صلة تاريخ الطبري- القرطبي
صلة تاريخ الطبري
القرطبي(1/)
صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبى من سنة 291 - 320 ه منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان ص.
ب 7120(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم ثم دخلت سنة 291 ذكر ما دار في هده السنة من أخبار بنى العباس فيها كتب الوزير القاسم بن عبيد الله إلى محمد بن سليمان الكاتب وكان المكتفى قد ولاه حرب القرمطى صاحب الشامة وصير إليه أمر القواد والجيوش فأمره بمناهضة صاحب الشامة والجد في أمره وجمع القواد والرجال على محاربته فسار إليه محمد بن سليمان بجميع من كان معه وأهل النواحى التى تليه من الاعراب وغيرهم حتى قربوا من حماة وصار بينهم وبينها نحو اثنى عشر ميلا فلقوا أصحاب القرمطى هنالك يوم الثلاثاء لست خلون من المحرم وكان القرمطى قد قدم بعض أصحابه في ثلاثة آلاف فارس وكثير من الرجالة في مقدمته وتخلف هو في جماعة منهم ردءا لهم وجعل السواد وراءه وكان معه مال جمعه فالتقى رجال السلطان بمن تقدم من القرامطة لحربهم والتحم القتال بينهم وصبر الفريقان ثم انهزم أصحاب القرمطى وأسر من رجالهم بشر كثير وقتل منهم عدد عظيم وتفرق الباقون في البوادى وتبعهم أصحاب السلطان ليلة الاربعاء يقتلونهم ويأسرونهم فلما رأى القرمطى ما نزل بأصحابه من الانهزام والتفرق والقتل والاسر حمل أخا له يقال له
أبو الفضل مالا وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي ويستتر بها إلى أن يظهر القرمطى بموضع فيصير إليه أخوه بالمال وركب هو وابن عمه المسمى بالمدثر وصاحبه المعروف بالمطوق وغلام له رومى وأخذ دليلا وسار يريد الكوفة عرضا في البرية حتى انتهى إلى موضع يعرف بالدالية من أعمال طريق الفرات فنفد ما كان معهم من الزاد والعلف فوجه بعض من كان معه ليأخذ لهم ما احتاجوا إليه فدخل الدالية لشراء حاجته فانكر زيه وسئل عن أمره فاستراب وارتاب وأعلم المتولي(1/2)
لمسلحة تلك الناحية بخبره وكان على المعاون رجل يعرف بأبى خليفة بن كشمرد فركب في جماعة وسأل هذا الرجل عن خبره فأعلمه أن صاحب الشامة بالقرب منه في ثلاثة نفر وعرفه بمكانه فمضى صاحب المعاون إليهم وأخذهم ووجه بهم إلى المكتفى وهو بالرقة ورجعت الجيوش من طلب القرامطة بعد أن أفنوا أكثرهم قتلا وأسرا وكتب محمد بن سليمان الكاتب إلى الوزير القاسم بن عبيد الله بمحاربته القرامطة وما فتح الله له عليهم وقتله وأسره لاكثرهم وأنه تقدم في جمع الرؤس وهو باعث منها بعدد عظيم وفى يوم الاثنين لاربع بقين من المحرم أدخل صاحب الشامة إلى الرقة ظاهرا للناس على فالج وعليه برنس حرير ودراعة ديباج وبين يديه المدثر والمطوق على جملين ثم إن المكتفى خلف عساكره مع محمد بن سليمان وشخص هو في خاصته وغلمانه وخدمه وشخص معه القاسم بن عبيد الله الوزير من الرقة إلى بغداد وحمل معه القرمطى والمدثر والمطوق وجماعة ممن أسر في الوقعة وذلك في أول صفر فلما صار إلى بغداد عزم على أن يدخل القرمطى مدينة السلام مصلوبا على دقل والدقل على طهر فيل فأمر بهدم طاقات الابواب التى يجتاز بها الفيل بالدقل ثم استسمج ذلك فعمل له دميانة غلام يا زمان كرسيا وركبه على ظهر الفيل في ارتفاع ذراعين ونصف وأقعد فيه القرمطى صاحب الشامة ودخل
المكتفى مدينة السلام صبيحة يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول وقد قدم بين يديه الاسرى مقيدين على جمال عليهم دراريع الحرير وبرانس الحرير والمطوق وسطهم وهو غلام ما نبتت لحيته بعد قد جعل في فيه خشبة مخروطة وألجم بها في فمه كهيئة اللجام ثم شدت إلى قفاه وذلك أنه لما دخل الرقة كان يشتم الناس إذا دعوا عليه ويبزق في وجوههم فجعل له هذا لئلا يتكلم ولا يشتم ثم أمر المكتفى ببناء دكة في المصلى العتيق بالجانب الشرقي في ارتفاعها عشرة أذرع لقتل القرامطة وكان خلف المكتفى وراءه محمد بن سليمان الكاتب بجملة من قواد القرامطة وقضاتهم ووجوههم فقيد جميعهم ودخلوا بغداد بين يديه يوم الخميس لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول وقد أمر القواد بتلقيه والدخول معه فدخل في أتم ترتيب حتى إذا صار بالثريا(1/3)
نزل بها وخلع عليه وطوق بطوق من ذهب وسور بسوارين من ذهب وخلع على ميع القواد القامين معه وطوقوا وسووا ثم صفوا إلى منازلهم وأمر بالاسرى إلى السجن وذكر عن صاحب الشامة أنه أخذ وهو في حبس المكتفى سكرجة من المادة التى كانت تخل عليه وكغرها وأخذ شظية منها فقطع بها بعض عروقه وخرج منه دم كثير حتى شدت يده وقطع دمه وترك أياما حتى رجعت إليه قوته ولما كان يوم الاخرنين لسبع بقين من ربيع الاول أمر المكتفى القواد والغلمان بحضور الدكة في المصلى العتيق وخرج من الناس خلق كثير وحضر الواثقي وهو يلى الشرطة بمدينة السلام ومحمد بن سليمان كاتب الجيش فقعدوا على الدكة في موضع هيئ لهم وحمل الاسرى الذين جاء بهم المكتفى والذين جاء بهم محمد بن سليمان ومن كان في السجن من القرامطة وقوم من أهل بغداد ذكر أنهم على مذاهبهم وقوم من سائر البلدان من غير القرامطة حبسوا لجنايات مختلفة فأحضر جميعهم الدكة ووكل بكل رجل منهم عونان وقيل إنهم كانوا في نحو ثلثمائة وستين
ثم أحضر صاحب الشامة والمدثر والمطوق وأقعدوا في الدكة وقدم أربعة وثلاثون رجلا من القرامطة فقطعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم واحدا بعد واحد وكانت ترمى رؤسهم وجثثهم وأيديهم وأرجلهم كل ما قطع منها إلى أسفل الدكة فلما فرغ من قتل هؤلاء قدم المدثر فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه ثم المطوق ثم قدم صاحب الشامة فقطعت يداه ورجلاه وأضرمت نار عظيمة وأدخل فيها خشب صليب وكانت توضع الخشبة الموقدة في خواصره وبطنه وهو يفتح عينيه ويغمضهما حتى خشى عليه أن يموت فضربت عنقه ورفع رأسه في خشبة وكبر من كان على الدكة وكبر سائر الناس في أسفلها ثم ضربت أعناق باقى الاسرى وانصرف القواد ومن حضر ذلك الموضع وقت العشاء فلما كان بالغد حملت الرؤس إلى الجسر وصلب بدن القرمطى في الجسر الاعلى ببغداد وحفرت لابدان القتلى آبار إلى جانب الدكة فطرحوا فيها ثم أمر بعد ذلك بأيام بهدم الدكة ففعل ذلك واستأمن على يدى القاسم بن سيما رجل من القرامطة يسمى إسماعيل(1/4)
ابن النعمان ويكنى أبا محمد لم يكن بقى منهم بنواحي الشأم غيره وغير من انضوى إليه وكان هذا الرجل من موالى بنى العليص فرغب في الدخول في الطاعة خوفا على نفسه فأومن هو ومن معه وهم نيف وستون رجلا ووصلوا إلى بغداد وأجريت لهم الارزاق وأحسن إليهم ثم صرفوا مع القاسم بن سيما إلى عمله وأقاموا معه مدة فهموا بالغدر به فوضع السيف فيهم وأباد جميعهم * وفى آخر جمادى الاولى من هذه السنة ورد كتاب من ناحية جبى بان سيلا أتاها من الجبل غرق فيه نحو من ثلاثين فرسخا وذهب فيه خلق كثير وخربت به المنازل والقرى وهلكت المواشى والغلات وأخرج من الغرقى ألف ومائتان سوى من لم يوجد منهم.
وفى يوم الاحد غرة رجب خلع المكتفى على محمد بن سليمان كاتب الجيش وعلى وجوه القواد
وأمرهم بالسمع والطاعة لمحمد بن سليمان وبرز محمد إلى مضربه بباب الشماسية وعسكر هنالك ثم خرج بالجيوش إلى جانب دمشق لقبض الاعمال من هارون ابن خمارويه إذ تبين ضعفه وذهب رجاله في حرب القرامطة ورحل محمد بن سليمان في زهاء عشرة آلاف وذلك لست خلون من رجب وأمر بالجد في المسير * ولثلاث بقين من رجب قرئ على الناس كتاب لاسماعيل بن أحمد بأن الترك قصدوا المسلمين في جيش عظيم وأن في عسكرهم سبعمائة قبة تركية لرؤساء منهم خاصة فنودى في الناس بالنفير وخرج مع صاحب العسكر خلق كثير فوافى الترك غارين فكبسوهم ليلا وقتل منهم خلق كثير وانهزم الباقون واستبيح عسكرهم وانصرف المسلمون سالمين غانمين وورد أيضا الخبر من الثغور بأن صاحب الروم وجه إليها عسكرافيه عشرة صلبان ومائة ألف رجل فأغاروا وكبسوا وأحرقوا ثم ورد كتاب أبى معد بأن الاحبار اتصلت من طرسوس بأن غلام زرافة خرج إلى مدينة أنطاكية على ساحل البحر فافتتحها عنوة وقتل بها خمسة آلاف رجل من الروم وأسر نحو هذه العدة منهم واستنقذ من أسارى المسلمين أربعة آلاف إنسان ووجد للروم ستين مركبا فغرقها وأخذ ما كان فيها من الذهب والفضة والمتاع والآنية وأن كل رجل حضر هذه الغزاة أصاب في فيئه ألف دينار(1/5)
فاستبشر المسلمون بذلك (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك ابن عبد الله بن العباس بن محمد ثم دخلت سنة 292 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس ففيها وجه صاحب البصرة إلى السلطان رجلا ذكر أنه أراد الخروج عليه وصار إلى واسط مخالفا بها فأقصد إليه من يقبض عليه وعلى قوم ذكروا أنهم
بايعوه ووجه بهم إلى بغداد فحمل هذا الرجل على فالج وبين يديه ابن له صبى على جمل ومعه سبعة وثلاثون رجلا على جمال عليهم برانس الحرير وأكثرهم يستغيث ويبكى ويحلف أنه برئ فأمر المكتفى بحبسهم (وفى هذه السنة) أغارت الروم على مرعش ونواحيها فنفر أهل المصيصة وطرسوس وأصيبت جماعة من المسلمين فيهم أبو الرجال بن أبى بكار (وفيها) انتهى محمد بن سليمان الكاتب إلى أحواز مصر لحرب هارون ووجه إليه المكتفى في البحر دميانة وأمره بدخول النيل وقطع المواد عمن بمصر من الجند فمضى وقطع عن أهل مصر الميرة وزحف إليهم محمد ابن سليمان على الظهر حتى دنا من الفسطاط وكاتب القواد الذين بها فخرج إليه بدر الحمامى وكان رئيس القوم ثم تتابع قواد مصر بالخروج إليه والاستئمان له فلما رأى ذلك هارون ومن بقى معه خرجوا محاربين لمحمد بن سليمان وكانت بينهم وقعات ثم إنها وقعت بين أصحاب هارون في بعض الايام عصبية اقتتلوا فيها فخرج إليهم هارون ليسكنهم فرماه بعض المغاربة بسهم فقتله وبلغ محمد بن سليمان الخبر فدخل هو ومن معه الفسطاط واحتووا على دور آل طولون وأموالهم وتقبض على جميعهم وهم بضعة عشر رجلا فقيدهم وحبسهم واستصفى أموالهم وكتب بالفتح إلى المكتفى وكانت هذه الوقيعة في صفر وكتب إلى محمد بن سليمان في إشخاص آل طولون إلى بغداد وألا يبقى منهم أحدا بمصر ولا الشأم ففعل ذلك (ولثلاث) خلون من ربيع الاول سقط الحائط من الجسر الاول على جثة(1/6)
القرمطى وهو مصلوب فطحنه ولم يبق منه شئ.
وفى شهر رمضان ورد الخبر على السلطان بأن قائدا من القواد المصريين يعرف بالخليجى ويسمى بابراهيم تخلف عن محمد بن سليمان في آخر حدود مصر مع جماعة استمالهم من الجند وغيرهم ومضى إلى مصر مخالفا للسلطان وكان معه في طريقه جماعة أحبوا الفتنة حتى كثر جمعه فلما صار
إلى مصر أراد عيسى النوشرى محاربته فعجز عن ذلك لكثرة من كان مع ابن الخليجى فانحاز عنه إلى الاسكندرية وأخلى مصر فدخلها الخليجى (وفيها) ندب السلطان لمحاربة الخليجى واصلاح أمر المغرب فاتكا مولى المعتضد وضم إليه بدرا الحمامى وجعله مشيرا عليه فيما يعمل به وندب معه جماعة من القواد وجندا كثيرا وخلع على فاتك وعلى بدر الحمامى لسبع خلون من شوال وأمرا بسرعة الخروج وتعجيل السير فخرجا لاثنتى عشرة ليلة خلت من شوال (وللنصف) من شوال دخل رستم مدينة طرسوس واليا عليها وعلى الثغور الشأمية (وفيها) كان الفداء بين المسلمين والروم لست بقين من ذى القعدة ففودى من المسلمين ألف ومائتا نفس ثم غدر الروم وانصرفوا ورجع المسلمون بمن في أيديهم من أسارى الروم (وحج) بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس بن محمد ثم دخلت سنة 293 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس ففيها ورد الخبر بأن الخليجى المتغلب على مصر واقع أحمد بن كيغلغ وجماعة من القواد بالقرب من العريش فهزمهم الخليجى أقبح هزيمة فندب السلطان للخروج إليه جماعة من القواد المقيمين بمدينة السلام فيهم ابراهيم بن كيغلغ وغيره وفى شهر ربيع الاول من هذه السنة ورد الخبر بأن أخا للحسين بن زكرويه ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر من أصحابه ثم اجتمع إليه جماعة من الاعراب والمتلصصة فسار بهم نحو دمشق في جمادى الاولى وحارب أهلها فندب السلطان(1/7)
للخروج إليه الحسين بن حمدان بن حمدون في جمع كثير من الجند ثم ورد الخبر بأن هذا القرمطى سار إلى طبرية فامتنع أهلها من ادخاله فحاربهم حتى دخلها
فقتل عامة من بها من الرجال والنساء ونهبها وانصرف إلى ناحية البادية وذكر من حضر مجلس محمد بن داود بن الجراح وقد أدخل إليه قوم من القرامطة بعد قتل الحسين بن زكرويه المصلوب بجسر بغداد فقال الرجل كان زكرويه أبو حسين المقتول مختفيا عندي في منزلي وقد أعد له سرداب تحت الارض عليه باب حديد وكان لنا تنور فإذا جاءنا الطلب وضعنا التنور على باب السرداب وقامت امرأة تسخنه فمكث زكرويه كذلك أربع سنين في أيام المعتضد ثم انتقل من منزلي إلى دار قد جعل فيها بيت وراء باب الدار فإذا فتح الباب انطبق على باب البيت فيدخل الداخل فلا يرى باب البيت الذى هو فيه فلم تزل هذه حاله حتى مات المعتضد فحينئذ أنفذ الدعاة واستهوى طوائف من أهل البادية وصار أهل قرية صوار يتفلونه على أيديهم ويسجدون له واعترف لزكرويه جميع من رسخ حب الكفر في قلبه من عربي ومولى ونبطى وغيرهم بأنه رئيسهم وكهفهم وملاذهم وسموه السيد والمولى وساروا به وهو محجوب عن أهل عسكره والقاسم يتولى الامور دونه يمضيها على رأيه.
وذكر محمد بن داود أن زكرويه ابن مهرويه هذا أقام رجلا كان يعلم الصبيان بقرية تدعى زابوقة من عمل الفلوجة يسمى عبد الله بن سعيد ويكنى أبا غانم فتسمى بنصر ليعمى أمره ويخفى خبره فاستهوى طوائف من الاصبغيين والعلصيين وصعاليك من بطون كلب وقصدهم ناحية الشأم وكان عامل السلطان على دمشق والاردن أحمد بن كيغلغ وكان مقيما بمصر على حرب الخليجى فاغتنم ذلك عبد الله بن سعيد المتسمى بنصر وسار إلى مدينة بصرى فحارب أهلها ثم آمنهم فلما استسلموا له قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم واستاق أموالهم ثم نهض إلى دمشق فخرج إليه من كان بقى بها مع صالح بن الفضل خليفة أحمد بن كيغلغ فقتل صالحا وفض عسكره ولم يطمع في مدينة دمشق إذ دافعهم أهلها عنها ثم قصد القرمطى ومن معه مدينة طبرية(1/8)
فقتلوا طائفة من أهلها وسبوا النساء والذرية بها فحينئذ أنفذ السلطان لمحاربتهم الحسين بن حمدان في جماعة من القواد والرجال فوردوا دمشق وقد دخل القرامطة طبرية فلما اتصل بهم خروج القراد إليهم عطفوا نحو السماوة تبعهم الحسين بن حمدان وهم ينتقلون من ماء إلى ماء ويعورون ما وراءهم من المياه فانقطع الحسين عن اتباعهم لما عدم الماء وعاد إلى الرحبة وقصدت القرامطة إلى هيت فصبحوهها ولم يصلوا إلى المدينة لحصانة سورها لسبع بقين من شعبان مع طلوع الشمس فنهبوا ربضها وقتلوا من قدروا عليه من أهلها وأحرقت المنازل وأنهبت السفن التى في الفرات وقتل من أهل البلد نحو مائتي نفس وأوقروا ثلاثة آلاف بعير بالامتعة والحنطة ثم رحلوا إلى البادية ثم شخص بأثرهم محمد ابن كنداج إليهم فلما كان بقربة منهم هربوا منه وعوروا المياه بينهم وبينه فأنفذت إليه الابل والروايا والزاد وكتب إلى الحسين بن حمدان بالنفوذ إليهم من جهة الرحبة والاجتماع مع محمد بن كنداج على الايقاع بهم فلما أحس الكلبيون الذين كانوا مع عبد الله بن سعيد القرمطى المتسمى بنصر وثبوا عليه وقتلوه وتقربوا برأسه إلى محمد بن كنداج واقتتلت القرامطة حتى وقعت بينهما الدماء ثم أنفذ زكرويه داعية له يسمى القاسم بن أحمد إلى أكرة سواد فاستهواهم ووعدهم بأن ظهوره قد حضر وانه قد بايع له بالكوفة نحو أربعين ألف رجل وفى سوادها أربعمائة ألف رجل وأن يوم موعدهم الذى ذكره الله يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى وأمرهم بالمسير إلى الكوفة ليفتتحوها في غداة يوم النحر وهو يوم الخميس فإنهم لا يمنعون منها فتوجه القاسم بن أحمد بأهل السواد ومن يجتمع إليه من الصعاليك حتى وافوا باب الكوفة في ثمانمائة فارس عليهم الدروع والجواشن والآلة الحسنة ومعهم جماعة من الرجالة على الرواحل وقد
انصرف الناس عن مصلاهم فأوقعوا بمن لحقوه من العوام وقتلوا منهم زهاء عشرين نفسا وخرج إليهم إسحاق بن عمران عامل الكوفة ومن كان معه من الجند فصافوا القرامطة الحرب إلى وقت العصر وكان شعار القرامطة يا أحمد(1/9)
يا محمد وهم يدعون يا لثارات الحسين يعنون المصلوب بجسر بغداد وأظهروا الاعلام البيض وضربوا على القاسم بن أحمد قبة وقالوا هذا ابن رسول الله فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت القرامطة نحو القاسية وأصلح أهل الكوفة سورهم وخندقهم وحرسوا مدينتهم وكتب اسحاق بن عمران إلى السلطان يستمده فندب إليه جماعة فيهم طاهر بن على بن وزير ووصيف بن صوارتكين والفضل بن موسى ابن بغا وبشر الخادم وجنى الصفوانى ورائق الخزرى وضم إليهم جماعة من غلمان الحجر وأمر القاسم بن سيما ومن ضم إليه من رؤساء البوادى بديار ربيعة وطريق الفرات وغيرهم بالنهوض إلى القرامطة إذ كان أصحاب السلطان متفرقين في نواحى الشأم ومصر فنفذت الكتب بذلك إليهم * وفى يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت من رجب قرئ على المنبر ببغداد كتاب بأن أهل صنعاء وسائر أهل اليمن اجتمعوا على الخارجي وحاربوه وفلوا جموعه فانحاز إلى بعض النواحى باليمن فخلع السلطان على مظفر بن حاج وعقد له على اليمن وخرج إليها لخمس خلون من ذى القعدة فاقام بها حتى مات (ولتسع) بقين من رجب أخرجت مضارب المكتفى إلى باب الشماسية فضربت هنالك ليخرج إلى الشأم ويحاصر ابن الخليجى فورد كتاب من قبل فاتك القائد وأصحابه يذكرون محاربتهم له وظفرهم به وأنهم موجهون له إلى مدينة السلام فردت مضارب المكتفى وصرفت خزائنه وقد كانت جاوزت تكريت ثم أدخل مدينة السلام للنصف من شهر رمضان ابن الخليجى واحد وعشرون رجلا معه على جمال وعليهم برانس ودراريع حرير
فحبسوا ثم خلع المكتفى على وزيره العباس بن الحسن خلعا لحسن تدبيره في أمر هذا الفتح * ثم لخمس خلون من شوال أدخل بغداد رأس القرمطى المتسمى بنصر الذى انتهب مدينة هيت منصوبا في قناة (ولسبع) خلون من شوال ورد الخبر مدينة السلام بأن الروم أغاروا على قورس وقتلوا مقاتلتهم ودخلوا المدينة وأخربوا مسجدها وسبوا من بقى فيها وقتلوا رؤساء بنى تميم المنضوين إليها (وحج) بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي(1/10)
ثم دخلت سنة 294 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس ففيها دخل ابن كيغلغ طرسوس غازيا في أول المحرم وخرج معه رستم وهى غزاة رستم الثانية فبلغوا حصن سلندوا وافتتحوه وقتلوا من الروم مقتلة عظيمة وأسروا وسبوا نحوا من خمسة آلاف رأس وانصرفوا سالمين (ولاحدى) عشرة ليلة خلت من المحرم ورد الخبر بأن زكرويه القرمطى ارتحل من نهر المثنية يريد الحاج وأنه وافى موضعا بينه وبين بعض مراحلهم أربعة أميال وذكر محمد بن داود أنهم مضوا في جهة المشرق حتى صاروا بماء سليم وصار ما بينهم وبين السواد مفازة فأقام بموضعه ينتظر قافلة الحاج حتى وافته لسبع خلون من المحرم فأنذرهم أهل المنزل بارتصاد القرامطة لهم وأن بينهم وبين موضعهم أربعة أميال فارتحلوا ولم يقيموا وكان في هذه القافلة ابن موسى وسيما الابراهيمي فلما أمعنت القافلة في السير صار القرمطى إلى الموضع الذى انتقلت عنه القافلة وسأل أهل القيروان عنها فأخبروه أنها تنقلت ولم تقم فاتهمهم بإنذار القافلة وقتل من العلافين بها جماعة وأحرق العلف ثم ارتصد أيضا زكرويه قافلة خراسان فأوقع بأهلها وجعل أصحابه ينخسون الجمال بالرماح ويبعجبونها بالسيوف فنفرت
وأختلطت القافلة وأكب أصحاب زكرويه على الحاج فقتلوهم كيف شاء واوسبوا النساء واحتووا على ما في القافلة ثم وافى عليهم أهل القافلة الثانية وفيها المبارك القمى وأحمد بن نصر العقيلى وأحمد بن على بن الحسين الهمذانى وقد كان رحل القرامطة عن محلتهم وعوروا مياهها وملاوا بركها بحيف الابل والدواب التى كانت معهم وانتقلوا إلى منزل العقبة فوافاهم بها أهل القافلة الثانية ودارت بينهم حرب شديدة حتى أشرف أهل القافلة على الظفر بالقرامطة وكشفوهم ثم إن الفجرة تمكنوا في ساقتهم من غرة فركبوها ووضعوا رماحهم في جنوب إبلهم وبطونها فطرحتهم الابل وتمكنوا منهم فقتلوهم عن آخرهم إلا من استفدوه وسبوا النساء واكتسحوا ؟ ؟ الاموال والامتعة وقتل المبارك القمى والمظفر ابنه وقتل(1/11)
أبو العشائر ثم قطعت يداه ورجلاه ثم ضربت عنقه وأفلت من الجرحى قوم وقعوا بين القتلى فتحاملوا في الليل ومضوا فمنهم من مات في الطريق ومنهم من نجاوهم قليل وكان نساء القرامطة وصبيانهم يطوفون بين القتلى ويعرضون عليهم الماء فمن كان فيه رمق أو طلب الماء أجهزوا عليه وقيل إنه كان في القافلة من الحاج نحو عشرين ألف رجل فقتل جميعهم غير نفر يسير وذكر أن الذى أخذوا من المال والامتعة في هذه القافلة قيمة ألفى ألف دينار وورد الخبر على السلطان بمدينة السلام عشية يوم الجمعة لاربع عشرة ليلة بقيت من المحرم بما كان من فعل القرامطة بالحاج فعظم ذلك عليه وعلى الناس وندب السلطان محمد بن داود ابن الجراح الوزير للخروج إلى الكوفة والمقام بها وانفاذ الجيوش إلى القرمطى فخرج من بغداد لاحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم وحمل معه أموالا كثيرة لاعطاء الجند ثم صار زكويه إلى زبالة فهو لها وبث الطلائع أمامه ووراءه خوفا من أصحاب السلطان وارتصادا لورود القافلة
الاخرى التى كانت فيها الاثقال وأموال التجار وجوهر نفيس للسلطان وبها من القواد نفيس المولدى وصالح الاسود ومعه الشمسة والخزانة وكان المعتضد قد جعل في الشمسة جوهرا نفيسا ومعهم أيضا إبراهيم بن أبى الاشعث قاضى مكة والمدينة وميمون بن إبراهيم الكاتب والفرات بن أحمد بن الفرات والحسن بن اسماعيل وعلى بن العباس النهيكى فلما صارت هذه القافلة بفيد بلغهم خبر القرامطة فأقاموا أياما ينتظرون القوة من قبل السلطان وأقبل القرامطة إلى موضع يعرف بالخليج فلقوا القافلة وحاربوا أهلها ثلاثة أيام ثم عطش أهل القافلة وكانوا على غير ماء فلم يتمكنوا منها فاستسلموا فوضع القرامطة فيهم السيف ولم يفلت منهم إلا اليسير وأخذ القرامطة جميع ما في القافلة وسبوا النساء واكتسحوا الاموال ثم توجه زكرويه بمن معه إلى فيدوبها عامل السلطان فتحصن منه وجعل زكرويه يراسل أهل فيد بأن يسلموا إليه عاملهم فلم يجيبوه إلى ذلك ثم تنقل إلى النباج ثم إلى حفير أبى موسى الاشعري وفى أول شهر ربيع الاول أنهض المكتفى(1/12)
وصيف بن سوارتكين ومعه جماعة من القواد إلى القرامطة فنفذوا من القادسية على طريق خفان والتقى وصيف بالقرامطة يوم السبت لثمان بقين من ربيع الاول فاقتتلوا يومهم ذلك حتى حجز بينهم المساء ثم عاودهم الحرب في اليوم الثاني فظفر جيش السلطان بالقرامطة وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وخلصوا إلى زكرويه فضربه بعض الجند ضربة بالسيف اتصلت بدماغه وأخذ أسيرا وأخذ معه ابنه وزوجته وكتبه وجماعة من خاصته وقربته واحتوى الجند على جميع ما في عسكره وعاش زكرويه خمسة أيام ثم مات فشق بطنه وحمل كذلك وانطلق من كان بقى في يديه من أسرى الحاج (وفيها) غزا ابن كيغلغ من طرسوس فأصاب من العدو أربعة آلاف رأس سبى وواب ومواشي كثيرة ومتاعا
واسلم على يده بطريق من البطارقة (وفيها) كتب اندرونقس البطريق وكان على حرب أهل الثغور من قبل صاحب الروم إلى السلطان يطلب الامان فأجيب إلى ذلك وخرج بنحو مائتي نفس من المسلمين كانوا عنده أسرى وأخرج ماله ومتاعه إلى طرسوس وفى جمادى الآخرة ظفر الحسين بن حمدان بجماعة من أصحاب زكرويه كانوا هربوا من الوقعة فقتل أكثرهم وأسر نساءهم وصبيانهم (وفيها) وافى رسل ملك الروم باب الشماسية بكتاب إلى المكتفى يسأله الفداء بمن معهم من المسلمين لمن في أيدى الاسلام من الروم فدخلوا بغداد ومعهم هدية كبيرة وعشرة من أسارى المسلمين (وفيها) أخذ قوم من أصحاب زكرويه أيضا ووجهوا إلى باب السلطان (وفيها) كانت وقعة بين الحسين بن حمدان وأعراب كلب والنمر وأسد وغيرهم كانوا خرجوا عليه فهزموه حتى بلغوا به باب حلب (وفيها) هزم وصيف بن سوارتكين الاعراب بفيد ثم رحل سالما بمن معه من الحاج (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك ثم دخلت سنة 295 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فمن ذلك ما كان من خروج عبد الله بن ابراهيم المسمعى عن مدينة أصبهان إلى(1/13)
قرية من قراها على فراسخ منها وانضمام نحو من عشرة آلاف كردى إليه مظهرا للخلاف على السلطان فأمر المكتفى بدرا الحمامى بالشخوص إليه وضم إليه جماعة من القواد في نحو من خمسة آلاف من الجند (وفيها) كانت وقعة للحر بن موسى على اعراب طيئ فواقعهم على غرة منهم فقتل من رجالهم سبعين وأسر من فرسانهم جماعة (وفيها) توفى اسماعيل بن أحمد في صفر لاربع عشرة ليلة خلت منه وقام ابنه أحمد بن اسماعيل في عمل أبيه مقامه وذكر أن المكتفى قعد
له وعقد بيده لواءه ودفعه إلى طاهر بن على وخلع عليه وأمره بالخروج إليه باللواء (وفيها) وجه منصور بن عبد الله بن منصور الكاتب إلى عبد الله بن ابراهيم المسمعى وكتب إليه يخوفه عاقبة الخلاف فتوجه إليه فما صار إليه ناظره فرجع إلى طاعة السلطان وشخص في نفر من غلمانه واستخلف باصبهان خليفة له ومعه منصور بن عبد الله حتى صار إلى باب السلطان فرضى عنه المكتفى ووصله وخلع عليه وعلى ابنه (وفيها) أوقع الحر بن موسى بالكردي المتغلب على تلك الناحية فتعلق بالجبال فلم يدرك (وفيها) فتح المظفر بن حاج ما كان تغلب عليه بعض الخوارج باليمن وأخذ رئيسا من رؤسائهم يعرف بالحكيمى (وفيها) لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة أمر خاقان المفلحى بالخروج إلى آذربيجان لحرب يوسف بن أبى الساج وضم إليه نحو أربعة آلاف رجل من الجند (ولثلاث عشرة) ليلة بقيت من شهر رمضان دخل بغداد رسول أبى مضر بن الاغلب ومعه فتح الانجحى وهدايا وجه بها معه إلى المكتفى (وفيها) كان الفداء بين المسلمين والروم في ذى القعدة ففدى ممن كان عندهم من الرجال ثلاثة آلاف نفس ذكر علة المكتفى بالله وما كان من أمره إلى وقت وفاته وكان المكتفى على بن أحمد يشكو علة في جوفه وفسادا في أحشائه فاشتدت العلة به في شعبان من هذا العام وأخذه ذرب شديدا فرط عليه وأزال عقله حتى أخذ صافى الحرمى خاتمه من يده وأنفذه إلى وزيره العباس بن الحسن وهو لا يعقل شيئا من ذلك وكان العباس يكره أن يلى الامر عبد الله بن المعتز ويخافه خوفا شديدا فعمل في تصيير الخلافة إلى(1/14)
أبى عبد الله محمد بن المعتمد على الله فأحضره داره ؟ ؟ ليلا وأحضر القاضى محمد بن يوسف وحده وكلمه بحضرته وقال له مالى عندك إن سقت هذا الامر إليك فقال له محمد ابن المعتمد لك عندي ما تستحقه من الجزاء والايثار وقرب المنزلة فقال له العباس
أريد أن تحلف لى أن لا تخليني من إحدى حالتين إما أن تريد خدمتي فأنصح لك وأبلغ جهدي في طاعتك وجمع المال لك كما فعلته بغيرك وإما أن تؤثر غيرى فتوقرنى وتحفظني ولا تبسط على يدا في نفسي ومالى ولا على أحد بسببي فقال له محمد بن المعتمد وكان حسن العقل جميل المذهب لو لم تسق هذا إلى ما كان لى معدل عنك في كفايتك وحسن أثرك فكيف إذا كنت السبب له والسبيل إليه فقال له العباس أريد أن تحلف لى على ذلك فقال إن لم أوف لك بغير يمين لم أوف لك بيمين فقال القاضى محمد بن يوسف العباس ارض منه بهذا فإنه أصلح من اليمين قال العباس قد قنعت ورضيت ثم قال له العباس مد يدك حتى أبايعك فقال له محمد وما فعل المكتفى قال هو في آخر أمره وأظنه قد تلف فقال محمد ما كان الله ليراني أمد يدى لبيعة وروح المكتفى في جسده ولكن إن مات فعلت ذلك فقال محمد بن يوسف الصواب ما قال وانصرفوا على هذه الحال ثم إن المكتفى أفاق وعقل أمره فقال له صافى الحرمى لو رأى أمير المؤمنين أن يوجه إلى عبد الله بن المعتز ومحمد بن المعتمد فيوكل بهما في داره ويحبسهما ما فيها فإن الناس ذكروهما لهذا الامر وأرجفوا بهما فقال له المكتفى هل بلغك أن أحدهما أحدث بيعة علينا فقال له صافى لا قال له فما أرى لهما في إرجاف الناس ذنبا فلا تعرض لهما ووقع الكلام بنفسه وخاف أن يزول الامر عن ولد أبيه فكان إذا عرض له بشئ من هذا الامر استجر فيه الحديث وتابع المعنى واهتبل به جدا وعرض لمحمد بن المعتمد في شهر رمضان فالج في مجلس العباس بن الحسن الوزير من غيظ أصابه في مناظرة كانت بينه وبين ابن عمر عمرويه صاحب الشرطة فأمر العباس أن يحمل في قبة من قبابه على أفره بغاله فحمل إلى منزله في تلك الصورة وانصرفت نفسه إلى تأميل غيره ثم اشتدت العلة بالمكتفى في أول ذى القعدة فسأل عن أخيه(1/15)
أبى الفضل جعفر فصح عنده أنه بالغ فأحضر القضاة وأشهدهم بأنه قد جعل العهد إليه من بعده ذكر وفاة المكتفى ومات المكتفى بالله على بن أحمد ليلة الاحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذى القعدة سنة 295 ودفن يوم الاثنين في دار محمد بن عبد الله بن طاهر وكانت خلافته ست سنين وتسعة عشر يوما وكان يوم توفى ابن اثنتين وثلاثين سنة وكان ولد سنة 264 وكنيته أبو محمد وأمه أم ولد تركية وكان جميلا رقيق اللون حسن الشعر وافر اللحية وولد أبا القاسم عبد الله المستكفى ومحمد أبا أحمد والعباس وعبد الملك وعيسى وعبد الصمد والفضل وجعفرا وموسى وأم محمد وأم الفضل وأم سلمة وأم العباس وأمة العزيز وأسماء وسارة وأمة الواحد قال وكان جعفر بن المعتضد بدار ابن طاهر التى هي مستقر أولاد الخلفاء فتوجه فيه صافى الحرمى لساعتين بقيتا من ليلة الاحد وأحضره القصر وقد كان العباس بن الحسن فارق صافيا عن أن يجئ بالمقتدر إلى داره التى كان يسكنها على دجلة لينحدر به معه إلى القصر فعرج به صافى عن دار العباس إذ خاف حيلة تستعمل عليه وعد ذلك من حزم صافى وعقله ذكر خلافة المقتدر وفيها بويع جعفر بن أحمد المقتدر يوم الاحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذى القعدة سنة 295 وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وأحد وعشرين يوما وكان مولده يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان من سنة 282 وكنيته أبو الفضل وأمه أم ولد يقال لها شغب وكانت البيعة للمقتدر في القصر المعروف بالحسنى فلما دخله ورأى السرير منصوبا أمر بحصير صلاة فبسط له وصلى اربع ركعات وما زال يرفع صوته بالاستخارة ثم جلس على السرير وبايعه الناس ودارت البيعة
على يدى صافى الحرمى وفاتك المعتضدى وحضر العباس بن الحسن الوزير وابنه أحمد حتى تمت البيعة ثم غسل المكتفى ودفن في موضع من دار محمد بن عبد الله بن(1/16)
طاهر وذكر الطبري أنه كان في بيت المال يوم بويع المقتدر خمسة عشر ألف ألف دينار وذكر ذلك الصولى وحكى أنه كان في بيت مال العامة ستمائة ألف دينار وخلع المقتدر يوم الاثنين الثاني من بيعته على الوزير أبى أحمد العباس بن الحسن خلعا مشهورة الحسن وقلده كتابته وأمر بتكنيته وأن تجرى الامور مجراها على يده وقلد ابنه أحمد بن العباس العرض عليه وكتابة السيدة أمه وكتابة هارون ومحمد أخويه وكتب العباس إلى الكور والاطراف بالبيعة كتابا على نسخة واحدة وأعطى الجند مال البيعة للفرسان ثلاثة أشهر وللرجالة ستة أشهر وأمر أصحاب الدواوين على ما كانوا عليه وخلع المقتدر على سوسن مولى المكتفى الذى كان حاجبه وأقره على حجابته وخلع على فاتك المعتضدى ومونس الخازن ويمن غلام المكتفى وابن عمرويه صاحب الشرطة ببغداد وعلى أحمد بن كيغلغ وكان قد قدم يوم مبايعة المقتدر بقوم حاولوا فتق سجن دمشق وإقامة فتنة بها فحملوا على جمال وطوفوا وخلع على كثير من الخدم فمن كان إليه منهم عمل جعلت الخلعة عليه لاقراره وعلى عمله ومن لم يكن إليه عمل كانت الخلعة تشريفا له ورد المقتدر رسوم الخلافة إلى ما كانت عليه من التوسع في الطعام والشراب وإجراء الوظائف وفرق في بنى هاشم خمسة عشر ألف دينار وزادهم في الارزاق وأعاد الرسوم في تفريق الاضاحي على القواد والعمال وأصحاب الدواوين والقضاة والجلساء ففرق عليهم يوم التروية ويوم عرفة من البقر والغنم ثلاثون ألف رأس ومن الابل ألف رأس وأمر بإطلاق من كان في السجون ممن لاخصم له ولاحق لله عز وجل عليه بعد أن امتحن محمد بن يوسف القاضى
