الى مصر الشيخ ابراهيم بن أبي البركات العباسي البغدادي الشهير بابن السويدى في سنة 1175 وكان اماما فاضلا فصيحا مفوها ينظم الشعر بالاملاء ارتجالا في أي قافية من أى بحر من غير تكلف فأنزله المترجم واكرمه واغتبط به وصار يتنقل صحبته مع الجماعة بمنازل بولاق والمنتزهات
واتفق انه تمرض أياما فأقام بمنزل بولاق (1/463)
المشرف على النيل فقيد به من يعوله ويخدمه ويعلل مزاجه فكان كلما اختلى بنفسه وهبت عليه النسمات الشمالية والنفحات البحرية أخذ القلم ببنانه ونقش على أخشابه وحيطانه فكتب نحو العشرين قصيدة على مواقف عديدة كلها مدائح في المذكور والرياض والزهور والكوثر والسلسبيل وجريان النيل وتركت بحالها وذهبت كغيرها
وفي سنة تسع وسبعين توفي ولده أخي لابي أبو الفلاح علي وقد بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة
فحزن عليه وانقبض خاطره وانحرف مزاجه وتوالت عليه النوازل وأوجاع المفاصل وترك الذهاب الى بولاق وغيرها ونقل العيال من هناك ولازم البيت الذي بالصنادقية واقتصر عليه وفتر عن الحركة الا في النادر
وصار يملي الدروس بالمنزل ويكتب على الفتاوى ويراجع المسائل الشرعية والقضايا الحكمية مع الديانة والتحرى والمراجعة والإستنباط والقياس الصحيح ومراعاة الأصول والقواعد ومطارحات التحقيقات والفوائد وتلقي الوافدين وإكرام الواردين وإطعام الطعام وتبليغ القاصد المرام ومراعاة الأقارب والأجانب مع البشاشة ولين الجانب وسعة الصدر وحسن الاخلاق مع الخلان والاصحاب والرفاق ويخدم بنفسه جلاسه ولا يمل معهم ايناسه ولا يبخل بالموجود ولا يتكلف المفقود ولا يتصنع في أحواله ولا يتمشدق في أقواله ويلاحظ السنة في أفعاله
ومن أخلاقه انه كان يجلس بآخر المجلس على اى هيئة كان بعمامة وبدونها ويلبس أى شيء كان ويتحزم ولو بكنار الجوخ أو قطعة خرقة او شال كشميرى أو محزم ولا ينام على فراش ممهد بل ينام كيفما اتفق وكان أكثر نومه وهو جالس وله مع الله جانب كبير كثير الذكر دائم المراقبة والفكر ينام أول الليل ويقوم آخره فيصلي ما تيسر من النوافل والوتر ثم يشتغل بالذكر حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح ويجلس كذلك الى طلوع الشمس فيضطجع قليلا أو ينام وهو جالس مستندا وهذا دأبه (1/464)
على الدوام
ويحاذر الرياء ما أمكن وكان يصوم رجب وشعبان ورمضان ولا يقول اني صائم وربما ذهب الى بعض الاعيان أو دعي الى وليمة فيأتون اليه بالقهوة والشربات فلا يرد ذلك بل يأخذها ويوهم الشرب وكذلك الاكل ويضايع ذلك بالمؤانسة والمباسطة مع صاحب المكان والجالسين
وكان مع مسايرته للناس وبشاشته ومخاطبته لهم على قدر عقولهم عظيم الهيبة في نفوسهم وقورا محتشما ذا جلال وجمال
وسمعت مرة شيخنا سيدي الشيخ محمودا الكردى يقول أنا عندما كنت أراه داخلا في دهليز الجامع يداخلني منه هيبة عظيمة وأدخل الى رواقنا وانظر اليه من داخل واسأل المجاورين عنه فيقولون لي هذا الشيخ الجبرتي فأتعجب لما يداخلني من هيبته دون غيره من الاشياخ فلما تكرر على ذلك أخبرت الاستاذ الحفني فتبسم وقال لي نعم انه صاحب اسرار
وكان مربوع القامة ضخم الكراديس ابيض اللون عظيم اللحية منور الشيبة واسع العينين غزير شعر الحاجبين وجيه الطلعة يهابه كل من يراه ويود أنه لا يصرف نظره عن جميل محياه
ولم يزل على طريقته المفيدة وأفعاله الحميدة الى أن آذنت شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وتعلل اثني عشر يوما بالهيضة الصفراوية فكان كلما تناول شيئا قذفته معدته عندما يريد الاضطجاع الى ان اقتصر على المشروبات فقط وهو مع ذلك لا يصلي الا من قيام
ولم يغب عن حواسه وكان ذكره في هذه المدة يقرأ الصمدية مرة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم بالصيغة السنوسية كذلك ثم الاسم العشرين من الاسماء الادريسية وهو يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاذه هكذا كان دأبه ليلا ونهارا حتى توفى يوم الثلاثاء قبيل الزوال غرة شهر صفر من السنة وجهز في صبحة يوم الاربعاء وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل جدا ودفن عند اسلافه بتربة الصحراء بجوار الشمس البابلي والخطيب (1/465)
الشربيني ومات وله من العمر سبع وسبعون سنة
ومات الامام العلامة الفقيه المعمر الشيخ احمد بن محمد الحماقي الحنفي كان أبوه من كبار علماء الشافعية فتحنف هذا بأذن الامام الشافعي والشيخ احمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم وتصدر رضي الله عنه لرؤيا رآها وكان يخبر بها من لفظه وتلقى عن أئمة عصره كالشيخ أحمد الدقدوسي والشيخ علي العقدي ومحمد عبد العزيز الزيادى والشيخ احمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم وتصدر للاقراء والتدريس بالجامع الازهر مدة سنين ثم تولى مشيخة افتاء الحنفية بعد موت الشيخ حسن المقدسي
وكان انسانا حسنا دمث الاخلاق حسن العشرة صافي الطوية عارفا بفروع المذهب لين الجانب لا يتحاشى الجلوس في الاسواق والقهاوى وكان اخوانه من أهل العلم ينقمون عليه في ذلك فلا يبالي باعتراضهم ولم يزل حتى توفي في سحر ليلة الجمعة خامس عشرى صفر من السنة رحمه الله
ومات الامام الفقيه العلامة المحدث الفرضي الاصولي الورع الزاهد الصالح الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن شاهين الراشدى الشافعي الازهري ولد بالراشدية قرية بالغربية سنة 1118 وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده وقدم الازهر فتفقه على الشيخ مصطفى العزيزى والشيخ مصطفى العشماوى وأخذ الحساب والفرائض عن الشيخ محمد الغمرى وسمع الكتب الستة على الشيخ عيد النمرسي بطرفيها وبعضها على الشيخ عبد الوهاب الطندتاوى وسيدى محمد الصغير وله شيوخ كثيرون
ورافق الشيخ الوالد وعاشره مدة طويلة وتلقى عنه وهو احد اصحابه من الطبقة الاولى ولم يزل محافظا على وده وتردده ومؤانسته ويتذكر الازمان السالفة والايام الماضية وله شيوخ كثيرون
وكان من جملة محفوظاته البهجة الوردية وقد انفرد في عصره بذلك واعتنى بالكتب الستة كتابة ومقابلة وتصحيحا وكان حسن التلاوة للقرآن حلو الاداء مع معرفته (1/466)
باصول الموسيقي ولذلك ناطت به رغبة الامراء فصلى اماما بالامير محمد بك ابن اسمعيل بك مع كمال العفة والوقار والانجماع عن الناس حتى ان كثير منهم يود أن يسمع منه حزبا من القرآن فلا يمكنه ذلك ثم اقلع عن ذلك واقبل على افادة الناس فقرأ المنهج مرارا وابن حجر على المنهاج مرارا وكان يتقنه ويحل مشكلاته بكمال التؤدة والسكينة فاستمر مدة يقرأ دروسه بمدرسة السنانية قرب الازهر ثم انتقل الى زاوية قرب المشهد الحسيني وكان تقرير مثل سلاسل الذهب في حسن السبك وقد انتفع به كثير من الاعلام ولما بنى المرحوم محمد بك ابو الذهب المدرسة تجاه الجامع الازهر في هذه السنة راوده ان يكون خطيبا بها فامتنع فالح عليه وارسل له صرة فيها دنانير لها صورة فأبى ان يقبل ذلك ورده فالح عليه فلما اكثر عليه خطب بها أول جمعة وألبسه فروة سمور وأعطاه صرة فيها دنانير فقبلها كرها ورجع الى منزله محموما يقال فيما بلغني انه طلب من الله ان لا يخطب بعد ذلك فانقطع في منزله مريضا الى أن توفي ليلة الثلاثاء ثاني شوال من السنة وجهز ثاني يوم وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بالقرافة الصغرى تجاه قبة أبي جعفر الطمحاوى ولم يخلف بعده في جمع الفضائل مثله
وكان صفته نحيف البدن منور الوجه والشيبة ناتىء الجبهة ولا يلبس زى الفقهاء ولا العمامة الكبيرة بل يلبس قاووقا لطيفا فتلي ويركب بغلة وعليها سلخ شاة أزرق
وأخذ كتبه الامير محمد بك ووقفها في كتبخانته التي جعلها بمدرسته وكان لها جرم وكلها صحيحة مخدومة وسرق غالبها
ومات الشيخ الصالح سعد بن محمد بن عبد الله الشنواني حصل في مباديه شيئا كثيرا من العلوم ومال الى فن الادب فمهر فيه وتنزل قاضيا في محكمة باب الشعرية بمصر وكان انسانا حسنا بينه وبين الفضلاء مخاطبات ومحاورات وشعره حسن مقبول وله قصائد ومدائح في الاولياء وغيرهم (1/467)
أحسن فيها ولم أعثر على شيء منها وجدد له شيخنا السيد مرتضى نسبة الى الشيخ شهاب الدين العراقي دفين شنوان
توفي يوم السبت خامس جمادى الثانية من السنة وقد جاوز السبعين رحمه الله
ومات العلامة الفقيه الصالح الدين الشيخ علي بن حسن المالكي الازهري قرأ على الشيخ على العدوى وبه تخرج وحضر غيره من الاشياخ ومهر في الفقه والمعقول وألقى دروسا بالازهر ونفع الطلبة وكان ملازما على قراءة الكتب النافعة للمبتدئين مثل أبي الحسن وابن تركي والعشماوية في الفقه وفي النحو الشيخ خالد والازهرية والشذور وحلقة درسه عظيمة جدا وكان لسانه أبدا متحركا بذكرى الله
توفي ليلة الخميس منتصف ربيع الاول من السنة ودفن بالمجاورين
ومات الشيخ الامام المحدث البارع الزاهد الصوفي محمد بن أحمد ابن سالم ابو عبد الله السفاريتي النابلسي الحنبلي ولد كما وجد بخطه سنة 1114 تقريبا بسفارين وقرأ القرآن في سنة احدى وثلاثين في نابلس واشتغل بالعلم قليلا وارتحل الى دمشق سنة ثلاث وثلاثين ومكث بها قدر خمس سنوات فقرأ بها على الشيخ عبد القادر التغلبي دليل الطالب للشيخ مرعي الحنبلي من أوله الى آخره قراءة تحقيق والاقناع للشيخ موسى الحجازي وحضره في الجامع الصغير للسيوطي بين العشائين وغيره مما كان يقرأ عليه في سائر أنواع العلوم وذاكره في عدة مباحث من شرحه على الدليل فمنها ما رجع عنها ومنها ما لم يرجع لوجود الاصول التي نقل منها وكان يكرمه ويقدمه على غيره وأجازه بما في ضمن ثبته الذي خرجه له الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى في سنة خمس وثلاثين وعلى الشيخ عبد الغني النابلسي الاربعين النووية وثلاثيات البخارى والامام أحمد وحضر دروسه في تفسير القاضي وتفسيره الذي صنفه في علم التصوف وأجازه عموما بسائر ما يجوز له وبمصنفاته كلها (1/468)
وكتب له اجازة مطولة وذكر فيها مصنفاته وعلى الشيخ عبد الرحمن المجلد ثلاثيات البخارى وحضر دروسه العامة وأجازه وعلى الشيخ عبد السلام ابن محمد الكاملي بعض كتب الحديث وشيئا من رسائل اخوان الصفا وعلى ملا الياس الكوراتي كتب المعقول وعلى الشيخ اسمعيل بن محمد العجلوني الصحيح بطرفيه مع مراجعة شروحه الموجودة في كل رجب وشعبان ورمضان من كل سنة مدة أقامته بدمشق وثلاثيات البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وشيئا من الجامع الصغير شرحه للمناوى والعلقمي وشيئا من الجامع الكبير وبعضا من كتاب الاحياء مع مراجعة تخريج أحاديثه للزين العراقي والاندلسية في العروض مع مطالعة بعض شروحها وبعضا من شرح شذور الذهب وشرح رسالة الوضع مع حاشيته التي ألفها وحاشية ملا الياس وأجازه بكل ذلك وبما يجوز له روايته وعلى الشيخ أحمد بن علي المنيني شرح جمع الجوامع للمحلى وشرح الكافية لملا جامي وشرح القطر للفاكهي وحضر دروسه للصحيح وشرحه على منظومة الخصائص الصغرى للسيوطي وقد أجازه بكل ذلك أجازة مطولة كتبها بخطه وعلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى بعضا من شرح ألفية العراقي لزكريا وأول سنن أبي داود وعلى قريبه الشيخ احمد الغزى غالب الصحيح بالجامع الاموى بحضرة جملة من كبار شيوخ المذاهب الاربعة وعلى الشيخ مصطفى بن سوار أول صحيح مسلم وعلى حامد أفندي مفتي الشام المسلسل بالاولية وثلاثيات البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وحج سنة ثمان وأربعين فسمع بالمدينة على الشيخ محمد حياة المسلسل بالاولية وأوائل الكتب الستة وتفقه على شيخ المذهب مصطفى بن عبد الحق اللبدى وطه بن أحمد اللبدى ومصطفى بن يوسف الكرمي وعبد الرحيم الكرمي والشيخ المعمر السيد هاشم الحنبلي والشيخ محمد السلقيني وغيرهم ومن شيوخه الشيخ (1/469)
محمد الخليلي سمع عليه اشياء والشيخ عبد الله البصروى سمع عليه ثلاثيات أحمد مع المقابلة بالاصل المصحح والشيخ محمد الدقاق أدركه بالمدينة وقرأ عليه أشياء واجتمع بالسيد مصطفى البكرى فلازمه وقرأ عليه مصنفاته وأجازه بما له وكتب له بذلك وله شيوخ اخر غير من ذكرت وله مؤلفات منها شرح عمدة الاحكام للحافظ عبد الغني في مجلدين وشرح ثلاثيات أحمد في مجلد ضخم وشرح نونية الصرصرى الحنبلي سماه معارج الانوار في سيرة النبي المختار وبحر الوفا في سيرة النبي المصطفى وغذاء الالباب في شرح منظومة الآداب والبحور الزاخرة في علوم الآخرة وشرح الدرة المضية في اعتقاد الفرقة الاثرية ولوائح الانوار السنية في شرح منظومة أبي بكر بن أبي داود الحائية وكان المترجم شيخا ذا شيبة منورة مهيبا جميل الشكل ناصرا للسنة قامعا للبدعة قوالا بالحق مقبلا على شأنه مداوما على قيام الليل في المسجد ملازما على نشر علوم الحديث محبا في أهله ولا زال يملي ويفيد ويجيز من سنة ثمان وأربعين الى أن توفي يوم الاثنين ثامن شوال من هذه السنة بنابلس وجهز وصلي عليه بالجامع الكبير ودفن بالمقبرة الزاركنية وكثر الاسف عليه ولم يخلف بعده مثله رحمه الله رحمة واسعة
ومات العمدة المبجل الفاضل الشيخ احمد بن محمد بن عبد السلام الشرفي المغربي الاصل المصرى المولد وكان والده شيخا على رواق المغاربة بالجامع الازهر ومن شيوخ الشيخ احمد الدمنهوري وولده هذا كان له معرفة بعلم الميقات ومشاركة حسنة وفيه صداقة ود وحسن عشرة مع الاخوان ومكارم اخلاق ويدعو الناس والعلماء في المولد النبوي الى بيته بالازبكية ويقدم لهم الموائد والحلوى وشراب السكر وكان لديه فوائد ومآثر حسنة توفي سابع ربيع الاول من السنة وقد جاوز السبعين رحمه الله (1/470)
ومات العمدة الفاضل الشيخ زين الدين قاسم العبادي الحنفي تفقه على الشيخ سليمان المنصورى والشيخ أحمد بن عمر الاسقاطي الى أن صار يقرأ درسا في المذهب ولم يزل ملازما شأنه حتى توفي ثالث عشر الحجة من السنة وقد ناهز الثمانين رحمه الله
ومات العمدة المعمر الشيخ عبد الله الموقت بجامع قوصون وكان يعرف بالطويل وكان انسانا صالحا ناسكا ورعا توفي فجأة في الحمام ثاني عشر الحجة عن سبع وثمانين سنة
ومات العمدة الفاضل الاديب الماهر الشيخ علي بن احمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن عامر العطشي الفيومي الشافعي وهو أخو الشيخ احمد العطشي وكان له مذاكرة حسنة وحضر على الشيخ الحفني وغيره وكان نعم الرجل توفي في جمادى الآخرة
ومات السيد الشريف المعمر محمد بن حسن بن محمد الحسني الوفائي باش جاويش السادة الاشراف أخذ عن الشيخ المعمر يوسف الطولوني وكان يحكي عنه حكايات مستحسنة وغرائب وكان متقيدا بالسيد محمد أبي هادى الوفائي في أيام نقابته على الاشراف ولديه فضيلة وفوائد توفي في هذه السنة عن نحو ثمانين سنة
ومات الشيخ الصالح سليمان بن داود بن سليمان بن أحمد الخربتاوي وكان من أهل المروءة والدين توفي ثامن عشرى المحرم من السنة في عشر الثمانين
ومات الجناب المكرم الامير أحمد أغا البارودي وهو من مماليك ابراهيم كتخدا القازدغلي وتزوج بأبنته التي من بنت البارودي وسكن معها في بيتهم المشهور خارج باب سعادة والخرق وولد له منها أولاد ذكور واناث ومنهم صاحبنا ابراهيم جلبي وعلي ومصطفى وهو أستاذ محمد أغا الآتي ذكره ذكره
تقلد المترجم في أيام علي بك مناصب جليلة مثل (1/471)
أغاوية المتفرقة وكتخدا الجاويشية وكان انسانا حسنا صافي الباطن لا يميل طبعه لسوى عمل الخير ويحب أهل العلم وممارستهم وكان له ميل عظيم واعتقاد حسن في المرحوم الشيخ الوالد ويزوره في كل جمعة مع غاية الادب والامتثال ومما شاهدته من كمال أدبه وشدة اعتقاده وحبه أنه صادفه مرة بالطريق وهو إذ ذاك كتخدا الجاويشية وهو راكب في أبهته وأتباعه والشيخ راكب على بغلته فعندما رآه ترجل ونزل عن جواده وقبل يده فأنكر عليه فعله واستعظمه واستحى منه والتمس منه أن يقيد به بعض الطلبة ليقرئه شيئا من الفقه والدين فقيد به الشيخ عبد الرحمن العريشي فكان يذهب اليه ويطالع له القدورى وغيره وكان يكرمه ويواسيه ولم يزل على حسن حالته حتى توفي في سابع جمادى الاولى من السنة وكان له في منزله خلوة ينفرد فيها بنفسه ويخلع ثياب الابهة ويلبس كساء صوف أحمر على بدنه ويأخذ سبحة كبيرة يذكر ربه عليها
ومات الامير الصالح خليل أغا مملوك الامير عثمان بك الكبير تابع ذي الفقار وهو استاذ الامير علي خليل توفي ببلد له بالفيوم وجيء به ميتا في عشية نهار السبت حادى عشرين جمادى الثانية من السنة فغسل وكفن ودفن بالقرافة وكان انسانا دينا خيرا محبا للعلماء والصلحاء
ومات الامير اسمعيل أفندي تابع المرحوم الشريف محمد أغا كاتب البيورلدى وكان انسانا خيرا صالحا توفي يوم الاحد ثاني عشرين جمادى الثانية
ومات السيد المعمر الشريف عبد اللطيف أفندي نقيب الاشراف بالقدس وابن نقبائها عن تسعين سنة تقريبا وولى بعده أكبر أولاده السيد عبد الله أفندي رحمه الله
ومات الامير المبجل محمد أفندي جاوجان ميسو وكان حافظ لكتاب الله موفقا وفيه فضيلة وفصاحة ويحب العلماء والاشراف ويحسن اليهم (1/472)
توفي ليلة الاثنين عشرين ربيع الاول وصلى عليه بالازهر ودفن بالمجاورين
ومات الامير مصطفى بك الصيداوى تابع الامير علي بك القازدغلي
وكان سبب موته انه خرج الى الخلاء جهة قصر العيني وركض جواده فسقط عنه ومات لوقته وحمل الى منزله بدرب الحجر وجهز وكفن ودفن بالقرافة وذلك في منتصف ربيع الاول من السنة
ومات الامير علي أغا ابو قوره من جماعة الوكيل سادس عشر ربيع الاول سنة تاريخه
ومات الامير محمد أفندي الزاملي كاتب قلم الغربية وكان صاحب بشاشة وتودد وحسن اخلاق
توفي في رابع عشرين صفر من السنة وخلف ولده حسن أفندي قلفة الغربية الآتي ذكره في سنة 1202
ومات الخواجا المكرم الحاج محمد عرفات الغزاوي التاجر وهو والد عبد الله ومصطفى
توفي يوم الثلاثاء ثامن صفر من السنة والله تعالى أعلم
سنة تسع وثممانين ومائة وألف
فيها عزم محمد بك أبو الذهب على السفر والتوجه الى البلاد الشامية بقصد محابة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز خيامه الى العادلية وفرق الاموال والتراحيل على الامراء والعساكر والمماليك واستعد لذلك استعدادا عظيما في البحر والبر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجبخانة والمدافع والقنابل والمدفع الكبير المسمى بأبو مايلة الذى كان سبكه في العام الماضي
وسافر بجموعه وعساكره في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد بك وابراهيم بك طنان واسمعيل بك تابع اسمعيل بك الكبير لا غير وترك بمصر ابراهيم بك وجعله عوضا عنه في امارة مصر واسمعيل بك وباقي الامراء والباشا الذي بالقلعة وهو مصطفى باشا (1/473)
النابلسي وارباب العكاكيز والخدم والوجاقلية
ولم يزل في سيره حتى وصل الى جهة غزة وارتجت البلاد لوروده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما وصل الى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا هم ايضا عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليالي فكانوا يصعدون الى أعلى السور ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحا
فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير وسبوا النساء والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة
ثم جمعوا الاسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم ولم يميزوا بين الشريف والنصراني واليهودي والعالم والجاهل والعامي والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من لا جنى وبنوا من رؤوس القتلى عدة صوامع ووجوهها بارزة تنسف عليها الاتربة والرياح والزوابع ثم ارتحل عنها طالبا عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هاربا وتركها وحصونها فوصل اليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافوا سطوته وداخل محمد بك من الغرور والفرح مالا مزيد عليه وما آل به الى الموت والهلاك
وأرسل بالبشائر الى مصر والامراء بالزينة فنودى بذلك وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة وعمل بها وقدات وشنكات وحراقات وأفراح ثلاثة أيام بلياليها وذلك في أوائل ربيع الثاني
فعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموت محمد بك واستمر في كل يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكد حتى وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع في الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى حتى اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون (1/474)
وذلك انه لما تم له الامر وملك البلاد المصرية والشامية واذعن الجميع لطاعته وقد ارسل اسمعيل أغا اخا علي بيك الغزاوى الى اسلامبول يطلب امرية مصر والشام وأرسل صحبته أموالا وهدايا فأجيب الى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع والبرق والداقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الامر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا فامتلأ فرحا وحم بدنه في الحال فأقام محموما ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن ربيع الثاني
ووافى خبر موته اسمعيل آغا عندما تهيأ ونزل في المراكب يريد المسير الى مخدومه فانتقض الامر وردت التقاليد وباقي الاشياء
ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فرح الامراء والاجناد الذين بصحبته برجوعهم الى مصر وصاروا متشوقين للرحيل والرجوع الى الاوطان
فاجتمعوا اليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته فتبين لهم من كلامه عدم العود وانه يريد تقليدهم المناصب والاحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بارسال المكاتبات الى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنوهم ويطلبوا احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين اليها من مصر
فعند ذلك اغتموا وعلموا انهم لا براح لهم وان أمله غير هذا وذهب كل الى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل وأقمنا على ذلك الثلاثة ايام التي تمرض فيها وأكثرنا لا يعلم بمرضه ولا يدخل اليه الا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك الا بقولهم في اليوم الثالث انه منحرف المزاج
فلما كان في صبح الليلة التي مات بها نظرنا الى صيوانه وقد انهدم ركنه وأولاد الخزنة في حركة ثم زاد الحال وجردوا على بعضهم السلاح بسبب المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي وحضر مراد بيك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراءهم وتشاوروا في أمرهم وأرضى خواطرهم خوفا من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم فيهم
واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم (1/475)
ولما تحقق عندهم انهم ان دفنوه هناك في بعض المواضع أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة وارتحلوا به طالبين الديار المصرية
فوصلوا في ستة عشر يوما ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني أواخر النهار فأرداوا دفنه بالقرافة
وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الازهر فحفروا له قبرا في الليوان الصغير الشرقي وبنوه ليلا ولما أصبح النهار عملوا له مشهدا وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى امامه المشايخ والعلماء والامراء وجميع الاحزاب والاوراد وأطفال المكاتب وأمام نعشه مجامر العنبر والعود سترا على رائحته ونتنه حتى وصلوا به الى مدفنه وعملوا عنده ختمات وقراءات وصدقات عدة ليال وأيام نحو أربعين يوما
واستقرأ تباعه امراء ورئيسهم ابراهيم بيك ومراد بيك وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بيك واحمد بيك الكلارجي ومصطفى بيك الكبير وأيوب بيك الكبير وذو الفقار بيك ومحمد بيك طبال ورضوان بيك والذين تأمروا بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بيك الاغا وابراهيم بيك الوالي وأيوب بيك الصغير وقاسم بيك الموسقو وعثمان بيك الشرقاوى ومراد بيك الصغير وسليم بيك أبو دياب ولاجين بيك وسيأتي ذكر أخبارهم
من مات في هذه السنة من الاعيان
مات الامام الهمام شيخ مشايخ الاسلام عالم العلماء الاعلام امام المحققين وعمدة المدققين الشيخ علي بن أحمد بن مكرم الله الصعيدى العدوى المالكي ولد ببني عدى كما أخبر عن نفسه سنة 1112 ويقال له أيضا المنفيسي لان أصوله منها وقدم الى مصر وحضر دروس المشايخ كالشيخ عبد الوهاب الملوى والشيخ شلبي البرلسي والشيخ سالم النفراوى (1/476)
والشيخ عبد الله المغربي والسيد محمد السلموني ثلاثتهم عن الخرشي وأقرانه وكسيدي محمد الصغير والشيخ ابراهيم الفيومي ومحمد بن زكريا والشيخ محمد السجبيني والشيخ ابراهيم شعيب المالكي والشيخ أحمد الملوى والشيخ احمد الديربي والشيخ عيد النمرسي والشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد العشماوى والشيخ محمد ابن يوسف والشيخ أحمد الاسقاطي والبقرى والعماوى والسيد علي السيواسي والمدابغي والدفرى والبليدى والحفني وآخرين وبآخرة تلقن الطريقة الاحمدية عن الشيخ على بن محمد الشناوى ودرس بالازهر وغيره
وقد بارك الله في أصحابه طبقة بعد طبقة كما هو مشاهد وكان يحكي عن نفسه أنه طالما كان يبيت بالجوع في مبدأ اشتغاله بالعلم وكان لا يقدر على ثمن الورق ومع ذلك ان وجد شيئا تصدق به
وقد تكررت له بشارات حسنة مناما ويقظة وله مؤلفات دالة على فضله منها حاشية على ابن تركي وأخرى على الزرقاني على العزية وأخرى على شرح أبي الحسن على الرسالة في مجلدين ضخمين وأخرى على الخرشي وأخرى على شرح الزرقاني على المختصر وأخرى على الهدهدى على الصغرى وحاشيتان على عبد السلام على الجوهرة كبرى وصغرى وأخرى على الاخضرى على السلم وأخرى على بن عبد الحق على بسملة شيخ الاسلام وأخرى على شرح شيخ الاسلام على الفية المصطلح للعراقي وغير ذلك
وكان قبل ظهوره لم تكن المالكية تعرف الحواشي على شروح كتبهم الفقهية فهو أول من خدم تلك الكتب بها وله شرح على خطبة كتاب امداد الفتاح على نور الايضاح في مذهب الحنفية للشيخ الشرنبلالي وكان رحمه الله شديد الشكمية في الدين يصدع بالحق ويأمر بالمعروف واقامة الشريعة ويحب الاجتهاد في طلب العلم ويكره سفاسف الامور وينهى عن شرب الدخان ويمنع من شربه بحضرته وبحضرة اهل العلم (1/477)
تعظيما لهم
واذا دخل منزل من منازل الامراء ورأى من يشرب الدخان شنع عليه وكسر آلته ولو كانت في يد كبير الامراء
وشاع عنه ذلك وعرف في جميع الخاص والعام وتركوه بحضرته فكانوا عندما يرونه مقبلا منن بعيد نبه بعضهم بعضا ورفعوا شبكاتهم وأقصابهم واخفوها عنه وان رأى شيئا منها أنكر عليهم ووبخهم وعنفهم وزجرهم حتى ان علي بك في أيام امارته كان اذا دخل عليه في حاجة أو شفاعة أخبروه قبل وصوله الى مجلسه فيرفع الشبك من يده ويخفوه من وجهه وذلك مع عتوه وتجبره وتكبره
واتفق انه دخل عليه في بعض الاوقات فتلقاه على عادته وقبل يده وجلس فسكت الامير مفكرا في أمر من الامور فظن الشيخ اعراضه عنه فأخذته الحدة وقال مخاطبا له باللغة الصعيدية يامين يامين هو غضبك ورضاك على حد سواء بل غضبك خير من رضاك
وكرر ذلك وقام قائما وهو يأخذ بخاطره ويقول انا لم أغضب من شيء ويستعطفه
فلم يجبه ولم يجلس ثانيا وخرج ذاهبا
ثم سأل علي بك عن القضية التي أتى بسببها فأخبروه فأمر بقضائها
واستمر الشيخ منقطعا عن الدخول اليه مدة حتى ركب في ليلة من ليالي رمضان مع الشيخ الوالد في حاجة عند بعض الامراء ومرا ببيت علي بك فقال له ادخل بنا نسلم عليه فقال يا شيخنا أنا لا ادخل فقال لا بد من دخولك معي
فلم تسعه مخالفته وانسر بذلك علي بك تلك الليلة سرورا كثيرا
ولما مات علي بك واستقل محمد بك أبو الذهب بامارة مصر كان يجل من شأنه ويحبه ولا يرد شفاعته في شيء أبدا وكل من تعسر عليه قضاء حاجة ذهب الى الشيخ وأنهى اليه قصته فيكتبها مع غيرها في قائمة حتى تمتلىء الورقة ثم يذهب الى الامير بعد يومين أو ثلاثة فعندما يستقر في الجلوس يخرج القائمة من جيبه ويقص ما فيها من القصص والدعاوى واحدة بعد واحدة ويأمره بقضاء كل منها والامير لا يخالفه ولا ينقبض (1/478)
خاطره في شيء من ذلك
ولما بنى الامير المذكور مدرسته كان المترجم هو المتعين في التدريس بها داخل القبة على الكرسي وابتدأ بها البخارى وحضره كبار المدرسين فيها وغيرهم ولم يترك درسه بالازهر ولا بالبرديكية
وكان يقرأ قبل ذلك بمسجد الغريب عند باب البرقية في وظيفة جعلها له الامير عبد الرحمن كتخدا وكذلك وظيفة بعد الجمعة بجامع مرزه ببولاق
وكان على قدم السلف في الاشتغال والقناعة وشرف النفس وعدم التصنع والتقوى ولا يركب الا الحمار ويؤاسي أهله واقاربه ويرسل الى فقرائهم ببلده الصلات والاكسية والبز والطرح للنساء والعصائب والمداسات وغير ذلك
ولم يزل مواظبا على الاقراء والافادة حتى تمرض بخراج في ظهره اياما قليلة وتوفي في عاشر رجب من السنة وصلي عليه بالازهر بمشهد عظيم ودفن بالبستان بالقرافة الكبرى رحمه الله ولم يخلف بعده مثله ولم أعثر على شيء من مراثيه
ومات الامام العلامة الفقيه الصالح الشيخ احمد بن عيسى بن احمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى البراوى الشافعي ولد بمصر وبها نشأ وحفظ القرآن والمتون وتفقه على والده وغيره وحضر المعقول وتمهر وأنجب ودرس في حياة والده وبعد وفاته تصدر للتدريس في محله وحضره طلبة أبيه واتسعت حلقة درسه مثل أبيه واشتهر ذكره وانتظم في عداد العلماء
وكان نعم الرجل شهامة وصرامة وفيه صداقة وحب للاخوان
توفي بطندتا ليلة الاربعاء ثالث شهر ربيع الاول فجأة اذ كان ذهب للزيارة المعتادة وجيء به الى مصر فغسل في بيته وكفن وصلي عليه بالجامع الازهر ودفن بتربة والده بالمجاورين
ومات الامام الفاضل المسن الشيخ أحمد بن رجب بن محمد البقرى الشافعي المقرى حضر دروس كل من الشيخ المدابغي والحفني ولازم الاول كثيرا فسمع منه البخاري بطرفيه والسيرة الشامية كلها وكتب (1/479)
بخطه الكثير من الكتب الكبار وكان سريع الفهم وافر العلم كثير التلاوة للقرآن مواظبا على قيام الليل سفرا وحضرا ويحفظ أورادا كثيرة واحزابا ويجيز بها وكان يحفظ غالب السيرة ويسردها من حفظه ونعم الرجل كان متانة ومهابة
توفي وهو متوجه الى الحج في منزله النخل آخر يوم من شوال من السنة ودفن هناك
ومات عالم المدينة ورئيسها الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان ولد بالمدينة ونشأ في حجر والده واشتغل يسيرا بالعلم وأرسله والده الى مصر في سنة 1174 فتلقته تلامذة أبيه بالاكرام وعقد حلقة الذكر بالمشهد الجسيني وأقبلت عليه الناس ثم توجه الى المدينة
ولما توفي والده أقيم شيخا في محله ولم يزل على طريقته حتى مات في رابع الحجة من السنة عن ثمانين سنة
ومات العلامة المعمر الصالح الشيخ احمد الخليلي الشامي أحد المدرسين بالازهر تلقى عن أشياخ عصره ودرس وأفاد وكان به انتفاع للطلبة تام عام وألف اعراب الآجرومية وغيره
توفي في عاشر صفر من السنة
ومات الامير الكبير محمد بك أبو الذهب تابع علي بك الشهير اشتراه استاذه في سنة خمس وسبعين فأقام مع أولاد الخزنة أياما قليلة وكان اذ ذاك اسمعيل بك خازندار فلما أمر اسمعيل بك قلده الخازندارية مكانه وطلع مع مخدومه الى الحج ورجع أوائل سنة ثمان وسبعين وتامر في تلك السنة وتقلد الصنجقية وعرف بأبي الذهب
وسبب تلقبه بذلك انه لما لبس الخلعة بالقلعة صار يفرق البقاشيش ذهبا وفي حال ركوبه ومروره جعل ينثر الذهب على الفقراء والجعيدية حتى دخل الى منزله فعرف بذلك لانه لم يتقدم نظيره لغيره ممن تقلد الامريات واشتهر عنه هذا اللقب وشاع وسمع عن نفسه شهرته بذلك فكان لا يضع في جيبه الا الذهب ولا يعطي الا الذهب ويقول أناا أبو الذهب فلا أمسك (1/480)
الا الذهب
وعظم شأنه في زمن قليل ونوه مخدومه بذكره وعينه في المهمات الكبيرة والوقائع الشهيرة وكان سعيد الحركات مؤيد العزمات لم يعهد عليه الخذلان في مصاف قط وقد تقدمت أخباره ووقائعه في أيام استاذه علي بك وبعده واستكثر من شراء المماليك والعبيد حتى اجتمع عنده في الزمن القليل مالا يتفق لغيره في الزمن الكثير وتقلدوا المناصب والامريات
فلما تمهدت البلاد بسعده المقرون ببأس استاذ خالف عليه وضم المشردين وغمرهم بالاحسان واستمال بواقي أركان الدولة واستلين الجميع جانبه وجنحوا اليه وأحبوه وأعانوه وتعصبوا له وقاتلوا بين يديه حتى أراحوا علي بك وخرج هاربا من مصر الى الشام واستقر المترجم بمصر وساس الامور وقلد المناصب وجبى الاموال والغلال وراسل الدولة العثمانية واظهر لهم الطاعة وقلد مملوكه ابراهيم بك امارة الحج تلك السنة وصرف العلائف وعوائد العربان وأرسل الغلال للحرمين والصرر وتحرك علي بك للرجوع الى مصر وجيش الجيوش فلم يهتم المترجم لذلك وكاد له كيدا بان جمع القرانصة والذين يظن فيهم النفاق وأسر اليهم ان يراسلوا علي بك ويستعجلوه في الحضور ويثقوا مساوىء للمترجم ومنفرات ويعدوه بالمخامرة معه والقيام بنصرته متى حضر وأرسلوها اليه بالشريطة السرية
فراج عليه ذلك واعتقد صحته وأرسل إليهم بالجوابات وأعادوا له الرسالة كذلك باطلاع مخدومهم واشارته فعند ذلك قوى عزم علي بك على الحضور وأقبل بجنوده الى جهة الديار المصرية فخرج اليه المترجم ولاقاه بالصالحية وأحضره أسيرا كما تقدم
ومات بعد أيام قليلة وانقضى أمره وارتاح المترجم من قبله وجمع باقي الامراء المطرودين والمشردين وأكرمهم واستخدمهم وواساهم واستوزرهم وقلدهم المناصب ورد اليهم بلادهم وعوائدهم واستعبدهم بالاحسان والعطايا واستبدلهم العز بعد الذل والهوان وراحة الاوطان بعد الغربة والتشريد والهجاج (1/481)
في البلدان
فثبتت دولته وارتاحت النواحي من الشرور والتجاريد وهابته العربان وقطاع الطريق وأولاد الحرام وأمنت السبل وسلكت الطرق بالقوافل والبضائع ووصلت المجلوبات من الجهات القبلية والبحرية بالتجارات والمبيعات
وحضر والي مصر خليل باشا وطلع الى القلعة على العادة القديمة وحضر للمترجم من الدولة المرسومات والخطابات ووصل اليه سيف وخلعة فلبس ذلك في الديوان في أبهة عظيمة وعظم شأنه وانفرد بامارة مصر
واستقام أمره وأهمل أمر اتباع استاذه علي بك وأقام أكثرهم بمصر بطالا
وحضر الى مصر مصطفى باشا النابلسي من أولاد العضم والتجأ اليه فأكرم نزله ورتب له الرواتب وكاتب الدولة وصالح عليه وطلب له ولاية مصر فأجيب الى ذلك ووصلت اليه التقاليد والداقم في ربيع الثاني سنة ثمان وثمانين
ووجه خليل باشا الى ولاية جدة وسافر من القلزم في جمادى الثانية وتوفي هناك وفي اواخر سنة سبع وثمانين
شرع في بناء مدرسته التي تجاه الجامع الازهر وكان محلها رباع متخربة فاشتراها من اربابها وهدمها وأمر ببنائها على هذه الصفة وهي على أرنيك جامع السنانية الكائن بشاطىء النيل ببولاق
فرتب لنقل الاتربة وحمل الجير والرماد والطين عدة كبيرة من قطارات البغال وكذلك الجمال لشيل الاحجار العظيمة كل حجر واحد على جمل وطحنوا لها الجبس الحلواني المصيص ورموا أساسها في أوائل شهر الحجة ختام السنة المذكورة ولما تم عقد قبتها العظيمة وما حولها من القباب المعقودة على اللواوين وبيضوها ونقشوا داخل القبة بالالوان والاصباغ وعمل لها شبابيك عظيمة كلها من النحاس الاصفر المصنوع وعمل بظاهرها فسحة مفروشة بالرخام المرمر وبوسطها حنفية وحولها مساكن لمتصوفة الاتراك وبداخلها عدة كراسي راحة وكذلك بدورها العلوى وباسفل من ذلك ميضاة عظيمة تمتلىء بالماء من نوفرة بوسطها تصب في صحن (1/482)
كبير من الرخام المصنوع نقلوه اليها من بعض الاماكن القديمة ويفيض منه فيملأ الميضاة وحول الميضاة عدة كراسي راحة وأنشأ ساقية لذلك فحفروها وخرج ماؤها حلوا فعد ذلك ايضا من سعده مع ان جميع الآبار والسواقي التي بتلك الخطة ماؤها في غاية الملوحة وأنشأ سفل ذلك صهريجا عظيما يملأ في كل سنة من ماء النيل وحوضا عظيما لسقي الدواب وعمل بأعلى الميضاة ثلاثة أماكن برسم جلوس المفتين الثلاثة يجلسون بها حصة من النهار لافادة الناس بعد املاء الدروس وقرر فيها الشيخ أحمد الدردير مفتي المالكية والشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية والشيخ حسن الكفراوي مفتي الشافعية
ولما تم البناء فرشت جميعها بالحصر ومن فوقها الابسطة الرومي من داخل وخارج حتى فرجات الشبابيك ومساكن الطباق
ولما استقر جلوس المفتين المذكورين بالثلاثة اماكن التي اعدت لهم أضربهم الرائحة الصاعدة اليهم من المراحيض التي من أسفل واعلموا الامير بذلك فأمر بابطالها وبنوا خلافها بعيدا عنها وتقرر في خطابتها الشيخ أحمد الراشدى وغالب المدرسين بالازهر مثل الشيخ علي الصعيدي مدرس البخارى والشيخ أحمد الدردير والشيخ محمد الامير والشيخ عبد الرحمن العريشي والشيخ حسن الكفراوى والشيخ أحمد يونس والشيخ أحمد السمنودى والشيخ علي الشنويهي والشيخ عبد الله اللبان والشيخ محمد الحفناوى والشيخ محمد الطحلاوى والشيخ حسن الجداوى والشيخ أبي الحسن القلعي والشيخ البيلي والشيخ محمد الحريرى والشيخ منصور المنصورى والشيخ أحمد جاد الله والشيخ محمد المصيلحي ودرسا ليحيى أفندي شيخ الاتراك
وتقرر السيد عباس اماما راتبا بها وفي وظيفة التوقيت الشيخ محمد الصبان وجعل بهاى خزانة كتب محمد أفندى حافظ وينوب عنه الشيخ محمد الشافعي الجناحي ورتب للمدرسين الكبار في كل يوم مائة وخمسين (1/483)
نصفا فضة ولمن دونهم خمسون وكذلك للطلبة منهم من له عشرة انصاف في كل يوم ومنهم من له أكثر وأقل ويقدر عدد الدراهم أرداب من البر في كل سنة
ولما انتهى أمرها وصلى بها الجمعة في شهر شعبان سنة ثمان وثمانين حضر الامير المذكور واجتمع المشايخ والطلبة وأرباب الوظائف وصلوا بها الجمعة وبعد انقضاء الصلاة جلس الشيخ الصعيدي على الكرسي وأملى حديث من بني لله مسجدا ولو كفحص قطاة بنى الله له بيت في الجنة
فلما انقضى ذلك أحضرت الخلع والفراوى فالبس الشيخ الصعيدى والشيخ الراشدى الخطيب والمفتين الثلاثة فراوى سمور وباقي المدرسين فراوى نافا بيضاء وانعم في ذلك اليوم على الخدمة والمؤذنين وفرق عليهم الذهب والبقاشيش وتنافس الفقهاء والاشياخ والطلبة وتحاسدوا وتفاتنوا ووقف على ذلك امانة قويسنا وغيرها والحوانيت التي أسفل المدرسة ولم يصرف ذلك الا سنة واحدة فان المترجم سافر في أوائل سنة تسع وثمانين الى البلاد الشامية كما تقدم ومات هناك ورجعوا برمته وتآمر اتباعه وتقاسموا البلاد فيما بينهم ومن جملتها امانة قويسنا الموقوفة فبرد أمر المدرسة وعوضوا عن ذلك الوكالة التي أنشأها علي بك ببولاق لمصرف أجرة الخدمة وعليق الاثوار بعد ما أضعفوا المعاليم ونقصوها ووزعوا عليهم ذلك الايراد القليل ولم يزل الحال يتناقص ويضعف حتى بطل منها غالب الوظائف والخدم الى ان بطل التوقيت والاذان بل والصلاة في أكثر الاوقات وأخلق فرشها وبسطها وعتقت وبليت وسرق بعضها وأغلق أحد أبوابها المواجه للقبوة الموصل للمشهد الحسيني بل أغلقت جميعها شهورا مع كون الامراء أصحاب الحل والعقد اتباع الواقف ومماليكه لكن لما فقدت منهم القابلية واستولى عليهم الطمع والتفاخر والتنافس والتغاضي خوف الفشل وتفرق الكلمة من الانحراف عن الاوضاع ظهر الخلل في كل شيء حتى في الامور (1/484)
الموجبة لنظام دولتهم واقامة ناموسهم كما يتضح ذلك فيما بعد
وبالجملة فان المترجم كان آخر من أدركنا من الامراء المصريين شهامة وصرامة وسعدا وخرما وعزما وحكما وسماحة وحلما وكان قريبا للخير يحب العلماء والصلحاء ويميل بطبعه اليهم ويعتقد فيهم ويعظمهم وينصت لكلامهم ويعطيهم العطايا الجزيلة ويكره المخالفين للدين ولم يشتهر عنه شيء من الموبقات والمحرمات ولا ما يشينه في دينه أو يخل بمروءته بهي الطلعة جميل الصورة أبيض اللون معتدل القامة والبدن مسترسل اللحية مهاب الشكل وقورا محتشما قليل الكلام والالتفات ليس بمهدا ولا خوار ولا عجول مبجلا في ركوبه وجلوسه يباشر الاحكام بنفسه ولولا ما فعله آخرا من الاسراف في قتل أهل يافا باشارة وزرائه لكانت حسناته أكثر من سيآته
ولم يتفق لامير مثله في كثرة المماليك وظهور شأنهم في المدة اليسيرة وعظم أمرهم بعده وانحرفت طباعهم عن قبول العدالة ومالوا الى طرق الجهالة واشتروا المماليك فنشؤا على طرائقهم وزادوا عن سوابقهم وألفوا المظالم وظنوها مغانم وتمادوا على الجور وتلاحقوا في البغي على الفور الى ان حصل ما حصل ونزل بهم وبالناس ما نزل
وسيتلى عليك من ذلك أنباء وأخبار وما حل بالاقليم بسببهم من الخراب والدمار والله تعالى أعلم
سنة تسعين ومائة وألف
كان سلطان العصر فيها السلطان عبد الحميد بن أحمد خان العثماني ووالي مصر الوزير محمد باشا عزت الكبير وأمراؤها ابراهيم بيك ومراد بيك مملوكا محمد بيك أبي الذهب وخشداشينهما أيوب بيك الكبير ويوسف بيك أمير الحاج ومصطفى بيك الكبير وأحمد بيك الكلارجي وأيوب بيك الصغير ومحمد بيك طبل وحسن بيك سوق السلاح وذو الفقار (1/485)
بيك ولاجين بيك ومصطفى بيك الصغير وعثمان بيك الشرقاوى وخليل بيك الابراهيمي ومن البيوت القديمة حسن بيك قصبة رضوان ورضوان بيك بلفيا وابراهيم بيك طبان وعبد الرحمن بيك عثمان الجرجاوى وسليمان بيك الشابورى وبقايا اختيارية الوجاقات مثل أحمد باشجاويش اآرنؤد واحمد جاويش المجنون واسمعيل أفندى الخلوتي وسليمان البرديسي وحسن أفندى درب الشمسي وعبد الرحمن أغا مجرم ومحمد أغا محرم وأحمد كتخدا المعروف بوزير وأحمد كتخدا الفلاح وباقي جماعة الفلاح وابراهيم كتخدا مناو وغيرهم والامرا والنهي للامراء المحمدية المتقدم ذكرهم وكبيرهم وشيخ البلد ابراهيم بيك ولا ينفذ أمر بدون اطلاع قسيمة مراد بيك واسمعيل بيك الكبير متنزه ومنعكف في بيته وقانع بايراده وبلاده ومنزو عن التداخل فيهم من موت سيدهم وعمر داره التي بالازبكية وأقام بها
وفيها في يوم الخميس سابع شهر صفر وصل الحج الى مصر ودخل الركب وأمير الحاج يوسف بيك
وفي ليلة الجمعة تاسع صفر وقع حريق بالازبكية وذلك في نصف الليل بخطة الساكت احترق فيها عدة بيوت عظام وكان شيئا مهولا ثم انها عمرت في أقرب وقت والذي لم يقدر على العمارة باع أرضه فاشتراها القادر وعمرها فعمر رضوان بيك بلفيا دارا عظيمة وكذلك الخواجا السيد عمر غراب والسيد أحمد عبد السلام والحاج محمود محرم بحيث انه لم يأت النيل القابل الا وهي أحسن وأبهج مما كانت عليه
وفيها سقط ربع بسوق الغورية ومات فيه عدة كثيرة من الناس تحت الردم ثم ان عبد الرحمن أغا مستحفظان اخذ تلك الاماكن من أربابها شراء وأنشأ الحوانيت والربع علوها والوكالة المعروفة الآن بوكالة الزيت (1/486)
والبوابة التي يسلك منها من السوق
وفيها حضر جماعة من الهنود ومعهم فيل صغير ذهبوا به الى قصر العيني وادخلوه بالاسطبل الكبير وهرع الناس للفرجة عليه ووقف الخدم على ابواب القصر يأخذون من المتفرجين دراهم وكذلك سواسة الهنود جمعوا بسببه دراهم كثيرة وصار الناس يأتون اليه بالكعك وقصب السكر ويتفرجون على مصه في القصب وتناوله بخرطومه وكان الهنود بخاطبونه بلسانهم ويفهم كلامهم واذا احضروه بين يدي كبير كلموه فيبرك على يديه ويشير بالسلام بخرطومه
وفيها في شهر رمضان تعصب مراد بيك وتغير خاطره على ابراهيم بيك طنان ونفاه الى المحلة الكبيرة وفرق بلاده على من أحب ولم يبق له الا القليل
وفيها شرع الامير اسمعيل بك في عمل مهم لزواج ابنه وهي من زوجته هانم بنت سيدهم ابراهيم كتخدا الذي كان تزوجها في سنة أربع وسبعين بالمهم المذكور في حوادث تلك السنة وكان ذلك المهم في اوائل شهر ذي الحجة وكان قبل هذا المهم حصل بينه وبين مراد بك منازعة ومخاصمة وسببها ان مراد بك اراد ان يأخذ من اسمعيل بك السرور وراس الخليج فوقع بينهما مشاحنة ومخاصمة كاد يتولد منها فتنة فسعى في الصلح بينهما ابراهيم بك فاصطلحا على غل وشرع في اثر ذلك اسمعيل بك في عمل الفرح فاجتمعوا يوم العقد في وليمة عظيمة ووقف مراد بك وفرق المحارم والمناديل على الحاضرين وهو يطوف بنفسه على اقدامه وعمل المهم اياما كثيرة ونزل محمد باشا عزت باستدعاء الى بيت اسمعيل بك وعندما وصل الى حارة قوصول نزل الامراء باسرهم مشاة على اقدامهم لملاقاته فمشوا جميعا امامه على اقدامهم وبأيديهم المباخر والقماقم ولم (1/487)
يزالوا كذلك حتى طلع الى المجلس ووقفوا في خدمته مثل المماليك حتى انقضى الطعام والشربات وقدموا له الهدايا والتقادم والخيول الكثيرة المسمومة ولما انقضت ايام الولائم زفوا العروس الى زوجها ابراهيم أغا الذي صنجقه إسمعيل بك وهو خازنداره ومملوكه ويسمونه قشطة وكانت هذه الزفة من المواكب الجليلة ومشى فيها الفيل وعليه خلعة جوخ احمر فكان ذلك من النوادر
ومات في هذه السنة الفقية المتفنن العلامة الشيخ احمد بن محمد ابن محمد السجاعي الشافعي لازهرى ولد بالسجاعية قرب المحلة وقدم الازهر صغيرا فحضر دروس الشيخ العزيزي والشيخ محمد السجيني والشيخ عبده الديوى والسيد علي الضرير فقهر ودرس وأفتى وألف وكان ملازما على زيارة قبور الاولياء ويحيي الليالي بقراءة القرآن مع صلاح وديانة وولاية وجذب وله مع الله حال غريب وهو والد الشيخ الاوحد احمد الآتي ذكره في تاريخ موته
توفي المترجم رحمه الله تعالى في عصر يوم الاربعاء ثامن عشرين ذي القعدة
ومات الشيخ الامام الفقية العلامة الشيخ عطية بن عطية الاجهورى الشافعي البرهاني الضرير ولد بأجهور الورد احدى قرى مصر وقدم مصر فحضر دروس الشيخ العشماوى والشيخ مصطفى العزيزى وتفقه عليها وعلى غيرهما واتقن في الاصول وسمع الحديث ومهر في الآلات وأنجب ودرس المنهج والتحرير مرارا وكذا جمع الجوامع بمسجد الشيخ مطهر وله في أسباب النزول مؤلف حسن في بابه جامع لما تشتت من أبوابه وحاشية على الجلالين مفيدة وكذلك حاشية على شرح الزرفاني على البيقونية في مصطلح الحديث وغير ذلك وقد حضر عليه غالب علماء مصر الموجودين واعترفوا بفضله وأنجبوا ببركته وكان يتأنى في تقريره ويكرر الالقاء مرارا مراعاة للمستملين الذين يكتبون ما يقوله ولما بنى (1/488)
المرحوم عبد الرحمن كتخدا هذا الجامع المعروف الآن بالشيخ مطهر الذي كان أصله مدرسة للحنفية وكانت تعرف بالسيوفيين بنى للمترجم بيتا بدهليزها وسكن فيه بعياله وأولاده
توفي في أواخر رمضان
ومات الشيخ الفاضل النجيب أحمد بن محمد بن العجمي الشافعي كان شابا فهيما دراكا ذا حفظ جيد حضر على علماء العصر وحصل المعقول والمنقول وأدرك جانبا من العلوم والمعارف ودرس وأملي ولو عاش لانتظم في سلك أعاظم العلماء ولكن اخترمته المنية في يوم الاثنين حادي عشرين جمادى الآخرة
ومات الشيخ الصالح الورع الناسك أحمد بن نور الدين المقدسي الحنفي امام جامع قجماس وخطيبه بالدرب الاحمر وهو أخو الشيخ حسن المقدسي مفتي السادة الحنفية شارك أخاه الشيخ حسنا المذكور في شيوخه واشتغل بالعلم وكان شيخا وقورا بهى الشكل مقبلا على شأنه منجمعا عن الناس
توفي ليلة الاثنين سادس عشر ربيع الاول
ومات الفقيه الفاضل الشيخ ابراهيم بن خليل الصيحاني الغزى الحنفي ولد بغزة وبها نشأ وقرأ بعض المتون على فضلاء بلده وورد الجامع الازهر فحضر الدروس ولازم المرحوم الوالد حسنا الجبرتي وتلقى عنه الفقه وبعض العلوم الغريبة ثم عاد الى غزة وتولى الافتاء بالمذهب وكان يرسل الى الوالد في كل سنة جانبا من الموز المر في غلق مقدار عشرين رطلا فنخرج دهنه ونرفعه في الزجاج لنفع الناس في الدهن ومعالجات بعض الامراض والجروحات ولم يزل على ذلك حتى ارتحل الى دمشق وتولى أمانة الفتوى بعد الشيخ عبد الشافعي فسار أحسن سير
وتوفي بها في هذه السنة في عشر التسعين رحمه الله
ومات الفقيه الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد بن نصر بن هيكل (1/489)
ابن جامع الشنويهي تفقه على جماعة من فضلاء العصر وكان يحضر درس الحديث في كل جمعة على السيد البليدى ودرس بالازهر وانتفع به الطلبة وكان مشهورا بمعرفة الفروع الفقهية وكان درسه حافلا جدا وله حظ في كثرة الطلبة وكان الاشياخ يتضايقون من حلقة درسه فيطردونه من المقصورة فيخرج الى الصحن فتملأ حلقة درسه صحن الجامع وفي بعض الاحيان ينتقل الى مدرسة السنانية بجماعته وكان يخطب بجامع الاشرفية بالوراقين وخطبته لطيفة مختصرة وقرأ المنهج مرارا وكان شديد الشكيمة على نهج السلف الاول لا يعرف التصنع وكان يخبر عن نفسه انه كان كثير الرؤيا للنبي صلى الله عليه و سلم انه لما تنزل مدرسا في المحمدية من جملة الجماعة انقطع عنه ذلك وكان يبكي ويتأسف لذلك
