المبحث السادس: الاهتمام بالنواحي الجهادية والعسكرية.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التعبئة القتالية والإعداد العسكري
المطلب الثاني: أصول القتال وآدابه
المطلب الأول: التعبئة القتالية والإعداد العسكري.
إن قيام عمر رضي الله عنه بالتعبئة القتالية، وتهيئة الجيوش للغزو والجهاد أمر لا يحتاج إلى دليل يثبته، وقرينه تؤيده، فلولا فضل الله ثم قيامه رضي الله عنه بذلك على أكمل وجه، لما كانت تلك الفتوحات العظيمة، التي أزالت دولة الفرس، وضمت أجزاء كبيرة وهامة من دولة الروم، كبلاد الشام، ومصر إلى حظيرة الدولة الإسلامية.
ولكن المراد بالحديث عن ذلك بيان الكيفية التي أعد بها عمر رضي الله عنه جنده، وجعل منهم جنداً أوفياء، وقادة أكفاء للقيام بتلك الفتوحات الجليلة، ولبيان سياسته رضي الله عنه في إعداد القوات، وشحن الثغور، ويمكن الحديث عن ذلك في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الاهتمام بالقدرة القتالية، واللياقة البدنية للجند.
فقد عمل عمر رضي الله عنه على تهيئة جنده عسكرياً، وتدريبهم على حمل السلاح واستخدامه بمهارة عالية.
كتب عمر رضي الله عنه: أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي(1).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 9/19، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/172، البلاذري / أنساب الأشراف ص 281، أحمد / المسند 1/46، ابن أبي الدنيا / العيال 2/579، البيهقي / السنن الكبرى 6/214.
وفي إسناده عند عبد الرزاق عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف تق 361، وهو عند سعيد معضل من رواية حكيم بن حكيم الأنصاري صدوق، من الخامسة، وروايته عن عمر معضلة.
وإسناده عند ابن أبي الدنيا منقطع من رواية أبي قلابة الجرمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة.
ومداره عند سائر من رواه على عبد الرحمن بن عياش عن حكيم بن حكيم بن عباد، وهما صدوقان، وبقية رجاله عند أحمد ثقات وسنده متّصل. فالأثر حسن.(1/1)
وكتب رضي الله عنه: وارموا الأغراض(1).
فحث عمر رضي الله عنه على تعلم الرمي وإتقانه، لما له من أهمية بالغة في الحروب، فهو سلاح فعال في حسم المعارك، وقتل أعداد كبيرة من العدو بأقل عدد من الخسائر في الأرواح والمعدات، فربما قتل فرد واحد ماهر في استخدام هذا السلاح أعداداً من العدو، بخلاف السلاح المستخدم عند التحام الصفوف كالسيوف والخناجر وغيرها فإنه تكثر باستخدامها الخسائر بين الجانبين، والرمي قديماً بالسهام والحراب، والمنجنيقات يعادل في الأهمية استخدام الرشاشات والمدرعات والراجمات في وقتنا الحاضر.
كما حرص عمر رضي الله عنه على رفع اللياقة البدنية لجنده، وذلك بحثهم على ممارسة الألعاب الرياضية، ومنها الفروسية وركوب الخيل حيث أن الخيل كانت هي المستخدمة في القتال، والكر والفر، وأمرهم بالنزو عليها والقفز على ظهرها، وهذا لا يتأتى إلا مع رشاقة الجسم وقوته، ولياقته البدنية.
وحث عمر رضي الله عنه جنده على عدم التنعم في اللباس، ومشابهة العجم لأنه يورث الليونة والنعومة في الأجسام، فيجعلها غير قادرة على مواجهة ظروف القتال والجهاد، والتي تستلزم قدراً كبيراً من الخشونة والغلظة والبأس للجندي المقاتل.
__________
(1) الغَرض: الهدف الذي ينصب فيرمى فيه. ابن منظور / لسان العرب 10/53.
رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 275، أبو يعلى / المسند 1/189. صحيح من طريق أبي يعلى.
قال: حدّثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، حدّثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن أبي عثمان الهندي، قال: كتب عمر... الأثر.(1/2)
قال عمر رضي الله عنه: اتزروا وارتدوا، وانتعلوا، والقوا الخفاف، والسراويلات، وألقوا الركب(1)، وانزوا على الخيل نزواً، وعليكم بالمعدية(2)، وراموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم،وإياكم والحرير(3).
وحث رضي الله عنه على تعلم السباحة والعوم، وهي رياضة هامة للجندي تزيد من رفع قوته وقدرته الجسمية.
قال رضي الله عنه: علموا غلمانكم العوم(4).
المسألة الثانية: المحافظة على الجند والعناية بهم، وحمايتهم من المهالك.
وكان عمر رضي الله عنه شديد العناية بجنده، وكان قريباً منهم، متواضعاً لهم رحيماً بهم، يعرف لهم فضلهم، ومكانتهم.
قال الحارث بن لقيط النخعي(5) رحمه الله: لما وجهنا عمر إلى الكوفة مشى معنا ساعة، فودعنا، ودعا لنا، ثم قعد ينفض رجليه من الغبار(6).
وقال قرظة بن كعب(7) رضي الله عنه: شيعنا عمر إلى صرار(8).
__________
(1) ألقوا الرُكُب: الركاب للسّرج كالغرز للرحل. ابن منظور / لسان العرب 5/295.
(2) المعَدّية: أي خشونة اللباس، ويقال: تمعددوا أي تشبهوا بعيش بني معد بن عدنان، وكانوا أهل قشف وغلظ في المعاش. المصدر السابق 13/139.
(3) صحيح. تقدم تخريجه في ص: (1030) ولفظه هنا أتم.
(4) حسن تقدم تخريجه في ص (1070).
(5) تقدمت ترجمته في ص: (1013).
(6) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/541. صحيح.
قال: حدّثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا حنش بن الحارث عن أبيه قال: لما وجهنا... الأثر.
(7) تقدمت ترجمته في ص: (816).
(8) تقدم التعريف بها في ص (589).
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/541. صحيح. قال: حدّثنا ابن عيينة عن بيان عن الشعبي عن قرظة، قال: شيعنا... الأثر.(1/3)
ومن عناية عمر رضي الله عنه بجنده وقواته ورحمته بهم، إعطاؤهم حقوقهم، وواجباتهم، وعدم حرمانهم من أهلهم وقراباتهم، فكان رضي الله عنه يعقب بين الجيوش، فيأمر الجيش الذي كان مرابطاً بالقدوم، ويبعث مكانه غيره، وذلك في كل عام(1).
وكان عمر رضي الله عنه يأمر قادة جيوش المسلمين بعدم تجمير(2) الجيوش.
قال رضي الله عنه: ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الغياض(3) فتضيعوهم(4).
ومن عناية عمر رضي الله عنه بجنده تجنيبهم المهالك والمخاطر.
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 5/291،292، أبو داود / السنن 3/138، البيهقي / السنن الكبرى 9/29. صحيح من طريق أبي داود.
قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، ثنا إبراهيم بن سعد، ثنا ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري أن جيشاً...
ولعل ذلك كان قبل أن يأمر عمر رضي الله عنه بأن لا تحبس الجيوش فوق ستة أشهر كما تقدم ذلك بسند حسن في ص (975).
(2) تجمير الجند: أن يحبسهم في أرض العدو، ولا يقفلهم من الثغر. ابن منظور / لسان العرب 2/351.
(3) الغياض: جمع غيضة، وهي الشجر الملتف، لأن الجند إذا نزلوها تفرقوا، فتمكن منهم العدو. المصدر السابق 10/158.
(4) رواه ابن سعد / الطبقات 3/280،281، ابن أبي شيبة / المصنف 6/461، البلاذري / أنساب الأشراف ص 182،186، الطبري / التاريخ 2/567. صحيح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن الربيع بن زياد الحارثي.
والربيع بن زياد الراوي عن عمر رضي الله عنه، ذكره ابن حجر في الإصابة 1/504،505، وقال: قال أبو عمر: له صحبة، ولا أعرف له رواية، وذكره البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان في التابعين.(1/4)
عن فضيل بن زيد الرقاشي(1) قال: سرت سرية على عهد عمر رضي الله عنه على أرجلهم، فأعيا رجل منهم، فأرادوا أن يقيموا عليه، فرفض أمير السرية، فنادى يا عمراه، فمضوا وتركوه، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فكتب إلى أبي موسى رضي الله عنه، أن ابعث إلي بالرجل، فبعث به إليه، فأخذ قناة فجعل يضربه بها، ويقول: يقول لك الرجل انتظرني، فتذهب وتتركه، فينادي:يا عمراه؟ فجعل يعتذر إليه، فقال عمر: والله لصلاح رجل من المسلمين أحب إلي من هلاك كذا وكذا من أهل الشرك(2).
وروي عن عمر رضي الله عنه ما يدل بمجموعه على أنه كان يكره ركوب الجيش البحر خوفاً من هلاكهم.
روي أنه رضي الله عنه قال: عجبت لراكب البحر(3).
وروي أنه قال رضي الله عنه: لا يسألني عن ركوب المسلمين البحر أبداً(4).
وروي أنه رضي الله عنه عرض عليه أن يحمل جيشاً في السفن في البحر، فقال: أحمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على لوح، فأغرقهم، لا والله لا أفعل(5).
__________
(1) فضيل بن زيد الرقاشي، ثقة، روى عن عمر رضي الله عنه. ابن أبي حاتم / الجرح والتعديل 7/72.
(2) رواه الشافعي/ المسندص 317، سعيد بن منصور/ السنن الأعظمي 2/225، 226، ابن أبي شيبة / المصنف 6/496، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/28، 29. صحيح من طريق ابن شبة.
قال: حدّثنا زهير بن حرب، قال: حدّثنا جرير عن عاصم عن فضيل بن زيد الرقاشي.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/213، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه.
(4) رواه ابن سعد / الطبقات 3/284، ورجال إسناده ثقات وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(5) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 183، وفي إسناده عقبة بن عبد الله الأصم، ضعيف، وربما دلس، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.(1/5)
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص يسأله عن ركوب البحر، فقال عمرو في جوابه لعمر: دود على عود، فإن انكسر العود، هلك الدود، فكره عمر أن يحملهم في البحر، وأمسك عن ذلك(1).
وروي أن عثمان بن أبي العاص(2) أخرج جيشاً في البحر، فبلغ عمر فقال: حمل ناساً ليس بينهم وبين الماء إلا الألواح، والذي نفسي بيده لئن هلكوا لآخذن عدتهم من ثقيف(3).
ومن عناية عمر رضي الله عنه بالجند والاهتمام بهم تكريمهم والإشادة بأهل البلاء والفضل منهم.
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/285، البلاذري / أنساب الأشراف ص 183، ومداره على الواقدي، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم العدوي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2) تقدمت ترجمته في ص (679).
(3) رواه البلاذري /فتوح البلدان ص 420، الطبراني /المعجم الكبير 9/32، وهو عند البلاذري من كلام علي بن محمد بن عبد الله بن أسيف، ولم أجد له ترجمة، وفيه عند الطبراني شيخه سهل بن موسى لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.(1/6)
قال أسلم مولى عمر رحمه الله: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كراعاً(1)، ولا لهم زرع، ولا ضرع(2)، وخشيت أن تأكلهم الضبع(3)، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير(4) كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً، وحمل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يغني حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، فقال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها حاصرا حصناً زماناً، فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهامنا منه(5).
وقسم عمر رضي الله عنه مروطاً(6) بين نساء من نساء المدينة، فبقي مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك، يريدون أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه: أم سليط أحق.
وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) الكراع: ما دون الكعب من الشاة، ومعناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه، وأنهم ليس لهم كراع فينضجونه. فتح الباري 7/446.
(2) ليس لهم ضرع: أي ليس لهم ما يحلبونه. المصدر السابق.
(3) تأكلهم الضبع: أي تهلكهم السنة المجدبة. المصدر السابق.
(4) أي قوي الظهر، معد للحاجة. المصدر السابق.
(5) رواه البخاري / الصحيح 3/43، أبو عبيد / الأموال ص 276، ابن زنجويه الأموال 2/570، البيهقي /السنن الكبرى 6/351.
(6) المرط: كساء من خز أو صوف أو كتان، وقيل الثوب الأخضر، والمرط: كل ثوب غير مخيط. ابن منظور / لسان العرب 13/83.(1/7)
قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد، قال أبو عبد الله: تزفر: تخيط(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان بين يديه مال يقسمه، فرأى رجلاً في وجهه ضربة، فقال: ما هذه الضربة؟ قال: ضربتها في غزاة كذا وكذا، فقال عمر: عدوا له ألفاً، ثم حرك المال،ثم قال: عدوا له ألفاً، حتى عدوا أربعة آلاف، فاستحيا الرجل مما يعطيه، فذهب فحرك المال، فقال: أين الرجل؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، استحيى مما تعطيه، فذهب، فقال: لو مكث لأعطيته ما بقي بين يدي درهم، رجل ضرب في سبيل الله ضربة خفرت وجهه(2).
وروي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر رضي الله عنه في ثمانية عشر بختياً(3) أصابها، فكتب إليه عمر: أن ضعها في أشجع حي من العرب، فوضعها في بني رباح حي من بني تميم(4).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/150، أبو عبيد / الأموال ص 54.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/262، ابن زنجويه / الأموال 2/570، ومداره على عبد الله بن عبيد بن عمير، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات. فالأثر ضعيف.
(3) البُخْتِّية: الأنثى من الجمال البخت، وهي جمال طوال الأعناق. ابو منظور / لسان العرب 1/328.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/414، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.(1/8)
ومن ذلك ما روي في تكريم عمر رضي الله عنه لعبد الله بن حذافة(1) رضي الله عنه حين أسره الروم، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا: هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال له الطاغية: هل لك أن تتنصر وأشركك في ملكي وسلطاني؟ فقال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكت العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت. قال: إذاً أقتلك، فأمر به، فصلب، وقال للرماة: ارموه قريباً من يديه، قريباً من رجليه، وهو يعرض عليه، وهو يأبى، ثم أمر به، فأنزل، ثم دعا بقدر، وصب فيها ماء حتى احترقت، ثم دعا بأسيرين من المسلمين، فأمر أحدهما فألقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية، وهو يأبى، ثم أمر به أن يلقى فيها، فلما ذهب به بكى، فقيل له: إنه بكى، فظن أنه رجع، فقال: ردوه، فعرض عليه النصرانية، فأبى، قال: فما أبكاك؟ قال: أبكاني أني قلت هي نفسي نفس واحدة تلقى هذه الساعة في هذا القدر، فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى هذا في الله عز وجل. قال الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟ قال عبد الله: وعن جميع أساري المسلمين. قال: وعن جميع أسارى المسلمين.
قال عبد الله: فقلت في نفسي عدو من أعداء الله أقبل رأسه، ويخلي عني وعن أسارى المسلمين، لا أبالي فدنا منه، وقبل رأسه، فدفع إليه الأسارى، فقدم بهم على عمر رضي الله عنه، فأخبر عمر بخبره، فقال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه(2)
__________
(1) عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سُعيد بن سهم القرشي السهمي، من قدماء المهاجرين. مات بمصر في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. تق 300.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 4/190، أبو العرب / المحن ص 383،384، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/351/أ، البيهقي / شعب الإيمان 4/268،269، ابن الجوزي / المنتظم 4/320،321. ابن الأثير / أسد الغابة 3/143.
وهو عند ابن سعد من كلام الواقدي ولفظه مختصر، وفيه اختلاف، وهو: وكانت الروم قد أسرت عبد الله بن حذافة، فكتب فيه عمر بن الخطاب إلى قسطنطين فخلى عنه.
وفي إسناده عند أبي العرب شيخه يحيى بن عبد العزيز لم أجد له ترجمة، وفيه أيضاً عبد الله بن محمد من ولد عبد الله بن حذافة لم أعرفه، وهو الذي يروي قصة عبد الله بن حذافة وبقية رجاله ثقات.
وفيه عند أبي نعيم شيخ أبي نعيم، وشيخه لم أجد لهما ترجمة، وفيه عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي، قال الذهبي: أحد الضعفاء، وقال: ضعفه ابن عدي وغيره. ميزان الاعتدال 2/488، وفيه عطاء بن عجلان الحنفي.متروك، بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب. تق 391.
ورواه ابن الجوزي وابن الأثير من طريق أبي نعيم.
وفيه عند البيهقي ضرار بن عمرو ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. التاريخ الكبير 4/340، الجرح والتعديل 4/265، ولعله الملطي الذي ذكر في شيوخ عبد العزيز بن مسلم القسملي، قال ابن معين: لا شيء، وقال الدولابي: فيه نظر.ميزان الاعتدال 2/328، وبقية رجال السند ثقات.(1/9)
.
المسألة الثالثة: تجهيز الجيوش وشحن الثغور، وإعداد العدة.
وعمل عمر رضي الله عنه على إعداد الجيوش وتجهيزها، وشحن الثغور بها، وكان ذلك شغله الشاغل، وهمه الدائم حيث كانت الجيوش الإسلامية تقاتل عدواً شرساً يفوقها في العتاد والعدة في بلاد الفرس والروم.
قال عمر رضي الله عنه: إني لأجهز الجيوش وأنا في الصلاة(1).
وكتب أبو عبيدة رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه يعلمه بكثرة جمع الروم، فهمه ذلك الأمر حتى كان لا يستطيع النوم من الليل(2).
وكان رضي الله عنه يحث الناس على الخروج للقتال والجهاد في سبيل الله، ويمد بهم جنود المسلمين الملتحمة مع العدو.
قال الحارث بن لقيط النخعي(3) رحمه الله تعالى: قدمنا من اليمن، ونزلنا المدينة، فخرج علينا عمر، فطاف في النخع(4)، ونظر إليهم، فقال: يا معشر النخع إني أرى الشرف فيكم متربعاً، فعليكم بالعراق وجموع فارس، فقلنا: يا أمير المؤمنين، لا بل الشام نريد الهجرة إليها، قال: لا بل العراق، فإني قد رضيتها لكم، قال: حتى قال بعضنا: يا أمير المؤمنين، لا إكراه في الدين. قال: فلا إكراه في الدين عليكم بالعراق فيها جموع العجم. قال لقيط: ونحن ألفان وخمسمائة، فأتينا القادسية...الأثر(5)
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/186. صحيح.
قال: حدّثنا حفص عن عاصم عن أبي عثمان النهدي، قال: قال عمر: إني... الأثر.
(2) ذكره ابن كثير نقلاً عن ابن أبي الدنيا عن ابن أبي خيثمة زهير بن حرب، وسنده متصل ورجاله ثقات.
قال: ثم رواه أبي ابن أبي الدنيا عن خيثمة عن ابن مهدي عن مالك عن زيد ابن أسلم عن أبيه أن أبا عبيدة... الأثر.
قال ابن كثير رحمه الله: هذا صحيح عنه رضي الله عنه. فالأثر صحيح. مسند الفاروق /1/184.
(3) تقدمت ترجمته في ص (1013).
(4) النّخع: بطن من مذحج من القحطانية. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/1176.
(5) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/553،554. صحيح.
قال: حدّثنا الفضل بن دكين، قال: ثنا حنش بن الحارث، قال: سمعت أبي يذكر، قال: قدمنا من اليمن... الأثر.(1/10)
.
وقال عمر رضي الله عنه لسعد بن عبيد القاري(1)، وكان لقي عدواً، فانهزم منهم: هل لك في الشام لعل الله يمن عليك، قال: لا إلا الذين فررت منهم، فشهد القادسية، وخطبهم، فقال: إنا لاقوا العدو إن شاء الله غداً، وإنا مستشهدون فلا تغسلوا عنا دماً، ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى جنده بالعراق، وهو يعد لقتال الفرس بالقادسية، لا تدعوا في ربيعة(3) أحداً، ولا مضر(4)، ولا حلفائهم أحداً من أهل النجدات، ولا فارساً إلا جلبتموه، فإن جاء طائعاً، وإلا حشرتموه، احملوا العرب على الجد إذا جد العجم، فلتقوا جدهم بجدكم(5).
وروي أنه رضي الله عنه قال: لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، فلم يدع رئيساً، ولا ذا رأي، ولا ذا شرف، ولا ذا سطة، ولا خطيباً، ولا شاعراً إلا رماهم به، فرماهم بوجوه الناس(6).
__________
(1) سعد بن عبيد الزهري، يكنى أبا عبيد، ثقة من الثانية، وقيل له إدراك. تق 231.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 3/543.صحيح.
قال: عن الثوري عن قيس بن مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعد ابن عبيد وكان يدعى في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم القاري.
(3) ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، شعب عظيم، فيه قبائل عظام، وبطون وأفخاذ، ويعرف بربيعة الفرس. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 2/424.
(4) مضر بن نزار بن معد بن عدنان، قبيلة عظيمة من العدنانية، وكانوا أهل الكثرة والغلبة بالحجاز، وكانت لهم رئاسة مكة، ويجمعهم فخذان عظيمان، خندف وقيس. المرجع السابق 3/1107.
(5) رواه الطبري / التاريخ 2/379-398. من طريق شعيب عن سيف، فالخبر ضعيف.
(6) رواه الطبري / التاريخ 2/385 بالطريق السابق.(1/11)
وروي أنه ندب الناس إلى العراق، فجعلوا يتحامونه، ويتثاقلون عنه حتى هم أن يغزو بنفسه(1).
وعمل عمر رضي الله عنه على شحن الثغور بالقوات لمواجهة أي خطر يهدد الدولة الإسلامية، ووضع الحاميات بها، فكانت كل حامية ترابط مدة من الزمان ثم تعود، وتعقبها أخرى كما تقدم ذكر ذلك(2).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في وضع الحاميات على الثغور أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة أن رتب بأنطاكية(3) جماعة من المسلمين أهل نيات وحسبة، واجعلهم بها مرابطة، ولا تحبس عنهم العطاء وذلك بعد أن فتحها المسلمون(4).
وروي أنه رضي الله عنه كان يبعث في كل سنة غازية من أهل المدينة ترابط بالإسكندرية(5).
واهتم عمر رضي الله عنه بالخيل والإبل وإعدادها للمقاتلة، وإمدادهم بها، وربما وهبها لهم تكريماً لهم وتشجيعاً على الجهاد في سبيل الله.
__________
(1) رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 153، الطبري / التاريخ 2/360،363، وهو عند البلاذري من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى، قال الذهبي: إخباري تالف، لا يوثق به. ميزان الاعتدال 3/419، وهو عند الطبري من رواية شعيب عن سيف، فالخبر ضعيف.
(2) انظر ص: (1073).
(3) تقدم التعريف بها في ص: (735).
(4) رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 153، وفي إسناده محمد بن سهم الأنطاكي، وشيخه أبو صالح الفراء، لم أجد لهما ترجمة، وفيه مخلد بن الحسين، لعله البصري، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 8/347، وذكره ابن حبان في الثقات 9/285، وفيه إبهام من روى عنهم حيث قال: سمعت مشايخ الثغر. فالأثر ضعيف.
(5) رواه ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 192، وفي إسناده ابن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه، وهو معضل من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.(1/12)
قال ربيعة بن عبد الله بن الهدير رحمه الله(1): كان عمر رضي الله عنه إذا حمل على فرس أو بعير في سبيل الله قال: إذا جاوزت وادي القرى(2) أو مثلها من طريق مصر، فاصنع بها ما بدا لك(3).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في اتخاذ الخيل للمجاهدين في سبيل الله أن عمر رضي الله عنه كان له أربعة آلاف فرس على أري(4) بالكوفة موسومة على أفخاذها في سبيل الله، فإن كان في عطاء الرجل حقه، أو كان محتاجاً أعطاه الفرس، ثم قال: إن أجريته فأعييته أو ضيعته، فأنت ضامن، وإن قاتلت عليه، فأصيب أو أصبت، فليس عليك شيء(5).
المطلب الثاني: أصول القتال وآدابه:
لقد جاءت عن عمر رضي الله عنه عدة نصوص تبين الأصول والآداب التي ينبغي للمجاهد والمقاتل أن يسير عليها، وأن يتحلى بها قائداً كان أو جندياً، حتى يكون مجاهداً مثالياً في دينه، وخلقه، بارعاً في قتاله، ومنازلته العدو، كما أراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (303).
(2) وادي القرى:يعرف اليوم بوادي العلا، مدينة عامرة، شمال المدينة على قرابة 350كم. عاتق البلاذري / معجم المعالم الجغرافية ص 250.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/522. صحيح.
قال: حدّثنا أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر عن محمّد بن المنكدر عن ربيعة ابن عبد الله بن الهدير، قال: كان عمر... الأثر.
(4) أَري: محبس الدابة، ومرابضها ومعلفها. ابن منظور / لسان العرب 1/126، 127.
(5) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/475، الطبري / التاريخ 2/482، 483، 571، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة أبو سعيد لعله البقال. ضعيف مدلس تق 341، وهو منقطع من رواية محمد بن عبد الله الثقفي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة، وهو عند الطبري من طريق شعيب عن سيف، ورواه من طريق آخر وفيه الواقدي. فالأثر ضعيف.(1/13)
فمن المبادئ الهامة في القتال والتي عمل بها عمر رضي الله عنه مبدأ الشورى، وهو مبدأ حض عليه القرآن الكريم، والسنة، وذلك لما للشورى من أهمية بالغة في استجلاء الحقيقة، ومعرفة الصواب والحق، والبعد عن التعجل والتهور، واتخاذ القرارات الفردية العشوائية.
فقد شاور عمر رضي الله عنه الهرمزان(1) في قتال الفرس، لعلمه ببلاد فارس، ومدنها وطبيعتها الجغرافية، ومراكز القوة والضعف فيها، ولأن الهرمزان كان قائداً عسكرياً ذا خبرة قتالية وعسكرية لا يستهان بها، فاستشاره عمر رضي الله عنه أيبدأ بقتال فارس أم أصبهان(2) أم أذربيجان(3)، فقال الهرمزان: أصبهان الرأس وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت أحد الجناحين، مال الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فابدأ بالرأس، فأخذ عمر رضي الله عنه بقوله، فأمر النعمان بن مقرن المزني(4) رضي الله عنه بالتوجه لقتال الفرس بنهاوند(5)، ومعه الزبير بن العوام، وعمرو بن معدي كرب (6)، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر والأشعث بن قيس(7).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 243.
(2) تقد التعريف بها في ص: 611.
(3) تقدم التعريف بها في ص: 612.
(4) تقدمت ترجمته في ص: 642.
(5) تقدم التعريف بها في ص: (643.
(6) عمرو بن معدي كرب بن عبد الله بن عمرو الزبيدي، قال ابن ماكولا: له صحبة، ارتد يوم مات النبي r، ثم عاد إلى الإسلام، وله بلاء حسن يوم القادسية، وشهد فتوح العراق والشام. ابن حجر / الإصابة 3/18،19.
(7) الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، أبو محمد، الصحابي رضي الله عنه. تق 113.
صحيح. تقدم تخريجه في ص: 612.(1/14)
ومن المبادئ الأساسية التي حض عليها عمر رضي الله عنه المجاهدين إخلاص النية لله عز وجل، وأن يبتغوا بجهادهم وجه الله، وإعلاء دينه، قال رضي الله عنه، وهو يبين أن من لم يخلص نيته لله عز وجل في جهاده، وكان غرضه دنيوياً، فإنه لن ينال ما أعده الله عز وجل للمجاهدين: وأخرى تقولونها لمن قتل في مغازيكم أو مات فلان شهيداً، ولعله أن يكون قد أوقر عجز دابته، أو دف(1) راحلته ذهباً أو ورقاً يطلب التجارة، فلا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل في سبيل الله أو مات فهو في الجنة(2).
وبين عمر رضي الله عنه أنه ينبغي للمجاهد أن تكون نيته من جهاده هو إعلاء كلمة الله عز وجل، ونصرة دينه وإذلال الكفر وأهله، وليس مجرد أن يقتل في سبيل الله، قال رضي الله عنه: لأن أموت على فراشي صابراً محتسباً أحب إلي من أن أقدم على القوم، ولا أريد إلا أن يقتلوني، أوليس الله يأتي بالشهادة؟!(3).
__________
(1) دفُّ الرحل: جانب كور البعير وهو سرجه. ابن منظور / لسان العرب 4/371.
(2) رواه النسائي / السنن 6/117-119، الحاكم / المستدرك 2/109، البيهقي / السنن الكبرى 6/332، 9/168. صحيح من طريق النسائي.
قال: أخبرنا عليّ بن حجر بن إياس بن مقاتل بن مشمرخ بن خالد، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب وابن عون وسلمة بن علقمة وهشام بن حسان دخل حديث بعضهم في بعض عن محمّد بن سيرين نبئت عن أبي العجفاء، وقال: الآخرون: عن محمّد بن سيرين عن أبي العجفاء، قال: قال عمر:... الأثر. وصحّحه الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 2/705.
(3) رواه الفزاري / السير ص 213، عبد الرزاق / المصنف 5/262. صحيح من طريق الفزاري.
قال: عن سفيان عن واصل الأسدي، قال: سمعت المعرور بن سويد يقول: سمعت عمر بن الخطاب... الأثر.(1/15)
ومن المبادئ الهامة التي حرص عمر رضي الله عنه على ترسيخها في نفوس المجاهدين، أن يكون تعلقهم بالله عز وجل، واعتمادهم عليه، وأن لا يغتروا بقوتهم أو حنكة وخبرة قادتهم.
فقد كان من أسباب عزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد، اغترار الناس به حتى خشي عمر رضي الله عنه أن يعتقد الناس أن النصر مقترن به، وبقيادته فتتعلق قلوبهم به دون الله عز وجل.
قال رضي الله عنه بعد أن عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن قيادة جيوش المسلمين بالشام، وولى أبا عبيدة رضي الله عنه، وجاءته البشارة بنصر المسلمين، وهزيمة الروم، قال: الله أكبر رب قائل لو كان خالد بن الوليد(1).
وقال رضي الله عنه: لأنزعن خالد بن الوليد والمثنى مثنى بني شيبان حتى يعلما أن الله كان ينصر عباده، وليس إياهما كان ينصر(2).
وقد نبه عمر رضي الله عنه جنده، وقواته إلى أمور وأصول هامة، لا غنى للمقاتل عن معرفتها، والعمل بها في ساحة القتال لأنها من أسباب النصر، وقهر العدو، وهي:
1- الصبر والاعتماد على الله عز وجل، وعدم اليأس من رحمة الله وقرب فرجه ونصره.
كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه لما حصر وجنده بالشام، وأصابهم جهد شديد: سلام عليكم، أما بعد، فإنه لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها فرجاً، ولن يغلب عسر يسرين، وكتب إليه: {يأ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(3)
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/829، ورجال إسناده ثقات سوى هشام بن سعد صدوق له أوهام، يروي عن زيد بن أسلم، وهو من أثبت الناس فيه. فالأثر صحيح.
(2) تقدم تخريجه في ص: 732.
(3) سورة آل عمران الآية (200).
رواه مالك/ الموطأ1/379، وابن أبي شيبة/ المصنف7/8،9، وأحمد/ المسند 1/49، وابن حبان/ الصحيح7/130، 131، والحاكم/ المستدرك 2/300، 301، والمقدسي/ المختارة1/377، 378.
وسنده عند مالك منقطع من روايته عن زيد بن أسلم، وهو ثقة من الثالثة. روايته عن عمر منقطعة.
وإسناده عند ابن أبي شيبة متّصل ورجاله ثقات سوى هشام بن سعد فهو صدوق له أوهام. وهو يروي عن زيد بن أسلم، وهو من أثبت الناس فيه.
وإسناده عند أحمد كذلك متّصل، ورجاله ثقات سوى سماك بن حرب، فهو صدوق تغير بآخره فكان ربما تلقن تق: 255. ولكن رواية الثوري عنه قديمة وهي صحيحة مستقيمة وهو هنا يروي عنه. انظر: الكواكب النيرات ص: 237-240.
وراه الحاكم من طريق هشام بن سعد به مثله عند ابن أبي شيبة. ورواه المقدسي من طريق آخر. فالأثر صحيح لغيره بطرقه.(1/16)
.
2- الاستبسال في الجهاد، فقد أثنى عمر رضي الله عنه على من تحلى بذلك.
قدم الرسول إلى عمر رضي الله عنه، بنعي النعمان بن مقرن المزني رضي الله عنه، فسأله عمر رضي الله عنه عن الناس. فقال: أصيب فلان وفلان آخرون لا أعرفهم. فقال عمر: لكن الله يعرفهم، فقال: يا أمير المؤمنين، ورجل شرى نفسه، فقال مدرك بن عوف(1): ذلك والله خالي يا أمير المؤمنين، زعم الناس أنه ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كذب أولئك، ولكنه ممن شرى الآخرة بالدنيا(2).
3- التقوي على مجاهدة العدو.
__________
(1) مدرك بن عوف البجلي الأحمسي، ذكره جعفر المستغفري وقال: له صحبة، وسبقه ابن حبان، فذكره في الصحابة، ثم ذكره في التابعين، وقال أبو عمر: مختلف في صحبته. ابن حجر / الإصابة 3/394.
(2) رواه الفزاري / السير ص 208،209، ابن أبي شيبة / المصنف 4/208، الفسوي / المعرفة والتاريخ 2/230، ومداره على مدرك بن عوف المتقدم ذكره، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر صحيح.(1/17)
فقد حث رضي الله عنه جنده على تقوية أبدانهم في أرض القتال حتى يتمكنوا من مقاومة العدو، ومن ذلك أمره رضي الله عنه لجنده بالإفطار في رمضان، وكانوا يحاصرون حصناً للعدو(1).
ومن التوجيهات الهامة التي وجه إليها عمر رضي الله عنه قادة جيشه، عدم المغامرة وتعريض قوات المسلمين للمخاطر والمهالك، والعمل على الإقلال من الخسائر البشرية بقدر المستطاع.
ومن ذلك إعلامه رضي الله عنه بجنده وقادتهم أن تراجعهم عن مواجهة العدو في أرض المعركة وانسحابهم إلى ديار المسلمين عند إحساسهم بعدم تكافء كفة القتال، وشعورهم بالخطر المحقق، أن ذلك لا يعد فراراً من الزحف، وإنما هو من الرجوع إلى فئة، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(2).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 5/302، ابن أبي شيبة / المصنف 6/462، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات، ولكنه منقطع من رواية سعيد بن جبير عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ولفظه: كتب عمر رضي الله عنه إلى قوم محاصرين العدو في رمضان ألا تصوموا، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة معاوية بن هشام، صدوق له أوهام. تق 538، وفيه البراء بن قيس الراوي عن عمر رضي الله عنه، ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. التاريخ الكبير 2/117، الجرح والتعديل 2/399، وذكره ابن حبان في الثقات 4/77، وبقية رجاله ثقات، ولفظه: عن البراء بن قيس قال: أرسلني عمر بن الخطاب إلى سلمان بن ربيعة آمره أن يفطر وهو محاصر. ففي الأثر تصريح بسماع البراء من عمر، والسند إليه حسن. فالخبر حسن إن شاء الله.
(2) سورة الأنفال الآية (16).(1/18)
فلما بلغ عمر رضي الله عنه مقتل أبي عبيد الثقفي(1) رضي الله عنه قائد موقعة الجسر(2)، وهزيمة جيشه، قال: إن كنت له فئة لو انحاز إلي(3).
ولما رجع بعض جيشه إلى المدينة قال لهم عمر رضي الله عنه: أنا فئتكم(4).
وأمر عمر رضي الله عنه قادة جيشه بعدم المغامرة بأنفسهم، وحذرهم من نزول الأماكن التي يمكن أن يكمن لهم فيها عدوهم، ويفرق جمعهم، وذلك كالغابات الكثيفة الشجر، والمستنقعات المائية، ونحوها، قال رضي الله عنه وهو يوصي قادة جيشه بجند المسلمين: ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم(5).
__________
(1) أبو عبيد بن مسعود الثقفي قال ابن عبد البر: لا أعلم له رواية شيء، قتل هو وابنه جبر في صدر خلافة عمر رضي الله عنه يوم الجسر. الاستيعاب 4/271.
(2) كانت موقعة الجسر في آخر شهر رمضان وأول شوال سنة ثلاثة عشر، في قس الناطف على شاطئ الفرات. خليفة بن خياط / التاريخ ص 154.
(3) رواه عبد الرزاق / التفسير 1/155، ابن أبي شيبة / المصنف 6/541، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات، وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الطبقة الرابعة، وهو عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/542،549. صحيح.
قال: حدّثنا معاذ بن معاذ، قال: ثنا التيمي عن أبي عثمان، قال: لما قتل أبو عبيد... الأثر.
(5) صحيح. تقدم تخريجه في ص: (1074).(1/19)
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في عدم الإقدام على المهالك، أنه قال: لا تستعملوا البراء بن مالك(1) على جيش من جيوش المسلمين، فإنه مهلكة من الهَلك يقدم بهم(2).
ومن المبادئ التي روي عن رضي الله عنه توجيه قادته للتحلي بها هو التريث والتعقل والتؤدة في إدارة العمليات العسكرية، ولا شك أن هذا المبدأ مبدأ في غاية الأهمية، وما ثبت عن عمر رضي الله عنه من أخذه بمبدأ الشورى(3) في القتال يدل عليه.
فالقائد الذي يشاور أصحابه، وأهل الرأي منهم، يبعد عنه التعجل والتهور، واتخاذ القرارات الفردية، ويكون أقرب إلى الصواب والحق.
روي عنه رضي الله عنه أنه لما بعث أبا عبيد إلى العراق، بعث معه سليط بن عمرو الأنصاري(4) رضي الله عنه، وقال له: لولا عجلة فيك لوليتك، ولكن الحرب زبون(5) لا يصلح لها إلا الرجل المكيث(6).
وقد أمر عمر رضي الله عنه قادته وجنده وأوصاهم ببعض الآداب التي ينبغي أن يتحلوا بها في تعاملهم مع عدوهم في أرض المعركة.
__________
(1) البراء بن مالك بن النضر الأنصاري رضي الله عنه، أخو أنس بن مالك لأبيه، وأمه، شهد أحداً وما بعدها من المشاهد مع رسول الله r. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/237.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 7/16، ورجاله ثقات سوى عمرو بن عاصم، فهو صدوق، وهو منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3) انظر ص: (1088).
(4) سليط بن قيس بن عمرو النجاري الأنصاري، شهد بدراً، وما بعدها من المشاهد كلها، وقتل يوم جسر أبي عبيد. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/206.
(5) زبون: أي تزبن الناس أي تصدمهم وتدفعهم، وقيل معناه أن بعض أهلها يدفع بعضهم بعضاً لكثرتهم. ابن منظور / لسان العرب 6/16.
(6) رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 251، الطبري / التاريخ 2/361، وهو عند البلاذري من غير إسناد حيث قال: قالوا...، وعند الطبري من طريق شعيب عن سيف. فالأثر ضيعف.(1/20)
وهي آداب أمر بها الله عز وجل في كتابه العزيز، وعمل بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن تلك الآداب دعوة العدو من أهل الكتاب ومن يلحق بهم إلى الإسلام قبل القتال فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا فالقتال.
قال رضي الله عنه وهو يوصي سلمة بن قيس الأشجعي(1) رضي الله عنه أحد قادته لقتال الفرس: وإذا انتهيت إلى القوم فادعهم إلى الإسلام والجهاد، فإن قبلوا فهم منكم، فلهم مالكم، وعليهم ما عليكم، وإن أبوا فادعهم إلى الإسلام بلا جهاد، فإن قبلوا فاقبل منهم، وأعلمهم أنه لا نصيب لهم في الفيء، فإن أبوا فادعهم إلى الجزية، فإن قبلوا فضع عنهم بقدر طاقتهم، وضع فيهم جيشاً يقاتل من روائهم، وخلهم وما وضعت عليهم، فإن أبوا فقاتلهم(2).
ومن آداب القتال التي حث عمر رضي الله جنده على التخلق بها أثناء القتال، عدم الغدر بالعدو بعد إعطائه الأمان، قال رضي الله عنه لجنده: ولا تغدروا(3).
وقد أوضح رضي الله عنه لجنده وقادتهم أن إعطاء الأمان يكون أماناً باللفظ الدال عليه سواء كان بالعربية أم بغيرها.
قال رضي الله عنه: إذا قال الرجل للرجل: لا تخف فقد أمنه، وإذا قال: مطرس، فقد أمنه، وإذا قال: لا تدحل(4) فقد أمنه، فإن الله يعلم الألسنة(5).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (264).
(2) صحيح، تقدم الكلام عليه في ص: (266). وهو جزء من خبر سلمة حينما قدم المدينة وعمر يطعم الناس.
(3) هذا جزء من خبر سلمة بن قيس المتقدم ذكره.
(4) دَحَل، قال ابن منظور: قال شمر: سمعت علي بن مصعب يقول: لا تدحل بالنبطية، أي لا تخف. لسان العرب 4/302.
(5) رواه مالك/ الموطأ1/358، عبد الرزاق/ المصنف5/219، سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي2/230، صحيح من طريق سعيد.
قال: نا أبو شهاب عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: أتانا كتاب عمر... الأثر.
ورواه أيضاً فقال: نا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق.(1/21)
وأجاز عمر رضي الله عنه أمان العبد ، وبين رضي الله عنه أنه لا فرق بين أن يؤمن العدو حر أو عبد من المسلمين، وإليك هذه القصة الدالة على ذلك، وفيها دلالة أيضاً على شدة تحري عمر رضي الله عنه العدل وترك الظلم حتى مع أعداء الإسلام، وفيها دلالة واضحة على الهدف السامي، والغاية النبيلة من الفتح الإسلامي، وهي نشر الدين وليس نهب خيرات البلاد المفتوحة، وسبي ذراريها ونسائها.
قال فضيل بن زيد الرقاشي رضي الله عنه(1)، وكان غزا على عهد عمر رضي الله عنه سبع غزوات: بعث عمر جيشاً، فكنت في ذلك الجيش، فحاصرنا أهل سيراف(2)، فلما رأينا أنا سنفتحها من يومنا ذلك، قلنا: نرجع فنقيل ثم نخرج فنفتحها، فلما رجعنا تخلف عبد من عبيد المسلمين فراطنوه فراطنهم، فكتب لهم كتاباً في صحيفة ثم شده في سهم، فرمى به إليهم، فخرجوا، فلما رجعنا من العشي وجدناهم قد خرجوا، قلنا لهم ما لكم؟ قالوا: أمنتمونا، قلنا: ما فعلنا، إنما الذي أمنكم عبد لا يقدر على شيء، فارجعوا حتى نكتب إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: ما نعرف عبد كم من حركم، ما نحن براجعين، إن شئتم فاقتلونا، وإن شئتم قفوا لنا.
قال: فكتبنا إلى عمر فكتب إلينا: إن عبد المسلمين من المسلمين ذمته ذمتهم، فأجاز عمر أمانه(3).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (1074).
(2) سِيرَاف: مدينة جليلة على ساحل بحر فارس، وبين سيراف والبصرة، إذا طاب الهواء سبعة أيام، ومن سيراف إلى شيراز ستون فرسخاً. ياقوت الحموي / معجم البلدان 2/294،295. وفي المنجد سيراف: بلدة قديمة في إيران على الخليج خربتها الزلازل. الأعلام ص: (320).
(3) رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 140، سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/233، ابن أبي شيبة / المصنف 6/510. صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عاصم الأحول عن فضيل بن زيد الرقاشي وقد كان غزا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه... الأثر.(1/22)
ومن تلك الآداب عدم التمثيل بالقتلى، والنهي عن قتل الصبيان والنساء والشيوخ.
قال رضي الله عنه: ولا تمثلوا، ولا تقتلوا امرأة، ولا صبياً، ولا شيخاً هِمًّا(1).
ومن الآداب التي حث عمر رضي الله عنه جنده بعد فراغهم من القتال ونصرهم على عدوهم عدم الغلول من الغنيمة والأخذ منها قبل قسمتها، وأخذ كل مقاتل سهمه الذي قرره كتاب الله عز وجل وسنة نبيه(2) صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من العدوان على حق الله عز وجل ورسوله في الفيء أولاً، وعلى حقوق جند المسلمين ثانياً.
هذا ما أردت كتابته فيما يتعلق بالنواحي الجهادية، وأشير هنا إلى أني لم أتطرق لمسألة قادة عمر رضي الله عنه العسكريين، وذلك لأن كبار قادة عمر رضي الله عنه الذين أوكل إليهم مهمة قيادة جيوش المسلمين الفاتحة، كانوا هم ولاة عمر رضي الله عنه في البلاد المفتوحة، كولاة العراق، والشام، ومصر أو ولاة المناطق القريبة من مناطق الفتح كعمان والبحرين، وقد تقدم ذكرهم في مبحث الولاة.
وفاة عمر رضي الله عنه واستشهاده.
وفاة عمر رضي الله عنه واستشهاده.
إن الاستشهاد في سبيل الله مطلب نبيل، وغاية سامية يتطلع إليها كل مؤمن صادق الإيمان، موقن بما أعده الله عز وجل للشهداء في سبيله من عظيم الكرامات، ورفيع الدرجات في دار رضوانه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّلِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}(3).