أمورهم ورفع إليه أن الحوانيت والمستغلات التى بناها المكتفى في رحبة باب الطاق أضرت بالضعفاء إذ كانوا يقعدون فيها لتجاراتهم بلا أجرة لانها أفنية واسعة فسأل عن غلتها فقيل له تغل ألف دينار في كل شهر فقال وما مقدار هذا في صلاح المسلمين واستجلاب حسن دعائهم فأمر بهدمها وإعادتها إلى ما كانت عليه ولم يل الخلافة من بنى العباس أصغر سنا من المقتدر فاستقل(1/17)
بالامور ونهض بها واستصلح إلى الخاصة والعامة وتحبب إليها ولولا التحكم عليه في كثير من الامور لكان الناس معه في عيش رغد ولكن أمه وغيرها من حاشيته كانوا يفسدون كثيرا من أمره (وفى هذه السنة) كانت وقعة عج بن حاج مع الجند بمنى في اليوم الثاني من أيام منى وقتل بينهم جماعة وهرب الناس الذين كانوا بمنى إلى بستان ابن عامر وانتهب الجند مضرب أبى عدنان وأصاب المنصرفين من الحاج في منصرفهم ببعض الطريق عطش حتى مات منهم جماعة قال الطبري سمعت بعض من يحكى أن الرجل كان يبول في كفه ثم يشربه (وحج) بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك ثم دخلت سنة 296 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فمن ذلك ما كان من اجتماع جماعة من القواد والكتاب والقضاة على خلع جعفر المقتدر وكانوا قد تناظروا وتآمروا عند موت المكتفى على من يقدمونه للخلافة وأجمع رأيهم على عبد الله بن المعتز فأحضروه وناظروه في تقلدها فأجابهم إلى تولى الامر على أن لا يكون في ذلك سفك دماء ولا حرب فأخبروه أن الامر يسلم إليه عفوا وأن من وراءهم من الجند والقواد والكتاب قد رضوا به فبايعهم على ذلك سرا وكان الرأس في هذا الامر العباس بن الحسن الوزير ومحمد بن داود
ابن الجراح وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضى وغيرهم فخالفهم على ذلك العباس ونقض ما كان عقده معهم في أمر ابن المعتز وأحب أن يختبر أمر المقتدر وإن كان فيه محمل للقيام بالخلافة مع حداثة سنه وكيف يكون حاله معه وعلم أن تحكمه عليه سيكون فوق تحكمه على غيره فصدهم عن ابن المعتز وأنفذ عقد البيعة للمقتدر على ما تقدم ذكره ثم إن المقتدر أجرى الامور مجراها في حياة المكتفى وقلد العباس جميعها وزاده في المنزلة والحظوة وصير إليه الامر والنهى فتغير العباس على القواد واستخف بهم واشتد كبره على الناس واحتجابه عنهم واستخفافه بكل صنف منهم وكان قبل ذلك صافى(1/18)
النية لعامة القواد والخدم منصفا لهم في إذنه لهم ولقائه ثم تجبر عليهم وكانوا يمشون بين يديه فلا يأمرهم بالركوب وترك الوقوف على المتظلمين والسماع منهم فاستثقله الخاصة والعامة وكثر الطعن عليه والانكار لفعله والهجاء له فقال بعض شعراء بغداد فيه يا أبا أحمد لا تح * سن بأيامك ظنا واحذر الدهر فكم أه * لك أملاكا وأفنا كم رأينا من وزير * صار في الاجداث رهنا أين من كنت تراهم * درجوا قرنا فقرنا فتجنب مركب الكب * ر وقل للناس حسنا ربما أمسى بعزل * من بإصباح يهنا وقبيح بمطاع الا * مر ألا يتأنا اترك الناس وأيا * مك فيهم تتمنى وكان مما يشنع به الحسين بن حمدان على العباس أنه شرب يوما عنده فلما
سكر الحسين استخرج العباس خاتمه من أصبعه وأنفذه إلى جاريته مع فتى له وقال لها يقول لك مولاك اشتهى الوزير سماع غنائك فاحضرى الساعة ولا تتأخرى فهذا خاتمي علامة اليك قال الحسين وقد كنت خفت منه شيئا من هذا لبلاغات بلغتني عنه وكتب رأيت له إليها بخطه فحفظت الجارية وحذرتها فلم تصغ إلى قول الفتى ولا اجابته وكان الحسين يحلف مجتهدا أنه سمعه يكفر ويستخف بحق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه قال في بعض ما جرى من القول قد كان أجيرا لخديجة ثم جاء منه ما رأيت قال فاعتقدت فتله من ذلك الوقت واعتقد غيره من القواد فيه مثل ذلك واجتمعت القلوب على بغضته فحينئذ وثب به القوم فقتلوه وكان الذى تولى قتله بدر الاعجمي والحسين بن حمدان ووصيف بن سوارتكين وذلك يوم السبت لاحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الاول من العام المؤرخ(1/19)
ذكر البيعة لابن المعتز وفى غد هذا اليوم خلع المقتدر خلعه القواد والكتاب وقضاة بغداد ثم وجهوا في عبد الله بن المعتز وأدخل دار ابراهيم بن أحمد الماذرائى التى على دجلة والصراة ثم حمل منها إلى دار المكتفى بظهر المخرم وأحضر القضاة وبايعوا عبد الله بن المعتز فحضرهم ولقبوه المنتصف بالله وهو لقب اختاره لنفسه واستوزر محمد بن داود بن الجراح واستخلفه على الجيش وكان الناس يحلفون بحضرة القضاة وكان الذى يأخذ البيعة على الناس وعلى القواد ويتولى استحلافهم والدعاء بأسمائهم محمد بن سعيد الازرق كاتب الجيش وأحضر عبد الله بن على بن أبى الشوارب القاضى وطولب بالبيعة لابن المعتز فلجلج وقال ما فعل جعفر المقتدر فدفع في صدره وقتل أبو المثنى لما توقف عن البيعة ولم يشك الناس أن الامر تام له إذ اجتمع اهل الدولة عليه وكان أجل من تخلف عنه سوسن الحاجب فانه بقى بدار المقتدر مثبتا لامره
وحاميا له * وفى هذا اليوم كانت بين الحسين بن حمدان وبين غلمان الدار التى كان بها المقتدر حرب شديدة من غدوة إلى انتصاف النهار وثبت سوسن الحاجب به وحامى عنه وأحضر الغلمان ووعدهم الزيادة وقوى نفس صافى ونفس مونس الخادم ومونس الخازن فكلهم حماه ودافع عنه حتى انفضت الجموع التى كان محمد بن داود جمعها لبيعة ابن المعتز وذلك أن مونسا الخادم حمل غلمانا من غلمان الدار إلى الشذوات فصاعد بها في دجلة فلما جازوا الدار التى كان فيها ابن المعتز ومحمد بن داود صاحوا بهم ورشقوهم بالنشاب فتفرقوا وهرب من كان في الدار من الجند والقواد والكتاب وهرب ابن المعتز ومن كان معه ولحق بعض الذين كانوا بايعوا ابن المعتز بالمقتدر فاعتذروا إليه بأنهم منعوا من المصير نحوه واختفى بعضهم فأخذوا وقتلوا وانتهبت العامة دور محمد بن داود والعباس بن الحسن واخذ ابن المعتز فقتل وقتل معه جماعة منهم أحمد بن يعقوب القاضى ذبح ذبحا وقالوا له تبايع للمقتدر فقال هو صبى ولا يجوز المبايعة له وقال الطبري ولم ير الناس أعجب من أمر ابن المعتز والمقتدر فإن الخاصة والعامة اجتمعت على الرضى(1/20)
بابن المعتز وتقديمه وخلع المقتدر لصغر سنه فكان أمر الله قدرا مقدورا ولقد تحير الناس في أمر دولة المقتدر وطول أيامها على وهى أصلها وضعف ابتنائها ثم لم ير الناس ولم يسمعوا بمثل سيرته وأيامه وطول خلافته وقال محمد بن يحيى الصولى وفى يوم الاثنين لتسع ليال بقين من ربيع الاول خلع المقتدر على على بن محمد بن الفرات للوزارة وركب الناس معه إلى داره بسوق العطش وتكلم في إطلاق جماعة ممن كان بايع ابن المعتز فأذن له المقتدر في ذلك فخلى سبيل طاهر ابن على ونزار بن محمد وإبراهيم بن أحمد الماذرائى والحسين بن عبد الله الجوهرى المعروف بابن الجصاص ووضع العطاء للغلمان والاولياء الذين بقوا مع المقتدر
صلة ثانية للفرسان ثلاثة أشهر وللرجالة ست نوائب وولى مونسا الخادم شرطة جانبى بغداد وما يليها وتقدم إليه بالنداء على محمد بن داود ويمن ومحمد الرقاص وأن يبذل لمن جاء بمحمد بن داود عشرة آلاف دينار وخلع على عبد الله بن على ابن محمد بن أبى الشوارب لقضاء جانبى بغداد وقلد الوزير على بن محمد أخاه جعفر ابن محمد ديوان المشرق والمغرب وأشاع أنه يخلفه عليهم وقلد نزار الكوفة وطساسيجها وعزل عنها المسمعى ثم عزل نزارا وولى الكوفة نجحا الطولونى وخلع على أبى الاغر خليفة بن المبارك السلمى لغزاة الصائفة وعظم أمر سوسن الحاجب وتجبر وطغى فاتهمه المقتدر ولم يأمنه وأدار الرأى في أمره مع ابن الفرات فأوصى إليه المقتدر خذ من الرجال من شئت ومن المال والسلاح ما شئت وتول من الاعمال ما أحببت وخل عن الدار أولها من أريد فأبى عليه وقال أمر أخذته بالسيف لا أتركه إلا بالسيف فأحكم المقتدر الرأى مع ابن الفرات في قتله فلما دخل معه الميدان في بعض الايام أظهر صافى الحرمى العلة وجلس في بعض طرق الميدان متعا للافنزل سوسن ليعوده فوثب إليه جماعة فيهم تكين الخاصة وغيره من القواد فأخذوا سيفه وأدخلوه بيتا فلما سمع من كان معه بذلك من غلمانه وأصحابه تفرقوا ومات سوسن بعد أيام في الحبس وقلد الحجابة نصرا الحاجب المعروف بالقشورى وكان موصوفا بعقل وفضل وكان النصارى في آخر أيام العباس(1/21)
ابن الحسن قد علا أمرهم وغلب عليهم الكتاب منهم فرفع في أمرهم إلى المقتدر فعهد فيهم بنحو ما كان عهد به المتوكل من رفضهم واطراحهم وإسقاطهم عن الخدمة ثم لم يدم ذلك فيهم * وفى يوم السبت لاربع بقين من ربيع الاول سقط ببغداد الثلج من غدوة إلى العصر حتى صار في السطوح والدور منه نحو من أربعة أصابع وذلك أمر لم ير مثله ببغداد * وفى يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ربيع
الاول سلم محمد بن يوسف القاضى ومحمد بن عمرويه وابن الجصاص والازرق كاتب الجيش في جماعة غيرهم إلى مونس الخازن فقتل بعضهم وشفع في بعض فأطلق (وفيها) وجه القاسم بن سيما في جماعة من القواد والجند في طلب الحسين بن حمدان فشخص لذلك حتى صار إلى قرقيسيا والرحبة وكتب إلى أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان بأن يطلب أخاه ويتبعه فخرج في أثره والتقى بأخيه بين تكريت والسود قانية بموضع يعرف بالاعمى فانهزم عبد الله عن أخيه الحسين ثم بعث الحسين إلى السلطان يطلب الامان لنفسه فأعطى ذلك * ولسبع بقين من جمادى الآخرة خلع على بن دليل النصراني كاتب ابن أبى الساج ورسوله وعقد ليوسف على آذربيجان والمراغة وحملت إليه الخلع وأمر بالشخوص إلى عمله وللنصف من شعبان خلع على مونس الخادم وأمر بالشخوص إلى طرسوس لغزو الروم فخرج في عسكر كثيف وجماعه من القواد وكان مونس قد ثقل على صافى الحرمى وأحب ألا يجاوره ببغداد فيسعى مع الوزير ابن الفرات في إبعاده فأغزى في الصائفة وضم إليه أبو الاغر خليفة بن المبارك فلم يرضه مونس وكتب إلى المقتدر يذمه فكتب إليه في الانصراف فانصرف وحبس واجتمع قول الناس بلا اختلاف بينهم أنه لم يكن في زمن أبى الاغر فارس للعرب ولا للعجم أشجع منه ولا أعظم أيدا وجلدا (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل ابن عبد الملك(1/22)
ثم دخلت سنة 297 (ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس) في المحرم من هذا العام ولد للمقتدر ابن فأمر أن يكتب اسمه على الاعلام والتراس والدنانير والدراهم والسمات ولم يعش ذلك المولود (وفيها) ورد
كتاب مونس الخادم على السلطان لست خلون من المحرم بأنه ظهر على الروم في غزاته إليهم التى تقدم ذكرها في سنة 96 وهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر لهم أعلاجا كثيرة وقرئ كتابه بذلك على العامة ببغداد ثم قفل مونس متصرفا * وفى صفر من هذه السنة أخر طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث الصفار ايراد ما كان يلزمه من المال الموظف عليه من أموال فارس ودافع به فكتب سبكرى غلام عمرو بن الليث يتضمن حمل المال وإيراده واستأذن في توجيه طاهر وأخويه أسرى إلى باب السلطان فأجيب إلى ذلك فاجتمع سبكرى ومن والاه عليهم ودارت بينهم حرب شديدة حتى استولى سبكرى على فارس وكرمان وبعث بطاهر وأخويه إلى السلطان فأدخلوا في عماريات مكشوفة وخلع على رسول سبكرى ثم إن الليث بن على بن الليث لما بلغه فعل سبكرى بطاهر ويعقوب ابني محمد غضب لذلك وسار يريد فارس فتلقاه سبكرى واقتتلا قتالا شديدا فانهزم سبكرى وقدم على السلطان يستمده فندب مونس الخادم إلى فارس وضم إليه زهاء خمسة آلاف من الاولياء والغلمان وكتب إلى أصحاب العاون باصبهان والاهواز والجبل في معاونة مونس على محاربة الليث بن على وأشخص معه الوزير ابن الفرات محمد بن جعفر العبرتاى وولاه الخراج والضياع بفارس فاحتاج الجند إلى أرزاقهم فوعدهم بها محمد بن جعفر فلم يرضوا وعده ووثبوا عليه ونهبوا عسكره وأصابته ضربة وزعم بعض أصحاب مونس أنه أخذ له مائة ألف دينار * وفى ليلة الاربعاء لخمس من شهر ربيع الآخر سنة 97 ولد للمقتدر أبو العباس محمد الراضي بالله بدير حنيناء قبل طلوع الفجر * وفى ذى الحجة من هذا العام كانت بين مونس الخادم وبين الليث بن على حرب بناحية النوبندجان(1/23)
فهزم الليث وأصحابه وأسر مونس الليث وأخاه اسماعيل وعلى بن حسين بن درهم
والفضل بن عنبر وصاروا في قبضته فحملهم بين يديه إلى بغداد وأدخل الليث على فيل ومن كان معه على جمال مشهورين قد ألبسوا البرانس ثم حبسوا (وفيها) وجه المقتدر القاسم بن سيما غازيا في الصائفة إلى الروم في جمع كثيف من الجند في شوال فغنم وسبى (وفيها) ولى ورقاء بن محمد الشيباني أمر السواد بطريق مكة فرفع المؤن عن الناس وحسم عنها ضر الاعراب وما كانوا يفعلونه في الطريق من السلب والقتل وحسن أثر ورقاء هنالك ولم يزل مقيما بتلك الناحية إلى أن رجع الحاج مسلمين شاكرين لفعله فيهم * ولجمادى الاولى من هذا العام ورد الخبر بأن أركان البيت الاربعة غرقت في سيول كانت بمكة وغرق الطواف وفاضت بئر زمزم وأنه كان سيلا لم ير مثله في قديم الايام وحديثها وفى شوال منها توفى محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر المعروف بالصناديقى ودفن في مقابر قريش وصلى عليه القاضى أحمد بن إسحاق بن البهلول * وفى شهر رمضان منها توفى يوسف ابن يعقوب القاضى ومحمد بن داود الاصبهاني الفقيه * وورد الخبر بوفاة عيسى النوشرى عامل مصر فولى السلطان مكانه تكين الخاصة وتوجه من بغداد إلى مصر * وفى شوال من هذه السنة توفى جعفر بن محمد بن الفرات أخو الوزير وكان يلى ديوان المشرق والمغرب فولى الوزير ابنه المحسن ديوان المغرب وولى ابنه الفضل ديوان المشرق * وفى هذا العام توفى القاسم بن زرزور وكان من الحذاق المجيدين وأسن حتى قارب تسعين سنة (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي ثم دخلت سنة 298 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها قدم الناس ابن سيما من غزاة الصائفة إلى الروم ومعه خلق كثير من الاسرى وخمسون علجا قد حملوا على الجمال مشهورين بأيدى جماعة منهم أعلام
الروم عليها صلبان الذهب والفضة وذلك يوم الخميس لاربع عشرة ليلة بقيت(1/24)
من شهر ربيع الاول (وفيها) خالف سبكرى والتوى بما عليه فندب لمحاربته وصيف كامه غلام الموفق وشخص معه وجوه القواد وفيهم الحسين بن حمدان وبدر غلام النوشرى وبدر الكبير المعروف بالحمامى فواقعوا سبكرى في باب شيراز وهزموه وأسروا القتال صاحبه وهرب بعض قواده عنه وفتق عسكره بماله وأثقاله إلى ناحية كرمان وورد الخبر بأن سبكرى أسر وكان الذى أسره سيمجور غلام أحمد ابن اسماعيل ثم قدم وصيف كامه بالقتال صاحب سبكرى فأدخل على فيل وعليه برنس طويل وبين يديه ثلاثة عشر أسيرا على الجمال وعليهم دراريع وبرانس من ديباج فخلع على وصيف وسور وطوق بطوق ذهب منظوم بجوهر ثم دخل سبكرى وحضر دخوله الوزير ابن الفرات وسائر القواد يوم الاثنين لاحدى عشرة ليلة بقيت من شوال وكان قد حمل على فيل وشهر ببرنس طويل وبين يديه الكرك ومن يضرب بالصنوج وخلفه الليث بن على على فيل آخر فخلع على ابن الفرات وحمل وكان يوما مشهودا وحدث محمد بن يحيى الصولى أنه شهد هذا اليوم قال فتذكرت فيه حديثا كان حدثناه صافى الحرمى يوم بويع فيه المقتدر بالله قال صافى رأيت الخليفة المقتدر بالله وهو صبى في حجر المعتضد والمعتضد ينظر في دفتر كان كثيرا ما ينظر فيه وهو يضرب على كتف المقتدر ويقول له كأنى بملوك فارس قد أدخلوا إليك على الفيلة والجمال عليهم البرانس وكان صافى يوم بيعة المقتدر يحدث بهذا ويدعو إلى الله أن يحقق هذا القول (وفيها) وردت على المقتدر هدايا من خراسان أنفذها إليه أحمد بن اسماعيل بن أحمد فيها غلمان على دوابهم وخيولهم وثياب ومسك كثير وبزاة وسمور وطرائف لم يعهد بمثلها فيها أهدى من قبل (وفيها) جلس ابن الفرات الوزير لكتاب العطاء فحاسبهم وأشرف
لهم على خيانة نحو مائة ألف دينار فورى عن الامر قليلا إذ كان كتابه منهم واستخرج ما وجد من المال في رفق وستر * وفى جمادى الآخرة من هذا العام فلج عبد الله بن على بن أبى الشوارب القاضى فأمر المقتدر ابنه محمد بن عبد الله يتولى أمور الناس خليفة لابيه حتى يظهر حاله وما يكون من علته فنظر كما كان(1/25)
ينظر أبوه وأنفذ الامور مثل تنفيذه ثم دخلت سنة 299 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فمن ذلك غزوة رستم الصائفة من ناحية طرسوس وهو والى الثغور فحاصر حصن مليح الارمينى ثم دخل عليه وأحرق أرض ذى الكلاع (وفيها) ورد رسول أحمد بن إسماعيل بكتاب منه إلى السلطان بأنه فتح سجستان وأن أصحابه دخلوها وأخرجوا من كان فيها من أصحاب الصفار وأن المعدل بن على ابن الليث صار إليه بمن معه من أصحابه في الامان وكان المعدل يومئذ مقيما معهم بزرنج وصار إلى أحمد بن إسماعيل وهو مقيم ببست والرخج فوجه به أحمد وبعياله ومن معه إلى هراة ووردت الخريطة بذلك على السلطان يوم الاثنين لعشر خلون من صفر (وفيها) وافى بغداد العطير صاحب زكرويه ومعه الاغر وهو أحد قواد زكرويه مستأمنا ذكر القبض على ابن الفرات وفى ذى الحجة غضب المقتدر على وزيره على بن محمد بن الفرات لاربع خلون منه وحبس ووكل بدوره وأخذ كل ما وجد له ولاهله وانتهبت دوره أقبح نهب وفجر الشرط بنسائه ونساء أهله وكان ادعى عليه أنه كتب إلى الاعراب بأن يكبسوا بغداد في خبر طويل واستوزر محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان
فكانت وزارة ابن الفرات ثلاث سنين وثمانية أشهر واثنى عشر يوما وطولب ابن الفرات بأمواله وذخائره فاجتمع منها مع ودائع كانت له سبعة آلاف ألف دينار فيما حكى عن الصولى وكان مشاهدا ومشرفا على أخبارهم * قال وما سمعنا بوزير جلس في الوزارة وهو يملك من العين والورق والضياع والاثاث ما يحيط بعشرة آلاف ألف غير ابن الفرات * قال وكانت له أياد جليلة وفضائل كثيرة قد ذكرتها في كتاب الوزراء * قال ولم ير وزير أودع وجوه الناس من الاموال ما أودع ابن الفرات من قبل ولايته الوزارة وكانت غلته تبلغ ألف ألف دينار(1/26)
ولم يمسك الناس ببغداد عن ابتقاص ؟ ؟ ابن الفرات وهجوه مع حسن آثاره وأحضر محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان دار المقتدر في الوقت الذى ضم فيه على ابن الفرات فقلد الوزارة وانصرف إلى منزله بباب الشماسية في طيار وركب يوم الخميس بعده فخلع عليه وحمل وقلد ؟ ؟ سيفا وقيل إن السبب في ولايته كان بعناية أم ولد المعتضد بأمره على إن ضمن لها مائة ألف دينار وقوى أمره عندها رياء كان يظهره وكان الخدم من الدار يأتونه بالكتب فلا يكلم الواحد منهم إلا بعد مائة ركعة يصليها فكانوا ينصرفون بوصفه وما رأوا منه وخلع على ابنه عبد الله بن محمد لخلافة أبيه واستبدل بالعمال وعزل كل من كان خطوطه إلى على بن الفرات وآله (وفى هذه السنة) مات وصيف موشجير يوم الخميس لاربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان (وفيها) مات الخرقى المحدث (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك ثم دخلت سنة 300 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها أمر جعفر المقتدر برفع مطالبة المواريث عن الناس وأن يورث ذوو
الارحام ولا يعرض لاحد في ميراث إلا لمن صح أنه غير وارث وكان الناس من قبل ذلك في بلاء وتعلل متصل من المستخرجين والعاملين (وفيها) أخرج محمد بن إسحاق بن كنداجيق بعض أصحابه لمحاربة قوم من القرامطة جاءوا إلى سوق البصرة فعاثوا بها وبسطوا أيديهم وأسيافهم على الناس فيها فلما واقفهم أصحاب ابن كنداجيق صدمهم القرامطة صدمة شديدة حتى هزموهم وقتل من أصحاب ابن كنداجيق جماعة وكان محمد بن إسحاق قد خرج كالممد لهم فلما بلغه أمرهم وشدة شوكتهم انصرف مبادرا إلى المدينة فأنهض السلطان محمد بن عبد الله الفارقى في رجل كثير معونة لابن كنداجيق ومددا له فأقاما بالبصرة ولم يتعرضا لمحاربة * وفى شعبان من هذه السنة قبض على إبراهيم بن أحمد الماذرائى وعلى ابن أخيه محمد بن على بن أحمد فطالبهم أبو الهيثم بن ثوابة بخمسمائة ألف فحملوا(1/27)
منها خمسين ألفا إلى بيت المال وصانعوا الوزير ابن خاقان وابنه وابن ثوابة بمال كثير وصادر ابن ثوابة جماعة على مائة ألف دينار فحمل منها ابن الجصاص عشرين ألفا وفرضت البقية على جماعة منهم ابن أبى الشوارب القاضى وغيره وظهر في هذا العام ضعف أمر محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان الوزير وتغلب ابنه عبد الله عليه وتحكمه في الامور دونه وكثر التخليط من محمد في رأيه وجميع أمره فكان يولى العمل الواحد جماعة في أسبوع من الايام وتقدم بالمصانعات حتى قلد عمالة بادوريا في أحد عشر شهرا أحد عشر عاملا وكان يدخل الرجل الذى قد عرفه دهرا طويلا فيسلم عليه فلا يعرفه حتى يقول له أنا فلان بن فلان ثم يلقاه بعد ساعة فلا يعرفه (وفيها) ورد الخبر بانخساف جبل بالدينور يعرف بالتل وخروج ماء كثير من تحته غرقت فيه عدة من القرى وورد الخبر أيضا بانخساف قطعة عظيمة من جبل لبنان وسقوطها إلى البحر وكان ذلك حدثا لم ير مثله (وفيها)
ورد كتاب صاحب البريد بالدينور يذكر أن بغلة هناك وضعت فلوة ونسخة كتابه (بسم الله الرحمن الرحيم) الحمد لله الموقظ بعبره قلوب الغافلين والمرشد بآياته ألباب العارفين الخالق ما يشاء بلا مثال ذلك الله البارئ المصور في الارحام ما يشاء وأن الموكل بخبر التطواف بقر ما سين رفع يذكر أن بغلة لرجل يعرف بأبى بردة من أصحاب أحمد بن على المرى وضعت فلوة ويصف اجتماع الناس لذلك وتعجبهم لما عاينوا منه فوجهت من أحضرني البغلة والفلوة فوجدت البغلة كمتاء خلوقية والفلوة سوية الخلق تامة الاعضاء منسدلة الذنب سبحان الملك القدوس لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب * وكان المقتدر لما رأى عجز محمد بن عبيد الله الوزير وتبلده قد أنفذ أحمد بن العباس أخا أم موسى الهاشمية إلى الاهواز ليقدم بأحمد بن محمد بن يحيى المعروف بابن أبى البغل ليوليه الوزارة فخرج إليه وأقبل به حتى صار بواسط فلما قرب من دار السلطان سلم أحمد بن العباس على أحمد بن محمد بالوزارة وحمل إليه ثلاثة آلاف دينار فاتصل الخبر بمحمد بن عبيد الله الوزير من قبل حاشيته وعيونه فركب إلى الدار وصانع جماعة من الخدم والحرم وضمن(1/28)
لام ولد المعتضد التى كانت عنيت بولايته في أول أمره خمسين ألف دينار فنقضت أمر ابن أبى البغل ورد واليا على فارس * وفى شوال من هذا العام توفى عبيد الله ابن عبد الله بن طاهر وكان أكثر الناس أدبا وجلالة وفهما ومروءة وهو ابن إحدى وثمانين سنة وصلى عليه أحمد بن عبد الصمد الهاشمي ودفن في مقابر قريش (وفيها) مات أبو الفضل عبد الواحد بن الفضل بن عبد الوارث يوم السبت لسبع بقين من ذى الحجة (وأقام الحج الناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله الهاشمي ثم دخلت سنة 301
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بني العباس ففيها وافى بغداد على بن عيسى بن داود بن الجراح مقدمه من مكة وذلك يوم الاثنين لعشر خلون من المحرم فمضى به من فوره إلى دار المقتدر فقلدوا الوزارة وخلع عليه لولايتها وقلد سيفا وقبض على محمد بن عبيد الله وابنيه عبد الله وعبد الواحد فحبسوا وكانوا قد ركبوا في ؟ ك النهار إلى الدار ووعدوا بأن يخلع عليهم ويسلم على بن عيسى إليهم فسلموا إليه ووقع الامر بضد ما ظنوه وقعد على ابن عيسى لمحمد بن عبيد الله وناظره فقال له أخربت الملك وضيعت الاموال ووليت بالعناية وصانعت عن الولايات بالرشوة وزدت على السلطان أكثر من ألف ألف دينار في السنة فقال ما كنت أفعل إلا ما أراه صوابا وكان محمد بن عبيد الله فيما ذكر من تسناه يأخذ المصانعات على يدى أبى الهيثم بن ثوابة ولا يفى بعهد لكل من صانعه برشوة حتى قيلت فيه أشعار كثيرة منها وزير ما يفيق من الرقاعه * يولى ثم يعزل بعد ساعه إذا أهل الرشا صاروا إليه * فأحظي القوم أوفرهم بضاعة وليس بمنكر ذا الفعل منه * لان الشيخ أفلت من مجعه وكان محمد بن عبيد الله قبل أن يستحيل به الحال فيما ذكر أهل الخبر به وحسن الرأى فيه ذا دهاء وعقل وكان ابنه عبد الله كاتبا بليغا حسن الكلام(1/29)
مليح اللفظ حسن الخط جوادا يعطى العطايا الجزيلة ويقدم الايادي الجليلة، وصل عبد الله بن حمدون من ماله في مدة ولايته بتسعين ألف دينار إلى ما وصل به غيره وأعطاه كثيرا ممن كان أمله (وفى هذه السنة) رضى عن القاضى محمد بن يوسف وقلد الشرقية وعسكر المهدى وخلع عليه دراعة وطيلسان وعمامة سوداء وركب من دار الخليفة إلى مسجد الرصافة فصلى ركعتين ثم قرئ عليه عهده
بالولاية * وفيها ورد الخبر بوثوب أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان بالموصل ومعه جماعة من الاكراد وكانوا أخواله لان أمه كردية وأغاث الجند أهل الموصل فقتلت بينهم مقتلة عظيمة وصار أبو الهيجاء إلى الاكراد وتأمر عليهم كالخالع للطاعة * وتظلم أهل البصرة من عاملهم محمد بن إسحاق بن كنداج وشكوا به إلى على بن عيسى الوزير فعزله عنهم بعد أن استأمر فيه المقتدر لئلا يستبد بالرأى دونه وولى البصرة نجحا الطولونى ثم ولى محمد بن إسحاق بن كنداج الدينور وولى سليمان بن مخلد ديوان الدار وكتابة غريب خال المقتدر وولى على بن عيسى إبراهيم أخاه ديوان الجيش واستخلف عليه سعيد بن عثمان والحسين بن على * وفى شهر ربيع الآخر من هذه السنة دخل مونس الخادم مدينة السلام ومعه أبو الهيجاء قد أعطاه أمانا فخلع على مونس وعليه * وقلد نصر القشورى مع الحجابة التى كان يتولاها ولاية السوس وجندي سابور ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى فاستخلف على جميع ذلك يمنا الهلالي الخادم (وفى هذه السنة) أغارت الاتراك على المسلمين بخراسان فسبت منهم نحو عشرين ألفا إلى ما ذهبت به من الاموال وقتلت من الرجال فخرج إليهم أحمد ابن إسماعيل وكان واليها في جيوش كثيرة واتبعهم فقتل منهم خلقا كثيرا واستنقذ بعض الاسرى وأوفد إلى السلطان رجلا شيخا يعرف بالحمادى يستحمد إليه بفعله بالاتراك ويخطب إليه شرطة مدينة السلام وأعمال فارس وكرمان فأجيب إلى كرمان وحدها وكتب له بها كتاب عهد * وفى جمادى الآخرة من هذه السنة أطلق محمد بن عبيد الله الذى كان وزيرا وابنه عبد الله(1/30)
وأمرا بلزوم منازلهما (وفيها) خلع على القاسم بن الحر وولى سيراف وخلع على على بن خالد السكردى وولى حلوان (وفى هذه السنة) ركب أبو العباس
محمد بن المقتدر من القصر المعروف بالحسنى وبين يديه لواء عقده له أبوه المقتدر على المغرب ومعه القواد كلهم والغلمان الحجرية وجماعة الخدم حول ركابه وعلى بن عيسى عن يمينه ومونس الخادم عن يساره ونصر الحاجب بين يديه فسار في الشارع الاعظم ورجع في الماء والناس معه فاعترضه رجل بمربعة الحرشى فنثر عليه دراهم مسيفة وقال له بحق أمير المؤمنين إلا أذنت لى في طلى الفرس بالغالية فوقف له وجعل الرجل يطلى وجه الفرس فنفر منه وقيل له دع وجهه واطل سائر بدنه فأقبل يطلى عرف الفرس وقوائمه بالغالية فقال محمد بن المقتدر لمن حوله اعرفوا لنا هذا الرجل (وفى هذه السنة) قلد أبو بكر محمد بن على الماذرائى أعمال مصر الاشراف على أعمال الشأم وتدبير الجيوش وخلع عليه وذلك يوم الخميس للنصف من شهر رمضان وخلع في هذا النهار أيضا على القاسم بن سيما وعقد له على الاسكندرية وأعمال برقة (وفى هذه السنة) في جمادى الآخرة ورد الخبر بوفاة على بن أحمد الراسبى وكان يتقلد جندي سابور والسوس وما ذرايا إلى آخر حدودها وكان يورد من ذلك ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار في كل سنة ولم يكن معه أحد يشركه في هذه الاعمال من أصحاب السلطان لانه تضمن الحرب والخراج والضياع والشحنة وسائر ما في عمله فتخلف فيما وردت به الاخبار من العين ألف ألف دينار ومن آنية الذهب والفضة قيمة مائة ألف دينار ومن الخيل والبغال والجمال ألف رأس ومن الخز الرفيع الطاقى أزيد من ألف ثوب وكان مع ذلك واسع الضيعة كثير الغلة وكان له ثمانون طرازا ينسج له فيها الثياب من الخز وغيره فلما ورد الخبر بوفاة الراسبى أنفذ المقتدر عبد الواحد بن الفضل بن وارث في جماعة من الفرسان والرجالة لحفظ ماله إلى أن يوجه من ينظر فيه ثم وجه مونس الخادم للنظر في ذلك فيقال إنه صار إليه منه مال جليل وخلع على ابراهيم بن عبد الله المسمعى وولى النظر في دور الراسبى وتوفى مونس الخازن يوم الاحد لثمان بقين(1/31)
من شهر رضمان ولم يتخلف أحد عن جنازته من الرؤساء وصلى عليه القاضى محمد ابن يوسف ودفن بطرف الرصافة وكان جليل القدر عند السلطان فلما مات قلد ابنه الحسن ما كان يتولاه من عرض الجيوش فجلس ونظر وعاقب وأطلق وفرق سائر الاعمال التى كانت إلى مونس على جماعة من القواد الذين كانوا في رسمه وضم أصحابه إلى ملازمة أبى العباس بن المقتدر ولم يخلع على الحسن بن مونس للولاية مكان أبيه فعلم أن ولايته لا تتم وعزل بعد شهرين وعزل محمد بن عبيد الله بن طاهر وكان خليفته على الجانب الشرقي وقدم مكانه بدر الشرابى وعزل خزرى بن موسى خليفة مونس على الجانب الغربي وولى مكانه اسحاق الاشروسى ؟ ؟ وولى شفيع اللؤلؤي البريد وسمى شفيعا الاكبر * وورد الخبر في شعبان بأن أحمد بن اسماعيل ابن أحمد صاحب خراسان قتله غلمانه غيلة على فراشه وكان قد أخاف بعضهم فتواطؤا على قتله ثم اجتمع سائر غلمانه فضبطوا الامر وبايعوا لابنه نصر بن أحمد وورد كتابه على المقتدر يسأله تجديد العهد له ووردت كتب عمومته وبنى عمه يسأله كل واحد منهم ناحية من نواحى خراسان فأفرد الخليفة بالولاية ابنه وتم له الامر قال الصولى شهدت في هذا العام بين يدى محمد بن عبيد الله الوزير مناظرة كانت بين ابن الجصاص وابراهيم بن أحمد الماذرائى فقال ابراهيم بن أحمد الماذرائى في بعض كلامه لابن الجصاص مائة ألف دينار من مالى صدقة لقد أبطلت في الذى حكيته وكذبت فقال له ابن الجصاص قفيز دنانير من مالى صدقة لقد صدقت أنا وأبطلت أنت فقال له ابن الماذرائى من جهلك أنك لاتعلم أن مائة ألف دينار أكثر من قفيز دنانير فعجب الناس من كلامهما قال الصولى وانصرفت إلى أبى بكر بن حامد فخبرته الخبر فقال نعتبر هذا بمحنة فأحضر كيلجة وملاها دنانير ثم وزنها فوجد فيها أربعة آلاف دينار فنظرنا فإذا القفيز ستة وتسعون ألف دينار
كما قال الماذرائى (وفى هذه السنة) مات أبو بكر جعفر بن محمد المعروف بالفاريابى المحدث لاربع بقين من المحرم وصلى عليه ابنه ودفن في مقابر الشونيزية (وفيها) توفى عبد الله بن محمد بن ناجية المحدث وكان مولده سنة 210(1/32)
(وفيها) مات الحسن بن الحسن بن رجاء وكان يتقلد أعمال الخراج والضياع بحلب مات فجاءة وحمل تابوته إلى مدينة السلام ووصل يوم السبت لخمس بقين من شهر ربيع الاول (وفيها) مات محمد بن عبد الله بن على بن أبى الشوارب القاضى المعروف بالاحنف وكان خليفة أبيه على قضاء عسكر المهدى والشرقية والنهروانات والزوابى والتل وقصر ابن هبيرة والبصرة وكور دجلة وواسط والاهواز ودفن يوم الاحد لتسع ليال خلون من جمادى الاولى في حجره بمقام باب الشأم وله ثمان وثلاثون سنة (وفى هذه السنة) بعد قتل أحمد بن إسماعيل ورد الخبر بأن رجلا طالبيا حسينيا خرج بطبرستان يدعو إلى نفسه يعرف بالاطروش (وفى آخر هذه السنة) توفى أحمد بن عبد الصمد بن طومار الهاشمي وكان من قبل نقيب بنى هاشم العباسيين والطالبيين فقلد ما كان يتقلده أخو أم موسى فضج الهاشميون من ذلك وسألوا رد ما كان يتولاه ابن طومار إلى ابنه محمد بن أحمد فأجيبوا إلى ذلك وكان لاحمد بن عبد الصمد يوم توفى اثنتان وثمانون سنة (وأقام الحج للناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي ثم دخلت سنة 302 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها ركب شفيع الخادم المعروف بالمقتدرى في جماعة من الجند والفرسان والرجال إلى دار الحسين بن أحمد المعروف بابن الجصاص التى في سوق يحيى ولحقه صاحب الشرطة بدر الشرابى فوكل شفيع بالابواب وقبض على جميع
ما تحويه داره من مال وجوهر وفرش وأثاث ورقيق ودواب وحمل في وقته ذلك صناديق مختومة ذكر أن فيها جوهرا وآنية ذهب ووجد في داره فرشا سلطانيا من فرش أرمينية وطبرستان جليلا لايعرف قدره ووجد فيها من مرتفع ثياب مصر خمسمائة سفط وحفرت داره فوجدت له في بستانه أموال جليلة مدفونة في جرار خضر وقماقم مرصصة الرؤس فحملت كهيئتها إلى دار المقتدر وأخذ هو فقيد بخمسين رطلا من حديد وغل وتسمع الناس ما جرى عليه فصودر(1/33)