توفي في ثامن عشر شعبان وأملى نسبه على الدكة الى سيدنا علي رضي الله عنه
ومات الامير الكبير الشهير عثمان بك الفقارى باسلامبول في هذه السنة وكان مدة غربته ببرصا واسلامبول نيفا وأربعا وثلاثين سنة وقد تقدم ذكره وذكر مبدأ أمره وظهوره وسبب خروجه من مصر ما يغنى عن اعادة بعضه وهو أمر مشهور والى الآن بين الناس مذكور حتى انهم جعلوا سنة خروجه تاريخا يؤرخون به وفياتهم ومواليدهم فيقولون ولد فلان سنة خروج عثمان بك ومات فلان بعد خروج عثمان بك بسنة أو شهر مثلا
ومات الامير عبد الرحمن كتخدا وهو بن حسن جاويش القازدغلي أستاذ سليمان جاويش أستاذ ابراهيم كتخدا مولى جميع الامراء المصريين الموجودين الآن
وخبره ومبدأ اقبال الدنيا عليه انه لما مات عثمان كتخدا القازدغلي واستولى سليمان جاويش الجوخدار على موجوده ولم يعط المترجم الذي هو ابن سيد أستاذه شيئا ولم يجد من ينصفه في ايصال حقه من طائفة باب الينكجرية حسدا منهم وميلا لاهوائهم واغراضهم فحنق منهم وخرج من بابهم وانتقل الى وجاق العزب وحلف انه لا يرجع الى (1/490)
وجاق الينكجرية ما دام سليمان جاويش الجوخدار حيا وبر في قسمه فانه لما مات سليمان جاويش ببركة الحاج سنة 1152 كما تقدم بادر سليمان كتخدا الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا واستأذن عثمان بك في تقليد عبد الرحمن جاويش السردارية عوضا عن سليمان جاويش لانه وارثه ومولاه وأحضروه ليلا وقلدوه ذلك وأحضر الكاتب والدفاتر وتسلم مفاتيح الخشخانات والتركة بأجمعها وكان شيئا يجل عن الوصف وكذلك تقاسيط البلاد ولم تطمع نفس عثمان بك لشيء من ذلك وأخذ المترجم غرضه من باب العزب ورجع الى باب الينكجرية ونما امره من حينئذ وحج صحبة عثمان بك في سنة خمس وخمسين وأقام هناك الى سنة احدى وستين فحضر مع الحجاج وتولى كتخدا الوقت سنتين وشرع في بناء المساجد وعمل الخيرات وابطال المنكرات فأبطل خمامير حارة اليهود فأول عماراته بعد رجوعه السبيل والكتاب الذي يعلوه بين القصرين وجاء في غاية الظرف وأحسن المباني وأنشأ جامع المغاربة وعمل عند بابه سبيلا وكتابا وميضاة تفتح بطول النهار وأنشأ تجاه باب الفتوح مسجدا ظريفا بمنارة وصهريج وكتاب ومدفن السيدة السطوحية وأنشأ بالقرب من تربة لازبكية سقاية وحوضا لسقي الدواب ويعلوه كتاب وفي الحطابة كذلك وعند جامع الدشطوطي كذلك وأنشأ وزاد في مقصورة الجامع الازهر مقدار النصف طولا وعرضا يشتمل على خمسين عامودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة المرتفعة المتسعة من الحجر المنحوت وسقف اعلاها بالخشب النفي وبنى به محرابا جديدا ومنبرا وأنشأ له بابا عظيما جهة حارة كتامة وبنى باعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة أعمدة من الرخام لتعليم الايتام من أطفال المسلمين القرآن وبداخله رحبة متسعة وصهريج عظيم وسقاية لشرب العطاش المارين وعمل لنفسه مدفنا بتلك الرحبة وعليه قبة معقودة وتركيبة من رخام بديعة الصنعة وبها أيضا (1/491)
رواق مخصوص بمجاورى الصعائدة لطلب العلم يسلك اليه من تلك الرحبة بدرج يصعد منه الى الرواق وبه مرافق ومنافع ومطبخ ومخادع وخزائن كتب وبنى بجانب ذلك الباب منارة وأنشأ بابا آخر جهة مطبخ الجامع وعليه منارة ايضا
وبنى المدرسة الطيبرسية وأنشأها نشوأ جديدا وجعلها مع مدرسة الآقبغاوية المقابلة لها من داخل الباب الكبير الذى أنشأه خارجهما جهة القبو الموصل للمشهد الحسيني وخان الجراكسة وهو عبارة عن بابين عظيمين كل باب بمصراعين وعلى يمينهما منارة وفوقه مكتب ايضا وبداخله على يمين السالك بظاهر الطيبرسية ميضاة وأنشأ لها ساقية لخصوص اجراء الماء اليها وبداخل باب الميضاة درج يصعد منه للمنارة ورواق البغداديين والهنود فجاء هذا الباب وما بداخله من الطيبرسية والآقبغاوية والاورقة من أحسن المباني في العظم والوجاهة والفخامة وعمل عند باب القبة الصهريج والمقصورة الكبيرة التي بها ضريح شيخ الاسلام زكريا الانصاري فيما بين المسجد ودهليز القبة وفرش طريق القبة بالرخام الملون يسلك اليه الدهليز طويل متسع وعليه بوابة كبيرة من داخل الدهليز البراني وعلى لدهليز البرااني من كلتا الجهتين بوابتان
وعمر أيضا المشهد النفيسي ومسجده وبنى الصهريج على هذه الهيئة الموجودة وجعل لزيارة النساء طريقا بخلاف طريق الرجال
وبنى أيضا مشهد السيدة زينب بقناطر السباع ومشهد السيدة سكينة بخط الخليفة والمشهد المعروف بالسيدة عائشة بالقرب من باب القرافة والسيدة فاطمة والسيدة رقية والجامع والرباط بحارة عابدين وكذلك مشهد أبي السعود الجارحي على الصفة التي هو عليها الآن ومسجد شرف الدين الكردى بالحسينية
ومسجدا بخط الموسكى وبنى للشيخ الحفني دارا بجوار ذلك المسجد وينفذ اليه من داخل
وعمر المدرسة السيوفية المعروفة بالشيخ مطهر بخطبات الزهومة وبنى (1/492)
لوالدته بها مدفنا
وأنشأ خارج باب القرافة حوضا وسقاية وصهريجا وجدد المارستان المنصورى وهدم أعلى القبة الكبيرة المنصورية والقبة التي كانت بأعلى الفسحة من خارج ولم يعد عمارتهما بل سقف قبة المدفن فقط وترك الاخرى مكشوفة ورتب له خيرات وأخبازا زيادة على البقايا القديمة ولما عزم على ترميمه وعمارته أراد ان يحتاط بجهات وقفه فلم يجد له كتاب وقف ولا دفترا وكانت كتب أوقافه ودفاتره في داخل خزانة المكتب فاحترقت بما فيها من كتب العلم والمصاحف ونسخ الوقفيات والدفاتر ووقفه يشتمل على وقف الملك المنصور قلاون الكبير الاصلي ووقف ولده الملك الناصر محمد ووقف بن الناصر أبي الفدا اسمعيل بل وغير ذلك من مرتبات الملوك من أولادهم ثم أنه وجد دفترا من دفاتر الشطب المستجدة عند بعض المباشرين وذلك بعد الفحص والتفتيش فاستدل به على بعض الجهات المحتكرة
وللمترجم عمائر كثيرة وقناطر وجسور في بلاد الارياف وبلاد الحجاز حين كان مجاورا هناك
وبنى القناطر بطندتا في الطريق الموصلة الى محلة مرحوم والقنطرة الجديدة الموصلة الى حارة عابدين من ناحية الخلوتي على الخليج وقنطرة بناحية الموسكى ورتب للعميان الفقراء الاكسية الصوف المسماة بالزعابيط فيفرق عليهم جملة كثيرة من ذلك عند دخول الشتاء في كل سنة فيأتون الى داره أفواجا في أيام معلومة ويعودون مسرورين بتلك الكساوى وكذلك المؤذنون يفرق عليهم جملة من الاجرامات الطولونية يرتدون بها وقت التسبيح في ليالي الشتاء وكذلك يفرق جملة من الحبر المحلاوى والبر الصعيدى والملايات والاخفاف والبوابيج القيصرلي على النساء الفقيرات والارامل ويخرج عند بيته في ليالي رمضان وقت الافطار عدة من القصاع الكبار المملوءة بالثريد المسقي بمرق اللحم والسمن للفقراء المجتمعين ويفرق عليهم النقيب هبر اللحم النضيج فيعطى لكل فقير جعله وحصته في يده (1/493)
وعندما يفرغون من الاكل يعطى لكل واحد منهم رغيفين ونصفي فضة برسم سحوره الى غير ذلك
ومن عمائره القصر الكبير المعروف به بشاطىء النيل فيما بين بولاق ومصر القديمة وكان قصرا عظيما من الابنية الملوكية وقد هدم في سنة 1205 بيد الشيخ علي بن حسن مباشرا لوقف وبيعت أنقاضه وأخشابه ومات المباشر المذكور بعد ذلك بنحو ثلاثة أشهر
ومن عمائره أيضا دار سكنه بحارة عابدين وكانت من الدور العظيمة المحكمة الوضع والاتقان لا يماثلها دار بمصر في حسنها وزخرفة مجالسها وما بها من النقوش والرخام والقيشاني والذهب المموه واللازورد وأنواع الاصباغ وبديع الصنعة والتأنق والبهجة وغرس بها بستانا بديعا بداخله قاعة متسعة مربعة الاركان بوسطها فسقية مفروشة بالرخام البديع الصنعة وأركانها مركبة على أعمدة من الرخام الابيض وغير ذلك من العمارات حتى اشتهر ذكره بذلك وسمى بصاحب الخيرات والعمائر في مصر والشام والروم وعدة المساجد التي أنشأها وجددها وأقيمت فيها الخطبة والجمعة والجماعة ثمانية عشر مسجدا وذلك خلاف الزوايا والاسبلة والسقايات والمكاتب والاحواض والقناطر والمربوط للنساء الفقيرات والمنقطعات
وكان له في هندسة الابنية وحسن وضع العمائر ملكة يقتدر بها على ما يروعه من الوضع من غير مباشرة ولا مشاهدة
ولو لم يكن له من المآثر الا ما أنشأ بالجامع الازهر من الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم الملوك لكفاه ذلك وأيضا المشهد الحسيني ومسجده والزيني والنفيسي وضم لوقفه ثلاث قرى من بلاد الارز بناحية رشيد وهي تفينة وديبي وحصة كتامة وجعل ايرادها وما يتحصل من غلة أرزها لمصارف الخيرات وطعام الفقراء والمنقطعين وزاد في طعام المجاورين بالازهر ومطبخهم الهريسة في يومي الاثنين والخميس وقد تعطل غالب ذلك في هذا التاريخ الذى نحن فيه لغاية سنة 1220 بسبب استيلاء الخراب وتوالي المحن وتعطل الاسباب
ولم يزل (1/494)
هذا شأنه الى ان استفحل أمر علي بك وأخرجه منفيا الى الحجاز وذلك في أوائل شهر القعدة 1178 فأقام بالحجاز اثنتي عشرة سنة فلما سافر يوسف بك أميرا بالحاج في السنة الماضية صمم على احضاره صحبته الى مصر فأحضره في تختروان وذلك في سابع شهر صفر سنة 1190 وقد استولى عليه العي والهرم وكرب الغربة فدخل الى بيته مريضا فأقام احد عشر يوما ومات فغسلوه وكفنوه وخرجوا بجنازته في مشهد حافل حضره العلماء والامراء والتجار ومؤذنو المساجد وأولاد المكاتب التي أنشأها ورتب لهم فيها الكساوى والمعاليم في كل سنة وصلوا عليه بالازهر ودفن بمدفنه الذى أعده لنفسه بالازهر عند الباب القبلي
ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
ومن مساويه قبول الرشا والتحيل على مصادرة بعض الاغنياء في اموالهم واقتدى به في ذلك غيره حتى صارت سنة مقررة وطريقة مسلوكة ليست منكرة وكذلك المصالحة على تركات الاغنياء التي لها وارث ومن سيآته العظيمة التي طار شررها وتضاعف ضررها وعم الاقليم خرابها وتعدى إلى جميع الدنيا هبابها معاضدته لعلي بك ليقوى به على أرباب الرئاسة فلم يزل يلقي بينهم الفتن ويغرى بعضهم على بعض ويسلط عليهم علي بك المذكور حتى أضعف شوكات الاقوياء وأكد العداوة بين الاصفياء واشتد ساعد علي بك فعند ذلك التفت اليه وكلب بنابه عليه واخرجه من مصر وأبعده عن وطنه فلم يجد عند ذلك من يدافع عنه وأقام هذه المدة في مكة غريبا وحيدا وأخرج أيضا في اليوم الذي أخرجه فيه نيفا وعشرين اميرا من الاختيارية كما تقدم
فعند ذلك خلا لعلي بك وخشداشينه الجو فماضوا وأفرخوا وامتد شرهم الى الآن الذي نحن فيه كما سيتلى عليك بعضه فهو الذي كان السبب بتقدير الله تعالى في ظهور أمرهم فلو لم يكن له من المساوىء الا هذه لكفاه ولما رجع من الحجاز متمرضا ذهب اليه ابراهيم بك ومراد بك وباقي خشداشينهم (1/495)
ليعودوه ولم يكن رآهم قبل ذلك فكان من وصيته لهم كونوا مع بعضكم واضبطوا أمركم ولا تداخلوا الاعادى بينكم
وهذا بدل عن قوله أوصيكم بتقوى الله تعالى وتجنبوا الظلم وافعلوا الخير فان الدنيا زائلة وانظروا حالي ومالي أو نحو ذلك هكذا أخبرني من كان حاضرا في ذلك الوقت وكان سليط اللسان ويتصنع الحماقة فغفر الله لنا وله رأيته مرة وانا اذ ذاك في سن التمييز قبل ان ينفي الى الحجاز وهو ماش في جنازة مربوع القامة أبيض اللون مسترسل اللحية ويغلب عليها البياض مترفها في ملبسه معجبا بنفسه يشار اليه بالبنان
( سنة احدى وتسعين ومائة وألف )
فيها في أوائل شهر ربيع الاول ورد أغا من الديار الرومية بطلب عساكر لسفر العجم فأجتمع الامراء وتشاوروا في ذلك فاتفق رأيهم على احضار ابراهيم بك طنان فأحضروه من المحلة وقلدوه امارة ذلك
وفيها في أوائل شهر جمادى الاولى وقعت حادثة في طائفة المغاربة المجاورين بالجامع الازهر وذلك انه آل اليهم مكان موقوف وحجد واضع اليد ذلك والتجأ الى بعض الامراء وكتبوا فتوى في شأن ذلك واختلفوا في ثبوت الوقف بالاشاعة ثم أقاموا الدعاوى في المحكمة وثبت الحق للمغاربة ووقع بينهم منازعات وعزلوا شيخهم وولوا آخر وكان المندفع في الخصومة واللسانة شيخا منهم يسمى الشيخ عباس والامير الملتجىء اليه الخصم يوسف بك فلما ترافعوا وظهر الحق على خلاف غرض الامير حنق لذلك ونسبهم الى ارتكاب الباطل فأرسل من طرفه من يقبض على الشيخ عباس المذكور من بين المجاورين فطردوا المعينين وشتموهم وأخبروا الشيخ أحمد الدردير فكتب مراسلة الى يوسف بك تتضمن عدم تعرضه لاهل العلم ومعاندة الحكم الشرعي (1/496)
وأرسلها صحبة الشيخ عبد الرحمن الفرنوى وآخرين فعندما وصلوا اليه وأعطوه التذكرة نهرهم وأمر بالقبض عليهم وسجنهم بالحبس
ووصل الخبر الى الشيخ الدردير وأهل الجامع فأجتمعوا في صبحها وأبطلوا الدروس والاذان والصلوات وقفلوا أبواب الجامع وجلس المشايخ بالقبلة القديمة وطلع الصغار على المنارات يكثرون الصياح والدعاء على الامراء
وأغلق أهل الاسواق القريبة الحوانيت وبلغ الامراء ذلك فأرسلوا الى يوسف بك فأطلق المسجونين وأرسل ابراهيم بك من طرفه ابراهيم أغابيت المال فلم يأخذ جوابا وحضر الاغا الى الغورية ونزل هناك ونادى بالامان وأمر بفتح الحوانيت فبلغ مجاورى المغاربة ذلك فذهب اليه طائفة منهم وتبعهم بعض العوام وبأيديهم العصي والمسلوق وضربوا اتباع الآغا ورجموه بالاحجار فركب عليهم وأشهر فيهم السلاح هو ومماليكه فقتل من مجاورى المغاربة ثلاثة انفار وانجرح منهم كذلك ومن العامة
وذهب الأنما ورجع الفريق الآخر وبقي المهرج الى ثاني يوم فحضر اسمعيل بك والشيخ السادات وعلي أغا كتخدا الجاويشية وحسن أغا اغات المتفرقة والترجمان وحسن أفندي كاتب حوالة وغيرهم فنزلوا الاشرفية وأرسلوا الى أهل الجامع تذكرة بانفضاض الجمع وتمام المطلوب
وكان ذلك عند الغروب فلم يرضوا بمجرد الوعد وطلبوا الجامكية والجراية فركبوا ورجعوا وأصبح يوم الأربعاء والحال على ما هو عليه وإسمعيل بك مظهر الإهتمام لنصرة أهل الازهر فحضر مع الشيخ السادات وجلسوا بالجامع المؤيدى وأرسلوا للمشايخ تذكرة صحبة الشيخ ابراهيم السندوبي ملخصها ان اسمعيل بك تكفل بقضاء أشغال المشايخ وقضاء حوايجهم وقبول فتواهم وصرف جماكيهم وجراياتهم وذلك بضمان الشيخ السادات له فلما حضر الشيخ ابراهيم بالتذكرة وقرأها الشيخ عبد الرحمن العريشي جهارا وهو (1/497)
قائم على أقدامه
فلما سمعوها أكثروا من الهرج واللغط وترددت الارساليات والذهاب والمجيء بطول النهار ثم اصطلحوا وفتحوا الجامع في آخر النهار وأرسلوا لهم في يوم الخميس جانبا من دراهم الجامكية
ومن جملة ما اشترطوه في الصلح عدم مرور الاغا والوالي والمحتسب من حارة الازهر وغير ذلك شروط لم ينفذ منها شيء
وعمل ابراهيم بك ناظرا على الجامع عوضا عن الاغا وأرسل من طرفه جنديا للمطبخ وسكن الاضطراب
وبعد مضي أربعة من هذه الحادثة مر الاغا وبعده الوالي كذلك فارسل المشايخ الى ابراهيم بك يخبروه فقال ان الطريق يمر بها البر والفاجر ولا يستغني الحكام عن المرور
وفي أوائله أيضا أحضر مراد بك شخصا يقال له سليمان كاشف من أتباع يوسف بك وضربه علقة بالنبابيت لسبب من الاسباب فحقدها عليه يوسف بك واستوحش من طرفه
وفي ثاني عشر جمادى الثانية قبض الاغا على انسان شريف من أولاد البلد يسمى حسن المدابغي وضربه حتى مات وسبب ذلك أنه كان في جملة من خرج على الاغا بالغورية يوم فتنة الجامع وكان انسانا لا بأس به
وفي ليلة الجمعة رابع عشر جامدى الثانية خرج اسمعيل بك جهة العادلية مغضبا وسبب ذلك ان مراد بك زاد في العسف والتعدى خصوصا في طرف اسمعيل بك وابراهيم بك يسعى بينهما في الصلح واجتمعوا في آخر مجلس عند ابراهيم بك فتكلم اسمعيل بك كلاما مفحما وقال انا تارك لكم مصر وامارتها وجاعلكم مثل أولادى ولا أريد الا المعيشة وراحة السر وأنتم لا تراعون لي حقا وأمثال ذلك من الكلام
فحضر في هذه الايام الى اسمعيل بك مركب غلال فأرسل مراد بك وأخذ ما فيها وعلم ان اسمعيل بك يغتاظ لذلك ثم اتفق مع بعض اغراضه انهم يركبون من الغد الى اسمعيل بك ويدخلون عليه في بيته ويقتلونه فعلم اسمعيل (1/498)
بك بذلك فركب في الصباح وخرج الى العادلية بعد أن عزل بيته وحريمه ليلا وجلس بالاشبكية وركب مراد بك ذاهبا الى اسمعيل بك فوجده قد خرج الى الاشبكية وكان ابراهيم بك طلع الى قصر العيني فذهب الى مراد بك ولما أشيع خروج اسمعيل بك ركب يوسف بك وخرج اليه وتبعه محمد بك طبل وحسن بك وابراهيم بك طنان وذو الفقار بك وغيرهم
ووصل الخبر الى ابراهيم بك ومراد بك ومن انضم اليهم فركبوا وحضروا الى القلعة وملكوا الابواب وامتلأت الرميلة والميدان بعساكرهم وصحبتهم أحمد بك الكلارجي ولاجين بك وأيوب بك ورضوان بك وخليل بك ومصطفى بك واضطربت المدينة وأغلق الناس الدكاكين واستمروا على ذلك يوم السبت ويوم الاحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء وتسحب من أهل القلعة جماعة خرجوا الى اسمعيل بك ويوسف بك ومن معهما وهم اسمعيل اغا أخو علي بك الغزاوى وأخوه سليم أغا وعبد الرحمن اغا اغات الينكجرية سابقا فأرسل اهل القلعة ابراهيم اغا الوالي فجلس بباب النصر واغلق الباب ونزل الباشا الى باب العزب
فحضر قاسم كتخدا عزبان أمين البحرين وعبد الرحمن أغا وصحبتهم جماعة الى باب النصر وفتحوا الباب وطردوا الوالي وذلك في يوم الاثنين وملكوا باب النصر فأرسلوا اليهم طائفة من عسكر المغاربة فضربوا عليهم بالرصاص وحمل عليهم الآخرون فشتتوهم ورجعوا الى خلف وقتل من المغاربة انفارا وانجرح منهم كذلك وانتشر البرانيون حوالي جهات مصر وذهب منهم طائفة الى جهة بولاق وفيهم محمد بك طبل فوجدوا طائفة من الكشاف والاجناد حضروا الى بولاق لاجل العليق والتبن فوقعت بينهم وقعة فأنهزموا الى قصر عبد الرحمن كتخدا وأخذ اولئك العليق والتبن وطلع منهم طائفة الى الجبل واشتد الحال وعظمت الفتنة فأراد الباشا اجراء الصلح فأرسل أيوب أغا ورجع بجواب عدم رضاهم بالصلح ثم ارسل اليهم أحمد (1/499)
جاويش المجنون فذهب ولم يرجع والتف عليهم فأرسل الباشا ولده وكتخداه سعيد بك مرارا
ثم دخل في يوم الاربعاء عبد الرحمن أغا من باب النصر وشق من وسط المدينة وامامه المنادى ينادى على الناس برفع بضائعهم من الحوانيت فرفع الناس بواقي بضائعهم من الدكاكين ولم يزل سائرا حتى وصل الى باب زويلة ونزل بجامع المؤيد وجلس به مقدار ساعتين ورتب عسكرا هناك على السقائف والاسبلة ثم ركب راجعا وعاد وصحبته ابراهيم بك الطناني ومعهم عدة اجناد وعساكر وخرجوا من باب زويلة الى الدرب الاحمر الى جامع المرداني فجلسوا عنده الى بعد الظهر ثم زحفوا الى التبانة الى قرب المحجر وعملوا هناك متاريس ورتبوا بها جماعة وكذلك ناحية سويقة العزى فنزل اليهم جماعة من القلعة وتراموا بالرصاص وقطعوا الطرق على من بالقلعة إلى بعد العصر فنزل اليهم خيالة مدرعين فحمل عليهم عسكر المغاربة فوقع منهم أربعة خيالة وانجرح لاجين بك فحملوه الى بيته في شنف وقتل أنفار من عسكر المغاربة وولى القلعاوية الى جهة القلعة وبعد الغروب انفصل عنهم عسكر المغاربة ونكسوا أعلامهم وحضروا عند أجناسهم والتفوا عليهم ولاحت لوائح الخذلان على من بالقلعة ودخل عليهم الليل وانكف الفريقان
وأصبح يوم الخميس فدخل الكثير من البرانيين الى المدينة شيئا فشيئا وربطوا في جميع الجهات حتى انحصروا بالقلعة وأخذوا ينقبون عليهم فلما شاهدوا الغلب فيهم نزلوا من باب الميدان وذهبوا جهة البساتين الى الصعيد فتخلف عنهم أحمد بك الكلارجي وأيوب بك وابراهيم بك أوده باشه ولاجين بك مجروح وخرج المتخلفون الى اسمعيل بك ويوسف بك وطلبوا منهما الامان وانضموا اليهم
وعندما أشيع نزول ابراهيم بك ومراد بك من القلعة هجم المرابطون بالمحجر وسوق السلاح على الرميلة ونهبوا خيامهم وعازقهم الذى بها وبالميدان حتى جمال الباشا وخيول الدلاة (1/500)
وذلك يوم الخميس قبل العصر بنصف ساعة فدخل اسمعيل بك ويوسف بك بعد العصر من ذلك اليوم من باب النصر وتوجهوا الى بيوتهم وأصبح يوم الجمعة فشق عبد الرحمن أغا ونادى بالامان والبيع والشراء وراق الحال
ولما كان يوم الاحد ثاني عشرين جمادى الثانية طلعوا الى الديوان فخلع الباشا على اسمعيل بك ويوسف بك خلعتي سمور واستقر اسمعيل بك شيخ البلد ومدبر الدولة وقلدوا حسن بك الجداوى صنجقا كما كان وكانت الصنجقية مرفوعة عنه من موت سيده علي بك وكذلك رضوان بك قرابة علي بك قلدوه صنجقية وقلدوا اسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى صنجقية أيضا وسكن ببيت إبراهيم بك الكبير وقلدوا سليمان كاشف من اتباع يوسف بك وهو الذى كان ضربه علقة مراد بك بالنبوت كما تقدم صنجقية ولقبه الناس أبا نبوت وقلدوا أيضا سليم كاشف من اتباع اسمعيل بك صنجقية وقلدوا عبد الرحمن أغا أغاوية مستحفظان كما كان ومحمد كاشف والى الشرطة
وفي عشية ذلك اليوم انزلوا سليمان أغا مستحفظان الى بولاق وانزلوه في مكرب منفيا الى دمياط بعدما صودر في نحو اربعين ألف ريال
وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه انزلوا ايضا سليمان كتخدا مستحفظان وعثمان كتخدا باش اختيار مستحفظان المعروف يأبي مساوق والامير عبد الله أغا وانزلوهم الى المراكب ثم حصل عنهم العفو فردوهم الى بيوتهم
وفي ذلك اليوم طلعوا الى الديوان فقلدوا ذا الفقار بك دفتردار عوضا عن رضوان بك بلفيا وذلك باشارة يوسف بك لكونه كان مع مراد بك وابراهيم بك حتى انه اراد أن يسلب نعمته فمنعه عنه اسمعيل بك
وفي يوم الاربعاء ثاني شهر رجب حضر عند يوسف بك حسن بك (1/501)
الجداوى وصحبته اسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وسليم بك الاسماعيلي وعبد الرحمن بك العلوى فجلسوا معه ساعة لطيفة بالمقعد المطل على البركة فجلس حسن بك امامه وكان جالسا على الدكة المرتفعة عن المرتبة وجلس تحت شماله على المرتبة اسمعيل بك الصغير وسليم بك وعبد الرحمن بك استمر واقفا وحادثوه في شىء وتناجوا مع بعضهم وتأخر عنهم الواقفون من المماليك والاجناد فسحب عبد الرحمن بك النمشاة وضرب بها يوسف بك فأراد ان يهم قائما فداس على ملوطة اسمعيل بك فوقع على ظهره فنزلوا عليه بالسيوف وضربوا في وجوه الواقفين طلق بارود فهربوا الى خلف الضاربون من القيطون وركبوا وذهبوا الى اسمعيل بك فركب في تلك الساعة وطلع الى القلعة وأرسل اسمعيل كتخدا عزبان الى الباشا وكان بقصر العيني بقصد التنزه فركب من هناك وطلع الى القلعة وجلس بباب العزب صحبة اسمعيل بك فلما بلغ الامراء الذين هم خشداشين يوسف بك ركبوا وخرجوا من المدينة وذهبوا الى قبلي وهم احمد بك الكلارجي وذو الفقار بك ورضوان بك الجرجاوى فركب خلفهم طائفة فلم يدركوهم وارسلوا الى محمد بك طبل فكرنك في بيته ونصب له مدافع وابى من الخروج لانه صار من المذبذبين
فلما وقع منه ذلك ذهب اليه حسن بك سوق السلاح وأخذه بالامان الى اسمعيل بك بعدما نزل الى بيته فأمره ان يأخذه عنده في بيته فلما اصبح استأذنه في زيارة الامام الشافعي فأذن له فركب الى جهة القرافة وذهب الى جهة الصعيد
وانقضت الفتنة ودفن يوسف بك
وفي يوم الخميس طلعوا الى الديوان فخلع الباشا على اسمعيل بك الكبير فروة سمور وأقره على مشيخة البلد وقلدوا حسن بك قصبة رضوان امارة الحج عوضا عن يوسف بك وقلدوا عبد الرحمن بك العلوى صنجقا كما كان وقلدوا ابراهيم أغا خازندار واسمعيل بك الذى زوجه ابنته (1/502)
صنجقية وتلقب بابراهيم بك قشطة وسكن ببيت محمد بك وقلدوا حسين أغا خازندار اسمعيل بك سابقا صنجقية أيضا وسكن ببيت أحمد بك الكلارجي وقلدوا كاشفين أيضا لاسمعيل بك يسمى كل واحد منهما بعثمان صنجقين وسكن أحدهما ببيت مصطفى بك الذى كان سكن محمد بك طبل وهو على بركة الفيل حيث جامع أزبك اليوسفي وهو الذى يسمى بعثمان بك طبل وعثمان الثاني وهو الذي لقب بقفا الثور وسكن ببيت ذى الفقار المقابل لبيت بلفيا وقلدوا علي أغا جوخدار اسمعيل بك صنجقية أيضا وسكن ببيت مراد بك عند الكبش وهو ببيت صالح بك الكبير وكان يسكنه سليمان بك أبو نبوت اليوسفي
وأما بيت يوسف بك فسكن به سليم بك وقلدوا يوسف آغا من اتباع إسمعيل بك واليا ونفوا أيوب بك وسليمان بك الى المنصورة
وفي صبحها يوم الجمعة رابع شهر رجب الفرد الموافق لرابع مسرى القبطي نودى بوفاء النيل ونزل الباشا صبح يوم السبت وكسر السد على العادة وجرى الماء في الخليج وعاد الباشا الى القلعة
وفي سابعة اتفقوا على ارسال تجريدة الى الصعيد وسر عسكرها إسمعيل بك الصغير وعينوا للتوجه صحبته حسن بك الجداوي وابراهيم بك الطناني وسليم بك الطناني وسليم بك الاسمعيلي وابراهيم بك أوده باشا وحسن بك الشرقاوى المعروف بسوق السلاح وقاسم كتخدا عزبان وعلي أغا المعمار وكان غائبا بالمنية فلما قبل الجماعة تخلص وترك أحواله وغلامه وحضر الى مصر وصحبته طائفة من الهوارة والعربان فلما حضر أرادوا أن يقلدوه صنجقية فأمتنع من ذلك وشرعوا في تشهيل التجريدة وطلبوا طلبا عظيما وصرف الباشا ألف كيس من الخزينة لنفقة العسكر وخلعوا على الهوارة ومشايخ العربان ووعدوهم بالخير
وفيه جاءت الاخبار بان علي بك السروجي ساق خلف محمد بك طبل فلحقه عند مكان تجاه (1/503)
البدرشين واحتاط به العربان وقتلوا مماليكه وشرد من نجا منهم وتفرق ونهبوا ما معه وعروه وسلموه لكاشف هناك من اتباع اسمعيل بك فوقع في عرضه وعرض مشايخ البلد فألبسوه حوائج وهربوه وصحبته اثنان من الاجناد فلما حضر علي بك السروجي أخبره العرب بما حصل فأخذ ذلك الكاشف وحضر صحبته الى اسمعيل بك فضرب الكاشف عقلة ونفاه
وفيه ورد الخبر أيضا عن ذي الفقار بك بان العرب عروه أيضا فهرب فلحقوه وأرادوا قتله فألقى نفسه في البحر بفرسه وغرق ومات
وفي يوم الاثنين رابع عشر رجب برزت عساكر التجريدة الى جهة البساتين
وفي يوم الخميس خرج أيضا غالب الامراء وبرزوا خيامهم
وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب سافرت التجريدة برا وبحرا
وفي يوم السبت سادس عشرين رجب وصلت الاخبار بان التجريدة تلاقت مع الامراء القبالي ووقع بينهم معركة قوية فكانت الهزيمة على التجرية
فلما وصلت هذه الاخبار اضطرب إسمعيل بك وتخبل غزله وكذلك أمراؤه ودخل في يومها الاجناد مشتتين مهزومين وكانت الوقعة يوم الجمعة في بياضة من أعمال الشرق فكبسوهم على حين غفلة وقت الفجر فركب علي أغا المعمار وقاسم كتخدا عزبان وابراهيم بك طنان فحاربوا جهدهم فأصيب علي اغا وقاسم كتخدا ووقعت خيولهما وذلك بعد أن ساق علي أغا وصحبته رضوان اغا طنان وقصد مراد بك وضربه رضوان في وجهه بالسيف فلمحه خليل بك كوسه الابراهيمي وضرب علي أغا بالقرابينة فأصابته في عنقه ووقع فرسه وسقط ميتا
فلما قتل هذان الاميران ولي ابراهيم بك طنان فأنهزم بقية الامراء لانه لم يكن فيهم أشجع من هؤلاء الثلاثة وباقيهم ليس له دربة في الحرب وسر عسكر مقصوب (1/504)
ومريض واحتاط الامراء القبليون بخيامهم وحملاتهم ومراكبهم بما فيها وكانت نيفا وخمسمائة مركب وكان كبير العسكر في قنجة صغيرة فلما عاين الكسرة أسرع في الانحدار وكذلك بعض الامراء انحدروا معه وباقيهم وصلوا في البر على هيئة شنيعة وكان اسمعيل بك بمصر القديمة ينتظر امراء التجريدة
فلما حصل ذلك نزل الباشا في يوم الاحد وخرج الى الآثار وجلس مع الصنجق ونادوا بالنفير العام فخرج القاضي والمشايخ والتجار وأرباب الصنائع والمغاربة وأهل الحارات والعصب وغلقت الاسواق
وخرج الناس في يوم الاثنين حتى ملأوا الفضاء فلما عاين ذلك اسمعيل بك وعلم انهم يحتاجون الى مصروف ومأكل وأكثرهم فقراء وذلك غاية لا تدرك أشار على تجار المغاربة والالضاشات بالمكث ورجع بقية العامة وأرباب الحرف ومشايخ الاشاير والفقراء من اهل الزوايا والبيوت ووصل القبليون الى حلوان وطمعوا في أخذ مصر بعد الكسرة قبل الاستعداد ثانيا
وفي يوم الاثنين أرسل اسمعيل بك عدة من الاجناد وأصحبهم عسكر المغاربة ومعهم الجبخانة والمدافع فنصبوا المتاريس ما بين التبين وحلوان تجاه الاخصام وركب في ليلتها اسمعيل بك وامراؤه وأجناده وأحضر الباشا قليون رومي من دمياط ورئيسه يسمى حسن الغاوى مشهور بمعرفة الحرب في البحر يشتمل ذلك القليون على خمسة وعشرين مدفعا فأقلع به ليلا تجاه العسكر وارتفع حتى تجاوز مراكبهم وضرب بالمدافع على وطاقهم في البر وعلى مراكبهم في البحر وساق جميع المراكب بما فيها ووقع المصاف واشتد الجلاد بين الفريقين فكان بينهم وقعة قوية وقتل فيها من أولئك رضوان بك الجرجاوى وخليل بك كوسه الابراهيمي وخازنداره وكشاف وأجناد ووقعت على القبالي الهزيمة ولم يظهر مراد بك في هذه المعركة بسبب جراحته
ثم هجموا على وطاقهم وخيامهم ونهبوها ونزل محمد بك طبل بفرسه الى البحر وغرق ومات
ورجع ابراهيم بك ومراد (1/505)
بك وهو مجروح ومصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وأتباعهم وذهبوا الى قبلى وساقوا خلفهم فلم يدركوهم
ودخل اسمعيل بك والامراء والاجناد والعسكر الى مصر منصورين مؤيدين وكانت هذه النصرة بخلاف المظنون وكان رجوعهم يوم الاربعاء غرة شهر شعبان
وفي ليلة السبت رابع شعبان حضر كاشف وصحبته جملة من المماليك وكان هذا الكاشف مأسورا عند القبالي فلما انهزموا أذنوا له بالرجوع الى بيته وانضم اليه عدة مماليك ماتت أسيادهم فلما حضروا عند اسمعيل بك فرقهم على الامراء
وفي سابعه أحضروا رمة علي أغا المعمار الى بيته فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه في مشهد حافل ودفنوه بالقرافة
وفيه تقلد حسن بك الجداوى ولاية جرجا وجاءت الاخبار بان القبليين استقروا بشرق أولاد يحيى
وفي آخر شعبان سافر حسن بك الجداوى الى جرجا وصحبته كشاف الولايات وحكام الاقاليم فضج لنزولهم ساحل البحر بسبب أخذهم المراكب
وفي منتصف شهر رمضان ولدت امرأة مولودا يشبه خلقة الفيل مثل وجهه وآذانه وله نابان خارجان من فمه وأبوه رجل جمال وامرأته لما رأت الفيل وكانت في أشهر وحامها نقلت شبهه في ولدها وأخذه الناس يتفرجون عليه في البيوت والازقة
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين شهر رمضان ركب أمراء اسمعيل بك وصناجقه وعساكره في آخر الليل واحتاطوا ببيت اسمعيل بك الصغير أخي علي بك الغزاوى فركب في مماليكه وخاصته وخرج من البيت فوجدوا الطرق كلها مسدودة بالعسكر والاجناد فدخل من عطفة الفرن يريد الفرار وخرج على جهة قنطرة عمر شاه فوجد العسكر والاجناد أمامه وخلفه (1/506)
فصار يقاتلهم ويتخلص منهم من عطفة الى عطفة حتى وصل الى عطفة البيدق وأصيب بسيف على عاتقه وسقطت عمامته وصار مكشوف الرأس الى أن وصل الى تجاه درب عبد الحق بالازبكية فلاقاه عثمان بك أحد صناجق اسمعيل بك فرده وسقط واحتاطوا به فنزل على دكان في أسوأ حال مكشوف الرأس والدم خارج من كركه فعصبوا رأسه بعمامة رجل جمال وأخذه عثمان بك الى بيته وتركه وذهب الى سيدة فأخبره فخلع عليه فروة وفرسا مرختا وأرسلوا اليه الوالي فخنقه ووضعوه في تابوت وأرسلوه الى بيته الصغير فبات به ميتا وأخرجوه في صبحها في مشهد ودفنوه
وكان اسمعيل بك قد استوحش منه وظهر عليه في أحكامه وأوامره وكلما أبرم شيئا عارضه فيه
وازدحم الناس على بيته وأقبلت اليه أرباب الخصومات والدعاوى وصار له عزوة كبيرة وانضم اليه كشاف واختيارية وحدثته نفسه بالانفراد وتخيل منه اسمعيل بك فتركه وما يفعله واظهر انه مرمود في عينيه وانقطع بالحريم من اول شهر رمضان ثم سافر في اواخره في النيل لزيارة سيدى احمد البدوى ثم رجع وبيت مع اتباعه ومن يثق به وقاموا عليه وقتلوه كما ذكر
ولما انقضى امره شرع اسمعيل بك في ابعاد ونفي من كان يلوذ به وينتمي اليه فأنزلوا ابراهيم بك بلفيا ومحمد اغا الترجمان وعلي كتخدا الفلاح وبعض كشاف الى بولاق وأراد قتل اخيه سليم آغا المعروف بتمرلنك فأقتدى نفسه بثلاثين ألف ريال ثم نفوه ثالث شوال ونفى ابراهيم بك بلفيا الى المحلة
وفي تلك الايام قرر اسمعيل بك على كل بلد من القرى ثلثمائة ريال وهي أول سيآته
وفي يوم الاحد ثاني عشرين شوال عملوا موكب المحمل وأمير الحاج حسن بك رضوان (1/507)
وفي يوم الخميس رابع ذي القعدة تقلد عبد الرحمن بك عثمان صنجقية وكانت مرفوعة عنه وكذلك علي بك
وفي يوم الاثنين ثامنه سافرت تجريدة لجهة الصعيد للامراء القبالي لانهم تقووا واستولوا على البلاد وقبضوا الخراج وملكوا من جرجا الى فوق وحسن بك أمير الصعيد مقيم وليس فيه قدرة على مقاومتهم ومنعوا ورود الغلال حتى غلا سعرها فعينوا لهم التجريدة وسر عسكرها رضوان بك وعلي الجوخدار وسليم بك وابراهيم بك طنان وحسن بك سوق السلاح
وفي يوم الاحد حادى عشرين القعدة خرج اسمعيل بك الى ناحية دير الطين وعزم على التوجه الى قبلي بنفسه وأرسل الباشا فرماتات لسائر الامراء والوجاقلية وأمرهم جميعا فخرجوا جمعيا ونصبوا وطاقاتهم عند المعادى ونزل الباشا وجلس بقصر العيني وطلبوا طلبا عظيما
وفي يوم الجمعة عدى اسمعيل بك الى البر الثاني وترك بمصر عبد الرحمن اغا مستحفظان كتخدا ورضوان بك بلفيا وعثمان بك طبل وابراهيم بك قشطة صهره وحسين بك ومقادم الابواب لحفظ البلد فكان المقادم يدورون بالطوف في الجهات ليلا ونهارا مع هدوء سر الناس وسكون الحال في مدة غياب الجميع
وفي سادس شهر الحجة وصلت مكاتبات من اسمعيل بك ومن الامراء الذين بصحبته بانهم وصلوا الى المنية فلم يجدوا بها أحدا من القبليين وانهم في أسيوط ومعهم اسمعيل أبو علي من كبار الهوارة
وفي سابع عشرة حضر الوجاقلية الذين بالتجريدة وحضر ايضا أيوب اغا وكان عند القبالي فحضر عند اسمعيل بك بامان واستأذنه في التوجه الى بيته ليرى عياله فأذن له وأرسله صحبة الوجاقلية وسبب رجوع الوجاقلية لما رأى اسمعيل بك بعد الامراء وأراد ان يذهب خلفهم فأمرهم بالرجوع للتخفيف وانقضت هذه السنة (1/508)
من مات في هذه السنة من الاعيان
مات الشريف الصالح المرشد الواصل السيد محمد هاشم الاسيوطي ولد بأسيوط وبيتهم يعرف ببيت فاضل نشأ ببلده على قدم الخير والصلاح وحضر دروس الشيخ حسن الجديرى ثم ورد الى مصر فحضر دروس كل من الشيخ محمد البليدى والشيخ محمد الشماوى والشيخ عطية الاجهورى وأخذ الطريق على الشيخ عبد الوهاب العفيفي وكان منقطعا للعبادة متقشفا متواضعا وكان غالب جلوسه بالاشرفية ومسجد الشيخ مطهر
وكان لا يزاحم الناس ولا يداخلهم في احوال دنياهم ولهم فيه اعتقاد عظيم ويذهبون لزيارته ويقتبسون من اشارته واستخارته ويتبركون بأجازته في الاوراد والاسماء
ويسافر لزيارة سيدى أحمد البدوى ثم يعود الى خلوته وربما مكث عند بعض اصدقائه اياما بقصد البعد عن الناس عندما يعلمون استقراره بالخلوة ويزدحمون على زيارته وكان نعم الرجل سمتا وورعا
توفي في سابع شعبان في بيته بالازبكية وصلوا عليه بالازهر ودفن بالمجاورين رحمه الله
ومات الشيخ الامام الاديب الفاضل الفقيه أحد العلماء الاعلام الشيخ محمد بن ابراهيم العوفي المالكي لازم الشمس الحفني وأخاه الشيخ يوسف وحضر دروس الشيخ علي العدوى والشيخ عيسى البراوى وأفتى ودرس
وكان شافعي المذهب فسعى فيه جماعة عند الشيخ الحفني فأحضره وأثبت عليه بخطه ما نقل عنه فتوعده فلحق بالشيخ علي العدوى وانتقل لمذهب مالك وكان رحمه الله عالما محصلا بحاثا متفننا غير عسر البديهة شاعرا ماجنا خليعا ومع ذلك كانت حلقة درسه تزيد على الثلثمائة في الازهر
مات رحمه الله مفلوجا وحين أصابه المرض رجع الى مذهب الشافعي وقرأ ابن قاسم بمسجد قريب من منزله ويحمله الطلبة الى المسجد فيقرأ وهو (1/509)
يتلعثم لتعقد لسانه بالفالج مع ما كان فيه من الفصاحة أولا ثم برىء يسيرا ولم يلبث أن عاوده المرض وتوفي الى رحمة الله تعالى
ومات الاديب الماهر الشيخ رمضان بن محمد المنصورى الاحمدى الشهير بالحمامي سبط آل الباز ولد بالمنصورة وقرأ المتون على مشايخ بلده وانزوى الى شيخ الادب محمد المنصورى الشاعر فرقاه في الشعر وهذبه وبه تخرج وورد الى مصر مرارا وسمعنا من قصائده وكلامه الكثير وله قصائد سنية في المدائح الاحمدية تنشد في الجموع
وبينه وبين الاديب قاسم وعبد القادر المدني محاورات ومداعبات واخبر انه ورد الحرمين من مدة ومدح كلا من الشريف والوزير وأكابر الاعيان بقصائد طنانة كان ينشد منها جملة مستكثرة مما يدل على سعة باعه في الفصاحة
ولم يزل فقيرا مملقا يشكو الزمان واهليه ويذم جني بنيه وبآخرة تزوج امرأة موسرة بمصر وتوجه بها الى مكة فأتاه الحمام وهو في ثغر جدة في سنة تاريخه
ومات الامير يوسف بك الكبير وهو من امراء محمد بك الذهب أقره في سنة ست وثمانين وزوجه باخته وشرع في بناء ولده على بركة الفيل داخل درب الحمام تجاه جامع الماس وكان يسلك اليها من هذا الدرب ومن طرق الشيخ الظلام وكان هذا الدرب كثير العطف ضيق المسالك فأخذ بيوته بعضها شراء وبعضها غصبا وجعلها طريقا واسعة وعليها بوابة عظيمة
واراد ان يجعل امام باب داره رحبة متسعة فعارضه جامع خير بك حديد فعزم على هدمه ونقله الى آخر الرحبة واستمر يعمر في تلك الدار نحو خمس سنوات
واخذ بيت الداودية الذى بجواره وهدمه جميعه وادخله فيها وصرف في تلك الدار اموالا عظيمة فكان يبني الجهة منها حتى يتمها بعد تبليطها وترخيمها بالرخام الدقي الخردة المحكم الصنعة والسقوف والاخشاب والرواشن له شيطانه فيهدمها الى آخرها ويبنيها ثانيا على وضع آخر (1/510)
وهكذا كان دأبه واتفق انه ورد اليه من بلاده القبلية ثمانون الف اردب غلال فوزعها بأسرها على الموانة في ثمن الجبس والجير والاحجار والاخشاب والحديد وغير ذلك
وكان فيه حدة زائدة وتخليط في الامور والحركات ولا يستقر بالمجلس بل يقوم ويقعد ويصرخ ويروق حاله في بعض الاوقات فيظهر فيه بعض انسانية ثم يتغير ويتعكر من ادنى شيء
ولما مات سيده محمد بك وتولى امارة الحج ازداد عتوا وعسفا وانحرافا خصوصا مع طائفة الفقهاء والمتعممين لامور نقمها عليهم منها ان شيخا يسمى الشيخ احمد صادومة وكان رجلا مسنا ذا شيبة وهيبة واصله من سمنود وله شهرة عظيمة وباع طويل في الروحانيات وتحريك الجمادات والسميات ويكلم الجن ويخاطبهم مشافهة ويظهرهم للعيان كما اخبرني عنه من شاهده وللناس اختلاف في شأنه وكان للشيخ الكفراوى به التئام وعشرة ومحبة اكيدة واعتقاد عظيم ويخبر عنه انه من الاولياء وارباب الاحوال والمكاشفات بل يقول انه هو الفرد الجامع ونوه بشأنه عند الامراء وخصوصا محمد بك أبا الذهب فراج حال كل منهما بالآخر
فاتفق ان الامير المذكور اختلى بمحظيته فرأى على سوأتها كتابة فسألها عن ذلك وتهددها بالقتل فأخبرته ان المرأة الفلانية ذهبت بها الى هذا الشيخ وهو الذى كتب لها ذلك ليحببها الى سيدها فنزل في الحال وأرسل فقبض على الشيخ صادومة المذكور وأمر بقتله والقائه في البحر ففعلوا به ذلك وأرسل الى داره فاحتاط بما فيها فأخرجوا منها أشياء كثيرة وتماثيل ومنها تمثال من قطيفة على هيئة الذكر فأحضروا له تلك الاشياء فصار يريها للجالسين عنده والمترددين عليه من الامراء وغيرهم ووضع ذلك التمثال بجانبه على الوسادة فيأخذه بيده ويشير لمن يجلس معه ويتعجبون ويضحكون وعزل الشيخ حسن الكفراوى من افتاء الشافعية ورفع عنه وظيفة المحمدية وأحضر الشيخ أحمد بن يوسف الخليفي وخلع عليه وألبسه فروة وقرره في ذلك عوضا (1/511)
عن الشيخ الكفراوى
واتفق أيضا ان الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ عبد الوهاب العفيفي طلق على زوج بنت أخيه في غيابه على يد الشيخ حسن الجداوى المالكي على قاعدة مذهبه وزوجها من آخر وحضر زوجها من الفيوم وذهب الى ذلك الامير وشكا له الشيخ عبد الباقي في فطلبه فوجده غائبا في منية عفيف فأرسل اليه اعوانا أهانوه وقبضوا عليه ووضعوا الحديد في رقبته ورجليه وأحضروه في صورة منكرة وحبسه في حاصل أرباب الجرائم من الفلاحين
فركب الشيخ علي الصعيدي العدوى والشيخ الجداوى وجماعة كثيرة من المتعممين وذهبوا اليه وخاطبه الشيخ الصعيدي فقال له هذا قول في مذهب المالكية معمول به فقال من يقول ان المرأة تطلق زوجها اذا غاب عنها وعندها ما تنفقه وما تصرفه ووكيله يعطيها ما تطلبه ثم يأتي من غيبته فيجدها مع غيره
فقالوا له نحن أعلم بالاحكام الشرعية
فقال لو رأيت الشيخ الذي فسخ النكاح
فقال الشيخ الجداوى أنا الذي فسخت النكاح على قاعدة مذهبي
فقام على أقدامه وصرخ وقال والله أكسر رأسك
فصرخ عليه الشيخ علي الصعيدي وسبه وقال له لعنك الله ولعن اليسرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك اميرا
فتوسط بينهم الحاضرون من الامراء يسكنون حدته وحدتهم وأحضروا الشيخ عبد الباقي من الحبس فأخذوه وخرجوا وهم يسبونه وهو يسمعهم
واتفق أيضا ان الشيخ عبد الرحمن العريشي لما توفي صهره الشيخ أحمد المعروف بالسقط وجعله القاضي وصيا على اولاده وتركته وكان عليه ديون كثيرة اثبتها اربابها بالمحكمة واستوفوها واخذ عليهم صكوكا بذلك ذهبت زوجة المتوفي الى يوسف بك بعد ذلك بنحو ست سنوات وذكرت له ان الشيخ عبد الرحمن انتهب ميراث زوجها وتواطا مع ارباب الديون وقاسمهم فيما اخذوه فأحضر الشيخ عبد الرحمن وكان اذ ذاك مفتي الحنفية وطالبه بأحضار المخلفات او قيمتها فعرفه انه وزعها (1/512)
على ارباب الديون وقسم الباقي بين الورثة وانقضى امرها وابرز له الصكوك والحجج ودفتر القسام فلم يقبل وفاتحه في عدة مجالس وهو مصر على قوله وطلبه للتركة
ثم احضره يوما وجبسه عند الخازندار فركب شيخ السادات اليه وكلمه في امره وطلبه من محبسه
فلما علم الشيخ عبد الرحمن حضور شيخ السادات هناك رمى عمامته وفراجته وتطور وصرخ وخرج يعدو مسرعا ونزل الى الحوش صارخا بأعلى صوته وهو مكشوف الرأس فلما عاينه يوسف بك وهو يفعل ذلك احتد الآخر وكان جالسا مع شيخ السادات في المقعد المطل على الحوش فقام على اقدامه وصار يصرخ على خدمه ويقول امسكوه اقتلوه ونحو ذلك وشيخ السادات يقول له اى شيء هذا الفعل اجلس يا مبارك وارسل اليه تابعه الشيخ ابراهيم السندوبي فنزل اليه والبسه عمامته وفراجته ونزل الشيخ فركب وأخذه صحبته الى داره وتلافوا القضية وسكتوها ثم حصل منه ما حصل في الدعوى المتقدمة وما ترتب عليها من الفتنة وقفل الجامع وقتل الانفس وثقل أمره على مراد بك واضمر له السوء فلما سافر أميرا بالحج في السنة الماضية قصد مراد بك اغتياله أو نفيه عند رجوعه بالحج واتفق مع أمرائه وضايع القضية وسافر الى جهة الغريبة والمنوفية وعسف في البلاد ويريد أن يجعل عوده على نصف الشهر في أوان رجوع الحج
ووصل الخبر الى يوسف بك فأستعجل الحضور فصار يجعل كل مرحلتين في مرحلة حتى وصل محترسا في سابع صفر حضور مراد بك من سرحته وعندما قرب وصول مراد بك الى دخول مصر ركب يوسف بك في مماليكه وطوائفه وعدده وخرج الى خارج البلد فسعى ابراهيم بك بينهما وصالحهما واستمرت بينهما المنافرة القلبية من حينئذ الى أن حصل ما حصل وانضم الى اسمعيل بك ثم قتله اسمعيل بك بيد حسن بك واسمعيل بك الصغير كما تقدم (1/513)
ومات الامير أغا المعمار وهو من مماليك مصطفى بك المعروف بالقرد وخشداش صالح بك الكبير وكان من الابطال المعروفين والشجعان المعدودين فلما قتل كبيرهم صالح بك استمر في بلاد قبلي على ما يتعلق به من الالتزام ويدفع ما عليه من المال والغلال الى أن استوحش محمد بك أبو الذهب من سيده علي بك وخرج الى الصعيد وقتل خشداشه أيوب بك وتحقق الاجانب بذلك صحة العداوة فأقبلوا على محمد بك من كل جانب برجالهم وأموالهم ومنهم علي أغا المذكور وكان ضخما عظيم الخلقة جهورى الصوت شهما يصدع بالكلام فأنس به محمد بك واكرمه واجتهد هو في نصرته ومناصحته وجمع اليه الامراء والاجناد المنفيين والمطرودين الذين شتتهم علي بك وقتل أسيادهم وكبار الهوارة الذين قهرهم علي بك أيضا واستولى على بلادهم مثل أولادهم وأولاد نصير واولاد وافي واسمعيل أبي علي وابي عبد الله وغيرهم وحضر معه الجميع الى جهة مصر كما تقدم
ولما وصلوا الى تجاه التبين وأبرج لهم علي بك التجريدة وأميرها علي بك الطنطاوى خرج علي اغا هذا الى الحرب هو ومن معه وبأيديهم مساوق غلاظ قصيرة ولها جلب حديد وفي طرفها أزيد من قبضة بها مسامير متينة محددة الرؤوس الى خارج يضربون بها خوذة الفارس ضربة واحدة فتنخسف في دماغه وكانت هذه من مبتكرات المترجم حتى أنه سمى بأبي الجلب
ولما خلصت امارة مصر الى محمد بك جعل كتخداه اسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى المذكور فنقم عليه امورا فأهمله وأحضر علي أغا هذا وخلع عليه وجعله كتخداه فسار في الناس سيرا حسنا ويقضي حوائج الناس من غير تطلع الى شيء ويقول الحق ولو على مخدومه وكان مخدومه أيضا يحبه ويرجع الى رأيه في الامور لما تحققه فيه من المناصحة وعدم الميل الى هوى النفس وعرض الدنيا وكان يجب أهل العلم والفضل والقرآن ويميل بكليته اليهم مع لين الجانب والتواضع وعدم الانفة
ولما (1/514)
أنشأ محمد بك مدرسته المحمدية تجاه الازهر وقرر فيها الدروس كان يحضر معنا المترجم على شيخنا الشيخ علي العدوى في صحيح البخارى مع الملازمة واتخذ لنفسه خلوة بالمدرسة المذكورة يستريح فيها وتأتيه أرباب الحوايج فيقضي لهم أشغالهم وكان يلم بحضرة الشيخ محمد حفيد الاستاذ الحفني ويحبه وأخذ عنه طريق السادة الخلوتية وحضر دروسه مع المودة وحسن العشرة ويحضر ختوم دروس المشايخ ويقرأ عشرا من القرآن بأعلى صوته عند تمام المجلس ومملوكه حسن أغا الذى زوجه ابنته واشتهر بعده وحج المترجم في السنة الماضية في هيئة جليلة وآثار جميلة
وتوفي في وقعة بياضة قتيلا كما تقدم
ومات الامير اسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وهم خمسة أخوة علي بك واسمعيل بك هذا وسليم أنما المعروف بتمرلنك وعثمان وأحمد ولما تأمر علي بك كان اخوته الاربعة باسلامبول مماليك عند بشير أغا القزلار واعتقهم وتسامعوا بامارة أخيهم بمصر فحضر اليه اسمعيل وأحمد وسليم واستمر عثمان باسلامبول وأقام اسمعيل وسليم وأحمد بمصر وعمل اسمعيل كتخدا عند أخيه علي بك وعمل سليم خازندار عند ابراهيم كتخدا أياما ثم قامت عليه مماليكه وعزلوه لكونه أجنبيا منهم وصار لهم امرة وبيوت والتزام
وتزوج اسمعيل بهانم ابنة رضوان كتخدا الجلفي وهي المسماة بفاطمة هانم وذلك أن رضوان كتخدا كان عقد لها على مملوكه علي أغا الذي قلده الصنجقية ولم يدخل بها ولما خرج رضوان كتخدا وخرج معه علي المذكور فيمن خرج كما تقدم وذهب الى بغداد أرسل يطلبها اليه من مصر وارسل لها مع وكيله عشرة آلاف دينار واشياء فلم يسلموا في ارسالها وكتبوا فتوى بفسخ النكاح على قاعدة مذهب مالك وتزوجها اسمعيل أغا هذا وظهر ذكره بها وسكن بها في دار أبيها العظيمة بالازبكية وصار من أرباب الوجاهة
فلما استقل محمد بك أبو الذهب بملك مصر (1/515)
بعد سيده استوزره وجعله كتخداه مدة واراد أن يتزوج بالست سلن محظية رضوان كتخدا وكان تزوج بها أخوه علي بك ومات عنها فصرفه مخدومه محمد بك ابو الذهب وعرفه انها ربما امتنعت عليه مراعاة لها ثم ابنة سيدها فركب محمد بك واتى عند علي أغا كتخدا الجاويشية المجاور لسكنها بدرب السادات وارسل اليها علي أغا فلم يمكنها الامتناع فعقد عليها وماتت هانم بعد ذلك وباع بيت الازبكية لمخدومه محمد بك وبنى داره المجاورة لبيت الصابونجي وصرف عليها اموالا كثيرة واضاف اليها البيت الذى عند باب الهواء المعروف ببيت المرحوم من الشرايبية
وسكنها مدة وزوجه محمد بك سرية من سراريه أيضا ثم باع تلك الدار لايوب بك الكبير وسكنها
ولما سافر محمد بك الى الشام ومحاربة الظاهر عمر ارسل المترجم من هناك الى اسلامبول بهدايا واموال للدولة ومكاتبات بطلب ولاية مصر والشام وأجيب الى ذلك
وكتب له التقليد واعطوه رقم الوزارة وتم الامر وأراد المسير بذلك الى محمد بك فورد الخبر بموته فبطل ذلك ورجع المترجم الى مصر وأقام بها في ثروة الى أن حصلت الوحشة بين اسمعيل بك ويوسف بك والجماعة المحمدية وكانت الغلبة عليهم فقلده اسمعيل بك الصنجقية وقدمه في الامور ونوه بشأنه وأوهمه انه يريد تفويض الامور اليه لما يعلمه فيه من العقل والرئاسة فاغتر بذلك وباشر قتل يوسف بك هو وحسن بك الجداوى كما تقدم وظن ان الوقت صفا له