ولقد كان عمر رضي الله عنه يسأل الله عز وجل الشهادة في سبيله، وأن يجعل موته في بلد رسوله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) الهِمُّ: الشيخ الكبير البالي. ابن منظور / لسان العرب 15/138.
وهذا الأثر صحيح. تقدم تخريجه في ص 266 وهو جزء من أثر سلمة بن قيس.
(2) ورد ذلك في جزء من الأثر المتقدم.
(3) سورة النساء، الآية (69).(1/23)
قال رضي الله عنه: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك(1).
وفي رواية أنه قال: اللهم ارزقني قتلاً في سبيلك، ووفاة في بلد نبيك، فقالت حفصة رضي الله عنها: وأنى ذلك ؟! فقال رضي الله عنه: إن الله يأتي بأمره أنى شاء(2).
وكان رضي الله عنه يدعو بذلك مع بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بحيازة هذه المرتبة العظيمة، والمنزلة الرفيعة، وذلك لحرصه الشديد على الشهادة رضي الله عنه.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فرجف بهم، فضربه برجله، وقال: اثبت أحد، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان(3).
ومكن الله عز وجل لعمر رضي الله عنه في الأرض، وفتح على يديه الفتوحات العظيمة، وانتشرت رعيته، وكبرت سنه رضي الله عنه، فأحس بدنو أجله وانقضاء أيامه، قال رضي الله عنه لما قفل من آخر حجة حجها بعد أن أناخ بالأبطح، وكوم كومة من البطحاء ثم طرح عليها رداءه، واستلقى عليها، ومد يديه إلى السماء: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع(4).
وكان يدعو فيقول: اللهم توفني مع الأبرار، ولا تخلفني في الأشرار، وألحقني بالأخيار(5).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 1/323.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات3/331، ورجاله ما بين ثقة وصدوق. فالأثر حسن.
قال: أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن حفصة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنها سمعت أباها يقول... الأثر.
(3) رواه البخاري / الصحيح 2/294،295،297.
(4) حسن لغيره، تقدم الكلام عليه في ص: 580، 581.
(5) رواه ابن سعد/ الطبقات3/331، البخاري/ الأدب المفرد ص: 220. صحيح من طريق البخاري.
قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا عمرون بن عبد الله أبو معاوية، قال: حدّثنا مهاجر أبو الحسن عن عمرو بن ميمون عن عمر أنه كان يدعو... الأثر.(1/24)
ولما دنا أجله رضي الله عنه رأى رؤيا زادت من يقينه بدنو أجله.
خطب رضي الله عنه يوم الجمعة، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر ثم قال: إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي(1).
ورأى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه رؤيا أحزنته، وأولها بوفاة عمر رضي الله عنه.
قال رضي الله عنه: رأيت كأني أخذت جواداً كثيرة، فاضمحلت حتى بقيت جادة واحدة، فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقه، وإلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعال، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله أمير المؤمنين.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه لأبي موسى: ألا تكتب بهذا إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعي له نفسه(2).
__________
(1) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي5/51-54، ابن سعد/ الطبقات 3/335-337.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/332، البلاذري / أنساب الأشراف ص 335، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 347. صحيح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري، قال: رأيت... الأثر.(1/25)
ودنت ساعة القدر المحتوم التي أصيب فيها الصحابي الجليل، والخليفة العظيم، وهو يصلي صلاة الفجر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تقدم رضي الله عنه ليؤم الناس، فجعل رضي الله عنه يسوي الصفوف، ويقول: استووا، حتى اطمئن إلى عدم وجود الخلل، تقدم، فكبر رضي الله عنه، ودخل في الصلاة، فباغته أبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله بيده الغادرة، وقد امتلأ صدره حقداً وغيظاً عليه رضي الله عنه فطعنه بسكين ذي طرفين، فسمعه مَن خلفه يقول: قتلني أو أكلني الكلب، وطعن أبو لؤلؤة لعنه الله وهو يحاول الهرب ثلاثة عشر رجلاً من المسلمين، فمات منهم سبعة، ثم نحر نفسه بعد أن ألقى عليه أحد المسلمين برنساً(1)، وظن أنه قد أخذ، فأخذ عمر رضي الله عنه بيد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة، فلما انصرف الناس من الصلاة، قال عمر رضي الله عنه لعبد الله بن عباس رضي الله عنه: انظر من قتلني، فجال في الناس ساعة، ثم جاء، فقال: غلام المغيرة(2).
__________
(1) البُرْنُس: كل ثوب رأسه منه، ملتزق به. ابن منظور / لسان العرب 1/393.
(2) هو ابن شعبة رضي الله عنه.(1/26)
قال: الصَّنَعُ؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفاً(1)، ثم قال عمر: الحمد الله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، ثم احتمل رضي الله عنه إلى بيته وأصاب الناس من الحزن والغم وكأنهم لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ.
فقائل يقول: لا بأس، وقال يقول: أخاف عليه، فأتى رضي الله عنه بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتى بلبن فشربه، فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت(2).
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه قال بعد أن علم بقاتله: الحمد الله الذي لم يبتلني بأحد يحاجني بقول لا إله إلا اله، أما نهيتكم أن تجلبوا إلينا من العلوج أحداً فغصبتموني(3).
__________
(1) وجاء في رواية عند ابن سعد أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ضرب لغلامه أبي لؤلؤة لعنه الله عشرين ومائة درهم كل شهر، أربعة دراهم كل يوم، وكان خبيثاً إذا نظر إلى السبي الصغار، يأتي فيمسح رؤوسهم ويبكي ويقول: إن العرب أكلت كبدي، فلما قدم عمر من مكة جاء أبو لؤلؤة إلى عمر يريده، فوجده غادياً إلى السوق، وهو متكئ على يد عبد الله بن الزبير، فقال: يا أمير المؤمنين، إن سيدي المغيرة يكلفني ما لا أطيق من الضريبة. قال عمر: وكم كلفك؟ قال: أربعة دراهم كل يوم، قال: وما تعمل؟ قال: الأرحاء، وسكت عن سائر أعماله، فقال: في كم تعمل الرحى؟ فأخبره، قال: وبكم تبيعها؟ فأخبره، فقال: لقد كلفك يسيراً، انطلق فاعط مولاك ما سألك، فلما ولى قال عمر: ألا تجعل لنا رحى؟ قال: بلى، أجعل لك رحى يتحدث بها أهل الأمصار، ففزع عمر من كلمته. الطبقات الكبرى 3/347، من طريق الواقدي، ورواه من طريق آخر بإسناد حسن لكنه منقطع من رواية الزهري عن عمر بلفظ مقارب وفيه طول 3/345.
(2) رواه البخاري / الصحيح 2/299.
(3) رواه الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/253-255،ورجاله ثقات سوى مبارك بن فضالة صدوق وسند متّصل. فالسند حسن. وقد تقدم بسند صحيح في ص: 1051.(1/27)
ولم يمنع عمر رضي الله عنه توكله على ربه عز وجل، وإيمانه المطلق بقضائه، وقدره وغلبة ظنه بحضور أجله، لم يمنعه ذلك من أن يعرض نفسه على الأطباء لعل أن يكون عندهم دواءٌ شافٍ.
فبعد أن طعن رضي الله عنه قال: أرسلوا إلي طبيباً ينظر إلى جرحي هذا، فأرسلوا إلى طبيب من العرب، فسقى عمر نبيذاً فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة، فدعوا طبيباً آخر من الأنصار من بني معاوية، فسقاه لبناً، فخرج اللبن من الطعنة صلداً أبيض، فقال له الطبيب: يا أمير المؤمنين اعهد، فقال عمر: صدقني أخو بني معاوية، ولو قلت غير ذلك كَذَّبتُك(1).
ولم يتمالك أهل عمر رضي الله عنه وأصحابه أنفسهم، وهم ينظرون عظم مصابه، وعظم المصاب به، فجاشت أعينهم بالدمع، وارتفعت أصواتهم بالبكاء عليه فنهاهم عمر رضي الله عنه عن ذلك، ولم يمنعه ما هو فيه من البلاء والمحنة، ومعاينة الموت من إرشادهم للصواب وبيان الحق الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: لما طعن عمر رضي الله عنه عولت(2) عليه حفصة، فقال: يا حفصة، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المعول عليه يعذب".
وعول صهيب(3)، فقال عمر: يا صهيب، أما علمت أن المعول عليه يعذب(4).
__________
(1) رواه أحمد / المسند 1/42. صحيح.
قال: ثنا يعقوب، ثنا أبي عن صالح، قال ابن شهاب فقال سالم فسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال عمر: أرسلوا لي طبيباً... الأثر.
(2) العَويل: رفع الصوت بالبكاء، وقال شمر: الصياح والبكاء. ابن منظور / لسان العرب 9/479.
(3) هو الرومي رضي الله عنه، تقدمت ترجمته في ص: (147).
(4) رواهما البخاري / الصحيح 1/223،224، مسلم / الصحيح / شرح النووي 6/228،230،231. واللفظ له.(1/28)
وقبل وفاته رضي الله عنه طلب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم منه أن يستخلف عليهم خليفة، فقالوا: ألا تستخلف؟ فقال رضي الله عنه: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك، فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
ثم قال رضي الله عنه: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعداً، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمارة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة(2).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "دخل الرهط على عمر قبيل أن ينزل به عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ والزبير وسعد، فنظر إليهم فقال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقاً إلا أن يكون فيكم، فإن كان شقاق فهو فيكم، وإنما الأمر إلى ستة: إلى عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ والزبير وطلحة وسعد، وكان طلحة غائباً في أمواله بالسراة.
ثم إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة لعبد الرحمن وعثمان وعليّ، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس، وإن كنت يا عثمان على شيء من أمر الناس فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عليّ فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس.
ثم قال: قوموا فتشاورا فأمروا أحدكم.
قال عبد الله بن عمر: فقاموا يتشاورن فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر، ولا والله ما أحب أني كنت فيه، علماً أنه سيكون في أمرهم ما قال أبي، والله لقل ما رأيته يحرك شفتيه بشيء قط إلا كان حقاً.
__________
(1) صحيح. تقدم تخريجه في ص: (547).
(2) صحيح. تقدم تخريجه في ص: (635).(1/29)
فلما أكثر عثمان عليّ قلت له: ألا تعقلون؟ أتؤمرون وأمير المؤمنين حي؟! فوالله لكأنما أيقظت عمر من مرقد فقال عمر: أمهلوا فإن حدث بيَ حدث فليصل لكم صهيب ثلاثاً، ثم أجمعوا أمركم، فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه بعد أن رشح الستة: عثمان وعليّ وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد، أوصاهم واحداً واحداً بتقوى الله إن هم ولوا الخلافة، ثم دعا صهيباً فقال: "صل بالناس ثلاثاً، ليخل هؤلاء القوم في بيت فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه"(2).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات، 3/344. وسنده متصل ورجاله ثقات. فالأثر صحيح.
قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان، قال: ابن شهاب: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال:... الأثر.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/340، وابن شبه/ تاريخ المدينة 3/140، 141، والطبري/ التاريخ 2/580، الخلال/ السنة، ص: 278. ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، قال: شهدت عمر رضي الله عنه حين طعن... الأثر.
ورواه الخلال من طريق إسرائيل به مثله. وفيه تدليس أبي إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع. وهو عند ابن شبه من غير إسناد. وفي إسناده عند الطبري قتادة بن دعامة مدلس ولم يصرح بالسماع. وفيه يوسف ابن يزيد عن عباس بن سهل لم أعرفهما. وفيه انقطاع يونس بن أبي إسحاق لم يرو عنه عمرو بن ميمون، وإنما روى عنه أبوه كما في رواية ابن سعد والخلال. فالأثر ضعيف.(1/30)
وروي أن عمر رضي الله عنه قال للستة من أهل الشورى: "بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف، فإذا بايعتم لمن بايع له عبد الرحمن فمن أبى فاضربوا عنقه"(1).
وروي أنه رضي الله عنه قال للأنصار بعد أن رشح الستة نفر من أهل الشورى: "أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام، فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم"(2)
__________
(1) رواه الطبري/ مجمع البحرين 4/302. وفي إسناده عبد الله بن زيد بن أسلم، صدوق فيه لين، تق: 304. وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، تق: 202. فالرواية ضعيفة.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/342، وابن شبة/ تاريخ المدينة 3/140، 141، والطبري/ التاريخ 2/580.
وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات سوى سماك بن حرب فهو صدوق تغير بآخره فكان ربما تلقن من الرابعة. يروي عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه منقطعة.
ورواه ابن شبة من غير إسناد، ورواه الطبري من طريق ابن شبة، فقال: حدّثنا عمر بن شبة، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد عن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم ومحمّد بن عبد الله الأنصاري عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب وأبي مخنف عن يوسف بن يزيد عن عباس بن سهل ومبارك بن فضالة عن عبيد الله بن عمر ويونس بن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي أن عمر لما طعن... الأثر.
عمر بن شبة؛ هو: صاحب تاريخ المدينة، ثقة، تق: 413.
عليّ بن محمّد لعله المدائني صدوق. سير أعلام النبلاء 10/400. ونقل الذهبي في الميزان عن ابن معين توثيقه له 3/153.
وكيع هو: ابن الجراح ثقة تق: 581. الأعمش سليمان بن مهران ثقة، تق: 254. وهو مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع. إبراهيم؛ لم أعرفه.
ومحمّد بن عبد الله الأنصاري هو: ابن المثنى ثقة، تق: 490.
ابن أبي عروبة؛ هو: سعيد ثقة. تق: 239. وقتادة هو ابن دعامة ثقة تق: 453. مدلس من الثالثة. ولم يصرح بالسماع.
وشهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، تق: 269.
أبو مخنف لوط بن يحيى إضباري تالف لا يوثق به. ميزان الاعتدال 3/419.
يوسف بن يزيد لم أعرفه وكذلك عباس بن سهل، ومبارك بن فضالة صدوق يدلس ويسوي، تق: 519. مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع.
عبيد الله بن عمر هو: العمري ثقة لم تذكر له رواية عن عمرو بن ميمون.
ويونس بن أبي إسحاق السبعي صدوق يهم قليلاً، تق: 613. ولم تذكر له رواية عن عمرو بن ميمون، وإنما الذي يروي عن عمرو هو أبوه عمرو بن أبي إسحاق السبعي. فالأثر ضعيف.(1/31)
.
والذي يستنتتج من الروايات في خبر أصحاب الشورى الستة وهي رواية الصحيح الأولى أن عمر رضي الله عنه رشح للمسلمين بعده ستة نفر يختارون أحدهم خليفة.
وفي الرواية الثانية الصحيحة زيادة تفصيل وهو أن عمر رضي الله عنه أوصى الستة الذين رشحهم للخلافة بعده أن يتقي الله كل منهم إن اختاره المسلمون خليفة لهم ولا يحملون قرابته على رقاب الناس، وحذّرهم من الانشقاق، وأمرهم بضرب عنق من يريد أن يشقّ عصا المسلمين ويبايع بالخلافة من لم يبايعوه، أو من يتأمر من غير مشورة منهم كائناً من كان هذا الخارج والمنشق. وهذا هو الذي تدلّ عليه الرواية الثالثة.
أما الروايتان الأخيرتان، فإنهما لم تثبتا، ويبعد أن يأمر عمر رضي الله عنه الستة بمبايعة من بايعه عبد الرحمن بن عوف وهو قد جعل الأمر للمسلمين يختارون أحد الستة.
وكذلك يستحيل أن يأمر عمر رضي الله عنه الأنصار بإمهال هؤلاء النفر الستة وهم من خيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ليختاروا أحدهم، فإن فعلوا وإلا ضربوا أعناقهم، وكيف يكون حال المسلمين بعد ضرب أعناق جميع من هم أهل للخلافة من التفرق والخلاف والشقاق والفتنة. والله أعلم.(1/32)
ثم أوصى عمر رضي الله عنه ابنه عبد الله بسداد دينه، فقال: يا عبد الله بن عمر، انظر ما علي من الدين، فحسبوه، فوجدوه، ستة وثمانين ألفاً أو نحوه(1)، فقال عمر رضي الله عنه: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال(2).
وأمر رضي الله عنه ابنه عبد الله أن يستأذن عائشة رضي الله عنها في أن يدفن في بيتها بجوار صاحبيه، النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه.
__________
(1) وفي رواية عند البيهقي / السنن الكبرى 6/286، أن دين عمر رضي الله عنه كان ثمانين ألفاً. وفي إسناده أحمد بن محمد بن عبد وس، قال الحاكم: كان صدوقاً، وقال الذهبي: الشيخ المسند الأمين. سير أعلام النبلاء 15/519، وفيه عثمان بن سعيد الدارمي، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 6/153، وقال الذهبي: الإمام العلامة الحافظ الناقد، شيخ تلك الديار. سير أعلام النبلاء 13/319، وبقية رجاله ثقات. فالأثر حسن. ويوفق بين هذه الرواية ورواية الصحيح بأن رواية الصحيح محتملة الزيادة والنقص حيث فيها ستة وثمانين أو نحوها، فيحمل على أنها كانت بين الثمانين والستة والثمانين. والله أعلم.
(2) رواه البخاري / الصحيح 2/299.(1/33)
قال رضي الله عنه: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّ به اليوم على نفسي. فلما أقبل عبد الله، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، فقال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال الذي تحب يا أمير المؤمنين، أَذِنَت، قال: الحمدلله، ما كان من شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قضيت، فاحملوني ثم سلم، فقل يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي، فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين(1).
ووافت المنية عمر رضي الله عنه وانتقل إلى جوار ربه عز وجل مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وقد رويت عدة أقوال في تاريخ وفاته رضي الله عنه، روي أنه أصيب يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة(2).
وروي أنه طعن لثلاث بقين من ذي الحجة، فعاش ثلاثة أيام، وقيل سبعة(3).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/299.
(2) رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 152، الطبري / التاريخ 2/561، الحاكم / المستدرك 3/90، وفي إسناده عند خليفة والحاكم قتادة بن دعامة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند الحاكم ثقات، وفيه عند الطبري أحمد بن ثابت الرازي، قال الذهبي: قال ابن أبي حاتم عمن حدثه: لا يشكون أنه كذاب. ميزان الاعتدال 1/86.
(3) رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 152 من غير إسناد.(1/34)
وروي أنه طعن يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ودفن يوم الأحد، صبيحة هلال المحرم، فكانت خلافته عشر سنوات، وخمسة أشهر، وإحدى وعشرين ليلة(1).
وقيل إنه دفن يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة(2).
وقيل إنه توفي ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة(3).
وهذه الأقوال متفقة على أنه طعن وتوفي في الأيام الأخيرة من شهر ذي الحجة، من السنة الثالثة والعشرين.
ثم غسل رضي الله عنه وكفن(4).
وروي أنه غسل ثلاثاً بماء وسدر(5).
وروي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هو الذي ولي غسل عمر وكفنه في خمسة أثواب(6).
__________
(1) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 3/160، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 378، الطبري / التاريخ 2/561، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/192، 193، كلهم نقلاً عن الواقدي.
(2) رواه الطبراني / المعجم الكبير 1/70، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/201، وفي إسناديهما عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، وفيه رشدين بن سعد، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال الجوزقاني: عنده مناكير كثيرة، وقال النسائي: متروك، وقال الذهبي: كان صالحاً عابداً سيء الحفظ، غير معتمد. ميزان الاعتدال 2/49.
(3) رواه أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/202، ومداره على عبد العزيز بن عمران ابن أبي ثابت الأعرج. متروك. تق 358.
(4) رواه مالك / الموطأ 1/367، الشافعي / المسند ص 356، عبد الرزاق / المصنف 5/275، ابن سعد / الطبقات 3/366. صحيح من طريق مالك.
قال: عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر غسل... الأثر.
(5) رواه ابن سعد / الطبقات 3/366، من طريق الواقدي. فالأثر ضعيف.
(6) رواه الطبراني / المعجم الكبير 1/70، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/202، وإسناده عند الطبراني رجاله ثقات، ولكنه معضل من كلام يحيى بن عبد الله ابن بكير، وهو ثقة من كبار العاشرة، وهو عند أبي نعيم من طريق الواقدي. فالأثر ضعيف.(1/35)
وروي أنه أوصى أن لا يغسل بمسك(1).
وروي كذلك أنه كفن في ثلاثة أثواب(2).
وروي أنه كفن في قميص وحلة(3).
وصلى عليه صهيب الرومي(4) رضي الله عنه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم(5).
وروي أنه صُلى عليه وهو على سريره(6).
__________
(1) رواه ابن سعد /الطبقات 3/366، ابن أبي شيبة / المصنف 2/461، البلاذري / أنساب الأشراف ص 380،381، ومداره على حجاج بن أرطأة، صدوق كثير الخطأ والتدليس، ولم يصرح بالسماع، وفيه عبد الله بن معقل لعله ابن مقرن المزني، ثقة من كبار الثالثة. لم تذكر له رواية عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 3/425، ابن سعد /الطبقات 3/366، ابن أبي شيبة / المصنف 2/462، البلاذري / أنساب الأشراف ص 380، ومداره على عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ضعيف. تق 285، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن سعد /الطبقات 3/366، البلاذري / أنساب الأشراف ص 380، 381، ابن المنذر / الأوسط 5/361، وفيه عند ابن سعد، والبلاذري الواقدي، وفيه عند ابن المنذر قتادة بن دعامة مدلس، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر. فالأثر ضعيف.
(4) تقدمت ترجمته في ص:147.
رواه عبد الرزاق / المصنف 3/471، ابن سعد / الطبقات 3/207، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 382،383، أبو زرعة / التاريخ 1/181،182. صحيح من طريق أبي زرعة.
قال: قال سليمان بن حرب فيما حدّثني العباس العنبري عنه، قال: حدّثنا وهيب عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن صهيباً... الأثر.
(5) رواه ابن سعد / الطبقات 3/367،368، ابن أبي شيبة / المصنف 3/44، البلاذري / أنساب الاشراف ص 382. صحيح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن عمر صلّى... الأثر.
(6) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 3/157، وسنده متصل، ورجاله ثقات سوى شيخ ابن شبة الحسن بن عثمان لم أعرفه.(1/36)
وروي أن الذي صلى عليه الزبير بن العوام رضي الله عنه، ولا يثبت ذلك(1).
ثم أدخل رضي الله عنه حجرة عائشة رضي الله عنها، ودفن إلى جنب صاحبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، فأضع ثوبي، فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم، فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة على ثيابي حياءً من عمر(2).
وروي أن قبره لحد(3) له رضي الله عنه(4).
وروي أنه رضي الله عنه جعل رأسه في قبره عند حقوي(5) النبي صلى الله عليه وسلم(6).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 3/471، ورجاله ثقات إلا أنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة، وهو مدلس من رؤوس الطبقة الرابعة روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 2/294، 3/364، أحمد/ المسند6/202، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/162، الخلال / السنة ص 297. صحيح من طريق أحمد.
قال: ثنا حماد بن أسامة، قال: أنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كنت... الأثر.
(3) اللَّحْد: الشق الذي يكون في جانب القبر، موضع الميت، لأنه قد أميل عن وسط إلى جانبه، وقيل الذي يحفر في عرضه. ابن منظور / لسان العرب 12/246.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 3/14، الطحاوي / مشكل الآثار 4/47، وفي إسناديهما حجاج بن أرطأة، صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر ضعيف.
(5) الحقو: الخصر، ومشد الإزار من الجنب، ابن منظور / لسان العرب 3/265.
(6) رواه ابن سعد / الطبقات 3/209،368، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/161، البلاذري / أنساب الأشراف ص 383،384، كلهم من طريق الواقدي.(1/37)
وروي أن القاسم بن محمد(1) رحمه الله قال لعائشة رضي الله عنها: يا أمه، اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة، ولا لاطئة(2) مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدماً، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم(3).
وروي أن عثمان بن عفان وسعيد بن زيد(4) رضي الله عنهما نزلا في قبر عمر رضي الله عنه لما دفن(5).
وكان عمره رضي الله عنه حين توفي ثلاثة وستين عاماً(6).
ورويت أقوال أخرى في مقدار عمره رضي الله عنه وما تقدم هو الثابت.
__________
(1) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة من كبار الثالثة. تق 451.
(2) لاطئة: لطيئ بالأرض، ولطأ بها إذا لزق. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 4/249.
(3) رواه أبو داود / السنن 3/215، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/161،162، أبو يعلى / المسند 8/53، الطبري / التاريخ 2/349، الحاكم / المستدرك 1/369،370، كلهم من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عمرو ابن عثمان بن هانئ وعمرو بن عثمان ذكره ابن حبان في الثقات 8/478، وقال ابن حجر / مستور. تق 424.
وبقية رجاله عند أبي داود ثقات سوى محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك فهو صدوق تق: 468.
وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي. وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص: 326.
وقال ابن حجر عند ذكره لما رواه الآجري عن رجاء بن حيوة من قوله:: "وكان قبر أبي بكر وسط النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر خلف أبي بكر رأسه عند وسطه. وهذا ظاهره يخالف حديث القاسم فإن أمكن الجمع، وإلاّ فحديث القاسم أصحّ". فتح الباري 3/257.
(4) تقدمت ترجمته في ص: (103).
(5) رواه ابن سعد / الطبقات 3/368، البلاذري / أنساب الأشراف ص 383. ومداره على الواقدي.
(6) رواه مسلم /الصحيح / شرح النووي 15/101-103، عبد الرزاق / المصنف 3/599، أحمد / المسند 4/96.(1/38)
فروي أنه توفي وعمره واحد وخمسون(1)، وقيل اثنان وخمسون(2).
وقيل أربعة وخمسون(3)، وقيل خمسة وخمسون(4)، وقيل سبعة وخمسون(5)، وقيل تسعة وخمسون(6)، وقيل إحدى وستون(7).
وقيل وهو ابن ستة وستين(8)، وقيل توفي وهو ابن ثلاثة وسبعين(9).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/16، ورجال إسناده ما بين ثقة، وصدوق، وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه.
(2) رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 153، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه.
(3) رواه ابن معين / التاريخ / رواية الدوري 2/427، ورجاله ثقات، وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، وكان مهتماً بأخباره.
(4) رواه الطبراني/ المعجم الكبير 1/69. صحيح.
قال: حدّثنا عليّ بن عبد العزيز، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر، قال: لما مات عمر... الأثر. ورواية الصحيح مقدمة عليه.
(5) ابن أبي شيبة / المصنف 7/14، الطبري / التاريخ 2/563، وفيه عند ابن أبي شيبة إبهام بشيخه حيث قال: حدثنا شيخ لنا، وهو منقطع من رواية محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثقة من الرابعة، وهو عند الطبري من طريق الواقدي.
(6) رواه أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/196،197، وفي إسناده أبو حامد بن جبلة شيخ أبي نعيم، لم أجد له ترجمة، وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة من الثالثة.
(7) رواه الطبري / التاريخ 2/563، الطبراني / المعجم الكبير 1/69، وهو عند الطبري من غير إسناد، وإسناده عند الطبراني منقطع من رواية قتادة بن دعامة، ورجاله ثقات.
(8) رواه ابن سعد / الطبقات 3/365، الطبري / التاريخ 2/563، ومداره على الواقدي. فالأثر ضعيف.
(9) رواه الطبراني / مجمع البحرين 1/270، وفي إسناده محمد بن عبد الرحيم الديباجي شيخ الطبراني، لم أجد له ترجمة، وفيه حماد بن بحر السري، قال أبو حاتم: شيخ مجهول. الجرح والتعديل 3/133. فالأثر ضعيف.(1/39)
ولعل سبب الاختلاف في مقدار سن عمر رضي الله عنه، راجع للاختلاف في سنة ولادته رضي الله عنه الذي تقدم ذكره(1).
ولقد خيمت على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سحابة من الحزن والغم والكرب الشديد لفقد هذا الخليفة والقائد المظفر البار الراشد رضي الله عنه وأرضاه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه، وهو يخطب في أهل الكوفة: أما بعد، فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مات، فلم نر يوماً أكثر نشيجاً من يومئذ(2).
وسعى عبيد الله بن عمر(3) رضي الله عنه للثأر من قاتل أبيه، فقام بقتل الهرمزان(4)، وجفينة النصراني، وابنة لأبي لؤلؤة المجوسي صغيرة، وذلك بعد أن سمع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق(5) رضي الله عنهما يقول: انتهيت إلى الهرمزان وجفينة النصراني(6)
__________
(1) انظر ص 84.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/63، ورجاله ثقات سوى عاصم بن أبي النجود، فهو صدوق. فالأثر حسن.
(3) عبيدالله بن عمر بن الخطاب، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحفظ له رواية ولا سماعاً. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/132.
(4) تقدمت ترجمته في ص: 243.
(5) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق شقيق عائشة رضي الله عنها، تأخر إسلامه إلى قبل الفتح وشهد اليمامة والفتوح، ومات في طريق مكة فجأة. تق 337.
(6) جفينة النصراني كان نصرانياً من أهل الحيرة ظئراً لسعد بن مالك أقدمه المدينة للصلح الذي كان بينه وبينهم، وليعلم بالمدينة الكتابة. الطبري/ التاريخ 2/587.
والظئر؛ هو: زوج المرضعة،ومنه حديث سيفٍ القين: ظئر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم. ابن منظور/ لسان العرب 8/445.(1/40)
وأبي لؤلؤة، وهم نجي(1)، فبغتُّهم، فثاروا، وسقط من بينهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظروا، فوجدوه خنجراً على النعت الذي نعت عبد الرحمن، فخرج عبيد الله مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني حتى تنظر إلى فرس لي، وكان الهرمزان بصيراً بالخيل، فخرج يمشي بين يديه، فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حر السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله، ثم أتى جفينة، وكان نصرانياً، فدعاه، فلما أشرف له علاه بالسيف، فصلب بين عينيه(2)، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة جارية صغيرة، تدعي الإسلام، فقتلها، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها، ثم أقبل عبيد الله بالسيف صلتاً في يده، وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبياً إلا قتلته، فجعلوا يقولون له: الق السيف، ويأبى، ويهابونه أن يقربوا منه، حتى أتاه عمرو بن العاص، فقال: أعطني السيف يابن أخي، فأعطاه إياه، ثم ثار إليه عثمان، فأخذ برأسه فتناصيا(3)حتى حجز الناس بينهما، فلما ولي عثمان قال: أشيروا علي في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام فتقاً، يعني عبيد الله ابن عمر، فأشار عليه المهاجرون أن يقتله، وقال جماعة من الناس: أيُقتل عمر أمس، وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم؟ أَبْعَدَ الله الهرمزان وجفينة، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، أعفاك الله أن يكون هذا الأمر ولك على الناس من سلطان، إنما كان هذا الأمر، ولا سلطان لك على الناس، فاصفح عنه يا أمير المؤمنين.
__________
(1) انتجى القوم وتناجوا: تشاوروا. ابن منظور / لسان العرب 14/64.
(2) أي ضربه على عُرضة حتى صارت الضربة كالصليب. ابن منظور / لسان العرب 7/382.
(3) أي أخذ كل واحد منهما بناصية صاحبه. المصدر السابق 14/170.(1/41)
فتفرق الناس على خطبة عمرو، وودى عثمان رضي الله عنه الرجلين والجارية(1).
والأثر السابق استدل به على مشاركة الهرمزان وجفينة النصراني في التآمر على قتل عمر رضي الله عنه. وقد أضاف إليهم البعض(2) كعب الأخبار(3) لإخباره عمر رضي الله عنه بيوم وفاته.
فقد ورد أنّ عمر رضي الله عنه دعا أم كلثوم(4) بنت عليّ بن أبي طالب وكانت تحته فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت: يا أمير المؤمنين هذا اليهودي(5) - تعني كعب الأخبار - يقول: إنّك على باب من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء، والله إنّي لأرجوا أن يكون ربّي خلقني سعيداً ثم أرسل إلى كعب فدعاه، فلما جاءه كعب، قال: يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجّة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: أي شيء هذا، مرّة في الجنة ومرة في النّار؟ فقال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع النّاس أن يقعوا فيها فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة(6)
__________
(1) رواه عبد الرزاق/ المصنف5/474-480، ابن سعد/ الطبقات3/355-357، 5/17/18، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني1/110، البيهقي/ السنن الكبرى 7/47، 48. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن معمر عن الزهري فأخبرني سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر ولم نجرب عليه كذبة قط، قال: حين قتل عمر... الأثر.
(2) انظر: علي الطنطاوي / أخبار عمر، ص: 396.
(3) تقدمت ترجمته في ص: (317).
(4) تقدمت ترجمتها في ص: (229، 244).
(5) لعلّ أم كلثوم قالت ذلك باعتبار ما كان عليه كعب من اليهودية أو لعلها لم تعلم بإسلامه.
(6) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/332، والبلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان، ص: 334، 335، أبو نعيم/ حلية الأولياء 6/23.
وإسناده عند ابن سعد متّصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا معن بن عيسى، أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب أنّ عمر... الأثر.
وسعد الجاري قال عنه ابن حجر: "اختلف في صحبته". الإصابة 2/112. وذكره في تعجيل المنفعة ص: 150، وذكره ابن حبان في الثّقات 4/296، وابن حاتم/ الجرح والتّعديل 4/96 باسم سعد بن يربوع الجاري.
ورواه البلاذري من طريق مالك بن أنس، ولفظه مختصر حيث إنّه فيه قول كعب لعمر فقط: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع النّاس أن يقعوا فيها، فإذا لم يزالوا يقتحمونها إلى يوم القيامة.
وفي إسناده عند أبي نعيم شيخه إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني. ذكره الخطيب البغدادي ولم يذكر في جرحاً ولا تعديلاً. تاريخ بغداد 6/127.
وبقية رجاله ثقات. ولكنه معضل من رواية عبد الله بن أبي جعفر المصري عن كعب الأخبار، وهو ثقة من الخامسة، تق: 370. ولفظه أنّ كعباً كان يقول: إنّ عمر بن الخطاب على باب من أبواب النّار، فإذا هلك انفتح. وليس فيه أنّ الخطاب كان لعمر رضي الله عنه، أو أنّه ذكر له قرب وفاته.(1/42)
.
وفي أثر آخر أنّ كعب الأخبار قال: يا أمير المؤمنين: اعهد فإنّك ميّت في ثلاثة أيام. قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عز وجل التّوراه. قال عمر: آلله إنّك لتجد عمر بن الخطاب في التّوراة؟ قال اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك، وأنّه قد فنى أجلك. وعمر لا يحسّ وجعاً ولا ألماً فلما كان من الغد جاءه كعب فقال: يا أمير المؤمنين، ذهب يوم وبقي يومان، ثم جاءه من غد الغد، فقال: ذهب يومان وبقي يوم وليلة، وهي تلك إلى صحبيحتها فلما طعن عمر دخل عليه كعب، فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول:
فأوعدني كعب ثلاثاً أعدّها ولا شكّ أنّ القول ما قال لي كعب
وما بي حذر الموت إنّي لميّت ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب(1).
ففي هذه الرّواية أخبر كعب عمر أنّه يجد في التّوراة صفته وأنّ أجله قد فني.
__________
(1) رواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/107، والبلاذري/ أنساب الأشراف/ الشيخان، ص: 361، 362، والطبري/ التاريخ 2/559.
وفي إسناده عند ابن شبه والطبري عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، وهو المعروف بعبد العزيز بن أبي ثابت، متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه، فاشتد غلطه. من الثّامنة تق: 358.
وفيه عند البلاذري عاصم بن عمر لم أعرفه. وعبيد الله بن عمر لعله العمري، ثقة من الطبقة الخامسة تق: 173، يوي عن كعب الأخبار ولم يدركه. فالأثر ضعيف.(1/43)
وأخبار كعب - رحمه الله - عمر رضي الله عنه بقرب وفاته لا يدل على مشاركته في التآمر لقتل عمر رضي الله عنه، فلعله وجد ذلك في التّوراة أو فهمه من نصوصها، أو سمعه من أهل الكتاب وإقسام كعب لعمر بذلك كما في الرّواية الأولى يدل على أنّه أخذ ذلك من علم صحيح، ولو كان إخباره له بذلك لاشتراكه في مؤامرة لقتله لما جزم بذلك،فقد تفشل المؤامرة،وتحل الدائرة على المتآمرين، وينجو عمر، وأيضاً لو كان الأمر كذلك لكتم كعب ذلك عن عمر حتّى لا يثير الشّبهات حوله، وعلى أية حالٍ فإنّ عمر رضي الله عنه وهو صاحب الحدس الصادق والمعرفة التامة بالرّجال لم يفهم من كلام كعب تهديداً له بل لقد كان كعب من جلساء عمر رضي الله عنه وأصحابه وكان يطلب منه أن يخونه ويذكره حتّى يرق قلبه(1).والله أعلم.
وكذلك لم يثبت اشتراك عيينة(2) بن حصن في التآمر لقتل عمر رضي الله عنه كما فهمه البعض من الرواية التي فيها أنّ عيينة قال لعمر: إنّ الله جعلك فتنة على أمة محمّد، فقال: كذّب. إنّ رّبي ليعلم أنّي لم أضمر لها غير العدل والإحسان. وقال عيينة: لم أذهب هناك، ولكن يفقدون سيرتك، فيضرب بعضهم رقاب بعض، فقال: ما أنا لذلك بآمر. فقال: يا أمير المؤمنين، احترس من الأعاجم وأخرجهم من المدينة فإنّي لا آمنهم عليك(3).
بعض الأخبار المتعلّقة بعمر رضي الله عنه بعد وفاته:
1- نعي الجنّ له رضي الله عنه:
__________
(1) انظر ص: (317).
(2) تقدمت ترجمته في ص: (251).
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات/ الطبقة الرابعة 2/562، وابن شبه/تاريخ المدينة 3/106، والبلاذري/ أنساب الأشراف، ص: 359، وابن عساكر/ تاريخ دمشق، ص: 348.
ومداره عند ابن سعد والمبلاذري وابن عساكر على المدائني عن عامر بن أبي محمّد يروي عن عيينة، والمدائني هو: عليّ بن محمّد المدائني شيخ البلاذري ثقة، تقدمت ترجمته في ص: (1115).
وعامر بن أبي محمّد لم أجد له ترجمة، ورواه ابن شبه من غير إسناد. فالرواية غير ثابتة.(1/44)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم فحججن في آخر حجة حجّها عمر رضي الله عنه، قالت: فلما ارتحل عمر رضي الله عنه من الحصبة(1) من آخر اللّيل أقبل رجل متلثم وقال وأنا أسمع: أين كان أمير المؤمنين نزل؟ فقال له قائل وأنا أسمع: هذا كان منزله فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقبرته(2) ينغني:
عليك السّلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق
فمن يجر أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها نوائح في أكمامها لم تفتق
قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت لهم: اعلموا لي علم هذا الرجل فذهبوا فلم يروا في مناخه أحداً، فكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إنّي لا أحسبه من الجن(3)
__________
(1) في رواية ابن سعد مكان الحصبة (المحصب) ذكر الشّيخ عبد الملك بن عبد الله ابن دهش في تحقيقه لكتاب أخبار مكة للأزرفي خمسة أقوال في تحديد مكان المحصب، ورجّح القول بأنّه ما بين شعب عمرو الذي هو الملاوي العليا الممتدة إلى جهة منى، إلى ثنية أذاخر، فيأخذ قضاء البياضية وموضع قصر السّقاف ثم يصعد في شعب أذاخر حتى يصل ربع ذاخر. 40/72، 73.
وقال البلاذري: المحصب: ما بين منى إلى المنحى، والمنحى حد المحصب من الأبطح، فمنذ أن تخرج من منى فأنت في المحصب حتى يضيق الوادي بين العيرتين فذاك المنحى.
وقال في تعريفه للأبطح: وقد سمي الشارع المار من المنحى إلى ريع الحجون (شارع الأبطح) وهو شار كثير العمائر والأسواق وعليه طريق الحاج من المسجد الحرام إلى منى. معجم المعالم الجغرافية، ص:13، 14، 282، 283.
(2) عقبرة الرجل: صوته إذا غنى أو قرأ أو بكى. ابن منظور/ لسان العرب 9/314.
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/333، 334، والفاكهي/ أخبار مكة 4/76، 77، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/91-94، وابن أبي الدنيا/ الهواتف ص: 115، والخلال/ السنة ص: 315، 316.
صحيح من طرق ابن سعد والفاكهي وابن شبه.
قال ابن شبه: حدّثنا سليمان بن داد الهاشمي، قال: أنبأنا إبراهيم بن سعد الزهري عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة أنّه حدّثه عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنهما أنّها أخبرته عن عائشة رضي الله عنها.
وهذا السّند رجاله ثقات، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال ابن حجر عنه: مقبول تق: 91.
وفي حاشية تهذيب الكمال للمزّي بتحقيق بشار عواد: وقد ذكره ابن حبان من الثّقات. وقال مغلطاي: قال ابن خلفون: هو ثقة مشهور، وصحّح الحاكم حديثه في مستدركه. قال: وقد روى له البخاري حديثاً واحداً في كتاب الأطعمة، باب الرّطب والتّمر. قال: ولم يتابع ابن القطان فيما ذكره عن حاله (أي: قول عنه لا يعرف حاله). قال: فهو ثقة إن شاء الله. 2/133. فالأثر صحيح.
وروى الأثر ابن سعد والفاكهي من طريق إبراهيم بن سعد به.(1/45)
.
وفي رواية ابن سعد: فكنا نتحدث أنّه من الجن.
وفي الأثر السّابق دلالة على أنّ الجن تنبئت بوفاة عمر رضي الله عنه وذلك في آخر حجة حجها رضي الله عنه، ونعته الجن بالأبيات السابقة، وهذا ليس من علمهم الغيب، فقد أخبر المولى العظيم أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب. قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}(1).
ولكن هذا مما يسترقه الجنّ من السّمع كما أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها: سأل أناس النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فال: "إنّهم ليسوا بشيء". فقالوا: يا رسول الله فإنّهم يحدّثون بالشّيء يكون حقّاً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الحقّ يخطفها الجنّيّ فَيُقَرقِرها في أذن وليه تقرقرة الدّجاجة، فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة"(2).
__________
(1) سروة سبأ، آية: 14.
(2) رواه البخاري/ الصّحيح 4/311، كتاب التّوحيد/ باب قراءة الفاجر والمنافق.(1/46)
ومن ذلك - والله أعلم - ما رواه جبير(1) بن مطعم، قال: بينما عمر واقف على جبل عرفة سمع رجلاً يصرخ يقول: يا خليفة، يا خليفة فسمعه رجل آخر وهم يعتافون(2). فقال: ما لك فكّ الله لهواتك(3)، فأقبلت على الرّجل فصخبت عليه، فقلت: لا تسبن الرّجل، قال جبير بن مطعم: فإنّي الغد واقف مع عمر على العقبة يرميها، إذ جاءت حصاة عائرة(4) فنفقت(5) رأس عمر، ففصدت(6) فسمعت رجلاً من الجبل يقول: أشعرت(7) وربّ الكعبة، لا تقف عمر هذا الموقف بعد العام أبداً، قال جبير بن مطعم: فإذا هو الذي صرخ فينا بالأمس، فاشتد ذلك عليّ(8)
__________
(1) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل القرشي، أسلم يوم الفتح وقيل: عام خيبر. توفي سنة تسع وخمسين بالمدينة. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب 1/304، 305.
(2) القائف: المتكهن، والعيافة: زجر الطّير والتفاول بأسمائها وأصواتها وممرّها، وهو من عادة العرب كثيراً. وهو كثير في أشعارهم، يقال: عاف يعيف عيفاً، إذا زجر وحدس وظن. ابن منظور/ لسان العرب 9/501.
(3) اللَّهاةُ: لحمة حمراء في الحنَك معلقة على عَكَدَةِ اللّسان. والجمع: لَهَيات. واللَّهاة: الهنة المَطْبقة في أقصى سقف الفم، واللَّهاة من كلّ ذي حلق اللحمة المشرفة على الحلق، وقيل: هي ما بين منقطع أصل اللّسان إلى منقطع القلب من أعلى الفم. المصدر السّابق 12/349.
(4) عَائِرة: أي: ضلت هدفها وضاعت ولا يعرف راميها. انظر: ابن منظور/ لسان العرب 9/493.
(5) أي: جرحته وشقت جلده.
(6) أي: سال الدّم منها. ابن منظور/ لسان العرب 10/270.
(7) مراده أنّ عمر أعلم ووضع عليه مثل الشّعر والعلامة وذلك بسيلان دمه رضي الله عنه، ومراده أنّه سيقتل لأنّ العرب تقول: للملوك إذا قتلوا: أُشْعِروا. المصدر السّابق 7/135.
(8) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/333، وابن أبي شيبه/ المصنف 6/173، والبلاذري/ أنساب الأشراف، ص: 336، وابن أبي عاصم/ الأحاد والمثاني 1/102.
صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري، قال: أخبرني ابن شهاب أنّ محمّد بن جبير حدّثه... الأثر.(1/47)
.