على مائة ألف دينار بعد هذا كله وأطلق إلى منزله وقال أبو الحسن بن عبد الحميد كاتب السيدة إن الذى صح مما قبض من مال الحسين بن أحمد بن الجصاص الجوهرى من العين والورق والآنية والثياب والفرش والكراع والخدم لاثمن ضيعة في ذلك ولاثمن بستان ما قيمته ستة آلاف ألف دينار (وفى هذه السنة) في رجب ورد كتاب محمد بن على الماذرائى إلى السلطان من مصر يزعم أن وقعة كانت بين أصحاب السلطان وبين جيش صاحب القيروان فقتل من أصحاب الشيعي سبعة آلاف وأسر نحوهم وانهزم من بقى منهم ومضوا على وجوههم فمات أكثرهم قبل وصولهم إلى برقة ووردت كتب التجار بدخول الشيعة برقة وعظم ما أحدثوا في تلك الناحية وأن الغلبة انما كانت لهم قال الصولى وفيها جلس على بن عيسى للمظالم في كل يوم ثلاثاء فحضرته يوما وقد جئ برجل يزعم أنه نبى فناظره فقال أنا أحمد النبي وعلامتي أن خاتم النبوة في ظهرى ثم كشف عن ظهره فإذا سلعة صغيرة فقال له هذه سلعة الحماقة وليست بخاتم النبوة ثم أمر بصفعه وتقييده وحبسه في المطبق * وفى شهر رمضان من هذه السنة وافى باب الشماسية قائد من قواد صاحب القيروان يقال له أبو جدة ومعه من أصحابه مائتا فارس نازعين إلى الخليفة فأحضر القائد دار السلطان وخلع عليه وأخرج هو
وأصحابه إلى البصرة ليكونوا مع محمد بن اسحاق بن كنداج (وفيها) أطلق المقتدر من سجنه الصفارى المعروف بالقتال وخلع عليه وأقطعه دارا ينزلها وأجرى عليه الرزق وأمره بحضور الدار في يومى الموكب مع الاولياء وأطلق أيضا محمد بن الليث الكردى وخلع عليه وهو ممن أدخل مع الليث وطوف على جمل (وفيها) جاء رجل حسن البزة طيب الرائحة إلى باب غريب خال المقتدر وعليه دراعة وخف أحمر وسيف جديد بحمائل وهو راكب فرسا ومعه غلام فاستأذن للدخول فمنعه البواب فانتهره وأغلظ عليه ونزل فدخل ثم قعد إلى جانب الخال وسلم عليه بغير الامرة فقال له غريب وقد استبشع أمره ما تقول أعزك الله قال أنا رجل من ولد على بن أبى طالب وعندي نصيحة للخليفة(1/34)
لا يسعني ؟ ؟ أن يسمعها غيره وهى من المهم الذى إن تأخر وصولي إليه حدث أمر عظيم فدخل الخال إلى المقتدر والى السيدة وأعلمهما بأمره فبعث في الوزير على بن عيسى وأحضر الخال الرجل فاجتهد الوزير والحاجب نصر والخال أن يعلمهم النصيحة ما هي فابى حتى أدخل إلى الخليفة وأخذ سيفه وأدنى منه وتنحى الغلمان والخدم فأخبر المقتدر بشئ لم يقف عليه أحد ثم أمره بالانصراف إلى منزل أقيم له وخلع عليه ما يلبسه ووكل به خدم يخدمونه وأمر المقتدر أن يحضر ابن طومار نقيب الطالبيين ومشايخ آل أبى طالب فيسمعون منه ويفهمون أمره فدخلوا عليه وهو على برذعة طبرية مرتفعة فما قام إلى واحد منهم فسأله ابن طومار عن نسبته فزعم أنه محمد بن الحسن بن على بن موسى بن جعفر الرضا وأنه قدم من البادية فقال له ابن طومار لم يعقب الحسن وكان قوم يقولون إنه أعقب وقوم قالوا لم يعقب فبقى الناس في حيرة من أمره حتى قال ابن طومار هذا يزعم أنه قدم من البادية وسيفه جديد الحلية والصنعة فابعثوا بالسيف إلى دار الطاق وسلوا عن
صانعه وعن نصله فبعث به إلى أصحاب السيوف بباب الطاق فعرفوه وأحضروا رجلا ابتاعه من صيقل هناك فقيل له لمن ابتعت هذا السيف فقال لرجل يعرف بابن الضبعى كان أبوه من أصحاب ابن الفرات وتقلد له المظالم بحلب فأحضر الضبعى الشيخ وجمع بينه وبين هذا المدعى إلى بنى أبى طالب فأقر بأنه ابنه فاضطرب الدعى وتلجج في قوله فبكى الشيخ بين يدى الوزير حتى رحمه ووعده بأن يستوهب عقوبته ويحبسه أو ينفيه فضج بنو هاشم وقالوا يجب أن يشهر هذا بين الناس ويعاقب أشد عقوبة ثم حبس الدعى وحمل بعد ذلك على جمل وشهر في الجانبين يوم التروية ويوم عرفة ثم حبس في حبس المصريين بالجانب الغربي (وفى هذه السنة) اضطرب أمر خراسان لما قتل أحمد بن إسماعيل واشتغل نصر بن أحمد ولده بمحاربة عمه ودارت بينهما فتوق فكتب أحمد بن على المعروف بصعلوك وكان يلى الرى من قبل أحمد بن إسماعيل أيام حياته إلى المقتدر ووجه إليه رسولا يخطب إليه أعمال الرى وقزوين وجرجان(1/35)
وطبرستان وما يستضيف إلى هذه الاعمال ويضمن في ذلك مالا كثيرا وعنى به نصر الحاجب حتى أنفذ إليه الكتب بالولاية ووصله المقتدر من المال الذى ضمن بمائة ألف درهم وأمر بمائدة تقام له في كل شهر من شهور الاهلة بخمسة آلاف درهم وأقطعه من ضياع السلطان بالرى ما يقوم في كل سنة بمائة الف درهم (وفى هذه السنة) ركب المقتدر إلى الميدان وركب بأثره على بن عيسى الوزير ليلحقه فنفرت دابته وسقط سقطة مؤلمة وأمر الخليفة أصحاب الركاب بإقامته وحمله على دابته فأنهضوه وحملوه وقيلت فيه أشعار منها سقوطك يا على لكسف بال * وخزى عاجل وسقوط حال فما قلنا لعا لك بل سررنا * وكان لما رجونا خير فال
أضعت المال في شرق وغرب * فلم يحظ الامام بجمع مال قال وكان على بن عيسى بخيلا فأبغضه الناس لذلك (ووردت الاخبار) بدخول صاحب إفريقية الاسكندرية وتغلبه على برقة وغيرها وكتب تكين الخاصة والى مصر يطلب المدد ويستصرخ السلطان فعظم ذلك على المقتدر ورجاله وكانوا من قبل مستخفين بأمر عبيد الله الشيعي وبأبى عبد الله القائم بدعوته وكانوا قد فحصوا عن نسبه ومكانه وباطن أمره قال محمد بن يحيى الصولى حدثنا أبو الحسن على بن سراج المصرى وكان حافظا لاخبار الشيعة أن عبيد الله هذا القائم بإفريقية هو عبيد الله بن عبد الله بن سالم من أهل عسكر مكرم ابن سندان الباهلى صاحب شرطة زياد ومن مواليه وسالم جده قتله المهدى على الزندقة قال وأخبرني غير ابن سراج أن جده كان ينزل بنى سهم من باهلة بالبصرة وكان يدعى أنه يعرف مكان الامام القائم وله دعاة في النواحى يجمعون له المال بسببه فوجه إلى ناحية المغرب رجلا يعرف بأبى عبد الله الصوفى المحتسب فأرى الناس نسكا ودعاهم سرا إلى طاعة الامام فأفسد على زيادة الله ابن الاغلب القيروان وكان عبيد الله هذا مقيما بسلمية مدة ثم خرج إلى مصر فطلب بها وظفر به محمد بن سليمان فأخذ منه مالا وأطلقه ثم ثار المحتسب على ابن الاغلب(1/36)
وطرده عن القيروان وقدم عليه عبيد الله فقال المحتسب للناس إلى هذا كنت أدعو وكان عبيد الله يعرف أول دخوله القيروان بابن البصري فأظهر شرب الخمر والغناء فقال المحتسب ما على هذا خرجنا وأنكر فعله فدس عليه عبيد الله رجلا من المغاربة يعرف بابن خنزير فقتله وملك عبيد الله البلاد وحاصر أهل طرابلس حتى فتحها وأخذ أموالا عظيمة ثم ملك برقه وأقبل جيشه يريد مصر وقد ولد عبيد الله الاسكندرية وخطب فيها خطبا كثيرة محفوظة لولا كفر فيها لاجتلبت
بعضها ولما وردت الاخبار باستطالة صاحب القيروان بجهة مصر أنهض المقتدر مؤنسا الخادم وندب معه العساكر وكتب إلى عمال أجناد الشأم بالمصير إلى مصر وكتب إلى ابني كيغلغ وذكا الاعور وأبى قابوس الخراساني باللحاق بتكين لمحاربته وخلع على مونس في شهر ربيع الاول سنة 302 وخرج متوجها إلى مصر وتقدم على بن عيسى الوزير بترتيب الجمازات من مصر إلى بغداد ليروح عليه الاخبار في كل يوم فورد الخبر بأن جيش عبيد الله الخارج معه ابنه ومع قائده حباسة انهزموا وبشر على بن عيسى بذلك المقتدر فتصدق في يومه بمائة ألف درهم ووصل على بن عيسى بمال عظيم فلم يقبله ثم رجع على وقد باع له ابن ما شاء الله ضيعة بأربعة آلاف دينار وفرقها كلها شكرا لله عز وجل ودخل مونس الخادم بالجيوش مصر في جمادى الآخرة وقد انصرف كثير من أهل المغرب عن الاسكندرية ونواحيها وانصرف ولد عبيد الله قافلا إلى القيروان وكتب محمد بن على الماذرائى يذكر ضيق الحال بمصر وكثرة الجيوش بها وما يحتاج إليه من الاموال لها فأنفذ إليه المقتدر مائتي بدرة دراهم على مائتي جمازة مع جابر بن أسلم صاحب شرطة الجانب الشرقي ببغداد وورد الخير من مصر في ذى القعدة بأن الاخبار تواترت عليهم بموت عبيد الله الشيعي فانصرف مونس يريد بغداد وعزل المقدر تكين عن مصر وولاه دمشق ونقل ذكا الاعور من حلب إلى مصر (وفى هذه السنة) صرف أبو إبراهيم بن بشر بن زيد أبا بكر الكريزى العامل عن أعمال قصر ابن هبيرة ونواحيه فطالبه وضربه بالمقارع حتى مات وحمل إلى مدينة السلام في تابوت (وفيها) مات القاسم(1/37)
ابن الحسن بن الاشيب ويكنى أبا محمد وكان قد حدث وحمل عنه الناس توفى لليلتين بقيتا من جمادى الاولى ولم يتخلف عن جنازته قاض ولا فقيه ولاعدل (وفيها) ماتت بدعة جارية عريب مولاة المأمون لست خلون من ذى الحجة
وصلى عليها أبو بكر بن المهتدى وخلفت مالا كثيرا وجوهرا وضياعا وعقارات فأمر المقتدر بالله بقبض ذلك كله وتوفيت ولها ستون سنة ما ملكها رجل قط * وقطع في هذه السنة بطريق مكة على حاتم الخراساني وعلى خلق عظيم معه خرج عليهم رجل من الحسينية مع بنى صالح بن مدرك الطائى فأخذوا الاموال واستباحوا الحرم ومات من سلم عطشا وسلمت القوافل غير قافلة حاتم (وأقام الحج) للناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي ثم دخلت سنة 303 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها ورد الخبر بأن رجلا من الطالبيين ثار بجهة واسط وانضم إليه جماعة من الاعراب والسواد وكان للاعراب رئيس يقال له محرز بن رباح وذلك أنه بلغهم بأن صاحب فارس والاهواز والبصرة بعث إلى حضرة السلطان من المال المجتمع قبله ثلثمائة ألف دينار حملت في ثلاث شذوات فطمعوا في انتهابها وأخذها وكمنوا للرسل في بعض الطريق ففطن بهم أهل الشذوات فأفلتت منها واحدة وصاعدت ورجعت الاثنتان إلى البصرة ولم يظفر الخارجون بشئ فصاروا إلى عقر وواسط وأوقعوا بأهلها وأحرقوا مسجدها واستابحوا الحرم وبلغ حامد بن العباس خبرهم وكان يتقلد أعمال الخراج والضياع بكسكر وكور دجلة وما اتصل بذلك فوجه من قبله محمد بن يوسف المعروف بخزرى وكان يتقلد له معونة واسط وضم إليه غلمانه وقوما فرض لهم فرضا وكتب إلى السلطان بالخبر فأمده بلؤلؤ الطولونى فلم يبلغ إليه لؤلؤ حتى قتل الطالبى ومحرز ابن رباح وأكثر الاعراب الخارجين معهما وأسر منهم نحو مائة أعرابي وكتب(1/38)
حامد بالفتح إلى المقتدر وبعث بالاسرى فأدخلوا مدينة السلام في جمادى الاولى
وقد ألبسوا البرانس وحملوا على الجمال فضجوا وعجوا وزعم قوم منهم أنهم براء فأمر المقتدر بردهم إلى حامد ليطلق البرئ ويقتل النطف فقتلهم أجمعين على جسر واسط وصلبهم (وفى هذه السنة) في جمادى الاولى ورد الخبر بأن الروم حشدوا وخرجوا على المسلمين فظفروا بقوم غزاة من أهل طرسوس وظفرت طائفة منهم أخرى بخلق كثير من أهل مرعش وشمشاط فسبوا من الملسمين نحوا من خمسين ألفا وعظم الامر في ذلك وعم حتى وجه السلطان بمال ورجال إلى ذلك الثغر فدارت على الروم بعد ذلك وقعات كثيرة (وفيها) كانت لهارون بن غريب الخال جناية وهو سكران بمدينة السلام على رجل من الخزر يعرف بجوامر دلقيه ليلا فضرب رأسه بطبرزين كان في يده فقتله بلا سبب فشغب رفقاؤه الذين كان في جملتهم وطلبوا هارون ليقتلوه فمنع منهم وكانوا نحو المائة فشكوا أمره وترددوا طالبين لاخذ الحق منه فلم ينظر لهم فلما أعوزهم ذلك خرجوا بأجمعهم إلى عسكر ابن أبى الساج وكان قد تحرك على السلطان وأنفذ إليه المقتدر رشيقا الحرمى ختن نصر الحاجب رسولا ليصرفه عن مذهبه فحبسه ابى الساج عند نفسه ومنعه أن يكتب كتابا إلى المقتدر ثم أنه أطلقه بعد ذلك وبعث بهدايا ومال فرضى عنه (وفيها) عظم أمر الحسين ابن حمدان بنواحي الموصل فأنفذ إليه السلطان أبا مسلم رائقا الكبير وكان أسن الغلمان المعتضدية وأعلاهم رتبة وكان فيه تصاون وتدين وحسن عقل فشخص ومعه وجوه القواد والغلمان فحارب الحسين بن حمدان وهو في نحو خمسة عشر ألفا فقتل رائق من قواد ابن حمدان جماعة منهم الحسن بن محمد بن أبا التركي وكان فارسا شجاعا مقداما وأبو شيخ ختن ابن أبى مسعر الارمينى ووجه الحسين ابن حمدان إلى رائق جماعة يسأله أن يأخذ له الامان وإنما أراد أن يشغله بهذا عن محاربته ومضى الحسين مصعدا ومعه الاكراد والاعراب وعشر عماريات فيها
حرمه وكان مونس الخادم قد انصرف من الغزاة وصار إلى آمد فوجه القواد(1/39)
والغلمان في أثر الحسين فلحقوه وقد عبر بأصحابه وأثقاله واديا وهو واقف يريد العبور في خمسين فارسا ومعه العماريات فكابرهم حتى أخذوه أسيرا وسلم عياله وأخذ ابنه أبو الصقر أسيرا فلما رأى الاكراد هذا عطفوا على العسكر فنهبوه وهرب ابنه حمزة وابن أخيه أبو الغطريف ومعهما مال ففطن بهما عامل آمد وكان العامل سيما غلام نصر الحاجب فأخذ ما معهما من المال وحبسهما ثم ذكر إن أبا الغطريف مات في الحبس فأخذ رأسه وكان الظفر بحسين بن حمدان يوم الخميس للنصف من شعبان ورحل مونس يريد بغداد ومعه الحسين بن حمدان واخوته على مثل سبيله وأكثر أهله فصير الحسين على جمل مصلوبا على نقنق وتحته كرسى ويدير النقنق رجل فيدور الحسين من موقفه يمينا وشمالا وعليه دراعة ديباج سابغة قد غطت الرجل الذى يدير النقنق ما يراه أحد وابنه الذى كان هرب من مدينة السلام أبو الصقر قد حمل بين يديه على جمل وعليه قباء ديباج وبرنس وكان قد امتنع من وضع البرنس على رأسه فقال له الحسين البسه يا بنى فان أباك البس البرانس أكثر هؤلاء الذين تراهم وأومأ إلى القتال وجماعة من الصفارية ونصبت القباب بباب الطاق وركب أبو العباس محمد بن المقتدر بالله وبين يديه نصر الحاجب ومعه الحربة وخلفه مونس وعلى بن عيسى وأخوه الحسين خلف جملة عظيمة عليهم السواد في جملة الجيش ولما صار الحسين بسوق يحيى قال له رجل من الهاشميين الحمدلله الذى أمكن منك فقال له الحسين والله لقد امتلات صناديقي من الخلع والالوية وأفنيت أعداء الدولة وإنما أصارنى إلى هذا الخوف على نفسي وما الذى نزل بى إلادون ما سينزل بالسلطان إذا فقد من أوليائه مثلى وبلغ الدار ووقف بين يدى المقدتر بالله ثم سلم إلى نذير الحرمى فحبسه في حجرة
من الدار وشغب الغلمان والرجالة يطلبون الزيادة ومنعوا من الدخول على مونس أو على أحد من القواد ومضوا إلى دار على بن عيسى الوزير فأحرقوا بابه وذبحوا في اصطبله دوابه وعسكروا بالمصلى ثم سفر بالامر بينهم فدخلوا واعترفوا بخطئهم وكان الغلمان سبعمائة وكان الرجالة خلقا كثيرا فوعدهم مونس الزيادة فزيدوا شيئا يسيرا(1/40)
فرضوا * وفى آخر شهر رمضان أدخل خمسة نفر أسارى من أصحاب الحسين فيهم حمزة ابنه ورجل يقال له على بن الناجى لثلاث بقين من هذا الشهر ثم قبض على عبيد الله وابراهيم ابني حمدان وحبسا في دار غريب الخال ثم أطلقا (وفى هذه السنة) في صفر قلد ورقاء بن محمد الشيباني معونة الكوفة وطريق مكة وعزل عن الكوفة إسحاق ابن عمران وكان عقده على طريق مكة وقصبة الكوفة وأربعة من طساسيجها طسوج السيلحين وطسوج فرات بادقلا وطسوج بابل وخطر نية والخرب وطسوج سورا وخلع عليه وعقد له لواء (وفى هذه السنة) أغلظ على بن عيسى لاحمد بن العباس أخى أم موسى وقال له قد أفنيت مال السلطان ترتزق في كل شهر من شهور الاهلة سبعة آلاف دينار وكتب رقعة بتفصيلها فلم تزل أم موسى ترفق لعلى بن عيسى إلى أن أمسك عنه (وفى هذه السنة) نظر على بن عيسى بعين رأيه إلى أمر القرامطة فخافهم على الحاج وغيرهم فشغلهم بالمكاتبة والمراسلة والدخول في الطاعة وهاداهم واطلق لهم التسوق بسيراف فردهم بذلك وكفهم فخطأه الناس فلما عاينوا بعد ذلك ما فعله القرامطة حين أخرجوا علموا أن الذى فعله على صواب كله وشنع على على بن عيسى بهذا السبب أنه قرمطى ووجد حساده السبيل إلى مطالبته بذلك وكان الرجل أرجح عقلا وأحسن مذهبا من الدخول فيما نسب إليه (وفى هذه السنة) مات أبو الهيثم بن ثوابة الاكبر بالكوفة في الحبس بعد أن أخذ منه إسحاق بن عمران مالا جليلا للسلطان ولنفسه وقيل
إنه احتال في قتله خوف أن يقر عليه يوما بما أخذ منه لنفسه (وفيها) مات الفضل بن يحيى بن فرخان شاه الديرانى النصراني من ديرقنا فقبض السلطان على جميع أملاكه وكانت له عند رجل مائة وخمسون ألف دينار فأخذت من الرجل ووجه شفيع المقتدرى ومعه غلمان وخدم إلى قنا فأحصوا تركته وضياعه (وفيها) مات إدريس بن إدريس العدل في القادسية وهو حاج إلى مكة وكان أمره قد علا في التجارة والمكانة عند السلطان وكان يحج في كل سنة ويحمل معه مالا ينفقه على من احتاج إلى النفقة قال محمد بن يحيى الصولى أنا سمعته يوما(1/41)
يقول يلزمنى كل سنة في الحج نفقة غير ما أصرفه في أبواب البر خمسة آلاف دينار (وفيها) مات أبو الاغر السلمى فجاءة لسبع خلون من ذى الحجة قال نصف النهار بعد أن تغدى ثم حرك للصلاة فوجد ميتا (وأقام الحج للناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي ثم دخلت سنة 304 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس وفى المحرم من هذه السنة ورد كتاب صاحب البريد بكرمان يذكر أن خالد بن محمد الشعرانى المعروف بأبى يزيد وكان على بن عيسى الوزير ولاه الخراج بكرمان وسجستان خالف على السلطان ودعى أميرا وجمع الناس إلى نفسه وضمن لهم الاموال على أن ينهضوا معه لمحاربة بدر الحمامى صاحب فارس وضمن لقواد كانوا معه مالا عظيما وعجل لهم منه بعضه حتى اجتمع له نحو عشرة آلاف فارس وراجل وكان ضعيف الرأى ناقص القريحة فكتب المقتدر إلى بدر الحمامى في إنفاذ جيش إليه ومعاجلته فوجه إليه بدر قائدا من قواده يعرف بدرك وضم إليه من جنده ورجال فارس عسكرا كثيرا وكتب بدر قبل إنفاذ الجيش
إلى أبى يزيد الشعرانى يرغبه في الطاعة ويتضن له العافية مع الانهاض في المنزلة وخوفه وبال المعصية فجاوبه أبو يزيد والله ما أخافك لانى فتحت المصحف فبدر إلى منه قول الله عز وجل " لا تخاف دركا ولا تخشى " ومع ذلك ففى طالعي كوكب بيبانى لابد أن يبلغني غاية ما أريد فأنفذ بدر الجيش إليه وحوصر حتى أخذ أسيرا فقيلت فيه أشعار منها يا أبا يزيد قائل البهتان * لا تغترر بالكوكب البيبانى وأعلم بأن القتل غاية جاهل * باع الهدى بالغى والعصيان قد كنت بالسلطان عالى رتبة * من ذا الذى أغراك بالسلطان ثم أتى الخبر بأن أبا يزيد هذا مات في طريقه فحمل رأسه إلى مدينة السلام ونصب على سور السجن الجديد وعزل يمن الطولونى عن إمارة البصرة ووليها(1/42)
الحسن بن خليل بن ريمال على يدى شفيع المقتدرى إذ كانت إمارتها إليه ذكر التقبض على على بن عيسى الوزير وولاية على بن الفرات ثانية وقبض في هذه السنة على الوزير على بن عيسى يوم الاثنين لثمان ليال خلون من ذى الحجة ونهبت منازل إخوته ومنازل حاشيته وذويا وحبس في دار المقتدر وقلد الوزارة في هذا اليوم على بن محمد بن موسى بن الفرات وخلع عليه سبع خلع وحمل على دابة بسرجه ولجامه فجلس في داره بالمخرم المعروفة بدار سليمان بن وهب وردت عليه أكثر ضياعه التى كانت قبضت منه عند التسخط عليه وظهر من كان استتر بسببه من صنائعه ومواليه وذكر عنه أنه لما ولى ابن الفرات الوزارة وخلع عليه بالغداة زاد ثمن الشمع في كل من منه قيراط ذهب لكثرة ما كان ينفقه منه في وقيده وينفق بسببه وزاد في ثمن القراطيس لكثرة استعماله إياها فعد الناس ذلك من فضائله وكان اليوم الذى خلع عليه فيه يوما شديد الحر
فحدثني ابن الفضل بن وارث أنه سقى في داره في ذلك اليوم وتلك الليلة أربعون ألف رطل من الثلج وركب على بن محمد إلى المسجد الجامع ومعه موسى بن خلف صاحبه فصيح به الهاشميون قد أسلمنا وضجوا في أمر أرزاقهم فأمر ابن الفرات من كان معه ألا يكلمهم في شئ فأفرطوا في القول فأنكر ذلك المقتدر وأمر بأن يحجب أصحاب المراتب عن الدار فصار مشايخهم إلى ابن الفرات واعتذروا إليه وقالوا له هذا فعل جهالنا فكلم الخليفة فيهم حتى رضى عنهم وضم إلى ابن الفرات جماعة من الغلمان الحجرية ليركبوا بركوبه ويكونوا معه في كل موضع يكون فيه (وفيها) ورد الكتاب من خراسان يذكر فيه أنه وجد بالقند هار في ابراج سورها برج متصل بها فيه خمسة آلاف رأس في سلال من حشيش ومن هذه الرؤس تسعة وعشرون رأسا في أذن كل رأس منها رقعة مشدودة بخيط ابريسم باسم كل رجل منهم والاسماء شريح بن حيان، خباب بن الزبير، الخليل بن موسى التميمي، الحارث بن عبد الله، طلق بن معاذ السلمى، حاتم بن حسنة هانئ بن عرة وعمر بن علان، جرير بن عباد المدنى، جابر بن خبيب بن الزبير،(1/43)
فرقد بن الزبير السعدى، عبد الله بن سليمان بن عمارة، سليمان بن عمارة، مالك بن طرخان صاحب لواء عقيل ابن لسهيل بن عمرو، عمرو بن حيان، سعيد بن عتاب الكندى، حبيب بن أنس، هارون بن عروة، غيلان بن العلاء، جبريل بن عبادة، عبد الله البجلى، مطرف بن صبح ختن عثمان بن عفان رضى الله عنه وجدوا على حالهم الا أنهم قد جفت جلودهم والشعر عليها بحالته لم يتغير وفى الرقاع من سنة 70 من الهجرة (وفى هذه السنة) عزل يمن الطولونى عن شرطة بغداد ووليها نزار بن محمد الضبى * وفى المحرم من هذه السنة توفى عبد العزيز بن طاهر بن عبد الله بن طاهر أخو محمد بن طاهر وكان عبدا صالحا حسن المذهب كثير الخير ودفن في مقابر
قريش وصلى عليه مطهر بن طاهر (وفيها) مات محدث عدل يعرف بأبى نصر الخراساني في جمادى الاولى (وفيها) مات أبو الحسن أحمد بن العباس بن الحسن الوزير في شعبان وكان قد عنى بالادب ورشح نفسه للوزارة وأهله قوم لها (وفيها) مات لؤلؤ غلام ابن طولون (وفيها) مات أبو سليمان داود بن عيسى ابن داود بن الجراح قبل القبض على أخيه على بن عيسى بشهرين فلم يتخلف أحد عن جنازته من الاجلاء (وفى هذه السنة) قدم طرخان بن محمد بن اسحاق بن كنداجيق من الدينور حاجا في شهر رمضان فركب إلى الوزير على بن عيسى يوم الاثنين لاحدى عشرة ليلة بقيت من شوال وليس عنده خبر فعزاه الوزير عن أبيه فجزع عليه جزعا شديدا وخلع عليه في يوم الخميس بعد ثلاثة أيام وعقد له لواء على أعمال أبيه فكتب إلى أخيه يستخلفه على العمل ونوظر عن الاعمال التى كانت إلى أبيه فقطع الامر معه على ستين ألف دينار حملها عنه حمد كاتبه وجئ بتابوت محمد بن اسحاق لاربع بقين من شوال ودفن في داره بالجانب الغربي (وأقام الحج) للناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي ثم دخلت سنة 305 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها دخل مدينة السلام رسل ملك الروم ورئيساهم شيخ وحدث ومعهما(1/44)
عشرون علجا فأنزلوا الدار التى كانت لصاعد ووسع عليهم في الانزال والوظائف ثم أدخلوا بعد أيام إلى دار الخليفة من باب العامة وجئ بهم في الشارع الاعظم وقد عبى لهم المصاف من باب المخرم إلى الدار فأنزل الرئيسان عن دابتهما عند باب العامة وأدخلا الدار وقد زينت المقاصير بانواع الفرش ثم أقيما من الخليفة على نحو مائة ذراع والوزير على بن محمد بين يديه قائم والترجمان واقف يخاطب الوزير والوزير يخاطب
الخليفة وقد أعد من آلات الذهب والفضة والجوهر والفرش ما لم ير مثله وطيف بهما عليه ثم صير بهما إلى دجلة وقد أعدت على الشطوط الفيلة والزرافات والسباع والفهود وخلع عليهما وكان في الخلع طيالسة ديباج مثقلة وأمر لكل واحد من الاثنين بعشرين ألف درهم وحمل في الشذا مع الذين جاؤا معهما وعبر بهما إلى الجانب الغربي وقد مد المصاف على سائر شراع دجلة إلى أن مر بهما تحت الجسر إلى دار صاعد وذلك يوم الخميس لست بقين من المحرم وقدم إبراهيم بن أحمد الماذرائى من مكة فقبض عليه ابن الفرات وأغلظ له وصادره على مال عجل بعضه ونجم الباقي عليه وكتب ابن الفرات إلى على بن أحمد بن بسطام المتقلد لاعمال الشأم في المصير إلى مصر والقبض على الحسين بن أحمد المعروف بأبى زنبور وعلى ابن أخيه أبى بكر محمد بن على وحملهما إلى مدينة السلام على جمازات ونفذ إليه بهما من بغداد بعد مصادرتهما والاستقصاء عليهما وحمل مال المصادرة إلى مدينة السلام وقد كانا قبل ذلك ظفرا بابن بسطام فأحسنا إليه فجازاهما ابن بسطام ايضا بأن رفق بهما وحسن أمورهما وغنى بهما بعض حاشية السلطان ببغداد وقيل للخليفة إن الوزير إنما وجه في قتلهما فأنفذ خادما من ثقات خدمه على الجمازات في طريق البرية إلى دمشق ومنها إلى مصر وأمر ابن بسطام ألا يناظرهما إلا بحضرة الخادم الموجه إليه وألا يعنف عليهما وكان ذلك مما يحبه ابن بسطام لانه كان أساء بهما غاية الاساءة وأخذ منهما مالا جليلا يقال إنه احتجنه وتقلد أبو الطيب أخوه مناظرة ابن بسطام رفقا به أيضا ولم يشتدا عليه في شئ مما كان إليه وأحسنا إليه وسلماه إلى تكين صاحب مصر(1/45)
ليناظر بحضرته فنسب أبو الطيب بفعله ذلك إلى العجز وقال فيه بعض الشعراء بمصر شعرا ذكرته لما فيه من مذهبهم في شنعة التعذيب والاستقصاء
يا أبا الطيب الذى أظهر الل * ه به العدل ليس فيك انتصار قد تأنيت وانتظرت فهل بع * د تأنيك وقفة وانتظار جد بالخائن البخيل فكشف * ه ففى كشفه عليه دمار أين ضرب المقارع الارزنيا * ت وأين الترهيب والانتهار اين صفع القفا وأين التهاوي * ل إذا علقت عليه الثفار أين ضيق القيود والالسن الف * ظة أين القيام والاخطار أين عرك الآذان واللطم للها * م وعصر الخصا وأين الزيار أين نتف اللحا وشد الحيازي * م وأين الحبوس والمضمار ليس يرضى بغير ذا منك سلطا * نك فاشدد فإن رفقك عار فبهذا يجيك مالك فاسمع * وإليك الخيار والاختيار وقبض ببغداد على ابن أخت إبراهيم بن أحمد الماذرائى وهو أبو الحسين محمد بن أحمد وكان يكتب لبدر الحمامى ويخلف أبا زنبور وأبا بكر محمد بن على وطالبه ابن الفرات بأموال فأغرمه وأخذ جميع ما وجد له في داره (وفى هذه السنة) ورد الخبر بأن الحسن بن خليل بن ريمال أمير البصرة من قبل شفيع المقتدرى أساء السيرة في البصرة ومديده إلى أمور قبيحة ووظف على الاسواق وظائف فوثبوا به فركب وأحرق السوق التى حول الجامع وركضت خيله في المسجد وقتلوا جماعة من العامة ممن كان في المسجد ولم تصل الجمعة في ذلك اليوم ثم كثر أهل البصرة فحاصروه في داره بموضع يعرف ببنى نمير واجتمع أصحابه إليه إلى أن تقدم المقتدر إلى شفيع المقتدرى بعزله فعزله وولى رجلا من أصحابه يعرف بابن أبى دلف الخزاعى فانحدر وأفرج أهل البصرة للحسن بن خليل حين خرج وقد كان أهل البصرة طلقوا المحبوسين ومنعوا من صلاة الجمعة شهرا متواليا * (وفى هذه السنة) ورد رجل من عسكر ابن أبى الساج يعرف بكلب الصحراء في الامان فذكر أنه(1/46)
علوى وأن ابن أبى الساج كان يعتقله وأنه هرب منه فأجرى له ثلثمائة دينار في المجتازين وكتب إلى ابن أبى الساج بذلك فدس إليه من يناظره عن نسبه وكان قد تزوج بامرأة ابن أبى ناظرة وهى ابنة الحسن بن محمد بن أبى عون فأحضر ابن طومار النقيب فناظره وكان دعيا فسلم إلى نزار بن محمد صاحب الشرطة ببغداد فوضعه في الحبس * وفى شوال من هذه السنة دخل مونس الخادم إلى الرى لمحاربة ابن أبى الساج بعد أن هزم ابن أبى الساج خاقان المفلحى فما ترك أحدا من أصحابه يتبعه ولا يأخذ من أصحابه شيئا ودخل ابن الفرات إلى المقتدر بالله فأعلمه أن على ابن عيسى كتب إلى ابن أبى الساج يأمره أن يصير إلى الرى حيلة على الخليفة وتدبيرا عليه فسمع المقتدر بالله هذا الكلام من ابن الفرات فلما خرج سأل على ابن عيسى عنه وكان محبوسا عنده في داره فقال له على الناحية التى أنهضت إليها ابن أبى الساج منغلقة بأخى صعلوك فكتبت إليه بمحاربته ولا أبالى من قتل منهما وقد استأذنت أمير المؤمنين في فعلى هذا فأذن فيه وسألته التوقيع به فوقع وتوقيعه عندي فأحضر التوقيع فحسن موقع ذلك له من المقتدر ووسع على على بن عيسى في محبسه ولم يضيق عليه (وفيها) ورد الخبر بقتل عثمان العنزي القائد والى طريق خراسان وأدخل بغداد في تابوت ثم ظفر بقاتله وكان رجلا كرديا من غلامن علان الكردى فضرب وثقل بالحديد حتى مات (وفيها) وردت هدايا أحمد بن هلال صاحب عمان على المقتدر بالله وفيها ألوان الطيب ورماح وطرائف من طرائف البحر فيها طير صينى اسود يتكلم أفصح من الببغا بالهندية والفارسية وفيها ظباء سود (وفيها) قدم القاسم بن سيما الفرغانى من مصر بعد أن عظم بلاؤه وحسن أثره في حرب حباسة قائد الشيعة بمصر وكان أهل مصر قد هزموا ودار سيف أهل المغرب بهم حتى لحقهم القاسم
فنجاهم كلهم وهزم حباسة وأصحابه فركبوا الليل ووردت كتب أهل مصر وصاحب البريد بها يذكرون جليل فعله وحسن مقامه وهو لا يشك في أن السلطان يجزل له العطاء ويقطعه الاقطاع الخطيرة ويوليه الاعمال العالية فلما(1/47)
وصل إلى باب الشماسية أقاموه بها ومنعوه الدخول إلى أن مل وضجر ثم أذنوا له في الوصول فاعتدوا بذلك نعمة عليه وكان القاسم رجل صدق كثير الفتوح حسن النية فلم يزل منذ دخل بغداد كمدا عليلا إلى أن توفى في آخر هذه السنة يوم الجمعة لسبع ليال بقين من ذى الحجة (وفيها) ماتت بنت للمقتدر فدفنت بالرصافة وحضرها آل السلطان وطبقات الناس (وفيها) مات القاسم بن زكرياء المطرز المحدث في صفر * وفى شهر ربيع الآخر مات القاسم بن غريب الخال ولم يتخلف عن جنازته أحد من القواد والاجلاء وركب ابن الفرات الوزير إلى غريب معزيا في عشى ذلك اليوم الذى دفن ابنه في غداته (وفى هذا الشهر) ورد الخبر بموت العباس بن عمرو الغنوى وكان عامل ديار مضر ومقيما بالرقة فحمل ما تخلف من المال والاثاث والسلاح والكراع إلى المقتدر واضطرب بعد موته أمر ديار مضر فقلدها وصيف البكتمرى فلم يظهر منه فيها أثر يرضى فعزل وقلدها جنى الصفوانى فضبطها (وفيها) مات عبد الله بن إبراهيم المسمعى يوم السبت لتسع ليال بقين من شهر ربيع الآخر ودفن في داره التى أقطعها بباب خراسان وكان عبد الله بن إبراهيم المسمعى عاقلا عالما قد كتب الحديث وسمع عن الرياشى سماعا كثيرا وكان حسن الحفظ وكان ابنه عالما إلا أنه كان دونه (وفيها) مات سبكرى غلام عمرو بن الليث الصفار ببغداد (وفيها) مات غريب خال المقتدر يوم الاربعاء لثمان بقين من جمادى الآخرة وصلى عليه أحمد بن العباس الهاشمي أخو أم موسى
ودفن بقصر عيسى وحضر جنازته الوزير على بن محمد وجميع حاشيته والقواد والقضاة وكان نصر الحاجب قد أحس من المقتدر سوء رأى في الوزير ابن الفرات واستثقالا لمكانه وعملا في الايقاع به فوجه نصر إلى المقتدر يشعره بأن ابن الفرات قد حضر الجنازة في جميع أهله وحاشيته وقال له إن كنت عازما على إنفاذ أمرك فيهم فاليوم أمكنك إذ لا تقدر على جمعهم هكذا فوجه المقتدر أخر هذا فليس وقته وخلع بعد جمعة من ذلك اليوم على(1/48)
هارون بن غريب وقلد ما كان يتقلد أبوه من الاعمال وعقد له لواؤه بعد ذلك (وفى هذه السنة) مات مصعب بن إسحاق بن إبراهيم يوم الاحد سلخ شعبان وقد بلغ سنا عالية وصلى عليه الفضل بن عبد الملك إمام مكة وكان آخر من بقى من ولد إسحاق بن إبراهيم وانتهت إليه وصيته وكان أعيا الناس لسانا وأكثرهم في القول خطلا وكان طويل اللحية مغفلا إلا أنه كان صالحا وكتب الحديث ورواه وله أخبار وكتب مصحفة منهاما كتب به إلى أهله من القادسية لما حج وألفى هذا الكتاب بخطه فحكيته على ألفاظه (بسم الله الرحمن الرحيم) كتاب إليكم من القادسية وكنت قد أغفلت أمر الاحاضى فقوالبن أبو الورد يعنى وكيلا له يشترى لكم ثلاث بقرات يحضيها على أحد وعشرين أمهات الاولاد اثنى عشر وأبى وأمى تمام العشرين وأنا آخرهم الحاود والعشرين فرأيكم في ذلك تعجيله إن شاء الله * وقال فيه بعض جيرانه من الشعراء: وصى إسحاق يا بنى صدقه * عما قليل سيأخذ الصدقة ضد لاسحاق في براعته * يظهر من غير منطق حمقه وإن أتى بالكلام بدله * فقال في حلقة لنا لحقه وورد الخبر من فارس بموت إسحاق الاشروسنى ؟ ؟ وكان قد تقلد شرطة
الجانب الشرقي من بغداد (وأقام الحج في هذه السنة) ابن الفضل بن عبد الملك وأبوه حاضر معه ثم دخلت سنة 306 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها ورد الخبر بوقعة كانت بين مونس الخادم وبين يوسف بن أبى الساج وذلك يوم الاربعاء لثمان ليال خلون من صفر فكانت الهزيمة على مونس وأصحابه ولحق نصر السبكى مونسا وهو منهزم وبين يديه مال فأراد أسره وأخذ المال الذى كان بيده فوجه إليه يوسف لا تعرض له ولا شئ مما معه وأسر في هذه الوقيعة جماعة من القواد فأكرمهم يوسف وخلع عليهم وحملهم ثم أطلقهم فود(1/49)