فأندفع في الرئاسة وازدحمت الرؤوس عليه واخذ في النقض والابرام فعاجله اسمعيل بك وأحاطوا به وقتلوه كما ذكر وكان ذا دهاء ومعرفة وفيه صلابة وقوة جنان وخرم مع التواضع وتهذيب الاخلاق وكان يحب أهل العلم ويكره النصارى كراهة شديدة وتصدى لاذيتهم ايام كتخدائية لمحمد بك وكتب في حقهم فتاوى بنقضهم العهد وخروجهم عن طرائفهم التي أخذ عليهم بها من ايام سيدنا عمر رضي الله عنه ونادى عليهم ومنعهم (1/516)
من ركوب الحمير ولبسهم الملابس الفاخرة وشرائهم الجوارى والعبيد واستخدامهم المسلمين وتقنع نسائهم بالبراقع البيض ونحو ذلك
وكذلك فعل معهم مثل ذلك عندما تلبس بالصنجقية وكان له اعتقاد عظيم في الشيخ محمد الجوهرى ويسعى بكليته في قضاء اشغاله وحوايجه وكان لا بأس به
ومات الامير قاسم كتخدا عزبان وكان من مماليك محمد بك أبي الذهب وتقلد كتخدائية العزب وأمين البحرين وكان بطلا شجاعا موصوفا ومال عن خشداشيته كراهة منه لافعالهم حتى خرج الى محاربتهم وقتل غفر الله له
سنة اثنتين وتسعين ومائة والف
في يوم الخميس سابع المحرم حضر اسمعيل كتخدا عزبان وبعض صناجق اسمعيل بك وفي يوم السبت تاسعه وصل اسمعيل بك وعدى من معادى الخبيرى ودخل الى مصر وذهب الى بيته وكثر الهرج في الناس بسبب حضوره ومن وصل قبله على هذه الصورة
ثم تبين الامر بأن حسن بك الجداوى وخشداشينه وهم رضوان بك وعبد الرحمن بك وسليمان كتخدا وتبعهم حسن بك سوق السلاح واحمد بك شنن وجماعة الفلاح بأسرهم وكشاف ومماليك واجناد ومغاربة خامر الجميع على اسمعيل بك والتفوا على ابراهيم بك ومراد بك ومن معهم فعند ذلك ركب اسمعيل بك بمن معه وطلب مصر حتى وصلها في أسرع وقت وهو في اشد ما يكون من القهر والغيظ
وأصبح يوم الاربعاء فأرسل اسمعيل بك ومنع المعادى من التعدية
وفي يوم الاثنين طلعوا الى القلعة وعملوا ديوانا عند الباشا وحضر الموجودون من الامراء والوجاقلية والمشايخ وتشاوروا في هذا الشأن فلم يستقر الرأى على شيء ونزلوا الى بيوتهم وشرعوا في توزيع امتعتهم (1/517)
وتعزيل بيوتهم واضطربت احوالهم وطلب اسمعيل بك تجار اليها والمباشرين وطلب منهم دراهم سلفة فدخل عليه الخبيرى واخبره بان الجماعة القبليين وصلت اوائلهم الى البساتين وبعضهم وصل الى بر الجيزة بالبر الآخر
فلما تحقق ذلك أمر بالتحميل وخرجوا من مصر شيئا فشيئا من بعد العصر الى رابع ساعة من الليل ونزلوا بالعادلية وذلك ليلة الثلاثاء رابع عشر المحرم وهم اسمعيل بك وصناجقه ابراهيم بك قشطة وحسين بك وعثمان بك طبل وعثمان بك قفا الثور وعلي بك الجوخدار وسليم بك وابراهيم بك طنان وابراهيم أوده باشه وعبد الرحمن اغا مستحفظان واسمعيل كتخدا عزبان ويوسف اغا الوالي وغيرهم وباتت الناس في وجل
واصبح يوم الثلاثاء واشيع خروجهم ووقع النهب في بيوتهم وركبوا في صبح ذلك اليوم وذهبوا الى جهة الشام فكانت مدة امارة اسمعيل بك واتباعه على مصر في هذه المرة ستة اشهر واياما بما فيها من ايام سفره الى قبلي وجوعه
وعدى مراد بك ومصطفى بك وآخرون في ذلك اليوم وكذلك ابراهيم اغا الوالي الذى كان في ايامهم وشق المدينة ونادى بالامان وارسل ابراهيم بك يطلب من الباشا فرمانا بالاذن بالدخول فكتب لهم الباشا فرمانا وأرسله صحبة ولده وكتخدائه وهو سعيد بك
فدخل بقية الامراء يوم الاربعاء ما عدا ابراهيم بك فانه بات بقصر العيني ودخل يوم الخميس الى داره وصحبته اسمعيل ابو علي كبير من كبار الهوارة
وفي يوم الاحد ثامن عشرة طلعوا الى الديوان وقابلوا الباشا وخلع عليهم القدوم ونزلوا الى بيوتهم
وفي يوم الخميس حادى عشرينه طلعوا ايضا الى الديوان فخلع الباشا على ابراهيم بك واستقر في مشيخة البلد كما كان واستقر احمد بك شنن صنجقا كما كان وتقلد عثمان اغا خازندار ابراهيم بك صنجقية وهو الذى عرف بالاشقر وقلدوا مصطفى كاشف المنوفية صنجقية ايضا وعلي كاشف (1/518)
أغات مستحفظان وموسى اغا من جماعة علي بك واليا كما كان ايام سيده
وفي أواخره وردت اخبار بان اسمعيل بك ومن معه وصلوا الى غزة واستقر المذكورون بمصر علوية ومحمدية والعلوية شامخة على المحمدية ويرون المنة لانفسهم عليهم والفضيلة لهم بمخامرتهم معهم ولولا ذلك ما دخلوا الى مصر ولا يمكن المحمدية التصرف في شيء الا بأذنهم ورأيهم بحيث صاروا كالمحجوز عليهم لا يأكلون الا ما فضل عنهم
وفي يوم الخميس ثامن من جمادى الاولى حضر الى مصر ابراهيم بك أوده باشه من غزة مفارقا لاسمعيل بك وقد كان أرسل قبل وصوله يستأذن في الحضور فأذنوا له وحضر وجلس في بيته وتخيل منه رضوان بك وقصد نفيه فالتجأ الى مراد بك وانضم اليه
فلما كان يوم السبت سابع عشر جمادى الاولى ركب مراد بك وخرج الى مرمى النشاب منتفخا من القهر مفكرا في أمره مع العلوية فحضر اليه عبد الرحمن بك وعلي بك الحبشي من العلوية فعندما أراد عبد الرحمن بك القيام عاجله مراد بك ومن معه وقتلوه وفر علي بك الحبشي وغطى رأسه بفوقانيته وانزوى في شجر الجميز فلم يروه
فلما ذهبوا ركب وسار مسرعا حتى دخل على حسن بك الجداوى في بيته وركب مراد بك وذهب الى بيته
واجتمع على حسن بك اغراضه وعشيرته وأحمد بك شنن وسليمان كتخدا وموسى اغا الوالي وحسن بك رضوان امير الحاج وحسن بك سوق السلاح وابراهيم بك بلفيا وكرنكوا في بيت حسن بك الجداوى بالداودية وعملوا متاريس في ناحية باب زويلة وناحية باب الخرق والسروجية والقنطرة الجديدة
واجتمع على مراد بك خشداشينه وعشيرته وهم مصطفى بك الكبير ومصطفى بك الصغير وأحمد بك الكلارجي وركب ابراهيم بك من قبة العزب وطلع الى القلعة وملك الابواب وضرب المدافع على بيت حسن بك الجداوى ووقع الحرب بينهم بطول نهار يوم السبت وغلقت الاسواق والحوانيت (1/519)
وباتوا على ذلك ليلة الاحد ويوم الاحد والضرب من الفريقين في الازقة والحارات رصاص ومدافع وقرابين ويزحفون على بعضهم تارة ويتأخرون اخرى وينقبون البيوت على بعضهم
فحصل الضرر للبيوت الواقعة في حيزهم من النهب والحرق والقتل
ثم ان المحمدية تسلق منهم طائفة من الخليج وطلعوا من عند جامع الحين من بين المتاريس وفتحوا بيت عبد الرحمن أغا من ظاهرة وملكوه وركبوا عليه المدافع وضربوا على بيت الجداوى فعند ذلك عاين العلوية الغلب فركبوا وخرجوا من باب زويلة الى باب النصر والمحمدية خلفهم شاهرين السيوف يخجون بالخيل فلما خرجوا الى الخلاء التقوا معهم فقتل حسن بك رضوان أمير الحاج وأحمد بك شنن وابراهيم بك بلفيا المعروف بشلاق وغيرهم اجناد وكشاف ومماليك وفر حسن بك الجداوى ورضوان بك وكان ذلك وقت القائلة من يوم الاحد وكان يوما شديد الحر
ولم يقتل أحد من المحمديين سوى مصطفى بك الكبير اصابته رصاصة في كتفه انقطع بسببها أياما ثم شفى
وأما حسن بك ورضوان بك فهربا في طائفة قليلة وخرج عليهما العربان فقاتلوهما قتالا شديدا وتفرقا من بعضهما وتخلص رضوان بك وذهب في خاصته الى شيبين الكوم
وأما حسن بك الجداوى فلم تزل العرب تحاوره حتى أضعفوه وتفرق من حوله وشيخ العرب سعد صحصاح يتبعه ثم حلق عليه رتعة شيخ عرب بلي فتقنطر به الحصان في مبلة كتان فقبضوا عليه وأخذوا سلاحه وعروه وكتفوه وصفعه رتيمة على قفاه ووجهه ثم سحبوه بينهم ماشيا على اقدامه وهو حاف وأرسلوا الى الامراء بمصر يخبرونهم بالقبض عليه وكان السيد ابراهيم شيخ بلقس لما بلغه ذلك ركب اليه وخلصه من تلك الحالة وفك كتافه وألبسه ثيابا وأعطاه دراهم ودنانير
فلما بلغ الخبر ابراهيم بك ومراد بك أرسلوا له كاشفا فلما حضر اليه وواجهه لاطفه ثم دخل الى مصر وسار الى بولاق ودخل الى بيت الشيخ (1/520)
أحمد الدمنهوري فركب جماعة كثيرة من المحمدية وذهبوا الى بولاق وطلبوه فامتنع من اجابتهم فلم يجسروا على أخذه قهرا من بيت الشيخ فداخله الوهم وطلع الى السطح ونط الى سطح آخر ولم يزل حتى نزل بالقرب من وكالة الكتان فصادف بعض المماليك فضربه وأخذ حصانه وركبه وذهب رامحا بمفرده واشيع هروبه فركبت الاجناد وحلقوا عليه الطرق فصار يقاتل من يدركه ولم يجد طريقا مسلوكا الى الخلاء فدخل المدينة وذهب الى بيت ابراهيم بك فوجده جالسا مع مراد بك فاستجار بابراهيم بك فأجاره وأمنه ومكث في بيته خمسة أيام وهو كالمختل في عقله مما قاساه من معاينة الموت مرارا
ثم رسموا له أن يذهب الى جدة وأرسلوه الى السويس في يوم الاربعاء ثامن عشرين جمادى الاولى في محفة
فلما انزل بالمركب أمر الريس أن يذهب به الى القصير فامتنع فأراد قتله فذهب بالمركب الى القصير فطلع الى الصعيد وأما حسن بك سوق السلاح فانه التجأ الى حريم ابراهيم بك وعلي بك الحبشي وسليمان كتخدا دخلا الى مقام سيدي عبد الوهاب الشعراني وحمزة بك ذهب الى بيته لكونه كان بطالا فلم يداخله الرعب كغيره وهرب موسى أغا الوالي الى شبرا
ثم أنهم رسموا بنفي علي بك الحبشي وحسن بك وسليمان كتخدا الى رشيد وأحضروا موسى أغا الوالي الى بيته بشفاعة علي أغا مستحفظان وأرسلوا لرضوان بك الاذن بالاقامة في شيبين وبنى له بها قصرا على البحر وجلس فيه وانقضت هذه الحادثة الشنيعة
وفي يوم الخميس غاية جمادى الاولى عملوا ديوانا بالقلعة وقلدوا ايوب بك الكبير صنجقية وكان اسمعيل بك رفعها عنه ونفاه الى دمياط ثم نقله الى طندتا فلما رجع خداشينه مع العلوية طلبوه الى مصر وأرادوا رد صنجقيته فلم يرض حسن بك الجداوى فأقام بمصر معزولا حتى (1/521)
وقعت هذه الحادثة فرجع كما كان
وقلدوا أيوب بك كاشف خازندار محمد بك أبي الذهب كما كان صنجقية أيضا وعرف بك الصعيد وقلدوا سليمان بك أبا نبوت صنجقية أيضا كما كان وقلدوا ابراهيم أغا الوالي سابقا صنجقية وركبوا في مواكبهم الى بيوتهم وضربت لهم الطبلخانات
وفي يوم الخميس سابع جمادى الثانية طلعوا الى الديوان وقلدوا سليمان أغا مستحفظان سابقا صنجقية وقلدوا يحيى أغا خازندار مراد بك صنجقية أيضا وقلدوا على أغا خازندار ابراهيم بك صنجقية أيضا وهو الذى عرف بعلي بك أباظة
وفيه حضر الى مصر سليمان كتخدا الشرايبي كتخدا اسمعيل بك وعلى يده مكاتبة من اسمعيل بك مضمونها يريد الاذن يالتوجه الى أخميم أو الى السرور رأس الخليج يقيم هناك ويبقى ابراهيم بك قشطة بمصر رهينة ويكون وكيله في تعلقاته وقبض فائظه والصلح أحسن وأولى فعملوا ديوانا واحضروا المشايخ والقاضي وعرضوا عليهم تلك المكاتبة وتشاوروا في ذلك فانحط الرأى بان يرسلوا له جوابا بالسفر الى جدة من السويس ويطلقوا له في كل سنة اربعين كيسا وستة آلاف اردب غلال وحبوب وان يرسل ابراهيم بك صهره كما قال الى مصر ويكون وكيلا عنه ومن بصحبته من الامراء يحضرون الى مصر بالامان ويقيمون برشيد ودمياط والمنصورة ونحو ذلك وارسلوا المكاتبة صحبة سليم كاشف تمرلنك اخي اسمعيل بك المقتول وآخرين
وفيه رسموا بنفي ابراهيم بك أوده باشه وسليمان كتخدا الشرايبي وكان اشيع تقليد ابراهيم بك الصنجقية في ذلك اليوم وتهيأ لذلك وحضر في الصباح عند ابراهيم بك فلما دخل رأى عنده مراد بك فاختليا معه فأخرج ابراهيم بك من جيبه مكتوبا مسكوه عليه من اسمعيل (1/522)
بك خطابا له مضمونه انه بلغنا ما صنعت في ايقاع الفتنة بين الجماعة وهلاك الطائفة الخائنة وفيه ان يأخذ من الرجل المعهود كذا من النقود يوزعها على جهات كناها له وربنا يجمعنا في خير
فلما تناوله من ابراهيم بك وقرأه قال في الجواب كل منكم لا يجهل مكايد اسمعيل بك وانكر ذلك بالكلية
فلم يقبلوا عذره ولم يصدقوه وقام وذهب الى بيته
فأرسلوا خلفه محمد كتخدا اباظة فأخذه وصحبته مملوكين فقط ونزل به الى بولاق ونفوه الى رشيد وكذلك نفوا سليمان كتخدا الشرايبي واحتاطوا بموجود ابراهيم بك
وفي يوم الاثنين حادى عشر جمادى الثانية وصل ابراهيم باشا والي جدة وذهب الى العادلية وجلس هناك بالقصر حتى شهلوه وسفروه الى السويس بعد ما ذهبوا اليه وودعوه وكان سفره يوم الاحد سابع عشر جمادى الثانية
وفي ذلك اليوم حضر جماعة من الاجناد من ناحية غزة من الذين كانوا بصحبة اسمعيل بك
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرة ركب الامراء وطلعوا الى باب الينكجرية والعزب وارسلوا الى الباشا كتخدا الجاويشية واغات المتفرقة والترجمان وكاتب حوالة وبعض الاختيارية يأمرونه بالنزول الى بيت حسن بك الجداوى وهو بيت الداودية
فلما قالوا له ذلك طلعوا الى حوش الديوان واجتمعوا به حتى امتلأ منهم فارتعب الباشا منهم فركب من ساعته ونزل من القلعة الى بيت الداودية واحضروا الجمال وعزلوا متاعه في ذلك اليوم فكانت مدة ولايته سنتين وثلاثة أشهر
وفي يوم الجمعة حادى عشرين شهر رجب الموافق لعاشر مسري القبطي كان وفاء النيل المبارك
وفي يوم الاثنين ثاني عشرين شهر شعبان حضر من اخبر ان جماعة من الاجناد حضروا من ناحية غزة وصحبتهم عبد الرحمن اغا مستحفظان (1/523)
على الهجن ومروا من خلف الجرة وذهبوا الى قبلي وتخلف عنهم عبد الرحمن أغا في حلوان لغرض من الاغراض ينتظره من مصر فركب من ساعته مراد بك في عدة وذهبوا الى حلوان ليلا على حين غفلة واحتاطوا بها وبدار الاوسية وقبضوا على عبد الرحمن اغا وقطعوا رأسه ورجع مراد بك وشق المدينة والرأس أمامه على رمح ثم أحضروا جثته الى بيته الصغير بالكعكيين وغسلوه وكفنوه وخرجوا بجنازته وصلوا عليه بالمارداني
ثم الحقوا به الرأس في الرميلة ودفنوه بالقرافة
ومضى أمره وزاد النيل في هذه السنة زيادة مفرطة حتى انقطعت الطرقات من كل ناحية واستمر الى آخر توت
وفي اواخر رمضان هرب رضوان بك على من شيبين الكوم وذهب الى قبلي فلما فعل ذلك عينوا ابراهيم بك الوالي فنزل الى رشيد وقبض على علي بك الحبشي وسليمان كتخدا وقتلهما وأما ابراهيم بك أوده باشه فهرب الى القبطان واستجار به
وفي تاسع عشر شوال خرج المحمل والحجاج صحبة أمير الحاج رضوان بك بلفيا وسافر من البركة في يوم الثلاثاء سابع عشرين شوال
وفيه جاءت الاخبار بورود اسمعيل باشا والي مصر الى سكندرية
وفي يوم الخميس تاسع عشرين شوال ركب محمد باشا عزت من الداودية وذهب الى قصر العيني ليسافر
وفي يوم الاثنين ثالث ذى القعدة نزل الباشا في المراكب وسافر الى بحرى
وفي منتصف شهر القعدة المذكور نزل أرباب العكاكيز وهم علي أغا كتخدا جاوجان واغات المتفرقة والترجمان وكاتب حوالة وأرباب الخدم وسافروا لملاقاة الباشا الجديد (1/524)
من مات في هذه السنة من أعيان العلماء والمشاهير
مات الشيخ الامام العلامة المتفنن اوحد الزمان وفريد الاوان أحمد ابن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهورى المذاهبي الازهرى ولد بدمنهور الغريبة سنة 1101 وقدم الازهر وهو صغير يتيم لم يكلفه أحد فاشتغل بالعلم وجال في تحصيله واجتهد في تكميله وأجازه علماء المذاهب الاربعة وكانت له حافظة ومعرفة في فنون غريبة وتآليف وأفتى على المذاهب الاربعة ولكن لم ينتفع بعلمه ولا بتصانيفه لبخله في بذله لاهله ولغير أهله وربما يبيح في بعض الاحيان لبعض الغرباء فوائد نافعة وكان له دروس في المشهد الحسيني في رمضان يخلطها بالحكايات وبما وقع له حتى يذهب الوقت
وولي مشيخة الجامع الازهر بعد وفاة الشيخ الحفني وهابته الامراء لكونه كان قوالا للحق إمارا بالمعروف سمحا بما عنده من الدنيا
وقصدته الملوك من الاطراف وهادته بهدايا فاخرة وسائر ولاة مصر من طرف الدولة كانوا يحترمونه وكان شهير الصيت عظيم الهيبة منجمعا عن المجالس والجمعيات
وحج سنة 1177 مع الركب المصرى واتى رئيس مكة وعلماؤها لزيارته وعاد الى مصر
وتوفي يوم الاحد عاشر شهر رجب من السنة المذكورة وكان مسكنه ببولاق وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل جدا وقرىء نسبه الى أبي محمد البطل الغازى ودفن بالبستان وكان آخر من أدركنا من المتقدمين
ومات الامام العلامة المحقق والفهامة المدقق شيخنا الشيخ مصطفى ابن محمد بن يونس الطائي الحنفي ولد بمصر سنة 1138 وتفقه على والده وبه تخرج وبعد وفاة والده تصدر في مواضعه ودرس وافتى وكان اماما ثبتا متقنا مستحضرا مشاركا في العلوم والرياضيات فرضيا حيسوبا وله مؤلفات كثيرة في فنون شتى تدل على رسوخه وكتب شرحا على الشمائل (1/525)
وحاشية على الاشموني اجاد فيها وكان رأسا في العلوم والمعارف توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات سيدي ابو مفلح احمد بن ابي الفوز بن الشهاب أحمد بن أبي العز محمد بن العجمي ويعرف بالشيشيني وكان كاتب الكني بمنزل السادات الوقائية وكان انسانا حسنا بهيا ذا تودد ومرؤة وعنده كتب جيدة يعير منها لمن يثق به للمطالعة والمراجعة
توفي يوم السبت آخر المحرم
ومات شيخنا الامام القطب وجيه الدين أبو المراحم عبد الرحمن الحسيني العلوى العيدروسي التريمي نزيل مصر ولد بعد الغروب ليلة الثلاثاء تاسع صفر سنة 1135 ووالده مصطفى بن شيخ بن علي زين العابدين ابن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن القطب الاكبر عبد الله العيدروس بن أبي بكر السكران بن القطب عبد الرحمن السقاف ابن محمد مولى الدويلة بن علي بن علوى بن محمد مقدم التربة بتريم ابن علي بن محمد بن علي بن علوى بن محمد بن علوى بن عبد الله بن أحمد العراقي بن عيسى النقيب بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة ابنة عبد الله الباهر ابن مصطفى بن زين العابدين العيدروس نشأ على عفة وصلاح في حجر والده وجده وأجازه والده وجده وألبساه الخرقة وصافحاه وتفقه على السيد وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه وأجازه بمروياته
وفي سنة 1153 توجه صحبة والده الى الهند فنزلا بندر الشحر واجتمع بالسيد عبد الله بن عمر المحضار العيدروس فتلقن منه الذكر وصافحه وشابكه وألبسه الخرقة وأجازه اجازة مطلقة مع والده ووصلا بندر سورت واجتمع بأخيه السيد عبد الله الباصر وزارا من بها من القرابة والاولياء ودخلا مدينة بروج فزارا محضار الهند السيد أحمد بن الشيخ العيدروس (1/526)
وذلك ليلة النصف من شعبان سنة واحد وستين
ثم رجعا الى سورت وتوجه والده الى تريم وترك المترجم عند أخيه وخاله زين العابدين ابن العيدروس
وفي أثنناء ذلك رجع الى بلاد جادة وظهرت له في هذه السفرة كرامات عدة ثم رجع الى سورت وأخذ اذ ذاك من السيد مصطفى ابن عمر العيدروس والحسين بن عبد الرحمن بن محمد العيدروس والسيد محمد فضل الله العيدروس اجازة السلاسل والطرق وألبسه الخرقة ومحمد فاخر العباسي والسيد غلام علي الحسيني والسيد غلام حيدر الحسيني والبارع المحدث حافظ يوسف السورتي والعلامة عزيز الله الهندى والعلامة غياث الدين الكوكبي وغيرهم وركب من سورت الى اليمن فدخل تريم وجدد العهد بذوى رحمه وتوجه منها الى مكة للحج وكانت الوقفة نهار الجمعة
ثم زار جده صلى الله عليه و سلم وأخذ هناك عن الشيخ محمد حياة السندى وأبي الحسن السندى وابراهيم بن قيض الله السندى والسيد جعفر بن محمد البيتي ومحمد الداغستاني ورجع الى مكة فأخذ عن الشيخ السند السيد عمر بن أحمد وابن الطيب وعبد الله ابن سهل وعبد الله بن سليمان ما جرمي وعبد الله بن جعفر مدهور ومحمد باقشير ثم ذهب الى الطائف وزار الحبر بن عباس ومدحه بقصائد واجتمع اذ ذاك بالشيخ السيد عبد الله ميرغني وصار بينهما الود الذى لا يوصف
وفي سنة ثمان وخمسين أذن له بالتوجه الى مصر فنزل الى جدة وركب منها الى السويس ومصر هرعت اليه اكابر مصر من العلماء والصلحاء وأرباب السجاجيد والامراء وصارت له معهم المطارحات والمذاكرات ما هو مذكور في رحلته وجمع حواسه لنشر الفضائل واخلاها عن السوى وهرعت اليه الفضلاء للاخذ والتلقي وتلقي هو عن كل من الشيخ الملوى والجوهرى والحفني واخيه يوسف وهم تلقوا عنه تبركا وصار أوحد وقته حالا وقالا مع تنويه الفضلاء به وخضعت له أكابر الامراء على اختلاف طبقاتهم (1/527)
وصار مقبول الشفاعة عندهم لا ترد رسائله ولا يرد سائله وطار صيته في المشرق والمغرب
وفي اثناء هذه المدة تعددت له رحلات الى الصعيد الاعلى والى طندتا والى دمياط والى رشيد واسكندرية وفوة وديروط واجتمع بالسيد علي الشاذلي وكل منهما أخذ عن صاحبه
وزار سيدى ابراهيم الدسوقي وله في كل هؤلاء قصائد طنانة
ثم سافر الى الشام فتوجه الى غزة ونابلس ونزل بدمشق ببيت الجناب حسين افندى المرادى وهرعت اليه علماء الشام وأدباؤها وخاطبوه بمدائح واجتمع بالوزير عثمان باشا في ليلة مولد النبي صلى الله عليه و سلم في بيت السيد علي افندى المرادى ثم رجع الى بيت المقدس وزار وعاد الى مصر وتوجه الى الصعيد ثم عاد الى مصر وزار السيد البدوى ثم ذهب الى دمياط
كعادته في كل مرة ثم رجع الى مصر ثم توجه الى رشيد ثم الاسكندرية ومنها الى اسلامبول فحصل له بها غاية الحظ والقبول ومدح بقصائد وهرعت اليه الناس أفواجا ورتب له في جوالي مصر كل يوم قرشان ولم يمكث بها الا نحو أربعين يوما وركب منها الى بيروت ثم الى صيدا ثم الى قبرص ثم الى دمياط وذلك غاية شعبان سنة تسعين
ثم دخل المنصورة وبات بها ليلة ثم دخل مصر في سابع عشر رمضان
وكان مدة مكثه في الهند عشرة أعوام وحج سبع عشرة مرة منها ثلاث بالجمعة وسفره من الحجاز الى مصر ثلاث مرات وللصعيد ست مرات ولدمياط ثمان مرات
ولم يزل يعلو ويرقى الى ان توفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر محرم من هذه السنة وخرجوا بجنازته من بيته الذى تحت قلعة الكبش بمشهد حافل وصلي عليه بالجامع الازهر وقرىء نسبه على الدكة وصلي عليه اماما الشيخ أحمد الدردير ودفن بمقام ولي الله العتريس تجاه مشهد السيدة زينب ورثي بمرات كثيرة ربما يأتي ذكرها في تراجم العصريين ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
ومات الوجيه المبجل عبد السلام أفندى بن أحمد الازرجاني مدرس (1/528)
المحمودية كان اماما فاضلا محققا له معرفة بالاصول قرأ العلوم ببلاده وأتقن في المعقول والمنقول وقدم مصر ومكث بها مدة ولما كمل بناء المدرسة المحمودية بالحبانية تقرر مدرسا فيها وكان يقرأ فيها الدرر لمنلاخسرو وتفسير البيضاوي ويورد ابحاثا نفيسة
وكان في لسانه جبسة وفي تقريره عسر وبأخرة تولى امامتها وتكلف في حفظ بعض القرآن وجوده على الشيخ عبد الرحمن الاجهوري المقرىء وابتنى منزلا نفيسا بالقرب من الخلوتي وكان له تعلق بالرياضيات وقرأ على المرحوم الوالد أشياء من ذلك واقتنى آلات فلكية نفيسة بيعت في تركته
مات بعد أن تعلل بالحصبة اياما في يوم الثلاثاء سادس جمادى الاولى من السنة ولم يخلف بعده في المحمودية مثله وجاهة وصرامة واحتشاما وفضيلة رحمه الله
ومات الامام العلامة والحبر الفهامة الشيخ أحمد بن عيسى بن أحمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى الشافعي البراوى ولد بمصر وبها نشأ وقرأ الكثيرى على والده وبه تفقه وحضر دروس مشايخ الوقت في المعقول والمنقول وتمهروا نجب وعد من ارباب الفضائل
ولما توفي والده أجلس مكانه بالجامع الازهر واجتمع عليه طلبة أبيه وغيرهم واستمرت حلقة درس والده على ما هي عليها من العظم والجلالة والرونق وافادة الطلبة وكان نعم الرجل صلاحا وصرامة
توفي بطندتا في ليلة الاربعاء ثالث شهر ربيع الاول فجأة وجيء به الى مصر فغسل في بيته وصلي عليه بالازهر ودفن عند والده بتربة المجاورين رحمه الله
ومات الوجيه المبجل بقية السلف سيدى عامر بن الشيخ عبد الله الشبراوى تربى في عز ودلال وسيادة ورفاهية وكان نبيلا الا انه لم يلتفت الى تحصيل المعارف والعلوم ومع ذلك كان يقتني الكتب النفيسة ويبذل فيها الرغائب واستكتب عدة كتب بخط المرحوم الشيخ حسن الشغراوى المكتب وهو في غاية الحسن والنورانية
ومن ذلك مقامات الحريرى (1/529)
وشروحها للزمزمي وغيره وجلدها وذهبها ونقشوا اسمه في البصمات المطبوعة في نقش الجلود بالذهب وعندى بعض على هذه الصورة ورسم باسمه الشيخ محمد النشيلي عدة آلات فلكية وارباع وبسائط وغير ذلك واعتنى بتحريرها واتقانها وأعطاه في نظير ذلك فوق مأموله وحوى من كل شيء أظرفه وأحسنه من ان الذى يرى ذاته يظنه غليظ الطبع
توفي رحمه الله يوم الجمعة تاسع عشرين المحرم من السنة
ومات العلامة الفقيه الفاضل الشيخ محمد سعيد بن محمد صفر ابن محمد بن أمين المدني الحنفي نزيل مكة والمدرس بحرمها تفقه على جماعة من فضلاء مكة وسمع الحديث على الشيخ محمد بن عقيلة والشيخ تاج الدين القلعي وطبقتهما وبالمدينة على الشيخ أبي الحسن السندى الكبير وغيره وكان حسن التقرير لما يمليه في دروسه حضره السيد العيدروس في بعض دروسه وأثنى عليه
وفي آخر عمره كف بصره حزنا على فقد ولده
وكان من نجباء عصره أرسله الى الروم وكان زوجا لابنة الشيخ ابن الطيب فغرق في البحر
وفي أثناء سنة 1174 ورد مصر ثم توجه الى الروم على طريق حلب فقرأ هناك شيئا من الحديث وحضره علماؤها ومنهم الشيخ السيد أحمد بن محمد الحلوى وذكره في جملة شيوخه واثنى عليه ورجع الى الحرمين وقطن بالمدينة المنورة
ومن مؤلفاته الاربعة أنهار في مدح النبي المختار صلى الله عليه و سلم وله قصيدة مدح بها الشيخ العيدروس
ولما حج الشيخ أحمد الحلوى في سنة تسعين اجتمع به بالمدينة المنورة وذاكره بالعهد القديم فهش له وبش واستجاز منه ثانيا فأجازه ولم يزل على حاله المرضية من عبادة وافادة حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامير عبد الرحمن أغا أغات مستحفظان وهو من مماليك ابراهيم كتخدا وتقلد الاغاوية في سنة سبعين كما تقدم واستمر فيها الى (1/530)
سنة تسع وسبعين
فلما نفي علي بك النفية الاخيرة عزله خليل بك وحسين بك وقلدوا عوضه قاسم أغا فلما رجع علي بك ولاه ثانيا وتقلد قاسم أغا صنجقا فاستمر فيها الى سنة ثلاث وثمانين فعزله وقلد عوضه سليم أغا الوالي وقلد موسى أغا واليا عوضا عن سليم المذكور وكلاهما من مماليكه
وأرسل المترجم الى غزة حاكما وأمره أن يتحيل على سليط
ويقتله
وكان رجلا ذا سطوة عظيمة وفجور فلم يزل يعمل الحيلة عليه حتى قتله في داره وأرسل برأسه الى علي بك بمصر وهي أول نكتة تمت لعلي بك بالشام وبها طمع في استخلاص الشام فلما حصلت الوحشة بين محمد بك وسيده علي بك انضوى الى محمد بك
فلما استبد بالامر قلده أيضا الاغاوية فاستمر فيها مدته
ولما مات محمد بك انحرف عليه مراد بك وعزله وولى عوضه سليمان أغا وذلك في سنة تسعين ولما وقعت المنافرة بين اسمعيل بك والمحمدية انضم الى اسمعيل بك ويوسف بك واجتهد في نصرتهما وصار يكر ويفر ويجمع الناس ويعمل المتاريس ويعضد المتاريس ويعمل الحيل والمخادعات ويذهب ويجيء الليل والنهار حتى تم الامر وهرب ابراهيم بك ومراد بك واستقر اسمعيل بك ويوسف بك فقلداه الاغاوية أيضا فاستمر فيها مدته فلما خرج اسمعيل بك الى الصعيد محاربا للمحمديين تركه فاستقل بأحكامها وكذلك مدة غياب محمد بك بالشام
فلما خان العلوية اسمعيل بك وانضموا الى المحمدية ورجع اسمعيل بك على تلك الصورة كما ذكر خرج معه الى الشام الى ان تفرق أمرهم فأراد التحول الى جهة قبلي فأنضم معه كثير من الاجناد والمماليك وساروا الى أن وصلوا قريبا من العادلية فأرسل مملوكا له أسود ليأتيه بلوازم من داره ويأتيه بحلوان فانه ينتظره هناك وحلوان كانت في التزامه وعدى مع الجماعة من خلف الجبل ونزلوا بحلوان وركبوا وساروا وتخلف هو عنهم للقضاء المقدر ينتظر خادمه فبات (1/531)
هناك
وحضر بعض العرب وأخبر مراد بك فأرسل الرصد لذلك العبد وركب هو في الحال وأتاه الرصد بالعبد في طريق ذهابه فأستخبره فأعلمه بالحقيقة بعد التنكر فسار مستعجلا الى ان أتى حلوان واحتاط بها وهجمت طوائفه على دوار الاوسية وأخذوه قبضا باليد وعروه ثيابه حتى السراويل وسحبوه بينهم عريانا مكشوف الرأس والسوأتين وأحضروه بين يدي مراد بك فلما وقعت عينيه عليه أمر بقطع يديه وسلموه لسواس الخيل يصفعونه ويضربونه على وجهه ثم قطعوا رقبته حزا بسكين ويقولون له انظر قرص البرغوث يذكرونه قوله لمن كان يقتله لا تخف يا ولدى انما هي كقرصة البرغوث ليسكن روع المقتول على سبيل الملاطفة
فكانوا يقولون ذلك على سبيل التبكيت
ودخل مراد بك في صبحها برأسه امامه على رمح ودفن كما ذكر ولم يأت بعده في منصبه من يدانيه في سياسة الاحكام والقضايا والتحيلات على المتهومين حتى يقروا بذنوبهم وكان نقمة الله على المعاكيس وخصوصا الخدم الأتراك المعروفين بالمسراجين
واتفق له في مبادى ولايته انه تكرر منه اذيتهم فشكوا منه الى حسين بك المقتول فخاطبه في شأنهم فقال له هؤلاء أقبح خلق الله وأضرهم على المسلمين وأكثرهم نصارى ويعملون أنفسهم مسلمين ويخدمونكم ليتوصلوا بذلك الى ايذاء المسلمين وان شككت في قولي أعطني اذنا بالكشف عليهم لا ميز المختون من غيره
فقال له الصنجق
افعل ما بدا لك
فلما كان في ثاني يوم هرب معظم سراجين الصنجق ولم يتخلف منهم الا من كان مسلما ومختونا وهو القليل فتعجب حسين بك من فطانته ومن ذلك الوقت لم يعارضه في شيء يفعله وكذلك علي بك ومحمد بك
ولما خالف محمد بك على سيده وانفصل عنه وذهب الى قبلي وانضم اليه خشداشة أيوب بك وتعاقدا وتحالفا على المصحف والسيف ونكث ايوب بك العهدوقضى محمد بك عليه بقطع يده ولسانه ارسل اليه عبد الرحمن (1/532)
أغا هذا ففعل به ذلك ولما حضر اليه ليمثل به ودخل اليه وصحبته الجلاد وصار يقول للجلاد ارفق بسيدي ولا نؤلمه ونحو ذلك
ولما ملك محمد بك ودخل مصر أرسله الى عبد الله بك كتخدا الباشا الذى خامر على سيده وانضم الى علي بك فذهب اليه وقيض عليه ورمى عنقه في وسط بيته ورجع برأسه الى مخدومه وباشر الحسبة مدة مع الاغاوية
وكان السوقة يحبونه وتولى ناظرا على الجامع الازهر مدة وكان يحب العلماء ويتأدب مع أهل العلم ويقبل شفاعاتهم وله دهقنة وتبصر في الامور وعنده قوة فراسة وشدة حزم حتى غلب القضاء على حزمة عفا الله عنه
ومات الامير عبد الرحمن بك وهو من مماليك علي بك وصناجقة الذين أمرهم ورقاهم فهو خشداش محمد بك ابي الذهب وحسن بك الجداوي وأيوب بك ورضوان بك وغيرهم
وكان موصوفا بالشجاعة والاقدام فلما انقضت أيام علي بك وظهر أمر محمد بك خمل ذكره مع خشدشينه الى أن حصلت الحادثة بين المحمديين واسمعيل بك فرد لهم امرياتهم الا عبد الرحمن هذا فبقى على حاله مع كونه ظاهر الذكر
فلما كان يوم قتل يوسف بك وكان هو أول ضارب فيه
وهرب في ذلك اليوم من بقى من المحمدية وأخرج باقيهم منفيين ردوا له صنجقيته كما كان ثم طلع مع خشداشينه لمحاربتهم بقبلي ثم والسوا على اسمعيل بك وانضموا اليهم ودخلوا معهم الى مصر كما ذكر
ثم وقع بينهم التحاقد والتزاحم على انفاذ الامر والنهي وكان اعظم المتحاقدين عليهم مراد بك وهم له كذلك وتخيل الفريقان من بعضهم البعض ودخل المحمدية الخوف الشديد من الطلوية الى أن صاروا لا يستقرون في بيوتهم فلازموا الخروج الى خارج المدينة والمبيت بالقصور
وخرج ابراهيم بك واتباعه الى جهة العادلية ومراد بك واتباعه الى جهة مصر القديمة
فلما كان يوم السبت سابع عشر جمادى الاولى اصبح مراد بك منتفخ الاوداج من القهر فاختلى مع من (1/533)
يركن اليهم من خاصته وقال لهم اني عازم في هذا اليوم على طلب الشر مع الجماعة
وقالوا وكيف نفعل
قال نذهب الى مرمى النشاب ولا بد أن يأتينا منهم من يأتي فكل من حضر عندنا منهم قتلناه ويكون ما يكون بعد ذلك
ثم ركب ونزل بمصاطب النشاب وجلس ساعة فحضر اليه عبد الرحمن بك المذكور وعلي بك الحبشي فجلسا معه حصة ومراد بك يكرر لاتباعه الاشارة بضربهما وهم يهابون ذلك ففطن له سلحدار عبد الرحمن بك فغمز سيده برجله فهم بالقيام فابتدره مراد بك وسحب بالته وضربه في رأسه فسحب الآخر بالته واراد ان يضربه فألقى بنفسه من فوق المصطبة الى اسفل وعاجل أتباع عبد الرحمن بك وقتلوه
وفي وقت الكبكبة غطى علي بك الحبشي رأسه بجوخته واختفى في شجر الجميز وركب في الحال مراد بك وجمع عشيرته وأرسل الى ابراهيم بك فحضر من القبة الى القلعة وكان ما ذكر واستمر عبد الرحمن بك مرميا بالمصطبة حتى حضر اليه اتباعه وشالوه ودفنوه بالقرافة
ومات الامير أحمد بك شنن واصله مملوك الشيخ محمد شنن المالكي شيخ الازهر فحصل بينه وبين ابن سيده وحشة ففارقه ودخل في سلك الجندية وخدم علي بك واحبه ورقاه وأمره الى أن قلده كتخدا الجاويشية فلم يزل منسوبا اليه ومنضما الى اتباعه
وتقلد الصنجقية وصاهره حسن بك الجداوى وتزوج بأبنته وبنى لها البيت بدرب سعادة ولم يزل حتى قتل في هذه الواقعة وكان فيه لين جانب ظاهري ويعظم اهل العلم ويظهر لهم المحبة والتواضع
ومات الامير ابراهيم بك طنان وهو من مماليك حسن افندي مملوك ابراهيم أفندي المسلماني وكانوا عدة وعزوة معروفين ومشهورين في البيوت القديمة ومنهم مصطفى جربجي وأحمد جربجي
ثم لما ظهر أمر علي بك انتسبوا اليه وخرجوا مع محمد بك عندما ذهب لمحاربة خليل بك (1/534)
وحسين بك كشكش ومن معهم بناحية المنصورة فوقع في المقتلة احمد جربجي المذكور وأعجب بهم محمد بك في تلك الواقعة فأحبهم وضمهم اليه ولازموه في الأسفار والحروبات
ولما خالف علي سيده علي بك وهرب الى الصعيد خرجوا معه كذلك ومات مصطفى جربجي على فراشه بمصر أيام علي بك وصار كبيرهم والمشار اليه فيهم ابراهيم جربجي
فلما محمد بك وتعين في رياسة مصر قلده صنجقا ونوه بشأنه وانعم عليه واعطاه بلادا مضافة الى بلاده منها سندبيس ومنية حلفة وباقي الامانة
وكان عسوفا ظالما الفلاحين لا يرحمهم وله مقدم من أقبح خليقة الله من منية حلفة فيغرى بالفلاحين ويسجنهم ويعذبهم ويستخلص لمخدومه منهم الاموال ظلما وعداونا
فلما حصلت تلك الحادثة وهرب ابراهيم بك المذكور مع اسمعيل بك اجتمع الفلاحون على ذلك المقدم وقتلوه وحرقوه بالنار
وكان ابراهيم بك هذا ملازما على زيارة ضرائح الاولياء في كل جمعة يركب بعد صلاة الصبح الى القرافة ويزور قبور البستان وقبور اسلافه ثم يذهب الى زيارة الشافعي ويخرج منه ماشيا فيزور الليث وما جاوزهما من المشاهد المعروفة كيحيى الشييه والسادات الثعالبة والعز وابن حجر وابن جماعة وابن ابي جمرة وغير ذلك وكان هذا دأبه في كل جمعة
ولما وقعت الحوادث خرج مع اسمعيل بك الى غزة فلما سافر اسمعيل بك ونزل البحر تخلف عنه ومات ببعض ضياع الشام وظهر له بمصر ودائع اموال لها صورة
ومات الامير ابراهيم بك بلفيا المعروف بشلاق وهو مملوك عبد الرحمن أغا بلفيا بن ابراهيم بك وعبد الرحمن أغا هذا هو أخو خليل بك
وكان علي بك ضمه اليه وأعجبه شجاعته فقلده صنجقا وصار من جملة صناجقه وامرائه ومحسوبا منهم
فلما حصلت هذه الحادثة كان فيهم وقتل معهم
ومات الامير الكبير حسن بك رضوان أمير الحاج وهو مملوك عمر بك بن حسين رضوان تقلد الصنجقية بعد موت سيده وجلس في بيته (1/535)
وطلع اميرا بالحج سنة ثمان وسبعين وتسع وسبعين وعمل دفتردار مصر ثم عزل عنها وطلع بالحج في سنة احدى وثمانين وسنة اثنتين وثمانين وقلد رضوان بك مملوكه صنجقا
فلما تملك علي بك نفى رضوان بك هذا فيمن نفاهم في سنة واحد وثمانين ثم رده ثم نفاه مع سيده بعد رجوعه من الحج في سنة ثلاث وثمانين الى مسجد وصيف ثم نقل الى المحلة الكبرى فأقام بها الى سنة احدى وتسعين فكانت مدة اقامته بالمحلة نحو ثمان سنين
فلما تملك اسمعيل بك احضره الى مصر وقلده امارة الحج سنة واحد وتسعين كما ذكر فلما انضم العلوية الى المحمدية ورجعوا الى مصر وهرب اسمعيل بك بمن معه الى الشام لم يخرج معه وبقي بمصر لكونه ليس من قبيلتهم وانضوى الى العلوية كغيره لظنهم نجاحهم فوقع لهم ما وقع وقتل مع احمد بك شنن بشير او أوتوا بهما الى بيوتهما وكل منهما ملفوف في قطعة خيمة ودفن حسن بك المذكور عليه رحمة الله وكان أميرا جليلا مهذبا كريم الاخلاق لين الجانب يحب اهل الصلاح والعلم وعاشر بالمحلة صاحبنا الفاضل اللبيب الاديب الشيخ شمس الدين السمربائي الفرغلي واحبه واغتبط به كثيرا واكرمه وحجزه عنده مدة اقامته بالمحلة ومنعه عن الذهاب الى بلده الا لزيارة عياله فقط في بعض الاحيان ثم يعود اليه سريعا ويستوحش لغيابه عنه فكان لا يأتنس الا به
وللشيخ شمس الدين فيه مدائح ومقامات وقصائد
سنة ثلاث وتسعين والف
في يوم السبت خامس المحرم وصل الى مصر اسمعيل باشا والي مصر وبات ببر انبابة ليلة السبت المذكور وركب الامراء في صبحها وقابلوه (1/536)
ورجعوا وعدى الآخر وركب الى العادلية وجلس بالقصر وتولى أمر السماط مصطفى بك الصغير
وفي يوم الثلاثاء من المحرم ركب الباشا بالموكب ودخل من باب النصر وشق القاهرة وطلع الى القلعة وعملوا له شنكا ومدافع ووصل الخبر بنزول اسمعيل بك الى البحر وسفره من الشام الى الروم وغاب أمره
وفي أواخر شهر ربيع الاول وقعت حادثة بالجامع الازهر بين طائفة الشوام وطائفة الاتراك بين المغرب والعشاء فهجم الشوام على الاتراك وضربوهم فقتلوا منهم شخصا وجرحوا منهم جماعة فلما أصبحوا ذهب الاتراك الى ابراهيم بك وأخبروه بذلك فطلب الشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية والمتكلم على طائفة الشوام وسأله عن ذلك فأخبره عن أسماء جماعة وكتبهم في ورقة وعرفه ان القاتلين تغيبوا وهربوا ومتى ظهروا أحضرهم اليه ولما توجه من عنده تفحص ابراهيم بك عن مسميات الاسماء فلم يجد لهم حقيقة فأرسل الى الشيخ احمد العروسي شيخ الازهر وأحضر بقية المشايخ وطلب الشيخ عبد الرحمن فتغيب ولم يجدوه فاغتاظ ابراهيم بك ومراد بك وعزلوه عن الافتاء وأحضروا الشيخ محمد الحريرى وألبسوه خلعة ليكون مفتي الحنفية عوضا عن الشيخ عبد الرحمن وحثوا خلفه بالطلب ليخرجوه من البلدة منفيا فشفع فيه شيخ السادات وهرب طائفة الشوام بأجمعهم وسمر الاغا رواقهم ونادوا عليهم
واستمر الامر على ذلك اياما ثم منعوا المجادلة والطبرية من دخول الرواق ويقطع من خبزهم مائة رغيف تعطى للاتراك دية المقتول وكتب بذلك محضر باتفاق المشايخ والامراء وفتحوا الرواق ومرض الشيخ العريشي من قهره وتوفي رابع جمادى الاولى
وفي أواخر شهر جمادى الثانية توفي الشيخ محمد عبادة المالكي (1/537)
وفيهه جاءت الاخبار بان حسن بك ورضوان بك قوى أمرهم وجمعوا جموعا وحضروا الى دجرجا والتف عليهم أولاد همام والجعافرة واسمعيل ابو علي فتجهز مراد بك وسافر قبله أيوب بك الصغير ثم سافر هو أيضا فلما قربوا من دجرجا ولى القبالي وصعدوا الى فوق فأقام مراد بك في دجرجا الى أوائل رجب وقبض على اسمعيل أبي علي وقتله ونهب ماله وعبيده وفرق بلاده على كشافه وجماعته
وفي منتصف شهر رجب ظهر بمصر وضواحيها مرض سموه بأبي الركب وفشا في الناس قاطبة حتى الاطفال وهو عبارة عن حمى ومقدار شدته ثلاثة أيام وقد يزيد على ذلك وينقص بحسب اختلاف الامزجة ويحدث وجعا في المفاصل والركب والاطراف ويوقف حركة الاصابع وبعض ورم ويبقى أثره اكثر من شهر ويأتي الشخص على غفلة فيسخن البدن ويضرب على الانسان دماغه وركبه ويذهب بالعرق والحمام وهو من الحوادث الغريبة
وفي عشرين رجب وصل مراد بك من ناحية قبلي وصحبته منهوبات وأبقار وأغنام كثيرة
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه الموافق لثاني شهر مسرى القبطي وفا النيل المبارك ثم زاد في ليلتها زيادة كثيرة حتى علا على السد وجرى الماء في الخليج بنفسه وأصبح الناس فوجدوا الخليج جاريا وفيه المراكب فلم تحصل الجمعية ولم ينزل الباشا على العادة
وفي أواخر شهر شعبان وصل الى مصر قابجي باشا وبيده أوامر بعزل اسمعيل باشا عن مصر ويتوجه الى جدة وان ابراهيم باشا والي جدة يأتي الى مصر وفرمان آخر بطلب الخزينة
وفي شهر شوال وصلت الاخبار بموت علي بك السروجي وحسن بك سوق السلاح بغزة (1/538)
وفي يوم الخميس ثامن عشر شوال عمل موكب المحمل وخرج الحجاج وأمير الحاج مراد بك وخرج في موكب عظيم وطلب كثير وتفاخر وماجت مصر وهاجت في أيام خروج الحج بسبب الاطلاب وجمع الاموال وطلب الجمال والبغال والحمير وغصبوا بغال الناس ومن وجدوه راكبا على بغلة أنزلوه عنها وأخذوها منه قهرا فان كان من الناس المعتبرين أعطوه ثمنها والا فلا وغلت أسعارها جدا ولم يعهد حج مثل هذه السنة في كل شيء
وسافر فيه خلائق كثيرة من سائر الاجناس وسافر صحبة مراد بك اربع صناجق وهم عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وعلي بك المالطي وذو الفقار بك وأمراء واغوات وغير ذلك أكابر كثيرة وأعيان وتجار
وفيه حضر واحد أغا وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على مصر كما كان وكان لما أتاه العزل نزل من القلعة في غرة رمضان وصام رمضان في مصر العتيقة
ولما انقضى رمضان تحول الى العادلية ليتوجه الى السويس ويذهب الى جدة حسب الاوامر السابقة فقدر الله بموت ابراهيم باشا وحضر التقرير له بالولاية ثانيا فركب في يوم الاثنين سادس القعدة وطلع الى القلعة من باب الجبل
من مات في هذه السنة من الاعيان
مات الشيخ الفقيه الامام الفاضل شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن عمر العريشي الحنفي الازهرى ولد بقلعة العريش من اعمال غزة وبها نشأ وحفظ بعض المتون ولما مر عليه الشيخ العرف السيد منصور السرميني في بلده وجده متيقظا نبيها وفيه قوة استعدادية وحافظة جيدة فأخذه صحبته في صورة معين في الخدمة وورد معه مصر فكان ملازما له لا يفارقه وأذن له بالحضور في الازهر فكان يحضر دروس الشيخ أحمد البيلي وغيره في النحو والمعقول
ولما توجه السيد المشار اليه الى البلاد تركه (1/539)
ليشتغل بالعلم فلازم الشيخ أحمد السليماني ملازمة جيدة وحضر عليه غالب الكتب المستعملة في المذهب وحضر دروس الشيخ الصعيدى والشيخ الحفني ولقنه الذكر وأجازه والبسه التاج الخلوتي
ثم اجتمع بالمرحوم الوالد حسن الجبرتي ولازمه كلية ودرجة في الفتوى ومراجعة الاصول والفروع وأعانه على ذلك وجد ان الكتب الغريبة عند المرحوم فترونق ونوه بشأنه وعرفه الناس وتولى مشيخة رواق الشوام وبه تخرج الحقير في الفقه
فأول ما حضرت عليه متن نور الايضاح للعلامة الشرنبلالي ثم متن الكنز وشرحه لملا مسكين والدر المختار شرح تنوير الابصار ومقدار النصف من الدرر وشرح السيد علي السراجية في الفرائض
وكان له قوة حافظة وجودة فهم وحسن ناطقة فيقرر ما يطالعه من المواد عن ظهر قلبه من حفظه بفصاحة من غير تلعثم ولا تركيز
وحج في سنة تسع وسبعين من القلزم منفردا متقشفا وأدرك بالحرمين الاخيار وعاد إلى مصر وحصلت له جذبة في سنة ست وثمانين وترك عياله وانسلخ عن حاله وصار يأوى الى الزوايا والمساجد ويلقي دروسا من الشفاء وطرق القوم وكلام سيدي محي الدين والغزالي
ثم تراجع قليلا وعاد الى حالته الاولى ولما توفي مفتي الحنفية الشيخ أحمد الحماقي تعين المترجم في الافتاء وعظم صيته وتميز على أقرانه واشترى دارا حسنة بالقرب من الجامع الازهر وهي التي كانت سكن الشيخ الحفني في السابق وتعرف بدار القطرسي
وتردد الاكابر والاعيان اليه وانكبت عليه اصحاب الدعاوى والمستفتون وصار له خدم واتباع وفراشون وغير ذلك
وسافر الى اسلامبول بعد موت الامير محمد بك لقضاء بعض الاغراض وقرأ هناك كتاب الشفاء ورجع الى مصر وكان كريم النفس سمحا بما في يده يحب اطعام الطعام ويعمل عزائم للامراء ويخلع عليهم الخلع ولما زاد انحطاط الشيخ أحمد الدمنهورى وتبين قرب وفاته وفراغ اجله تاقت نفس المترجم (1/540)
لمشيخة الازهر اذ هي أعظم مناصب العلماء فاحب الاستيلاء عليها والتوصل اليها بكيفية وطريقة فحضر مع شيخ البلد ابراهيم بك الى الجامع الازهر وجمع الفقهاء والمشايخ وعرفهم ان الشيخ أحمد الدمنهورى اقامه وكيلا عنه وبعد ايام توفي الشيخ الدمنهورى فتعين هو للمشيخة بتلك الطريقة وساعده استمالة الامراء وكبار الاشياخ والشيخ أبو الانوار السادات وما مهده معهم في تلك الايام وكاد يتم الامر فأنتدب لنقض ذلك بعض الشافعية الخاملين وذهبوا الى الشيخ محمد الجوهرى وساعدهم وركب معهم الى بيت الشيخ البكرى وجمعوا عليهم جملة من أكابر الشافعية مثل الشيخ أحمد العروسي والشيخ احمد السمنودى والشيخ حسن الكفراوى وغيرهم وكتبوا عرضحال الى الامراء مضمونه ان مشيخة الازهر من مناصب الشافعية وليس للحنفية فيها قديم عهد أبدا وخصوصا اذا كان آفاقيا وليس من أهل البلدة
فان الشيخ عبد الرحمن كذلك وموجود في العلماء الشافعية من هو أهل لذلك في العلم والسن وانهم اتفقوا على ان يكون المتعين لذلك الشيخ أحمد العروسي وختم الحاضرون على ذلك العرضحال وأرسلوه الى ابراهيم بك ومراد بك فتوقفوا وأبوا وثارت فيهم العصبية وشددوا في عدم النقض ورجع الجواب للمشايخ بذلك فقاموا على ساق وشدد الشيخ محمد الجوهري في ذلك وركبوا بأجمعهم وخرجوا الى القرافة وجلسوا بجامع الامام الشافعي وباتوا به
وكان ذلك ليلة الجمعة واجتماع الناس للزيارة فهرعت الناس واجتمع الكثير من العامة ينظرون فيما يؤول اليه هذا الامر وكان للامراء اعتقاد وميل للشيخ محمد بن الجوهرى وكذلك نساؤهم وأغواتهم بسبب تعففه عنهم وعدم دخول بيوتهم ورد صلاتهم وتميزه بذلك عن جميع المتعممين
فسعى أكثرهم في انفاذ غرضه وراجعوا مراد بك وأوهموه حصول العطب له ولهم أو ثوران فتنة في البلد وحضر اليهم علي (1/541)
أغا كتخدا الجاويشة وحاججهم وحاججوه ثم قام وتوجه وحضر مراد بك أيضا للزيارة فكلمه الشيخ محمد وقال لا بد من فروة تلبسها للشيخ العروسي وهو يكون شيخا على الشافعية وذاك شيخا على الحنفية كما ان الشيخ أحمد الدردير شيخ المالكية والبلد بلد الامام الشافعي وقد جئنا اليه وهو يأمرك بذلك وان خالفت يخشى عليك
فما وسعه الا أنه أحضر فروة وألبسها للشيخ العروسي عند باب المقصورة وركب مراد بك متوجها وركب المشايخ وبينهم الشيخ العروسي وذهبوا الى ابراهيم بك ولم يكن الامراء رأوا الشيخ العروسي ولا عرفوه قبل ذلك فجلسوا مقدار مسافة شرب القهوة وقاموا متوجهين ولم يتكلم ابراهيم بك بكلمة
فذهب الشيخ العروسي الى بيته وهو بيت نسيبه الشيخ أحمد العريان واجتمع عليه الناس وأخذ شأنه في الظهور
واحتد العريشي وذهب الى الشيخ السادات والامراء فألبسوه فروة أيضا فتفاقم الامر وصاروا حزبين وتعصب للمترجم طائفة الشوام للجنسية وطائفة المغاربة لانضمام شيخهم الشيخ أبي الحسن القلعي معه من أول الامر وتوعدوا من كان مع الفرقة الاخرى وحذروهم ووقفوا لمنعهم من دخول الجامع وابن الجوهرى يسوس القضية ويستميل الامراء وكبار المشايخ الذين كانوا مع العريشي مثل الشيخ الدردير والشيخ أحمد يونس وغيرهم واستمر الأمر على ذلك نحو سبعة أشهر الى ان اسعفت العروسي العناية ووقعت الحادثة المذكورة بين الشوام والاتراك واحتد الامراء الاتراك للجنسية وأكدوا في طلب المحاققة وتصدى العريشي للشوام المذب عنهم وحصل منه ما حصل لاجل خلاصهم
فعند ذلك انطلقت عليه الالسن وأصبح الصديق عدوا وانحرف عنه الامراء وطلبوه فاختفى وعين لطلبه الوالي واتباع الشرطة وعزلوه من الافتاء أيضا
وحضر الاغا وصحبته الشيخ العروسي الى الجامع للقبض على الشوام فأختفوا وفروا وغابوا عن الاعين فأغلقوا (1/542)
رواقهم وسمروه أياما ثم اصطلحوا على الكيفية المذكورة آنفا وظهر العروسي من ذلك اليوم وثبتت مشيخته ورياسته وخمل العريشي وأمروه بلزوم بيته ولا يقارش في شيء ولا يتداخل في أمر فعند ذلك اختلى بنفسه وأقبل على العبادة والذكر وقراءة القرآن ونزلت له نزلة في أنثييه من القهر فأشاروا عليه بالفصد وفصدوه فازداد تألمه وتوفي ليلة الخميس سابع جمادى الاولى من السنة وجهز بصباحه وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل وحضره مراد بك وكثير من الامراء وعلي أغا كتخدا الجاويشية ودفن برحاب السادة الوقائية وذلك بعد الحادثة بتسعة وثلاثين يوما رحمه الله تعالى
ومن آثاره رسالة ألفها في سر الكنى باسم السيد أبي الانوار بن وفي أجاد فيها ووصلت الى زبيد وكتب عليها الشيخ عبد الخالق بن الزين حاشية وقرظ عليها الشيخ العروسي والشيخ الصبان وله غير ذلك
ومات الشريف السيد قاسم بن محمد التونسي كان اماما في الفنون وله يد طولى في العلوم الخارجة مثل الطب والحرف وكان معه وظيفة تدريس الطب بالبيمارستان المنصورى وتولى مشيخة رواق المغاربة مرتين والاولى استمر فيها مدة وفي تلك المدة حصلت الفتن ثم عزل عنها وأعاد الدروس في مدرسة السيوفيين المعروفة الآن بالشيخ مطهر وله تقريظ على المدائح الرضوانية جمع الشيخ الاكاوى أحسن فيها وكان ذا شهامة وصرامة في الدين صعبا في خلقه وربما أهان بعض طائفة النصارى عند معارضتهم له في الطريق وأهين بسبب ذلك من طرف بعض الامراء وتحزبت له العلماء وكادت ان تكون فتنة عظيمة ولكن الله سلم
