3- عبيدالله بن عمر أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، ولد في عهد عمر، وثبت أنه غزا في خلافة أبيه، وهو الذي قتل الهرمزان(1) وجماعة من الفرس لما قتل أبو لؤلوة والده، وقتل مع معاوية بصفين(2).
4- عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمه جميلة بنت ثابت بن الأقلح، وهي التي طلقها عمر رضي الله عنه، وتخاصمت هي وعمر في عاصم، فقضى أبو بكر بالنفقة على عمر، وبالحضانة على جميلة(3).
5- زيد بن عمر بن الخطاب أمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، توفي هو وأمه في يوم واحد، وصلى عليها عبد الله بن عمر بن لخطاب رضي الله عنه وكان والي المدينة يومئذ سعيد بن العاص(4)
__________
(1) الهرمزان الفارسي: كان من ملوك فارس وأسر في فتح العراق وأسلم على يد عمر ثم كان مقيماً عنده بالمدينة وقتله عبيد الله بن عمر بن الخطاب يوم قُتل عمر. ابن حجر/ الإصابة 3/618،619.
(2) صِفّين: موضع بقرب الرقه على شاطىء الفرات من الجانب الغربي بين الرقة وبالس، وكانت فيه وقعة صفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهم في سنة 37هـ في غرة صفر. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 2/414. انظر: الزبيري/ نسب قريش ص 349،355، 356، وابن حجر/ الإصابة 3/75.
(3) تقدم الكلام على هذا الأثر في في ص: 226. وانظر: الطبري/ التاريخ 2/564، الزبيري/ نسب قريش ص 353.
(4) سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي، كان عمره يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وقتل أبوه يوم بدر، وولي الكوفة، وغزا طبرستان ففتحها وغزا جرجان، وكان في عسكره حذيفة وغيره من كبار الصحابة، وولي المدينة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم. ابن حجر/ الإصابة 2/47.
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 3/8، ابن سعد/ الطبقات 8/464، النسائي/ السنن 4/71،72، ابن الجارود/ المنتقى ص142، الدارقطني/ السنن 2/79،80، الحاكم/ المستدرك 4/345،346، البيهقي/ السنن الكبرى 7/70،71، وسنده عند النسائي متصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا محمّد بن رافع، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن جريج، قال: سمع نافعاً يزعم أن ابن عمر... الأثر. فالأثر صحيح.
وقال ابن حجر: وماتت أم كلثوم وولدها في يوم واحد، أصيب زيد في حرب كانت بين بني عدي، فخرج ليصلح بينهم، فشجه رجل وهو لايعرفه فعاش أياماً، وكانت أمه مريضة، فماتا في يوم واحد، الإصابة 4/492.(9/52)
.
6- عبد الرحمن الأوسط ولقبه أبو شحمة، وأمه لهية أم ولد لعمر(1).
7- عبد الرحمن الأصغر وأمه هي أم عبد الرحمن الأوسط ولقبه أبو المجبر(2).
8- زيد الأصغر، أمه أم كلثوم بنت جرول(3).
9- عبد الله الأصغر أمه سُعيده بنت رافع بن عبيد الأنصارية(4).
10- عياض بن عمر أمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل(5).
بناته:
__________
(1) الزبيري/ نسب قريش ص349،356، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 409. من غير سند.
(2) الزبيري/ نسب قريش ص 349،356، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 409، الطبري/ التاريخ 2/564 من غير إسناد.
(3) الزبيري/ نسب قريش ص349.
(4) المصدر السابق ص350.
(5) المصدر السابق ص349.(9/53)
1- حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين رضي الله عنهما وأمها زينب بنت مظعون وهي شقيقة عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وكانت زوجةً لخنيس بن حذافة السهمي رضي الله عنه(1)، فلما توفي زوجها عرضها عمر رضي الله عنه على عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فقال عثمان: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، فعرض عمر حفصة على أبي بكر، فلم يرجع إليه شيئاً، قال عمر: فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبث ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت على حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها(2)
__________
(1) خُنَيس بن حُذَافة بن قيس بن عدي بن سهم القرشي السهمي، كان على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من المهاجرين الأولين، شهد بدراً بعد هجرته إلى أرض الحبشة ثم شهد أحداً، ونالته جراح مات منها بالمدينة. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/35.
(2) رواه البخاري/ الصحيح 3/12، 246، 248، 249، 251، النسائي/السنن 6/77، 78، 83، 84، وغيرهما، وفي رواية أن عثمان رضي الله عنه هو الذي خطب حفصة من عمر رضي الله عنهما، فرده فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أن راح إليه عمر، قال: "يا عمر، ألا أدلك على ختن خير لك من عثمان، وأدل عثمان على خير له منك؟"، قال: نعم يا رسول الله، قال: "زوجني ابنتك، وأزوج عثمان ابنتي". رواه الحاكم/ المستدرك 3/106،107، المقدسي/ المختارة 1/462. وإسناده عند المقدسي متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق.
قال: أخبرنا أبو الفتوح يوسف بن المبارك بن كامل بن الحسين بن محمّد الخفاف قراءة عليه ببغداد قيل له أخبركم أبو بكر محمّد بن عبد الباقي بن محمّد البزار قراءة عليه وأنت تسمع أنا أبو الفرج أحمد بن عثمان بن الفضل بن جعفر المجتري، أنا أبو القاسم عبيد الله بن محمّد بن حبان أنا أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي حدّثنا يوسف بن موسى وأحمد بن منصور وغيرهما، قالوا: أنا عبيد الله بن موسى عن أبي سيدان عبيد بن الطفيل، قال: حدّثني ربعي بن خراش عن عثمان أنه خطب... الأثر.
ورواه الحاكم من طريق عبيد الله بن موسى عن أبي سيدان ولكن في إسناده أحمد بن مهران الأصبهاني ذكره ابن حبان في الثقات 8/52، وذكره ابن حجر في اللسان ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/316. فالأثر حسن من طريق المقدسي.
وقال الذهبي رحمه الله في استدراكه على الحاكم: قلت ما في الصحيحين بخلاف هذا من أن عمر هو الذي عرضها على عثمان فامتنع.
أقول: ولعل عثمان خطبها من عمر قبل أن يعرضها عليه فامتنع عمر ثم عرضها بعد ذلك على عثمان فامتنع. لأنه علم برغبة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الزواج منها.(9/54)
.
وماتت حفصة رضي الله عنها لما بايع الحسن معاوية رضي الله عنهما في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، وقيل بل بقيت إلى سنة خمس وأربعين(1).
2- فاطمة بنت عمر أمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وزوجها ابن عمها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب(2).
3- عائشة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها أمها لهية أم ولد لعمر، ولم تتزوج(3).
4- صفية بنت عمر بن الخطاب، ولم أجد ذكراً لاسم أمها، روي أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر(4).
5- جميلة بنت عمر رضي الله عنهما، ولم أجد ذكراً لاسم أمها، كان اسمها عاصية، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة(5).
6- رقية بنت عمر أمها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم شقيقة زيد الأكبر، تزوجها إبراهيم بن نعيم بن عبد الله بن النحام(6)، وماتت وهي عنده، ودفنت بالبقيع(7).
__________
(1) ابن حجر/ الإصابة 4/273،274.
(2) ابن سعد/ الطبقات 5/50، الزبيري/ نسب قريش ص356، ابن حزم/ جمهرة النسب ص150،151.
(3) الزبيري/ نسب قريش ص 349،356.
(4) رواه الطبراني/ المعجم الكبير 24/324، وفي إسناده محمد بن عثمان بن أبي شيبة، صدوق، اتهمه البعض بالكذب، ورُد عليهم، وتقدم الكلام في ذلك في ص: (199، 200). وفيه محمد بن الحسن الأسدي صدوق فيه لين. تق 474، وشريك بن عبدالله النخعي، صدوق يخطىء كثيراً. تق 267، وعبدالكريم بن أبي المخارق ضعيف. تق 361، فالخبر ضعيف. وقال ابن حجر: ذكرها الطبراني وتبعه أبو نعيم ثم أبو موسى. الإصابة 4/351، وانظر ابن الأثير/ أسد الغابة 5/493.
(5) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 14/119، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 4/266، ولم أجد ذكر اسم أمها أو شيئاً عن حياتها.
(6) إبراهيم بن نُعَيم بن النحام العدوي، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قتل يوم الحرة. ابن حجر/ الإصابة 1/96.
(7) ابن سعد/ الطبقات 5/171، الزبيري/ نسب قريش ص349،361.(9/55)
7- زينب بنت عمر أمها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، شقيقة عياض بن عمر، وزوجها عبد الرحمن بن معمر بن عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول(1)، ثم خلفه عليها عبد الله بن عبد الله بن سراقة العدوي(2).
عناية عمر رضي الله عنه بأهله وأسرته.
كان عمر رضي الله عنه شديد العناية والرعاية والرقابة على أهله، يقيم فيهم أحكام الدين ويلزمهم بها قبل أن يلزم بقية رعيته.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء، دخل إلى أهله - أو قال جمع أهله - فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس إلا أضعفت له العقوبة لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم، ومن شاء فليتأخر(3).
__________
(1) لم أجد له ترجمة.
(2) ابن سعد/ الطبقات 5/243، ابن حجر، الإصابة 3/61،62، 480، وروى الطبري في تاريخه 2/564، من غير إسناد أن فكيهة مولاة عمر ولدت له ابنة اسمها زينب، ونقل عن الواقدي قوله: إنها أصغر ولد عمر رضي لله عنه، فتكون هذه أخرى غير ابنة عاتكة بنت زيد، والله أعلم.
(3) رواه عبدالرزاق/ المصنف 11/343، 344، ابن سعد/ الطبقات 3/289، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/199، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/319،320، البلاذري/ أنساب الأشراف ص222، الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/568، صحيح عند عبدالرزاق. قال: عن معمر عن الزهري عن سالم عن أيبه.(9/56)
وقال أسلم مولى عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا بعثني إلى بعض ولده قال لي: لا تخبره لم بعثتك إليه، فلعل الشيطان يعلمه كذبه، فجاءت أم ولد لعبد الرحمن إلى عمر، فقالت: إن أبا عيسى لا ينفق علي ولا يكسوني، قال: ويحك من أبو عيسى؟ قالت: ابنك عبد الرحمن، فقال: وهل لعيسى من أب؟ قال أسلم: فأرسلني إليه فقال: قل له أجب، ولا تخبره لأي شيء دعوته، قال: فأتيته، وعنده ديك ودجاجة هنديان، فقلت له: أجب أباك أمير المؤمنين، قال: وما يريد مني؟ فقلت: لا أدري، قال: إني أعطيك هذا الديك والدجاجة على أن تخبرني ما يريد مني، فاشترطت أن لا يخبر عمر، فأخبرته، وأعطاني الديك والدجاجة، فلما جئت عمر رضي الله عنه قال لي: أخبرته، فوالله ما استطعت أن أقول لا، فقلت نعم، قال: أرشاك شيئاً،قلت: نعم، قال: ما رشاك؟ قلت: ديكاً ودجاجة، فقبض بيده اليسرى على يدي، فجعل يضربني بالدرة، وجعلت أنزو، وجعل يضربني وأنا أنزو، فقال: إنك لجدير، ثم جاء عبد الرحمن، فقال هل لعيسى من أب! يُكتنى أبا عيسى؟ هل لعيسى من أب؟(1)
__________
(1) رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/321 صحيح.
قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: كان عمر... الأثر.(9/57)
وبالرغم من صرامة عمر رضي الله عنه في مراقبة أهله وتطبيق تعاليم الدين عليهم فإنه رضي الله عنه لم يخلُ من شفقة ورحمة لأهل بيته، رآه عيينة(1) بن حصن يوماً يقبل أحد أبنائه وقد وضعه في حجره وهو يحنو عليه، فقال عيينة: أتقبل وأنت أمير المؤمنين؟ لو كنت أمير المؤمنين ما قبلت لي ولداً. فقال عمر: الله، الله حتى استحلفه ثلاثاً، فقال عمر: فما أصنع إن كان الله نزع الرحمة من قلبك؟ إن الله إنما يرحم من عباده الرحماء(2).
3- مواليه.
1- أسلم مولى عمر بن الخطاب، اشتراه عمر سنة إحدى عشرة من أناس من الأشعريين حين بعثه أبو بكر رضي الله عنه للحج في تلك السنة(3).
__________
(1) عُيَيْنَة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، أسلم بعد الفتح، وقيل قبل الفتح، وشهد الفتح مسلماً، وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان من الأعراب الجفاة، وكان ممن ارتد في عهد أبي بكر ثم عاد إلى الإسلام. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/316،317. ابن حجر/ الإصابة 3/54.
(2) رواه عبدالرزاق/ المصنف 11/299، البلاذري/ أنساب الأشراف ص195، 196، صحيح من طريق عبدالرزاق. قال: عن معمر بن عاصم عن أبي عثمان النهدي أن عيينة بن حصن قال لعمر... الأثر.
(3) رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص117، البخاري/ التاريخ الكبير 2/124، ابن أبي خيثمة/ التاريخ ص120، الحاكم/ الأسامي والكنى 4/241، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/249، وسنده عند أبي نعيم متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن أسحاق فهو صدوق.
قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن أحمد بن الحسن، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا أبو جعفر النفيليّ، ثنا محمّد بن سلمة عن محمّد بن إسحاق، قال: بعث أبو بكر الصّديق رضي الله عنه كما حدّثني نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب سنة إحدى عشرة... الخ.
وهو عند خليفة والبخاري من طريق ابن إسحاق، وهو عند الحاكم من غير إسناد. وفيه عند أبي خيثمة طمس لم أتمكن من قراءته. فالأثر حسن.(9/58)
وروي أن عمر رضي الله عنه اشتراه من سوق ذي المجاز(1)، وأنه كان حبشياً بجاوياً(2)، ومات وهو ابن مائة وأربع عشرة سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم(3).
2- يرفأ مولى عمر، وكان حاجبه(4).
3- مهجع مولى عمر أصله من عك(5) أصابه رِق فمن عليه عمر، فأعتقه وكان من السابقين إلى الإسلام، وشهد بدراً وكان أول شهيد بها(6).
__________
(1) ابن معين/ التاريخ/ رواية الدوري 2/29 من غير سند.
ذو المَجاز: من أشهر أسواق العرب في الجاهلية ولازال موضعه معلوماً بسفح جبل كبكب من الغرب، يراه من يخرج من مكة على طريق نخلة اليمانية. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية. ص 278،279.
(2) بَجَاوَة: أرض بالنُّوبة بها إبل فُرْهَة، وإليها تنسب الإبل البَجَاوية، منسوبة إلى البَجَاء وهم أمم عظيمة بين العرب والحبش والنوبة. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 1/339.
رواه ابن سعد/ الطبقات 5/11، بإسناد فيه الواقدي.
(3) أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/249 من غير سند.
(4) الحاجب: البواب. الفيروزآبادي/ القاموس المحيط 1/54.
رواه البخاري/ الصحيح 3/16، خليفة بن خياط/ التاريخ ص156، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/229.
(5) عَكّ: بطن اختلف في نسبه فقيل من الأزد من القحطانية، وقيل من العدنانية، كانت مواطنهم بنواحي زبيد وغيرها من مدن اليمن التهامية. عمر رضا كحالة/ معجم قبائل العرب 2/802.
(6) رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 2/425، من كلام ابن إسحاق، ابن سعد/ الطبقات 2/18،3/391،392، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/360، الطبراني/ المعجم الكبير 9/221، وسنده عند ابن سعد رجاله ما بين ثقة وصدوق، ولكن فيه انقطاع بين القاسم بن عبدالرحمن المسعودي، وهو ثقة من الرابعة، وبين عمر بن الخطاب ورواه الطبراني من طريق المسعودي، وفيه عند ابن أبي شيبة على بن زيد بن جدعان ضعيف يروي عن سعيد بن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماع سعيد عن عمر رضي الله عنه.(9/59)
4- هُنَيّ مولى عمر رضي الله عنه، وهو الذي استعمله عمر رضي الله عنه على الحمى وقال له: اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة ...الخ(1).
5- مالك بن عياض وهو مالك الدار، أصله من جبلان من حمير، وكان خازناً لعمر(2).
روي أن عمر رضي الله عنه ضربه بالدرة، لأنه اشترى من أهل اليمن أشياء كان قد نهى الناس عن شرائها(3).
6- رافع مولى عمر بن الخطاب(4).
7- ذكوان مولى عمر بن الخطاب(5).
8- فرقد مولى عمر بن الخطاب(6).
9- فروخ مولى عمر بن الخطاب(7).
10- وسق الرومي أو أسبق الرومي، روي أنه قال: كنت مملوكاً لعمر بن الخطاب، وكنت نصرانياً، فكان يقول لي: يا وسق أسلم، فإنك لو أسلمت وليتك بعض أعمال المسلمين، فإنه لا يصلح أن يلي أمرهم من ليس على دينهم فأبيت عليه، فقال لي: لا إكراه في الدين، فلما حضر أعتقني(8).
__________
(1) البخاري/ الصحيح 2/180، الشافعي/ المسند ص381 وغيرهما.
(2) ابن سعد/ الطبقات 5/12. ابن حجر/ الإصابة 3/484، 485. من غير إسناد.
(3) رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/319 بإسناد رجاله ثقات، ولكنه منقطع بين سالم بن عبدالله بن عمر وجده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فالأثر ضعيف.
(4) ابن سعد/ الطبقات 5/299 من غير سند.
(5) ابن سعد/ الطبقات 1/71. ابن حجر/ الإصابة 1/491.
(6) البخاري/ التاريخ الكبير 7/130. ابن حجر/ الإصابة 3/213.
(7) ابن حجر/ الإصابة 3/213.
(8) رواه سعيد بن منصور/ السنن 3/962، ابن أبي شيبة/ المصنف 3/108، أبو نعيم/ حلية الأولياء 9/34، وفي أسانيدهم شريك بن عبدالله النخعي صدوق يخطىء كثيراً. تق 266. فالأثر ضعيف، ووسق ذكره ابن حجر في الإصابة 1/104 باسم أسبق، وذكره في الطبقة الثالثة الذين ثبتت عدم صحبتهم.(9/60)
11- سارية مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه(1).
وكان عمر رضي الله عنه حسن العشرة لين الجانب مع مواليه، معيناً لهم على فك رقابهم بالمكاتبة، فقد كاتب رضي الله عنه مولى له يكنى بأبي أمية على أقساط يدفعها على فترات متفاوتة، فجاء العبد بجزء من المال حين حل وقته إلى عمر رضي الله عنه، فأخذ عمر المال ودفعه إليه، وقال له: استعن به في مكاتبتك وهو يقرأ {وَءَاتُوهُمْ مِن مَالِ اللهِ الَّذِي آتاكم}(2).
ولما حضرته رضي الله عنه الوفاة أعتق جميع مملوكيه، وهذا من كمال إحسانه رضي الله عنه إلى هذه الفئة المستضعفة من المجتمع وعملاً بما حض عليه الدين من فك الرقاب.
__________
(1) ذكره ابن عبدالحكم/ فتوح مصر ص 133 وقال: إن معاوية بن أبي سفيان أقطع سارية مولى عمر بن الخطاب في الزقاق الذي يعرف بحيز الوز. ولم أجد له ذكر فيما سوى ذلك.
(2) سورة النور الآية (33).
رواه ابن سعد/ الطبقات 7/118،119، الحاكم/ الأسامي والكنى 1/356، البيهقي/ السنن الكبرى 10/329،330، وفي إسناده عند ابن سعد والحاكم فضالة بن أبي أمية، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 7/77، وابن حبان/ الثقات 5/566، وأبو أمية مولى عمر ذكره البخاري في التاريخ الكبير 7/125، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وابن حبان/ الثقات 5/566، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وسنده عند البيهقي فيه أحمد بن عبدالجبار، قال ابن حجر: ضعيف وسماعه للسيرة صحيح. تق 81، وقال ابن عدي: ولا يعرف له حديث منكر، وإنما ضعفوه لأنه لم يلق من يحدث عنهم، وقال الدراقطني: لا بأس به قد أثنى عليه أبو كريب، وكذبه مطين، وقال ابن عدي: رأيت أهل العراق مجمعين على ضعفه. ميزان الاعتدال 1/112، 113. وبقية رجاله ثقات سوى أبي شبيب فهو صدوق تق: 556. فالأثر يرتقي بطريقه لدرجة الحسن لغيره.(9/61)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا أول من دخل على عمر حين طعن فقال لي: يا بن عباس، إحفظ عني ثلاثاً، إني لم أستخلف على الناس خليفة ولم أقض في الكلالة قضاء، وكل مملوك لي عتيق(1).
إماؤه:
1- لُهية(2).
2- فكيهة(3).
3- أمة لعمر كان لها اسم من أسماء العجم، فسماها عمر رضي الله عنه جميلة فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر تسمية عمر لها(4).
هؤلاء اللاتي وقفت عليهن ممن ذكرن في إماء عمر رضي الله عنه وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى لأمهات أولاده من أمائه بأربعة آلاف(5).
ثانياً: حياته المعيشية.
1- منزله:
__________
(1) رواه الطيالسي/ المسند ص6، 7 ابن سعد/ الطبقات 3/353، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/140، صحيح من طريق ابن شبه. قال: حدّثنا أبو داود حدّثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، قال: خطبنا ابن عباس... الأثر.
(2) تقدم الكلام عليها عند ذكر زوجات عمر رضي الله عنه ص (235).
(3) تقدم الكلام عليها عند ذكر زوجات عمر رضي الله عنه ص (235).
(4) رواه ابن أبي عمر/ المسند/ البوصيري/ إتحاف الخيرة المهمرة، 5/52/أ، أبو نعيم/ حلية الأولياء 8/301، صحيح من طريق ابن أبي عمر. قال: ثنا بشر ابن السّريّ ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت عن أنس.
(5) رواه الدارمي/ السنن 2/423، وفي إسناده حميد الطويل وهو ثقة مدلس من الطبقة الثالثة، ولم يصرح بالسماع، والحسن البصري روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.(9/62)
كان منزل عمر رضي الله عنه بالمدينة بجوار منازل الأوس في منطقة العوالي، قال عمر رضي الله عنه: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة(1)، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك(2).
وقيل إن منزل عمر رضي الله عنه كان خطة وإقطاعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم(3)
__________
(1) قال ابن حجر رحمه الله: بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس. والعوالي: جمع عالية وهي قرى بقرب المدينة مما يلي المشرق، وكانت منازل الأوس واسم الجار المذكور (أوس بن خولي بن عبدالله بن الحارث ) فتح الباري 9/281. والعوالي اليوم حي من أحياء المدينة، تقع في الجهة الجنوبية الشرقية كما حدده عبدالقدوس الأنصاري. آثار المدينة ص 267.
(2) رواه البخاري/ الصحيح 1/28، 3/258، ابن سعد/ الطبقات 8/281.
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/272، وفي إسناده الواقدي وهو متروك.
وذكر السمهودي أن رحبة القضاء التي كانت في غرب المسجد النبوي كانت داراً لعمر رضي الله عنه، وأمر حفصة وعبدالله ابنيه أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه، فإن بلغ ثمنها دينه وإلا فليسألوا فيه بني عدي بن كعب حتى يقضوه، فباعوها من معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. فكانت تسمى دار القضاء، أي: دار قضاء الدّين. وفاء الوفاء 2/698. وانظر محمد إلياس/ بيوت الصحابة حول المسجد النبوي ص 135-137. وقد أرفقت في الخلف صورة توضيحية لمكان منزله رضي الله عنه.(9/63)
، وروي أن عمر رضي الله عنه سكن في مكة بدار الندوة في سنة من سني خلافته(1).
2- عمله بالتجارة.
لقد عمل عمر رضي الله عنه بالتجارة في الجاهلية كما تقدم، وكان رضي الله عنه يشتغل بها بعد إسلامه وأخبر عن ذلك رضي الله عنه بنفسه فقد استأذن عليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ثلاثاً، فلم يأذن له عمر رضي الله عنه لانشغاله، فرجع أبو موسى، ثم فتح عمر رضي الله عنه الباب، فلم يجد أبا موسى، فانطلق، فدعاه وسأله عن سبب رجوعه، وعدم انتظاره حتى يفتح له، فقال أبو موسى رضي الله عنه: كنا نؤمر بذلك، فقال عمر: تأتيني على ذلك بالبينة، فانطلق أبو موسى إلى مجلس الأنصار، وسألهم فقالوا: لا يشهد على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري، فقال عمر رضي الله عنه: أخفي علي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ألهاني الصفق بالأسواق، يعني الخروج في التجارة(2).
__________
(1) رواه الفاكهي/ أخبار مكة 3/310 من غير سند، وروي الشافعي/ الأم 2/195، والفاكهي/ أخبار مكة 3/311، والبيهقي/ السنن الكبرى 5/205، أن عمر رضي الله عنه قدم مكة، فدخل دار الندوة في يوم الجمعة، وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد، وفي إسناديهم طلحة بن أبي حفصة، نقل ابن حجر في تعجيل المنفعة أنه مجهول ثم قال: قلت ذكره ابن حبان في الثقات ص199. وانظره في ابن حبان/ الثقات 4/394، وبقية رجاله ثقات.
(2) رواه البخاري/ الصحيح 2/5، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 14/130-135.
قال ابن حجر رحمه الله: وكان احتياج عمر رضي الله عنه إلى الخروج للسوق من أجل الكسب لعياله، والتعفف عن الناس، فتح الباري 4/299.(9/64)
وعمل رضي الله عنه بالتجارة بعد توليه الخلافة: قالت عائشة رضي الله عنه: لما استخلف عمر أكل هو وأهله من المال، واحترف(1) في مال نفسه(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يبعث بتجارته إلى الشام وهو خليفة، وأنه جهز عيراً في تجارة له، وبعثها إلى الشام(3).
3- طعامه وشرابه .
كان عمر رضي الله عنه زاهداً في طعامه مكتفياً بالقليل والغليظ من الطعام الذي لا يصبر عليه الكثير من الناس.
__________
(1) الاحتراف: حَرَف الرجل لأهله واحْتَرَف كسب وطلب واحتال، وقيل الاحتراف: الاكتساب أياً كان. ابن منظور/لسان العرب 3/130.
(2) رواه ابن سعد/الطبقات 3/185، ابن زنجويه/ الأموال 2/597، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/260، وفي إسناده عند ابن سعد الواقدي، وفيه عند ابن زنجويه نعيم بن حماد صدوق يخطىء كثيراً، وبقية رجاله ثقات واسناده عند ابن شبه رجاله ثقات سوى إبراهيم بن المنذر الحزامي فهو صدوق. فالأثر حسن.
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/278، البلاذري/ أنساب الأشراف ص:180، 181، وإسناده رجاله ثقات، ولكنه معضل من رواية إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، وهذا مما يتساهل فيه، وقد جاء ما يؤيده من عمل عمر رضي الله عنه بالتجارة في الجاهلية. انظر ص: (119).(9/65)
قال عتبة بن فرقد رضي الله عنه(1) وهو يحكي غلظ طعام عمر: قدمت على عمر رضي الله عنه بسلال خبيص(2) عظام، ما ألوان أحسن وأجيد، فقال: ما هذه؟ قلت: طعام أتيتك به، لأنك رجل تقضي من حاجات الناس أول النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام، فتصيب منه، فقواك، فكشفت عن سلة منها، فقال: عزمت عليك يا عتبة إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين مثل السلة، فقلت: والذي يصلحك يا أمير المؤمنين لو أنفقت مال قيس كلها ما وسع ذلك. قال: فلا حاجة لي فيه، ثم دعا بقصعة(3) ثريد خبزاً خشناً ولحماً غليظاً، وهو يأكل معي أكلاً شهياً، فجعلت أهوى إلى البضعة البيضاء أحسبها سناماً فإذا هي عصبة، والبضعة من اللحم أمضغها فلا أسيغها، فإذا هو غفل عني جعلتها بين الخوان(4) والقصعة، ثم دعا بعس(5) من نبيذ قد كاد يكون خلاً، فقال: اشرب، فأخذته وما أكاد أسيغه، ثم أخذه فشرب، ثم قال: أتسمع يا عتبة، إنا ننحر كل يوم جزوراً، فأما ودكها وأطايبها، فلمن حضرنا من آفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر يأكل هذا اللحم الغليظ، ويشرب هذا النبيذ الشديد يقطعه في بطوننا أن يؤذينا(6).
__________
(1) عتبة بن فرقد بن يربوع السلمي أبو عبدالله.شهد خيبر. ولاه عمر الفتوح ففتح الموصل. انظر: ابن حجر/ الأصابة 2/455.
(2) خَبِيص: نوع من الحلوى يعمل من التمر والسمن، الفيروزآبادي/ القاموس المحيط 2/311.
(3) القَصْعَة: الإناء الضخمة التي تشبع العشرة، ابن منظور/ لسان العرب 11/193.
(4) الخِوَان: ما يوضع عليه الطعام عند الأكل. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/89.
(5) العُسْ: القدح الكبير. المصدر السابق 3/236.
(6) رواه هناد/ الزهد 2/364،365، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص252، ابن الجوزي/ المنتظم 4/253. صحح من طريق هناد. قال: حدّثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ثنا عتبة بن فرقد...(9/66)
ولما قدم رسول سلمة بن قيس الأشجعي(1) الذي بعثه سلمة بالبشارة بفتح بعض مدن فارس وبالغنائم إلى عمر وجد عمر رضي الله عنه يطعم الناس بالمدينة ويعاونه مولاه يرفأ، قال: فدخل عمر داراً ثم انتهى إلى حجرة من الدار، فدخلها، فقمت ملياً حتى ظننت أن أمير المؤمنين فد تمكن في مجلسه، فقلت: السلام عليك، فقال: وعليك، فدخلت، فإذا هو جالس على وسادة مرتفقاً(2) أخرى، فلما رآني نبذ(3) إلي الذي كان مرتفقاً، فجلست عليها، فإذا هي تغرزني(4)، فإذا حشوها ليف، فقال: يا جارية، أطعمينا، فجاءت بقصعة فيها فدر(5) من خبز يابس، فصب عليها زيتاً مافيه ملح ولا خل، فقال: أدن، فدنوت، فذهبت أتناول منها فدرة فلا والله إن استطعت أن أسيغها، فجعلت ألوكها مرة من ذا الجانب ومرة من ذا الجانب، فلم أقدر على أن أسيغها، وأكل أحسن الناس أكله...حتى رأيته يلطع(6) جوانب القصعة، ثم قال: يا جارية اسقينا، فجاءت بسويق سلت(7)، فقال: اعطه، فناولنيه فجعلت إذا أنا حركته ثارت له قشار(8)،وإن تركته تند، فلما رآني قد بشعت(9) ضحك، فقال: مالك؟
__________
(1) سلمة بن قيس الأشجعي رضي الله عنه له صحبة، يقال: نزل الكوفة وله رواية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ابن حجر/ الإصابة 2/67.
(2) مرتفقاً: متكأ على المرفقة، وأصله من المرفق، كأنه استعمل مرفقه واتكأ عليه. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/246.
(3) نَبذ: رمى. المصدر السابق 5/6.
(4) تَغْرُزني: غرزة بالإبرة نخسة بها، الفيروزآبادي/ القاموس المحيط 2/191.
(5) فَدِر: الفدْرة: القطعة من كل شيء، ابن منظور/ لسان العرب 10/202.
(6) يَلْطع: اللَّطعُ: لطعك الشيء بلسانك وهو اللحس، لطعت الشيء ألطعه لطعاً، إذا لعقته. ابن منظور/ لسان العرب 12/282.
(7) سُلْت: ضرب من الشعير، وقيل هو الشعير، وقيل هو الشعير الحامض. المصدر السابق 6/320.
(8) قشار: أي قشر. المصدر السابق 11/171.
(9) بشعت، البَشَعُ: تضايق الحلق بطعام خشن. المصدر السابق 1/416.(9/67)
أرنيه إن شئت فناولته، فشرب حتى وضع على جبهته هكذا، ثم قال: الحمدلله الذي أطعمنا، فأشبعنا وسقانا فأروانا، وجعلنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم(1).
وقال حفص بن أبي العاص(2) رضي الله عنه: كان عمر يغدينا بالخبز والزيت والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد(3)، وكان يقول: مالكم لا تأكلون؟!
__________
(1) رواه سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/179-185 صحيح.
قال: نا شهاب بن خراش بن حوشب عن الحجاج بن دينار عن منصور بن المعتمر، قال: حدّثني شقيق بن سلمة الأسدي عن الرسول الذي جرى بين عمر بن الخطاب وسلمة بن قيس الأشجعي.
وعدم تصريح شقيق بن سلمة وهو ثقة مخضرم من الثانية. تق 268، باسم الرسول الذي بعثه سلمة بن قيس إلى عمر بالبشارة والغنائم لا يضر لأنه لو لم يكن ثقة لما بعثه سلمة وهو صحابي جليل بالغنائم إلى عمر رضي الله عنه، ولا شك أن ذلك الرسول من كبار التابعين ولا يبعد أن يكون له إدراكاً أو يكون صحابياً. وقد صحح هذا الإسناد الحافظ ابن حجر في الإصابة 2/67.
(2) حفص بن أبي العاص بن بشر بن عبيد بن دهمان الثقفي أخو عثمان بن أبي العاص الصحابي المشهور، ذكره ابن سعد في الطبقات الصغرى فيمن نزل البصرة من الصحابة، وقال في الكبرى كتبناه مع إخوته عثمان والحكم، ولما يبلغنا أن له صحبة، قال ابن حجر رحمه الله قلت: تقدم غير مرة أنه لم يبق قبل حجة الوداع أحد من قريش ومن ثقيف إلا أسلم، وكلهم شهد حجة الوداع، وهذا القدر كاف في ثبوت صحبته، قال: وروى البلاذري بإسناد لا بأس به أن حفص بن أبي العاص كان يحضر طعام عمر. ابن حجر/ الإصابة 1/342.
(3) القَديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/22.(9/68)
فقلت: يا أمير المؤمنين، إنا نرجع إلى طعام ألين من طعامك، فقال: يابن أبي العاص، أما تراني عالماً أن أرجع إلى دقيق ينخل في خرقة، فيخرج كأنه كذا وكذا؟ أما تراني عالماً أن أعمد إلى عناق(1) سمينة، فيلقى عنها شعرها، فتخرج كأنها كذا وكذا؟ أما تراني عالماً أن أعمد إلى صاع أو صاعين من زبيب، فأجعله في سقاء وأصب عليه من الماء فيصبح كأنه دم الغزال ...والله لولا مخافة أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في لين عيشكم ولكني سمعت الله يذكر قوماً فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتكم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا}(2).
وروي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: مررت والناس يأكلون ثريداً ولحماً، فدعاني عمر إلى طعامه، فإذا هو يأكل خبزاً غليظاً وزيتاً، فقلت منعتني أن آكل مع الناس الثريد، ودعوتني إلى هذا؟! قال: إنما دعوتك لطعامي وذاك للمسلمين(3).
__________
(1) العَناق: الأنثى من ولد المعز مالم يتم له سنة. المصدر السابق 3/311.
(2) سورة الأحقاف الآية (20).
وراه ابن سعد/ الطبقات 3/280، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/261،262، البلاذري/ أنساب الأشراف ص186، أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/49، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص252،253،255، صحيح من طريقي ابن سعد وابن شبه. قال: ابن سعد: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن يونس عن حميد بن هلال أن حفص بن أبي العاص كان يحضر... الأثر. وقال ابن شبه: حدّثنا حبان بن هلال، قال: حدّثنا مبارك بن فضاله، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثني حفص بن أبي العاص...
(3) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/461، أحمد/ الزهد ص150، وفي إسناديهما سليمان بن مهران الأعمش وهو مدلس ولم يصرح بالسماع.
وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر ضعيف ولكن يشهد له ويقويه الأثر الذي قبله.(9/69)
وروي أن شريك بن نميلة الكوفي(1) قال:ضفت عمر ليلة، فأطعمني كسوراً من رأس بعير بارد وأطعمنا زيتاً(2).
وروي عن السائب بن الأقرع(3) أنه قال: دخلت على عمر رضي الله عنه، فإذا بين يديه جفنة(4) فيها خبز غليظ، وكسوراً من بعير أعجف، فقال لي: كل، فأكلت قليلاً ثم لم أستطع أن آكل، فقال: كل فليس بدرمك(5) العراق الذي تأكل أنت وأصحابك(6).