2- انكساف الشّمس يوم موته رضي الله عنه:
عن عبد الرّحمن بن يسار رحمه الله تعالى، قال: شهدت موت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فانكسفت الشّمس يومئذٍ(1).
وليس في هذا الأثر دلالة على أنّ الشّمس كسفت لموته رضي الله عنه وتعظيماً لشأنه، وإنما ذلك تخويف منه سبحانه وتعالى لعباده. قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ الشّمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموها فصلّوا"(2).
3- رؤية العباس بن عبد المطلب له في منامه رضي الله عنه:
__________
(1) رواه الطّبراني/ المعجم الكبير 1/71/ وفي إسناده سلمة بن الفضل ضعّفه ابن راهوية، وقال البخاري في حديثه بعض المناكير، وقال ابن معين: كتبنا عنه، وليس في المغازي أتم من كتابه، وقال النّسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: لم أجد لسلمة ما جاوز الحد في الأنكار،وقال ابن معين: كتبت عنه وليس به بأس. ميزان الاعتدال 2/192. وقال ابن حجر: قاضي الرّأي، صدوق كثير الخطأ، تق: 248. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
قال: حدّثنا القاسم بن زكريا المطرز، ثنا يوسف بن موسى القطان،ثنا سلمة ابن الفضل عن محمّد إسحاق، حدّثني عمي عبد الرحمن بن يسار قال: شهدت... الأثر.
وعبد الرحمن بن يسار وثّقه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثّقات. تعجيل المنفعة، ص: 259. فالأثر حسن.
(2) رواه البخاري/ الصحيح 1/184، باب الصّلاة في كسوف الشّمس.(1/48)
روي أنّ العباس بن عبد الملطب كان خليلاً لعمر، فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام، فرآه بعد حول هو يمسح العرق عن جبينه، فقال: ما فعلت؟ قال: هذا أوان فرغت، وإن كاد عرشي ليهد لولا أنّي لقيته رؤوفاً رحيماً(1)
__________
(1) رواه ابن سعد/الطبقات 3/375، البلاذري/ أنساب الأشراف ص:389، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/162،163، أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/54، قال ابن سعد: أخبرنا المعلي بن أسد، قال: أخبرنا وهيب بن خالد عن موسى بن سالم، قال: حدّثني عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال: كان العباس... الأثر.
وهذا الإسناد رجاله ثقات سوى موسى بن سالم أبو جهضم فهو صدوق تق: 550. وعبد الله بن عبيد الله بن العباس ثقة من الرّابعة لم تذكر له رواية عن جدّه العباس وإنما يروي عن أبيه وعمّه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فالسند منقطع وهو مما يستاهل فيه.
ورواه من طريق آخر فقال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: أخبرنا أبو شهاب، قال: أخبرني يحيى بن سعيد عن محمّد بن عمارة عن ابن عباس، قال: دعوت الله... الأثر.
وهذا السند رجاله ثقات سوى أبو شهاب عبد ربّه بن نافع الحناط، صدوق يهم، تق: 335، ومحمّد بن عمارة لم أجد له ترجمة.
والرّائي للرّؤية في هذا الطّريق هو ابن عباس وليس العباس والده كما في الطّريق الأولى.
ورواه البلاذري من طريق ابن سعد. وهو عند ابن شبه كما عند ابن سعد.
ورواه أبو نعيم من طريقين مختلفين: قال في:
الأولى: حدّثنا أبو بكر الطّلحي، ثنا الحسن بن جعفر، ثنا المنجاب بن الحارث، ثنا عليّ بن شهر عن محمّد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن، قال: قال العباس بن عبد المطلب... الأثر.
وفي هذا الإسناد شيخ أبي نعيم أبو بكر الطّلحي وهو عبد الله بن يحيى الطّلحي لم أجد له ترجمة، والحسن بن جعفر لم أجد له ترجمة، ولعله الحسن ابن جعفر القتات فقد ذكر في تلاميذ المنجاب ولكني لم أقف على ترجمته أيضاً. وعليّ بن شهر، لعله عليّ بن مسهر فهو من شيوخ المنجاب. وهو ثقة من الثّامنة تق: 405، ومحمّد بن عمرو هو ابن علقمة اللّيثي صدوق له أوهام تق: 499، ويحيى بن عبد الرحمن هو ابن حاطب ثقة من الثّالثة تق: 593، لم تذكر له رواية عن العباس بن عبد المطلب.
وأما الطّريق الثانية: فقد قال فيها: حدّثنا أبو بكر أحمد بن السدي، ثنا الحسن بن علوية، ثنا إسماعيل بن عيسى، ثنا هياج بن بسطام عن روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنّه قال: ما كان شيء أحبّ إليّ أن أعلمه من أمر عمر... الأثر.
فالرّائي فيه هنا عبد الله بن عمر، وليس العباس أو ابنه عبد الله.
وفي هذا الإسناد إسماعيل بن عيسى العطار ضعّفه الأزدي وصحّحه غيره. ميزان الاعتدال 1/245. وفيه هياج بن بسطام التميمي البرجمي ضعيف من السّابعة تق: 576. فالسند ضعيف وكذلك متنه.(1/49)
.
وهذه الرّؤيا فيها منقبة لعمر رضي الله عنه في نجاته من شديد الحساب، ونيله رحمة ربّه به كيف لا، وهو من تحرى العدل بين رعيته في كلّ دقيقة وجليلة حتى شمل عدله البهائم.
4-حفظ الله تعالى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في قبره وعدم أكل الأرض لجسده:
ومن مناقبه رضي الله عنه وفضائله التي أظهرها الله تعالى لخلقه بعد موته، عدم أكل الأرض لجسده وبقائه غضّاً طريّاً كيوم موته.
قال عروة(1) بن الزّبير رضي الله عنه: لما سقط عليهم الحائط(2) في زمان الوليد(3) بن عبد الملك أخذوا في بنائه، فبدت لهم قدم ففزعوا(4) وظنوا أنّها قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم(5)
__________
(1) هو: عروة بن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية الزّبير بن العوام بن خوليد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب الإمام عالم المدينة الفقيه، أحد الفقهاء السّبعة. حدّث عن أبيه بشيء يسير لصغره، وعن أمه أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق، وعن خالته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولازمها وتفقه بها. توفي سنة ثلاث وتسعين، وله سبع وستون سنة. الذّهبي/ سير أعلام النبلاء 4/421-434.
(2) أي: حائط حجرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم. ابن حجر/ فتح الباري 3/257.
(3) الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي الدّمشقي، كانت ولايته لدولة بني أمية من عام 86 إلى 96هـ. وكان واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز حتى عزله سنة 93هـ. انظر: الذّهبي/ سير أعلام النبلاء 4/347، ومحمّد الخضري/ تاريخ الدّولة الأموية، ص: 169.
(4) قال ابن حجر: روى الآجري من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي... وفيه: فلما هدم بدت قدم بساق وركبة ففزع عمر ابن عبد العزيز، فأتاه عروة فقال: هذا ساق عمر وركبته فسري عنه. فتح الباري 3/257.
(5) وهذا دليل على أنّ القدم التي خرجت كانت غضة طرية لم تأكلها الأرض، لأنّ الناس فزعوا وظنوا أنّها قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، لأنّه صلى الله عليه وسلم أخبر أنّ الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما روى ذلك ابن ماجه وغيره. صحيح سنن ابن ماجه 1/273. حتى أخبرهم عروة أنّها قدم عمر رضي الله عنه. ولو لم تكن معالم القدم من عظم ولحم وجلد ظاهرة لما عرفها عروة رضي الله عنه.(1/50)
، فما وجدوا أحداً يعلم ذلك حتّى قال لهم عروة: لا والله ما هي قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ما هي إلاّ قدم عمر رضي الله عنه(1).
هذا آخر ما تيسّرت كتابته في هذا البحث، وأسأل الله العليّ القدير أن يجعله خالصاً لوجه الكريم، وأن ينفع به آمين.
وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخاتمة
وفيها أهم نتائج البحث:
أولاً: النتائج المتعلقة بشخصية عمر رضي الله عنه:
1- ورد من طرق يقوي بعضها بعضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كنّى عمر رضي الله عنه بأبي حفص.
2- لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر رضي الله عنه بالفاروق وهو رضي الله عنه جدير بهذا اللقب.
3- ثبت بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه هو أول من لقب بأمير المؤمنين، وأن أهل الكتاب يجدون لقبه في كتبهم.
4- الذي أرجحه والذي تدل عليه الآثار الصحيحة أن عمر رضي الله عنه ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عاماً.
5- ثبت بسند حسن أن عمر رضي الله عنه كان آدم اللون أي أسمر اللون، وقد وردت صفة البياض له في خبر عند أبي نعيم بسند رجاله ثقات سوى شيخ أبي نعيم أحمد بن محمد بن حامد بن جبلة، لم أجد له ترجمة.
ولو ثبت صفة البياض لقلنا إن عمر رضي الله عنه تغير لونه بسبب إجهاده نفسه في مراقبته رعيته ومشيه في الرمضاء، وإجهاده رضي الله عنه نفسه في ذلك وقلة طعامه وشرابه.
6- كان عمر رضي الله عنه متصفاً بصفات خَلقية فيها معاني القوة والعزم والشدة والهيبة، فقد ثبت أنه كان طويل القامة، ضخم الجسم، قوي الجسم، أصلع الرأس، بعيدَ ما بين المناكب، جهوري الصوت، أعسر يسراً، طويل اللحية، إذا غضب فتل شاربه.
وجاء من طرق ضعيفة أنه كان يسرع في مشيته وأنه كان أروح الرجلين كثير الشعر، وكثير الشيب.
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 1/241، وابن سعد/ الطبقات 3/368، 369، والبلاذري/ أنساب الأشراف، ص: 384.(1/51)
7- نشأ عمر رضي الله عنه في صغره حياة الفقر والعوز والشدة، وكان أبوه يقسو عليه، وعمل رضي الله عنه في رعي إبل والديه واشتغل رضي الله عنه في شبابه بالتجارة. ورد ذلك من طرق ثابتة.
8- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان في جاهليته شديد التمسك بالوثنية وكان يعذب السابقين إلى الإسلام، وذكر أنه كان يتعاطى الخمر، ولم يثبت عنه أنه وأد البنات، وكان بالرغم من ذلك عنده حس ديني وتعلق بربه عز وجل.
9- لم يرد من طرق ثابتة قيام عمر رضي الله عنه بالسفارة لقريش، ولا يستبعد وقوع ذلك منه لما كان يمتلكه من صفات خَلقية وخُلقية قويّة، إضافة لمعرفته القراءة والكتابة ورفه مكانته ومنزلته بين القرشيين.
10- لم تثبت رواية في كيفية إسلام عمر رضي الله عنه، ولكن وردت روايات ضعيفة وهي تدل بمجموعها على أن عمر رضي الله عنه أسلم متأثراً بسماعه القرآن.
11- ثبت أن عمر رضي الله عنه أعلن إسلامه على ملأ قريش وقاموا إليه يضربونه ويضربهم، بل لقد هموا بقتله حتى حماه ودافع عنه العاص ابن وائل السهمي.
12- وردت عدة روايات ضعيفة تشير أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بعد إسلام أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة.
13- صح أن إسلام عمر رضي الله عنه كان فيه عزة للإسلام والمسلمين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن يعز الإسلام به أو بأبي جهل.
14- ثبت أن عمر رضي الله عنه هاجر إلى المدينة هو وعياش ابن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل، وأنهم اتعدوا بمكان يعرف بالتناضب، وكانوا يخشون من حبس قريش لهم، فقالوا: أينا لم يصبح بذلك المكان فقد حبس، فليمض صاحباه.ولم يثبت أنه هاجر علانية، وأنه توعد من تبعه من قريش بالقتل.
15- صح أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه هاجر مع أبيه عمر رضي الله عنه وأمه، وأن عشرين راكباً من قرابة عمر رضي الله عنه وحلفائهم لحقوا بعمر رضي الله عنه مهاجرين.
16- صح أن عمر رضي الله عنه نزل بالمدينة بالعصبة من منازل الأوس.(1/52)
17- صح أن عمر رضي الله عنه كان قوي الإيمان بالله عز وجل وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بقوة الإيمان وكماله، وكان رضي الله عنه شديد الحذر من الشرك وأسبابه، شديد التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه.
وكان كثير العبادة لله عز وجل والتقرب إليه بنوافل العبادات من صلاة وصيام وإنفاق وغير ذلك.
18- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان واسع العلم عظيم الفقه شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وشهد له بذلك كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه من أصحاب الفتوى من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
19- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان قوي الفراسة صادق الحدس، جيد القيافة.
20- كان عمر رضي الله عنه شديد الرقابة والملاحظة والعناية بأهل بيته وأسرته، مقيماً فيهم أوامر الله عز وجل، ونواهيه قبل إقامتها على رعيته، وكان مع ذلك عطوفاً ورحيماً بهم،كما دلت على ذلك النصوص الثابتة.
21- ورد من طريق ثابتة أن منزل عمر رضي الله عنه كان بالمدينة في منطقة عوالي المدينة، وأنه كان يتناوب هو وجار له من الأنصار النزول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أهل التاريخ أن عمر رضي الله عنه كانت له دار بغرب المسجد النبوي الشريف حول مسجده صلى الله عليه وسلم، وصارت بعد ذلك داراً للقضاء.
22- صح أن عمر رضي الله عنه عمل بالتجارة بعد قدومه المدينة وأنّه عمل بها أيضاً بعد تولِّيه خلافة المسلمين.
23- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان زاهداً في طعامه وشرابه وأنه كان يأكل التمر بحشفه، وكان رضي الله عنه يأكل الجراد ويأكل الثفل وهو الدقيق والسويق، وربما أكل اللحم الطري.
وثبت أنه كان لا يجمع بين لونين من الطعام. وكان يشرب النبيذ.(1/53)
24- ثبت أن قرابة عمر رضي الله عنه وأصحابه عرضوا عليه أن يرفق بنفسه ويأكل أطايب الطعام، فأخبرهم رضي الله عنه أنه يخشى إن فعل ذلك أن يكون ممن عجلت لهم طيباتهم وأن لا يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر.
25- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان زاهداً في لباسه يلبس القميص المرقع، وكان يلبس الإزار، وربما انخرق فرقعه، وكان رضي الله عنه يلبس الثوب القطني يوم الجمعة، وفي الأعياد، ولم يلبس رضي الله عنه الثياب التي خالطها الحرير.
وكان رضي الله عنه نظيفاً في ملبسه وهيئته.
26- ثبت أن بعض أصحاب عمر رضي الله عنه طلب منه رضي الله عنه أن يلبس ألين من ثيابه، فلامه عمر رضي الله عنه وعاتبه.
27- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يغتسل ويتنظف بالماء الحار، وكان يخضب رأسه ولحيته بالحناء أو بالحناء والكتم، وجاء في رواية حسنة أنه كان لا يغير شيبه ولعل ذلك كان أولاً، ثم خضب رضي الله عنه، ولم يثبت أنه خضب بالزعفران.
28- ثبت أن عمر رضي الله عنه تختم بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت تختمه بغيره.
29- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان ينام بعد العشاء، ويضع بجواره إناء فيه ماء، فإذا استيقظ لصلاته من الليل وضع يده في ذلك الإناء ومسح وجهه، وأنه رضي الله عنه كان ينام نوم القيلولة.
30- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يركب البعير، وكان يعتني بدابته وينظفها ويداويها بنفسه، وركب عمر رضي الله عنه البرذون لما قدم الشام فهزه وتمايل به، فنزل عنه وعابه.
31- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان له سيف محلى، كان ابنه عبد الله يحمله بعد مقتل أبيه رضي الله عنهما.(1/54)
32- ثبت لعمر رضي الله عنه من الصفات الخُلقية أنه كان صارماً في الحق شديد الغيرة على محارم الله عز وجل، وكان رضي الله عنه رجّاعاً للحق سريع الإنابة إليه إذا تبين له، وكان يحب الذكر والوعظ، ومجالس قراءة القرآن، وكان رضي الله عنه شديد الخشية لله شديد الخوف من عقابه، يحقر أعماله، ويرجو ثواب الله عز وجل، وكان رضي الله عنه رقيق القلب، سريع البكاء من خشية الله عز وجل، شديد الورع والبعد عن الحرام، زاهداً في الدنيا كثير البعد عن زخارفها، وملذاتها، وكان صابراً مصابراً جواداً كثير الإنفاق في سبيل الله، يكرم أضيافه ورعيته.
وكان رضي الله عنه شجاعاً مغواراً، وكان يمتلك شخصية مهيبة يهابه أصحابه وتهابه رعيته.
وكان متواضعاً شديد التواضع والتذلل لله عز وجل يفر من الكبر ويبغضه ويحقر نفسه ويذلها في ذات الله عز وجل، وكان مع ذلك قوي النفس بعيداً عن الخور والضعف والتماوت، وكان مرح النفس سهل الخلق يمازح أصحابه ويلاطفهم.
33- من فضائل عمر رضي الله عنه الثابتة بالأحاديث والآثار الصحيحة والحسنة محبة الله عز وجل له ونزول القرآن موافقاً لأقواله وآرائه وتبشير الله عز وجل له بالجنة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمر رضي الله عنه ويجله ويوقره ويوافقه في أقواله وآرائه، وشهد له صلى الله عليه وسلم بصدق الإيمان والبراءة من النفاق وفرار الشيطان منه، وبسعة علمه وصحته وفقهه، وحث على الاقتداء به والأخذ بسنته رضي الله عنه وأرضاه، وأبعد من جفاه وقلاه.(1/55)
34- ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم عرفوا لعمر رضي الله عنه قدره ومنزلته من النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد له كبار الصحابة بالفضل مثل علي بن أبي طالب الذي توعد من انتقصه وفضله عليه بالجلد. وعبد الله بن العباس وابنه عبد الله بن عمر، وابن مسعود، وأبو طلحة الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأم أيمن بركة الحبشية حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
35- كان عمر رضي الله عنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم حباً عظيماً أشد من حبه لنفسه وأهله وماله، ويجله ويوقره ويهابه، وكان عظيم الرحمة والرأفة بالنبي صلى الله عليه وسلم يدافع عنه وينافح عن مقامه. وهذا ثابت بالآثار الصحيحة.
36- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان له مع النبي صلى الله عليه وسلم أعمال جليلة ومواقف محمودة، فقد كان رضي الله عنه مستشاراً للنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ صلى الله عليه وسلم برأيه ومشورته وكان خازناً للنبي صلى الله عليه وسلم وأميناً على المال، وكان رضي الله عنه من جباة الزكاة، وعمال النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة.
37- ثبت أن عمر رضي الله عنه شارك النبي صلى الله عليه وسلم في جميع مغازيه التي قاتل فيها المشركين، وكانت له فيها مواقف مشهودة.
38- كان عمر رضي الله عنه يوقر أبا بكر الصديق رضي الله عنه ويعرف له فضله ومنزلته ويتوعد من يفضله عليه بالعقوبة دلت على ذلك الآثار الثابتة.
39- ثبت أن عمر رضي الله عنه كانت له مشاركات ومواقف هامة وعظيمة في خلافة أبي بكر، فلقد كان له الفضل بعد الله عز وجل في مبايعة المهاجرين والأنصار أبا بكر رضي الله عنه يوم السقيفة. وكان له الفضل بعد الله عز وجل في الإشارة على أبي بكر بجمع القرآن بعد موت القراء في موقعة اليمامة.(1/56)
40- ورد بأسانيد يقوي بعضها بعضاً أن عمر رضي الله عنه تخلف عن جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه ليعاون أبا بكر الصديق رضي الله عنه في إدارة شئون الدولة الإسلامية والقضاء على فتنة الردة.
41- لم يرد من طرق ثابتة استعمال أبي بكر رضي الله عنه عمر رضي الله عنه على القضاء، ووقوع ذلك أمر ممكن.
42- لم يثبت ما ورد عن عمر رضي الله عنه من مخاصمته خالد بن الوليد رضي الله عنه لقتله مالك بن نويرة في موقعة البطاح، وتزوجه من امرأته، وما روي من إشارته على أبي بكر رضي الله عنه بعزله عن قيادة جيوش المسلمين وإقادته من مالك بن نويرة.
ثانياً: النتائج المتعلقة بسياسة عمر رضي الله عنه في معاملة الرعية.
43- وردت عدة أحاديث صحيحة فيها إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بتولي أمر المسلمين من بعده أبي بكر ثم عمر، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحداً من بعده صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
44- صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خلافة عمر رضي الله عنه وأثنى عليها وأشار إلى خلوها من الفتن، وإلى اتساع الدولة الإسلامية وكثرة الفتوحات فيها.
45- صح أن أبا بكر رضي الله عنه هو الذي استخلف عمر رضي الله عنه على المسلمين، وأن بعض المهاجرين لامه في استخلافه عمر لكونه فظاً غليظاً، فكيف لو استخلف على الناس، ولكن أبا بكر رضي الله عنه رد ذلك وبين أنه استخلف خير أهل الله عليهم.
46- ثبت أن الذي كتب عهد الخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
47- ثبت أن عمر رضي الله عنه بايع رعيته على السمع والطاعة فيما استطاعوا، ولم يشترط على رعيته مبايعته شخصياً بل من بايع أميره فقد بايعه، وكان رضي الله عنه يحث رعيته على السمع والطاعة للخليفة والصبر على ما يلقون منه، وعدم شق عصا الطاعة عليه، ما دام قائماً بأمر الله عز وجل وبين رضي الله عنه أن صلاح الرعية واستقامتهم سبب لصلاح واليهم وحاكمهم.(1/57)
48- صح أن عمر رضي الله عنه حث رعيته على بذل النصح له وتقويمه.
49- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان شديد الخشية والحذر والخوف من الله عز وجل من التفريط في حقوق رعيته وواجباتها دقيقة كانت أو جليلة.
50- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يقوم بمراقبة رعيته وبتفقد أحوالها في المدينة بنفسه، وكان يتعرف على أحوال رعيته ويتفقد أوضاعها خارج المدينة ببعث من يقوم بهذه المهمة ويوافيه بأخبار الرعية وحاجاتها في الأمصار المختلفة، وكان يسأل من يقدم عليه من الأمصار عن أحوال المسلمين فيها، ويلبي حاجاتهم بل إنه رضي الله عنه عزم أن يأتي أمصار المسلمين بنفسه في كل عام ليقف على حوائجهم ويتعرف على أحوالهم.
51- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بجميع طبقات الرعية كبيرهم وصغيرهم شريفهم ووضيعهم، حرهم وعبدهم، ذكرهم وأنثاهم، حاضرهم وباديهم، مسلمهم وذميهم، وأعطى كل ذي حق حقه، وعرف له مكانته ومنزلته وكان رضي الله عنه يقرب أهل التقوى والصلاح والسابقة في الإسلام على غيرهم.
52- صح أن عمر رضي الله عنه كان يحب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ويجلهم ويوقرهم، ويحب القرب منهم، ويدني مجلسهم بل ثبت أنه رضي الله عنه تزوج أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه ليقترب من نسب النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يظن به أنه أخذ حقهم وظلمهم حاشاه رضي الله عنه، وأبعد به عن ذلك.
53- صح أن عمر رضي الله عنه لم يكن يتخذ قراراته التي يدير بها شئون رعيته بمفرده بل كان رضي الله عنه يستشير رعيته وخاصة أهل العقل والرأي والعلم فيهم.
54- صح أن عمر رضي الله عنه لم يكن يتميز عن رعيته، ويستعلي عليهم في مأكله ومشربه وملبسه وسائر شئونه، بل كان يعامل نفسه كأحد رعيته له ما لهم وعليه ما عليهم.
55- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يشترط في ولاته أن يكونوا ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وعرف الجاهلية ولم يكن في ولاة عمر رضي الله عنه من غير الصحابة سوى النادر.(1/58)
ولم يشترط عمر رضي الله عنه في الوالي قدم الصحبة أو الأسبقية في الإسلام.
56- صح أن عمر رضي الله عنه جنب أهله وقرابته الولاية ولم يولهم من الأمر شيئاً، بل أوصى أن لا يولي أبناؤه الخلافة من بعده، وأوصى ولاة الأمر من بعده أن لا يحملوا قراباتهم على رقاب الناس.
57- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يشترط في ولاته وقادته التقوى والصلاح والخبرة والحنكة السياسية، والرحمة والرأفة بالرعية، والزهد في الدنيا والرغبة عنها.
58- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يعزل ولاته إذا ثبت تقصيرهم في أمر الرعية، وربما عزلهم لشكوى الرعية لهم حتى ولو كانت تلك الشكوى غير عادلة، وذلك خوفاً من وقوع الخلاف والشقاق بين الولاة والرعية، وثبت أنه كان يعزل الوالي إذا بلغه عنه أمرٌ يكرهه، وربما عزل الوالي إذا اعتذر عن الولاية لعذر شرعي.
59- ثبت أن علاقة عمر رضي الله عنه بولاته كانت مبنية على السمع والطاعة له، ومساعدته ومعاونته في أعباء الخلافة، وثبت أنه كان يراقبهم ويلاحظ تعاملهم مع الرعية، وإعطاءها واجباتها وحقوقها، وكان يعاقب من ثبت تقصيره وتعديه، وكان يراقب مصادر أموالهم ويقاسمهم إياها إذا ارتاب في أمرها.
60- ثبت أن عمر رضي الله عنه أوضح أن من حقوق الولاة على الرعية السمع والطاعة لهم فيما أمر الله، وأن حقوق الرعية على الولاة إقامة العدل بينهم، ونشر العلم فيهم، وإعطاؤهم حقوقهم، والتعرف على حوائجهم، ومعالجة ذلك إن أمكن أو رفعه إلى الخليفة وعدم الترفع على الرعية والاستئثار عليهم.
61- ثبت أن ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والمدن الإسلامية كانوا في الغالب الأكثر قادة عسكريين، قادوا الفتوح في بلاد فارس والروم.
62- صح أن عمر رضي الله عنه هو أول من اتخذ القضاة لمعاونته على أمور القضاء والنظر في القضايا المختلفة بعد أن اتسعت دولة الخلافة، وكثر رعاياها.(1/59)
63- ثبت أن عمر رضي الله عنه أولى القضاء والقضاة عناية عظيمة وكان يحذر القضاة من الجور في الحكم ويحثهم على تحري العدل والحق، وثبت أنه رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتاباً في كيفية القضاء وآدابه، وحثه على العمل به، وكتب كذلك إلى شريح القاضي كتاباً مختصراً في كيفية القضاء، وكانت تلك الكتب مصدراً هاماً في آداب القاضي وكيفية القضاء للعصور اللاحقة.
64- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان شديد الاهتمام بمصادر التشريع الكتاب والسنة وعلى سلامتها من الزيادة والتحريف والتبديل، فقد أشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن بعد مقتل القراء بموقعة اليمامة خشية ضياعه ونسيانه، وكان إذا سمع قراءة من أصحابه تخالف ما يقرأه وما تعارف عليه القراء منعه من ذلك حتى يتثبت من صحة تلك القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان يكره قراءة القرآن بالقراءات المختلفة لما تسببه من الاختلاف والبلبلة في عقول العامة، وكان حريصاً على تعلم القرآن من أفواه القراء المتقنين لقراءته وأحكامها.
وكان رضي الله عنه حريصاً على صحة الأحاديث والأخبار المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يكره كثرة التحديث عنه صلى الله عليه وسلم خشية الوقوع في الخطأ، وثبت أنه رضي الله عنه أراد كتابة السنة خشية ضياعها ثم عدل عن ذلك خوفاً من انشغال الناس بذلك عن مدارسة القرآن والعناية به، وما زال غضاً طرياً لم يمض على جمعه سوى وقت يسير.
65- ثبت أن عمر رضي الله عنه حرص على سلامة عقيدة رعيته في ربهم وتوحيدهم له، وخلوها من الشرك كبيره وصغيره، وعمل رضي الله عنه على سد ذرائع الشرك، والأسباب الموصلة إليه من تعظيم الأحجار والتبرك بالقبور، وتقديس الصور والأشخاص والحلف بغير الله، واعتقاد النفع والضر بغيره من السحرة وغيرهم.(1/60)
66- ثبت أن عمر رضي الله عنه حث على الاتباع وترك الابتداع، وعلى ترك السؤال عن المتشابهات، والخوض فيها وحذر من التنطع في الدين، وشدة التعمق والتشدد فيه.
67- ثبت أن عمر رضي الله عنه نهى رعيته عن مشابهة الكفار في مآكلهم ومشاربهم وملابسهم وعاداتهم وتقاليدهم، وعن محبتهم ومودتهم ومعاشرتهم.
68- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان حريصاً على إقامة رعيته شعائر الدين في أنحاء الدولة الإسلامية إقامة صحيحة على وفق ما شرعه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فاهتم رضي الله عنه بإقامة الصلاة والتهيؤ لها، واعتنى بالأئمة والمؤذنين وبتحديد أوقات الصلاة وبالمساجد.
واهتم رضي الله عنه بالصيام وأدائه في أوقاته المشروعة، وحرص على إحياء شهر رمضان وقيامه، وجمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح بعد أن رآهم يصلون أوزاعاً متفرقين وكان مع ذلك يفضل صلاة آخر الليل على أوله.
واعتنى رضي الله عنه بالحج وأدائه وحث رعيته على ذلك، وثبت أنه رضي الله عنه حد ذات عرق ميقاتاً لأهل العراق.
69- ثبت أن عمر رضي الله عنه حرص على نشر العلم بين الرعية وخاصة العلم الشرعي والفقه في الدين وقراءة القرآن وتعلم العربية وقواعدها.
وأذن رضي الله عنه في تعلم أخبار الأمم السابقة وقصصهم وأخذ العبر منها، وكره الإكثار من تعلم الشعر والنظر فيه، والانشغال به عما سواه.
70- ثبت أنه رضي الله عنه بعث إلى أهل الأمصار خيار الصحابة وفقهاءهم لتفقيه أهل الأمصار.
71- ثبت أن عمر رضي الله عنه حث طلبة العلم والعلماء على التحلي بآداب العلم والتخلق بأخلاقه.
72- ثبت أنه رضي الله عنه حرص على الاهتمام بالفتوى والتحري فيها وعدم التسرع في إصدارها وكره اختلاف العلماء في المسائل.
73- ثبت أن عمر رضي الله عنه هو أول من وضع التاريخ الهجري.(1/61)
74- ثبت أن عمر رضي الله عنه عمل على تخلق رعيته بالأخلاق الفاضلة والحسنة وكان يحثهم على ذلك، ويحذرهم من الأخلاق السيئة، وبين رضي الله عنه أن حسن الخلق من مقاييس التفاضل بين الخلق.
75- ثبت أن عمر رضي الله عنه عمل على محاربة أسباب انتشار الرذيلة والفاحشة بين الرعية، وعمل على القضاء عليها وتحذير الرعية منها.
76- ثبت أن عمر رضي الله عنه عمل على الحد من ارتكاب المعاصي واقتراف المآثم بين الرعية، وعامل العصاة بتقديم النصح لهم وأخذهم باللين والرحمة والستر عليهم حتى يرجعوا إلى الحق، ولكنه رضي الله عنه عاقب من طغى منهم وتجاوز شره إلى غيره.
وأقام عمر رضي الله عنه الحدود بأنواعها على من استوجبها من العصاة على القريب والبعيد، والشريف والوضيع، والذكر والأنثى.
77- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالنواحي الاجتماعية فاعتنى بالأسرة ابتداءً من الزوجين فحرص على إفشاء النكاح بالطرق الشرعية، وحارب الأنكحة الفاسدة، وعاقب من عمل بها، وحث على نكاح المسلمات العفيفات وترك من سواهن، وحث على تيسير المهور، وعدم المغالاة فيها، وعمل رضي الله عنه على استمرار العشرة الزوجية الطيبة بين الزوجين، وحرص رضي الله عنه على استمرار العلاقة الحسنة بين الأبناء ووالديهم، وعلى تقوية أواصر الأخوة والمودة بين أفراد المجتمع.
78- ثبت أن عمر رضي الله عنه حض على الاهتمام بالأنساب واعتنى بها، وحذر رضي الله عنه بل وعاقب من تعالى بنسبه وتفاخر به واحتقر الآخرين.
وحرص رضي الله عنه على تسمي رعيته بالأسماء الحسنة.
79- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالحياة المعيشية للرعية فحثهم على الاهتمام بالكسب والعمل على طلب الرزق من وجوهه المشروعة، وبين أن ذلك لا ينافي الزهد في الدنيا والعمل للآخرة، واعتنى عمر رضي الله عنه بالمطاعم والمشارب والملابس والمساكن والمراكب أن تكون مما أباحه الله عز وجل.(1/62)
80- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالنواحي الصحية لرعيته فحرص رضي الله عنه على خلوهم من الأوبئة والأمراض وعدم تعريضهم لها حفاظاً على قدراتهم البشرية، حث رضي الله عنه المرضى على تقديم الوقاية على العلاج بقدر الإمكان، وعلى تناول العلاج إن اضطروا إلى ذلك، وعمل عمر رضي الله عنه على جلب الأطباء للمرضى لمعاينتهم، وحث عمر رضي الله عنه رعيته على إعطاء أبدانهم حقها من الدعة والراحة حتى لا تكون عرضة للإعياء والمرض.
فحث على النوم بعد العشاء، وعلى نوم القيلولة.
81- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالعبيد وأولاهم الرعاية ورفع من شأنهم وقدرهم، وأوصى بهم خيراً، وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم، وعدم إهانتهم واحتقارهم.
وحث رضي الله عنه على إعتاق العبيد وفك رقابهم وكان يكره جلب العلوج إلى المدينة وخاصة من بقي منهم على دينه.
82- ثبت أن عمر رضي الله عنه اهتم بالإماء وأنصفهن ممن ظلمهن، وحث على إعتاقهن وقضى بعتق أمهات الأولاد إذا مات أسيادهن، وأنهن لا يوهبن ولا يبعن، وخاصة المسلمات منهن.
ونهى عمر رضي الله عنه الإماء من التشبه بالحرائر لما يترتب على ذلك من الغرر والغش.
83- ثبت أن عمر رضي الله عنه اعتنى بأهل الذمة وأعطاهم حقوقهم وأوصى بعدم تكليفهم فوق طاقتهم، وحرص رضي الله عنه على دعوتهم للإسلام.
84- ثبت أن عمر رضي الله عنه صالح نصارى الشام على الشروط التي عرفت بالشروط العمرية، وعامل رضي الله عنه المجوس معاملة أهل الكتاب، وكان رضي الله عنه شديد الصرامة والحزم مع من نكث عهده من الكتابيين.
85- ثبت أن عمر رضي الله عنه أولى القضايا الجهادية عناية فائقة فعمل على إعداد الجند وتهيئتهم عسكرياً فحث رضي الله عنه على تعلم الغلمان العوم والسباحة، وعلى تعلم المقاتلة الرمي وحث على تعلم رمي الأغراض، وحث على تعلم ركوب الخيل والنزو عليها، وحث على عدم التنعم في المآكل والمشارب والألبسة.(1/63)
واعتنى رضي الله عنه بجنده وكان يواسيهم ويتواضع لهم ويعطيهم حقوقهم ويأمر بعدم حبس الجيوش فوق ستة أشهر.
ونهى قادته عن الإقدام بالجند على المهالك والمخاطر، والتفريط بهم وتضييعهم، وعاقب من فعل ذلك، وكان رضي الله عنه يكرم جنده ويشيد بهم، وخاصة أهل البلاء منهم.
واهتم رضي الله عنه بإعداد العدة، فأعد الخيل للمقاتلة.
وكان رضي الله عنه دائم التفكير والتخطيط في إعداد الجيوش وتجهيز المقاتلين، وإمداد الثغور بالجند، وربما أقلقه ذلك الأمر حتى كان لا يستطيع النوم.
86 - وثبت أن عمر رضي الله عنه كان دائم التوجيه لجنده يرشدهم لآداب الجهاد وأصوله، فقد حثهم على الأخذ بمبدأ الشورى وحث المقاتلين على إخلاص النية لله عز وجل، والاعتماد عليه في استجلاب النصر، والصبر والثبات عند لقاء العدو، وعدم اليأس من روحه، والاستبسال في قتال العدو، والتقوى لمجاهدته بإعطاء البدن حقه من المأكل والمشرب والراحة.
وبين رضي الله عنه أن انسحاب الجيش من مواجهة العدو عند الإحساس بالخطر المحدق والهلاك المحقق لا يعد فراراً من الزحف بل هو من التحيز إلى فئة.
وحث رضي الله عنه دعوة المقاتلين من أهل الكتاب للإسلام أو الجزية أو القتال، وحث المقاتلين وقادتهم على عدم الغدر والنكث بالعهد، ونهى عن التمثيل بالقتلى، وقتل النساء والشيوخ والصبيان، والغلول من الغنيمة.
وفاة عمر رضي الله عنه:
87- ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يتمنى الاستشهاد في سبيل الله - عز وجل - والموت في بلدة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه الله عز وجل أمنيته.
88- ثبت أن عمر رضي الله عنه رأى قبل موته كأن ديكاً نقره ثلاث نقرات، فأول ذلك بدنو أجله.(1/64)
89- ثبت أن عمر رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن كبر واستفتح صلاة الفجر بسكين ذي طرفين، وطعن معه ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة، ثم نحر نفسه بعد أن ظن أنه قد أُخذ، ولما علم عمر رضي الله عنه بقاتله قال رضي الله عنه: الحمد لله الذي لم يبتلني بأحد يحاجني بقول لا إله إلا الله وعرض عمر رضي الله عنه نفسه على الأطباء فنظروا إلى جرحه وأخبروه بأنه ميت، فقال عمر للطبيب: صدقتني، ولو قلت غير ذلك كذبتك.
ونهى عمر رضي الله عنه أهله وأصحابه من البكاء عليه.
90- ثبت أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا منه أن يستخلف عليهم خليفة، فلم يستخلف أحداً، ولكنه رشح لهم ستة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو راضٍ عنهم: عثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ.
91- ثبت أن عمر رضي الله عنه أوصى ابنه عبد الله بسداد دينه وكان مقداره ستةً وثمانين ألفاً أو نحوها من ماله، فإن لم يوف فيسأل بني عدي، فإن لم تف فيسأل قريشاً، ولا يتعداهم إلى غيرهم.
92- ثبت أن عمر رضي الله عنه استأذن عائشة رضي الله عنها أن يدفن في حجرتها بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فأذنت له.
93- ثبت أن عمر رضي الله عنه طعن وتوفي في أواخر شهر ذي الحجة من العام الثالث والعشرين من الهجرة.
94- ثبت أن عمر رضي الله عنه غسل وكفن، وصلى عليه صهيب الرومي رضي الله عنه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأدخل حجرة عائشة رضي الله عنها ودفن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان عمره رضي الله عنه يوم وفاته ثلاثة وستين عاماً.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.(1/65)
فهرس الموضوعات
المقدمة:
أسباب اختيار موضوع البحث
منهج البحث
خطة البحث
كلمة الشكر
نبذة مختصرة عن أهم الدراسات السابقة التي تناولت خلافة عمر وشخصيته
الباب الأوّل:
الفصل الأوّل:
تمهيد
المبحث الأوّل: نشأة عمر
المطلب الأوّل: اسمه ونسبه ولقبه...الخ
المسألة الأولى: اسمه ونسبه
المسألة الثانية: كنيته
المسألة الثالثة: لقبه
المسألة الرابعة: مولده
المسألة الخامة: صفاته الخَلقية
المطلب الثاني: حياته في الجاهلية
المسألة الأولى: تمسكه بالوثنية
المسألة الثانية: عمله بالرعي والتجارة
المسألة الثالثة: قيامه بالسفارة
المطلب الثالث: إسلامه وهجرته
المسألة الأولى: إسلامه
المسألة الثانية: هجرته
المطلب الرابع: حياته في الإسلام
المسألة الأولى: التزامه الديني
المسألة الثانية: علمه وفقهه
المسألة الثالثة: أسرته وحياته المعيشية
زوجاته
أبناؤه
بناته
عناية عمر بأهله وأسرته
مواليه
إماؤه
حياته المعيشية
منزله
عمله بالتجارة
طعامه وشرابه
من آداب طعامه
لباسه
تجمله ونظافته
نومه
مراكبه
سلاحه
المبحث الثاني: صفاته الخُلقية
المطلب الأوّل: صفاته الخُلقية الدالة على كمال دينه وإيمانه
المسألة الأولى: شدته في الدين وغيرته على محارم الله
المسألة الثانية: قبوله الحق وسرعة رجوعه إليه
المسألة الثالثة: حبه للذكر وسماع الموعظة
المسألة الرابعة: خشيته لله
المسألة الخامسة: رقه قلبه وخشوعه
المسألة السادسة: ورعه
المطلب الثاني: صفاته الدالة على عزمه وقوة إرادته
المسألة الأولى: زهده
المسألة الثانية: صبره
المسألة الثالثة: هيبته
المسألة الرابعة: كراهيته المدح
المسألة الخامسة: كرمه
المسألة السادسة: شجاعته
المطلب الثالث: صفاته الدالة على سهولته ولين جانبه
المسألة الأولى: تواضعه
المسألة الثانية: مرحه
الفصل الثاني: فضائله
المبحث الأوّل: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالفضل
المطلب الأوّل: الأحاديث الدالة على علوّ منزلته ورفعة مكانته(2/1)
المسألة الأولى: مكانته عند الله عز وجل
- نزول القرآن موافقاً له
- تبشيره بالجنة
المسألة الثانية: منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم
- محبة النبي صلى الله عليه وسلم لعمر وإجلاله له
- موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لرأي عمر
المطلب الثاني: الأحاديث الدالة على كمال دينه وسة علمه
المسألة الأولى: الأحاديث الدالة على كمال دينه وسعة علمه
المسألة الثانية: الأحاديث الدالة على كمال دينه وقوة إيمانه وفرار الشيطان منه
المسألة الثالثة: الأحاديث الدالة على سعة علمه وأن الحق يؤيده
المبحث الثاني: شهادة الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم له بالفضل
المطلب الأوّل: شهادة الصحابة له بالفضل
المطلب الثالث: شهادة التابعين ومن بعدهم له بالفضل
الفصل الثاني: حياة عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
المبحث الأوّل: حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم
المطلب الأوّل: محبته للنبي صلى الله عليه وسلم وعنايته به وتوقيره له
المطلب الثاني: أهم أعماله ومشاركاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
- كان عمر مستشاراً للنبي صلى الله عليه وسلم
- كان من جباة الزكاة
- كان من كاب الوحي
- ما روي من بعث النبي صلى الله عليه وسلم له مبلغاً عنه
- ما روي من قيامه بالفتوى والقضاء
- ما روي من مشاركته في بناء مسجد قباء
- مشاركته في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
المبحث الثاني: حياته مع أبي بكر الصديق
المطلب الأوّل: توقير عمر لأبي بكر
المطلب الثاني: مواقفه ومشاركاته في خلافة أبي بكر
المسألة الأولى: موقفه من استخلاف أبي بكر رضي الله عنه
المسألة الثانية: موقفه من قتال المرتدين
المسألة الثالثة: إشارته على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن بعد موقعة اليمامة
المسألة الرابعة: ما ورد من معاونته لأبي بكر في إدارة شؤون الرعية
المسألة الخامسة: ما روي من مواقفه من بعض قادة أبي بكر
الباب الثاني: السياسة الإدارية في خلافة عمر بن الخطاب(2/2)
الفصل الأوّل: الجهاز الإداري
المحبث الأوّل: الخليفة
المطلب الأوّل: خلافته وما رود فيها وكيفية استخلافه
المسألة الأولى: ما ورد من أحاديث فيها إشارة لخلافته
المسألة الثانية: ما ورد في فضل خلافته
المسألة الثالثة: كيفية استخلافه
المطلب الثاني: حقوق الخليفة على رعيته وواجباته نحوهم
المسألة الأولى: حقوق الخليفة على رعيته
المسألة الثانية: واجبات الخليفة نحو رعيته
- تعرفه على أحوال رعيته
- عنايته واهتمامه بجميع فئات المجتمع وتقريبه لأهل الفضل والتقوى
- الأخذ بمبدأ الشورى ومشاركة الرعية في اتخاذ القرار
- عدم الاستعلاء على الرعية والتميز عنهم
المبحث الثاني: الولاة
المطلب الأوّل: سياسة عمر في تولية الولاة وعزلهم
المسألة الأولى: سياسة عمر في تولية الولاة
المسألة الثاية: سياسة عمر في عزل الولاة
المطلب الثاني: علاقة الخليفة بالولاة
- طاعة الولاة للخليفة
- معاونته ومساعدته على أعباء الخلافة
- مراقبة الخليفة للولاة ومحاسبته لهم
المطلب الثالث: حقوق الولاة على الرعية وواجباتهم نحوها
المطلب الرابع: ولاة عمر على الأمصار
المدينة
مكة
الطائف
اليمن
عمان
البحرين
اليمامة
البصرة
الكوفة
الموصل
ميسان
المدائن
كسكر
الأهواز
أصبهان
أذربيجان
بلاد الشام
دمشق
حمص والجزيرة
فلسطين
الأردن
مصر
المبحث الثاني: القضاة
المطلب الأوّل: قضاة عمر في الأمصار
المدينة
الكوفة
البصرة
مصر
بلاد الشام
دمشق
حمص وقنسرين
الأردن
المطلب الثاني: توجيه عمر لقضاته
الفصل الثاني: التنظيمات الإدارية العامة في المجتمع
المبحث الأوّل: الاهتمام بالنواحي الدينية والفكرية
المطلب الأوّل: العناية بالكتاب والسنة
العناية بالقرآن الكريم:
- جمع القرآن
- تحري عمر رضي الله عنه وتشدده في شأن القراءات
- حرصه على سلامة تعلم القرآن وأخذه عن المتقنين
العناية بالسنة النبوية
- الحرص على التوثق من صحة ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم(2/3)
- النهي عن كثرة التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
- همه بكتابة السنة ثم تركه ذلك
المطلب الثاني: العناية بالعقيدة
- التحذير من الإشراك بالله وسد ذرائع الشرك
- الحث على العمل بالسنة ومجانبة البدع
- الحث على الإتباع وترك السؤال عن المتشابهات
- التحذير من التنطع في الدين
- النهي عن مشابهة الكفار
- الحث على إخلاص العمل لله والحذر من الرياء
المطلب الثالث: إقامة شعائر الدين
المسألة الأولى: بالصلاة
المسألة الثانية: الاهتمام بالصيام والقيام
المسألة الثالثة: الاهتمام بالحج والعمرة
المطلب الرابع: الاهتمام بالعلم والعلماء
المسألة الأولى: الحث على تعلم العلم
المسألة الثانية: العمل على نشر العلم
المسألة الثالثة: الحث على التخلق بآداب العلم
المسألة الرابعة: الاهتمام بالفتوى
المسألة الخامسة: وضع التأريخ الهجري
المبحث الثاني: الاهتمام بالنواحي الأخلاقية
المطلب الأوّل: الحث على على مكارم الأخلاق والبعد عن مساوئها
المطلب الثاني: إزالة أسباب الفتنة وانتشار الرذيلة
المطب الثالث: معاملة الفساق والعصاة
المطلب الرابع: إقامة الحدود
المبحث الثالث: الاهتمام بالنواحي الاجتماعية
المطلب الأوّل: العناية بالنكاح والعلاقة الزوجية
المسألة الأولى: عناية عمر بالنكاح واهتمامه به
المسألة الثانية: الاهتمام بالعلاقة الزوجية
المطلب الثاني: العمل على الترابط الأسري والتكافل الاجتماعي
المطلب الثالث: الاهتمام بالأنساب والأسماء
المسألة الأولى: الاهتمام بالأنساب
المسألة الثانية: الاهتمام بالأسماء
المبحث الرابع: الاهتمام بالحياة المعيشية
المطلب الأوّل: الاهتمام بالعمل والحث على الكسب وطلب الرزق
المطلب الثاني: الاهتمام بالمصالح الشخصية
المسألة الأولى: الاهتمام بالأطعمة والأشربة
المسألة الثانية: الاهتمام بالألبسة
المسألة الثالثة: الاهتمام بالمساكن
المسألة الرابعة: الاهتمام بالصحة(2/4)
المبحث الخامس: معاملة العبيد والإماء وأهل الذمة
المطلب الأوّل: معاملة العبيد
المسألة الأولى: معاملة العبيد
المسألة الثانية: معاملة الإماء
المطلب الثاني: معاملة أهل الذمة
المسألة الأولى: عناية عمر واهتمامه بأهل الذمة
المسألة الثانية: دعوة أهل الذمة للإسلام
المسألة الثالثة: الشروط التي صالح عليها عمر أهل الذمة
المبحث السادس: الاهتمام بالنواحي الجهادية والقتالية
المطلب الأوّل: التعبئة القتالية والإعداد العسكري
المسألة الأولى: الاهتمام بالقدرة القتالية واللياقة البدنية
المسألة الثانية: المحافظة على الجند والعناية بهم وحمايتهم من المهالك
المسألة الثالثة: تجهيز الجيوش وشحن الثغور
المطلب الثاني: أصول القتال وآدابه
وفاة عمر رضي الله عنه واستشهاده
طعن أبي لؤلؤة المجوسي له
طلبه العلاج وعرضه نفسه على الطبيب
نهيه أهله من البكاء عليه
تعيينه لأهل الشورى من بعده
استأذانه عائشة رضي الله عنها أن يدفن مع صاحبيه
انتقاله لربه ووفاته
تجهيزه والصلاة عليه ودفنه
سعي عبيد الله بن عمر للثأر من قتلة والده
ما روي من تآمر كعب الأحبار وعيينة بن حصن لقتل عمر رضي الله عنه
نعي الجن له رضي الله عنه
انكساف الشمس يوم وفاته
رؤية العباس بن عبد المطلب لعمر في منامه بعد وفاته
حفظ الله عز وجل لعمر رضي الله عنه في قبره أن تأكل الأرض جسده
الخاتمة:
الفهارس العامة:
- فهرس الآيات القرآنية
- فهرس الأحاديث النبوية
- فهرس الآثار
- فهرس رجال السند المتكلم عنهم
- فهرس الأعلام -
- فهرس الأماكن -
- فهرس المصادر والمراجع -
- فهرس الموضوعات -(2/5)
فهرس المصادر والمراجع
- آثار المدينة المنورة لعبد لقدوس الأنصاري. المكتبة العلمية التجارية بالمدينة، ط/ الرابعة 1406هـ.