من كان في عسكر مونس أنهم أسروا (وفى هذه السنة) أمرت السيدة أم المقتدر قهرمانة لها تعرف بمثل أن تجلس بالرصافة للمظالم وتنظر في كتب الناس يوما في كل جمعة فأنكر الناس ذلك واستبشعوه وكثر عيبهم له والطعن فيه وجلست أول يوم فلم يكن لها فيه طائل ثم جلست في اليوم الثاني وأحضرت القاضى أبا الحسن فحسن أمرها وأصلح عليها وخرجت التوقيعات على سداد فانتفع بذلك المظلومون وسكن الناس إلى ما كانوا نافروه من قعودها ونظرها (وفيها) أمر المقتدر يمنا الطولونى وكانت إليه الشرطة ببغداد بأن يجلس في كل ربع من الارباع فقيها يسمع من الناس ظلاماتهم ويفتى في مسائلهم حتى لا يجرى على أحد ظلم وأمره ألا يكلف الناس ثمن الكاغد الذى تكتب فيه القصص وأن يقوم به وألا يأخذ الاعوان الذين يشخصون مع الناس أكثر من دانقين في أجعالهم (وفى هذه السنة) استطاب المقتدر الزبيدية فسكنها وأقام بها مدة ونقل إليها بعض الحرم ورتب القواد في مضاربهم حوالى الزبيدية وجلس في يوم سبت
لاطعامهم ووصل جماعة منهم وشرب مع الحرم وفرق عليهن مالا كثيرا * قال محمد ابن يحيى الصولى ووافق هذا اليوم قصدي إلى نصر الحاجب مسلما عليه فأمرني بعمل شعر أصف فيه حسن النهار وأن أوصله إلى المقتدر ففعلت وما برحت من عنده حتى جاء خادم لام موسى ومعه خمسة آلاف درهم فقال هذه للصولي وقد استحسن أمير المؤمنين الشعر وكان أولها لها كل يوم من تعتبه عتب * تحملني ذنبا وما كان لى ذنب (وفيها) كواكب سعد قابلتها منيرة * فلا شخصها يخفى ولا نورها يخبو وأطلع أفق الغرب شمس خلافة * وما خلت أن الشمس يطلعها الغرب تلبس حسنا بالخليفة جعفر * وأشرق من إشراقه البعد والقرب بمقتدر بالله عال على الهوى * له من رسول الله منتسب رحب ولها هزم ابن أبى الساج مونسا الخادم أرجف الناس بالوزير ابن الفرات وأكثروا الطعن عليه ونسبوا كل ما حدث إلى تضييعه وانكفى عليه أعداؤه(1/50)
ومن كان يحسده وأغرى الخليفة به فكتبت رقعة وأخرجت من دار السلطان إلى على ابن عيسى وهو محبوس وسمى له فيها جماعة ليقول فيهم بمعرفته وليستوزر من يشير منهم وكان في جملة التسمية إبراهيم بن عيسى فوقع تحته شره لا يصلح ووقع تحت اسم ابن بسطام كاتب سفاك للدماء ووقع تحت اسم ابن أبى البغل ظالم لادين له ووقع تحت اسم حامد بن العباس عامل موسر عفيف قد كبر ووقع تحت اسم الحسين ابن أحمد الماذرائى لا علم لى به وقد كفى مافى ناحيته ووقع تحت اسم أحمد ابن عبيد الله بن خاقان أحمق متهور ووقع تحت اسم سليمان بن الحسين بن مخلد كاتب حدث ووقع تحت اسم ابن أبى الحوارى لا إله إلا الله فأجمع رأى المقتدر ومن كان يشاوره على تقليد حامد بن العباس الوزارة وأعان على ذلك نصر الحاجب
ورآه صوابا فأنفذ المقتدر حاجبه المعروف بابن بويح للاقبال بحامد وقبض على على ابن محمد بن الفرات يوم الخميس بعد العصر لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر وعلى من ظفر به من آله وحاشيته فكانت وزارته في هذه المدة سنة وخمسة أشهر وتسعة عشر يوما وفر ابنه المحسن من ديوان المغرب وكان يليه فدخل إلى منزل الحسين بن أبى العلاء فلم يستتر أمره وأخذ فجئ به إلى دار السلطان ودخل حامد بن العباس ببغداد يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الاولى عشيا فبات في دار نصر الحاجب التى في دار السلطان ووصل يوم الثلاثاء من غدوة إلى المقتدر وخلع عليه بعد أن تلقاه الناس من نهر سابس إلى بغداد ولم يتخلف عنه أحد ورأى السلطان ومن حوله ضعف حامد وكبره فعلموا أنه لابد له من معين فأخرج على بن عيسى بن محبسه وأنفذ إلى الوزير حامد ومعه كتاب من الخليفة يعلمه فيه أنه لم يصرف عليا عن الوزارة لخيانة ولا لشئ أنكره ولكنه واصل الاستعفاء فعوفى قال وقد أنفذته اليك لتوليه الدواوين وتستخلفه وتستعين به فان ذلك أجمع لامورك وأعون على جميل نيتك فسلم الكتاب إلى الوزير شفيع المقتدرى فتطاول لعلى بن عيسى حين دخل إليه وأجلسه إلى جانبه فابى عليه وجلس منزويا قليلا وقرأ الرقعة وأجاب فيها(1/51)
بالشكر والقبول وركب الوزير حامد وعلى بن عيسى إلى الجمعة وكثر دعاء الناس لهما وولى ابن حماد الموصلي مناظرة ابن الفرات بحضرة شفيع اللؤلؤي وأحضر حامد بن العباس المحسن بن على بن محمد بن الفرات وموسى بن خلف فطالبهما بالمال وأسرف في صفعهما وضربهما وشتمهما فقال له موسى بن خلف أعز الله الوزير لاتسن هذا على أولاد الوزراء فان لك أولادا فغاظه ذلك فزاد في عقوبته فحمل من بين يديه وتلف وأوقع بالمحسن فأمر المقتدر بالله باطلاق
المحسن فأطلق ولما بلغ ابن الفرات الخبر أظهر أنه رأى أخاه في النوم كأنه يقول له أعطهم مالك فانك تسلم فاستدعى ابن الفرات أن يسمع الخليفة منه فأحضره فأقر له بأن له قبل يوسف بن بنخاس وهارون بن عمران الجهبذين اليهوديين سبعمائة ألف دينار فأحضرهما حامد فأقرا بالمال فأخذه منهما وأقر بمائة ألف دينار له عند بعض أسبابه فأخذت وأخذوا قبل ذلك منه نحو مائتي ألف دينار فكانت الجملة التى أخذت منه ومن أسبابه ألف ألف دينار وكان السلطان أنفذ جمازات إلى الحسين بن أحمد الماذرائى يأمره بالقدوم فأرجف الناس ان ذلك للوزارة وقيل أيضا ليحاسب عن أعماله فقدم إلى بغداد للنصف من شهر رمضان سنة 6 وأهدى إلى الخليفة هدايا جليلة وإلى السيدة وحمل مالا وأهدى إلى على بن عيسى مالا وهدايا فردها وأمره أن يحملها إلى السلطان وأخرج ابن الفرات واجتمعت الجماعة لمناظرته فأقر الحسين بن أحمد انه حمل إليه عند تقلده الوزراة في الدفعة الثانية ستمائة ألف دينار فأقر بوصول المال إليه وذكر وجوها يترفه فيها فقبل بعض ذلك وألزم الباقي ورد الحسين بن أحمد على مصر وأعمالها وأخوه على الشأم وشخص إليها لست بقين من ذى القعدة وخرج توقيع الخليفة بإسقاط جميع ما صودر عليه الحسين بن أحمد وابن أخيه محمد بن على بن أحمد والاقتصار بهما من جميع ذلك على مائتي ألف دينار * وورد الخبر يوم التروية سنة 306 بأن أحمد بن قدام ابن أخت سبكرى وكان أحد قواد كثير بن أحمد أمير سجستان وثب على كثير فقتله وملك البلد وكاتب السلطان بمقاطعته على(1/52)
البلد وكان كثير هذا يحجب أبا يزيد خالد بن محمد المقتول الذى ذكرنا أمره قبل هذا (وفيها) وثب جماعة من الهاشميين على على بن عيسى حين تأخرت أرزاقهم وقد خرج من عند حامد بن العباس وشتموه وزنوه وخرقوا دراعته
وأرجلوه فخلصه القواد منهم فحاربوهم وضربوا ضربا شديدا واتصل ذلك بالمقتدر بالله فأمر فيهم بأمور عظام وأن ينفوا إلى البصرة مقيدين فحملوا في سفينة مطبقة بعد أن ضرب بعضهم بالدرة وأمر بأن يحبسوا في المحبس فلما وصلوا أجلسهم سبك الطولونى أمير البصرة على حمير مقدين وأدخلهم إلى دار في جانب المحبس وكلمهم بجميل ووعدهم وفرق فيهم أموالا إلا أنه أسر ذلك ثم نفذ الكتاب بإطلاقهم فأحسن إليهم سبك الطولونى وأحضرهم وزادهم وصنع لهم طعاما ثم وصلهم وأكريت لهم سميريات فكان مقامهم بالبصرة عشرة أيام ووصلهم حامد وأم موسى وأخوها وعلى بن عيسى (وفى هذه السنة) أخذ من القاضى محمد بن يوسف مائة ألف دينار وديعة كانت لابن الفرات وزفت ابنة القاسم بن عبيد الله إلى أبى أحمد بن المكتفى بالله فعملت لهما وليمة أنفق فيها مال جليل يزيد على عشرين ألف دينار (وفيها) عزل نزار بن محمد عن شرطة بغداد ووليها محمد بن عبد الصمد ختن تكين من قواد نصر الحاجب (وفيها) مات اسحاق بن عمران يوم الاربعاء لسبع خلون من صفر (وفيها) مات محمد ابن خلف وكان إليه قضاء الاهواز وولى ابن البهلول قاضى الشرقية مكانه (وفيها) ورد الخبر في أول جمادى الاولى بوفاة عج بن حاج أميرا الحجاز فكتب السلطان إلى أخيه أن يلى مكانه (وفيها) مات القاضى أحمد بن عمر بن سريج وكان أعلم من بقى بمذهب الشافعي وأقومهم به ودفن يوم الثلاثاء لخمس بقين من ربيع الآخر (وفى هذه السنة) مات الحسين بن حمدان في الحبس وقد قيل قتل وقد كان على بن محمد بن الفرات تضمن عنه قبل القبض عليه أن يغرم للسلطان مالا عظيما يقيم به الكفلاء فعورض في ذلك وقيل له انما يريد الحيلة على الخليفة فأمسك (وحج بالناس) في هذه السنة أبو بكر أحمد بن العباس أخو أم موسى(1/53)
تم دخلت سنة 307 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها أشخص عبد الله بن حمدان إلى مونس الخادم لمعاونته على حرب يوسف ابن أبى الساج فواقعه باردبيل وانهزم ابن أبى الساج فأسر وأدخل مدينة السلام مشهرا عليه الدراعة الديباج التى ألبسها عمرو بن الليث الصفار وألبس برنسا طويلا بشفاشج وجلاجل وحمل على الفالج وأدخل من باب خراسان فساء الناس ما فععل به إذ لم تكن له فعلة ذميمة في كل من أسره أو ظفر به وحمل مونس وكسى وخلع على وجوه أصحابه ووكل المقتدر بابن أبى الساج وحبس في الدار وأمر بالتوسع عليه في مطعمه ومشربه وهرب سبك غلام ابن أبى الساج عند الوقيعة وكان صاحب أمره كله ومدبر جيشه وهرب معه أكثر رجال ابن أبى الساج فقال مونس ليوسف اكتب إلى سبك في الاقبال اليك فان ذلك مما يرفق الخليفة عليك ففعل ابن أبى الساج وكتب إلى سبك فجاوبه إنى أفعل حتى أعلم صنعهم فيك وإحسانهم اليك فحينئذ آتى طائعا وكانت لابن أبى الساج أشعار وهو محبوس منها أقول كما قال ابن حجر أخو الحجى * وكان امرءا راض الامور ودوسا فلو أنها نفس تموت سوية * ولكنها نفس تساقط أنفسا ولست بهياب المنية لو أتت * ولم أبق رهنا للتأسف والاسى أجازي على الاحسان في ما فعلته * وقدمته ذخرا جزاء الذى أسا وإنى لارجو أن أووب مسلما * كما سلم الرحمن في اليم يونسا فأجزى إمام الناس حق صنيعه * وأمنح شكرى ذا العناية مونسا وفيها ركبت أم موسى القهرمانة بهدية أمرت أم المقتدر بتهيئتها وإهدائها عن بنات غريب الخال لازواجهن بنى بدر الحمامى فسارت أم موسى في موكب عظيم فيه الفرسان والرجالة وقيد بين يديها اثنا عشر فرسا بسروجها ولجمها منها ستة
بحلية ذهب وستة بحلية فضة مع كل فرس خادم بجنبه عليه منطقة ذهب وسيوف(1/54)
بمناطق ذهب وأربعون طختا من فاخر الثياب ومائة ألف دينار مسيفة كل ذلك هدية من قبل النساء إلى أزواجهن * وفيها قدم أبو القاسم بن بسطام من مصر إلى بغداد بعد أن كتب إليه في القدوم في دارة أدارها على بن عيسى عليه ومطالبة ذهب إلى أخذه بها فلما قدم وجه إلى الخليفة والى السيدة بهدية فخيمة وأموال جزيلة فقطعا عنه مطالبة على بن عيسى وانقطع بنفسه إلى الوزير حامد فاعتنى به وكان ذلك سببا لفساد ما بين الوزير حامد وبين على بن عيسى ووقعت بينهما ملاحاة خرجا معها إلى التهاتر والتساب وبعث ذلك حامد الوزير إلى أن يضمن للخليفة فيما كان يتقلده على وأحمد ابنا عيسى أموالا عظيمة فأجيب إلى ذلك واستعمل حامد عليها عبيد الله بن الحسين بن يوسف فبلغته عنه بعد ذلك خيانة أقلقته فاستأذن الخليفة وشخص من بغداد إلى واسط وأقام بها أياما وانحدر منها إلى الاهواز وأحكم ما أراد وأوفى ما عليه من الاموال مقسطا في كل شهر سوى ما وهب وأنفق فزعم أنه وهب مائة ألف دينار وأنفق مائة ألف دينار وقدم إلى بغداد في غرة ذى القعدة وخلع عليه وحمل قال الصولى رأيته يوما وقد شكا إليه شفيع المقتدرى فناء شعيره فجذب الدواة إلى نفسه وكتب له بمائة كر وكتب لام موسى بمائة كر وكتب لمونس الخادم بمائة كر * وفي هذه السنة تتابعت الاخبار من مصر بإقبال صاحب المغرب إليها وموافاته الاسكندرية * ثم ورد الخبر في جمادى الآخرة بوقعة كانت بين أصحاب السلطان وبينهم في جمادى الاولى وأنه قتل من البرابر نحو من أربعة آلاف ومن أصحاب السلطان مثلهم فندب المقتدر مؤنسا الخادم للخروج إلى مصر مرة ثانية فخرج في شهر رمضان سنة 7 وشيعه إلى مضربه أبو العباس محمد ابن أمير المؤمنين المقتدر وأجلاء الناس وسار في آخر شهر رمضان فكان في الطريق باقى
سنة 7 وفيها مات أبو أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان لايام مضت من صفر * وفى آخر صفر لست بقين منه توفى محمد بن عبد الحميد كاتب السيدة وكان ممن عرضت عليه الوزارة فأباها وكان موسرا بخيلا وكان من مشايخ الكتاب الذين يعول عليهم في الامور وفى أحكام الدواوين وأخذت السيدة أم المقتدر بالله من(1/55)
مخلفيه من العين مائة ألف دينار واستكتبت السيدة أحمد بن عبيد الله بن أحمد ابن الخصيب بعده وكان يكتب لثمل قهرمانتها فضبط الامر ضبطا شديدا وحمد أثره فيه * وأقام الحج للناس في هذه السنة أحمد بن العباس الهاشمي ثم دخلت سنة 308 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها ورد مونس الخادم مصر يوم الخميس لاربع خلون من المحرم وكان المقتدر قد وجهه إليها لمحاربة الشيعة بها على ما تقدم ذكره في العام قبله فألفى مونس أبا القاسم الشيعي مضطربا بالفيوم فخرج القضاة والقواد ووجوه أهل مصر إلى مونس ونزل خارج المدينة واجتبى أبو القاسم خراج الفيوم وضياع مصر ودفع مونس أرزاق الجند من أموال مصر وباع بعض ضياعها فيما أعطاهم وضم مونس الجيوش إليه وقويت بذلك نفوس أهل مصر وجرت بين أبى القاسم الشيعي وبين أهل مصر مكاتبات وأشعار بعث بها مونس إلى الخليفة وفيها توبيخ لهم وتحامل عليهم وسب كثير تركنا ذكره لما فيه وقد اجتلبنا بعضها ما لم يكن فيه كبير رفث وكذلك ما فعلنا في الجواب وأول شعر الشيعي أيا أهل شرق الله زالت حلومكم * أم اختدعت من قلة الفهم والادب صلاتكم مع من وحجكم بمن * وغزوكم فيمن أجيبوا بلا كذب صلاتكم والحج والغزو ويلكم * بشراب خمر عاكفين على الريب
ألا إن حد السيف أشفى لذى الوصب * وأحرى بنيل الحق يوما إذا طلب ألم ترنى بعت الرفاهة بالسرى * وقمت بأمر الله حقا كما وجب صبرت وفى الصبر النجاح وربما * تعجل ذو رأى فأخطا ولم يصب إلى أن أراد الله إعزاز دينه * فقمت بأمر الله قومة محتسب وناديت أهل الغرب دعوة واثق * برب كريم من تولاه لم يخب(1/56)
فجاؤا سراعا نحو أصيد ماجد * يبادونه بالطوع من جملة العرب وسرت بخيل الله تلقاء أرضكم * وقد لاح وجه الموت من خلل الحجب وأردفتها خيلا عتاقا يقودها * رجال كأمثال الليوث لها جنب شعارهم جدى ودعوتهم أبى * وقولهم قول على النأى والقرب فكان بحمدالله ما قد عرفتم * وفزت بسهم الفلج والنصر والغلب وذلك دأبي ما بقيت ودأبكم * فدونكم حربا تضرم كاللهب فذكر الصولى أنه أمر بالجواب فقال قصيدة له طويلة كتبنا منها أبياتا وحذفنا منها مثل الذى حدفناه مما قبله عجبت وما يخلو الزمان من العجب * لذى خطل في القول أهدى لنا الكذب وجاء بملحون من الشعر ساقط * فأخطأ فيما قال فيه ولم يصب تباعد عن قصد الصواب طريقه * فما عرفت تأويل إعرابه العرب ولو كان ذا لب ورأى موفق * لقصر عن ذكر القصائد والخطب فمن أنت يا مهدى السفاهة والخنا * أبن لى فقد حقت على وجهك الريب فلو كنت من أولاد أحمد لم يغب * عن الناس ما تسموا إليه من النسب ولو كنت منهم ما انتهكت محارما * يذبون عنها بالاسنة كالشهب ولم تقتل الاطفال في كل بلدة * فتركب من أماتهم شر مرتكب
أبحت فروج المحصنات وبعت من * أصبت من الاسلام بيعك للجلب وكم مصحف حرقته فرماده * مثار مسفى الريح من حيث ما تهب كفرت بما فيه وبدلت آيه * وقضبت حبل الدين كفرا فما انقضب وقد رويت أسيافنا من دمائكم * فلم ينجكم منا سوى الجد في الهرب تضئ بأيدينا وتظلم فيكم * فكانت لنا نارا وكنتم لها حطب فقل لى أي الناس أنتم وما الذى * دعاكم إلى ذكر الحجاجحة النجب(1/57)
أولئك قوم خيم الملك فيهم * فشدت أو أخيه ومدت له الطنب بهم غزونا أما سألت وحجنا * فشق لما أسمعت جيبك وانتحب أيا أهل غرب الله أظلم أمركم * عليكم فأنتم في نكوب وفى حرب ولو كانت الدنيا مطية راكب * لكان لكم منها بما حزتم الذنب قال محمد بن يحيى الصولى فلما صنعت هذا الشعر عن عهد الخليفة إلى أوصلني إلى نفسه فأنشدته جميعه فلما فرغت من الانشاد قال على بن عيسى للخليفة يا سيدى هذا عبدك الصولى وكان جده محمد الصولى حادى عشر النقباء وهو الذى أخذ البيعة للسفاح مع أبى حميد قال فنظر إلى كالاذن لى في الكلام فتكلمت ودعوت قال فأمر لى بعشرة آلاف درهم وكتب أبو القاسم إلى أهل مكة يدعوهم إلى الدخول في طاعته ويعدهم بحسن السيرة فيهم فأجابوه إن لهذا البيت ربا يدفع عنه ولن نؤثر على سلطاننا غيره وبقى أبو القاسم الشيعي بالفيوم ومونس بمصر وكل واحد منهما محجم عن لقاء صاحبه وساءت أحوال من بينهما ومعهما * وفى هذه السنة غلت الاسعار ببغداد فظنت العامة أن ذلك من فعل حامد بن العباس بسبب ضمانه للمقتدر وما كان ضمنه وأنه هو منع من حمل الاطعمة إلى بغداد فشغبوا عليه وسبوه وفتحوا السجون
وكبسوا دار صاحب الشرطة محمد بن عبد الصمد وكان ينزل في الجانب الشرقي في الدار المعروفة لعلى بن الجهشيار وانتهبوا بعض دوابه وآلته حتى تحول إلى باب خراسان إلى الجانب الغربي ووثب الناس به في الجانب الغربي أيضا حتى ركب إليهم محمد بن عبد الصمد في جيش كثيف في السلاح فارتدعوا وقتل قوم من العامة بباب الطاق وسعر السلطان على الدقاقين فكان ذلك أشد على الناس وأعظم وأشار فصر ؟ ؟ الحاجب أن يترك الناس ولا يسعر عليهم فكان ذلك صوابا وصلح أمر السعر وأقام الحج للناس في هذه السنة أحمد بن العباس أخو أم موسى(1/58)
ثم دخلت سنة 309 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها زاد شغب الناس ببغداد على حامد بن العباس الوزير بسبب غلاء الاسعار حتى صاروا إلى حد الخلعان وحاربهم السلطان عند باب الطاق وركب هارون ابن غريب الخال ونازوك وياقوت وغيرهم بعد أن فتحت العامة السجون ووثبوا على ابن درهم خليفة صاحب المعونة وأرادوا قتله حتى حماه بعضهم فلما رأى ذلك حامد بن العباس دخل إلى المقتدر فقال له لعبدك حوائج إن رأيت قضاءها له أكدت بذلك انعامك عليه قال أفعل فما هي قال أولها فسخ ضماني فقد جاء من العامة ما ترى وظنوا أن هذا الغلاء من جهتى فأجاب المقتدر إلى ذلك وسأله أن يأذن له في الشخوص إلى واسط لينفذ عماله بما فيها من الاطعمة إلى بغداد فأجابه إلى ذلك وسأله أن يعفيه من الوزارة فلم يجبه إلى ذلك فشخص حامد إلى واسط ولم يبق غاية في حمل الاطعمة حتى صلح أمر الاسعار ببغداد ثم قدم في غرة شهر ربيع الآخر فتلقاه الناس وشكروا فعله وقد كان المقتدر عرض على على بن عيسى الوزارة فأباها فكساه ووصله وأعطاه سوادا يدخل به عليه كما يفعل الوزير
فاستعفي من ذلك ولم يفارق الدراعة * وفى هذه السنة زحف ثمل الفتى إلى الاسكندرية فأخرج عنها قائد الشيعة ورجال كتامة وألفى لهم بها سلاحا كثيرا وأثاثا ومتاعا وأطعمة فاحتوى على الجميع وأطلق كل من كان في سجنهم ثم أقبل ممدا لمونس واجتمعا بفسطاط مصر وزحفا إلى الفيوم لملاقاة أبى القاسم الشيعي ومناجزته ومعهما جنى الصفوانى وغيره من القواد فجعل مونس يقصر المحلات فعوتب على ذلك فقال لهم إنكم إنما تمشون في طرق المنايا فلعل الله صرفهم عنا ويكفينا أمرهم كما فعل قبل هذا فلقى جنى الصفوانى بعض قواد أبى القاسم فهزمه وقتل كثيرا ممن كان معه وانهزم الباقون إلى أبى القاسم فراعه أمرهم وقفل عن الفيوم منصرفا إلى أفريقية لليلة بقيت من صفر وحمل ما خلف من أمتعته وأحرق الباقي بالنار وأخذ على طريق قليلة الماء فهلك كثير من رجاله عطشا(1/59)
ذكر خبر الحسين بن منصور الحلاج وفى هذه السنة أنهى إلى المقتدر خبر الحسين بن منصور الحلاج فأمر بقتله وإحراقه بالنار بعد ضربه ألف سوط وقطع يديه ورجليه وكان الحلاج هذا * * * (وفيها) اشتهر أمر الحلاج واسمه الحسين بن منصور حتى قتل وأحرق ذكر خبر الحسين بن منصور الحلاج وما آل إليه أمره من القتل والمثلة انتهى إلى حامد بن العباس في أيام وزارته أنه قدموه على جماعة من الحشم والحجاب وعلى غلمان نصر الحاجب وأسبابه وأنه يحيى الموتى وأن الجن يخدمونه فيحضرون له ما يشتهيه وأنه يعمل ما أحب من معجزات الانبياء وادعى جماعة أن نصرا مال إليه وسعى قوم بالسمرى وببعض الكتاب وبرجل هاشمى أنه نبى الحلاج وأن الحلاج إله غزالله وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا فقبض عليهم
وناظرهم حامد فاعترفوا بأنهم يدعون إليه وأنه قد صح عندهم أنه إله يحيى الموتى وكاشفوا الحلاج بذلك فجحده وكذبهم وقال أعوذ بالله أن أدعى الربوبية أو النبوة وإنما أنا رجل أعبد الله عز وجل وأكثر الصوم والصلاة وفعل الخير لا غير واستحضر حامد بن العباس أبا عمر القاضى وأبا جعفر البهلول القاضى وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود واستفتاهم في أمره فذكروا أنهم لا يفتون في قتله بشئ إلى أن يصح عندهم ما يوجب عليه القتل وأنه لا يجوز قبول قول من ادعى عليه ما ادعاه وإن واجهه إلا بدليل أو إقرار فكان أول من كشف أمره رجل من أهل البصرة تنصح فيه وذكر أنه يعرف أصحابه وأنهم متفرقون في البلدان يدعون إليه وأنه كانت ممن استجاب إليه ثم تبين مخرقته ففارقه وخرج من جملته وتقرب إلى الله عز وجل بكشف أمره واجتمع معه على هذه الحال أبو على هارون بن عبد العزيز الاوارجى الكاتب الانباري وقد كان عمل كتابا ذكر فيه مخاريق الحلاج وحيله وهو موجود في أيدى جماعة والحلاج حينئذ مقيم في دار السلطان موسع عليه مأذون لمن يدخل إليه وهو عند نصر الحاجب وللحلاج اسمان أحدهما الحسين بن منصور(1/60)
رجلا غويا خبيثا ينتقل في البلدان ويموه على الجهال ويرى قوما أنه يدعو إلى الرضا من آل محمد ويظهر أنه سنى لمن كان من أهل السنة وشيعي لمن كان مذهبه التشيع ومعتزلي لمن كان مذهبه الاعتزال وكان مع ذلك خفيف الحركات شعوذيا * * * والآخر محمد بن أحمد الفارسى وكان استهوى نصرا وجاز عليه تمويهه وانتشر له ذكر عظيم في الحاشية فبعث به المقتدر إلى على بن عيسى ليناظره فأحضر مجلسه وخاطبه خطابا فيه غلظة فحكى أنه تقدم إليه وقال له فيما بينه وبينه قف حيث انتهيت ولا تزد عليه شيئا وإلا قلبت عليك الارض وكلاما في هذا المعنى فتهيب
على بن عيسى مناظرته واستعفى منه ونقل حينئذ إلى حامد بن العباس وكانت بنت السمرى صاحب الحلاج قد أدخلت إلى الحلاج وأقامت عنده في دار السلطان مدة وبعث بها إلى حامد بن العباس ليسألها عما وقفت عليه من أخباره وشاهدته من أحواله فذكر أبو القاسم بن زنجى أنه حضر دخول هذه المرأة إلى حامد بن العباس وأنه حضر ذلك المجلس أبو على أحمد بن نصر البازيار من قبل أبى القاسم ابن الحوارى ليسمع ما تحكيه فسألها حامد عما تعرفه من أمر الحلاج فذكرت أن أباها السمرى حملها إليه وأنها لما دخلت إليه وهب لها أشياء كثيرة عددت أصنافها * قال أبو القاسم وهذه المرأة كانت حسنة العبارة عذبة الالفاظ مقبولة الصورة فكان مما أخبرت عنه أنه قال لها إنى قد زوجتك سليمان ابني وهو أعز أولادي على وهو مقيم بنيسابور وليس يخلو أن يقع بين المرأة والزوج كلام أو تنكر منه حالا من الاحوال وأنت تحصلين عنده وقد وصيته بك فان جرى منه شئ تنكرينه فصومي يومك واصعدي آخر النهار إلى السطح وقومي على الرماد والملح الجريش واجعلي فطرك عليهما واستقبليني بوجهك واذكري لى ما تنكرينه منه فانى أسمع وأرى قالت وأصبحت يوما وأنا أنزل من السطح إلى الدار ومعى ابنته وكان قد نزل هو فلما صرنا على الدرجة بحيث يرانا ونراه قالت لى ابنته اسجدي له فقلت أو يسجد أحد لغير الله قلت فسمع كلامي لها(1/61)
قد حاول الطب وجرب الكيميا فلم يزل يستعمل المخاريق حتى استوى بها من لا تحصيل عنده ثم ادعى الربوبية وقال بالحلول وعظم افتراؤه على الله عز وجل ورسله ووجدت له كتب فيها حماقات وكلام مقلوب وكفر عظيم وكان في بعض * * * فقال نعم إله في السماء وإله في الارض لا إله إلا الله وحده قالت ودعانى إليه يوما
وأدخل يده في كمه وأخرجها مملوءة مسكا ودفعه إلى ثم أعادها ثانية إلى كمه وأخرجها مملوءة مسكا ودفعه إلى وفعل ذلك مرات ثم قال اجعلي هذا في طيبك فان المرأة إذا حصلت عند الرجال احتاجت إلى الطيب قالت ثم دعاني وهو جالس في بيت على بوارى فقال ارفعى جانب البارية من ذلك الموضع وخذي مما تحته ما أردت وأومى إلى زاوية البيت فجئت إليها ورفعت البارية فوجدت تحتها الدنانير مفروشة ملء البيت فبهرني ما رأيت من ذلك فأقيمت المرأة وحصلت في دار حامد إلى أن قتل الحلاج وجد حامد في طلب أصاحب الحلاج وأذكى العيون عليهم وحصل في يده منهم حيدرة والسمرى ومحمد بن على القنائى والمعروف بابن المغيب الهاشمي واستتر ابن حماد وكبس دار له فأخذت منه دفاتر كثيرة وكذلك من منزل القنائى فكانت مكتوبة في ورق صينى وبعضها مكتوب بماء الذهب مبطنة بالديباج والحرير مجلدة بالادم الجيد ووجد في أسماء أصحابه ابن بشر وشاكر فسأل حامد من حصل في يده من أصحاب الحلاج عنهما فذكروا أنهما داعيان له بخراسان * قال أبو القاسم ابن زنجى فكتبنا في حملهما إلى الحضرة أكثر من عشرين كتابا فلم يرد جواب أكثرها وقيل فيما أجيب عنه منها إنهما يطلبان ومتى حصلا حملا ولم يحملا إلى هذه الغاية وكان في الكتب الموجودة له عجائب من مكاتبات أصحابه النافذين إلى النواحى وتوصيته إياهم بما يدعون إليه الناس وما يأمرهم به من نقلهم من حال إلى حال أخرى ومرتبة إلى مرتبة حتى يبلغوا الغاية القصوى وأن يخاطبوا كل قوم على حسب عقولهم وأفهامهم وعلى قدر استجابتهم وانقيادهم وجواباتهم لقوم كاتبوه بألفاظ مرموزة لا يعرفها إلا من كتبها إليه ومن كتبت(1/62)
كتبه إلى المغرق لقوم نوح والمهلك لعاد وثمود وكان يقول لاصحابه أنت نوح وأنت موسى وأنت محمد قد أعدت أرواحهم إلى أجسادكم ويزعم بعض الجهلة
المتبعين له بأنه كان يغيب عنهم ثم ينزل عليهم من الهواء أغفل ما كانوا وحرك * * * إليه * وحكى أبو القاسم بن زنجى قال كنت أنا وأبى يوما بين يدى حامد إذ نهض من مجلسه وخرجنا إلى دار العامة وجلسنا في رواقها وحضر هارون بن عمران الجهبذ بين يدى أبى ولم يزل يحادثه فهو في ذلك إذ جاء غلام حامد الذى كان موكلا بالحلاج وأومى إلى هارون أن يخرج إليه فنهض مسرعا ونحن لا ندري ما السبب فغاب عنا قليلا ثم عاد وهو متغير اللون جدا فأنكر أبى ما رأى منه فسأله عن خبره فقال دعاني الغلام الموكل بالحلاج فخرجت إليه فأعلمني أنه دخل إليه ومعه الطبق الذى رسمه أن يقدم إليه في كل يوم فوجده قد ملا البيت بنفسه من سقفه إلى أرضه وجوانبه حتى ليس فيه موضع فهاله ما رأى ورمى بالطبق من يده وعدا مسرعا وأن الغلام ارتعد وانتفض وحم فبينا نحن نتعجب من حديثه إذ خرج الينا رسول حامد وأذن في الدخول إليه فدخلنا وجرى حديث الغلام فدعا به وسأله عن خبره فإذا هو محموم وقص عليه قصته فكذبه وشتمه وقال فزعت من نيرنج الحلاج وكلاما في هذا المعنى لعنك الله أغرب عنى فانصرف الغلام وبقى على حالته من الحمى مدة طويلة * وحكى أن المقتدر أرسل إلى الحلاج خادما ومعه طائر ميت وقال إن هذه الببغا لولدي أبى العباس وكان يحبها وقد ماتت فان كان ما تدعى صحيحا فأحى هذه الببغا فقام الحلاج إلى جانب البيت الذى هو فيه وبال وقال من يكن هذه حالته لا يحيى ميتا فعد إلى الخليفة وأخبره بما رأيت وبما سمعت منى ثم قال بلى لى من إذا أشرت إليه أدنى اشارة أعاد الطائر إلى حالته الاولى فعاد الخادم إلى المقتدر وأخبره بما رأى وسمع فقال عد إليه وقل له المقصود اعادة هذا الطائر إلى الحياة فأشر إلى من شئت قال فعلى بالطاثر ؟ ؟ فأحضر الطائر إليه وهو ميت فوضعه على ركبتيه وغطاه(1/63)
لقوم يده فنثر منها دراهم وكان في القوم أبو سهل بن نوبخت النوبختى فقال له دع هذا وأعطني درهما واحدا عليه اسمك واسم أبيك وأنا أو من بك وخلق كثير معى فقال لا كيف وهذا ثم يصنع فقال له من أحضر ما ليس بحاضر صنع غير مصنوع * * * بكمه ثم تكلم بكلمات ثم رفع كمه وقد عاد الطائر حيا فأعاده الخادم إلى المقتدر وخبره بما رأى فأرسل المقتدر إلى حامد بن العباس وقال له ان الحلاج فعل كذا وكذا فقال حامد يا أمير المؤمنين الصواب قتله والا افتتن الناس به فتوقف المقتدر في قتله * وقال بعض أصحابه صحبته سنة إلى مكة قال وأقام بمكة بعد رجوع الحاج إلى العراق وقال ان شئت أن تعود فعد فانى قد عولت أن أمضى من هنا إلى بلاد الهند * قال وكان الحلاج كثير السياحة كثير الاسفار قال ثم انه نزل في البحر يريد الهند قال فصحبته إلى بلد الهند فلما وصلنا إليها استدل على امرأة ومضى إليها وتحدث معها ووعدته إلى غد ذلك اليوم ثم خرجت معه إلى جانب البحر ومعها غزل ملفوف وفيه عقدشبه السلم قال فقالت المرأة كلمات وصعدت في ذلك الخيط وكانت تضع رجلها في الخيط وتصعد حتى غابت عن أعيننا ورجع الحلاج وقال لى لاجل هذه المرأة كان قصدي إلى الهند ثم وجد حامد كتابا من كتبه فيه أن الانسان إذا أراد الحج فلم يمكنه أفرد في بيته بناء مربعا لا يلحقه شئ من النجاسات ولا يتطرقه أحد فإذا حضرت أيام الحج طاف حوله وقضى من المناسك ما يقضى بمكة ثم يجمع ثلاثين يتيما ويعمل لهم ما يمكنه من الطعام ويحضرهم ذلك البيت ويقدم لهم ذلك الطعام ويتولى خدمتهم بنفسه ثم يغسل أيديهم ويسكو كل واحد منهم قميصا ويدفع إلى كل واحد سبعة دراهم أو ثلاثة دراهم الشك من أبى القاسم بن زنجى وأن ذلك يقوم له مقام الحج * قال وكان أبى يقرأ هذا الكتاب فلما استوفى
هذا الفصل التفت أبو عمر القاضى إلى الحلاج وقال له من أين لك هذا قال من كتاب الاخلاص للحسن البصري قال له أبو عمر كذبت يا حلال الدم قد سمعنا كتاب الاخلاص للحسن البصري بمكة وليس فيه شئ مما ذكرت فكما قال(1/64)
قال محمد بن يحيى الصولى أنا رأيت هذا الرجل مرات وخاطبته فرأيته جاهلا يتعاقل وعييا يفصح وفاجرا يظهر التنسك ويلبس الصوف فأول من ظفر به على بن أحمد الراسبى لما اطلع منه على هذه الحال فقيده وأدخله بغداد على جمل * * * أبو عمر يا حلال الدم قال له حامدا كتب بما قلت " يعنى حلال الدم " فتشاغل أبو عمر بخطاب الحلاج فلم يدعه حامد يتشاغل وألح عليه إلحاحا لا يمكنه معه المخالفة فكتب بإحلال دمه وكتب بعده من حضر المجلس فلما تبين الحلاج الصورة قال ظهرى حمى ودمى حرام وما يحل لكم أن تتأولوا على بما لا يبيحه اعتقادي الاسلام ومذهبى السنة ولى كتب في الوراقين موجودة في السنة فالله الله في دمى ولم يزل يردد هذا القول والقوم يكتبون خطوطهم حتى كمل الكتاب بخطوط من حضر من العلماء وأنفذه حامد إلى المقتدر بالله فخرج الجواب إذا كان فتوى القضاة فيه بما عرضت فأحضر مجلس الشرطة واضربه ألف سوط فان لم يمت فتقدم بقطع يديه ورجليه ثم اضرب رقبته وانصب رأسه واحرق جثته فأحضر حامد صاحب الشرطة وأقرأه التوقيع وتقدم إليه بتسلم الحلاج وإمضاء الامر فيه فامتنع من ذلك وذكر أنه يتخوف أن ينتزع منه فوقع الاتفاق على أن يحضر بعد العتمة ومعه جماعة من غلمانه وقوم على بغال يجرون مجرى الساسة ليجعل على بغل منها ويدخل في غمار القوم وأوصاه بأن لا يسمع كلامه وقال له لو قال لك أجرى لك دجلة والفرات ذهبا وفضة فلا ترفع عنه الضرب
حتى تقتله كما أمرت ففعل محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة ذلك وحمله تلك الليلة على الصورة التى ذكرت وركب غلمان حامد معه حتى أوصلوه إلى الجسر وبات محمد بن عبد الصمد ورجاله حول المجلس فلما أصبح يوم الثلاثاء لست بقين من ذى القعدة أخرج الحلاج إلى رحبة المجلس واجتمع من العامة خلق كثير لا يحصى عددهم وأمر الجلاد بضربه ألف سوط فضرب وما تأوه ولا استعفى * قال فلما بلغ ستمائة سوط قال لمحمد بن عبد الصمد ادع بى اليك فان عندي نصيحة تعدل(1/65)
قد شهره وكتب بقصته وما ثبت عنده في أمره فأحضره على بن عيسى أيام وزارته في سنة 301 وأحضر الفقهاء ونوظر فأسقط في لفظه ولم يحسن من القرآن شيئا ولامن الفقه ولا من الحديث ولا من الشعر ولا من اللغة ولا من أخبار عند الخليفة فتح قسطنطينية فقال قد قيل لى إنك ستقول ذلك وما هو أكثر منه وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل فسكت حتى ضرب ألف سوط ثم قطعت يده ثم رجله ثم ضرب عنقه وأحرقت جثته ونصب رأسه على الجسر ثم حمل رأسه إلى خراسان وادعى أصحابه أن المضروب كان عدوا للحلاج ألقى شبهه عليه وادعى بعضهم أنه رآه وخاطبه وحدث في هذا المعنى بجهالات لا يكتب مثلها وأحضر الوراقون وأحلفوا أن لا يبيعوا من كتب الحلاج شيئا ولا يشتروه وكانت مدته منذ ظفر به إلى أن قتل ثمان سنين وسبعة أشهر وثمانية أيام * وحكى حامد أنه قبض على الحلاج بدور الراسبى فادعى تارة الصلاح وادعى أخرى أنه المهدى ثم قال له كيف صرت إلها بعد هذا وكان السمرى في جملة من قبض عليه من أصحابه فقال له حامد ما الذى حداك على تصديقه قال خرجت معه إلى اصطخر في الشتاء فعرفته محبتى للخيار فضرب يده إلى سفح جبل فأخرج من الثلج خيارة خضراء فدفعها إلى فقال حامد أفأكلتها قال نعم قال كذبت يا ابن ألف زانية في