__________
(1) شريك بن نميلة الكوفي مقبول من الثانية. تق266.
(2) رواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/74 وفي إسناده الصعب بن حكيم بن شريك ابن نملة الكوفي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: لا يعرف. ميزان الاعتدال 2/315.
وفيه حكيم بن شريك، قال الذهبي: لا يكاد يعرف. المصدر السابق 1/586، وقال ابن حجر: مستور. تق 177. فالأثر ضعيف.
(3) السائب بن الأقرع بن عوف بن جابر الثقفي، قال البخاري: مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، واستعمله عمر على المدائن. ابن حجر/ الإصابة 2/8.
(4) الجفْنة: أعظم ما يكون من القصاع. ابن منظور/ لسان العرب 2/310. وقد تقدم التعريف بالقصعة في ص: 238.
(5) الدَرمك: الدقيق أو الخبز الحواري وهو الذي نخل مرة بعد مرة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/458،2/114.
(6) رواه سعيد بن منصور/ السنن 2/186،187، وفي سنده سويد بن عبدالعزيز السلمي، قال أحمد: متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حجر: ضعيف. ميزان الاعتدال 2/248. تق 260. فالأثر ضعيف.(9/70)
وكان عمر رضي الله عنه ربما أكل اللحم الغريض(1)، ولكن ذلك لم يكن من عادته رضي الله عنه، قال الأحنف بن قيس(2) رضي الله عنه: كنا نشهد طعام عمر فيوماً لحماً غريضاً، ويوماً قديداً، ويوماً زيتاً(3).
وكان عمر رضي الله عنه يأكل الدقيق الذي لم ينخل(4) سواء كان من القمح أو الشعير، قال أسلم مولى عمر رحمه الله: ما نخلت لعمر طعاماً قط إلا وأنا له عاصٍ(5).
وكان رضي الله عنه يكثر أكل التمر وكان يأكله بعد أن يزال عنه قشره، قال أسلم رحمه الله تعالى: كنت آتي عمر بالصاع(6) من التمر، فيقول: حت عني قشره(7)
__________
(1) الغريض: الطري. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 3/360.
(2) الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصن التميمي السعدي أبو بحر، اسمه الضحاك وقيل صخر، مخضرم ثقة. تق 96.
(3) رواه أحمد/ الزهد 142،143، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/260،261، صحيح عند ابن شبه. قال: حدّثنا معاذ بن معاذ، حدّثنا عون عن الحسن عن الأحنف.
(4) النخالة: قشر الحب. الفيومي/ المصباح المنير ص228. فمعنى ينخل أي: يزال عنه قشره.
(5) رواه عبدالله بن المبارك/ الزهد ص206، ابن سعد/ الطبقات 3/319، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/95، هناد/ الزهد 2/362، البلاذري/ أنساب الأشراف ص318.
صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو معاوية بن عن الأعمش عن شفيق عن يسار بن نمير، قال: ما نخلت... الأثر. وروي في أثر ضعيف أن عمر قال: لا ينخل لي دقيق، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل غير المنخول، رواه ابن سعد/ الطبقات 1/393،394، أحمد/ الزهد ص152،153، وفي إسناديهما عمرو بن عبدالله بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة مدلس، من الطبقة الثالثة، ولم يصرح بالسماع وروايته عن عمر منقطعة.
(6) الصاع: 2.172 كغم. محمد رواس قلعجي/ معجم لغة الفقهاء ص 270.
(7) حت عني قشره: أي أقشره. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/337.
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/99. صحيح. قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن حمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كنت... الأثر.(9/71)
.
وربما أكله بحشفه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أكل عمر صاعاً من تمر بحشفه(1).
ومن طعام عمر رضي الله عنه الذي كان يحبه الجراد، قال عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: رأيت عمر يتحلب فوه(2)، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما شأنك؟ قال: أشتهي جراداً مقلياً(3).
وسئل عن أكل الجراد فقال: وددت أن عندنا منه قفعة(4) نأكل منه(5).
وقال رضي الله عنه في الضب: لو كان عندي لطعمته(6).
وكان أحب الطعام إلى عمر الثفل(7)
__________
(1) الحَشَفُ: اليابس الفاسد من التمر، وقيل الضعيف الذي لا نوى له. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/391.
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/99، البلاذري/ أنساب الأشراف ص316، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 5/35،36. صحح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن طلحة عن أنس قال: رأيت عرم... الأثر.
(2) يتحلب فوه: يتهيأ رضابه للسيلان. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/423.
(3) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 5/144، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 315، الحارث بن أبي أسامة/ المسند/ بغية الباحث/ الهيثمي 1/481، صحح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا زكريا عن الشعبي عن ابن عمر قال: رأيت عمر... الأثر.
(4) القفعة: شيء شبيه بالزنبيل من الخوص ليس له عرى، وليس بالكبير، وقيل هو شيء كالقفة تتخذ واسعة من الأسفل ضيقة من الأعلى. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/91.
(5) رواه مالك/ الموطأ 2/111، ابن سعد/ الطبقات 3/318، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/144، البلاذري/ أنساب الأشراف ص315،316، البيهقي/ السنن الكبرى 9/258. صحح من طريق مالك. قال: عن عبد الله بن دنيار عن عبد الله بن عمر، قال: سئل عمر... الأثر.
(6) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 13/102،103.
(7) الثُفْل: الدقيق والسويق ونحوهما، وقيل هو الثريد. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/215.
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص317، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 5/96، وسنده عند البلاذري متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا عفان بن مسلم، حدّثنا حماد بن سلمة، حدّثنا حميد عن أنس، قال: كان... الأثر. فالأثر صحيح، وما فيه من عنعنة حميد الطويل وهومدلس من الثالثة، يحمل على الاتصال لأن الواسطة فيه معروفة وهي ثابت البناني أو قتادة بن دعامة وكلاهما ثقتان. انظر: العلائي/ جامع التحصيل ص168، وابن حجر/ تعريف أهل التقديس ص86.(9/72)
.
وروي عن عمر أنه اشتهى الحوت يوماً، فقال: لقد خطر على قلبي شهوة الطري من حيتان، فخرج يرفأ(1) في طلب الحوت لعمر رضي الله عنه، ورحل(2) راحلته، فسار ليلتين مدبراً، وليلتين مقبلاً، واشترى مكتلاً(3)، وجاء بالحوت، ثم غسل يرفأ الدابة، فنظر إليها عمر فرأى عرقاً تحت أذنها، فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله لا يذوقه عمر، عليك بمكتلك(4).
من آداب طعامه:
ومن آداب طعامه رضي الله عنه أنه كان لا يجمع بين لونين من الطعام، روي ذلك عنه في عدة نصوص تدل بمجموعها على ذلك.
__________
(1) يرفأ: حاجب عمر ومولاه. انظر ص (253).
(2) رَحَّل راحلته: شد عليها رحله وهو ما يعد للرحيل من وعاء للمتاع، ومركب للبعير وحلس ورسن. الفيومي/ المصباح المنير ص85.
(3) المِكْتَل: الزنبيل الكبير، قيل إنه يسع خمسة عشر صاعاً. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/150.
(4) رواه أحمد/ فضائل الصحابة 1/319،320، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص256،257، وفي إسناديهما عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف. تق 98. وبقية رجاله عند ابن عساكر ثقات.
قال: أخبرنا أبو سهل محمّد بن إبراهيم (سعدوية)، أنا أبو الفضل الرّازي (عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسن العجلي)، أنا جعفر بن عبد الله (الفناكي)، نا محمّد ابن هارون (الرّوياني)، نا يونس بن عبد الأعلى، نا عبد الله بن وهب، نا عبد الرّحمن بن زيد عن أبيه عن جدّه، قال: قال عمر... الأثر. فالأثر ضعيف.(9/73)
فقد جاء أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام، صنع له دِهقان(1) طعاماً، ولأصحابه، ثم جاء يدعوهم، فقال عمر للناس: من شاء منكم فليجبه، وقال له: ابعث إلي برغيفين ولون واحد من طعامك، ففعل، فأتاه الطعام وهو يمرن(2) بعيراً له ببعر وقطران، فدلك يده بالتراب ثم نفضها وأكل(3).
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان إذا أتي بألوان من الطعام خلطها جميعاً وجعلها لوناً واحداً(4).
__________
(1) الدِّهقان: رئيس القريه. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/145.
(2) يمرن: مَرَنَ البعير والناقة: دهن أسفل خفها بدهن. ابن منظور: لسان العرب 13/87.
(3) رواه أحمد/الزهد ص: 155. قال: حدّثنا جرير عن مغيرة عن مجاهد قال: لما قدم عمر فذكر الأثر. جرير بن عبد الحميد ثقة تق: 139. مغيرة بن مقسم ثقة متقن تق: 543. وهو مدلّس من الثالثة. ولم يصرّح بالسماع. مجاهد بن جبر ثقة من الثالثة تق: 520. روايته عن عمر منقطعة. هناد/ الزهد 2/360. قال: حدّثنا وكيع عن أبيه عن رجل عن أبي وائل. وكيع بن الجراح ثقة حافظ تق: 581. أبوه الجراح بن مليح قال الذهبي: كان فيه ضعف وعسر الحديث، وثقه ابن معين مرة وضعّفه أخرى. وقال الدارقطني: ليس بشيء كثير الوهم، قال النسائي وغيره: ليس به بأس. قال البرقاني: قلت للدارقطني يعتبر؟ قال: لا. وقال أبو داود: ثقة. ميزان الاعتدال 1/389. وأبو وائل شقيق ابن سلمة ثقة. قال العلائي: عدّ الحاكم أبا وائل ممن أدرك العشرة وسمع منهم. جامع التحصيل ص: 197. فالأثر حسن إن شاء الله.
(4) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/98، هناد/ الزهد 2/360 وفي إسناديهما إبهام بشيخ حبيب بن أبي ثابت حيث قال: عن بعض أصحابه، وفيه سليمان الأعمش، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع من حبيب بن أبي ثابت. فالأثر ضعيف.(9/74)
وروي أنه رضي الله عنه دخل على ابنته حفصة، فقدمت إليه مرقاً بارداً وخبزاً وصبت على المرق زيتاً، فقال عمر: أأدمان في إناء واحد، لا أذوقه حتى ألقى الله(1).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أتي بلحم فيه سمن، فأبى أن يأكله، وقال كل واحد منهما أدم(2).
ومن آداب طعامه المروية عنه رضي الله عنه أنه كان لا يعيب طعاماً قط، فقال غلامه يرفأ أو أسلم: لأجعلنه حتى يعيبه، فجعل لبناً حامضاً ثم قربه إليه، فأخذ عمر منه، فقطب(3)، ثم قال: ما أطيب هذا من رزق الله عز وجل(4).
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يأكل وهو جالس على الأرض تواضعاً لله عز وجل(5).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات3/319. قال: أخبرنا الوليد بن الأغر المكي أخبرنا عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم قال: دخل عمر فذكر الأثر. البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 318. من طريق الوليد به مثله.
وفي إسناديهما أبو الوليد بن الأغر ذكره ابن أبي حاتم في الجرح ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/9. وفيه عبد الحميد بن سليمان الخزاعي، قال ابن حجر: ضعيف تق: 333. وفيه أبو حازم سلمة بن دينار ثقة من الخامسة، روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/319، وفي إسناده سعيد بن محمد الثقفي، ضعيف تق 240. فالأثر ضعيف.
(3) قَطّب: أي قبض ما بين عينيه كما يفعله العبوس. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/79.
(4) رواه أحمد/ الزهد ص:353. قال: حدّثنا حفص بن غياث عن حنش بن الحارث، قال: كان عمر... الأثر. وفي سنده إعضال بين حنش بن الحارث وهو ثقة من السادسة. تق 183، وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(5) رواه الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 6/318، وفي إسناده إسحاق بن عيسى ابن أبي هند، صدوق يخطىء. تق 102،وهو معضل، من رواية الأعمش، وهو ثقة من الخامسة تق 254، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.(9/75)
وكان رضي الله عنه إذا أكل لعق أصابعه ومسح يديه مع بعضهما البعض ويقول هذه مناديل آل عمر.
قال ابن عمر رضي الله عنه: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يؤتى بخبزه ولحمه ولبنه، وزيته، وبقله،وخله، فيأكل ثم يمص أصابعه، ويقول هكذا فيمسح يديه بيديه ويقول: هذه مناديل آل عمر(1).
وربما مسح عمر رضي الله عنه يديه بعد أكله بقدميه، قال السائب بن يزيد(2) رضي الله عنه: ربما تعشيت عند عمر بن الخطاب فيأكل الخبز واللحم ثم يمسح يده على قدمه، ثم يقول: هذا منديل عمر وآل عمر(3).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/97، وإسناده متصل رجاله ثقات وفيه الربيع بن قزيع، قال عنه أبو حاتم: شيخ، وقال يحيى بن معين: ثقة. الجرح والتعديل 3/467. فالأثر صحيح.
(2) السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي. له ولأبيه صحبة. قال مصعب الزبيري: استعمله عمر على سوق المدينة ابن حجر/ الإصابة 2/12، 13.
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/318، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، قال ابن حجر: صدوق يحدث من كتب غيره فيخطئ تق 358، وقيد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله خطأه فيما إذا روى عن عبيد الله بن عمر العمري، وهو ثقة فإن الصواب أنه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، فكان يقلب السند، فيجعل حديث عبد الله بن عمر لعبيد الله بن عمر. وقال النسائي: ليس به بأس، وحديثه عن عبيدالله بن عمر منكر. المزي/ تهذيب الكمال 18/193،194، وهو هنا لا يروي عن العمري وإنما يروى عن محمّد بن يوسف عن السائب بن يزيد، فالأثر حسن، وحسن الشيخ الألباني حديث الدراوردي وقال فيه كلام يسير، السلسلة الصحيحة 3/172.
وجاء في رواية ضعيفة عند ابن سعد/ الطبقات 3/318، أن عمر كان إذا أكل مسح يديه بنعليه وفي إسنادها عاصم بن عبيدالله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو ضعيف. تق 285.(9/76)
ولعل ذلك كان من عمر رضي الله عنه عند فقد الماء أو المناديل، وربما كان الطعام الذي يأكله ليس له زفر أو غمر كما نص على ذلك أهل العلم(1).
أما شرابه رضي الله عنه:
فمن الأشربة التي كان عمر رضي الله عنه يحبها النبيذ(2) بل كان من أحب الشراب إليه(3).
مر عمر رضي الله عنه ومعه مولاه أسلم على عبد الله بن عياش المخزومي(4) بطريق مكة فرأى أسلم عند عبد الله نبيذاً فقال له: إن هذا الشراب يحبه عمر رضي الله عنه، فحمل عبد الله بن عياش قدحاً عظيماً، فجاء به إلى عمر فوضعه في يده، فقربه عمر إلى فيه، ثم رفع رأسه فقال: من صنع هذا؟ فقال عبد الله: نحن صنعناه، فقال عمر: إن هذا لطيب، فشرب منه ثم ناوله رجلاً عن يمينه(5).
وكان عمر يشرب النبيذ بعدما يتخلل(6).
__________
(1) انظر: ابن حجر/ فتح الباري 9/577ـ580.
(2) النَبِيذ: هو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب، والعسل، والحنظة والشعير، وغير ذلك، يقال: نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، وسواء كان مسكراً أو غير مسكر فإنه يقال له نبيذ. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 5/706.
(3) تقدم الكلام على هذا الأثر في ص: 273 أنّه صحيح، ونص الأثر: كان أحب الطعام إلى عمر الثفل وأحب الشراب إليه النبيذ.
(4) عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي رضي الله عنه، كان أبوه قديم الإسلام فهاجر إلى الحبشة، فولد له هذا بها، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وغيره. ابن حجر/ الإصابة 2/356.
(5) رواه مالك/ الموطأ 2/64،65، الفاكهي/ أخبار مكة 2/262، صحيح من طريق مالك. قال: عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أن أسلم مولى عمر أخبره أنه زار... الأثر.
(6) تخلل: أي صار حامضاً، ابن منظور/ لسان العرب 4/198.
رواه يحيى بن معين/ التاريخ/ رواية الدوري 1/280، النسائي/ السنن 8/326، ومداره على عبدالصمد بن عبدالوارث وهو صدوق. وبقية رجاله عند النسائي ثقات. فالأثر حسن.(9/77)
وروي أن عمر رضي الله عنه قدمت إليه إداوة(1) فيها نبيذ، فقبض وجهه عنها لأنها قد تخللت(2) والأثر السابق هو الثابت.
وجاء عنه أنه قال: لأن أشرب من قمقم(3) أحرق ما أحرق، أبقى ما أبقى أحب إلي من أن أشرب نبيذ الجر(4).
__________
(1) الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة ونحوها. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/33.
(2) رواه ابن أبي الدنيا/ ذم المسكر ص 65، البيهقي/ السنن الكبرى 8/306، وفي إسناديهما أسامة بن زيد بن أسلم، ضعيف تق 98، ونافع مولى ابن عمر روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(3) القُمْقُم: هو ما يسخن فيه الماء، من نحاس وغيره، ويكون ضيق الرأس. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/110.
(4) رواه أحمد/ الأشربة ص 88،89، ابن أبي الدنيا/ ذم المسكر ص64، وإسناده عند أحمد رجاله ثقات سوى عبدالله بن أبي تميم الراوي عن عمر بن الخطاب لم أجد له ترجمة. ولفظه: "لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إليّ من أن أشرب نبيذ الجر". وفيه عند ابن أبي الدنيا علي بن زيد بن جدعان ضعيف. تق 401، ويوسف بن مهران قال ابن حجر: لين الحديث. تق 612، ووثقه أبو زرعة وابن سعد، وقال أحمد: لا يعرف. المزي/ تهذيب الكمال 32/463، وبقية رجاله ثقات.
قال ابن الأثير رحمه الله: وفي حديث الأشربه أنه نهى عن نبيذ الجر جمع جرة، وهو الإناء المعروف من الفخار، وأراد بالنهي عن الجرار المدهونة لأنها أسرع في الشدة والتخمير. النهاية في غريب الحديث 1/260، وقال ابن حجر: وذلك أن الجرار تسرع التغيير لما ينبذ فيها، فقد يتغير من قبل أن يشعر به. فتح الباري 10/61.(9/78)
وروي أنه كان ينبذ له عشية فيشربه بالغداة(1).
وأنه نبذ له يوماً فتأخر عليه فوجده قد اشتد فدعا بجفان(2) فصبه ثم صب عليه الماء(3).
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يشرب النبيذ بعدما يتردى غليه(4).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 6/153، ابن أبي الدنيا/ ذم المسكر ص65، الدارقطني/ السنن 4/259، البيهقي/ السنن الكبرى 8/301،302، وفي إسناده عند ابن سعد جابر بن يزيد الجعفي، ضعيف رافضي. تق 137، وفيه سعيد بن ذي لعوة قال الذهبي: ضعفه يحيى وأبو حاتم وجماعة وفيه جهالة. ميزان الاعتدال 2/134، وله شاهد عند ابن أبي الدنيا، وفيه عبد الله بن عمر العمري ضعيف. تق 314، ورواه بقية من رواه من طريق ابن أبي الدنيا. فالأثر ضيعف.
وما ورد في هذا الأثر من أن النبيذ الذي كان عمر يشربه ينبذ له بالليل ويشربه في أول النهار يدل هذا على أن النبيذ لم يكن يترك حتى يتخمر لأن هذه المدة القصيرة غير كافية للتخمير، قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: والنبيذ مباح ما لم يغل أو تأتي عليه ثلاثة أيام، المغني 10/336،337، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في سقاء من ليلة الإثنين فيشربه يوم الإثنين والثلاثاء إلى العصر. رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 13/173،174.
(2) جفان: جمع جفنة وهي كالقصعة. الرازي/ مختار الصحاح ص 45.
(3) رواه الدارقطني/ السنن 4/260، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان ضعيف. تق 401. فالأثر ضعيف.
(4) رواه يحيى بن معين/ التاريخ/ رواية الدوري 1/280، وإسناده رجاله ثقات وفيه عمرو بن عبدالله بن أبي إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع من عمرو بن ميمون. فالأثر ضعيف.
ولعل المراد بتردي الغليان هو سكونه وهدؤه، وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أن قول أكثر السلف أن النبيذ يشرب ما لم يتغير وعلامة التغير أن يأخذ في الغليان وبهذا قال أبو يوسف، وقيل إذا انتهى غليانه وابتدأ في الهدوء بعد الغليان، وقيل إذا سكن غليانه. فتح الباري 10/64.(9/79)
ولم يثبت أن عمر رضي الله عنه شرب من إداوة نصراني بالشام نبيذاً بعد أن شمه فوجده منكر الريح وصب عليه الماء ثلاثاً(1).
وتبين مما تقدم أن عمر رضي الله عنه كان يشرب النبيذ وكان يحبه وكان النبيذ يصنع له ويترك حتى يتخلل ويصير حامضاً، ولم يشرب عمر رضي الله عنه النبيذ الذي تخمر كما دلت على ذلك النصوص المتقدمة وحاشاه رضي الله عنه من ذلك.
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: إنا لنشرب من النبيذ نبيذاً يقطع لحوم الإبل في بطوننا أن يؤذينا(2).
وكان عمر رضي الله عنه زاهداً في شرابه، فقد استسقى يوماً، فأتى بإناء من عسل فوضعه على كفه، وجعل يقول: أشربها، فتذهب حلاوتها، وتبقى نقمتها، قالها ثلاثاً، ثم رفعه إلى رجل من القوم فشربه(3)
__________
(1) رواه الحاكم/ المستدرك 3/82،83، وفي إسناده مسلم بن كيسان أبو عبدالله الضبي الملائي الأعور، قال ابن حجر: ضعيف. تق 531، وقال الفلاس والنسائي: متروك، وقال أحمد: لا يكتب حديثه. ميزان الاعتدال 4/106. فالأثر ضعيف جداً.
(2) رواه ابن أبي خيثمة/ التاريخ ص185، الدارقطني/ السنن 4/260، البيهقي/ السنن الكبرى 8/299، ومداره على أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع. فالأثر ضعيف.
(3) رواه عبد الله بن المبارك/ الزهد ص219. قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت أن عمر فذكر الخبر. سليمان بن المغيرة ثقة تق: 254. ثابت بن أسلم ثقة عابد من الرابعة تق: 132. مات سنة بضع وعشرين ومائة وله ست وثمانون سنة.
أحمد/الزهد ص:149. حدّثنا سيار حدّثنا جعفر حدّثنا حوشب عن الحسن. سيار بن حاتم العنزي البصري قال الذهبي: صالح الحديث وثقه ابن حبان وقال عبيد الله القواريري: لم يكن له عقل كان معي في الدكان. قيل للقواريري أتتهمه؟ قال: لا. قال الحاكم: كان سيارٌ عابد عصره، وقد أكثر عنه أحمد بن حنبل. وقال الأزدي عنده مناكير. قال الذهبي قلت: هو راوية جعفر ابن سليمان. ميزان الاعتدال 2/254. جعفر بن سليمان الضبعي صدوق، تق: 140. حوشب بن سلم الثقفي صدوق تق: 184. كان من كبار أصحاب الحسن. تهذيب الكمال 7/464. والحسن البصري ثقة من الثالثة. روايته عن عمر منقطعة.
ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/19، 20. قال: حدّثنا موسى بن مروان، قال: حدّثنا المعافى بن عمران عن أسامة بن زيد قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن ابن زرارة عن مشيخته. موسى بن مروان مقبول تق: 553. المعافى بن عمران الأسدي ثقة عابد تق: 537. أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم. تق: 38. محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة ثقة من السادسة. تق: 492.
ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 251. من طريق ابن المبارك المتقدم بألفاظ مختلفة. وإسناده عند ابن المبارك رجاله ثقات. ولكنه منقطع من رواية ثابت البناني، وهو ثقة من الرابعة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإسناده عند أحمد رجاله ما بين ثقة وصدوق. وهو منقطع من رواية الحسن البصري، عن عمر رضي الله عنه، وإسناده عند ابن شبه فيه موسى بن مروان، قال الذهبي: صدوق. الكاشف 2/308، و قال ابن حجر: مقبول تق 553، وفيه إبهام بشيوخ محمّد بن عبدالرحمن بن زرارة حيث قال عن مشيختهم، فالأثر يرتقي بطريقيه الأوليين لدرجة الحسن لغيره.(9/80)
.
جاء في رواية أنّ قرابة عمر رضي الله عنه وأصحابه يشفقون عليه من شدته على نفسه في مطعمه ومشربه، فربما كلموه في ذلك ونصحوه بأن يرفق بنفسه ويأكل من الطعام ويشرب من الشراب ما يتقوى به.
قال له يوماً ابنه عبد الله وابنته حفصة وعبد الله بن مطيع(1) رضي الله عنهم: لو أكلت طعاماً أطيب كان أقوى لك على الحق،فقال: أكلكم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم، قال: قد علمت أنه ليس منكم إلا ناصح، ولكني تركت صاحبيَّ على جادة، فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل(2)
__________
(1) عبدالله بن مطيع بن الأسود له رؤية، وكان رأس قريش يوم الحرة. تق 324.
(2) رواه البيهقي/ السنن الكبرى 9/42، شعب الإيمان/ زغلول 5/35، 159.
قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل بن محمّد الصفار ثنا أحمد ابن منصور ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ابن طاووس عن عكرمة بن خالد أن حفصة. وهذا السند رجاله ثقات ولكن رواية عكرمة بن خالد عن عمر رضي الله عنه منقطعة. فهو ثقة من الثالثة.
وجاء في رواية أخرى أن حفصة بنت عمر رضي الله عنه قالت لعمر رضي الله عنه: يا أبت إنه قد وسع الله الرزق، وفتح عليك الأرض وأكثر من الخير فلو طعمت طعاماً ألين من طعامك، ولبست ألين من لباسك. فقال: سأخاصمك إلى نفسك أما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش؟ فما زال يذكرها حتى أبكاها. ثم قال: إني قد قلت لك إني والله لئن استطعت لأشاركنهما في عيشهما الشديد لعلي ألقى معهما عيشهما الرضي.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/277. قال: أخبرنا يزيد بن هارون أبو أسامة حماد بن أسامة قالا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد، قال: قالت حفصة. وهذا السند رجاله ثقات لكنه منقطعة من رواية مصعب بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة من الثالثة عن حفصة، ولم تذكر له رواية عنها. وروى الخبر من سائر من رواه من طريق مصعب بن سعد عن حفصة وهم: إسحاق بن راهوية/ المطالب العالمية/ ل: 490/ ب، أحمد/ الزهد ص: 154. هناد/ الزهد 2/360، 361، عند ابن حميد/ المنتخب ص: 38، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/17، 18، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 179، الحاكم/ المستدرك 1/123، 124، أبو نعيم/ الحلية 1/48، البيهقي/ السنن الكبرى 5/159.
وفي رواية ثالثة أن ناساً أو المسلمين كلموا حصفة أن تكلم أباها أن يلين من عيشة شيئاً أو أن يأخذ من فيء المسلمين ما شاء وهو في حل من المسلمين فدخلت حفصة على عمر فأخبرته، فقال عمر: غششت أباك، ونصحت لقومك.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/278، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 180، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 247. ومداره على الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. ورجاله عند ابن سعد ما بين ثقة وصدوق.
قال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل أخبرنا حماد بن زيد عن غالب يعني: القطان عن الحسن. وهذا السند رجاله ثقات سوى غالب القطان فهو صدوق.
فهذه الطرق تثبت أصلاً لخبر تكليم حفصة لعمر رضي الله عنه أن يلين من عيشة وأن عمر رضي الله عنه رفض ذلك ولامها على قولها وذكرها بحال النبيّ صلى الله عليه وسلم.(9/81)
.
4- لباسه.
كان عمر رضي الله عنه في لباسه مثلاً عالياً في الزهد والبعد عن الإسراف والمفاخرة مع حرصه على التنظف والتطيب في ملبسه، فقد كان رضي الله عنه يلبس القميص وربما انخرق فرقعه، قال أسلم مولاه: لما نزل عمر رضي الله عنه بالشام جاءه صاحب الارض، فأعطاه عمر قميصه ليغسله، ويرفوه(1)، وفي عاتقه خرق، فانطلق به فغسله ثم رقعه، وقطع قميصاً جديداً، فأتاه به، وأعطاه الجديد، فرآه عمر ثم رده، قال: إيتيني بقميصي(2).
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين وقد رقع بين كتفيه ثلاث رقاع لبد(3) بعضها فوق بعض(4).
__________
(1) يرفوه: رفأ الثوب: أصلحه. الرازي/ مختار الصحاح ص104.
(2) رواه عبدالله بن المبارك/ الزهد ص208، ابن سعد/ الطبقات 3/329،330، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/11، أحمد/ الزهد ص147، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/48، البلاذري/ أنساب الأشراف ص332،280، وسنده عند ابن شبه متصل ورجاله ثقات سوى هشام ابن سعد المدني فهو صدوق له أوهام يروي عن زيد بن أسلم، وهو من أثبت الناس فيه، فالأثر حسن، وفي رواية ابن المبارك وأحمد والبلاذري أن عمر رضي الله عنه لمس القميص الجديد، فوجده ليناً فرده، وقال: لا حاجة لي فيه هذا - أي قميصه - أنشف للعرق، وسنده عند ابن المبارك رجاله ثقات، ومداره عندهم على عروة بن الزبير يرويه عن صاحب أذرعات: أن عمر قدم عليهم...ولم أقف على اسم صاحب أذرعات، وهل أدركه عروة أم لا.
(3) لبد: الرقعة، يقال: لَبَدْتُ القميص ألْبُدُه وَلَبَّدته، ويقال للخرقة التي يرقع بها صدر القميص اللبْدَة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/224.
(4) رواه مالك/ الموطأ 2/91، ابن سعد/ الطبقات 3/327، البلاذري/ أنساب الأشراف ص329، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/223، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 5/158، صحيح من طريق مالك. قال: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: قال أنس بن مالك... الأثر.(9/82)
وقال رضي الله عنه: لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميص له(1).
وروي عنه رضي الله عنه أنه لبس قميصاً طويل الكمين، فقطع ما زاد على أصابع يديه(2).
وروي أنه أبطأ يوم الجمعة، فخرج وعليه قميص ثمنه أربعة دراهم لا يجاوز كمه رسغه(3).
ولبس رضي الله عنه الإزار(4) وربما انخرق فرقعه.
__________
(1) رواه ابن المبارك/ الزهد ص208، ابن سعد/ الطبقات 3/327، البلاذري/ أنساب الأشراف ص329، ابن أبي الدنيا/ التواضع ص173،174، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص258، صحيح من رواية ابن سعد. قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس.
(2) رواه أبو نعيم/حلية الأولياء 1/45، وفي إسناده المقدام بن داود، قال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن يونس: تكلموا فيه. ميزان الاعتدال 4/174، وفيه يحيى بن المتوكل ضعفه ابن المديني والنسائي، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أحمد: واهٍ. المصدر السابق 4/404، فالأثر ضعيف.
(3) الرُّسْغ: مفصل ما بين الكف والساعد. الفيومي/ المصباح المنير ص86.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/329، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/21، ومداره على عبدالعزيز بن أبي جميلة الأنصاري، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 5/379، وذكره ابن حبان في الثقات 5/124، وبقيه رجاله عند ابن سعد ثقات.
(4) الإزار: ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن. مجموعة من العلماء/ المعجم الوسيط 1/16.(9/83)
قال عبيد بن عمير رضي الله عنه(1): رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمار عليه إزار مرقع عند مقعدته(2).
وقال أبو عثمان النهدي رضي الله عنه(3):رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة إحداهن بأديم أحمر(4).
__________
(1) عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مجمع على ثقته. تق 377.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/328، أحمد/ الزهد ص151، هناد/ الزهد 2/367، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/21، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 330. صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي، قال: أخبرنا أبو عوانة عن بشر عن عطاء عن عبيد بن عمير، قال: رأيت عمر... الأثر.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 178.
(4) رواه عبدالله بن المبارك/ الزهد ص343، من زيادات حسين المروزي عليه، ابن سعد/ الطبقات 3/328، أحمد/ الزهد ص153،154، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/20، البلاذري/ أنساب الأشراف ص330، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 259، وسنده عند ابن سعد والبلاذري متصل ورجاله ثقات، إلا أن فيه سعيد الجريري، ثقة اختلط ولم يظهر لي هل سماع مهدي بن ميمون الراوي عنه قبل اختلاطه أم بعده ، فإن كان قبله فالسند صحيح.
وإسناده عند ابن المبارك رجاله ثقات، إلا أنه منقطع لأن الحسن البصري روايته عن عمر منقطعة، ورواه أبو نعيم وابن عساكر من طريق الحسن البصري، وفي سنده عن ابن شبه يوسف بن عطية الباهلي وهو متروك. تق 611، والأثر بطريقيه الأوليين يرتقي لدرجة الحسن، وإن كان سماع مهدي ابن ميمون عن الجريري قبل الاختلاط. فالأثر صحيح.(9/84)
وروي أنه لبس إزاراً فيه ثلاثة عشر رقعة(1)،وقيل إن إزاره كان فيه أربعة عشر رقعة(2)، وقيل كان فيه إحدى وعشرين رقعة(3).
وكان عمر رضي الله عنه يلبس الثوب، ولعل ذلك كان في الجمع والأعياد غالباً، قال زر بن حبيش رحمه الله(4):خرج عمر بن الخطاب في يوم فطر أو في أضحى في ثوب قطن متلبباً(5) به يمشي(6).
__________
(1) رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/20،21، وفي سنده العوام بن جويرة، قال ابن حبان: كان يروي الموضوعات، روى عنه أبو معاوية، ولم يكن ممن يعتمد. ميزان الاعتدال 3/303. فالأثر ضعيف جداً.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/330، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 178، 179، 332، ابن أبي الدنيا/ التواضع ص172،173، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 259، وفي سنده عند ابن سعد الواقدي وهو متروك، ومداره عند بقية من رواه على سليمان الأعمش وهو مدلس لم يصرح بالسماع وبقية رجاله عند البلاذري وابن أبي الدنيا ثقات. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص259، وفي إسناده مختار بن نافع التميمي، قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال البخاري والنسائي وأبو حاتم: منكر الحديث. المزي/ تهذيب الكمال 27،322،323. فالأثر ضعيف.
(4) زرّ بن حُبيش بن حُباشة الأسدي الكوفي أبو مريم، ثقة جليل مخضرم. تق 215.
(5) مُتلبباً يقال: لببه وأخذ بتلبيبه وتلابيبه، إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره ثم جررته. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث والأثر 1/193.
(6) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 1/486، ابن المنذر/ الأوسط 4/263، ورجاله عند ابن أبي شيبة ثقات سوى عاصم بن بهدلة، فهو صدوق له أوهام، ورواه ابن المنذر من طريق ابن أبي شيبة. فالأثر حسن.(9/85)
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه أبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل ولم يكن لي ثوب غيره(1).
ولبس عمر رضي الله عنه ثوب القطن كما تقدم في الأثر السابق ولم يلبس رضي الله عنه ثياب الخز(2) تورعاً منه وزهداً، قال عامر بن عبيدة الباهلي(3): سألت أنساً(4) عن الخز، فقال: وددت أن الله لم يخلقه وما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد لبسه ما خلا عمر وابن عمر(5)
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/329، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/297، أحمد/ الزهد ص154، البلاذري/ أنساب الأشراف ص331، وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات، إلا أن رواية بديل بن ميسرة البصري، وهو ثقة من الخامسة. تق 120 عن عمر بن الخطاب معضلة، وسنده عند أحمد رجاله ثقات، إلا أن رواية قتادة بن دعامة وهو ثقة من الرابعة تق 453، عن عمر منقطعة، ورواه البلاذري من طريقين الأولى من طريق ابن سعد المتقدم، والثانية رجالها ثقات إلا عبدالعزيز بن أبي جميلة الأنصاري، فقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 5/379، وذكره ابن حبان في الثقات 5/124، وهذه الطرق تدل على أن للخبر أصلاً.
(2) الخَزّ: ثياب تنسج من صوف وإبريسم. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/28، والإبريسم هو الحرير. المنجد ص1.
(3) عامر بن عبيدة الباهلي البصري القاضي بها، ثقة من الرابعة. تق 228.
(4) هو ابن مالك الصحابي الجليل رضي الله عنه.