- الآحاد والمثاني لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني. تحقيق: باسم الجوابرة. دار الراية. الرياض. ط/الأولى. 1411هـ - 1991م.
- الآداب. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية. بيروت. 1406هـ.
- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة.لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني البوصيري. (مخطوط) نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية بالمدينة عن الأصل المحفوظ بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم (232، 243).
- إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة.للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن محمّد بن حجر العسقلاني تحقيق الدكتور وصي الله محمّد عباس. الطبعة الأولى 1421هـ - 2001م.
- الأحاديث المختارة لضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي، دراسة وتحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الطبعة / الأولى 1410هـ مكتبة النهضة الحديثة، مكة.
- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان لأبي حاتم محمد بن حبان البستي: بترتيب الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي. قدم له وضبط نصه: كمال يوسف الحوت / دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1407هـ.
- أخبار القضاة محمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع. عالم الكتب. بيروت
-أخبار المدينة النبوية لأبي زيد عمر بن شبة النميري البصري. تحقيق الشيخ عبد الله بن أحمد الدويش. الطبعة الأولى 1411هـ. دار العليان.
- أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه لأبي عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي.دراسة وتحقيق: الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش. مكة المكرمة. ط/الأولى 1407هـ. مكتبة ومطبعة النهضة الحديثية.
-أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار.لأبي الوليد محمّد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، تحقيق رشدي الصالح. ط/ السابعة 1405هـ، دار الثقافة.(3/1)
-الإخوان.لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق محمد عبد الرحمن الطوالبة، إشراف د. نجم عبد الرحمن خلف، دار الاعتصام.
- أدب الإملاء والاستملاء لأبي سعيد عبد الكريم بن محمد السمعاني. دراسة وتحقيق أحمد محمد عبد الرحمن محمود. ط / الأولى. مطبعة المحمودية.
- الأدب المفرد. لمحمد بن إسماعيل البخاري، دار البشائر الإسلامية. ط/ الثالثة / 1409هـ.
- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. لمحمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. بيروت ط/الثانية 1405هـ.
- الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم الكبير محمد بن محمد بن أحمد. تحقيق: يوسف بن محمد الدخيل. مكتبة الغرباء الأثرية. المدينة المنورة. ط/الأولى: 1414هـ.
- أسباب النّزول لأبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي. تحقيق السيد أحمد صقر. ط/ الثالثة 1407هـ. مؤسسة علوم القرآن.
- الاستيعاب في أسماء الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي. تحقيق علي معوض وعادل عبد الجواد. ط/ الأولى 1415هـ. دار الكتب العلمية.
- أسد الغابة لعز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن الأثير الشيباني. دار إحياء التراث العربي لبنان.
- الأشراف لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق د. نجم عبد الرحمن خلف. ط/ الأولى. مكتبة الرشد الرياض.
- الأشربة لأحمد بن محمد بن حنبل. حققه صبحي الجاسم. مطبعة العاني. بغداد.
- الشريعة لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري. تحقيق محمد حامد الفقي. مكتبة دار السلام. ط/ الأولى 1413هـ.
- الإصابة في تمييز الصحابة لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار صادر. مطبعة السعادة.ط/ الأولى.
- أضواء على التاريخ الإسلامي. لفتحي عثمان. دار العروبة. القاهرة.
- أطلس تاريخ الإسلام. د. حسين مؤنس. الزهراء للإعلام العربي. ط/ الأولى 1407هـ.(3/2)
- الاعتصام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي. ضبطه أحمد عبد الشافي. ط/ الثانية 1411هـ. دار الكتب العلمية.
- الأعلام لخير الدين الزركلي. دار العلم للملايين. لبنان ط/الثامنة 1989م.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين لشمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية. راجعه طه عبد الرؤوف. دار الجيل.
- الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي. إخراج فرانز روزنثال. ترجمة د صالح أحمد العلي. ط/ الأولى 1407هـ. مؤسسة الرسالة.
- الأغاني لأبي الفرج على بن الحسين الأصفهاني/ إعداد مكتب. تحقيق إحياء التراث العربي. ط/ الأولى 1415هـ. وأيضاً ط/ دار الكتب المصرية ط/ الأولى 1357هـ.
- اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني. مطبعة المجد.
- الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير لأبي محمّد الحسن بن أحمد الهمداني. تحقيق محب الدين الخطيب ط/1368هـ. الطبعة السلفية ومكتباتها - القاهرة.
- الأم. لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي. أشرف على تصحيحه محمد زهري النجار. دار المعرفة. لبنان.
- الأمالي للحسن بن محمد الخلال. دراسة وتحقيق مجدي فتحي السيد. ط/ الأولى 1411هـ. دار الصحابة للتراث.
- الأمالي.لعبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة الساعي الرياض.
- الأمالي لأبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي. تحقيق د. إبراهيم القيسي. ط/ الأولى 1412هـ. دار ابن القيم. المكتبة الإسلامية.
- الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم الأصبهاني. تحقيق د. علي بن محمد بن ناصر فقيهي. مكتبة العلوم والحكم. ط/ الأولى 1407هـ.
- الأموال لحميد بن زنجوية. تحقيق الدكتور: شاكر ذيب فياض. ط/الأولى 1406هـ. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. الرياض.(3/3)
- الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم الهروي. تحقيق: محمد خليل هراس. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1401هـ.
- المحبر لأبي جعفر محمّد بن حبيب. دار الآفاق الجديدة. اعتنى بتصحيحه الدكتور إيلزه لبختن.
- أنساب الأشراف لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري. تحقيق د. إحسان صدقي العمد. مؤسسة الشراع العربي ط/ الأولى 1409هـ.
- الأوائل لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1407هـ.
- الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. تحقيق الدكتور أبي حماد صغير أحمد بن محمد حنيف. دار طيبة. ط/ الثانية 1414هـ.
- أيام العرب قبل الإسلام لأبي عبيدة معمر بن المثنى. تحقيق عادل جاسم البياتي. ط/ الأولى 1407هـ. عالم الكتب. مكتبة النهضة العربية.
- الإيمان لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي. تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. نشر وتوزيع دار الأرقم ضمن مجموعة رسائل من كنوز السنة.
- الإيمان لمحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني. دراسة وتحقيق محمد بن حمدي الجابري. ط/ الأولى 1407هـ. الدار السلفية الكويت.
- البداية والنهاية لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي..تحقيق: مجموعة من الباحثين. دار الكتب العلمية. بيروت. ط / الأولى1405هـ.
- البدع والنهي عنها لمحمد بن وضاح القرطبي. تحقيق: محمد أحمد دهمان. دار البصائر ط/الثانية1400هـ.
- البحر الزخار لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي البزار. تحقيق محفوظ الرحمن زين الله. مؤسسة علوم القرآن. مكتبة العلوم والحكم.
- البر والصلة لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي ابن الجوزي. تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض. ط/ الأولى 1413 هـ. مكتبة السنة.
- البر والصلة لعبد الله بن المبارك بن واضح المروزي. مطبوع مع كتاب المسند له. تحقيق د. مصطفى عثمان محمد. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1411هـ.(3/4)
- البعث والنشور لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق أحمد عامر حيدر. ط/ الأولى 1406هـ مركز الخدمات والأبحاث.
- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث.لنور الدين علي بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي. تحقيق الدكتور: حسين أحمد الباكري. نشر مركز خدمة السنة النبوية والسيرة بالمدينة المنورة ط/الأولىعام 1413هـ.
- البيان والتبيين لأبي عثمان بن بحر بن محبوب الجاحظ. قدم له د.علي أبو ملحم. دار مكتبة الهلال ط/ الأولى 1408هـ.
- بيوت الصحابة حول المسجد النبوي الشريف لمحمد بن إلياس عبد الغني. ط/ الأولى 1407هـ مركز طيبة للطباعة.
- التاريخ لأبي بكر أحمد بن زهير بن أبي خيثمة.مخطوط، نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية عن الأصل المحفوظ بمكتبة القرويين بالمغرب.
- تاريخ ابن خلدون المسمى: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر. ط: 1399هـ. مؤسسة جمال للطباعة والنشر.
- تاريخ أبي زرعة الدمشقي لأبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي. تحقيق: شكر الله بن نعمة الله القوجاني.
- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي. ط/ الأولى 1407هـ.
- تاريخ الأمم والملوك. لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1407هـ.
- تاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. دار الكتب العلمية – لبنان.
- تاريخ خليفة بن خياط لخليفة بن خياط العصفري. تحقيق د. أكرم ضياء العمري. دار طيبة الرياض. ط/ الثانية 1405هـ.
- تاريخ دمشق لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي. دراسة وتحقيق محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمرو. دار الفكر 1415هـ، وأيضاً الجزء الخاص بترجمة عمر بن الخطاب تحقيق سكنية الشهابي. مؤسسة الرسالة. ط/ الأولى 1414هـ. وأيضاً المخطوط نسخة المكتبة الظاهرية، فهرسة محمد بن رزق بن طرهوني.(3/5)
- التاريخ الصغير. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. دار المعرفة. لبنان.
- تاريخ الطبري = تاريخ الأمم.
- تاريخ عمر بن الخطاب لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. قدم له وعلق عليه أسامة بن عبد الكريم الرفاعي. دار إحياء علوم الدين. دمشق.
- تاريخ فتوح الشام لمحمد بن عبد الله الأزدي. تحقيق عبد المنعم عبد الله عامر. مؤسسة سجل العرب.
- تاريخ قريش لحسين مؤنس. ط/ الأولى 1408هـ. الدار السعودية للنشر والتوزيع.
- التاريخ الكبير لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. تصحيح وتعليق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. دار الكتب العلمية. بيروت.
- تاريخ المدينة لعمر بن شبة = أخبار المدينة
- تاريخ معالم المدينة قديماً وحديثاً لأحمد بن ياسين الخياري. ط/الرابعة 1414هـ. مطابع مؤسسة المدينة للصحافة. دار العلم بجدة.
- تاريخ واسط لأسلم بن سهل الرزاز الواسطي بحشل. تحقيق كوركيس عواد. عالم الكتب.
- تاريخ ولاة مصر وقضاتها لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي المصري. مؤسسة الكتب الثقافية.ط/ الأولى 1408هـ.
- التاريخ عن يحيى بن معين.ليحيى بن معين بن عون المري الغطفاني. رواية عباس بن محمد الدوري. دراسة وترتيب وتحقيق د. أحمد بن محمد نور سيف ط/ الأولى 1399هـ. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلاي. جامعة الملك عبد العزيز. مكة المكرمة.
- تاريخ يحيى بن معين رواية أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز = معرفة الرجال.
- تاريخ اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن واضح. دار صادر.
- التبيين في أنساب القرشيين لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة. تحقيق وتعليق محمد نايف الديلمي. مكتبة النهضة العربية ط/ الثانية 1408هـ(3/6)
- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لأبي العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري. ضبطه وراجع أصوله عبد الرحمن بن محمد عثمان. المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ط/ الثانية 1385هـ.
- تخريج الدلالات السمعية لعلي بن محمد بن سعود الخزاعي. تحقيق د. إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي. ط/ الأولى 1405هـ.
- تذكرة الحفاظ لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي.دار الفكر العربي. لبنان.
- تصحيفات المحدثين لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري. دراسة وتحقيق محمود أحمد ميرة ط/ الأولى. المطبعة العربية الحديثة. القاهرة.
- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار الكتاب العربي
- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق الدكتور: عبد الغفار سليمان البنداري والأستاذ: محمد أحمد عبد العزيز. دار الكتب العلمية. بيروت. ط/الأولى1405هـ.
- تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي. تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. مكتبة الدار. المدينة المنورة. ط/الأولى1406هـ.
- تغليق التعليق على صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دراسة وتحقيق سعيد عبد الرحمن موسى القزقي. المكتب الإسلامي. بيروت ودار عمار. الأردن ط/الأولى1405هـ.
- تفسير ابن كثير = تفسير القرآن العظيم.
- تفسير البغوي = معالم التنزيل.
- تفسير سفيان الثوري لسفيان بن سعيد الثوري. راجعه لجنة من العلماء بإشراف الناشر دار الكتب العلمية. بيروت. ط/الأولى1403هـ.
- تفسير الطبري= جامع البيان.
- تفسير القرآن لعبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق د. مصطفى مسلم محمد ط/ الأولى 1410هـ. مكتبة الرشد. الرياض.
- تفسير القرآن العظيم لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي. دار التراث. القاهرة. مكتبة الدعوة الإسلامية.(3/7)
- تقريب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي. قدم له وقابله محمد عوامة. ط/ الرابعة 1412هـ. دار الرشد ودار القلم.
- تقييد العلم لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق: يوسف العش. دار إحياء السنة النبوية. ط/الثانية عام: 1974م.
- التمهيد لمافي الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي. تحقيق: مجموعة من العلماء.
- التنكيل لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني ومحمد عبد الرزاق حمزة. دار الكتب السلفية.
- تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآثار لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. تخريج محمود محمد شاكر.
- تهذيب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.ط/ الأولى 1325هـ. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية. حيد آباد الدكن.
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال لجمال الدين أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي. تحقيق: بشار عواد معروف. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط/الثانية 1403هـ.
- التواضع والخمول لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق محمد عبد القادر عطا. ط/ الأولى 1409هـ. دار الكتب العلمية.
- التوكل لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق وتعليق جاسم الفهيد الدوسري. ط/ الأولى 1404هـ. دار الأرقم. الكويت.
- الثقات لأبي حاتم محمد بن حبان البستي. طبع دائرة المعارف العثمانية. بحيدر آباد. بالهند. ط/الأولى1402هـ.
- جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري. دار الباز للنشر والتوزيع 1398هـ. دار الكتب العلمية.
- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. ط/ الأولى1412هـ. دار الكتب العلمية.(3/8)
- جامع التحصيل في أحكام المراسيل لصلاح الدين أبي سعيد خليل العلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. ط/ الثانية 1407هـ. عالم الكتب.
- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق د. محمود الطحان. مكتبة المعارف 1403هـ.
- الجرح والتعديل لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي الرازي. ط/ الأولى. دائرة المعارف العثمانية. الهند، تصوير: دار إحياء التراث العربي. بيروت.
- جزء ابن ديزيل تحقيق وتخريج: عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم البخاري. ط/ الأولى. مكتبة البخاري.
- جزء الحسن بن الأشيب لأبي علي الحسن بن موسى الأشيب.تحقيق: أبي ياسر خالد بن قاسم الردادي. دار علوم الحديث. الإمارات العربية. ط/الأولى1410هـ
- جزء الحسن بن عرفة تحقيق وتعليق وتخريج عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. مكتبة دار الأقصى. الكويت. ط/ الأولى 1406هـ.
- جزء أبي مسهر لعبد الأعلى بن مسهر. دراسة وتحقيق مجدي فتحي السيد. دار الصحابة للتراث. ط/ الأولى 1410 هـ.
- جزء محمد بن عاصم الثقفي الأصبهانيتحقيق وتخريج: مفيد خالد عيد. دار العاصمة. الرياض. ط/ الأولى 1409هـ.
- جمهرة النسب لأبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي. رواية السكري عن ابن حبيب. تحقيق د. ناجي حسن ط/ الأولى 1407هـ. عالم الكتب.
- جمهرة النسب.لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. تحقيق: عبد السلام هارون. دار المعارف. ط/ الرابعة.
- الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة.لأبي القاسم إسماعيل بن محمد المعروف بقوام السنة الأصبهاني. تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي عمير المدخلي. دار الراية. الرياض. ط/الأولى عام: 1411هـ.
- حذف من نسب قريش لمؤرج بن عمر السدوسي. تحقيق صلاح الدين المنجد. دار الكتاب العربي الجديد. بيروت ط/ الثانية.(3/9)
- الحلم لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة القرآن.
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. دار الكتب العلمية.
- الخراج لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم. نشره قصي محب الدين الخطيب ط/ الخامسة 1396هـ. المطبعة السلفية.
- خطط البصرة ومنطقتها.للدكتور صالح أحمد العلي. مطبعة المجمع العلمي العراقي 1406هـ.
- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات البوطي، لمحمد بن ناصر الدين الألباني. نشر مجلة التمدن الإسلامي بدمشق. طبع ضمن مجموعة رسائل.
- دلائل النبوة لأحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبي نعيم الأصبهاني. تحقيق د. محمد رواس قلعجي وعبد البر عباس. دار النفائس. ط/ الثانية 1406هـ.
- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة.
- لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. توثيق وتخريج /عبد المعطي قلعجي. دار الريان للتراث. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى1408 هـ.
- ديوان الحطيئة/ شرح أبي سعيد السكري. دار صادر - بيروت 1401هـ.
- ديوان النابغة الذبياني.صنعه ابن السكيت. تحقيق شكري فيصل. ط/ مطابع دار الهاشم/ بيروت.
- ديوان حاتم الطائي.شرحه وقدّم له أحمد رشاد. ط/ دار الكتب العلمية بيروت. ط/ الأولى 1406هـ.
- ذم الدنيا لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق السيد إبراهيم. مكتبة الساعي.
- ذم المسكر لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. حققه وعلق عليه د. نجم عبد الرحمن خلف. ط/ الأولى 1409هـ. دار الراية.
- الرقة لموفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي. حققه وعلق عليه: مسعد بن عبد الحميد السعدني. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1414هـ.
- الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام.لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسين السهيلي. قدم له: طه عبد الروؤف سعد. دار المعرفة.(3/10)
- الروض المعطار في خبر الأقطار لمحمد بن عبد المنعم الحميري. حققه إحسان عباس. مكتبة لبنان. ط/ الثانية 1984م.
- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء.لأبي حاتم محمد بن حبان البستي. تحقيق وتصحيح محمد حامد الفقي. مطبعة السنة المحمدية.
- الزهد لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم.تحقيق د.عبد العلي عبد الحميد. الدار السلفية. بومباي. ط/الأولى 1403هـ.
- الزهد لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني. دار الريان. ط / الأولى 1408هـ.
- الزهد لعبد الله بن المبارك المروزي. حققه حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية.
- الزهد الكبير لأحمد بن الحسين البيهقي تحقيق وتخريج عامر أحمد حيدر. ط/ الأولى 1408هـ.دار الجنان ومؤسسة الكتب الثقافية.
- الزهد لوكيع بن الجراح. تحقيق وتخريج عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي. ط/ الأولى. مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
- الزهد لهناد بن السري. تحقيق وتخريج عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي. دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ط/ الأولى 1406هـ.
- الزهد وصفة الزاهدين لأحمد بن محمد بن زياد ابن الأعرابي. تحقيق مجدي فتحي السيد. ط/ الأولى 1408هـ. مكتبة الصحابة.
- سلسلة الأحاديث الصحيحة لمحمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. ط/ الرابعة 1405هـ.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة لمحمد ناصر الدين الألباني. مكتبة المعارف. ط/ الأولى 1408هـ.
- السنة ومكانتها في الشرع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي. ط/ الثالثة 1402هـ. المكتب الإسلامي.
- السنن لمحمد بن إدريس الشافعي. تحقيق وتخريج د. خليل إبراهيم ملا خاطر. مؤسسة علوم القرآن. ط/ الأولى 1409هـ.
- سنن ابن ماجه لأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجة القزويني. حققه محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر.
- سنن أبي داود لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. راجعه محمد محيي الدين عبد الحميد. دار إحياء التراث العربي.(3/11)
- سنن الترمذي وهو الجامع الصحيح لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. حققه وصححه عبد الوهاب عبد اللطيف. دار الفكر. ط/ الثانية 1398هـ.
- سنن الدارقطني. لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني. وبذيله التعليق المغني على الدارقطني لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. دار المحاسن للطباعة. عني بتصحيحه عبد الله هاشم يماني.
- سنن الدارمي لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي. دار الكتب العلمية. طبع بعناية محمد أحمد دهمان. نشر دار إحياء السنة النبوية.
- سنن سعيد بن منصور لسعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي. تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية. ط/الأولى 1414هـ. وأيضاً بتحقيق د.سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد. دار الصميعي. الرياض. ط/الأولى1414هـ.
- السنن الصغرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي. تخريج وتعليق د. عبد المعطي أمين قلعجي. ط/ الأولى 1410هـ. منشورات جامعة الدراسات الإسلامية. كراتشي - باكستان.
- السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. في ذيله الجوهر النقي. دار المعرفة. لبنان. مكتبة المعارف. الرياض.
- السنن الكبرى لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. تحقيق د. عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن. دار الكتب العلمية. بيروت ط/ الأولى 1411هـ.
- سنن النسائي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي.بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية السندي - دار الفكر ط/ الأولى 1348هـ.
- السنة. لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال. دراسة وتحقيق د. عطية الزهراني. دار الراية. الرياض. ط/الأولى1410هـ.
- السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل. تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول - دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1405هـ.(3/12)
- السنة لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني. ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة. تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. بيروت ط/الثانية 1405هـ.
- السير لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري. دارسة وتحقيق د. فاروق حماده. مؤسسة الرسالة. ط/ الأولى 1408هـ.
- سير أعلام النبلاء. لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. أشرف على تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة. بيروت ط/الرابعة1406هـ - 1986م.
- السيرة النبوية لأبي الفداء إسماعيل بن كثير. تحقيق مصطفى عبد الواحد. دار المعرفة 1403هـ.
- السيرة النبوية لأبي محمد عبد الملك بن هشام الحميري النحوي.مع شرح أبي ذر الخشني. تحقيق د. همام عبد الرحيم سعيد ومحمد عبد الله أبو صعيلك. ط/ الأولى 1409هـ. مكتبة المنار.وأيضاً بتحقيق مصطفى السقا. دار إبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي. دار/ الثالثة 1375هـ. مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.
- السيرة النبوية الصّحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري. 1412هـ. مكتبة العلوم والحكم.
- السيرة النّبويّة في ضوء المصادر الأصليّة.للدكتور مهدي رزق الله. ط/ الأولى 1412هـ. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلاميّة.
- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي. تحقيق د. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي. ط/ الثالثة 1415هـ. دار طيبة للنشر والتوزيع. الرياض.
- شرح السنة لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. المكتب الإسلامي.
- شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين. ط/الثالثة 1405هـ. مؤسسة الرسالة. مكتبة الرشد.
- شرح معاني الأثار لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي. تحقيق: محمد زهري النجار. دار الكتب العلمية. بيروت.ط/الثانية 1407هـ.(3/13)
- شرف أصحاب الحديث لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق الدكتور: محمد سعيد خطيب أوغلي. دار إحياء السنة النبوية، كلية الإلهيات جامعة أنقرة.
- شعب الإيمان للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: أبي هاجر محمد السعيدبن بسيوني زغلول. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان. ط/الأولى1410هـ وأيضاً بتحقيق عبد العلي بن عبد الحميد حامد باسم (الجامع لشعب الإيمان) الدار السلفية بومباي، الهند ط/ الأولى 1406هـ.
- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام.تأليف الإمام أبي الطيب تقي الدين محمّد بن أحمد القاسي. حققه د/ عمر تدمري 1405هـ. دار الكتاب العربي.
- صحيح ابن حبان = الإحسان بترتيب.
- صحيح الأدب المفرد لمحمد ناصر الدين الألباني. ط/ الأولى 1414هـ دار الصديق الجبيل.
- صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي وأولاده.
- صحيح سنن ابن ماجه لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية العربي لدول الخليج. بيروت. ط/الثالثة عام: 1408هـ. المكتب الإسلامي.
- صحيح سنن أبي داود لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية العربي لدول الخليج. ط/ الأولى 1409هـ
- صحيح سنن الترمذي لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية لدول الخليج العربي ط/ الأولى 1408هـ.
- صحيح سنن النسائي لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. مكتب التربية لدول الخليج العربي ط/ الأولى 1409هـ. المكتب الإسلامي.
- صحيح مسلم. لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. بحاشيته شرح محي الدين النووي. المطبعة المصرية ومكتباتها.
- صريح السنة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. حققه بدر بن يوسف المعتوق ط/ الأولى 1405هـ. دار الخلفاء للكتاب الإسلامي.(3/14)
- الصمت وآداب اللسان لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. تحقيق وتعليق د. محمد أحمد عاشور. دار الاعتصام. ط/ الثانية 1408هـ.
الضعفاء الكبير لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي. تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. دار الكتب العلمية. بيروت ط/الأولى عام: 1404هـ.
- ضعيف سنن أبي داود لمحمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي. إشراف زهير الشاويش بيروت. ط/الأولى1412هـ.
- ضعيف سنن ابن ماجه لمحمد ناصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. المكتب الإسلامي. بيروت.ط/ الأولى1408هـ
- ضعيف سنن الترمذي لمحمد اصر الدين الألباني. إشراف زهير الشاويش. المكتب الإسلامي ط/ الأولى 1411هـ.
- طبقات الشعراء لأبي محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. تحقيق مفيد قميحة ط/ الأولى 1401هـ. دار الكتب العلمية بيروت.
- طبقات فحول الشعراء.تأليف محمّد بن سلام الجمحي. شرح محمود بن محمّد شاكر. مطبعة المدني.
- الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع البصري. دار صادر. بيروت. 1405هـ.
- الطبقات الكبرى - الطبقة الخامس دراسة وتحقيق د. محمد بن صامل السلمي. نشر مكتبة الصديق. الطائف ط/ الأولى 1414هـ.
- الطبقات الكبرى - الطبقة الرابعة تحقيق ودراسة د. عبد العزيز عبد الله السلومي. مكتبة الصديق. الطائف ط/ الأولى 1416هـ.
- الطريق إلى دمشق لأحمد عادل كمال. دار النفائس. ط/ الرابعة 1411هـ.
- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.تأليف ابن قيم الجوزية. تحقيق محمّد حامد الفقي. ط/ مطبعة السنة المحمّديّة 1372هـ - 1395هـ.
- الطهور لأبي عبيد القاسم بن سلام. تحقيق ودراسة صالح محمد الفهد المزيد ط/ الثانية 1414هـ. مكتبة العلوم والحكم.
- عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي. المطبعة المصرية بالأزهر. ط/ الأولى 1350هـ.
- عبقرية عمر لعباس محمود العقاد. المكتبة العصرية. بيروت.(3/15)
- العقد الفريد لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي. تحقيق مفيد محمد قميحة. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1404هـ.
- العقل وفضله واليقين لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة الساعي. الرياض.
- على طريق الهجرة لعاتق بن غيث البلادي. دار مكة للنشر والتوزيع.
- العلل الواردة في الأحاديث النبوية لأبي الحسن علي بن عمر الدار قطني.تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي. دار طيبة الرياض.ط/الأولىعام 1405 هـ.
- العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب النسائي. تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. نشر دار الأرقم. ضمن مجموعة رسائل من كنوز السنة.
- العمدة في محاسن الشعر وآدابه.لأبي الحسن بن رشيق الأزدي. تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد. دار الجيل بيروت. ط/ الخامسة 1401هـ.
- عمل اليوم والليلة لأبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المعروف بابن السني. حققه وخرج أحاديث أبو محمد عبد الرحمن كوثر البرني. دار القبلة للثقافة الإسلامية. جدة
- العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي r للقاضي أبي بكر بن العربي 1405هـ. المكتبة العلمية.
- عون المعبود لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي. ضبط وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان. المكتبة السلفية بالمدينة. ط/ الثانية 1389هـ.
- العيال لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. حققه وعلق عليه د. نجم عبد الرحمن خلف. ط/ الأولى 1410هـ. دار ابن القيم.
- غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام لعز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمّد بن فهد الهاشمي القرشي. تحقيق فهيم محمّد شلوّت ط/ الأولى 1406هـ. مركز البحث التراث جامعة أم القرى.
- غريب الحديث لأبي سليمان حمد بن محمد إبراهيم الخطابي البستي. تحقيق عبد الكريم إبراهيم بن إبراهيم العزباوي. مركز البحث العلمي وإحياء التراث. جامعة أم القرى 1403هـ.(3/16)
- غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي. ط/ الأولى 1406هـ. دار الكتب العلمية.
- الغيبة والنميمة لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. حققه وعلق عليه عمرو علي عمر. الدار السلفية بومباي. الهند. ط/ الأولى 1409هـ.
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني.ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي - قابله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. دار الفكر.
- فتح المغيث شرح ألفية الحديث لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي.ط/ الأول1403هـ. دار الكتب العلمية.
- فتوح البلدان لأبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري. راجعه رضوان محمد رضوان. دار الكتب العلمية 1403هـ.
- فتوح مصر وأخبارها لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم. طبعة ليدن 1920م. مكتبة المثنى. بغداد.
- الفروسية لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب. تحقيق مشهور ابن حسن سلمان. دار الأندلس. ط/ الأولى 1414هـ.
- فضائل الأوقات.لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. دراسة وتحقيق عدنان عبد الرحمن مجيد القيسي. ط/الأولى 1400هـ. مكتبة المنارة - مكة.
- فضائل بيت المقدس لضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي.تحقيق: محمد مطيع الحافظ. دار الفكر. ط/الأولىعام 1405هـ.
- فضائل الصحابة لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل. حققه وخرج أحاديثه وصي الله محمد عباس. ط/ الأولى 1403هـ. جامعة أم القرى. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.
- فضائل الصحابة لخيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي. في مجموعة من حديث خيثمة ابن سليمان. دراسة وتحقيق عمر بن عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي.
- فضائل الصديق لأبي طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي العشاري. تحقيق وتخريج عمرو بن عبد المنعم. ط/ الأولى 1413هـ. دار الصحابة للتراث - طنطا.(3/17)
- الفوائد.لأبي عمرو بن منده. تخريج مسعد بن عبد الحميد السعدني. ط/ الأولى 1412هـ. دار الصحابة للتراث بطنطا.
- الفوائد لتمام بن محمد الرازي. حققه وخرج أحاديثه حمدي بن عبد المجيد السلفي. مكتبة الرشد. ط/ الأولى 1412هـ.
- القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي. المؤسسة العربية للطباعة والنشر. دار الجيل.
- القصاص والمذكرين لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. حققه وعلق عليه د.محمد بن لطفي الصباغ. المكتب الإسلامي. ط/ الثانية 1409هـ.
- القضاء في عهد عمر بن الخطاب لناصر بن عقيل الطريفي.دار المدني. ط/ الأولى 1406هـ.
- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي. وحاشية لبرهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن محمد سبط بن العجمي. قدم له محمد عوامة وخرج نصوصه أحمد محمد نمر الخطيب. دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن. ط/الأولىعام 1413هـ.
- الكامل في التاريخ.لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن الأثير. راجعه مجموعة من العلماء. دار الكتاب العربي. ط/ الرابعة 1403هـ.
- الكامل في ضعفاء الرجال لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني. دار الفكر. ط/الثانية 1405هـ.
- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار.لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي. تقديم وضبط كمال يوسف الحوت. مكتبة العلوم والحكم. ط/ الأولى 1409هـ.
- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي.تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. مؤسسة الرسالة. ط/الثانية 1404هـ.
- الكفاية في أصول السماع والرواية.تأليف الحافظ الخطيب البغدادي. ط/ دار الكتب الحديثية.
- الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات لأبي البركات محمد بن أحمد المشهور بابن الكيال. تحقيق: عبد القيوم بن عبد رب النبي. دار المأمون للتراث.ط/الأولىعام 1401هـ.(3/18)
- لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري. مكتبة تحقيق التراث - دار إحياء التراث العربي. مؤسسة التاريخ العربي. ط/ الثالثة 1413هـ.
- لسان الميزان لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار الكتاب الإسلامي. ط/الثانية.
- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التيمي البستي. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. دار الوعي. ط/الأولى عام 1396هـ.
- مجمع البحرين في زوائد المعجمين لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي.تحقيق ودراسة عبد القدوس بن محمد نذير.مكتبة الرشد. الرياض. ط/الأولىعام 1413هـ.
- مجمع الزوائد ومنع الفوائد لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي.مكتبة المعارف 1406هـ.
- محاسبة النفس لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة القرآن.
- المحلى بالآثار لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. تحقيق عبد الغفار البنداري. دار الفكر.
- المحن لمحمد بن أحمد بن تميم التميمي. تحقيق يحيى وهيب الجبوري. ط/ الثانية 1408هـ. دار الغرب الإسلامي.
- مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي.إخراج دائرة المعاجم في مكتبة لبنان. مكتبة لبنان 1986م. المختارة للضياء المقدسي. انظر: الأحاديث المختارة.
- مختصر منهاج السنة لعبد الله الغنيمان. مكتبة الكوثر. دار الأرقم. ط/ الثانية 1412هـ.
- المذكر والتذكير والذكر لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم. تحقيق أبي ياسر خالد بن قاسم. ط/ الأولى 1413هـ. دار المنار.
- مرويات العهد المكي.لعادل عبد الغفور. رسالة ماجستير بقسم السنة بكلّيّة الحديث. الجامعة الإٍسلاميّة، بالمدينة المنورة.
- مسائل الإمام أحمد لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني. ط/ الثانية. الناشر. محمد أمين دمج.(3/19)
- مساوئ الأخلاق ومذمومها لأبي بكر محمد بن جعفر بن سهل السامري الخرائطي. تحقيق وتخريج مصطفى أبي النصر الشلبي. ط/الأولى1412هـ. مكتبة السوادي. جدة.
- المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. وفي ذيله تلخيص المستدرك للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي. دار الفكر 1398هـ.
- المسند لمحمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة بن أدهم. تحقيق مجدي السيد إبراهيم. مكتبة القرآن. القاهرة.
- المسند لأبي عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفرائيني. دار الكتبي.
- المسند لعبد الله بن المبارك بن واضح المروزي. حققه وعلق عليه صبحي البدري السامرائي. مكتبة المعارف. ط/ الأولى 1407.
- المسند. لأحمد بن حنبل الشيباني. المكتب الإسلامي. بيروت. ط/ الخامسة. 1405هـ.
- المسند. إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي. تحقيق: الدكتور عبد الغفور البلوشي. مكتبة الإيمان. المدينة المنورة. ط/ الأولى 1412.
- مسند ابن الجعد لأبي الحسين علي بن الجعد الجوهري. تحقيق: الدكتور عبد المهدي بن عبد القادر. مكتبة الفلاح.الكويت. ط/الأولىعام 1405هـ.
- مسند أبي يعلى لأحمد بن علي بن المثنى التميمي. حققه وخرج أحاديث حسين سليم أسد. دار المأمون. ط/ الأولى 1404هـ.
- مسند البزار = البحر الزخار.
- مسند الحميدي لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي.تحقيق:حبيب الرحمن الأعظمي. عالم الكتب. بيروت.
- مسند الشاشي لأبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي.تحقيق محفوظ الرحمن زين الله السلفي.ط/ الأولى 1410هـ. نشر مكتبة العلوم والحكم بالمدينة.
- مسند الشافعي لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1400هـ.
- مسند الشهاب لأبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي. حققه وخرج أحاديثه حمدي ابن عبد المجيد السلفي. ط/ الأولى 1405هـ. مؤسسة الرسالة.(3/20)
- مسند الطيالسي لأبي داود سليمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري. مكتبة المعارف. دار المعرفة.
- مسند عمر بن الخطاب لأبي يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت. تحقيق كمال يوسف الحوت. ط/ الأولى 1405هـ. مؤسسة الكتب الثقافية.
- مسند الفاروق لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي. وثق أصوله وخرج أحاديثه د. عبد المعطي قلعجي ط/ الأولى 1411هـ.
- مشكاة المصابيح.لمحمد بن عبد الله الخطيب التبريزي. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي بيروت.ط/الثالثة1405هـ
- مشكل الآثار لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي. ط/ الأولى. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بحيدر أباد الدكن. 1333هـ.
- المشيخة لإبراهيم بن طهمان. تحقيق د. محمد طاهر مالك. دمشق. 1403هـ.
- المصاحف لأبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1405هـ.
- المصباح المنير. تأليف أحمد بن محمد بن علي الفيُّومي. مكتبة لبنان.
- المصنف لأبي بكر بن أبي شيبة = الكتاب المصنف.
- المصنف لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. توزيع المكتب الإسلامي. بيروت.ط/الثانيةعام 1403هـ.
- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. ( مخطوط ) لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. نسخة مصورة بمكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عن الأصل المحفوظ بالمكتبة السلمانية. مكتبة مراد بخارى باستنبول برقم 83/2.
- معالم التنزيل لمحي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي. حققه محمد بن عبد الله النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان الحرش. دار طيبة للنشر والتوزيع 1411هـ.
- المعجم لأبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي .تحقيق: الدكتور أحمد بن ميرين البلوشي.مكتبة الكوثر. الرياض. ط/الأولى عام 1412هـ.(3/21)
- معجم البلدان لشهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي. دار صادر. بيروت. 1404هـ.
- المعجم لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي. حققه حسين سليم أسد الداراني وعبده علي كوشك. دار المأمون للتراث. ط/ الأولى 1410هـ.
- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة لعمر رضا كحالة. مؤسسة الرسالة. ط/ السادسة 1412هـ.
- المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي.ط/ الثانية. مكتبة ابن تيمية. القاهرة.
- معجم لغة الفقهاء للدكتور محمد رواس قلعجي والدكتور حامد صادق قني-ب-ي. ط/ الثانية 1408هـ. دار النفائس.
- معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية لعاتق بن غيث البلادي. دار مكة للنشر والتوزيع. ط/الأولى 1402هـ.
- المعجم الوسيط لمجموعة من العلماء. ط/ الثانية. مطابع دار المعارف بمصر.
- معرفة الرجال لأبي زكريا يحيى بن معين رواية أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز. تحقيق محمد كامل القصار 1405هـ.
- معرفة الصحابة لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. تحقيق: محمد راضي بن حاج عثمان. مكتبة الدار بالمدينة، ومكتبة الحرمين بالرياض. ط/ الأولى عام1408هـ. وأيضاً النسخة المخطوطة وهي مصورة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عن الأصل المحفوظ بمكتبة أحمد الثالث بتركيا.
- المعرفة والتاريخ لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي. تحقيق: الدكتورأكرم ضياء العمري. مكتبة الدار. المدينة المنورة. ط/الأولىعام 1410هـ.
- معرفة السنن والآثار لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، مصور عن المكتبة الآصفية، حيدر أباد الدكن.
- المعلقات العشر وأخبار شعرائها.جمع وتصحيح أحمد بن الأمين الشنقيطي. ط/ دار الكتب العلمية.
- المغانم المطابة في معالم طابة لمجد الدين أبي الطاهر محمّد بن يعقوب الفيروزابادي. تحقيق/ حمد الجاسر. ط/ الأولى 1389هـ. منشورات دار اليمامة.(3/22)
- المغني لموفق الدين ابن قدامة. دار الفكر. ط/ الأولى 1404هـ.
- مقاييس نقد متون السنة.تأليف الدكتور سفر غرم الله الدميني ط/ الأولى 1404هـ.
- مكارم الأخلاق لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن ابي الدنيا. تحقيق. محمد بن عبد القادر أحمد عطا. دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1409هـ.
- مكارم الأخلاق لأبي بكر محمد بن جعفر السامري الخرائطي. تحقيق سعاد سليمان إدريس ط/ الأولى 1411هـ. مطبعة المدني.
- المنتخب من مسند عبد بن حميد لأبي محمد عبد بن حميد. تحقيق: صبحي السامرائي ومحمود الصعيدي. مكتبة السنة. ط/ الأولى 1408هـ.