توفي بعد ان تعلل كثيرا وهو متولي مشيخة رواقهم وهي المرة الثانية وكان له باع في النظم والنثر فممنها مدائحه في الامير رضوان كتخدا الجلفي له فيه عدة قصائد فرائد مذكورة في الفوائح الجنانية (1/543)
ومات الامام الفهامة الالمعي الاديب واللوذعي النجيب الشيخ محمد لهباوى الشهير بالدمنهورى اشتغل بالعلم حتى صار اماما يقتدى به ثم اشتغل بالطريق وتلقن الاسماء وأخذت عليه العهود وصار خليفة مجازا بالتلقين والتسليك وحصل به النفع
وكان فقيها دراكا فصيحا مفوها أديبا شاعرا له باع طويل في النظم والنثر والانشاء ولما تملك علي بك بعد موت شيخه الحفني طلبه اليه وجعله كاتب انشائه ومراسلاته وأكرمه اكراما كثيرا ومدحة بقصائد ولم يزل منضويا اليه مدة دولته
ومات السيد قاسم بن محمد بن محمد علي بن أحمد بن عامر بن عبد الله ابن جبريل بن كامل بن حسن بن عبد الرحمن بن عثمان بن رمضان بن شعبان ابن أحمد بن رمضان بن محمد بن القطب أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي تراب علي بن أبي عبد الله الحسين بن ابراهيم بن محمد بن أحمد ابن محمد بن محمد بن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الحسن بن اسمعيل الديباج بن ابراهيم بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب أحد الاشراف الصحيحي النسب بمصر فجده أبو جعفر يعرف بالثج لثجثجة في لسانه وحفيده الحسين بن ابراهيم يعرف بأبن بنت الروبدى وحفيده علي بن محمد مدفون بالصعيد في بلد يقال له دمشاو باشم والمترجم هو والد السيدين الجليلين اسمعيل وابراهيم المتقدم ذكرهما صحح هذا النسب شيخنا السيد محمد مرتضى كما ترى وكان حمام البابا في ملكه مما خلفه له سلقه فكان يجلس فيه وكان شيخا مهيبا معمرا منور الشيبة كريم الاخلاق متعففا مقبلا على شأنه رحمه الله تعالى
ومات الامام العارف الصوفي الزاهد أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ابن سعيد بن حم الكتاني السوسي ثم التونسي ولد بتونس ونشأ في حجر والده في عفة وصلاح وعفاف وديانة وقرأ عليه وعلى شيخ الجماعة سيدى محمد الغرباوى وعلى آخرين وتكمل في العلوم والمعارف مع صفاء (1/544)
ذهنه وسرعة ادراكه وتوقد خاطره وكمال حافظته وكان والده يحبه ويعتمد على ما يقوله في تحرير نقله ويصرح بذلك في اثناء درسه
وقد بلغ المترجم من الصلاح والتقوى الى الغاية واشتهر أمره في بلاد افريقية اشتهارا كليا حتى أحبه الصغير والكبير وكان منفردا عن الناس منقبضا عن مجالسهم فلا يخرج عن محله الا لزيارة ولي أو في العيدين لزيارة والده وكان المرحوم علي باشا والي تونس فيه اعتقاد عظيم وعرض عليه الدنيا مرارا فلم يقبلها وعرضت عليه تولية المدارس التي كانت بيد والده فأعرض عنها وتركها لمن يتولاها وعكف نفسه على مذاكرة العلوم مع خواص أصحابه ومطالعة الكتب الغريبة واجتمع عنده منها شيء كثير وكان يرسل في كل سنة قائمة الى شيخنا السيد مرتضى فيشتري له مطلوبه وكان يكاتبه ويراسله كثيرا
ومات الفقيه الاديب الماهر أحمد بن عبد الله بن سلامة الادكاوى نزيل الاسكندرية وأمه شريفة من ذرية السيد عيسى بن نجم خفير بحر البرلس كان حسن المحاورة ولديه فضل ويحفظ كثيرا من الاشياء منها المقامات الحريرية وغيرها من دواوين الشعر
وناب عن القضاء في الثغر مدة وكان يتردد الى مصر احيانا وجمع عدة دواوين شعرية من المتقدمين والمتأخرين نحو المائتين وطالع كثيرا منها مما لم يملكه
ولم يزل على حالة مرضية حتى توفي بالثغر سنة تاريخه
ومات الشيخ الصالح المعمر خالد أفندى بن يوسف الديار بكرلي الواعظ كان يعظ الاتراك بمكة على الكرسي ثم ورد مصر ولازم حضور الاشياخ بمصر والوعظ للاتراك وحضر معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى في دروس الصحيح بجامع شيجون في سنة 1190 وفي الامالي والشمائل في جامع أبي محمود الحنفي وأخبر انه دخل دمشق وحضر دروس الشيخ اسمعيل العجلوني وأجازه وأدرك جلة الاشياخ بديار (1/545)
بكر والرها وازروم
وكان رجلا صالحا منكسرا وله مرأى حسنة ولا زال على طريقته في الحب والملازمة حتى مرض أياما وانقطع في بيته ومات في رابع جمادى الاولى
ومات الشيخ الفقيه الكامل والنجيب الفاضل أحد العلماء الاعلام واوحد فضلاء الانام الشيخ محمد بن عبادة بن برى العدوى ينتهي نسبه الى علي علي أبي صالح المدفون بالعلوة في بني عدي قدم الى مصر سنة 1164 وجاور بالازهر وحفظ المتون ثم حضر شيوخ الوقت ولازم دروس علماء العصر ومهر في الفنون وتفقه على علماء مذهبه من المالكية مثل الشيخ علي العدوى والشيخ عمر الطحلاوى والشيخ خليل والشيخ الدردير والبيلي وأخذ المعقولات عن شيخه الشيخ علي العدوى الصعيدى وغيره ولازمه ملازمة كلية وانتسب اليه حسا ومعنى وصار من نجباء تلامذته ودرس الكتب الكبار في الفقه والمعقول ونوه الشيخ بفضله وأمر الطلبة بالاخذ عنه وصار له باع طويل وذهن وقاد وقلم سيال وفصاحة في اللسان والتقرير وصواب في التحرير وقوة استعداد واستحضار وسليفة
ومن تآليفه حاشية على شذور الذهب لابن هشام متداولة بأيدى الطلبة نافعة وحاشية على مولد النبي صلى الله عليه و سلم للغيطي وابن حجر والهدهدى وحاشية على شرح بن جماعة في مصطلح الحديث وحاشية عجيبة على جمع الجوامع وعلى السعد والقطب وعلى ابي الحسن وحاشية على شرح الخرشي وعلى فضائل رمضان وكتابة محررة على الورقات والرسالة العضدية وعلى آداب البحث والاستعارات
ولم يزل يملي ويقرىء ويفيد ويحرر ويجيد حتى وافاه الحمام وتوفي في أواخر ششهر جمادى الثانية من السنة بعد ان تعلل بعلة الاستسقاء سنين وكان يقرأ ليالي المواسم مثل نصف شعبان والمعراج وفضائل رمضان وغير ذلك نيابة عن شيخه الشيخ (1/546)
علي الصعيدى العدوى ويجتمع بدرسه الجم الكثير من طلبة العلم والعامة رحمه الله
ومات الامير علي بك السروجي وهو من مماليك ابراهيم كتخدا واشرافات علي بك أمره وقلده الصنجقية بعد موت سيدهم ولقب بالسروجي لكونه كان ساكنا بخط السروجية
ولما أمره علي بك هو وأيوب بك مملوكه ركب معهما الى بيت خليل بك بلفيا وخطب لعلي بك هذا اخت خليل بك وهي ابنة ابراهيم بلفيا الكبير وعقد عقده عليها ثم خطب لايوب بك ابنة خليل بك وعقد للاخرى على أيوب بك في ذلك المجلس وشربوا الشربات وفرقوا المحارم والهدايا وانصرفوا وعملوا العرس بعد أن جهزهما بما يليق بأمثالهما وزفوا واحدة بعد أخرى الى الزوج
ولما حصلت الوحشة بين المحمدية واسمعيل بك انضم الى اسمعيل بك لكونه خشداشه وخرج الى الشام صحبته فلما سافر اسمعيل بك الى الديار الرومية تخلف المترجم مع من تخلف ومات ببعض ضياع الشام كما ذكر
ومات أيضا الامير حسن بك المعروف بسوق السلاح لسكنه في تلك الخطة ببيت الست البدوية وأصله مملوك صفية جارية الشيخ أبي المواهب البكرى وكان بن أخيها فأشترته واستمر في خدمة الشيخ أبي المواهب الى أن مات فسلك في طريق الاجناد وخدم علي بك الى أن جعله كاشفا في جهة من الجهات القبلية فأقام بها الى أن خالف محمد بك على سيده علي بك وذهب الى قبلي واجتمعت عليه الكشاف والاجناد وكان حسن هذا من جملة من حضر اليه بماله ونواله وخيامه وحضر محمد بك الى مصر وملكها من سيده علي بك
ولم يزل حسن هذا في خدمة محمد بك أبي الذهب فرقاه في الخدم والمناصب وصنجقه ولم يزل في الامارة مدة محمد بك وأتباعه الى أن خرج مع من خرج صحبة اسمعيل بك ومات ببعض ضياع الشام والله الموفق (1/547)
سنة أربع وتسعين ومائة وألف
فيها في يوم الخميس حادى عشر صفر دخل الحجاج الى مصر وامير الحاج مراد بك ووقف لهم االعريان في الصفرة والجديدة وحصروا الحجاج بين الجبال وحاربوهم نحو عشر ساعات ومات كثير من الناس والغزو الاجناد ونهبت بضائع وأحمال كثيرة وكذلك من الجمال والدواب والعرب بأعلى الجبال والحج أسفل كل ذلك والحج سائر
وفي يوم الخميس ثالث شهر رجب اجتمع الأمراء وارسلوا الى الباشا أرباب العكاكيز وأمروه بالنزول من القلعة معزولا فركب في الحال ونزل الى مصر العتيقة ونقلوا عزاله ومتاعه في ذلك اليوم واستلموا منه الضربخانة وعمل ابراهيم بك قائمقام مصر
فكانت مدة ولاية اسمعيل باشا في هذه المرة ثمانية أشهر تنقص ثلاثة أيام وكان أصله رئيس الكتاب باسلامبول من أرباب الأقلام
وكان مراد بك هذا أصله من مماليكه فباعه لبعض التجار في معارضة وحضر الى مصر ولم يزل حتى صار أميرها
وحضر سيده هذا في أيام امارته وهو الذي عزله من ولايته ولكن كان يتأدب معه ويهابه كثيرا ويذكر سيادة عليه وكان هذا الباشا أعوج العنق للغاية وكان قد خرج له خراج فعالجه بالقطع فعجزت العروق وقصرت فاعوج عنقه وصارت لحيته عند صدره ولا يقدر على الألتفات الا بكليته الا أنه كان رئيسا عاقلا صاحب طبيعة ويحب المؤانسة والمسامرة
ولما حضر الى مصر وسمع باوصاف شيخنا الشيخ محمود الكردى أحبه واعتقده وأرسل له هدية وأخذ عليه العهد بواسطة صديقنا نعمان افندى وكان به آنسا وقلده أمين الضربخانة
ولما أخذ العهد على الشيخ اقلع عن استعمال البرش والقاه بظروفه وقلل من استعمال الدخان
وكان عنده (1/548)
أصناف الطيور المليحة الأصوات وعمل بستانا لطيفا في الفسحة التي كانت بداخل السراية زرع بها أصناف الزهور والغراس والورود والياسمين والفل وبوسطه قبة على أعمدة لطيفة من الرخام وحولها حاجز من السلك النحاس الرفيع الاصفر وبداخلها كثير من عصافير القنارية وعمل لهم أوكارا يأوون اليها ويطيرون صاعدين هابطين بداخل القبة ويطرب لاصواتهم اللطيفة وانغامهم العذبة وذلك خلاف ما في الاقفاص المعلقة في المجالس وتلك الاقفاص كلها بديعة الشكل والصنعة
ولما أنزلوه على هذه الصورة انتهب الخدم تلك الطيور والاقفاص وصاروا يبيعونها في أسواق المدينة على الناس
وفي يوم الجمعة عاشر شعبان الموافق لسابع مسرى القبطي أوفى النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم السبت بحضرة ابراهيم بك قائمقام مصر والامراء
وفي أواخر شعبان شرع الامراء في تجهيز تجريدة وسفرها الى جهة قبلي لاستفحال امر حسن بك ورضوان بك فانه انضم اليهم كثير من الاجناد وغيرهم وذب اليهم جماعة اسمعيل بك وهم ابراهيم بك قشطة وعلي بك الجوخدار وحسين بك وسليم بك من خلف الجبل فعندما تحققوا ذلك أخذوا في تجهيز تجريدة وأميرها مراد بك وصحبته سليمان بك ابو نبوت وعثمان بك الاشقر ولاجين بك ويحيى بك وطلبوا الاحتياجات واللوازم وحصل منهم الضرر وطلب مراد بك الاموال من التجار وغيرهم مصادرة وجمعوا المراكب وعطلوا الاسباب وبرزوا بخيامهم الى جهة البساتين
وفيه حضر من الديار الرومية أمير اخور وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فوجده معزولا وأنزلوه في بيت بسويقه العزى
وفي يوم الخميس عشرين شوال وكان خروج المحمل والحجاج صحبة أمير الحج مصطفى بك الصغير (1/549)
من مات في هذه السنة
مات السيد الاجل الوجيه الفاضل السيد محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم بن مصطفى بن القطب الكبير سيدى محمد دمرداش الخلوتي ولد بزاوية جدة ونشأ بها ولما توفي والده السيد عثمان جلس مكانه في خلافتهم وسار سيرا حسنا مع الابهة والوقار وتردد الافاضل اليه على عادة اسلافه
وكان يعاني طلب العلم مع الرفاهية وبعض الخلاعة ولازم المرحوم الوالد هو وأولاده السيد عثمان والسيد محمد المتولي الا آن في مطالعة الفقه الحنفي وغيره في كل يوم بالمنزل ويحضرون أيضا بالازهر وعلى الاشياخ المترددين عليهم بالزاوية مثل الشيخ محمد الامير والشيخ محمد العروسي والشيخ محمد بن اسمعيل النفراوى والشيخ محمد عرفة الدسوقي وغيرهم وكان انسانا حسن العشرة والمودة
توفي في رابع عشر رمضان من السنة ودفن بزاويتهم عند اسلافهم
ومات الفقيه النبيه المتقن المتفنن الاصولي النحوى المعقولي الجدلي الشيخ مصطفى المعروف بالريس البولاقي الحنفي كان في الاصل شافعي المذهب ثم تحنف وتفقه على الشيخ الاسقاطي والسيد سعودى والدلجي وحضر المعقولات على الشيخ علي الصعيدي والشيخ علي قايتباى والاسكندراني وكان ملازما للسيد سعودى فلما توفي لازم ولده السيد ابراهيم ولم تطل أيامه فلما مات لازم الشيخ الوالد حسن الجبرتي ملازمة كلية في المدينة وبولاق وكان يحبه لنجابته واستحضاره ونوه بشأنه ولاحظه بأنظاره واخذ له تدريس الحنفية بجامع السنانية وجامع الواسطي وعاونه في امور من الاحكام العامة ببولاق حتى اشتهر ذكره بها وعظم شأنه عند أهلها وصار بيته مثل المحكمة في القضايا والدعاوى (1/550)
والمناكحات والخصومات وكان فيه شهامة وقوة جنان وصلابة رحمه الله تعالى وعفا عنه
ومات الوالي الصالح الفاضل الشيخ عبد الله بن محمد بن حسين السندى نزيل المدينة المنورة المشهور بجمعة حضر دروس الشيخ محمد حياة السندى وغيره من الواردين وجاور بالمدينة نحوا من أربعين سنة وانتفع به طلبة المدينة واشتهرت بركنه
فكل من قرأ عليه شيئا فتح الله عليه وصار من العلماء وكان ذا كرم ومروءة وحياء وشفقة توفي في هذه السنة
ومات الشيخ الصالح الوجيه احمد بن عبد الله الرومي الاصل المصري المكتب الخطاط الملقب بالشكرى جود الخط على جماعة من المشاهير ومهر فيه حتى برع وأجيز وأجاز على طريقتهم ونسخ بيده عدة مصاحف ودلائل الخيرات وغير ذلك وانتفع به الناس انتفاعا عاما واشتهر خطه في الآفاق واجاز لجماعة وكان وجيها منور الشيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى نظيف الثياب حسن الاخلاق مهذبا متواضعا
توفي عشية يوم الاربعاء ثالث جمادى الاولى من السنة وصلي عليه بالازهر ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى
سنة خمس وتسعين ومائة والف
في منتصف المحرم قبض ابراهيم بك على ابراهيم أغا ببيت المال المعروف بالمسلماني وضربه بالنبابيت حتى مات وأمر بالقائه في بحر النيل فالقوه وأخرجه عياله بعد أيام من عند شبر افاتوا به الى بيته وغسلوه وكفنوه ودفنوه ولم يعلم لذلك سبب
وفي يوم السبت سادس عشر صفر نزل الحجاج ودخلوا الى مصر صحبة المحمل وامير الحاج مصطفى بك في يوم الثلاثاء تاسع عشرة
وفيه جاءت الاخباريات اسمعيل بك وصل من الديار الرومية الى ادرنه (1/551)
وطلع من هناك ولم يزل يتحيل حتى خلص الى الصعيد وانضم الى حسن بك ورضوان بك وباقي الجماعة
وفي اواخر شهر صفر وصلت الاخبار من ناحية قبلي بان مراد بك خنق ابراهيم بك أوده باشا قيل انه اتهمه بمكاتبات الى اسمعيل بك وحبس جماعة آخرين خلافه
وفيه وصلت الاخبار بورود باشا الى ثغر سكندرية واليا على مصر وهو محمد باشا ملك
وفي سادس جمادى الاولى وصل مراد بك ومن معه الى مصر وصحبته ابراهيم بك قشطة صهر اسمعيل بك وسليم بك أحد صناجق اسمعيل بك بعد ما عقد الصلح بينه وبينهم وأحضر هؤلاء صحبته رهائن واعطى لاسمعيل بك اخميم واعمالها وحسن بك قنا وقوص واعمالها ورضوان بك اسنا ولما تم الصلح بينه وبينهم على ذلك أرسل لهم هدايا وتقادم وأحضر صحبته من ذكر فكانت مدة غيابه ثمانية أشهر وأياما ولم يقع بينهم مناوشات ولا حرب بل كانوا يتقدمون بتقدمه ويتأخرون بتأخره حتى تم ما تم
وفي منتصف شهر جمادى الاولى سافر علي أغا كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وباقي أرباب الخدم لملاقاة الباشا
وفي غرة شهر رجب وصل الباشا الى بر انبابه وبات هناك وعدت الامراء في صبحها للسلام عليه ثم ركب الى العادلية
وفي يوم الاثنين ركب الباشا بالموكب من العادلية ودخل باب النصر وشق من وسط المدينة وطلع الى القلعة وضربوا له المدافع من باب الينكجرية وكان وجيها جليلا منور الوجه والشيبة
وفي يوم الخميس عملوا الديوان وحضر الامراء والمشايخ وقرىء التقليد بحضرتهم وخلع على الجميع الخلع المعتادة (1/552)
وفي يوم الاحد المبارك ليلة النصف من شعبان الموافق لاول مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا وكسروا السد بحضرته على العادة صبح يوم الاثنين
من مات في هذه السنة من الائمة والاعيان
توفي شيخنا الامام العارف كعبة كل ناسك عمدة الواصلين وقدوة السالكين صاحب الكرامات الظاهرة والاشارات الباهرة شيخنا وأستاذننا الشيخ محمود الكردي الخلوتي حضر الى مصر متجردا مجاهدا مجتهدا في الوصول الى مولاه زاهدا كل ما سوأه فأخذ العهد وتلقن الذكر من الاستاذ شمس الدين الحفني وقطع الاسماء وتنزلت عليه الاسرار وسطعت على غرته الانوار وأفيض على نفسه القدسية انواع العلوم المدنية
وله رسالة في الحكم ذكر ان سبب تأليفه لها انه رأى الشيخ محي الدين العربي رضي الله عنه في المنام أعطاه مفتاحا وقال له افتح الخزانة
فاستيقظ وهي تدور على لسانه ويرد على قلبه انه يكتبها
قال فكنت كلما صرفت الوارد عني عاد الي فعلمت أنه أمر الهي فكتبتها في لمحة يسيرة من غير تكلف كأنما هي تملي على لساني من قلبي وقد شرحها خليفته شيخ الاسلام والمسلمين سيدي الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الازهر شرحا لطيفا جامعا مانعا استخرج به من كنوز معانيها ما اخفاها فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها وشرحها أيضا أحد خلفائه الاستاذ العلامة السيد عبد القادر بن عبد اللطيف الرافعي البيارى العمرى الحنفي الطرابلسي شكر الله صنيعهما ذكر في اولها ترجمة الاستاذ كما سمعه من لفظه ان مولده ببلدة صاقص من بلاد كوران ونشأ في المجاهدة وهو ابن خمسة عشرة سنة صائم الدهر محيي الليل كله في مسجد ببلدته معروف حتى اشتهر أمره وقصده الناس بالزيارة فهجر ذلك المكان وصار (1/553)
يأوى الخراب خارج بلدته بحيث لا يشعر به أحد
وأخبرني غير مرة انه كان لا يغمه بالليل الا سماع صوت الديكة لانذارها بطلوع النهار لما يجده في ليله من المواهب والاسرار
وكان جل نومه في النهار وكثيرا ما كان يجتمع بالخضر عليه السلام فيراه بمجرد ما ينام فيذكر الله معه حتى يستيقظ
وكان لا يفتر عن ذكر الله لا نوما ولا يقظة
وقال مرة جميع ما في كتب احياء العلوم للغزالي عملت به قبل ان أطالعه فلما طالعته حمدت الله تعالى على توفيقه اياى وتوليته تعليمي من غير معلم
وكان كثير التقشف من الدنيا يأكل خبز الشعير وفي بيته يصنع خاص دقيق البر وكثيرا ما كان يلومه أخوه على ذلك وكان أخوه الكبير كثير اللوم له على ما يفعله من مجاهداته وتقشفاته
ولما مات والده ترك ما يخصه من ارثه لهم وكان والده كثير المال والخير وعليق دوابه في كل ليلة اكثر من نصف غرارة من الشعير
ولما صار عمره ثمان عشرة سنة رأى في منامه الشيخ محمد الحفناوى فقيل له هذا شيخك فتعلق قلبه به وقصده بالرحلة حتى قدم مصر واجتمع به وأخذ عنه الطريق الخلوتية وسلك على يديه بعد ان كان على طريقة القصيرى رضي الله عنه
وقال له في مبدأ أمره يا سيدي اني أسلك على يديك ولكن لا أقدر على ترك أوراد الشيخ علي القصيرى فأقرأ اوراده واسلك طريقتك
فأجابه الشيخ الى ذلك ولم يشدد عليه في ترك أوراد الشيخ القصيرى لما عرفه من صدقه من المذكور فلازمه مدة طويلة ولقنه اسماء الطريقة السبعة في قطع مقاماتها وكتب له اجازة عظيمة شهد له فيها بالكمال والترقي في مقامات الرجال وأذن له بالارشاد وتربية المريدين
فكان الشيخ في آخر أمره اذا أراد أحد ان يأخذ عنه الطريق يرسله الى الشيخ محمود ويقول لغالب جماعته عليكم بالشيخ محمود فاني لولا اعلم من نفوسكم ما أعلم لامرتكم كلكم بالاخذ عنه والانقياد اليه
ولما قدم شيخ شيخه السيد مصطفى البكرى لازمه وأخذ (1/554)
عنه كثيرا من علم الحقائق وكان كثير الحب فيه فلما رآه لا يقرأ أوراد الطريقة الخلوتية ويقتصر على أوراد القصيرى عاتبه في ذلك وقال له أيليق بك ان تسلك على ايدينا وتقرأ أوراد غيرنا اما ان تقرأ أورادنا واما ان تتركنا
فقال يا سيدي أنتم جعلكم الله رحمة للعالمين وأنا اخاف من الشيخ القصيرى ان تركت أوراده وشيء لازمته في صغرى لا أحب ان اتركه في كبرى
فقال له السيد البكرى استخر الله وانظر ماذا ترى لعل الله يشرح صدرك
قال فاستخرت الله العظيم ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم والقصيرى عن يمينه والسيد البكرى عن يساره وانا تجاههم فقال القصيرى للرسول صلى الله عليه و سلم يا رسول الله أليست طريقتي على طريقتك اليست اورادي مقتبسة من أنوارك فلم يأمر السيد البكرى هذا بترك أورادى فقال السيد البكرى يا رسول الله رجل سلك على أيدينا وتولينا تربيته أيحسن منه ان يقرأ أوراد غيرنا ويهجر أورادنا فقال الرسول عليه السلام لهما اعملا فيه القرعة واستيقظ الشيخ من منامه فأخبر السيد البكرى فقال له السيد معنى القرعة انشراح صدرك انظره واعمل به قال الشيخ رضي الله عنه ثم بعد ليلة وأكثر رأيت سيدى أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المنام وهو يقول لي يا محمود خليك مع ولدى السيد مصطفى ورأى ورد سحر الذى ألفه المذكور مكتوبا بين السماء والارض بالنور المجسم كل حرف منه مثل الجبل فشرح الله بعد ذلك صدره ولازم أوراد السيد البكرى وأخذ من أوراد القصيرى ما استطاع
وأخبر رضي الله عنه انه رأى حضرة الرسول صلى الله عليه و سلم في بعض المرائي وكان جمع الفقراء في ليلة مباركة وذكر الله تعالى بهم الى الفجر وكان معه شىء قليل من الدنيا فورد على قلبه وارد زهد ففرق ما كان معه على المذكورين وفي أثناء ذلك صرخ من بين الجاعة صارخ يقول الله بحال قوى فلما فرغوا قال للشيخ يا سيدى سمعت هاتفا (1/555)
يقول يا شيخ محمود ليلتك قبلت عند الله تعالى قال ثم اني بعدما صليت الفجر نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لي يا شيخ محمود ليلتك قبلت عند الله تعالى وهات يدك حتى أجازيك فأخذ صلى الله عليه و سلم بيد الشيخ والسيد البكرى حاضر بالمجلس فأخذ يده ووضع يده الشريفة بين يديهما وقال أريد ان أخاوى بينك وبين السيد البكرى وأتخاوى معكما الناجي منا يأخذ بيد أخيه فأستيقظ فرحا بذلك فلم يلبث الا يسيرا ورسول السيد البكرى يطلبه فتوضأ وذهب الى زيارته وكان من عادته انه يزوره كل يوم ولا يدخل عليه الا على طهارة فلما رآه قال له ما أبطاك اليوم عن زيارتنا فقال له يا سيدي سهرنا البارحة الليل كله فنمت فتأخرت عنكم فقال له السيد هل من بشارة أو اشارة فقلت يا سيدى البشارة عندكم فقال قل ما رأيت قال متعجبت من ذلك وقلت يا سيدي رأيت كذا وكذا فقال يا ملا محمود منامك حق وهذه مبشرة لنا ولك فانه صلى الله عليه و سلم ناج قطعا ونحن ببركته ناجون ومناقبه رضي الله عنه كثيرة لا تحصر
وكان كثير المرأى لرسول الله صلى الله عليه و سلم قل ما تمر به ليلة الا ويراه فيها وكثيرا ما يرى رب العزة في المنام ورآه مرة يقول له يا محمود اني احبك وأحب من يحبك فكان رضي الله عنه يقول من أحبني دخل الجنة
وقد أذن لي أن اتكلم بذلك واما مجاهداته فالديمة المدرار كما قالت عائشة رضي الله عنها في جنابه صلى الله عليه و سلم كان عمله ديمة وأيكم يستطيع عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم
وبلغ من مجاهداته رضي الله عنه انه لما ضعف عن القيام في الصلاة لعدم تماسكه بنفسه صنع له خشبة قائمة يستند عليها ولم يدع صلاة النقل قائما فضلا عن الفرض ولم يدع صلاة الليل والوظائف التي عليه مرتبة في حال من الاحوال وكان لا ينام من الليل الا قليلا وكان ربما يمضي عليه الليل وهو يبكي وربما تمر عليه الليلة كلها وهو يردد (1/556)
آية من كتاب الله تعالى
وكثيرا ما كان يقتصر على الخبز والزيت ويؤكل في بيته خواص الاطعمة وكان غالب أكله الرز بالزيت وتارة بالسمن البقرى وقل ما تراه في خلوته أو مع اصحابه الا وهو مشغول في وظائف اوراد
وقال لي مرة ربما أكون مع أولادى ألاعبهم وأضاحكهم وقلبي في العالم العلوى في السماء الدنيا أو الثانية او الثالثة او العرش وكثيرا ما كان تفيض على قلبه معرفة الحق سبحانه وتعالى فيجعل يبكي ولا يشعر به جليسه
وقلت يوما للعارف بالله تعالى خليفته سيدى محمد بدير القدسي من كرامات الاستاذ انه لا يسمع شيئا من العلم الا حفظه ولا يزول من ذهنه ولو بعد حين فقال لي رضي الله عنه بل الذي يعد من كرامات الشيخ انه لا يسمع شيئا من العلم النافع الا ويعمل به في نفسه ويداوم عليه
فقلت صدقت هذا والله حاله وكنت مرة أسمعته رياض الرياحين لليافعي فلما أكملته قال لي بمحضر من أصحابه هل يوجد الآن مثل هؤلاء الرجال المذكورين في هذا الكتاب تكون لهم الكرامات فقال له بعض الحاضرين الخير موجود يا سيدى في أمة الرسول عليه الصلاة و السلام فقال الشيخ قد وقع لي في الطريق أبلغ من ذلك واحكي لكم عما وقع لي في ليلتي هذه كنت قاعدا أقرأ في أورادي فعطشت وكان الزمن مصيفا والوقت حارا وأم الاولاد نائمة فكرهت ان اوقظها شفقة عليها فما استتم هذا الخاطر حتى رأيت الهواء قد تجسم لي ماء حتى صرت كأني في غدير من الماء وما زال يعلو حتى وصل الى فمي فشربت ماء لم أشرب مثله ثم انه هبط حتى لم يبق قطرة ماء ولم يبتل مني شيء
وبردت ليلة في ليالي الشتاء بردا شديدا وأنا قاعد أقرأ في وردى وقد سقط عني حرامي الذي أتغطى به وكان اذا سقط عنه غطاؤه لا يستطيع أن يرفعه بيده لضعف يده قال فأردت ان أوقظ أم الاولاد فأخذتني الشفقة عليها فما تم هذا الخاطر حتى رأيت كانونا عظيما ملآنا من الجمر وضع بين يدى وبقى (1/557)
عندي حتى دفىء بدني وغلب وهج النار علي فقلت في سرى هذه النار حسية أم هي خيال فقربت أصبعي منها فلذعتني فعلمت أنها كرامة من الله تعالى ثم رفعت
والحاصل ان مناقبه رضي الله عنه لا تكاد تنحصر وكان لكلامه وقع في النفوس عظيم اذا تكلم كأنما كلماته خرزات نظمن في جيد حسناء لا ينطق الا بحكمة أو موعظة أو مسائل دينية او حكاية تتضمن جوابا عن سؤال يسأله بعض الحاضرين بقلبه ولا تكاد تسمع في مجلسه ذكر أحد بسوء وكان كثير الشفقة والرحمة على خلق الله لا سيما أرباب الذنوب والمعاصي كثير التواضع كثير الاحسان للفقراء والمساكين لا يمسك من الدنيا شيئا جميع ما يأيتة ينفقة في طاعة الله
ما امسك بيده درهما ولا دينار قط آخذا بالورع في جميع أموره ليس له هم الا أمور الآخرة لا يهتم لشأن الدنيا أقبلت أو أدبرت كفاه الله مؤنة الدنيا عنده خادم يقبض ما يأتي له من الدنيا ويصرف عليه فلا يزيد ذلك على حاجته ولا ينقص شيئا قال السيد شارح الرسالة خدمته نحو عشر سنوات ما رأيته ارتكب صغيرة قط وللاستاذ رضي الله عنه رسالة سماها السلوك لابناء الملوك وهي صورة مكتوب من املائه أرسله الى رجل من أعيان المغرب يقال له ابن الظريف وكان الشيخ رضي الله عنه ارسل له جوابا عن مكاتبة أرسلها فأرسل مراسلة أخرى والتمس الجواب ويكون متضمنا بعض النصائح فأملى تلك المراسلة فبلغت نحو ستة كراريس وصارت كتابا عظيم النفع سارت به الركبان وانتفع به القاصي والداني وكتب عليه كثير من العلماء وكانت وفاة الاستاذ رضي الله عنه ثالث المحرم من هذه السنة وتولى غسله الشيخ سليمان الجمل وصلي عليه بالازهر ودفن بالصحراء بجوار شيخه السيد مصطفى البكرى رضي الله عنهما
ومات الاديب الماهر واللبيب الشاعر الشيخ علي بن عنتر الرشيدى كان (1/558)
متضلعا فصيحا مفوها له موشحات ومقاطيع كثيرة ونظم البحور الستة عشر كلها بالاقتباس منها قوله في الطويل ... أطلت الجفا فأسمح بوصلك يا رشا ... ولا تبدلن وعد الكئيب بضده ... فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ... ولا تحسبن الله مخلف وعده ...
وقال في المديد ومنه الاكتفاء ... في مديد الهجر قال اللواحي ... دع هواه فالغرام جنون ... فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ... واصطبر عن حبه قلت كونوا ...
وقال في الرجز ... كملت محاسن منيتي فهديت في ... روض غدا في وجنتيه نضيرا ... متفاعلن متفاعلن متفاعلن ... وكفى بربك هاديا ونصيرا ...
وقال في الرجر ... ارجزفاني في هوى حلو اللما ... مسى الورى أضحيت صبا هائما ... مستفعلن مستفعلن مستفعلن ... ان قل صبرى قال صبرى وما ...
وقال في الوافر ... بوافر لوعتي صل يا غزالي ... فكل متيم فان وبالي ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن ... ويبقى وجه ربك ذو الجلال ...
وقال في البسيط ... بسطت في شادن حلو اللما غزلى ... وقلت جدلي بوصل منك يا أملي ... مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ... فقال لي خلق الانسان من عجل ...
وقال في الرمل ... قد رملت الوصف فيه قائلا ... مذبدا الهندى من أهدا به ... فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ... قل هو الرحمن آمنا به (1/559)
وقال في الخفيف ... خفف الهجر عن فؤاد كليم ... وامل كاس الوصال لي يانديمي ... فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ... وتوكل على العزيز الرحيم ...
وله ديوان شعر مشهور ولم يزل حتى مات بالثغر في ربيع الاول من السنة
ومات الشيخ الصالح الدين بقية السلف ونتيجة الحلف الشيخ أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد المنعم بن أبي السرور والبكرى الشافعي شيخ سجادة البكرية بمصر كان صاحب همة ومروءة وديانة وعفاف ومحبة وانصاف وتولى بعد موته أبيه فسار سيرا وسطا مع صفاء الباطن وكان الغالب عليه الجذب والصلاح والسلوك على طريق أهل الفلاح مع أوراد وأذكار يشتغل بها توفي يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني من السنة وصلي عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن اسلافه قرب مقام الامام الشافعي رضي الله عنه
ومات الامام الفصيح المعتقد الشهير الذكر الشيخ ابراهيم بن محمد ابن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي الشافعي مؤقت حرم الله الامين ولد بمكة سنة 1110 وسمع من ابن عقيلة وعمر بن احمد بن عقيل والشيخ سالم البصري والشيخ عطاء الله المصري وابن الطيب وحضر على الشيخ أحمد الاشبولي الجامع الصغير وغيره واخذ عن السيد عبد الله ميرغني ومن الواردين من أطراف البلاد كالشيخ عبد الله الشبراوى والشيخ عمر الدعوجي والشيخ أحمد الجوهرى واجازه شيخنا السيد عبد الرحمن العيدروس بالذكر على طريقة السادة النقشبندية وألف بأسمه رسالة سماها البيان والتعليم لمتبع ملة ابراهيم ذكر فيها سنده وأجازه السيد مصطفى البكرى في الخلوتية وجعله خليفته في فتح مجالس الذكر وفي (1/560)
ورد سحر ولازم المرحوم الوالد حسن الجبرتي سنة مجاورته بممكة وهي سنة خمس وخمسين ملازمة كلية وأخذ عنه علم الفلك والاوفاق والاستخراجات والرسم وغير ذلك ومهر في ذلك واقتنى كتبا نفيسة في سائر العلوم بددها أولاده من بعده وباعوها بأبخس الاثمان
وكان عنده من جملة كتبه زيج الراصد الغيبك السمرقندى نسخة شريفة بخط العجم في غاية الجودة والصحة والاتقان وعليها تقييدات وتحريرات وفوائد شريفة لا يسمح الدهر بمثل تلك النسخة وكنت كثيرا ما أسمع من المرحوم الوالد ذكرها ومدحتها ونسخة الوالد مكتوب عليها بخط رستم شاه ما نصه قد اشترينا هذا الكتاب في دار سلطنة هراة بأثنى عشر ألف دينار
وتحت ذلك اسمه وختمه
فلما كان في سنة ست وتسعين ورد علينا بعض الحجاج الجزائرية وسألني عن كتب يشتريها من جملتها الزيج المذكور وأرغبني في زيادة الثمن فلم تسمح نفسي بشيء من ذلك ثم سافر الى الحج ورجع وأتاني ومع خادمه رزمة كبيرة فوضعها بين أيدينا وفتحها وأخرج منها نسخة الزيج المذكورة وفرجني عليها وقال أيهما أحسن نسختك التي ضننت بها أو هذه
وكنت لم أرها قبل ذلك فرأيتها شقيقتها وتزيد عنها في الحسن بصغر حجمها وكثرة التقييدات بهامشها وطيارات كثيرة بداخلها في المسائل المعضلة مثل التسييرات والانتهاءات والنمودارات وغير ذلك وجميعها بحسن الخط والوضع فرأيتها المخدرة التي كشف عنها القناع وانما هي المعشوقة بالسماع فقلت له كيف وصلت الى هذه اليتيمة وما مقدار ما دفعته فيها من المهر والقيمة
فأخبرني انه اشتراها من ابن الشيخ بعشرين ريالا وكتاب المجسطي وكتاب التبصرة وشرح التذكرة ونسخة البارع في غاية الجودة وزيج ابن الشاطر وغير ذلك من الكتب التي لا توجد في خزائن الملوك وكلها بمثل ذلك الثمن البخس
فقضيت أسفا واخذ الجميع مع ما أخذ وذهب الى بلاده
وهكذا حال (1/561)
الدنيا ولم يزل المترجم على حالة حميدة واشتهر أمره في الآفاق وعرف بالصلاح والفضل وأتته الهدايا والمراسلات من جميع الاطراف والجهات حتى لحق بربه عز و جل سابع عشر ربيع الاول من السنة
ومات الشيخ الفاضل الصالح أحمد بن محمد الباقاني الشافعي النابلسي سمع الاولية من محمد بن محمد الخليلي ورافق الشيخ السفاريني في بعض شيوخه من اهل البلد وأجازه السيد مصطفى البكرى في الورد والطريقة ورد مصر أيام تولية المرحوم مصطفى باشا طوقان وكان له مذاكرة حسنة وورع وصلاح وعبادة وانتفع به الطلبة في بلاده ثم عاد الى بلاده فتوفي في ثالث جمادى الثانية
ومات الاجل المفوه الشريف الفاضل السيد حسين بن شرف الدين ابن زين العابدين بن علاء الدين بن شرف الدين بن موسى بن يعقوب ابن شرف الدين بن يوسف بن شرف الدين بن عبد الله بن أحمد ابي ثور ابن عبد الله بن محمد بن عبد الجبار الثورى المقدسي الحنفي جده الاعلى أحمد بن عبد الله دخل حين فتح بيت المقدس راكبا على ثور فعرف بأبي ثور وأقطعه الملك العزيز عثمان بن يوسف بن ايوب ديرمار يقوص وبه دفن وذلك في سنة خمسمائة وأربعة وتسعين وجده الادنى زين العابدين أمه الشريفة راضية بنت السيد محب الدين محمد بن كريم الدين عبد الكريم ابن داود بن سليمان بن محمد بن داود بن عبد الحافظ بن أبي الوفاء محمد بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن السيد زكي الدين سالم الحسيني الوفائي البدرى المقدسي ومن هنا جاء لحفيده المترجم الشرف وهي أخت الجد الرابع للسيد علي المقدسي ويعرف المترجم أيضا بالعسيلي وكأنه من طرف الامهات ولد ببيت المقدس وبها نشأ وقرأ شيئا من المبادىء ثم ارتحل الى دمشق فحضر دروس الشيخ اسمعيل العجلوني (1/562)
ولازمه وأجازه بمروياته وجود الخط على مستعد زاده فمهر فيه وكتب بخطه اشياء ودخل مصر ونزل في رواق الشوام بالازهر واقبل على تحصيل العلم والمعارف فحضر دروس مشايخ الوقت كالشبراوى والحفني والجوهرى ولازم السيد البليدى واستكتب حاشية على البيضاوى وسافر الى الحرمين وجاور بهما وأخذ عن الشيخ محمد حياة والشيخ ابن الطيب ثم قدم مصر وتوجه منها لدار ملك الروم وأدرك بها بعض ما يروم وعاشر الاكابر وعرف اللسان وصار منظورا اليه عند الاعيان ثم قدم مصر مع بعض أمراء الدولة في أثناء سنة 1172 وانضوى الى الشيخ السيد محمد أبي هادى بن وفا وكان صغير السن فألفه وأحبه وادبه وصار يذاكره بالعلم واتحد معه حتى صار مشارا اليه في الامور معولا عليه في المهمات
ولما تولى نقابة السادة الاشراف مضافة الى خلافة الوفائية كان هو كالكتخدا له في أحواله معتمدا عليه في أفعاله وأقواله وداوم على ذلك برهة من الزمان وهو نافذ الكلمة مسموع المقال حسن الحركات والاحوال الى أن توفي الشيخ المشار اليه فضاقت مصر عليه فتوجه الى دار السلطة وقطنها واتخذها دارا وسكنها وأقبل على الافادة ونشر العلوم بالاعادة
وبلغني انه كتب في تلك الايام شرحا على بعض متون الفقه في مذهب الامام وصار مرجع الخواص والعوام مقبولا بالشفاعة عند أرباب الدولة حتى وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله وكان اودع جملة من كتبه بمصر فأرسل بوقفها برواق الشوام فوضعوها في خزانة لنفع الطلبة
ومات الفقيه العلامة الصالح المعمر الشيخ عبد الله بن خزام أبو الطوع الفيومي وغيره وقدم الجامع الازهر فأخذ عن فضلاء عصره وهو احد من يشار اليه في بلده بالفضل وتولى الافتاء فسار بغاية التحرى وبلغني من تواضعه انه كان يأتي اليه احد العوام فيقول له حاجتي في بلد (1/563)
كذا فقم معي تقضيها
فيطيعه ويذهب معه الميلين والثلاثة ويقضيها وقد تكرر ذلك منه وكان له في كل يوم صدقات الخبز على الفقراء والمساكين يفرقها عليهم بيده ولا يشمئز وكانت له معرفة تامة في علم المذهب وغيره من الفنون الغريبة كالفلك والهيئة والميقات وعند آلات لذلك
وكان انسانا حسنا جامعا لادوات الفضائل
توفي يوم الجمعة حادى عشر ربيع الثاني من السنة ولم يخلف بعده مثله
ومات الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد الحباك الشافعي الشاذلي تفقه على الشيخ عيسى البراوى وبه تخرج وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ محمد كشك واليه انتسب ولما توفي جعل شيخا على المريدين وسار فيهم سيرا مليحا
وكان يصلي اماما بزاوية بقلعة الجبل وكان شيخا حسن العشرة لطيف المجاورة طارحا للنكات متواضعا وقد صارت له مريديون وأتباع خاصة غير أتباع شيخه توفي في يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان من السنة
ومات من الامراء الامير ابراهيم بك أوده باشه خنقه مراد بك عفا الله عنه والمسلمين
سنة ست وتسعين ومائة والف
فيها في صفر نزل مراد بك وسرح بالاقاليم البحرية وطاف البلاد بالشرقية وطلب منهم اموالا وفرض عليهم مقادير من المال عظيمة وكلفا وحق طرق معينين وغير ذلك مالا يوصف ثم نزل الى الغربية وفعل بها كذلك ثم الى المنوفية
وفي منتصف شعبان ورد اغا بطلب محمد باشا ملك الى الباب ليتولى الصدارة فنزل من القلعة الى قصر العيني واقام بقية شهر شعبان ونزل في غرة رمضان وسافر الى سكندرية
فكانت مدة ولايته ثلاثة عشر (1/564)
شهرا ونصفا
وهاداه الامراء ولم يحاسبوه على شيء ونزل في غاية الاعزاز والاكرام وكان من افاضل العلماء متضلعا من سائر الفنون ويحب المذاكرة والمباحثة والمسامرة واخبار التورايخ وحكايات الصالحين وكلام القوم وكان طاعنا في السن منور الشيبة متواضعا وحضر الباشا الجديد في اواسط رمضان ونزل اليه الملاقاة وحضر الى مصر في عاشر شوال وطلعوه قصر العيني فبات به وركب بالموكب في صبحها ومر من جهة الصليبة وطلع الى القلعة وذلك على خلاف العادة
وفيه جاءت الاخبار على أيدى السفار الواصلين من اسلامبول بانه وقع بها حريق عظيم لم يسمع بمثله واحترق منها نحو الثلاثة ارباع واحترق خلق كثير في ضمن الحريق وكان أمرا مهولا وبعد ذلك حصل بها فتنة أيضا ونفوا الوزير عزت محمد باشا وبعض رجال الدولة
وفي ليلة السبت ثامن عشر القعدة هرب سليم بيك وابراهيم بيك قشطة وتبعهم جماعة كثيرة نحو الثمانين فخرجوا ليلا على الهجن وجرائد الخيل وذهبوا الى الصعيد وأصبح الخبر شائعا بذلك فأرتبك ابراهيم بيك ومراد بيك ونادى الاغا والوالي بترك الناس المشي من بعد العشاء
من توفي في هذه السنة من الاعيان
توفي الاستاذ الوجيه العظيم السيد محمد افندى البكرى الصديقي نقيب السادة الاشراف بالديار المصرية كان وجيها مبجلا محتشما سار في نقابة الاشراف سيرا حسنا مع الامارة وسلوك الانصاف وعدم الاعتساف ولما توفي ابن عمه الشيخ احمد شيخ السجادة البكرية تولاها بعده بأجماع الخاص والعام مضافة لنقابة الاشراف فحاز المنصبين وكمل له الشرفان
ولم يقم في ذلك الا نحو سنة ونصف
وتوفي يوم السبت عاشر شعبان فحضر مراد بيك الى منزله وخلع على ولده السيد محمد (1/565)
افندى ما كان على والده من مشيخة السجادة البكرية ونقابة الاشراف وجهز وكفن وخرجوا بجنازته من بيتهم بالازبكية وصلوا عليه بالجامع الازهر في مشهد حافل ودفن بمشهد اجداده بالقرافة
ومات الشريف العفيف الوفي الصديق محمد بن زين بأحسن جمل الليل الحسيني باعلوى التريمي الاصل نزيل الحرمين سكن بهما مدة واتصل بخدمة الشيخ القطيب السمد الشيخ باعبود فلوحظ بأنظاره وكان يحترمه ويعترف بمقامه ويحكي عن بعض مكاشفاته ووارداته وصحب كلا من القطب السيد عبد الله مدهر وعارفة وقتها الشريفة فاطمة العلوية والشيخ محمد ابن عبد الكريم السمان والشيخ عبد الله ميرغني وجماعة كثيرين من السادة والواردين على الحرمين من الافاضل وله محاورة لطيفة ولديه محفوظة ومعرفة بدقائق علم الطب وسليقة في التصوف
ورد الى مصر سنة 1181 هو عائد من الروم واجتمع بافاضلها وعاشر شيخنا السيد محمد مرتضى وأفاده وأرشده الى امور مهمة وسافر صحبته لزيارة الشهداء بدمياط ولاقاه أهلها بالاحترام
ثم توجه الى الحرمين الشريفين واقام هناك واجتمع به الشيخ محمد الجوهرى وآخاه في الصحبة وكان مع ما أعطى من الفضائل يتجر بالبضائع الهندية ويتعلل بما يتحصل منها وبآخرة سافر الى الديار الهندية وبها توفي في هذه السنة
ومات العمدة الفاضل واللوذعي الكامل الرحلة الدراكة بقية السلف الورع الصالح الزاهد الشيخ موسى بن داود الشيخوني الحنفي امام جامع شيبون وخطيبه وخازن كتبه وكان انسانا حسنا عظيم النفس منور الشيبة ضخم البدن فقيها مستحضرا المناسبات مهذب النفس لين الجانب تقيا معتقدا ولما توقف الامير أحمد باشجاويش كتبه التي جمعها وضعها بخزانة كتب الوقف تحت يد المترجم لاعتقاده فيه الديانة والصيانة رحمهما الله تعالى (1/566)
سنة سبع وتسعين ومائة والف
فيها تسحب ايضا جماعة من الكشاف والمماليك وذهبوا الى قبلي فشرعوا في تجهيز تجريدة وعزم مراد بك على السفر وأخذ في تجهيز اللوازم فطلب الاموال فقبضوا على كثير من مساتير الناس والتجار والمتسببين وحبسوهم وصادروهم في اموالهم وسلبوا ما بأيديهم
فجمعوا من المال ما جاوز الحد ولا يدخل تحت العد
وفي منتصف ربيع الآخر برز مراد بك للسفر وأخرج خيامه الى جهة البساتين وخرج صحبته الامير لاجين بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر وسليمان بك أبو نبوت وكشافهم ومماليكهم وطوائفهم وسافروا بعد ايام
وفي أواخر جمادى الثانية وردت الاخبار بان رضوان بيك قرابة علي بك حضر الى مراد بك وانضم اليه فلما فعل ذلك انكسرت قلوب الآخرين وانخذلوا ورجعوا القهقرى ورجع مراد بك أيضا الى مصر في منتصف شهر رجب وترك هناك مصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر
وفي يوم الخميس سادس عشرين رجب اتفق مراد بك وابراهيم بك على نفي جماعة من خشداشينهم وهم ابراهيم بك الوالي وأيوب بك الصغير وسليمان بك الاغا ورسموا لايوب بك أن يذهب الى المنصورة فأبى وامتنع من الخروج فذهب اليه حسن كتخدا الجربان كتخدا مراد بك واحتال عليه فركب وخرج الى غيظ مهمشة ثم سافر الى المنصورة
واما ابراهيم بك الوالي فركب بطوائفه ومماليكه وعدى الى بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظة ولاجين بك وحجزوا هجنه وجماله عند المعادى وعدوا خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه وردوه الى قصر العيني ثم سفروه الى ناحية السرو (1/567)
ورأس الخليج
واما سليمان بك فانه كان غائبا بأقليم الغربية والمنوفية يجمع من الفلاحين فردا وأموالا ومظالم فلما بلغه الخبر رجع الى منوف فحضر اليه المعينون لنفيه وأمروه بالذهاب الى المحلة الكبرى فركب بجماعته واتباعه فوصل الى مسجد الخضر فاجتمع بأخيه ابراهيم بك الوالي هناك فأخذه صحبته وذهبا الى جهة البحيرة
وفي يوم الاحد غاية شهر رجب طلع الامراء الى الديوان وقلدوا خمسة من اغوات الكشاف صناجق وهم عبد الرحمن خازندار ابراهيم بك سابقا وقاسم أغا كاشف المنوفية سابقا وعرف بالموسقو وهو من مماليك محمد بك واشراق ابراهيم بك وحسين كاشف وعرف بالشفت بمعنى اليهودى وعثمان كاشف ومصطفى كاشف السلحدار وهؤلاء الثلاثة من طرف مراد بك
وفي شهر شعبان وردت الاخبار من ثغر سكندرية بوصول باشا الى الثغر واسمه محمد باشا السلحدار واليا على مصر فنزل الباشا القديم من القلعة الى القصر بشاطىء النيل
وفي أواخر شعبان وصل سلحدار الباشا الجديد بخلعة قائمقامية لابراهيم بك
وفيه وصلت الاخبار بأن سليمان بك وابراهيم بك رجعوا من ناحية البحيرة الى طندتا وجلسوا هناك وأرسلوا جوابات الى الامراء بمصر بذلك وانهم يطلبون أن يعينوا لهم ما يتعيشون به
وفيه أرسلوا خلعة الى عثمان بك الشرقاوى بان يستقر حاكما بجرجا زطلبوا مصطفى بك وسليمان بك أبا نبوت وعثمان بك الاشقر للحضور الى مصر فحضروا واستقر عثمان بك الشرقاوى بجرجا
وفي غرة رمضان هرب سليمان بك الاغا وابراهيم بك الوالي من طندتا وعدوا الى شرقية بلبيس ومروا من خلف الجبل وذهبوا الى جهة الصعيد (1/568)
رجع علي كتخدا ويحيى كتخدا وسليمان بك الى مصر بالحملة والجمال وبعض مماليك وأجناد
وفي أواخر رمضان هرب أيضا أيوب بك من المنصورة وذهب الى الصعيد أيضا وتواترت الأخبار بأنهم اجتمعوا مع بعضهم واتفقوا على العصيان فأرسلوا لهم محمد كتخدا أباظة واحمد اغا جمليان وطلبوهم الى الصلح ويعينون لهم أماكن يقيمون بها ويرسلون لهم احتياجاتهم فأتوا ذلك فطلبوا عثمان بك الشرقاوى ومصطفى بك للحضور فامتنعا أيضا وقالا لا نحضر ولا نصلح الا ان رجع اخواننا رجعنا معهم ويردون لهم امرياتهم وبلادهم وبيوتهم ويعطلوا من صنجوقه وامروه عوضهم
فلما حضر الجواب بذلك شرعوا في تجهيز تجريدة وأخذوا يفتشون أماكن الامراء المذكورين فأخذوا ما وجدوه بمنزل مصطفى بك واتهموا أناسا بأمانات وودائع لمصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى منهم الدالي ابراهيم وغيره فجمعوا بهذه النكتة أموالا كثيرة حقا وباطلا
وفي يوم الخميس عشرين شهر شوال كان خروج المحمل والحجاج وأمير الحاج مصطفى بك الكبير ولما انقضى أمر الحج برزوا للتجريدة وأميرها ابراهيم بك الكبير وجمعوا المراكب وحجزوها من أربابها وعطلوا أسباب التجار والمسافرين وجمعوا الاموال كما تقدم من المصادرات والملتزمين والفلاحين وغير ذلك وكان أمرا مهولا أيضا وبعد أيام وصل الخبر بان ابراهيم بك ضمنهم للصلح واصطلح معهم وانه واصل صحبتهم جميعا
وفي سادس عشر ذى القعدة حضر ابراهيم بك ووصل بعده الجماعة ودخلوا الى مصر وسكنوا في بيوت صغار ما عدا عثمان بك ومصطفى بك فانهم نزلوا في بيوتهم وحضر صحبتهم أيضا علي بك وحسين بك الاسماعيلية فلم يعجب مراد بك ما فعله ابراهيم بك ولكن اسره في نفسه ولم يظهره (1/569)
وركب للسلام على ابراهيم بك فقط في الخلاء ولم يذهب الى أحد من القادمين وسكن الحال على ذلك أياما وشرع ابراهيم بك في اجراء الصلح وصفاء الخاطر بينهم وبين مراد بك وأمرهم بالذهاب اليه فذهبوا اليه وسلموا عليه ثم ركب هو الآخر اليهم ما عدا الثلاثة المعزولين وكل ذلك وهو ينقل في متاع بيته وتعزيل ما فيه ثم إنه ركب في يوم الجمعة وعدى الى جزيرة الذهب وتبعه كشافه وطوائفه وأرسل الى بولاق واخذ منها الارز والغلة والشعير والبقسماط وغير ذلك فأرسل له ابراهيم بك لاجين بك وسليمان بك أبا نبوت ليردوه عن ذلك فنهرهم وطردهم فرجعوا ثم انه عدى الى ناحية الشرق وذهب الى قبلي وتبعه اغراضه وأتباعه وحملته من البر والبحر
وفي هذه السنة قصر مد النيل وانهبط قبل الصليبة بسرعة فشرقت الاراضي القبلية والبحرية وعزت الغلال بسبب ذلك وبسبب نهب الامراء وانقطاع الوارد من الجهة القبلية وشطح سعر القمح الى عشرة ريالات الاردب واشتد جوع الفقراء
ووصل مراد بك الى بني سويف وأقام هناك وقطع الطريق على المسافرين ونهبوا كل ما مر بهم في المراكب الصاعدة والهابطة
من مات في هذه السنة من الاعيان
توفي الفقيه النبيه العمدة الفاضل حاوى أنواع الفضائل الشيخ أحمد ابن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد السجاعي الشافعي الازهري ولد بمصر ونشأ بها وقرأ على والده وعلى كثير من مشايخ الوقت وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعد موته في مواضعه وصار من اعيان العلماء وشارك في كل علم وتميز بالعلوم الغربية ولازم الوالد وأخذ عنه علم الحكمة والهداية وشرحها للقاضي زاده قراءة بحث وتحقيق (1/570)
والجغميني ولقط الجواهر والمجيب والمقنطر وشرح اشكال التأسيس وغير ذلك وله في تلك الفنون تعاليق ورسائل مفيدة وله براعة في التأليف ومعرفة باللغة وحافظة في الفقه
ومن تأليفه شرح على دلائل الخيرات كالحاشية مفيد وشرح على اسماء الله الحسنى قرظ عليه الشيخ عبد الله الادكاوى رحمه الله تعالى هذا وكان ممن منحه الله أسرارها وأظهر أنوارها فأوضح من معانيها ما خفي ومنح طلابها كنزا يتنافس في مثله انبل الفضلاء وافضل النبلاء احمد الاسم محمود الصفات على الفعل حسن القول والذات نجل العلم العلامة العمدة الفهامة كعبة الافضال وقبلة الاجلال من تقصر عن تعداد محاسنه ولو طولت باعي مولانا الشيخ احمد السجاعي حفظ الله عليه نجله الرشيد واراه منه ما يسر القريب والبعيد وحين لمحت عيني ما كتب مما حقه ان يرقم بدل الحبر بالذهب عوذته بالله من عين كل حسود وعملت انه ان شاء الله تعالى سيسود وتطأ اخمصه اعناق الاسود