مائة ألف زانية أوجعوا فكه فضربه الغلمان وهو يصيح من هذا خفنا وحدث حامد أنه شاهد ممن يدعى النيرنجيات أنه كان يخرج الفاكهة وإذا حصلت في يد الانسان صارت بعرا ومن جملة من قبض عليه انسان هاشمى كان يكنى بأبى بكر فكناه الحلاج بأبى مغيث حين كان يمرض أصحابه ويراعيهم وقبض على محمد بن على بن القناتى وأخذ من داره سفط مختوم فيه قوارير فيها بول الحلاج ورجيعه أخذه ليستشفى به وكان الحلاج إذا حضر لا يزيد على قوله لا إله إلا أنت عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لى فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت وزادت دجلة زيادة عظيمة فادعى أصحابه أن ذلك لاجل ما ألقى فيها من رماد جثته وادعى قوم من أصحابه(1/66)
الناس فسحفه وصفعه وأمر به فصلب حيا في الجانب الشرقي ثم في الجانب الغربي ليراه الناس ثم حبس في دار الخليفة فجعل يتقرب إليهم بالسنة فظنوا ما يقول حقا ثم انطلق وقد كان ابن الفرات كبسه في وزارته الاولى وعنى بطلبه موسى * * * أنهم رأوه راكب حمار في طريق المزوان وقال لهم انما حولت دابة في صورتي ولست المقتول كما ظن هؤلاء البقر وكان نصر الحاجب يقول انما قتل ظلما ومن شعر الحلاج وما وجدت لقلبي راحة أبدا * وكيف ذاك وقد هيئت للكدر لقد ركبت على التغرير واعجبا * ممن يريد النجا في المسلك الخطر كأننى بين أمواج تقلبني * مقلب بين إصعاد ومنحدر الحزن في مهجتي والنار في كبدي * والدمع يشهد لى فاستشهدوا بصرى ومن شعره الكاس سهل لى الشكوى بمنتابكم * وما على الكاس من شرابها درك
هبني ادعيت بأنى مدنف سقم * فما لمضجع جنبى كله حسك هجر يسوء ووصل لا أسر به * مالى يدور بما لا أشتهى الفلك فكلما زاد دمعى زادني قلقا * كأننى شمعة تبكى فتنسبك ومن شعره النفس بالشئ الممنع مولعه * والحادثات أصولها متفرعه والنفس للشئ البعيد مديدة * والنفس للشئ القريب مضيعه كل يحاول حيلة يرجو بها * دفع المضرة واجتلاب المنفعة وله كل بلاء على منى * فليتني قد أخذت عنى أردت منى اختبار سرى * وقد علمت المراد منى وليس له في سواك حظ * فكيفما شئت فاختبرني وفى الصوفية من يدعى أن الحلاج كوشف حتى عرف السر وعرف سر السر(1/67)
ابن خلف فأفلت هو وغلام له ثم ظفر به في هذه السنة فسلم إلى الوزير حامد وكان عنده يخرجه إلى من حضره فيصفع وينتف لحيته وأحضر يوما صاحب له يعرف بالسمرى فقال له حامد الوزير أما زعمت بأن صاحبكم هذا كان ينزل عليكم من الهواء وقد ادعى ذلك لنفسه في قوله مواجيد أهل الحق تصدق عن وجدى * وأسرار أهل السر مكشوفة عندي وله: الله يعلم ما في النفس جارحة * الا وذكرك فيها نيل ما فيها ولا تنفست الا كنت في نفسي * تجرى بك الروح منى في مجاريها إن كانت العين مذ فارقتها نظرت * إلى سواك فخانتها مآقيها أو كانت النفس بعد البعد آلفة * خلقا عداك فلا نالت أمانيها وحكى أنه قال إلهى إنك تتودد إلى من يؤذيك فكيف لا تتودد إليى من
يؤذى فيك وأنشد نظرى بدو علتى * ويح قلبى وما جنا يا معين الضنا عل * ى أعنى على الضنا وكان ابن نصر القشورى قد مرض فوصف له الطبيب تفاحة فلم توجد فأومأ الحلاج بيده إلى الهواء وأعطاهم تفاحة فعجبوا من ذلك وقالوا من أين لك هذه قال من الجنة فقال له بعض من حضر إن فاكهة الجنة غير متغيرة وهذه فيها دودة قال لانها خرجت من دار البقاء إلى دار الفناء فحل بها جزء من البلاء فاستحسنوا جوابه أكثر من فعله ويحكون أن الشبلى دخل إليه إلى السجن فوجده جالسا يخط في التراب فجلس بين يديه حتى ضجر فرفع طرفه إلى السماء وقال إلهى لكل حق حقيقة ولكل خلق طريقة ولكل عهد وثيقة ثم قال يا شبلي من أخذه مولاه عن نفسه ثم أوصله إلى بساط أنسه كيف تراه فقال الشبلى وكيف ذاك قال يأخذه عن نفسه ثم يرده على قلبه فهو عن نفسه مأخوذ وعلى قلبه مردود فأخذه عن نفسه تعذيب ورده إلى قلبه تقريب طوبى لنفس كانت له طائعة وشموس الحقيقة في قلوبها طالعة ثم أنشد(1/68)
أغفل ما كنتم قال بلى فقال له فلم لا يذهب حيث شاء وقد تركته في دارى وحده * * * طلعت شمس من أحبك ليلا * فاستضاءت فما لها من غروب إن شمس النهار تطلع باللي * ل وشمس القلوب ليس تغيب ويذكرون أنه سمى الحلاج لانه اطلع على سر القلوب وكان يخرج لب الكلام كما يخرج الحلاج لب القطن بالحلج وقيل كان يقعد بواسط بدكان حلاج فمضى الحلاج في حاجة ورجع فوجد القطن محلوجا مع كثرته فسماه الحلاج وفى الصوفية من يقبله ويقول إنه كان يعرف اسم الله الاعظم ومنهم من يرده ويقول
كان مموها ويذكرون أن الشبلى أنفذ إليه بفاطمة النيسابورية وقد قطعت يده فقال لها قولى له إن الله أئتمنك على سر من أسراره فأذعته فأذاقك حد الحديد فان أجابك فاحفظي جوابه ثم سليه عن التصوف ما هو فلما جاءت إليه أنشأ يقول...* لما غلب الصبر وما أحسن في مثل * ك أن ينهتك الستر وإن عنفني الناس * ففى وجهك لى عذر كأن البدر محتاج * إلى وجهك يا بدر وهذا الشعر للحسين بن الضحاك الخليع الباهلى ثم قال لها امضى إلى أبى بكر وقولى له يا شبلى والله ما أذعت له سرا فقالت له ما التصوف فقال ما أنا فيه والله ما فرقت بين نعمة وبلوى ساعة قط فجاءت إلى الشبلى وأعادت عليه فقال يا معشر الناس الجواب الاول لكم والثانى لى وذكروا أنه لما قطعت يده ورجله صاح وقال وحرمة الود الذى لم يكن * يطمع في إفساده الدهر ما نالنى عند هجوم البلا * باس ولا مسنى الضر ما قد لى عضو ولا مفصل * إلا وفيه لكم ذكر وكتب بعض الصوفية على جدع الحلاج ليكن صدرك للاس * رار حصنا لا يرام(1/69)
غير مقيد ثم أحضر حامد الوزير القاضى والفقهاء واستفتاهم فيه فحصلت عليه إنما ينطق بالس * ر ويفشيه اللئام (وفيها) سنة 300 صلب الحسين بن منصور الحلاج وهو حى في الجانب الشرقي يوم الاربعاء والخميس وفى الجانب الغربي يومى الجمعة والسبت لاثنتى عشرة بقيت من ربيع الآخر (وفيها) قبض بالسوس على الحسين بن منصور
الحلاج وحصل في يد عبد الرحمن بن..خليفة على بن أحمد الراسبى وأخذت له كتب ورقاع فيها أشياء مرموزة ثم حمل فأدخل إلى مدينة السلام على جمل ومعه غلام له على جمل آخر مشهرين ونودى عليه هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه فحبس ثم أحضره الوزير على بن عيسى وناظره فلم يجده يقرأ القرآن ولا يعرف من الفقه شيئا ولامن الحديث ولامن الاخبار ولا الشعر ولا اللغة فقال له على ابن عيسى تعلمك الطهور والفروض أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيهاكم تكتب ويلك إلى الناس تبارك النور الشعشعانى ما أحوجك إلى الادب ثم أمر به فصلب حيا في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة ثم في الجانب الغربي حتى رآه الناس ثم حمل إلى دار السلطان فحبس بها فاستمال بعض أهلها بإظهار السنة حتى ما لوا إليه وصاروا يتبركون به ويستدعون منه الدعاء وستأتى أخباره إن شاء الله ذكر من توفى في هذه السنة 309 الحسين بن منصور بن محمى الحلاج ويكنى من الاكابر أبا مغيث وقيل أبا عبد الله كان جده محمى مجوسيا من أهل بيضاء فارس ونشأ الحسين بواسط وقيل بتستر ثم قدم بغداد وخالط الصوفية ولقى الجنيد والثوري وغيرهما وكان مخلطا ففى أوقات يلبس المسوح وفى أوقات يلبس الثياب المصبغة وفى أوقات يلبس الدراعة والعمامة ويمشى بالقباء على زى الجند وطاف البلاد وقصد الهند وخراسان وما وراء النهر وتركستان وكان أقوام يكاتبونه بالمغيث وأقوام(1/70)
شهادات بما سمع منه أوجبت قتله فعرف المقتدر بما ثبت عليه وما أفتى به الفقهاء * * * بالمقيت وتسميه أهوام المصطلم واقوام المجبر وحج وجاور ثم جاء إلى بغداد
فاقتنى العقار وبنى دارا واختلف الناس فيه فقوم يقولون إنه ساحر وقوم يقولون له كرامات وقوم يقولون منمس * قال أبو بكر الصولى قد رأيت الحلاج وجالسته فرأيت جاهلا يتعاقل وغبيا يتبالغ وفاجرا يتزهد وكان ظاهره أنه ناسك صوفي فإذا علم أن أهل بلدة يرون الاعتزال صار معتزليا أو يرون الامامة صار إماميا وأراهم أن عنده علما بإمامهم أو رأى أهل السنة صار سنيا وكان خفيف الحركة مفتنا قد عالج الطب وجرب الكيميا وكان مع جهله خبيثا وكان ينتقل في البلدان: أنبأنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أنبأنا أحمد بن على الحافظ حدثنى أبو سعيد السجزى أخبرنا محمد بن عبد الله الشيرازي قال سمعت أبا الحسن بن أبى بوية يقول سمعت على بن أحمد الحاسب يقول سمعت والدى يقول وجهنى المعتضد إلى الهند وكان معى في السفينة رجل يدعى بالحسين بن منصور فلما خرجنا من المركب قلت له في أي شئ جئت إلى ههنا قال لا تعلم السحر وأدعو الخلق إلى الله تعالى أخبرنا القزاز أنبأنا أحمد بن على أخبرنا على بن أبى على عن أبى الحسن أحمد بن يوسف قال كان الحلاج يدعو كل وقت إلى شئ على حسب ما يستنكه طائفة طائفة وأخبرني جماعة من أصحابه أنه لما افتتن الناس بالاهواز وكورها بالحلاج وما يخرجه لهم من الاطعمة والاشربة في غير حينها والدراهم التى سماها دارهم القدرة حدث أبو على الجبائى فقال لهم هذه الاشياء محفوظة في منازل تمكن الحيل فيها ولكن أدخلوه بيتا من بيوتكم لامن منزله وكلفوه أن يخرج منه جرزتين شوكا فان فعل فصدقوه فبلغ الحلاج قوله وان قوما قد عملوا على ذلك فخرج عن الاهواز أخبرنا الفزار أنبأنا الخطيب قال حدثنى مسعود بن ناصر أخبرنا ابن باكويه قال سمعت أبا زرعة الطبري يقول سمعت محمد بن يحيى الرازي يقول سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج ويقول لو قدرت عليه لقتلته بيدى قرأت آية من كتاب الله فقال يمكننى أن(1/71)
فيه فوقع إلى صاحب شرطته محمد بن عبد الصمد بأن يخرجه إلى رحبة * * * أؤلف مثله أو أتكلم قال أبو زرعة وسمعت أبا يعقوب الاقطع يقول زوجت ابنتى من الحلاج الحسين من منصور لما رأيت من حسن طريقته فبان لى بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر، قال المصنف أفعال الحلاج وأقواله وأشعاره كثيرة وقد جمعت أخباره في كتاب سميته القاطع لمجال اللجاج القاطع بمحال الحلاج فمن أراد أخباره فلينظر فيه فقد كان هذا الرجل يتكلم بكلام الصوفية فيندر له كلمات حسان ثم يخلطها بأشياء لا تجوز وكذلك أشعاره فمن المنسوب إليه سبحان من أظهر ناسوته * سر سنا لاهوته الثاقب ثم بدا في خلقه ظاهرا * في صورة الآكل والشارب حتى لقد عاينه خلقه * كلحظة الحاجب بالحاجب فلما شاع خبره أخذ وحبس ونوظر فاستغوى جماعة وكانوا يستشفون بشرب بوله وحتى إن قوما من الجهال قالوا إنه إله وانه يحيى الموتى قال أبو بكر الصولى أول من أوقع بالحلاج أبو الحسين على بن أحمد الراسبى فأدخله بغداد وغلاما له على جملين قد شهرهما وذلك في ربيع الآخر سنة 301 وكتب معهما كتابا يذكر فيه ان البينة قامت عنده بأن الحلاج يدعى الربوبية ويقول بالحلول فأحضره على بن عيسى في هذه السنة وأحضر الفقهاء فناظروه فأسقط في لفظه ولم يجده يحسن من القرآن شيئا ولا من غيره ثم حبس ثم حمل إلى دار الخليفة فحبس قال الصولى وقيل إنه كان يدعو في أول أمره إلى الرضا من آل محمد فسعى به فضرب وكان يرى الجاهل شيئا من شعبذته فإذا وثق دعاه إلى أنه إله فدعا فيمن دعا أبا سهل بن نوبخت فقال له أنبت في مقدم رأسي شعرا ثم ترقت به الحال إلى أن دافع عنه نصر الحاجب لانه قيل له هو سنى وإنما يريد قتله الرافضة وكان في كتبه إنى مغرق قوم نوح
ومهلك عاد وثمود وكان يقول لاصحابه أنت نوح ولآخر أنت موسى ولآخر أنت محمد قد أعيدت أرواحهم إلى أجسامكم وكان الوزير حامد بن العباس قد وجد(1/72)
الجسر ويضربه ألف سوط ويقطع يديه ورجليه ففعل ذلك به ثم أحرقه بالنار وذلك * * * له كتبا وفيها أنه إذا صام الانسان ثلاثة أيام بلياليها ولم يفطر وأخذ في اليوم الرابع ورقات هندبا فأفطر عليها أغناه عن صوم رمضان وإذا صلى في ليلة واحدة ركعتين من أول الليل إلى الغداة أغنتاه عن الصلاة بعد ذلك وإذا تصدق في يوم واحد بجميع ملكه في ذلك اليوم أغناه عن الزكاة وإذا بنى بيتا وصام أياما ثم طاف حوله عريانا مرارا أغناه عن الحج وإذا صار إلى قبور الشهداء بمقابر قريش فاقام فيها عشرة أيام يصلى ويدعو ويصوم ولا يفطر إلا على يسير من الخبز الشعير والملح الجريش أغناه ذلك عن العبادة في باقى عمره فأحضر الفقهاء والقضاة بحضرة حامد فقيل له أتعرف هذا الكتاب قال هذا كتاب السنن للحسن البصري فقال له حامد ألست تدين بما في هذا الكتاب فقال بلى هذا كتاب أدين الله بما فيه فقال له أبو عمر القاضى هذا نقض شرائع الاسلام ثم جاراه في كلام إلى أن قال له أبو عمر يا حلال الدم وكتب باحلال دمه وتبعه الفقهاء فأفتوا بقتله وأباحوا دمه وكتب إلى المقتدر بذلك فكتب إذا كانت القضاة قد أفتوا بقتله وأباحوا دمه فليحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة وليضربه ألف سوط وإن تلف وإلا ضربت عنقه فأحضر بعد العشاء الآخرة ومعه جماعة من أصحابه على بغال مولية يجرون مجرى الساسة ليجعل على واحد منها ويدخل في غمار القوم فحمل وباتوا مجتمعين حوله فلما أصبح يوم الثلاثاء لست بقين من ذى القعدة أخرج ليقتل فجعل يتبختر في قيده ويقول: نديمى غير منسوب * إلى شئ من الحيف
سقاني مثل ما يشرب * كفعل الضيف بالضيف فلما دارت الكاس * دعا بالنطع والسيف كذا من يشرب الراح * مع التنين في الصيف فضرب ألف سوط ثم قطعت يده ثم رجله وحز رأسه وأحرقت جثته وألقى رماده في دجلة أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن على بن ثابت حدثنا عبيد الله بن عثمان الصيرفى قال قال لنا أبو عمرو بن حيويه لما أخرج الحلاج ليقتل مضيت في جملة الناس ولم أزل أزاحم حتى رأيته فقال لاصحابه(1/73)
في آخر سنة 309 (وأقام الحج) للناس في هذه السنة أحمد بن العباس * * * لا يهولنكم هذا فانى عائد اليكم بعد ثلاثين يوما وهذا إسناد صحيح لا شك فيه وهو يكشف حال هذا الرجل أنه كان ممخرقا يستخف عقول الناس إلى حالة الموت أنبأنا القزاز أنبأنا أحمد بن على أنبأنا القاضى أبو العلاء قال لما أخرج الحسين بن منصور ليقتل أنشد طلبت المستقر بكل أرض * فلم أر لى بأرض مستقرا أطعت مطامعي فاستعبدتني * ولو انى قنعت لكنت حرا (ومن الحوادث في سنة 312) أن نازوك جلس في مجلس الشرطة ببغداد فأحضر له ثلاثة نفر من أصحاب الحلاج وهم حيدرة والشعراني وابن منصور فطالبهم بالرجوع عن مذهب الحلاج فأبوا فضربت أعناقهم ثم صلبهم في الجانب الشرقي من بغداد ووضع رؤسهم على سور السجن في الجانب الغربي (وجمعت أخباره في كتاب) وكان قد صحب الجنيد وعمرو بن عثمان المكى وتمزق في بدايته وجاع وتجرد لكن في رأسه رثاسة وكبر فسلط الله عليه لما تمرد وخرج
عن دائرة الايمان من انتقم منه فأفتى العلماء بكفره وقد افتتن به خلق من الرعاع الجهال واتباع كل ناعق عندما رأوا من سحره وشعوذته وحاله وإشارته التى يستعملها متأخر والصوفية بحيث أنهم تألهوه ودانوا بربوبيته وقد اعتذر الامام أبو حامد عنه في مشكاة الانوار وأخذ يتأول أقواله على محامل حسنة بعيدة من الخطاب العربي الظاهر قال أبو سعيد النقاش في تاريخ الصوفية منهم من نسبه إلى السحر ومنهم من نسبه إلى الزندقة وحكى أبو عبد الرحمن السلمى اختلاف الطائفة فيه ثم قال هو إلى الرد أقرب وكذا حط عليه الخطيب وأوضح سحره وضلاله وضلله ابن الجوزى وقال ابن خلكان أفتى أكثر علماء عصره بإباحة دمه وقال أبو بكر بن أبى سعد إن الحلاج مموه ممخرق وعن عمرو بن عثمان المكى قال سمعنى الحلاج وأنا أقرأ القرآن فقال يمكننى أن أقول مثله فقلت إن قدرت عليك لاقتلنك وقال أبو يعقوب الاقطع وجعفر الخلدى الحلاج كافر خبيث(1/74)
ثم دخلت سنة 310 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس (وفى هذه السنة) اعتل المقتدر بالله علة شديدة فزعموا أن أم موسى القهرمانة أرسلت إلى بعض أهله برسالة تقريب عليه ولاية الامر وانكشفت ذلك له ولامه وجميع خاصته وقبضوا عليها وعلى أختها أم محمد وأخيها أحمد بن العباس وأخذت منهم أموال وأخذت لهم ودائع عند قوم وكثر الارجاف بحامد بن العباس والطعن عليه وسميت الوزارة لاقوام فقيل يخرج على بن محمد بن الفرات فيولاها وقيل يجبر على بن عيسى على ولايتها وقيل ابن أبى الحوارى وقيل ابن أبى البغل فكتبت رقعة وطرحت في الدار التى فيها السلطان وفيها قل للخليفة قل لى * إن كنت في الحكم تنصف
من الوزير علينا * حتى نقر ونعرف أحامد فهو شيخ * واهى القوى متخلف أم البخيل ابن عيسى * فهو المنوع المطفف أم الذى عند زيدا * ن للمشورة يعلف أم الفتى المتأنى * أم الظريف المغلف أم ابن بسطام أعجل * أم الشييخ المعفف أم طارى ليس ندرى * من أي وجه يلقف الفتى المتأنى ابن الخصيبى والشيبخ المعفف ابن أبى البغل (وفى هذه السنة) استضعف السلطان صاحب شرطة بغداد فيما كان من العامة فعزله وولى شرطته نازوك المعتضدى فبانت صرامته في أول يوم وقام بالامر قياما لم يقم مثله أحد وفل من حد الرجالة وكانت نارهم موقدة وحاربهم حتى أذعنوا وتناولوا حوائجهم منه بخضوع له بعد أن قصدوا داره ليحرقوها وهو في وقته الذى ولى فيه نازل على دجلة وعلى الزاهرية فاستعان بالغلمان فشردهم وأعانه نصر الحاجب عليهم وهو كان سبب توليته لانه بلغه أن عرو سازفت إلى زوجها بناحية سوق الشتاء فخرج(1/75)
بعض أولاد الرجالة ومعه جماعة منهم فأخذها وأدخلها إلى داره أو فجر بها ثم صرفها إلى أهلها فأظهر الناس شدة الانكار لهذا وعظموه بحسب عظمه وكل ما قدر عليه نصر الحاجب أن أسقط رزق هذا الرجل ونفاه ثم أشار بولاية نازوك فاشتد عليهم وصلب في أمرهم وشكر له فعله فيهم (وحج بالناس) في هذه السنة إسحق بن عبد الملك ثم دخلت سنة 311 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
كانت هذه السنة ببغداد وما والاها شديدة الوطأة على الناس حتى سميت سنة الدمار وذلك أن على بن محمد بن الفرات ولى فيها الوزارة المرة الثالثة وتقبض على الوزير حامد بن العباس وعلى على بن عيسى وذلك يوم الخميس لتسع ليال بقين من شهر ربيع الآخر فدخل الجنابي والقرامطة البصرة ليلة الاثنين بعد ولايته بأربعة أيام وكان خبر ولاية ابن الفرات والقبض على حامد وعلى بن عيسى قد وصل إلى الجنابي وأصحابه من وقته من قبل من كان يكاتبهم لان بعض البصريين الثقات حكوا أن القرامطة كانوا يقولون لهم يوم دخولهم ويلكم ما أرك سليطينكم في إبعاد ذلك الشيخ عن نفسه وليعلمن ما يلقى بعده قالوا ونحن لا ندري ما يقولون حتى وردنا الخبر بعد ذلك بالقبض على حامد وعلى وولاية ابن الفرات فعلمنا ما أرادت القرامطة وأن الخبر أتاهم من وقته في جناح طائر على ما أزكن الناس آلته واعتقدوا صحته فعاثت القرامطة في البصرة ودخلت الخيل المربد وكان سبك المفلحى القائد بها فلما سمع الصيحة وقت الفجر فخرج وهو يظن أنها لفزعة دارت فلما توسط المربد يريد الدرب رأته القرامطة وهم وقوف بجانبى الشارع فشدوا عليه فقتلوه وقتلوا بعض من كان معه وركض الباقون فافلتوا وقاتلهم أهل البصرة في شارع المربد إلى عشى ذلك اليوم ولا سلطان معهم فلم يظفروا بهم إلا بالنار فانهم كانوا كلما حووا موضعا أحرقوا وانهزم أهل البصرة وجال القرامطة في شارع المربد ومروا بالمسجد الجامع وسكة بنى سمرة حتى انتهوا إلى شط نهر البصرة(1/76)
المعروف بنهر ابن عمر الذى كان أنفذ حفره عبد الله بن عمربن عبد العزيز وكانوا يخرجون من البصرة ليلا إلى معسكرهم بظهر البصرة ولا يبيت بها منهم أحد فرقا فأقاموا أياما على ذلك ثم انصرفوا وقد كان السلطان أنفذ إلى البصرة حين بلغه ذلك بنى بن نفيس وجعفر بن محمد الزرنجى في جيش ثم ولى شرطة البصرة محمد
ابن عبد الله الفارقى وأنفذه في جيش ثان وخرج ابن الفرات في هذه الوقعة مغيظا على الناس وأطلق يد ابنه المحسن فقتل الناس وأخذ أموالهم وغلبا على أم المقتدر بالله وملكا أمرها وكان الذى سفر لهما في ذلك مفلح الخادم الاسود وكان الامر كله إليه وإلى كاتبه النصراني المعروف ببشر بن عبد الله بن بشر وكان مجبوبا فاحتالوا على مونس المظفر حتى أخرجوه إلى الرقة وأزعجوه من باب الشماسية فكان كالنفي له وكان حامد بن العباس قد استتر وعليه من المال الذى عقده على نفسه ألف الف دينار فاحتال حامد إلى أن وصل إلى باب السلطان فدخل إلى نصر الحاجب فقال له قد تضمنني بألف ألف دينار فخذوا منى ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار واحبسوني عندكم واحتسبوا لابن الفرات بألف ألف دينار التى تضمنني بها ولا تطلقوا أيديهم على فأخبر بذلك الخليفة وأشار به عليه وقال ههنا فضل مال ويكون في حبسنا رجل هو بيت مال للسلطان فتلوموا في ذلك وقال المحسن لمفلح الخادم يفسد على أمرى كله ولابد من تسليمه إلى فلم يزل مفلح بالمقتدر والسيدة حتى زالا عن الصواب وسلما حامدا إلى ابن الفرات فكان يصفع ويضرب ويخرجه المحسن إذا شرب فيلبسه جلد قرد له ذنب ويقيم من يرقصه ويصفعه ويشرب على ذلك وأجرى على حامد أفاعيل قبيحة ليست من أفاعيل الناس ولا يستجيزها ذو دين ولا عقل ولم يصل من ماله كثيرة شئ إلى السلطان وضاع ما كان بذله وحدر إلى واسط وسلم إلى البزوفرى العامل فقتله وأخرجه إلى أهل واسط وسلمه إلى من يجنه فاجتمع الناس وصلوا عليه وعلى قبره أياما متوالية وزعم ابن الفرات للسلطان أن على بن عيسى خائن ممائل للقرمطى فصادره على مال استخرج بعضه من قبله ثم نفاه إلى اليمن ووكل به رجلا من(1/77)
أصحابه وأمره بالاحتيال لقتله فقبض الله يده عن ذلك بصاحب لشفيع اللؤلؤي
صاحب البريد كان قد وكله به فلما خرج عن مكة لقيه أصحاب ابن يعفر فحالوا بينه وبين الموكلين به وأرادوا قتل الموكل به لانه كان أضجعه بمكة ليذبحه فخالفه عون كان معه ودفع عنه فمنع على بن عيسى من قتل الموكل به ولما بلغ ابن يعفر تلقاه أخوه ومعه هدايا عظيمة القدر فأكرمه وأنزله في دار عظيمة وأنزل الموكل به في دار غيرها ولم يزل على بن عيسى يجرى بعد ذلك على العون المخالف في قتله وعلى عياله الجرايات دهرا طويلا ووجه المحسن ابن أبى الحوارى إلى الاهواز فقتل بموضع يعرف بحصن مهدى وكان نصر الحاجب يدارى المحسن وأباه ويطيل عنده إلى نصف الليل القعود وينصرف عنه حتى اتصل به أن المحسن ضمن لعشرين غلاما عشرين ألف دينار على أن يقتلوا نصرا إذا خرج من عند أبيه في بعض الممرات فتحفظ منه وكان لا يركب إلا في غلمان كثيرة وسلاح عتيد واحتال في إزالة نصر بكل حيلة فما قدر على ذلك واحتال على شفيع المقتدرى فدس من يقع فيه ويقول إنه إن خرج إلى الثغر يحصل عنده مال عظيم فلم يجب إلى ذلك ونفى أبا القاسم سليمان بن الحسن وأبا على محمد ابن على بن مقلة إلى شيراز وكتب إلى ابراهيم بن عبد الله المسمعى في اتلافهما فسلمهما الله ونفى النعمان بن عبد الله الكاتب وكان رجل صدق وقد اعتزل الاعمال ولزم بيته وغلة ضيعة له فغربه إلى واسط ووجه المحسن رجلا كان يصحب ابن أبى العذافر خلفه فذبحه بواسط ونفى ابراهيم بن عيسى وعبد الله بن ما شاء الله إلى واسط ودس اليهما من قتلهما وطالب ابن حماد الموصلي الكاتب فقال له نصر الحاجب سلمه إلى وعلى مائة ألف دينار من قبله وأسلمه بعد هذا اليكم على أن تلزموه بيته فلم يفعل المحسن ذلك وعنف به وشتمه فرد عليه ابن حماد القول فقتله وكان أبو بكر أحمد بن محمد بن قرابة يتكلف للمحسن نفقاته كلها من ماله أيام نكبة أبيه وخموله فلما ولى الوزارة أكرمه أبوه وأقبل عليه فحسده
المحسن وجعل يحتال في تلفه وعزم على أن يركبه معه ليلا في طيارة من داره التى(1/78)
يسكنها المحسن إلى دار أبيه بالمخرم فإذا توسط دجلة أمر من يرمى بابن قرابة فيها وكانت أيام ممدود ؟ ؟ قال الصولى فعرفني بذلك سرا خادم للمحسن يقال له مريث لمودة كانت بينى وبينه فأشعرت ابن قرابة بما ذهب إليه فيه فلم يدخل له دارا ولا جلس منه في طيار إلى أن فرج الله أمرهم ولم تطل المدة قال الصولى وكان المحسن مقيما عندي أيام نكوبهم وكنت كثير الانحراف إليهم فلما عادوا إلى المنزلة التى كانوا بعدوا عنها اختصني على بن الفرات وأمرني بملازمة مجلسه وزاد في رزقي سبعين دينارا وقال لى انظر ما تريد من الاعمال أقلدك إياه فسعى بى المحسن إلى أبيه بفعل واش وشى بى إليه فثقل جانبى على الوزير حتى قلت في ذلك قصيدة فأصغى إليها وقبل اعتذاري فيها وزال ما كان في نفسه وبقى المحسن على غله ومن الشعر إذا اختصرناه قل لرحا ملكنا وللقطب * وسيد وابن سادة نجب وللوزير البعيد همته * البالغ المجد غاية الرتب لا والذى أنت من فواضله * يا منقذ الملك من يد النوب ما كان شئ مما وشى لكم * ذو حسد مفتر وذو كذب هل علة أوجبت على سوى * مدحى وشكرى في الجد واللعب أكفر نعماكم ويشكرها * عدوكم إن ذا من العجب فسائلوا علم ذاك أنفسكم * فليس رأيى عنكم بمحتجب متى سمعتم من السعاة أرا * نى الله أشلاهم على الخشب وأوطن الحتف في ديارهم * حتى يبادروا بالويل والحرب وليكم رأس ما لكم أبدا * والرأس إن ضاع ليس كالذنب
(وفى هذه السنة) توفى يانس الموفقى وكان رفيع المكانة عند السلطان عظيم الغناء عنه ولقد عزى به نصر الحاجب يوم وفاته فجعل يبكى ولا يتعزى وقال لقد أصيب الملك مصيبة لاتنجبر وقال من أين للخليفة رجل مثله شيخ ناصح مطاع ينزل عند سور داره من خيار الفرسان والغلمان والخدم ألف مقاتل فلو حزب(1/79)
السلطان أمر وصاح بن صائح من القصر لوافاه من ساعته في هذا العدد قبل أن يعلم بذلك غيرهم من جنسه فلما توفى يانس انتصح نصر الحاجب الخليفة في أمواله وكانت عظيمة وكانت له ضياع ومستغلات وأمتعة ووطاء وكسوة لا يعرف لشئ منها قدر فقال نصر الحاجب للمقتدر ان يانسا خلف ضياعا تغل ثلاثين ألف دينارا إلى ما خلف من سائر المال وأشار عليه بأن يوجه ابنه أبا العباس إلى داريانس فيصلى عليه ويأمر بدفنه ويحضر جميع فرسانه وخدمه وحاشيته فيقول لهم أنا مكان يانس لكم وفوقه وزائد في الاحسان إليكم والتفقد لاحوالكم ثم يحصى ما تخلفه ولا يفوت منه شئ فيجمع بذلك الاستحماد إلى الرجال والاحراز للمال فأصغى المقتدر إلى نصيحة نصر الحاجب وظهر له صواب قوله فما خرج عنه حوله ابن الفرات وولده عن رأيه وأمر المحسن بتحصيل التركة فأذهب أكثرها وخان الخليفة فيها وأخذ أكثر ذلك لنفسه حتى لقد كانت الشقاق الدبيقية الشقيريات التى أقل ثمن كل واحدة منها سبعون دينارا تحشى بها المخاد الارمينية والمساور وتباع فتشتري للمحسن على أن الذى داخلها حشو صوف وكذلك فعل بالقصب المرتفع والرشيدي والملحم الشعيبى والنيسابوري ولقد أخذ من الوسائد الرفيعة والمساور المحكمة فحشاها بالند والعود عتيا وطغيانا وكذلك كان يتكئ عليها ومما يعتد به على ابن الفرات وولده أن أحمد بن محمد بن خالد الكاتب المعروف بأخى أبى صخرة كان قد ولى الدواوين وكان من مشايخ الكتاب ورؤسائهم فتوفى في هذا العام وخلف ورئة
أحداثا فأنهى كثرة ما خلف من المال إلى المقتدر فأمر بالتوكيل بخزانته وداره فسار بعض الورثة إلى المحسن وضمنوا له مالا على إزالة التوكيل وحل الاعتقال فكلم المحسن أباه في ذلك وركب إلى المقتدر فقال له إن المعتضد والمكتفى قد كان قطعا الدخول على الناس في المواريث وأنا أرى لمولاي أن يحيى رسومهما وأن يأمر باثبات عهدأ لا يتعرض أحد في ميراث فأجابه المقتدر إلى ذلك إذ ظن أنها نصيحة منه فسلمت الدار إلى ورثة الكاتب وأنشأ ابن الفرات كتابا عن المقتدر في إسقاط المواريث نسخته (بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد فان أمير المؤمنين المقتدر بالله يؤثر في الامور كلها ما قربه من الله(1/80)
عز وجل واجتلب له جزيل مثوبته وواسع رحمته وحسنته العائدة على كافة رعيته كما جعل الله في طبعه وأولج في بيته من التعطف عليها وإيصال المنافع إليها وإبطال رسوم الجور التى كانت تعامل بها جاريا مع أحكام الكتاب والسنة عاملا بالآثار عن الافاضل من الائمة وعلى الله يتوكل أمير المؤمنين وإليه يفوض به ويستعين وأنهى إلى أمير المؤمنين المقتدر بالله أبو الحسن على بن محمد الوزير ما يلحق كثيرا من الناس من التحامل في مواريثهم وما يتناول على سبيل الظلم من أموالهم وأنه قد كان شكى إلى المعتضد بالله مثل ذلك فكتب إلى القاضيين يوسف بن يعقوب وعبد الحميد يسألهما عن العمل في المواريث فكتبا إليه أن عمر بن الخطاب وعلى ابن أبى طالب وعبد الله بن العباس وعبد الله بن مسعود ومن اتبعهم من الائمة وعلماء هذه الامة رحمهم الله رأوا أن يرد على أصحاب السهام من القرابة ما يفضل عن السهام المفروضة لهم في كتاب الله عز وجل من المواريث إن لم يكن للمتوفى عصبة يرثون ما بقى ممتثلين في ذلك كتاب الله عز وجل في قوله " وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " ومحتملين على سنة رسول الله في توريث من لا فرض له في كتاب الله من الخال وابن الاخت والجدة وأن تقليد العمال
أمر المواريث دون القضاة شئ لم يكن إلا في خلافة المعتمد على الله فانه خلط في ذلك فأمر المعتضد بإبطال ما كان الامر جرى عليه أيام المعتمد في المواريث وترك العمل فيها بما روى عن يزيد بن ثابت بأن يرد على ذوى الارحام ما أوجب الله رده وأولو العلم من الائمة فأمر أمير المؤمنين المقتدر بالله أن يجرى الامر على ذلك ويعمل به وكتب يوم الخميس لاربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة 311 فلما نفذ كتاب المقتدر بهذا وأشهد على ورثة ابن خالد الكاتب بتسليم ما خلفه وقبضهم له وجه المحسن إليهم من أخذ جميع ما لهم وحبسهم وأخافهم (وحج) بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك(1/81)
ثم دخلت سنة 312 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها ورد الخبر في أول المحرم على الخليفة ببغداد بقطع الجنابي والقرامطة على الحاج وما حدث فيهم من القتل والاسر وذهاب عامة الناس آل السلطان وغيرهم وأن عبد الله بن حمدان قد قلد أمر الطريق فمضى الناس في القافلة الاولى فسلموا في أول مسيرهم حتى إذا صاروا بفيد اتصل بهم خبر القرامطة فتوقفوا وورد كتاب أبى الهيجاء على نزار بن محمد الخراساني وكان في القافلة الاولى بأن يتوقف عليه حتى يجتمعوا فتوقف نزار وتلاحقت قوافل الشارية والزيرية والخوارزمية فلما صاروا بأجمعهم بالهبير غشيهم الجنابي وأصحابه القرامطة فقتلوا عامتهم واتصل الخبر بسائر القوافل وقد اجتمعت بفيد فتشاوروا في العدول إلى وادى القرى ولم يتفقوا على ذلك ثم عزموا على المسير فقطع بهم الجنابي وأسر أبو الهيجاء القائد وأفلت نزار وبه ضربات أثخنته وأسر ابن للحسين بن حمدان وأحمد بن بدر العم وأحمد بن محمد بن قشمرد وابنه وأسر مازج الخادم صاحب الشمسة وفلفل الفتى
ونحرير فتى السيدة وكان على القافلة الثالثة وقتل بدر ومقبل غلاما الطائى وكانا فارسين مشهورين ممن يسير بالقوافل ويدافع عنها ولهما قدر وذكر وأسر خزرى وابنه وكانا من القواد وقتل سائر الجند وأخذت القرامطة الشمسة وجميع ما كان للسلطان من الجواهر والطرائف وأخذوا من أموال الناس ما لا يحصى وتحدث من أفلت بأنه صار إليهم من الدنانير والورق خاصة نحو ألف ألف دينار ومن الامتعة والطيب وسائر الاشياء ما قيمته أكثر من هذا وأن جميع عسكره إنما كان ثمانمائة فارس وسائرهم رجالة وكل من أفلت من أيدى القرامطة أكلهم الاعراب وسلبوا ما بقى معهم مما كان تخباه الناس من أموالهم ومات أكثر الناس عطشا وجوعا ولما صح عند المقتدر ما نال الناس وناله في رجاله وماله عظم ذلك عنده وعند الخاصة والعامة وجل الاغتمام به على كل طبقة وتقدم الخليفة إلى ابن الفرات في الكتاب إلى مونس الخادم بأن يقدم من الرقة ليخرج إلى(1/82)
القرمطى وكتب إليه نصر الحاجب بالاستعجال والبدار فسلك الفرات في خاصته وأسرع في مسيره ووصل إلى بغداد في غرة شهر ربيع الاول ذكر التقبض على ابن الفرات وابنه وقتلهما وفى يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر ربيع الآخر قبض على على بن محمد بن الفرات الوزير واختفى المحسن ابنه فاشتد السلطان في طلبته وعزم على تفتيش منازل بغداد كلها بسببه وأمر بالنداء بهدر دم من وجد عنده وأخذ ماله وهدم داره وتشدد على الناس في ذلك التشدد الذى لم يسمع بمثله فجاء من أعطى نصرا الحاجب خبره ودله على موضعه فوجه بالليل من كبسه وأخذه وقد تشبه بالنساء وحلق لحيته وتقنع فأتى به على هيئته وفى زيه لم تغير له حال وضرب في الليل بالدبادب ليعلم الناس أنه قد أخذ وغدت العامة إلى دار الخليفة ليروه وتكاثر