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي. دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا. ط/ الأولى دار الكتب العلمية 1412هـ.
- المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله لأبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري. فهرسه وعلق عليه عبد الله بن عمر البارودي. ط/ الأولى 1408هـ. مؤسسة الكتب الثقافية.
- المنجد في اللغة والأعلام.دار المشرق. بيروت. ط/ الثامنة والعشرون.
- المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ للدكتور محمد رشاد خليل. دار المنار. ط/ الأولى 1404هـ.
- منهج النقد عند المحدّثين نشأته وتاريخه.تأليف د. محمّد مصطفى الأعظمي. ط/ المكتبة الكوثر. ط/ الثانية.
- الموطأ. مالك بن أنس الأصبحي. تحقيق وتعليق د. بشار عواد ومحمود محمد خليل. ط/ الثانية 1413هـ. مؤسسة الرسالة.
- ميزان الاعتدال في نقد الرجال لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق علي بن محمّد البجاوي. دار المعرفة. بيروت.
- نسب قريش لأبي عبد الله مصعب بن عبيدالله الزبيري. عني بنشره: إ /ليفي بروفنسال. توزيع مكتبة ابن تيمية. ط/ الثالثة. دار المعارف.(3/23)
- النكت لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: الدكتورربيع هادي عمير المدخلي.ط/ الأولى1404هـ. نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة.
- النهاية في غريب الحديث لمجد الدين المبارك بن محمد بن الأثير الجزري. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي و محمود الطناحي. دار الفكر. ط/ الثانية 1399هـ.
- الورع لأحمد بن محمد بن حنبل. تحقيق د. زينب إبراهيم القاروط. دار الكتب العلمية. ط/الأولى 1403هـ.
- وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى لنور الدين علي بن أحمد السمهودي. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. دار إحياء التراث العربي. بيروت. ط/ الرابعة1404 هـ.(3/24)
المبحث الثاني: الاهتمام بالنواحي الأخلاقية، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأوّل: الحثّ على مكارم الأخلاق، والبعد عن مساوئها.
المطلب الثاني: إزالة أسباب الفتنة، وانتشار الرذيلة.
المطلب الثّالث: معاملة الفساق والعصاة.
المطلب الرابع: إقامة الحدود.
المطلب الأوّل: الحثّ على مكارم الأخلاق، والبعد عن مساوئها:
إن منزلة حسن الخلق في الدين منزلة عظيمة، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً وإن المجتمع الذي يتحلى أفراده بحسن الخلق مجتمع مثالي، تتجلى فيه مظاهر الود والرحمة والتآلف،والتكافل الاجتماعي، ويكون ذلك المجتمع موضع القدوة والتقدير من الغير، لذلك حرص عمر رضي الله عنه على أن يتحلى أفراد رعيته بمحاسن الأخلاق، ويبتعدوا عن مساوئها.
قال عمر رضي الله عنه وهو يذكر مقياس التفاضل بين الناس، والصفات التي يرتفع بها قدر المرء ومنزلته عند الله عز وجل: حسب المرء دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله(1)
__________
(1) رواه مالك / الموطأ 1/367، سعيد بن منصور / السنن 4/1283، ابن أبي شيبة / المصنف 5/212، البلاذري / أنساب الأشراف ص 175، ابن أبي الدنيا / العقل وفضله ص 24، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 20، الدارقطني / السنن 3/304، البيهقي / الآداب ص 142،143، وإسناده عند مالك معضل من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، وفي إسناده عند سعيد أبو إسحاق السبيعي مدلس، من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وفيه حسان بن فائد العبسي، ذكره ابن أبي حاتم، وقال عن أبيه: شيخ. الجرح والتعديل 3/233، وهي عبارة لا تفيد جرحاً ولا تعديلاً كما تقدم نقله عن الذهبي رحمه الله، وذكره ابن حبان في الثقات 4/163، وهو عنده بلفظ: كرم الرجل دينه، وحسبه خلقه، وإن كان فارسياً أو نبطياً.
وفي إسناده عند البلاذري مجالد بن سعيد ليس بالقوي، وبقية رجاله ثقات وهو عند الخرائطي وابن أبي شيبة منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه وإسناده عند الدارقطني متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق فالأثر حسن من طريقه.
قال: نا أبو بكر، نا محمّد بن إسحاق، نا موسى بن داود، نا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر، قال: سمعت الشعبي يقول: سمعت زياد بن حدير يقول: سمعت عمر بن الخطاب... الأثر.(4/1)
.
فالصفات التي ذكرها عمر رضي الله عنه صفات شاملة وجامعة لكل خير وفضيلة، فإذا تحلى المرء بالالتزام الديني، وحسن خلقه ورزق من العقل الراجح ما يعرف به الخير والشر والمعروف والمنكر، فقد اجتمع له خيرا الدنيا والآخرة.
وقد جاءت عن عمر رضي الله عنه عدة نصوص فيها إرشاد لرعيته إلى بعض الصفات الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها وهي:
1- الزهد: فقد كان عمر رضي الله عنه يحث رعيته على الزهد في الدنيا وحبها الذي هو مصدر كل شر وعلى حب الآخرة والعمل لها الذي هو مصدر كل خير وفضيلة في الدنيا والآخرة.
قال رضي الله عنه وقد رأى توسع الناس في متاع الدنيا: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل(1) ما يملأ به بطنه(2)، فذكرهم رضي الله عنه بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو خير من أقلت الغبراء وأظلت الخضراء من الأولين والآخرين من الزهد بالدنيا والإعراض عنها رجاء أن يقتدوا به في دنياهم ليلحقوا به في أخراهم.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الحث على الزهد في الدنيا، ما روي أنه قال: الزهادة في الدنيا راحة للقلب والجسد(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى رضي الله عنه: إنك لن تنال عمل الآخرة بشيء أفضل من الزهد في الدنيا(4).
__________
(1) الدّقل: رديء التمر ويابسه، وما ليس له اسم خاص. ابن منظور / لسان العرب 4/380.
(2) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 18/109، الطيالسي / المسند ص 12.
(3) رواه ابن المبارك / الزهد ص 210، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 7/368، ومداره على بقية بن الوليد مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/97، أحمد / الزهد ص 152، وكيع / الزهد 1/220، من رواية سفيان الثوري عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه معضلة، وهو ثقة من السابعة فالأثر ضعيف.(4/2)
وروي أنه رضي الله عنه قال: ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب(1).
وروي أنه قال: إياكم وكثرة الحمام، وكثرة إطلاء النورة، والتوطؤ على الفرش، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين(2).
وروي أنه رضي الله عنه مر على مزبلة، فاحتبس عندها فكأنه شق على أصحابه، وتأذوا بها، فقال لهم: هذه دنياكم التي تحرصون عليها(3).
وروي أنه رضي الله عنه رأى يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه كاشفاً عن بطنه، فرأى جلدة رقيقة فرفع الدرة عليه، وقال: أجلدة كافر(4)؟
2- التواضع:
__________
(1) نفج الأرنب: إذا ثار. ابن منظور / لسان العرب 14/224.
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/97، وفي إسناده عبد الملك بن عمير اللخمي، ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية أبي المليح عن عمر رضي الله عنه، هو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن المبارك / الزهد ص 263، وفيه رجال مبهمون، قال الراوي فيه وهو أرطأة بن المنذر، ثقة من السادسة: حدثني بعضهم، فالأثر ضعيف.
(3) رواه أحمد / الزهد ص 147، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن المبارك / الزهد ص 202،203، عبد الرزاق / المصنف 11/86، 87، وهو منقطع من رواية طاووس بن كيسان عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات، فالأثر ضعيف.(4/3)
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته وقال: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير وفي أنفس الناس كبير، وإن العبد إذا تعظم وعدا طوره، رهصه الله إلى الأرض، وقال إخسأ أخسأك الله، فهو في نفسه كبير وفي أنفس الناس صغير، حتى لهو أحقر عنده من خنزير(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: إنه ليعجبني أن يكون الرجل في أهل بيته كالصبي، فإذا ابتغى منه وجد رجلاً(2).
3- الورع:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن الدين ليس بالطنطنة من آخر الليل ولكن الدين الورع(3).
وروي أن قال: من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه(4).
4- الصبر:
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/96، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 728، مساوئ الأخلاق ص 264، البيهقي / الأدب ص 165،166، ابن أبي الدنيا / التواضع 102،104، ومداره على محمد بن عجلان وهو صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات، فالأثر ضعيف.
(2) رواه البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 6/292، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، سوى شيخ البيهقي محمد بن ابي المعروف لم أجد له ترجمة، وهو منقطع من رواية يسار المكي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(3) رواه أحمد /الزهد ص 155، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وفيه إبهام بشيخ يحيى بن سعيد الأنصاري، حيث قال: عمن حدثه عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 83، الحلم ص 78، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 8/281، ومداره على يزيد أو دريد أو دويد بن مجاشع لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ما بين ثقة، وصدوق.(4/4)
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أولا يسكت أحدكم، فإن عوفي شكر، وإن ابتلي صبر(1).
5- محاسبة النفس:
روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله: أن حاسب نفسك قبل حساب الشدة، فإنه من حاسب نفسه في الرخاء، قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضى والغبطة(2).
وروي أنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه(3).
وروي أنه قال: خذوا بحظكم من العزلة(4).
6- تقوى الله:
__________
(1) رواه سعيد بن منصور / السنن 2/317، هناد / الزهد 1/256، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/51، وهو معضل من رواية إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، ورجاله عند سعيد ثقات، فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أبي الدنيا / محاسبة النفس ص 38، البيهقي / الزهد الكبير ص 192، ومداره على جعفر بن برقان الكلابي، ثقة من السادسة، روايته عن عمر معضلة وبقية رجاله عند ابن أبي الدنيا ثقات، فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن المبارك / الزهد ص 103، أحمد / الزهد ص 149، الترمذي / السنن 4/54، ابن أبي الدنيا/ محاسبة النفس ص 29،30، وإسناده عند ابن المبارك معضل من رواية مالك بن مغول وهو ثقة من السابعة، روايته عن عمر معضلة، ومداره عند أحمد وابن أبي الدنيا على ثابت بن الحجاج الكلابي، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند أحمد ثقات، ورواه الترمذي من غير إسناد، فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي عاصم / الزهد ص 43، وكيع / الزهد 2/517، ومداره على حفص بن عاصم، ثقة من الثالثة ،روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند وكيع ثقات، فالأثر ضعيف.(4/5)
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أوصيكم بتقوى الله إذا خلوتم(1).
وروي أنه قال: الأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقوا الله عز وجل، فإنما التقوى بالتوقي، ومن يتق الله يقه(2).
7- الرجوع إلى الحق:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من ينصف الناس من نفسه يعط الظفر في أمره، والذل في الطاعة أقرب إلى البر من التعزيز في المعصية(3).
8- ذكر الآخرة، وعدم الغفلة:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أكثروا ذكر النار، فإن حرها شديد، وإن قعرها بعيد، وإن مقامعها حديد(4).
9- الاستقامة على الدين:
__________
(1) رواه البيهقي / شعب الإيمان 5/328، وفي إسناده أبو جنادة حصين بن مخارق الكوفي، قال الذهبي: قال الدارقطني: يضع الحديث، ونقل ابن الجوزي عن ابن حبان أنه قال: لا يجوز الاحتجاج به. ميزان الاعتدال 1/554، فالأثر ضعيف جداً ومعناه صحيح.
(2) رواه الطبري / التاريخ 2/572، وفي إسناده عمر بن مجاشع المدائني ذكره ابن حجر، ونقل عن ابن حبان توثيقه له، ونقل عن ابن الجنيد أنه سأل ابن معين عنه فقال: شيخ مدائني لا بأس به، تعجيل المنفعة ص 303، لسان الميزان 4/324، ولم يظهر لي هل سمع من عمر رضي الله عنه أم لا، وبقية رجاله ثقات.
(3) رواه الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 363، وفي إسناده محمد بن كثير العجلي لم أجد له ترجمة، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث ضعيف. تق 336، وفيه عبيد الله القرشي لم أجد له ترجمة، وذكر في شيوخ عبد الرحمن بن إسحاق، وما ذكره محقق كتاب الخرائطي بأنه عبد الله القرشي الرقي، ثقة من العاشرة، فهو خطأ لأن تلميذ عبيد الله هو عبد الرحمن بن إسحاق من الطبقة السابعة، فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/53، الترمذي / السنن 4/104، وإسناده منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات، فالأثر ضعيف.(4/6)
روي أن عمر رضي الله عنه قرأ قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلئِكَةُ}(1)، فقال: استقاموا والله بطاعة الله، ثم لم يروغوا روغان الثعالب(2).
10- البدء بإصلاح النفس قبل إصلاح الغير:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: كفى بالمرء عيباً أن يستبين له من الناس ما يخفى عليه من نفسه، ويمقت الناس فيما يأتي(3).
11- المسارعة في فعل الطاعات:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: التؤدة في كل خير إلا ما كان من أمر الآخرة(4).
12- الإنفاق في سبيل الله، وإفشاء السلام، والحلم:
روي عن عمر رضي الله عنه قوله: إن أجود الناس من جاد على من لا يرجو ثوابه، وإن أحلم الناس من عفا بعد القدرة، وإن أبخل الناس الذي يبخل بالسلام، وإن أعجز الناس الذي يعجز في دعاء الله(5).
__________
(1) سورة فصلت الآية (30).
(2) رواه ابن المبارك / الزهد ص 110، أحمد / الزهد ص 144، ومداره على الزهري ثقة من الرابعة روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن المبارك / الزهد ص 233،234، وهو معضل من رواية إسحاق بن راشد الجزري، ثقة من السابعة، روايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/234، أحمد / الزهد ص 148، ابن أبي الدنيا / ذم الدنيا ص 27، وفي إسناد ابن أبي شيبة وأحمد، الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع، وفيه مالك بن الحارث السلمي، ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة، وفي إسناده عند ابن أبي الدنيا إسماعيل بن مسلم المكي، ضعيف الحديث، تق 110، وهو معضل من رواية إبراهيم النخعي، ثقة من الخامسة، روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.
(5) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/232، ورجاله ثقات لكنه منقطع من رواية أبي زرعة بن عمرو بن حريز، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.(4/7)
وروي عنه رضي الله عنه في الإنفاق: رحم الله من قدم فضل المال وأمسك عن فضل الكلام(1).
13- التحذير من فتنة المال، والحث على القناعة:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: للخرق(2) في المعيشة أخوف عليكم من العوز(3). إنه لا يقل قليل مع الإصلاح، ولا يبقى كثير مع الإفساد(4).
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: الكفاف(5) مع القصد(6) أكفى من السعة مع الإسراف(7).
__________
(1) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 262، وفي إسناده النضر بن إسحاق ذكره ابن حبان في الثقات 7/535، وفيه أبو المليح يروي عن عمر رضي الله عنه، لم أعرفه.
(2) الخُرْق: الجهل والحمق، وخَرِق بالشيء يخرق: جهله ولم يحسن عمله. ابن منظور / لسان العرب 4/73،74.
(3) العَوَز: العدم وسوء الحال، وعوز الرجل وأعوز أي افتقر. المصدر السابق 9/472.
(4) رواه هناد/ الزهد2/654، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 175، وكيع/ الزهد3/784، ومداره على سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة من الخامسة.تق 230، روايته عن عمر معضلة، وبقية رجاله عند وكيع ثقات، فالأثر ضعيف.
(5) الكفاف من الرزق: القوت، وهو ما كف عن الناس أي أغنى. الرازي / مختار الصحاح ص 239.
(6) القصد في الشيء خلاف الإفراط، وهو ما بين الإسراف والتقتير. المصدر السابق 11/179، 180.
(7) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 176، ورجال إسناده ثقات، ولكنه معضل من رواية أبي زبيد عبثر بن القاسم الزبيدي، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وذكر من شيوخه الأعمش فهو إما من الطبقة السادسة، أو الخامسة، الجرح والتعديل 7/43، فالأثر ضعيف.(4/8)
وروي عنه أنه قال: من استغنى بالله اكتفى، ومن انقطع إلى غير الله يعمى، ومن كان من قليل الدنيا لا يشبع لم ينفعه كثير ما يجمع، فاكتف منها بالكفاف، والزم نفسك بالعفاف، ودع الغلول فإن حسابها غداً يطول(1).
14- العفو والصفح عن الناس:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يريد، ولولا القيامة لكان غير ما ترون(2).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطئ لها حتى تتخطاك(3).
وكان عمر رضي الله عنه يحذر رعيته من مساوئ الأخلاق كما كان يحضهم على محاسنها.
قال رضي الله عنه وهو يبين خطر سوء الخلق على المرء: إن المرء تكون فيه عشرة أخلاق تسعة صالحة، وخلق سيء فيفسد السيء التسعة(4).
وقد حذر عمر رضي الله عنه الناس ونهاهم عن التخلق ببعض الأخلاق السيئة التي هي من الأمراض التي يكثر انتشارها في المجتمعات والتي لها مخاطر عظيمة على الفرد والمجتمع ومنها:
1- الكذب:
قال عمر رضي الله عنه: ليس فيما دون الصدق من الحديث خير، من يكذب يفجر، ومن يفجر يهلك(5)
__________
(1) رواه البيهقي / الزهد الكبير ص 88، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن النصر آباذي لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية عروة بن الزبير بن العوام عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أدهم / المسند ص 46، أبو نعيم / حلية الأولياء 8/57،58، ومداره على أبي عبد الله الخراساني يروي عن عمر رضي الله عنه لم أجد له ترجمة، وسماعه من عمر بعيد، فهو شيخ ابن أدهم، وابن أدهم من الطبقة الثامنة، فالإسناد معضل فيكون الأثر ضعيفاً.
(3) رواه ابن عبد ربه / العقد الفريد 2/140، من غير إسناد.
(4) صحيح تقدم تخريجه في ص (898). وهو بقية أثر قبيصة بن جابر: كنت محرماً فرأيت... الأثر.
(5) رواه ابن أبي الدنيا / الصمت ص 247، حسن.
قال: حدّثني محمّد بن إدريس، حدّثني عبد العزيز بن عبد الله العامري، حدّثنا إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان عمر... الأثر.(4/9)
.
وقال رضي الله عنه: أما في المعاريض(1) ما يغني الرجل من الكذب(2).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا تبلغ حقيقة الإيمان حتى تدع الكذب(3).
وروي أنه قال: لا تجد المؤمن كذاباً(4).
2- الغيبة:
__________
(1) المعاريض من الكلام، ما عرض به، ولم يصرح به، وأعراض الكلام ومعاريضه: كلام يشبه بعضه بعضاً في المعاني، كالرجل تسأله: هل رأيت فلاناً؟ فيكره أن يكذب، وقدر رآه فيقول: إن فلاناً ليُرى. ابن منظور / لسان العرب 9/149.
(2) رواه البخاري / الأدب المفرد ص 305، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 4/203، وإسناده عند البخاري متصل ورجاله ثقات، وفيه شك من سليمان ابن طرخان حيث قال: وفيما أرى قال عمر.
قال البخاري رحمه الله تعالى: حدّثنا الحسن بن عمر، قال: حدّثنا معمر، قال أبي: حدّثنا أبو عثمان عن عمر: (فيما أرى شك أبي) أنه قال: حسب امرئ.
ورجال إسناده عند البيهقي ما بين ثقة وصدوق، وهو أيضاً من طريق سليمان ابن طرخان من غير عبارة: فيما أرى.
قال البيهقي: أخبرنا ابن بشران، أنا إسماعيل الصغار، نا محمّد بن عبد الملك، نا يزيد بن هارون، أنا سليمان عن أبي عثمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:... الأثر. فالأثر صحيح إن شاء الله.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/236، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية ميمون بن أبي شبيب عن عمر رضي الله عنه، وهو صدوق من الثالثة، فالأثر ضعيف ويشهد له الذي قبله.
(4) رواه البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول4/230، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية حسان بن عطية المحاربي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة، فالأثر ضعيف.(4/10)
قال رضي الله عنه وهو يحث رعيته على القيام بالأخذ على يد المغتابين وتحذيرهم من فعلهم: ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس لا تغيروا عليه؟ قالوا: نتقي لسانه، قال: ذلك أدنى أن تكونوا شهداء(1).
3- الطمع والغضب:
وروي عن عمر رضي الله عنه ما يدل بمجموعه على تحذير عمر رضي الله عنه من هاتين الخصلتين الذميمتين.
روي عنه رضي الله عنه أنه قال: قد أفلح منكم من حفظ من الهوى والطمع والغضب(2).
وروي أن عمر قال: لا يغرنك خلق امرئ حتى يغضب، ولا دينه حتى يطمع(3).
4- كثرة التمادح:
ومما حذر منه عمر رضي الله عنه رعيته من الخصال الذميمة مدح المرء لأخيه بحضرته لما في ذلك من إدخال الغرور والعجب إلى نفسه، وقد يفضي ذلك إلى الرياء في العمل لكسب ثناء الناس ومدحهم، فيبطل عمل المرء ويفسد ويذهب ثوابه.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة/المصنف5/230، ابن أبي الدنيا/ الصمت ص: 137، الغيبة ص: 90، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن زيد بن صوحان، قال: قال عمر:... الأثر.
(2) رواه ابن أبي الدنيا / الصمت ص249، البيهقي / السنن الكبرى 3/215، ورجال إسناده عند ابن أبي الدنيا ما بين ثقة وصدوق، ولكنه معضل من رواية أبي بكر بن عياش عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السابعة، وسنده عند البيهقي متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق سوى أبي الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي، قال الخطيب البغدادي: ذكر أنه كان فيه لين، تاريخ بغداد 1/282، لسان الميزان 5/49.
(3) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 204، ورجال إسناده ثقات، وفيه بقية ابن الوليد، صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، فالأثر ضعيف.(4/11)
قال رضي الله عنه: المدح الذبح(1).
وقال رضي الله عنه لرجل أثنى على رجل بحضرته وفي وجهه: عقرت الرجل عقرك الله(2).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في حطه من نفوس أصحابه إذا رأى منهم إعجاباً بأنفسهم:
أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه دخل على عمر رضي الله عنه، وعليه حلة خضراء، فنظر إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك عمر رضي الله عنه، وثب إليه ومعه الدرة، فجعل ضرباً لمعاوية، ومعاوية يقول: الله، الله يا أمير المؤمنين، فيم فيم؟! فلم يكلمه حتى رجع، فجلس في مجلسه، فقال له القوم: لم ضربت الفتى يا أمير المؤمنين؟ ما في القوم مثله، فقال: والله ما رأيت إلا خيراً، وما بلغني إلا خيراً، ولكني رأيته - وأشار بيده - فأحببت أن أضع منه(3).
وروي أن ابناً لعمر رضي الله عنه دخل على عمر، وقد ترجل ولبس ثياباً حساناً فضربه عمر بالدرة، حتى أبكاه، فقالت له حفصة: لم يكن فاحشاً، لم ضربته؟ فقال: رأيته قد أعجبته نفسه، فأحببت أن أصغرها إليه(4).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/297، البخاري / الأدب المفرد ص123، ابن أبي الدنيا / الصمت ص 347، صحيح من طريق البخاري. قال: حدّثنا عبد السلام، قال: حدّثنا حفص عن عبيد الله عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت عمر يقول.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/297، البخاري / الأدب المفرد ص 123، ومداره على عمران بن سليم، صدوق ربما وهم، وبقية رجاله عند أبي شيبة، ثقات وسنده متصل، فالأثر حسن وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 136.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات / الرابعة 1/113، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية سعيد بن عمرو بن العاص، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 10/416، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية عكرمة بن خالد بن العاص، ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة.(4/12)
وروي أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كان إذا قدمت عليه العير من الشام تحمل الزيت تلقاها فادهن، فقدمت عير، فادهن منها، فلقيه عمر رضي الله عنه، فأخذ بقفاه فقال: ادهنت بعد جفوف، ثم نظرت في حلتك فأعجبتك نفسك، لا تفارقني حتى أجز من شعرك(1).
5- تحذيره رضي الله عنه من هفوات الشباب:
وحذر عمر رضي الله عنه الشباب الذين هم عماد الأمة بعد الله عز وجل من الغفلة والطيش والانحراف عن الصراط المستقيم الذي يقترن بمرحلة الشباب غالباً، قال رضي الله عنه وهو ينصح رجلاً: إياك وعثرة الشباب(2).
المطلب الثاني: إزالة أسباب الفتنة، وانتشار الرذيلة:
وإن من اهتمام عمر رضي الله عنه بالنواحي الأخلاقية في المجتمع، محاربته الرذيلة، وذلك بالقضاء على أسباب انتشارها، وذلك بما يلي:
1- منع الاختلاط بين الرجال والنساء:
فالاختلاط من أكبر انتشار الرذيلة والفاحشة في المجتمع، سواءً بالاختلاط بهن في الأماكن العامة أو بالخلوة بهن.
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على قيامه رضي الله عنه بمحاربة الاختلاط بين الرجال والنساء.
__________
(1) رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 6/109، وفي إسناده يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي، ضعيف. تق 593، وهو منقطع من رواية عثمان بن أبي سودة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(2) صحيح، تقدم تخريجه في ص (898). وهو جزء من أثر قبيصة بن جابر: كنت محرماً... الأثر.(4/13)
روي عنه رضي الله عنه أنه أتى حياضاً عليها الرجال والنساء، يتوضؤون، فضربهم بالدرة، ثم قال لصاحب الحوض: اجعل للرجال حياضاً والنساء حياضاً(1).
وروي أنه رضي الله عنه: نهى أن يطوف الرجال مع النساء، فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرة(2).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على تحذيره رضي الله عنه من الدخول على المغيبات الذين غاب أزواجهن في الجهاد لما في ذلك الاختلاء من مظنة وقوع الفاحشة أو داوعيها.
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا يدخل على امرأة مغيبة إلا ذو محرم، ألا وإن قيل: حموها، ألا وإن حموها الموت(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: لا يدخل رجل على مغيبة، فقام رجل فقال: إن خالاً لي، او ابن عم لي خرج غازياً، وأوصاني بأهله، فأدخل عليهم، فضربه بالدرة، ثم قال: ادن كذا، ادن كذا، وقم على الباب، لا تدخل، فقل: ألكم حاجة؟ أتريدون شيئاً(4)؟
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/75. ابن سعد / الطبقات 6/155، وإسناده عند عبد الرزاق رجاله ما بين ثقة وصدوق، وأبو سلامة الخبيبي الراوي عن عمر رضي الله عنه، ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 2/26،4/243، وكذا ابن حجر في الإصابة 1/420،4/93. وقال في التقريب: صحابي له حديث واحد. ص: 192. ورواه ابن سعد من غير إسناد.
(2) رواه الفاكهي / أخبار مكة 1/252، 253، وفي إسناده مغيرة بن مقسم الضبي، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو معضل من رواية إبراهيم ابن يزيد النخعي، ثقة من الخامسة، روايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/137، ورجال إسناده ثقات، وسماع حميد بن عبد الرحمن بن عوف من عمر مختلف فيه، قال ابن حجر: ثقة، قيل إن روايته عن عمر مرسلة. تق 182.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/137، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية أبي عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.(4/14)
وروي أنه رضي الله عنه قال: ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسراً وسادة عند امرأة مغزية، يتحدث إليها، وتتحدث إليه، عليكم بالجنبة، فإنها عفاف، إنما النساء لحم على وضم(1)، إلا ما ذب عنه(2).
2- منع النساء من التبرج وإبداء الزينة:
فقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على حرصه رضي الله عنه على منع النساء من إبداء زينتهن لغير محارمهن، حتى لا تقع الفتنة بهن.
روي أن جارية جميلة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقال لها زيرا، خرجت وعليها قميص فكشفتها الريح، فشد عليها عمر بالدرة، وجاء سعد ليمنعه فتناوله عمر بالدرة، فذهب سعد يدعو على عمر رضي الله عنه، فناوله عمر الدرة، وقال: اقتص، فعفا عنه(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه طاف في صفوف النساء، فوجد ريحاً طيبة من رأس امرأة فقال: لو أعلم أيتكن هي لفعلت، وفعلت، لتتطيب إحداكن لزوجها، فإذا خرجت لبست أطمار(4) وليدتها(5).
__________
(1) لحم على وضم، الوضم: الخشبة، أو البارية التي يوضع عليها اللحم، يقول: فهن في الضعف مثل ذلك اللحم الذي لا يمتنع من أحد إلا أن يذب عنه، أبو عبيد / غريب الحديث 2/85.
(2) رواه أبو عبيد / غريب الحديث 2/84، وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة، صدوق له أوهام، وبقية رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر مرسلة، فالأثر ضعيف.
(3) رواه أبو نعيم / الإمامة ص 317، وسنده صحيح إلى سعيد بن المسيب وقد اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه.
(4) أطمار: الطِّمرة: الثوب الخَلِق. ابن منظور / لسان العرب 8/200.
(5) الوليدة: الجارية أو الأمة. المصدر السابق 15/393.
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/373،374، ابن أبي شيبة / المصنف 5/304، ورجال إسناديهما ثقات ولكنه معضل من رواية إبراهيم النخعي عن عمر وهو ثقة من الخامسة، فالأثر ضعيف.(4/15)
وروي أن امرأة خرجت متطيبة على عهد عمر رضي الله عنه، فوجد ريحها فعلاها بالدرة، ثم قال: تخرجن متطيبات فيجد الرجال ريحكن، وإنما قلوب الرجال عند أنوفهم، أخرجن تفلات(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: يا معشر النساء إذا اختضبتن فإياكن النقش، ولتخضب إحداكن يديها إلى هذا، وأشار إلى موضع السوار(2).
ومن ذلك ما روي من نهيه رضي الله عنه من دخول النساء الحمامات(3) لما يحصل فيها من الاختلاط وتكشف العورات.
روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: بلغني أن نساء المؤمنين والمهاجرين يدخلن الحمامات، ومعهن نساء من أهل الكتاب، فازجر عن ذلك وحل دونه(4).
__________
(1) تفلات: تاركات للطيب. ابن منظور / لسان العرب 2/38،39.
رواه عبد الرزاق / المصنف 4/370، 371، وفي إسناده أبو الزبير المكي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه انقطاع فهو من رواية يحيى بن جعدة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 4/318، ابن أبي شيبة / المصنف 5/204، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات، وفيه إبهام بالمرأة الراوية عن عمر. قال: عن معمر عن بديل العقيلي عن أبي العلاء بن عبد الله بن شخير، قال: حدّثتني امرأة أنها سمعت عمر... الأثر.
وفي إسناده عند ابن أبي شيبة أم شبيب لم أجد لها ترجمة، وأم عمر لم أعرفها، وبقية رجاله ثقات.
قال ابن أبي شيبة: حدّثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن أم شبيب عن أم عمر أن امرأة الزبير قالت: سمعت عمر يقول: يا معشر... الأثر.
(3) الحمامات: مكان الاغتسال بالماء الحار، قد يكون الحمام عاماً يدخله من شاء من الناس، وقد يكون خاصاً في البيت لا يدخله إلا أهل البيت، وعند الإطلاق يراد به الحمام العام. معجم لغة الفقهاء ص 186.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/295، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية عبادة بن نسي، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.(4/16)
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد: أن لا يدخل رجل الحمام إلا بمئزر، ولا امرأة إلا من سقم(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: وإياكم أن تدعوا نساءكم يدخلن الحمامات، فإن ذلك لا يحل(2).
3- نفي وإبعاد من يخش من الفتنة:
فقد أخرج عمر رضي الله عنه من المدينة من يخشى منه إثارة الفتنة بين الرجال والنساء ونشر الرذيلة والفاحشة، قطعاً لشره وحماية للأمة منه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتخنثين(3) من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً، وأخرج عمر فلاناً(4).
ومن الآثار الدالة بمجموعها على إخراج عمر رضي الله عنه من يخشى منه الفتنة على النساء:
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/295، ابن أبي شيبة / المصنف 1/104، وفي إسناده عند عبد الرزاق سليمان بن موسى القرشي، صدوق، في حفظه لين، وخولط قبل موته. تق 355، وفيه انقطاع بين سليمان بن موسى وبين زياد ابن جارية الراوي عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة أسامة بن زيد بن أسلم، ضعيف من قبل حفظه. تق 98، والإسناد معضل من رواية مكحول الشامي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أبي عمر / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 490/أ، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه. تق 319، وفيه أبو النميري يروي عن الباهلي، لم أجد لهما ترجمة. فالأثر ضعيف.
(3) خنث الرجل خنثاً، فهو خَنِثٌ وتخنث وانخنث، تثنى وتكسر. ابن منظور / لسان العرب 4/226.
(4) رواه البخاري/ الصحيح4/38، أحمد/ المسند1/225، الدارمي/ السنن 2/280، 281.(4/17)
ما روي من أن عمر رضي الله عنه خرج يعس ذات ليلة، فإذا هو بنسوة يتحدثن فإذا هن يقلن: أي أهل المدينة أصبح؟ فقال امرأة منهن: أبو ذؤيب، فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من بني سليم، فلما نظر إليه عمر إذا هو من أجمل الناس، فقال له عمر: أنت والله ذئبهن مرتين أو ثلاثاً، والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها، قال: فإن كنت لا بد مسيرني فسيرني حيث سيرت ابن عمي - يعني نصر بن حجاج، فأمر له بما يصلحه وسيره إلى البصرة(1).
وروي أن رجلاً يقال له معقل(2)، وكان رجلاً جميلاً، ويخشى منه على النساء الفتنة، فسمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول:
أعوذ بالله من شر معقل إذا معقل راح البقيع مرجلاً فأرسل عمر رضي الله عنه إلى معقل أن الحق ببادية قومك، ولا ترح إلى المدينة ما دام هذا غازياً حتى يرجع(3).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات3/285، والبلاذري/ أنساب الأشراف ص:211، وابن ديزيل/ جزء ص: 46-48.
ورجال إسناده عندهم ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية عبد الله ابن بريدة الأسلمي عن عمر رضي الله عنه ، وهو ثقة من الثالثة. روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة. فالأثر ضعيف.
(2) هو: معقل بن سنان بن مظهر الأشجعي الغطفاني، ذكر ابن الكلبي وأبو عبيد أنه وفد على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأقطعه قطيعة، وذكر الواقدي من طريق زياد بن عثمان قال: كان معقل حامل لواء قومه يوم الفتح. وفي مغازي الواقدي أنه كان معه راية أشجع يوم حنين. وقال العسكري: نزل الكوفة وكان موصوفاً بالجمال. وقدم المدينة في خلافة عمر. قال البغوي عن هارون الحمال: قتل معقل أبو سنان معقل بن سنان الأشجعي في ذي الحجة سنة: 63. انظر: ابن حجر/ الإصابة3/425-426.
(3) رواه ابن شبة/ تاريخ المدينة2/329، 331، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية سعيد بن جبير عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف، ويتقوى بما قبله.(4/18)
ومن ذلك ما روي أن عمر رضي الله عنه بينما كان يعسّ ذات ليلة إذا امرأة تقول:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج.
فلما أصبح سأل عنه فإذا هو من أحسن الناس شعراً، وأصبحهم وجهاً، فأمره عمر أن يطم(1) شعره، ففعل فخرجت جبهته فازداد حسناً، فأمر عمر أن يعتم، ففعل، فازداد حسناً. فقال: "لا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها، فأمر له بما يصلحه، وأمر به إلى البصرة"(2)
__________
(1) طّمّ شعره: أي: جزّه وستأصله. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث3/139.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات3/285، وابن شبة/ تاريخ المدينة2/332، وابن ديزيل/ جزء ص: 46-48، وأبو نعيم/ حلية الأولياء4/322-323.
قال ابن سعد: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، أخبرنا داود بن أبي الفرات، أخبرنا عبد الله بن بريدة الأسلمي، وذكر الأثر.
وهذا السند، رجاله ثقات سوى عمرو بن عاصم، فقد قال عنه ابن حجر: صدوق في حفظه شيء تق: 423. وهو منقطع؛ لأن عبد الله بن بريدة ثقة من الثالثة ورايته عن عمر مرسلة كما في جامع التحصيل ص: 207.
وحسن ابن حجر هذا الإسناد إلى عبد الله بن بريدة. الأصابة3/579.
وفي إسناده عند ابن شبة الوضاح بن خيثمة، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه. ميزان الاعتدال 4/334. وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه. وهو ثقة من الرابعة.
ورواه ابن ديزيل من ثلاث طرق؛ قال في الأولى: وبه حدّثني أبو بردة ولم يتّضح لي المراد بقوله: "به"، فإن كان المراد به الإسناد السابق - وهو قوله: "حدّثنا موسى بن إسماعيل المقري، حدّثنا داود بن أبي الفرات، حدّثنا عبد الله ابن بريدة"، فإني لم أعرف أبا بردة فلم أجده في شيوخ أو تلاميذ من ذكروا في الإسناد السابق، ولا في شيوخ إبراهيم بن ديزيل.
وأمّا الطريق الثانية؛ فقال فيها: حدّثنا إبراهيم، حدّثنا سعيد بن عفير، حدّثنا علوان بن داود البجلي، أن عمر وذكر القصّة.
وفي هذا الإسناد علوان بن داود البجلي، قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال أبو سعيد بن يونس: منكر الحديث. الميزان 3/108-109. والرواية أيضاً معضلة؛ فإن علوان هذا مات سنة: 180، كما في الميزان.
وأمّا الطريق الثالثة، فقال فيها: حدّثنا أحمد بن العباس الحريزي شيخ كان ببغداد يكتب الحديث، حدّثنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن سليمان، حدّثنا وهب بن بقية، حدّثنا خالد عن عوف، قال: بلغني وذكر القصّة.
وهذا السند رجاله ثقات، وأبو بكر محمّد بن محمّد هو الباغندي تُكلم فيه لكثرة تدليسه. انظر: الميزان4/26، وسير أعلام النبلاء14/383. وخالد هو: ابن عبد الله الواسطي. وعوف هو: ابن أبي جميلة، وهو ثقة من السادسة. روايته عن عمر معضلة.
وفي إسناده عند أبي نعيم الهيثم بن عدي الطائي، قال البخاري: ليس بثقة كان يكذب. وقال النسائي وغيره: متروك الحديث. ميزان الاعتدال 4/324. وهو أيضاً من راية عامر الشعبي، وروايته عن عمر منقطعة.(4/19)
.
المطلب الثّالث: معاملة الفساق والعصاة.
تعتبر فئة الفساق والعصاة من الفئات المنحرفة أخلاقاً، وقد عامل عمر رضي الله عنه هذه الفئة معاملة حكيمة عالجت انحرافها ووقت المجتمع مخاطرها، وتمثل ذلك بالآتي:
1- الرأفة بأهل المعاصي:
لقد كان من المبادئ التي عامل عمر رضي الله عنه بها الفساق والعصاة الرفق بهم، وتقديم النصح والتوجيه لهم أملاً في رجوعهم إلى الحق ودعوتهم إلى الرشد والصواب من ذلك تلطفه مع بعض من ارتد عن الإسلام أملاً في رجوعه إلى الحقّ بالرغم من عظم إثمه وجرمه.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: بعثني أبو موسى بفتح تستر(1) إلى عمر رضي الله عنه فسألني عمر فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل(2)؟ وكان ستة نفر من بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، فأخذت في حديث آخر لأشغله، فقال: ما فعل النفر من بكر ابن وائل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، قوم ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، ما سبيلهم إلا القتل، فقال عمر: لأن أكون أخذتهم سلماً أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، وما كنت صانعاً بهم لو أخذتهم، قال: كنت عارضاً عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلت منهم، وإلا استودعتهم السجن(3).
__________
(1) تُستر: هي شوشتر ، مدينة إيرانية في خوزستان شمالي الأهواز. المنجد / الأعلام ص: 338.
(2) بكر بن وائل: قبيلة عظيمة من العدنانية، كانت ديارهم من اليمامة إلى البحرين إلى سيف كاظمة إلى البحرين، فأطراف سواد العراق، فالأبلة، فهيت. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/93،94.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 10/164،165، ابن أبي شيبة / المصنف 6/438، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن الثوري عن داود عن الشعبي عن أنس رضي الله عنه قال: بعثني... الأثر.(4/20)
ولعلّ عمر رضي الله عنه فعل بهم ذلك، لأنه علم أنهم قد غرر بهم وأنهم ارتدوا بسبب جهلهم وقلة علمهم، وأن استوداعهم السجن مع وعظهم وإرشادهم سبب في عودتهم ورجوعهم إلى الحقّ.
لأن عمر رضي الله عنه كان له موقف آخر من مرتدّين آخرين وهو قتلهم مباشرة إن لم يتوبوا.
فقد كتب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إليه في قوم من أهل العراق ارتدوا، فكتب إليه: أن اعرض عليهم دين الحق، وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوها، فخل عنهم، وإن لم يقبلوها، فاقتلهم، فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله(1).
وجاء عن عمر رضي الله عنه أيضاً التلطف مع شارب الخمر أملاً في عودته للحقّ وحرصاً على عدم نفوره من الحقّ ولحاقه بأهل الفسق والكفر.
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 10/168، صحيح. قال: عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه، قال: أخذ ابن مسعود قوماً ارتدّوا... الأثر.(4/21)
فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنت مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في حج أو عمرة، فإذا نحن براكب، فقال عمر رضي الله عنه: أرى هذا يطلبنا، فجاء الرجل، فبكى فقال عمر: ما شأنك؟ إن كنت غارماً أعناك، وإن كنت خائفاً أمناك، إلا أن تكون قتلت نفساً، فتقتل بها، وإن كنت كرهت جوار قوم حولناك عنهم، قال: إني شربت الخمر، وأنا أحد بني تميم، وإن أبا موسى جلدني، وحلقني، وسود وجهي، وطاف بي في الناس، وقال: لا تجالسوه، ولا تؤاكلوه، فحدثت نفسي بإحدى ثلاث، إما أن أتخذ سيفاً فأضرب به أبا موسى، وإما أن آتيك فتحولني إلى الشام، فإنهم لا يعرفوني، وإما أن ألحق بالعدو، وآكل معهم وأشرب، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: ما يسرني أنك فعلت وإن لعمر كذا وكذا، وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية، وإنها ليست كالزنى، وكتب إلى أبي موسى: سلام عليك أما بعد، فإن فلان بن فلان التميمي أخبرني بكذا وكذا، وايم الله لئن عدت لأسودن وجهك، ولأطوفن بك في الناس، فإن أردت أن تعلم صدق ما أقول لك فعد، وأمر الناس أن يجالسوه ويؤاكلوه وإن تاب قبلت شهادته، وحمله وأعطاه مائتي درهم(1).
__________
(1) تقدم الكلام عليه في ص: 107.(4/22)
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: إذا رأيتم أخاكم زل زلة فقوموه وسددوه وادعوا الله أن يتوب عليه ويراجع به إلى التوبة، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه(1).
2- الستر على أهل المعاصي وعدم التشهير بهم:
ومن الأساليب التي كان عمر رضي الله عنه يعامل بها العصاة والفساق، عدم التشهير بهم، وإبداء عوراتهم وفضح أسرارهم، وخاصة من تاب منهم، ورجع عن ذنبه، حرصاً منه رضي الله عنه على عدم شعورهم بالنقص، ونبذ المجتمع لهم، فيؤثرون المعصية على التوبة والطاعة.
__________
(1) رواه أبو نعيم/ حلية الأولياء4/97، 98، والبيهقي/شعب الإيمان/ زغلول 5/290، وفي إسناده عند أبي نعيم محمّد بن سهل وعبد الله بن عمر لم أعرفهما، وفيه عند البيهقي علي بن ثابت الجزري صدوق ربما أخطأ. وفيه عندهما جعفر بن برقان صدوق يهم. تق 140، وبقية رجاله عند البيهقي ما بين ثقة وصدوق، وهو عندهما من طريق يزيد الأصم يروي عن عمر رضي الله عنه هنا، قال ابن حجر رحمه الله: يقال له رؤية، ولا يثبت، وهو ثقة من الثالثة ،تق 599، ولم تذكر له رواية عن عمر رضي الله عنه، وذكر الواقدي أنه توفي سنة 103، وله 73 عاماً، فتكون روايته عن عمر منقطعة. وهذا اللفظ للبيهقي.
وفيه عند أبي نعيم زيادة فيها كتاب عمر لشارب خمر يذكره بأن الله غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول، فتاب وحسن توبته، فقال عمر: إذا رأيتم... الأثر.(4/23)
كان شرحبيل بن السمط(1) رضي الله عنه على جيش قرب المدائن(2)، فقال لجنده: إنكم نزلتم أرضاً الشراب فيها فاش، والنساء فيها كثيرة، فمن أصاب منكم حداً فليأتنا، فنقيم عليه الحد، طهوره، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إليه: لا أم لك، أنت الذي تأمر الناس أن يهتكوا ستر الله الذي سترهم(3).