وسمع المترجم معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى من الامالي وعدة مجالس من البخارى وجزء بن شاهد الجيش والعوالي المروية عن احمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر المسماة بسلسلة الذهب وغير ذلك
ومن فوائد المترجم انه رأى في المنام قائلا يقول له من قال كل يوم يا الله يا جبار يا قهار يا شديد البطش ثلثمائة وستين مرة أمن من الطاعون
توفي ليلة الاثنين سادس عشر صفر من السنة بعد ان تعلل بالاستسقاء وصلي عليه بالغد بالجامع الازهر ودفن عند أبيه بالبستان رحمه الله تعالى
ومات الشيخ الصالح الناسك الصوفي الزاهد سيدي احمد بن علي ابن جميل الجعفرى الجزولي السوسي من ولد جعفر الطيار ولد بالسوس واشتغل بالعلم قليلا على علماء بلاده ثم ورد الى مصر في 1182 فحج ورجع وقرأ معنا على الشيخ الوالد كثيرا من الرياضيات مع مشاركة (1/571)
سيدى محمد وسيدى أبي بكر ولدى الشيخ التاودى بن سودة حين وردا مع ابيهما في تلك السنة للحج والشيخ سالم القيرواني ثم غلب عليه الجذب فساح وذهب الى الروم مجاهدا وأصيب بجراحات في بدنه وعولج حتى برأ وتعلم اللغة التركية وعرضت عليه الدنيا فلم يقبلها والغالب عليه اخفاء الحال
وورد الى مصر في سنة احدى وتسعين وتزوج بمصر وأقام بها مع كمال العفة والديانة وسلامة الباطن والانجماع عن الناس مع صفاء الخاطر والذوق المتين والميل الى كتب الشيخ الاكبر والشعراني وزيارة القرافتين في كل جمعة على قدميه
أحببت لقاء الله تعالى توفي في ثالث ربيع الاول من السنة ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى
ومات العمدة العلامة والحبر الفهامة قدوة المتصدرين ونخبة المفهمين النبيه المتفنن الشيخ محمد بن ابراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني الشافعي الازهري الشهير بأبي الارشاد ولد سنة 1154 وحفظ القرآن وتفقه على الشيخ المدابغي والبراوى والشيخ عبدالله السجيني وحضر دروس الشيخ الصعيدي وغيره وأجاز أشياخ العصر وافتى ودرس وتولى مشيخة رواق الشراقوة بالازهر بعد وفاة خاله الشيخ عبدالرؤوف واشتهر ذكره وانتظم في عداد المشايخ المشار اليهم بالازهر وفي الجمعيات والمجالس عند الامراء ونظار الازهر وفي الاخبار وله مؤلفات في الفنون وكتب حاشية على الخطيب على أبي شجاع الا أنها لم تكمل ورسائل في مستصعبات المسائل بالمنهج وصنف رسالة تتعلق بنداء المؤمنين بعضهم بعضا في الجنة
توفي في أواخر القعدة
ومات الامام الهمام العلامة المقدام المتقن المتفنن المفيد الشيخ يوسف الشهير برزة الشافعي الازهرى أحد العلماء المحصلين والاجلاء المفيدين تفقه على الشيخ العلامة الشيخ أحمد رزة واليه انتسب وبه اشتهر وحضر على كل من الشيخ الحفناوى والشيخ أحمد البجرمي والشيخ عيسى (1/572)
البراوى ودرس الفقه والمعقول بالازهر وأفاد وأفتى وصار في عداد المتصدرين المشار اليهم مع الانجماع والحشمة والكمال والرئاسة وحسن الحال ولم يتداخل كغيره في الامور المخلة
ولم يزل مقبلا على شأنه حتى توفي في عاشر جمادى الاولى من السنة
ومات الشيخ الصالح الورع علي بن عبد الله مولى الامير بشير جلبه مولاه من بلاد الروم وحبب اليه السلوك فلازم الشيخ الحفني ملازمة كلية وأخذ عنه الطريق وحضر دروسه وسمع الصحيح على السيد مرتضى بتمامة في منزله بدرب الميضاة بالصليبة وكذلك مسلم وأبو داود وغير ذلك من الاجزاء الحديثة ومسلسلات بن عقيلة بشروطها وغالبها بقراءة السيد حسين الشيخوني
وكان انسانا حلو المعاشرة كثير التودد لطيف الصحبة مكرما محسنا خيرا له بر وصدقات خفية توفي في يوم الاحد تاسع عشرين رجب بعد ان تعلل بالفتق عن كبر وصلي عليه بسبيل المؤمنين ودفن بالقرب من شيخنا محمود الكردى بالصحراء
وكان منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار وهيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى رحمه الله تعالى
ومات الشيخ الصالح عيسى بن أحمد القهاوى الوقاد بالمشهد الحسيني وخادم النعال بالموضع المذكور كان رجلا مسنا سخيا بما يملك مطعاما للواردين من الغرباء المنقطعين وأدرك جماعة من الصالحين وكان يحكي لنا عليهم امورا غريبة وله مع الله حال وفي فهم كلام القوم وذوق حسن وللناس فيه اعتقاد عظيم
وفي أخرة أعجزة الهرم والقعود فتوجه الى طندتا في آخر ربيع الثاني ومكث هناك برحاب سيدي احمد البدوى الى أن توفي يوم الاربعاء ثاني عشر جمادى الثانية ودفن عند مقام الولي الصالح سيدي عز الدين خارج البلد في موضع كان أعده السيد محمد مجاهد لنفسه فلم يتفق دفنه فيه (1/573)
ومات العلامة الفاضل المحدث الصوفي الشيخ أحمد بن أحمد بن احمد ابن جمعة البجيرمي الشافعي قرأ على أبيه وحضر درس العشماوى والعزيزى والجوهرى والشيخ أحمد سابق والحفني وآخرون ودرس واكب على اقراء الحديث وألف في الفن وانتفع به الناس وكان يسكن في خانقاه سعيد السعداء مع سكون الاخلاق والانجماع عن الناس وملازمة محله ولا زال يفيد ويسمع حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة ثاني رمضان وكانت جنازته خفيفة لاشتغال الناس بالصيام وكان يخبر عن والده ان جنازته كانت خفيفة رحمه الله
ومات الفاضل المبجل سيدى عيسى جلبي بن محمود بن عثمان ابن مرتضى القفطانجي الحنفي المصرى ولد بمصر ونشأ صالحا في عفاف وصلاح وديانة وملازمة لحضور دروس الاشياخ وتفقه على فضلاء وقته مثل الشيخ الوالد والشيخ حسن المقدسي وأخذ العربية والكلام عن الشيخ محمد الامير والشيخ أحمد البيلي وغيرهما واقتنى كتبا نفيسة وكان منزله موردا للفضلاء وكان يعزم عليهم ويعمل لهم الضيافات في كل عام ببستان خارج مصر يعرف ببستان القفطانجي ورثه عن آبائه وكان نعم الرجل مودة وصيانة رحمه الله تعالى وسامحه
سنة ثمان وتسعين ومائة والف
فيها في المحرم سافر مراد بك الى منية بن خصيب مغضبا وجلس هناك
وفيه حضر الى مصر محمد باشا والي مصر فأنزلوه بقصر عبد الرحمن كتخدا بشاطىء النيل فأقام به يومين ثم عملوا له موكبا وطلع الى القلعة من تحت الربع على الدرب الأحمر
وفي منتصفه اتفق رأى ابراهيم بك والامراء الذين معه على ارسال محمد افندى البكرى والشيخ أبي الانوار شيخ السادات والشيخ أحمد (1/574)
العروسي شيخ الازهر الى مراد بك ليأخذوا خاطره ويطلبوه للصلح مع خشداشينه ويرجع اليهم ويقبلوا شروطه ما عدا اخراج احد من خشداشينهم
فلما سافروا اليه وواجهوه وكلموه في الصلح تعلل باعذار واخبر انه لم يخرج من مصر الا هروبا خوفا على نفسه فانه تحقق عنده توافقهم على غدره فان ضمنتهم وحلفتم لي بالايمان انه لا يحصل لي منهم ضرر وافقتكم على الصلح والا فدعوني بعيدا عنهم
فقالوا له لسنا نطلع على القلوب حتى نحلف ونضمن ولكن الذى نظنه ونعتقده عدم وقوع ذلك بينكم لانكم اخوة ومقصودنا الراحة فيكم وبراحتكم ترتاح الناس وتأمن السبل فأظهر الامتثال ووعد بالحضور بعد ايام وقال لهم اذا وصلتم الى بني سويف ترسلون لي عثمان بك الشرقاوى وأيوب بك الدفتردار لاشترط عليهم شروطي فان قبلوها توجهت معهم والا عرفت خلاصي معهم
وانفصلوا عنه على ذلك وودعوه وسافروا وحضروا الى مصر في ليلة الجمعة ثالث عشرين شهر صفر
وفي ذلك اليوم وصل الحجاج الى مصر ودخل أمير الحج مصطفى بك بالمحمل في يوم الاحد
وفي يوم السبت مستهل ربيع الاول خرج الامراء الى ناحية معادي الخبير وحضر مراد بك الى بر الجيزة وصحبته جمع كبير من الغز والاجناد والعربان والغوغاء من أهل الصعيد والهوارة ونصبوا خيامهم ووطاقهم قبالتهم في البر الآخر فأرسل اليه ابراهيم بك عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وآخرين في مركب فلما عدوا اليه لم يأذن لهم في مقابلته وطردهم ونزل ايضا كتخدا الباشا وصحبته اسمعيل افندى الخلوتي في مراكب أخرى ليتوجهوا اليه ايضا لجريان الصلح فلما توسطوا البحر ووافق رجوع الاولين ضربوا عليهم بالمدافع فكادت تغرق بهم السفن ورجعوا وهم لا يصدقون بالنجاة
فلما رأى ذلك ابراهيم بك ونظر امتناعه (1/575)
عن الصلح وضربه بالمدافع امر هو الآخر بضرب المدافع عليهم نظير فعالهم
وكثر الرمي بينهم من الجهتين على بعضهم البعض وامتنع كل من الفريقين عن التعدية الى الجهة الاخرى وحجزوا المعادى من الطرفين
واستمر الحال بينهم على ذلك من أول الشهر الى عشرين منه واشتد الكرب والضنك على الناس وأهل البلاد وانقطعت الطرق القبلية والبحرية برا وبحرا وكثر تعدى المفسدين وغلت الاسعار وشح وجود الغلال وزادت أسعارها
وفي تلك المدة كثر عبث المفسدين وأفحش جماعة مراد بك في النهب والسلب في بر الجيزة وأكلوا الزروعات ولم يتركوا على وجه الارض عودا اخضر وعين لقبض الاموال من الجهات وغرامات الفلاحبن وظن الناس حصول الظفر لمراد بك واشتد خوف الامراء بمصر منه
وتحدث الناس بعزم ابراهيم بك على الهروب فلما كان ليلة الخميس المذكور أرسل ابراهيم بك المذكور خمسة من الصناجق وهم سليمان بك الاغا وسليمان ابو نبوت وعثمان بك الاشقر وابراهيم بك الوالى وايوب بك فعدوا الى البر الآخر بالقرب من أنبابه ليلا وساروا مشاة فصادفوا طابورا فضربوا عليهم بالبندق فانهزموا منهم وملكوا مكانهم وذلك بالقرب من بولاق التكرور كل ذلك والرمى بالمدافع متصل من عرضى ابراهيم بك ثم عدى خلفهم جماعة اخرى ومعهم مدفعان وتقدموا قليلا من عرضى مراد بك وضربوا على العرضى بالمدفعين فلم يجبهم احدا فباتوا على ذلك وهم على غاية من الحذر والخوف
وتتابع بهم طوائفهم وخيولهم فلما ظهر نور النهار نظروا فوجدوا العرضى خاليا وليس بة احد وارتحل مراد بك ليلا وترك بعض اثقالة ومدافعة فذهبوا الى العرضى وأخذوا ما وجدوه وجلسوا مكانة ونهب اوباشة المراكب التى كانت محجوزة للناس
وعدى ابراهيم بك وتتابعوا فى التعدية وركبوا خلفهم الى الشيمى فلم يجدوا احدا فأقاموا هناك السبت والاثنين والثلاثاء ورجع ابراهيم بك (1/576)
وبقية الامراء الى مصر ودخلوا بيوتهم
وانقضت هذة الفتنة الكذابة على غير طائل ولم يقع بينهم مصاف ولا مقاتلة وهرب مراد بك وذهب بمن معة يهلكون الزرع حصادا ويسعون فى الارض فسادا
وفي أواخر شهر جمادى الاولى اتفق رأى ابراهيم بك على طلب الصلح مع مراد بك فسافر لذلك لاجين بك وعلي أغا كتخدا جاووجان وسبب ذلك ان عثمان بك الشرقاوى وأيوب بك ومصطفى بك وسليمان بك وابراهيم بك الوالي تحزبوا مع بعضهم واخذوا ينقضون على ابراهيم بك الكبير واستخفوا بشأنه وقعدوا له كل مرصد وتخيل منهم وتحزر وجرت مشاجرة بين أيوب بك أغا كتخدا جاوجان بحضرة ابراهيم بك وسبه وشتمه وأمسك عمامته وحل قولانه وقال له ليس هذا المنصب مخلدا عليك فاغتاظ ابراهيم بك لذلك وكتمه في نفسه وعز عليه علي أغا لانه كان بينه وبينه محبة أكيدة ولا يقدر على فراقه فشرع في اجراء الصلح بينه وبين مراد بك فاجتمع اليه الامراء وتكلموا معه فقال نصطلح مع أخينا أولى من التشاحن ونزيل الغل بيننا لاجل راحتنا وراحة الناس ويكون كواحد منا وان حصل منه خلل أكون انا وأنتم عليه
وتحالفوا على ذلك وسافر لاجين بك وعلي أغا وبعد أيام حضر حسن كتخدا الجريان كتخدا مراد بك الى مصر واجتمع بابراهيم بك ورجع ثانيا وارسل ابراهيم بك صحبته ولده مرزوق بك طفلا ومعه الدادة والمرضعة فلما وصلوا الى مراد بك أجاب بالصلح وقدم لمرزوق بك هدية وتقادم ومن جملتها بقرة ولابنتها رأسان
وفي عاشر رجب حضر مرزوق بك وصحبته حسن كتخدا الجريان فأوصله الى أبيه ورجع ثانيا الى مراد بك وشاع الخبر بقدوم مراد بك وعمل مصطفى بك وليمة وعزم من بصحبته واحضر لهم آلات الطرب واستمروا على ذلك الى آخر النهار (1/577)
وفي ثاني يوم اجتمعوا عند ابراهيم بك وقالوا له كيف يكون قدوم مراد بك ولعله لا يستقيم حاله معنا فقال لهم حتى يأتي فان استقام معنا فيها والا اكون انا وأنتم عليه
فتحالفوا وتعاهدوا واكدوا المواثيق
فلما كان يوم الجمعة وصل مراد بك الى غمازة فركب ابراهيم بك على حين غفلة وقت القائلة في جماعته وطائفته وخرج الى ناحية البساتين ورجع من الليل وطلع الى القلعة وملك الابواب ومدرسة السلطان حسن والرميلة والصليبة والتبانة وأرسل الى الأمراء الخمسة يأمرهم بالخروج من مصر وعين لهم اماكن يذهبون اليها فمنهم من يذهب الى دمياط ومنهم من يذهب الى المنصورة وفارسكور فامتنعوا من الخروج واتفقوا على الكرنكة والخلاف ثم لم يجدوا لهم خلاصا بسبب ان ابراهيم بك ملك القلعة وجهاتها ومراد بك واصل يوم تاريخه وصحبته السواد الاعظم من العساكر والعربان ثم انهم ركبوا وخرجوا بجمعيتهم الى ناحية القليوبية ووصل مراد بك لزيارة الامام الشافعي فعندما بلغه خبر خروجهم ذهب من فوره من خلف القلعة ونزل على الصحراء واسرع في السير حتى وصل الى قناطر ابي المنجا ونزل هناك وارسل خلفهم جماعة فلحقوهم عند شبرا شهاب وادركهم مراد بك والتطموا معهم فتقنطر مراد بك بفرسه فلحقوه واركبوه غيره فعند ذلك ولى راجعا وانجرح بينهم جماعة قلائل واصيب سليمان بك برصاصة نفذت من كتفه ولم يمت ورجع مراد بك ومن معه الى مصر على غير طائل وذهب الامراء الخمسة المذكورون وعدوا على وردان وكان بصحبتهم رجل من كبار العرب يقال له طرهونة يدلهم على الطريق الموصلة الى جهة قبلي فسار بهم في طريق مقفرة ليس بها ماء ولا حشيش يوما وليلة حتى كادوا يهلكون من العطش وتأخر عنهم اناس من طوائفهم وانقطعوا عنهم شيئا فشيئا الى ان وصلوا الى ناحية سقارة فرأوا أنفسهم بالقرب من الاهرام فضاق خناقهم وظنوا الوقوع (1/578)
فأحضروا الهجن وارادوا الركوب عليها والهروب ويتركوا اثقالهم فقامت عليهم طوائفهم وقالوا لهم كيف تذهبون وتتركونا مشتتين
وصار كل من قدر على خطف شيء أخذه وهرب فسكنوا عن الركوب وانتقلوا من مكانهم الى مكان آخر
وفي وقت الكبكبة ركب مملوك من مماليكهم وحضر الى مراد بك وكان بالروضة فاعلمه الخبر فأرسل جماعة الى الموضع الذى ذكره له فلم يجدوا أحدا فرجعوا واغتم اهل مصر لذهابهم الى جهة قبلي لما يترتب على ذلك من التعب وقطع الجالب مع وجود القحط والغلاء
وبات الناس في غم شديد
فلما طلع نهار يوم الاربعاء حادى عشرين رجب شاع الخبر بالقبض عليهم وكان من أمرهم انهم لما وصلوا الى ناحية الاهرام ووجدوا أنفسهم مقابلين البلد أحضروا الدليل وقالوا له انظر لنا طريقا تسلك منه فركب لينظر في الطريق وذهب الى مراد بك وأخبره بمكانهم فأرسل لهم جماعة فلما نظروهم مقبلين عليهم ركبوا الهجن وتركوا اثقالهم وولوا هاربين وكانوا كمنوا لهم كمينا فخرج عليهم ذلك الكمين ومسكوا بزمامهم من غير رفع سلاح ولا قتال وحضروا بهم الى مراد بك بجزيرة الذهب فباتوا عنده ولما أصبح النهار أحضر لهم مراد بك مراكب وأنزل كل امير في مركب وصحبته خمسة مماليك وبعض خدام وسافروا الى جهة بحرى فذهبوا بعثمان بك وأيوب بك الى المنصورة ومصطفى بك الى فارسكور وابراهيم بك الوالي الى طندتا واما سليمان بك فاستمر ببولاق التكرور حتى برأ جرحه
وفي منتصف شهر رمضان اتفق الامراء المنفيون على الرهوب الى قبلي فأرسلوا الى ابراهيم بك الوالي ليأتي اليهم من طندتا وكذلك الى مصطفى بك من فارسكور وتواعدوا على يوم معلوم بينهم فحضر ابراهيم بك الى عثمان بك وايوب بك خفية في المنصورة وأما مصطفى بك فإنه نزل في المراكب وعدى الى البر الشرقي بعد الغروب وركب (1/579)
وسافر فركب خلفه رجل يسمى طه شيخ فارسكور وكان بينه وبين مصطفى بك خرازة وأخذ صحبته رجلا يسمى الاشقر في نحو ثلثمائة فارس وعدوا خلفه فلحقوه آخر الليل والطريق ضيقة بين البحر والارز المزروع فلم يمكنهم الهروب ولا القتال
فأراد الصنجق ان يذهب بمفرده فدخل في الارز بفرسه فانغرز في الطين فقبضوا عليه هو وجماعته فعروهم وأخذوا ما كان معهم وساقوهم مشاة الى البحر وانزلوهم المراكب وردوهم الى مكانهم محتفظين عليهم
وارسلوا الخبر الى مصر بذلك
واما الجماعة الذين في المنصورة فانهم انتظروا مصطفى بك في الميعاد فلم يأتهم ووصلهم الخبر بما وقع له فركب عثمان بك وابراهيم بك وساروا وتخلف ايوب بك المنصورة فلما قربوا من مصر سبقتهم الرسل الى سليمان بك فركب من الجيزة وذهب اليهما وذهبوا الى قبلي وارسل مراد بك محمد كاشف الالفي وايوب كاشف فأخذا مصطفى بك من فارسكور وتوجها به الى ثغر سكندرية وسجنوه بالبرج الكبير
وعرف من اجل ذلك بالاسكندراني
واحضروا ايوب بك الى مصر واسكنوه في بيت صغير وبعد ايام ردوه الى بيته الكبير وردوا له الصنجقية ايضا في منتصف شوال
وفي يوم الاثنين سادس شهر شوال الموافق التاسع عشر مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا يوم الثلاثاء في عربة وكسر السد على العادة
وفي يوم الاثنين حادى عشرين شوال كان خروج المحمل صحبة امير الحاج مصطفى بك الكبير في موكب حقير جدا بالنسبة للمواكب المتقدمة ثم ذهب الى البركة في يوم الخميس وقد كان تأخر له مبلغ من مال الصرة وخلافها فطلب ذلك من ابراهيم بك فأحاله على مراد بك من الميرى الذى طرفه وطرف اتباعه واحال عليه امير الحاج وركب من البركة راجعا الى مصر وتركه واياه فلم يسع مراد بك الا الدفع وتشهيل الحج وعاد الى مصر (1/580)
وخرج الى قصره بالروضة وارسل الى الجماعة الذين بالوجه القبلي فلما علم ابراهيم بك بذلك ارسل اليه يستعطفه وترددت بينهما الرسل من العصر الى بعد العشاء ونظر ابراهيم بك فلم يجد عنده احدا من خشداشينه
واجتمه واكلهم على مراد بك فضاق صدره وركب الى الرميلة فوقف بها ساعة حتى أرسل الحملة صحبة عثمان بك الأشقر وعلي بك أباظة وصبر حتى ساروا وتقدموا عليه مسافة ثم سار نحو الجبل وذهب الى قبلي وصحبته علي اغا كتخدا الجاويشية وعلي أغا مستحفظان والمحتسب وصناجقه الاربعة فلما بلغ مراد بك ركوبه وذهابه ركب خلفهم حصة من الليل ثم رجع الى مصر واصبح منفردا بها وقلد قائد اغا اغات مستحفظان وصالح اغا الوالي القديم وجعله كتخدا الجاويشية وحسن اغا كتخدا ومصطفى بك محتسب وأرسل الى محمد كاشف الالفي ليحضر مصطفى بك من محبسه بثغر اسكندرية ونادى بالامان في البلد وزيادة وزن الخبز وأمر باخراج الغلال المخزونة لتباع على الناس
وفي ليلة الثلاثاء خامس القعدة حضر مصطفى بك ونزل في بيته اميرا وصنجقا على عادته كما كان
وفيه قلد مراد بك مملوكه محمد كاشف الألفي صنجقا مصطفى كاشف وصنجقا الاخميمي صنجقا أيضا
وفي يوم الاحد سابع عشر القعدة حضر عثمان بك الشرقاوى وسليمان بك الاغا وابراهيم بك الوالي وسليمان بك أبو نبوت وكان مراد بك أرسل يستدعيهم كما تقدم
فلما حضروا الى مصر سكنوا بيوتهم كما كانوا على امارتهم
وفي اواخره وصل واحد أغا من الدولة وبيده مقرر للباشا على السنة الجديدة فطلب الباشا الامراء لقراءاته عليهم فلم يطلع منهم أحد واهمل ذلك مراد بك ولم يلتفت اليه (1/581)
وفي يوم الجمعة رابع عشر الحجة رسم مراد بك بنفي رضوان بك قرابة علي بك الكبير الذى كان خامر على اسمعيل بك وحسن بك الجداوى وحضر مصر صحبة مراد بك كما تقدم وانضم اليه وصار من خاصته فلما خرج ابراهيم بك من مصر اشيع انه يريد صلحه مع اسمعيل بك وحسن بك بك فصار رضوان بك كالجملة المعترضة فرسم مراد بك بنفيه فسافر من ليلته الى الاسكندرية
وفي يوم السبت خامس عشرة أرسل مراد بك الى الباشا وأمره بالنزول فأنزلوه الى قصر العيني معزولا وتولى مراد بك قائم مقام وعلق الستور على بابه فكانت ولاية هذا الباشا احد عشر شهرا سوى الخمسة أشهر التي أقامها بثغر سكندرية وكانت أيامه كلها شدائد ومحنا وغلاء
وفي أواخر شهر الحجة شرع مراد بك في اجراء الصلح بينه وبين ابراهيم بك فأرسل له سليمان بك الاغا والشيخ أحمد الدردير ومرزوق بك ولده فتهيأوا وسافروا في يوم السبت ثامن عشرينه
وانقضت هذه السنة كالتي قبلها في الشدة والغلاء وقصور النيل والفتن المستمرة وتواتر المصادرات والمظالم من الامراء وانتشار أتباعهم في النواحي لجبي الاموال من القرى والبلدان واحداث أنواع المظالم ويسمونها مال الجهات ودفع المظالم والفردة حتى أهلكوا الفلاحين وضاق ذرعهم واشتد كربهم وطفشوا من بلادهم فحولوا الطلب على الملتزمين وبعثوا لهم المعينين في بيوتهم فاحتاج مساتير الناس لبيع أمتعتهم ودورهم ومواشيهم بسبب ذلك مع ما هم فيه من المصادرات الخارجة عن ذلك وتتبع من يشم فيه رائحة الغنى فيؤخذ ويحبس ويكلف بطلب اضعاف ما يقدر عليه وتوالى طلب السلف من تجار البن والبهار عن المكوسات المستقيلة
ولما تحقق التجار عدم الرد استعوضوا خساراتهم من زيادة الاسعار ثم مدوا أيديهم الى المواريث فاذا مات الميت أحاطوا بموجوده (1/582)
سواء كان له وارث أولا
وصار بيت المال من جملة المناصب التي يتولاها شرار الناس بجملة من المال يقوم بدفعه في كل شهر ولا يعارض فيما يفعل في الجزئيات وأما الكليات فيختص بها الامير
فحل بالناس مالا يوصف من أنواع البلاء الا من تداركه الله برحمته او اختلس شيئا من حقه فان اشتهروا عليه عوقب على استخراجه
وفسدت النيات وتغيرت القلوب ونفرت الطباع وكثر الحسد والحقد في الناس لبعضهم البعض فيتتبع الشخص عورات اخيه ويدلي به الى الظلم حتى خرب الاقليم وانقطعت الطرق وعربدت أولاد الحرام وفقد الامن ومنعت السبل الا بالخفارة وركوب الغرر وجلت الفلاحون من بلادهم من الشراقي والظلم وانتشروا في المدينة بنسائهم وأولادهم يصيحون من الجوع ويأكلون ما يتساقط في الطرقات من قشور البطيخ وغيره فلا يجد الزبال شيئا يكنسه من ذلك واشتد بهم الحال حتى أكلوا الميتات من الخيل والحمير والجمال فاذا خرج حمار ميت تزاحموا عليه وقطعوه وأخذوه ومنهم من يأكله نيئا من شدة الجوع ومات الكثير من الفقراء بالجوع
هذا والغلاء مستمر والاسعار في الشدة وعز الدرهم والدينار من أيدى الناس وقل التعامل الا فيما يؤكل وصار سمر الناس وحديثهم في المجالس ذكر المآكل والقمح والسمن ونحو ذلك لاغير ولولا لطف الله تعالى ومجيء الغلال من نواحي الشام والروم لهلكت أهل مصر من الجوع
وبلغ الاردب من القمح ألفا وثلثمائة نصف فضة والفول والشعير قريبا من ذلك وأما بقية الحبوب والابزار فقل ان توجد
واستمر ساحل الغلة خاليا من الغلال بطول السنة والشون كذلك مقفولة وارزاق الناس وعلائفهم مقطوعة وضاع الناس بين صلحهم وغبنهم وخروج طائفة ورجوع الاخرى ومن خرج الى جهة قبض أموالها وغلالها
وإذا سئل المستقر في شيء تعلل بما ذكر
ومحصل هذه الافاعيل بحسب الظن الغالب انها حيل على سلب الاموال والبلاد (1/583)
وفخاخ ينصبونها ليصيدوا بها اسمعيل بك
وفي أواخره وصلت مكاتبة من الديار الحجازية عن الشريف سرور ووكلاء التجار خطابا للامراء والعلماء بسبب منع غلال الحرمين وغلال المتجر وحضور المراكب مصبرة بالاتربة والشكوى من زيادة المكوسات عن الحد فلما حضرت قرىء بعضها وتغوفل عنها وبقي الامر على ذلك
رجع لخبر العجلة التي لها رأسان
وهو انه لما أرسل ابراهيم بك ولده مرزوق بك غلاما صغيرا لمصالحة الامير مراد بك واعطاه هدية ومن جملتها بقرة وخلفها عجلة برأسين وحضر بهما الى مصر وشاع خبرها فذهبت بصحبة أخينا وصديقنا مولانا السيد اسمعيل الوهبي الشهير بالخشاب فوصلنا الى بيت ام مرزوق بك الذى بحارة عابدين ودخلنا الى اسطبل مع بعض السواس فرأينا بقرة مصفرة اللون مبياض وابنتها خلفها سوداء ولها رأسان كاملتا الاعضاء وهي تأكل بفم احدى الرأسين وتشتر بفم الرأس الثانية فتعجبنا من عجيب صنع الله وبديع خلقته فكانت من العجائب الغريبة المؤرخة
من مات في هذه السنة من أعيان الناس
مات الشيخ الفقيه الصالح المشارك الشيخ درويش بن محمد بن محمد ابن عبد السلام البوتيجي الحنفي نزيل مصر حضر دروس كل من الشيخ محمد ابي السعود والشيخ سليمان المنصورى والشيخ محمد الدلجي وغيرهم وتميز في معرفة فروع الفقه وافتى ودرس وكان انسانا حسنا لا بأس به توفي في هذه السنة
ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة المفوه المتكلم المتفقه النحوى الاصولي الشيخ عبد الله بن أحمد المعروف باللبان الشافعي الازهرى احد (1/584)
المتصدرين في العلماء الازهرية حضر أشياخ الوقت كالملوى والجوهري والحفني والصعيدي والعشماوي والدفرى وتمهر في الفقه والمعقول وقرأ الدروس وختم الختوم وتنزل اياما عند الامير ابراهيم كتخذا القازدغلي واشتهر ذكره في الناس وعند الامراء بسبب ذلك وتحمل حاله وكان فصيحا ملسانا مفوها يخشى من سلاطة لسانه في المجالس العلمية والعرفية
وسافر مرة الى اسلامبول في بعض الارساليات وذلك سنة ست وثمانين عندما خرج علي بك من مصر ودخل محمد بك وكان بصحبة أحمد باشجاويش أرنؤد
ومات الامام العلامة الشيخ عبد الرحمن جاد الله البناني المغربي وبنانه قرية من قرى منستير بافريقية ورد الى مصر وجاور بالجامع الازهر وحضر دروس الشيخ الصعيدي والشيخ يوسف الحفني والسيد محمد البليدى وغيرهم من أشياخ العصر ومهر في المعقول وألف حاشية على جمع الجوامع اختصر فيها سياق بن قاسم وانتفع بها الطلبة ودرس برواق المغاربة وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد الاسكندرى وغيره وتولى مشيخة رواقهم مرارا بعد عزل السيد قاسم التونسي وبعد عزل الشيخ أبي الحسن القلعي فسار فيها سيرا حسنا
ولم يتزوج حتى مات
ومن آثاره ما كتبه على المقامة التصحيفية للشيخ عبد الله الادكاوى
ولم يزل مواظبا على التدريس ونفع الطلبة حتى تعلل أياما وتوفي ليلة الثلاثاء ختام شهر صفر
ومات الشيخ الفاضل العلامة عبد الرحمن بن حسن بن عمر الاجهورى المالكي المقرى سبط القطب الخضيرى أخذ علم الاداء عن كل من الشيخ محمد بن علي السراجي اجازة في سنة 1156 وعن الشيخ عبد ربه ابن محمد السجاعي اجازة في سنة أربع وخمسين وعن شمس الدين السجاعي فس سنة ثلاث وخمسين وعن عبد الله بن محمد بن يوسف القسطنطيني جود عليه الى قوله المفلحون بطريقة الشاطبية والتيسير بقلعة الجبل حين (1/585)
ورد مصر حاجا في سنة ثلاث وخمسين وعلى الشيخ أحمد بن السماح البقرى والشهاب الاسقاطي وآخرين وأخذ العلوم عن الشبراوى والعماوى والسجيني والشهاب النفراوى وعبد الوهاب الطندتاوى والشمس الحفني وأخيه الشيخ يوسف والشيخ الملوى وسمع الحديث من الشيخ محمد الدفرى والشيخ أحمد الاسكندراني ومحمد بن محمد الدقاق واجازه الجوهرى في الاحزاب الشاذلية وكذا يوسف بن ناصر واجازه السيد مصطفى البكرى في الخلوتية والاوراد السرية ودخل الشام فسمع الاولية على الشيخ اسمعيل العجلوني وسمع عليه الحديث وأخذ فن القراءات على الشيخ مصطفى الخليجي ومكث هناك مدة ودخل حلب فسمع من جماعة وعاد الى مصر فحضر على السيد البليدى في تفسير البيضاوى بالازهر وبالاشرفية وكان السيد يعتني به ويعرف مقامه
وله سليقة تامة في الشعر وله مؤلفات منها الملتاذ في الاربعة الشواذ ورسالة في وصف أعضاء المحجوب نظما ونثرا وشرح تشنيف السمع ببعض لطائف الوضع للشيخ العيدروس شرحين كاملين قرظ عليهما علماء عصره
ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويجيد ودرس بالازهر مدة في أنواع الفنون واتقن العربية والاصول والقراءات وشارك في غيرها وعين للتدريس في السنانية ببولاق فكان يقرأ فيها الجامع الصغير ويكتب على أطراف النسخة من تقاريره المبتكرة ما لو جمع لكان شرحا حسنا
وتوفي المترجم رحمه الله تعالى في سابع عشرين رجب
ومات الاجل المبجل والعمدة المفضل الحسيب النسيب السيد محمد ابن احمد بن عبد اللطيف بن محمد بن تاج العارفين بن أحمد بن عمر ابن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن محمد بن شرشيق بن محمد ابن عبد العزيز بن عبد القادر الحسيني الجيلي المصرى ويعرف بأبن بنت الجيزى من بيت العز والسيادة والكرامة والمجادة جدهم تاج العارفين (1/586)
تولى الكتابة بباب النقابة ولا زالت في ولده مضافة لمشيخة السادة القادرية ومنزلهم بالسبع قاعات ظاهر الموسكي مشهور بالثروة والعز وكان المترجم اشتغل بالعلم حتى أدرك منه حظا وافرا وصار له ملكة يقتدر بها على استحضار النكات والمسائل والفروع وكان ذا وجاهة وهيبة واحتشام وانجماع عن الناس ولهم منزل ببركة جناق يذهبون اليه في ايام النيل وبعض الاحيان للنزاهة توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وتولى منصبه أخوه السيد عبد الخالق
ومات السيد الفاضل السالك على بن عمر بن محمد بن علي بن احمد ابن عبد الله بن حسن بن احمد بن يوسف بن ابراهيم بن احمد ابن ابي بكر بن سليمان بن يعقوب بن محمد بن القطب سيدى عبد الرحيم القناوى الشريف الحسيني ولد بقنا وقدم مصر وتلقن الطريقة عن الاستاذ الحفني ثم حبب اليه السياحة فورد الحرمين وركب من جدة الى سورت ومنها الى البصرة وبغداد وزار من بهما من المشاهد الكرام ثم دخل المشهد فزار امير المؤنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه ثم دخل جراسان ومنها الى غزنين وكابل وقندهار واجتمع بالسلطان احمد شاه فأكرمه واجزل له العطاء ثم عاد الى الحرمين وركب من هناك الى بحر سيلان فوصل الى بنارس واجتمع بسلطانها وذهب الى بلاد جاوة ثم رجع الى الحرمين ثم سار الى اليمن ودخل صنعاء واجتمع بأمامها ودخل زبيد واجتمع بمشايخها واخذ عنهم واستأنسوا به وصار يعقد لهم حلق الذكر على طريقته وأكرموه ثم عاد الى الحرمين ثم الى مصر وذلك سنة اثنتين وثمانين وكانت مدة غيبته نحو عشرين سنة
ثم توجه في آخر هذه السنة الى الصعيد واجتمع بشيخ العرب همام رحمه الله تعالى فأكرمه اكراما زائدا ودخل قنا فزار جده ووصل رحمة ومكث هناك شهورا ثم رجع الى مصر وتوجه الى الحرمين من (1/587)
القلزم وسافر الى اليمن وطلع الى صنعاء ثم عاد الى كوكبان وكان امامها اذ ذاك العلامة السيد ابراهيم بن احمد الحسيني وانتظم حاله وراج أمره وشاع ذكره وتلقن منه الطريقة جماعة من أهل زبيد واستمال بحسن مذاكرته ومداراته طائغة من الزيدية ببلدة تسمى زمرمر
وهي بلدة باليمن بالجبال وهم لا يعرفون الذكر ولا يقولون بطرق الصوفية فلم يزل بهم حتى أحبوه واقام حلقة الذكر عندهم وأكرموه ثم رجع من هناك الى جدة وركب من القلزم الى السويس
ووصل مصر سنة اربع وتسعين فنزل بالجمالية فذهبت اليه بصحبته شيخنا السيد مرتضى وسلمنا عليه وكنت أسمع به ولم أره قبل ذلك اليوم فرأيت منه كمال المودة وحسن المعاشرة وتمام المروءة وطيب المفاكهة وسمعت منه أخبار رحلته الاخيرة وترددنا عليه وتردد علينا كثيرا وكان ينزل في بعض الاحيان الى بولاق ويقيم أياما بزاوية علي بك يصحبة العلامة الشيخ مصطفى الصاوى والشيخ بدوى الهيتمي وحضر الى منزلي ببولاق مرارا باستدعاء وبدون استدعاء ثم تزوج بمصر واتى اليه ولده السيد مصطفى من البلاد زائرا وما زال على حاله في عبادة وحسن توجه الى الله مع طيب معاشرة وملازمة الاذكار صحبة العلماء الاخيار حتى تمرض بعلة الاستسقاء مدة حتى توفي ليلة الثلاثاء غرة جمادى الاولى من السنة وصلي عليه بالازهر ودفن بالقرافة بين يدى شيخه الحفني
وكان ابنه غائبا فحضر بعد مدة من موته فلم يحصل من ميراثه الا شيئا نزرا وذهب ما جمعه في سفر الله حيث ذهب
ومات الوجيه النبيل والجيلي الاصيل السيد حسين باشيجاويش الاشراف بن ابراهيم كتخدا تفكجيان بن مصطفى افندى الخطاط كان انسانا حسنا جامعا للفضائل واللطف والمزايا واقتنى كتبا كثيرة في الفنون وخصوصا في التاريخ وكان مألوف الطباع ودودا شريف النفس (1/588)
مهذب الاخلاق فلم يخلف بعده مثله رحمه الله تعالى
ومات الامير محمد كتخدا أباظة وأصله من مماليك محمد جربجي الصابونجي ولما مات سيده كما تقدم تركه صغيرا فخدم ببيتهم ثم عند حسين بك المقتول ولم يزل ينمو ويترقى في الخدم حتى تقلد كتخدائية محمد بك أبي الذهب فسار فيها بشهامة وصرامة ولم يزل مبجلا بعده في أيام مماليكه معدودا من الامراء وله عزوة مماليك واتباع حتى تعلل ومات في هذه السنة
ومات التاجر الخير الصدوق الصالح الحاج عمر بن عبد الوهاب الطرابلسي الاصل الدمياطي سكن دمياط مدة وهو يتجر واختص بالشيخ الحفني فكان يأتي اليه في كل عام يزوره ويراسله بالهدايا ويكرم من يأتي من طرفه وكان منزله مأوى الوافدين من كل جهة ويقوم بواجب اكرامهم وكان من عادته انه لا يأكل مع الضيوف قط انما يخدم عليهم ما داموا يأكلون ثم يأكل مع الخدم وهذا من كمال التواضع والمروءة
واذا قرب شهر رمضان وفد عليه كثير من مجاورى رواق الشوام بالازهر وغيره فيقيمون عنده حتى ينقضي شهر الصوم في الاكرام ثم يصلهم بعد ذلك بنفقة وكساوى ويعودون من عنده مجبورين
وفي سنة ثلاث وثمانين حصلت له قضية مع بعض اهل الذمة التجار بالثغر فتطاول عليه الذمي وسبه فحضر الى مصر وأخبر الشيخ الحفني فكتبوا له سؤالا في فتوى وكتب عليه الشيخ جوابا وأرسله الى الشيخ الوالد فكتب عليه جوابا وأطنب فيه ونقل من الفتاوى الخيرية جوابا عن سؤال رفع للشيخ خير الدين الرملي في مثل هذه الحادثة بحرق الذمي ونحو ذلك وحضر ذلك النصراني في اثر حضور الحاج عمر خوفا على نفسه وكان اذ ذاك شوكة الاسلام قوية فأشتغل مع جماعة الشيخ بمعونة كبار النصارى بمصر بعد ان تحققوا حصول الانتقام وفتنوهم بالمال فأدخلوا على (1/589)
الشيخ شكوكا وسبكوا الدعوى في قالب آخر وذلك انه لم يسبه بالالفاظ التي ادعاها الحاج عمر وانه بعد التسابب صالحه وسامحه وغيروا صورة السؤال الاول بذلك واحضروه الى الوالد فامتنع من الكتابة عليه فعاد به الشيخ حسن الكفراوى فحلف لا يكتب عليه ثانيا ابدا وتغير خاطر الحاج عمر من طرف الشيخ واختل اعتقاده فيه وسافر الى دمياط ولم يبلغ قصده من النصراني ومات الشيخ بعد هذه الحادثة بقليل
وانتهت رياسة مصر الى علي بك وارتفع شأن النصارى في ايامه بكاتبه المعلم رزق والمعلم ابراهيم الجوهرى فعملوا على نفي المترجم من دمياط فأرسلوا له من قبض عليه في شهر رمضان ونهبوا امواله من حواصله وداره ووضعوا في رقبته ورجليه القيد وانزلوه مهانا عريانا مع نسائه واولاده في مركب وارسلوه الى طرابلس الشام فاستمر بها الى ان زالت دولة علي بك واستقل بامارة مصر محمد بك وأظهر الميل الى نصرة الاسلام فكلم السيد نجم الدين الغزى محمد بك في شأن رجوعه الى دمياط فكان ان يجيب لذلك وكنت حاضرا في ذلك المجلس والمعلم مخاييل الجمل والمعلم يوسف بيطار وقوف أسفل السدلة يغمزان الامير بالاشارة في عدم الاجابة لانه من المفسدين بالثغر ويكون السبب في تعطيل الجمارك فسوف السيد نجم الدين بعد أن كان قرب من الاجابة
فلما تغيرت الدولة وتنوسيت القضية وصار الحاج عمر كأنه لم يكن شيئا مذكورا رجع الى الثغر وورد علينا مصر وقد تقهقر حاله وذهبت نضارته وصار شيخا هرما ثم رجع الى الثغر واستمر به حتى توفي في السنة وكان له مع الله حال يداوم على الاذكار ويكثر من صلاة التطوع ولا يشتغل الا بما يهمه رحمه الله تعالى
ومات الامير الجليل ابراهيم كتخدا البركاوى وأصله مملوك يوسف كتخدا عزبان البركاوى نشأ في سيادة سيده وتولى في مناصب وجاقهم (1/590)
وقرأ القرآن في صغره وجود الخط وحبب اليه العلم وأهله
ولما مات سيده كان هو المتعين في رئاسة بيتهم دون خشداشينه لرئاسته وشهامته ففتح بيت سيده وانضم اليه خشداشينه واتباعه واشترى المماليك ودربهم في الآداب والقراءة وتجويد الخط وأدرك محاسن الزمن الماضي
وكان بيته مأوى الفضلاء وأهل المعارف والمزايا والخطاطين واقتنى كتبا كثيرة جدا في كل فن وعلم حتى ان الكتاب المعدوم اذا احتيج اليه لا يوجد الا عنده ويعير للناس ما يرومونه من الكتب للانتفاع في المطالعة والنقل وبآخره اعتكف في بيته ولازم حاله وقطع أوقاته في تلاوة القرآن والمطالعة وصلاة النوافل الى ان توفي في هذه السنة وتبردت كتبه وذخائره رحمه الله تعالى
سنة تسع وتسعين ومائة وألف
استهل العام بيوم الاثنين فكان الفال بالمنطق واخذت الاشياء في الانحلال قليلا
وفي سابعه جاءت الاخبار بان الجماعة المتوجهين لابراهيم بك في شأن الصلح وهم الشيخ الدردير وسليمان بك الآغا ومرزوق جلبي اجتمعوا بابراهيم فتكلموا معه في شأن ذلك فأجاب بشروط منها ان يكون هو على عادته امير البلد وعلى أغا كتخدا الجاويشية على منصبه
فلما وصل الرسول بالمكاتبة جمع مراد بك الامراء وعرفهم ذلك فأجابوا بالسمع والطاعة وكتبوا جواب الرسالة وارسلوها صحبه الذى حضر بها
وسافر ايضا احمد بك الكلارجي وسليم اغا امين البحرين في حادى عشرة
وفي عشرينه وصلت الاخبار بان ابراهيم بك نقض الصلح الذى حصل وقيل أن صلحه كان مداهنة لاغراض لا تتم له بدون ذلك فلما تمت احتج باشياء اخر ونقض ذلك (1/591)
وفي سادس صفر حضر الشيخ الدردير واخبر بما ذكر وان سليمان بك وسليم اغا استمروا معه
وفي منتصفه وصل الحجاج مع امير الحاج مصطفى بك وحصل للحجاج في هذه السنة مشقة عظيمة من الغلاء وقيام العربان بسبب عوائدهم القديمة والجديدة ولم يزوروا المدينة المنورة على صاحبها افضل الصلاة وازكى السلام لمنع السبل وهلك عالم كثير من الناس والبهائم من الجوع وانقطع منهم جانب عظيم
ومنهم من نزل في المراكب الى القلزم وحضر من السويس الى القصير ولم يبق الا امير الحج واتباعه ووقفت العربان لحجاج المغاربة في سطح العقبة وحصروهم هناك ونهبوهم وقتلوهم عن آخرهم ولم ينج منهم الا نحو عشرة انفار
وفي اثناء نزول الحج وخروج الامراء لملاقاة امير الحج هرب ابراهيم بك الوالي وهو اخو سليمان بك الاغا وذهب الى اخيه بالمنية وذهب صحبته من كان بمصر من اتباع اخيه وسكن الحال اياما
وفي اواخر شهر صفر سافر ايوب بك الكبير وايوب بك الصغير بسبب تجديد الصلح فلما وصلوا الى بني سويف حضر اليهم سليمان بك الاغا وعثمان بك الاشقر باستدعاء منهم ثم اجاب ابراهيم بك الى الصلح ورجعوا جميعا الى المنية
وفي اوائل ربيع الاول حضر حسن اغا بيت المال بمكاتبات بذلك وفي اثر ذلك حضر ايوب بك الصغير وعثمان بك الاشقر فقابلا مراد بك وقدم مراد بك لعثمان بك تقادم ثم رجع ايوب بك الى المنية ثانيا
وفي يوم الاثنين رابع ربيع الثاني وصل ابراهيم بك الكبير ومن معه من الامراء الى معادى الخبيرى بالبر الغربي فعدى اليه مراد بك وباقي الامراء والوجاقلية والمشايخ وسلموا عليه ورجعوا الى مصر وعدى في أثرهم ابراهيم بك ثم حضر ابراهيم بك في يوم الثلاثاء الى مصر (1/592)
ودخل الى بيته وحضر اليه في عصريتها مراد بك في بيته وجلس معه حصة طويلة
وفي يوم الاحد عاشره عمل الديوان وحضرت لابراهيم بك الخلع من الباشا فلبسها بحضرة مراد بك والامراء والمشايخ وعند ذلك قام مراد بك وقبل يده وكذلك بقية الامراء وتقلد علي أغا كتخدا الجاويشية كما كان وتقلد علي أغا اغات مستحفظان كما كان فاغتاظ لذلك قائد أغا الذي كان ولاه مراد بك وحصل له قلق عظيم وصار يترامى على الامراء ويقع عليهم في رجوع منصبه وصار يقول ان لم يردوا الى منصبي والا قتلت علي أغا
وصمم ابراهيم بك على عدم عزل علي أغا واستوحش علي أغا وخاف على نفسه من قائد أغا ثم ان ابراهيم بك قال ان عزل علي أغا لا يتولاها قائد أغا أبدا
ثم انهم لبسوا سليما أغا امين البحرين وقطع منها امل قائد أغا وما وسعه الا السكوت
وفي منتصف جمادى الآخرة خرج عثمان بك المذكور بمماليكه وأجناده مسافرا الى الصعيد بنفسه ولم يسمع لقولهم ولم يلبس تقليدا لذلك على العادة فأرسلوا له جماعة ليردوه فأبى من الرجوع
وفيه كثر الموت بالطاعون وكذلك الحميات ونسي الناس أمر الغلاء
وفي يوم الخميس مات علي بك أباظة الابراهيمي فأنزعج عليه ابراهيم بك وكان الامراء خرجوا بأجمعهم الى ناحية قصر العيني ومصر القديمة خوفا من ذلك
فلما مات علي بك وكثير من مماليكهم داخلهم الرعب ورجعوا الى بيوتهم
وفي يوم الاحد طلعوا الى القلعة وخلعوا علي لاجين وجعلوه حاكم جرجا ورجع ابراهيم بك الى بيته أيضا وكان ابراهيم بك اذ ذاك قائمقام
وفيه مات أيضا سليمان بك ابو نبوت بالطاعون
وفي منتصف رجب خف أمر الطاعون (1/593)
وفي منتصف شعبان ورد الخبر بوصول باش مصر الجديد الى ثغر سكندرية وكذلك باش جدة ووقع قبل ورودهما بأيام فتنة بالاسكندرية بين أهل البلد وأغات القلعة والسردار بسبب قتيل من أهل البلد قتله بعض أتباع السردار فثار العامة وقبضوا على السردار وأهانوه وجرسوه على حمار وحلقوا نصف لحيته وطافوا به البلد وهو مشكوف الرأس وهم يضربونه ويصعفونه بالنعالات
وفيه أيضا وقعت فتنة بين عربان البحيرة وحضر منهم جماعة الى ابراهيم بك وطلبوا منه الاعانة على أخصامهم فكلم مراد بك في ذلك فركب مراد بك وأخذهم صحبته ونزل الى البحيرة فتواطأ معه الاخصام ورشوه سرا فركب ليلا وهجم على المستعينين به وهم في غفلة مطمئنين فقتل منهم جماعة كثيرة ونهب مواشيهم وابلهم واغنامهم ثم رجع الى مصر بالغنائم
وفي غاية شعبان حضر باشة جدة الى ساحل بولاق فركب علي أغا كتخدا الجاويشية وارباب العكاكيز وقابلوه وركبوا صحبته الى العادلية ليسافر الى السويس
وفي غرة رمضان ثارت فقراء المجاورين والقاطنين بالازهر وقفلوا أبواب الجامع ومنعوا منه الصلوات
وكان ذلك يوم الجمعة فلم يصل فيه ذلك اليوم وكذلك أغلقوا مدرسة محمد بك المجاورة له ومسجد المشهد الحسيني وخرج العميان والمجاورون يرمحون بالاسواق ويخطفون ما يجدونه من الخبز وغيره وتبعهم في ذلك الجعيدية وأراذل السوقة
وسبب ذلك قطع رواتبهم واخبازهم المعتادة واستمروا على ذلك الى بعد العشاء فحضر سليم أغا أغات مستحفظان الى مدرسة الاشرفية وأرسل الى مشايخ الاروقة والمشار اليهم في السفاهة وتكلم معهم ووعددهم والتزم لهم باجراء رواتبهم فقبلوا منه ذلك وفتحوا المساجد (1/594)
وفي يوم الاحد ثامن شهر شوال الموافق لتاسع مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكانت زيادته كلها في هذه التسعة ايام فقط ولم يزد قبل ذلك واستمر بطول شهر أبيب وماؤه أخضر فلما كان أول شهر مسرى زاد في ليلة واحدة أكثر من ثلاثة أذرع واستمرت دفعات الزيادة حتى اوفى أذرع الوفاء يوم التاسع وفيه وقع جسر بحر أبي المنجا بالقلوبية فعينوا له أميرا فأخذ معه جملة أخشاب ونزل وصحبته ابن ابي الشوارب شيخ قليوب وجمعوا الفلاحين ودقوا له أوتاد عظيمة وغرقوا به نحو خمسة مراكب واستمروا في معالجة سده مدة أيام فلم ينجع من ذلك شيء وكذلك وقع ببحر مويس
وفي يوم الخميس خرج أمين الحاج مصطفى بك بالمحمل والحجاج وذلك ثاني عشر شوال
وفي يوم الاثنين ثامن عشر القعدة سافر كتخدا الجاويشية وصحبته أرباب الخدم الى الاسكندرية لملاقاة الباشا والله تعالى اعلم
من مات في هذه السنة ممن له ذكر
مات الشيخ الامام العارف المتفنن المقرىء المجود الضابط الماهر المعمر الشيخ محمد بن حسن بن محمد بن أحمد جمال الدين بن بدر الدين الشافعي الاحمدى ثم الخلوتي السمنودى الازهرى المعروف بالمنير ولد بسمنود سنة 1099 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم الجامع الازهر وعمره عشرون سنة فجود القرآن على الامام المقرىء علي بن محسن الرملي وتفقه على جماعة منهم الشيخ شمس الدين محمد السجيمي والشيخ علي أبي الصفا الشنواني وسمع الحديث على أبي حامد البديرى وابي عبد الله محمد بن محمد الخليلي وأجازه في سنة 1132 وأجازه كذلك الشيخ محمد عقيلة في آخرين وأخذ الطريقة ببلده على سيدى (1/595)
علي زنفل الاحمدى ولما ورد مصر اجتمع بالسيد مصطفى البكرى فلقنه طريقة الخلوتية وانضوى الى الشيخ شمس الدين محمد الحفني فقصر نظره عليه واستقام به عهده فأحياه ونور قلبه واستفاض منه فلم يكن ينتسب في التصوف الا اليه
وحصل جملة من الفنون الغريبة كالزايرجة والاوفاق على عدة من الرجال وكان ينزل وفق المائة في المائة وهو المعروف بالمئيني ويتنافس الامراء والملوك لاخذه منه وأحدث فيه طرقا غريبة غير ما ذكره أهل الفن وقد قرأ القرآن مدة وانتفع به الطلبة وقرأ الحديث
وكان سنده عاليا فتنبه بعض الطلبة في الاواخر فأكثروا الاخذ عنه
وكان صعبا في الاجازة لا يجيز أحدا الا اذا قرأ عليه الكتاب الذى يطلب الاجازة فيه بثمامه ولا يرى الاجازة المطلقة ولا المراسلة حتى ان جماعة من اهالي البلاد البعيدة أرسلوا يطلبون منه الاجازة فلم يرض بذلك وهذه الطريقة في مثل هذه الازمان عسرة جدا
وفي أواخره انتهى اليه الشأن وأشير اليه بالبنان وذهبت شهرته في الآفاق وأتته الهدايا من الروم والشام والعراق وكف بصره وانقطع الى الذكر والتدريس في منزله بالقرب من قننطرة لموسكى داخل العطفة بسويقة الصاحب ولازم الصوم نحو ستين عاما ووفدت عليه الناس من كل جهة وعمر حتى الحق الاحفاد بالاجداد واجاز وخلف وربما كتب الاجازات نظما على هيئة اجازات الصوفية لتلامذتهم في الطريق ولم يزل يبدى ويعيد ويعقد حلق الذكر ويفيد الى ان وافاه الاجل المحتوم في هذه السنة وجهز وكفن وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل وأعيد الى الزاوية الملاصقة لمنزله وكثر عليه الاسف
ومات الشيخ الإمام الفاضل الصالح علي بن علي بن علي بن علي ابن مطاوع العزيزى الشافعي الازهرى أدرك الطبقة الاولى من المشايخ كالشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد السحيمي والدفرى والملوى (1/596)
واضرابهم وتفقه ودرس بالجامع الازهر وانتفع به الطلبة وقرأ دروسا بمشهد شمس الدين الحنفي وكان يسكن في بولاق ويأتي كل يوم الى مصر لالقاء الدروس
وكان انسانا حسنا صبورا محتسبا فصيحا مفوها له اعتقاد في اهل الله
توفي تاسع ربيع الثاني سنة تسع وتسعين هذه
ومات الامام الصالح الناسك المجود السيد علي بن محمد الغوصي البدرى الرفاعي المعروف بالقراء وهو والد صاحبنا العلامة السيد حسن البدرى ولد بمصر وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شهاب الدين أحمد بن عمر الاسقاطي وبه تخرج واقرأ القرآن بالسبعة كثيرا بالجامع الازهر وبرواق الاروام وانتفع به الطلبة طبقة بعد طبقة
وكان لع معرفة ببعض الاسرار والروحانيات وغير ذلك
ومات الاختيار المفضل المبجل علي بن عبد الله الرومي الاصل مولى درويش أغا المعروف الآن بمحرم افندى باش اختيار وجاق الجاويشية كان لكونه خدم عنده وهو صغير اشتغل بالخط وجوده على المرحوم حسن الضيائي وعبد الله الانبس وادرك الطبقة منهم ومهر فيه وانجب ولم يكونا اجازاه فعمل له مجلسا في منزل المرحوم علي أغا وكيل دار السعادة واجتمع فيه ارباب الفن من الخطاطين واجازه حسن افندى الرشدى مولى علي أغا المشار اليه وكان يوما مشهودا
ولقب بدرويش وكتب بخطه كثيرا وحج سنة 1171 واجتمع بالحرمين على الافاضل وتلقى منهم اشياء وعاد الى مصر واجتمع بأديب عصره محمد بن عمر الخوانكي أحد تلامذة الشهاب الخفاجي فتعلق بعناية بالادب وصار في محفوظيته جملة من أشعاره وقصائده وجملة من قصائد الارجاني وجملة من المقامات الحريرية وعني بحفظ القرآن فحفظه على كبره وتعب فيه وحفظ أسماء أهل بدر وكان دائما يتلوها
ولاجله ألف شيخنا السيد محمد مرتضى شرح الصدر في شرح أسماء اهل بدر في عشرين كراسا والتفتيش في (1/597)
معنى لفظ درويش كراسا
ولازم المذكور منذ قدم مصر وسمع عليه مجالس من الصحيح والمسلسل بالاسودين وبالعيد والشمائل والامالي وجود عليه شيخنا المذكور في الخط وقد صاهرت المترجم وتزوجت بربيبته في أواخر سنة خمس وتسعين برغبة منه وهي أم الولد خليل فتح الله عليه ولما حصلت النسابة والمصاهرة حولته بعياله الى منزلي لتعب الوقت وتعطيل أسباب المعايش
ولما عاشرته بلوت منه خيرا ودينا وصلاحا وكان لا ينام من الليل الا قليلا ويتبتل الى مولاه تبتيلا فيصلي ما تيسر من النوافل ثم يكمل بتلاوة القرآن المرتلة مع التدبر لمعاني الآيات المنزلة وكان حسن السمت نظيف الثياب عظيم الشيبة منور الوجه وجيه الطلعة مهيب الشكل سليم الطوية مقبول الروحانية ملازما على حضور الجماعة حريصا على ادراك الفضائل
توفي في جمادى الاولى عن نيف وتسعين سنة ولم تهن قواه ولم يسقط له سن ويكسر اللوز باسنانه ودفناه بجوار الامام ابي جعفر الطحاوى لانه كان ناظرا عليه رحمه الله
ومات الاستاذ الفاضل والمستعد الكامل ذو النفحات والاشارات السيد علي بن عبد الله بن أحمد العلوى الحنفي سبط آل عمر صاحبنا ومرشدنا ووالده أصله من توقاد وولد