الناس وازدحموا للنظر إليه وهو في ذلك الزى الذى وجد عليه ثم أحضر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبيد الله الخاقانى فاستوزر وأقعد وخلع عليه للوزارة فاستوزر منه رجل قد تكهل وفهم وجرب وفارق ما كان عليه في أيام أبيه من الحداثة وغلب عليه الوقار والسكينة وكان مونس الخادم هو الذى أشار به وزين أمره وحض المقتدر على استيزاره فأول ما قعد نصب لمناظرة ابن الفرات وولده ومحاسبتهما رجلا يعرف بابن نقد الشر فتشدد عليهما في الاموال فلم يذعنا إلى شئ إذ علما أنهما تالفان وكان في أول ضمهما قد دسسا إلى من تضمن عنهما مالا عظيما على أن يحبسا في دار السلطان ولا ينطلق عليهما أيدى أعدائهما فهم المقتدر بذلك وأصغى إليه فاجتمع الرؤساء مونس وشفيع اللؤلؤي ونصر وشفيع المقتدرى ونازوك وكلهم عدو لابن الفرات ومطالب له فسعوا في إحالة رأى الخليفة عن ضمه إلى الدار وتقدموا إلى الغلمان بأن يشغبوا ويحملوا السلاح ويقولوا قد عزم السلطان أن يستوزر ابن الفرات مرة رابعة لا نرضى إلا بقتله على عظيم ما أحدث في الملك وأفسد من الامور وأتلف من الرجال ففعلوا وكتب شفيع اللؤلؤ إلى المقتدر وكان صاحب البريد والثقة في ايراد الاخبار يشنع عليه(1/83)
قيام الغلمان وتشوف الناس إلى الخلعان فأمر المقتدر بقتل ابن الفرات وابنه وتقدم إلى نازوك بأن يضرب أعناقهما في الدار التي كانت لابن الفرات ويوجه إليه برأسيهما فنفذ ذلك من وقته وبعث بالرأسين في سفط ثم رد السفط إلى شفيع اللؤلؤي فوضع الرأسين في مخلاة وثقلهما بالرمل وغرقهما في دجلة * وفى هذا العام قبل القبض على ابن الفرات بأيام توفى محمد بن نصر الحاجب وكان خلفا من أبيه قال الصولى عرفته والله في كريما عالى الهمة جميل الامر سرى الآلة كثير المحاسن قد اشتهى جمع العلم وكتب الحديث وتخلف كتبا بأكثر من ألفى دينار
قال وكان قد خرج على امارة الموصل ونواحيها فدعاني إلى الخروج معه على أن أقيم شهرا أو شهرين بألف دينار معجلا عند الخروج وألف مؤجلا عند الانصراف قال فلم ينتظم لى أمرى على الخروج معه ففعل قريبا مما قال وأنا مقيم بمنزلي ثم إن أباه لم يصبر عنه فأقدمه بغداد فقلت شعرا أذكر فيه مفارقته وقدومه على عروض كان يعجبه وهو هذا اختصرناه حرق ذابت لها الاح * شاء من حر الفراق بقيت وقفا على ه * تم وأحزان بواقى آه من فجعة بين * جلبت ماء المآقى وتباريح اشتياقي * ساق قلبى للسياق إن صبرى عن أبى نص * ر لضرب من نفاق عن أمير جل عن إت * يان أفعال دقاق واسع الهمة في الاف * ضال ممدود الرواق نشرب الصافى من جد * واه في كاس دهاق هو بحر وأعالى ال * ناس في الجلود سواقى إن أكن عنك تأخر * ت بجد ذى محاق وزمان آخذ من * كل حر بالخناق فلقد شد سروري * ونشاطى في وثاق(1/84)
ووجدت الماء في بع * دك كالملح الزعاق فحمدت الله إذ م * ن بقرب وتلاقي وعلى الحج مقرو * نا بغزو وعتاق إن تسمحت لنفسي * بعد هذا بفراق
وفى هذه السنة توفى محمد بن عبيد الله بن خاقان والد الوزير وعزى منه فكان جميل العزاء وملتزما للصبروا عتل الوزير عبد الله بن محمد في جمادى الآخرة من هذا العام بعد وفاة أبيه فكان يتحامل على الجلوس للناس فيدخلون عليه وهو لقى شديد العلة فلم يزل على هذه الحال حتى استهل شهر رمضان ثم صلحت حاله ونقه من علته وكان الوزير قدنافر نصرا الحاجب وعمل عليه عند المقتدر حتى هم بالقبض على نصر وظن الوزير أن ذلك مما يسر به مونسا في نصر إذ كان توهم أن الذى بينهما فاسد وكانا عند الناس متخالفين وهما في الحقيقة كنفس واحدة فقدم مونس وبعث إليه نصر كاتبه فتلقاه بأسفل المدائن وعرفه خبر نصر كله فوجده لنصر كمنزلة نفسه وقال للكاتب قل له عنى بحقى عليك إن تلقيتنى وأخليت الدار فلا مؤنة عليك منى فان كنت لابد فاعلا فبالقرب فتلقاه نصر بسوق الاحد وكان دخول مونس في أول سنة 13 وسيقع خبره في موضعه إن شاء الله * وفى ذى القعدة من هذه السنة قدم خلق كثير من الخراسانية إلى مدينة السلام للحج واستعدوا بالخيل والسلاح فأخرج السلطان القافله الاولى مع جعفر بن ورقاء وكان أمير الكوفة يومئذ فوقع إليه خبر القرمطى وتحركه مرتصدا للقوافل فأمر جعفر الناس بالتوقف والمقام حتى يتعرف حقائق الاخبار وتقدم جعفر في أصحابه ومن خف وتسرع من الحاج فلما قرب من زبالة اتبعه الناس وخالفوا أمره فوجدوا أصحاب الجنابي مقيمين ينتظرون موافاة القوافل وقد منعوا أن يجوزهم أحد يخبر بخبرهم فلما رأوه ناوشوه القتال ثم حال بينهم الليل وخلص ابن ورقاء بنفسه وقتل خلق كثير ممن كان معه وترك الحاج المتسرعة جمالهم ومحاملهم وفروا راجعين إلى الكوفة واتبعهم القرمطى وكان بالكوفة جنى الصفوانى وثمل الطرسوسى وطريف السبكرى فاجتمعوا(1/85)
واجتمع إليهم بنو شيبان فحاربوا القرمطى عشية فقاموا به وانتصفوا منه ثم
باكرهم بالغدو فهزمهم وأسر جنيا الصفوانى وقتل خلقا من الجند وانهزم الباقون إلى بغداد وأقام القرامطة بالكوفة وأخذوا أكثر ما كان في الاسواق وقلعوا ابواب حديد كانت بالكوفة ثم رحل إلى البحرين وبطل الحج من العراق في هذه السنة وصح حج أهل مصر والشأم وكان معهم بمكة على بن عيسى فكتب الوزير عبد الله بن محمد إلى على بن عيسى بأن يتقلد أعمال مصر والشأم وجعل أمر المغرب كله إليه فمضى على لما تم الحج من مكة إلى الشأم ومصر وندب المقتدر مونسا الخادم إلى الكوفة فوصل إليها وقد رحل الجنابي عنها فأقام بها أياما ثم كتب إليه السلطان أن يعدل إلى واسط فيقيم بها فرحل إليها واستقر بها ولم يغن شيئا في حركته هذه على أنه أنفق في خروجه فيما حكاه نصر الحاجب ومن حصل ذلك معه نحو ألف ألف دينار * وحج بالناس في هذه السنة الفصل بن عبد الملك ثم دخلت سنة 313 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها سعى الوزير عبد الله بن محمد الخاقانى على نصر الحاجب عند المقتدر وحمله على الفتك به والتقبض عليه فكتب المقتدر إلى مونس الخادم وكان بواسط أن يقدم عليه ليكون القبض على نصر الحاجب بمشاهدته وعن رأى منه ورضى إذ كان المقتدر مصغيا إليه ومحتاجا إلى رأيه وغنائه فلما قدم مونس بغداد وشاوره المقتدر في أمر نصر قال له والله يا سيدى لا اعتضت منه أبدا ولولا مكانه من نصيحتك وخدمتك ما تهيأ لى أن أفارق قصرك ولا أغيب من مشاهدة أمرك وباينه في أمره مباينة وقفته عنه ثم أوصل المقتدر نصرا إلى نفسه وقرب مكانه ومكان مونس وأصغى إليهما ولقب مونس بالمظفر من حين قدومه من الغزاة فكان مما قاله نصر للمقتدر وقد علم ما كان ذهب إليه فيه كم من أمر
قد عقد على أمير المؤمنين وابتغى إدخال الكدح في سلطانه ولم يعلم به(1/86)
فكفاه الله إياه بسعايتنا في صرفه عنه فحلف لهما المقتدر أنه ما هم بسوء فيهما قط ولا يفعل مكروها بأحدهما ما بقيا فقوى أمر نصرو تأيد بمونس وضعف أمر الوزير عبد الله بن محمد واعتل ولزم بيته فكان الناس يد لون عليه وهو لقى وتولى أعماله ونظره عبيد الله بن محمد الكلوا ذانى صاحب ديوان السواد وبنان النصراني كاتبه ومالك بن الوليد النصراني وكان إليه ديوان الدار وابن القنانى النصراني وأخوه وكان إليه ديوان الخاصة وبيت المال وابنا سعد حاجباه ومما أوهن أمر الوزير وكرهه إلى الناس غلاء الاسعار في زمانه ولم يكن عنده مادة من حيلة يكثر بها ورود المير إلى بغداد وكان مما أشار إليه نصر عند مكالمته للمقتدر بما كان يدار عليه ويسعى فيه من الوثوب عليه ولم يشرح ذلك له أن بعض القواد واطؤ اقوما من الاعراب على أن يقعدوا عند ركوب الخليفة إلى الثريا بالقرب من طريقه فإذا وازاهم وثبوا من ثلم كانت تهدمت في سور الحلبة وأوقعوا به ثم يخرجون ويحكمون على أنهم شراه فكان نصر حينئذ قد أراد كشف ذلك للمقتدر وشاور من وثق به فيه فقال له لا تفعل فلست بآمن ألا يتضح الامر للخليفة فتوحشه وترعبه ثم يصير من اتهم بهذا عدوالك وساعيا عليك ولكن امنعه الركوب إلى الثريا حتى تبنى ثلم السور وإن عزم على الركوب استعددت بالغلمان والعدة وألزمتهم تلك المواضع المخوفة وعملت مع هذا في استئلاف كل من سمى لك من هولاء القواد ومن تابعهم على مذهبهم فمن كان منهم متعطلا من ولاية وليته ومن كان مستزيدا زدته ومن كان خائفا آمنته وإن أمكنك تفريقهم في الاعمال فرقتهم فيها وكان نصر رجلا عاقلا فعمل برأى من أشار عليه بهذا وسعى في ولاية بعض القوم فأخرج واحدا إلى سواد الكوفة وأخرج آخر إلى ديار ربيعة ولما صفت
الحال بين نصر ومونس واستألف نصر ثمل القهرمانة وكانت متمكنة من المقتدر وظهر من أمر الوزير عبد الله بن محمد ما ظهر تكلموا في عزله وشاوروا في رجل يصلح للوزارة مكانه فمالت ثمل برأيها وعنايتها إلى أحمد الخصيبى وكان يكتب لام المقتدر وساعدها نصر على ذلك حتى تم له وصح عزم المقتدر عليه(1/87)
ذكر التقبض على الوزير الخاقانى وولاية أحمد الخصيبى وقبض على الوزير عبد الله بن محمد الخاقانى لاحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ووكل به في منزله فكانت ولايته ثمانية عشر شهرا وخلع في هذا النهار على أبى العباس أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب للوزارة وانصرف إلى منزله بقنطرة الانصار ثم جلس من الغد في دار سليمان بن وهب بمشرعة الصخر فهابه الناس لموضعه من الخليفة بالوزارة التى صار إليها لمحله من خدمة السيدة وكتابتها ولعناية ثم القهر مانة به وهابه كل منكوب من أصحاب الخاقانى وابن الفرات فحصل له من مالهم ألف ألف دينار أصلح منها أسبابه ثم ركب الوزير الخصيبى إلى القصر فرماه الجند بالنشاب من جزيرة بقرب قصر عيسى فلجأ إلى الشط وتخلص منهم بجهد فلما جلس في مجلسه قال لعن الله من أشار بى لهذا الامر وحسن دخولي فيه فقد كان كرهه لى من أثق به وبرأيه وكرهته لنفسي ولكن القدر غالب وأمر الله نافذ وأقر الخصيبى عبيد الله بن محمد الكلواذى على ديوان السواد وفارس والاهواز وأقر على الازمة وديوان الجند أبا الفرج محمد بن جعفر بن حفص وقلد ابن عم له شيخا يعرف باسحاق بن أبى الضحاك ديوان المغرب ولم يكن للناس في هذا العام موسم لتغلب القرامطة على البلاد وقلة المال وضيق الحال فطولب بالاموال قوم لاحجة عليهم إلا لفضل نعمة كانت عندهم وألح الوزير على الناس في ذلك حتى طلب امرأة المحسن ودولة أم على بن محمد بن الفرات وابنة موسى بن خلف وامرأة أحمد بى الحجاج بن مخلد
بأموال جليلة وكثر الناس في ذلك وأنكروه غاية الانكار ثم دخلت سنة 314 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها اشتدت مطالبة الخصيبى الوزير الاموال عند الناس وأكثر التعلل عليهم فيها ولم يدع عند أحد مالا أحس به إلا أخذه بأتعس ما يكون من الاخذ والشدة وكان نصر بن الفتح صاحب بيت مال العامة قد توفى في شهر ربيع الاول من هذا العام فطالب الخصيبى جاريته وابنته بالاموال وأحضرهما عند نفسه(1/88)
واشتد عليهما فلم يجد عندهما كثير مال إذ كان نصر رجلا صحيح الامانة وكان له معروف عند الناس وأياد حسنة * وفيها أمر المقتدر ابن الخصيب وزيره باستقدام ابن أبى الساج من الجبل لمحاربة القرمطى فاستقدمه وأقبل يريد مدينة السلام فاشتد على نصر الحاجب ونازوك وشفيع المقتدرى وهارون بن غريب الخال وغيرهم من الغلمان دخوله بغداد فكتب إليه مونس بأن يعدل إلى واسط لكيون مقامه بها وغزوه القرامطة منها فسار إليها ثم تأخر نفوذه إلى القرمطى ولم يتم خروجه إليه لشروط شرطها وأموال طلبها وكانت الاموال في غاية التعذر فلم يجب إلى ما اشترطه وكان ذلك سببا لتوقفه * وفيها اتخذت أم المقتدر كاتبا يقوم بأمر ضياعها وحشمها وأسبابها لما رأت الخصيبى قد اشتغل بالوزارة والنظر في أسباب المملكة فقالت لثمل القهرمانة ارتادى لى كاتبا يقوم مكانه ويحل محله فاتخذت لها عبد الرحمن بن محمد بن سهل وكان قد لزم بيته واقتصر على ضيعة له فاستخرج من منزله وكتب لام المقتدر وتولى أمورها وكانت فيه كفاية وأبوه شيخ من مشايخ الكتاب وممن عنى بالعلم فصعب أمره على الخصيبى الوزير وتمنى أنه لم يكن تولى الوزارة حين فارق خدمة أم المقتدر وكانت أنفع
له من الخليفة فجعل أمره يضعف كلما قلت الاموال التى كان يتقرب بها ويشتد على الناس فيها ذكر التقبض على الوزير الخصيبى وولاية على بن عيسى الوزارة ثم إن المقتدر أمر بالتقبض على الخصيبى أحمد بن عبيد الله الوزير يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ذى القعدة سنة 314 وعلى ابنه معه ومن لف لفه وتولى ذلك فيه نازوك صاحب الشرطة واستتر أصحاب دواوينه ومن أفلت من أهله وكان على بن عيسى بالمغرب متوليا للاشراف فاستوزر واستخلف له عبيد الله بن محمد الكواذى إلى وقت قدومه وأنفذ المقتدر سلامة أخا نجح الطولونى رسولا إليه ليأخذ به على طريق الرقة ويتعجل استقدامه فكانت مدة وزارة الخصيبى أربعة عشر شهرا وضبط عبيد الله بن محمد الامر(1/89)
وقام به بقية سنة 14 وفيها مات أحمد بن العباس أخو أم موسى وماتت أختها أم محمد فأظهر المقتدر الرضا عن أم موسى وردت عليها دورها وضياعها التى كانت اعتقلت عليها عند ما اتهمت به على ما تقدم ذكره (وحج بالناس في هذه السنة) أبو طالب عبد السميع بن أيوب بن عبد العزيز ثم دخلت سنة 315 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها قدم على بن عيسى بغداد يوم الاربعاء لخمس خلون من صفر بعد أن تلقاه الناس جميعا بالانبار وفوق الانبار ودخل المقتدر بالله فاستوزره وأمر بالخلع عليه فاستعفي فلم يعفه وسلم إليه الخصيبى ليناظره عن الاموال فلم يستبن عليه خيانة ولا علم أنه أخذ من مال السلطان شيئا فقال له ضيعت والمضيع لارزق له فرد ما ارتزقت وما أقطعت من الضياع فرد ذلك وقال على بن عيسى الوزير
للخليفة ما فعلت سبحة جوهر أخذت من ابن الجصاص قيمتها ثلاثون ألف دينار قال له هي في الخزانة فسأله أن يأمر بتطلبها فطلبت فلم توجد فأخرجها على من كمه وقال له عرضت على هذه السبحة بمصر فعرفتها واشتريتها فإذا كانت خزانة الجوهر لا تحفظ فما الذى حفظ بعدها وأمير المؤمنين يقطع خزانه وخدمته الاموال الجليلة والضياع الواسعة فاشتد هذا الامر على السيدة أم المقتدر وعلى غيرها من بطانته واتهمت بالسبحة زيدان القهرمانة وكان لا يصل إلى خزانة الجوهر غيرها وضبط على بن عيسى الامر جهده ونظر ليله ونهاره وجلس للمظالم في كل يوم ثلاثاء وكان لا يأخذ مال أحد ولا يتعلل على الناس كما كان يفعل غيره فأمن البراء في أيامه وقطع الزيادات والتعلل وتحفظ من أن تجرى عليه حيلة ودعته الضرورة بقلة المال إلى الاخلال ببعض الاقامات في طريق مكة وغيرها وخرج إليه توقيع المقتدر بأن لا يزيل الكواذى عن ديوان السواد ولا محمد بن يوسف عن القضاء فقال ما هممت بشئ من هذا وإن العهد فيه إلى التخليط على وكدح في نظرى وأشار على بن عيسى على المقتدر بأن يلزم خمسة(1/90)
آلاف فارس من بنى أسد طريق مكة بعيلاتهم ويثبت لهم مال الموسم فانه يكفيهم ويترك ابن أبى الساج مكانه ويبعث لحرب القرمطى خمسة آلاف رجل من بنى شيبان بأقل من ربع المال الذى كان ينفق على ابن أبى الساج وكان على قد نظر إلى ما طلبه ابن أبى الساج فوجده ثلاثة آلاف ألف دينار ووجد مال بنى أسد وبنى شيبان ألف ألف دينار وألفى كاتب نيزوك يرتزق تسعمائة دينار في النوبة فأسقطها عنه وقال رزقه على صاحبه وأسقط من رزق مفلح الاسود ألف دينار في جملة الغلمان وأقره على ألف دينار كان يرتزق في النوبة وأراد مونس المظفر الخروج إلى الثغر فتبعه على بن عيسى وسأله المقام وقال له إنما قويت على نظرى بهيبتك ومقامك فان رحلت انتقض
على تدبيرى فأقام وقلد شيرزاذ ما كان يتقلد قلنسوة من أمر الحبس وضم إليه كاتب نازوك وأجرى له مائة وعشرين دينارا ولمن يخلفه ثلاثين دينارا وكان قلنسوة يرتزق لهذه الاعمال ثمانمائة دينار وصرف ياقوتا عن الكوفة وولاها أحمد بن عبد الرحمن بن جعفر إلى أن يصير إليها ابن أبى الساج ولما رأى المقتدر اجتهاد على بن عيسى قال لقد استحييت من ظلمي قبل هذا له وأخذ المال منه وأمر بأن يرد عليه ذلك وأحال به على الحسين بن أحمد الماذرائى فاشترى على بن عيسى بالمال ضياعا وضمها إلى الضياع التى وقفها على أهل مكة والمدينة وكان في ناحية بنى الفرات رجل يعرف بأبى ميمون الانباري قد اصطنعوه وأحسنوا إليه فوجد له على بن عيسى أرزاقا كثيرة فاقتصر على بعضها فهجاه الانباري ومن شعره المشهور فيه عند وزارته هذه قد أقبل الشؤم من الشام * يركض في عسكر أبرام مستعجلا يسعى إلى حتفه * مدته يقصر عن عام يا وزراء الملك لا تفرحوا * أيامكم أقصر أيام وكان على بن عيسى قد كتب إلى ابن أبى الساج بأن يقيم بالجبل فلم يلتفت إلى كتابه وبادر بالاقبال إلى حلوان يريد دخول بغداد فكره أصحاب السلطان دخوله لها وكتب إليه مونس في العدول إلى واسط وعرفه أن الاموال من ثم ترد عليه(1/91)
فصار إلى واسط عاث أصحابه بها على الناس وكثر الضجيج منهم الدعاء عليهم فلم يغير ذلك فقال الناس من أراد محاربة عدوه عمل بالانصاف والعدل ولم يفتتح أمره بالجور والظلم وانتصحه من عرفه فلم يقبل النصيحة وخرج ابن أبى الساج إلى القرمطى من واسط فأبطأ في سيره وسبقه القرمطى إلى الكوفة ثم التقيا فهزمه القرمطى وأخذه أسيرا وسار القرمطى يريد بغداد فعبر جسر الانبار وخرج مونس
المظفر ونصر الحاجب وهارون بن غريب الخال وأبو الهيجاء ومعهم جيش السلطان يريدون القرمطى وقد بلغهم رحيله إليهم وبادر نصر أصحابه واختلف رأيهم وجزع أصحاب السلطان وامتلات قلوبهم رهبة للقرمطى ووقفوا على قنطرة تعرف بالقنطرة الجديدة وأرادوا قطعها لئلا يجوز القرمطى إليهم وتابعه أكثر أهل العسكر فقطعت القنطرة فلما صار القرمطى وأصحابه إليها رماهم أصحاب السلطان بالنشاب ورأوا كثرة الخلق فرجعوا وتبددوا في الموضع فعزم نصر على العبور إليهم ومناجزتهم فلم يدعه مونس ووجه السلطان إلى الفرات بطيارات وشميليات فيها جماعة من الناشبة وعليهم سبك غلام المكتفى فحالوا بين القرامطة وبين العبور وكان ثقل القرمطى وسواد عسكره بحيال الانبار وابن أبى الساج محبوس عندهم فأراد نصر أن يحتال للعبور في السفن ليلا وأن يكبسوا السواد طمعا في تخليص ابن أبى الساج فحم نصر الحاجب حمى ثقيلة أذهبت عقله يومين وليلتين وشاع ما أراد أن يفعله وقدم مونس غلامه يلبق في نحو ألفين فعبروا الفرات ليلا ووافوا سواد القرمطى بالانبار وكان يلبق في جيش عظيم وسواد القرمطى في خيل يسيرة فانهزم أصحاب السلطان وأسر جماعة منهم وأسر ابن أبى الاغر في جملتهم فلما أتاهم القرمطى جلس لهم وضرب أعناق جميعهم ودعا بابن أبى الساج من الموضع الذى كان محبوسا فيه فقال له أنا أكرمك وأنوى الصفح عنك وأنت تحرض على أصحابك فقال له قد علمت أنى ما أقدر على مكاتبتهم ولا مراسلتهم فأى ذنب لى في فعلهم فقال له ما دمت حيا فلاصحابك طمع فيك فأمر به فضربت عنقه * وفيها اتصل بمونس المظفر أن أم المقتدر عاملة على قتله وأنها قد نصبت له من يقتله(1/92)
إذا دخل الدار فاستوحش واحترس وطلب الخروج إلى الثغر فأجيب إلى ذلك ثم اضطرب أمره لما حدث من أمر القرمطى * وفيها ورد الخبر بموت إبراهيم
ابن عبد الله المسمعى أمير فارس فخلع على ياقوت وقلد مكانه وولى محمد بن عبد الصمد كرمان (وحج بالناس في هذه السنة) أبو أحمد عبيد الله بن عبد الله بن سليمان من بنى العباس ثم دخلت سنة 316 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها أوقع سليمان الجنابي القرمطى بأهل الرحبة وقتل منهم مقتلة عظيمة ووجه سرية إلى ديار ربيعة فأوقعت ببوادى الاعراب واستباحتها ثم عادوا إلى الرحبة واستاقوا خمسة آلاف جمل ومواشي كثيرة وزحف القرامطة إلى الرقة للايقاع بأهلها فحاربوهم أشد محاربة ورموهم من أعالي دورهم بالماء والتراب والآجر وموهم بسهام مسمومة فمات منهم نحو مائة رجل وانصرفوا عنها مفلولين ذكر القبض على على بن عيسى الوزير وولاية محمد بن على بن مقلة الوزارة (وفى هذه السنة) قبض على على بن عيسى ووكل به في دار الخليفة يوم الثلاثاء لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول وتوجه هارون بن غريب الخال إلى أبى على محمد بن على بن الحسن بن عبد الله المعروف بابن مقلة فحمله إلى دار المقتدر بعد مراسلات كانت بينهما وضمانات فقلده المقتدر وزارته وفوض إليه أموره وخلع عليه الوزارة يوم الخميس لاربع عشرة ليلة خلت من ربيع الاول فأقر عبيد الله بن محمد بن عبد الله الكلواذى على ديوان السواد واقر الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات على ديوان المشرق وأنفذه ناظرا على أعمال فارس وولى محمد بن القاسم الكرخي ديوان المغرب كان قد قدم من ديار مضر وقلد الوزير أخاه الحسن بن على ديوان الخاصة وديوان الدار الاصغر الذى تنشأ منه الكتب بالزيادات والنقل وقلد أخاه العباس ابن على ديوان الفراتية وديوان الجيش وأقر عثمان بن سعيد(1/93)
الصيرفى على ديوان الجيش الاصل وإبراهيم بن خفيف على ديوان النفقات وأجرى الامور أحسن مجاريها وأمر ألا يطالب أحد بمصادرة ولا غرم ولا يعرض لصانع أحد حتى أقر أحمد بن جانى على ما كان يتقلده من ديوان أقطاع الوزراء وأجلس إبراهيم بن أيوب النصراني كاتب على بن عيسى بين يديه على رسمه وأقره على ديوان الجهبذة وضمن أمر الرجالة المصافية الملازمين لدار الخليفة وقد بلغت نوبتهم عشرين ومائة ألف دينار في كل هلال فاستبشر الناس به وسكنوا إليه وأمنوا وانفسحت آمالهم واتسعت هممهم وتباشروا بأيامه ثم خلع في غرة جمادى الاولى على أبى القاسم وأبى الحسين وأبى الحسن ابني أبى على محمد بن على الوزير لتقلد الدواوين ثم خلع على محمد بن على بعد ذلك لتكنية أمير المؤمنين إياه قال الصولى ولا أعلم أنه ولى الوزارة أحد بعد عبيد الله بن يحيى بن خاقان مدح من الاشعار بأكثر مما مدح به محمد بن على قبل الوزارة وفى الوزارة وبعد ذلك لشهرته في الشعر وعلمه به وإثابته عليه وظهر من ذكاء ابنه أبى الحسين واستقلاله بالاعمال وتصرفه في الآداب وحسن بلاغته وخطه ما تواصفه الناس وكان أكثر ذلك في وزارته الثانية حين انفجر عليه الشباب وزالت الطفولة عنه قال وما رأينا وزيرا مذ توفى القاسم بن عبيد الله أحسن حركة ولا أظرف إشارة ولا أتصلح خطا ولا أكثر حفظا ولا أسلط قلما ولا أقصد بلاغة ولا آخذ بقلوب الخلفاء من محمد بن على وله بعد هذا كله علم بالاعراب وحفظ باللغة وشعر مليح وتوقيعات حسان وولى الوزير ابنه أبا القاسم ديوان زمام القواد مكان عبيد الله ابن محمد وقلد ابنه أبا عيسى ديوان الضياع المقبوضة عن أم موسى والموروثة عن الخدم وأقر إسحاق بن إسماعيل على ما كان ضامنا له من أعمال واسط وغير ذلك (وفى هذه السنة) رجع القرمطى إلى الكوفة فخرج إليه نصر الحاجب محتسبا
وأنفق من ماله مائة ألف دينار إلى ما أعطاه السلطان وأعانه به واجتهد في لقاء القرمطى ونصحه الجيش الذين كانوا معه وحسنت نياتهم في محاربة القرمطى فاعتل نصر في الطريق ومات في شهر رمضان فحمل إلى بغداد في تابوت وولى(1/94)
الحجابة مكانه أبو الفوارس ياقوت مولى المعتضد وهو إذ ذاك أمير فارس فاستخلف له ابنه أبو الفتوح إلى ان يوافي ياقوت ذكر الحوادث التى أحدثها القرامطة بمكة وغيرها (وفى هذه السنة) سار الجنائى القرمطى لعنه الله إلى مكة فدخلها وأوقع بأهلها عند اجتماع الموسم وإهلال الناس بالحج فقتل المسلمين بالمسجد الحرام وهم متعلقون بأستار الكعبة واقتلع الحجر وذهب به واقتلع أبواب الكعبة وجردها من كسوتها وأخذ جميع ما كان فيها من آثار الخلفاء التى زينوا بها الكعبة وذهبوا بدرة اليتيم وكانت تزن فيما ذكر أهل مكة أربعة عشر مثقالا وبقرطي مارية وقرن كبش إبراهيم وعصا موسى ملبسين بالذهب مرصعين بالجوهر وطبق ومكبة من ذهب وسبعة عشر قنديلا كانت بها من فضة وثلاث محاريب فضة كانت دون القامة منصوبة في صدر البيت ثم رد الحجر بعد أعوام ولم يرد من سائر ذلك شئ * وقيل إن الجنابي لعنه الله صعد إلى سطح الكعبة ليقلع الميزاب وهو من خشب ملبس بذهب فرماه بنو هذيل الاعراب من جبل أبى قبيس بالسهام حتى أزالوهم عنه ولم يصلوا إلى قلعه وظهر قرامطة يعرفون بالنفلية بسواد الفرات ومعهم قوم من الاعراب من بنى رفاعة وذهل وعبس فعاثوا وأفسدوا وكان عليهم رؤساء منهم يقال لهم عيسى بن موسى ابن أخت عبدان القرمطى ومسعود بن حريث من بنى رفاعة ورجل يعرف بابن الاعمى فأوقعوا وقائع عظيمة وأخذوا الجزية ممن خالفهم على رسوم أحدثوها وجبوا
الغلات فأنفذ المقتدر هارون بن غريب إلى واسط فأوقع بهم وقتل كثيرا منهم وحمل منهم إلى مدينة السلام مائتي أسير فقتلوا وصلبوا * وورد الخبر في شعبان بأن الحسن بن القاسم الحسنى قام بالرى ومعه ديلمى يقال له ما كان بن كاكى وأن العامل عليها هرب إلى خراسان منه ثم ورد الخبر في شوال بإقبال ديلمى يقال له أسفاربن شيرويه من أصحاب الحسن بن القاسم إلى الرى أيضا وان هارون إبن غريب لقى أسفار هذا بناحية قزوين فهزمه أسفار وقتل أكثر رجاله وأفلت(1/95)
هارون وحده ثم تلاحق به من بقى من أصحابه (وفيها) ولى إبراهيم بن ورقاء إمارة البصرة وشخص إليها من بغداد فما رأى الناس في هذا العصر أميرا أعف منه * ولما صار هارون بن غريب إلى الكوفة قلد كور الجبل كلها وضم إليه وجوه القواد فقلد أبا العباس بن كيغلغ معاون همدان ونهاوند مكان محمد ابن عبد الصمد وقلد نحريرا الخادم الدينور مكان عبد الله بن حمدان وخلع عليهما في دار السلطان فاستوحش لذلك عبد الله بن حمدان وكان هذا سبب معاوية عبد الله بن حمدان لنازوك عند ما أحدثاه على المقتدر مما سيأتي ذكره (وفى هذه السنة) ولى أبو عبد الله أحمد بن محمد بن يعقوب بن إسحاق البريدى خراج الاهواز بعد أعمال كثيرة تصرف فيها هو وأخواه أبو يوسف وأبو الحسين فحمدت آثارهم وشاعت كفايتهم وحرص السلطان على اصطناعهم وزيادتهم فعلت أحوالهم وزادت مراتبهم وظهر من استقلال أبى عبد الله أحمد بن محمد بالاعمال وقرب مأخذها عليه والمعرفة بوجوه النظر والاجتهاد في إرضاء السلطان ما تعارفه الناس وعلموه مع تخرق في الكرم والسودد وحسن الرعاية لمن خدمه واتصل به ولمن أمله وقصده حتى إنه لا يرضى لكل واحد منهم إلا بغناه فأحب السلطان أن يلى هو وأخواه أكثر الاعمال الدنيا فلم يحبوا
ذلك واقتصر كل واحد منهم على دون ما يستحق من الاعمال (وفيها) ولى أبو الحسين عمر بن الحسن الاشنانى قضاء المدينة مكان ابن البهلول إذ كبر واختلط عليه أمره ثم استعفى ابن الاشنانى فأعفي وولى الحسين بن عبد الله بن على بن أبى الشوارب قضاء المدينة وقلد أبو طالب محمد بن أحمد بن إسحاق ابن البهلول قضاء الاهواز والانبار عوضا مما كان يليه أبوه من قضاء المدينة (وفيها) توفى أبو اسحاق بن الضحاك الخصيبى والليث بن على بالرقة (وحج بالناس) في هذه السنة من تقدم ذكره(1/96)
ثم دخلت سنة 317 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها ثار بالمقتدر بعض قواده وخلعوه وهتك الجند داره ونهبوا ماله ثم أعيد إلى الخلافة وجددت له البيعة وذلك أن مؤنسا المظفر لما قدم من الرقة عند إخراجه إلى القرامطة وقرب من بغداد لقيه عبد الله بن حمدان ونازوك الحاجب فأغرياه بالمقتدر وأعلماه بأنه يريد عزله عن الامارة وتقديم هارون بن غريب مكانه لما تقدم ذكره من عزل المقتدر لابن حمدان عن الدينور مع استفساده إلى نازوك فعمل ذلك في نفس مونس ودخل بغداد أول يوم من المحرم وعدل إلى داره ولم يمض إلى دار الخليفة فوجه إليه المقتدر أبا العباس ولده ومحمد بن مقلة وزيره فأعلماه تشوقه إليه ورغبته في رؤيته فاعتذر بعلة شكاها وان تخلفه لم يكن الا بسببها فأرجف الناس بتكرهه الاقبال إليه وتجمعت الرجالة المصافية الملازمة بالحضرة إلى باب داره فواثبهم أصحابه ودافعوهم ووقع بنفس مونس أن الذى فعله الرجالة انما كان عن أمر المقتدر فخرج من الدار وجلس في طيار وصار إلى باب الشماسية وعسكر وتلاحق به أصحابه وخرج إليه نازوك
في جميع جيشه فعسكر معه وذلك يوم الاحد لتسع خلون من المحرم ولما بلغ المقتدر ذلك ارتاع له ووعده بإخراج هارون بن غريب إلى الثغر وبذل له كل ما رجا به استمالته وإذهاب وحشته وكتب المقتدر إلى مونس وأهل الجيش كتابا كان فيه واما نازوك فلست ادرى سبب عتبه واستيحاشه فو الله ما أعنت عليه هارون حين حاربه ولا قبضت يده حين طالبه والله يغفر له سوء ظنه واما عبد الله بن حمدان فلا أعرف شيئا أحفظه الا عزله عن الدينور وما كنا عرفنا رغبته فيها وانما أردنا نقله إلى ما هو أجل منها وما لاحد عندي إلا ما أحب لنفسه فان أربدبى نقض البيعة فإنى مستسلم لامر الله غير مسلم حقا خصى الله به وأفعل ما فعل عثمان بن عفان رضى الله عنه ولا ألزم نفسي حجة ولا آتى في سفك الدماء(1/97)
ما نهى الله عنه إلا في المواطن التى حدها الله في الكافرين والبغاة من المسلمين ولست أستنصر إلا بالله لما أؤمله من الفوز في الآخرة وإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فلما قرئ كتاب المقتدر في العسكر وثب وجوه الجيش وقالوا نمضى إلى دار الخليفة لنسمع منه ما يقول وبلغ ذلك المقتدر فأخرج عن الدار كل من كان يحمل سلاحا وجلس على سريره وفى حجره مصحف يقرأ فيه وأقام بنيه حوالى نفسه وأمر بفتح الابواب وألا يمنع أحد الدخول فلما علم ذلك مونس المظفر أقبل إلى بالباب الخاصة ليعرف الحقيقة ويستقرب مراسلة الخليفة ثم كره أن يدخل عليه فيحث من الامر مالا يتلافاه فأمر الحجاب بأن يرجعوا إلى الدار وألزم معهم قوما من أصحابه وصرف الناس إلى منازلهم على حال جميلة وكلهم مسرور بالسلامة ورجع هو إلى داره ليزيد بذلك في تسكين الناس وتطييب نفس الخليفة وذلك يوم الاثنين لعشر خلون من المحرم فلما كان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت منه عاد أصحاب
نازوك وسائر الفرسان إلى الركوب في السلاح وساروا إلى دار مونس المظفر فأحرجوه عن كره منه إلى المصلى العتيق وغلبه نازوك على التدبير واستأثر بالامر وباتوا في تلك الليلة على هذه الحال فلما أصبح نازوك ركب والناس معه في السلاح إلى دار السلطان فوجدوا الابواب مغلقة فأحرقوا بعضها ودخلوا الدار وقد تكامل على بابها من الفرسان نحو اثنى عشر ألفا فلما سمع المقتدر نفيرهم دخل هو وولده داخل القصر ونزل محمد بن مقلة إلى دجلة فركب طياره وصار إلى منزله وتقحم نازوك وأصحابه دخول الدار على دوابهم إلى أن صاروا إلى مجالس الخليفة وهم يطلبونه ويكشفون عنه فلما رأى مونس ذلك دخل الدار وسأل بعض الخدم عن المقتدر فأعلمه بمكانه فاحتال في إخراجه وإخراج أمه وولده ووجه معهم ثقاته إلى داره ليستتروا فيها وأخرج على بن عيسى من المكان الذى كان محبوسا فيه فصرفه إلى منزله وأخرج الحسين بن روح وكان محبوسا أيضا بسبب مال طولب به فصرفه إلى منزله ونهب الجند الدار ومحوا رسوم الخلافة(1/98)
وهتكوا الحرمة وصاروا من أخذ الجوهر والثياب والفرش والطيب إلا مالا قدر له ثم وكل مونس أصحابه بالقصر وأبوابه وأجمع رأى نازوك وعبد الله بن حمدان على اقعاد محمد بن المعتضد للخلافة وأحضروه الدار ليلة السبت وحضر معهما مونس المظفر ودعا لمحمد بن المعتضد بكرسى وخاطبه ثم انصرف مونس إلى داره وأقام نازوك في الدار إذ كان يتولى الحجابة مع الشرطة وانصرف عبد الله بن حمدان إلى منزله ووجه نازوك بالليل من نهب دار هارون بن غريب الخال بنهر المعلى وداره بالجانب الغربي وأحرقتا جميعا ونهبت دور الناس طول ليلة السبت فكانت من أشأم الليالى على أهل بغداد وأفلت كل لص وجانى جناية ومقتطع مال وفتقوا السجون التى كانوا فيها وأفلت من دار السلطان عبد الله صاحب الجنابي وعيسى بن موسى
الديلمى وغيرهما من أهل الجرائر ثم أصبح الناس على مثل ذلك إلى أن ركب نازوك وأظهر الانكار لما حدث من النهب وضرب أعناق قوم وجد معهم أمتعة الناس فكف الامر قليلا وسمى محمد بن المعتضد القاهر بأمر الله وسلم عليه بالخلافة ووجه القاضى محمد بن يوسف وجماعة معه إلى دار مونس المظفر ليجبروا المقتدر على الخلع فامتنع من ذلك ثم إن الرجالة المصافية طالبوا بست نوب وزيادة دينار وكان يجب لهم في كل نوبة مائة وعشرون ألف دينار عين إذ كانوا في عشرين ألف راجل وكان عدد الفرسان اثنى عشر ألفا ومبلغ ما لهم في كل شهر خمسمائة ألف دينار فضمن نازوك ثلاث نوب للرجالة ودافعهم عن الزيادة فقالوا لا نأخذ الا الست نوب والدينار الزائد وأخر نازوك أعطاء الجند إذ لم يجتمع له المال وألحقوا في قبضه فلم يعطوا شيئا يوم السبت ولا يوم الاحد وبكر الرجالة يوم الاثنين إلى الدار للمطالبة بالمال فدخل نازوك وخادمه عجيب الصقلبى إلى الصحن المعروف بالشعيبى ودخل الرجالة إلى الدهليز يشتمون نازوك ويغلظون له ويتواعدونه لتأخيره العطاء والزيادة عنهم ثم إنهم هجموا في الدار وثاروا على نازوك لعداوتهم له وحربهم له في أول إمارته فقتلوا عجيبا خادمه وكان نازوك قد سد الطرق والممرات التى كانت في دار السلطان تحصينا على نفسه واستظهارا على أمره فلما رأى فعل الرجالة(1/99)