(5) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/330، البلاذري/ أنساب الأشراف ص332، 333 صحيح من رواية ابن سعد. قال: أخبرنا سليمان بن دواد الطيالسي، قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرني عامر بن عبيدة الباهلي.
قال ابن حجر رحمه الله: وهو (أي تحريم لبس الثوب الذي خالطه الحرير) قول بعض الصحابة كابن عمر والتابعين كابن سيرين، وذهب الجمهور إلى جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير الأغلب، قال: وقد ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة وغيرهم، قال أبو داود: لبسه عشرون نفساً من الصحابة وأكثر، وأورده ابن أبي شيبة عن جمع منهم وعن طائفة من التابعين بأسانيد جياد. قال: والأصح في تفسير الخز أنه ثياب سداها حرير ولحمتها من غيره، وقيل: تنسج مخلوطة من حرير وصوف أو نحوه، وقيل: أصله اسم دابة يقال لها الخز سمي الثوب المتخذ من وبره خزاً لنعومته، ثم أطلق على ما يخلط بالحرير لنعومة الحرير، وعلى هذا فلا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لبس ما يخالطه الحرير ما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه السلف كان من المخلوط بالحرير، والله أعلم. فتح الباري 10/294،295.(9/86)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يلبس العمامة ويرخي طرفها خلفه(1).
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يلبس النعل، وكان لنعله قبالان(2).
وكلم بعض أصحاب عمر عمر أن يلبس ثياباً لينة رقيقة تتناسب مع منزلته وكونه خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، ولكنه أبى ذلك، ولامهم على كلامهم ذلك.
__________
(1) رواه البيهقي/ السنن الكبرى 3/281، وسنده رجاله ثقات سوى إسماعيل بن عياش الحمصي فهو صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم، وهو هنا يروي عن محمد بن يوسف بن أخت النمر المدني. فالأثر ضعيف، وهو مما يتساهل فيه.
(2) القِبال: زمام النعل، وهو السير الذي يكون بين الأصبعين. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/8.
رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 5/176، الطبراني/ مجمع البحرين 7/157، وسنده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكن فيه انقطاع بين محمد بن سيرين وهو ثقة من الثالثة. تق 483، وبين عمر بن الخطاب ومراسيل ابن سيرين أثنى عليها العلماء.
وفي إسناده عند الطبراني شيخه إبراهيم بن إسحاق لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق. وسنده متصل عن أبي هريرة عن عمر...(9/87)
فقد قدم الربيع بن زياد الحارثي(1) على عمر رضي الله عنه، فأعجبت عمر هيئة الربيع وشكا عمر رضي الله عنه طعاماً غليظاً أكله، فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين لأنت، فرفع عمر جريدة معه، فضرب بها رأسه وقال: أما والله ما أراك أردت بها الله، وما أردت إلا مقاربتي إن كنت لأحسب أن فيك(2).
وروي أن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت لعمر رضي الله عنهما: لو لبست ألين من ثوبك هذا، وأكلت أطيب من طعامك هذا، قد فتح الله عليك، وأوسع عليك الرزق، قال: أخاصمك إلى نفسك، أما تعلمين ما كان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة العيش، وجعل يذكرها شيئاً مما كا يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبكاها، ثم قال: إنه كان لي صاحبان سلكا طريقاً، فإني إن سلكت غير طريقهما، سُلك بي غير طريقهما، فإني والله لأشاركهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك معهما عيشهما الرضي(3).
5- تجمله وتنظفه
__________
(1) الربيع بن زياد بن الربيع الحارثي له صحبة، ولا أقف له على رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، استخلفه أبو موسى سنة سبع عشرة على قتال مناذر فافتتحها عنوة، وقتل وسبى. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/68.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/280،281، إسحاق بن راهويه/ المسند/ البوصيري/ إتحاف الخيرة المهرة ق 41/ب، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/262، البلاذري/ أنساب الأشراف ص186،187، صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن الرّبيع بن زياد الحارثيّ.
(3) تقدم تخريجه في ص: 286.(9/88)
لقد كان عمر رضي الله عنه زاهداً في طعامه وشرابه ولباسه ولكنه رضي الله عنه كان يتنظف ويتطهر ويتجمل بالذي أباح الله عز وجل، فكان رضي الله عنه يغتسل ويستحم ويسخن له الماء للاستحمام في قمقم(1) له(2).
وروي أنه رضي الله عنه كان يكره الحمام(3) ولعل ذلك لما قد يحصل فيه من التكشف وزيادة التنعم والإسراف في ذلك(4).
ومن تجمله رضي الله عنه أنه كان يخضب رأسه ولحيته بالحناء(5)، وربما خضب بالحناء والكتم(6).
__________
(1) تقدم التعريف به في ص: 281.
(2) رواه عبدالرزاق/ المصنف 1/174،175، أبو عبيد/ الطهور ص192، 193، ابن أبي شيبة/ المصنف 1/31، ابن المنذر/ الأوسط 1/251، الدارقطني/ السنن 1/37، البيهقي/ السنن الكبرى 1/6 صحيح من طريق عبدالرزاق. قال: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر... الأثر.
(3) الحمام: واحد الحمامات، مكان الاغتسال بالماء الحار، قد يكون عاماً يدخله من شاء من الناس، وقد يكون خاصاً في البيت لا يدخله أحد إلا أهل البيت، وعند الإطلاق يراد به الحمام العام. رواس قلعجي/ معجم لغة الفقهاء ص186.
(4) رواه مسدد/ المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/84أ، الخرائطي/ مساوئ الأخلاق ص369، وفي سنده عند مسدد عبد الرحمن بن أبي رواد لم أجد له ترجمة وفيه انقطاع فهو من رواية محمد بن سيرين، وهو ثقة من الثالثة عن عمر رضي الله عنه، وسنده عند الخرائطي رجاله ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع أيضاً من رواية نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة من الثالثة عن عمر رضي الله عنه.
(5) رواه مسلم/ الصحيح 15/94ـ96، ابن سعد/ الطبقات 3/189،190، أحمد/ المسند 3/100، وغيرهم.
(6) الكَتَمُ: نبات يخلط مع الوسمة للخضاب الأسود. ابن منظور/ لسان العرب 12/31.
رواه أحمد/ المسند 3/160 صحيح. قال: ثنا محمّد بن مسلمة الحراني عن هشام عن محمّد بن سيرين، قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب... الأثر.(9/89)
وجاء في رواية أنه رضي الله عنه كان لا يغير شيبه(1)، ولعل ذلك كان في أولاً ثم خضب رضي الله عنه.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه خضب بالزعفران(2)، ولم يثبت ذلك عنه، ومن تجمله رضي الله عنه تختمه، فقد لبس خاتم النبي صلى الله عليه وسلم وكان من فضة نقشه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم(3).
__________
(1) رواه إسحاق بن راهويه/ المسند/ المطالب العاليه لابن حجر ص475/ب، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/101، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/210، المقدسي/ المختارة 1/234، 235.
ومداره عند إسحاق وابن أبي عاصم وأبي نعيم على سويد بن عبد العزيز الدمشقي. قال البخاري: في بعض حديثه نظر. وقال أحمد: ضعّفوه. وقال مرة: متروك. وقال ابن عدي: يقرب من الثقات. وقال الذهبي: قلت ولا كرامة بل هو واه جداً. وقال النسائي: ليس بثقة. ميزان الاعتدال 2/251، وقال ابن حجر: ضعيف. تق: 260.
وفي سنده عند المقدسي شيخه محمّد بن أحمد الصيدلاني صدوق. سير أعلام النبلاء 21/430. وكذلك محمّد بن حميد وثابت بن العجلان صدوقان تق: 475، 132. وبقية رجاله ثقات فالأثر حسن.
وجاء في رواية ضعيفة أن مولاة لعمر عرضت عليه أن تصبغ لحيته، فقال: ما أراك إلا تطفئي نوري. رواه الحاكم/ المستدرك 3/89، الطبراني/ المعجم الكبير 1/66، وفي إسناديهما بقية بن الوليد، صدوق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وفيه عبدالرحمن بن عمرو السلمي، مقبول من الثالثة. تق 347. فالأثر ضعيف.
(2) الزعفران: جنس نبات بصلي زهره أحمر إلى الصفرة جيد يستخدم لتطيب بعض أنواع المرق أو الحلويات، وبنوع خاص لتلوينها بالأصفر. المنجد ص: 299.
ورواه ابن الأعرابي/ المعجم 2/85،86، وفي سنده موسى بن سيار الأسواري، ضعفه يحيى القطان، وقال أبو حاتم: مجهول. ميزان الاعتدال 4/206. فالأثر ضعيف.
(3) رواه البخاري/ الصحيح 4/35-37، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 14/67، 68، أبو داود/ السنن 4/88 وغيرهم.(9/90)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان له خاتم نقشه كفى بالموت واعظاً(1)، وأنه كان يتختم في يساره(2).
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه لم يتختم حتى لقي الله عز وجل(3).
__________
(1) رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/229، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص221، وفي إسناده عند أبي نعيم إعضال بين الزبير بن بكار الزبيري، وهو ثقة من العاشرة، وبين عمر بن الخطاب وفيه عند ابن عساكر إسحاق بن إبراهيم الختلي، قال الحاكم: ليس بالقوي، وقال مرة: ضعيف، وقال الدارقطني: ليس بالقوي. ميزان الاعتدال 1/180، وفيه إعضال بين محمد بن المتوكل العسقلاني، وهو صدوق له أوهام من العاشرة تق (504)، وبين عمر بن الخطاب. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/330، البلاذري/ أنساب الأشراف ص333، وسنده عندهما رجاله ثقات، لكنه منقطع لأن محمد بن علي بن الحسين، وهو ثقة من الرابعة، لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 1/477، 478، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/206، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، ولكنه من رواية سعيد بن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماعه منه.
ورواه ابن سعد كذلك من طريق سعيد بن المسيب، وهذا الأثر يخالف ما ثبت في الصحيح من تختم عمر رضي الله عنه بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل المراد بذلك هو أن عمر رضي الله عنه لم يتختم بخاتم مستقل به، ولم يتخذ خاتماً له خاص به، والله أعلم.(9/91)
ومن التجمل الذي روي أن عمر رضي الله عنه كان يتجمل به أنه كان يزيل شعر جسده ويحلقه، ولا يتنور(1) زهداً منه وتركاً للتنعم(2).
6- نومه رضي الله عنه .
جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا صلى العشاء أمر أهله، فوضعوا إناء فيه ماء، ثم ينام، فإذا استيقظ من الليل وضع يده في الإناء، ومسح به وجهه(3).
وكان رضي الله عنه يقيل قائله الظهر، فكان يصلي الظهر ثم ينام حتى العصر(4)
__________
(1) النُّورة: من الحجر الذي يحرق ويسوى منه الكلس ويحلق به شعر العانة. ابن منظور/ لسان العرب 14/324.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 1/442، بلفظ ما تنور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان 3/290، البلاذري/ أنساب الأشراف ص229، البيهقي/ السنن الكبرى 1/152، بلفظ: أن عمر بن الخطاب دعا بحلاق فحلقه بموس يعني جسده، فاستشرف له الناس فقال: أيها الناس إن هذا ليس من السنة، ولكن النورة من النعيم فكرهتها، وفي إسناده عند ابن سعد باللفظ الأول أبو هلال الراسبي، صدوق فيه لين. تق 481، وفيه قتادة بن دعامة وهو ثقة من الرابعة. تق 453، روايته عن عمر منقطعة، فيكون ضعيفاً.
وفيه عند ابن سعد وبقية من رواه باللفظ الآخر أبو العلاء بن أبي عائشة الجزري، ذكره ابن حبان في الثقات 5/247، والبخاري في التاريخ الكبير 6/508، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً وبقية رجاله عند ابن سعد والبلاذري ثقات.
(3) تقدم الكلام على هذا الأثر في ص (156، 157).
(4) رواه مالك/ الموطأ 1/81، وسنده متصل، ورجاله ثقات. قال: عن عمه أبي سهل بن مالك عن أبيه أنه قال: كنت أرى طنفسه... الأثر. فالأثر صحيح.
ولفظه: أن مالك بن أبي عامر الأصبحي قال: كنت أرى طنفسة (هي بساط له خمل رقيق. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 3/140) لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب، ثم يرجع بعد صلاة الجمعة فيقيل قائلة الضحى.
فهذا الأثر دليل على أن عمر رضي الله عنه كان يقيل أي ينام نوم القيلولة بعد الظهر، وليس في الأثر دليل على تخصيص ذلك بيوم الجمعة، والله أعلم.(9/92)
.
7- مراكبه .
كان عمر رضي الله عنه يركب البعير وهي الدابة التي كانت تركب في ذلك العهد، فقد قدم رضي الله عنه الشام على بعير، فعرضت له مخاضة(1)، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه(2)، فأمسكها بيده، فخاض في الماء ومع بعيره(3).
وكان قدومه الشام في سنة ست عشرة من الهجرة عند ما قدم لعقد صلح بيت المقدس، فقدم من المدينة إلى الجابية(4)، وكتب إلى أمراء الأجناد أن يوافوه بها، وكتب صلح بيت المقدس وهو بالجابية ثم سار إلى بيت المقدس(5).
__________
(1) مخاضة، الخَوْض: المشي في الماء. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/88. فالمخاضة هي الماء المستقر في الأرض.
(2) مُوقَيْه: خفيه. المصدر السابق 4/372.
(3) رواه عبد الله بن المبارك/ الزهد ص207،208، هناد/ الزهد 2/417، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/10، الحاكم/ المستدرك 1/61،62،3/82، أبو نعيم/ حلية الألياء 1/47، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 6/291، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص302، صحح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمّد الصغار، نا سعدان بن نصر نا سفيان عن أيوب الطائي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، قال: لما قدم عمر... الأثر.
(4) الجَابية: هي قرية من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيرو من ناحية الجولان قرب مرج الصغر في شمالي صوران. إذا وقف الإنسان في الضمنين واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من نوى أيضاً، وبالقرب منها تل يسمى: تل الجابية... وفي هذا الموضع خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطبته المشهورة. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 2/91.
(5) انظر: ابن كثير/ البداية والنهاية 7/56-61، أحمد عادل كمال/ الطريق إلى دمشق ص: 525-528.(9/93)
وكان لون بعيره أورق(1)كما جاء ذلك في رواية(2)، وروي أنه كان أحمر اللون(3).
وكان رضي الله عنه يعتني بدابته، وينظفها، قال ربيعة بن عبد الله ابن الهدير(4):
رأيت عمر بن الخطاب يقرد(5) بعيراً له في طين بالسقيا(6)وهو محرم(7).
__________
(1) الأَوْرَق من الإبل: ما في لونه بياض إلى سواد، الفيروزآبادي/ القاموس المحيط 3/298.
(2) رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/41،42، وفي سنده موسى بن مروان الرقي قال ابن حجر: مقبول. تق 553، وفيه عبدالله بن مسلم بن هرمز المكي، ضعيف تق 323، وأبو الغالية الدمشقي لم أجد له ترجمة. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/42، وفيه شيخ ابن شبه عبيد بن قتادة لم أجد له ترجمة، ولعله عبيد بن جناد ذكره ابن حبان في الثقات 8/432، وفيه عطاء ابن مسلم الخفاف، صدوق يخطئ كثيراً. تق 203، وروايته عن عمر مرسلة، فالأثر ضعيف، وهو مما يتساهل فيه.
(4) ربيعة بن عبدالله بن الهدير بن عبد العزى بن عامر بن الحارث التيمي ولد في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم وله رواية عن أبي بكر وعمر وغيرهما. وهو معدود في كبار التابعين. ابن حجر/ الإصابة 1/523، 524.
(5) يقرد: قَرد بعيره، نزع عنه القِرْدان وهي دويبة تعض الإبل. ابن منظور/ لسان العرب 11/94.
(6) السُقْيَا: كانت تعرف بسقيا مزينة، وهي المرحلة الثامنة من مكة عن طريق مستورة، وقد ظهرت اليوم شبه ميتة، وبها مركز حكومي يتبع إمارة الفرع. عاتق البلادي/ على طريق الهجرة ص81،82.
(7) رواه مالك/ الموطأ 1/468، الشافعي/ المسند ص365، صحيح من طريق مالك.
قال: عن يحيى بن سعيد عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر يقرد... الأثر.(9/94)
وروي أنه رضي الله عنه ركب الحمار(1).
ولما قدم رضي الله عنه الشام قدم إليه برذوناً(2) ليركبه، فركبه رضي الله عنه فهزه وتمايل به، فنزل رضي الله عنه وقال: قبح الله من علمك ما أرى(3).
8- سلاحه رضي الله عنه
كان لعمر رضي الله عنه سيف محلى، وكان ابنه عبد الله رضي الله عنه يحمله بعد مقتل أبيه(4).
__________
(1) رواه الأطرابلسي/ فضائل الصحابة ص103، الطبراني/ المعجم الكبير 5/192، مجمع البحرين 6/235، 236، ومداره على عبد الأعلى بن أبي المساور الزهري مولاهم، وهو متروك وكذبه ابن معين. تق 332، فالأثر ضعيف جداً، ولكن هذا لا يمنع أن يكون عمر رضي الله عنه ركب الحمار لاسيما وقد ركبه النبي صلى الله عليه وسلم وخيار الصحابة رضي الله عنهم.
(2) البرذون: البراذين من الخيل ما كان من غير نتاج العرب. ابن منظور/ لسان العرب 1/370.
(3) رواه عبد الله بن المبارك/ الزهد ص206،207، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/10، أحمد/ الزهد ص150، الخلال/ السنة ص318، وسنده عند أحمد متصل ورجاله ثقات.
قال: حدّثنا أبو معاوية حدّثنا أبو إسحاق الشيباني عن بشير بن عمر قال: لما قدم عمر... الأثر. فالأثر صحيح. وبشير بن عمرو الصواب في اسمه يسير بن عمرو المحاربي أبو الخيار، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وله رؤية. تق 607.
(4) رواه عبد الرزاق/ المصنف 5/296، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/197، الطحاوي/ مشكل الآثار 2/167، البيهقي/ السنن الكبرى 4/143،144، صحح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا وكيع، قال: حدّثنا ابن مغول عن نافع، قال: كان سيف عمر محلى، فقلت له: عمر حلاه قال: قد رأيت ابن عمر يتقلده.(9/95)
وروي أن النجاشي(1) أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حربات، فوهب منها حربة(2) لعمر رضي الله عنه، ثم صارت لأهله(3).
__________
(1) أصحمة النجاشي ملك الحبشة أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي ببلاده قبل فتح مكة وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكبر عليه أربعاً. ابن الأثير/أسد الغابة 1/99.
(2) الحَربة: رُمحٌ صغير. ابن القيم/ الفروسية ص152.
(3) رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 1/137، وفي إسناده عبدالعزيز بن عمران بن عبدالعزيز، وهو متروك، احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه. تق 358. فالأثر ضعيف جداً.(9/96)
مقدمة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فإن دراسة تاريخ الخلفاء الراشدين أمر في غاية الأهمية وذلك لما للخلفاء الراشدين من منزلة رفيعة في الدين، فهم من أَجِلَّة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه. قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراة وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئه فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(1).
وهم أيضاً ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفوز في الآخرة برضوان الله عز وجل ودخول جنته(2).
وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ"(3).
__________
(1) سورة الفتح الآية (29).
(2) ثبت ذلك في حديث العشرة المبشرين بالجنة، وهو حديث صحيح، انظر: ص: 347.
(3) صحيح انظر تخريجه في ص: 429.(10/1)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فقرن سنة خلفائه بسنته، وبالغ في الأمر بها حتى أمر أن يعض عليها بالنواجذ، وهذا يتناول ما أفتوا به وسنوه للأمة، وإن لم يتقدم فيه من نبيهم شيء، وإلا كان ذلك سنة، ويتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم، لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون، ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد، فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو سنة الخلفاء الراشدين"(1).
كلّ هذا يعطي الفترة التاريخية التي عاش فيها أولئك الخلفاء الراشدون مزية ومكانة هامة ليست للفترات التاريخية التي تليها.
ثم إن دراسة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لها أهمية أخرى فعمر رضي الله عنه أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة". قلت: من الرجال؟ قال: "أبوها"، قلت: ثم من؟ قال: "عمر"... الحديث(2).
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كنا نخير بين الناس زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان بن عفان(3).
وشهد النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه بسعة علمه وصوابه وصدق حدسه.
قال صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا نائم إذ أتيت بقدح لبن، فقيل لي: اشرب، فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر". قالوا: فما أولت ذلك؟ قال: "العلم"(4).
قال ابن القيم: ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفه في فتيا أو حكم لا يعلم أحداً من الصحابة خالفه فيه، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الشهادة(5).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه"(6).
__________
(1) أعلام الموقعين 4/118، 119.
(2) صحيح انظر تخريجه في ص: 391.
(3) صحيح. انظر تخريجه في ص: 440.
(4) صحيح. انظر تخريجه في ص: 180.
(5) أعلام الموقعين 4/145،146.
(6) صحيح، انظر: ص 217.(10/2)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحدَثُون(1)، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم، فإنه عمر بن الخطا"(2).
ولمكانة عمر رضي الله عنه الدينية والعلمية وكثرة الآثار المروية عنه في فترة خلافته والتي تتناول جوانب هامة من حياة المسلم في علاقته بربه وعلاقته بولاة الأمر وعلاقته بإخوانه، وأهل بيته، وكانت هذه الآثار موضع القدوة والأسوة الحسنة، كان لا بد من التحقيق والتدقيق في ثبوتها وصحة نسبتها لعمر رضي الله عنه.
وإن مما ساعد على حفظ هذه الآثار وتخليصها من الكذب والدس وبيان حقيقة ثبوتها من عدمه أن سلفنا الصالح من المحدثين والمؤرخين نقلوها إلينا مسندة، وكانوا رحمهم الله ورضي عنهم، لا يقبلون شيئاً من الأخبار إلا مسنداً.
ومن أقوالهم في ذلك:
1 - قول محمّد بن سيرين(3) رحمه الله: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم(4).
2- قول شعبة(5) بن الحجاج رحمه الله: كل حديث ليس فيه حدثنا وحدثنا فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام(6).
3- قول عبد الله(7) بن المبارك رحمه الله: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء(8).
وقال: إن بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد(9).
__________
(1) محدثون: أي ملهمون. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/350.
(2) صحيح انظر تخريجه في ص: 217.
(3) محمّد بن سيرين الأنصاري، ثقة، ثبت، عابد، من الثالثة. تق 483.
(4) مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 1/84.
(5) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، ثقة حافظ متقن، كان النووي يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، من السابعة. تق 266.
(6) ابن حبان/ المجروحين 1/27.
(7) عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة ثبت، عالم جواد، مجاهد جمعت فيه خصال الخير من الثامنة. تق 320.
(8) مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 1/87،88.
(9) المصدر السابق.(10/3)
4ـ قول بهز(1) بن أسد رحمه الله: لا تأخذوا الحديث عمن لا يقول ثنا(2).
فبالإسناد يعرف حال نقلة الخبر من القوة والضعف، فيؤخذ ما نقله أهل الصدق والأمانة والعدالة ويترك ما نقله الضعفاء والمتروكون.
قال ابن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم(3).
ولقد كان كبار المؤرخين من كبار علماء الحديث، وممن تكلموا في الرجال كعروة بن الزبير، والزهري، وابن سعد، وخليفة بن خياط، وابن أبي شيبة، وابن شبة، والفسوي، وابن أبي خيثمة، وأبي زرعة، والطبري، وابن عساكر، والذهبي، وابن كثير، وممن عنوا بسرد الأخبار التاريخية بأسانيدها، إبراءً لعهدتهم من المسؤولية عن صحة ما ينقلونه من عدمها، لأن من أسند لك فقد أحالك.
ولا يعني إيرادهم للأخبار الباطلة والضعيفة قبولهم لها واعتقادهم ثبوتها.
قال الطبري رحمه الله: فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا(4).
وقد انتقد أهل العلم من لم يتحر من المؤرخين في نقله للأخبار وروايته لها، وقبوله إياها وبينوا أن كتب التاريخ تحتوي على الحق والباطل، والصدق والكذب، وأنها مشتملة على الأخبار الموضوعة التي وضعها الكذابون من أجل مصالحهم.
__________
(1) بهز بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة من التاسعة. تق 128.
(2) ابن حبان/ المجروحين 1/27.
(3) المصدر السابق.
(4) تاريخ الرسل والملوك 1/13.(10/4)
قال السخاوي رحمه الله تعالى: وبالجملة فالمؤرخون كغيرهم من سائر المصنفين في كلامهم الخمير العفين... نعم قد ظهر الكثير من الخلل، وانتشر من المناكير ما اشتمل على أقبح العلل، حيث انتدب لهذا الفن الشريف من اشتمل على التحريف، والتصحيف لعدم إتقانهم شروط الرواية والنقل، وائتمانهم من لا يوصف بأمانة ولا عقل، بل صاروا يكتبون السمين مع الهزيل، والمكين مع المزلزل العليل(1).
وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله عند كلامه على خبر التحكيم بين علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم: هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع(2).
وإن مما يستنكر ويستغرب ظهور بعض من يدعو في وقتنا الحاضر لمقاومة الدراسات النقدية للتاريخ الإسلامي والتي تهدف لتمحيصه وتخليصه من كذب الضالين، وافتراء الحاقدين بدعوى أن ذلك يؤدي لرفض الكثير من الأخبار التاريخية وبالتالي فقدان الأمة لتراثها وتاريخها، وهذه دعوى باطلة فإن الدراسات النقدية والتي تتبع فيها طرق الخبر من مصادر متعددة حديثية وتاريخية وأدبية، وغيرها تؤدي لزيادة توثيق الخبر وإبراز معلومات جديدة لم تكن معروفة من قبل، وقد تؤدي إلى دفع التعارض والإشكال الذي يقع فيه كثير من المؤرخين الذين لا يتحرون صحة الخبر من عدمه بدراسة الإسناد، فيكون أحد الخبرين ضعيفاً وباطلاً فيترك ويؤخذ الصحيح والثابت، ودراسة الأخبار دراسة نقدية لا تعني تطبيق المنهج الحديثي على جميع الأخبار التاريخية بل إن هناك من الأخبار ما تعتبر دراسته دراسة نقدية من قبيل العمل الذي لا فائدة فيه، ولا طائل من ورائه ولذلك تساهل في قبوله السلف الصالح، ومن أمثلة ذلك:
__________
(1) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ ص: 104/105.
(2) العواصم من القواصم ص: 177.(10/5)
تحديد أماكن الغزوات والمعارك، وعدد الجند، وعدد القتلى والجرحى، وتحديد زمان المعركة،وكيفية سيرها والتخطيط لها، وما شابه ذلك.
ولكن هناك من الأخبار التاريخية ما يجب التحري في قبوله ومعرفة ثبوته من عدمه وذلك مما له تعلق بالعقيدة والأحكام والحلال والحرام وعدالة الصحابة، وقادة الأمة وعلمائها، وكذلك ما نقل عن السلف الصالح، وهو موضع الأسوة والقدوة في شتى المجالات.
إذ كيف يبيح للمسلم دينه وورعه نسبة قول أو فعل لخليفة من الخلفاء أو لأمير من الأمراء أو حتى لأي أحد من الناس دون توثق وتحقق، فإن الله عز وجل قد نهانا عن ذلك، قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَة ٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادمي}(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"(2).
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: " إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام، والسنن والأحكام، تشدّدنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال، وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد(3).
وإن مما يطيب الخاطر ويحيي الأمل دعوة بعض مفكري الأمة وعلمائها لتطبيق المنهج النقدي الحديثي على الروايات التاريخية.
يقول الدكتور محمد رشاد خليل: وما فتئ العلماء المدققون ينبهون إلى مراعاة المنهج العلمي الفريد في الجرح والتعديل المعروف لدى علماء الحديث في علاج الروايات التاريخية، وفي مصر كتب الأستاذان الجليلان محبّ الدين الخطيب، ومحمود شاكر فصولاً متعددة يدعوان في حرارة وأمانة للأخذ بهذا المنهج العلمي السلفي الدقيق(4).
__________
(1) سورة الحجرات الآية (6).
(2) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 1/73.
(3) انظر: الخطيب البغدادي/ الكفاية في أصول السماع والرواية ص: 213.
(4) المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ وتفسيره ص: 60.(10/6)
ويقول الدكتور فتحي عثمان: إن من أعظم المفارقات في ديننا أن نكون أغنى الأمم بالنصوص السليمة التي نستطيع أن نصحح بها تاريخنا، فنبنيه على أساس قويم من الحقائق العلمية التي لا يتطرق الشك إليها، وأن نكون مع ذلك أشد أمم الأرض إهمالاً للإفادة من ذلك ليبقى تاريخنا مضطرباً كما أراده الذين دسوا فيه ما ليس منه، وشوهوا جماله مما جعل المسلمين يسيئون الظن بأمجد صفحات ماضيهم، ويجهلون أن الجيل المثالي الوحيد الذي عرفته الإنسانية في تاريخها منذ وجد الإنسان في الأرض إلى الآن هو الجيل الذي شوه المغرضون سيرته، بما دسوه من باطل وما اختزلوه من حق(1).
ويقول الأستاذ محب الدين الخطيب: إنما ينتفع بأخبار الطبري من يرجع إلى تراجم رواته في كتب الجرح والتعديل...، ولا نعرف أمة عنى مؤرخوها بتمحيص الأخبار، وبيان درجتها، وشروط الانتفاع بها كما عنى بذلك علماء المسلمين، وإن العلم بذلك من لوازم الاشتغال بالتاريخ الإسلامي، أما الذين يحتطبون الأخبار بأهوائهم، ولا يتعرفون إلى رواتها، ويكتفون بأن يشيروا في ذيل الخبر إلى الطبري رواه في صفحة كذا من جزئه الفلاني، ويظنون أن مهمتهم انتهت بذلك، فهؤلاء من أبعد الناس عن الانتفاع بما حفلت به كتب التاريخ الإسلامي من ألوف الأخبار، ولو أنهم تمكنوا من علم مصطلح الحديث، وأنسوا بكتب الجرح والتعديل، واهتموا برواة كل خبر اهتمامهم بذلك الخبر لاستطاعوا أن يعيشوا في جو التاريخ الإسلامي، ولتمكنوا من التمييز بين غث الأخبار وسمينها، ولعرفوا للأخبار قدرها بوقوفهم على قدر أصحابها(2).
بهذا تتبيّن أهمية ودراسة الأخبار التاريخية من ناحية السند، وأهمية مراعاة منهج المحدّثين في ذلك.
__________
(1) أضواء على التاريخ الإسلامي ص: 292.
(2) أضواء على التاريخ الإسلامي ص: 72.(10/7)
ومما لا شكّ فيه أن مما تتحقق به أيضاً معرفة صحيح الأخبار من سقيمها تطبيق الشقّ الآخر من منهج المحدّثين في دراسة الأخبار التاريخية وهو نقد المتن أو النصّ وكذلك الاستفادة من منهج المؤرّخين في ذلك.
يقول الدكتور مسفر الدميني وهو يعرض لذكر نقد المحدّثين للنصوص وعدم اقتصارهم على نقد الأسانيد:
"اعتناء المحدّثين بالإسناد ليس لذاته بل لمصلحة المتن فمتى كان رواة الحديث من الثقات الأثبات كان الاطمئنان إلى صحّة ما نقلوه أكثر، وهذا أمر طبيعي في البشر أن يقع الخبر الذي ينقله الصادق من أنفسهم موقعاً حسناً، وما ينقله الكاذب المستهتر موقع الشكّ والريبة، وعلى هذا فاعتناء المحدّثين بالإسناد هو من صميم اعتنائهم بالمتن"(1).
ويقول: "ليس ما صحّ سنده صحّ متنه هذه قاعدة للمحدّثين أكّدوها جميعاً، وعملوا بها في نقد الحديث من جهة متنه حيث لم يلههم عن صحّة الإسناد غرابة المتن أو شذوذة ونكارته، ولم أجد واحداً منهم يخالفها أو ينكر العمل بها."
ثم ذكر من كلام علماء الحديث ما يدلّ على تلك القاعدة ومن ذلك:
قول الإمام ابن الصلاح رحمه الله: "قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصحّ لكونه شاذاً أو معلّلاً".
وقول النووي رحمه الله: "لأنه قد يَصحّ أو يَحْسُن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علّة".
وقول الصنعاني رحمه الله: "اعلم أن من أساليب أهل الحديث أن يحكموا بالصحّة والحسن والضعف على الإسناد دون متن الحديث فيقولون: "إسناد صحيح دون حديث صحيح" ونحو ذلك، أي: حسن أو ضعيف لأنه قد يصحّ الإسناد لثقة رجاله ولا يصحّ الحديث لشذوذ أو علّة".
قوله: "والحاصل أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصحّ السند أو يحسن لاستجماع شرائطهما، ولا يصحّ المتن لشذوذ أو علّة، وقد لا يصحّ السند ويصحّ المتن من طرق أخر"(2).
__________
(1) مقاييس نقد متون السّنّة ص: 245، 246.
(2) المصدر السابق ص: 247-249.(10/8)
ويقول الدكتور مصطفى الأعظمي: "ويبدو للوهلة الأولى أن جهود المحدّثين كانت منصبة حول الأسانيد وقلما تكلموا على المتون أو بمعنى آخر قلما استعملوا عقولهم في نقد المتون والأمر على عكس ذلك، إذ ما من عملية نقد لنصّ إلاّ وقد استعمل فيها العقل لكن ما كان اعتمادهم على العقل فقط في قبول الحديث أو ردّه إلاّ في أقلّ النادر، ولا يمكن أن يكون المنهج العملي في نقد الأحاديث إلا هكذا إذ من المستحيل استعمال العقل من الناحية العقلية نفسها في تقويم كلّ حدي"(1).
وقال في موضع آخر: "ومن ناحية أخرى إن المحدّثين لم يقفوا على الأسانيد فقط وأصدروا أحكامهم على الأحاديث بل دائماً كانوا ينظرون إلى المتن، حتّى حكموا على الأحاديث بالبطلان بالرغم من نظافة الأسانيد. ومن أمثلة ذلك:
قول الذهبي: "محمّد بن الفضل البخاري الواعظ عن حاشد بن عبد الله روى بإسناد نظيف مرفوع: قيام الليل فرض على حامل القرآن. فكذا فليكن الكذب".
ثم قال الأعظمي في ضوء هذه النصوص: "يفهم بوضوح أن المحدّثين راعوا العقل وأعطوه حقّه في كافة منازل الرواية والراوي، وعلى هذا يمكن القول بكلّ وثوق أن منهجهم علمي بكلّ معنى الكلمة، ولا يبدو أن منهج النقد في العالم تمكن حتّى الآن أن يضيف إليه شيئاً قيماً، لكن الذين يرون عكس ذلك يدعون إلى الاستفادة من مناهج المؤرّخين وتطبيق قواعده"(2).
أمّا منهج المؤرّخين في نقد النصوص فقد لخّصه ابن خلدون رحمه الله في مقدّمته، ومن ذلك قوله:
__________
(1) منهج النقد عند المحدّثين ص: 41-42.
(2) المصدر السابق ص: 83، 89.(10/9)
"اعلم أن فنّ التاريخ فنّ عزيز المذهب، جمّ الفوائد إذ يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم حتّى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوّعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحقّ، وينكبان به عن المزلات والمغالط. لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب فربّما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحديث عن جادة الصدق وكثيراً ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها مجرد النقل غثاً أو سميناً لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحقّ، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط سيما في إحصاء الأعداد من الأحوال والعساكر إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مظنة الكذب ومطية الهذر، ولا بدّ من ردّها إلى الأصول وعرضها على القواعد"(1).
وقد جاءت كتابات المتأخّرين من المتخصّصين في الدراسات التاريخية موضحة ومفصّلة لمنهج المؤرّخين، ومما ذكروه في ذلك أنهم قسموا النقد التاريخي للنصوص التاريخية إلى قسمين: نقد ظاهر، ونقد باطن. وقسموا النقد الباطن إلى قسمين: نقد إيجابي، ونقد سلبي.