هو في مصر سنة 1173 وعانى الفنون ومهر وانجب في كل شيء عاناه في أقل زمن بحيث انه اذا توجهت همته لعلم من العلوم الصعبة وطالع فيه أدركه وأظهر مخبئاته وثمراته وألف فيه وأظهر عجائب أسراره ومعانيه في زمن قليل وكان حاد الذهن جدا دراكا قوى الحافظة يحفظ كل شيء سمعه أومر عليه ببصره ولازم في مبتدأ أمره شيخنا السيد محمد مرتضى كثيرا وقرأ عليه الفصيح لثعلب وفقه اللغة للثعالبي وأدب الكاتب لابن قتيبة في مجالس دراية وسمع منه كثيرا من شرحه على القاموس وكتب عنه بيده اجزاء كثيرة وقرأ عليه الصحيح في اثنى عشر مجلسا في رمضان سنة ثمان وثمانين وسمع عليه (1/598)
أيضا الصحيح مرة ثانية مشاركا مع الجماعة مناوبة في القراءة في أربع مجالس ومدة القراءة من طلوع الشمس الى بعد كل عصر وصحيح مسلم في ستة مجالس مناوبة بمنزل الشيخ بخان الصاغة وكتب الامالي والطباق وضبط الاسماء وقلد خط الصلاح الصفدى في وضعه فأدركه وقرأ عليه أيضا المقامات الحريرية ورسائل في التصريف وغير ذلك مما لا يدخل تحت الضبط لكثرته
وسمع المسلسل بالعيد وبالاسودين التمر والماء
وسمع عليه أوائل الكتب الستة والمعاجم والمسانيد في سنة تسعين بمنهل شيخه مع الجماعة وجزء نبيط بن شريط الاشجعي وبلدانيات السلفي وبلدانيات بن عساكر واحاديث عاشوراء تخريج المنذرى واحاديث يوم عرفة تخريج بن فهد وعوالي بن مالك وثلاثيات البخارى والدارمي وجزأ فيه أخبار الصبيان والخلعيات بتمامها وهي عشرون جزءا وعرف المترجم العالي من النازل واجتمع بشيخنا السيد العيدروس وقربه وادناه ولازمه وقرأ عليه أشياء من كتب الصوفية ومال اليه وصار ينطق بالشعر وأقبل على الادب والتصوف ولا زال كذلك حتى صار يتكلم بكلام عال
والف كتابا في علم الاوفاق في كراريس لطيفة على نسق عجيب مفيد وامتزج بالروحانية حتى اني رأيته ينزل الوفق في الكاغد ويضعه على راحة كفه فيرتعش ويلتف ببعضه ثم ينبسط بنفسه كما كان واذا أخذه غيره ووضعه على مثل وضعه لا يتحرك ابدا
ومارس في علم الرمل اياما فأدرك منتهاه واستخرج منه مالا يستخرج الممارس فيه سنين من الضمير والمدة وغير ذلك في أسرع وقت وألف فيه كتابا لخص فيه قواعده من غير مشقة
ومارس في الفلكيات مع سليمان أفندى كنباذ وصنف فيه وفي غيره
وبآخرة انجمع عن خلطة الناس واقبل على ربه وكان قد تزوج بامرأة وكانت تؤذيه وتشتمه وربما كانت تضربه وهو صابر عليها مقبل على شأنه وألف أورادا واحزابا واسماء على طريقة الاسماء (1/599)
السهروردية عجيبة المشرب بنفس عال غريب وصار يتكلم بكلام لا يطرق الاسماع نظيره ولم يزل على ذلك حتى تعلل ولحق بربه وتوفي في سادس ربيع الاول من السنة وأعقب ولدا من تلك المرأة التي كان تزوج بها وبالجملة والانصاف انه كان من آيات الله الباهرة
ودفن بالقرافة بتربة علي أغا صالح رضي الله عنا وعنه ورحمنا أجمعين
ومات الشيخ الفقيه الدراكة العلامة السيد سليمان بن طه بن ابي العباس الحريثي الشافعي المقرى الشهير بالاكراشي وهي قرية شرقي مصر وحفظ القرآن وقدم الجامع الازهر وطلب العلم وحضر الاشياخ وجود القرآن على الشيخ مصطفى العزيزى خادم النعال بمشهد الشيدة سكينة واعاده بالعشر على الشيخ عبد الرحمن الاجهوزى المقرى واجازه في محفل عظيم في جامع ألماس وسمع وحضر دروس فضلاء وقته ومهر في فقه المذهب ودرس في جامع الماس وغيره وسمع من شيخنا السيد مرتضى المسلسل وبالاولية بشرطه والمسلسل بالعيد وبالمحبة وبالقسم وبقراءة الفاتحة في نفس واحد وبالالباس والتحكيم وسمع الصيحين بطرفيهما في جماعة بجامع شيخون بالصليبة وسمع اجزاء البلدانيات للحافظ أبي طاهر السلفي وجزء النيل وجزء يوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك
وله تآليف وجمعيات ورسائل في علوم شتى
ولما اجتمع بشيخنا المذكور ورأى ملازمة السيد علي المترجم آنفا به في أكثر أوقاته ونظر نجابته وما فيه من قوة الفهم والاستعداد لامه على ملازمته للسيد وانقطاعه عن بقية العلوم وقال له هذا شيء سهل يمكن تحصيله في زمن قليل وقد قرأت وحصلت ما فيه الكفاية والاولى ان تشغل بعض الزمن بتحصيل المعقولات وغيرها فان مثلك لا يقتصر على فن من الفنون والاقتصار ضياع
فقبل منه واشتغل عليه وعلى غيره وانقطع بسبب الاشتغال عن كثرة الترداد على الشيخ كعادته وعلم ذلك فأنحرف على كل منهما (1/600)
وبالخصوص على السيد علي وصعب عليه جدا وأدى ذلك الى الانقطاع الكلي
ولما مات الشيخ العزيزى تنزل المترجم في مشيخة القراء بمقام السيدة نفيسة رضي الله عنها وكان انسانا حسنا جامعا للفضائل وحضر معنا الهداية في فقه الحنفية على شيخنا المرحوم العلامة الشيخ مصطفى الطائي الحنفي وكان يناقش في بعض المسائل المخالفة لمذهبه الى ان وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله
ومات أوحد الفضلاء وأعظم النبلاء العلامة المحقق والفهامة المدقق الفقيه النبيه الاصولي المعقولي المنطقي الشيخ أبو الحسن بن عمر القلعي ابن علي المغربي المالكي قدم الى مصر في سنة 1154 وكان لديه استعداد وقابلية وحضر اشياخ الوقت مثل البليدى والملوى والجوهرى والحفني والشيخ الصعيدى واتحد بالشيخ الوالد وزوجه زوجة مملوكه مصطفى بعد وفاته وهي خديجة معتوقة المرحوم الخواجا المعروف بمدينة واقامت معه نحو الاربعين سنة حتى كبر سنها وهرمت وتسرى عليها مرتين ولما حضر المرحوم محمد باشا راغب واليا على مصر اجتمع به ومارسه وأحبه وشرح رسالته التي ألفها في علم العروض والقوافي ولما عزل راغب وذهب الى دار السلطنة وتولى الصدارة سافر اليه المترجم فأجله وأكرمه ورتب له جامكية بالضربخانة بمصر ورجع الى مصر وتولى مشيخة رواق المغاربة ثلاث مرات بشهامة وصرامة زائدة
وسبب عزله في المرة الوسطى ان بعض المغاربة تشاجر مع الشيخ علي الشنويهي وانتصر هو للمغاربة لحمية الجنسية ونهر الشيخ علي فذهب الشيخ علي واشتكاه الى علي بك في ايام امارته فأحضره علي بك فتطاول على الشيخ علي بحضرة الامير وادعى الشيخ علي بانه لطمه على وجهه في الجامع فكذبه المترجم فحلف الشيخ علي بالله على ذلك فقال له المترجم احلف بالطلاق فاغتاظ منه الامير علي بك وصرفهما وارسل في الحال واحضر الشيخ عبد الرحمن (1/601)
البناني وولاه مشيخة الرواق وعزل الشيخ أبا الحسن وانكسف باله لذلك ثم اعيد بعد مدة الى المشيخة وكان وافر الحرمة نافذ الكلمة معدودا من المشايخ الكبار مهاب الشكل منور الشيبة مترفها في ملبسه ومأكله يعلوه حشمة وجلالة ووقار اذا مر راكبا او ماشيا قام الناس اليه وبادروا الى تقبيل يده حتى صار ذلك لهم عادة وطبيعة لازمة يرون وجوبها عليهم
وللمترجم تأليفات وتقييدات وحواش نافعة منها حاشية على الاخضرى على سلمه وحاشية على رسالة العلامة محمد أفندى الكرماني في علم الكلام في غاية الدقة تدل على رسوخه في علم المنطق والجدل والمعاني والبيان والمعقولات وشرح على ديباجه شرح العقيدة المسماة بأم البراهين للامام السنوسي وله كتاب ذيل الفوائد وفرائد الزوائد على كتاب الفوائد والصلاة والعوائد وخواص الآيات والمجريات التي تلقاها من أفواه الاشياخ وكتاب في خواص سورة يس وغير ذلك
وأخذ عن المرحوم الوالد كثيرا من الحكميات والمواقف والهداية للابهرى والهيئة والهندسة
ولم يزل مواظبا على تردده عليه وزيارته في الجمعة مرتين أو ثلاثة ويراعي له حق المشيخة والصحبة في حياته وبعدها وكان سليم الباطن مع ما فيه من الحدة الى أن توفي في ربيع الاول من هذه السنة رحمه الله
ومات الشيخ المعتقد عبد الله بن ابراهيم بن أخي الشيخ الكبير المعروف بالموافي الشافعي السندوبي الرفاعي نزيل المنصورة ولد ببلدة منية سندوب سنة 1140 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم المنصورة فمكث تحت حيازة عمه في عفة وصلاح وحضر دروس الشيخ أحمد الجالي وأخيه محمد الجالي وانتفع بهما في فقه المذهب فلما توفي عمه في سنة احدى وستين اجلس مكانه في زاويته التي أنشأها عمه في مؤخر الجامع الكبير بالمنصورة وسلك على نهجه في أحياء الليالي بالذكر وتلاوة القرآن وكان يختم في كل يوم وليلة مرة وربى التلاميذ وصارت (1/602)
له شهرة زائدة مع الانجماع عن الناس لا يقوم لاحد ولا يدخل دار احد وفيه الاستئناس وعنده فوائد يذاكر بها ويشتغل دائما بالمطالعة والمذاكرة واعتقده الخاص والعام
ولما سافرنا الى دمياط سنة تسع وثمانين وجزنا بالمنصورة وطلعناها ذهبنا الى جامعها الكبير ودخلنا اليه في حجرته فوجدته جالسا على فراش عال بمفرده بجانب ضريح عمه وهو رجل نير بشوش فرحب بنا وفرح بقدومنا وأحضر لنا طبقا فيه قراقيش وكعك وشريك وخبز يابس ولبن وبوسطة دقة وجبن فأكلنا ما تيسر وسقانا قهوة في فنجان كبير وتحدث معنا ساعة ودعا لنا بخير وودعناه وسافرنا في الوقت
ولم أره غير هذه المرة
وهو انسان حسن جامع للفضائل توفي في السنة ولم يخلف بعده مثله
ومات السيد الامام العلامة الفقيه النبيه السيد مصطفى بن أحمد ابن محمد البنوفرى الحنفي أخذ الفقه عن والده وعن السيد محمد ابي السعود والشيخ محمد الدلجي والشيخ الزيادى وغيرهم وحضر المعقول على علماء العصر كالشيخ عيسى البراوى وغيره ودرس في محل والده بالقرب من رواق الشوام الا انه لم يكن له حظ في الطلبة فكان يأتي كل يوم الجامع ويجلس وحده ساعة ثم يقوم ويذهب الى بيته بسويقة العزى وكان لا يعرف التصنع وفيه جذب ويعود المرضى كثير الاغنياء والفقراء توفي في السنة رحمه الله
ومات العلامة المتقن والفهامة المتفنن احد الاعلام الرواسخ وشيخ المشايخ الفقيه النحوى الاصولي المعقولي المنطقي ذو المعاني والبيان وحلال المشكلات باتقان الصالح لقانع الورع الزاهد الشيخ محمد ابن محمد بن محمد بن محمد بن مصطفى بن خاطر الفرماوى الازهرى الشافعي البهوتي نسبة الى قبيلة البهتة جهة الشرق ولد بمصر رباه والده وحفظ القرآن والمتون وحضر على أشياخ العصر الملوى والجوهرى والطحلاوى (1/603)
والبراوى والبليدى والصعيدى والشيخ علي قايتباى والمدابغي والاجهورى وأنجب في الفقه والمعقول ودرس وأفاد الطلبة واشتهر بالفتوح على كل من أخذ عنه حتى صار له المشيخة على غالب أهل العلم من الطبقة الثانية
وكان مهذب النفس جدا لين الجانب متواضعا منكسر النفس لا يرى لنفسه مقاما يجلس حيث ينتهي به المجلس ولا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه ملازما على الاشتغال والافادة والمطالعة
ومما اتفق له انه قرأ البخارى والمنهج صبيحة النهار والقطب على الشمسية في الضحوة والاشموني وقت الظهر وابن عقيل بعد العصر والشنشورى بعد المغرب كل ذلك في آن واحد ويحضره في ذلك جل الافاضل وهذا لم يتفق لغيره من أقرانه ولم يزل على حالته حتى توفي في آخر يوم من رجب من السنة وخلف ولده العمدة الفاضل الصالح الشيخ مصطفى على قدم والده واسلافه من الافادة وملازمة الاقراء أعانه الله على وقته ونفع به
ومات الشيخ الامام العلامة والنحرير الفهامة محمد بن عبد ربه ابن علي العزيزى الشهير بأبن الست ولد سنة 1118 بمصر وسبب تسميته بأبن الست أن والدته كانت سرية رومية اشتراها أبوه وأولدها اياه وكان قد تزوج بحرائر كثيرة فلم يلدن الا الاناث حتى قيل انه ولد له نحو ثمانين بنتا فأشترى أم ولده هذا فولدته ذكرا ولم تلد غيره ففرح به كثيرا ورباه في عز ورفاهية وقرأ القرآن مع الشيخ علي العدوى في مكتب واحد فلذلك اعتشر بالمالكية وصار مالكي المذهب
ولما ترعرع أراد الانتقال الى مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه فرأى الشافعي في المنام وأشار عليه بعدم الانتقال فاستمر مالكي المذهب وتفقه على الشيخ سالم النفراوى واللقاني والشبراملسي وسمع على الشيخ عبد ابن علي النمرسي المسلسل بالاولية وأوائل الكتب الستة وسنن النسائي الصغرى المسماة بالمجتبي والمسلسل بالمصافحة والمشابكة والسبحة وغير (1/604)
ذلك وأخذ عليه أيضا ملا عصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الجزرية لشيخ الاسلام وأوائل تفسير القاضي البيضاوى مع البحث والتدقيق وأجازه بما يجوز له وعنه روايته بشرطه وأخذ المعقول عن الشيخ أحمد الملوى والشيخ عبده الديوى والشيخ الاطفيحي والخليفي وأخذ طريق الشاذلية عن الشيخ أحمد الجوهرى والشيخ الملوى وهما اخذاها عن سيدى عبد الله بن محمد المغربي القصرى الكنكسي
وكان المترجم على قدم السلف لا يتداخل في أمور الدنيا ولا يتفاخر في ملبس ولا يركب دابة ولا يدخل بيت أمير ولا يشتغل بغير العلم ومدارسته ويشهد له معاصروه بالفضل واتقان العلوم والديانة
وسمعت منه المسلسل بالاولية وأجازني بمسموعاته ومروياته وتلقيت عنه دائرة الشاذلي وأجازني بوضعها ورسمها ونقطة مركزها كل ذلك في مجلس واحد بمنزلي ببولاق بشاطىء النيل سنة 1190
وكان يجيئني ويودني ويقول لي أنت ابن خالتي لكون والدتي ووالدته من السرارى
وصنف حاشية على الزرقاني على العزية وهي مستعملة بأيدى الطلبة وديباجة وخاتمه على أبي الحسن على الرسالة وخاتمة على شرح الخرشي وديباجة على أيساغوجي في المنطق وحاشية علي الحفيد على العصام وتكملة على العشماوية وشرحا على آية الكرسي وشرحا على الحوضية في التوحيد ولم يزل مقبلا على شأنه وحاله حتى توفي في هذه السنة عن أربع وثمانين سنة رحمه الله تعالى
ومات السيد الاجل المبجل السيد أحمد بن عبد الفتاح بن طه ابن عبد الرزاق الحسيني الحموى القادرى ولد أبوه السيد عبد الفتاح بحماه وارتحل بكريميه رقية وفاطمة ابنة السيد طه فزوج الاولى باحد أعيان مصر بن حسين الشمسي وهي أم أولاده حسن وحسين وعثمان ومحمود ورضوان وتزوجت السيدة فاطمة بعلي أفندى البكرى أخي سيدى (1/605)
بكرى الصديقي فأولدها محمد أفندى نقيب السادة الاشراف وهو والد محمد أفندى الاخير وأقام والده السيد عبد الفتاح بمصر مدة وتنزل في بعض المناصب ثم توجه الى ملك الروم فأكرمه ووجه له بعناية بعض الاعيان نقابة الاشارف بمصر وحضر الى مصر وقرىء المرسوم الوارد بذلك وكاد أن يتم له الامر فلم يمكن من ذلك بتقوية بعض الامراء وحنقوا عليه حيث توجه من مصر الى الروم خفية ولم يأخذ منهم عرضا وجعل له شيء معلوم من بيت النقابة وبقي ممنوعا عنها
وكان سيدا محتشما فصيح اللسان بهي الشكل وتزوج ببنت سيدى مكي الوارثي وولد له منها السيد أحمد المترجم وتربى في العز والرفاهية ببيتهم المعروف بهم بالازبكية بخط الساكت وكان انسانا حسنا مترفها في مأكله وملبسه منجمعا عن الناس الا لمقتضيات لا بد له منها
توفي رحمه الله في هذه السنة ولم يعقب
ومات الشيخ الصالح الماهر الموفق علي بن خليل شيخ القبان بمصر وكان ماهرا في علم الحساب وممعرفة الموازين والقرسطون المعروف بالقبان ودقائقه وصناعته ولما عني المرحوم الوالد أمر الموازين وتصحيحها وتحريرها في سنة اثنتين وسبعين وصنف في ذلك العقد الثمين فيما يتعلق بالموازين طالعه عليه وتلقاه عنه مع مشاركة الشيخ حسن بن ربيع البولاقي واتقنا ذلك وتميزا به دون أهل فنهما
وكان المترجم انسانا بشوشا منور الشيبة ولديه آداب ونوادر ومناسبات وحج مرارا او أثرى وتمول ثم تقهقر حاله ولزم بيته الى ان توفي في هذا العام ولم يخلف بعده مثله
ومات الشريف الحسيب النسيب السيد مصطفى بن السيد عبد الرحمن العيدروس وهو مقتبل الشيبية وصلي عليه بالازهر ودفن عند والده بمقام العتريس تجاه مشهد السيدة زينب وكانت وفاته رابع عشرين ربيع (1/606)
الاول من السنة رحمه الله
سنة مائتين وألف
كان اول المحرم يوم الجمعة وفي ذلك اليوم وصل الباشا الجديد الى برانبابة واسمه محمد باشا يكن فبات ليلة الجمعة هناك وفي الصباح ذهب اليه الامراء وسلموا عليه على العادة وعدوا به الى قصر العيني فجلس هناك الى يوم الاثنين رابعه وركب بالموكب وشق من الصليبة وطلع الى القلعة واستبشر الناس بقدومه
وفي يوم الخميس ثاني عشر صفر حضر مبشر الحاج بمكاتيب العقبة وأخبر أن الحجاج لم يزوروا المدينة أيضا في هذه السنة مثل العام الماضي بسبب طمع أمير الحاج في عدم دفع العوائد للعربان وصرة المدينة وأن أحمد باشا أمير الحاج الشامي اكد عليه في الذهاب وأنعم عليه بجملة من المال والعليق والذخيرة فاعتل بان الامراء بمصر لم يوفوا له العوائد ولا الصرة في العام الماضي وهذا العام واستمر على امتناعه
وحضر الشريف سرور شريف مكة وكلمه بحضرة أحمد باشا وقال اذا كان كذلك فنكتب عرض محضر ونخبر السلطان بتقصير الامراء وتضع عليه خطك وختمك وللسلطان النظر بعد ذلك
فأجاب الى ذلك ووضع خطه وختمه وحضر اليهم الجاويش في صبحها فخلعوا عليه كالعادة ورجع بالملاقاة وخرج الامراء في ثاني يوم الى خارج باجمعهم ونصبوا خيامهم
وفي يوم الاثنين وصل الحجاج ودخلوا الى مصر ونزل أمير الحج بالجنبلاطية بباب النصر ولم ينزل بالحصوة اولا على العادة وركب في يوم الثلاثاء ودخل بالمحمل بموكب دون المعتاد وسلم المحمل الى الباشا
وفي يوم الاربعاء اجتمع الامراء ببيت ابراهيم بك وأحضروا مصطفى بك أمير الحج وتشاجر معه ابراهيم بك ومراد بك بسبب هذه الفعلة (1/607)
وكتابة العرضحال وادعوا انه تسلم جميع الحمائل وطلبوا منه حساب ذلك واستمروا على ذلك الى قرب المساء
ثم ان مراد بك أخذ أمير الحاج الى بيته فبات عنده وفي صبحها حضر ابراهيم بك عند مراد بك وأخذ أمير الحاج الى بيته ووضعه في مكان محجورا عليه وأمر الكتاب بحسابه فحاسبوه فاستقر في طرفه مائة الف ريال وثلاثة آلاف وذلك خلاف ما على طرفه من الميرى
وفي يوم الجمعة طلع ابراهيم بك الى القلعة واخبر الباشا بما حصل وانه حبسه حتى توفي ما استقر بذمته فاستمر أياما وصالح وذهب الى بيته مكرما
وفي ذلك اليوم بعد صلاة الجمعة ضج مجاورو الازهر بسبب أخبازهم وقفلوا ابواب الجامع فحضر اليهم سليم أغا والتزم لهم باجراء رواتبهم بكرة تاريخه فسكنوا وفتحوا الجامع وانتظروا ثاني يوم فلم يأتهم شيء فأغلقوه ثانيا وصعدوا على المنارات يصيحون فحضر سليم أغا بعد العصر ونجز لهم بعض المطلوبات وأجرى لهم الجراية أناما ثم انقطع ذلك وتكرر الغلق والفتح مرارا
وفي ليلة خروج الامراء الى ملاقاة الحجاج ركب مصطفى بك الاسكندرى وأحمد بك الكلارجي وذهبا الى جهة الصعيد والتفا على عثمان بك الشرقاوى ولاجين بك وتقاسموا الجهات والبلاد وافحشوا في ظلم العباد
وفي منتصف ربيع الاول شرع مراد بك في السفر الى جهة بحرى بقصد القبض على رسلان والنجار قطاع الطريق فسافر وسمع بحضوره المذكوران فهربا فأحضر بن حبيب وابن حمد وابن فودة وألزمهم باحضارهما فأعتذروا اليه فحبسهم ثم أطلقهم على مال وذلك بيت القصيد وأخذ منهم رهائن ثم سار الى طملوها وطالب أهلها برسلان (1/608)
ثم نهب القرية وسلب أموال أهلها وسبى نساءهم وأولادهم ثم أمر بهدمها وحرقها عن آخرها ولم يزل ناصبا وطاقه عليها حتى أتى على آخرها هدما وحرقا وجرفها بالجراريف حتى محوا أثرها وسووها بالارض وفرق كشافه في مدة اقامته عليها في البلاد والجهات لجبي الاموال وقرر على القرى ما سولته له نفسه ومنع من الشفاعة وبث المعينين لطلب الكلف الخارجة عن المعقول فاذا استوفوها طلبوا حق طرقهم فاذا استوفوها طلبوا المقرر وكل ذلك طلبا حثيثا والا أحرقوا البلدة ونهبوها عن آخرها ولم يزل في سيره على هذا النسق حتى وصل الى رشيد فقرر على أهلها جملة كبيرة من المال وعلى التجار وبياعي الارز فهرب غالب أهلها وعين على اسكندرية صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا وقرر له حق طريقه حمسة آلاف ريال وطلب من أهل البلد مائة ألف ريال وأمر بهدم الكنائس فلما وصل الى اسكندرية هربت تجارها الى المراكب وكذلك غالب النصارى فلم يجد الا قنصل الموسقو فقال أنا أدفع لكم المطلوب بشرط ان يكون بموجب فرمان من الباشا أحاسب به سلطانكم فانكف عن ذلك وصالحوه على كراء طريقه ورجع وارتحل مراد بك من رشيد
ولما وصل الى جميجون هدمها عن آخرها وهدم أيضا كفرد سوق واستمر هو ومن معه يعبثون بالاقاليم والبلاد حتى أخربوها واتلفوا الزروعات الى غرة جمادى الاولى
فوصلت الاخبار بقدومه الى زنكلون ثم ثنى عنانه وعرج على جهة الشرق يفعل بها فعله بالمنوفية والغربية واما صناجقه الذين تركهم بمصر فانهم تسلطوا على مصادرات الناس في أموالهم وخصوصا حسين بك المعروف بشفت بمعنى يهودى فانه تسلط على هجم البيوت ونهبها بأدنى شبهة
وفي عصرية يوم الخميس المذكور ركب حسين بك المذكور بجنوده وذهب الى الحسينية وهجم على دار شخص يسمى احمد سالم الجزار (1/609)
متولي رياسة دراويش الشيخ البيومي ونهبه حتى مصاغ النساء والفراش ورجع والناس تنظر اليه
وفي عصريتها أرسل جماعة من سراجينه بطلب الخواجا محمود ابن حسن محرم فلاطفهم وارضاهم بدراهم وركب الى ابراهيم بك فأرسل له كتخداه وكتخدا الجاويشية فتلطفوا به وأخذوا خاطره وصرفوه عنه وعبى له الخواجا هدية بعد ذلك وقدمها اليه
وفي صبحها يوم الجمعة ثارت جماعة من اهالي الحسينية بسبب ما حصل في أمسه من حسين بك وحضروا الى الجامع الازهر ومعهم طبول والتف عليهم جماعة كثيرة من اوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق وذهبوا الى الشيخ الدردير فوافقهم وساعدهم بالكلام وقال لهم انا معكم فخرجوا من نواحي الجامع وقفلوا أبوابه وطلع منهم طائفة على أعلى المنارات يصيحون ويضربون بالطبول وانتشروا بالاسواق في حالة منكرة واغلقوا الحوانيت
وقال لهم الشيخ الدردير في غد نجمع أهالي الاطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم فلما كان بعد المغرب حضر سليم أغا مستحفظان ومحمد كتخدا ارنؤد الجلفي كتخدا ابراهيم بك وجلسوا في الغورية ثم ذهبوا الى الشيخ الدردير وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال وقالوا للشيخ اكتب لنا قائمة بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون
واتفقوا على ذلك وقرأوا الفاتحة وانصرفوا وركب الشيخ في صبحها الى ابراهيم بك وأرسل الى حسين بك فأحضره بالمجلس وكلمه في ذلك فقال في الجواب كلنا نهابون أنت تنهب ومراد بك ينهب وأنا أنهب كذلك
وانفض المجلس وبردت القضية
وفي عقبها بأيام قليلة حضر من ناحية قبلي سفينة وبها تمر وسمن (1/610)
وخلافه فأرسل سليمان بك الاغا وأخذ ما فيها جميعه وادعى إن له عند أولاد وافي مالا منكسرا ولم يكن ذلك لاولاد وافي وانما هو لجماعة يتسببون فيه من مجاورى الصعايدة وغيرهم فتعصب مجاورو الصعايدة وأبطلوا دروس المدرسين وركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ محمد المصيلحي وآخرون وذهبوا الى بيت ابراهيم بك وتكلموا معه بحضرة سليمان بك كلاما كثيرا مفحما
فاحتج سليمان بك بأن ذلك متاع أولاد وافي وأنا أخذته بقيمته من أصل مالي عندهم فقالوا هذا لم يكن لهم وانما هؤلاء ربابه ناس فقراء فان كان لك عند أولاد وافي شيء فخذه منهم فرد بعضه وذهب بعضه
وفي يوم الجمعة عاشر جمادى الاولى قدم مراد بك من ناحية الشرق ودخل في ليلتها من المنهوبات من الجمال والاغنام والابقار والجواميس وغير ذلك كثير يجل عن الحصر
وفيه سافر أيوب بك الى ناحية قبلي لمصالحة الامراء الغضاب وهم مصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وعثمان بك الشرقاوى ولاجين بك لانهم بلغوا قصدهم من البلاد وظلم العباد
وفي منتصف جمادى الثانية حضر عثمان بك الشرقاوى من ناحية قبلي
وفيه أنعم مراد بك على بعض كشافه بفردة دراهم على بلاد المنوفية كل بلد مائة وخمسون ريالا
وفيه اجتمع الناس بطندتا لعمل مولد سيدى أحمد البدوى المعتاد المعروف بمولد الشرنبابلية وحضر كاشف الغربية والمنوفية على جارى العادة وكاشف الغربية من طرف ابراهيم بك الوالي المولى امير الحاج فحصل منه عسف وجعل على كل جمل يباع في سوق المولد نصف ريال فرانسة فاغار اعوان الكاشف على بعض الاشراف وأخذوا جمالهم (1/611)
وكان ذلك في آخر أيام المولد فذهبوا الى الشيخ الدردير وكان هناك بقصد الزيارة وشكوا اليه ما حل بهم فأمر الشيخ بعض اتباعه بالذهاب اليه فامتنع الجماعة من مخاطبة ذلك الكاشف فركب الشيخ بنفسه وتبعه جماعة كثيرة من العامة
فلما وصل الى خيمة كتخدا الكاشف دعاه فحضر اليه والشيخ راكب على بغلته فكلمه ووبخه وقال له أنتم ما تخافون من الله
ففي أثناء كلام الشيخ لكتخدا الكاشف هجم على الكتخدا رجل من عامة الناس وضربه بنبوت فلما عاين خدامه ضرب سيدهم هجموا على العامة بنبابيتهم وعصيهم وقبضوا على السيد أحمد الصافي تابع الشيخ وضربوه عدة نبابيت
وهاجت الناس على بعضهم ووقع النهب في الخيم وفي البلد ونهبت عدة دكاكين وأسرع الشيخ في الرجوع إلى محله وراق الحال بعد ذلك وركب كاشف المنوفية وهو من جماعة ابراهيم بك الكبير وحضر الى كاشف الغربية وأخذه وحضر به الى الشيخ وأخذوا بخاطره وصالحوه ونادوا بالامان
وانفض المولد ورجع الناس الى اوطانهم وكذلك الشيخ الدردير فلما استقر بمنزله حضر اليه ابراهيم بك الوالي وأخذ بخاطره أيضا وكذلك براهيم بك الكبير وكتخدا الجاويشية
وفي سابع عشرة ركب حسين بك الشفت وقت القائلة وحضر الى بيت صغير بسوق الماطيين وصحبته امرأة فصعد اليه ونقب في حائط وأخرج منه برمة مملوءة ذهبا فأخذها وذهب وخبر ذلك ان هذا البيت كان لرجل زيات في السنين الخالية فاجتمع لديه هذه الدنانير فوضعها في برمة من الفخار وافرج لها نقبا في كتف الحائط ووضعها فيه وبنى عليها وسواها بالجبس
وكانت هذه المرأة ابنة صغيرة تنظر اليه ومات ذلك الرجل وبيعت الدار بعد مدة ووقفها الذى اشتراها وتداولت الاعوام وآل البيت الى وقف المشهد الحسيني وسكنه الناس بالاجرة ومضى (1/612)
على ذلك نحو الاربعين عاما وتلك المرأة تتخيل ذلك في ذهنها وتكتمه ولا يمكنها الوصول الى ذلك المكان بنفسها وقلت ذات يدها واحتاجت فذهبت الى حريم حسين بك المذكور وعرفتهن القضية واخبر الامير بذلك فقال لعل بعض الساكنين أخذها فقالت لا يعرفها أحد غيرى
فأرسل الى ساكن الدار واحضره وقال له أخل دارك في غد وانتظرني ولا تفزع من شيء ففعل الرجل وحضر الصنجق وصحبته المرأة فارته الموضع فنقبوه وأخرجوا منه تلك البرمة وأعطي صاحب المكان احسانا وركب وصاحب المكان يتعجب وركب أيضا قبل ذلك وذهب الى بيت رجل يقال له الشيخ عبد الباقي أبو قليطة ليلا وأخذ منه صندوقا مودعا عنده امانة لنصر ابن شديد البدوى شيخ عرب الحويطات يقال ان فيه شيئا كثيرا من الذهب العين وغيره وهجم ايضا على بيت بالقرب من المشهد الحسيني في وقت القائلة وكان ذلك البيت مقفولا وصاحبه غائب فخلع الباب وطلع اليه وأخذه منه عشرة اكياس مملوءة ذهبا وخرج وأغلق الباب كما كان وركب هو ومماليكه والاكياس في أحضانهم على قرابيس سروج الخيل وهو بجملتهم يحمل كيسا امامه والناس تنظرهم
وفي هذا الشهر ثقب الشطار حاصلا في وكالة المسايرة التي بباب الشعرية وكان بظاهر الحاصل المذكور قهوة متخربة فتسلق اليها بعض الحرامية ونقبوا الحاصل وأخذوا منه صندوقا في داخله اثنا عشر ألف بندقي عنها ثلاثون ألف ريال في ذلك الوقت وفيه من غير جنس البندقي ايضا ذهب ودراهم وثياب حرير وطرح النساء المحلاوى التي يقال لها الحبر
وبعد أيام قبضوا على رجلين أحدهما فطاطرى والآخر مخللاتي بتعريف الخفراء بعد حبسهم ومعاقبتهم فأخذوا منهما شيئا واستمرا محبوسين
وفي عشرينه حضر أيوب بك ولاجين بك وأحمد بك من ناحية قبلي (1/613)
ودخلوا بيوتهم بالمنهوبات والمواشي وتأخر مصطفى بك
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية نسفت رمالا واتربة مع غيم مطبق وأظلم منها الجو واستمرت من الظهر الى الغروب
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه حضر مصطفى بك أيضا
وفي غرة شهر رجب عزم مراد بك على التوجه الى سد خليج منوف المعروف بالفرعونية وكان منذ سنين لم يحبس واندفع اليه الشرقي حتى تهور وشرق بسببه بحر دمياط وتعطلت مزارع الارز
وفيه وصلت الاخبار من ثغر الاسكندرية بانه ورد اليها مركب البيليك وذلك على خلاف العادة وذلك ان مراكب البيليكات لا تخرج الا بعد روز خضر ثم حضره عقيبة أيضا قليون آخر وفيه احمد باشا والي جدة ثم تعقبهما آخر وفيه غلال كثيرة نقلوها الى الثغر وشرعوا في عملها بقسهاطا فكثر اللغط بمصر بسبب ذلك
وفي عاشره ورد ططرى من البر وقابجي من البحر ومعهما مكاتبات قرئت بالديوان يوم الخميس ثاني عشرة مضمونها طلب الخزائن المنكسرة وتشهيل مرتبات الحرمين من الغلال والصرر في السنين الماضية واللوم على عدم زيارة المدينة
وفيه الحث والوعد والوعيد والامر بصرف العلوفات وغلال الانبار
وفيه المهلة ثلاثون يوما
فكثر لغط الناس والقال والقيل واشيع ورود مراكب أخر الى ثغر سكندرية وأن حسن باشا القبطان واصل أيضا في أثر ذلك وصحبته عساكر محاربون
وفيه حضر معلم ديوان الاسكندرية قيل انه هرب ليلا ثم ان ابراهيم بك أرسل يستحث مراد بك في الحضور من سد الفرعونية ثم بعث اليه علي أغا كتخدا جاووجان والمعلم ابراهيم الجوهرى وسليمان اغا الحنفي وحسن كتخدا الجربان وحسن افندي شقبون كاتب الحوالة سابقا وأفندى الديوان حالا فأحضروه الى مصر في يوم الثلاثاء ولم يتم سد الترعة (1/614)
بعد ان غرق فيها عدة مراكب ومراسي حديد وأخشاب أخذوها من أربابها من غير ثمن وفرد على البلاد الاموال وقبض أكثرها وذهب ذلك جميعه من غير فائدة
ثم ان الامراء عملوا جمعيات وديوانا ببيت ابراهيم بك وتشاوروا في تنجيز الاوامر
وفي أثناء ذلك تشحطت الغلال وارتفع القمح من السواحل والعرصات وغلا سعره وقل وجوده حتى امتنع بيع الخبز من الاسواق واغلقت الطواجين
فنزل سليم اغا وهجم المخازن واخرج الغلال وضرب القماحين والمتسببين ومنعهم من زيادة الاسعار فظهر القمح والخبز بالاسواق وراق الحال وسكنت الاقاويل
وفي هذا الشهر أعني شهر رجب حصلت عدة حريقات منها حريقتان في ليلة واحدة
احداهما بالازبكية واخرى بخطتنا بالصنادقية
وظهرت النار من دكان رجل صناديقي وهي مشحونة بالاخشاب والصناديق المدهونة عند خان الجلاية فرعت النار في الاخشاب ووجت في ساعة واحدة وتعلقت بشبابيك الدور وذلك بعد حصة من الليل وهاج الناس والسكان وأسرعوا بالهدم وصب المياه وأحضر الوالي القصارين حتى طفئت
وفيه أيضا من الحوادث المستهجنة أن امرأة تعلقت برجل من المجاذيب يقال له الشيخ علي البكرى مشهور ومعتقد عند العوام وهو رجل طويل حليق اللحية يمشي عريانا واحيانا يلبس قميصا وطاقية
ويمشي حافيا فصارت هذه المرأة تمشي خلفه أينما توجه وهي بازارها وتخلط في ألفاظها وتدخل معه الى البيوت وتطلع الحريمات واعتقدها النساء وهادوها بالدراهم والملابس وأشاعوا ان الشيخ لحظها وجذبها وصارت من الاولياء ثم ارتقت في درجات الجذب وثقلت عليها الشربة فكشفت وجهها ولبست ملابس كالرجال ولازمته أينما توجه ويتبعهما الاطفال والصغار وهوام العوام ومنهم من اقتدى بهما ايضا ونزع ثيابه وتخجل في مشيه وقالوا انه اعترض على الشيخ والمرأة فجذبه الشيخ ايضا (1/615)
وأن الشيخ لمسه فصار من الاولياء
وزاد الحال وكثر خلفهم أوباش الناس والصغار وصاروا يخطفون اشياء من الاسواق ويصير لهم في مرورهم ضجة عظيمة واذا جلس الشيخ في مكان وقف الجميع وازدحم الناس للفرجة عليه وتصعد المرأة على دكان أو علوة وتتكلم بفاحش القول ساعة بالعربي ومرة بالتركي والناس تنصت لها ويقبلون يدها ويتبركون بها وبعضهم يضحك ومنهم من يقول الله الله وبعضهم يقول دستور يا أسيادى وبعضهم يقول لا تعترض بشيء
فمر الشيخ في بعض الاوقات على مثل هذه الصورة والضجة ودخلوا من باب بيت القاضي الذى من ناحية بين القصرين وبتلك العكفة سكن بعض الاجناد يقال له جعفر كاشف فقبض على الشيخ وادخله الى داره ومعه المرأة وباقي المجاذيب فأجلسه وأحضر له شيئا يأكله وطرد الناس عنه وأدخل المرأة والمجاذيب الى الحبس وأطلق الشيخ لحال سبيله وأخرج المرأة والمجاذيب فضربهم وعزرهم ثم أرسل المرأة الى المارستان وربطها عند المجانين وأطلق باقي المجاذيب بعد ان استغاثوا وتابوا ولبسوا ثيابهم وطارت الشربة من رؤوسهم وأصبح الناس يتحدثون بقصتهم
واستمرت المرأة محبوسة بالمارستان حتى حدثت الحوادث فخرجت وصارت شيخة على انفرادها ويعتقدها الناس والنساء وجمعت عليها الجمعيات وموالد واشباه ذلك
وفيه ورد الخبر من الديار الشامية بحصول طاعون عظيم في بلادهم حصل عندهم ايضا قحط وغلاء في الاسعار
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر شعبان ركب سليم أغا في عصريته الى جامع السلطان حسن بن قلاون الذى بسوق السلاح وأحضر معه فعلة وفتح باب المسجد المسدود وهو الباب الكبير الذى من ناحية سوق السلاح فهدموا الدكاكين التي حدثت أسفله والبناء الذى بصدر الباب وكان (1/616)
مدة سده في هذه المرة احدى وخمسين سنة وكان سببها المقتلة التي قتل فيها الاحد عشر اميرا ببيت محمد بك الدفتردار في سنة تسع وأربعين وتقدم ذكرها في أول التاريخ
وسبب فتحه ان بعض اهل الخطة تذاكر مع الاغا في شأنه واعلمه بحصول المشقة على الناس المصلين في الدخول اليه من باب الرميلة وربما فاتهم حضور الجماعة في مسافة الذهاب وان الاسباب التي سد الباب من أجلها قد زالت وانقضت ونسيت فاستأذن سليم أغا ابراهيم بك ومراد بك في فتحه فأذنا له ففتحه وصنع له بابا جديدا عظيما وبنى له سلالم ومصاطب واحضر نظاره وأمرهم بالصرف عليه ويأتي هو في كل يوم يباشر العمل بنفسه وعمروا ما تشعث منه ونظفوا حيطانه ورخامه وظهر بعد الخفاء وازدحم الناس للصلاة فيه وأتوا اليه من الاماكن البعيدة
وفي يوم الجمعة خامسة توفي مصطفى بك المرادى المجنون
وفي عشرين شعبان كثر الارجاف بمجيء مراكب الاسكندرية وعساكر وغير ذلك
وفي يوم السبت خامس رمضان حضر واحد أغا من الديار الرومية وعلى يده مكاتبة بالحث على المطلوبات المتقدم ذكرها فطلع الامراء الى القلعة ليلا واجتمعوا بالباشا وتكلموا مع بعضهم كلاما كثيرا وقال مراد بك للباشا ليس لكم عندنا الا حساب أمهلونا الى بعد رمضان وحاسبنا على جميع ما هو في طرفنا نورده وأرسل الى من وصل الاسكندرية يرجعون الى حيث كانوا والا فلا نشهل حجا ولا صرة ولا ندفع شيئا
وهذا آخر الكلام كل ذلك وابراهيم بك يلاطف كلا منهما ثم اتفقوا على كتابة عرضحال من الوجاقلية والمشايخ ويذكر فيه انهم أقلعوا وتابوا ورجعوا عن المخالفة والظلم والطريق التي ارتكبوها وعليهم القيام باللوازم وقرروا على أنفسهم مصلحة يقومون بدفعها لقبطان باشا والوزير (1/617)
وباشة جدة وقدرها ثلثمائة وخمسون كيسا وقاموا على ذلك ونزلوا الى بيوتهم
وفي ليلة الاثنين جمع ابراهيم بك المشايخ وأخبرهم بذلك الاتفاق وشرعوا في كتابة العرضحالات أحدها للدولة وآخر لقبطان باشا بالمهلة حتى يأتي الجواب وآخر لباشة جدة الذى في الاسكندرية
وفي صبحها وردت مكاتبة من أحمد باشا الجزار يخبر فيها بالحركة والتحذير واخبار بورود مراكب أخرى باسكندرية ومراكب وصلت الى دمياط فزار اللغط والقال والقيل
وفيه ركب سليم أغا مستحفظان ونادى في الاسواق على الاروام والقليونجية والاتراك بانهم يسافرون الى بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة أيام قتل
وفيه اتفق رأى ابراهيم بك ومراد بك انهم يرسلون لاجين بك ومصطفى بك السلحدار الى رشيد لاجل المحافظة والاتفاق مع عرب الهنادى ويطلبون أحمد باشا والي جدة ليأتي الى مصر ويذهب الى منصبه
فسافر وافي ليلة الخميس عاشر رمضان
وفي تلك الليلة ركب ابراهيم بك بعد الافطار وذهب الى مراد بك وجلس معه ساعة ثم ركبا جميعا وطلعا الى القلعة وطلع أيضا المشايخ باستدعاء من الامراء وهم الشيخ البكرى والشيخ السادات والشيخ العروسي والشيخ الدردير والشيخ الحريرى وقابلوا الباشا وعرضوا عليه العرضحالات
وكان المنشي لبعضها الشيخ مصطفى الصاوى وغيره فأعجبهم انشاء الشيخ مصطفى وامروا بتغيير ما كان من انشاء غيره
وانخضع مراد بك في تلك الليلة للباشا جدا وقبل أتكه وركبتيه ويقول له يا سلطانم نحن في عرضك في تسكين هذا الامر ودفعه عنا ونقوم بما علينا ونرتب الامور وننظم الاحوال على القوانين القديمة
فقال الباشا ومن يضمنكم ويتكفل (1/618)
بكم قال أنا الضامن لذلك ثم ضماني على المشايخ والاختيارية
وفي ليلة الاحد ثالث عشرة وصلت الاخبار بوصول حسن باشا القبطان الى ثغر الاسكندرية وكان وصوله يوم الخميس عاشره قبل العصر وصحبته عدة مراكب فزاد الاضطراب وكثر اللغط
فتمموا أمر العرضحالات وأرسلوها صحبة سلحدار الباشا والططرى وواحد أغا ودفعوا لكل فرد منهم ألف ريال وسافروا من يومهم
وفيه وردت الاخبار بان مشايخ عرب الهنادى والبحيرة ذهبوا الى الاسكندرية وقابلوا أحمد باشا الجداوى فألبسهم خلعا وأعطاهم دراهم وكذلك أهل دمنهور
وفيه حضر صدقات من مولاى محمد صاحب المغرب ففرقت على فقراء الازهر وخدمة الاضرحة والمشايخ المفتين والشيخ البكرى والشيخ السادات والعمريين على يد الباشا بموجب قائمة ومكاتبة
وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى جربجي باش سراجين مراد بك سابقا وسردار ثغر رشيد حالا وكان السبب في حضوره انه حضرت الى رشيد أحد القباطين وصحبته عدة وافرة من العسكر فطلع الى بيت السردار المذكور وأعطاه مكاتبة من حسن باشا خطابا للامراء بمصر وامره بالتوجه بها فحضر بتلك المكاتبة مضمونها التطمين ببعض ألفاظ
وفيه اتفق رأى الامراء على ارسال جماعة من العلماء والوجاقلية الى حسن باشا فتعين لذلك الشيخ أحمد العروسي والشيخ محمد الامير والشيخ محمد الحريري ومن الوجاقلية اسمعيل افندى الخلوتي وابراهيم أغا الورداني وذهب صحبتهم أيضا سليمان بك الشابورى وارسلوا صحبتهم مائة فرد بن ومائة قنطار سكر وعشر بقج ثياب هندية وتفاصيل وعودا وعنبرا وغير ذلك فسافروا في يوم الجمعة ثامن عشر رمضان على انهم يجتمعون به ويكلمونه ويسألونه عن مراده ومقصده ويذكرون (1/619)
له امتثالهم وطاعتهم وعدم مخالفتهم ورجوعهم عما سلف من افاعيلهم ويذكرونه حال الرعية وما توجبه الفتن من الضرر والتلف
وفي يوم السبت حضر تفكجي باشا من طرف حسن باشا وذهب الى ابراهيم بك وأفطر معه وخلع عليه خلعة سمور وأعطاه مكاتبات وكان صحبته محمد أفندى حافظ من طرف ابراهيم بك ارسله الامراء قبل بأيام عندما بلغهم خبر القادمين ليستوعب الاحوال ثم ان ذلك التفكجي جلس مع ابراهيم بك حصة من الليل وذهب الى محله وحضر علي أغا كتخدا الجاويشية فركب مع ابراهيم بك وطلعا الى الباشا في سادس ساعة من الليل ثم نزلا وسافر التفكجي في صبحها وصحبته الحافظ
وكان فيما جاء به ذلك التفكجي طلب ابراهيم بك أمير الحاج فلم يرض بالذهاب وكان لاجين بك ومصطفى بك لما سافرا للمحافظة بعد التوبة بيومين فعلوا أفاعيلهم بالبلاد وطلبوا الكلف وحرقوا وردان فضجت أهالي البلاد وذهبوا الى عرضي حسن باشا وشكوا ما نزل بهم فأخذ بخواطرهم وكتب لهم فرمانا برفع الخراج عنهم سنتين وأرسل مع ذلك التفكجي العتاب واللوم في شأن ذلك
وفي تلك الليلة ذهب سليم أغا الى ناحية باب الشعرية وقبض على الحافظ اسحق وأخذه على صورة أرباب الجرائم من أسافل الناس وذهب به الى بولاق فلحقه مصطفى بك الاسكندراني ورده
وفي يوم الاثنين وصلت الاخبار بورود حسن باشا الى ثغر رشيد يوم الاربعاء سادس عشرة وانه كتب عدة فرمانات بالعربي وارسلها الى مشايخ البلاد وأكابر العربان والمقادم وحق طريق المعينين بالفرمانات ثلاثون نصفا فضة لا غير وذلك من نوع الخداع والتحيل وجذب القلوب ومثل قولهم انهم يقرروا مال الفدان سبعة أنصاف ونصف نصف حتى كادت الناس تطير من الفرح وخصوصا الفلاحين لما سمعوا ذلك
وانه (1/620)
يرفع الظلم ويمشي على قانون دفتر السلطان سليمان وغير ذلك
وكان الناس يجهلون أحكامهم فمالت جميع القلوب اليهم وانحرفت عن الامراء المصرية وتمنوا سرعة زوالهم
وصورة ذلك الفرمان وهو الذي أرسل الى أولاد حبيب من جملة ما أرسل صدر هذا الفرمان الشريف الواجب القبول والتشريف من ديوان حضرة الوزير المعظم والدستور المكرم عالي الهمم وناصر المظلوم على من ظلم مولانا العزيز غازى حسن باشا ساري عسكر السفر البحري المنصور حالا ودونانمة همايون أيدت سيادته السنية وزادت رتبته العلية الى مشايخ العرب أولاد حبيب بناحية دجوة وفقهم الله تعالى نعرفكم انه بلغ حضرة مولانا السلطان نصره الله ما هو واقع بالقطر المصرى من الجور والظلم للفقراء وكافة الناس وان سبب هذا خائنون الدين ابراهيم بك ومراد بك واتباعها فتعينا بخط شريف من حضرة مولانا السلطان أيده الله بعساكر منصورة بحرا لدفع الظلم ولايقاع الانتقام من المذكورين وتعين عليهم عساكر منصورة برا يسارى عسكر عليهم من حضرة مولانا السلطان نصره الله وقد وصلنا الى ثغر اسكندرية ثم الى رشيد في سادس عشر رمضان فحررنا لكم هذا الفرمان لتحضروا تقابلونا وترجعوا الى أوطانكم مجبورين مسرورين ان شاء الله تعالى فحين وصوله اليكم تعملوا به وتعتمدوه والحذر ثم الحذر من المخالفة وقد عرفناكم
ثم ان الامراء زاد قلقهم واجتمعوا في ليلتها ببيت ابراهيم بك وعملوا بينهم مشورة في هذا الامر الذى دهمهم وتحققوا اتساع الخرق والنيل آخذ في الزيادة فعند ذلك تجاهروا بالمخالفة وعزموا على المحاربة واتفق الرأى على تشهيل تجريدة وأميرها مراد بك فيذهبون الى جهة فوة ويمنعون الطريق ويرسلون الى حسن باشا مكاتبات بتحرير الحساب والقيام بغلاق المطلوب ويرجع من حيث أتى
فان امتثل والا حاربناه وهذا آخر الكلام
ثم جمعوا المراكب وعبوا (1/621)
الذخيرة والبقسماط وذلك كله في يوم الثلاثاء والاربعاء ونقلوا عزالهم ومتاعهم من البيوت الكبار الى اماكن لهم صغار جهة المشهد الحسيني والشنواني والازهر وعطلوا القناديل والتعاليق المعدة لمهرجان رمضان وزاد الارجاف وكثر اللغط ولاحت عليهم لوائح الخذلان ورخص أسعار الغلال بسبب بيعهم الغلال المخزونة عندهم
وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج مراد بك والامراء المسافرون معه الى ناحية بولاق وبرزوا خيامهم وعدوا في ليلتها الى برانبابة ونصبوا وطاقهم هناك
وتعين للسفر صحبة مراد بك مصطفى بك الداوودية الذى عرف بالاسكندراني ومحمد بك الالفي وحسين بك الشفت ويحيى بك وسليمان بك الاغا وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر وركب ابراهيم بك بعد المغرب وذهب اليهم وأخذ بخاطرهم ورجع فأقاموا في برانبابة يوم الجمعة حتى تكامل خروج العسكر وأخذ مراد بك ما احتاجه من ملائل الحج جمالا وبقسماطا وغيره حتى الذى قبض من مال الصرة وأرسلوا في ليلتها على أغا كتخدا الجاويشية وسليمان أغا الحنفي الى الباشا وطلبوا منه الدراهم التي كانوا استخلصوها من مصطفى بك أمير الحاج وأودهوها عند الباشا فدفعها لهم بتمامها
وفي يوم السبت سادس عشرينه سافر مراد بك من برانبابة وأصحب ليكون سفيرا بينه وبين قبطان باشا وفي ليلة الإثنين ثامن عشرينه مسافر مصطفى بك الكبير أيضا ولحق بمراد بك
وفي ليلة الثلاثاء حضر المشايخ ومن معهم من ثغر رشيد فوصلوا الى بولاق بعد العشاء وباتوا هناك وذهبوا الى بيوتهم في الصباح
فأخبروا انهم اجتمعوا على حسن باشا ثلاث مرات الاولى للسلام فقابلهم بالاجلال والتعظيم وأمر لهم بمكان نزلوا فيه ورتب لهم ما يكفيهم من (1/622)
الطعام المهيأ في الافطار والسحور ودعاهم في ثاني يوم وكلمهم كلمات قليلة وقال له الشيخ العروسي يا مولانا رعية مصر قوم ضعاف وبيوت الامراء مختلطة ببيوت الناس
فقال لا تخشوا من شيء فان أول ما أوصاني مولانا السلطان أوصاني بالرعية وقال ان الرعية وداعة الله عندى وانا استودعتك ما أودعنيه الله تعالى
فدعوا له بخير ثم قال كيف ترضون أن يملككم مملوكان كافران وترضونهم حكاما عليكم يسومونكم العذاب والظلم لماذا لم تجتمعوا عليهم وتخرجوهم من بينكم
فأجابه اسمعيل أفندى الخلوتي بقوله يا سلطانم هؤلاء عصبة شديد والباس ويد واحدة
فغضب من قوله ونهره وقال تخوفني ببأسهم فاستدرك وقال انما أعني بذلك انفسنا لانهم بظلم أضعفوا الناس
ثم أمرهم بالانصراف
واجتمعوا عليه مرة ثالثة بعد صلاة الجمعة فأستأذنوه في السفر ثم تركهم يومين وكتب لهم مكاتبات وسلمها ليد سليمان بك الشابورى وأمرهم بالانصراف فودعوه وساروا وأخفيت تلك المكاتبات
وفي غاية رمضان أرسل الباشا عدة أوراق الى افراد المشايخ وذكر انها وردت من صدر الدولة وأما العرضحالات التي أرسلوها صحبة السلحدار والططرى فانهما لما وصلا الى اسكندرية واطلع عليها حسن باشا حجزها ومنع المراسلة الى اسلامبول وقال أنا دستور مكرم والامر مفوض الي في أمر مصر
وسأل السلحدار عن الاوراق التي من صدر الدولة هل أرسلها الباشا الى أربابها فأخبره انه خاف من اظارها فاشتد غضبه على الباشا وسبه بقوله خائن منافق
فلما رجع السلحدار في تاريخه واخبر الباشا فعند ذلك ارسلها كما تقدم
وفي ثاني شوال اشيع مراد بك ملك مدينة فوة وهرب من بها من العسكر ووقع بينهم مقتلة عظيمة وانه اخذ المراكب التي وجدها على ساحلها ثم ظهر صحة ذلك (1/623)
وفي يوم السبت نزلت الكسوة من القلعة على العادة الى المشهد الحسيني وركب ابراهيم بك الكبير وابراهيم بك امير الحاج الى قراميدان ونزل الباشا كذلك واكد على امير الحاج في التشهيل فأعتذر اليه بتعطيل الاسباب فوعده بالمساعدة
وفي يوم الاحد اشاعوا اشاعة مثل الاولى مصطنعة واظهروا البشر والسرور وركب ابراهيم بك في ذلك اليوم وذهب الى الشيخ البكرى وعيد عليه ثم الى الشيخ العروسي والشيخ الدردير وصار يحكي لهم
وتصاغر في نفسه جدا واوصاهم على المحافظة وكف الرعية عن امر يحدثوه او قومة او حركة في مثل هذا الوقت فانه كأنه يخاف ذلك جدا وخصوصا لما اشيع امر الفرمانات التي ارسلها الباشا للمشايخ وتسامع بها الناس وفي وقت ركوب ابراهيم بك من بيت الشيخ البكرى حصلت زعجة عظيمة ببركة الأزبكية وسببها أن مملوكا أسود ضرب رجلا من زراع الملقاتى فجرحه فوقع الصياح من رفقائه واجتمع عليهم خلق كثير من الاوباش وزاد الحال حتى امتلأت البركة من المخلوقات وكل منهم يسأل عن الخبر من الآخر ويختلقون انواعا من الاكاذيب
فلما رجع ابراهيم بك الى داره ارسل من طرد الناس وفحصوا عن اصل القضية وفتشوا على الضارب فلم يجدوه فأخذوا المضروب فطيبوا خاطره واعطوه دراهم
وفيه ارسل مراد بك بطلب ذخيرة وبقسماط وركب ايوب بك الصغير وذهب الى مصر العتيقة وعثمان بك الطنيرجي الى بولاق ونزلوا جملة مدافع ومنها الغضبان وابو مايلة وكان ايوب هذا متمرضا مدة شهور ومنقطعا في الحريم فغرق وشفي في ساعة واحدة
وفي يوم الاثنين كان مولد السيد احمد البدوى ببولاق وكراء مشايخ الاشاير المراكب ليسافروا فيها فأخذوها بأجمعها لاجل الذخيرة والمدافع (1/624)
ووسقوها وارسلوا منها جملة
وفي ليلة الثلاثاء حضرت مراكب من مراكب الغائبين وفيها مماليك ومجاريح واجناد واخبروا بكسرة مراد بك ومن معه واصبح الخبر شائعا في المدينة وثبت ذلك ورجعت المراكب بما فيها واخبروا عما وقع وهو انه لما وصل مراد بك الى الرحمانية عدى سليمان بك الاغا وعثمان بك الشرقاوى والالفي الى البر الشرقي فحصل بينهم اختلاف وغضب بعضهم ورجع القهقرى فكان ذلك اول الفشل
ثم تقدموا الى محلة العلويين فأخلوا منها الاورام فدخلوا اليها وملكوها وارسلوا الى مراد بك يطلبون منه الامداد فأمر بعض الامراء بالتعدية اليهم فامتنعوا وقالوا نحن لا نفارقك ونموت تحت اقدامك فحنق منهم وارسل عوضهم جماعة من العرب ثم ركبوا وقصدوا ان يتقدموا الى فوة فوجدوا امامهم طائفة من العسكر ناصبين متاريس فلم يمكنهم التقدم لوعر الطريق وضيق الجسر وكثرة القنى ومزارع الارز فتراموا بالبنادق فرمح سليمان بك فعثر بقناة وسقط فحصلت فيهم ضجة وظنوها كسرة فرجعوا القهقرى ودخل الرعب في قلوبهم ورجعت عليهم العرب ينهبونهم
فعدوا الى البر الآخر وكان مراد بك مستقرا في مكان توصل اليه من طريق ضيقة لاتسع الا الفارس بمفرده فاشاروا عليه بالانتقال من ذلك المكان وداخلهم الخوف وتخيلوا تخيلات
وما زالوا في نقض وابرام الى الليل ثم أمر بالاتحال فحملوا حملاتهم ورجعوا القهقرى وما زالوا في سيرهم وأشيع فيهم الانهزام وتطايرت الاخبار بالكسرة وتيقن الناس ان هذا أمر الهي ليس بفعل فاعل