وأيقن بالشر دخل ليهرب من بعض الممرات فوجدها مسدودة ولحقه رجل من الرجالة أصفر يقال له مظفر وآخر يقال له سعيد بن يربوع ويلقب بضفدع فقتلاه ثم صلب جسده من وقته على بعض أدقاق الستائر التى تلى دجلة وصاحوا لا نريد إلا خليفتنا المقتدر بالله ووثب القاهر مع جماعة من خدمه فخرج من بعض أبواب القصر وجلس في طيار ومضى إلى موضعه في دار ابن طاهر * قال الصولى ونحن نرى ذلك كله من دجلة ونهبت دار نازوك في ذلك الوقت ودار بنى بن نفيس
وقد قيل إن مونسا المظفر لما راى غلبة نازوك على الامر وجه ليلة الاثنين إلى نقباء الرجالة فواطأهم على ما فعلوه وكان لا يريد تمام خلع المقتدر ولذلك ما ستره ولم يبت عنه منذ أدخله داره * وكان عبد الله بن حمدان في الوقت الذى قتل فيه نازوك بين يدى القاهر وهو يراه خليفة فلما هرب القاهر طلب ابن حمدان من بعض الغلمان جبة صوف كانت عليه وضمن له مالا فلبسها وبادر يريد بعض الابواب فندر به قوم من الغلمان والخدم فما زالوا يرمونه بالنشاب حتى قتلوه واحتزوا رأسه ذكر صرف المقتدر إلى الخلافة وأخرج مونس المظفر المقتدر بالله وسأله الرجوع إلى الدار والظهور للناس فاستعفاه من ذلك فلم يدعه حتى رده في طياره مع خادمه بشرى فلما صعد القصر سأل عن عبد الله بن حمدان فاخبر بقتله فساءه ذلك وكان قد صح عنده أنه لم يرد من أول أمره ما أراده نازوك ولا ظن الحال تبلغ حيث بلغت ثم إن المقتدر قعد للناس وخاطبهم بنفسه وقال للرجالة لكم على ست نوب وزيادة دينار وقال للغلمان لكم على أرزاق أربعة أشهر وقال لسائر الجند لكم على أرزاق أربعة أشهر وزيادة خمسة دنانير لكل واحد منكم وما عندي ما بفى بهذا ولكني أبيع ما بقى من ثيابي وفرشى وأبيع ضياعي وضياع من يجوز عليه أمرى فبايعه الناس بيعة مجددة واجتهد في توفيتهم ما ضمنه لهم وصرف أواني الذهب والفضة ثم أعجلوه عن صرفها فكان يزنها لهم مكان الدنانير والدراهم ووفى بكل الذى ضمنه وكان القاهر(1/100)
لما أقعد للخلافة قد أحضر محمد بن على الوزير يوم السبت ويوم الاحد وأمره أن يجرى الامور مجاريها فلم يحدث شيئا ولاحاول أمرا فلما عاد المقتدر إلى حالته أحضره وشكر ما كان منه فكتب محمد بن على إلى جميع الامراء والعمال والاطراف
بما جدده الله للمقتدر بالله وكفاه اياه وارتجل الكتاب املاء بلا نسخة فأحسن فيها وأجاد * واضطربت الامور ببغداد إلى ان ولى المقتدر شرطته ابراهيم ومحمدا ابني رائق مولى المعتضد وخلع عليهما وذلك بمشورة مونس المظفر وعن أمره فقاما بالامر أحسن قيام وضبطا البلد أشد ضبط وطاف كل واحد منهما بالليل في جانبه من بغداد وكان أكثر الضبط لمحمد فهو الذى كان يقيم الحدود ويستوفى الحقوق وكانت في إبراهيم رحمة ورقة قلب * وقدم ياقوت من فارس في غرة شهر ربيع الاول فخلع عليه للحجابة وعلى محمد ولده لسبب هزيمتهم للسجستانية بكرمان وولى الاعمال جماعة ممن أشار بهم مونس ومحمد بن على ولم يف مال المقتدر والآنية التى أحضرها بأرزاق الجند فأمر بارتجاع ما كان أقطعه الناس من الاموال والضياع والمستغلات وأفرد لها ديوانا وقلد الوزير ابن مقلة ذلك الديوان عبد الله بن محمد بن روح وسمى ديوان المرتجعة فتقلده في آخر المحرم فعسف عليه الجند بالمطالبة بالمال فاستعفي الوزير فأعفاه وقلد مكانه الحسين بن أحمد بن كردى الماذرائى ووردت الاخبار باستيلاء العدو على الثغور الجزرية ونصبهم في كل مدينة رجلا منهم لقبض الجباية فأخرج السلطان طريفا السبكرى لدفعهم وكتب إلى من قارب تلك الناحية أن يسيروا معه وورد الخبر بأن أصحاب أبى مسافر اضطربوا عليه بآذربيجان فزال عنهم إلى المراغة فحصروه بها حتى قتلوه وتراضوا على قائد منهم اسمه مفلح فرأسوه عليهم وترددت الانباء الشاغلة الغامة * وتوفى في هذا العام أبو الحسين بن أبى العباس الخصيبى والحسين بن أحمد الماذرائى بمصر وتوفيت ثمل القهرمانة التى كانت مع والدة المقتدر (وفيها) توفى أبو القاسم ابن بنت منيع المحدث وهو ابن مائة سنة وثلاث سنين مولده سنة 214 * وتوفى نحرير الصغير بالموصل وكان يتولى معونتها * وتوفى أبو معد نزار بن محمد الضبى *(1/101)
وكان نصب الحج للناس في هذه السنة عمر بن الحسن بن عبد العزيز بن عبد الله ابن عبيد الله بن العباس خليفة لابيه الحسن بن عبد العزيز فصده الجنابي عن الحج ثم دخلت سنة 318 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها أقبل مليح الارمينى إلى ناحية شمشاط للغارة على أهلها فخرج إليه نجم غلام جنى الصفوانى وكان يلى المعاون بديار مضر ويتولى أعمال الرقة فأوقع بمليح وبأصحابه وقيعة عظيمة فأنفذ ابنا له يقال له منصور ويكنى أبا الغنائم إلى الخليفة ببغداد بأربعمائة أسير منهم عشرة رؤساء مشاهير فأدخلهم بغداد في شهر ربيع الاول من هذه السنة مشاهير على الجمال (وفى هذه السنة) خرج أعراب بنى نمير بن عامر وبنى كلاب بن ربيعة فعاثوا بظهر الكوفة واستطالوا على المسلمين وأخافوا السبيل فخرج إليهم أبو الفوارس محمد بن ورقاء أمير الكوفة في جمع من أشراف الكوفة وبنى هاشم العباسيين والطالبيين ولم يكن معه جند سواهم فقاتل الاعراب بنفسه وصبر لمحاربتهم فأسروه وأسروا معه ابن عمر العلوى وابن عم شيبان العباسي من ولد عيسى بن موسى وسار بهم الاعراب إلى اخبائهم ولم يجسروا على ايقاع سوء بهم فطلبوا منهم الفداء فأجابوهم إليه وفدوا أنفسهم وتخلصوا منهم (وفيها) خلع على عبد الله ابن عمرويه وقلد شرطة البصرة مكان محمد بن القاسم بن سيما وخلع على على بن يلبق لمعاون النهروان وواسط مكان سعيد بن حمدان فخرج إلى واسط وبلغه أن إسحق الكردى المعروف بأبى الحسين خرج لقطع الطريق على عادته ومعه جملة من الاكراد فراسله على ولاطفه ووعده تقديم السلطان له على جميع الاكراد فأقبل إليه وبات عنده وخلع عليه وحمله ثم صرفه إلى عسكره ليغدو عليه في اليوم الثاني واجتمع رؤساء أهل واسط إلى على فعرفوه بما قد هيأه الله له في الكردى وأنه لو أنفق مائة ألف دينار لما تمكن ما تمكن منه فيه وأنه إن أفلت من يديه
أنكر السلطان ذلك عليه فلما بكر الكردى إلى على بن يلبق تقبض عليه وعلى من كان معه وركب من وقته إلى موضع عسكره فقتل منهم خلقا وأسر جماعة(1/102)
وأدخل أبو الحسين إلى بغداد مشهورا ومعه أربعة عشر رجلا بين يدى يلبق المونسى وابنه على وذلك لثمان خلون من جمادى الاولى فحبسوا ولم يقتلوا (وفيها) خلع على محمد بن ياقوت وولى شرطة بغداد على الجانبين مكان إبراهيم ومحمد ابني رائق المعتضدى وقلد الحبسة ذكر الايقاع بجند الرجالة ببغداد ومن الحوادث في هذه السنة التى عظمت بركتها على السلطان والمسلمين أن الرجالة المصافية لما قتلوا نازوك وتهيأ لهم ما فعلوه في أمر المقتدر وقبضوا الست النوائب والزيادة التى طلبوها ملكوا أمر الخلافة وضربوا خياما حوالى الدار وقالوا نحن أولى من الغلمان بحفظ الخليفة وقصره وانضوى إليهم من لم يكن منهم وزادت عدتهم على عشرين ألفا وبلغ المال المدفوع إليهم لكل شهر مائة ألف وثلاثين ألف دينار وتحكموا على القضاة وطالبوهم بحل الحباسات وإخراج الوقوف من أيديهم واكتنفوا الجناة وعطلوا الاحكام واستطالوا على المسلمين وتدلل قوادهم على الخليفة وعلى الوزير حتى حان لا يقدر أن يحتجب عن واحد منهم في أي وقت جاء من ليل أو نهار ولا يرد عن حاجة كائنا ما كانت فلم يزالوا على هذه الحال إلى أن شغب الفرسان وطلبوا أرزاقهم وعسكروا بالمصلى ودخل بعضهم بغداد يريد دار أبى القاسم بن الوزير محمد بن على فلما قربوا منها دفعهم الرجالة الذين كانوا ملازمين بها ومنعوهم الجواز في الشارع فتجمع الفرسان ورشقوهم بالنشاب وقتلوا منهم رجلا فانهزم الرجالة أقبح هزيمة فطمع الفرسان حينئذ فيهم وافترصوا ذلك منهم وراسلوا الغلمان الحجرية في أمرهم وتآمروا معهم على الايقاع بهم
وبلغ محمد بن ياقوت صاحب الشرطة الخبر فحرص على نفاذه وأغرى الفرسان بالعزم فيه وسفر في الامر وأحكمه وأومى إليهم الوزير بوجه الرأى فيه ودبره من حيث لا يظن به إذ علم ما في نفس الخليفة عليهم من الغيظ لقبيح ما كانوا يحدثونه عليه فوثب الغلمان الحجرية يوم الاربعاء لثمان ليال بقين من المحرم بالرجالة المصافية وطردوهم عن المصاف ورشقوهم بالنشاب فانصرفوا منهزمين وأخرج ابن ياقوت(1/103)
صاحب شرطة بغداد غلمانا كثيرا في طيارات وتقدم إليهم ألا يتركوا رجلا يعبر من جانب إلى جانب إلا قتلوه ولا ملاحا يجيز أحدهم إلا رموه بالنشاب وأخافوه ومنعوا من عبور الجسر وألح عليهم بالطلب ونودى فيهم ألا يبقى منهم أحد وأعانت عليهم العامة وانطلقت فيهم الايدى فلم يجتمع منهم اثنان وحظر عليهم ألا يخرجوا إلى الكوفة والبصرة والاهواز فتخطفوا في كل وجه وأميحوا بكل مكان فهل ترى لهم من باقية وقصد الفرسان مع العامة إلى الموضع الذى كان فيه مستقر السودان بباب عمار فنهبوهم وأحرقوا منازلهم فطلبوا الامان وسألوا الصفح فرفع عنهم القتل وحبس منهم الوجوه وأسقطت عنهم الجرايات وكتب الوزير محمد بن على بن مقلة فيهم نسخة أنفذت إلى القواد والعمال وهى (بسم الله الرحمن الرحيم) قد جرى أعزك الله من أمر الرجالة المصافية بالحضرة ما قد اتصل بك وعرفت جملته وتفصيله وجهته وسبيله وقد خار الله عز وجل لسيدنا أمير المؤمنين وللناس بعده بما تهيأ من قمعهم وردعهم خيرة ظاهرة متصلة بالكفاية الشاملة التامة بمن الله وفضله ولم ير سيدنا أيده الله استصلاح أحد من هذه العصبة إلا السودان فانهم كانوا أخف جناية وأيسر جريرة فرأى أعلى الله رأيه إقرارهم على أرزاقهم القديمة وتصفيتهم بالعرض على المحنة لعلمه أن العساكر لابدلها من رجالة وأمر أعلى الله أمره أن يستخدم
بحضرته من تؤمن بائقته وتخف مؤنته وترجى استقامته وبالله ثقة أمير المؤمنين وتوفيقه وقبلك وقبل مثلك رجالة أنت أعلم بمن مرضت طاعته منهم ومن يعود إلى صحة وصلاح فان قنع من ترضاه منهم باصل الجارى عليه فتمسك به وأقره على جاريه ومن رأيت الاستبدال به فأمره اليك والله المستعان ذكر صرف ابن مقلة عن الوزارة وولاية ابن مخلد وفى جمادى الاولى يوم الاربعاء لاربع عشرة ليلة بقيت منه صرف محمد بن على ابن مقلة عن الوزارة ووكل به في الدار وحبس فيها وأحضر محمد بن ياقوت صاحب الشرطة أبا القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد فوصل إلى الخليفة وقلده وزارته وخلع(1/104)
عليه ومضى في الخلع التى كانت عليه إلى الدار التى كان يسكنها ابن الفرات والوزراء بعده ثم نزل منها إلى طياره ومضى إلى منزله فأقر عبيد الله الكلواذى على دواوين السواد والاهواز وفارس وكرمان وأقر كثيرا ممن كان على سائر الدواوين وقلد ابنه أحمد بن سليمان ديوان المشرق واستخلف له عليه من يتولاه له وقلد ابنه أبا محمد ديوان الفراتية وقلد أبا العباس أحمد بن عبيد الله الخصيبى الاشراف على أعمال فارس وكرمان ورد التدبير إليه فكان يعزل ويولى وقلد أبا بكر محمد بن على الماذررائى أعمال مصر فسار سيرة جميلة وعضده على بن عيسى برأيه وكان على يجلس للمظالم منذ خرج من الحبس إلى وقته ذلك ثم اتصل قعوده مدة (وفى جمادى الآخرة) من هذا العام شغب الفرسان وصاروا إلى دار على بن عيسى فنهبوا اصطبله وقتلوا عبد الله بن سلامة حاجبه ثم إن الرجالة السودان طلبوا الزيادة على ما كان رسم لهم وشغبوا وحملوا السلاح فسار إليهم محمد بن ياقوت ورفق بهم ودارى أمرهم فلم يقنعهم ذلك وبقوا على حالهم وامتدوا إلى الفرسان وقاتلوهم فتقدم إليهم سعيد بن حمدان وجماعة من أصحاب ابن ياقوت ورشقوهم
بالنشاب وأدخلوا إلى منازلهم النار فهربوا إلى النهران وقطعوا الجسر بعد أن قتل منهم خلق كثير ثم ساروا إلى واسط وتجمع إليهم خلق كثير من البيضان ولحق بهم جماعة من قوادهم ورأسهم نصر الساجى وطالبوا عمال ذلك الجانب بالاموال فندب السلطان للشخوص إليهم مونسا المظفر فخرج إليهم ورفق بهم ودعاهم إلى القناعة بما رسمه السلطان لهم فأبوا ولجوا في غيهم واجتمعوا في مصلى واسط من الجانب الغربي وحفروا الآبار حوالى عسكرهم وفجروا المياه وأقاموا النخل المقطوع منصوبة في الطرق المسلوكة إليهم ليمنع الخيل من التقحم عليهم فعبر مونس حتى نزل بقربهم ثم سار إليهم بمن كان معه على الظهر وفى الماء على مخاضة وجدوها ووضعوا فيهم السيف فقتل أكثرهم وغرق بعضهم وأسر رئيسهم نصر الساجى وأخذ ابن أبى الحسين الديرانى واستأمن بعض السودان فنقلهم مونس وفرقهم في النواحى وأقر على بن يلبق على شرطة واسط(1/105)
وكانت هذه الوقيعة لخمس بقين من رجب ورجع مونس إلى بغداد لعشر بقين من شعبان (وفى هذه السنة) أسر الحسن بن حمدان شاريا خرج بكفر غرثا يقال له عزون وأنفذه إلى السلطان فحمل على فيل وأدخل بغداد مشهورا ثم حبس وذلك في ذى الحجة وقبل ذلك بشهر ما وجه أبو السرايا نصر بن حمدان بن سعيد بن حمدان شاريا خرج بالرادفية من موالى بجيلة فأدخل بغداد على فيل وبين يديه ولدان له على جملين ومائة رأس من رؤس أصحابه وسار رجل من وجوه البرابر يعرف بأبى شيخ إلى دار السلطان في ذى القعدة فذكر أن جماعة من وجوه القواد والكتاب قد بايعوا أبا أحمد محمد بن المكتفى بالله واستجاب له نحو ثلاثة آلاف رجل من الجند فأمر السلطان بحفظ ابن المكتفى بالله في داره وانتشر خبر أبى شيخ فخيف عليه أن يقتله الجند فبعث إلى الجبل إلى ابن الخال ليكون في جيشه وورد
الخبر في ذى القعدة بوقوع الحرب بالبصرة بين البلالية والسعدية وأن عبد الله ابن محمد بن عمرويه والى المعونة بها أعان البلالية فهزموا السعدية وأحرقوا محالهم فأخرجوا من البصرة ثم ردوا إليها بعد مدة عن سؤال منهم وتضرع قال الصولى ولما ورد الخبر بذلك كتب على بن عيسى إلى أهل البصرة في ذلك كتابا بليغا ينهاهم فيه عن العصبية ويعرفهم سوء عاقبتها فدخلت إليه وهو يملى الكتاب فلما أوعب إملاءه أمر كاتبه بدفعه إلى لا قرأه قال فحسن عندي الكتاب وقلت له قد كان لا براهيم بن العباس كتاب في العصبية فقال لى ما أعرفه فما هو قلت حدثنى عون بن محمد الكندى قال قدم علينا بسر من رأى كاتب من أهل الشأم يقال له عبد الله ابن عمرو من بنى عبد كان المصريين فجعل يستصغر كتاب سر من رأى ولا يرضى أحدهم قال عون فحدثت أبى بحديثه فأنف من ذلك وقال والله يا بنى لا ضعفنه ولاهونن نفسه إليه فمضى به إلى إبراهيم بن العباس وأدخله عليه وهو يملى رسالة في قتل إسحاق بن اسماعيل وفيها ذكر العصبية فسمع الشأمى ما أعجبه وقال لابي هذا من لم تلد النساء مثله فانى سمعته يملى شيئا كأنه فيه تدبر مبين قال عون فنسخ أبى ما أملاه من الرسالة هو وقسم الله عدوه أقساما ثلاثة روحا معجلة إلى عذاب(1/106)
الله وجنة منصوبة لاولياء الله ورأسا منقولا إلى دار خلافة الله استنزلوه من معقل إلى عقال وبدلوه آجالا من آمال وقد بما غذت العصبية أبناءها فحلبت عليهم درها مرضعة وركبت بهم مخاطرها موضعة حتى إذا وثقوا فأمنوا وركبوا فاطمأنوا وامتد رضاع وآن فطام فجرت مكان لبنها دماوأ عقبتهم من حلو غذائها مرا ونقلتهم من عزالى ذل ومن فرحة إلى ترحة ومن مسرة إلى خسرة قتلا وأسرا وغلبة وقسرا وقل من أوضع في الفتنة مرهجا واقتحم لهبها موجحا الا استلحمته آخذة بمخنقه وموهنة بالحق كيده حتى جعلته لعاجله جزرا ولآجله حطبا وللحق موعظة
وعن الباطل مزجرة أولئك لهم خزى في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وما الله بظلام للعبيد وورد الخبر في ذى الحجة بوثوب أصحاب أسفار بن شيرويه الديلمى المتغلب على الرى عليه واعتزامهم على قتله وأنه هرب في نفر من خاصته وغلمانه فصار مكانه إلى الرى ديلمى يقال له مرداويج بن زيار * ومن الحوادث في هذه السنة أن الحريق وقع ليلة الاحد لاحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الاولى في دار محمد بن على بن مقلة التى كان بناها بالزاهر على شاطئ دجلة ويقال إنه أنفق فيها مائتي ألف دينار فاحترقت بجميع ما كان فيها واحترقت معها دور له قديمة كان يسكنها قبل الوزارة وانتهب الناس ما بقى من الخشب والحديد والرصاص حتى صارت مستطرقا للسابلة من دجلة وبطل على السلطان ما كان يصير إليه من إجارات الزاهر وذلك جملة وافرة في السنة ثم أمر السلطان بسد أبوابها ومنع السابلة من تطرقها وتحدث الناس بأن محمد بن ياقوت فعل ذلك لضغن كان لمحمد بن على بن مقلة عنده في قلبه * وفيها خلع المقتدر على ابنه أبى عبد الله هارون لتقلد فارس وكرمان يوم الاثنين لست بقين من شوال وركب في الخلع إلى داره المعروفة بجرادة بقرب الجسر وكان المقتدر قد ثقف ولده هذا بنصر الحاجب وجعله في حجره فلما مات نصر تكفل أمره ياقوت كما كان يتكفله نصر قبله إلا أن نصرا كان يهدى له ويتقرب إليه قال الصولى أنا شهدت نصرا الحاجب قد اشترى ضيعة على نهر ديالى والنهروان يقال لها قرهاطية كانت للنوشجانى فاشتراها حصصا وأقساما(1/107)
وقامت عليه بثمانية عشر ألف دينار ثم أهداها إلى أبى عبد الله بن المقتدر وهى تساوى ثلاثين ألف دينار وصنع له فيها ولاخيه أبى العباس يوم أهداها إليه وخرجا معه إليها في وجوه القواد والغلمان فأقاموا بها يومين وأنفق عليهم نصر مالا جسيما ووصل الغلمان والخدم بصلات سنية وحمل بعضهم على خيل بسروجها
ولجمها قال وحكى لى بعض وكلائه أنه أحصى ما ذبح في هذين اليومين من جمل وجدى وطير وغير ذلك من صنوف الدراج والطائر فبلغ ذلك أربعة آلاف رأس قال الصولى ولما خلع على أبى عبد الله هارون للولاپة وصح عزمه على الخروج دعاني إلى المسير معه والكون في عديد صحبه فكره ذلك الامير أبو العباس بن المقتدر فاعتللت على أبى عبد الله فغضب على وقطع اجراءه عنى قال ثم بلغني أن خروجه غير تام فكتبت إليه بقصيدة فيها تشبيب حسن ومديح مثله واجتلب الصولى جميع القصيدة في كتاب الورقة الذى ألفه بأخبار الدولة فرأيت إثبات أبيات منها في هذا الكتاب لبستدل بمباطنة الصولى لهم على علمه بأخبارهم وحفظه لما جرى في أيامهم فليس المخبر الشاهد كالسامع الغائب ومن قصيدة الصولى ظلم الدهر والحبيب ظلوم * أين من ذين يهرب المظلوم عطفت باللقاء ريح بعاد * فاستهلت على فؤادى الهموم يا سقيم الجفون أي صحيح * لم يدعه هواك وهو سقيم أحرام عليك وصلى أم السا * ئل وصلا مباعد محروم قد كتمت الهوى وأصعب شئ * إن تأملته هوى مكتوم فمتى أخصم الحبيب وأيا * مى بما يشتهى على خصوم لابي عبد الله هارون عندي * حادث من فعاله وقديم هو بدر السماء يطلع في سع * د المعالى والناس فيها نجوم ورث المجد عن خلاف غر * سبعة ما يعد فيهم بهيم يا نسيم الحياة أنت لايا * مى إذا ما ركدن عنى نسيم قد تذوقت منك طعم نوال * مثله لاعدمته معدوم(1/108)
لا تكلني إلى شواهد ظن * ليس يقضى بها على عليم
ليس تمضى إلا...ومن أت * همت ناج مما ظننت سليم فأنا الآن راحل إن ترحل * ت وثاو إذا أقمت مقيم أرنى للرضا علامة إنصا * ف فدهري وقد كفاك غسوم نظم هذا المديح إن أنصفوه * لا يدانيه لؤلؤ منظوم قد أتى ساحبا ذيول المعالى * فيك والمدح بالنوال زعيم وفيها مات أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بن الجارود النيسابوري بمكة يوم الاحد انسلاخ شعبان * وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الحسن العباسي ثم دخلت سنة 319 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس قال أبو محمد عبد الله بن أحمد الفرغانى في كتابه الذى وصل به كتاب محمد بن جرير الطبري وسماه المذيل في هذه السنة في المحرم منها طالب قوم من الفرسان ببغداد الوزير سليمان بن الحسن بأرزاقهم وشتموه وأغلظوا له فرماهم غلمانه بالآجر من أعالي الدار وقتلوا رجلا من الاولياء فهجموا في الدار بعد أن أحرقوا الباب فخرج الوزير على باب ثان وجلس في طيار وسار إلى دار على بن عيسى فانصرفوا عن بابه وفيه قلد إبراهيم بن بطحا الحسبة بمدينة السلام * وفى صفر ورد بغداد مونس الخادم الورقانى منصرفا من الحج بالناس سالمين فأظهر أهل مدينة السلام لذلك السرور والفرح ونشروا الزينة في الاسواق وأخرجوا الثياب والحلى والجواهر ونصبت القباب في الشوارع وخلع السلطان على مونس وأوصله نفسه وخلع على جماعة معه وذلك يوم الخميس لعشر خلون من صفر فذكر الحاج أنها لحقتهم مجاعة عظيمة في الطريق إذ كانت خالية من العمارة وكاد يأكل بعضهم بعضا من الجوع * وللنصف من صفر قصد الشطار وأهل الذعارة من العامة دار الخليفة فأحرقوا باب الميدان ونقبوا في السور وصعد الخليفة إلى المجلس المثمن
ومعه يلبق وسائر الغلمان فضمن لهم يلبق إزاحة عللهم والانفاق عليهم فانصرفوا(1/109)
ثم شغبوا بعد ذلك وقصدوا دار أبى العلاء سعيد بن حمدان فحوربوا منها وقتل منهم رجل فانصرفوا وبكروا إليها من الغد وقد كان أو العلاء وضع حرمه وجميع ما يملكه في الزوارق داخل الماء فلم يصلوا إلى ما أملوه منه فأحرقوا بابه وصاروا إلى السجون والمطبق ففتحت بعد محاربتهم لمن كان يمنع منها وقتل من طلاب الفتن من العامة خلق كثير وقعدوا بعد ذلك في مجلس الشرطة وقتلوا رجلا يعرف بالذباح قيل إنه ذبح ابن النامى فلما أصبح الناس ركب ابن ياقوت إليهم زورقا وبعث بأصحابه وغلمانه على الظهر ثم وضع السيف والنشاب في أهل الذعارة من العامة فلم يزل القتل يأخذهم من رحبة الحسين إلى سوق الصاغة بباب الطاق فارتدع الناس وكفوا وفى آخر صفر خرج طريف السبكرى إلى الثغر غازيا وخرج في ربيع الاول نسيم الخادم الشرابى إلى الثغر أيضا وشيعه مونس المظفر وخرج من الفسطاط بمصر أحد عشر مركبا للغزو في البحر إلى بلاد الروم وعليها أبو على يوسف الحجرى وفى هذه السنة اجتمع نوروز الفرس والشعانين في يوم واحد وذلك يوم الاحد لاحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول وقل ما يجتمعان * ولثمان بقين منه خلع على أبى العلاء بن حمدان وقلد ديار ربيعة وما والاها وتقدم إليه بالغزو وفيه تقلد أعمال البصرة أبو إسحاق وأبو بكر ابنا رائق * وفى شهر ربيع الآخر من هذه السنة ورد الخبر بأن الاعراب صاروا في جمع كثير إلى الانبار فأفسدوا وقتلوا فجرد إليهم على بن يلبق في جيش كثيف وخرج يلبق أبوه في أثره فلحقوهم وواقعوهم يوم الاحد لثلاث عشرة ليلة بقيت منه بعد حرب شديدة وانهزم الاعراب فقتلوا منهم وأسروا وغنم الاولياء غنيمة عظيمة * وفى ربيع الآخر وقع حريق في مدينة الفسطاط بموضع يقال له خولان نهارا فذهبت فيه دوربنى عبد الوارث
وغيرها * ولاربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الاولى أدخل إلى مدينة السلام خمسة وسبعون رجلا من الارمن وجه بهم بدر الخرشنى ممن حارب فشهروا وطيف بهم وأدخل أسارى القرامطة الخارجين بسواد الكوفة بعث بهم بشر النصرى وهو نحو مائة فشهروا وطوفوا بمدينة السلام * وفى جمادى الآخرة من(1/110)
هذه السنة أزدادت وحشة مونس المظفر من ياقوت وولده ودارت بينهم مدافعات فصرف ابن ياقوت عن الشرطة ورد أمرها بالجانب الشرقي إلى أحمد ابن خاقان وبالجانب الغربي إلى سرور مولى المقتدر * وفى هذا الشهر قلد أبو بكر محمد بن طغج مدينة دمشق وأعمالها وصرف الراشدي عنها ورد إليه عمل الرملة ونفذ كتاب الخليفة إلى ابن طغج بالولاية فلما وصل إليه الكتاب سار من وقته إلى دمشق وخرج الراشدي إلى الرملة فسر أهل دمشق بقدوم ابن طغج ودخلها أحسن دخول.
وفى مستهل رجب من هذه السنة راسل مونس الخليفة وسأله إخراج ياقوت وابنه عن مدينة السلام فلم يجبه إلى ذلك فأوحشه فعله واستأذن هو في الخروج فلم يمنع فخرج إلى مضاربه برقة الشماسية مغاضبا واتصل به أن ياقوتا وابنه أمرا بقصده والفتك به فاستجلب مونس الرجالة المصافية إلى نفسه فلحقوا به بالشماسية وصاروا معه ثم طالب الاولياء ابن ياقوت ببقايا أرزاقهم فتهددهم فلحق جميعهم بمونس بعد أن قطعوا خيامهم التى كانت حوالى دار الخليفة بالسيوف فقوى أمر مونس وانضم عسكره على قريب من ستة آلاف فارس وسبعة آلاف راجل فتقدم ابن ياقوت إلى أصحاب السلاح ألا يبيعوا منهم سلاحا ووجه إليهم مونس قواده يحذرهم أن يمنعوا أحدا من أصحابه بيع ما يلنمس من السلاح وحمل يلبق وبشر واصطفن وابن الطبري إلى مونس مالا كثيرا وقالوا له هذا المال أفدناه معك وهذا وقت حاجتك إليه وحاجتنا فشكرهم على ذلك
وفرقه في أصحابه وعلى من قصده ولما قوى أمر مونس وانحاز الجيش إليه ركب إليه الوزير سليمان بن الحسن وعلى بن عيسى وشفيع ومفلح فلما حصلوا في مضربه بباب الشماسية شغب عليهم حاشية مونس وضربوا وجوه دوابهم وقبضوا عليهم وأظهرت حاشية مونس أنهم يريدون الفتك بهم فأهمتهم نفوسهم واعتقلوا يومهم وبلغ المقتدر الخبر فأقلقه وجرى الامر بينهما على اخراج ياقوت وابنيه عن بغداد ووجه الخليفة إلى ياقوت وولده اخرجوا حيث شئتم فخرجوا في الغلس يوم الاربعاء لثمان خلون من الشهر وجميع حاشيتهم في الماء مع نيف وأربعين سفينة(1/111)
محملة مالا وسلاحا وسروجا وسيوفا ومناطق وغير ذلك وثمانية طيارات وشذاة فخلى مونس سبيل على بن عيسى ومن اعتقله معه ورجع مونس إلى داره وأحرقت دار ياقوت وابنه ونودى بمدينة السلام ألا يظهر أحد ممن أثبت ابن ياقوت وأظهر من سائر الناس ونظر مونس فيمن يرد إليه الحجابة فوقع اختياره على ابني رائق للمهانة التى كانت فيهما وأنهما كانا يلقبان بخديجة وأم الحسين فبعث فيهما وقلدهما الحجابة فقبلا يده ورجله وقالا له نحن عبدا الاستاذ وأبونا من قبلنا وانصرفا وغلمان مونس بين أيديهما حتى بلغا منازلهما * وفى يوم الاثنين لعشر بقين من رجب أدخل مفرج بن مضر الشارى مع رجلين وجه بهم ابن ورقاء من طريق خراسان فشهروا على فيل وجملين ذكر القبض على سليمان بن الحسن الوزير وتقليد الكلواذى الوزارة وفى يوم السبت لست بقين من رجب قبض على الوزير سليمان بن الحسن وذلك أن المال ضاق في أيامه واتصل شغب الجند وظهر من سليمان في وزارته ما كان مستورا من سخف الكلام وضرب الامثال المضحكة وإظهار اللفظ القبيح بين يدى الخليفة مما يجل الوزراء عنه فاستنقصه الخلق وهجاه الشعراء واستعظموا
الوزارة لمثله وكانت لابن ياقوت فيه أبيات ضمن في آخرها هذا البيت يا سليمان غننى * ومن الراح فاسقني ولابن دريد فيه سليمان الوزير يزيد نقصا * فأحر بأن يعود بغير شخص أعم مضرة من أبى خلاط * وأعيا من أبى الفرج بن حفص وولى الوزارة أبو القاسم عبيد الله بن محمد الكلواذى وأحضر الدار وخلع عليه وذلك يوم الاحد لاربع بقين من رجب من هذه السنة * وفى شعبان من هذه السنة ورد الخبر بأن أبا العباس أحمد بن كيغلغ لقى الاشكرى صاحب الديلم فهزمه الديلم وتفرق عنه أصحابه حتى بقى في نحو من عشرين ومضى الديلم في آثار من انهزم من أصحابه ودخلوا أصبهان وملكوا دورها وصاروا فيها ووافى الاشكرى على أثرهم في نفر من الديلم(1/112)
فلما نظر إليهم ابن كيغلغ قال لمن حوله أوقعوا عينى على الاشكرى فأروه إياه فقصده وحده وكان الديلمى شديد الخلق فلما نظر إليه مقبلا سأل عنه فقيل له هذا ابن كيغلغ فبرز كل واحد منهما لصاحبه ورمى الديلمى أبا العباس بن كيغلغ بمزراق كان في يده فأنفذ ما كان يلبسه ووصل إلى خفه فأنفذ عضلة ساقه وأثبتها في نداد سرجه فحمل عليه ابن كيغلغ وضربه بسيفه على أم رأسه فانصرع عن دابته وأخذ رأسه وتوجه به بين يديه فتفرق أصحاب الديلمى وتراجع أصحاب ابن كيغلغ ودخل أصبهان والرأس قدامه فوضع أهل المدينة سيوفهم ورماحهم في الديالمة الذين حصلوا بها فقتلوا عن آخرهم ونزل ابن كيغلغ في داره واستقام أمره وحسن أثره عند المقتدر وأعجب الناس ما ظهر من شجاعته وبأسه مع كبر سنه * ولعشر بقين من شعبان ورد الخبر بأن القرامطة صاروا إلى الكوفة ونزلوا المصلى العتيق وعسكروا به وأقاموا وسارت قطعة منهم في مائتي فارس فدخلوا
الكوفة وأقاموا بها خمسة وعشرين يوما مطمئنين يقضون حوائجهم وقتلوا بها خلقا كثيرا من بنى نمير خاصة واستبقوا بنى أسد ونهبوا اهراء فيها غلات كثيرة للسلطان وغيره * وفى هذه السنة وصل زكرى الخراساني إلى عسكر سليمان بن أبى سعيد الجنابي فجاز له عليهم من الحيلة والمخرقة ما افتضحوا به وعبدوه ودانوا له بكل ما أمرهم به من تحليل المحارم وسفك الرجل دم أخيه وولده وذوى قرابته وغيرهم وكان السبب في وصوله إليهم أن القرامطة لما انتشروا في سواد الكوفة وانتهوا إلى قصر ابن هبيرة فأسروا جماعة من الناس كانوا يستعبدون من يأسرونه ويستخدمونهم وكان له عرفاء على كل طائفة منهم فأسر زكرى هذا فيمن أسر وملكه بعض العرفاء المترأسين عليهم فلما أراد الاستخدام به تمنع عليه وأسمعه ما كره فلما نظر إلى قوة كلامه وجرأته هابه وأمسك عنه وأنهى خبره إلى الجنابي سليمان فأحضره من وقته وخلابه وسمع كلامه ففتنه ودان له وأمر أصحابه بأن يدينوا له ويتبعوا أمره وحمله في قبة وستره عن الناس وشغل خبره القرامطة وانصرفوا به راجعين إلى بلادهم وهم يعتقدون أنه يعلم الغيب ويطلع على ما في(1/113)
صدورهم وضمائرهم وهو كان بعد ذلك السبب لهلاكهم وفنائهم على ما يأتي ذكره في الوقت الذى دار فيه ذلك * وفى هذه السنة انحدر ياقوت وابنه من مدينة السلام في الماء ومن تبعه من جيشه من الجانب الشرقي يريدان أعمالهما من بلد فارس وكان على بن يلبق بواسط متقلدا لها ومعه من الغلمان الذين أشخصهم مونس إليه جملة مثل سيما المنخلى وكانجور وشفيع وتكين الخاقانى وغيرهم فحملت هذه الطبقة ابن يلبق على تلقى ياقوت ومحاربته واتصل الخبر بيلبق أبيه فأنكر الامر أشد الانكار وكاتب ابنه يخوفه ركوب هذه الحال ويأمره بأن يتقدم إلى خلفائه بواسط أن يتلقوا ياقوتا ويخدموه ويكونوا بين يديه إلى أن يخرج عن واسط
وكاتب القواد الايطاوعوا ابنه على مكروه إن هم به وكاتب ياقوتا يسأله العبور إلى الجانب الغربي خوفا من اجتماع العسكرين ثم تحمل يلبق المصير إلى ابنه وملازمته أياما إلى أن جاز ياقوت وخرج عن واسط * وفى شعبان من هذا العام شغب الرجالة ببغداد فحاربهم يلبق وسائر الجيش ولم تزل الحرب بينهم من غدوة إلى صلاة العصر وجرح من الفرسان جماعة وقتل من الرجالة عدد كثير ثم تمزق الفريقان في الازقة والدروب وانصرفوا ذكر صرف الكلواذى عن الوزارة وتقليدها الحسين بن القاسم وكان عبيد الله بن محمد الكلواذى أحد الكتاب الكبار وجليلا في نفوس الناس فقدروا أن فيه كفاية وقياما بالامر فأقام على الوزارة شهرين وهو متبرم بها لضيق الاموال وكثرة الاعتراضات واتصال الشغب وقعود العمال عن حمل المال فاستعفي وقال ما أصلح أن أكون وزيرا فصرف عنها ولم يعنف ولا نكب ولاتعرض أحد من حاشيته وانصرف إلى داره واستقر فيها فأمر الخليفة بحفظها وصيانتها وكان أبو الجمال الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب يسعى دهره في طلب الوزارة ويتقرب إلى مونس وحاشيته ويصانعهم حتى جاز عندهم وملا عيونهم وكان يتقرب إلى النصارى الكتاب بأن يقول لهم إن أهلى منكم وأجداداى من كباركم وأن صليبا سقط من يد عبيد الله بن سليمان جده في أيام المعتضد فلما رآه(1/114)
الناس قال هذا شئ تتبرك به عجائزنا فتجعله في ثيابنا من حيث لا نعلم تقربا إليهم بهذا وشبهه يعنى إلى مونس وأصحابه وقلد الوزارة يوم السبت سلخ شهر رمضان وخلع عليه في هذا اليوم وركب في خلعه وسائر القواد والناس على طبقاتهم معه وأخذه بوله في الطريق فنزل وهو في خلع الخليفة إلى دار محمد بن فتح السعدى فبال عنده وأمر له بزيادة في رزقه ونزله وركب منها إلى داره * ولسبع بقين من شوال
أخرج على بن عيسى إلى ديرقنا * وفيه قرئت كتب في جامع الرصافة بما فتحه الله لثمل بطرسوس في البر والبحر * وفيه خلع على أبى العباس أحمد بن كيغلغ وطوق وسور وعقد لابن الخال على أعمال فارس ولياقوت على أصبهان ولابنه محمد على الجبل وأخرجت اليهما الخلع للولاية * وفى شوال من هذه السنة خلع على الوزير عميد الدولة وابن ولى الدولة الحسين بن القاسم لمنادمة المقتدر * وفى يوم الجمعة لخمس بقين منه ظهرت في السماء فيما يلى القبلة من مدينة السلام حمرة نارية شديدة لم ير مثلها وصلى في هذا النهار الوزير عميد الدولة وابن ولى الدولة الحسين بن القاسم في مسجد الرصافة وعليه شاشية وسيف بحمائل فعجب الناس منه.