فأمّا النقد الظاهر فهو الذي يتناول عدة أمور هي:
__________
(1) ابن خلدون/ التاريخ 1/7، 8.(10/10)
1 - إثبات صحّة الأصل أو الكتاب أو النصّ التاريخي لمؤلّفه، وسلامته من التزوير والانتحال، ومما يساعد في ذلك معرفة نوع الورق والقلم والخطّ الذي خطّ به، ولغة الكتاب، وهل هذه الأمور - وهي الورق، والخطّ، والقلم، واللغة - مما كان سائداً في عصر المؤلّف؟ وهل هو خطّه الذي عرف به من خلال كتبه الأخرى إن وجدت؟
2 - التعرف على شخصيّة المؤلّف ومنزلته العلمية، ومكانته الاجتماعية، وكونه ثقة مأموناً فيما ينقله، ومدى مقدرته على تصوير الحديث التاريخي، بحيث لا يبعد عن الحقيقة.
3 - معرفة زمان ومكان الكتابة، فتدوين المؤرّخ الحدث التاريخي بعد وقوفه عليه، وقربه منه زماناً ومكاناً يجعل كتابته أكثر قبولاً وأكثر مطابقة للواقع، بخلاف فيما لو كان التدوين عن ناقل للحدث التاريخي بحيث لم يعاصر الكاتب الحدث بنفسه بل كان بعيداً عنه زماناً أو مكاناً، فإن هذا يجعل خبره أكثر عرضة لتطرق الوهم والمبالغة ومخالفة الحقيقة، وبالتالي فقدان الكتاب أهميته ومكانته العلمية.
ثانياً: النقد الباطن:
أوّلاً: النقد الباطني الإيجابي: وهو عبارة عن تحليل الأصل أو النصّ التاريخي بقصد تفسيره وإدراك معناه ويمرّ في مرحلتين:
1 - تفسير ظاهر النصّ وتحديد المعنى الحرفي له.
2 - إدراك المعنى الحقيقي للنصّ ومعرفة غرض المؤلّف مما كتبه لذلك يجب الإلمام بلغة الكتاب وأسلوبه، ومعرفة لغة عصر المؤلّف ويمكن الاستعانة بمؤلّفات المؤرّخ الأخرى أو مؤلّفات عصره،ومعرفة البيئة التي عاش فيها أيضاً، وينبغي دراسة المعنى في جزئيات النصّ لفهم معناه العام كما أنه لا بدّ من دراسة معناه العام لفهم جزئياته.(10/11)
ولا بدّ من معرفة غرض المؤلّف من مؤلّفه، والمعنى الحقيقي الذي يريده من كتابه، فمن الجائز أنه كتب بعض الأساليب والتراكيب غير الواضحة وفي هذه الحالة لا يؤدّي ظاهر النص إلى المعنى المقصود، وتعترض المؤرّخ حالات كثيرة من هذا النوع تحتوي على تشبيه أو مجاز أو استعارة أو كنية أو رمز أو هزل أو مداعبة أو تلميح أو تعريض وعلى ذلك فإنّ فهم المعاني الحقيقة للعبارات الغامضة في الأصول التاريخية هو من أهم واجبات النقد التفسيري الإيجابي.
ثانياً: النقد الباطني السلبي: وفيه يتحقق المؤرّخ من أمرين:
1 - التثبت من صدق المؤلّف فيما نقله وهل كذب فيه أم لم يكذب؟
2 - التثبت من صدق المعلومات التي أوردها ومبلغ دقتها، وهل أخطأ في نقله أو خدع بشأنها. لأن المؤلّف قد يكذب طمعاً في نوال فائدة شخصية فيعمد بالكذب إلى خداع القارئ لكي يسوقه إلى استنتاج خاطئ، وأشدّ أنواع الكذب تأثيراً في النفس ما احتوى على عنصر من الحقيقة، واحتوى على تبديل وتغيير وعرض بأسلوب خاص.
وقد يكذب المؤرّخ ويخالف الحقيقة لوجوده في ظروف اضطرته لذلك كالظروف السياسية أو الحربية أو الوطنية.
وقد يذكر جزءاً من الحقيقة حسب ما تقتضيه المصلحة، وقد يكره المؤلّف أو يحبّ فئة معيّنة أو أسرة أو حزباً أو طبقة اجتماعية خاصة أو شعباً أو دولة، وقد يكون من أنصار مبدأ أو مذهب معيّن، فيتصرف في الخبر ويصوره بما يوافق هواه.
وقد يغيّر المؤرّخ الحقيقة التاريخية لغروره الشخصي أو مباهاته بأهله وعشيرته، فيصوّر نفسه أو أهله أو عشيرته بأنهم أهل للتقدير والثناء والتبجيل، وذلك بأن ينسب إليهم ما لم يفعلوا أو يقولوا من الأفعال والأقوال الحميدة، ويعطيهم دوراً في التاريخ ليسوا أهلاً له.
وقد يذكر المؤرّخ أخباراً مخالفة للحقيقة أو فيها نوعٌ من المبالغة والخيال والنوادر والعجائب لشدّ أسماع الناس إليه والاهتمام بأخباره.(10/12)
وقد يذكر المؤرّخ أخباراً مخالفة للحقيقة لعدم مقدرته على نقل الحقيقة كما وقعت لعدم تمتعه بحواس ونفسية سليمة، أو لعدم مقدرته على التعبير وتصوير الحدث كما وقع.
وقد لا يصف المؤرّخ الحقيقة التاريخية كما وقعت لعدم وقوفه عليها وإن كان قريباً من الحدث زماناً ومكاناً ولكنه تصوره وتخيله ونقل ذلك كخبر تاريخي(1).
وقد ظهر مما تقدم من عرض منهج المحدّثين والمؤرّخين في نقد النصوص اشتراك المنهجين ظاهرياً في نقد المتن وعدم قبول أي نصّ من غير تحليله وبيان إمكانية مطابقته للواقع من عدمها وتحكيم العقل في ذلك ويستثنى من ذلك نصوص الوحي التي لا يمكن تحكيم العقل فيها كأمور المغيّبات وما شابهها.
وقد تميز المحدّثون بصرامتهم في نقد أسانيد الأخبار وعدم اعتبار أي وثيقة أو حديث أو كتاب قابل للبحث والاعتناء ما لم ينقل بالسند المتصل لقائله، ثم لا يمكن الاعتماد على النصّ أو الكتاب إذا لم يكن جميع الأشخاص الوارد ذكرهم في سلسة الإسناد من المعروفين بالصدق والعدالة ولا شكّ أن هذه الصرامة في نقل الأسانيد تزيد القلب طمأنينة بصحّة ما نقل من أخبار بهذه الأسانيد. ثم إن المحدّثين لم يكونوا يقبلون الخبر لمجرد صدق الراوي وورعه وتدينه بل كانو يخبرون أحاديثه ويزنونها ثم ينزلون كلاًّ منزلته، قال أبو(2) الزناد رحمه الله: "أدركت بالمدينة مائة كلّهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال: ليس من أهله".
__________
(1) انظر حسن عثمان/ منبح البحث التاريخي ص: 83-135 بتصرف واختصار.
(2) هو عبد الله بن ذكوان القرشي أبو عبد الله المزني ثقة فقيه من الخامسة مات سنة مائة وثلاثين وقيل بعدها. تعد 302.(10/13)
وقال مطرف(1): أشهد لسمعت مالكاً يقول: "أدركت بهذه البلاد مشيخة من أهل الصلاح والعبادة يُحدِّثُون ما سمعت من واحد منهم حديثاً قط، قيل:فلم يا أبا عبد الله؟ قال:لم يكونوا يعرفون ما يحدثون".
أمّا منهج المؤرّخين فإنه لا يشترط معرفة رجال السند وعدالتهم بل يكتفي المؤرّخ بصدق راوي الخبر وعدالته فيما روى ثم لا ينظرون إلى حاله فيما عدا ذلك هل يكذب أم يصدق؟(2).
وإنه بتطبيق منهج المحدّثين على الروايات التاريخية سنداً ومتناً، والاستفادة من منهج المؤرّخين في نقد المتون خاصة فيما لا يمكن تطبيق المنهج الحديثي عليه من الروايات لوروده مثلاً من غير إسناد وهو مما يتساهل فيه، تكمل الفائدة، وتستجلي الحقيقة، وتكون النصوص التاريخية أقرب إلى الحقيقة والصواب وأبعد عن الوهم والخرافة والأساطير. والله أعلم.
أسباب اختيار الموضوع:
1- الرغبة في جمع وتحقيق النصوص الواردة في شخصية عمر رضي الله عنه وأحداث خلافته، وذلك للخروج بصورة أكثر واقعية ووضوحاً يمكن الاعتماد عليها في دراسة هذه الفترة المباركة من تاريخ الأمة الإسلامية.
فإني لم أقف على كتاب متخصص يعنى بدراسة شخصية عمر رضي الله عنه وأحداث خلافته بشكل موسع وشامل مع دراسة النصوص الواردة بطرقها وأسانيدها دراسة نقدية حديثية يتبين بها ثبوت النص من عدمه.
2- أن هذه الدراسة إكمال للدراسة التي قمت بها في مرحلة الماجستير،والتي تناولت فيها دراسة المرويات المتعلقة بالنواحي المالية في خلافة عمر رضي الله عنه.
منهجي في البحث:
__________
(1) مطرف بن عبد الله بن مطرف اليساري أبو مصعب المدني ابن أخت مالك، ثقة من كبار العاشرة. مات سنة: مائتين وعشرين. تق 534.
(2) انظر: الأعظمي/ منهج النقد عند المحدّثين ص: 101، 102.(10/14)
1 - قمت بجمع المادة العلمية لهذا البحث باستقراء ما يزيد على مائتي مصدر من مصادر السنة والتاريخ المسندة، وبعض المصادر في العقيدة، والأنساب والرجال والأدب، وكانت في غالبها من القسم المطبوع. وفيها بعض المصادر المخطوطة.
2 - قمت بدراسة الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه بعد جمع طرق كل أثر إن وجد له طرق، ودراسة كل طريق على حدة، ثم الحكم على الأثر بالصحة أو الحسن أو الضعف أو الوضع بعد اجتهادي في تطبيق قواعد المحدثين وأسأل الله عز وجل أن يغفر لي خطأي.
3 - قد يتبين لي بعد جمع طرق الأثر ودراسة بعضها عدم الحاجة لدراسة جميع طرقه لوروده بسند صحيح من أحد تلك الطرق، فأقتصر على هذا الطريق وألتزم إيراد نص الأثر الذي ورد بها، وأقول صحيح من طريق الحاكم مثلاً، وذلك بعد ذكر من خرج هذا الأثر، ولا أعني بقولي هذا عدم ورود الأثر صحيحاً من طرق أخرى.
أمّا إذا لم أقف على طريق صحيح من تلك الطرق، فإني أقوم بدراسة جميع طرقه التي قمت بحصرها، فإن كان يرتقي لدرجة الحسن لغيره بينت ذلك، وإن كان مما لا يتقوى حكمت بضعفه.
4 - لم أورد عند دراسة الأسانيد أسانيد الطرق التي رويت بها الآثار، وذلك لكثرة هذه الطرق والتي سيطول بذكر أسانيدها تخريج الآثار كثيراً، إلاّ إن رأيت أن الحاجة ماسّة لذكر الأسناد لتتضح الدراسة للقارئ فإني أذكرها.
5 - إن غالب الطرق التي رويت بها الآثار في هذا البحث والتي قد يتقوى بها الأثر لدرجة الصحّة أو الحسن لغيره هي من الشواهد وما كان من المتابعات صرحت به.
6 - توقفت في الحكم على بعض الآثار التي لم يترجح لي في الحكم عليها شيء أو لورودها من غير إسناد.
7 - حاولت بقدر المستطاع تتبع أقوال أئمة الجرح والتعديل في رجال السند الذي أقوم بدراسته وغالباً ما أعتمد على قول ابن حجر، إلا إذا ترجح لي أن الصواب في قول غيره من أئمة الجرح والتعديل.(10/15)
8 - إذا كان الأثر في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بذلك عن دراسة طرق الأثر.
9 - قمت بالتخلي عن عدد ليس بالقليل من الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه بأسانيد ضعيفة بعد دراستها، وذلك لوجود ما يغني عنها، وخشية الإطالة بذكرها. أو لورودها من طرق الكذابين والوضاعين.
10 - راعيت في سرد أسماء من خرج الأثر الترتيب الزمني، فقدمت الأسبق وفاة إلا أن يكون الأثر في الصحيحين أو أحدهما فإني أقدمه.
11 - لم أستخدم في هذا البحث سوى رمز واحد وهو ( تق ) لتقريب التقريب لابن حجر.
12 - اعتمدت في بعض المصادر على أكثر من تحقيق أو طبعة لأن في كل تحقيق أو طبعة ما ليس في الآخر من الآثار التي أخرجها مصنف المصدر، وهذه المصادر هي:
1 - سنن سعيد بن منصور. بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. وأيضاً بتحقيق الدكتور سعد بن عبدالله آل حميد.
فإن كان الأثر في الأول أشرت له بقولي: سعيد بن منصور/ السنن / الأعظمي. وإن كان في الثاني أطلقت.
2 ـ شعب الإيمان للبيهقي. تحقيق الدكتور علي عبدالحميد حامد. وأيضاً بتحقيق محمد بسيوني زغلول.
فإن كان الأثر في الأول أطلقت، وإن كان في الثاني أشرت له بقولي: البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول.
3 ـ تاريخ دمشق لابن عساكر. جزء خاص بترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحقيق سكينة الشهابي.
وطبعة محققة بتحقيق محب الدين عمر العمروي.
فإن كان الأثر في الأول أشرت له بذكر الصفحة فقط لأنه جزء واحد، وإن كان الأثر في الثاني أذكر الجزء والصفحة لتعدد أجزائه.
وقد اعتمدت في موضع واحد فقط على النسخة المخطوطة لتاريخ ابن عساكر، وقد ذكرت هذا في ذلك الموضع.
13 - استدللت في إثبات المسائل والقضايا الواردة في البحث على الآثار الثابتة الصحيحة والحسنة، وقد يرد فيها آثار ضعيفة تؤيد المعنى الثابت فإني أوردها مع بيان ضعفها.(10/16)
وقد لا يكون في المسألة التي أتناولها سوى آثار ضعيفة، فإن كانت تدل بمجموعها على المعنى المراد إثباته وتجعل له أصلاً ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره فإني أستدل بها مع بيان ضعف كلّ منها، بناء على قاعدة تقوية الحديث الضعيف الذي يكون ضعفه يسيراً وليس فيه متروك أو كذاب، واعتماداً على قاعدة تقوية الخبر المنقطع إذا تعددت مخارجه، كما قال الإمام البيهقي رحمه الله: "ونحن لا نقول بالمنقطع إذا كان مفرداً، فإذا انضم إليه غيره أو انضم إليه قول بعض الصحابة، أو ما يتأكد به المراسيل ولم يعارضه ما هو أقوى منه، فإنا نقول به"(1).
وكما تقدم في هذه المقدّمة(2) من بيان منهج المحدّثين في عدم التشدّد في الأمور التي لا علاقة لها بالأحكام والحلال والحرام، ولا تمسّ عدالة الصحابة رضي الله عنهم، فإني أتساهل في الاحتجاج بها وقد سلكت منهج المؤرّخين في النقد التحليلي لبعض النصوص التي لم تثبت من الناحية الحديثية.
14 - ترجمت للأعلام غير المشهورين في أول مرة يرد فيها ذكر العلم، فإن تكرر ذكره بعد ذلك فإني أحيل إلى مكان ترجمته بذكر الصفحة وقد لا أحيل اعتماداً على وضعي فهرساً للأعلام، وعرفت بأسماء الأماكن، والقبائل، وشرحت معنى الغريب من الكلمات والألفاظ.
خطة البحث:
قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد وبابين وخاتمة.
أمّا المقدّمة فقد ذكرت فيها شيئاً من أهمية دراسة تاريخ الخلفاء الراشدين دراسة نقدية تميز فيها الأخبار الثابتة من الباطلة، وأهمية دراسة خلافة عمر رضي الله عنه خاصة. وذكرت فيها سبب اختياري لموضوع هذه الرسالة، وذكرت أيضاً منهجي في كتابة الرسالة. وذكرت في نهاية المقدمة نبذة عن أهم الدرسات السابقة التي تناولت الحديث عن شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأحداث خلافته أو المرويات الواردة عنه.
__________
(1) معرفة السنن والآثار 1/564، باب ما يستدل به على أن النهي يختص ببعض الأيام دون بعض.
(2) انظر: ص: (12).(10/17)
أمّا التمهيد فإني تكلمت فيه عن منزلة أهل عمرt وعشيرته في مكة قبل الإسلام.
أمّا بابا الرسالة فهما:
الباب الأوّل: في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه ثلاثة فصول.
الفصل الأوّل: نشأته، وصفاته الخَلقية والخُلقية. وفيه مبحثان:
المبحث الأوّل: نشأته، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأوّل: اسمه، نسبه، لقبه، ولادته، وصفاته الخَلقية.
المطلب الثاني: حياته في الجاهلية.
المطلب الثالث: إسلامه وهجرته.
المطلب الرابع: أحواله المعيشية.
المبحث الثاني: صفاته الخُلقية، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: صفاته الخُلقية الدالة على قوة إيمانه.
المطلب الثاني: صفاته الخُلقية الدالة على عزمه، وقوة إرادته وكمال شخصيته.
المطلب الثالث: صفاته الخُلقية الدالة على سماحته ولين جانبه.
الفصل الثاني: فضائله، وفيه مبحثان.
المبحث الأول: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالفضل، وفيه مطلبان.
المطلب الأوّل: الأحاديث الدالة على علو منزلته، ورفعة مكانته.
المطلب الثاني: الأحاديث الدالة على كمال دينه وسعة علمه.
المبحث الثاني: شهادة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين ومن بعدهم له بالفضل، وفيه مطلبان.
المطلب الأوّل: شهادة الصحابة رضي الله عنهم له بالفضل.
المطلب الثاني: شهادة التابعين ومن بعدهم له بالفضل.
الفصل الثالث: حياة عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفيه مبحثان.
المبحث الأول: حياته رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته به، وتوقيره له وفيه مطلبان:
المطلب الأوّل: حياته مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنايته به، وتوقيره له.
المطلب الثاني: أهم أعماله ومشاركاته في حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثاني: حياته مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفيه مطلبان:
المطلب الأوّل: توقير عمر رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه ومعرفته لفضله.(10/18)
المطلب الثاني: مواقفه ومشاركاته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه.
الباب الثاني: السياسة الإدارية للدولة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه فصلان.
الفصل الأوّل: الجهاز الإداري للدولة، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأوّل: الخليفة، وفيه مطلبان.
المطلب الأوّل: خلافته وما ورد فيها، وكيفية استخلافه.
المطلب الثاني: حقوقه على رعيته، وواجباته نحوهم.
المبحث الثاني: الولاة، وفيه أربعة مطالب.
المطلب الأوّل: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة وعزلهم.
المطلب الثاني: علاقة الخليفة بالولاة.
المطلب الثالث: حقوق الولاة على الرعية وواجباتهم نحوها.
المطلب الرابع: ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار.
المبحث الثالث: القضاة، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأوّل: قضاة عمر في الأمصار.
المطلب الثاني: كيفية القضاء وآدابه.
المطلب الثالث: شروط القاضي وصفاته.
الفصل الثاني: التنظيمات الإدارية العامة في المجتمع، وفيه ستة مباحث:
المبحث الأوّل: الاهتمام بالنواحي الدينية والعلمية، وفيه أربعة مطالب.
المطلب الأوّل: العناية بالكتاب والسنة.
المطلب الثاني: العناية بالعقيدة.
المطلب الثالث: الاهتمام بإقامة شعائر الدين.
المطلب الرابع: الاهتمام بالعلم والعلماء.
المبحث الثاني: الاهتمام بالنواحي الأخلاقية، وفيه أربعة مطالب.
المطلب الأوّل: الحث على مكارم الأخلاق، والبعد عن مساوئها.
المطلب الثاني: إزالة أسباب الفتنة وانتشار الرذيلة.
المطلب الثالث: معاملة الفساق والعصاة.
المطلب الرابع: إقامة الحدود.
المبحث الثالث:الاهتمام بالنواحي الاجتماعية، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأوّل: العناية بالنكاح والعلاقة الزوجية.
المطلب الثاني: الحث على التكافل الاجتماعي وإزالة أساب الفرقة، والاختلاف.
المطلب الثالث: الاهتمام بالأنساب والأسماء.
المبحث الرابع: الاهتمام بالحياة المعيشية، وفيه مطلبان.
المطلب الأوّل: الاهتمام بالكسب وطلب الرزق.(10/19)
المطلب الثاني: الاهتمام بالمصالح الشخصية، وفيه أربعة مسائل.
المسألة الأولى: الاهتمام بالأطعمة والأشربة.
المسألة الثانية: الاهتمام بالألبسة.
المسألة الثالثة: الاهتمام بالمساكن.
المسألة الرابعة: الاهتمام بالصحة.
المبحث الخامس: معاملة العبيد والإماء وأهل الذمة، وفيه مطلبان.
المطلب الأوّل: معاملة العبيد،والإماء.
المطلب الثاني: معاملة أهل الذمة.
المبحث السادس: الاهتمام بالنواحي الجهادية والقتالية، وفيه مطلبان.
المطلب الأوّل: التعبئة القتالية، والإعداد العسكري.
المطلب الثاني: أصول القتال وآدابه.
وقد ذكرت عقب هذا الفصل وفاة عمر رضي الله عنه واستشهاده.
وأمّا الخاتمة فقد ذكرت فيها أهم نتائج البحث.
وقد ألحقت بهذا البحث بعض الفهارس المساعدة وهي:
1 - فهرس الآيات القرآنية.
2 - فهرس الأحاديث النبوية.
3 - فهرس الآثار.
4 - فهرس الأعلام.
5- فهرس رجال السّند المتكلّم فيهم.
6 - فهرس الأماكن.
7 - فهرس الموضوعات.
كلمة تقدير وشكر
هذا وأخيراً فإني أحمد الله عز وجل أولاً وآخراً الذي منَّ عليَّ بإتمام هذا البحث، ووفقني للقيام بهذا العمل الجليل، أسأله سبحانه وتعالى أن يتقبله مني، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به أهل العلم.
كما أني أشكر القائمين على هذه المؤسسة العلمية المنيفة، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، أسأل الله أن يجزل لهم المثوبة على ما قدموه من خدمة للعلم وطلبته، وأن يمدهم بالقوة لبذل المزيد من العمل من أجل رفعة هذا الصرح العلمي الكبير.
كما أتقدم بخالص الشكر وعظيم الامتنان لمشرفي على هذا البحث فضيلة الشيخ الجليل الدكتور عمر بن حسن بن عثمان فلاته، الذي أفادني بجميل خُلقه وعظيم تواضعه، قبل أن يفيدني بفريد توجيهاته وإرشاداته، وبذل لي الكثير من ثمين وقته، أسأل الله العلي القدير أن يثيبه على ذلك الثواب الجزيل، وأن ينفعني بتوجيهاته وإرشاداته، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته.(10/20)
كما أشكر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري المشرف السابق على هذا البحث الذي أفدت كثيراً من توجيهاته السديدة في وضع الخطوط العريضة لهذا البحث، أسأل الله العلي القدير أن يجعل ذلك امتداداً لحسناته وذخراً له في دنياه وأخراه.
كما أشكر كل من أعانني على إتمام هذا البحث وإنجاز هذه الرسالة العلمية بإعارة لكتاب أو بنصيحة أو توجيه أو مشورة، وأخص منهم الشيخ الدكتور صالح بن حامد الرفاعي، والأخ الدكتور طلال بن سعود الدعجاني حفظهما الله، وأسأل الله للجميع عظيم الأجر والمثوبة في الدنيا والآخرة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
نبذة مختصرة عن أهم الدراسات السابقة التي تناولت خلافة عمر رضي الله عنه أو الحديث عن شخصيته والآثار الواردة عنه رضي الله عنه:
لقد تعددت الدراسات التي كتبت في خلافة عمر رضي الله عنه أو تحدثت عن شخصيته رضي الله عنه أو الآثار الواردة عنه رضي الله عنه، وتنقسم هذه الدراسات إلى قسمين هما:
أوّلاً: دراسات اهتم أصحابها ببيان حال النصوص والآثار المنسوبة إلى عمر رضي الله عنه من حيث الصحة والحسن والضعف، ومعرفة ثبوتها عنه من عدمه ومن تلك الدراسات:
1- مسند الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تحقيق الدكتور مطر بن أحمد الزهراني.
والكتاب جزء من جامع المسانيد للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى.
وقد قام الدكتور بتحقيق الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب ودراسة أسانيدها دراسة حديثية نقدية، والحكم عليها في رسالته المقدمة للدكتوراة بجامعة أم القرى.
والكتاب مرتب على الأبواب الفقهية، وهو ألصق بكتب السنة والفقه منه بكتب التاريخ، وقد اشتمل على عدد كبير من الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه والتي يتعلق أكثرها بالمسائل الفقهية، واشتمل أيضاً على عدد من الأحاديث التي أسندها عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.(10/21)
وقد طبع هذا الكتاب في جزئين بتحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، والتحقيق الأول أكثر دقة وشمولاً، ولم أقف عليه مطبوعاً.
2- فصل الخطاب في فضائل عمر بن الخطاب لابن عبد الهادي الدمشقي رحمه الله. ت 909هـ.
دراسة وتحقيق الدكتور عبد العزيز بن محمد الفريح، وإشراف فضيلة الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري.
وهي رسالة تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتواره بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1415هـ.
والكتاب كما يظهر من عنوانه مؤلف لإبراز فضائل عمر رضي الله عنه، ولم يحرص مؤلفه على ذكر أحداث خلافة عمر رضي الله عنه وسردها تاريخياً أو استقصاء أو حصر المرويات والأخبار الواردة في ذلك، أو في شخصية عمر رضي الله عنه، لذلك فإنه لم يذكر مسائل هامة في خلافة عمر رضي الله عنه وحياته، وإن كان قد أورد ما يزيد على الألف أثر مما يتعلق بشخصية عمر رضي الله عنه، وأقواله في العقيدة والفقه والأخلاق، والمعاملات، وقد تطرق لذكر الفتوحات في عهده رضي الله عنه، وأسماء قضاته بشكل سريع وموجز. وقد أكثر المؤلف من تكرار الآثار التي يوردها عن عمر رضي الله عنه في أبواب الكتاب ومسائله كما أشار إلى ذلك المحقق.
وقد بذل المحقق جهداً مشكوراً في تحقيق النصوص والآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه، فخرج الآثار وعزاها إلى مصادرها في الغالب، ولم يلتزم بالحكم على الأسانيد، وإن كان قد قام بذلك غالباً، ونقل أقوال العلماء إن وجدت في الحكم على الأسانيد.
3- عصر الخلافة الراشدة للدكتور أكرم ضياء العمري.(10/22)
وهو كتاب مختصر شامل لتاريخ الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. واهتم فيه المؤلف بتوثيق النصوص والآثار وتخريجها وعزوها إلى مصادرها، وحاول فيه تطبيق منهج المحدثين في نقد الروايات المتعلقة بالقضايا الهامة في خلافة الخلفاء الراشدين، وقام بالتوفيق بين الروايات المتعارضة أو ترجيح بعضها على بعض معتمداً في ذلك على منهج النقد الحديثي والمنهج النقدي التاريخي للمتون.
وقد رتب المؤلف كتابه ترتيباً موضوعياً فقد تكلم على التعريف بالخلفاء الأربعة في بداية الكتاب ثم تكلم على بيعة الخلفاء الأربعة، وكيف تمت وسار على هذا في بقية الكتاب فهو يجمع النصوص الواردة في فترة الخلفاء الأربعة في كل موضوع على حده، كالولاة في عهدهم والفتوحات في عهدهم، والإصلاحات الداخلية، والفتن الداخلية. وقدم المؤلف لفصول الكتاب بمقدمات قيمة وهامة.
ثانياً: دراسات عني أصحابها بدراسة خلافة عمر رضي الله عنه وأخباره والآثار الواردة عنه، وأخذ الفوائد والعبر منها دون التحقق في الغالب من ثبوت تلك الأخبار والآثار عن عمر رضي الله عنه من ناحية السند. وهذه الدراسات منها التاريخي، ومنها الفقهي التي عني أصحابها بأخذ الأحكام الفقهية من الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه.
أما الدراسات التاريخية فمنها ما هو شامل لفترة الخلفاء الراشدين، ومنها ما هو خاص بخلافة عمر رضي الله عنه.
ومن الدراسات الشاملة لفترة الخلفاء الراشدين:
1- جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين. تأليف الدكتور: محمد السيد الوكيل.(10/23)
تناول فيه المؤلف الحديث عن فترة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعرض الأحداث عرضاً قصصياًّ مشوقاً، وحاول التوفيق بين النصوص المتعارضة أو ترجيح بعضها على طريقة المؤرّخين في النقد التحليلي، والردّ على الروايات الباطلة، والتي فيها قدح بسلف الأمة، وقام باستخراج الفوائد والعبر والعظات من الأخبار، ورتب كتابه ترتيباً زمنياً بتقديم الأقدم وفاة من الخلفاء، وقد أكثر المؤلف من نقله عن كتب التاريخ المتقدمة، ككتاب التاريخ للطبري، والبداية والنهاية لابن كثير وغيرها من كتب التاريخ، وأحال إلى مصادر الأخبار في الحاشية وهو يخرج الأحاديث أحياناً.
2- الخلفاء الراشدون. تأليف عبد الوهاب النجار.
وهو كالذي قبله شامل لعصر الخلفاء الراشدين، وهو يسوق الأخبار سوقاً قصصياً تاريخياً، ويرجح بين الروايات المتعارضة أو يوفق بينها إن أمكن وهو ينقد النصوص نقداً تاريخياً أحياناً، وينقل عن المصادر التاريخية المتقدمة، والمراجع الحديثية، ويستدل بأقوال من سبقه من المؤرخين مع العزو إليهم، ويربط أحياناً بين التاريخ والواقع المعاصر.
3- خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم. تأليف خالد محمد خالد.
وهو كتاب شامل أيضاً لعصر الخلفاء الراشدين، وعرض فيه المؤلف الأخبار عرضاً أدبياً تحليلياً، ولم يرجع فيه النصوص إلى مصادرها.
4- عصر الخلفاء الراشدين. تأليف الدكتورة فتحية النبراوي.
تناولت فيه المؤلفة عصر الخلفاء الراشدين الأربعة، وتكلمت على الإصلاحات الداخلية في عصرهم، وكذلك الفتوحات، وهي تعزو الأخبار إلى مصادرها التاريخية.(10/24)
وهناك عدد من المؤلفات الشاملة للتاريخ الإسلامي منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الدولة العباسية وما بعدها من دول الإسلام المتأخرة، وهي لا تختلف في مناهجها عن كونها لا تعنى بالنقد الحديثي للنصوص، وتهتم بسرد الأحداث سرداً تاريخياً، ونقد النصوص نقداً تاريخياً وأخذ الفوائد والعبر والعظات من الأحداث. ومن تلك المؤلفات:
1 - التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر.
2 - موسوعة التاريخ الإسلامي لأحمد شلبي.
أمّا الدراسات الخاصة بخلافة عمر رضي الله عنه ودراسة شخصيته رضي الله عنه فهي:
1 - أخبار عمر رضي الله عنه. تأليف: علي الطنطاوي، وناجي الطنطاوي.
جمع فيه المؤلفان أخبار عمر رضي الله عنه التي تناولت الحديث عن حياته في جاهليته وإسلامه، وخلافته حتى وفاته رضي الله عنه، وعزوا فيه النصوص لمصادرها في كتب التاريخ والأدب والرجال وكتب السنة.
وعرضا فيه أخبار عمر رضي الله عنه عرضاً قصصياً تحت عناوين قصيرة جذابة.
2 - عمر بن الخطاب. تأليف محمد أحمد أبو النصر.
وهو كتاب تكلم فيه مؤلفه عن حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجاهلية والإسلام وسياسته في خلافته ثم وفاته ثم عقب ذلك بفصول تكلم فيها عن منزلة عمر رضي الله عنه العلمية وبلاغته وفصاحته وحبه للأدب والشعر، وأيضاً العهود التي أبرمها عمر رضي الله عنه، وعزا المؤلف النصوص والآثار إلى مصادرها.
وفي الكتاب توجيهات وتحليلات مفيدة للأخبار الواردة عن عمر رضي الله عنه.
3 - شهيد المحراب عمر بن الخطاب. تأليف عمر التلمساني.
عرض فيه مؤلفه سيرة عمر رضي الله عنه منذ ولادته حتى وفاته عرضاً قصصياً مشوقاً مليئاً بالعبر والمواعظ من سيرة عمر رضي الله عنه مقارناً ما كان عليه رضي الله عنه بحال المسلمين اليوم في شتى المجالات، وهو يذكر مصادر الآثار من كتب التراجم والتاريخ والسنة.
4 - عمر بن الخطاب. تأليف محمد رضا.(10/25)
بدأ فيه المؤلف الكلام عن حياة عمر رضي الله عنه في الجاهلية، ثم ذكر إسلامه، وذكر صفاته رضي الله عنه ثم أهم أعماله، وقيامه على شؤون رعيته ثم ذكر عنواناً: خلافة عمر رضي الله عنه، وذكر فيه الفتوحات الإسلامية في خلافته رضي الله عنه وبنائه المدن الإسلامية، ووضعه التأريخ الهجري، ثم عرض لخروجه رضي الله عنه إلى الشام، وناقش بعض الروايات، وقام بتحليلها ثم ختم الكتاب بذكر وفاة عمر رضي الله عنه وقصة الشورى، ولم يذكر المؤلف مصادر معلوماته.
5 - عبقرية عمر رضي الله عنه. تأليف عباس محمود العقاد.
أظهر العقاد في هذا الكتاب كيف أن عمر رضي الله عنه كان عبقرياً بمعنى العبقرية، وأنه جمع من الصفات العظيمة التي يندر وجودها إلا في القلائل من العظماء من قوة الشخصية وسعة الإدراك، والوعي، وسرعة البديهة، والفطنة، إضافة إلى التواضع والحلم، وفرط الشفقة والرحمة على الرعية، والعدل بينها.
ثم بين حال عمر رضي الله عنه مع رعيته، ومع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، وتكلم عن علم عمر رضي الله عنه وثقافته، ولم يذكر مصادر معلوماته.
6 - الفاروق القائد. تأليف محمود شيث خطاب.
وهذه الدراسة تاريخية عسكرية تكلم فيها المؤلف على سياسة عمر رضي الله عنه العسكرية، وبين ما تميز به عمر رضي الله عنه من حكمة وحنكة عسكرية فائقة بالمقاييس العسكرية العالمية، وتحدث عن الصفات التي تحلى بها عمر رضي الله عنه، والتي جعلت منه قائداً بكل معاني القيادة المدنية والعسكرية.
وأحال المؤلف النصوص إلى مصادرها ورجع إلى المراجع الحديثة.
7 - عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة الحديثة. دراسة مقارنة. تأليف الدكتور سليمان محمد الطماوي.(10/26)
تناول المؤلف في كتابه الصفات الجسمية والخُلقية التي تميز بها عمر رضي الله عنه، والتي جعلت منه سياسياً بارعاً، وقيادياً ناجحاً في إدارة شؤون الدولة الإسلامية الفتية، ثم تعرض لسيرة عمر رضي الله عنه وسياسته الإدارية في شتى المجالات، وقارن بينها وبين الأصول والمبادئ التي تسير عليها الإدارة الحديثة، وبين كيف أن عمر رضي الله عنه استطاع تطبيق هذه الأصول والمبادئ قبل مئات السنين، بل إن سياسة عمر رضي الله عنه في إدارة شؤون المجتمع والدولة كانت أكثر فاعلية في سعادة المجتمع وأمنه ورقيه. والمؤلف لم يهتم كثيراً بإحالة النصوص لمصادرها.
8 - إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه دراسة تحليلية في الإدارة التربوية. تأليف الشريف حسن محمد القناوي.
وهي دراسة تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير من كلية التربية جامعة أمّ القرى.
افتتح المؤلف كتابه بكلام مختصر عن سيرة عمر رضي الله عنه الشخصية، ثم تكلم عن بعض الأسس العامة التي استخلصها من إدارة عمر رضي الله عنه، وكيف يستفاد من تلك الأسس في مجال الإدارة التربوية وأثبت المؤلف مصادر النصوص في الحاشية، واعتمد كثيراً على المراجع الحديثة، وخاصة كتاب أخبار عمر للطنطاويين.