وتزوج رجل امرأة في عهد عمر رضي الله عنه ولها ابنة من زوج قبله، وكان له ابن من زوجة سابقة، ففجر ابنه ببنت زوجته الثانية فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فحد الابن، وأخر المرأة حتى وضعت ثم حدها، ثم حرص أن يتزوج كل منهما الآخر، ولكن الابن أبى(4).
وجاء رجل إلى عمر فذكر له أن ابنة له قد خُطبت، وكانت قد أحدثت، فقال عمر: ما رأيت منها؟ قال: ما رأيت إلا خيراً، فقال رضي الله عنه: زوّجها ولا تخبر(5).
3- معاقبة الفساق وإهدار حرمتهم:
ومما عامل به عمر رضي الله عنه العصاة والفساق إيقاع العقوبة عليهم، وإهدار حرمتهم، وذلك إذا تعدى فسقهم لغيرهم، وانتشر شرهم وبغيهم، وذلك حفاظاً على مصالح المسلمين، ولكي يكونوا عبرة لغيرهم.
__________
(1) شرحبيل بن السِّمط الكندي الشامي، جزم ابن سعد بأن له وفادة، ثم شهد القادسية، وفتح حمص، وعمل عليها لمعاوية. تق 265.
(2) تقدم التعريف بها في ص (443).
(3) رواه هناد / الزهد 2/646، وكيع / الزهد 3/774، صحيح من طريق هناد.
قال: حدّثنا أبي عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه قال: كان شرحبيل ابن السمط... الأثر.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/203،204، البيهقي / السنن الكبرى 7/155، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع سباع بن ثابت الزهري يقول: إن وهب بن رباح تزوج... الأثر.
(5) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/246، صحيح. قال: عن الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن رجلاً.(4/24)
روى عبيد بن عمير(1) أن رجلاً ضاف ناساً من هذيل(2)، فذهبت جارية لهم تحتطب، فأرادها عن نفسها، فرمته بفهر فقتلته، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال: ذاك قتيل الله، والله لا يودى أبداً(3).
وأحرق عمر رضي الله عنه بيت رويشد الثقفي، وكان حانوتاً للشراب، وكان عمر رضي الله عنه قد نهاه. قال راوي الخبر: فلقد رأيته يلتهب كأنه جمرة(4).
وروي أن رجلاً من الأنصار اسمه أشعث غزا في جيش من جيوش المسلمين، وكان له أخ فقالت له امرأته: هل لك في امرأة أخيك معها رجل يحدثها، فصعد فأشرف عليه، وهو معها على فراشها وهو يقول:
وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه يوم التمام
أبيت على حشاياها ويمسي على دهماء(5) لاحقة الحزام
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (289).
(2) هُذَيْل بن مدركة بن إلياس بن مضر، بطن من العدنانية، كانت ديارهم بالسروات، وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطائف، وكان لهم أماكن وجبال في أسفلها من جهات نجد، وتهامة بين مكة والمدينة، ثم تفرقوا بعد الإسلام. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/1213.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 9/435، البيهقي / السنن الكبرى 8/337، 338، صحيح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد، أنبأ أبو جعفر الرزاز وإسماعيل بن محمّد الصغار، قالا: ثنا سعدان بن نصر، ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن القاسم بن محمّد بن عبيد بن عمير أن رجلاً... الأثر..
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 9/229. ابن سعد / الطبقات 5/56، صحيح عندهما واللفظ لابن سعد. قال ابن سعد: أخبرنا يزيد بن هارون ومعن بن عيسى ومحمّد بن إسماعيل بن أبي فديك، قالوا: أخبرنا ابن أبي ذئب عن سعد ابن إبراهيم عن أبيه أن عمر... الأثر.
(5) الدهماء: الفَرس. ابن منظور / لسان العرب 4/430.(4/25)
كأن مواضع الربلات(1) منها تمام قد جمعن إلى تمامي
فوثب إليه، فضربه بالسيف حتى قتله، ثم ألقاه فأصبح قتيلاً بالمدينة، فقال عمر: أنشد الله رجلاً كان عنده من هذا علم إلا قام به، فقام الرجل: فأخبره بالقصة، فقال: سحق، وبعد(2).
المطلب الرابع: إقامة الحدود
إن إقامة الحدود، والأخذ على يد الفساق والبغاة من أهم عوامل الانضباط الخلقي لدى المجتمعات، وإن مجتمعاً تطبق فيه أحكام الدين بإقامة الحدود، يقل فيه الفساد والانحلال الخلقي، وارتكاب الجريمة، ويسود فيه الأمن والأمان، ويأمن فيه الخلق على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ولقد عمل عمر رضي الله عنه على إقامة الحدود بكل دقة وحزم في أنحاء الدولة الإسلامية التي اتسعت وترامت أطرافها، وكثر رعاياها من مسلمين وكتابيين وغيرهم على القريب والبعيد والشريف والوضيع.
وسأتكلم عن هذا المطلب في مسألتين:
المسألة الأولى: إقامة عمر رضي الله عنه الحدود على من استوجبها من العصاة(3).
فقد أقام عمر رضي الله عنه الحدود المختلفة على من استوجبها من أهل الكبائر ومنها:
1- حد شرب الخمر:
__________
(1) الربلات: كل لحمة غليظة، وقيل هي ما حول الضرع، والحياء من باطن الفخذ، وقيل أصول الأفخاذ. المصدر السابق 5/125.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/449، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة فالأثر ضعيف.
(3) ملاحظة: ليس المراد من هذا المطلب حصر الروايات التي فيها ذكر لإقامة عمر رضي الله عنه الحدود المختلفة، وإنما المراد ذكر بعض الروايات التي تثبت إقامة عمر رضي الله عنه الحدود في دولته وعلى من استوجبها من رعيته. لأن حصر الروايات الواردة في إقامة عمر للحدود المختلفة يطول ذكرها كثيراً، وفيها تفصيلات تخرج بموضوع البحث إلى المواضيع الفقهية البحتة.(4/26)
فقد حد عمر رضي الله عنه قدامة بن مظعون رضي الله عنه لشربه الخمر وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وكان عمر رضي الله عنه استعمله على البحرين، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، إن قدامة شرب، فسكر ولقد رأيت حداً من حدود الله حقاً عليَّ أن أرفعه إليك، فقال عمر رضي الله عنه: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة، فدعا أبا هريرة فقال: أما تشهد؟ فقال: لم أره حين شرب، ولكني رأيته سكران يقيء، قال: لقد تنطعت في الشهادة يا أبا هريرة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم إليه، وأرسل عمر رضي الله عنه هند بنت الوليد يسألها، فأقامت الشهادة على زوجها فقال عمر رضي الله عنه لقدامة: إني جالدك يا قدامة، فقال: لئن كان كما يقولون فليس لك أن تجلدني، قال: لم؟ قال: لأن الله يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}(1) حتى قرأ الآية، فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إنك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله عليك، ثم استشار الناس فقال: ما ترون في جلد قدامة؟ قالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً، قال: لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلي من أن يلقاه وهو في عنقي، إيتوني بسوط فأمر بقدامة فجلد(2).
__________
(1) سورة المائدة الآية (93).
(2) صحيح، تقدم تخريجه في ص: (641).(4/27)
وممن جلد عمر رضي الله عنه في شرب الخمر ابنه عبد الرحمن، قال ابن عمر رضي الله عنه:شرب أخي عبد الرحمن، وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث(1)، وهما بمصر في خلافة عمر رضي الله عنه، فسكرا، فلما أصبحا، انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر، فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه، فقال عبد الله: فذكر لي أخي أنه سكر، فقلت: ادخل الدار أطهرك، ولم أشعر أنهما أتيا عمرواً فأخبرني أنه قد أخبر الأمير بذلك، فقال عبد الله: لا يحلق القوم على رؤوس الناس، ادخل الدار أحلقك، وكانوا إذا ذاك يحلقون مع الحدود فدخل الدار، فقال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرو فسمع بذلك عمر فكتب إلى عمرو: أن ابعث إلي بعبد الرحمن على قتب(2).
ففعل ذلك، فلما قدم على عمر جلده وعاقبه لمكانه منه، ثم أرسله فلبث شهراً صحيحاً ثم اصابه قدره فمات، فيحسب عامة الناس إنما مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد عمر(3).
__________
(1) عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف المكي رضي الله عنه، صحابي من مسلمة الفتح. تق 394.
(2) القتب: الإكاف الصغير، الذي على قدر سنام البعير. ابن منظور / لسان العرب 11/28.
(3) رواه عبد الرزاق/ المصنف9/232، 233، ابن شبة/ تاريخ المدينة2/58، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 289،290، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، قال: شرب أخي.(4/28)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يقضي حاجته بأجياد(1) فوجد سكراناً، فطرق به عبيدالله بن أبي مليكة(2)، وكان جعله يقيم الحدود، فقال: إذا أصبحت فاجلده(3).
وكان عمر رضي الله عنه ربما غرب في الخمر، فقد أتى عمر رضي الله عنه بشيخ شرب الخمر في رمضان، فقال: للمنخرين للمنخرين(4)، وولداننا صيام، فضربه ثمانين، ثم سيره إلى الشام(5).
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه غرب ربيعة بن أمية بن خلف(6) في الشراب إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصر، فقال عمر: لا أغرب بعده مسلماً أبداً(7)
__________
(1) أَجْيَاد: شِعبان بمكة يسمى أحدهما أجياد الكبير والآخر أجياد الصغير ، وهما حيان اليوم من أحياء مكة. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 19.
(2) ذكره ابن عبد البر / الاستيعاب 3/136، وقال: روى له من رواية ابنه عنه أنه سأله النبي r عن أمه فقال: إنها كانت أبر شيء وأوصله، وأحسنه صنيعاً...الحديث.
(3) رواه عبد الرزاق/ المصنف/18/342، والفاكهي/ أخبار مكة 3/233. وسنده عندهما رجاله ثقات لكنه منقطع من رواية عبيد الله بن أبي مليكة عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة تق: 312. وروايته عن عمر مرسلة. جامع التحصيل ص: 214. فالأثر ضعيف.
(4) أي: كبه الله على منخريه. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 5/32.
(5) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/382، الجعد / المسند 1/415. ابن سعد / الطبقات 6/115، ابن أبي شيبة / المصنف 5/531، ومداره على سعيد بن سنان البرجمي، صدوق له أوهام. تق 236، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات، فالأثر حسن.
(6) ربيعة بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة القرشي، أخو صفوان بن أمية، أسلم يوم الفتح، وكان شهد حجة الوداع. ابن حجر / الإصابة 1/530،531.
(7) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/314، 9/230،231. قال عبد الرزاق: عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، وهذا السند رجاله ثقات.
ابن شبة/ تاريخ المدينة2/286-287. والنسائي/ السنن الكبرى3/221، السنن8/319.
ورواه سائر من رواه من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر. وسماع سعيد من عمر مختلف فيه.
ورواه عبد الرزاق من طريق آخر عن ابن جريج عن عبد الله بن عمر ورواية ابن جريج عن عبد الله بن عمر معضلة.(4/29)
.
وقد زاد عمر رضي الله عنه حد الخمر من أربعين جلدة إلى ثمانين جلدة باستشارة الصحابة رضوان الله عليهم، وذلك حينما رأى عمر رضي الله عنه أن الناس قد أكثروا من شرب الخمر وذلك بعدما خالطوا أهل البلاد المفتوحة من الفرس والروم ونزلوا أرضهم التي يكثر فيها الخمر ومن يتعاطاه.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: جلد النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر بالجريد والنعال، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر، ودنا الناس من الريف(1) والقرى، قال: ما ترون في حدّ الخمر؟ فقال: عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، فجلد عمر ثمانين(2).
2- حد الزنى:
قال عمر رضي الله عنه: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة، أو كان الحمل، أو الاعتراف، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده(3).
وجلد عمر رضي الله عنه وغرب من استحق الجلد من الزناة. فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب(4).
3- حد القتل:
__________
(1) الرّيف: هو ما قارب الماء من أرض العرب، والرّيف حيث يكون الخضر والمياه، والرّيف أرض فيها زرع وخصب. ابن منظور / لسان العرب 5/392.
(2) رواه البخاري/ الصحيح4/171، 172،مسلم/ الصحيح/شرح النووي 11/214، 216وغيرهما.
(3) رواه البخاري/ الصحيح4/179، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي11/191، 192، وغيرهما.
(4) رواه الترمذي/ السنن2/446، 447، والنسائي/ السنن الكبرى4/323، والبيهقي/ السنن الكبرى8/223. وسنده عند الترمذي متّصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أبو كريب ويحيى بن أكثم قالا: حدّثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر... الأثر.(4/30)
فقد قتل عمر رضي الله عنه عدداً من الرجال، قتلوا رجلاً بصنعاء فقال رضي الله عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً(1).
4- حد السرقة:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أشهد لرأيت عمر قطع رِجل رجل بعد يد ورِجل، سرق الثالثة(2).
المسألة الثانية: كيفة إقامة الحدود:
ومما ورد عن عمر رضي الله عنه في كيفة إقامة الحدود:
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 4/190، ولفظه أن غلاماً قتل غيلة، فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم. مالك / الموطأ 2/248، عبد الرزاق / المصنف 9/475.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 10/187، صحيح.
قال: عن معمر عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس، قال: شهدت... الأثر.
وقد جاء الأثر عند ابن أبي شيبة/ المصنف5/490. بمعنى مختلف.
قال رحمه الله: حدّثنا ابن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس، قال: رأيت عمر بن الخطاب قطع يد رجل بعد يده ورجله. فذكر في هذه الرواية قطع عمر يد الرجل بعد قطعه ليده ورجله في المرتين السابقتين.
وفي رواية عبد الرزاق أنه قطع رجله بعد قطعه ليده ورجله، وكلتا الروايتين صحيحة. فلعلّ كلا الأمرين وقع منه رضي الله عنه .
وأمّا ما ذكر من أن عمر رضي الله عنه رجع عن القطع بعد قطع اليد والرجل واكتفى بالحبس في المرة الثالثة، فلم يثبت عنه رضي الله عنه. فقد روي أنه أتى برجل قد سرق يقال له: سدوم فقطعه، ثم أتى به الثانية فقطعه ثم أتى به الثالثة فأراد أن يقطعه، فقال له عليّ رضي الله عنه: لا تفعل إنما عليه يد ورجل ولكن احبسه.
رواه عبد الرزاق/ المصنف10/186 عن إسرائيل بن يونس عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن عمر.
وسماك بن حرب صدوق تغير بآخره فكان ربما تلقن تق: 255. ولم أقف على رواية إسرائيل عنه هل هي قبل اختلافه أم بعده. انظر: الكواكب النيرات ص: 237-241.
وعبد الرحمن بن عائذ ثقة من الثالثة روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة. فالأثر ضعيف.(4/31)
1- عدم إقام الحدود في المسجد:
فقد أتى عمر رضي الله عنه برجل في شيء اقترفه، فقال: أخرجاه من المسجد فاضرباه(1).
2- صفة السوط الذي يقام به الحد، وكيفة الجلد به.
أتى عمر رضي الله عنه برجل في حد، فأمر بسوط، فجيء بسوط فيه شدة، فقال: أريد ألين من هذا، فأتي بسوط فيه لين، فقال: أريد أشد من هذا، فأتي بسوط بين السوطين، فقال: اضرب به، ولا يرى أبطك، وأعط كل عضو حقه(2).
وأمر عمر رضي الله عنه رجلاً بإقامة الحد على شارب الخمر، فجاء عمر رضي الله عنه وهو يضربه ضرباً شديداً، فقال: قتلت الرجل، كم ضربته؟ قال: ستين، فقال: اقص عنه بعشرين، فأمره أن يجعل الستين ثمانين لشدة ضربه له(3).
المبحث الثالث: الاهتمام بالنواحي الاجتماعية، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: العناية بالنكاح والعلاقة الزوجية، وفيه مسألتان.
المطلب الثاني: العمل على الترابط الأسري، والتكافل الاجتماعي.
المطلب الثالث: الاهتمام بالأنساب والأسماء، وفيه مسألتان.
المطلب الأول: العناية بالنكاح والعلاقة الزوجية، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: عناية عمر رضي الله عنه بالنكاح واهتمامه به:
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 10/23، ابن أبي شيبة / المصنف 5/526، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/38، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال الثوري: عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، قال: أتى عمر...
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/369،370، البيهقي / السنن الكبرى 8/326، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن الثوري عن عاصم الأحول عن عثمان النهدي، قال: أتى عمر... الأثر.
(3) رواه ابن كثير / مسند الفاروق 2/521، نقلاً عن أبي عبيد في غريب الحديث، البيهقي / السنن الكبرى 8/317، صحيح من طريق أبي عبيد. قال: حدّثنا أبو النضر عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أبي رافع عن عمر... الأثر.(4/32)
لقد أولى الشارع الحكيم أمور النكاح وما يتعلق به عناية كبيرة وعظيمة إذ هو أساس تكوين الأسرة ثم المجتمع المسلم، فالعناية به عناية بالأسرة والمجتمع، وقد اشتملت نصوص الكتاب والسنة على عدد كبير من النصوص التي تعالج مسائل النكاح وما يتعلق به، ونظراً للمكانة التي تحتلها قضية النكاح فقد حرص عمر رضي الله عنه على العناية بها عناية كبيرة وعظيمة تتناسب وأهمية هذه القضية وخطورتها وتمثل ذلك في عدة أمور هي:
1- حثه رضي الله عنه على النكاح وعلى تيسير أموره:
قال رضي الله عنه وهو يحث رعيته على نكاح المرأة المسلمة الحسنة الخَلق والخُلق الودود الولود: والله ما أفاد رجل فائدة بعد الإسلام خير من امرأة حسناء حسنة الخلق، ودود، ولود، والله ما أفاد رجل بعد الشرك بالله شر من امرأة سيئة الخلق حديدة اللسان(1).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على حثه على النكاح: ما روي من قوله رضي الله عنه لأبي الزوائد(2): ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور(3).
__________
(1) رواه البيهقي / السنن الكبرى 7/82، شعب الإيمان / زغلول 6/249، 416، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/243، صحيح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسحاق الصنعاني، ثنا يحيى ابن بكير، ثنا شعبة، قال: معاوية بن قرة أبو إياس أخبرني، قال: سمعت أبي يحدّث عن عمر - وقد كان أدركه - قال: قال عمر...
(2) أبو الزوائد اليماني، ذكره مطين والدولابي في الكنى من الصحابة. ابن حجر / الإصابة 4/78.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/170، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية طاووس بن كيسان، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.(4/33)
وروي أنه قال: زوجوا أولادكم إذا بلغوا لا تحملوا آثامهم(1).
وروي عنه قوله رضي الله عنه: اطلبوا الفضل في الباه، وتلا عمر {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أبرزوا الجارية التي لم تبلغ، لعل بني عمها أن يرغبوا فيها(3).
ومن حث عمر رضي الله عنه على النكاح واهتمامه به حثه أولياء الزوجات أو النساء على عدم المغالاة بالمهور، فغلاء المهور كثيراً ما يكون سبباً في إحجام كثير من الراغبين في النكاح عنه لقلة ذات اليد.
قال عمر رضي الله عنه: ألا لا تغالوا في صَدُقَة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم.
ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه، ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية(4)
__________
(1) أورده ابن كثير / مسند الفاروق 1/397، عن محمد بن إسحاق الصاغاني، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2) سورة النور من الآية (32).
رواه عبد الرزاق / المصنف 6/170،171، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/156، وهو من قول عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة من السادسة، قال: أخبرت أن عمر قال:...، فالسند معضل.
(4) الأوقية من الفضة = 119غ، وأوقية الذهب = 29.75غ. رواس قلعجي / معجم لغة الفقهاء ص: 97.
رواه الطيالسي / المسند ص12، عبد الرزاق / المصنف 6/175،180، الحميدي/ المسند ص: 13،14، ابن أبي شيبة /المصنف3/493، أحمد/ المسند 1/40، 41،48، الدارمي/ السنن2/141، أبو داود/ السنن2/235، الترمذي/ السنن2/291، الحاكم/ المستدرك 2/175،176، ومدار الأثر على أبي العجفاء السلمي، وثقة ابن معين، والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم، وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال ابن حجر: مقبول. تق 658، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات، فالأثر صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/324.(4/34)
.
وأما ما روي من أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالوا في صُدُق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل، فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين، كتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أو قولك؟!
قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً في صدق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه { وءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}(1)، فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس: إني نهيتكم أن تغالوا في صدق النساء، ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له(2).
فهو أثر غير ثابت.
وكذلك لا يثبت ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت وأنا أريد أن أنهاكم عن كثرة الصداق حتى عرضت لي هذه الآية: {وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا...} الآية(3).
2- حرصه على شرعية الأنكحة، وإلغاء الأنكحة الفاسدة ومعاقبته لمن يتعامل بها:
فمن الأنكحة المحرمة التي حرص عمر رضي الله عنه على تطهير المجتمع منها، نكاح المتعة، وهو نكاح المرأة لمدة مؤقتة على مهر معين.
__________
(1) سورة النساء من الآية (20).
(2) رواه سعيد بن منصور / السنن /الأعظمي 1/165-167، البيهقي / السنن الكبرى 7/233،234، ومداره على مجالد بن سعيد ليس بالقوي وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3) رواه سعيد بن منصور /السنن 1/167، البيهقي / السنن الكبرى 7/233، 234، ومداره على حميد الطويل مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية بكر بن عبد الله المزني عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.(4/35)
قدم عمرو بن حريث(1) من الكوفة، وقد استمتع بمولاة من الموالي، فأتى بها إلى عمر وهي حبلى، فسألها، فقالت: استمتع بي عمرو ابن حريث فسأله، فأخبره بذلك أمراً ظاهراً، فقال عمر: فهلا غيرها، فذلك حين نهى عمر رضي الله عنه عن المتعة(2).
ولعل عمر رضي الله عنه لم يعاقب من نكح نكاح المتعة كما مر في قصة عمرو بن حريث مراعاة لجهله بحكم التحريم حيث كان بعض الناس لا يعلمون بتحريم النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة.
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فعلناهما أي متعة الحج، ومتعة النساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر رضي الله عنه فلم نعد لهما(3).
قال النووي رحمه الله: هذا محمول على أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر، لم يبلغه النسخ(4).
ولكن عمر رضي الله عنه أوضح للناس حقيقة تحريم النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة حتى يعذر إليهم، وأوعد من فعل هذا النكاح بالرجم.
قال رضي الله عنه: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله...(5) وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة(6).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص:(879).
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/500، وسنده متصل، ورجاله ثقات سوى أبي الزبير المكي، فهو صدوق، فالأثر حسن.
(3) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 9/183-184، النسائي / السنن الكبرى 3/326، وفيه زيادة: وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنه حتى نهانا عنهما، وسندها صحيح.
(4) صحيح مسلم / شرح النووي 9/183،184.
(5) حذفته من النص لتعلقه بمتعة الحج.
(6) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 8/168، أحمد / المسند 1/17، وغيرهما.(4/36)
وقال رضي الله عنه وهو يبين تحريم النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد إذ حرمها(1).
ولعل عمر رضي الله عنه رجع عن توعده بإيقاع عقوبة الرجم بمن نكح نكاح المتعة، وقد أحصن لعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لذلك.
فقد ثبت عنه رضي الله عنه قوله: لو كنت تقدمت في متعة النساء لرجمت(2).
ولم ينقل أن عمر رضي الله عنه رجم أحداً نكح نكاح المتعة في خلافته، والله أعلم.
ومن الأنكحة الفاسدة التي توعد عمر رضي الله عنه من عمل بها، نكاح التحليل:
قال عمر رضي الله عنه: لا أوتى بمحلل(3)، ومحلل له إلا رجمتهما(4).
ومما عاقب عليه عمر رضي الله عنه من الأنكحة، نكاح المرأة في عدتها.
__________
(1) رواه ابن ماجة / السنن 1/631، البزار / المسند 1/246، 286،287، البيهقي / السنن الكبرى 7/26، الضياء المقدسي / المختارة 1/330، ومداره على أبان بن أبي حازم، صدوق في حفظه لين، وبقية رجاله عند ابن ماجة ما بين ثقة وصدوق، فالأثر حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/332.
(2) رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 468/أ، صحيح. قال: حدّثنا يحيى بن سعيد سمعت، نافعاً يحدث عن ابن عمر، قال: قال عمر... الأثر.
(3) المُحلِّل: الذي ينكح المطلقة ثلاثاً بشرط التحليل لمن طلقها، والزوج المطلق هو المحلل له. معجم لغة الفقهاء ص 413.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/265، سعيد بن منصور / السنن 2/49، ابن أبي شيبة / المصنف 3/552، 7/292، ابن حزم / المحلى 12/195، ورجال إسناده عند عبد الرزاق وسعيد ثقات وفيه الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع، ورواه ابن أبي شيبة بإسناد رجاله ثقات سوى مجالد بن سعيد، فهو ليس بالقوي، والأثر بطريقيه يرتقي لدرجة الحسن لغيره.(4/37)
فقد نكحت طليحة في عدتها بعد أن طلقها زوجها البتة، فضربها عمر رضي الله عنه وضرب زوجها بمخفقة ضربات، وفرق بينهما(1).
ومنها نكاح المرأة عبد ها: فقد روي أن عمر رضي الله عنه أتى بامرأة تزوجت عبد ها، فقال: ما حملك على هذا؟ قالت: هو ملك يميني، أوليس الله قد أحل ملك اليمين، فأمر بها عمر رضي الله عنه فضربت، وكتب إلى أهل الأمصار ينهاهم عن ذلك(2).
وروي أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين، إني امرأة كما ترى وغيري من النساء أجمل مني، ولي عبد قد رضيت دينه وأمانته، فأردت أن أتزوجه، فدعا عمر بالغلام فضربها ضرباً مبرحاً وأمر بالعبد فبيع في أرض غربة(3).
وهذان الأثران يدلان على معاقبة عمر رضي الله عنه لمن نكحت عبد ها.
وكان عمر رضي الله عنه يعاقب من يحرم ما أحل الله من النكاح، جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه قال: كانت لي وليدة، وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها، فأرضعتها، فدخلت عليها وقالت: دونك قد والله أرضعتها، فقال عمر: أوجعها، وأت جاريتك وإنما الرضاعة رضاعة الصغير(4)
__________
(1) رواه مالك / الموطأ 1/583، ورجال إسناده ثقات، ولكنه من رواية سعيد ابن المسيب عن عمر رضي الله عنه، وقد اختلف في سماعه منه، وتابعه سليمان ابن يسار عن عمر رضي الله عنه بالطريق نفسه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر حسن لغيره.
(2) رواه سعيد بن منصور / السنن 1/192، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية بكر بن عبد الله المزني عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/537، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية أبي نوفل بن أبي عقرب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(4) رواه مالك / الموطأ 2/11،12، عبد الرزاق / المصنف 7/426، البيهقي / السنن الكبرى 3/177، صحيح من طريق مالك.
قال: عن عبد الله بن دينار، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير، فقال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال:... الأثر.(4/38)
.
3- الحث على نكاح المسلمات العفيفات:
فقد حث عمر رضي الله عنه على نكاح النساء العفيفات المسلمات ذوات الدين والخلق، وقد تقدم قوله رضي الله عنه: ما أفاد رجل بعد الإسلام خيراً من امرأة حسناء، حسنة الخُلق ودود، ولود(1).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: النساء ثلاثة، فامرأة عفيفة مسلمة هينة لينة، ودود ولود تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقلما تجدها، والأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك شيئاً وأخرى غل، قمل(2) يجعلها الله في عنق من يشاء وينزعها إذا شاء(3).
وكان عمر رضي الله عنه يكره نكاح الكتابيات، ويحث من تزوج بهن من أصحابه على مفارقتهن، وذلك حرصاً منه على نكاح المسلمة العفيفة، وخوفاً من توسع الناس في ذلك حتى ينكحوا المومسات منهن، فقد تزوج حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يهودية، فكتب إليه عمر: طلقها فكتب إليه حذيفة: لِمَ؟ أحرام هي؟ فكتب إليه: لا، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن(4).
وأذن رضي الله عنه في نكاح المؤمنات التائبات من اقتراف الفاحشة، من غير ذكر ما أحدثن قبل توبتهن، فالتائب من الذنب كم لا ذنب له.
__________
(1) صحيح تقدم تخريجه في ص (959).
(2) غُلُّ، قَمِل: كناية عن المرأة السيئة الخلق الكثيرة المهر. ابن منظور / لسان العرب10/110.
(3) رواه ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 227،228، وفيه عبد الملك بن عمير مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية زيد بن عقبة، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/78،7/176،177،178، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/193، صحيح من طريق سعيد، قال: نا سفيان عن الصلت بن بهرام سمع أبا وائل شقيق بن سلمة يقول: تزوج حذيفة... الأثر.(4/39)
قال طارق بن شهاب(1) رحمه الله: أراد رجل أن يزوج ابنته فقالت: إني أخشى أن أفضحك، إني قد بغيت فأتى عمر، فأخبره فقال: أليس قد تابت؟ قال: نعم، قال: فزوجها(2).
ولا شك أن هذه الآثار التي فيها الحث على نكاح العفيفات الطاهرات واللاتي يتصفن بحسن الخلق والخلق يشمل الرجال أيضاً، فالذي ينبغي للمرأة وولي أمرها أن يختار لها من الرجال أهل الصلاح والتقوى وممن اتصف بحسن الخلق، وأن لا يجبر الولي المرأة على من تكره من الرجال سواء في خَلقه أو خُلقه.
روي أن عمر رضي الله عنه قال: لا تكرهوا فتياتكم على الرجل الذميم فإنهن يحببن من ذلك ما تحبون(3).
وروي أنه رضي الله عنه أتى بامرأة شابة، زوجوها شيخاً كبيراً فقتلته، فقال: يا أيها الناس، اتقوا الله ولينكح الرجل لمته من النساء، ولتنكح المرأة لمتها من الرجال، يعني شبهها(4).
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد هذا المعنى فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه حينما خطب امرأة أن ينظر إليها، قال صلى الله عليه وسلم: "فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"(5)
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (221).
(2) رواه مالك / الموطأ 1/598، ابن أبي شيبة / المصنف 3/541، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا غندر عن شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن رجلاً... الأثر.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/196، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/338، ابن أبي الدنيا / العيال 1/272، ومداره على عروة بن الزبير رحمه الله، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر ضعيف.
(4) رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/210،211، وفي إسناده أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، ضعيف. تق 623، وفيه أبو المجاشع الأزدي، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 9/445. فالأثر ضعيف.
(5) أي تكون بينكما المحبة والاتفاق. ابن منظور / لسان العرب 1/95.
رواه الترمذي / صحيح سنن الترمذي 1/315.(4/40)
.
المسألة الثانية: الاهتمام بالعلاقة الزوجية:
كان عمر رضي الله عنه حريصاً على دوام السعادة والمحبة والألفة بين الزوجين، وذلك بحث كل من الزوجين على إعطاء الآخر حقوقه والتغاضي عن زلاته، وهفواته، والصبر عليها.
فمن حقوق الزوج على زوجته التي حث عمر رضي الله عنه الزوجات على التخلق بها والاتصاف بها في معاملة الزوج حسن الخلق معه وهي كلمة شاملة لحسن معاملة الزوج وإعطائه حقوقه الزوجية، وهذا المعنى مأخوذ من مدح عمر رضي الله عنه للمرأة الحسنة الخلق مع زوجها ووصفها بأنها الزوجة المثالية(1).
ومن حقوق الزوج على زوجته التي هي من عوامل دوام المحبة والألفة بين الزوجين وثقتهما بأنفسهما، اعتراف الزوجة بالجميل الذي يقدمه لها زوجها وعدم إنكار فضله ومعروفه معها.
__________
(1) صحيح تقدم تخريجه في ص (959).(4/41)
جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إن زوجي كثر شره، وقل خيره، فقال لها عمر: ومن هو زوجك؟ قالت: أبو سلمة، قال: إن ذاك الرجل رجل له صحبة، وإنه لرجل صدق، ثم قال عمر لرجل جالس عنده: أليس كذلك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا نعرفه إلا بما قلت، فقال عمر لرجل: قم فادعه لي، وقامت المرأة حين أرسل إلى زوجها، فقعدت خلف عمر، فلم يلبث أن جاءا معاً، حتى جلس بين يدي عمر، فقال عمر: ما تقول في هذه الجالسة خلفي، فقال: ومن هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه امرأتك، فقال: وتقول ماذا؟ قال: تزعم أنه قد قل خيرك، وكثر شرك، فقال: بئس ما قالت يا أمير المؤمنين، إنها لمن صالح نسائها، أكثرهن كسوة وأكثرهن رفاهية، ولكن فحلها بكي(1)، فقال عمر: ما تقولين؟ قالت: صدق، فقام إليها عمر بالدرة، فتناولها بها، ثم قال: أي عدوة نفسها، أكلت ماله، وأفنيت شبابه، ثم أتيت تخبرين بما ليس فيه، فقالت: يا أمير المؤمنين لا تعجل فوالله لا أجلس هذا المجلس أبداً، ثم أمر لها بثلاثة أثواب فقال: خذي لما صنعت بك، وإياك أن تشتكي هذا الشيخ، ثم أقبل على زوجها بعد أن قامت، فقال: لا يمنعك ما رأيتني صنعت بها أن تحسن إليها، انصرفا. فقال الرجل ما كنت لأفعل(2)
__________
(1) بَكِيّ: بكأت الناقة والشاة: قل لبنها، وقيل انقطع، وبكأ الرجل: قل كلامه خِلْقَة. ابن منظور / لسان العرب 1/468،469، ولعل المراد به في الأثر هو ضعفه عن الجماع، والله أعلم.
(2) رواه الطيالسي / المسند ص 7،8، صحيح.
قال: حدّثنا حماد بن زيد عن معاوية بن قرة المزني، قال: أتيت المدينة زمن الإقط والسمن والأعراب يأتون بالبرقاء فيبيعونها فإذا أنا برجل طامح بصره ينظر إلى الناس فظننت أنه غريب فدنوت منه فسلمت فردّ عليّ، وقال: من أهل هذه أنت؟ قلت: نعم. فجلست معه. فقلت ممن أنت؟ فقال: من هلال واسمي كهمس، أو من بني سلول واسمي كهمس. ثم قال: أحدّثك حديثاً شهدته من عمر بن الخطاب، فقلت: بلى. قال: بينما نحن جلوس عنده إذا جاءت امرأة... الأثر.
ومعنى طامح بصره، أي: رافع بصره. ابن منظور/ لسان العرب8/198.(4/42)
.
ومن حقوق الزوج على زوجته التي رويت عن عمر والتي يعتبر عدم تخلق الزوجة بها سبباً رئيساً لشقاء الحياة الزوجية، ومن ثم تفككها وانهيارها، وهذا الحق هو حفظ المرأة لزوجها في غيبته وعدم خيانته في نفسها وماله وأهله، روي عنه رضي الله عنه أنه قال: ثلاث هن فواقر(1)، جار سوء في دار مقامة، وزوجة سوء إن دخلت عليها آذتك، وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت إليه لم يقبل منك، وإن أسأت إليه لم يقلك(2).
ومما ذمه عمر رضي الله عنه في هذا الأثر أيضاً سوء تعامل الزوجة مع زوجها وإيذائها له، وعدم إعطائه حقه في حسن العشرة.
أما حقوق الزوجة على زوجها التي أشار إليها عمر رضي الله عنه فهي حسن تعامله معها وحسن عشرته لها، ويدل على ذلك ما مر في الأثر السابق من قول عمر رضي الله عنه لزوج المرأة التي جاءت تشكوه، فلامها عمر رضي الله عنه، ثم قال له: لا يمنعك ما رأيتني صنعت أن تحسن إليها(3).
والإحسان إلى الزوجة هو إعطاؤها حقوقها التي شرعها الله عز وجل، وحسن التعامل معها في المبيت والسكن والنفقة.
ومن حقوق الزوجة على زوجها التي نبه عمر رضي الله عنه الأزواج إليها وألزمهم بها، لأن التقصير فيها غالباً ما يكون منهم، حق الزوجة في المبيت والفراش، الذي هو المقصد الأول من النكاح، والذي تحصل به عفة الفرج للرجل والمرأة.
خرج عمر رضي الله عنه يوماً في الليل يتفقد أحوال رعيته، فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني، إلا حبيب ألاعبه
__________
(1) جمع فاقرة، وهي الداهية الكاسرة للظهر. ابن منظور / لسان العرب 10/300.
(2) رواه عبد الرزاق/ المصنف11/301، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول7/81، ومداره على عبد الله بن المنكدر، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.
(3) صحيح، تقدم ص: 972، 973.(4/43)
فجاء عمر رضي الله عنه إلى ابنته حفصة رضي الله عنها فقال: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها، فقالت: ستة أو أربعة أشهر، فقال عمر رضي الله عنه: لا أحبس الجيش أكثر من هذا(1)
__________
(1) رواه سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/174. قال: نا عطاف بن خالد، قال: نا زيد بن أسلم... أن عمر.
ابن شبة/ تاريخ المدينة2/328. قال: حدّثنا الهيثم بن خارجة، قال: حدّثنا العطاف بن خالد عن زيد بن أسلم، قال: خرج عمر... الأثر.
البلاذري / أنساب الأشراف ص 215. قال: المدائني عن يزيد بن عياض بن جعدبة عن عبد الله بن أبي بكر، قال: سمع عمر.
ابن أبي الدنيا/ العيال2/684، 685. قال: حدّثنا عبد الله بن يونس بن بكير، حدّثنا أبي عن محمّد بن إسحاق عن سليمان بن جبير مولى ابن عباس، وقد أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما زلت أسمع حديث عمر هذا فإنه خرج... الأثر.
البيهقي/ السنن الكبرى9/29. قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا عليّ بن حمشاد العدل، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدّثني مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، قال: خرج عمر... الأثر.
وفي إسناده عند سعيد وابن شبة من طريقٍ عطاف بن خالد صدوق يهم تق: 393. وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة تق: 222.
وفيه عند البلاذري يزيد بن عياض بن جعدبة كذّبه مالك وغيره. تق: 604.
وفيه عند ابن شبه من طريق آخر عمرو بن عاصم الكلابي صدوق في حفظ شيء تق: 423. وهو أيضاً منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر.
وفيه عند ابن أبي الدنيا عبد الله بن يونس بن بكير ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يروي عن وكيع وأبيه يروي عنه ابن أبي الدنيا 8/353.
وفيه أبوه يونس بن بكير صدوق يخطئ تق: 613.
وفيه سليمان بن جبير مولى ابن عباس لم أجد له ترجمة.
ورجال إسناده عند البيهقي ثقات سوى إسماعيل بن أبي أويس فهو صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه تق: 108. وسنده متصل. فالأثر حسن من طريقه.(4/44)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه مر في بعض طرق المدينة، فسمع امرأة تقول:
دعتني نفسي بعد خروج عمرو إلى اللذات فاطلع التلاعا(1)
فقلت لها: عجلت فلن تطاعي ولو طالت إقامته رباعا
أحاذر أن أطيعك سب نفسي ومخزاة تجللني قناعاً
فقال عمر رضي الله عنه، وأتي بالمرأة: أي شيء منعك؟ قالت: الحياء، وإكرام عرضي، فقال عمر رضي الله عنه: إن الحياء ليدل على هنات(2) ذات ألوان، من استحيا استخفى،ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وفى، وكتب عمر إلى صاحب زوجها فأقفله إليها(3).
وروي أن امرأة جاءت عمر رضي الله عنه فقالت: زوجي رجل صدق يقوم الليل ويصوم النهار، ولا أصبر على ذلك فدعاه فقال: لها من كل أربعة أيام يوم، وفي كل أربع ليال ليلة(4).
وروي كذلك أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إن زوجها لا يصيبها فأرسل إليه، فسأله فقال: قد كبرت سني، وذهبت قوتي، فقال عمر: أتصيبها في كل شهر مرة؟ قال: في أكثر من ذلك، فقال عمر: كم؟ قال:أصيبها في كل طهر مرة، قال عمر: اذهبي فإن في هذا ما يكفي المرأة(5).
__________
(1) أَتْلَع رأسه: أطلعه فنظر، وتتلع في مشيته وتتالع: مد عنقه، ورفع رأسه. ابن منظور / لسان العرب 2/42،43.
(2) هَنات: كلمات، وتطلق على الصفات. المصدر السابق 15/150.
(3) رواه ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 83، وفي إسناده عبد الله بن قسيم الجعفري، لم أجد له ترجمة، ومجالد بن سعيد، ليس بالقوي، وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/150، ورجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(5) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/150، وفي إسناده زمعة بن صالح الجندي اليماني، ضعيف. تق 217، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.(4/45)
ومن حقوق الزوجة على زوجها التي ألزم عمر رضي الله عنه بها الأزواج، الإنفاق عليها، وعلى من يعول من عياله، وإعطائهم حقوقهم المالية.
كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد، أن ادع فلاناً وفلاناً ناساً قد انقطعوا من المدينة: إما أن يرجعوا إلى نسائهم، وإما أن يبعثوا إليهن بنفقة، وإما أن يطلقوا ويبعثوا بنفقة ما مضى(1).
ومن حقوق الزوجة في مال زوجها غير الإنفاق عليها، نصيبها في الميراث من ماله بعد وفاته، فقد عاقب عمر رضي الله عنه من حرم نساءه من ميراثهن منه. طلق غيلان الثقفي(2) نساءه، وقسم ماله بين بنيه في خلافة عمر رضي الله عنه، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فقال له: طلقت نساءك وقسمت مالك بين بنيك؟ قال: نعم. قال: والله إني لأرى الشيطان فيما يسرق من السمع سمع بموتك فألقاه في نفسك، فلعلك أن لا تمكث إلا قليلاً، وايم الله لئن لم تراجع نساءك وترجع في مالك لأورثهن منك، إذا مت، ثم لآمرن بقبرك فليرجمن كما رجم قبر أبي رغال(3). فراجع نساءه وراجع ماله، قال نافع راوي الأثر: فما مكث إلا سبعاً حتى مات(4).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/93،94، صحيح. قال: عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: كتب عمر... الأثر.
(2) غَيْلاَن هو: غيلان بن سلمة بن شرحبيل الثقفي، أسلم يوم الطائف. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/321.
(3) أبو رِغَال: هو الذي بعثته ثقيف مع أبرهة الحبشي، الذي قدم لهدم الكعبة في عام الفيل ليدله على طريق البيت الحرام، فمات بالمغمس، فرجم العرب قبره. ابن هشام / السيرة 1/87.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/66،67، أحمد / المسند 2/14، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/337،338، الترمذي / السنن 2/299، الدارقطني / السنن 3/272،273، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر بن سالم بن عبيد الله عن ابن عمر، قال: طلق غيلان... الأثر.(4/46)
ومن حقوق الزوجة على زوجها والتي تدخل ضمن حسن العشرة، الاستئذان على الزوجة خاصة عند القدوم من سفر أو غيبة طويلة، وعدم الدخول عليها ليلاً على غرة وغفلة، فقد يرى منها ما يكره ويكون ذلك سبباً لفراقه لها وطلاقه إياها.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه من غزوة سرغ(1)،حتى إذا بلغ الجرف(2)،قال:يا أيها الناس، لا تطرقوا النساء ثم بعث راكباً إلى المدينة، بأن الناس داخلون الغداة(3).
وإن من اهتمام عمر رضي الله عنه بالعلاقة الزوجية وحرصه على دوامها واستمرارها في ظل المحبة والألفة بين الزوجين لما في ذلك من تماسك البيت المسلم والقضاء على أسباب الفرقة والعداوة في المجتمع المسلم، تشدده رضي الله عنه في أمر الطلاق، ومعاقبته لمن تسرع وتساهل فيه.
__________
(1) تقدم التعريف بها في ص (610).
(2) الجُرْف: ما بين محجة الشام إلى القصاصين أصحاب القصة على بعد ثلاثة أميال من المدينة بجهة الشام وبه تختلط العرصة التي بها بئر رومه، وبالجرف الآن بساتين غناء لكثير من أهل المدينة وآبارها غزيرة المياه. انظر / أحمد الخياري / تاريخ معالم المدينة ص 239.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/537، صحيح. قال: حدّثنا ابن نمير، قال: ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: أقبل عمر... الأثر.(4/47)
جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس، فقالت: لو أن الذي بيدك من أمري بيدي، لعلمت كيف أصنع، فقلت: إن الذي بيدي من أمرك بيدك، قالت: فأنت طالق ثلاثاً، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: أراها واحدة، وأنت أحق بالرجعة، وسألقى أمير المؤمنين عمر فلقيه فقص عليه القصة، فقال عمر: فعل الله بالرجال، وفعل الله بالرجال، يعمدون إلى ما في أيديهم فيجعلونه في أيدي النساء، بفيها التراب، ماذا رأيت؟ قال: أراها واحدة، وهو أحق بها، قال عمر رضي الله عنه: وأنا أرى ذلك(1).
وطلق رجل بالمدينة امرأته ألف مرة، وجاء إلى عمر رضي الله عنه وقال: إنما كنت ألعب، فعلا عمر رضي الله عنه رأسه بالدرة، وفرق بينهما(2).