وحج بالناس في هذه السنة جعفر بن على الهاشمي من أهل مكة المعروف برقطة خليفة لابي حفص عمر بن الحسن بن عبد العزيز ثم دخلت سنة 320 ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس فيها خالف مونس المظفر على المقتدر وخرج من بغداد إلى الموصل ثم خلعه بعد ذلك وقتله وكان السبب في ذلك أن مونسا لما أبعد ياقوتا وولده عن الحجابة وأخرجهما عن مدينة السلام واختار ابني رائق لملازمة المقتدر وحجابته ورجا طوعهما له وقلة مخالفتهما إياه وكان مونس عليلا من النقرس قاعدا في منزله كالمقعد وكان يلبق غلامه الذى صيره مقام نفسه وعقد له على الجيش وضمه إليه ينوب عنه في لقاء الخليفة وإقامة أسباب الجند والامر والنهى فقوى أمر ابني رائق وتمكنا من الخليفة لقربهما منه وقيل لهما إن مونسا يريد أن يصير الحجابة إلى(1/115)
يلبق فالتاثا على مونس واستوحشا منه وباطنا عليه من كان بحضرة الخليفة مثل مفلح والوزير ابن القاسم وغيرهما وراسلا ياقوتا وولده وابن الخال وغيرهم
واتصل ذلك بمونس وصح عنده فأوحشه ذلك من المقتدر وممن كان معه ثم سألت الحجرية والساجية المقتدر بما أحكمه لها ابنا رائق بأن يصلوا إليه كما جلس للسلام واستعفوه من يبلق وطعنوا على مونس في ضمهم إليه فلما كان يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم جلس المقتدر للسلام ووصل إليه الناس ووصلت إليه الحجرية والساجية وصرف عنهم يلبق ولم يخلع عليه وأظهر المقتدر الانفراد بأمره والاستبداد برأيه فانكشف لمونس الامر وصح عنده ما دبر عليه وعلم أنه مطلوب ولما كان يوم الخميس لثمان خلون من الشهر جلس المقتدر أيضا للسلام فخرج مونس إلى باب الشماسية وعسكر بها ونهب أصحابه دار الوزير الحسين بن القاسم وبلغ ذلك المقتدر فأمر بشحن القصر بالرجال ونودى فيمن سخط عليه من الرجالة بالرضا عنهم فظفروا ووعدوا بزيادة دينار على النوبة ووعد الفرسان بزيادة خمسة دنانير على الرزق فظهر الرجالة وقوى أمر الخليفة واستتر أصحاب مونس ولحق به خاصته وخرج إليه يلبق فلما كان يوم الجمعة لتسع خلون من الشهر وتمت صلاة الناس في الجامع ركب المقتدربين الظهر والعصر في قباء تاختج وعمامة سوداء وعلى رأسه شمسة تظله وبين يديه أولاده الكبار ركبانا وهم سبعة وجميع الامراء والقواد معه وبين يديه فسار من باب الخاصة إلى المجلس الذى في طرف الميدان وقد ضرب له قبة شراع ديباج فدخلها ثم انصرف وظهر للعامة ودعا الناس له وبعث مونس بشرى خليفته إلى المقتدر يوم السبت مترضيا له ومعتذرا إليه بأنه لم يخرج خالعا ولا عاصيا وإنما خرج فارا من المطالبة له فقبض على بشرى وصفع وقيد فلما اتصل الخبر بمونس زاد في إيحاشه ونفاره وأمر بوضع العطاء في أصحابه ودخلوا السوق ليبتاعوا السلاح وما يحتاجون إليه فمنعوا من ذلك حتى وجه مونس من قواده إلى المدينة من حضر ابتياعهم لما أرادوا ثم انتقل مونس إلى البردان وزال عنه كثير من جيشه إلى دار السلطان وكان ممن رجع عنه أبو دلف(1/116)
القاسم بن دلف ومحمد بن القاسم بن سيما وغيرهم من قواده ودخل هارون بن غريب الخال إلى بغداد للنصف من المحرم ونزل في النجمى ودخل ابن عمرويه قافلا من البصرة ودخل نسيم الشرابى من الثغر وخلع على سرور وجمعت له الشرطتان ثم دخل محمد بن ياقوت لثمان بقين من المحرم فتجمع للمقتدر قواده وقوى أمره وخلع على الوزير أبى الجمال ولقب عميد الدولة وكنى ونفذت الكتب بذلك إلى العمال من الوزير أبى على عميد الدولة ابن ولى الدولة القاسم بن عبيد الله وكتب اسمه على السكك وخلع على ابنه لكتابة الامير أبى العباس بن المقتدر وهو الراضي ولما اجتمع الجيش ببغداد واتفقت كلمة أصحاب المقتدر وانتقل عن مونس كثير من أصحابه إلى دار السلطان قلع مونس عن البردان في الماء مضطرا ومعه نحو مائة أكابر وأصاغر من غلمانه وأربعمائة غلام سودان كانوا له وسار يلبق وابنه وباقى غلمان مونس على الظهر في نحو ألف وخمسمائة رجل وكان معه من وجوه القرامطة نحو سبعين رجلا منهم خطا أخو هند وزيد ابن صدام وأسد بن جهور وكلهم أنجاد مبرزون في البأس لايرد أحدهم وجها عن عدو فسار مونس إلى سر من رأى وعسكر بالجانب الشرقي واجتمع الناس بقصر الجص إلى مونس فكلمهم ووعدهم وقال لهم ما أنا بعاص لمولاي ولا هارب عنه وإنما هذه طبقة عادتني وغلبت على مولاى فآثرت التباعد إلى أن يفيقوا من سكرتهم وأتأمل أمرى معهم ولست مع هذا أتجاوز الموصل اللهم إلا أن يختار مولاى مسيرى إلى الشأم فأسير إليها وقال لهم في خلال ذلك من أراد الرجوع إلى باب الخليفة فليرجع ومن أراد المسير معى فليسر فردوا عليه أحسن مرد وقالوا له نحن في طاعتك إن سرت سرنا وإن عدت عدنا وبعث مونس أبا على المعروف بزعفران مع عشرة من القرامطة في مال كان له مودعا
عند بعض وكلائه بعكبراء فأتاه منها بخمسين ألف دينار فدفع منها مونس أرزاق من كان معه وزادهم خمسة دنانير وأقام مونس يومه ذلك بقصر الجص فاحترق سقف من سقوف القصر فشق ذلك على مونس واجتهد في إطفاء النار(1/117)
فتعذر ذلك عليه ثم سار وهو مغموم لما دار من الحريق في القصر يريد الموصل ونفذت كتب الوزير ابن القاسم عن المقتدر إلى جميع من في الغرب من القواد كبنى حمدان وابن طغج صاحب دمشق وإلى تكين صاحب مصر وإلى ولاة ديار ربيعة والجزيرة وآذربيجان وملوك أرمينية والثغور الجزرية والشامية يأمرهم بأخذ الطرق على مونس ويلبق وولده وزعفران ومن كان معهم ومحاربتهم والقبض عليهم وبلغ ذلك مونسا فغمه الامر وكتمه عن جميع من كان معه وسار إلى تكريت وقد انصرف عنه أكثر من كان معه ثم إن مونسا فكر في أمره والى أين تكون توجهه فلم يجد في نفسه أوثق عنده ولا أشكر ليده من بنى حمدان فانه كان عند ذكره إياهم يقول هم أولادي وأنا أظهرتهم وكانت له عند حسين ابن حمدان وديعة فأراد أن يجتاز به ويأخذها ويسير بها إلى الرقة وقد كان بلغه تجمع بنى حمدان وحشدهم لمحاربته فلم يصدق ذلك ثقة منه بهم فرحل عن تكريت إلى بنى حمدان بعد أن شاور من حضره في الطرق التى يأخذ عليها فأشارت عليه طائفة بقطع البرية والخروج إلى هيت ثم المسير إلى شط الفرات وقال يلبق وزعفران لمونس الصواب مسيرك إلى الموصل كيف تصرفت الحال لوجوه من المصالح أما واحدة فلعجزك عن ركوب البرية فتتعجل الرفاهية في الماء وأخرى لئلا يقال جزع لما بلغه خبر بنى حمدان وتجمعهم وثالثة أنك إن بليت بقتالهم كانوا أسهل عليك من غيرهم فوقع هذا الرأى من مونس بالموافقة وسار يريد بنى حمدان فلم يلق لهم في طريقه رسولا ولاسمع لهم خبرا
إلى أن وافى عليه بشرى النصراني كاتب أبى سليمان داود بن حمدان فاستأذن عليه يوم السبت لليلة بقيت من المحرم وخلا بمونس وأدى إليه رسالة صاحبه ورسالة الحسين بن حمدان وأبى العلاء وأبى السرايا بأنهم على شكره ومعرفة حق يده ولكنهم لا يدرون كيف الخلاص مما وقعوا فيه فان أطاعوا سلطانهم كانوا قد كفروا نعمة مونس إليهم وان أطاعوا مونسا وعصوا سلطانهم نسبوا إلى الخلعان وسألوه أن يعدل عن بلدهم لئلا يلتقوا به ولا يمتحنوا بحربه فقال له(1/118)
مونس قل لهم عنى قد كنت ظننت بكم غير هذا وما أخذت نحوكم إلا لثقتي بكم وطمعي في شكركم فإذا خالفتم الظن فليس إلى العدول عنكم سبيل ونحن سائرون نحوكم بالغد كائنا ما كان منكم وأرجو أن إحساني اليكم سيكون من أنصارى عليكم وخذلانكم لى غير صارف لفضل الله عنى وبات مونس بقصور مرج جهينة وكان عسكر بنى حمدان بحصباء الموصل وبات المحسن زعفران في الطلائع على المضيق الذى منه المدخل إلى الموصل وباكر مونس المسير في الماء على رسمه قبل ذلك وسار أهل العسكر على الظهر ووقع أبو على المحسن زعفران في آخر الليل على مقدمة بنى حمدان التى كانوا أنفذوها نحو المضيق فقتل منهم جماعة وأسر نحو ثلاثين رجلا وملك المضيق وأمده يلبق برجال زيادة على من كان معه وصبح الناس القتال يوم الاحد لثلاث خلون من صفر وما كان جميع من يضمه عسكر مونس إلا ثمانمائة وثلاثة وأربعون فارسا وستمائة وثلاثين راجلا بين أسود وأبيض هكذا حكى الفرغانى عن أحمد بن المحسن زعفران وكان شاهدا مع أبيه في عسكر مونس وعنه ينقل أكثر الحكايات وكان بنو حمدان في عساكر عظيمة قد حشدوها من العرب والعجم وقبائل الاعراب وغيرهم فتلاقى الفريقان على تعبية وأخذ مونس ويلبق وابنه ومن كان معهم من القواد في حربهم أحزم مأخذ وتوزعوا
على مقدمة وميمنة وميسرة وقلب وجعلوا في كل مصاف منها ثقاتهم وأكابر قوادهم ثم حملت مقدمتهم على مقدمة بنى حمدان فضرب داود بن حمدان بنبلة دخلت من كم درعه فصرعته وحملت ميمنة يلبق على ميسرة بنى حمدان فقلعتها وطحنتها وغرق أكثرهم في دجلة ثم حمل يلبق بنفسه ورجاله الذين كانوا في القلب على قلب عسكر بنى حمدان فهزموا من كان فيه واتصل القتل فيهم وأسر ابن لابي السرايا ابن حمدان وغنم عسكرهم وتفرق جميعهم ودخل مونس الموصل لاربع خلون من صفر وأعطى أصحابه الصلات التى كان وعدهم بها مع الزيادة وصار في عكسره خلق كثير من غلمان ابن حمدان ورجاله وتوجه أبو العلاء بن حمدان وأبو السرايا إلى بغداد مستنجدين للسلطان وانحاز الحسين بن عبد الله بن حمدان إلى جبال معلثايا واجتمع إليه بها بعض غلمانه وغلمان أهله فسار إليه يلبق(1/119)
فهزمه وفرق جمعه وعبر الحسين إلى الجانب الغربي هاربا مفلولا وقلد يلبق ابنه نصيبين وما والاها وانصرف هو إلى موضع يلبق وقلدها يمنا الاعور وقلد يا نسا جزيرة بنى عمر وأبا عبيد الله بن خفيف الحديثة وبلغ أهل بغداد أخبار مونس وغلبته وفتوحاته فأخذ كل من زال عنه في الرجوع إليه واتصل بمونس أن جيوشا اجتمعت للروم وفيها بنو ابن نفيس وكانوا قد هربوا إلى بلاد الروم عند خلع المقتدر أولا وأنهم قاصدون ملطية للغارة على المسلمين فكتب مونس إلى بلد الروم يستدعى بنى بن نفيس ويعده ويمنيه ويسأله صرف الروم عن ملطية فأقبل بنى إلى الموصل وصرف الجيش عن ملطية فسربه مونس سرورا شديدا وخلع عليه وأكرمه وأنس به فكان يعاشره ويشار به ووافاه أيضا بدر الخرشنى من أرزن في نحو ثلاثمائة رجل فسر به مونس ويلبق ومن كان معهما وقدم عليهم طريف السبكرى من حلب في نحو
أربعمائة فارس فسروا به أيضا وتوالت الفتوحات على مونس ويلبق فلما طال مقام مونس بالموصل ودامت فتوحه وعظمت هيبته ابتدأ رجال السلطان الذين كانوا بالحضرة بالهرب إليه وتأكدت محبتهم له فكان أحد من جاءه بالدوا غلام ابن أبى الساج وكان بطلا شجاعا في نحو مائتي فارس ولقى بالدوا في طريقه عسكرا للسلطان فكسره وأخذ أحمال مال كانت معهم يريدون بها بغداد فجاء بها بالدوا إلى مونس ووهبها له ولرجاله ثم استأمنه الحسين بن عبد الله بن حمدان لما ضاقت به الارض وانقطع رجاؤه من أمداد السلطان وآمنه مونس وقدم عليه ففرح مونس بقدومه وقال له نحن في ضيافتك منذ سبعة أشهر على كره لك فشكره الحسين ولم يزل يخدم واقفا بين يدى مونس في دراعة وعمامة بغير سيف مدة مقام مونس بالموصل ذكر عزل الوزير الحسين بن القاسم وتقديم الفضل بن جعفر مكانه والتياث الاحوال ببغداد ولما ظن الوزير أبو الجمال الحسين بن القاسم أن الامر قد صفا له بخروج(1/120)
مونس من بغداد وان قد تم له ما أراد وقع فيما تكره فكثر عليه الشغب واشتدت مطالبة الجند له بالاموال وخيب الله ظنه فيما أراد ولازمه الحشم في دار الخليفة ملازمة قبيحة وأهانوه وأهانوا الخليفة بسببه فثقل على قلب المقتدر ولم يزل يقاسى منه كل صعب وذلول فأمر بالقبيض عليه في عقب ربيع الآخر وولى الفضل بن جعفر بن الفرات مكانه وقد كان مشهورا عند الخاص والعام بالفضل والعلم والكتابة وترك الهزل واللهو وكان هو وأبو الخطاب من خيار آل الفرات فلما صارت إليه الوزارة أظهر الحب له والرغبة فيها فعجب الناس من ذلك وقال فيه بعض الشعراء
أتطمع في الذى أعيا ابن مقله * وقد أعيا على الوزراء قبله وأدبر أمر من ولاك حتى * لما نرجو مع الادبار مهله كأنك بالحوادث قد توالت * عليك وجاءك المكروه جمله ولما خلع على الفضل بن جعفر سار في خلعه إلى الدار التى بسوق العطش فعطش في الطريق واستسقى ماء فشربه فأنكر ذلك عليه إذ لم يكن في رسم من تقدمه.
وفى مستهل جمادى الاولى اجتمع أهل الثغور والجبال إلى دار السلطان واستنفروا الناس ببغداد وذكروا ما ينالهم من الديلم والروم وأن الخراج إنما يؤخذ منهم ومن غيرهم ليصان به عامة الناس ويدفع عدوهم عنهم وأنهم قد ضاعوا وضاعت ثغورهم واستطال عليهم عدوهم ورققوا القلوب بهذا وأشباهه فثار الناس معهم وساروا إلى الجامع بمدينة المنصور وكسرو ادرابزين المقصورة وأعواد المنبر ومنعوا من الخطبة ووثبوا بحمرة الخطيب ورجموه حتى أدموه وسلخوا وجهه وجروا برجله وقالوا يا فاجر تدعو لرجل لا ينظر في أمور المسلمين قد اشتغل بالغناء والزناعن النظر في أمور الحرمين والثغور يفرق مال الله في أعداء الله ولا يخاف عقابا ولا ينتظر معادا فلم يزالوا في هذه الحال إلى وقت صلاة العصر وفعلوا بعد ذلك مثل فعلهم الاول في أول جمادى الآخرة ونهضوا إلى باب الوزير الفضل بن جعفر وراموا كسره فرموا بالسهام من أعلى(1/121)
الدار وقتل منهم نفر فركب أحمد بن خاقان وتوسط أمرهم وضمن لهم ما يصلحهم * وفى ثمان خلون من رجب نقب الحسين بن القاسم في الدار الحاجبين نقبا أخرج منه غلمانه وأراد الخروج بنفسه ففطن به وقبض عليه وحدر إلى البصرة ذكر مسير مونس إلى بغداد وقتل المقتدر ولما كثر عند مونس من استأمن إليه من قواد العراق ورجال الخليفة
وبلغه الاضطراب بها وأنس إلى الوزير الفضل بن جعفر لما كان عليه من ترك المطالبة للناس ودارت بين مونس وبين الوزير مكاتبات ورجا الوزير أن يصلح الاحوال بمجئ مونس ويتأيد به على قمع المفسدين ويتمكن بحضوره من صلاح أمور الخليفة التى قد اضطربت فراسل مونسا في القدوم ورغبه في الصلاح وجنح مونس إلى ذلك ورغب فيه ورجا ما لم يعنه المقدار عليه فخرج مونس من الموصل يوم الاحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من شوال بعد أن ضم إلى نفسه قواده ورجاله وقلد من وثق به الموصل ونصيبين وبعربايا وسائر الاعمال في تلك الناحية فلما انتهى مونس إلى البردان خرج إليه القواد وغيرهم مستأمنين إليه مثل مفلح وبدر الحمال وأبو علي كاتب بشر الافشينى وابن هود وجماعة وبقى الغلمان الحجرية على الوزير وابن الخال في الشعيبى يطالبونهما بالمال والزيادة لما علموا به من إقبال مونس وكتب مونس إلى المقتدر كتبا يقول فيها لست بعاص لامير المؤمنين ولاشققت عصاه وإنما تنحيت عنه لمطالبة أعدائي لى عنده وقد جئت إلى بابه برجاله وليس مذهبي الفتن ولا إراقة الدماء وقد بلغني أن مولاى يحمل على محاربتي ولا حظ في ذلك للفريقين بل فيه الشتات والفرقة وذهاب العدد وحدوث البلاء وفناء الرجال فيأمره مولاى للجند الذين معى بأرزاقهم فتدفع إليهم ثم يصيرون إليه وتطيب نفوسهم عليه فأصغى المقتدر إلى قوله وسر به وقيل انه اصطبح في داره واصطبح مفلح وابن الخال في دورهما سرورا بذلك ثم قال للمقتدر ابنا رائق وياقوت ومفلح وغيرهم ممن كان يكره مونسا ولا يريد رجوعه هذا عجز منك ونقص بك ولعلها حيلة عليك وخدعة(1/122)
لك وحمل على اخراج مضاربه إلى باب الشماسية والعزم على قتاله وقالوا له لو قد رآك كل من مع مونس لانصرفوا عنه وتركوه وحده وأخذوه في ذلك بالوعيد
والترهيب فأخرج المقتدر مضاربه إلى الشماسية يوم الثلاثاء لاربع بقين من شوال وخرج بنفسه يوم الاربعاء لثلاث بقين منه بعد أن توضأ للصلاة وبرز إلى دار العامة فصلى بها وكان كارها للخروج ومتثبطا فيه وإنما خرج مكرها حتى لقد حدثت بأنهم قالوا له إن خرجت معنا إلى حرب مونس والا تقربنا بك إليه وحدث ذكى عن المقتدر أنه رأى في الليلة التى خرج في صبيحتها إلى مونس كأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول له يا جعفر اجعل افطارك الليلة عندي ففزع له وحدث به والدته فجهدت به ألا يخرج وكشفت عن ثدييها وبكت فغلب القضاء ونزل البلاء قال فحدثني أحد خلفاء الحجاب ممن أثق به قال رأيت المقتدر قبل خروجه إلى مونس في دار العامة وابن رائق يستحثه ويقول له عجل يا سيدى ليراك الناس فقال له إلى أين أعجل يا وجه الشؤم * قال وحدثني ابن زعفران عن تكين الخادم أن المقتدر لما عمل على الخروج إلى مونس لبس ثيابه وجلس على مسورة وقال لامه يا أمه أستودعك الله هذا يوم الحسين بن على ثم تمثل بقول على بن الرومي طأمن حشاك فإن دهرك موقع * بك ما تحب من الامور وتكره وإذا حذرت من الامور مقدرا * فهربت منه فنحوه تتوجه قال وأخبرني جماعة من أهل بغداد ممن عاين المقتدر خارجا من داره وقد شق المدينة يريد رقعة الشماسية فقالوا كان عليه خفتان ديباج فضى تسترى وعليه عمامة سوداء مصمت والبردة التى كانت للنبى صلى الله عليه وسلم على كتفيه وصدره وظهره وهو متقلد بذى الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمائله أدم أحمر وفى يده اليمنى الخاتم والقضيب وتحته الفرس المعروف بالاقبال ويعرف بالقابوس لان أباقا وس أهداه إليه وعلى الفرس سرج مغربي أحمر بحلية جديدة وتحت فخذه الايسر سيف للركاب وبين يديه ابنه أبو أحمد عبد الواحد عليه خفتان ديباج رومى منقوش وعمامة بيضاء وخلفه وزيره الفضل بن جعفر(1/123)
ابن الفرات وقدامه لواء أبيض وراية سوداء يحملها ابن نصر اللابى واللواء يحمله أحمد بن خفيف السمرقندى وعلمان أبيضان وعلمان أصفران يحملها الانصار ومعهم رماح في رؤسها مصاحف وسار المقتدر على حاله هذه حتى وافى الرقة بالشماسية وقد وقعت الحرب بين العسكرين وكان الظهور أول النهار لعسكر المقتدر ثم عادت بعد ساعة لاصحاب مونس عليهم فأسر أبو الوليد بن حمدان وأحمد بن كيغلغ وكانا في ميمنة المقتدر في جماعة من قواد بغداد فثبتا بأنفسهما لما خان المقتدر من كان حوله حتى أخذا أسيرين وكان في القلب من عسكر مونس بدر الخرشنى وعلى ابن يلبق ويمن الاعور وبإزائهم المقتدر و عبد الواحد ابنه ومفلح الاسود وشفيع المقتدرى وابنا رائق وهارون بن غريب الخال ومحمد بن ياقوت والحجرية وكان في ميمنة مونس يلبق ويانس المونسى وغلمان يلبق ومن استأمن إليهم من عسكر بغداد فلما اشتدت الحرب انكشف ابن يلبق قليلا فراسله أبوه بالتوقف والانحياز إليه وأرسل يلبق إلى ميمنته بأن يحملوا فحملوا وأخذوا على شط دجلة ليخرجوا في ظهر عسكر المقتدر فتشوش العسكر وحمل يلبق وابنه ومن كان معهما حملة واحدة فانهزم جميع من كان مع المقتدر حتى لم يبق إلا هو وحده ولم يقتل بين يديه من غلمانه وأوليائه أحد إلا رجل من خلفاء الحجاب يقال له رشيد الهروي وقد كان المقتدر لما رأى الحرب قد وقعت بين على بن يلبق وبين ابن الخال وابن ياقوت أراد العدول إلى المضرب أو إلى الحراقة فلقيه سعيد بن حمدان فقال له يا أمير المؤمنين قد وقعت العين على العين فإن رآك من حولك قد زلت انهزموا وانفلوا فرجع إلى المصاف وذلك وقت صلاة الظهر ولم يكن في موكبه أحد من أهله إلا هارون بن عبد العزيز بن المعتمد على الله و عبد العزيز ابن على بن المنتصر بالله وإبراهيم بن قصى بن المؤيد بالله وإبراهيم بن عيسى
ابن موسى بن المتوكل على الله وكان أول من انهزم من أصحابه الحجرية ثم سائر الناس وحمل عبد الواحد بن المقتدر في جماعة من الرجالة عدة حملات فاسر من رجال مونس يلبق النعماني الصفعان وكان فارسا جيدا فأرادوا قتله فنهاهم المقتدر(1/124)
عنه ولم يزل ابن ياقوت في ذلك اليوم ثابتا بعد أن انهزم ابن الخال وأبلى بلاء حسنا فلما لم يجد ابن ياقوت مساعدا انهزم وانهزم عبد الواحد بن المقتدر وبقى المقتدر وحده وحوله جماعة من العامة وهو يحض الناس على القتال ويسألهم الثبات معه ويتوسل إليهم بالله وبنبيه وببردته ويمسح المصحف على وجهه إلى أن أقبل موكب على بن يلبق وكان قد أصابته جراح في الحرب فلم يهن لها وأقبل معه فارس تحته فرس أدهم وعليه درع على رأسه زردية فضرب المقتدر ضربة بالسيف في عاتقه الايمن فقطعت الضربة طاقا من حمائل السيف وأثخنته الضربة وكان السيف بيد المقتدر مجردا وقد كان نافع صاحب ركاب مونس ضرب بيده إلى عنان دابة المقتدر ليسيربه إلى مونس فلما ضربه الفارس خلى نافع عنانه ومضى الفارس بعد أن ضربه ولم يقف عليه ووافى بعد هذا الفارس ثلاثة فوارس يقال لاحدهم بهلول وللثاني سيمجور ورفيق لهما لم أحفظ اسمه فوقفوا بالمقتدر يخاطبونه ويسمعون منه منه فأخذ أحدهم السيف من يده وانترع الآخر البردة والخفتان منه وطالب الثالث بخاتمه فدفعه إليه وكان الخاتم ياقوتا أحمر مربعا فضربه أحد الثلاثة بالسيف على جبينه فألمه فأخرج المقتدر كم قميصه ليمسح الدم عن وجهه فضربه الآخر ضربة ثالثة فتلقاها المقتدر بيده اليسرى فقطعت إبهامه وانقلبت الابهام إلى ذراعه وسقط إلى الارض واجتمعت عليه جماعة رجالة فاحتزوا رأسه وحمل إلى مونس وذلك يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من شوال سنة 320 وكان الذى حمله سراج البكتمرى فلما نظر إليه مونس اشتد جزعه وغمه وناله عليه أمر عظيم وقيل إن الذى قتل
المقتدر نقيط غلام مونس وأن جثته بقيت مجردة فطرح بعض المطوعة على سوأته خرقة ثم أخذها رجل من العجم وألقى عليها حشيشا إلى أن حملت الجثة إلى مونس فأضاف إليها الرأس وسلمه إلى ابن أبى الشوارب القاضى ليتولى أمره فقيل إنه دفن مع أبيه وقيل إنه دفن في رقة الشماسية وقيل أيضا انه طرح في دجلة ولم تزل الرعية يصلون في مصرعه ويدعون على قاتله وبنى في الموضع مسجد وحظيرة كبيرة وكان عمر المقتدر يوم قتل ثمانية وثلاثين سنة وشهرا وستة أيام(1/125)
وكانت ولايته الخلافة أربعا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وولد أبا العباس الراضي محمدا والعباس أبا أحمد وهارون أبا عبد الله و عبد الواحد أبا على وابراهيم أبا اسحاق المتقى والفضل أبا القاسم المطيع وعليا أبا الحسن واسحاق أبا يعقوب و عبد الملك أبا محمد و عبد الصمد ولم يذكر الفرغانى جميعهم وإنما ذكر ستة منهم وبقى مونس في مضاربه بباب الشماسية ولم يدخل بغداد حتى أقام القاهر للخلافة واستأمن إليه القواد المنهزمون عن المقتدر فآمنهم وانقطع الطلب عن جميعهم وسكن الناس وهدنهم وأظهر الاسف لما دار في أمر المقتدر وجمع القواد للمشورة في الخليفة بعده ودار الرأى بينهم في ذلك وأمر مونس باحضار بلال بواب دار ابن طاهر التى كان فيها أولاد الخلفاء وسأله عمن فيها من أولاد الخلفاء فذكر جماعة فيهم محمد القاهر فمال هواهم إليه وكان مونس قد كرهه ونهاهم عنه فقالوا هو كهل ولا أم له ونرجو أن تستقيم أمورنا معه فأطاعهم فيه وأجابهم إليه وأحضروه على ما سيقع بعد هذا ذكره * قال وحدثني أبو الفهم ذكى أن رشيقا الايسر وكان الذى أقبل بالقاهر من دار ابن طاهر لولاية الخلافة وكان مقدما على الحرم حكى له بأن رأيهم اجتمع بعد مخاوضة طويلة على القاهر وعلى أبى أحمد بن المكتفى * قال ذكى ووجهوني فيهما ليتكلم مونس مع كل واحد منهما خاليا فمن ظهر
لهم تقديمه منهما قدم فتوجه ذكى فيهما فلما صاربهما ؟ ؟ في بعض الطريق قال القاهر لابي أحمد بن المكتفى لست أشك في أنا انما دعينا التعرض على كل واحد منا الخلافة فعرفني بما عندك فان كنت راغبا فيها أبيت أنا منها إذا دعيت إليها ثم كنت أول من يبايعك فقال له أبو أحمد ما كنت بالذى أتقدمك وأنت عمى وكبيري وشيخي بل أنا أول من يبايعك فلما تحقق عند القاهر مذهبه بنى أمره عليه ثم لما صار إلى مونس وحاشيته بدؤا بمخاطبة أبى أحمد لفضل كان فيه وعرضوا الامر عليه فأبى من تقلده ولم تكن رغبتهم فيه ثابتة إذ كانت له والدة وقد علموا ما كانت تحدثه والدة المقتدر في الخلافة فعقدوا الامر للقاهر بالله * قال وذكر لي ابن زعفران انه حضر ذلك وأن القاهر أجلس في خيمة بإزاء خيمة مونس ولم تزل المراسلات بينهما(1/126)
والشروط متخذة على القاهر إلى أن اجاب إلى جميعها إلا النفقة التى كلفوه للجند على البيعة فانه ذكر ألا مال فعذروه * قال ولم يكن عليه يوم أحضر للبيعة إلا قميصان ورداء فطلب ما يلبس من الثياب التى تشاكله للجلوس للعامة وسيف ومنطقة فلم يوجد ما يصلح لذلك فنزع جعفر بن ورقاء ثيابه التى كان يلبسها ولبسها القاهر وهى عطاف وعمامة ومنطقة وسيف بحمائل ثم قعد في الخيمة وسلموا عليه بالخلافة وبويع له على ما سيأتي ذكره ذكر البيعة لمحمد القاهر بالله وهو محمد بن أحمد المعتضد بن طلحة الموفق بن جعفر المتوكل وكنية محمد القاهر أبو منصور وكانت أمه تسمى بقبول وبويع بالخلافة يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال سنة 320 وهو ابن خمس وثلاثين سنة وذلك أنه لما أحضر من دار عبد الله بن طاهر التى كان فيها مع أولاد الخلفاء ودار بينه وبين مونس المظفر ما تقدم ذكره من الشروط وتم الامر بينهم انحدروا به إلى دار الخلافة في
اليوم المؤرخ فلما دخلها دعا بحصير فصلى أربع ركعات وجلس على سرير الملك ولقب القاهر بالله وحضر عبيدالله بن محمد الكلواذى فاستخلفه على الوزارة لمحمد بن على بن مقلة إذ كان غائبا بفارس وأمر بأن تكتب الكتب إلى العمال باسم ابن مقلة وولى الحجابة على بن يلبق ولم يمكنه الحضور لجراح كانت به فخلف على الحجابة بدر الخرشنى وقلد أحمد بن خاقان شرطة الجانبين ولما كان يوم الاثنين لليلتين خلتا من ذى القعدة بعث القاهر في أولاد المتوكل على الله وغيرهم من أبناء الخلفاء وأبناء أبنائهم فأوصلهم إليه واستدناهم وأمرهم بالجلوس وأخذ عليهم الكلواذى البيعة وخاطبه هارون بن عبد العزيز بن المعتمد بعد أن صافحه وهنأه ودعا له فقال قد نالت يا أمير المؤمنين أهلك جفوة أضرت بهم وآثرت في أحوالهم وليس يسألون اقطاعا ورد ضيعة وأحوالهم تصلح بادرار أرزاقهم فقال أنا آمر بإدرارها ولا أقنع لكم بها وقد كان يتصل بى من أمركم ما يغمنى فشكرته العامة على هذا القول وتكلم منهم أبو عبد الله محمد بن المنتصر ودعوا له جميعا ثم إن القاهر أظهر في أول قعوده في الخلافة(1/127)
من الجد وبعد الهمة والاختصار والقناعة ما هابه به الناس وأراد قطع ثوب يلبسه فحمل إليه من داره فقيل له لو أخذلك ثوب من خرانة الكسوة فقال لا تمسوا لهم شيئا وعرضت عليه صنوف الالوان والحلواء والفواكه التى كانت توضع بين أيدى الخلفاء في كل يوم فاستكثرها وقال في الفاكهة بكم تبتاع هذه كل يوم فقيل له بثلاثين دينارا فقال نقتصر من ذلك على دينار واحد من الطعام على اثنى عشر لونا وكان يصلح لغيره كل يوم ثلاثون لونا من حلواء فاقتصر على الكافي له * وفى يوم الخميس لخمس خلون من ذى القعدة حمل أبو العباس وأبو عبد الله ابنا المقتدر مع أمهما إلى دار عبد الله بن طاهر بعد عتمة * وفيه طولبت أم المقتدر بالاموال وضربت وعلقت * قال الفرغانى حدثنى أبو الحسين بن العجمي قال حدثنا ذلفاء
المنجمة التى كانت مع المقتدر قالت لما أراد المقتدر الخروج لمحاربة مونس قال لامه قد ترين ما وقعت فيه وليس معى دينار ولا درهم ولابد من مال يكون معى فأعينيني بما معك فقالت له قد أخذت منى يوم سار القرمطى إلى بغداد ثلاثة آلاف ألف دينار وما بقيت لى بعدها ذخيرة إلا ما ترى وأحضرته خمسين ألف دينار فقال المقتدر وأى شئ تغنى عنى هذه الدنانير وأى مقام تقوم لى في عظيم ما أستقبله ثم قال لها أما أنا فخارج كيف كنت وعلى ما استطعت ولعلى أقتل فأستريح ولكن الشأن فيمن يبقى بعدى ويقبض عليها ويعذب ويعلق في هذه الشجرة دراجية فقالت ذلفاء وكانت في بعض دور الخلافة شجرة فوالله لقد قبض على أم المقتدر وعلقت في تلك الشجرة بعينها * وفيه ضرب شفيع وطولب بمال وصير بيع أملاكه إلى بشرى الخادم فضاع أكثر ذلك وقبض أيضا على أسباب خالة المقتدر وقبض على شفيع المقتدرى وسلم المطبخ والبساتين إلى رشيق الايسر الحرمى وسلم البريد والاصطبل إلى على بن يلبق وصرف أحمد بن خاقان عن الشرطة في الجانبين وقلدها يمن الاعور وقبض الاعور وقبض على يانس الخادم ولم تزل الامور مضطربة بقلة المال ومطالبة الجند بالارزاق ومطالبتهم بمال البيعة حتى أنهم شغبوا واجتمعوا إلى باب الخليفة ودخلوا إلى الدهليز الشعيبى من باب العامة(1/128)
وفتح السجن وحورب الموكلون عليه وأيدتهم العامة على ذلك فخرج يمن الاعور وأخذ رجلا من العامة وضربه بالسياط وصلبه فتفرق العوام وزاد أمر الجند شغبا وجدا فأرسل القاهر إليهم ليس عندي مال والمال عند يلبق وأوصى القاهر إلى مونس إما أن يرضى يلبق الرجال ويكفهم عنى وإلا اعتزلت فليس على هذا الشرط تقلدت * وقدم ابن مقلة بغداد لتسع خلون من ذى الحجة وخلع عليه وقعد ودفع إلى الجيش الذى بالحضرة عن البيعة لكل واحد منهم رزقا واحدا وللجند
أصحاب مونس ثلاثة أرزاق لكل واحد ثم ان ابن مقلة بسط يده على الناس فأخذ أموالهم وقبض على عيسى الطبيب فأخذ أملاكه ثم بدأ في بيع أملاك السلطان وأخذ المال من حيث لاح له وابتدأ بانشاء داره وأدخل فيها من بستان الزاهر نحو عشرين جريبا ونقض دور بنى المقتدر واستولى ابن يلبق وحاشية مونس على القاهر حتى صار لا يجوز له أمر ولانهى الا على أهل بيته وأولاد المقتدر المحبوسين عنده قال وكان القاهر مستهترا بالشراب لا يكاد يفيق منه فإذا شرب اقبل إلى أولاد المقتدر والى الراضي وإخوة وكان قد أخذهم وضمهم إلى دار تعرف بالفاخر وأحضر أبا أحمد بن المكتفى واعتقله معهم فكان القاهر يدخل عليهم بالليل ويتخلق لاولاد المقتدر ولابي أحمد بن المكتفى ويسقيهم بيده وكان يقول للراضي أنت المرشح للامر والمسمى له ثم يومى إليه بحربة كانت في يده وربما قفع أصابعه بقضيب كان معه والراضي في كل ذلك لا يخضع له ولا يقبل يده والمقادير تدفعه عنه وأقام على بن يلبق وهو الحاجب يفتش جميع ما يدخل الدار على القاهر في كل ذلك يزداد غضبا وكمدا ثم ان الراضي دس إلى يلبق وابنه وأهدى اليهما جوهرا وعرفهما أنه وإخوته خائفون على أنفسهم من القاهر وسألهما تخليص هؤلاء المحبوسين من يده فأجمع رأى يلبق وابنه على تخليصهم وقعد يلبق في بعض العشايا في بعض مجالس الدار وأخرجهم على غيبة وأخرج الجدة معهم وكان القاهر قدسامها سوء العذب وطالبها بالاموال فوجه بهم إلى داره وأفرد لهم موضعا في دار حرمه وماتت الجدة بها فكفنها في أحسن كفن ودفنها بشارع الرصافة (وفيها)(1/129)
صرف أبو عثمان أحمد بن إبراهيم بن حماد عن القضاء بمصر وقلد القضاء بها عبد الله ابن أحمد بن زيد * وفى ذى القعدة من هذه السنة ورد الخبر بمصر بقتل المقتدر فاضطربت الاحوال بها وشغب الجند ووكل التجار وطولبوا بالاموال وشغب
بالفاخر وأحضر أبا أحمد بن المكتفى واعتقله معهم فكان القاهر يدخل عليهم بالليل ويتخلق لاولاد المقتدر ولابي أحمد بن المكتفى ويسقيهم بيده وكان يقول للراضي أنت المرشح للامر والمسمى له ثم يومى إليه بحربة كانت في يده وربما قفع أصابعه بقضيب كان معه والراضي في كل ذلك لا يخضع له ولا يقبل يده والمقادير تدفعه عنه وأقام على بن يلبق وهو الحاجب يفتش جميع ما يدخل الدار على القاهر في كل ذلك يزداد غضبا وكمدا ثم ان الراضي دس إلى يلبق وابنه وأهدى اليهما جوهرا وعرفهما أنه وإخوته خائفون على أنفسهم من القاهر وسألهما تخليص هؤلاء المحبوسين من يده فأجمع رأى يلبق وابنه على تخليصهم وقعد يلبق في بعض العشايا في بعض مجالس الدار وأخرجهم على غيبة وأخرج الجدة معهم وكان القاهر قدسامها سوء العذب وطالبها بالاموال فوجه بهم إلى داره وأفرد لهم موضعا في دار حرمه وماتت الجدة بها فكفنها في أحسن كفن ودفنها بشارع الرصافة (وفيها)(1/130)
صرف أبو عثمان أحمد بن إبراهيم بن حماد عن القضاء بمصر وقلد القضاء بها عبد الله ابن أحمد بن زيد * وفى ذى القعدة من هذه السنة ورد الخبر بمصر بقتل المقتدر فاضطربت الاحوال بها وشغب الجند ووكل التجار وطولبوا بالاموال وشغب الجند على تكين وطالبوه بمال البيعة فجمع التجار بمصر واستسلف منهم الاموال بسبب البيعة على أن يطالب يدم المقتدر (وحج بالناس) في هذه السنة أبو حفص عمر بن حسن الهاشمي وهذا ما انتهى إلينا من هذا التاريخ والحمد لله رب العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وآله الطاهرين الطيبين وسلم تسليما فرغ من نسخه الفقير المشكر المعترف بذنبه يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور ابن المعمر بن عبد السلام الزريرانى في شهر ربيع الآخر من سنة 627(1/130)