9 - أوليات الفاروق السياسية. تأليف غالب عبد الكافي القرشي.
وهي رسالة أعدها المؤلف لنيل درجة الماجستير بإشراف الشيخ مناع خليل القطان بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية.(10/27)
بدأ الباحث كتابه بالكلام عن شخصية عمر رضي الله عنه في قرابة عشرين صفحة، ثم تكلم عن بعض اجتهادات عمر رضي الله عنه، ثم بدأ بالحديث عن أوليات عمر رضي الله عنه في المجالات المختلفة والتي لم يسبق إليها رضي الله عنه وذلك في السياسة العامة وفي الطلاق، والرضاع، والنفقة على الزوجات والفرائض، وأحكام أمهات الأولاد، وأولياته رضي الله عنه في معاملة غير المسلمين أو العلاقات الدولية، ثم أولياته رضي الله عنه في السياسة الحربية ثم أولياته في السياسة المالية، والعقوبات والديات.
وبذل الباحث جهداً كبيراً في جمع النصوص والكلام عليها وشرحها، ونقل أقوال العلماء، والجمع بين المتعارض منها وترجيح البعض، وقام بتخريجها وعزوها لمصادرها، ونقل أقوال العلماء عن درجة ثبوتها أحياناً.
10 - أوليات الفاروق في الإدارة والقضاء. تأليف غالب عبد الكافي القرشي.
وهي رسالة المؤلف لنيل درجة الدكتوراة بإشراف الشيخ مناع خليل القطان بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية.
وتناول فيه المؤلف أوليات عمر رضي الله عنه في الإدارة في تخطيط المدن والبناء، وفي تعيين الولاة والقادة، والتأديب، وبعض الأمور المتعلقة بالمساجد، ثم تناول أوليات عمر رضي الله عنه في القضاء وقد سار المؤلف على منهجه في كتابه السابق.
11 - سياسة المال في الإسلام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومقارنتها بالأنظمة الحديثة. تأليف عبدالله جمعان السعدي.
وهي رسالة ماجستير تقدم بها الباحث إلى جامعة الأزهر بالقاهرة، وهذه الدراسة تاريخية اقتصادية.(10/28)
تناول فيها المؤلف مصادر الدول الإسلامية المالية في عهد عمر رضي الله عنه، وهي الزكاة والجزية والخراج والعشور، وتكلم عن هذه الموارد في العصور التي قبل الإسلام وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه ثم شرع بالكلام عنها في عهد عمر رضي الله عنه وسياسة عمر رضي الله عنه في تحصيلها، وحاول التوفيق بين الروايات المتعارضة أو ترجيح بعضها على بعض، ثم تكلم باختصار عن بيت مال المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ثم تكلم عن نفقات الدولة الإسلامية في عهد عمر رضي الله عنه.
وتناول في الباب الأخير سياسة المال في الإسلام على ضوء الأنظمة المالية الحديثة. والباحث يذكر مصادر معلوماته ومراجعه.
12 - موسوعة فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تأليف الدكتور محمد رواس قلعجي.
قام مؤلفه بجمع الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه في القضايا الفقهية المختلفة وحرص على تخريج تلك الآثار من مصادرها الأصلية ولم يتوسع في ذلك، وقد رتب المؤلف القضايا الفقهية في الكتاب على الحروف الهجائية، وهو يذكر الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه في كل قضية على حده، ويتناولها من جميع نواحيها.
13 - فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه موازناً بفقه أشهر المجتهدين. تأليف الدكتور رويعي بن راجح الرحيلي.
وهذا الكتاب بحث تقدم به الباحث لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة أمّ القرى.
والكتاب خاص بفقه عمر رضي الله عنه في الحدود وملابساتها، والجنايات وأحكامها، وقد قدم المؤلف بمقدمة ذكر فيها منزلة عمر رضي الله عنه العلمية والفقهية، ومنزلته من الاجتهاد في الأحكام الشرعية والمؤلف يذكر قول عمر رضي الله عنه وما أثر عنه في الحكم الشرعي بعد تعريفه بذلك الحكم، والفعل الذي يستوجبه عند الفقهاء ثم يذكر أقوال الفقهاء في الحكم ثم يرجح ما يراه راجحاً.(10/29)
وقد قام المؤلف بتخريج الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه بعزوها إلى مصادرها ونقل أقوال العلماء على درجة ثبوتها من الصحة أو الحسن أو الضعف أو غير ذلك إن وجد ذلك.
14- القضاء في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تأليف الدكتور ناصر بن عقيل الطريفي.
والكتاب قدم لنيل درجة الدكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
وافتتح المؤلف الكتاب بتمهيد عرف فيه القضاء ومشروعيته، وكيف كان القضاء عند العرب قبل الإسلام، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم عرف بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وحياته ووفاته.
وهو يذكر الآثار الواردة عن عمر رضي الله عنه المتعلقة بالقضاء ويحيل النصوص إلى مصادرها ويخرج الآثار، وقد يذكر أقوال العلماء على درجة الأثر من الصحة أو الحسن والضعف.
وتكلم المؤلف على قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار وترجم لهم، وذكر توجيهات عمر رضي الله عنه لهم ونماذج من أقضيتهم.
الباب الأوّل: في شخصيّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأوّل: نشأته وصفاته الخَلقية والخُلقية. وفيه مبحثان:
تمهيد
قبل البدء بالحديث عن شخصية عمر رضي الله عنه أود أن أشير هنا بإيجاز إلى المنزلة والمكانة التي كانت لقوم عمر وأهله وعشيرته في مكة قبل الإسلام وهذه الإشارة تتناول بني عدي قوم أبيه، وأخواله بني مخزوم.
فأما بنو عدي فهم بنو عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة يلتقون في النسب مع بني هاشم، وبني مخزوم، وبني سهم في كعب بن لؤي(1).
وبنو عدي من قريش الأباطح الذين تزعمهم قصي بن كلاب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزلهم أباطح مكة، وحول الحرم، وأقطعهم الدور، وأما قريش الظواهر فقد ظلوا بدواً خارج مكة، ولم تكن لهم المنزلة التي كانت لقريش الأباطح في الجاهلية والإسلام(2).
__________
(1) الزبيري/ نسب قريش ص 12،13، 346، 347.
(2) حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص 88.(10/30)
وبنو عدي لم يكن لهم من الزعامة والشرف والثراء وكثرة العدد ما لبني هاشم، وبني سهم، وبني مخزوم، ولكنهم لم يكونوا بعيدين عن الساحة القرشية بل كانوا من قبائل قريش التي لها مكانتها ومنزلتها العالية وكلمتها المسموعة.
ومما يدلّ على ذلك أن عمر رضي الله عنه لما أسلم قامت إليه قريش يضربونه، فمر بهم العاص بن وائل السهمي فقال: أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟!(1).
أي أن بني عدي عندهم من القوة والقدرة والمكانة التي يستطيعون بها إنقاذ عمر من القرشيين.
وكانت بنو عدي ممن شارك قريشاً في قتال هوازن في حرب الفجار وكان الخطاب بن نفيل والد عمر بن الخطاب، وابن أخيه زي(2) ابن عمرو بن نفيل على زعامتهم(3)، وقتل في هذه الحرب أخو الخطاب واسمه عبد نهم(4).
وحين تنازع أبناء قصي بن كلاب من بعده فيمن يلي أمر السقاية والرفادة والحجابة واللواء، حتى كادوا أن يقتتلوا، وتعاقدوا على الحرب، فتحالفت بنو عبد مناف مع أسد، وزهرة، وتيم، ضد بني عبد الدار وبني مخزوم، وسهم، وجمح، وعدي(5) الذين كانوا حلفاً واحداً.
ولما جددت قريش بناء الكعبة جعلت لكل قبيلة أو أكثر جزءاً منها، فكان شق الباب لبني عبد مناف، وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود، والركن اليماني لبني مخزوم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم، وكان شق الحِجر لبني عبدالدار، ولبني أسد، ولبني عدي بن كعب.
__________
(1) حسن انظر تخريجه في ص14.
(2) زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى والد سعيد بن زيد بن عمرو أحد العشرة، وابن عم عمر بن الخطاب، كان يتعبد في الجاهلية ويطلب دين إبراهيم عليه السلام ومات قبل مبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم. انظر: ابن الأثير/ أسد الغابة 2/236-238.
(3) أبو عبيدة معمر بن المثنى/ أيام العرب قبل الإسلام ص 515.
(4) الزبيري/ نسب قريش ص 347.
(5) ابن هشام/ السيرة النبوية 1/179،180.(10/31)
وبعد فراغ قريش من بناء البيت تنازعوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه، وعظم الخلاف، وتعاقدوا على الحرب، فقربت بنو عبدالدار جفنة مملوءة دماً، وتحالفوا مع بني عدي بن كعب على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم، فسموا لعقة الدم(1).
واشتهر بنو عدي بالبسالة والشجاعة. قال حفص بن الأخيف من بني عامر بن لؤي يمدح بني عدي:
وبنو عدي لا أرى مثلهم عند القتال إذ القنا متحطم(2)
وكان فيهم من اشتهر برجاحة العقل ومنهم جد عمر رضي الله عنه وهو نفيل بن عبدالعزى، فقد كان ممن تتحاكم إليه قريش في الجاهلية(3).
وكان فيهم من هو من مشيخة قريش وعلمائها بالنسب، كأبي جهم بن حذيفة بن غانم من بني عويج بن عدي بن كعب (4).
وكان منهم الشعراء كحفص بن حذافة(5).
وكان في بني عدي من تمسك بالوثنية عند مجيء الإسلام وآذى المسلمين كما كان يفعل الخطاب بن نفيل والد عمر رضي الله عنه، فقد روى ابن إسحاق أن الخطاب بن نفيل كان قد وكل صفية بنت الحضرمي بزيد بن عمرو بن نفيل، فكان إذا أراد الخروج من مكة لطلب دين الحنفية آذنته به فمنعه من ذلك، وآذى الخطاب زيداً فكان يخرجه من مكة ويأمر شبان مكة وسفهاءها أن يمنعوه من دخولها، فكان لا يدخلها إلا سراً(6).
__________
(1) المصدر السابق 1/254.
(2) الفاكهي/ أخبار مكة 3/331.
(3) الزبيري/ نسب قريش ص: 347، أبو جعفر بن حبيب/ المحبر ص: 133، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 135، 136.
(4) أبو الجهم بن حذيفة، قال البخاري وجماعة اسمه عامر، وقيل اسمه عُبيد قاله الزبير ابن بكار، وابن سعد، وقالا: إنه من مسلمة الفتح. ابن حجر/ الإصابة 4/35.
(5) الزبيري/ نسب قريش ص: 375.
(6) ابن هشام/ السيرة النبوية 1/291،292.(10/32)
وكان فيهم أيضاً النساك الحنفاء كزيد بن عمرو بن نفيل. قال ابن إسحاق: "وأمّا زيد بن عمرو بن نفيل فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان، ونهى عن قتل الموؤدة، وقال: أعبد رب إبراهيم"(1).
ومن السابقين إلى الإسلام من بني عدي نعيم بن عبدالله المعروف بالنَّحَّام(2).
ومما تقدم يتبين أن بني عدي كانوا من أشراف قريش ومن أهل الحل والعقد في المجتمع المكي، وكان فيهم أهل العلم بالنسب والشعر، وكان فيهم الحنفاء، وأهل العقل والحكمة الذين تركوا ونبذوا ما كانت عليه قريش من عبادة الأوثان.
يقول الدكتور حسين مؤنس رحمه الله وهو يبيّن مكانه عشيرة عمر رضي الله عنه، وذلك عند كلامه على الهجرة إلى الحبشة:
وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر قليل من المؤمنين، وثبت للمحنة وهم لم يستطيعوا إيذاءه أو إيذاء حمزة أو أبي بكر أو عمر ومن إليهم لأنهم كانوا ينتمون إلى بطون كبيرة من بطون مكّة ذات السلطان والعزّة، وقد أدرك أولئك القرشيون أنهم لو آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحداً من كبار المسلمين من حوله لحدث صدع في بنيان قريش(3).
__________
(1) المصدر السابق 1/286، 287.
(2) نُعَيم بن عبدالله بن أسيد من بني عويج بن عدي، كان إسلامه قبل عمر ولكنه لم يهاجر إلا قبيل الفتح، وذلك لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم. ابن هشام/ السيرة النبوية 1/321،322، ابن حجر/ الإصابة 3/567. وروي بسند ضعيف أنّه سمي بالنَّحَّام لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سمعت نحمه في الجنة". انظر تخريج الحديث في حاشية سيرة ابن هشام 1/321، 322.
(3) تاريخ قريش ص: 284.(10/33)
أمّا بنو مخزوم وهم أخوال عمر رضي الله عنه فهم أشهر من أن يكتب عنهم وهم بنو مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي يلتقون مع بني عدي في كعب بن لؤي، وهم الذين كان فيهم الشرف وكانت فيهم السيادة، فمنهم أبو جهل عمرو بن هشام(1)، لعنه الله، كان من سادات قريش وزعمائها وهو الذي نزل فيه قول الله عز وجل: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ كَغَلْيِ الحَمِيمِ} إلى قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ}(2).
ومنهم زعيم قريش وسيدها الوليد بن المغيرة المخزومي وهو الذي قال: أينزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وأترك وأنا كبير قريش وسيدها، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي، ونحن عظيما القريتين، فنزل قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا القُرْآنَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَينِ عَظِيمٍ}(3).
واشتهر بنو مخزوم بالعمل بالتجارة ولذلك كانوا من أثرياء قريش، وكان الوليد بن المغيرة، وأبو جهل من أثرياء قريش، فقد قدرت ثروة كلّ منهما بمائة ألف دينار، وكان فيهم أهل العلم بالكتابة، وذلك بحكم عملهم بالتجارة وما تتطلبه من الكتابة(4).
وكان في بني مخزوم ممن وقف في وجه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وحاربها كما تقدم وكما هو معروف من موقف أبي جهل، والوليد بن المغيرة وغيرهما.
إلا أنّهم كان فيهم من هم من خيرة السابقين إلى الإسلام، وممن قدموا الخدمات الجليلة للدعوة الإسلامية وأهلها في أيامها الأولى.
__________
(1) الزبيري/ نسب قريش ص: 299، 300.
(2) سورة الدخان الآيات 43-49، وانظر ابن كثير/ تفسير القرآن العظيم 4/145، 146.
(3) الزخرف الآية (31).
ابن هشام/ السيرة النبوية 1/444.
(4) حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 194، 200.(10/34)
فكان منهم الأرقم بن أبي الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وهو الذي جعل داره مركزاً للهاربين من بطش القرشيين من المستضعفين من المسلمين في بداية الدعوة حتى قويت شوكتهم فخرجوا منها.
ومن السابقين إلى الإسلام من بني مخزوم أبو سلمة بن عبدالأسد ابن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وزوجته أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها رضي الله عنهما، ومنهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي(1)، رضي الله عنهم.
المبحث الأول: نشأته، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: اسمه ونسبه، كنيته، لقبه، مولده، صفاته الخَلقية.
المسألة الأولى: اسمه ونسبه:
تقدمت الإشارة إلى المكانة العالية والمنزلة الرفيعة التي كانت لعشيرة عمر رضي الله عنه وآبائه وأجداده في المجتمع القرشي بمكّة، وقريش التي ينتمي إليها عمر رضي الله عنه هي من أشرف قبائل العرب في الجاهلية والإسلام وأعزها مكانة ومنزلة فهم أهل البيت الحرام الذي هو مهوى الأفئدة، وكفاهم فخراً وشرفاً أن اختار الله عز وجل منهم نبيّه ورسوله محمّداً صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم من أشرفهم نسباً وأهلاً وبيتاً، ومنهم أيضاً صاحباه الصّديق رضي الله عنه وعمر ابن الخطاب رضي الله عنه فهو يلتقي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في نسبه في الجدّ السابع وهو كعب بن لؤي.
إذ هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي(2)
__________
(1) ابن هشام/ السيرة النبوية 1/318، 319، 402، 403.
عيّاش بن أبي ربيعة واسم أبي ربيعة عمر بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم وهو أخو أبي جهل لأمّه وابن عمه، كان إسلامه قديماً أول الإسلام، قبل أن يدخل النبي r دار الأرقم. ابن الأثير/ أسد الغابة 4/161.
(2) الزبيري/ نسب قريش ص: 346، 347، من غير إسنادٍ، وعنه الحاكم/ المستدرك 3/80، 81.
ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/109، قال: حدّثني حسين المروزي نا حجاج بن منيع عن جدّه عن الزهري، وهذا السند حسن إلى الزهري، لأن حسين بن حسن المروزي صدوق، وحجاج ثقة وجده عبيد الله بن أبي زياد صدوق.
ورواه من طريق آخر فقال: حدّثنا يعقوب بن حميد بن كاسب أنا ابن فليح عن موسى بن عقبة عن الزهري، وهذا السند فيه ضعف يسير، لأن يعقوب بن حميد صدوق ربما وهم تق: 607، ومحمّد بن فليح قال عنه أبو حاتم: ما به بأس، وليس بذاك القوي. وقال البخاري: وثقه بعضهم، وهو أوثق من أبيه. وقال ابن معين: ليس بثقة. وروى أحمد بن أبي خيثمة عن ابن معين قوله: ثقة قد كتبت عنه. ميزان الاعتدال 4/10، ورواه الطبري/التاريخ 2/561، بأسانيده عن محمّد بن إسحاق بإسناد فيه سلمة بن الفضل الأبرش، وهو صدوق يخطئ كثيراً. تق: 248. وعن الواقدي وهو متروك مات سنة: 207، وعن المدائني وهو ثقة مات سنة: 254هـ وهذان الإسنادان معضلان، ورواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/64، 65، بإسناد حسن إلى ابن إسحاق من رواية زياد بن عبد الله البكائي عنه.
قال الطبراني: حدّثنا أحمد بن عبد الرحيم البرقي ثنا عبد الملك بن هشام ثنا زياد ابن عبد الله عن ابن إسحاق. أحمد بن عبد الرحيم البرقي الصحيح في اسمه: عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قال الذهبي: كان صدوقاً من أهل العلم وكان الطبراني يهم في اسمه ويقول: أحمد بن عبد الرحيم ولم يلق أحمد وإنما كان الذي يروي عنه هو أخوه عبد الرحيم. سير أعلام النبلاء 13/48-49. عبد الملك بن هشام بن أيوب هو صاحب المغازي، قال الذهبي: العلامة النحوي الأخباري أثنى عليه القفطي وغيره. سير أعلام النبلاء 10/428، وانظر: مقدّمة السيرة لابن هشام بروية أبي ذر الهروي 1/20-32. زياد بن عبد الله البكائي قال فيه أحمد: حديثه حديث أهل الصدق. وقال ابن معين: لا بأس به في المغازي. وضعّفه ابن المديني وأبو حاتم والنسائي، وقال صالح جزرة: ضعيف ثقة في المغازي. ميزان الاعتدال 2/91.
وجاء النسب عند أبي نعيم في معرفة الصحابة 1/190 بسياق مختلف وهو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي. أي: بتقديم عبد الله بن قرط على رياح.
قال أبو نعيم: حدّثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدّثني أبي قال: قرئ على يعقوب بن إبراهيم بن سعد في مغازي بن إسحاق فيما رواه عن أبيه عنه. وهذا السند رجاله ثقات، وقول أحمد رحمه الله: قرئ على يعقوب، يحمل على السماع، لأنه من صيغ السماع ولم يعرف عنه رحمه الله التدليس فالإسناد صحيح إلى إسحاق.
وسياق النسب الذي في المتن جاء عن الزبيري وهو من علماء الأنساب قال ابن معين: الزبيري عالم بالنسب. المزي/ تهذيب الكمال 28/37. وقال ابن حجر: صدوق عالم بالنسب، من العاشرة تق: 533، وجاء عن الزهري بسندٍ حسنٍ وهو ثقة متفق على جلالته وإتقانه من رؤوس الطبقة الرابعة تق: 506، وعن ابن إسحاق بسندٍ حسنٍ وهو إمام المغازي صدوق من صغار الخامسة تق: 467، فرواية هؤلاء هي الأصحّ، وهي مقدّمة على رواية أبي نعيم السابقة.(10/35)
رضي الله عنه.
وأمّه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية(1).
وجاء في رواية أنها: حنتمة بنت هشام(2). والصواب الأوّل(3)
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 1/80،81 بإسناد رجاله ثقات إلى الزبيري وهو: مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن ا لعوام صدوق عالم النسب. مات سنة: 263هـ تق: 533.
ورواه الطبري في تاريخه2/561، بالطرق الثلاث المتقدّمة في الحاشية السابقة في ص: 64.
(2) رواه الطبري/ التاريخ 2/561. فقال: حدّثنا ابن حميد حدّثنا سلمة عن محمّد ابن إسحاق. وابن حميد هو: محمّد بن حميد التميمي حافظ ضعيف كان ابن معين حسن الرأي فيه تق: 475، وسلمة بن الفضل صدوق بخطئ كثيراً. تق: 248.
رواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/64، 65، فقال: حدّثنا أحمد بن عبد الرحيم البرقي ثنا عبد الملك بن هشام ثنا زياد بن عبد الله عن إسحاق. وهذا السند حسن إلى ابن إسحاق تقدّم في الحاشية (1) في ص: 63، 64.
ورواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/190، 191، من طريق الطبراني به مثله.
(3) وقد رجّح العلماء القول بأنه حنتمة بنت هاشم. قال ابن عبد البرّ رحمه الله في الاستيعاب 2/458: أمه حنتمة بنت هاشم... وقالت طائفة: حنتمة بنت هشام ومن قال ذلك فقد أخطأ. وقال ابن الجوزي رحمه الله في تاريخ عمر بن الخطاب ص: 19: وقد حكى أبو نعيم عن ابن إسحاق أنه قال: أمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة، وأبو جهل خاله. فتأملت فإذا هو غلط.
وقد رجّح القول بأنها حنتمة بنت هاشم مؤرج السدوسي في حذف من نسب قريش ص: 80، والكلبي في جمهرة النسب ص: 105، وابن قدامة في التبيين في أنساب القرشيين ص: 302، وقال: وقيل: هي بنت هشام بن المغيرة لقول عمر: أنا قتلت خالي بيدي العاص بن هشام ثم ذكر القول بأنها حنتمة بنت هاشم ورجّحه.
أقول: وهذا الأثر الذي ذكره ابن قدامة رحمه الله واحتج به من قال أنها حنتمة بنت هشام ر واه ابن إسحاق في السيرة 2/336، سيرة ابن هشام وقال: حدّثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي: أن عمر... فالأثر مقطوع السند وقد ضعّفه العلماء. انظر: السيرة النبويّة لابن هشام بتحقيق الدكتور/ همام عبد الرحيم سعيد، ومحمّد عبد الله أبو صعيليك.(10/36)
.
المسألة الثانية: كنيته:
أمّا كنيته رضي الله عنه فقد اشتهر بـ (أبي حفص)، وقد وردت عدة أخبار تفيد أن الذي كناه بهذا النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر(1): "إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاً" فقال أبو حذيفة(2): أنقتُل آباءنا، وأبناءنا، وإخواننا، وعشيرتنا، ونترك العباس! والله لئن لقيته لألحمنه السيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لعمر بن الخطاب: "يا أبا حفص - قال عمر: إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص - أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) بَدْر: هي اليوم بلدة بأسفل وادي الصفراء تبعد عن المدينة بـ 155 كيلاً، وعن مكّة المكرّمة بـ 310 أكيال، وعن سيف البحر بـ 45 كيلاً. عاتق البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص: 41.
ويوم بدر هو: يوم غزوة بدر الكبرى التي كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان بين قريش بزعامة أبي جهل - لعنه الله - والمسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عدد المشركين فيها ما بين ألف وتسعمائة وخمسين رجلاً معهم مئتا فرس، وكان عدد جيش المسملين ثلثمائة وتسعة عشر رجلاً معهم فرسان وسبعون بغيراً، وكان النصر فيها لجند الله ورسوله، وهزم المشركون وقتل من صناديدهم عدد كبير منهم: أبو جهل، وعتبة بن ربيعة، وشبيبة بن ربيعة، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف. انظر: مهدي رزق الله/ السيرة النبويّة في ضوء المصادر الأصلية ص: 337-366.
(2) أبو حُذيفة بن عُتبة بن ربيعة القرشي العَبْشَمِي كان من فضلاء الصحابة من المهاجرين الأولين شهد المشاهد كلها وقتل يوم اليمامة، ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/197.(10/37)
بالسيف(1).
ومنها: أنّ عمر سمع صوت امرأة تبكي على ميت لها، فنهاها عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعها يا أبا حفص فإن العهد قريب، والعين باكية"(2)
__________
(1) رواه ابن إسحاق/ سيرة ابن هشام 1/224، قال: حدّثني العباس بن عبد الله ابن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس. وهذا السند رجاله ثقات، ولكن فيه إبهامُ بالبعض الذين يروي عنهم العباس بن عبد الله بن معبد، ورواه جميع من رواه من طريق العباس بن عبد الله بن معبد وهم: ابن سعد/ الطبقات 4/11، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/34، البيهقي/ دلائل النبوة 3/140، 141.
ورواه الحاكم في المستدرك 3/223 أيضاً من طريق محمّد بن إسحاق عن العباس بن معبد غير أنه قال فيه: عن أبيه عن ابن عباس فيكون السند متصلاً لكن الحاكم خالف في ذلك جميع من روى الخبر ورجال سنده هم رجال السند عند البيهقي وغيره بل رواه البيهقي من طريق الحاكم وهو شيخه، فإن ثبت ما في سند الحاكم كان السند متصلاً والأثر حسناً، وإلا فإن السند ضعيف لإبهام الراوي عن ابن عباس.
وأمّا ما وقع في سند الحاكم من تسمية شيخ محمّد بن إسحاق بالعباس بن معبد فقد خالف فيه أيضاً جميع من روى الأثر، حيث إنهم قالوا: "العباس بن عبد الله بن معبد". والذي اتضح لدي بعد الرجوع إلى كتب التراجم وكتب المؤتلف والمختلف في الأسماء أنه رجلٌ واحدٌ وقد نسبه الحاكم لجده، لأن العباس بن عبد الله بن معبد يروي عن أبيه كما في رواية الحاكم، ويروي عن بعض أهله كما نصّ على ذلك المزي في تهذيب الكمال. والله أعلم.
(2) رواه الحميدي/ المسند 2/445 من طريق محمد بن عجلان عمن سمع أبا هريرة رضي الله عنه. وابن عجلان صدوق اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة تق 585. وفيه إبهام بالراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وعند ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "دعها يا عمر" ضعفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. ضعيف ابن ماجه ص 120. وليس فيه تكنية النبي صلى الله عليه وسلم له بأبي حفص. والحديث له طرق آخرى يحسَّن بها. انظر: ص: 310.(10/38)
.
وروي كذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب لما أسلم: "قد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز بك الدين"(1).
المسألة الثالثة: لقبه:
وأمّا لقبه رضي الله عنه فهو (الفاروق)، وهو رضي الله عنه جدير بهذا اللقب فإنه ممن فرق الله به بين الإسلام والكفر بعد إسلامه وبعد توليه الخلافة وظهر به الإسلام وخفقت راياته في أرجاء المعمورة.
وقد اختلف فيمن لقّبه بهذا اللقب فقيل إن الذي لقّبه بذلك هم أهل الكتاب. قال الزهري رحمه الله: وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئاً(2).
__________
(1) رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة/ القسم المخطوط 1/260،261، البخاري/ التاريخ الصغير 1/250 من طريق عبد الله بن شرحبيل عن رجل عن زيد بن أبي أوفى. قال ابن حجر في الإصابة 1/560 في ترجمة زيد بن أبي أوفى: روى حديثه ابن أبي حاتم والحسن بن سفيان والبخاري في التاريخ الصغير من طريق ابن شرحبيل عن رجل من قريش عن زيد بن أبي أوفى ولحديثه طرق عن عبد الله بن شرحبيل، وقال ابن السكن: روي حديثه من ثلاث طرق ليس فيها ما يصح، وقال البخاري: لا يعرف سماع بعضهم من بعض ولا يتابع عليه، رواه بعضهم عن ابن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى ولا يصح.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/270، وابن شبه/ تاريخ المدينة 2/227، البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان 152، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/562، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 45، ابن الأثير الجزري/ أسد الغابة 4/57.
قال ابن سعد: "أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان، قال: قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر: الفاروق، وكان المسلمون يؤثرون ذلك..." الخ.
وسند ابن سعد رجاله ثقات صحيح إلى الزهري، ولكنه بلاغاً والبلاغات منقطعة. وراه سائر من رواه من طريق يعقوب بن إبراهيم بن مثلة. فالأثر ضعيف.(10/39)
وقيل: إن الذي لقّبه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال: "إن الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحقّ والباطل"(1).
وكلتا الروايتين لم تثبتا، ولعل الصواب أن الذين لقّبه بذلك هم المسلمون، لأن الإسلام عز وظهر بإسلامه كما ثبت ذلك في الصحيح ولا مانع أن يكون أهل الكتاب لقبوه بذلك لما رأوا من عدالته وظهور الحقّ على يديه.
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/270، وابن شبه/ تاريخ المدينة 2/227، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/562، أبو نعيم/ دلائل النبوة ص 194، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 44، ابن الأثير/ أسد الغابة 4/57. ابن حجر/ الإصابة 2/519، وهو عند ابن سعد من طريقين:
الأولى: من طريق أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص وهو ثقة، من السادسة تق 119، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق" فالإسناد معضل.
والثانية: من طريق الواقدي وهو متروك عن أبي ذكوان قال: قلت لعائشة من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم. وهو عند بن شبه من طريقي ابن سعد المتقدّمتين، وفيه عند الطبري الواقدي، وفيه عند أبي نعيم إسحاق بن أبي فروة متروك تق: 102.
ورواه ابن عساكر من طريق أيوب بن موسى المتقدّم عند ابن سعد ورواه ابن الأثير من طريق ابن أبي فروة فالأثر ضعيف.(10/40)
ومن ألقابه رضي الله عنه بعد الخلافة (أمير المؤمنين) وهو أول من لقب بهذا اللقب وسبب ذلك أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عامله بالعراق: أن ابعث إليّ برجلين جلدين، نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراق بلبيد(1) بن ربيعة،وعدي(2) بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فوجدا عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو، فدخل على عمر، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت. قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين. فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه إنه الأمير ونحن المؤمنون. فجرى الكتاب من ذلك اليوم(3)
__________
(1) لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك من بني عامر بن صَعْصَعَة أبو عقيل الشاعر المشهور. قال الشعر في الجاهلية دهراً ثم أسلم وتوفي سنة 41هـ وعمره 145 سنة، الإصابة 3/326.
(2) عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي أسلم سنة تسع وقيل عشر وكان نصرانياً. صحابي جليل مات بعد الستين وله 120 سنة، الإصابة 2/468.
(3) رواه البخاري/ الأدب المفرد، ص: 353 بإسناد صحيح.
قال: حدّثنا عبد الغفّار بن داود، قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الرّحمن عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب أنّ عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة لِمَ كان أبو بكر يكتب: "من أبي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ كان عمر يكتب من بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر. من أوّل من كتب أمير المؤمنين؟".
قال: حدّثتني جدّتي الشّفاء وكانت من المهاجرات الأوّل، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السّوق دخل عليها، قالت: كتب عمر... الأثر.
وصححه الشيخ الألباني/صحيح الأدب المفرد 390، ورواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/244،245، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/97، الطبراني/ المعجم الكبير 1/64، الحاكم/ المستدرك 3/81،82 وغيرهم.(10/41)
.
وقيل: إنه لقب بذلك بعد اجتماع المسلمين وتشاورهم ثم اتفاقهم بعد ذلك على أن يدعوا عمر بأمير المؤمنين وذلك بعد أن كان يقال لأبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستثقلوا أن يقولوا لعمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
وقيل: إن عمر رضي الله عنه هو الذي أشار بذلك على أصحابه وقال لهم: أنتم المؤمنون وأنا أميركم(2).
وذكر أن أوّل من حيا عمر بن الخطاب (بأمير المؤمنين) هو المغيرة بن شعبة(3)
__________
(1) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان ص 190 بإسناد واهٍ فيه هشام ابن محمد بن السائب الكلبي، قال الدارقطني: متروك. وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة. وقال أحمد: إنما كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحداً يحدث عنه. وقال الذهبي: وهشام لا يوثق به. ميزان الاعتدال 4/304، وهو يروي عن أبيه محمّد بن السائب الكلبي وهو متهم بالكذب. تق 479.
(2) رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/243، الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/569 بإسنادين الأول فيه جويبر بن سعيد الأزدي ضعيف جداً تق 143، وهو معضل من رواية الضحاك بن مزاحم صدوق من الخامسة. تق 280 وعن عمر رضي الله عنه والآخر فيه أحمد بن عبد الصمد الأنصاري الزرقي، قال الذهبي: لا يعرف. ميزان الاعتدال 1/117 وفيه أم عمرو بنت حسان الكوفية عن أبيها ولم أجد لهما ترجمة.
(3) رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/242،243 بإسنادين.
قال: حدّثنا الحسن بن عثمان قال حدّثنا محمّد بن حرب الأبرش قال حدّثنا محمّد بن الوليد الزبيري عن الزهري. وهذا السند رجاله ثقات ورواية الزهري عن عمر منقطعة. ورواه من طريق آخر فقال: حدّثنا محمّد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن أبيه عن جدّه. وفي هذا السند عبد العزيز بن عمران الزهري متروك احترقت كتبه فحدّث من حفظه فاشتد غلطه، وكان عارفاً بالنسب، تق: 358. وأبو عمران بن عبد العزيز بن عمر الزهري قال فيه يحيى ابن معين: منكر الحديث. وكذا قال البخاري. ميزان الاعتدال 3/239. وجده عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري مقبول من الثالثة. وروايته عن عمر منقطعة، فالسند ضعيف. ورواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 221 موقوفاً على الزهري فالأثر ضعيف.
والمغيرة بن شعبة، هو ابن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي، أسلم عام الخندق وقدم مهاجراً، وقيل: إن أوّل مشاهده الحديبية، توفي سنة: 50هـ. الاستيعاب 4/7-9.(10/42)
.
ولا مانع أن يكون المسلمون قد اجتمعوا واتفقوا على تلقيب عمر رضي الله عنه بهذا اللقب، بعد أن لقبه به المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ثم قدم الرجلان من أهل العراق ولقبا عمر أيضاً بهذا اللقب فأقرّ عمر هذا، وقال: أنتم المؤمنون وأنا أميركم.
ولقب عمر أمير المؤمنين مذكور في كتب أهل الكتاب، فقد جاء رجل من أهل الكتاب إلى عمر فقال: السلام عليك يا ملك العرب، فقال عمر رضي الله عنه: وعليك، كذلك تجده في كتابكم؟! أليس تجد نبياً، ثم خليفة ثم أمير المؤمنين، ثم الملوك. قال: بلى(1).
المسألة الرابعة: مولده:
تعددت الأخبار في تحديد العام الذي ولد فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقيل إنه ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عاماً(2).
وعام الفيل هو العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، قال قيس(3) بن مخرمة رضي الله عنه: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل(4)
__________
(1) رواه ابن شبه 2/245 بإسناد متصل رجاله ثقات غير حيان بن بشر بن المخارق شيخ ابن شبه سئل عنه أبو زكريا فقال: ليس به بأس. تاريخ بغداد 8/284، وفيه تدليس الأعمش سليمان بن مهران لكن روايته هنا عن إبراهيم النخعي وهي محمولة على الاإتصال لكونه من المكثرين عنه. ميزان الاعتدال 2/224. فالأثر حسن.
(2) رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153 بإسناد ضعيف فيه عبد العزيز بن عمران الزهري وهو متروك، احترقت كتبه فساء حفظه. تق 358.
(3) قيس بن مَخْرَمَة بن المطلب بن عبد مناف بن قصيّ القرشيّ، ولد هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. وهو أحد المؤلّفة قلوبهم ومن حسن إسلامه منهم. الاستيعاب 3/358.
(4) حسن لغيره. انظر: السيرة النبوية الصحيحة. أكرم العمري 1/96.