وطلق رجل امرأته ثلاثاً في مجلس واحد، فأوجعه عمر رضي الله عنه ضرباً وفرق بينهما(3).
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً، قبل أن يدخل بها هي ثلاث، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وكان عمر إذا أتى به أوجعه(4).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/520، ابن أبي شيبة / المصنف 4/86، الطبراني / المعجم الكبير 9/387،388، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: أخبرنا الثوري عن منصور، قال: حدّثني إبراهيم عن علقمة أو الأسود عن ابن مسعود، قال: جاء إليه... الأثر.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/62، صحيح. قال: نا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب أن رجلاً... الأثر.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/61، صحيح. قال: نا عليّ بن مسهر عن شقيق بن أبي عبد الله عن أنس، قال:
(4) رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/264، البيهقي / السنن الكبرى 7/334، صحيح من طريق سعيد. قال: نا سفيان عن شقيق سمع أنس بن مالك يقول:... الأثر.(4/48)
ومن عناية عمر رضي الله عنه بأمر الطلاق وتشدده فيه، وحرصه على عدم تسرع الناس فيه، وتهاونهم بشأنه، أنه جعل الطلاق الثلاث في مجلس واحد تقع ثلاثاً تبين بها الزوجة من زوجها بينونة كبرى، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم(1).
ومما روي في حرص عمر رضي الله عنه على دوام العلاقة الزوجية أن عمر رضي الله عنه أخذ امرأة ناشزاً، فوعظها فلم تُقبل بخير فحبسها في بيت كثير الزبل ثلاثة أيام، ثم أخرجها فقال: كيف رأيت؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، لا والله ما وجدت راحة إلا هذه الثلاث، فقال عمر رضي الله عنه: اخلعها ويحك، ولو من قرطها(2).
المطلب الثاني: العمل على الترابط الأسري، والتكافل الاجتماعي:
وكما عمل عمر رضي الله عنه على نشر المحبة والمودة بين الأزواج وعلى استمرار العلاقة الزوجية الكريمة بين الزوجين فإنه رضي الله عنه حرص أيضاً على الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة وعلى توثيق حبال المودة والطاعة بين أفرادها وخاصة علاقة الأبناء بوالديهم.
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على حرصه رضي الله عنه طاعة الأبناء لوالديهم وبرهم بهم.
__________
(1) رواه مسلم / الصحيح 10/69-72، عبد الرزاق / المصنف 6/391-392، أحمد / المسند 4/96.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/505، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/336، البيهقي / السنن الكبرى 7/315، وفي إسناده عند عبد الرزاق والبيهقي كثير مولى سمرة، مقبول من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة وإسناده عند سعيد معضل من رواية الحكم بن عتيبة عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.(4/49)
روي أن عمر رضي الله عنه رد رجلاً من الطريق أراد الغزو بغير إذن أبويه، وكان أبوه حين خرج ابنه قال قولاً يلوم فيه ابنه على تركه والديه قال:
تركت أباك مرعشة يداه وأمك ما تسيغ لها شراباً
فبلغ قوله ذلك عمر رضي الله عنه فرده(1).
وروي أن محمد بن طلحة(2) أراد الغزو، فأتت أمه عمر، فأمره أن يقيم(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يطوف بالكعبة إذا رجل يحمل أمه وهو يقول:
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/134، الفاكهي / أخبار مكة 3/205، ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 174-176، وسنده عند عبد الرزاق وابن أبي الدنيا منقطع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ورجاله عند عبد الرزاق ثقات، وفي إسناده عند الفاكهي، أبو سعيد الأعور لم أجد له ترجمة، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، ويروي عنه سفيان بن عيينة، فإن كان شيخه فالإسناد معضل، ورواه ابن أبي الدنيا من طريق آخر وفي إسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد تغير بآخره، وحديثه ببغداد مضطرب، والراوي عنه هنا داود بن عمر الضبي البغدادي ولعله ممن سمع منه ببغداد، وشيخ عبد الله بن ذكوان لم يذكر اسمه بل قال: ابن ذكوان عن الثقة، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه.
(2) لم أعرفه ولعله محمد بن طلحة بن عبيد القرشي، ذكر البخاري في الصحابة قتل يوم الجمل. ابن حجر، الإصابة 3/377.
(3) رواه سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/132، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/518، ورجال إسنادهما ثقات، لكن فيه شك عندهما بشيخ موسى بن عقبة.
فعند ابن أبي شيبة موسى بن عقبة عن سالم أو عبد الله بن عيينة، وعند سعيد سالم بن عبد الله أو عبد الله بن عبد الله بأن محمّد بن طلحة أراد... الأثر.
أمّا سالم بن عبد الله، فلعله ابن عمر بن الخطاب ثقة من كبار الثالثة، فيكون الإسناد منقطعاً، وأما عبد الله بن عبد الله، أو عبد الله بن عيينة فلم أعرفهما.(4/50)
أحمل أمي وهي الحمالة ترضعني الدِّرَّة(1) والعُلالة(2).
هل يجزين ولد فعاله
فقال عمر رضي الله عنه: لا ولا رضعة واحدة(3).
وروي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال: إن لي أماً بلغ بها الكِبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، أوضئها وأحرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست عليها نفسي ؟!، قال: إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنع ذلك، وأنت تتمنى فراقها(4).
__________
(1) الدِّرَّة: كثرة اللبن وسيلانه. ابن منظور / لسان العرب 4/324.
(2) العَلُّ والعَلَل: الشربة الثانية، وقيل الشرب بعد الشرب تباعاً. المصدر السابق 9/365.
(3) رواه الفاكهي / أخبار مكة 1/311،312،313، ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 170، وفي إسناده عند الفاكهي حاتم بن منصور لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وهو معضل من رواية عامر بن يحيى المعافري عن عمر، وهو ثقة من السادسة، ورجال إسناده عند ابن أبي الدنيا ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 164،165، ابن الجوزي / البر والصلة ص 35،36، وفي إسناده عند ابن أبي الدنيا فرج بن فضالة التنوخي ضعيف. تق 444، وهو معضل من رواية معاوية بن صالح الحضرمي، صدوق من السابعة، روايته عن عمر معضلة وفي إسناده عند ابن الجوزي عبد الله بن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه، وفيه زرعة بن إبراهيم الدمشقي، قال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه، الجرح والتعديل 3/606، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، والظاهر أن روايته عن عمر معضلة أو منقطعة فإن تلميذه هو سعيد أبو هلال صدوق من السادسة. فالأثر ضعيف.(4/51)
وروي أن رجلاً جاء إلى عمر فقال: إني قتلت نفساً، قال: ويحك، أخطأ أم عمداً؟ هل من والديك أحد حيٌ؟ قال: نعم، قال: أمك، قال: لا والله، إنه لأبي، قال: انطلق فبره وأحسن إليه، فلما انطلق قال عمر: والذي نفس عمر بيده لو كانت أمه حيّة فبرها وأحسن إليها رجوت أن لا تطعمه النار أبداً(1).
وعمل عمر رضي الله عنه على تقوية أواصر الأخوة الإسلامية بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك بالحث على التقارب والتواصل ومصاحبة أهل التقوى والصلاح ومودتهم، ومجانبة أهل الشر والبغي والفساد.
قال رضي الله عنه: إذا رزقكم الله عز وجل مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها(2).
__________
(1) رواه ابن الجوزي / البر والصلة ص 66، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وهو منقطع من رواية أبي نوفل بن أبي عقرب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أبي الدنيا / الإخوان ص 114، وكيع / الزهد 2/609، ورجال إسناده عند ابن أبي الدنيا ثقات، وهو منقطع من رواية أبي حصين عثمان بن عاصم بن حصين عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة تق: 384. ورجال إسناده عند وكيع ثقات أيضاً، وهو منقطع من رواية القاسم بن عبد الرحمن الهذلي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة، فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره.(4/52)
وقال رضي الله عنه: لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحتفظ من خليلك إلا الأمين، فإن الأمين من القوم لا يعدله شيء، ولا تصحب الفاجر ليعلمك فجوره، ولا تفش سرك، واستشر في أمرك الذين يخافون الله(1)
__________
(1) رواه ابن المبارك / الزهد ص 491، عبد الرزاق / المصنف 7/10، ابن أبي شيبة / المصنف 7/94، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/340، البلاذري / أنساب الأشراف ص 339، ابن أبي الدنيا / الإخوان ص 125،126، ابن حبان / روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص 89،90، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 434،866، مساوئ الأخلاق ص 309، البيهقي/ شعب الإيمان / زغلول 4/257،7/56، بألفاظ متقاربة، وفي إسناده عند ابن المبارك، وابن عساكر، والبيهقي إبهام بمن روى عنهم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة من السابعة. تق 353، حيث قال: أخبرني بعض أشياخنا، وإسناده عند عبد الرزاق معضل من رواية جعفر بن برقان عن عمر رضي الله عنه، وهو صدوق من السابعة، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة محمد بن عجلان المدني، وهو ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، وهو عند ابن شبة معضل بين مسعر بن كدام، وهو ثقة من السابعة، وبين وديعة الأنصاري، صحابي جليل، الإصابة 4/632، ورجال إسناده عند البلاذري صدوقون، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند ابن حبان إبراهيم بن موسى المكي قال ابن حجر مجهول. لسان الميزان 1/116، وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماعه منه وفي إسناده عند الخرائطي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، صدوق اختلط وسمع منه يزيد بن هارون بعد اختلاطه، وهو هنا يروي عنه، ورواه البيهقي من طريقين آخرين، الأول رجاله ما بين ثقة وصدوق، سوى أبي بكر الفحام لم أجد له ترجمة،، وهو منقطع من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، والثاني رجاله ثقات، سوى يحيى بن أبي طالب، قال فيه الدارقطني: لا بأس به عندي، لم يطعن فيه أحد بحجة. ميزان الاعتدال 4/367، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم العدوي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.(4/53)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في بث المحبة والمودة في المجتمع الدعوة إلى مصاحبة الأخيار ومؤاخاتهم، وهجران أهل المعصية وأصحاب السوء ومفارقتهم.
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يصفي لك ود أخيك أن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس، وتسلم عليه إذا لقيته(1).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: عليك بإخوان الصدق، فعش في أكنافهم فإنهم زين في الرخاء، وعدة في البلاء(2).
__________
(1) رواه عبد الرزاق/ المصنف11/44، ابن أبي الدنيا/ مكارم الأخلاق ص: 213، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول5/308، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 307.
وإسناده عند عبد الرزاق معضل من رواية إسحاق بن راشد، وهو ثقة من السابعة، روايته عن عمر معضلة، وبقية رجاله ثقات.
وفيه عند ابن أبي الدنيا شريك بن عبد الله النخعي، صدوق يخطئ كثيراً، وفيه أبو المجمل لم أجد له ترجمة، وهو منقطع من رواية الحسن البصري، عن عمر رضي الله عنه.
ورواه البيهقي من غير إسناد، فقال: وروينا عن مجاهد، وفيه عند ابن عساكر شهاب بن خراش صدوق يخطئ، وهو معضل من رواية العوام بن حوشب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السادسة. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أبي الدنيا / الإخوان ص 116، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 844، مساوئ الأخلاق ص 314، وفيه عند ابن أبي الدنيا محمد بن عبد الملك بن حميد المكي، وعلي بن نوح لم أجد لهما ترجمة، وهو منقطع من رواية عكرمة مولى ابن عباس عن عمر رضي الله عنه، وفيه عند الخرائطي المنهال بن حماد السراج، لعله الذي ذكره ابن حبان في الثقات 9/100، وإن لم يكن هو، فلم أجد له ترجمة، وسليمان العجلي، لعله ابن كندير لا بأس به من الرابعة. تق 254.(4/54)
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة(1).
وروي أنه قال: من يصحب صاحب السوء لا يسلم(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال في العزلة راحة من خلطاء السوء(3).
ومن مبادئ الصحبة والصداقة التي أرشد إليها عمر رضي الله عنه، أن يكون المرء المسلم معتدلاً في محبته وبغضه فلا يحب لدرجة الكلف والغلو، ولا يبغض لدرجة العداوة الشديدة.
قال رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفاً، ولا بغضك تلفاً(4).
وحث عمر رضي الله عنه على التكافل الاجتماعي والتعاون وبذل الخير بين أفراد المجتمع لما في ذلك من إشاعة المودة والألفة والأخوة في المجتمع المسلم، وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل بمجموعها على هذا المعنى.
__________
(1) رواه أحمد / الزهد ص: 149، وكيع / الزهد 2/544، وهو منقطع من رواية عون بن عبد الله بن عتبة، وهو ثقة من الرابعة روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أبي عاصم / الزهد ص 45، وفي إسناده سلام بن أبي مطيع، ثقة في روايته عن قتادة ضعف. تق 261، وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3) رواه أحمد / الزهد ص 149، وكيع / الزهد 2/514، ابن أبي عاصم / الزهد ص 44، البيهقي / الزهد الكبير ص 93، وإسناده عند أحمد، ووكيع والبيهقي معضل من رواية إسماعيل بن أمية الأموي، ثقة من السادسة، روايته عن عمر معضلة.
وهو عند ابن أبي عاصم معضل أيضاً من رواية مسعر بن كدام عن وديعة الأنصاري رضي الله عنه، وهوثقة من السابعة. فالأثر ضعيف.
(4) رواه البخاري/ الأدب المفرد ص: 448، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/340، 341، الطبري / التاريخ/ تهذيب الآثار / مسند علي ص 286، صحيح من طريق البخاري.
قال: حدّثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرنا محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا زيد ابن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب، قال: لا يكن... الأثر.(4/55)
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه مر في السوق بعد صلاة الغداة، فسمع صوت مولود يبكي، فقام عليه فإذا عنده أمه، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: جئت إلى هذا السوق لبعض الحاجة، فعرض لي المخاض، فولدت غلاماً،وهي إلى جنب دار قوم في السوق، فقال عمر: هل شعر بك أحد من أهل هذه الدار؟ أما إني لو علمت أنهم شعروا بك ثم لم ينفعوك، فعلت بهم، وفعلت، ثم دعا لها بشربة سويق فقال: اشربي هذه تقطع الحشا، وتعصم الأمعاء، وتدر العروق(1).
وروي أن الضحاك بن خليفة(2) رضي الله عنه ساق خليجاً له من العريض(3)، فأراد أن يمر في أرض محمد بن مسلمة(4) رضي الله عنه، فأبى محمد فقال الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب منه أولاً وآخراً، ولا يضرك ؟! فأبى محمد، فكلم الضحاك عمر رضي الله عنه، فدعا محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال: لا، فقال عمر لمحمد بن مسلمة: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك منفعة تشرب منه أولاً وآخراً ولا يضرك ؟! فقال محمد بن مسلمة: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به، ولو على بطنك، فأمر عمر أن يمر به ففعل الضحاك(5).
__________
(1) رواه البيهقي / السنن الكبرى 6/201، وفي إسناده عارم بن الفضل، ثقة اختلط ولم يظهر لي هل سماع علي بن الحسن بن بيان وهو الراوي عنه هنا كان قبل اختلاطه أم بعده، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وسنده متصل.
(2) الضحاك بن خليفة الأنصاري الأشهلي، شهد أحداً، وتوفي آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/294.
(3) العُرَيض: ناحية من المدينة في طرف حرة واقم شملها اليوم العمران، ما زالت معروفة. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 205.
(4) تقدمت ترجمته في ص: (660).
(5) رواه مالك / الموطأ 2/467،468، البيهقي / السنن الكبرى 6/157، ومداره على يحيى بن عمارة الأنصاري، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند مالك ثقات، فالأثر ضعيف.(4/56)
وروي أن أناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سافروا فأرملوا(1) فمروا بحي من الأعراب، فسألوهم القرِى فأبوا، فسألوهم الشرى فأبوا، فضبطوهم، وأصابوا من طعامهم، فذهبت الأعراب إلى عمر رضي الله عنه يشكوهم، فأشفقت الأنصار، فقال عمر: تمنعون ابن السبيل ما يخلق الله بالليل والنهار في ضروع الإبل والغنم ؟! لابن السبيل أحق من التأني عليه(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: إذا كنتم ثلاثة، فأمّروا أحدكم يعني في السفر، فإذا مررتم براعي إبل، أو راعي غنم، فنادوه ثلاثاً فإن أجابكم أحد فاستسقوه، وإلا فانزلوا فاحلبوا واشربوا ثم صروا(3).
وهذا الأثر والذي قبله يرتقي لدرجة الحسن لغيره ويدل على إلزام عمر رضي الله عنه لأهل البادية بإغاثة ابن السبيل الذي نفد زاده.
وروي أن رجلاً استقى على باب قوم، فأبوا أن يسقوه فأدركه العطش فمات فضمنهم(4).
وحرص عمر رضي الله عنه على إزالة أسباب الشقاق والفرقة والبغضاء بين أفراد المجتمع المسلم، فكان يعاقب من يتعرض لأعراض الناس، ويذكر معائبهم ويقدح فيهم لما يسببه ذلك من العداوة والتقاطع والتدابر بين أفراد المجتمع المسلم.
__________
(1) أرمل القوم: نفذ زادهم. ابن منظور / لسان العرب 5/321.
(2) رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 478/أ، البيهقي / السنن الكبرى 10/3،4، ومداره على عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ثقة من الثانية، روايته عن عمر مرسلة على الصحيح، وبقية رجاله عند مسدد ثقات. فالأثر ضعيف.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 4/58،59، ابن أبي شيبة / المصنف 4/479، البيهقي / السنن الكبرى 9/359، ومداره على الأعمش، وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/452، وفي إسناده أشعث بن سوار، ضعيف. تق 113، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.(4/57)
قال أبو رجاء العطاردي(1) رحمه الله تعالى: كان عمر وعثمان رضي الله عنهما يعاقبان على الهجاء(2).
وقد تقدم ما ورد من معاقبة عمر للحطيئة بحبسه وهمه بقطع لسانه لما هجا الزبرقان بن بدر(3).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على معاقبة من يتعرض لأعراض الناس بالقدح والسب والشتم أن رجلاً هجا قوماً في زمان عمر رضي الله عنه، فجاء رجل منهم فاستأدى(4) عليه عمر فقال عمر رضي الله عنه: لكم لسانه، ثم دعا الرجل، فقال: إياكم أن تعرضوا له بالذي قلت، فإني إنما قلت ذلك عند الناس كيما لا يعود(5).
وروي أن رجلاً جاء إلى كعب(6)
__________
(1) أبو رجاء العطاردي عمران بن ملحان، ثقة مخضرم. تق 430.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/500، صحيح. قال: حدّثنا معاذ عن عوف عن أبي رجاء أن عمر... الأثر.
(3) انظر ص: 198-200.
(4) استأدى: آدَيْتُه على أفعلته، أي: أعنته، وآداني السلطان عليه أعداني، واستأديته عليه استعديته وآديته عليه أي: أعنته. ابن منظور/ لسان العرب1/100.
(5) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/177،178، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.
(6) هو: كعب بن عُجْرَة بن أمية بن عديّ بن عبيد بن الحارث البلوي ثم السواري، الأنصاري المدني، أبو محمد، صحابي مشهور. فيه نزل قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} سورة البقرة آية: 196. شهد عمرة الحديبية. روى عنه أهل المدينة وأهل الكوفة. نزل الكوفة ومات بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة. تق 461.
انظر: الاستيعاب/ ابن عبد البر3/1321، برقم: 2197، والإصابة/ ابن حجر5/448-449، برقم: 7434.(4/58)
بن عجرة رضي الله عنه، فجعل يذكر عبد الله بن أبي سلول، وما نزل فيه من القرآن ويسبه، وكان بين كعب وعبد الله بن أبي حرمة وقرابة، وكعب ساكت، فانطلق الرجل إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، ألم تراني ذكرت ما نزل في عبد الله بن أبي، فلم يكن من كعب، فالتقى عمر كعباً، فقال: ألم أخبر أن عبد الله ابن أبي ذكر عندك، فلم يكن منك، فقال كعب: قد سمعت مقالته، فلما رأيته كأنه يعمد مساءتي، فقال عمر: وددت لو ضربت أنفه، أو وددت أني لو كسرت أنفه(1).
المطلب الثالث: الاهتمام بالأنساب والأسماء، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الاهتمام بالأنساب:
إن معرفة النسب والاهتمام به من المقاصد التي جاء بها الدين، وحث عليها الشارع الحكيم، ذلك لما لها من أهمية ومكانة اجتماعية عظيمة، فبمعرفة الأنساب تمكن صلة الأرحام والقرابات، وتتوقف على معرفة النسب مسائل هامة في النكاح والميراث والولاء وغيرها، لذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من انتساب المرء لغير نسبه الذي يعلم صحته، قال صلى الله عليه وسلم: "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم فليتبوأ مقعده من النار"(2).
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من التفاخر بالأنساب، ومعرفتها بغرض الاستعلاء بها على الناس، ولأجل الشهرة والسمعة والطعن في أنساب الغير.
قال صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهما كفر، الطعن في النسب، والنياحة على الميت"(3).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/193، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة من الثالثة، روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة على الصحيح. فالأثر ضعيف.
(2) رواه البخاري /الصحيح 2/266.
(3) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 2/57.(4/59)
ونظراً لهذه المكانة الاجتماعية الهامة التي تمثلها الأنساب فقد حرص عمر رضي الله عنه على العناية بها، والاهتمام بصحتها لتحقيق الغاية الاجتماعية الشرعية منها، وتمثل ذلك بما يلي:
1- الحرص على إلحاق الأبناء بآبائهم الشرعيين.
فقد جاء أن امرأة هلك عنها زوجها، فاعتدت أربعة أشهر وعشراً، ثم تزوجت حين حلت، فمكثت عند زوجها أربعة أشهر ونصفاً ثم ولدت له ولداً تاماً، فجاء زوجها عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فدعا عمر رضي الله عنه نسوة من نساء الجاهلية قدماء فسألهن عن ذلك، فقالت امرأة منهن: أنا أخبرك عن هذه المرأة، هلك عنها زوجها حين حملت، فهرقت الدماء، فحش(1) ولدها في بطنها، فلما أصابها زوجها الذي نكحت، وأصاب الولد الماء تحرك الولد في بطنها، وكبر، فصدقها عمر رضي الله عنه، وفرق بينهما، وقال لهما: أما إنه لم يبلغني عنكما إلا خيراً، وألحق الولد بالأول(2).
فقد تحرى عمر رضي الله عنه في هذه القضية المشكلة، وسأل نساء الجاهلية وذلك لما للنساء من خبرات وتجارب في مسائل الحمل والوضع.
وكان عمر رضي الله عنه يستعين في تحريه فيمن أشكل أمره من الأولاد حتى يلحقه بنسبه الصحيح بالقافة الذين يعرفون شبه الولد بأبيه.
__________
(1) حش: أي يبس. ابن منظور / لسان العرب 3/188.
(2) مالك / الموطأ 2/463،464، البيهقي / السنن الكبرى 7/422،444، صحيح من طريق مالك.
قال: عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التميمي عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ أمية أن امرأة... الأثر.(4/60)
جاء رجلان إلى عمر رضي الله عنه كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا عمر قائفاً فنظر إليهما، فقال القائف: لقد اشتركا فيه، فضربه عمر بالدرة وقال: وما يدريك؟ ثم دعا المرأة فقال: أخبريني خبرك، فقالت: كان هذا لأحد الرجلين يأتيها، وهي في الإبل لأهلها، فلا يفارقها حتى يظن وتظن قد استمر بها حمل، ثم انصرف عنها، فهرقت الدماء، ثم خلف هذا يعني الآخر، ولا أدري من أيهما هو، فكبر القائف، فقال عمر للغلام، والِ أيهما شئت(1).
وروي أن ثلاثة من التجار، تداولوا جارية فولدت فدعا عمر القافة فألحقوا ولدها بأحدهم(2).
وقد حذر عمر رضي الله عنه أولياء الإماء الذين ينكحوهن من إطلاقهن يخرجن من غير رقابة مما يعرضهن لأيدي الفساق، ووقوعهن في الفاحشة، وتوعد من فعل ذلك بإلحاق أولاد إمائه به، سواء أقر بذلك أم لم يقر، وذلك حرصاً منه رضي الله عنه على محافظة الرجال على إمائهن وولائدهن حتى لا ينشأ منهن أبناء في المجتمع لا يعرفون آباءهم.
قال عمر رضي الله عنه: ما بال رجال يطأون ولائدهم، ثم يدعونهن يخرجن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فأمسكوهن بعد أو أرسلوهن(3)
__________
(1) رواه مالك / الموطأ 2/414، الشافعي / المسند 2/464 مختصراً، ورجال إسناده عند مالك ثقات، وهو منقطع من رواية سليمان بن يسار الهلالي، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وهو عند الشافعي منقطع أيضاً من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله ثقات، فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/224، وفي إسناده عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية عطاء ابن أبي رباح،عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(3) رواه مالك / الموطأ 2/461، الشافعي / المسند 223،224، صحيح من طريق مالك.
قال: عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال... الأثر.(4/61)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه مر على غلمان على بئر يدلون فيها، ومعهم أمة تدلي معهم فقال: ها ! لعل صاحب هذه أن يكون يصيب منها، ثم يبعثها فيما ترون، أما إنها لو جاءت بولد ألحقناه به(1).
2- إنكار عمر رضي الله عنه، ومعاقبته لمن ينتسب لغير أبيه:
فقد أنكر رضي الله عنه على صهيب الرومي(2) رضي الله عنه انتسابه للعرب ولسانه أعجمي، ولكن صهيباً أوضح لعمر رضي الله عنه صحة نسبه وحقيقته.
قال رضي الله عنه لصهيب: ما فيك شيء أعيبه إلا ثلاث خصال لولاهن ما قدمت عليك أحداً، وذكر عمر منها وتنتسب عربياً ولسانك أعجمي، فقال صهيب رضي الله عنه: وأما انتسابي في العرب، فإن الروم سبتني وأنا صغير(3).
__________
(1) رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/64، ورجال إسناده ثقات، ولكنه معضل من رواية إبراهيم التيمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 147.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/226،227، أحمد / المسند 6/16، المعجم الكبير 8/37،38، الحاكم/ المستدرك 4/278، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 6/478، وفي إسناده عند ابن سعد، وأحمد والحاكم والبيهقي عبد الله ابن محمد بن عقيل، صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بأخره. تق 321، وفيه حمزة بن صهيب مقبول من الثالثة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، وفي إسناده عند الطبري عبد الله بن مصعب بن عبد الله، قال الخطيب: ولاه الرشيد إمارة المدينة واليمن، وكان محموداً في ولايته جميل السيرة، مع جلالة قدره وعظم شرفه، وكان مالك إذا ذكره قال: المبارك، ونقل عن ابن معين أنه قال: كان ضعيف الحديث، لم يكن عنده كتاب إنما كان يحفظ، تاريخ بغداد 10/173،176، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وسنده متصل، فالأثر حسن، وقد حسنه الحافظ الذهبي في تعليقه على الحاكم.(4/62)
وعاقب عمر رضي الله عنه من انتسب لغير أبيه وقومه، فقد كان في زمانه مملوك يقال له كيسان، فسمى نفسه قيساً، وادعى نفسه إلى مواليه ولحق بالكوفة، فركب أبوه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين ولد على فراشي ثم رغب عني، وادعى إلى مواليه، ومولاي.فقال عمر رضي الله عنه: أزيد بن ثابت، ألم تعلم أنا كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، فقال زيد: بلى، فقال عمر: انطلق فاقرن ابنك إلى بعيرك، ثم انطلق به، فاضرب بعيرك سوطاً وابنك سوطاً(1).
3- الحث على تعلم النسب لصلة الأرحام والقرابات:
قال عمر رضي الله عنه: تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم والله ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء، ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلة الرحم لأوزعه ذلك عن انتهاكه(2).
4- التحذير من التفاخر بالأنساب ومعاقبة من فعل ذلك، والإنكار عليه:
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 9/51،52، صحيح. قال: عن معمر عن أيوب عن عديّ بن عديّ عن أبيه أو عن عمه، أن مكحولاً... الأثر.
(2) رواه البخاري / الأدب المفرد ص 39، وفي إسناده عتاب بن بشير، قال ابن حجر: صدوق يخطئ. تق 380، وقال أحمد بن حنبل: روى بآخره أحاديث منكرة، وما أرى أنها إلا من قبل خصيف، وفي روايته عنه أحاديث منكرة، وقال ابن عدي: روى عن خصيف نسخة، وفي تلك النسخة أحاديث ومتون أنكرت عليه. المزي / تهذيب الكمال 19/287، ومن حاشية بشار. وروايته هنا عن غيره، فهو يروي هنا عن إسحاق بن راشد الزهري. فالأثر حسن إن شاء الله، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 55.(4/63)
بلغ عمر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا آل بني تميم، فحرم عمر رضي الله عنه بني تميم العطاء سنة، ثم أعطاهم في رأس السنة عطاءين(1)، وذلك تأديباً لهذا الرجل الذي أراد إثارة العصبيات والحميات الجاهلية.
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه الدالة بمجموعها على معاقبة عمر رضي الله عنه من اعتز وتفاخر بقومه ونسبه.
روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد، فإنه بلغني أنه دعي في جندك بدعوى الجاهلية، وأنه قيل: يا آل ضبة، إن ضبة لم تجز خيراً قط، ولم تدفع سوءاً قط، فإذا جاءك كتابي هذا، فأنزل بهم عقوبة في أشعارهم وأبشارهم، لعلهم يعرفون إن لم يفقهوا(2).
وروي أن رجلاً من قبيلة بلي حي من قضاعة بالشام نادى: يا آل قضاعة، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إلى عامل الشام، أن يسير ثلث قضاعة إلى مصر(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: من اعتز بالقبائل فأعضوه(4).
وعاب عمر رضي الله عنه على من احتقر أهل النسب الوضيع من الموالي وغيرهم وتوعده بالعقوبة.
فقد روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل بمجموعه على ذلك.
__________
(1) رواه عبد الرزاق / الأمالي ص 78، ابن أبي شيبة / المصنف 7/463، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: أنا ابن المبارك عن عاصم عن أبي عثمان، قال: بلغ عمر... الأثر.
(2) رواه عبد الرزاق / الأمالي ص 77، ابن أبي شيبة / المصنف 7/456، ومداره على عامر الشعبي روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 116، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى العباس بن طالب، قال أبو زرعة: ليس بذاك،ميزان الاعتدال 2/384، وذكره ابن حبان في الثقات 8/510.
(4) أعضوه: أي أعيبوا عليه. ابن منظور / لسان العرب 9/256،257.
رواه ابن أبي شيبة /المصنف 7/456، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية أبي مجلز لاحق بن حميد عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من كبار الثالثة. فالأثر ضعيف.(4/64)
روي أن قوماً قدموا على عامل لعمر رضي الله عنه، فأجاز العرب وترك الموالي، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم(1).
وروي أن سعد بن أبي وقاص كان بينه وبين سلمان الفارسي رضي الله عنهما شيء، فقال سعد وهم في مجلس: انتسب يا فلان، فانتسب ثم قال للآخر: انتسب، حتى بلغ سلمان، فقال: انتسب يا سلمان، فقال: ما أعرف لي أباً في الإسلام، ولكني سلمان ابن الإسلام، فنمى ذلك عمر رضي الله عنه، فقال لسعد ولقيه: انتسب يا سعد، فقال: أشهد الله يا أمير المؤمنين وكأنه قد عرف، فأبى أن يدعه حتى انتسب، ثم قال للآخر: انتسب حتى بلغ سلمان فقال: انتسب يا سلمان، فقال: أنعم الله علي بالإسلام، فأنا سلمان ابن الإسلام.
قال عمر: قد علمت قريش أن الخطاب كان أعزهم في الجاهلية، وأنا عمر ابن الإسلام أخو سلمان في الإسلام، أما والله لولا لعاقبتك عقوبة يسمع بها أهل الأمصار، أما علمت أو أما سمعت أن رجلاً انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية، فكان عاشرهم في النار، وانتمى رجل إلى رجل في الإسلام، وترك ما فوق ذلك، فكان معه في الجنة(2).
__________
(1) رواه أحمد / الزهد ص 150، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/438، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.(4/65)
وروي أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فقال: استأذنوا لابن الأخيار، فقال عمر رضي الله عنه: ائذنوا له، فلما دخل قال له عمر رضي الله عنه: من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان بن فلان، فجعل يعد رجالاً من أشراف الجاهلية، فقال له عمر رضي الله عنه: أنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؟ قال: لا، قال: ذلك ابن الأخيار، وأنت ابن الأشرار، إنما تعد علي رجالاً من أهل النار(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج يمشي وإذا رجل يخطر بين يديه وهو يقول: أنا ابن بطحاء مكة كدياً فكداها(2)، فوقف عليه عمر رضي الله عنه فقال: إن يك لك دين فلك كرم، وإن يكن لك عقل فلك مروءة، وإن يكن لك مال، فلك شرف وإلا فأنت والحمار واحد(3).
المسألة الثانية: الاهتمام بالأسماء:
كان عمر رضي الله عنه حريصاً على أن تتسمى رعيته بالأسماء الحسنة والتي لا تدل على معنى مكروه أو مستقبح.
__________
(1) رواه الحاكم/ المستدرك 2/347، وفي إسناده محمد بن سنان القزاز، اتهمه أبو داود وعبد الرحمن بن خراش بالكذب، وقال أبو عبيدة: ليس عندي بثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال ابن حجر: ضعيف. تق 482، وهو منقطع من رواية عُلي بن رباح اللخمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2) كدي وكداء: موضعان، وقيل جبلان بمكة. ابن منظور / لسان العرب 12/50.
(3) رواه ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 211، وفي إسناده بكير بن بكر الغفاري، يروي عن أبيه لم أجد لهما ترجمة، وفيه نضلة لم أعرفه، ولعله نضلة الغفاري، قال ابن أبي حاتم حجازي له صحبة. الجرح والتعديل 8/499، وبقية رجاله ثقات.(4/66)
فقد غير رضي الله عنه اسم والد مسروق بن الأجدع إلى عبد الرحمن(1).
وأراد رضي الله عنه أن ينهى أن يسمي ببركة، وأفلح، ويسار، ونافع، ثم تركه(2).
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن ينهى عن تلك الأسماء ثم ترك ذلك، والعلة في ذلك، ليست لمعنى سيء في الاسم، ولكن كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرء قد يسأل فيقول: أثم بركة أو أفلح، أو يسار، فيقال: لا، إذا كان غير موجود، فينفي بذلك وجود البركة والفلاح واليسر(3).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدلّ على كراهيته لبعض الأسماء التي تحمل معنًى سيئاً أنه أراد أن يستعمل رجلاً، فسأله عن اسمه، واسم أبيه فقال: ظالم بن سراقة، فقال: تظلم أنت، ويسرق أبوك، ولم يستعن به(4).
وروي أن عمر رضي الله عنه أتاه كتاب من دهقان يقال له: جوابابنه، فأراد عمر رضي الله عنه أن يكتب إليه فقال: ترجموا لي اسمه، فقالوا: هذا بالعربية خير الفتيان، فقال عمر: إن من الأسماء أسماءً لا ينبغي أن يسمى بها، اكتب من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى شر الفتيان(5).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 6/76، أحمد / المسند 1/31، ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات، وهو منقطع من رواية محمد بن المنتشر عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة، وفي إسناده عند أحمد مجالد بن سعيد، ليس بالقوي. تق 520، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، وسنده متصل، فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره.
(2) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي14/18.
(3) انظر: مسلم / شرح النووي 14/117، 118.
(4) أورده ابن عبد ربّه/ العقد الفريد 2/157، من غير إسناد.
(5) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/41،42، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه.(4/67)
وروي أن عمر قال: لا تسموا الحكم ولا أبا الحكم، فإن الله هو الحكم(1).
وروي أنه رضي الله عنه غير اسم كثير بن الصلت(2) إلى كثير بعد أن كان اسمه قليل(3).
وكره عمر رضي الله عنه التسمي بأسماء الأنبياء فقد يحمل هذا الاسم من ليس له أهل.
فقد جمع عمر رضي الله عنه كل غلام اسمه اسم نبي، فأدخلهم داراً وأراد أن يغير أسماءهم فشهد آباؤهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم(4).
ودعا عمر رضي الله عنه ابنه عبد الرحمن ليغير كنيته، وكان يكنى أبا عيسى، فقال: يا أمير المؤمنين، والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى المغيرة بن شعبة بها(5).
وروي أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه جاء إلى عمر رضي الله عنه،فاستأذن عليه، فنادى: يستأذن أبو عيسى، فقال عمر رضي الله عنه:من أبو عيسى؟قال المغيرة بن شعبة:أنا، فقال عمر:وهل لعيسى أب؟!
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/42، وفي إسناده ليث بن أبي سليم، صدوق اختلط جداً، ولم يتميز حديثه فترك، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، وروايته عنه معضلة، فهو من السابعة. فالأثر ضعيف.
(2) تقدمت ترجمته في ص: (804).
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 5/14، ورجال إسناده ثقات، وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن سعد / الطبقات 5/69، إسحاق بن راهويه / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 5/52/أ، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/321، ومداره على أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق يهم، وبقية رجاله عند إسحاق ثقات، وسنده متصل، فالأثر حسن.
(5) رواه أبو داود / السنن 4/291، ابن أبي خيثمة / التاريخ ص 158، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 2/60، صحيح من طريق ابن أبي عاصم.
قال: حدّثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي عن حبيب بن الشهيد عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: دعا عمر... الأثر.(4/68)
أما في كنى العرب ما تكتنون بها ؟! أبو عبد الله، أبو عبد الرحمن، فقال رجل: أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى بها المغيرة، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا في خلج(1)، ما ندري ما يفعل بنا، فكناه بأبي عبد الله(2).
وهذا الأثر يخالف الأثر الصحيح المتقدم وفيه أن عمر رضي الله عنه أقر تكني ابنه عبد الرحمن بأبي عيسى بعد أن أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى المغيرة بها، وهذا هو الذي يظن بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم التسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا خالف قولهم.
المبحث الرابع: الاهتمام بالحياة المعيشية، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الاهتمام بالعمل والحث على الكسب وطلب الرزق.
المطلب الثاني: الاهتمام بالمصالح الشخصية، وفيه أربعة مسائل:
المطلب الأول: الاهتمام بالعمل والحث على الكسب وطلب الرزق:
إن العمل والكسب وطلب الرزق من طرقه المشروعة،مما حث عليه ديننا القويم، وهو الذي تقوم عليه مصالح الناس، وتسير عليه دفة الحياة، وهو مصدر هام من مصادر الحياة المعيشية، فبالعمل تزدهر الحياة وترقى الأمم، وتنال عزتها، ولا تكون عالة على غيرها.
وقد حث رضي الله عنه الرعية على العمل والكسب، والاعتماد على النفس ونبذ الكسل والخمول، وبين رضي الله عنه أن ذلك لا يتعارض مع العبادة، والتقرب إلى الله عز وجل، وأداء ما أوجب، وأيضاً لا ينافي الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
__________
(1) اخْتَلَجَ الشيء في صدري وتخالج: احتكأ مع شك. ابن منظور / لسان العرب 4/169.
(2) رواه الحاكم / المستدرك 3/450، وفي إسناده شيخ الحاكم أحمد بن يعقوب، وشيخه أبو مسلم لم أجد لهما ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية زيد بن أسلم عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.(4/69)
قال رضي الله عنه: يا معشر القراء، ارفعوا رؤوسكم، ما أوضح الطريق فاستبقوا الخيرات، ولا تكونوا كلاً على المسلمين(1).
وحث رضي الله عنه رعيته على الكسب، والمحافظة على مصادر الرزق وتنميتها.
قال الحارث بن لقيط النخعي(2): كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذا ؟! فجاءنا كتاب عمر: أن أصلحوا ما رزقكم الله، فإن في الأمر تنفساً(3).
وحث عمر رضي الله عنه رعيته على العمل والكسب، وأن يتخذ المرء صنعة أو مصدر رزق له، وأن لا تكون نظرته قاصرة على يومه الذي يعيش فيه، فقد يكون لديه من المال والعطاء ما يغنيه عن العمل، ولكنه قد يفتقر، وقد ينقطع مصدر رزقه في يوم من الأيام.
قال عمر رضي الله عنه لأبي ظبيان(4): كم مالك يا أبا ظبيان؟ قال: قلت: أنا في ألفين وخمسمائة، قال: فاتخذ شاءاً، فإنه يوشك أن تجيء أغيلمة من قريش يمنعون العطاء(5).
__________
(1) رواه البيهقي / شعب الإيمان 3/418، وسنده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، صدوق اختلط ولكن سماع طلق بن غنام الراوي عنه هنا كان قبل اختلاطه، فالأثر حسن.
(2) الحارث بن لقيط النخعي، ثقة مخضرم، من الثانية. تق 147.
(3) رواه هناد / الزهد 2/655، البخاري / الأدب المفرد ص 168، وكيع / الزهد 3/785، صحيح من طريق البخاري.
قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا حنش بن الحارث عن أبيه، قال: كان الرجل منا... الأثر.
وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 180،181.
(4) أبو ظَبْيَان حصين بن جندب بن الحارث الجَنْبي، ثقة من الثانية. تق 169.
(5) رواه يحيى بن معين / التاريخ /رواية الدوري، ابن أبي شيبة / المصنف 7/487،525، من طريقين، البخاري / الأدب المفرد ص 202، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا عبد الله بن الوليد عن موسى بن عبد الله ابن يزيد عن أبي ظبيان الأزدي، قال: قال عمر... الأثر.(4/70)
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه والدالة بمجموعها على حث عمر رضي الله عنه على العمل، وترك مسألة الناس، والاعتماد عليهم ما روي من أن عمر رضي الله عنه لقي ناساً من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، فقال: بل أنتم المتواكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله عز وجل(1).
وروي أن شاباً قوياً دخل المسجد، فقال: من يعينني في سبيل الله؟ فدعا به عمر رضي الله عنه، فأتي به، فقال: من يستأجر مني هذا بعمل في أرضه؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا أمير المؤمنين، فقال: بكم تأجره كل شهر؟ قال: بكذا وكذا، قال: خذه فانطلق به، فعمل في أرض الرجل شهراً ثم قال عمر للرجل: ما فعل أجيرنا؟ قال: صالح يا أمير المؤمنين، قال: ايتيني به، وبما اجتمع له من الأجر، فجاء به وبصرة من دراهم، فقال عمر للشاب: خذ هذه، فإن شئت فالآن فاغز، وإن شئت فاجلس(2).
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا / التوكل ص 61، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية معاوية بن قرة المزني عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(2) رواه البيهقي / شعب الإيمان 3/418،419، ورجاله ثقات، وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما، فالأثر ضعيف.(4/71)
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: فرقوا عن المنية واجعلوا الرأس رأسين(1)، ولاتلثوا بدار معجزة(2)، وأصلحوا مثاويكم(3)، وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم، واخشوشنوا(4).
وروي أنه قال: مكسبة فيها بعض الدنية خير من مسألة الناس(5).
__________
(1) أي إذا اشتريتم الرقيق أو غيره من الحيوان، فلا تغالوا في الثمن واشتروا بثمن الرأس الواحد رأسين فإن مات الواحد بقي الآخر، فكأنكم قد فرقتم مالكم عن المنيّة، ابن منظور / لسان العرب 1/243.
(2) لا تُلِثُّوا بدار معجزة: أي لا تقيموا بدار يعجزكم فيها الرزق والكسب، المصدر السابق 12/234.
(3) أي أصلحوا بيوتكم، والهوام هي الحيات والعقارب. المصدر السابق 2/152.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 5/162،164، أبو عبيد / غريب الحديث 2/68، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/304، ومداره على أبي العدبس الأشعري، منيع بن سليمان الأسدي، ذكره ابن حبان في الثقات 5/454، وقال ابن حجر: مقبول. تق 658، وبقية رجاله ما بين ثقة،وصدوق، وسنده متصل، وقد ورد الجزء من الأثر (وأصلحوا مثاويكم) عند البخاري في الأدب المفرد ص 159، بإسناد رجاله ثقات سوى محمد بن عجلان فهو صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، فترتقي هذه الفقرة لدرجة الحسن لغيره، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 171.
(5) رواه البلاذري /أنساب الأشراف ص 227، وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد المؤمن الرام ذكره البخاري في التاريخ الكبير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 5/319، وذكره ابن حبان في الثقات 8/372، وبقية رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية بكر بن عبد الله المزني عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.(4/72)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يمشي في طريق ومعه عبد الله ابن عمر رضي الله عنه، فرأى جارية تطيش مرة، وتقوم أخرى، فقال: ها بؤس لهذه هاه، من يعرف تياه؟ فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك، قال: بناتي ؟! قال: نعم، قال: من هي؟ قال: بنت عبد الله بن عمر، قال: ويلك يا عبد الله بن عمر، أهلكتها هزلاً، قال: ما نصنع منعتنا من عندك، فنظر إليه فقال: ما عندي؟ عزك أن تكسب لبناتك كما تكسب الأقوام؟ لا والله مالك عندي إلا سهمك مع المسلمين(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الجار(2)، فوجد حبًّا منثوراً فجعل عمر يلتقطه حتى جمع منه مدّاً أو قريباً من مد، ثم قال لرجل من الصيادين ألا أراك تصنع مثل هذا، وهذا قوت رجل من المسلمين حتى الليل، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، لو ركبت لتنظر كيف نصطاد، فركب عمر رضي الله عنه معهم فجعلوا يصطادون، فقال عمر: تا الله إن رأيت كاليوم كسباً أطيب أو قال أحل...الأثر(3).