وفي ذلك اليوم حصلت كرشة من ناحية الصاغة وسببها عبد مملوك أراد الركوب على حمار بعض المكارية فازدحموا عليه الحمارة ورمحوا خلفه فصارت كرشة ورمحت الصغار فاغلقوا الدكاكين بالاشرفية (1/625)
والغورية والعقادين وغير ذلك ثم تبين ان لا شيء ففتح الناس الدكاكين
وفي ذلك اليوم حضر أناس من المماليك مجاريح وزاد الارجاف فنزل الباشا وقت الغروب الى باب العزب واراد ابراهيم بك ان يملك أبواب القلعة فلم يتمكن من ذلك
وأرسل الباشا فطلب القاضي والمشايخ فطلع البعض وتأخر البعض إلى الصباح وبات السيد عند الباشا ذكرها بعد ذلك الباشا لحسن باشا وشكره عليها واحبه وذهب للسلام عليه عند قدومه دون غيره من بقية المشايخ فلما أصبح نهار الاربعاء طلعوا بأجمعهم وكذلك جماعة الوجاقلية ونصب الباشا البيرق على باب العزب ونزل جاويش مستحفظان وجاويش العزب وامامهم القابجية والمناداة على الالضاشات وغيرهم وكل من كان طائعا لله وللسلطان يأتي تحت البيرق فطلع عليه جميع الالضاشات والتجار واهل خان الخليلي وعامة الناس وظهرت الناس المخفيون والمستضعفون والذين أنحلهم الدهر والذى لم يجد ثياب زيه استعار ثيابا وسلاحا حتى امتلأت الرميلة وقراميدان من الخلائق وأرسل محمد باشا يستحث حسن باشا في سرعة القدوم ويخبره بما حصل وكان قصد حسن باشا التأخر حتى يسافر الحاج وتأتي العساكر البرية فاقتضى الحال ولزم الامر في عدم التأخر
وأما ابراهيم بك فانه اشتغل في نقل عزاله ومتاعه بطول الليل في بيوته الصغار فلم يترك الا فرش مجلسه الذى هو جالس فيه ثم انه جلس ساعة وركب الى قصر العيني وجلس به
وأما ابراهيم بك أمير الحج فانه طلع الى باب العزب وطلب الامان فأرسل له الباشا فرمانا بالامان واذن له في الدخول وكذلك حضر أيوب بك الكبير وأيوب بك الصغير وكتخدا الجاويشية وسليمان بك الشابورى وعبد الرحمن بك وعثمان وأحمد جاويش المجنون ومحمد كتخدا أزنور ومحمد كتخدا اباظة وجماعة كثيرة من الغز والاجناد وكذلك رضوان بك بلغيا فكان كل من حضر لطلب الامان فان كان من الامراء الكبار فانه يقف عند الباب ويطرقه ويطلب الامان ويستمر (1/626)
واقفا حتى يأتيه فرمان الامان ويؤذن له في الدخول من غير سلاح وان كان من الاصاغر فانه يستمر بالرميلة أو قراميدان أو يجلس على المساطب
فلما تكامل حضور الجميع أبرز الباشا خطا شريفا وقرأه عليهم وفيه المأمورات المتقدم ذكرها وطلب ابراهيم بك ومراد بك فقط وتأمين كل من يطلب الامان
واستمر امير الحج على منصبه ثم انه خلع على حسن كاشف تابع حسن بك قصبة رضوان وقلده أغاة مستحفظان وخلع على محمد كتخدا أزثور وقلده الزعامة وقلد محمد كتخدا اباظة أمين احتساب ونزلوا الى المدينة ونادوا بالامان والبيع والشراء وكذلك نزل الأمراء إلى دورهم ما عدا إبراهيم بك أمير الحاج فإن الباشا عوقه عنده ذلك اليوم
وكذلك اذنوا للناس بالتوجه الى اماكنهم بشرط الاستعداد والاجابة وقت الطلب ولم يتأخر الا المحافظون على الابواب
واما مراد بك فانه حضر الى برانبابة واستمر هناك ذلك اليوم ثم ذهب في الليل الى جزيرة الذهب وركب ابراهيم بك ليلا وذهب الى الآثار
وفي عصر ذلك اليوم نزل الآغا ونبه على الناس بالطلوع الى الابواب
وفيه حضر سليمان بك الاغا وطلب الامان فأعطوه فرمان الامان وذهب الى بيته وأصبح يوم الخميس فنزلت القابجية ونبهت على الناس بالطلوع فطلعوا واجتمعت الخلائق زيادة على اليوم الاول وحضر أهالي بولاق ونزل الاغا فنادى بالامن والامان
وفي ذلك اليوم قبل العصر ركب عثمان خازندار مراد بك سابقا وذهب الى سيده وكان من جملة من أخذ فرمانا بالامان فلما نزل الى داره أخذ ما يحتاجه وذهب فلما بلغ الباشا هروبه اغتاظ من فعله
ثم ان الباشا تخيل من ابراهيم بك امير الحاج فأمره بالنزول الى بيته فنزل الى جامع السلطان حسن وجلس به فأرسل له الباشا بالذهاب الى منزله (1/627)
فذهب
وفي صباح ثاني يوم ركب سليمان بك وأيوب بك الكبير والصغير وخرجوا الى مضرب النشاب وركب ابراهيم بك أمير الحاج وذهب الى بولاق واحب ان يأخذ الجمال من المناخ فمنعه عسكر المغاربة ثم ذهب عند رفقائه بمضرب النشاب فلما بلغ الباشا ذلك أرسل لهم فرمانا بالعودة فطردوا الرسول ومزقوا الفرمان وأقاموا بالمصاطب حتى اجتمعت عليهم طوائفهم وركبوا ولحقوا بأخوانهم فلما حصل ذلك اضطربت البلد وتوهموا صعودهم على الجبل بالمدافع ويضربوا على القلعة وغير ذلك من التوهمات وركب قائد أغا بعد صلاة الجمعة وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا وصحبتهم جملة من المماليك والعسكر وهم بالطرابيش وبيدهم مكاحل البندق والقرابينات وفتائلها موقودة فوصلوا الى الرميلة فضربوا عليهم مدفعين فرجعوا الى ناحية الصليبة ونزلوا الى باب زويلة ومروا على الغورية والاشرفية وبين القصرين وطلعوا من باب النصر وامامهم المناداة أمان واطمئنان حكم ما رسم ابراهيم بك ومراد بك وحكم الباشا بطال فلما سمع الناس ذلك ورأوه على تلك الصورة انزعجوا واغلقوا الدكاكين المفتوحة وهاجت الناس وحاصوا حيصة عظيمة وكثر فيهم للغط
ولما بلغ الباشا هروب المذكورين حصن القلعة والمحمودية والسلطان حسن وأرسل الاغا فنادى على الالضاشات بالطلوع الى القلعة
وفي تلك الليلة ضرب المنسر كفر الطماعين ونهبوا منه عدة أماكن وقتل بينهم اشخاص وانقطعت الطرق حتى الى بولاق ومصر القديمة وصارت التعرية من عند رصيف الخشاب
وفي يوم السبت ركب ابراهيم بك وحسين بك وأتوا الى المناخ أيضا وأرادوا أخذ الجمال فمنعهم المغاربة وقيل أخذوا منهم جملة وعربدوا في ذلك اليوم عربدة عظيمة من كل ناحية وارسل الباشا قبل المغرب فطلب (1/628)
تجار المغاربة فأجتمعوا وطلعوا بعد العشاء وباتوا بالسبيل الذى في رأس الرميلة وشدد الباشا في اجتماع الالضاشات ومن ينتسب للوجاقات فقيل له ان منهم من لا يملك قوت يومه وسبب تفرقهم الجوع وعدم النفقة فطلب أغات مستحفظان وأعطاه أربعة آلاف ريال لينفقها فيهم
وفيه عدى مراد بك من جزيرة الذهب الى الآثار وكان ابراهيم بك ركب الى حلوان وضربها وأحرقها بسبب ان أهل حلوان نهبوا مركبا من مراكبه ولما عدى مراد بك الى البر الشرقي أرسل الى ابراهيم بك فحضر اليه واصطلح معه لان ابراهيم بك كان مغتاظا منه بسبب سفرته وكسرته فان ذلك كان على غير مراد ابراهيم بك وكان قصده انهم يستمرون مجتمعين ومنضمين واذا وصل القبطان اخلوا من وجهه ان لم يقدروا على دفعه أو مصالحته وتركوا له البلد ومصيره الرجوع الى بلاده فيعودون بعد ذلك باى طريق كان
وكان ذلك هو الرأى فلم يمتثل مراد بك وأخذ في أسباب الخروج والمحاربةة ولم يحصل من ذلك الا ضياع المال والفشل والانهزام الذى لا حقيقة له وكان الكائن
ولما اصطلحا تفرقت طوائفهما يعبثون في الجهات وبخطفون ما يجدونه في طريقهم من جمال السقائين وحمير الفلاحين وبعضهم جلس في مرمى النشاب وبعضهم جهة بولاق ونهبوا نحو عشرين مركبا كانت راسية عند الشيخ عثمان وأخذوا ما كان فيها من الغلال والسمن والاغنام والتمر والعسل والزيت
وفي يوم الاحد حادى عشرة زاد تنطيطهم وهجومهم على البلد من كل ناحية ويدخلون احزابا ومتفرقين ودخل قائد أغا وأتى الى بيته الذى كان سكن فيه وسكنه بعده حسن أغا المتولي وهو بيت قصبة رضوان فوجد بابه مغلوقا فأراد كسره بالبلط فأعياه وخاف من طارق فذهب الى باب آخر من ناحية القربية فضرب عليه الحراس بنادق فرجع بقهره يخطف كل ما صادفه ولم يزالوا على هذه الفعال الى بعد الظهر من ذلك اليوم (1/629)
واشتد الكرب وضاق خناق الناس وتعطلت أسبابهم ووقع الصياح في أطراف الحارات من الحرامية والسراق والمناسر نهارا والاغا والوألي والمحتسب مقيمون بالقلعة لا يجسرون على النزول منها الى المدينة وتوقع كل الناس نهب البلد من أوباشها
وكل ذلك والمآكل موجودة والغلال معرمة كثيرة بالرقع ورخصت أسعارها والاخباز كثيرة وكذلك أنواع الكعك والفطير وأشيع وصول مراكب القبطان الى شلقان ففرح الناس وطلعوا المنارات والاسطحة العالية ينظرون الى البحر فلم يروا شيئا
فأشتد الانتظار وزاغت الابصار فلما كان بعد العصر سمع صوت مدافع على بعد ومدافع ضربت من القلعة ففرحوا واستبشروا وحصل بعض الاطمئنان وصعدوا ايضا على المنارات فرأوا عدة مراكب ونقاير وصلت الى قرب ساحل بولاق ففرح الناس وحصل فيهم ضجيج وكان مراد بك وجماعة من صناجقة وامرائه قد ذهبوا الى بولاق وشرعوا في عمل متاريس جهة السبتية واحضروا جملة مدافع على عجل وجمعوا الاخشاب وحطب الذرة وافرادا وغيرها فوردت مراكب الاروام قبل اتمامهم ذلك فتركوا العمل وركبوا في الوقت ورجعوا
وضجت الناس وصرخت الصبيان وزغرتت النساء وكسروا عجل المدافع
وفي هذا اليوم أرسل الامراء مكاتبة الى المشايخ والوجاقات يتوسلون بهم في الصلح وانهم يتوبون ويعودون الى الطاعة فقرئت تلك المكاتبات بحضرة الباشا فقال الباشا سبحان الله كم يتوبون ويعودون ولكن اكتبوا لهم جوابا معلقا على حضور قبطان باشا
فكتبوه وأرسلوه
وفي وقت العشاء من ليلة الاثنين وصل حسن باشا القبطان الى ساحل بولاق وضربوا مدافع لقدومه واستبشر الناس وفرحوا وظنوا انه مهدى الزمان فبات في مراكبه الى الصباح يوم الاثنين ثاني عشر شوال وطلع (1/630)
بعض اتباعه الى القلعة وقابلوا الباشا ثم ان حسن باشا ركب من بولاق وحضر الى مصر من ناحية باب الخرق ودخل الى بيت ابراهيم بك وجلس فيه وصحبته اتباعه وعسكره وخلفه الشيخ الاترم المغربي ومعه طائفة من المغاربة فدخل بهم الى بيت يحيى بك
وراق الحال وفتحت أبواب القلعة واطمأن الناس ونزل من بالقلعة الى دورهم وشاع الخبر بذهاب الامراء المصرية الى جهة قبلي من خلف الجبل فسافر خلفهم عدة مراكب وفيها طائفة من العسكر واستولوا على مراكب من مراكبهم وأرسلوها الى ساحل بولاق وأنقذ حسن باشا رسلا الى اسمعيل بك وحسن بك الجداوى يطلبهما للحضور الى مصر
وفيه خرجت جماعة من العسكر ففتحوا عدة بيوت من بيوت الامراء ونهبوها وتبعهم في ذلك الجعيدية وغيرهم فلما بلغ القبطان ذلك أرسل الى الوالي والآغا وامرهم بمنع ذلك وقتل من يفعله ولو من أتباعه
ثم ركب بنفسه وطاف البلد وقتل نحو ستة أشخاص من العسكر وغيرهم وجد معهم منهوبات فأنكفوا عن النهب
ثم نزل على باب زويلة وشق من الغورية ودخل من عطفة الخراطين على باب الازهر وذهب الى المشهد الحسيني فزاره ونظر الى الكسوة ثم ركب وذهب الى بيت الشيخ البكرى بالازبكية فجلس عنده ساعة وأمر بتسمير بيت ابراهيم بك الذى بالازبكية وبيت أيوب بك الكبير وبيت مراد بك
ثم ذهب الى بولاق ورجع بعد الغروب الى المنزل وحضر عنده محمد باشا مخفيا واختلى معه ساعة
وفي يوم الثلاثاء ذهب اليه مشايخ الازهر وسلموا عليه وكذلك التجار وشكوا اليه ظلم الامراء فوعدهم بخير واعتذر اليهم باشتغاله بمهمات الحج وضيق الوقت وتعطل أسبابه
وفيه عمل الباشا الديوان وقلد حسن أغا مستحفظان صنجقية وخلع (1/631)
على علي بك جركس الاسماعيلي صنجقية كما كان في أيام سيده اسمعيل بك وخلع على غيطاس كاشف تابع صالح بك صنجقيه وخلع على قاسم كاشف تابع أبي صنجقية أيضا وخلع على مراد كاشف تابع حسن بك الازبكاوى صنجقية وخلع على محمد كاشف تابع حسين بك كشكش صنجقية وقلد محمد أغا ارنؤد الوالي أغات الجمليان وقلد موسى أغا الوالي تابع علي بك اغات تفكجية وخلع على باكير أغا تابع محمود بك وجعله أغات مستحفظان وخلع على عثمان أغا الجلفي وقلده الزعامة عوضا عن محمد آغا ولما تكامل لبسهم التفت اليهم الباشا ونصحهم وحذرهم وقال للوجاقلية الزموا طرائقكم وقوانينكم القديمة ولا تدخلوا بيوت الامراء الصناجق الا لمقتضى واكتبوا قوائمكم بتعلقاتكم وعوائدكم أمضيها لكم
ثم قاموا وانصرفوا الى بيوتهم ونزل الآغا وامامه المناداة بالتركي والعرببي بالامان على اتباع الامراء المتوارين والمخفيين وكل ذلك تدبير وترتيب الاختيارية وقلدوا من كل بيت أميرا لئلا يتعصوا لانفسهم ولا تتحد أغراضهم
وفيه أرسل حسن باشا إلى نواب القضاء وأمرهم ان يذهبوا الى بيوت الامراء ويكتبوا ما يجدونه من متروكاتهم ويودعوه في مكان من البيت ويختمون عيه ففعلوا ذلك
وفي تلك الليلة وردت خمس مراكب رومية وضربوا مدافع وأجيبوا بمثلها من القلعة
وفي يوم الاربعاء ركب حسن باشا وذهب الى بولاق وهو بزى الدلاة وعلى رأسه هيئة قلبق من جلد السمور ولابس عباءة بطراز ذهب وكان قبل ذلك يركب بهيئته المعتادة وهي هيئة القباطين وهي فوقانية جوخ صاية بدلاية حرير على صدره وعلى رأسه طربوش كبير يعمم بشال أحمر وفي وسطه سكينة كبيرة وبيده مخصرة لطيفة هيئة حربة بطرفها (1/632)
مشعب حديد على رسم الجلالة
وفيه نادى الاغا على كل من كان سراجا بطالا أو فلاحا أو قواسا بطالا يسافر الى بلده ومن وجد بعد ثلاثة أيام يستحق العقوبة
وفيه أيضا نودى على طائفة النصارى بان لا يركبوا الدواب ولا يستخدموا المسلمين ولا يشتروا الجوارى والعبيد ومن كان عنده شيء من ذلك باعه أو أعتقه وان يلزموا زيهم الاصلي من شد الزنار والزنوط
وفيه ارسل حسن باشا الى القاضي وأمره بالكشف عن جميع ما أوقفه المعلم ابراهيم الجوهرى على الديور والكنائس من أطيان ورزق وأملاك والمقصود من ذلك كله استجلاب الدراهم والمصالح
وفي يوم الخميس نودى على طائفة النصارى بالامان وعدم التعرض لهم بالايذاء وسببه تسلط العامة والصغار عليهم
وفيه كثر تعدى العساكر على أهل الحرف كالقهوجية والحمامية والمزينين والخياطين وغيرهم فيأتي احدهم الى الحمامي أو القهوجي أو الخياط ويقلع سلاحه ويعلقه ويرسم ركنه في ورقة أو على باب دكان وكأنه صيره شريكه وفي حمايته ويذهب حيث شاء أو يجلس متى شاء ثم يحاسبه ويقاسمه في المكسب وهذه عادتهم اذا ملكوا بلدة ذهب كل دى حرفة الى حرفته التي كان يحترفها في بلده ويشارك البلدى فيها فثقل على أهل البلدة هذه الفعلة لتكلفهم مالا ألفوه ولا عرفوه
وفيه أجلسوا عى أبواب المدينة رجلا أوده باشا ومعه طائفة من العسكر نحو الثلاثين أو العشرين
وفيه اعني يوم الخميس الموافق لسادس مسرى القبطي نودى بوفاء النيل فأرسل حسن باشا في صبح يوم الجمعة كتخداه والوالي فكسر السد على حين غفلة وجرى الماء في الخليج ولم يعمل له موسم ولا مهرجان مثل العادة بسبب القلقة وعدم انتظام الاحوال والخوف من هجوم الامراء (1/633)
المصرية فانهم مقيمين جهة حلوان
وفيه نودى بتوقير الاشراف واحترامهم ورفع شكواهم الى نقيب الاشراف وكذلك المنسوبون الى الابواب ترفع الى وجاقة وان كان من أولاد البلد فالى الشرع الشريف
وفيه مرت جماعة من العسكر على سوق الغورية فخطفوا من الدكاكين امتعة واقمشة فهاجت أهل الدكاكين والناس المارون وأغلقوا الحوانيت وثارت كرشة الى باب زويلة وصادف مرور الوالي فقبض على ثلاثة أنفار منهم واستخلص ما بأيديهم وهرب الباقون وكان الوالي والاغا كل منهما صحبته ضابطان من جنس العسكر
وفيه نودى بمنع القواسة وأسافل الناس من لبس الشيلان الكشميرى والتختم أيضا
وفيه وصلت مراكب القباطين الواردين من جهة دمياط الى ساحل بولاق وفيهم اسمعيل كتخدا حسن باشا فضربت لهم مدافع من القلعة
وفيه قبضوا على ثلاثة من العسكر أفسدوا بالنساء بناحية الرميلة فرفعوا أمرهم وأمر الخطافين الى القبطان فأمر بقتلهم فضربوا اعناق ثلاثة منهم بالرميلة وثلاثة في جهات متفرقة
وفيه نودى بأبطال شركة العسكر لاهل الحرف ومن أتاه عسكرى يشاركه أو أخذ شيئا بغير حق فليمسك ويضرب وتوثق أكتافه ويؤتى به الى الحاكم وحضر الوالي وصحبته الجاويش وقبض على من وجده منهم بالحمامات والقهاوى وطردهم وزجرهم وذلك بسبب تشكي الناس فلما حصل ذلك اطمأنوا وارتاحوا منهم
وفيه عدى الامراء الى البر الغربي
وفي يوم السبت خلعوا على محمد بك تابع الجرف وجعلوه كاشفا على البحيرة (1/634)
وفيه جاء الخبر عن الامراء ان جماعة من العرب نحو الالف اتفقوا انهم يكبسون عليهم ليلا ويقتلونهم وينهبونهم فذهب رجل من العرب واخبرهم بذلك الاتفاق فأخلوا من خيامهم وركبوا خيولهم وكمنوا بمرآى من وطاقهم فلما جاءت العربان وجدوا الخيام خالية فأشتغلوا بالنهب فكبس عليهم الامراء من كمينهم فلم ينج من العرب الا من طال عمره
وفيه نودى على طائفة النساء ان لا يجلسن على حوانيت الصياغ ولا في الاسواق الا بقدر الحاجة
وفي يوم الاحد عملوا الديوان وقلدوا مراد بك أمير الحاج وسماه حسن باشا محمدا كراهة في اسم مراد بك فصار يكتب في الامضاء محمد بك حسن وكان هذا اليوم هو ثاني يوم ميعاد خروج المحمل من مصر فان معتادة في هذه العصور سابع عشر شوال
وفي يوم الثلاثاء كتبت فرمانات لشيخ العرب أحمد بن حبيب بخفر البرين والموارد من بولاق الى حد دمياط ورشيد على عادة اسلافه وكان ذلك مرفوعا عنهم من أيام علي بك ونودى له بذلك على ساحل بولاق
وفيه أخرجت خبايا وودائع للامراء من بيوتهم الصغار لهم ولاتباعهم وختم ايضا على أماكن وتركت على ما فيها ووقع التفتيش والفحص على غيرها وطلبوا الخفراء فجمعوهم وحبسوهم ليدلوا على الاماكن التي في العطف والحارات وطلبت زوجة ابراهيم بك وحبست في بيت كتخدا الجاويشية هي وضرتها ام مرزوق بك حتى صالحا بجملة من المال والمصاغ خلاف ما أخذ من المستودعات عند الناس وطولبت زليخا زوجة ابراهيم بك بالتاج الجوهر وغيره وطلبت زوجة مراد بك فاختفت وطلب من السيد البكرى ودائع مراد بك فسلمها
وفي يوم الخميس عمل الباشا ديوانا وخلع على علي آغا كتخدا الجاويشية وقلده صنجيقا ودفتردار وشيخ البلد ومشير الدولة فصار (1/635)
صاحب الحل والعقد واليه المرجع في جميع الامور الكلية والجزئية وقلد محمد أغا الترجمان وجعله كتخدا الجاويشية عوضا عن المذكور وخلع على سليمان بك الشابورى وقلده صنجقا كما كان أيضا في الدهور السالفة وخلع على محمد كتخدا ابن اباظة المحتسب وجعله ترجمانا عوضا عن محمد أغا الترجمان وخلع على أحمد أنما بن ميلاد وجعله محتسبا عوضا عن بن اباظه
وفي يوم الجمعة ركب المشايخ الى حسن باشا وتشفعوا عنده في زوجة ابراهيم بك وذلك باشارة علي بك الدفتردار فأجابهم بقوله تدفع ما على زوجها للسلطان وتخلص أزواجهن لهم مدة سنين ينهبون البلاد ويأكلون أموال السلطان والرعية وقد خرجوا من مصر على خيولهم وتركوا الاموال عند النساء فان دفعن ما على ازواجهن تركت سبيلهن والا اذقناهن العذاب
وانفض المجلس وقاموا وذهبوا
وفيه ورد الخبر عن الامراء انهم ذهبوا الى اسيوط واقاموا بها
وفي يوم السبت حصل التشديد والتفتيش والفحص عن الودائع ونودى في الاسواق بان كل من عنده وديعة او شيء من متاع الامراء الخارجين ولا يظهر ولا يقر عليه في مدة ثلاثة ايام قتل من غير معاودة ان ظهر بعد ذلك
وفيه طلب حسن باشا من التجار المسلمين والافرنج والاقباط دراهم سلفة لتشهيل لوازم الحج وكتب لهم وثائق وأجلهم ثلاثين يوما ففردوها على افرادهم بحسب حال كل تاجر وجمعوها
وفيه حصلت كائنة على بن عياد المغربي ببولاق وقتله اسمعيل كتخدا حسن باشا
وفيه نادوا على النساء بالمنع من النزول في مراكب الخليج والازبكية وبركة الرطلي (1/636)
وفيه كتبوا مكاتبات من حسن باشا ومحمد باشا الوالي والمشايخ والوجاقات خطابا لاسمعيل بك وحسن بك الجداوى باستعجالهم للحضور الى مصر
وفي يوم الاحد خامس عشرينه نودى على النساء ان لا يخرجن الى الاسواق ومن خرجت بعد اليوم شنقت فلم ينتهين
وفيه أحضر حسن باشا المطربازية واليسرجية واخرج جوارى ابراهيم بك وباقي الامراء بيضا وسودا وحبوشا ونودى عليهن بالبيع والمزاد في حوش البيت فبيعوا بأبخس الاثمان على العثمانية وعسكرهم وفي ذلك عبرة لمن يعتبر
وفي يوم الاثنين أحضروا أيضا عدة جوار من بيوت الامراء ومن مستودعات كن مودعات وأخذوا جوارى عثمان بك الشرقاوى من بيته ومحظيته التي في بيته الذى عند جيضان المصلى فأخرجوها بيد القلبونجية وكذلك جوارى ايوب بك الصغير وما في بيوت سليمان اغا الحنفي من جوار وامتعة وكذلك بيوت غيره من الامراء واحاطوا بعدة بيوت بدرب الميضاة بالصليبة وطيلون ودرب الحمام وحارا المغاربة وغيرهم في عدة اخطاط فيها ودائع وأغلال فأخذوا بعضها وختموا على باقيها وأحضروا الجوارى بين يدى حسن باشا فأمر ببيعهن وكذلك امر ببيع اولاد ابراهيم بك مرزوق وعديله والتشديد على زوجاته ثم ان شيخ السادات ركب الى الشيخ أحمد الدردير وأرسلوا الى الشيخ أحمد العروسي والشيخ محمد الحريرى فحضروا وتشاوروا في هذا الامر ثم ركبوا وطلعوا الى القلعة وكلموا محمد باشا وطلبوا منه أن يتكلم مع قبطان باشا فقال لهم ليس لي قدرة على منعه ولكن اذهبوا اليه واشفعوا عنده
فالتمسوا منه المساعدة فأجابهم وقال اسبقوني وأنا أكون في اثركم فلما دخلوا على القبطان وحضر أيضا محمد باشا وخاطبوه في شأن ذلك وكان المخاطب له شيخ السادات فقال له انا سررنا بقدومك (1/637)
الى مصر لما ظنناه فيك من الانصاف والعدل وان مولانا السلطان أرسلك الى مصر لاقامة الشريعة ومنع الظلم وهذا الفعل لا يجوز ولا يحل بيع الاحرار وأمهات الاولاد ونحو ذلك من الكلام فاغتاظ وأحضر افندى ديوانه وقال اكتب أسماء هؤلاء لارسل الى السلطان واخبره بمعارضتهم لاوامره ثم التفت اليهم وقال أنا أسافر من عندكم والسلطان يرسل لكم خلافي فتنظروا فعله أما كفاكم أني في كل يوم أقتل من عساكرى طائفة على أيسر شيء مراعاة وشفقة ولو كان غيري لنظرتم فعل العسكر في البيوت والاسواق والناس
فقالوا له انما نحن شافعون والواجب علينا قول الحق
وقاموا من عنده وخرجوا وتغير خاطره من ذلك الوقت على شيخ السادات
وفيه قبض اسمعيل كتخدا حسن باشا على الحاج سليمان بن ساسي التاجر وجماعة من طيلون وألزمه بخمسمائة كيس فولول واعتذر بعجزه عن ذلك فلم يقبل ولطمه على وجهه وشدد عليه فراجعوه وتشفعوا فيه الى أن قررها مائة كيس فحلف انه لا يملك الا ثلثمائة فرق بن وليس له غيرها فأرسل وختم عليها في حواصلها واستمر في الاعتقال حتى غلق المائة كيس على نفسه منها خمسون ومثلها على الطولونية وسبب ذلك حادثة ابن عياد لانهم أولاد بلاده
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه كان خروج المحمل صحبة أمير الحاج محمد بك المبدول بالموكب على العادة ما عدا طائفة الينكجرية والعزب خوفا من اختلاط العثمانية بهم وحضر حسن باشا القبطان الى مدرسة الغورية لاجل الفرجة والمشاهدة ولم يزل جالسا حتى مر الموكب والمحمل
ولما مرت عليه طوائف الاشاير فكانت تقف الطائفة منهم تحت الشباك ويقرأون الفاتحة فيرسل لهم ألف نصف فضة في قرطاس ولما انقضى امر ذلك ركب بجماعة قليلة وازدحمت الناس للفرجة عليه وكان لابسا على (1/638)
هيئة ملوك العجم وعلى رأسه تاج من ذهب مزرد مخروط الشكل وعليه عصابة لطيفة من حرير مرصعة بالجوهر ولها ذوائب على آذانه وحواجبه وعليه عباءة لطخ قصب أصفر
وفي يوم الاربعاء نودى على النصارى واليهود بان يغيروا أسماءهم التي على أسماء الانبياء كأبراهيم وموسى وعيسى ويوسف واسحق وأن يحضروا جميع ما عندهم من الجوارى والعبيد وان لم يفعلوا وقع التفتيش على ذلك في دورهم واماكنهم فصالحوا على ذلك بمال فحصل العفو وأذنوا لهم في أن يبيعوا ما عندهم من الجوارى والعبيد ويقبضوا اثمانهم لانفسهم ولا يستخدموا المسلمين فأخرجوا ما عندهم وباعوا بعضه وأودعوه عند معارفهم من المسلمين
وفيه حضر مبشر بتقرير الباشا على السنة الجديدة
وفيه حضر القاضي الجديد الى بولاق
وفي يوم الخميس أرسل حسن باشا القبطان جملة من العسكر البحرية وصحبتهم اسمعيل كتخدا الى عرب البحيرة لكونهم خامروا مع المصرلية ووقع الخلف بينهم وبين قبيلتهم ثم حضروا مع أخصامهم بين يدى القبطان واصطلحوا ثم نكثوا وتحاربوا مع بعضهم فحضر الفرقة الاولى واستنجدوا بحسن باشا فأرسل لهم اسمعيل كتخدا بطائفة من العسكر في المراكب فهربوا ورجع اسمعيل كتخدا ومن معه على الفور
وفي يوم الجمعة غاية شوال وصلت العساكر البرية صحبة عابدى باشا ودرويش باشا الى بركة الحج وكان أمير الحاج مقيما بالحجاج بالعادلية ولم يذهبوا الى البركة على العادة بسبب قدوم هؤلاء
وفي يوم السبت غرة القعدة ارتحل الحجاج من العادلية وحضر عابدى باشا ودرويش باشا الى العادلية وخرج حسن باشا الى ملاقاتهم ودخلت طوائف عساكرهما الى المدينة وهم بهيئات مختلفة وأشكال منكرة وراكبون (1/639)
خيولا واكاديش كأمثال دواب الطواحين وعلى ظهورها لبابيد شبه البراذع متصلة بكفل الاكديش وبعضهم بطراطير سود طوال شبه الدلاة والبعض معمم ببوشية ملونة مفشولة على طربوش واسع كبير مخيط عليه قطعة قماش لابسها في دماغه والطربوش مقلوب على قفاء مثل حزمة البراطيش وهم لابسون زنوط وبشوت محزمين عليها وصورهم بشعة وعقائدهم مختلفة وأشكالهم شتى وأجناسهم متفرقة ما بين اكراد ولاوند ودروز وشوام
ولكن لم يحصل منهم ايذاء لاحد واذا اشتروا شيئا أخذوه بالمصلحة فياتوا بالخيام عند سبيل قيماز تلك الليلة
وفي يوم الاحد ركب عابدى باشا ودرويش باشا وذهبوا الى البساتين من خارج البلد فمروا بالصحراء وباب الوزير وأجروا عليهم الرواتب من الخبز واللحم والارز والسمن وغيره
وفيه نودى على النصارى بأحضار ما عندهم من الجوارى والعبيد ساعة تاريخه ثم نزلت العساكر وهجمت على بيوت النصارى واستخرجوا ما فيها فكان شيئا كثيرا وأحضروهم الى القبطان فأخرجوهم الى المزاد وباعوهم واشترى غالبهم العسكر وصاروا يبيعونهم على الناس بالمرابحة فاذا أراد انسان ان يشترى جارية ذهب الى بيت الباشا وطلب مطلوبة فيعرض عليه الجوارى من مكان عند باب الحريم فاذا أعجبته جارية أو أكثر حضر صاحبها الذى اشتراها فيخبره برأس ماله ويقول له وأنا آخذ مكسي كذا فلا يزيد ولا ينقص فان أعجبه الثمن دفعه والا تركها وذهب
ثم وقع التشديد على ذلك واحضروا الدلالين والنخاسين القدم والجدد واستدلوا منهم على المبيوعات
وفيه القبطان المهندسين ليستخبر منهم عن الخبايا والدفائن التي صنعوها في البيوت وغيرها
وفيه يوم الاثنين أمر القبطان الامراء والصناجق والوجاقلية ان يذهبوا للسلام على عابدى باشا ودرويش باشا فذهب الصناجق أولا بسائر (1/640)
أتباعهم وطوائفهم وتلاهم الوجاقلية فسلموا ورجعوا من البساتين وكلاهما في جمع كثير
وفي يوم الثلاثاء رابعه حضر عابدى عند القبطان وسلم عليه ثم طلع الى القلعة وسلم على محمد باشا المتولي ثم نزل وخرج الى مخيمه بالبساتين
وفيه قرر على بيوت النصارى الذين خرجوا بصحبة الامراء المصرية مبلغ دراهم مجموع متفرقها خمسة وسبعون الف ريال
وفيه أمر أيضا باحصاء بيوت جميع النصارى ودورهم وما هو في ملكهم وان يكتب جميع ذلك في قوائم ويقرر عليها أجرة مثلها في العام وان يكشف في السجل على ما هو جار في املاكهم
ثم قرر عليهم أيضا خمسمائة كيس فوزعوها على أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر الزائد وقيل انهم حسبوا لهم الجوارى المأخوذة منهم من اصل ذلك على كل رأس أربعون ريالا
وقرر أيضا على كل شخص دينارا جزية العال كالدون وذلك خارج عن الجزية الديوانية المقررة
وفي يوم الخميس عمل محمد باشا ديوانا وخلع على مصطفى اغا تابع حسن أغا تابع عثمان أغا وكيل دار السعادة سابقا وقلده وكيل دار السعادة كأستاذ أستاذه وكانت شاغرة من أيام علي بك
وفيه أيضا سمحوا في جمرك البهار والسلخانة لباب الينكجرية كما كان قديما وكان ذلك مرفوعا عنهم من أيام ظهور علي بك
وفيه انتقل عابدى باشا ودرويش باشا من ناحية البساتين الى قصر العيني بشاطىء النيل وجلسوا هناك
وفيه دفع قبطان بعض دراهم السلفة التي كان اقترضها من التجار فدفع ما للافرنج وجانبا لتجار المغاربة ووعدهم بغلاق الباقي
وفيه قبض القبطان على راهب من رهبان النصارى واستخلص منه (1/641)
صندوقا من ودائع النصارى
وفيه أيضا قبض على شخص من الاجناد من بيته بخشقدم واخرجوا من داره زلعتين مسدودتين كل واحدة منهما يرفعها ثمانية من الرجال العتالين بالآلة لا يعلم ما فيها
وفي يوم الجمعة عمل شيخ السادات عزومة لحسن باشا عند تربة أجداده بالقرافة
وفيه حضر قاصد من طرف اسمعيل بك وعلى يده مكاتبات من المذكور يخبر فيها بانه وصل الى دجرجا وقصده الاقامة هناك لاجل المحافظة في تلك الجهة حتى تسافر العسكر فاذا التقوا مع الامراء وكسروهم وهزموهم يكون هو ومن معه في أقفيتهم وقت الحرب ومانعا عند الهزيمة
وفي يوم السبت قبض القبطان على المعلم واصف وحبسه وضربه وطالبه بالاموال وواصف هذا أحد الكتاب المباشرين المشهورين ويعرف الايراد والمصاريف وعنده نسخ من دفاتر الروزنامة ويحفظ الكليات والجزئيات ولا يخفى عن ذهنه شيء من ذلك ويعرف التركي
وفي يوم الاحد تاسعه قبض على بعض نساء المعلم ابراهيم الجوهرى من بيت حسن أغا كتخدا علي بك امين احتساب سابقا فأقرت على خبايا اخرجوا منها أمتعة وأواني ذهب وفضة وسروجا وغير ذلك
وفي يوم الاثنين حصلت جمعية بالمحكمة بسبب جمرك البهار وذلك ان ابراهيم بك شيخ البلد اخذ من التجار في العام الماضي مبلغا كبيرا من حساب الباشا وذلك قبل حضوره من ثغر سكندرية فلما حضر دفعوا له البواقي وحاسبهم وطالبهم بذلك المبلغ فماطلوا ووعدوه الى حضور المراكب فلما حضرت المراكب في أوائل شهر رمضان من هذه السنة أحضرهم وطالبهم فلم يزالوا يستوفونه ويعتذرون له وذلك خوفا من ابراهيم بك ويعيدون القول على ابراهيم بك فيقول لهم لا تفضحوني (1/642)
ويلاطفهم ويداهنهم كما هي عادته والباشا يطالبهم فلما ضاق خناقهم أخبروه ان ابراهيم بك يطلب ذلك ويقول أنا محتاج لذلك في هذا الوقت ووالدى الباشا يمهل وانا أحاسبه به بعد ذلك ولم يخبروه أنه أخذه فلم يرض ولم يقبل وصار يرسل الى ابراهيم بك يشكو له من التجار ومطلهم فيرسل إبراهيم بك مع رسوله معينين من سراجينه يقولون للتجار ادفعوا مطلوبات الباشا فاذا حضر اليه التجار تملق لهم ويقول اشتروا لحيتي واشتروني فلم يزل التجار في حيرة بينهما وقصد ابراهيم بك ان التجار يدفعون ذلك القدر ثانيا الى الباشا وهم يثاقلونه خوفا من ان يقهرهم في الدفع
ثم حصلت الحركات المذكورة وحضور القبطان وخروج ابراهيم بك واخوانه فبقي الامر على السكوت
فلما راق الحال واطمأن الباشا أرسل يطالب التجار بالمبلغ وهو أربعة وأربعون الف ريال فرانسة فعند ذلك أفصحوا له عن حقيقة الامر وانهم دفعوا ذلك لابراهيم بك قبل حضوره الى مصر فاشتد غيظه وقال ومن أمركم بذلك ولا يلزموني ولا بد من أخذ عوائدى على الكامل
ثم انهم ذهبوا الى حسن باشا واستجاروا به فأمرهم أن يترافعوا الى الشرع فأجتمعوا يوم الاحد في المحكمة واقام الباشا من جهته وكيلا وأرسله صحبة أنفار من الوجاقلية واجتمعت التجار حتى ملأوا المحكمة وطلبوا حضور العلماء فلم يحضروا وانفض المجلس بغير تمام ثم حضر التجار في ثاني يوم وحضر العلماء ولم يحضر وكيل الباشا ثم ابرز التجار رجعة بختم ابراهيم بك وتسلمه المبلغ مؤرخة في ثاني عشر شعبان ايام قائمقاميته ووكالته عن الباشا وابرزوا فتاوى أيضا وسئل العلماء فأجابوهم بقولهم حيث ان الباشا أرسل فرمانا لابراهيم بك أن يكون قائما مقامه ووكيلا عنه الى حين حضوره فيكون فعل الوكيل كالاصيل وتخلص ذمة التجار وليس للباشا مطالبتهم ومطالبته على ابراهيم بك على ان ذلك ليس حقا شرعيا
وكتب القاضي (1/643)
اعلاما بذلك وأرسله الى الباشا وانفض المجلس على دماغ الباشا
وفي يوم الخميس تعين للسفر عدة من العساكر البحرية في المراكب ولحقت بالمراكب السابقة
وفي يوم الجمعة حضر أحمد باشا والي جدة الذى كان مقيما بثغر الاسكندرية الى ثغر بولاق فذهب لملاقاته على بك الدفتردار وكتخدا الجاويشية وأرباب الخدم فركب صحبتهم وتوجه الى ناحية العادلية وجلس هناك بالقصر
وفي يوم السبت حضر حسن باشا وعابدى باشا ودرويش باشا الى بيت الشيخ البكرى بالازبكية باستدعاء وجلسوا هناك الى العصر وقدم لهم تقادم وهدايا وحضروا اليه في مراكب من الخليج
وفي يوم الاحد احضروا عند حسن باشا رجلا من الاجناد يسمى رشوان كاشف من مماليك محمد بك أبي الذهب فأمر برمي عنقه ففعلوا به ذلك وعلقوا رأسه قبالة باب البيت
قيل ان سبب ذلك انه كان بجرجا أيام الحركة فلما خرج رفقاؤه حضر الى مصر وطلب الامان فأمنوه ولم يزل بمصر الى هذا الوقت فحدثته نفسه بالهروب الى قبلي فركب جواده وخرج فقبض عليه المحافظون وأحضروه الى حسن باشا فأمر برمي عنقه وقيل ان السبب غير ذلك
وفيه وصلت مراسلة من كبير العساكر البحرية واخبروا انهم وقع بينهم وبين الامراء القبالي لطمة ورموا على بعضهم مدافع وقنابر من المراكب فانتقل المصريون من مكانهم وترافعوا جهة الجبانة وصار البلد حائلا بين الفريقين وساحل أسيوط طرد لا يحمل المراكب ومن الناحية الاخرى جزيرة تعوقهم عن التقرب اليهم
وصوروا صورة ذلك وهيئته في كاغد لاجل المشاهدة وارسلوها مع الرسول
وفيه عمل الديوان بالقلعة وتقلد قاسم بك أبو سيف ولاية جرجا وسارى (1/644)
عسكر التجريدة المعينة صحبة عابدى باشا ودرويش باشا ومعهم من الصناجق ايضا علي بك جركس الاسمعيلي وغيطاس بك الصالحي ومحمد بك كشكش ومن الوجاقلية خمسمائة نفر وأخذوا في التجهيز والسفر
وفي يوم الاثنين سابع عشر حضر الى ساحل بولاق آغا من الديار الرومية وهو أمير اخور وعلى يده مثالات وخلع وهو جواب عن الرسالة بالاخبار الحاصلة وخروج الامراء فركب أغات مستحفظان ومن له عادة بالركوب لملاقاته وطلع حسن باشا وعابدى باشا وأحمد باشا الجداوى ودرويش باشا والامراء والصناجق والوجاقات والقاضي والمشايخ واجتمعوا بالقلعة وحضر الاغا من بولاق بالموكب والنوبة خلفه وبقية الاغوات وهم يحملون بقجا على أيديهم والمكاتبات في اكياس حرير على صدورهم ولما دخلوا باب الديوان قام الباشوات والامراء على أقدامهم وتلقوهم ثم بدأوا بقراءة المرسوم المخاطب به حسن باشا فقرأوه ومضمونه التبجيل والتعظيم لحسن باشا وحسن الثناء عليه بما فعله من حسن السياسة والوصية على الرعية وصرف العلائف والغلال
وفيه ذكر اسمعيل بك وحسن بك والتحريض والتأكيد على القتل والانتقام من العصاة ولما فرغوا من قراءة ذلك أخرجوا الخلعة المخصوصة به فلبسها وهي فروة سمور وقفطان أصفر مقصب مفرق الاكمام فلبسه من فوق وسيف مجوهر تقلد به ثم قرأوا المرسوم الثاني وهو خطاب لمحمد باشا يكن المتولي ومعه الخطاب للقاضي والعلماء والامراء والوجاقلية والثناء على الجميع والنسق المتقدم في المرسوم السابق
ثم لبس الخلعة المخصوصة به وهي فروة وقفطان ثم قرأوا المرسوم الثالث وهو خطاب لاحمد باشا والي جده بمثل ذلك ولبس خلعته أيضا وهي فروة وقفطان
ثم قرىء المرسوم الرابع وفيه الخطاب لعابدى باشا ومضمونه ما تقدم ولبس أيضا خلعته وفروته
ثم قرىء المرسوم الخامس ومضمونه الخطاب (1/645)
لدرويش باشا وذكر ما تقدم ولبس خلعته وهي فروة على بنش لانه بطوخين ثم مرسوم بالخطاب لعلي بك الدفتردار ومضمونه الثناء عليه من عدم التأخر عن الاجابة والنسق
ثم فرمان ثان وهو خطاب لامير الحاج والوصية بتعلقات الحج
فما فرغوا من ذلك الا بعد الظهر ثم ضربوا مدافع كثيرة ودخلوا الى داخل وجلسوا مع بعضهم ساعة ثم ركبوا ونزلوا الى أماكنهم
وكان ديوانا عظيما وجمعية كبيرة لم تعهد قبل ذلك ولم يتفق انه اجتمع في ديوان خمسة باشوات في آن واحد
وفي يوم الاربعاء تاسع عشره عمل الباشا ديوانا وخلع على باكير آغا مستحفظان وقلده صنجقا وخلع على عثمان أغا الوالي وقلده اغات مستحفظان عوضا عن باكير أغا
وفي يوم الخميس خلع الباشا على اسمعيل كاشف من اتباع كشكش وقلده واليا عوضا عن عثمان أغا المذكور وأقر احمد افندى الصفائي في وظيفته روزنامجي افندى على عادته وكانوا عزموا على عزله وأرادوا نصب غيره فلم يتهيأ ذلك
وفيه وصل ابراهيم كاشف من طرف اسمعيل بك وحسن بك واخبر بقدومهما وأنهما وصلا الى شرق أولاد يحيى وأرسلا يستأذنان في المقام هناك بالجمعية حتى تصل العساكر المعينة فيكونوا معهم فلم يجبه حسن باشا الى ذلك وحثه على الحضور فيقابله ثم يتوجه من مصر ثانيا
ثم أجيب الى المقام حتى تأتيهم العساكر وأخبر أيضا ان الامراء القبليين لم يزالوا مقيمين بساحل أسيوط على رأس المجرور وبنوا هناك متاريس ونصبوا مدافع وأن المراكب راسية تجاههم ولا تستطيع السير في ذلك المجرور الا باللبان لقوة التيار ومواجهة الريح للمراكب
وفيه استعفى علي بك جركس الاسماعيلي من السفر فأعفي وعين عوضه حسن بك رضوان وانفق حسن باشا على العسكر فاعطى لكل أمير خمسة (1/646)
عشر ألف ريال وللوجاقلية سبعة عشر الف ريال وأنفق عابدى باشا في عسكره النفقة ايضا فاعطى لكل عسكرى خمسة عشر قرشا فغضبت طائفة الدلاة واجتمعوا بأسرهم وخرجوا الى العادلية يريدون الرجوع الى بلادهم وحصل في وقت خروجهم زعجة في الناس واغلقت الحوانيت ولم يعرفوا ما الخبر
ولما بلغ حسن باشا خبرهم ركب بعسكره وخرج يريد قتلهم وخرج معه المصريون وركب عابدى باشا ايضا ولحق به عند قصر قايماز وكان هناك احمد باشا الجداوى فنزل اليه ايضا واجتمعوا اليه واستعطفوا خاطره وسكنوا غضبه وارسلوا الى جماعة الدلاة فأسترضوهم وزادوا لهم في نفقتهم وجعلوا لكل نفر اربعين قرشا وردوهم الى الطاعة
ورجع حسن باشا وعابدى باشا الى اماكنهم قبيل الغروب
وفي صبح ذلك اليوم سافر اسمعيل كتخدا بطائفة من العسكر في البحر الى جهة قبلي
وفيه اعني يوم الخميس اخرجوا جملة غلال من حواصل بيوت الامراء الخارجين فأخرجوا من بيت ايوب بك الكبير وبيت احمد اغا الجملية وسليمان بك الاغا وغيرهم
وفيه ايضا اخذت عدة ودائع من عدة اماكن وتشاجر رجل جندى مع خادمه وضربه وطرده ولم يدفع له اجرته فذهب ذلك الخادم الى حسن باشا ورفع اليه قصته وذكر له ان عنده صندوقا مملوءا من الذهب من ودائع الغائبين فأرسل صحبته طائفة من العسكر فدلهم على مكانه فأخرجوه وحملوه الى حسن باشا وامثال ذلك
وفي يوم الجمعة فتحوا بيت المعلم ابراهيم الجوهرى وباعوا ما فيه وكان شيئا كثيرا من فرش ومصاغ واوان وغير ذلك
وفي يوم السبت برز عابدى باشا ودرويش باشا واخرجوا خيامهما الى البساتين قاصدين السفر (1/647)
وفيه ركب علي بك الدفتردار وذهب الى بولاق وفتح الحواصل واخرج منها الغلال لاجل البقسماط والعليق
وفي يوم الاحد نودى على الغز والاجناد والاتباع البطالين ان يخدموا عند الامراء
وفي يوم الاثنين سافر عابدى باشا ودرويش باشا واخرجوا خيامهما الى البساتين واخرج الامراء الصناجق خيامهم ونصبوا مكان المرتحلين
وفيه حضر باشا من ناحية الشام وهو امير كبير من امراء شين اغلي وصحبته نحو الف عسكري فنزل بهم بالعادلية يومه ذلك
وفي يوم الثلاثاء دخلت عساكر المذكور الى القاهرة وأميرهم توجه الى ناحية البساتين من نواحي باب الوزير
وفي يوم الخميس سافر أمير شين اغلي بعساكره الى جهة قبلي
وفي يوم السبت ثامن عشرين القعدة نودى بفرمان بمنع زفاف الاطفال للختان في يوم الجمعة بالطبول وسبب ذلك ان حسن باشا صلى بجامع المؤيد الذى بباب زويلة فعند ما شرع الخطيب في الخطبة واذا بضجة عظيمة وطبول مزعجة فقال الباشا ما هذا فأخبروه بذلك فأمر بمنع ذلك في مثل هذا الوقت
وفي غرة الحجة اشيعت أخبار وروايات ووقائع بين الفريقين وان جماعة من القبالي حضروا بأمان عند اسمعيل بك
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر الحجة حضر الى مصر فيض الله افندى رئيس الكتاب فتوجه الى حسن باشا فتلقاه بالاجلال والتعظيم وقابله من أول المجلس ثم طلع الى القلعة وقابل محمد باشا أيضا ثم نزل الى دار أعدت له ثم انتقل الى دار بالقلعة عند قصر يوسف
وفي يوم الخميس حضر اغا وعلى يده تقرير لمحمد باشا على السنة الجديدة فركب من بولاق الى العادلية وخرج اليه ارباب الخدم والدفتردار (1/648)
واغات مستحفظات وأغات العزب والوجاقلية ودخل بموكب عظيم من باب النصر وشق القاهرة وطلع الى القلعة
وفي يوم السبت نودى بان من كانت له دعوة وانقضت حكومتها في الايام السابقة لاتعاد ولا تسمع ثانيا وسبب ذلك تسلط الناس على بعضهم في التداعي
وفيه ردت السلفة التي كانت أخذت من تجار المغاربة وهي آخر السلف المدفوعة
وفي يوم الاربعاء عاشر الحجة كان عيد النحر وفيه وردت أخبار من الجهة القبلية بوقوع مقتلة عظيمة بين الفريقين وقتل من المصرلية عمر كاشف الشرقية وحسن كاشف وسليمان كاشف ثم انحازت العسكر الى المراكب ورجع الامراء الى وطاقهم فأغنم حسن باشا لتمادى أمرهم وكان يرجو انقضاءه قبل دخول الشتاء ويأخذ رؤسهم ويرجع بهم الى سلطانه قبل هبوط النيل لسير المراكب الرومية حتى انه منع من فتح الترع التي من عادتها الفتح بعد الصليب كبحر أبي المنجاومويس والفريقين خوفا من نقض الماء فتتعوق المراكب الكبار
وفيه حضر واحد ططرى وعلى يده مرسوم فطلب حسن باشا محمد باشا المتولي فنزل اليه وجمع الديوان عنده فقرأ عليهم ذلك المرسوم وحاصله الحث والتشديد والاجتهاد في قتل العصاة والفحص عن أموالهم وموجوداتهم والانتقام ممن تكون عنده وديعة ولا يظهرها وعدم التفريط في ذلك وطلب حلوان عن البلاد فائظ ثلاث سنوات
وفي اواخر الحجة ارسل عابدى باشا مكاتبة حضرت له من الامراء القبالي وهي جواب عن رسالتهم وهي باللغة التركية وحاصل ما فهمته من ذلك انكم تخاطبونا بالكفرة والمشركين والظلمة والعصاة واننا بحمد الله تعالى موحدون واسلامنا صحيح وحججنا ببيت الله الحرام وتكفير (1/649)
المؤمن كفر ولسنا عصاة ولا مخالفين وما خرجنا من مصر عجزا ولا جبنا عن الحرب الا طاعة للسلطان ولنائبه فانه أمرنا بالخروج حتى تسكن الفتن وحقنا للدماء ووعدنا انه يسعى لنا في الصلح فخرجنا لاجل ذلك ولم نرض باشهار السلاح في وجوهكم وتركنا بيوتنا وحريمنا في عرض السلطان ففعلتم بهم ما فعلتم ونهبتم اموالنا وبيوتنا وهتكتم اعراضنا وبعتم اولادنا واحرارنا وامهات اولادنا وهذا الفعل ما سمعنا ببه ولا في بلاد الكفر وما كفاكم ذلك حتى ارسلتم خلفنا العساكر يخرجونا عن بلاد الله وتهددونا بكثرتكم وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله وان عساكر مصر أمرها في الحرب والشجاعة مشهور في سائر الاقاليم والايام بيننا
وكان الاولى لكم الاجتهاد والهمة في خلاص البلاد التي غصبها منكم الكفار واستولوا عليها مثل بلاد القرم والودن واسمعيل بك وغير ذلك
وامثال هذا القول وتخشين الكلام تارة وتليينه اخرى وفي ضمن ذلك آيات واحاديث وضرب امثال وغير ذلك
فأجابهم عابدى باشا ونقض عليهم ونسب كاتبهم الى الجهل بصناعة الانشاء وغير ذلك مما يطول شرحه وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الغريبة
من مات في هذه السنة
توفي الشيخ العلامة المحقق والفهامة المدقق شيخنا الشيخ محمد ابن موسى الجناجي المعروف الشافعي وهو مالكي المذهب احد العلماء المعدودين والجهابذة المشهورين تلقى عن مشايخ عصره ولازم الشيخ الصعيدى ملازمة كلية وصار مقرئه ومعيدا لدروسه وأخذ عن الشيخ خليل المغربي والسيد البليدى وحضر على الشيخ يوسف الحفني والملوى وتمهر في المعقول والمنقول ودرس الكتب المشهورة الدقيقة مثل المغني لابن هشام والاشموني والفاكهي والسعد وغير ذلك واخذ علم الصرف عن بعض علماء الاروام وعلم الحساب والجبر والمقابلة وشباك بن الهائم (1/650)
عن الشيخ حسين المحلاوى واشتهر فضله في ذلك والف فيها رسائل وله في تحويل النقود بعضها الى بعض رسالة نفيسة تدل على براعته وغوصه في علم الحساب وكان له دقائق وجودة استحضار في استخراج المجهولات واعمال الكسورات والقسمة والجذورات وغير ذلك من قسمة المواريث والمناسخات والاعداد الصم والحل والموازين ما انفرد به عن نظائره
وكتب على نسخة الخرشي التي في حوزه حواشي وهوامش مما تلقاه ولخصه من التقارير التي سمعها من افواه اشياخه ما لو جرد لكان حاشية ضخمة في غاية الدقة وكذلك باقي كتبه وله عدة رسائل في فنون شتى وكتب حاشية على شرح العقائد ومات قبل اتمامها كتب منها نيفا وثمانين كراسا
وتلقى عنه كثير من اعيان علماء العصر ولازموا المطالعة عليه مثل العلامة الشيخ محمد الامير والعلامة الشيخ محمد عرفة الدسوقي والمرحوم الشيخ محمد البناني واجتمع بالمرحوم الوالد سنة ست وسبعين واستمر مواظبا لنا في كل يوم وواظب الفقير في اقرائي القرآن وحفظه فأحفظني من شورى الى مريم وينسخ للوالد ما يريد من الكتب الصغيرة الحجم
ولم يزل على حاله معنا في الحب والمودة وحسن العشرة الى آخر يوم من عمره وحضرت عليه في مبادى الحضور الملوى على السلم وشرح السمرقندية في الاستعارات والفاكهي على القطر في دروس حافلة بالازهر والسخاوية والنزهة في الحساب خاصة بالمنزل وكان مهذب الاخلاق جدا متواضعا لا يعرف الكبر ولا التصنع اصلا ويلبس اى شيء كان من الثياب الناعمة والخشنة ويذهب بحماره الى جهة بولاق ويشترى البرسيم ويحمله عليه ويركب فوقه ويحمل طبق العجين الى الفرن على رأسه ويذهب في حوائج اخوانه
ولما بنى محمد بك ابو الذهب مسجده تجاه الازهر تقرر في وظيفة خزن الكتب نيابة عن محمد افندى حافظ مضافة الى وظيفة تدريس مع المشايخ المقررين فلازم (1/651)
التقييد بها وينوب عنه اخوه الشيخ حسن في غيابه وكان اخوه هذا ينسخ اجزاء القرآن بخط حسن في غاية السرعة ويتحدث مع الناس وهو يكتب من حفظه ولا يغلط
ولم يزل المترجم يملي ويفيد ويبدى ويعيد مقبلا على شأنه ملحوظا بين أقرانه حتى وافاه الحمام في سابع عشرين جمادى الثانية من السنة مطعونا وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين
ومات الامام الفاضل المحدث الفقيه البارع السيد محمد بن أحمد ابن محمد أفضل صفي الدين أبو الفضل الحسيني الشهير بالبخارى ولد تقريبا سنة 1160 وقرأ على فضلاء عصره وتكمل في المعقول والمنقول وورد الى اليمن حاجا في سنة ثلاث وسبعين فسمع بالنجائي السيد عبد الرحمن ابن أحمد باعيديد وذاكر معه في الفقه والحديث ثم ورد زبيد فأدرك الشيخ المسند محمد بن علاء الدين المزجاجي فسمع منه أشياء وكذلك من السيد سليمان بن يحيى وغيرهما ثم حج وزار واجتمع بالشيخ محمد ابن عبد الكريم السمان فأحب طريقته ولازمه ملازمة كلية واجازه فيها وورد الينبع فجلس فيه مدة وأحبه أهله
وورد مصر سنة 1182 واجتمع بعلمائها وذاكر بانصاف وتؤده وكمال معرفة ولم يصف له الوقت فتوجه الى الصعيد فمكث في نواحي جرجا مدة وقرأ عليه هناك بعض الافراد في أشياء ثم رجع الى مصر سنة سبع وثمانين وسافر منها الى بيت المقدس فأكرم بها وزار الخليل وأحبه اهل بلده فزوجوه
ثم أتى الى مصر سنة ثمان وثمانين واجتمعت حواسه في الجملة ثم ذهب الى نابلس واجتمع بالشيخ السفاريني فسمع عليه أشياء وأجازه وأحبه وكان المترجم قد اتقن معتقد الحنابلة فكان يلقيه لهم بأحسن تقرير مع التأييد ودفع ما يرد على أقوالهم من الاشكالات بحسن بيان والبلد أكثر أهله حنابلة فرفعوا شأنه وعظم عندهم مقداره
ثم ورده مصر سنة تسعين واجتمع (1/652)
بشيخنا السيد مرتضى لمعرفة سابقة بينهما وكان ذلك في مبادى طنطنة شيخنا المذكور فنوه بشأنه وكان يأتي الى درسه بشيخون فيجلسه بجانبه ويأمر الحاضرين بالاخذ عنه ويجله ويعظمه فراج أمره بذلك فأقام بمصر سنة في وكالة بالجمالية واشتهر ذكره عند كثير من الاعيان بسبب مدح شيخنا المذكور فيه وحثهم على اكرامه فهادوه بالملابس وغيرها ثم عزل على السفر الى نابلس فهرعوا اليه وزودوه بالدراهم واللوازم وأداوت السفر وشيعوه بالاكرام وسافر الى نابلس ثم الى دمشق وأخذ عنه علماؤها واحترموه واعترفوا بفضله
وكان انسانا مجموع الفضائل رأسا في فن الحديث يعرف فيه معرفة جيدة لا نعلم من يدانيه في هذا العصر يعد شيخنا المذكور واسع الاطلاع على متعلقاته مع ما عنده من جودة الحفظ والفهم السريع وادراك المعاني الغريبة وحسن الايراد للمسائل الفقهية والحديثية
ثم عاد الى نابلس وسافر بأهله الى الخليل فأراد ان يسكن بها فلم يصف له الوقت ولم ينتظم له حال لضيق معاش اهل البلد فعاد الى نابلس في شعبان وبها توفي سحر ليلة الاحد سابع عشرين رمضان من السنة مطعونا بعد ان تعلل يوما وليلة ودفن بالزاركية قرب الشيخ السفاريني وتأسف عليه الناس وحزنوا عليه جدا وانقطع الفن من تلك البلاد بموته رحمه الله وعوض في شبابه الجنة ولم يخلف الا ابنة صغيرة وله مؤلفات في فن الحديث
ومات العمدة المبجل الفقيه الوجيه والحبر اللوذعي النبيه السيد نجم الدين بن صالح بن أحمد بن محمد بن صالح بن محمد بن عبد الله التمرتاشي الغزى الحنفي قدم الى مصر في حدود الستين وحضر على مشايخ الوقت وتفقه وقرأ في المعقولات والمنقولات وتضلع ببعض العلوم ثم شغف بأسباب الدنيا وتعاطى بعض التجارات وسافر الى اسلامبول وتداخل في سلك القضاء ورجع الى مصر ومعه نيابة قضاء أبيار بالمنوفية (1/653)