عام الفيل: سمي بهذا الاسم لأن أبرهة الحبشي النصراني قدم بجيشه ومعه الفيلة لهدم الكعبة الشريفة، فأرسل الله عليه وعلى جنده الطير الأبابيل، فأهلكهم الله عز وجل وذكر الله تعالى هذا في سورة الفيل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ...} السورة. وحدد العلماء هذه الحادثة بعام: 571م. انظر: مهدي رزق الله/ السيرة النبويّة في ضوء المصادر الأصلية ص: 109، 110.(10/43)
.
فعلى هذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسن من عمر بثلاثة عشر عاماً وهذا يشهد له ما ثبت في الصحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ماتوا وهم أبناء ثلاث وستين(1) حيث أن عمر رضي الله عنه مكث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً فيكون عمره يوم وفاته مساوياً لعمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل ولد قبل حرب الفِجار الأعظم بأربع سنين(2).
وحرب الفجار وقعت في الجاهلية وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم عشرين عاماً(3).
وقيل كان عمره صلى الله عليه وسلم أربعة أو خمسة عشر عاماً(4).
فعلى القول الأول يكون النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من عمر بستة عشر عاماً وعلى الثاني يكون أكبر منه بأحد عشر عاماً أو عشرة أعوام.
وفي رواية أنه ولد بعد الفجار بأربع سنوات(5).
والقول الأول هو الراجح لموافقته ما في الصحيح كما تقدم والله أعلم.
وأما مكان مولده: فقد ذكر أنه ولد في دار والده الخطاب(6).
__________
(1) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 15/101-103.
(2) رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/225،226، البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان 145، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/562 -563 كلّهم من طريق الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم، والواقدي متروك. تق 498 وأسامة بن زيد بن أسلم ضعيف من قبل حفظه. تق 98. فالخبر ضعيف.
(3) ابن هشام/ السيرة النبوية 1/243 من كلام ابن إسحاق.
وسميت هذه الحرب بالفجار، لأن قريشاً وبني كنانة قاتلوا قبيلة هوزان في الشهر الحرام، فسموا الفجار من الفجور. انظر: ابن هشام/ السيرة النبويّة 1/242، 243.
(4) المصدر السابق 1/241 من كلام ابن هشام.
(5) ابن الأثير/ أسد الغابة 4/53 من غير سند، قال: روي عن عمر أنه قال: ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين.
(6) رواه خليفة بن خياط/ التاريخ 156 من غير إسناد. وزاد عن يسار الداخل من بابها.(10/44)
وكانت تلك الدار بالحثمة(1)، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إنا بالحثمة، إذ سمعت صارخاً من دار الخطاب قال: فقلت: ما هذا؟ قالوا: ولد للخطاب مولود: يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه(2)
__________
(1) الحَثْمَة: صخرات في رَبَع عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الفاكهي/ أخبار مكة 4/208، 209، وقال محقق الكتاب عبد الملك بن عبدالله بن دهيش: لم يعد لها وجود اليوم، فتلك الصخرات كانت في ربع عمر بن الخطاب، وربع عمر كان عند الجبل المسمى بجبل عمر وقد نحت منه الكثير لتوسعات شتى في الطرق والشوارع. المرجع السابق 4/207.
ونقل ابن سعد أن منازل بني عدي بمكة بجوار الجبل الذي كان يسمى في الجاهلية بالعاقر، ويسمى الآن بجبل عمر. رواه ابن سعد في الطبقات 3/266. قال: سألت أبا بكر بن محمّد بن أبي مرة المكّيّ وكان عالماً بأمور مكّة عن منزل عمر بن الخطاب في الجاهلية... الخ.
وأبو بكر بن محمّد لم أقف على ترجمته، وعند الأزرقي في أخبار مكّة 2/292، في ذكر شق مسفلة مكّة اليماني وما فيه قال: جبل عمر الطويل المشرف على ربع عمر اسمه العاقر، وقد قال الشاعر:
هيهات من ألم خيالها
سلمى إذا نزلت بسفح العاقر
وقال في ص: 296: "جبل عمر: الجبل المشرف على حق آل عمر، وحق آل مضيع بن الأسود وآل كثير بن الصلت الكندي... وكان يسمى في الجاهلية أعاصير".
وقد أرفقت خلف هذه الصّفحة صورة توضيحية لمكان جبل عمر.
(2) رواه الفاكهي/ أخبار مكة 4/208، 209. فقال: حدّثني أبو زرعة الجرجاني، قال: ثنا عبد الرّحمن السّكريّ، قال: ثنا سفيان بن عيينة، قال: سمعت عمرو بن دينار أو في مجلس عمرو بن دينار قال: قال عمرو بن العاص.
وهذا السّند رجاله ثقات سوى عبد الرحمن السكري لم أعرفه، وفي إسناده شك من سفيان بن عيينة في سماعه من عمرو بن دينار حيث قال: سمعت عمرو بن دينار أو في مجلس عمرو بن دينار وعمرو بن دينار ثقة من الرابعة تق 421 لم تذكر له رواية عن عمرو بن العاص، وابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 13،14 بالإسناد السابق ولكن فيه أوسمعت في مجلس عمرو بن دينار من داود ابن شابور المكي: قال: قال عمرو ابن العاص: ... وداود بن شابور ثقة من السادسة. تق 198 وهذه الطبقة أي السادسة لم يثبت لأحد منهم أن لقي أحداً من الصحابة رضوان الله عليهم. وفيه عند ابن عساكر وهم أو خطأ حيث فيه أن عمرو بن العاص قال: إنا لجلوس بالشام إذ سمعنا صارخاً فقلنا: ما هذا؟ فقالوا: ولد للخطاب غلام - يعني عمر بن الخطاب. فالأثر ضعيف لكنه مما يتساهل فيه.(10/45)
.
المسألة الخامسة: صفاته الخَلقية:
لقد كانت صفات عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخَلقية صفاتٍ دالة على قوته وشدته وحزمه وصرامته وهيبته ووقاره رضي الله عنه.
فمن صفاته رضي الله عنه أنه كان آدم اللون(1).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إنما جاءتني الأدمة من قِبل أخوالي(2).
وذكرت بعض الأخبار: أن عمر رضي الله عنه كان أبيض اللون(3)
__________
(1) الأُدْمَةُ: السُمرة، والادم من الناس الأسمر. ابن منظور/ لسان العرب 1/97.
رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 326، 327.
قال: حدّثني عبيد الله بن معاذ بن معاذ، حدّثني أبي عن شعبة عن سماك بن حرب، قال: أخبرني هلال بن عبد الله، قال: رأيت عمر... الأثر.
وفي إسناده سماك بن حرب صدوق تغير بأخره، فكان ربما تلقن الحديث، ولكن رواية شعبة عنه صحيحة مستقيمة. المزي/ تهذيب الكمال 12/20 وفيه هلال بن عبد الله يروى عن عمر رضي الله عنه ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 9/73، وذكره ابن حبان في الثقات 5/505 وبقية رجاله ثقات. ورواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 18،19 من طريق شعبة عن سماك به مثله. وقد جاءت صفة الأدمة لعمر رضي الله عنه في أثر آخر عن زر بن حبيش رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 325 عن زر بن حبيش، الطبري/ التاريخ 2/562، الحاكم/ المستدرك 3/81، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/203 وإسناده عند البلاذري متصل رجاله ثقات سوى عاصم بن أبي النجود وثقه أحمد وأبو زرعة وقال الذهبي: قلت: هو حسن الحديث. ميزان الاعتدال 2/357. وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. تق 258 ورواه سائر من رواه من طريق عاصم. فالأثر الثاني حسن. وهو يشهد للأثر الأوّل في إثبات صفة الأدمة لعمر رضي الله عنه.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات الكبرى 3/324 بإسناد ضعيف فيه محمد بن عمر الواقدي وهو متروك.
(3) رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/205،206، ابن عساكر/ تاريخ دمشق، ص: 14.
قال أبو نعيم في روايته: حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن جبلة، ثنا أبو العباس السراج "محمّد ابن إسحاق بن إبراهيم" ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق ثنا حسين بن محمّد "ابن بهرام التميمي" ثنا جرير بن حازم عن أبي رجاء العطاردي قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه طويلاً، جسيماً، أصلع شديد الصلع، أبيض شديد حمرة العينين في عارضيه خفة، سبلته كثيرة الشعر في أطرافها صهبة. وهذا السند رجاله ثقات سوى شيخ أبي نعيم أحمد بن محمد أبو حامد لم أجد له ترجمة.
ورواه ابن عساكر من طريق إبراهيم الجوهري به مثله عند أبي نعيم وفي سنده أبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز لم أجد له ترجمة وفيه عمر بن الحسن الأشناني ضعفه الدارقطني والحسن بن الخلال. ميزان الاعتدال 3/185.
ورويت صفة البياض عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عمر رجلاً أبيض أمهق تعلوه حمرة روى ذلك ابن سعد/ الطبقات 3/324، الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/562، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/203،204، ابن عساكر: تاريخ دمشق ص: 14 كلهم من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو متروك.(10/46)
ولكن الأخبار التي في صفة الأدمة والسمرة وردت من طرق ثابتة ووفق البعض بين ما ورد من صفة بياض لون عمر بن الخطاب وبين ما ورد من سمرة لونه بما ذكرته بعض الروايات من أن عمر كان أبيض اللون ولكن لونه تغير عام الرمادة فصار أسمر بسبب الجهد وقلة الطعام(1).
وأقول ليس هناك ما يمنع أن يكون عمر رضي الله عنه في شبابه أبيض اللون لو ثبت ما ورد في صفة البياض له ثم تغير لونه لما كبر بسبب أعباء الخلافة وما كان يقوم به من تفقد لأحوال رعيته ومشيه في شدة الرمضاء وما كان يناله من التعب والجهد والمشقة إضافة إلى ما عرف عنه من زهد في الطعام والشراب وغيرهما من متع الحياة.
وكان رضي الله عنه أصلع الرأس(2)
__________
(1) ابن سعد/ الطبقات 3/324، البلاذري/ أنساب الأشراف. صفحة 325 كلاهما عن محمد بن عمر الواقدي.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/324، 326، الطبراني/ المعجم الكبير 1/65، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/204، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 14.
وهو عند ابن سعد من طريقتين: الأولى فيها الواقدي.
والثّانية، قال فيها: أخبرنا عبد الوهّاب بن عطاء العجلي، قال: أخبرنا ابن جريج عن عثمان بن أبي سلمان عن نافع بن جبير بن مطعم، قال: صلع عمر.
وفي هذا الإسناد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مدلّس من الثالثة، ولم يصرّح بالسّماع. ونافع بن جبير ثقة، روايته عن عمر منقطعة.
وقال الطبراني في روايته حدثنا يحيى بن أيوب العلاف ثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا يحيى ابن أيوب بن بادي الخولاني عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر بن الخطاب أصلع شديد الصلع. ورجال السند ما بين ثقة وصدوق، وأما سعيد بن المسيب فروايته عن عمر بن الخطاب أثبتها أحمد حيث أثبت سماعه منه، وقال ابن حجر في التهذيب 4/87: وقد وقع لي بإسناد صحيح لا مطعن فيه تصريح سعيد بسماعه من عمر، وقال مالك بن أنس رضي الله عنه: لم يدرك عمر ولكنه ولد في زمانه، فلما كبر أكب على السؤال عن شأنه وأمره حتى كأنه. وقال العلائي: أحد الائمة الكبار المحتج بمراسيلهم، جامع التحصيل في أحكام المراسيل.
والأثر عند أبي نعيم من طريق يحيى بن أيوب العلاف به مثله عند الطّبراني.
ورواه ابن عساكر من طريقي زر بن حبيش المتقدّم عند البلاذري في ص:(89) حاشية (1)، وطريق أبي رجاء العطاردي عند أبي نعيم والذي تقدم في ص: (90) حاشية (2). وهما طريقان حسنان. فالخبر صحيح بمجموع طرقه.(10/47)
، طويل القامة(1).
وكان رضي الله عنه ضخم الجسم(2)
__________
(1) تقدم ذكر صفة الطول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأثر المروي عن زر ابن حبيش رضي الله عنه بإسناد حسن في الصفحة (89) الحاشية (1) وأيضاً في الأثر المروي عند أبي نعيم في معرفة الصحابة 1/205،206 عن أبي رجاء العطاردي وتقدم الكلام عليه في صفحة (90) حاشية (2).
وقد رويت نصوص فيها ذكر صفة الطول لعمر رضي الله عنه عند ابن سعد/ الطبقات 3/324،325، البلاذري/ أنساب الأشراف 326، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/562 كلهم من طريق محمد بن عمر الواقدي وتقدم أنه متروك.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/325، قال أخبرنا سليمان بن أبي داود الطيالسي عن شعبة عن سماك بن حرب قال: أخبرني هلال قال: رأيت عمر رجلاً جسيماً كأنه من رجال سدوس، وهذا السند رجاله ثقات سوى سماك بن حرب صدوق تغير بآخره. فكان ربما يلقن الحديث ولكن رواية شعبة عنه صحيحة مستقيمة وهو هنا يروي عنه وفيه هلال بن عبد الله ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. والجرح والتعديل 9/73، وذكره ابن حبان في الثقات 5/505.
ورواه سائر من رواه من رواية سماك بن حرب عن هلال به مثله، وهم: البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 326، وابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/198، وأبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/205.
ورواه ابن سعد من طريق آخر عن شعبة عن سماك عن بشر بن قحيف وإسناد رجاله ثقات سوى سماك وتقدم ما فيه وبشر بن قحيف ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/363، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عن عمر والمغيرة وروى عنه سماك بن حرب 4/69.
وقد تابع سماكٌ في هذا السّند هلال بن عبد الله في السند السابق.
فالأثر بطريقيه يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
وقد رويت صفة ضخامة جسم عمر رضي الله عنه في الأثر الحسن الوارد عن أبي رجاء العطاردي والذي رواه أبو نعيم، وقد تقدم الكلام عليه في ص (90) حاشية (2).(10/48)
، بعيد ما بين المنكبين(1).
وكان جهوري الصوت(2).
__________
(1) رواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/282 فقال: حدثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: كنت أنشده يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف أصحابه حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع، فقيل لي: أسكت....إنه عمر بن الخطاب.... الحديث.
وأبو يزيد القراطيسي هو يوسف بن يزيد ثقة واسد بن موسى قال ابن حجر: صدوق يغرب تق 104، ووثقه ابن يونس وقال: حدث بأحاديث منكرة وهو ثقة فأحسب الآفة من غيره، وقال العجلي: مصري ثقة، وكان صاحب سنة، ووثقه ابن قانع، ورد الذهبي على من ضعفه فقال: الحافظ الملقب بأسد السنة، وقد استشهد به البخاري واحتج به النسائي وأبو داود وما علمت به بأساً إلا أن ابن حزم ذكره في كتاب الصيد فقال: منكر الحديث، وقال ابن حزم أيضاً: ضعيف، وهذا تضعيف مردود. ميزان الاعتدال 1/207.
وأما مبارك بن فضالة فهو صدوق كما قال ابن حجر وهو مدلس من الثالثة كما ذكر ابن حجر في تعريف أهل التقديس، لكن نقل الذهبي عن المروزي عن أحمد قوله: ما روي عن الحسن يحتج به. ميزان الاعتدال 3/431 وذلك لأنه والله أعلم من المكثرين عن الحسن البصري، فقد قال مبارك: جالست الحسن ثلاث عشرة سنة 3/431، فالأثر حسن إن شاء الله.
(2) رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 4/399،401 فقال: حدثني ابن شهاب حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود. وهذا الإسناد رجاله ثقات وعبد الله بن زمعة صحابي جليل استشهد يوم الدار مع عثمان رضي الله عنه. تق 303 فالأثر صحيح.
ورواه الفسوي/ المعرفة والتاريخ 1/243، 244، 453.(10/49)
وكان إذا غضب فتل شاربه ونفخ(1).
وكان أعسر يسراً(2).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/326 فقال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: جاء رجل من أهل البادية إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية، وأسلمنا عليها في الإسلام ثم تحمى علينا؟ فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه. وهذا إسناد صحيح.
ورواه أبو عبيد/ الأموال صفحة 310، ابن زنجويه/ الأموال 2/668، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/56، البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان 327.
وروي بلفظ: كان عمر إذا غضب فتل شاربه، رواه ابن سعد/ الطبقات 3/326، البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان 327 كلاهما من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو متروك، رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 1/100 فقال: حدثنا محمد بن الفضيل نا معن، نا مالك عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه وهذا السند رجاله ثقات سوى شيخ ابن أبي عاصم فلم أجد له ترجمة، ورواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/66 فقال: حدثني عبد الله بن أحمد عن أبيه حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع، قال: رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك، فقال: حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير: أن عمر كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ، وهذا السند رجاله ثقات غير أن عامر بن عبد الله بن الزبير لم يدرك عمر ففي السند انقطاع.
ورواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/206 من طريق ابن أبي عاصم به مثله عنده.
(2) أعْسَر يَسَرا: هو الذي يعمل بيديه جميعاً، ويسمى الأضبط. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث والأثر 5/97.
جاءت هذه الصفة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأثر الذي رواه زر بن حبيش وهو أثر حسن تقدم الكلام عليه في صفحة (89) حاشية (1) والذي رواه البلاذري وجاء عند الطبراني/ المعجم الكبير 4/233 أن عمر كان أضبطاً وفيه إبراهيم بن عثمان العبسي وهو متروك. تق 92.(10/50)
وكان رضي الله عنه قوي الجسم والبنية(1).
وهناك آثار تدل بمجموعها على قوة جسم عمر وبنيته، من ذلك:
ما روي أن عمر رضي الله عنه خرج في الجاهلية مع عمارة(2) بن الوليد بن المغيرة إلى الشام، فشذت ناقة له، فلحقها عمر بعد طلب، فاعتقلها وطرحها لجنبها يسيراً، فحسده عمارة على ما رأى من قوته...الخ(3).
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان يصارع في سوق عكاظ(4)
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 1/71، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 5/192، كتاب التيمم والبيهقي/ السنن الكبرى 1/218،219، ولفظ البخاري وكان جليداً والجليد هو القوي في نفسه وجسمه. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/284 ولفظ مسلم وكان أجوف جليداً.
قال النووي: الأجوف هو الذي يخرج صوته من جوفه، وقال ابن الأثير: الأجوف: كبير الجوف عظيمه. النهاية في غريب الحديث 1/316.
(2) هو: عمارة بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي. مات كافراً، ولم يسلم بعثته قريش إلى النجاشي، فجرت له معه قصة فأصيب بعقله وهام مع الوحش. قال ابن حجر: "وقد بينت أنّه ممن دعا عليهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما وضع عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهره وهو يصلي". ابن حجر/ الإصابة 3/171.
(3) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 202 وفي إسناده الأثرم شيخ البلاذري لم أجد له ترجمة وهو معضل من رواية أبي وجزة وهو ثقة من الخامسة عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(4) عُكَاظ: أشهر أسواق العرب كان يوجد في الجهة الشمالية من بلدة الحوية اليوم، ويمكن تحديده بأنه يقع شمال شرقي الطائف على قرابة 35 كم في أسفل وادي شرب، وأسفل وادي العرج عندما يلتقيان هناك. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 215.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/325، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/13،14 347، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 326، وفي سنده عند ابن سعد والبلاذري أبو هلال الراسبي صدوق فيه لين. تق 481، وفيه أبو التياح يزيد بن حميد الضبي ثقة من الخامسة يروي عن عمر رضي الله عنه، روايته عنه معضلة، وفيه عند ابن شبة خليد بن دعليج ضعفه أحمد، وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال ابن حبان: كان كثير الخطأ. ميزان الاعتدال 1/663، وفيه قتادة بن دعامة، ثقة من الرابعة يروي عن عمر رضي الله عنه، روايته عنه منقطعة فالأثر ضعيف.(10/51)
.
وعكاظ لم تكن مجرد سوق تجارية بل كانت مناسبة سنوية للتسلية واللهو والتفريج عن النفس. وهذا الذي اجتذب الشعراء إليها(1).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "يا عمر، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر وتؤذي الضعيف..." الحديث(2).
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان إذا ركب فرسه أخذ بأرنبة أنفه أو بأذنه ثم وثب وثوباً على متن فرسه(3).
__________
(1) حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 256.
(2) رواه عبدالرزاق/ المصنف 5/36، ابن أبي شيبه/ المصنف 3/171، أحمد/ المسند 1/28، الطحاوي/ شرح معاني الآثار 2/178، البيهقي/ السنن الكبرى 5/80، ابن كثير/ مسند الفاروق 1/314، 315.
وهو في المسند من رواية عبد الله بن أحمد قال: ثنا وكيع ثنا سفيان (بن عيينة) عن أبي يعفور العبدي قال: سمعت شيخاً بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر...، وهذا السند رجاله ثقات سوى الشيخ الذي يحدث عنه أبو يعفور فهو مبهم ورواه سائر من رواه من طريق أبي يعفور عن هذا الشيخ المبهم، سوى البيهقي فإنه رواه بإسناد آخر وفيه أبو الحسن محمد بن إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي وعلي بن عبد الله بن صالح الدهان لم أجد لهما ترجمة، وفيه مفضل بن صالح الأسدي، قال أبو حاتم والبخاري: منكر الحديث، تهذيب الكمال 28/410 وقال ابن حجر: ضعيف 544. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/293 من طريق الواقدي ورواه البلاذري/ أنساب الأشراف 201،202 فقال: حدثني الأثرم أبو الحسن حدثني الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء بن عمرو بن العريان عن أبي وجزة يزيد بن عبيد، قال: رأيت عمر بن الخطاب أمسك أرنبة أنفه... وشيخ البلاذري الأثرم لم أجد له ترجمة، وأبو وجزة ثقة من الخامسة فروايته عن عمر معضلة.
ورواه ابن أبي الدنيا/ مكارم الأخلاق 153، 154، الطبراني/ المعجم الكبير 1/66، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/207 كلهم من طريق عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف. تق 314. فالأثر ضعيف.(10/52)
وكان رضي الله عنه ذا لحية عظيمة(1)
__________
(1) رواه أحمد/ فضائل الصحابة 1/290، قال: ذكر مصعب بن عبد الله الزبيري قال: حدّثني أبي عبد الله بن مصعب بن ربيعة بن عثمان الهديري عن زيد بن أسلم عن أبيه، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك 2/567، 568. قال: حدّثني أحمد بن حرب قال: حدّثنا مصعب بن عبد الله الزبيري بإسناد أحمد السابق.
ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 301،302، قال: أخبرنا أبو القاسم عليّ ابن إبراهيم أنا رشأ بن نظيف أنا الحسن ابن إسماعيل أنا أحمد بن مروان نا محمّد بن سليمان الواسطيّ نا سعيد بن منصور نا عطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه.
ابن قدامة/ الرقة 81-82، قال: أخبرنا أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد السلمي قراءة عليه أنبأ أبو القاسم عليّ بن إبراهيم به عند ابن عساكر بالإسناد السابق.
ابن الأثير/ أسد الغابة 4/67. من غير إسناد فقال: روى زيد بن أسلم عن أبيه وذكر المتن.
وفي إسناده عند أحمد والطبري وابن عساكر عبد الله بن مصعب الزبيري، لينه ابن معين، وقال أبو حاتم: شيخ من بابة عبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد الرحمن قال عنه ابن أبي حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به/ الجرح والتعديل 5/252، وقال الخطيب البغدادي عن عبد الله ابن معين: ولاه الرشيد إمارة المدينة واليمن، وكان محموداً في ولايته، جميل السيرة مع جلالة قدره وعظم شرفه، وذكر عن الإمام مالك أنه كان يسميه المبارك وذكره ابن حبان في الثقات 7/56 ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 5/178، الخطيب/ تاريخ بغداد 10/173، وقال الذهبي: الأمير الكبير كان محتشماً فصيحاً مفوهاً وافر الجلالة، محمود الولاية/ سير أعلام النبلاء 8/517. ميزان الاعتدال 2/505 وقال ابن كثير: كان من أعدل الولاة/ البداية والنهاية 10/192.
وفيه ربيعة بن عثمان الهديري التيمي وثقة ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: منكر الحديث يكتب حديثه. المزي/ تهذيب الكمال 9/132،133، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. تق 207 وبقية رجاله عند أحمد والطبري ثقات. وفي إسناده عند ابن قدامة الحسن بن إسماعيل الضراب، ضعفه الدارقطني. لسان الميزان 2/197، وفيه أحمد بن مروان الدينوري ضعفه الدارقطني، سير أعلام النبلاء 15/427 وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف. تق 340 فالأثر حسن من طريقي أحمد والطبري.(10/53)
.
ومما روي في صفات عمر الخَلقية أنه كان: يسرع في مشيته، وكان في رجليه روح(1).
وأنه كان كثير الشيب(2)، وقال: أسرع إلى الشيب من قبل أخوالي(3). وأنه كان رجلاً أهلب(4)، فكان يحلق عنه الشعر(5).
وأنه كان بفخذه شامة سوداء(6).
المطلب الثاني: حياته في الجاهلية، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: تمسكه بالوثنية ومقاومته دعوة التوحيد.
__________
(1) الرَّوَح: إتساع ما بين الفخذين، أو سعة في الرجلين، وهو دون الفحج والأروح الذي تتدانى عَقِباه، وتتباعد صدور قدميه، ابن منظور/ لسان العرب 5/364.
رواه البلاذري أنساب الأشراف ص 326،327، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 18، 19 وإسناده عند البلاذري رجاله ثقات سوى سماك بن حرب وهلال بن عبد الله. وقد تقدّم الكلام عليهما في ص: (89).
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/324، الطبري/ التاريخ 2/562 من رواية الواقدي.
(3) رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/200 وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن الحسن بن علي بن محمد لم أجد له ترجمة. وأخواله رضي الله عنه هم: بنو مخزوم.
(4) أَهْلَب: أي غليظ الشعر، وكثير شعر الرأس والجسد، ابن منظور/ لسان العرب 15/111.
(5) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 1/105 ورجاله ثقات سوى علي بن أبي عائشة الراوي عن عمر رضي الله عنه صوابه العلاء بن أبي عائشة لم أجد له ترجمة.
(6) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/326، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 328، ابن أبي الدنيا/ الأشراف ص 326، الطبراني/ المعجم الكبير 1/66، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/204،205، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 234 ومداره على عمرو بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة مدلس، من الثالثة تق: 423، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات. فالأثر ضعيف.(10/54)
نشأ عمر رضي الله عنه بمكة وتربى في ربوع بطاحها بين أهله وأبناء عشيرته بني عدي بن كعب وشب كغيره من فتيان قريش وساداتها يدين بدين الوثنية بل إنه كان ممن قاوم دعوة التوحيد التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم واضطهد من آمن بها، من بني عدي بن كعب، فكان ممن نالهم إيذاء عمر على الإسلام أقرب الناس إليه أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل(1) وأم سعيد فاطمة بنت بعجة(2).
__________
(1) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله القرشي العدوي، ابن عم عمر بن الخطاب وصهره. يكنّى أبا الأعور. كانت تحته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر. وكانت أخته عاتكة بنت زيد تحت عمر بن الخطاب. كان من المهارجين الأوّلين، وكان إسلامه قديماً قبل عمر. وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة. توفي بالمدينة سنة خمسين أو إحدى وخمسين. وهو ابن بضع وسبعين. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب2/178-182.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/79 وفيه أن التعذيب وقع على سعيد وزوجته أخت عمر بإسناد متصل ورجاله ثقات، قال ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: ....
ورواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/442، ورواه البخاري/ الصحيح 2/323،324 وفيه اقتصار التعذيب على سعيد بن زيد.
ورواه الحاكم/ المستدرك 3/440 وفيه أن التعذيب كان على سعيد وأمه، وإسناد الحاكم صحيح. قال رحمه الله: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا أبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعيد، وهذا الإسناد رجاله ثقات سوى الحسن بن علي فقد وثّقه الدارقطني ومسلمة بن القاسم. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن حجر: صدوق. تق 162.
قال ابن حجر رحمه الله في الإصابة 2/46: وسعيد بن زيد كانت تحته أخت عمر، وكانت أمه من السابقين إلى الإسلام وهي فاطمة بنت بعجة.(10/55)
وممن روى تعذيب عمر لهم، جارية بني المؤمل وهم حي من بني عدي بن كعب فكان عمر يضربها حتى إذا مل، قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة... فابتاعها أبو بكر فأعتقها(1).
__________
(1) ابن هشام/ السيرة النبوية 1/393،394،قال ابن إسحاق: حدثني هشام بن عروة عن أبيه وهذا الإسناد رجاله ثقات إلا أن عروة بن الزبير روايته عن عمر منقطعة، ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. ورواه ابن سعد/ الطبقات 8/356، وأحمد/ فضائل الصحابة 1/118ـ120، وأبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان المحجة 2/329ـ331 من طريق ابن إسحاق به مثله، فالسند ضعيف لانقطاعه.(10/56)
ومن الأخبار المروية في تعذيب عمر للمستضعفين ما روي عن أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: والله إنا لنرتحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر(1) في بعض حاجتنا، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه - قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا. قالت: فقال: إنه للانطلاق يا أم عبدالله. قالت: فقلت: نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا، وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا مخرجاً. قالت: فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أرها، ثم انصرف، وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا قالت: فجاء عامر بحاجته تلك، فقلت له: يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر آنفاً، ورقته وحزنه علينا قال: أطمعت في إسلامه؟ قالت: قلت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قالت: يأساً منه، لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام(2)
__________
(1) هو: زوجها عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة العَنَزي حليف بني عدي ثم الخطاب والد عمر، كان آحد السابقين الأوّلين وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته ليلى بنت أبي خيثمة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدراً وما بعدها. مات سنة سبع وثلاثين. ابن حجر/ الإصابة 2/249.
(2) رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 1/423، قال ابن إسحاق: حدثني عبد الرحمن ابن الحارث بن عبد الله بن عياش عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: إنا لنرتحل... الخ.
وعبد الرحمن بن الحارث صدوق له أوهام من الطبقة السابعة. تق 338، وعبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة هو العدوي، ذكره البخاري في التاريخ الكبير 6/13 وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 5/385، وابن حجر في لسان الميزان 4/33. وتعجيل المنفعة ص 261، ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات 7/110.
وأمه ـ الظاهر أن المراد بها أم عبد الله بن عامر وليس أم عبد العزيز ، لأن المزي ذكر في ترجمة عبد الله بن عامر بن ربيعة أن أمه هي أم عبد الله بنت أبي حثمة زوجة الصحابي الجليل عامر بن ربيعة، تهذيب الكمال 15/141، فالسند ضعيف للجهالة بحال عبد العزيز بن عبد الله.(10/57)
.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر رضي الله عنه: "قد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص، فدعوت الله أن يعز بك الإسلام"(1).
فتبين من النصوص السابقة أن عمر رضي الله عنه كان ممن يقوم في جاهليته بتعذيب المؤمنين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم من المستضعفين وخاصة من بني عدي وهم قومه والناظر في سيرة النبي وما تعرض له السابقون إلى الإسلام من التعذيب يجد أن هذا التعذيب إنما كان يقع من أشراف قريش وساداتها على من آمن من قومهم(2).
وكذلك فإن صرامة عمر رضي الله عنه وقوة جسمه وبأسه وشدته مع تمسكه بالوثنية كان لها دور في تعذيبه للمسلمين السابقين وذلك قبل أن يدرك بفضل الله ثمّ بما أوتي من رجاحة رأي وعقل صدق دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وبطلان ما هو عليه من الشرك، فأسلم وتحولت صرامته وقوته على أعداء الله(3).
وفي هذا دلالة على مكانة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قريش وفي بني عدي بن كعب بالأخص.
ومن مساوئ الجاهلية التي ذكر أن عمر اتصف بها في جاهليته، تعاطي الخمور وشربها، فقد روي عنه قوله: وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية(4)
__________
(1) ضعيف، تقدم تخريجه والكلام عليه في صفحة (78).
(2) انظر: أكرم العمري/ السيرة النبوية الصحيحة 1/147ـ152.
(3) انظر: سليمان الطماوي/ عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة ص: 25، 26.
(4) رواه البيهقي/ السنن الكبرى 10/214، فقال: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا إسحاق بن الحسن الحربي ثنا عفان ابن مسلم ثنا حماد بن سلمة ثنا سماك بن حرب عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن عمر...، وهذا السند رجاله ثقات سوى أبي سهل فهو صدوق وأيضاً سماك بن حرب صدوق وروايته عن عكرمة مضطربة وقد تغير بأخره فكان ربما تلقن. تق 255، ولم يظهر لي هل سماع حماد بن سلمة منه قبل اختلاطه أم بعده.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في ذلك ما رواه ابن إسحاق في السيرة النبوية لابن هشام 1/427 قال عمر: كنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن أصحابه عطاء ومجاهد أو عمن روى ذلك. ورجال السند ثقات ولكن فيه الشك بمن روى عنهم عبد الله بن أبي نجيح وأيضاً عطاء ومجاهد روايتهم عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.(10/58)
.
ولا شكّ أنّ العرب في الجاهلية عرف عنهم حبّ الخمر والتلذّذ بشربها، وعدم مفارقتها لها في حضرهم أو سفرهم وفي نواديهم وحفلاتهم، ولا تكاد تخلو أشعارهم من التغني بها وذكر أوصافها، ومن ذلك قول عمرو(1) بن كلثوم.
ألا هي بصحنك فاصبحيناً ... ولا تبقى خمور الأندرينا
مشعشعة كأن الحصَّ فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا(2).
ويقول حاتم الطائي:
أماوي إمامت فاسعي بنطفه ... من الخمر رياً فانضحن بها قبري(3).
__________
(1) هو: عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد التغلبي كان شاعراً فارساً أحد فتاك العرب وهو صاحب أحد المعلقات العشر. أحمد الأمين/ شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها ص: 31.
(2) المصدر السابق ص: 97.
ومعنى البيتين: أنه يأمر المرأة أن تهب من نومها وأن تصبحهم، أي: تسقيهم الصبوح. وهو شراب الغداة. بالصحن وهو: القدح الواسح من خمر الأندرينا وهي: قرية جنوب حلب في طرف البرية. كانت مشهورة بالخمر، ومعنى مشعشة: أي: ممزوجة بالماء. رائق مزجها. والحُصّ هو: الورس، أو هو: الزعفران، شبه صفرتها بصفرته، وسخينا: أي: شراباً ساخناً. حاشية الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني 11/34.
(3) ديوان حاتم الطائيّ ص: 20.(10/59)
ومما يدلّ على تأصل حبّ الخمر وشربها في نفوس العرب أن الله عز وجل لم يحرمها دفعة واحدة وإنما كان تحريمها بالتدرج حتى تعتاد النفوس ذلك. وكان عمر رضي الله عنه بعد إسلامه من أبعد الناس عن شرب الخمر وأكثرهم كراهية لها. يدعو الله ويقول: "اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً حتى نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (1).
فقال عمر رضي الله عنه: "انتهينا انتهينا"(2).
ومنها وأد البنات(3)، وهي عادة عرف بها العرب، لتفضيلهم الذكور على الإناث فهم يعتمدون على الذكور في الصيد والغزو والحرب والتجارة وغيرها. أما الإناث فلم يكونوا يعتمدون عليهن في ذلك. وقد ذكر الله عز وجل كراهيتهم للإناث في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}(4).
__________
(1) سورة المائدة الآيتان: 90-91.
(2) صحيح. سيأتي تخريجه في ص: (372).
(3) وأد البنات: دفنهن وهن أحياء. النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الأثير 5/143.
(4) سورة النحل الآيتان: 58-59.(10/60)
وكان الرجل منهم يئد انته فيحفر لها الحفرة ثم يضعها فيها وهي حية ثم يهيل عليها التراب، وشاعت هذه العادة في تميم وقيس وهذيل، وكندة، وبكر وقريش، وكانوا يئدون البنات خشية العار إذا كبرت البنات ثم تعرضن للسبي. وكذلك خشية الفقر(1).
وكانت بعض قبائل العرب تكره هذه العادة بل كان فيهم من يأخذ البنات من آبائهم ويعتني بهن، ويحميهن من الوأد كصعصعة بن ناجية بن عقال، وكان يعرف بالذي أحيا الموؤوادات فبعث الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم وعنده مائة جارية وأربع جوار أخذهن من آبائهن لئلا يوأدن، وفيه يقول الفرزدق:
جدي الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم يوأد(2).
وأما عمر رضي الله عنه فقد ذكر عنه أنه وأد ابنة له في الجاهلية.
ولم أجد من روى ذلك عن عمر فيما اطلعت عليه من المصادر ولكني وجدت الأستاذ عباس محمود العقاد أشار إليها في كتابه عبقرية عمر، فقال: وخلاصتها: أنه رضي الله عنه كان جالساً مع بعض أصحابه إذ ضحك قليلاً، ثم بكى، فسأله من حضر؟ فقال: كنا في الجاهلية نصنع صنماً من العجوة(3)، فنعبده، ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي، أما بكائي، فلأنه كانت لي ابنة، فأردت وأدها، فأخذتها معي، وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية....
__________
(1) السيد عبد العزيز سالم/ تاريخ العرب في عصر الجاهلية ص: 447، 452.
(2) أبو جعفر بن حبيب/ المحبر ص: 141.
(3) العجوة: نوع من تمر المدينة أكبر من الصَّيْماني يضرب إلى السواد. النهاية في غريب الحديث/ ابن الأثير 3/188.(10/61)
وقد شكك العقاد في صحة هذه القصة لأن الوأد لم يكن عادة شائعة بين العرب وكذلك لم يشتهر في بني عدي ولا أسرة الخطاب التي عاشت منها فاطمة أخت عمر وحفصة أكبر بناته وهي التي كنى أباحفص باسمها، وقد ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة..! لماذا انقطعت أخبارها فلم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها، ولا أحد من عمومتها وخالاتها(1).
وعلى الرغم من تمسك عمر رضي الله عنه بالوثنية ومقاومة دعوة التوحيد وأتباعها وما روي من تعاطيه الخمر وغيرها من عادات الجاهلية السيئة إلا أنه كان ممن يعظم شعائر الله ويعرف لها فضلها وهذا مما بقي من ملة الخليل إبراهيم عليه السلام على الرغم من تفاوته في النفوس، فقد كان القرشيون في الجاهلية يعظمون البيت الحرام، ويطوفون به ويحجون ويعتمرون ويقفون بعرفة والمزدلفة ويهدون الهدي(2).
فقد سأل عمر رضي الله عنه بعد إسلامه النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية وهو أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يوفي بنذره(3).
المسألة الثانية: عمله بالرعي والتجارة.
إن الاشتغال بالرعي والتجارة من المهن الفاضلة التي عرفت عند العرب في الجاهلية والإسلام، وكان أفضل الخلق نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم ممن عمل برعي الغنم. قال صلى الله عليه وسلم: "كنت أرعاها على قراريط(4) لأهل مكة"(5).
__________
(1) عباس محمود العقاد/ عبقرية عمر ص 221، 222.
(2) انظر: ابن كثير/ البداية والنهاية 2/174، 175، 178.
(3) رواه البخاري/ الصحيح 1/345، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 11/125، 126، أحمد/ المسند 2/20 وغيرهم.
(4) قراريط: جزء من الدينار أو الدرهم. ابن حجر/ فتح الباري 4/441.
(5) رواه البخاري/ الصحيح/ فتح الباري 6/438، 9/576، ومسلم/ الصحيح/ شرح النووي 14/5-6.(10/62)
وأمّا التجارة فقد اشتهرت بها قريش وأصبحت من قبائل العرب التي امتازت على غيرها بالغنى والثراء الذي كان مصدره الثروة المالية من الذهب والفضة وغيرها من الأقمشة والعطور إضافة إلى الإبل والغنم والخيل(1).
وامتن الله تبارك وتعالى على قريش بهذه النعمة وهي تجارتهم إلى بلاد الشام واليمن، قال تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}(2).
فكانوا يقومون برحلة الشتاء إلى اليمن للتجارة ورحلة الصيف إلى الشام(3).
وقيل: إنهم كانوا يرحلون في الشتاء إيضاً إلى الحبشة والعراق(4).
__________
(1) انظر: حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 194.
(2) سورة قريش.
(3) حسن إبراهيم/ تاريخ الإسلام 1/62.
(4) نبيه عاقل/ تاريخ العرب القديم ص: 252.(10/63)
ولذلك فقد ظهر في قريش من يمتلك ثروات هائلة كالوليد(1) بن المغيرة، وعبد الله(2) بن أبي ربيعة، وعبد الله(3) بن جدعان،وأبو(4) سفيان بن حرب، وهاشم(5) بن عبد مناف(6).
__________
(1) الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، من قضاة العرب في الجاهلية ومن زعماء قريش وزنادقتها. يقال له: العدل. لأنه كان عدل قريش كلّها، أدرك الإسلام وهو شيخ هرم فعاداه وقاوم دعوته وهلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر. الزركلي/ الأعلام 5/122.
(2) هو: عبد الله بن ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو عبد الرحمن المكّيّ. من مسلمة الفتح. ولي الجند لعمر واستمر إلى أن جاء لينصر عثمان فسقط عن راحلته بقرب مكّة فمات. ابن حجر/ الإصابة 2/305.
(3) هو: عبد الله بن جدعان التميمي القرشي أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوّة. الزركلي/ الأعلام 4/76.
(4) هو: أبو سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي أسلم يوم فتح مكّة وشهد حنيناً، والطائف. استعمله النبيّ صلى الله عليه وسلم على نجران، فمات النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو والٍ عليها. ورجع إلى مكّة فسكنها برهة ثم رجع إلى المدينة فمات بها. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/270.
(5) هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي أحد من انتهت إليهم السيادة في الجاهلية ومن بنيه النبيّ صلى الله عليه وسلم، اسمه: عمرو، وغلب عليه لقبه هاشم، لأنه أوّل من هشم الثريد لقومه بمكة. وهو أوّل من سن الرحلتين لقريش للتجارة. مات بغزة بفلسطين. الزركلي/ الأعلام 8/66.
(6) انظر: السيد عبد العزيز سالم/ تاريخ العرب في عصر الجاهلية ص: 360-364.(10/64)
وقد عرف الثراء في عدد من الأسر القرشية قبل الإسلام وهم: بنو عبد شمس، وبنو نوفل، وبنو مخزوم(1)، وكان هناك من الأسر القرشية من عرف بقله المال، ولم يعرف فيهم الثراء كبني المطلب أخو هاشم بن عبد مناف جدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم (2)، وذكر أيضاً عن أبي طالب أنه لما قام بكفالة النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قليل المال كثير العيال(3).
ولعل قيام ا لنبيّ صلى الله عليه وسلم بالرعي في شبابه مقابل أجر يأخذه كان فيه إعانة مالية لعمه أبي(4) طالب، وعمل صلى الله عليه وسلم كذلك بالتجارة في الجاهلية. وخرج في تجارة لخديجة رضي الله عنها إلى جرش(5) كل سفرة بقلوص(6).
وكذلك عمل أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الجاهلية بالتجارة، وكان يتاجر بالثياب، وبلغ رأس ماله حين أسلم أربعين ألف درهم(7).
__________
(1) أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة 1/81.
(2) حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 143.
(3) ابن سعد/ الطبقات 1/119، 120، من رواية الواقدي، وانظر: أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة 1/81.
(4) أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة 1/106.
(5) قال ابن القيم: لعلها التي بالشام. زاد المعاد 1/61.
(6) قلوص: هي الناقة الشابة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/100.
رواه الحاكم/ المستدرك 3/182، والبيهقي/ السنن الكبرى 6/118، بإسنادٍ صحيحٍ. انظر: عادل عبد الغفور/ مرويات العهد المكي ص: 303.
(7) أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة ص: 63.(10/65)
وأما عمر رضي الله عنه فقد عاش في صغره حياة الفقر والعوز وشدة العيش وقسوته وهي حياة تجعل الفرد أكثر مقاومة للصعاب، وأشد تحملاً للمسؤولية، وأبعد عن حب الدعة والراحة والترف، يقول عمر رضي الله عنه وهو يصف حياة الفقر والشدة التي كان يعيشها في الجاهلية وعمله برعي الإبل: لقد رأيتني وأخية لنا، وإنا لنرعى على أبوينا ناضحاً(1) لهما، فنغدوا فتعطينا آمنا يَمِينَيها (2) من الهبيد(3)، وتلقى علينا نقبة(4) لها، فإذا طلعت الشمس، ألقيت النقبة على أختي، وخرجت أتبعها عرياناً ثم نرجع إليها، وقد صنعت لنا لفيتة(5) من ذلك الهبيد، فنتعشاها، فيا خصباه(6)
__________
(1) النواضح: الإبل التي يسقى عليها، واحدها ناضح. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 5/69.
(2) يمينيها: أي أعطت كل واحد كفاً واحدة بيمينها، فهاتان يمينان. الهروي/ غريب الحديث 2/31.
(3) الهبيد: حب الحنظل يعالج حتى يمكن أكله، ويطيب. المصدر السابق 2/32.
(4) النقبة: قطعة من الثوب قدر السروال، تجعل لها حجزة مخيطة، وليس لها نيفق ولا ساقان. المصدر السابق 1/31.
(5) لَفِيتَة: هي العصيدة المغلظة، وقيل هي ضرب من الطبيخ يشبه الحساء ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/259.
(6) فيا خصباه: لعل مراد عمر رضي الله عنه - والله أعلم - مدحه صلى الله عليه وسلم لهذا الطعام وأنه طعام خصب. أي: لين وناعم من الخصب وهو رفاهية العيش ولينه. انظر: ابن منظور/ لسان العرب 4/106.
رواه أبو عبيد/ الأموال ص559، 560. قال حدّثنا يزيد بن الصعق بن حزن عن فيل بن عرادة عن جراد بن شبيط قال: كنت عند عمر فأتاه... الأثر. وشيخ أبي عبيد هو يزيد بن هارون السلمي ثقة والصعق بن حزن وثقة ابن معين وأبو زرعة، والنسائي، وقال أبو حاتم: لا بأس به وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن حجر: صدوق يهم. المزي/ تهذيب الكمال 13/176، 177 تق 276، وفيل بن عرادة، وجراد شبيط بن طارق، قال عنهما ابن حاتم: لا بأس بهما. الجرح والتعديل 7/89، 2/538. فالأثر حسن.(10/66)
.
ومر عمر رضي الله عنه بشعب ضجنان(1)، ووقف، ووقف الناس، فقال: لقد رأيتني في هذا المكان، وأنا في إبل الخطاب، وكان فظاً غليظاً، أخبط عليها مرة وأحطب أخرى، ثم أصبحت اليوم يضرب الناس بجنباتي ليس فوقي منهم أحد، ثم تمثل هذا البيت:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويفنى المال والولد(2)
__________
(1) ضجنان: حرة شمال مكة، يمر الطريق غربها على مسافة 54كم على طريق المدينة، تعرف اليوم بحرة المحسنية. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية في السيرة ص: 183.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/266 ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/221 وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات إلا أنه منقطع من رواية سليمان بن يسار وهو ثقة من الثالثة عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال أخبرنا هارون وعفان بن مسلم وعارم بن الفضل قالوا: أخبرنا حماد بن زيد قال: أخبرنا يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار. وفي إسناده عند ابن شبه عبد الوهاب بن عطاء صدوق ربما أخطأ ومحمّد ابن عمرو بن علقمة صدوق له أوهام تق 268،499 وبقية رجاله ثقات، وسنده متصل. قال: أخبرنا سعيد بن عامر وعبد الوهّاب بن عطاء قالا: أخبرنا محمّد بن عمرو بن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه. فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
ورواه الطبري في تاريخه 2/575 بنصّ فيه زيادة ثلاثة أبيات ولكن لم أورده لضعفه الشديد ففي إسناده يزيد بن عياض بن جعدبة كذّبه الإمام مالك وغيره تق: 604.
وفي العمدة لابن رشيق ص: 33، 34: أن عمر لبس برداً جديداً فنظر الناس إليه وقد روى لورقة بن نوفل في أبيات:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويفني المال والولد
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له والجن والأنس فيما بينهما ترد
حوض هنالك مورود بلا كذب لا بد من ورده يوماً كما وردوا(10/67)
واشتغل عمر رضي الله عنه في الجاهلية بالتجارة فقد كان رضي الله عنه عند هجرته يمتلك ثروة كبيرة، فقد قال رضي الله عنه لعياش بن أبي ربيعة(1) حينما أراد الرجوع إلى مكة بعد هجرته: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما، أي مع أبي جهل والحارث بن هشام(2).
والذي يظهر أن عمر رضي الله عنه اكتسب هذا المال من عمله بالتجارة فقد وردت نصوص عديدة تفيد أن عمر رضي الله عنه كان يعمل بالتجارة في الجاهلية من ذلك ما روي أن كعب بن عدي التنوخي(3) كان شريكاً لعمر في الجاهلية في تجارة البز(4)
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 68
(2) الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي من مسلمة الفتح استشهد بالشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تق 148.
رواه ابن إسحاق السيرة النبوية لابن هشام 2/129 صحيح.
(3) كعب بن عدي التنوخي قال ابن السكن: يقال له صحبة. ابن حجر/ الإصابة 3/298،299.
(4) البَزّ: نوع من الثياب، وقيل الثياب خاصة من أمتعة البيت، وقيل أمتعة التاجر من الثياب، الفيومي/ المصباح المنير ص 19.
رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/160/أ. قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يوسف الصرصريّ، ثنا عبد الله بن محمّد البغويّ، ثنا أبو الأحوص محمّد بن الهيثم، ثنا سعيد بن كثير بن عفير المصريّ، حدّثني عبد الحميد بن كعب بن علقمة بن كعب بن عديّ التنوخيّ عن عمرو بن الحرث عن نافع بن أجيل عن كعب بن عديّ.
وفي إسناده ختن الصرصري شيخ أبي نعيم، قال الخطيب: قال البرقاني: تكلم فيه ابن البقال وغيره، فذلك الذي زهدني فيه، وسألته عنه مرة أخرى فقال: كان عندي ثقة حتى حدثني أبو بكر بن البقال أنه غلط في روايته وروى من كتاب لم يكن سماعه فيه صحيحاً، وقال محمد بن الفرات كان الصرصري جميل الأمر إلى الثقة ما هو. تاريخ بغداد 5/123،124 وفيه سعيد بن كثير صدوق. تق 240 وفيه عبد الحميد بن كعب بن علقمة، لم أجد له ترجمة، وعمرو بن حريث مصري مختلف في صحبته كما قال ابن حجر، وقال: أخرج حديثه أبو يعلى وصححه ابن حبان، وقال ابن معين وغيره تابعي وحديثه مرسل. تق 420، وبقية رجاله ثقات وقال ابن عبد البر في ترجمة كعب بن عدي. روى عنه ناعم حديثاً حسناً. الاستيعاب 3/379 ونقل ابن حجر أن البغوي وابن قانع روياه فقال: حدثنا أبو الأحوص به مثله عن أبي نعيم. الإصابة 3/298ـ300.(10/68)
.
وروي أنه خرج في تجارة إلى الشام قبل إسلامه فاعتدى عليه أناس وأخذوا ماله.(1).
وروي كذلك أنه خرج في تجارة إلى الشام في الجاهلية ومعه ثلاثين من قريش فنسي قضاء حاجة له فعاد إلى مكّة وانطلق أصحابه ثم لحق بهم ثم عاد هو وأصحابه من الشام إلى الحجاز(2)
__________
(1) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 158،159. قال البلاذري: المدائني عن عيسى بن يزيد بن داب وابن جعدبه عن صالح بن كيسان وغيره قالوا:... وفي السند عيسى بن يزيد ابن داب حديثه واه. قال البخاري: منكر الحديث، الذهبي/ الميزان 3/328، وابن جعدبه يزيد بن عياض، قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، ورماه مالك بالكذب وقال النسائي وغيره: متروك. ميزان الاعتدال 4/436.
وذكره ابن حجر في الإصابة 1/551 وقال: رواه الزبير بن بكار في الموفقيات عن المدائني عن هشام بن الكلبي عن أبيه. وهشام بن محمد بن السائب الكلبي. قال الدارقطني: متروك.
وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة، وقال أحمد: إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدث عنه. ميزان الاعتدال 4/304، ومحمد بن السائب الكلبي قال ابن معين: ليس بثقة، وقال الجوزجاني وغيره: كذاب، وقال الدارقطني وجماعة: متروك، وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه. ميزان الاعتدال 3/558، 559، وابن حبان في المجروحين 2/255. فالأثر ضعيف جداً.
(2) رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 4. قال أخبرنا أبو القاسم عليّ بن إبراهيم أنا رشاء بن نظيف أنا الحسن بن إسماعيل أنا أحمد بن مروان نا محمّد ابن عبد العزيز نا أبي نا الهيثم أخبرني أسامة بن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أن عمر قال:... الأثر.
وفي هذا الإسناد أحمد بن مروان المالكي ضعّفه الدارقطني. سير أعلام النبلاء 15/427، 428. وفيه الهيثم بن عدي الطائي كذّبه البخاري وابن معين وأبو داود. وقال النسائي: متروك. وقال الذهبي: قلت كان إخبارياً علامة. وقال ابن المديني: هو أوثق من الواقدي ولا أرضاه في شيء. ميزان الاعتدال 4/324. فالأثر ضعيف وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 7/60.(10/69)
.
وروي كذلك أنه خرج في الجاهلية في تجارة إلى العراق فاعتدى عليهم أناس وسرقوا أمتعتهم حتى ردّها عليهم ملك المدائن وابتاع منهم تجارتهم بربح(1).
المسألة الثالثة: قيامه بالسفارة:
روي أن عمر رضي الله عنه كانت إليه السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشاً كانوا إذا وقع بينهم حرب، أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافر(2) أو فاخرهم مفاخر رضوا به، وبعثوه منافراً ومفاخراً(3).
وهذا الخبر وإن ورد من طرق ضعيفة إلا أن احتمال تكليف قريش عمر بهذه المهمة العظيمة والهامة أمر وارد وذلك لما له من مكانة عالية ومنزلة رفيعة في قريش، وما كان لأبيه وجدّه من مكانة تقدم ذكرها(4)، ولما تميز به رضي الله عنه من صفات خَلقية قويّة وخُلقية حميدة وما اتصف به من رجاحة العقل وصواب الرأي.
المطلب الثالث: إسلامه وهجرته، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: إسلامه:
__________
(1) رواه أبو هلال العسكري/ الأوائل ص 14،15، وقال: روى بعض الشيوخ فالسند ضعيف فيه لإبهام الشيوخ.
(2) المنَافَرةُ: المفاخرة والمحاكمة، يقال: نافَره فَنفره، يَنْفْرُه بالضم، إذا غلبه. ابن الأثير/النهاية في غريب الحديث والأثر 5/93.
(3) رواه ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/235 من غير سند، وقال: قال الزبير:... وذكره.
ورواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص220 من طريق الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن نصر بن مزاحم عن معروف بن خربوذ، وهذا السند ضعيف، فيه محمد بن الحسن بن زبالة، كذبه أبو داود وقال النسائي متروك، وقال أبو حاتم: واهي الحديث. ميزان الاعتدال 3/514، وفيه نصر بن مزاحم الكوفي رافضي جلد، قال الذهبي: تركوه. المصدر السابق 4/253، ومعروف بن خربوذ صدوق ربما وهم إخباري علامة من الخامسة، تق 540، رواه ابن الجوزي/ تاريخ عمر ص22 من الطريق السابق. ونقله ابن الجوزي في المنتظم 4/13، من غير إسناد ونقله كذلك ابن حجر في الإصابة 2/518. فالأثر ضعيف.
(4) انظر ص: (61).(10/70)
ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى إسلام عمر رضي الله عنه بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة والتي كانت في شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة(1).
وروي أن إسلامه رضي الله عنه كان في السنة السادسة من البعثة(2).
وثبت في الصحيح(3) أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد ما تعرض له عمر رضي الله عنه من ضرب قريش له لما أسلم وعقل ذلك، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ولد بعد البعثة بسنتين لأن عمره كان يوم غزوة أحد أربعة عشر عاماً(4)
__________
(1) ابن هشام/ السيرة النبوية 1/422، وقال ابن حجر رحمه الله: جعل ابن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة، وقد ذكر من وجه آخر أن إسلامه كان عقب هجرة الحبشة الأولى فتح الباري 7/1.
وكانت الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة في شهر رجب. وكانت بسبب اشتداد إيذاء قريش للمؤمنين، وعدم قدرة النبيّ صلى الله عليه وسلم على دفع الأذى عنهم، وأمره صلى الله عليه وسلم لهم بالهجرة إليها لأن بها ملكاً لا يظلم أحد عنده. وكان عدد المهاجرين فيها اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، ثم عاد هؤلاء المهاجرون بعد أن أشيع أن قريشاً أسلمت وذلك في شهر شوال من السنة نفسها، ثم أذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهم ولغيرهم بالهجرة إلى الحبشة مرة ثانية بعد أن تبين لهم كذب ما أشيع من إسلام قريش. وكان عدد المهاجرين في الهجرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة امرأة. مهدي رزق الله/ السيرة في ضوء المصادر الأصلية ص: 196-206.
(2) ابن سعد/ الطبقات 3/269،270، من طريق الواقدي.
(3) البخاري 2/323.
(4) رواه البخاري/ الصحيح 2/30، وانظر: ابن حجر/ فتح الباري 7/392.
غزوة أحد، نسبة إلى الجبل الذي وقعت بجواره وهو جبل أحد الذي يقع شمال المدينة ويبعد عن المسجد النبويّ بخمسة ونصف كيلومتر وطوله ست كيلومترات وارتفاعه ثلاثمائة وخمسين متراً. انظر: عبد العزيز كعكي/ معالم المدينة المنورّة 1/118-138.
وكانت في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، وكان عدد المسلمين فيها ألف رجل انحذل منهم ثلاثمائة من المنافقين بزعامة عبد الله بن أبي بن سلول، وعاد إلى المدينة. وهزم فيها المسلمون بسبب مخالفة الرماة لأمره صلى الله عليه وسلم بعدم مغادرة أماكنهم. مهدى زرق الله/ السيرة في ضوء المصادر الأصلية ص: 379.(10/71)
، وكانت أحد بعد البعثة بستة عشر عاماً، فإذا كان إسلام عمر رضي الله عنه في السنة الخامسة من البعثة يكون عمرُ ابن عمر ثلاث سنوات وهو سن لا يعقل فيه الطفل غالباً والذي أرى أنه أقرب للصواب أن يكون إسلام عمر في السنة السادسة أو السابعة(1).
أما تحديد اليوم والوقت الذي أسلم فيه، فروي أنه كان يوم الثلاثاء(2).
__________
(1) وانظر: ابن كثير/ البداية والنهاية 3/79. حيث رجح رحمه الله تأخر إسلام عمر رضي الله عنه حتى السنة التاسعة من البعثة.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/242، البزار/ المسند 400ـ403، الحاكم/ المستدرك 3/502،503، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص27-29، ابن قدامة/ الرقه78-80. وفي إسناده عند ابن سعد والحاكم الواقدي، ورواه بقية من رواه من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده، وإسحاق بن إبراهيم ضعيف. تق 99 وكذا أسامة بن زيد. تق 98 فالأثر ضعيف.(10/72)
وقيل يوم الخميس(1)، وقيل يوم الجمعة(2)، وقيل إن إسلامه كان بعد صلاة المغرب(3).
أما كيفية إسلامه رضي الله عنه فقد وردت فيها نصوص عديدة مختلفة من طرق ضعيفة وهي بمجموعها تفيد أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بسبب سماعه القرآن وتأثره به، وأما الروايات فهي:
الرواية الأولى:
__________
(1) رواه الإطرابلسي/ فضائل الصحابة ص 127،129، التيمي/ الحجة في بيان المحجة 2/340،343، ابن قدامة/ الرقة ص 68-70، وفي إسناده عند الإطرابلسي شيخه عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري، رماه النسائي بالكذب. ميزان الاعتدال 3/15. وفيه عند التيمي وابن قدامة عمران بن موسى بن طلحة، ذكره البخاري في التاريخ الكبير 6/422، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات 7/142، وفيه عندهما من لم أجد لهم تراجم. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/224، الطبراني/ مجمع البحرين 6/240، الضياء المقدسي/ المختارة 7/142، كلهم من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق، قال أخبرنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك. والقاسم ابن عثمان قال عنه البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها، وقال الذهبي: قلت حدث عنه إسحاق الأزرق بمتن محفوظ، وبقصة إسلام عمر وهي منكرة جداً. ميزان الاعتدال 3/375. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 31،32، وفي إسناده كافور الليثي شيخ ابن عساكر لم أجد له ترجمة، وأبو العباس عبد الله بن عبد الله البخاري لم أجد له ترجمة كذلك، وفيه عيسى بن موسى غنجار، قال الذهبي: صدوق، وقال الدارقطني: لا شيء. ميزان الاعتدال 3/325، وأبو طيبة عبد الله بن مسلم السلمي صدوق يهم. تق 323، وإبراهيم بن عبيد قاضي مرو، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/113 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.(10/73)
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ: {إِنَّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ}، فقلت:كاهن، فقال: {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (1) إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع(2).
الرواية الثانية:
__________
(1) سورة الحاقة. الآيات من 40 - 47.
(2) رواه أحمد/ المسند 1/17، قال: ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان بن عمرو السكسكي ثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب:...، وهذا السند رجاله ثقات، ولكن شريح بن عبيد لم يدرك عمر رضي الله عنه كما قال ابن كثير نقلاً عن أبي زرعة الرازي وغيره. مسند الفاروق 2/619، وانظر: العلائي/ جامع التحصيل ص195، وابن حجر/ تهذيب الكمال 4/329، فرواية شريح عن عمر منقطعة. ورواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص24، وابن الأثير/ أسد الغابة 4/53،54، وابن كثير/ مسند الفاروق 2/618، وابن حجر/ الإصابة 1/244 كلهم من طريق أحمد به مثله. فالأثر ضعيف.(10/74)
قال عمر: كنت للإسلام مباعداً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة(1) عند دور آل عمر بن عبد الله بن عمران المخزومي، قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحداً، فقلت: لو أني جئت فلاناً الخمار وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمراً فأشرب منها، فخرجت فجئته فلم أجده فقلت: لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعاً أو سبعين، فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام(2)
__________
(1) الحَزْوَرَة: هي ما يعرف اليوم باسم القشاشية، مرتفع يقابل المسعى من مطلع الشمس كان ولا يزال سوقاً من أسواق مكة. عاتق البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 98. أقول: وقد أزيل الآن في توسعة المسجد الحرام.
(2) كان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل أن تفرض عليه الصلوات الخمس صلاة بالغداة وصلاة بالعشي انظر: ابن حجر/ فتح الباري 8/671.
وكان صلى الله عليه وسلم يتجه في صلاته إلى بيت المقدس حتى حوله الله عز وجل إلى الكعبة لما نزل قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} سورة البقرة الآية: 144. فتوجه صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة وكان ذلك بعد الهجرة على رأس ثمانية عشر شهراً بعد أن صلّى صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً. السيرة في ضوء المصادر الأصلية ص: 335، 336.(10/75)
، وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني، فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه، فجئت من قبل الحجر، فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة(1)، فلما سمعت القرآن رق له قلبي، فبكيت، ودخلني الإسلام، فلم أزل قائماً في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن حسين، وكانت طريقه حتى يجزع(2) المسعى ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري(3)، ثم على دار الأخنس بن شريق(4) حتى يدخل بيته، وكان مسكنه في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان، قال عمر: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار أزهر أدركته، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تتبعته لأوذيه، فنهمني(5)
__________
(1) وهذا يدلّ على أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية وتسدل عليها ثيابها فقد ذكر الأزرقي في تاريخ مكة: أن قريشاً كانت تكسو الكعبة في الجاهلية، ويلزمون القبائل بدفع ما يستطيعون من أجل كسوتها حتى تكفل بذلك أبو ربيعة ابن المغيرة المخزومي وكان ثرياً، فكان يأتي بالحبرة الجيدة من الجند باليمن فيكسوها الكعبة. 1/251.
(2) جَزَع المسعى: قطعه، ولا يكون إلا عرضاً. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/269.
(3) أَزْهَرُ بن عوف بن عبد الحارث الزهري عم عبد الرحمن بن عوف، كان ممن بعثهم عمر لنصب أعلام الحرم. الإصابة 1/29،30.
(4) الأَخْنَس بن شريق بن عمرو الثقفي حليف بني زهرة، كان من المؤلفة، وشهد حنيناً ومات في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ابن حجر/ الإصابة 1/25.
(5) نهمني: النّهْمُ والنّهِيمُ: صوت وتوعد وزجر،الفيروزآبادي/ القاموس المحيط 4/186.(10/76)
، ثم قال: "ما جاء بك يابن الخطاب هذه الساعة"؟ قلت: جئت لأومن بالله ورسوله، وبما جاء من عند الله، فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "هداك الله يا عمر"، ثم مسح صدري، ودعا لي بالثبات، ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته(1).
الرواية الثالثة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرج عمر متقلداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة(2)
__________
(1) رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 1/427،428، قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن أصحاب عطاء ومجاهد أو عن من روى ذلك، وهذا السند رجاله ثقات ولكن فيه الشك بمن حدث ابن أبي نجيح وعطاء ومجاهد ثقتان روايتهما عن عمر مرسلة، فالسند ضعيف.
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة/ المطالب العالية ق511/أ بلفظ ضرب أختي المخاض ليلاً فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة حارة...الخ.
قال ابن أبي شيبة حدثنا: يحيى بن يعلى الأسلمي ثنا عبد الله بن المؤمل بن وهب عن أبي الزبير عن جابر قال: كان أول إسلام عمر...، وفي السند يحيى ابن يعلى شيعي ضعيف. تق 598، وعبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث. تق 325، وأبو الزبير مسلم بن تدرس مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع من جابر بن عبد الله، فالأثر ضعيف، ورواه أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/39،40، وابن عساكر/ تاريخ دمشق ص25 من طريق يحيى بن يعلى به مثله.
(2) في رواية ابن إسحاق، وكان نعيم بن عبد الله النحام رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم... حتى قال فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له: أين تريد يا عمر... الأثر.
والذي في رواية ابن سعد وابن شبه وأبي يعلم والحاكم ورجل من بني زهرة، فلعل عمر رضي الله عنه مرّ به رجلين نعيم العدوي والرجل من بني زهرة. هذا لو ثبتت هاتان الروايتان، ولكنهما لم تثبتا.(10/77)
قال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمّداً، قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة(1) وقد قتلت محمداً؟ فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك(2) وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر ذامراً حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب(3)، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، فدخل عليهما، فقال: ما هذه الهينمة(4) التي سمعتها عندكم؟ وكانوا يقرأون (طه) فقالا: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا قال: فلعلكما قد صبوتما، فقال له ختنة: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟
فوثب عمر على ختنة، فوطئه وطئاً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها(5) بيده نفحة، فدمي وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟!
__________
(1) وذلك لأن بني هاشم أعمام النبي صلى الله عليه وسلم فهو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم. وأما بنو زهرة فهم أخوله لأن أمّه هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة.
(2) جاء مصرحاً باسمه في رواية ابن إسحاق وهو زوج أخت عمر فاطمة، سعيد بن ز يد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه.
(3) خَبّاب بن الأرت التميمي أبو عبد الله من السابقين إلى الإسلام كان يعذب في الله. تق 192.
(4) الهَيْنَمَة: الكلام الخفي الذي لا يفهم. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/290.
(5) النَّفْح: الضرب والرمي. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 5/89.(10/78)
أتشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أن محمداً رسول الله؟ فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه قال: وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، قم فاغتسل أو توضأ، فقام عمر ثم أخذ الكتاب، فقرأ (طه) حتى انتهى إلى قوله: {إنّني أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِم الصَّلوة لِذِكْرِي}(1) فقال: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخميس: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام"، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا(2). فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى باب الدار حمزة وطلحة، وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى حمزة وَجل القوم من عمر، قال: نعم فهذا عمر، فإن يرد الله بعمر خيراً يسلم، ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن غير ذلك يكن قتله علينا هيناً، والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يومىء إليه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل السيف(3) فقال: "أما أنت منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، اللهم هذا عمر ابن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب"، فقال عمر: أشهد أنك رسول الله، فأسلم وقال: أخرج يا رسول الله(4)
__________
(1) سورة (طه) الآية 14.
(2) هي دار الأرقم بن أبي الأرقم فقد كانت على الصفا، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يدخلها ويتوارى فيها عن المشركين، ويجتمع فيها هو وأصحابه و يقرؤهم القرآن ويعلمهم فيها، وفيها أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الأزرقي/ أخبار مكّة 2/260، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 2/519.
(3) حمائل السيف: العواتق والصدر والأضلاع. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/442.
(4) رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 1/423-426، قال ابن إسحاق رحمه الله: كان إسلام عمر فيما بلغني، والبلاغ منقطع فالسند ضعيف.
ورواه ابن سعد/الطبقات 3/267-269 فقال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال أخبرنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك قال: ... وهذا السند ضعيف تقدم الكلام عليه في ص: (127،128)، ورواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/222-224 من طريق إسحاق الأزرق به مثله، ورواه البلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان ص: 137-141 من طريق الواقدي وهو متروك، ورواه أبو يعلى/ المطالب العالية ق 511/أ من طريق إسحاق الأزرق به مثله والدارقطني/ السنن 1/123 من الطريق السابق، ورواه الحاكم/ المستدرك 4/59،60 فقال: أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب ثنا محمد بن أحمد بن الوليد الأنطاكي ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، وهذا السند ضعيف فيه محمد بن أحمد الأنطاكي قال ابن أبي حاتم سئل أبي عنه فقال: شيخ. الجرح والتعديل 2/74.
قال الذهبيّ رحمه الله: قوله: (يعني: أبا حاتم) شيخ ليس هو عبارة جرح، ولكنها أيضاً ما هي عبارة توثيق. وبالاستقراء يلوح لك أنّه ليس بحجّة.
ميزان الاعتدال2/385. وانظر: عبد العزيز اللعبد اللطيف/ ضوابط الجرح والتّعديل ص: 141.
وفيه إسحاق الحنيني ضعيف. تق 99، وفيه أيضاً أسامة بن زيد بن أسلم ضعيف من قبل حفظه، تق98، وأيضاً فإن زيد بن أسلم ثقة لكن روايته عن عمر مرسلة، وقال الذهبي رحمه الله في استدراكه على الحاكم واهٍ منقطع. ورواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة ق362ب، ق 363أ من طريق الحنيني به مثله، ورواه كذلك في دلائل النبوة ص241 وفي سنده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك. تق 102، رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص26 من طريق إسحاق بن أبي فروة وكذلك في ص30-34 من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق به مثله عند ابن سعد. فالأثر ضعيف.(10/79)
.
الرواية الرابعة:
وهذه الرواية لا تختلف في مضمونها عن الرواية السابقة، إلا أن فيها أن عمر رضي الله عنه لما ضرب أخته وقرأ الصحيفة التي معها فإذا فيها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} حتى بلغ {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولهِ وأنفقوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}(1).(2)
الرواية الخامسة:
وهي لا تختلف عن الروايتين السابقتين في كيفة الإسلام ولكن فيها أن عمر رضي الله عنه لما دخل على أخته وضربها حتى ظن أنه قتلها ثم قام من السحر فسمع صوتها تقرأ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، فقال: والله ما هذا بشعر...الخ(3).
الرواية السادسة:
__________
(1) سورة الحديد الآية 1،7.
(2) رواه البزار/ المسند 1/400-403، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص27-29، ابن قدامة في الرقة ص78-80، ابن الأثير/ أسد الغابة 4/54،55 كلهم من طريق إسحاق ابن إبراهيم الحنيني عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده، وهذا السند ضعيف، تقدم الكلام عليه في الورقة السابقة.