ومرسومات بنظارات أوقاف فأقام بأبيار قاضيا بضع وعشر سنين وهو يشترى نيابتها كل دور وابتدع فيها الكشف على الاوقاف القديمة والمساجد الخربة التي بالولاية وحساب الواضعين أيديهم على ارزاقها وأطيانها حتى جمع من ذلك أموالا ثم رجع الى مصر واشترى دارا عظيمة بدرب قرمز بين القصرين واشترى المماليك والعبيد والجوارى وترونق حاله واشتهر أمره وركب الخيول المسومة وصار في عدادا لوجها وكان يحمل معه دائما متن تنوير الابصار يراجع فيه المسائل ويكتب على هامشه الوقائع والنوادر الفقهية
ثم تولى نيابة القضاء بمصر في سنة ست وثمانين فأزدادت وجاهته وانتشر صيته وابتكر في نيابته أمورا منها تحليف الشهود وغير ذلك ثم سافر الى اسلامبول في سنة اثنتين وتسعين وعاد
ثم سافر في سنة تسع وتسعين واجتمع هناك بحسن باشا ووشى اليه أمر مصر وسهل له امرها وامراءها حتى جسره على القدوم اليها وحضر صحبته الى ثغر اسكندرية وكان بينه وبين نعمان افندى قاضي الثغر كراهة باطنية فوشى به عند حسن باشا حتى عزله من وظيفة القضاء وقلدهم للمترجم وكاد ان يبطش بنعمان افندى فهرب منه الى رشيد ولم يلبث المترجم أن أصابه الفالج ومات سابع عشرين رمضان عن نيف وتسعين سنة
ونقم عليه بعد ذلك حسن باشا أمورا وعلم براءة نعمان أفندى مما نسبه اليه وأحضر نعمان أفندى وأكرمه ورد له منصبه وأجله وأكرمه وصاحبه مدة اقامته بمصر ورجع معه الى اسلامبول وجعله منجم باشا
وكانت له يد طولى في علم النجامة ثم نفاه بعد ذلك الى اماصيه بسبب توسطه مع صالح أغا للامراء المصريين كما ذكر في موضعه
وخلف المترجم ابنه صالح جلبي الموجود الآن ومملوكه علي أفندى الذى كان يتولى نيابات القضاء في المحلة ومنوف وغيرهما
ومات الشيخ الصالح احمد بن عيسى بن عبد الصمد بن احمد بن فتيح (1/654)
ابن حجازى القطب السيد علي تقي الدين دفين رأس الخليج بن فتح ابن عبد العزيز بن عيسى بن نجم خفير بحر البرلس الحسيني الخليجي الاحمدى البرهاني الشريف الشهير بأبي حامد ولد برأس الخليج وحفظ القرآن وبعض المتون ثم حبب اليه السلوك في طريق الله تعالى فترك العلائق وانجمع عن الناس واختار السياحة مع ملازمته لزيارة المشاهد والاولياء والحضور في موالدهم المعتادة
وكان الاغلب في سياحته سواحل بحر البرلس ما بين رشيد ودمياط على قدم التجريد
ووقعت له في أثناء ذلك اشارات واجتمع فيها باكابر أهل الله تعالى وكان يحكي عنهم أمورا غريبة من خوارق العادات وأقام مدة يطوى الصيام ويلازم القيام واجتمع في سياحته ببلاد الشرق على صلحاء ذلك العصر ورافق السيد محمد ابن مجاهد في غالب حالاته فكانا كالروح في جسد وله مكارم اخلاق ينفق في موالد كل من القطبين السيد البدوى والسيد الدسوقي أموالا هائلة ويفرق في تلك الايام على الواردين ما يحتاجون اليه من المآكل والمشارب وكان كلما ورد الى مصر يزور السادة العلماء ويتلقى عنهم وهم يحبونه ويعتقدون فيه منهم الشيخ الدمياطي وشمس الدين الحنفي وغيرهما وكان له شيخنا السيد مرتضى مزيد اختصاص وألف بأسمه رسالة المناشي والصفين وشرح له خطبة الشيخ محمد البحيرى البرهاني على تفسير سورة يونس وبأسمه أيضا كتب له تفسيرا مستقلا على سورة يونس على لسان القوم وصل فيه الى قوله تعالى واجعلوا بيتكم قبلة وذلك في أيام سياحته معه وكمله بعد ذلك
وفي سنة 1199 ورد الى مصر لامر اقتضى فنزل في المشهد الحسيني وفرش له على الدكة وجلس معه مدة وتمرض اشهرا بورم في رجليه حتى كان في اول المحرم من هذه السنة زاد به الحال فعزم على الذهاب الى فوة
فلما نزل الى بولاق وركب السفينة وافاه الحمام وأجاب مولاه بسلام وذلك في يوم عاشوراء (1/655)
وذهب به اتباعه الى فوة بوصية منه وغسل هناك ودفن بزاوية قرب بيته وعمل عليه مقام يزار
ومات الشيخ الفاضل النبيه اللوذعي الذكي المفوه الناظم الشاعر اللبيب الشيخ محمد المعروف بشبانه كان من نوادر الوقت اشتغل بالمعقول وحضر على أشياخ العصر فأنجب وعانى علم العروض ونظم الشعر وأجاد القوافي وداعب أهل عصره من الشعراء وغيرهم واشتهر بينهم وأذعنوا لفضله الا ان سليقته في الهجو أجود من المدح
ومات الاجل المركم احمد بن عياد المغربي الجربي كان من أعيان اهل تونس وتولى بها الدواوين واثرى فوقع بينه وبين اسمعيل كتخدا حمودة باشة تونس أمور أوجبت جلاءه عنها فنزل في مركب بأهله وأولاده وماله وحضر الى اسكندرية فلما علم به القبطان اراد القبض عليه وأخذ أمواله فشفع فيه نعمان افندى قاضي الثغر وكان له محبة مع القبطان فأفرج عنه فأهدى بن عياد لنعمان أفندى الف دينار في نظير شفاعته كما اخبرني بذلك نعمان افندى المذكور
ثم حضر الى مصر وسكن بولاق بشاطيء النيل بجوار دارنا التي كانت لنا هناك وذلك في سنة اثنتين وتسعين ومعه ابنه صغيرا ونحو اثنتي عشرة سرية من السرارى الحسان طوال الاجسام وهن لابسات ملابس الجزائر بهيئة بديعة تفتن الناسك وكذلك عدة من الغلمان المماليك كأنما أفرغ الجميع في قالب الجمال وهم الجميع بذلك الزى
وصحبته أيضا صناديق كثيرة وتحائف وامتعة فأقام بذلك المكان منجمعا عن الناس لا يخرج من البيت قط ولا يخالط أحدا من أهل البلدة ولا يعاشر الا بعض افراد من أبناء جنسه يأتونه في النادر فأقام نحو ثمان سنوات ومات اكثر جواريه ومماليكه وعبيده وخرج بعده من تونس اسمعيل كتخدا ايضا فارا من حموده باشا ابن علي باشا وحضر الى مصر وحج ورجع الى اسلامبول واتصل بحسن باشا (1/656)
ولازمه فاستوزره وجعله كتخدا
فلما حضر حسن باشا الى مصر أرسل اليه بن عياد تقدمة وهدية فقبلها وحضر أيضا في أثره اسمعيل كتخداه المذكور فأغراه به لما في نفسه منه من سابق العداوة والظلم كمين في النفس القوة نظهره والضعف يخفيه فأرسل حسن باشا يطلب ابن عياد للحضور اليه بامان فاعتذر وامتنع فسكت عنه اياما ثم ارسل يستقرض منه مالا فأبى ان يدفع شيئا ورد الرسل أقبح رد فرجعوا وأخبروا اسمعيل كتخدا وكان بخان الشرايبي بسبب المطلوب من التجار فحنق لذلك وتحرك كامن قلبه من العداوة السابقة وركب في الحال وذهب الى بولاق ودخل الى بيته وناداه فأجابه بأحسن الجواب وأبى ان ينزل اليه وامتنع في حريمه وقال له أما كفاك اني تركت لك تونس حتى أتيتني الى هنا
وضرب عليه بنادق الرصاص فقتل من أتباعه شخصين فهجم عليه اسمعيل كتخدا وطلعوا اليه وتكاثروا عليه وقتلوه وقطع رأسه وأراد قتل ولده أيضا فوقعت عليه أمه فتركوه وأخرجوا جثته خارج الزقاق فألقوها في طريق المارة واخرجوا نساءه وخدمه واحتاطوا بالبيت وختموا عليه 2 (1/657)
سنةأحدى ومائتين وألف
في يوم الاثنين سابع المحرم حضر اسمعيل بك في تجريدة إلى مصر فركب بمفرده وهو ملثم بمنديل وحضر عند حسن باشا وقابله وهو أول اجتماعه به وجلس معه مقدار درجتين لا غير واستأذنه في القيام فخلع عليه فروة سمور وقام وذهب إلى بيت مملوكه علي بك جركس وهو بيت ايوب بك الصغير الذي في الحبانية وكان السبب في حضوره على هذه الصورة انه في يوم الخميس ثالث المحرم التقوا مع الأمراء القبليين واتفقوا معهم عند المنشية فكان بينهم وقعة عظيمة وقتل من الفريقين جملة كبيرة وأبلى فيها المصريون البحرية والقبلية مع بعضهم وتنحت عنهم العساكر العمثانية ناحية وهجمت القبالي وألقوا بأنفسهم في نار الحرب وطلب كل غريم غريمه ثم اندفعت العثمانية مع البحرية وظهر من شجاعة عابدي باشا ما تحدث به الفريقان في شجاعته وأصيب اسمعيل بك برشة رصاص دخلت في فمه وطلعت من خده فولى منهزما والقى نفسه في البحر وركب في قنجة وحضر إلى مصر على الفور ولم يدر ماذا جرى بعده فلما حضر على هذه الصورة وأشيع وقوع الكسرة والهزيمة على التجريدة اضطربت الأقاويل واختلفت الروايات وكثرت الأكاذيب وارتج العثمانيون (2/5)
وأرسل حسن باشا الرسل لاحضار العساكر التي بالاسكندرية وكذلك ارسل إلى بلاد الروم
وفي يوم السبت ثاني عشرة حضر حسن بك الجداوي وجماعة من الرجاقات والعساكر فذهب حسن بك إلى حسن باشا وقابله وقد أصيب بسيف على يده فخلع عليه فروة ثم ذهب إلى بيته القديم وهو بيت الداودية وكذلك حضر بقية الامراء الصناجق وأصيب قاسم بك بضربة جرحت أنفه وكذلك حضر عابدي باشا وطلع إلى قصر العيني وأقام به
وفيه حضر ططرى وعلى يده مرسوم بعزل محمد باشا عن ولاية مصر وولاية عابدي باشا مكانه وان محمد باشا يتوجه إلى ولاية ديار بكر عوضا عن عابدي باشا فشرع عابدي باشا في نقل عزاله إلى بولاق فتحدث الناس ان ذلك من فعل حسن باشا لان بينهما أمورا باطنية
وفي يوم الاثنين عمل حسن باشا ديوانا في بيته اجتمع فيه جميع الامراء والصناجق والمشايخ وألبس إسمعيل بك خلعة وجعله شيخ البلد وكبيرها وألبس حسن بك خلعة وقلده أمير الحاج فخرجوا من مجلسه وهم كاظمون لغيظهم هذا واسمعيل بك متململ من جرحه والسيد عثمان الحمامي يعالجه وأخرج من عنقه ست عشرة زردة من زرد الزرخ فان الرصاص لما أصابه منعه الزرخ من الغوص في الجسد فغاص نفس الزرد فأخرجه السيد عثمان بالالة واحدة بعد واحدة بغاية المشقة والالم ثم عالجه بالادهان والمراهم حتى برىء في ايام قليلة
وفيه حضر إلى اسمعيل بك رجل بدوي وأخبر ان الجماعة القبليين زحفوا إلى يجري ووصلت أوائلهم إلىبني سويف وأخبر أنه مات منهم مصطفى بك الداودية ومصطفى بك السلحدار وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا ونحو خمسة عشر اميرا من الكشاف وان نفوسهم قويت على الحرب
وفي يوم الثلاثاء حضر اسمعيل أغا كمشيش وكان ممن تخلف في الأسر (2/6)
عند القلبين فأفرجوا عنه وأرسلوا معه مكاتبة يذكرون فيها طلب الصلح وتوبتهم السابقة واستعدادهم للحرب إن لم يجابوا في ذلك
وفي يوم الأربعاء نزل محمد باشا من القلعة وذهب إلى بولاق
وفي يوم الخميس نودي على النفر والالضاشات والاجناد والمماليك بان يتبع كل شخص متبوعه وبابه ومن وجد بعد ثلاثة أيام بطالا ولم يكن معه ورقة يستحق العقوبة وكذلك حضور الغائبين بالأرياف
وفيه أخذ أحمد القبطان المعروف بحمامجي أوغلي المراكب الرومية التي بقيت في النيل وجملة نقاير وصعد بهم إلى ناحية دير الطين قريبا من التبين وشرعوا في عمل متاريس وحفر خنادق هناك ونقلوا جملة مدافع ايضا وكان أشيع طلوع عابدي باشا إلى القلعة في ذلك اليوم فلم يطلع وحضر عند حسن باشا وتكلم معه كلاما كثيرا وقال كيف أطلع وأتسلطن في هذا الوقت والاعداء زاحفون على البلاد وأولاد أخي قتلوا في حربهم ولا أطلع حتى آخذ بثأرهم أو أموت ثم قام من عنده ورجع إلى قصر العيني
وفيه سافر عمر كاشف الشعراوي لملاقاة الحجاج الى القلزم وحضرت مكاتيب الجبل على العادة القديمة وأخبروا بالامن والراحة
وفي يوم الجمعة خرج رضوان بك بلغيا وسليمان الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان وبرزوا خيامهم ناحية البساتين
وفيه عمل حسن باشا ديوانا وخلع على ثلاثة أشخاص من امراء حسن بك الجداوي وقلدهم صناجق وهم شاهين وعلي وعثمان
وفيه حضر إلى مصر ذو الفقار الخشاب كاشف الفيوم المعروف بأبي سعدة
وفي يوم السبت خرج غالب الأمراء إلى ناحية البساتين وورد الخبر عن القبليين انهم لم يزالوا مقيمين في ناحية بني سويف
وفيه أنفق حسن باشا ثلث النفقة على العسكر فأعطى اسمعيل بك عشرين ألف دينار وحسن بك خمسة عشر ألفا ولكل صنجق عشرة آلاف (2/7)
ولكل طائفة وجاق أربعة الاف فاستقل الينكجرية حصتهم وكتبوا لهم عرضحال يطلبون الزيادة في نفقتهم
وفيه طلب حسن باشا دراهم سلفة من التجار فوزعوها على أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر وهرب أكثرهم وأغلقوا حوانيتهم وحواصلهم فصاروا يسمرونها وكذلك البيوت وطلبوا ايضا الخيول والبغال والحمير وكبسوا البيوت والاماكن لاستخراجها وعزت الخيول جدا وغلت أثمانها
وفي يوم الاثنين قبض حسن باشا على اسمعيل اغا كمشيش المتقدم ذكره وأمره بقتله وأخرجوه من بين يديه وعلى رأسه دفية فشفع فيه الوجاقلية فعفا عنه من القتل وسجنوه وسبب ذلك أنه أحضر صحبته عدة مكاتيب سرا خطابا لبعض أنفار فظهروا على ذلك فوقع له ما وقع
وفيه عمل حسن باشا ديوانا عظيما جمع فيه الأمراء والاعيان وقرأوا مكاتبات أرسلها القبليون يطلبون الصلح والامان ويذكرون العابدي باشا ما نهب له في المعركة وأن يرسل قائمة بذلك ويردون له ما ضاع بتمامه فقال عابدي باشا لحسن بك الجداوي ما تقول في هذا الكلام قال أقول لا نأخذه إلا بالسيف كما أخذوه منا بالسيف وانفض الديوان ووقع الاتفاق على ان يكتبوا لهم جوابا عن رسالتهم ملخصة إن كان قصدهم الصلح والامان وقبول التوبة فانهم يجابون إلى ذلك ويحضر إبراهيم بك ومراد بك ويأخذ لهم حضرة القبطان أمانا شافيا من مولانا السلطان اينما يريدون في غير الأقليم المصري يتعيشون فيها بعيالهم واولادهم وما شاؤوا من مماليكهم واتباعهم واما بقية الامراء فإن شاؤوا حضروا إلى مصر وأقاموا بها وكانوا من جملة عسكر السلطان وان شاؤوا عينوا لهم أماكن من الجهات القبلية يقيمون بها وان أبوا ذلك فليستعدوا للحرب والقتال
وفي يوم الثلاثاء قبض حسن باشا على عمر كاشف الذي سكنه بالشيخ الظلام وعلي محمد أغا البارودي وأمر بحبسهما عند اسمعيل بك وسبب (2/8)
ذلك المكاتبات التي تقدم ذكرها مع اسمعيل آغا كمشيش
وفي يوم الأربعاء سافر محمد آفندي مكتوبجي حسن باشا بالمكاتبة إلى القبليين
وفي يوم الخيس نزل الاغا والجاويشية ونادوا على جميع الالضاشات بالذهاب إلى بولاق ليسافروا في المراكب صحبة الوجاقلية وكل من بات في بيته إستحق العقوبة وطاف الاغا عليهم يخرجهم من أماكنهم ويقف على الخانات ويسأل على من بها منهم ويأمرهم بالخروج فأغلق الناس حوانيتهم وبطل سوق خان الخليلي في ذلك اليوم وخرج منهم جماعة ذهبوا إلى بولاق ومنهم من طلع إلى الابواب حسب الامر وحصل لفقرائهم كرب شديد لكونهم لم يأخذوا نفقة بل رسموا لهم انهم يأكلون على سماط بلكهم ويعلقون على دوابهم وطعامهم البقسماط والارز والعدس لا غير وذلك لعزة اللحم وعدم وجوده فان اللحم الضاني بالمدينة بثلاثة عشر نصف فضة ان وجد والجاموسي بثمانية انصاف وزاد سعر الغلة بعد الانحطاط وكذلك السمن والزيت
وفي يوم الاحد سابع عشرينه حضر محمد افندي المكتوبجي من عند الجماعة وصحبته علي أغا مستحفظان بجواب الرسالة السابق ذكرها فأخبر أنهم ممتثلون لجميع ما يؤمرون به ما عدا السفر إلى غير مصر فان فراق الوطن صعب ويذكر عنهم انه لم يشق عليهم شيء أعظم من تمكن أخصامهم من البلاد أعني اسمعيل بك وحسن بك وذلك هو السبب الحامل لهم على القدوم والمحاربة فإن لم يقبل منهم ذلك فالقصد ان يبرز لحربهم أخصامهم دون العساكر العثمانية فتكون الغلبة لنا او علينا فان كانت علينا وظفروا بنا استحقوا الامارة دوننا وان كانت لنا وظفرنا بهم فالامر لكم بعد ذلك ان شئتم قبلتم توبتنا ورددتم لنا مناصبنا وشرطتم علينا شروطكم فقمنا بها قياما لا نتحول عنه ابدا ما بقينا وأن شئتم وجهتمونا (2/9)
إلى أي جهة امتثلنا ذلك فلما ذكرا ذلك لحسن باشا قال لعلي أغا أنا ما جئت إلى مصر لا عمل لهم على قدر عقولهم وانما السلطان امرني بما أمرت به فان كانوا مطيعين فليمتثلوا الأمر والا فسيلقون وبال عصيانهم وكتب لعلي أغا جوابا بذلك وخلع عليه فروة سمور وسافر من وقته ورجع إلى أصحابه وصحبته شخص من طرف الباشا ولما ذهب إليهم محمد افندي المكتوبجي انعموا عليه واكرموه واعطاه مراد بك خاصة ألف ريال فجعل يثني عليهم ويمدح مكارم اخلاقهم
واستهل شهر صفر الخير اوله يوم الخميس فيه حضرت خزينة حسن باشا من ثغر اسكندرية فدفع باقي النفقة للعسكر والامراء
وفيه وصل الخبر ان الامراء القبالي زحفوا إلى بحري ووصلت اوائلهم إلى بر الجيزة وآخرهم بالرقق وفردوا الكلف على بلاد الجيزة
وفيه طلب إسماعيل بك دراهم سلفة من التجار فاعتذروا بقلة الموجود بأيديهم وأغنياؤهم جلوا إلى الحجاز ولم يدفعوا له شيئا وادعى على تجار البن بمبلغ دراهم باقي حساب من مدته السابقة فصالحوه عنها بأربعة آلاف دينار
وفي يوم الجمعة نودى على المحمدية المقيمين بمصر أنهم يذهبون إلى اسمعيل بك ويقابلونه سواء كان جنديا أو اميرا أو مملوكا ومن تأخر استحق العقوبة وقبض على أنفار منهم وسجنوا بالقلعة وختم على دورهم من جملتهم جعفر كاشف الساكن عند بيت القاضي من ناحية بين القصرين
وفي تلك الليلة أعني ليلة الاحد وقعت حادثة لشخص من الاجناد يقال له اسمعيل كاشف أبو الشراميط بيته في عطفة بخط الخيمية قتله مماليكه وسبب ذلك على ما سمعنا تقصيره في حقهم وفي تصرفه عدة حصص جارية في التزامه فكتب تقاسيطها بتمامها باسم زوجته ولم يكتب لهم شيئا من ذلك وكان جبارا ظالما معدودا في جملة كشاف مراد بك فلما حصلت المناداة على المحمدية ذهب إلى اسمعيل بك وقابله فطرده وأمره (2/10)
بلزوم بيته وأن لا يخرج منه فذهب إلى بتيه وارسل إلى اسمعيل بك حصانين بعددهما أحدهما مركوبه والثاني لاحد مماليكه وأرسل معهما درعين على سبيل التقدمة والهدية ليستميل خاطره وكان مملوكه صاحب الحصان غائبا في شغل فلما حضر لم يجد الجواد فسأل عنه فأخبره خشداشه بصورة الحال فدخل إلى سيده وسأله فنهره وشتمه فخرج مقهورا وجلس يتحدث مع رفيقه فقالوا لبعضهم هذا الرجل سيدنا لا نرى منه إلا الاذى ولا نرى منه احسانا ولاحلاوة لسان كذلك الحصص كتبها لزوجته ولم يفعل معنا خيرا عاجلا ولا آجلا وحملهم الغيظ على انهم دخلوا عليه بعد العشاء وقتلوه فصرخت زوجته من أعلى ونزلت إليهم فقتلوها ايضا هي وجاريتها فسمعت الجيران وكثر العائط وحضر الوالي فوقف المملوكان وضربا عليه بنادق الرصاص ونقبا بيوت الجيران ونطا منها فلم يزل حتى قبض عليهما وقتلهما على رأس العطفة وأصبح الخبر شائعا بين الناس بذلك
وفي يوم الأحد المذكور حضر نجاب الحج وأخبر ان العرب وقفت للحجاج في طريق المدينة وحاربوهم سبعة أيام وانجرح امير الحاج وقتل غالب أتباعه وخازنداره ومن الحجاج نحو الثلث ونهبوا غالب حمولهم بسبب عوائدهم القديمة
وفي يوم الاثنين شق الاغا وأمامه المنادى يقول أن إبراهيم بك ومراد بك مطرودا السلطان ومن كان مختفيا او غائبا وأراد الظهور أو الحضور فليظهر أو يحضر وعليه الامان ولا بأس عليه ومن خالف فلا يلومن الا نفسه
وفيه انتقل عساكر القليونجية وعدوا إلى البر الغربي ونصبوا هناك متاريس وأما الأمراء القبليون فانهم اخرجوا أثقالهم من المراكب وطلعوها بأجمعها إلى البر وتركوا المراكب ذهبت إلى حال سبيلها وانحازوا جميعا (2/11)
عند الأهرام
وفي يوم الثلاثاء نودي على جميع الالضاشات بالخروج إلى الوطاق وكذلك المقيمون بالقلعة فتكدر الناس لذلك واختفوا في الدور ولبس كثير منهم ملابس الفقهاء والمجاورين وسبب ذلك عدم قدرتهم على الخروج من غير مصرف فإذا خرج فقير الحال لا يجد ما يأكله ولا ما ينفقه عياله في غيبته ولا يفيده إلا مقاساة الجوع والبرد والغربة والمشقة
وفي يوم الاحد حادي عشره نزل الحجاج ودخلوا مصر على حين غفلة وهم في أسوأ حال من العري والجوع ونهبت جميع أحمال أمير الحاج وأحمال التجار وجمالهم وأثقالهم وأمتعتهم واسر العرب جميع النساء بالاحمال وكان أمرا شنيعا جدا ثم ان الحجاج استغاثوا بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي فتكلم مع العرب في أمر النساء فأحضروهن عرايا ليس عليهن إلا القمصان وأجلسوهن جميعا في مكان وخرجت الناس افواجا فكل من وجد امرأته أو أخته أو أمه او بنته وعرفها اشتراها ممن هي في اسره وصارت المرأة من نساء العرب تسوق الاربعة من الجمال والخمسة باحمالها فلا تجد مانعا وسبب ذلك كله رعونة أمير الحاج فأنه لما اراد أن يتوجه بالحجاج إلى المدينة ارسل إلى العرب فحضر إليه جماعة من أكابرهم فدفع لهم عوائد سنتين وقسط البواقي على السنين المستقبلة بموجب الفرمان وحجز عنده اربعة أشخاص رهائن فبدا له أن كواهم بالنار في وجوههم فبلغ ذلك أصحابهم فقعدوا للحجاج في الطريق فبلغ أمير الحاج ذلك فذهب من طريق أخرى فوجدهم رابطين فيها ايضا فقاتلوه قتالا هينا ففر هاربا وترك الحجاج والعرب فنهبوا حملته وقتلوا مماليكه ولم يبق معه إلا القليل فهرب بمن بقي معه واختفى عن الحجاج ثلاثة أيام ولم يره أحد وفعلت العرب في الحجاج ما فعلوه واخذوا ما أخذوه فلم ينج منهم إلا من طال عمره وسلم نفسه او افتداها (2/12)
إلى غير ذلك وأخذوا المحمل ايضا ولم يردوه
وفي يوم الاثنين ثاني عشرة هجمت القبليون على المتاريس وأرادوا ان يملكوها في غفلة آخر الليل لعلمهم ان الامراء والباشا ذهبوا إلى مصر واشتغلوا بالحجاج وكان حسن باشا ذلك اليوم لما بلغه حضور الحجاج ركب من فوره وذهب إلى العادلية فقابل أمير الحاج ورجع من ليلته إلى الوطاق فلما هجموا على المتاريس كان المتترسون مستيقظين فضربوا عليهم المدافع من البر والبحر من الفجر إلى شروق الشمس فرجعوا إلى مكانهم من غير طائل ثم هجموا ايضا يوم الثلاثاء بعد الظهر فضربوا عليهم ورجعوا
وفي يوم الاربعاء ركب الامراء القبليون وحملوا أحمالهم وصعدوا إلى دهشور وجلسوا هناك وحضر منهم جماعة من الاجناد بأمان وانضموا إلى البحريين
وفي أواخره امر حسن باشا بمحاسبة محمد باشا المعزول فذهب إليه ارباب الخدم والعكاكيز واختيارية الوجاقات والافندية وذهبوا إليه ببولاق وتحاسبوا معه ودققوا عليه في الحساب فطلع عليه ألف ومائتان وخمسة وعشرون كيسا فطلب أن يخصم منها باقي عوائده التي بذمم الامراء وغيرهم فعرفوا حسن باشا عن ذلك فلم يقبل وقال ان كان له شيء عند أحد يأخذه منه ولا بد من احضار الدراهم التي طلعت عليه فإني محتاج إلى ذلك في المصاريف اللازمة للعسكر فشددوا عليه في الطلب فضاق خناقه واعتذر وبكي وكتب على نفسه تمسكا بذلك واستوحشا من بعضهما فسعى فيض الله أفندي الرئيس بينهما في ازالة ذلك ثم ذهب محمد باشا إلى حسن باشا واجتمع معه في قصر الآثار
وفيه حضرت مكاتبة من القبالي يطلبون الأمان وأن يعينوا لهم أماكن في الجهة القبلية يقيمون بها ويعيشون هناك فأجيبوا إلى ذلك ويختاروا (2/13)
مكانا يريدونه بشرط أن يكونوا جماعة قليلة ويحضر باقي الأمراء والعسكر إلى مصر بالامان فلم يرضوا بالافتراق ولم يجابوا إلا بمثل الجواب الأول واستقروا ناحية بني سويف ورجعت عنهم عرب الهنادي وفارقوهم
واستهل ربيع الأول بيوم الجمعة فيه حضر ططرى من الدولة وعلى يده مثال لحسن باشا بان يقيم بمصر ولا يخرج مع العساكر بل يستمر محافظا في المدينة فتحقق الناس اقامته عدم سفره
وفيه شرع حسن باشا في عمل شر كفلك فشرعوا في عمله على ساحل بولاق تجاه الديوان وهو عبارة عن متريز مصنوع من أخشاب ممتدة على مقصات من خشب وهي قطع مفصلات يجمعها أغربة من جديد وعلى تلك المدادات عدة حراب حديد مستمرة عليها محددة الأطراف وبين كل مقصين سفل الأخشاب الممتدة مدفع موضوع على شبه بسطة من الخشب ومساحة ذلك نحو اربعمائة وخمسين ذراعا وهو يوضع على هيئات مختلفة مربعا ومدورا والعسكر من داخله متحصنين به وإذا هجمت عليه الخيول رشقت بها تلك الحرب
وفي يوم الاثنين رابعه ركبت طوائف العسكر والوجاقات ومروا بنظامهم من تحت قصر الآثار وحسن باشا ينظرهم فأعجبه نظامهم وترتيبهم وحسن زيهم ثم تتابعوا في التعدية
وفي ليلة الخميس رابع عشرة كسف جرم القمر جميعه وكان ابتداؤه من رابع ساعة إلى ثامن ساعة من الليل
وفي منتصفة حضرت عساكر من الاضات مثل قبرس وقرمان وغير ذلك وجاء الخبر عن الامراء القبالي انهم وصلوا إلى أسيوط وتخلف عنهم جملة من المماليك والاتباع في نواحي المنية وغيرها فمنهم من حضر إلى مصر ومنهم من اختفى في البلاد (2/14)
وفيه اشتكت الناس من غلاء الاسعار وتكلم الشيخ العروسي مع حسن باشا بسبب ذلك وقال له في زمن العصاة كان الامراء ينهبون ويأخذون الاشياء من غير ثمن والحمد لله هذا الامر ارتفع من مصر بوجودكم وما عرفنا موجب الغلاء أي شيء فقال أنا لا اعرف اصطلاح بلادكم وتشاور مع الاختيارية في شأن ذلك فوقع الاتفاق على عمل جميعة في باب الينكجرية واحضار الاغا والمحتسب والمعلمين ويعملون تسعيرة وينادون بها ومن خالف او احتكر شيئا قتل فلما كان يوم السبت سادس عشرة اجتمعوا في باب مستحفظان وحضر الشيخ العروسي ايضا واتفقوا على تسعيرة في الخبز واللحم والسمن وغير ذلك وركب الاغا وبجنبه المحتبسب ونادوا في الاسواق فجعلوا اللحم الضاني بثمانية انصاف وكان بعشرة والجاموسي ستة بعد سبعة والسمن المسلي بثمانية عشر والزبد بأربعة عشر والخبز عشر آواق بنصف فضة وهكذا فعزت الاشياء وقل وجود اللحم وإذا وجد كان في غاية الرداء مع ما فيه من العظم والكبد والفشة والكرشة
وفي أواخره وصل الخبر بان رضوان بك قرابة علي بك الكبير المنافق وعلي بك الملط وعثمان بك وجماعة علوية حضروا إلى عرضي التجريدة وأخذوا الأمان من اسمعيل بك وعابدي باشا وانهم قادمون إلى مصر وإن القبالي استقروا بوادي طحطأ مكانهم الاول الذي قاتلوا فيه
شهر ربيع الثاني في يوم الخميس خامسه وصل المذكور إلى مصر وقابلوا حسن باشا وتوجهوا إلى بيوتهم
وفي يوم الاحد ثامنه ضربوا مدافع كثيرة وقت الضحى وكان أشيع في أمسه ان التجريدة نصرت وقتل من القبالي اناس كثيرة فلما سمعت الناس تلك المدافع ظنوا تحقيق ذلك وكثرت الاكاذيب والاقاويل ثم تبين ان لا شيء وانها بسبب رجوع بعض مراكب رومية من ناحية الفشن بسبب (2/15)
قلة ماء النيل ومن عادتهم انهم إذا وصلوا للمرساة ضربوا مدافع فيجابوا بمثلها
وفي منتصفه حضر محمد كتخدا الاشقر بسبب تجهيز ذخيرة ولوازم ومصاريف فهيئت وأرسلت وكذلك قبل ذلك مرارا كثيرة وأخبر ان التجريدة وصلت إلى دجرجا وإن القبالي ارتحلوا منها وصعدوا إلى قوق وتباعدوا عن البلد نحو ست ساعات ثم انقطعت الأخبار
واستهل شهر جمادى الأولى فيه زاد قلق حسن باشا بسبب تأخر الجوابات وطول المدة
وفيه عين حسن باشا على محمد باشا برشيد وشدد عليه في طلب الدراهم وضايقوه حتى باع امتعته وحوايجه وغلق ما عليه وتوفيت زوجته فحزن عليها حزنا شديدا مع ماهو فيه من الكرب ولم يفده من فعائله وهمته التي فعلها بمصر عند قدوم حسن باشا شيء وجازاه بعد ذلك بأقبح المجازاة فأنه لولا أفاعيله وتمويهاته وأكاذيبه ما تمكن حسن باشا من دخول مصر فأنه كان يعظم الأمر على الأمراء المصريين ويهول تهويلات كثيرة عليهم وعلى المشايخ واختيارية الوجاقات ويقول اياكم والعناد وإياكم ان توقعوا حربا فانكم تخربون بلادكم وتكونون سببا في هلاك أهلها فأنه بلغني أنه تعين مع حسن باشا كذا كذا الفا من الجنس الفلاني وكذا كذا ألفا من جنس العسكر الفلاني وانهم متأخرون في الحضور عنه تحت الاحتياج وكذلك في عساكر البر الواصلة من الجهة الشامية ومعهم ثمانون ألف ثور ومائة ألف جاموس برسم جر المدافع وفي المدافع ما يصحبه خمسون ثورا ونحو ذلك حتى ادخل عليهم الوهم وظنوا صدقة وانحلت عرا الناس عنهم وخصوصا بما منا هم به من اقامة العدل ومنع الظلم والجور وغير ذلك حتى جذب قلوب العالم وتحولوا عن الامراء وتمنوا زوالهم في أسرع وقت وهيج الناس وأثارهم قبل وصول حسن (2/16)
باشا وملك القلعة ومهد له الأمور فجزاه بعد تمكنه بالخذلان والعزل والحساب والتدقيق وغير ذلك
وفي يوم الاربعا ثالثه ورد نجاب وصحبته مكتوب من عابدي باشا إلى حسن باشا وأخبر بوقوع الحرب بين الفريقين في يوم الجمعة ثامن عشرين الآخر عند الأمير ضرار وكانت الهزيمة على القبالي ولكن بعد أن كسروا الجردة مرتين وهجموا على شركفلك فضربوا عليهم من داخله بالمدافع والبنادق وقتل لاجين بك عند شركفلك وقتل الكثير من عرب الهنادى وقبض على كبيرهم اسيرا ومات من المصاحبين للعسكر ذو الفقار الخشاب وجماعة من الوجاقلية منهم على جربجي المشهدي وكانت الحرب بينهم نحو ست ساعات وكانت وقعة عظيمة وقتل من الفريقين مالا يحصى وكان حضور هذا النحاب علىالفور من غير تحقيق فلما ورد ذلك سر الباشا سرورا كثيرا وأمر بعمل شنك فضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة وضربوا النوبة السلطانية في برج القلعة وكذلك نوبة حسن باشا تحت القصر وأرسل المبشرين إلى الأعيان كالشيخ البكري والشيخ السادات وأكابر الوجاقات وحضروا جميعا للتهنئة
وفي سادسة حضرت عدة مكاتبات من امراء التجريد فأخبروا فيها بتلك الواقعة وان القبالي صعدوا بعد الهزيمة إلى عقبة الهو على جرائد الخيل فلم يصعدوا خلفهم لصعوبة المسلك على الأجمال والاثقال وانهم منتظرون حضور مراكبهم وما فيها من الذخيرة فيحملوا لاحمال ويسيرون بأجمعهم خلفهم من الطريق المستقيم التي توصل إلى خلف العقبة واخبروا ايضا انهم استولوا على حملاتهم ومتاعهم حتى بيع الجمل وعليه النقاقير بخمسة ريال ونحو ذلك (2/17)
من الحوادث في هذه الأيام
وقوع الموت الذريع في الابقار حتى صارت تتساقط في الطرقات ومات لابن بسيوني غازي بناحية سنديون خاصة مائة وستون ثورا وقس على ذلك
وفي عاشره طلب الباشا حوضا ليعمله حنفية فأخبره الحاضرون وعرفوه بالحوض الذي تحت الكبش المعروف بالحوض المرصود فأمر بأحضاره فأرسلوا إليه الرجال والحمالين وأرادوا رفعه من مكانه فأزدحمت عليه الناس من الرجال والنساء لما تسامعوا بذلك لينظروا ما شاع وثبت في أذهانهم من ان تحته كنزا وهو مرصود على شيء من العجائب او نحو ذلك وان الباشا يريد الكشف عن امره فلما حصل ذلك الازدحام ووجده الحمالون ثقيلا جدا وهم لا يعرفون صناعة جر الاثقال وحركوه عن مكانه يسيرا وبلغ الباشا ما حصل من ازدحام العامة امر بتركه فتركوه ومضوا فذهب العامة في أكاذيبهم كل مذهب فمنهم من يقول انهم لما حركوه وأرادوا جره رجع بنفسه ثانيا ومنهم من يقول غير ذلك من السخافات
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرة وصل نيف وثلاثون رأسا من قتلى القبليين فألقوهم عند باب القلعة بالرميلة على سرير من جريد النخل وأبقوهم ثلاثة ايام ثم دفنوهم ووجد فيهم راس عزوز كتخدا عزبان
وفي ذلك اليوم امر الباشا بشنق رجلين من الغيطانية تشاجرا مع طائفة من العسكر وضرباهم وأخذا سلاحهم ورفعت الشكوى إلى الباشا فأمر بشنق الغيطانية ظلما على الشجرة التي عند القنطرة فيما بين طريق مصر القديمة وطريق الناصرية
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه نظر أصحاب الدرك عدة هجانة مرت من ناحية الجبل معهم أمتعة وثياب مرسلة إلى القبالي من نسائهم فركبوا (2/18)
خلفهم فلم يدركوهم واشاعوا انهم قبضوا عليهم من غير اصل ووصل خبرهم حسن باشا فاغتاظ من الاغا والوالي وأمرهما بالذهاب إلى بيوتهم ويسمرونها عليهن ففعلوا ذلك وقبضوا على الاغوات الطواشية والسقائين وحصلت ضجة في البلد بين الظهر والعصر بسبب ذلك وفرت زوجة إبراهيم بك إلى بيت شيخ السادات ثم أن رضوان بك قرابة علي بك تشفع في تسمير البيوت فقبلت شفاعته وأرسل لمعادي الخبيري والجيزة ومنعهم من التعدية وحجزهم إلى البر الشرقي
وفي يوم الثلاثاء وردت نجابة وعلى أيديهم مكاتبات من عابدي باشا يخبر فيها بأن يحيى بك وحسن كتخدا الجربان حضرا اليه بأمان وخلع عليهم فراوي وصحبتهم عدة من الكشاف والمماليك وذلك بعد أن وصلوا الى اسنا وان القبالي ذهبوا إلى ناحية ابريم فتخلف عنهم المذكورون
وفي يوم الخميس سادس عشرينه حضر اسمعيل القبطان وكان بصحبته حمامجي أوغلي وأخبر ان العسكر العثمانية ملكوا أسوان وأن الأمراء القبالي ذهبوا الى ابريم وانهم في أسوأ حال من العري والجوع وغالب مماليكهم لابسون الزعابيط مثل الفلاحين وتخلف عنهم كثير من اتباعهم فمنهم من حضر الى عابدي باشا بأمان ومنهم من تشتت في البلاد ومنهم من قتله الفلاحون وغير ذلك من المبالغات
وفي يوم الاثنين خلع حسن باشا علي رضوان بك العلوي وقلده كشوفية الغربية وقلد علي بك الملط كشوفية المنوفية وقرر لهما على كل بلد اربعة آلاف نصف قضة ونزلا إلى طندتا لاجل خفارة مولد السيد أحمد البدوي
وفي هذا الشهر عمت البلوى بموت الابقار والثيران في سائر الاقليم البحري ووصل إلى مصر حتى انها صارت تتساقط في الطرقات وغيطان المرعى وجافت الارض منه فمنها ما يدركونه بالذبح ومنها ما يموت (2/19)
ورخص سعر اللحم البقري جدا لكثرته حتى صار يباع بمصر آخر النهار كل رطلين بنصف فضة مع كونه سمينا غير هزيل وعافته الناس وبعضهم كان يخاف من أكله وأما الأرياف فكان يباع فيها بالاحمال وبيعت البقرة بما خلعها بدينار وكثر عويل الفلاحين وبكاؤهم على البهائم وعرفوا بموتها قدر نعمتها وغلا سعر السمن واللبن والاجبان بسبب ذلك لقلتها
شهر جمادى الآخرة استهل بيوم الاربعاء وكان ذلك يوم النوروز السلطاني وانتقال الشمس لبرج الحمل
وفي يوم الاثنين سافر حمامجي اوغلي بالجوابات إلى الجهة القبلية وفيها الامر بحضور عابدي باشا واسمعيل بك وباقي الامراء إلى مصر وان حسن بك ومحمد بك المبدول ويحيى بك يقيمون باسنا محافظين
وفي يوم الخميس سادس عشره نودي على النساء أن لا يخرجن إلى موسم الخماسين المعروف عند القبط بشم النسيم وذلك يوم الاثنين صبيحة عيدهم
وفي عشرينه نودي بأبطال المعامله بالذهب الفندقلي الجديد واستمرت المناداة على النساء في عدم خروجهن إلى الاسواق وسبب ذلك وقائعهن مع العسكر منها انهم وجدوا ببيت يوسف بك سكن حمامجي اوغلي نحو سبعين امرأة مقتولة ومدفونة بالاسطبلات ومن النساء من لعبت على العسكر وأخذت ثيابه وأمثال ذلك فنودي عليهن بسبب ذلك فتضرر المحترفات منهن مثل البلانات والدايات وبياعات الغزل والقطن والكتان ثم حصل الاطلاق وسومحن في الخروج
وفي خامس عشرينه حضرت نجابة من قبلي وحضر ايضا حمامجي اوغلي وأخبروا ان الباشا والامراء وصلوا إلى دجرجا
شهر رجب الفرد استهل بيوم الخميس فيه قبض حسن باشا على احمد قبودان المعروف بحمامجي اوغلي وحبسه وحبس ايضا تابعه عثمان (2/20)
التوقتلي كان يسعى معه في الخبائث وكذلك رجل يقال له مصطفى خوجة
وفي يوم الخميس سابعه نودي على النساء انهن إذا خرجن لحاجة يخرجن في كمالهن ولا يلبسن الحبرات الصندل ولا الإفرنجي ولا يربطن على رؤوسهن العمائم المعروفة بالقازدغلية وذلك من مبتدعات نساء القازدغلية وذلك أنهن يربطن الشاشيات الملونة المعروفة بالمدورات ويجعلنها شبه الكعك ويملنها على جباههن معقوصات بطريقة معلومة لهن وصار لهن نساء يتولين صناعة ذلك بأجرة على قدر مقام صاحبتها ومنهن من تعطي الصانعة لذلك دينارا أو أكثر أو اقل وفعل ذلك جميع النساء حتى الجواري السود
وفي يوم الاحد حادي عشرة حضر عابدي باشا واسمعيل بك وعلي بك الدفتردار ورضوان بك بلفيا وحسن بك رضوان ومحمد بك كشكش وعبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وباقي الوجاقلية إلى مصر وذهبوا إلى بيوتهم وبات الباشا في مصر القديمة
وفي صبحها يوم الاثنين ركب عابدي باشا وطلع إلى القلعة من غير موكب وطلع من جهة الصليبة وذلك قبل آذان الظهر بنحو خمس درجات فلما استقر بها ضربوا له مدافع من الابراج وبعد انقضاء المدافع ارعدت السماء رعودا متتابعة إلى العصر وأمطرت مطرا غزيرا وذلك رابع عشرين برموده القبطي وتاسع عشر نيسان الرومي وأما حسن بك الجداوي فانه تخلف بقنا هو واتباعه وكذلك عثمان بك وسليم بك الاسماعيلي باسنا وعلي بك جركس بارمنت وعثمان بك وشاهين بك الحسيني ويحيى بك باكير بك ومحمد بك المبذول كذلك تخلفوا متفرقين في البنادر لاجل المحافظة وقاسم بك أبو سيف في منصبه بدجرجا وأراد الباشا واسمعيل بك ان يبقوا طائفة من الوجاقلية ومعهم طائفة من العسكر فأبوا وقالوا حتى نذهب إلى مصر ونعدل حالنا وبعد ذلك نأتي (2/21)
وفي ذلك اليوم وصل الخبر بان القبالي رجعوا إلى اسوان وشرعوا في التعدية إلى أسنا فأرسل اسمعيل بك الى الاختيارية فحضروا عنده بعد العصر وتكلموا في شأن ذلك بحضرة علي بك ايضا وكذلك اجتمعوا في صبحها يوم الثلاثاء وانفصل المجسر كالاول
وفي أواخره وصل الخبر انهم زحفوا إلى بحرى وان حسن بك تأخر عنهم
شهر شعبان المكرم في اوائله جاء الخبر انهم وصلوا إلى دجرجا وان حسن بك والامراء وصدوا في التأخر إلى المنية وعملت جمعيات ودواوين بسبب ذلك وشرعوا في طلوع تجريدة ثم وقع الاختلاف بين الباشا والامراء واستقر الأمر بينهم في الرأي أن يراسلوهم في الصلح وانهم يقيمون في البلاد التي كانت بيد اسمعيل بك وحسن بك ويرسلوا أيوب بك الكبير والصغير وعثمان بك الاشقر وعثمان بك المرادي يكونوا بمصر رهائن وكتبوا بذلك مكاتبات وأرسلوها صحبة محمد افندي المكتوبجي وسليمان كاشف قنبور والشيخ سليمان الفيومي
وفيه قررت المظالم على البلاد وهي المعروفة برفع المظالم وكان حسن باشا عندما قدم إلى مصر أبطلها وكتب برفعها فرمانات إلى البلاد فلما حضر اسمعيل بك حسن له اعادتها فأعيدت وسموها التحرير وكتب بها فرمانات وعينت بها المعينون وتفرقوا في الجهات والاقاليم بطلبها مع ما يتبعها من الكلف وحق الطرق وغيرها فدهى الفلاحون وأهل القرى بهذه الداهية ثانيا على ما هم فيه من موت البهائم وهياف الزرع وسلاطة الفيران الكثيرة على غيطان الغلة والمقاثي وغيرها وما هم فيه من تكلف المشاق الطارىء عليهم ايضا بسبب موت البهائم في الدراس وادارة السواقي بأيديهم وعوافيهم أو بالحمير أو الخيل أو الجمال لمن عنده مقدرة على شرائها وغلت أثمانها بسبب ذلك إلى الغاية فتغيرت قلوب الخلق جميعا على حسن باشا وخاب ظنهم فيه وتمنوا زواله وفشا شر جماعته وعساكره (2/22)
القليونجية في الناس وزاد فسقهم وشرهم وطمعهم وانتهكوا حرمةالمصر وأهله إلى الغاية
وفي خامسه يوم الاربعاء توفي أحمد كتخدا المجنون وقلدوا مكانه في كتخدائية مستحفظان رضوان جاويش تابعه عوضا عنه
وفيه قتل عثمان التوقتلي بالرميلة رفيق حمامجي اوغلي بعد ان عوقب بانواع العذاب مدة حبسه واستصفيت منه جميع الاموال التي كان يملكها واختلسها ودل على غيرها حمامجي اوغلي واستمر حمامجي اوغلي في الترسيم
وفيه قبض على سراج متوجه إلى قبلي ومعه دراهم وامتعة وغير ذلك فأخذت منه ورمي عنقه ظلما بالرميلة
واستهل شعر رمضان المعظم بيوم الاحد فيه اختصرت الامراء من وقدة القناديل في البيوت عن العادة وعبى اسمعيل بك هدية جليلة وأرسلها الى حسن باشا وهي سبع فروق وخمسون تفصيلة هندي عال مختلفة الاجناس وأربعة آلاف تصفية دنانير نقد مطروقة وجملة من بخور العود والعنبر وغير ذلك فأعطى للشيالين على سبيل الانعام أربعة عشر قرشا رومية عنها خمسمائة وستون نصفا فضة
وفي يوم الثلاثاء عاشره حضر المحمل صحبة رجل من الاشراف وذلك انه لما وقع للحجاج من العربان ما وقع في العام الماضي ونهبوا الحجاج وأخذوا المحمل بقي عندهم إلى أن جيش عليهم الشريف سرور وحاربهم وقاتلهم قتالا شديدا وأفنى منهم خلائق لا تحصى واستخلص منهم المحمل وأرسله إلى مصر صحبة ذلك الشريف وقيل ان الشريف الذي حضر به هو الذي افتداه من العرب باربعمائة ريال فرانسة فلما حضر خرج إلى ملاقاته الاشاير والمحملدارية وارباب الوظائف ودخلوا به من باب النصر وامامه الاشاير والطبول والزمور وذلك الشريف راكب امامه ايضا (2/23)
وفي ذلك اليوم بعد اذان العصر بساعتين وقعت حادثة مهولة مزعجة يخط البندقانيين وذلك ان رجلا عطارا يسمى أحمد ميلاد وحانوته تجاه خان البهار اشترى جانب بارود انكليزي من الفرنج في برميلين وبطة ووضعها في داخل الحانوت فحضر إليه جماعة من اهل الينبع وساوموه على جانب بارود وطلبوا منه شيئا اليروه ويجربوه فأحضر البطة وصب منها شيئا في المنقد الذي يعد فيه الدراهم ووضعوه على قطعة كاغد واحضروا قطعة يدك وطيروا ذلك البارود عن الكاغد فأعجبهم ومن خصوصية البارود الانكليزي إذا وضع منه شيء على كاغد وطير فالنار لا تؤثر في الكاغد ثم رموا بالقطعة اليدك على مصطبة الحانوت وشرع يزن لهم وهم يضعونه في ظرفهم ويتساقط فيما بين ذلك من حباته وانتشر بعضها إلىناحية اليدك وهم لا يشعرون فاشتعلت تلك الحبات واتصلت بما في أيديهم وبالبطة ففرقعت مثل المدفع العظيم واتصلت النار بذينك البرميلين كذلك فارتفع عقد الحانوت وما جاوره بما على تلك العقود من الابنية والبيوت والربع والطباق في الهواء والتهبت بأجمعها نارا وسقطت بمن فيها من السكان على من كان اسفلها من الناس الواقفين والمارين وصارت كوما يظن من لم يكن رآه قبل ذلك انه له مائة عام وذلك كله في طرفة عين بحيث ان الواقف في ذلك السوق او المار لم يمكنه الفرار والبعيد أصيب في بعض أعضائه اما من النار او الردم وكان السوق في ذلك الوقت مزدحما بالناس خصوصا وعصرية رمضان وذلك السوق مشتمل على غالب حوائج الناس وبه حوانيت العطارين والزياتين والقبانية والصيارف وبياعي الكنافة والقطائف والبطيخ والعبدلاوي ودكاكين المزينين والقهاوي وغالب جيران تلك الجهة وسكان السبع قاعات وشمس الدولة يأتون في تلك الحصة ويجلسون على الحوانيت لاجل التسلي والحاصل ان كل من كان حاصلا بتلك البقعة في ذلك الوقت سواء كان عاليا او متسفلا او مارا او واقفا لحاجة او جالسا اصيب البتة وكان ذلك (2/24)
العطار يبيع غالب الاصناف من رصاص وقصدير ونحاس وكحل وكبريت وعنده موازين شبه الجلل فلما اشتعل ذلك البارود صارت تلك الجلل وقطع الرصاص والكحل والمغناطيس تتطاير مثل جلل المدافع حتى أحرقت واجهة الربع المقابل لها وكان خان البهار مقفولا متخربا وبابه كبير مسماري فصدمه بعض الجلل وكسر واشتعل بالنار واتصل بالطباق التي تعلو ذلك الخان ووقعت ضجة عظيمة وكل من كان قريبا وسلم أسرع يطلب الفرار والنجاة وما يدري أي شيء القضية فلما وقعت تلك الضجة وصرخت النساء من كل جهة وانزعجت الناس انزعاجا شديدا وارتجت الارض واتصلت الرجة إلى نواحي الأزهر والمشهد الحسيني ظنوها زلزلة وشرع تجار خان الحمزاوي في نقل بضائعهم من الحواصل فان النار تطايرت اليه من ظاهره وحضرالاغا والوالي فتسلم الاغا جهة الحمزاوي وتسلم الوالي جهة شمس الدولة وتتبعوا النار حتى أخمدوها وختموا على دكاكين الناس التي بذلك لخط وارسلوا ختموا بيت احمد ميلاد الذي خرجت النار من حانوته بعد ان أخرجوا منه النساء ثم أفرجوا عنهم بأمراسمعيل بك وأحضروا في صبحها نحو المائتين فاعل وشرعوا في نبش الأتربة وإخراج القتلى وأخذ ما يجدونه من الاسباب والامتعة وما في داخل الحوانيت من البضائع والنقود وما سقط من الدور من فرش وأوان ومصاغ النساء وغير ذلك شيئا كثيرا حتى الحوانيت التي لم يصبها الهدم فتحوها وأخذوا ما فيها وأصحابها ينظرون ومن طلب شيئا من متاعه يقال له هو عندنا حتى تثبته هذا إذا كان صاحبه ممن يخاطب ويصغى إليه وقيامه قائمة ومن يقرأ ومن يسمع ووقفت اتباعهم بالنبابيت من كل جهة يطرودن الناس ولا يمكنون احدا من أخذ شيء جملة كافية وأما القتلى فإن من كان في السوق او قريبا من تلك الحانوت والنار فإنه احترق ومن كان في العلو من الطباق انهرس ومنهم من احترق بعضه وانهرس باقيه وإذا ظهر وكان عليه شيء أو معه شيء أخذوه وان كانت امرأة (2/25)
جردوها وأخدوا حليها ومصاغها ثم لا يمكنون أقاربهم من أخذهم إلا بدراهم يأخذونها وكأنما فتح لهم باب الغنيمة ولما كشفوا عن أحمد ميلاد وحانوته وجدوه تمزق واحترق وصار قطعا مثل الفحم فجمعوا منه ست قطع وأخذوا شيئا كثيرا من حانوته ودراهم وودائع كانت أسفل الحانوت لم تصبها النار وكتم عليها الردم والتراب وكذلك حانوت رجل زيات انهدم على صاحبه فكشفوا عنه وأخرجوه ميتا وأخذوا من حانوته مبلغ دراهم وكذلك من بيت صباغ الحرير بجوار الحمزاوي انهدمت داره ايضا وأخذوا ما فيها ومن جملتها صندوق ضمنه دراهم لها صورة ونحو ذلك واستمر الحال على ذلك اربعة ايام في حفر ونبش واخراج قتلى وجنائز وبلغت القتلى التي أخرجت نيفا عن مائة نفس وذلك خلاف من بقي تحت الردم منهم امام الزاوية المجاورة لذلك فأنها انخسفت ايضا على الإمام وبقى تحت الردم ولم يجدوا بقية اعضاء احمد ميلاد وفقدوا دماغه فجمعوا اعضاءه ووضعوها في كيس قماش ودفنوه وسدوا على تلك الخطة من الجهتين وتركوها كما هي مدة ايام ونظفت وعمرت بعد ذلك فكانت هذه الحادثة من أعظم الحوادث المزعجة
وفي يوم الخميس حضر الرسل من عند القبليين وحضر أيوب بك الكبير رهينة عن المماليك المحمدية وعثمان بك الطنبرجي عن مراد بك وعبد الرحمن بك عن إبراهيم بك فذهبوا إلى حسن باشا وقابلوه وكذلك قابلوا عابدي باشا ثم اجتمع الأمراء عند حسن باشا وتكلموا في شأن هؤلاء الجماعة وقالوا هؤلاء ليسوا المطلوبين ولم يأت الا أيوب بك الكبير من المطلوبين و 4 لم يأت عثمان بك الأشقر وأيوب بك الصغير فاتفق الرأي على أعادة الجواب فكتبوا جوابات اخرى وأرسلوها صحبة سلحدار حسن باشا
وفي هذا الشهر اخذت القرصان ثلاثة غلايين وفيها اناس من اتباع (2/26)
الدولة وأعيانها ووصل الخبر بوقوع حريق عظيم ببندر جدة وتوفي احمد باشا واليها وعبى علي بك الدفتردار كساوى للأمراء فأرسل إلى اسمعيل بك وحسن بك الجداوي ورضوان بك وباقي الصنادق والامراء حتى لحريمهم وأتباعهم وارسل ايضا لطائفة الفقهاء وفتح السفر لجهة الموسقو وتقليد باكير قبطان باشا قائمقام عن حسن باشا
وفي منتصفه وقعت حادثة بثغر بولاق بين طائفة الفليونجية والفلاحين باعة البطيخ وذلك ان شخصا قليونجيا ساوم على بطيخة وأعطاه دون ثمنها فامتنع وتشاجر معه فوكزه العسكري بسكين فزعق الفلاح على شيعته وزعق الاخر على رفقائه فاجتمع الفريقان ووقع بينهم مقتله كبيرة قتل فيها من الفلاحين نحو ثلاثين انسانا ومن القليونجية نحو أربعة
وفي يوم الأحد ثاني عشرينه قررت تفريدة على بلاد الارياف أعلى وأوسط وادنى الاعلى خمسة وعشرون الف نصف فضة والأوسط سبعة عشر ألف والادنى تسعة آلاف وذلك خلاف ما يتبعها من الكلف وحق الطرق
وفيه رفعوا خفارة البحرين عن بن حبيب وكذلك الموارد والتزم بها رضوان بك على خمسين كيسا يقوم بها في كل سنة لطرف الميري وسبب ذلك منافسة وقعت بينه وبين بن حبيب فأنه لما تولى المنوفية ومر على دجوة أرسل له بن حبيب تقدمة فاستقلها ثم أرسل إليه بعد ارتحاله من الناحية يطلب منه جمالا وأشياء فامتنع بن حبيب فأرسل يطلبه ليقابله فلم يذهب إليه واعتذر ولما رجع نزل اليه ابنه علي بالضيافة فعاتبه علىامتناع أبيه من مقابلته وأضمر له في نفسه وتكلم معه حسن باشا في رفع ذلك عنهم والتزم بالقدر المذكور وطريقة العثمانية الميل إلى الدنيا بأي وجه كان فأخرج فرمانا بذلك
وفي ثاني شوال برزت الامراء المعينون لجمع الفردة وهم سليم بك الاسماعيلي للغربية وشاهين بك الحسيني لأقليم المنصورة علي بك (2/27)
الحسيني لاقليم المنوفية ومحمد بك كشكش للشرقية وعثمان بك الحسيني للجيزة وعثمان كاشف الإسماعيلي للفيوم ويوسف كاشف الاسماعيلي للبهنسا وأحمد كاشف للجيزة
وفي ثامنة حضر سلحدار الباشا وسليمان كاشف قنبور المسافران بالجوابات إلى الأمراء القبليين وذلك انهم أرسلوا بطلب بلاد أخرى زيادة على ما عينوا لهم وقالوا ان هذه البلاد لا تكفينا فأمر لهم حسن باشا بخمسة بلاد اخرى فقال اسمعيل بك اطلبوا منهم حلوانها فقال اسمعيل كاشف قنبور اجعلوا ما أخذ من بيوتهم في نظير الحلوان فقال كذلك
وفي عاشره حضر قاصد من الحجاز بمراسلة من الشريف سرور يخبر فيها بعصيان عرب جرب وغيرهم وقعودهم على الطريق ومنعهم السبيل
ويحتاج أن أمير الحاج يكون في قوة واستعداد وان الحرب قائمة بينهم وبين الشريف وخرج إليهم في نحو خمسة عشر الفا وفي منتصفه كمل عمارة التكية المجاورة لقصر العيني المعروفة بتكية البكتاشية وخبرها ان هذه التكية موقوفة على طائفة من الاعجام المعروفين بالبكتاشية وكانت قد تلاشى أمرها وآلت إلى الخراب وصارت في غاية من القذارة ومات شيخها وتنازع مشيختها رجل أصله من سراجين مراد بك وغلام يدعي أنه من ذرية مشايخها المقبورين فغلب على الغلام ذلك الرجل لانتسابه إلى الامراء وسافر إلى اسكندرية فصادف مجيء حسن باشا واجتمع به وهو بهيئة الدراويش وهم يميلون لذلك النوع وصار من اخصائه لكونه من أهل عقيدته وحضر صحبته إلى مصر وصار له ذكر وشهرة ويقال له الدرويش صالح فشرع في تعمير التكية المذكورة من رشوات مناصب المكوس التي توسط لاربابها مع حسن باشا فعمرها وبنى اسوارها وأسوار الغيطان الموقوفة عليها المحيطة بها وأنشأ بها صهريجا في فسحة القبة ورتب لها تراتيب ومطبخا وأنشأ خارجها مصلى (2/28)