(3) رواه الطبراني/ المعجم الكبير 2/97، فقال: حدثنا أحمد بن محمد بن حمزة ثنا إسحاق ابن إبراهيم حدثنا يزيد بن ربيعة الرحبي، ثنا أبو الأشعث الصنعاني عن ثوبان مولى رسول الله، وهذا السند فيه يزيد بن ربيعة قال البخاري: أحاديثه مناكير، وقال أبو حاتم وغيره ضعيف، وقال النسائي متروك ميزان الاعتدال 4/422 فالأثر ضعيف.(10/80)
وفيها أن قريشاً اجتمعوا فقالوا: من يدخل على هذا الصابئ، فيرده عما هو عليه فيقتله؟ فقال عمر بن الخطاب: أنا، فأتى العين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن عمر يأتيك فكن منه على حذر، فلما أن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، قرع عمر الباب، وقال افتحي يا خديجة: فلما دنت قالت: من هذا، قال: عمر، قالت: يا نبي الله هذا عمر، فقال من عنده من المهاجرين وهم تسعة صيام وخديجة عاشرهم: ألا نشتفي يا رسول الله، فنضرب عنقه؟
قال: "لا"، ثم قال: "اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب"، فلما دخل قال: ما تقول يا محمد؟ قال: "أقول أتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وتؤمن بالجنة والنار، والبعث بعد الموت" فبايعه وقبل الإسلام، وصبوا عليه الماء حتى اغتسل، ثم تعشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات يصلي معه، فلما أصبح اشتمل على سيفه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه، والمهاجرين خلفه حتى وقف على قريش وقد اجتمعوا، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فتفرقت حينئذ قريش من مجالسها(1).
إيذاء قريش لعمر بعد إسلامه:
__________
(1) رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص31،32، ضعيف تقدم الكلام على إسناده في ص (128) عند ذكر إسلام عمر بعد صلاة المغرب وهو جزء من هذا الخبر.(10/81)
وبعد دخول عمر رضي الله عنه في الإسلام جهر بدينه على ملأ قريش(1) قال ابن عمر رضي الله عنهما لما أسلم أبي قال: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه فغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت حتى جاءه، فقال له: أعلمت يا جميل أني قد أسلمت، ودخلت دين محمّد؟
قال: فوالله ما رجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش - وهم في أنديتهم حول الكعبة - ألا إن عمر قد صبا(2) وعمر خلفه يقول: كذب، ولكني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.
وبعد إعلان عمر رضي الله عنه إسلامه وعلم قريش بذلك قامت قريش إلى عمر فضربوه وضربهم وقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤسهم وتعب عمر رضي الله عنه فكف عنهم وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم فاحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا.
__________
(1) جاء في رواية عند الطبراني/ المعجم الكبير 11/16 عن ابن عباس رضي الله عنهما "أول من جهر بالإسلام عمر" وفي سنده شيخ الطبراني أحمد بن يحيى الرقى لم أجد له ترجمة وفيه عبد الله بن لهيعة، صدوق اختلط بعد احتراق كتبه. تق 319.
(2) صَبَأَ: يقال صبأ فلان إذا خرج من دينٍ إلى دينٍ غيره. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 3/3.(10/82)
ولقد كان في شيوخ قريش ورجالاتها من يتصف بصفات حميدة كإغاثة الملهوف وحماية المظلوم ورفع الظلم والوفاء بالعهود والمواثيق مع تمسكهم بوثنيتهم وشركهم، ولم يكن ذلك ديناً فيهم، وإنما كان في كثيرٍ من الأحيان حمية وعصبية، فقد مر بعمر رضي الله عنه وهو يضرب شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى(1)، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر. فقال: فمه، رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟! خلوا عن الرجل، قال: فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه، قال ابن عمر رضي الله عنهما لأبيه بعد هجرتهما: يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت، وهم يقاتلونك؟
فقال: أي بني، العاص بن وائل السهمي(2).
__________
(1) الحَبِير من البرود: ما كان موشياً مخططاً وهو برد يماني ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/328.
(2) رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 1/428ـ430، البلاذري/ أنساب الأشراف ص42،43، البزار/ المسند 1/260،261، الطبراني/ المعجم الكبير 1/72، مجمع البحرين 6/241،242، الحاكم/ المستدرك 3/85، أبو نعيم/ حلية الأولياء1/41، البيهقي/ السنن الكبرى 6/205، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص37، 38 ابن الأثير/ أسد الغابة 1/260،261 المقدسي/ المختاره 1/331، صحيح من رواية ابن إسحاق. قال: حدّثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر... الأثر.(10/83)
غير أن تذكير ذلك الشيخ قريشاً بمنزلة عمر وقبيلته وحثه قريشاً على ترك عمر وشأنه لم يمنع قريشاً من ملاحقة عمر رضي الله عنه فيما بعد، وخوف عمر رضي الله عنه على نفسه منهم، قال ابن عمر رضي الله عنه: بينما عمر رضي الله عنه في الدار خائفاً، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو عليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية(1)، فقال: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت، قال: لا سبيل إليك، وبعد أن قالها أمنت فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟.
فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ، قال: لا سبيل إليه، فكَّر الناس(2).
__________
(1) وذلك لأن أبناء عبد مناف بن قصيّ، وعبد الدار بن قصيّ اختلفوا فيمن يلي أمور السقاية والرفادة والحجابة واللواء والندوة، وذلك بعد وفاة عبد مناف وعبد الدار، فانقسمت قريش قسمين: قسم مع بني عبد مناف وهم: بنو أسد وزهرة وتميم والحارث فكانوا حلفاً، وكان بنو مخزوم وسهم وجمع وعدي مع بني عبد الدار حلفاً آخر. ابن هشام/ السيرة النبويّة 1/180.
(2) رواه البخاري/ الصحيح 2/323.(10/84)
وكان إسلام عمر رضي الله عنه فيما روي بعد تسعة وثلاثين رجلاً(1)
__________
(1) رواه الإطرابلسي/ فضائل الصحابة 127،129، الطبراني/ المعجم الكبير 1/306، الحاكم/ المستدرك 3/504، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/381، أبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان المحجة 2/340، 343، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص35،36،39، ابن قدامة/ الرقه 68ـ70، الضياء المقدسي/ المختارة 4/84. وفي سنده عند الإطرابلسي شيخه عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العُمَري رماه النسائي بالكذب. ميزان الاعتدال 3/15، وفيه عند الطبراني والحاكم وأبو نعيم وابن عساكر والضياء المقدسي عثمان بن عبد الله ابن الأرقم ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/155، والبخاري في التاريخ الكبير 6/232 ولم يذكرا فيه جرحاً وتعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات 7/198 فهو مجهول العين، وفيه عند أبي القاسم التيمي وابن قدامة في الرقه عمران بن موسى بن طلحة ذكره البخاري في التاريخ الكبير 6/422، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات 7/242 فهو أيضاً مجهول وفي إسنادهما أيضاً ممن لم أجد له تراجم. ورواه ابن عساكر أيضاً من وجه آخر بمتن مختلف وفيه أن عمر أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلاً فصاروا أربعين فنزل جبريل بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وفي إسناد محمد بن داود بن خلف الهمداني لم أجد له ترجمه وإسحاق بن بشر الأسدي لم أجد له ترجمة كذلك وإن كان هو الكاهلي فهو متهم بالكذب والوضع كما في ميزان الاعتدال 1/186 وفيه أيضاً خلف بن خليفة صدوق اختلط. تق: 194.
وفي متنه أيضاً نكارة حيث قال ابن كثير رحمه الله: وقد روى سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير أن هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} أنزلت حين أسلم عمر، وفي هذا نظر ، لأن الآية مدنية وإسلام عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة، التفسير 2/324.(10/85)
.
وقيل: إن إسلامه كان بعد أربعين رجلاً(1).
وقيل: بعد خمسة وأربعين رجلاً(2).
وأمّا عدد النساء اللاتي سبقن عمر بالإسلام فقيل إنهن إحدى عشرة إمرأة(3). وقيل إحدى وعشرين(4).
وهذه الروايات لا تخلو من ضعف كما هو مبين في الهامش ولكنها متقاربة في تحديد العدد، فالرواية الأولى حددت عدد الرجال السابقين لعمر بالإسلام بتسعة وثلاثين والثانية حددتهم بأربعين والثالثة بخمسة وأربعين وهذا فارق غير معتبر إذ إنّ زيادة العدد أو نقصه بواحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أمر معتاد في الإحصاء حيث إن بعض المسلمين كان يخفي إسلامه فيعلم به البعض ويخفي على البعض.
وعلى أيّ حال فإن إسلام عمر رضي الله عنه كان في السنة السادسة أو السابعة كما تقدم ذلك(5). إلاّ أن تحديد عدد من أسلم من الرجال بأربعين أو نحوها والنساء بعشرة أو عشرين فيه نظر، فإن ابن إسحاق رحمه الله ذكر أن عدد المهاجرين إلى الحبشة الهجرة الثانية كانوا ثلاثة وثمانين رجلاً(6).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/12،340، البلاذري/ أنساب الأشراف 136بإسناد رجاله ثقات ولكنه من رواية هلال بن إساف وهو ثقة من الثالثة، وهي طبقة تلي كبار التابعين. تق 576 روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/269، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/225، الطبري/ التاريخ 2/565، ابن عساكر/تاريخ دمشق ص36 كلهم من طريق الواقدي وهو متروك.
(3) رواه ابن أبي شيبة/المصنف 7/12،340،البلاذري/ أنساب الأشراف 136، تقدم الكلام عليه في الصفحة السابقة حاشية (1)، في ذكر تحديد من أسلم من الرجال قبل عمر بخمسة وأربعين.
ورواه ابن سعد/ الطبقات 3/269، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/225 كلاهما من طريق الواقدي.
(4) رواه الطبري/ التاريخ 2/565 من طريق الواقدي.
(5) انظر ص: (125، 126).
(6) السيرة النبويّة 1/408.(10/86)
ونقل ابن حجر عن ابن جرير الطبري أن نساءهم وأبناءهم كانوا معهم، فقال: وقيل: إن عدة نسائهم ثمان عشرة امرأة(1).
وقد ذكر ابن إسحاق أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة. لذلك قال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر إسلام عمر كان بعد الهجرة الثانية للحبشة: "وهذا يرد قول من زعم أنه (أي: إسلام عمر) كان تمام أربعين من المسلمين، فإن المهاجرين إلى الحبشة كانوا فوق الثمانين، اللهم إلا أن يقال: إنه كان تمام الأربعين بعد خروج المهاجرين"(2).
ولعلّ مما يؤيّد كلام ابن كثير رحمه الله قول ابن إسحق رحمه الله بعد ذكره لأسماء المهاجرين إلى الحبشة وهم ثلاثة وثمانون رجلاً(3). ثم ذكر إسلام عمر رضي الله عنه فقال: "وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة"(4).
وكان في إسلام عمر رضي الله عنه عز ورفعة ومنعة للإسلام والمسلمين وذلك لمنزلته العالية وشخصيته المهيبة في أوساط المجتمع الجاهلي.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر(5).
__________
(1) فتح الباري 7/189.
(2) السيرة النبويّة 2/33.
(3) السيرة النبويّة 1/408.
(4) المصدر السابق 1/422.
(5) رواه البخاري/ الصحيح 2/294، ابن أبي شيبة: المصنف 6/354، ابن شبه/ تاريخ المدنية 2/226 وغيرهم.(10/87)
وروي عن صهيب بن سنان الرومي(1) رضي الله عنه أنه قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا(2).
وروي كذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أسلم عمر قال المشركون: اليوم انتصف القوم منا(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه لما أسلم في دار الأرقم خرج المسلمون بعد إسلامه من الدار وطافوا بالبيت ظاهرين وهم يكبرون(4).
__________
(1) صهيب بن سنان الرّوميّ يعرف بذلك لأنّه أخذ لسان الرّوم إذ سَبَوْه وهو صغير وهو نمريّ من النّمر بن قاسط، هرب من الرّوم وقدم مكّة فحالف عبد الله بن جدعان التميمي وأقام معه، وكان يكنّى بأبي يحيى، أسلم بعد بضعة وثلاثين رجلاً. مات صهيب بالمدينة سنة ثمان وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين ودفن بالبقيع. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب2/282-287.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/269، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/225، البلاذري/ أنساب الأشراف 144،145، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص40، كلّهم من طريق الواقدي وهو متروك.
(3) رواه الطبراني/ المعجم الكبير 11/255، الحاكم/ المستدرك 3/85، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 39 كلهم من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني عن النضر أبي عمر الخزار وهو متروك. تق 562.
(4) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/242، ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/224، البزار/ المسند6/57، ابن الأعرابي/ المعجم 2/156، الطبراني/ مجمع البحرين 6/240، الحاكم/ المستدرك 3/502،503، الضياء المقدسي/ المختاره 7/142، 143، وفي سنده عند ابن شبه والطبراني والمقدسي القاسم بن عثمان البصري، قال البخاري له أحاديث لا يتابع عليها، قال الذهبي: قلت: حدث عنه إسحاق الأزرق بمتن محفوظ، وبقصة إسلام عمر وهي منكرة جداً، ميزان الاعتدال 3/375.
وفيه عند ابن سعد والحاكم الواقدي وهو متروك، وعند البزار إسحاق بن إبراهيم الحنيني وهو ضعيف. تق 99، وأسامة بن زيد بن أسلم وهوكذلك ضعيف. تق 98. فالأثر ضعيف.(10/88)
وجاء في رواية أخرى: أن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم: يا رسول الله علام نخفي ديننا ونحن على الحق، ويظهر دينهم وهم على الباطل، فخرج عمر، فطاف بالبيت ثم مر بقريش وهي تنتظره، فقال أبو جهل: زعم فلان إنك صبوت، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فوثب المشركون إليه، فوثب على عتبة بن ربيعة، فبرك عليه، فجعل يضربه، وأدخل إصبعيه في عينيه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
وكانت تلك العزة بإسلام عمر استجابة من الله لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعز الله دينه وينصره بأحب الرجلين إليه بأبي جهل أو عمر بن الخطاب رضي الله عنه(2)
__________
(1) رواه الإطرابلسي/ فضائل الصحابة 127،129، أبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان المحجة 2/340،343، ابن قدامة/ الرقه 68ـ70، وقد تقدم الكلام على أسانيدهم في ص(143) حاشية (2).
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/267، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق أخبرنا أبو القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك قال: خرج عمر...إلى آخره. وفي هذا الإسناد القاسم بن عثمان البصري قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها. قال الذهبي: حدّث عنه إسحاق الأزرق بمتنٍ محفوظٍ وبقصة إسلام عمر وهي منكرة جداً. ميزان الاعتدال 3/375.
أحمد/ المسند 2/95، قال: ثنا أبو عامر العقدي ثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر. وفي هذا الإسناد خارجة بن عبد الله ضعّفه أحمد والدارقطني، وقال ابن عديّ: لا بأس به. وقال ابن معين: ليس به بأس. ميزان الاعتدال 1/625.
قال ابن أبي خيثمة: قلت: لابن معين: إنك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف. قال: إذا قلت لك: ليس به بأس فهو ثقة. لسان الميزان 1/13.
وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. وبقية رجال السند ثقات. فضائل الصحابة 1/249، 250، 405.
قال أحمد: قثنا أبو كريب الهمداني محمّد بن العلاء قثنا يونس بن بكير عن النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس. وفي هذا الإسناد يونس بن بكير، صدوق يخطئ، تق: 613، وفيه النضر أبو عمرو ضعّفه أحمد والدّارميّ. وقال البخاري: ضعيف ذاهب الحديث. وقال أبو داود: أحاديثه بواطيل. وقال النسائي: متروك. الميزان 4/260. وقال ابن حجر: متروك تق: 562. وبقية رجال السند ثقات.
عبد بن حميد/ المنتخب من المسند ص: 245، قال: حدّثنا عبد الملك بن عمر ثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر تقدم دارسة هذا السند عند الكلام على سند أحمد في المسند.
ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/224، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق أخبرنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك تقدمت دراسته في سند ابن سعد.
الترمذي/ السنن 5/279، 280، قال: حدّثنا محمّد بن بشار ومحمّد بن رافع قالا: أخبرنا أبو عامر العقدي أخبرنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر. تقدمت دراسته في سند أحمد في المسند.
وقال التّرمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر. البزار/ المسند6/57. قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر البرمكي قال: أنا إسحاق بن يوسف قال: نا القاسم ابن عثمان عن أنس بن مالك عن خباب بن الأرت. تقدم الكلام عليه في سند ابن سعد.
ابن الأعرابي/ المعجم 2/156. أخبرنا أحمد بن عبد الجبار نا يونس بن بكير عن النضر أبي عمر عن عكرمة بن عباس. تقدمت دراسته في سند أحمد في فضائل الصحابة.
ابن حبان/ الصحيح 9/17. قال: أخبرنا الحسن بن سفيان حدّثنا عبد الرحمن ابن معروف حدّثنا زيد بن الحباب حدّثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت سمعت نافعاً يذكر عن ابن عمر. تقدمت دراسته في سند أحمد في المسند.
الطبراني/ المعجم الكبير 10/196، 197. قال: حدّثنا محمّد بن العباس الأصبهاني ثنا عمر بن محمّد بن الحسن الأسدي حدّثنا أبي ثنا يحيى بن زكريا ابن أبي زائده عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود. محمّد بن العباس الأصبهاني الأخرم ترجم له الذهبي في السير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. 14/144. عمر بن محمّد بن الحسن بن الزبير الأسدي صدوق ربّما وهم. تق: 417. يحيى بن زكريا بن أبي زائده ثقة متقن تق: 590. مجالد بن سعيد ليس بالقوي. تغير في آخر عمره تق: 520. وبقية رجاله ثقات.
مجمع البحرين 6/240، 241. قال: حدّثنا أحمد ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن القاسم بن عثمان أبي العلاء البصري عن أنس ابن مالك. تقدمت دراسته في سند ابن سعد.
الحاكم/ المستدرك 3/83. قال: حدّثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأنا عبيد الله بن حاتم العجلي الحافظ ثنا عمر بن محمّد الأسدي ثنا أبي ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائده عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود. تقدمت دراسته في سند الطبراني في المعجم.
أبو نعيم/ الإمامة ص: 287، 288. قال: حدّثنا أبو بكر الطلحي ثنا عبد الله ابن حفص الحراني ثنا أبو كريب ثنا يونس بن بكير عن النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس. تقدمت دراسته في سند أحمد في الفضائل.
حلية الأولياء 5/361. قال: حدّثنا محمّد بن عمر بن سلم ثنا محمّد بن سهل أبو عبد الله ثنا مضارب بن بديل حدّثني أبي ثنا مبشّر بن إسماعيل عن نوفل ابن أبي الفرات الحلبي عن عمر بن عبد العزيز عن سالم عن أبيه. محمّد بن عمر ابن سلم ومحمّد بن سهل أبو عبد الله وأبوه لم أجد لهم تراجم. مبشر بن إسماعيل قال فيه ابن سعد: كان ثقة مأموناً. وقال الذهبي: تكلم فيه بعضهم بلا حجّة. السير 9/201-202. نوفل بن الفرات ذكره ابن حبان في الثقات 9/221. عمر بن عبد العزيز هو: الخليفة الأموي المعروف. سالم بن عبد الله ابن عمر ثقة. وعبد الله بن عمر هو: الصحابي المعروف. ورجال إسناد الأثر عند أحمد في المسند والترمذي في السنن ثقات سوى خارجة بن عبد الله الأنصاري فهو صدوق له أوهام كما تقدم.
فالأثر حسن بهذا الطريق. وأمّا أسانيد بقية من رواه فلا تخلو من متكلم فيه كما تقدم. وقد صحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي 3/204. وضعّفه في ضعيف الترمذي ص: 493. ووافق الترمذي في قوله: "حديث حسن صحيح غريب" في مشكاة المصابيح 3/1707 حيث قال: "وهو كما قال الترمذي".(10/89)
.
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دعا أن يعز الدين بعمر بن الخطاب خاصة(1)
__________
(1) رواه أحمد/ فضائل الصحابة 1/262، ابن ماجه/ السنن 1/39، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 3/266، الخلال/ السنة 311، ابن الأعرابي/ المعجم 1/311، ابن حبان/ الصحيح 9/17، الطبراني/ المعجم الكبير 2/97، الحاكم/ المستدرك 3/83. البيهقي/ السنن الكبرى 6/370.
ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 22ـ24، 44، 51، 52. وإسناده عند أحمد رجاله ثقات لكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة.
وفيه عند ابن ماجة والفسوي وابن حبان والحاكم والبيهقي وابن عساكر من طريق عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون صدوق له أغلاط. تق 364، وفيه مسلم بن خالد الزنجي صدوق كثير الأوهام. تق 529، وفي إسناده عند الخلال عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، صدوق اختلط قبل موته، قال ابن معين: وأحاديثه عن القاسم صحاح وهو هنا يروي عن القاسم ابن عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود، تهذيب الكمال 17/223،224، الكواكب النيرات ص: 296. وقال أبو الحسن القطان: اختلط حتى كان لا يعقل، فضعف حديثه، وكان لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعد.
وقال ابن المديني: ثقة يغلط فيما روي عن عاصم وسلمة بن كهيل. ميزان الاعتدال 2/574،575.
وقال ابن حجر وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط. تق 344.
وبقية رجال السند ما بين ثقة وصدوق. وفي سنده عند ابن الأعرابي مبارك ابن فضالة صدوق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله ثقات.
وفي إسناده عند الطبراني شيخه أحمد بن محمّد بن يحيى بن حمزة البلتهي الدمشقي قال ابن حجر: له مناكر. وقال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر. وحدّث عنه أبو الجهم الشعراني ببواطيل. لسان الميزان 1/295.
وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي الدمشقي قال البخاري: أحاديث مناكير. وقال أبو حاتم وغيره: ضعيف. وقال النسائي: متروك. وقال الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة. وأمّا عديّ فقال: أرجو أنه لا بأس به. ميزان الاعتدال 4/422.
وراه ابن عساكر من طريق آخر وفيه شيخه أبو طالب عليّ بن حيدرة ذكره الذهبي في السير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. سير أعلام النبلاء 2/520. ولكنه هنا قد تابعه أبو القاسم نضر بن أحمد السوسي. قال عنه ابن عساكر: شيخ مستور لم يكن الحديث من شأن. السير 2/248. وفيه أبو العلاء بن هلال الباهلي قال ابن حجر فيه: لين. تق: 436. والأثر عند أحمد وابن ماجة والفسوي والخلال وبن الأعرابي وابن عساكر والطبراني ليس فيه قوله: "خاصة". فالأثر حسن من غير العبارة: "خاصة" وصحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه 1/24.(10/90)
.
وجاء في رواية ضعيفة أنه صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو عامر(1) ابن الطفيل(2).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعمر رضي الله عنه بعد إسلامه، وقال: "اللهم أخرج ما في صدره من غل، وابدله له إيماناً، ثلاث مرات، وضرب صدره بيده"(3).
ثانياً: هجرته.
__________
(1) عامر بن الطُفَيل: ابن مالك بن جعفر العامري من بني عامر بن صعصعة فارس قومه، وأحد فتاك العرب وشعرائهم، وسادتهم في الجاهلية، الزركلي/ الاعلام 3/252.
وروى ابن إسحاق قصته في حادثة بئر معونة، وطلبه من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبعث إلى أهل النجد من يبلغهم الإسلام ويعلمهم دينهم، وتعهد عامر بحمايتهم ثم ذكر غدره بالقراء وقتله لهم. ابن هشام/ السيرة النبويّة 3/260، 266. وذكر هذه القصة أيضاً البخاري في صحيحه. وذكر أيضاً تهديد عامر بن الطفيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم بأنه سيغزوه بغطفان. وأن الله أخذه فطعن فمات. كتاب المغازي/ باب غزوة الرجيع 2/27-29. وذكر خبره أيضاً ابن كثير في تفسير 2/506 عند تفسير قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا...} الآية، وأنه أراد مع إربد بن قيس العامري قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم، فحماه الله وقتل إربد بالصاعقة وطعن عامر في بيت سلولية في مكان يعرف بالجرم، وخرجت غدة كغدة. الجمل في حلقه فمات منها. وذكر ذلك أيضاً ابن هشام في السيرة 4/285، 286.
(2) رواه أحمد/ فضائل الصحابة1/263، ورجاله ثقات إلا أنه من مرسل محمد ابن سيرين.
(3) رواه الطبراني/ مجمع البحرين 6/243، الحاكم/ المستدرك 3/84، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 34،35 كلهم من طريق عبد الله بن محمد النفيلي عن خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وخالد ابن أبي بكر قال فيه ابن حجر: فيه لين. تق 187، وقال الذهبي في استدراكه على الحاكم: خالد له مناكير. وبقية رجاله عند الحاكم ثقات.(10/91)
تقدم أن عمر رضي الله عنه تعرض بعد إسلامه للإيذاء من قبل مشركي قريش وذلك بعد أن أعلن إسلامه ولم يكف عنه المشركون حتى أجاره العاص بن وائل السهمي، فلما أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة كان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين على الرغم من منزلته ومكانته بمكة التي تنكر لها القرشيون بعد إسلامه، قال ابن عمر رضي الله عنهما: لما قدم المهاجرون الأولون من مكة إلى المدينة نزلوا بالعصبة(1) إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة لأنه كان أكثرهم قرآناً، فيهم عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبدالأسد(2).
وهاجر رضي الله عنه مستخفياً كالمهاجرين قبله والمهاجرين بعده ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه.
__________
(1) العُصْبة: مكان كان من منازل بني جحجبا بالمدينة: قال البلادي: كانت العصبة أرضاً زراعية معروفة إلى عهد قريب، وهي من جهات قباء مما يلي قربان أو كذا قيل لي. معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص210، وبنو جَحْجَبا بطن من الأوس من بني عوف بن عمرو. عمر رضا كحالة، معجم قبائل العرب 1/168.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 2/352،3/87،88، ابن أبي شيبة/ المصنف 1/302، 303، ابن شبه/ تاريخ المدينة 1/48،49، أبو نعيم/ معرفة الصحابة/ مخطوط 1/365/أ،، البيهقي/ السنن الكبرى 3/89، وسنده عند ابن سعد متصل ورجاله ثقات. قال أخبرنا أنس بن عياض وعبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. فالأثر صحيح، ورواه البخاري في الصحيح 1/128 من غير ذكر لعمر بن الخطاب.(10/92)
قال رضي الله عنه وهو يحكي قصة هجرته: اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة(1)، وهشام بن العاص بن وائل السهمي(2) التناضب من أضاة بني غفار(3)، فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض صاحباه، قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام، ففتن فافتتن(4).
ولحق بعمر رضي الله عنه عدد من قرابته وحلفائهم وعددهم عشرون.
قال البراء بن عازب(5) رضي الله عنه: أول من قدم علينا - يعني المدينة - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (6).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص(68).
(2) هشام بن العاص بن وائل السهمي كان قديم الإسلام هاجر إلى الحبشة، وقتل شهيداً يوم أجنادين. ابن حجر/ الإصابة 3/604.
(3) التَنَاضُب وأضاة بني غفار موضع واحد، الأضاة أرض تمسك الماء، فيتكون فيها الطين، والتناضب: شجرات في هذه الأضاة، وهي لا زالت مشاهدة على جانب وادي سرف الشمالي إلى جوار قبر أم المؤمنين ميمونة، وقد صارت التناضب والأضاة أرضاً زراعية لأناس من لحيان...وقدم قام بجانبها الغربي اليوم حي على بعد 13كيلاً من مكة. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 64، 65.
(4) رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 2/129، ابن سعد/ الطبقات 3/271، 272، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/228، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 3/272، البزار/المسند 1/258، 259 وغيرهم، صحيح من طريق ابن إسحاق. قال: فحدّثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(5) البراء بن عازب الأنصاري الخزرجي استصغر يوم بدر وشهد مع علي رضي الله عنه الجمل وصفين والنهروان ومات بالكوفة. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/239،240.
(6) رواه البخاري/ الصحيح 2/337، 3/214 وغيره. وانظر: فتح الباري 7/261.(10/93)
وممن هاجر مع عمر رضي الله عنه ابنه عبد الله، فلما فرض عمر رضي الله عنه العطاء فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه(1).
ولما وصل عمر رضي الله عنه المدينة نزل ومن معه العُصبة(2) وهي من منازل الأوس، وجاء في رواية أنه نزل على رفاعة(3) بن عبد المنذر. ولا تعارض في ذلك فرفاعة من الأوس سكان العصبة.
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 2/335، وقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ص46 أن رجلاً قال لابن عمر: أنت هاجرت قبل أم عمر؟ قال: فغضب، فقال: لا بل هو هاجر قبلي، وهو خير مني في الدنيا والآخرة، وفي إسناد ابن عساكر أبو الفضل بن البقال وفرات بن أبي بحرلم أجد لهما ترجمة، وفيه أبو عبد الله يروي عن وكيع بن الجراح لم أعرفه، والنص السابق يدل على أن ابن عمر هاجر بعد عمر بن الخطاب وهو يعارض ما جاء في رواية الصحيح المذكورة في المتن ولكن هذا الخبر جاء عند البخاري في الصحيح 2/336، وابن شبه/ تاريخ المدنية 2/82،83، بلفظ مختلف وفيه أن ابن عمر كان إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب وليس فيه أنه قال: "لا بل هو هاجر قبلي" وفيه ذكر لمبايعته عبد الله وأبيه عمر النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان.
(2) تقدم الكلام عليها في ص (157).
(3) رِفَاعة بن عبد المنذر بن زَنْبَر بن زيد بن أمية، من بني عمرو بن عوف من الأوس، نقيب شهد العقبة وبدراً وسائر المشاهد. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/79،80. رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص157 من غير سند.(10/94)
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه هاجر علانية وهي رواية مشهورة ولكنها لم تأت من طرق ثابته، وفيها أن عمر رضي الله عنه لما هم بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى(1) في يده أسهماً، واختصر عنزته(2) ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ثم أتى المقام فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس(3)، من أراد ان تثكله أمه ويؤتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه(4).
__________
(1) انْتَضَى: أي استخرج من كنانته. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 5/72، 73.
(2) اختصر عنزته: أي: أمسك عنزته بيده، وهي شبه العكازة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/36.
(3) المعاطس: هي الأنوف واحدها معطس لأن العطاس يخرج منها. المصدر السابق 3/256،257.
(4) رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص45، ابن الأثير/ أسد الغابة 4/58، وفي إسناده عندهما الزبير بن محمد بن خالد العثماني وعبد الله بن القاسم الأيلي وأبيه القاسم لم أجد لهم تراجم وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً، دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص42،43. وأشار الدكتور أكرم العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة إلى ضعف هذه القصة 1/206. وهذه القصة لم يذكرها ابن إسحاق وابن هشام وابن كثير في السيرة والذهبي في السيرة وابن حجر في الإصابة في ذكرهم لهجرة عمر رضي الله عنه.(10/95)
وكان وصول عمر رضي الله عنه المدينة قبل وصوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء بن عازب المتقدم الذكر(1) حيث ذكر وصوله صلى الله عليه وسلم بعد قدوم عمر وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو يصف حال المسلمين بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم: كنا قد استبطأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدوم علينا، وكانت الأنصار يغدون إلى ظهر الحرة، فيجلسون حتى يرتفع النهار، فإذا ارتفع النهار وحميت الشمس رجعت إلى منازلها، قال عمر: وكنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل من اليهود قد أومأ على أطم من آطامهم، فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا صاحبكم الذي تنتظرون، قال عمر: وسمعت الوجبة في بني عمرو بن عوف فأخرج من الباب، وإذا المسلمون قد لبسوا السلاح، فانطلقت مع القوم عند الظهر، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، حتى نزل في بني عمرو بن عوف(2).
__________
(1) ص: (159).
(2) رواه البزار/ المسند 1/406 وفي سنده محمد بن عيسى لم أجد له ترجمة وعبد الله بن شبيب إخباري علامه لكنه واه. ميزان الاعتدال 2/438، لكنه مقرون بالذي قبله، وفيه إسحاق بن محمد الفروي، صدوق كف فساء حفظه. تق 102، وفيه عبد الله بن زيد بن أسلم صدوق فيه لين. تق 304، وبقية رجاله ثقات.
وقد روى نحو حديث عمر رضي الله عنه البخاري في صحيحه من طريق عروة بن الزبير عن أبيه. فتح الباري 7/239، باب هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.(10/96)
وبعد وصول النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة شرع الله له المؤخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى من الهجرة، وذلك بسبب ما لقيه المهاجرون من فقد أموالهم، وهجرهم لأوطانهم وأهليهم وإصابتهم بالحمى. فأصبح لكلّ مهاجري أخاً من الأنصار. وترتب على المؤخاة حقوق خاصة كالمواساة والتعاون على أعباء الحياة بين الاثنين وكذلك توارثهما دون ذوي الرحم. فلما ألف المهاجرون الحياة في المدينة، وعوضهم عن بعض ما فقدوه من أموالهم بعد موقعة بدر ألغى الله تعالى التوارث بنزول قوله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ...} الآية(1).
وقد جاءت روايات متعددة في ذكر من أخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين عمر رضي الله عنه وبين بعض الصحابة فروي أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين عمر وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما(2)، وروي أنه آخى بينه وبين عتبان بن مالك(3)
__________
(1) سورة الأحزاب آية: 6.
انظر: أكرم العمري/ السيرة النبويّة الصحيحة 1/241-247.
(2) رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 4/274، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 157، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 2/91، الحاكم/المستدرك 3/14، وهو عند ابن هشام من غير إسناد، وكذا عند البلاذري وفيه عند ابن أبي عاصم أبو عبدالله الباهلي وغياث بن سفيان لم أجد لهما ترجمة، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وفيه عند الحاكم إسحاق بن بشر الكاهلي، متروك، متهم بالوضع. ميزان الاعتدال 1/186، وقد ذكر ابن إسحاق في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي بكر وبين خارجة بن زيد الخزرجي رضي الله عنهما، السيرة النبوية لابن هشام 2/171.
(3) عِتْبَان بن مالك بن عمرو العجلاني الأنصاري، شهد بدراً، كان ضرير البصر ثم عمي، مات في خلافة معاوية. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/305.
رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 2/173، ابن سعد/ الطبقات 3/272 وهو عند ابن إسحاق من غير سند، ورواه ابن سعد من طريق الواقدي. فالأثر ضعيف.(10/97)
وقيل بينه وبين عويم بن ساعدة(1) رضي الله عنهما. وقيل آخى بينه وبين معاذ بن عفراء(2) رضي الله عنه فالله أعلم.
وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أنه كانت هناك مؤاخاة أولى بين المهاجرين بعضهم بعضاً، لأن بعضهم كان أقوى بالمال والعشيرة، فعلى هذا يحمل ما ورد من مؤخاة النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر، وهي مؤاخاة أولى(3).
وأمّا أخو عمر رضي الله عنه من الأنصار فلم يرد في تحديده نصّ ثابت. ولا شكّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين أحد الأنصار، والذي أرجحه - والله أعلم - أنه عتبان بن مالك، لأنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان له جار من الأنصار يتناوب معه النزول إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم (4)، ووضح العلماء أن هذا الجار هو عتبان بن مالك، وذكر ابن حجر أنه ورد في كتاب الصلاة من صحيح البخاري أن عمر قال: كان لي أخ من الأنصار(5).
__________
(1) عويم بن ساعدة بن عائش الأنصاري شهد بدراً وأحداً والخندق ومات في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ابن خمس أو ست وستين. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/315، 316.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/272، البخاري/ التاريخ الصغير 1/69، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/229، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/111/ب.
وفي إسناده عند ابن سعد وابن شبه الواقدي، وفيه عند البخاري وأبي نعيم عاصم بن سويد الأنصاري مقبول. تق 285، وفيه الصفراء بنت عثمان بن عتبة بن عويم بن ساعدة لم أجد لها ترجمة. فالأثر ضعيف.
(2) معاذ بن عفراء هو معاذ بن الحارث بن رفاعة الأنصاري البخاري المعروف بابن عفراء وهي أمه صحابي عاش إلى خلافة علي وقيل بعدها، وقيل بل استشهد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. تق 535.
رواه ابن سعد/ الطبقات 3/272 من رواية الواقدي.
(3) فتح الباري 7/271.
(4) رواه البخاري في الصحيح 1/28، 3/258.
(5) فتح الباري 7/271، ولم أقف عليه.(10/98)
وهذا هو الذي رجّحه ابن كثير وتابعه ابن أسحاق فيه(1).
__________
(1) انظر: ابن كثير/ السيرة النبويّة 2/325.(10/99)