المطلب الثاني: الاهتمام بالمصالح الشخصية، وفيه أربعة مسائل:
المسألة الأولى: الاهتمام بالأطعمة والأشربة:
__________
(1) رواه ابن المبارك / الزهد ص 375، ابن أبي شيبة / المصنف 7/95، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات، فالأثر ضعيف.
(2) مدينة تاريخية كانت تشبه جدة اليوم، فكان البحر الأحمر ينسب شرقيه إليها، فيقال بحر الجار، وظلت ميناء عامراً للمدينة المنورة حتى القرن السادس الهجري، وتقع على بعد عشرة أكيال شمالاً من الرايس وتسمى اليوم بالبُريكة. انظر / البلادي / على طريق الهجرة ص 209،210.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/94، ورجال إسناده ثقات، وفيه أبو يزيد المدني، قال الذهبي: ثقة، الكاشف 2/472، وقال ابن حجر: مقبول. تق 685، وبقية رجاله ثقات، وفيه إبهام بالراوي عن عمر رضي الله عنه، ففي السند عن أبي يزيد المدني، حدثني رجل من الصيادين.(4/73)
لقد حرص عمر رضي الله عنه على أن تكون الأطعمة والأشربة التي يتناولها الناس مما أباحه الله عز وجل، ولا تشوبه شائبة حرام، خصوصاً بعد تفرق المسلمين في البلاد المفتوحة، من بلاد فارس والروم والتي تكثر فيها الأطعمة والأشربة المحرمة والمشبوهة.
كتب عمر رضي الله عنه إلى جنده بأذربيجان(1): بلغني أنكم في أرض يخالط طعامها الميتة، ولباسها الميتة، فلا تأكلوا إلا ما كان ذكياً، ولا تلبسوا إلا ما كان ذكياً(2).
وقد بين عمر رضي الله عنه لرعيته حل بعض الأطعمة التي كانت عند الكفار، وأجاز لهم تناولها وأكلها، ومن ذلك الجبن، وذبائح بعض الطوائف فقد وصف الجبن لعمر رضي الله عنه حين أصابه المسلمون من المجوس فأكلوا ولم يسألوا فقال رضي الله عنه: اذكروا اسم الله عليه،وكلوه(3).
وكتب عامل لعمر رضي الله عنه فقال: إن ناساً قبلنا يدعون السامرة يقرأون التوراة، ويسبتون السبت، لا يؤمنون بالبعث، فما يرى أمير المؤمنين في ذبائحهم؟ فكتب إليه عمر: إنهم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب(4).
__________
(1) تقدم التعريف بها في ص (612).
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 6/102،103. صحيح.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا ابن أبي غنية عن الحكم عن زيد ابن وهب، قال: غزونا أذريبيجان... الأثر.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 4/539، الجعد / المسند 1/375، ابن أبي شيبة / المصنف 5/130، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا جرير عن مغيرة عن أبي وائل وإبراهيم، قالا: لما قدم... الأثر.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 4/487، ورجال إسناده ثقات سوى أبي العلاء برد بن سنان فهو صدوق، فالأثر حسن.(4/74)
ومن اهتمام عمر رضي الله عنه بالأطعمة إرشاده لبعض الأطعمة التي فيها المنفعة الكبيرة مع قلة مؤنتها وسهولة حصول الفقير عليها من ذلك قوله رضي الله عنه: لا تنخلوا الدقيق فإنه طعام كله(1).
فبين عمر رضي الله عنه أهمية هذا الطعام، وهو نخالة الدقيق، والتي ربما كان الناس لا يُعيرونها أهمية كبيرة، وقد أثبت الطب الحديث فوائد نخالة الدقيق لصحة الجسم وقوته.
ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه في الضب(2): إن الله ينفع به غير واحد، فإنما طعام عامة الرعاء منه، ولو كان عندي لطعمته(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً سميناً في عام سنة، فقال: ما طعامك؟ قال: الضباب، قال عمر: وددت أن لي في كل حجر ضب ضبين(4).
وروي عن عمر رضي الله عنه التحذير من الإكثار من بعض الأطعمة لما في الإكثار منها من ضرر على الصحة.
__________
(1) رواه ابن المبارك / الزهد ص 206، الجعد / المسند 2/130، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/261، ومداره على مبارك بن فضالة، صدوق. تق 519، وبقية رجاله عند ابن شبة ثقات، فالأثر حسن.
(2) الضَّبّ: حيوان من جنس الزواحف من رتبة العَظَاء، غليظ الجسم خشنه، وله ذنب عريض حَرِش، أعقد، يكثر في صحاري الأقطار العربية. المعجم الوسيط 1/532.
(3) رواه مسلم / الصحيح 13/102،103.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/124،125، ورجال إسناده ثقات سوى سعيد بن معبد الراوي عن عمر رضي الله عنه، لم أعرفه، ولعله الذي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وقال يروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 4/63.(4/75)
فقد روي عن عمر رضي الله عنه التحذير من إكثار أكل اللحم، روي أنه قال لبنيه: لا تديموا أكل اللحم(1).
وروي أنه قال: إياكم وكثرة اللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر(2).
وكان عمر رضي الله عنه يحث رعيته على الزهد في الأطعمة وعدم التوسع فيها، ويذكرهم بحال نبيهم صلى الله عليه وسلم.
قال رضي الله عنه: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يجد من الدقل(3) ما يملأ به بطنه(4).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في حثه رعيته على الزهد في الأطعمة أنه دخل على ابنه عاصم وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ فقال: قرمنا إلى اللحم، فقال عمر رضي الله عنه: كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما يشتهي(5).
وروي أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مر على عمر رضي الله عنه بلحم قد اشتراه بدرهم، فقال عمر: ما هذا؟ قال: اشتريته بدرهم، قال: كلما اشتهيت شيئاً اشتريته؟! لا تكون من أهل هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا}(6).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/141، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق سوى هشام بن حبيش الخزاعي الراوي عن عمر رضي الله عنه، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 9/53، وذكره ابن حبان في الثقات 5/501.
(2) رواه مالك/ الموطأ 2/111، ورجال ثقات، وهو معضل من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة، فالأثر ضعيف.
(3) تقدم التعريف به في ص (911).
(4) صحيح. تقدم تخريجه في ص: (911).
(5) رواه ابن المبارك / الزهد ص 266، أحمد / الزهد ص 153، ومداره على الحسن البصري، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، ورجاله ثقات، فالأثر ضعيف.
(6) سورة الأحقاف من الآية (20).
رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/140، ورجال إسناده ثقات، وفيه إبهام بشيخ الأعمش، حيث قال: عمن حدثه.(4/76)
وروي أن عمر رضي الله عنه بلغه أن يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه يأكل ألوان الطعام، فقال عمر رضي الله عنه لمولاه يرفأ: إذا عملت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني، فلما حضر عشاؤه أعلمه، فأتى عمر، فسلم واستأذن، فأذن له، فدخل فقرب عشاؤه، فجاء بثريدة لحم، فأكل عمر معه منها، ثم قرب شواء، فبسط يزيد يده، فكف عمر، ثم قال: الله يا يزيد بن أبي سفيان، أطعام بعد طعام؟ والذي نفس عمر بيده لأن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقتهم(1).
وأما اهتمام عمر رضي الله عنه بالأشربة فإنه قد حرص على إبعاد رعيته عن شرب ما حرم الله كشرب الخمر، وحذرهم من شربها، وحثهم على التحري في الأشربة مخافة الوقوع في الحرام، قال رضي الله عنه وهو يبين أنواع الأشربة التي يدخل فيها الخمر حتى لا يلتبس الأمر على الناس: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل، والخمر ما خامر العقل(2).
وعاقب عمر رضي الله عنه من باع الخمر، واتجر به، فقد بلغه رضي الله عنه أن رجلاً أثرى من بيع الخمر، فقال: اكسروا كل آنية له، وسيروا كل ماشية له(3).
ونهى عمر رضي الله عنه رعيته عن الطعام مع من يشرب الخمر، خوفاً من التأثر به، ومشاركتهم في شربها، قال رضي الله عنه: لا يجاورنكم خنزير، ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر(4)
__________
(1) رواه ابن المبارك / الزهد ص 203،204، وسنده متصل ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، سوى يحيى الطويل، شيخ إسماعيل بن عياش، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 9/200.
(2) رواه البخاري/الصحيح 3/322، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي18/165.
(3) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف4/413.صحيح.
قال: حدّثنا وكيع بن إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني، قال: بلغ عمر... الأثر.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/61. صحيح.
قال: عن معمر عن زيد بن رفيع عن حرام بن معاوية، قال: كتب إلينا عمر... الأثر.(4/77)
.
وأجاز عمر رضي الله عنه شرب النبيذ(1) ما لم يتخمر، وأمرهم إذا خشوا تخمره باشتداده بصب الماء عليه، قبل أن يتخمر، فإذا تخمر حرم مطلقاً(2).
قال عبد الرحمن بن عثمان التيمي(3) رضي الله عنه: صاحبت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فأهدى له ركب من ثقيف(4) سطيحتين من نبيذ، فشرب عمر رضي الله عنه إحداهما طيبة، ثم أهدي له لبن فعدله عن شرب الأخرى حتى اشتد ما فيها، فذهب عمر رضي الله عنه يشرب منها، فوجده قد اشتد، فقال: اكسروه بالماء(5).
وقد أذن عمر رضي الله عنه في شرب وتناول الطلاء(6) الذي طبخ حتى ذهب ثلثاه ولم يكن مسكراً.
__________
(1) النَّبيذ: الماء الذي ينبذ فيه التمر أو الزبيب أو نحوهما، ما لم ينقلب إلى مسكر، فإذا صار مسكراً فهو خمر. معجم لغة الفقهاء ص 474.
(2) انظر ابن حجر / فتح الباري 10/40،41.
(3) عبد الرحمن بن عثمان التيمي ابن أخي طلحة، صحابي قتل مع ابن الزبير تق 346.
(4) ثقيف: اسمه قيس بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة، كان مواطنهم بالطائف. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/148.
(5) رواه عبد الرزاق/ المصنف9/266، البيهقي/ السنن الكبرى8/305 صحيح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو اليمان، أخبرني شعيب، قال: وحدّثنا الحجاج ثنا جدي جميعاً عن الزهري، أخبرني معاذ بن عبد الرحمن التيمي أن أباه عبد الرحمن بن عثمان قال: صاحبت عمر بن الخطاب.
(6) هو أن يطبخ العصير حتى يصير مثل طلاء الإبل، وهو الدبس، فإذا طبخ عصير العنب حتى تمدد أشبه طلاء الإبل، وهو على تلك الحالة لا يسكر غالباً. ابن حجر / فتح الباري 10/62-66.(4/78)
كتب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد فإنها قدمت عليَّ عير من الشام تحمل شراباً غليظاً أسود كطلاء الإبل، وإني سألتهم على كم يطبخونه، فأخبروني أنهم يطبخونه على الثلثين، ذهب ثلثاه الأخبثان، ثلث ببغيه، وثلث بريحه، فمر من قبلك يشربونه(1).
وكتب رضي الله عنه: أما بعد، فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان، فإن له اثنين ولكم واحد(2).
المسألة الثانية: الاهتمام بالألبسة.
لقد اهتم عمر رضي الله عنه بالألبسة التي ترتديها رعيته أن تكون مما أباحه الله عز وجل، وأن تكون على الصفة المشروعة، فمن الألبسة التي نهى عنها عمر رضي الله عنه رعيته:
1- لباس الكفار، ولبس الحرير:
كتب عمر رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد(3)، ومن معه من جند المسلمين بأذربيجان(4): يا عتبة بن فرقد إياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبوس الحرير، وقال: "إلا هكذا"، ورفع لنا إصبعيه(5).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 9/255، ابن أبي شيبة المصنف 5/92، النسائي / السنن الكبرى 3/240، صحيح من طريق النسائي.
قال: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله عن سليمان التميمي عن أبي مجلز عن عامر بن عبد الله أنه قال: قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى... الأثر.
(2) رواه النسائي / السنن الكبرى 3/240، 241، البيهقي / السنن الكبرى 8/ 301 صحيح من طريق النسائي.
قال: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله عن هشام عن ابن سيرين أن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: كتب إلينا عمر... الأثر.
(3) تقدمت ترجمته في ص (262).
(4) تقدم التعريف بها في ص (612).
(5) رواه البخاري / الصحيح 4/30،31، مسلم / الصحيح / شرح النووي 14/44-48، بالجزء الذي فيه النهي عن لبس الحرير فقط، وأما لفظ الأثر كاملاً فقد رواه أحمد / المسند 1/15/16، وإسناده صحيح.(4/79)
وقال سويد بن غفلة(1) رضي الله عنه: كنا غزاة بالشام، فقضينا غزاتنا فقدمنا على عمر وهو بظهر المدينة يستقبلنا أو يتلقانا، فلما رآنا وعلينا الديباج(2) والحرير، جعل يرمينا فرجعنا فخلعناها، ولبسنا بروداً يمانية، ثم أتيناه فلما رآنا قال: مرحباً بالمهاجرين إن الله عز وجل لم يرض الحرير والديباج لمن كان قبلكم فيرضاه لكم(3).
2- النهي عن لبس ما يدخل فيه جلود الميتة:
فقد كتب عمر رضي الله عنه إلى عماله: بلغني أنكم في أرض يخالط طعامها الميتة، ولباسها الميتة، فلا تأكلوا إلا ما كان ذكياً ولا تلبسوا إلا ما كان ذكياً(4).
ورأى عمر رضي الله عنه رجلاً عليه قلنسوة بطانتها جلود الثعالب، فألقاها عن رأسه، وقال: وما يدريك لعله ليس بذكي(5).
وقد حرص عمر رضي الله عنه أن تكون الألبسة على هيئة شرعية، فنهى رضي الله عنه عن إسبال الإزار للرجال.
رأى رضي الله عنه على عتبة بن فرقد قميصاً طويل الكم، فدعا بشفرة ليقطعه من أطراف أصابعه، فقال عتبة: يا أمير المؤمنين،إني أستحي أن تقطع كمي أنا أقطعه، فتركه(6)
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص (442).
(2) الديباج: الثياب المتخذة من الإبريسم. ابن منظور / لسان العرب 4/278، والإبريسم: أحسن الحرير. المعجم الوسيط 1/2.
(3) رواه الجعد / المسند 1/426،427، ابن أبي شيبة / المصنف 6/425، البلاذري / أنساب الأشراف ص 275، صحيح من طريق الجعد.
قال: أنا شعبة أنا عبد الله بن أبي الفسر، قال: سمعت الشعبي يحدث عن سويد ابن غفلة، قال: كنا غزاة...
(4) صحيح تقدم تخريجه في ص: (1019).
(5) رواه الطحاوي / مشكل الآثار 4/265. صحيح.
قال: حدّثنا يوسف بن يزيد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا يونس عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن عمر.. الأثر.
(6) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/169، ابن سعد / الطبقات 6/41، أحمد / الزهد ص 154، صحيح من طريق أحمد.
قال: حدّثنا يزيد حدّثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي عثمان النهدي أن عمر.(4/80)
.
ودخل شاب على عمر رضي الله عنه حينما طعن، فجعل يثني على عمر رضي الله عنه، فرأى عمر رضي الله عنه عليه إزاراً يمس الأرض، فقال له: يابن أخي ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك، وأبقى لثوابك(1).
ونهى عمر رضي الله عنه عن لبس النساء ما يصف بشرتهن، قال رضي الله عنه: لا تلبسوا نساءكم القباطي(2)، فإنه لا يشف يصف(3).
وحث عمر رضي الله عنه على الزهد في اللباس، وترك زيادة الترف والنعم، وحث على لبس ما ألفه المسلمون، قال رضي الله عنه: اتزروا وارتدوا، وانتعلوا، وألقوا الخفاف، والسراويلات، وذروا التنعم وزي العجم(4).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/297،298، ابن أبي شيبة / المصنف 5/166، وإسناد ابن أبي شيبة صحيح.
قال: حدّثنا غندر عن شبعة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن ابن مسعود، قال: دخل شاب... الأثر. ولفظه: (وأنقى لثوابك).
(2) القباطي: ثياب من كتان، بيض رقاق، كانت تنسج بمصر. المعجم الوسيط 2/711.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/51، ابن أبي شيبة / المصنف 5/164، البيهقي / السنن الكبرى 2/234،235.
وفي إسناده عند عبد الرزاق الأعمش وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية سليمان بن مسهر عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة.
وفيه عند ابن أبي شيبة انقطاع فهو من رواية أبي صالح السمان عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وبقية رجاله ثقات.
وفيه عند البيهقي انقطاع أيضاً، فهو من رواية عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وبقية رجاله ثقات، فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/84،85، ابن أبي شيبة / المصنف 5/171، أحمد / المسند 1/43، البلاذري / أنساب الأشراف ص 275، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 3/194، أبو يعلى / المسند 1/189، صحيح من طريقي أحمد وأبي يعلى.
قال أحمد: ثنا يزيد ثنا عاصم عن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب... الأثر.(4/81)
ولم يرد بذلك رضي الله عنه ترك التمتع بما أباح الله عز وجل، وحرمان النفس والتضييق عليها، بل إنه رضي الله عنه حث على إظهار النعمة والتوسيع على النفس، والتجمل بما أباح الله من اللباس، قال رضي الله عنه، إذا وسع الله عليكم، فأوسعوا، جمع رجل عليه ثيابه، صلى رجل في إزار ورداء وقميص في إزار، وقباء(1) في تبان(2)، في تبان وقميص(3).
المسألة الثالثة: الاهتمام بالمساكن:
حث عمر رضي الله عنه على الاهتمام بالمساكن وإصلاحها، والمحافظة على مرافقها حتى تبقى صالحة للعيش، والإقامة فيها، قال رضي الله عنه: أصلحوا مثاويكم(4).
ولكنه رضي الله عنه نهى رعيته عن الإفراط في الاهتمام بالمنازل وتزيينها بما يصل لحد المباهاة والسرف والبذخ، وعاقب رضي الله عنه من فعل ذلك.
بلغه رضي الله عنه أن ابناً له ستر جدران منزله، وجللها زيادة في تزيينها وتجميلها، فقال رضي الله عنه: لئن كان ذلك لأحرقن بيته(5).
وروي عن عمر رضي الله عنه كراهيته لرفع بناء المساكن.
__________
(1) القّبَاء: ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص. المعجم الوسيط 2/713.
(2) التبان: سراويل قصيرة إلى الركبة، أو ما فوقها، تستر العورة. المصدر السابق 1/82.
(3) رواه البخاري / الصحيح 1/76،77، مالك / الموطأ 2/81،82، وغيرهما.
(4) حسن لغيره، تقدم الكلام عليه في ص: (1016). وهو جزء من الأثر "فرقوا عن المنية...".
(5) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/204، صحيح. قال: حدّثنا يعلى بن عبيد عن فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر، قال: بلغ عمر... الأثر.(4/82)
روي أن أهل الكوفة بعثوا إلى عمر رضي الله عنه يستأذنونه في البناء باللبن، فقال عمر: افعلوا، ولا يزيدن أحدكم عن ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا في البنيان، والزموا السنة، تلزمكم السنة، وكتب ألا يرفعوا بنياناً فوق القدر، قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف، ولا يخرجكم من القصد(1).
وروي أنه قال: لا تطيلوا بيوتكم، فإنه من شر أعمالكم(2).
وروي أن الناس استأذنوا عمر في البناء بالمدر، فكتب: إني كنت أكره لهم البناء، فأما إذا فعلوه فليقلوا السمك(3)، ويعرضوا الجدر، ويقاربوا بين الخشب في السقوف(4).
المسألة الرابعة: الاهتمام بالصحة:
إن من اهتمام عمر رضي الله عنه برعيته، اهتمامه بصحتهم، وحرصه على خلوهم من الأمراض استبقاءً لهم وحرصاً على سلامة المجتمع المسلم وتمتع أفراده بالعافية التي يستطيعون معها القيام بواجباتهم، وما أراد الله منهم من العبادات، والقيام بنشر دين الله بالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله.
__________
(1) رواه الطبري / التاريخ 2/479، وفي إسناده شعيب بن إبراهيم فيه جهالة. ميزان الاعتدال 2/275، وفيه سيف بن عمر التميمي، ضعيف. تق 362.
(2) رواه ابن سعد /الطبقات 8/486، البخاري / الأدب المفرد ص 161، البلاذري / أنساب الأشراف ص 348،349، ومداره على عبد الله الرومي لم أعرفه، يروي عن أم طلق، قال ابن حجر: لا يعرف حالها. تق 757، فالأثر ضعيف، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الأدب المفرد ص 50.
(3) السَّمْكُ: هو من أعلى البيت إلى أسفله. ابن منظور / لسان العرب 6/369.
(4) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 209،210، وفي إسناده مسلمة بن محارب الزيادي، ذكر ابن أبي حاتم، ولم يذكره فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 8/266، وفيه بشير بن عبد الله بن أبي بكرة لم أجد له ترجمة.(4/83)
ومن الآثار الدالة على اهتمام عمر رضي الله عنه بصحة رعيته وعافيتهم وحمايتهم من انتشار الأوبئة والأمراض فيهم، وتعريضهم للهلكة، موقفه رضي الله عنه من الإقدام بجند المسلمين على طاعون عمواس الذي وقع بالشام، فإنه رضي الله عنه لما بلغ سرغ لقيه أمراء أجناد المسلمين بالشام، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه بوقوع وباء الطاعون، فاستشار عمر رضي الله عنه أصحابه فاختلفوا، ثم أشار عليه مهاجرة الفتح بالرجوع، فمال عمر رضي الله عنه إلى قولهم، وتجهز للرجوع، ثم جاء عبد الرحمن بن عوف وشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه"، فحمد الله عمر ثم انصرف(1).
ومن عناية عمر رضي الله عنه برعيته إرشاده المرضى لما فيه شفاؤهم بإذن الله إن كان عنده علم من ذلك.
جاء رجل إليه رضي الله عنه يشتكي داء النقرس(2)، فقال له عمر رضي الله عنه: كَذَبَتْك الظهائر(3)، فبرئ في العام المقبل، وما يشتكي شيئاً(4).
__________
(1) صحيح، تقدم الكلام عليه وتخريجه في ص (610،611).
(2) النَقْرِس: مرض مؤلم يحدث في مفاصل القدم، وفي إبهامها أكثر، وهو ما كان يسمى داء الملوك، المعجم الوسيط 2/946.
(3) الذي في نص الرواية: كذبتك الطهايين، والذي في لسان العرب: كذبتك الظهائر أي عليك بالمشي في الظهائر، وهي جمع ظهيرة، وهي شدة الحر. ابن منظور /لسان العرب 12/54،55.
(4) رواه الخلال / السنة ص 316، صحيح. قال عن مسعر عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم، قال: رأى عمر.(4/84)
وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً بيده جرحاً فقال: بطه(1) ولو بعظم(2).
وروي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه وهو ينهج(3)،قد ركبه اللحم، فقال عمر: ما هذا؟ قال: بركة الله يا أمير المؤمنين، فقال: كذبت، بل هو عذاب الله(4).
وكان رضي الله عنه ربما استدعى الأطباء لمعاينة المرض للذين اشتد مرضهم وتأخر برؤهم، حرصاً منه رضي الله عنه على شفائهم واستردادهم عافيتهم.
__________
(1) البَطُّ: شق الدمل والخراج ونحوهما.
(2) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 291، وفي إسناده محمد بن الخطاب ابن جبر الثقفي. قال أبو حاتم: لا أعرفه، وقال الأزدي: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 3/537، وفيه انقطاع من رواية بكر بن عبد الله المزني عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(3) يَنْهَج: يربو من السِمَن ويلهث. ابن منظور / لسان العرب 14/301.
(4) رواه أحمد / الزهد ص 477، ابن الأعرابي / المعجم 2/45، ومداره على الحسن البصري روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر ضعيف.(4/85)
كان معيقب الدوسي(1) رضي الله عنه مصاباً بمرض الجذام(2)، فكان عمر رضي الله عنه يطلب له الطب من كل من سمع له بطب، حتى قدم عليه رجلان من أهل اليمن، فقال: هل عندكما من طب لهذا الرجل الصالح؟ فإن هذا الوجع قد أسرع فيه، فقالا: أما شيء يذهبه فإنا لا نقدر عليه، ولكنا سنداويه دواء يقفه فلا يزيد، قال عمر: عاقبة عظيمة أن يقف فلا يزيد، فقالا له: هل تنبت أرضك الحنظل؟ قال: نعم، قالا: فاجمع لنا منه، فأمر من جمع لهما منه مكتلين عظيمين، فعمدا إلى كل حنظلة فشقاها بثنتين، ثم أضجعا معيقباً، ثم أخد كل رجل منهما بإحدى قدميه ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظلة، حتى إذا أمحقت أخذا أخرى، قال الراوي: حتى رأينا معيقباً يتنخم أخضر مراً، ثم أرسلاه، فقالا لعمر: لا يزيد وجعه بعد هذا أبداً.
قال عبد الله بن جعفر(3) رضي الله عنه: فوالله ما زال معيقب متماسكاً لا يزيد وجعه حتى مات(4).
__________
(1) معيقب بن أبي فاطمة الدوسي، من السابقين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد أحداً والمشاهد، وولي بيت المال لعمر رضي الله عنهما. تق 542.
(2) الجُذام: علة تتآكل منها الأعضاء، وتتساقط. المعجم الوسيط 1/73.
(3) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي، أحد الأجواد، ولد بأرض الحبشة، وله صحبة. تق: 298.
(4) رواه ابن سعد /الطبقات 4/117-118. ابن عبد البر / التمهيد 1/52-54، وسنده عند ابن سعد متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن إسحاق فهو صدوق ومدار الأثر عليه فالأثر حسن.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد، قال: أمَّرني يحيى بن الحكم على جُرش فقدمتها فحدّثوني أن عبد الله بن جعفر، فقلت: يا أبا جعفر: ما حديث حدّثني به عنك أهل جرش؟ قال: فقال: كذبوا، والله ما حدّثتم هذا ولقد رأيت عمر يؤتى بالإناء فيه الماء فيعطيه معيبقباً... الأثر.(4/86)
وروي عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أنه قال: مرضت زمان عمر مرضاً شديداً، فدعا لي الطبيب، فحماني حتى كنت أمص النواة(1).
وكان عمر رضي الله عنه يرشد بعض المرضى إلى ترك العلاج والصبر على المرض إن كان المرض لا خطر فيه، ويزول من غير علاج، وكان العلاج يترتب عليه بعض الضرر.
فقد جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه يشتكي من ذات الجنب، قد دعي له رجل يكويه، فأبى إلا أن يأذن له عمر رضي الله عنه، فأخبر عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه: لا تقربن النار، فإن له أجلاً لن يعدوه، ولن يقصر عنه(2).
ولعل من اهتمام عمر رضي الله عنه بصحة رعيته وقوتهم ونشاطهم حثه لهم على إعطاء أنفسهم حقاً من الراحة والنوم بعد عناء العمل، والكدح في طلب الرزق.
فقد كان رضي الله عنه يحث رعيته على النوم بعد العشاء، وعدم السمر والحديث بعد صلاة العشاء لأن في السمر بعدها مضار كبيرة، ومن أكبرها النوم عن صلاة الفجر وبالأحرى عدم قيام الليل، ومنها عدم القدرة على الاستيقاظ المبكر، للعمل وطلب الرزق، والسعي في الأرض، وغير ذلك من المضار.
قال سليمان بن ربيعة الباهلي(3) رحمه الله: كان عمر يتجدب(4) لنا السمر بعد العتمة(5)
__________
(1) رواه الحاكم / المستدرك 4/207،208، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى مسلم بن خالد الزنجي، فهو صدوق كثير الخطأ والأوهام. تق 529. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/53، وسنده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وعمرو بن علقمة بن وقاص ذكره ابن حبان في الثقات 5/174، وقال الذهبي: وثق، الكاشف 2/84، وقال ابن حجر: مقبول. تق 424، وقال المعلق على الكاشف للذهبي: صحح له الترمذي حديثه، وكذا ابن حبان، وصحح له ابن خزيمة حديثاً آخر، فلا أقل من أنه صدوق، فالأثر حسن.
(3) تقدمت ترجمته في ص 767.
(4) جدب الشيء: عابه، وذمه. ابن منظور / لسان العرب 2/196.
(5) العتمة: ثلث الليل الأول،بعد غيبوبة الشفق. المصدر السابق 9/41.
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/562، ابن أبي شيبة / المصنف 2/78،79، صحيح من طريقهما.
قال عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن الأعمش عن أبي وائل، قال: طلبت حذيفة... الأثر.
وقال ابن أبي شيبة: حدّثنا عبد ة عن الأعمش عن شقيق عن سليمان بن ربيعة، قال: كان عمر... الأثر.(4/87)
.
وكان رضي الله عنه ينُشّ(1) الناس بعد العشاء بالدرة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم(2).
وكان عمر رضي الله عنه يحذر الناس من النوم قبل العشاء وذلك خشية النوم عن صلاة العشاء.
كتب رضي الله عنه إلى رعيته وعماله: أن لا ينام قبل صلاة العشاء فمن نام، فلا نامت عينه(3).
ومن ساعات النوم الهامة والمفيدة لراحة البدن، واسترداده نشاطه النوم بعد الظهر، أو القيلولة، فكان عمر رضي الله عنه يرغب رعيته فيها.
قال السائب بن يزيد(4) رضي الله عنه: ربما قعد على باب ابن مسعود رضي الله عنه رجال من قريش، فإذا فاء الفيء(5)، قال عمر رضي الله عنه: قوموا فما بقي فهو للشيطان، ثم لا يمر بأحد إلا أقامه.
وقال: كان عمر رضي الله عنه يمر بنا نصف النهار، أو قريباً منه، فيقول: قوموا، فقيلوا فما بقي للشيطان(6).
ومما رأيت إلحاقه بمسألة الاهتمام بالصحة لعلاقته بالمرض والوفاة حث عمر رضي الله عنه من أصيب بوفاة قريب أو عزيز عليه بالصبر واحتساب الأجر على الله، وعدم الجزع والنياحة على الميت.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر يضرب فيه أي البكاء على الميت برفع الصوت والنوح عليه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثي التراب(7).
__________
(1) يَنُشُّ: أي يسوق، والنش: السوق برفق. ابن منظور / لسان العرب 14/144.
(2) رواه أبو عبيد / غريب الحديث 2/59، صحيح.
قال: حدّثنيه حجاج عن شعبة عن قتادة عن أبي رافع عن عمر أنه كان... الأثر.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/563، ابن أبي شيبة / المصنف 2/120، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا الثقفي عن أيوب عن نافع عن أسلم، قال: كتب عمر... الأثر.
(4) تقدمت ترجمته في ص 278.
(5) الفيء: ما بعد الزوال من الظل. ابن منظور / لسان العرب 10/360.
(6) رواه والذي قبله البخاري / الأدب المفرد ص 424، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى سعيد بن عبد الرحمن بن جحش، فهو صدوق، فالأثران في درجة الحسن.
(7) رواه البخاري / الصحيح 1/227،228.(4/88)
وأذن عمر رضي الله عنه لأهل الميت بإظهار الحزن عليه والبكاء على فراقه من غير رفع الأصوات لأن ذلك من طبيعة البشر التي لا يستطيعون دفعها.
فلما توفي خالد بن الوليد رضي الله عنه مر عمر رضي الله عنه بنسوة من بني المغيرة، وهن يبكين خالد بن الوليد في داره، فقال رضي الله عنه: ما عليهن أن يهرقن دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقعاً(1) أو لقلقة(2).
المبحث الخامس: معاملة العبيد والإماء وأهل الذمة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: معاملة العبيد والإماء، وفيه مسألتان
__________
(1) النَّقْع: رفع الصوت، ونقع الصارخ بصوته تابعه وأدامه، وقيل المراد بالنقع في الأثر: أصوات الخدود إذا ضربت، وقيل هو: وضع رؤوسهن في النقع، وهو الغبار، وقيل النقع: شق الجيوب. ابن منظور / لسان العرب 14/267.
(2) اللَّقْلَقة: الجلبة كأنها حكاية الأصوات إذا كثرت، فكأنه أراد الصياح والجلبة عند الموت. المصدر السابق 12/315.
رواه البخاري / الصحيح 1/224، البخاري / التاريخ الصغير 1/71، الحاكم / المستدرك 3/297، البيهقي / السنن الكبرى 4/71، وهو عند البخاري معلقاً بصيغة الجزم، وإسناده في التاريخ الصغير صحيح، وليس فيه قوله: ما لم يكن نقعاً ولا لقلقة، ورجال إسناده عند الحاكم ثقات سوى شيخ الحاكم محمد بن علي الصنعاني لم أجد له ترجمة، وإسناده عند البيهقي متصل ورجاله ثقات، وشيخه أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، قال الذهبي فيه: الإمام المحدث الصالح، سير أعلام النبلاء 17/239.
وأشار الحافظ ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق 2/466، 467 إلى رواية أبي عبيد له في غريب الحديث، ولم أقف عليه في المطبوع، وأشار رحمه الله إلى رواية ابن سعد له فقال: قال ابن سعد: أنا وكيع بن الجراح، وأبو معاوية الضرير، وعبد الله بن نمير، قالوا: ثنا الأعمش عن شقيق، قال: لما مات خالد ابن الوليد اجتمع نسوة...الأثر باللفظ الذي في المتن، وهذا الإسناد متصل، ورجاله ثقات. فالأثر صحيح.(4/89)
المطلب الثاني: معاملة أهل الذمة، وفيه ثلاثة مسائل:
المطلب الأول: معاملة العبيد والإماء، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معاملة العبيد:
لقد حض الإسلام على العناية بالعبيد، وإعطائهم حقوقهم، والتعامل معهم باعتبارهم أناساً أسوياء يتمتعون بكامل الحقوق الإنسانية، وأن ما وقع عليهم من الرق، والعبودية أمر طارئ، قد يقع على غيرهم من البشر.
قال صلى الله عليه وسلم: في العبيد:"إخوانكم خولكم(1)، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"(2).
وعمر رضي الله عنه أولى العبيد العناية والرعاية والرحمة والشفقة، وأعطاهم حقوقهم، ورد عليهم ظلامتهم، وتمثل اهتمامه رضي الله عنه بهم في عدة أمور هي:
أولاً: العناية بالعبيد ومواساتهم، وإعطاؤهم حقوقهم.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان عمر رضي الله عنه إذا مر بالعبد قال: يا فلان، أبشر بالأجر مرتين(3).
__________
(1) خولكم: من التخويل، وهو التمليك. ابن منظور / لسان العرب 4/251.
(2) رواه البخاري / الصحيح 1/15.
(3) رواه البيهقي / السنن الكبرى 8/12،13، وسنده متصل ورجاله ثقات، سوى شيخ البيهقي أبي الحسين بن بشران، فهو صدوق. سير أعلام النبلاء 17/161. فالأثر حسن.(4/90)
وقال أبو محذورة رضي الله عنه: كنت جالساً عند عمر رضي الله عنه، إذ جاء صفوان بن أمية بجفنة يحملها نفر في عباءة، فوضعها بين يدي عمر، فدعا عمر ناساً مساكين، وأرقاء من أرقاء الناس حوله، فأكلوا معه ثم قال عند ذلك: فعل الله بقوم، أو قال لحا الله(1) قوماً يرغبون عن أرقائهم أن يأكلوا معهم، فقال صفوان: أما والله ما نرغب عنهم، ولكن نستأثر عليهم، لا نجد والله من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم(2).
وروي عن أبي رافع الصائغ رحمه الله أنه قال: مر بي عمر رضي الله عنه وأنا أصوغ، وأقرأ القرآن، فقال: يا أبا رافع، لأنت خير من عمر تؤدي حق الله، وحق مواليك(3).
__________
(1) لحاه الله لحْياً أي قبحه ولعنه. ابن منظور / لسان العرب 12/258.
(2) رواه البخاري / الأدب المفرد ص 80 ورجال إسناده ثقات سوى شيخ البخاري بشر بن محمد السختياني، صدوق. فالأثر حسن وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 93.
(3) رواه البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 6/386، وفي إسناده شيخ البيهقي أبو نصر بن قتادة لم أجد له ترجمة وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق، ضعيف. تق 361، وبقية رجاله ثقات. فالأثر ضعيف.(4/91)
ومن الآثار الدالة على إنصاف عمر رضي الله عنه الرقيق، وإعطائهم حقوقهم والعناية بهم، أن رقيقاً لعبد الرحمن بن حاطب(1) انتحروا ناقة رجل من مزينة، فأمر عمر رضي الله عنه أن تقطع أيديهم، ثم أرسل فردهم، ثم قال لعبد الرحمن: أما والله لولا أني أظن أنكم تستعملونهم، وتجيعونهم حتى لو أن أحدهم يجد ما حرم الله لأكله لقطعت أيديهم، ولكن الله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك، ثم قال للمزني: كم ثمنها؟ قال: كنت أمنعها من أربعمائة، فقال عمر رضي الله عنه لعبد الرحمن: أعطه ثمانمائة(2).
وروي أن رجلاً أمر غلاماً له أن يسنو على بعير له، فنام الغلام، فجاء بشعلة من نار، فألقاه في وجهه، فتردى الغلام في بئر، فلما أصبح أتى عمر رضي الله عنه، فرأى الذي في وجهه فأعتقه(3).
وقال محمد بن سيرين رحمه الله: كان عمر رضي الله عنه يعدي المملوك على سيده إذا استعداه(4).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يذهب إلى العوالي(5) كل سبت، فإذا وجد عبد اً في عمل لا يطيقه وضع عنه(6).
__________
(1) عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة له رؤية، وعدوه من كبار ثقات التابعين. تق 338.
(2) رواه مالك / الموطأ 2/470، عبد الرزاق / المصنف 10/238،239، البيهقي / السنن الكبرى 8/278. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن ابن جريج، قال: حدّثني هشام بن عروة عن عروة أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أخبره عن أبيه، قال: توفي حاطب... الأثر.
(3) رواه البخاري / الأدب المفرد ص 68، من طريقين في الأول علي بن زيد بن جدعان، ضعيف وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، وقد اختلف في سماعه منه.
والثاني رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/467. صحيح إلى ابن سيرين، وروايته عن عمر منقطعة.
(5) تقدم التعريف بها في ص: 259.
(6) رواه مالك / الموطأ 2/160 بلاغاً. فالأثر ضعيف.(4/92)
وممن أولاهم عمر رضي الله عنه رعايته وعنايته اللقطاء ومن لا يعرف لهم أب، فقد جاء أبو جميلة(1) رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه بمنبوذ وجده، فاتهمه عمر رضي الله عنه، ثم سأله عنه، فأثنى عليه خيراً، فقال عمر رضي الله عنه: هو حر، وولاؤه لك، ونفقته من بيت المال(2).
ثانياً: الحث على إعتاق العبيد المسلمين، وفك رقابهم.
وعمل عمر رضي الله عنه على فك رقاب العبيد، وإزالة الرق عنهم والعبودية، وحث رضي الله عنه رعيته على ذلك، وشدد عليهم فيه.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أعتق عمر كل من صلى من سبي العرب، فبت عتقهم، وشرط عليهم أنكم تخدمون الخليفة بعدي ثلاث سنوات(3).
__________
(1) سنين أبو جميلة السُلمي، صحابي صغير. تق 257.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/449،450،452،9/14، ابن أبي شيبة / المصنف 6/295، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن معمر عن ابن شهاب، قال: حدّثني أبو جميلة أنه و جد... الأثر.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 8/380،381، 9/167،168. صحيح.
قال: أخبرنا ابن جريج عن أيوب بن موسى، قال: أخبرني نافع عن عبد الله ابن عمر أن عمر... الأثر.(4/93)
وكاتب سيرين والد محمد بن سيرين رحمهم الله أنس بن مالك رضي الله عنه علىعشرين ألف درهم يدفعها إليه، فيعتقه، فأتى سيرين أنساً بالعشرين ألفاً كاملة، فأبى أنس أن يقبلها إلا منجمة، ومفرقة، فأتى سيرين عمر رضي الله عنه، فشكا إليه أنساً، فكتب عمر إلى أنس أن اقبلها من الرجل، فقبلها أنس، وعتق سيرين(1).
وقال عمر رضي الله عنه: إذا أدى المكاتب إلا الشطر، لم يسترق(2).
أي إذا أدى شطر ما كاتب عليه سيده فقد عتق.
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/85 معلقاً، عبد الرزاق / المصنف 8/371، 372. ابن سعد / الطبقات 7/119،120، البيهقي / السنن الكبرى 10/319، وفي إسناده عند عبد الرزاق إبهام بشيخ ابن جرير، حيث قال: أخبرني مخبر، وبقية رجاله ثقات، وفيه عند ابن سعد من طريق قتادة بن دعامة، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله ثقات، ورواه من طريق آخر متصل ورجاله ثقات سوى علي بن سويد بن منجوف، فهو صدوق. تق 402، فالأثر صحيح لغيره بطرقه.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 8/410، البيهقي / السنن الكبرى 10/325، ومداره على عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، صدوق اختلط، وهو عند البيهقي من رواية سفيان الثوري عن المسعودي، وقد سمع منه قبل الاختلاط، فالأثر حسن من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد، ثنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم، ثنا محمّد بن سليمان بن الحارث، ثنا قبيصة بن عقبة السوائي، ثنا سفيان عن عبد الرحمن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن جابر بن سمرة عن عمر بن الخطاب، قال: إذا أدى المكاتب... الأثر.
وسماع القاسم بن عبد الرحمن من جابر بن سمرة أثبته العلائي في جامع التحصيل ص: 252، 253. فقول البيهقي رحمه الله في نهاية الأثر: "القاسم لا يثبت سماعه من جابر" فيه نظر. والله أعلم.
ومسألة عتق المكاتب إذا أدى الشطر، اختلف فيها السلف. انظر ابن حجر / فتح الباري 5/195.(4/94)
ثالثاً: كراهية عمر رضي الله عنه لجلب العبيد، وخاصة من بقي منهم على الكفر.
كان عمر رضي الله عنه ينهى عن الإتيان بالعبيد البالغين إلى المدينة، خصوصاً من كان منهم مقيماً على كفره، وذلك لأن البالغ أقدر من الصبي الصغير على الاطلاع على أسرار المسلمين، وكشف عوراتهم، وعلى التخطيط للنيل من الإسلام والمسلمين.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر رضي الله عنه، يكتب إلى أمراء الجيش: لا تجلبوا علينا من العلوج أحداً جرت عليه المواسي، فلما طعنه أبو لؤلؤة، قال: من هذا؟ قالوا:غلام المغيرة بن شعبة، قال: ألم أقل لكم لا تجلبوا علينا من العلوج(1) أحداً؟ فغلبتموني(2).
المسألة الثانية: معاملة الإماء.
واهتم عمر رضي الله عنه بالإماء كاهتمامه بالعبيد، وأحسن إليهن وأعطاهن حقوقهن، ومما قضى به عمر رضي الله عنه، والذي يظهر رأفته ورحمنه، وعنايته بالإماء، عتق أمهات الأولاد بموت ساداتهن وألا يوهبن ولا يبعن.
__________
(1) العِلْج: الرجل من كفار العجم. ابن منظور / لسان العرب 9/349.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/349،350، البلاذري / أنساب الأشراف ص 273. صحيح عندهما.
قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا العُمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان... الأثر.
والعمري، هو: عبيد الله بن عمر العمري، وهو ثقة تق: 373.
وليس هو عبد الله بن عمر العمري. وهو ضعيف تق: 314. حيث ورد هذا المتن عند ابن سعد بسند آخر قال: أخبرنا أحمد بن محمّد الأزرقي المكي، قال: أخبرنا مسلم بن خالد، قال: حدّثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن أسلم.
وقال البلاذري: المدائني عن حماد بن سلمة عن أيوب وعبد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر.
وهو عند البلاذري بلفظ: لقد كنت أنهى أن تجلبوا إلينا منهم أحداً، ثم قال: الحمدلله الذي لم أخاصم في دمي أحداً من المسلمين.(4/95)
قال ابن عمر رضي الله عنهما: قضى عمر في أمهات الأولاد(1) أن لا يبعن ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع بها صاحبها ما كان حياًّ، فإذا مات عتقت(2).
وجاء عن عمر رضي الله عنه ما يدل على أن هذا العتق إنما تناله العفيفات المسلمات من أمهات الأولاد.
قال عمر رضي الله عنه: إن أحصنت وأسلمت عتقت، وإن هي فجرت وكفرت وزنت رقت(3).
ومن عناية عمر رضي الله عنه بالإماء وإنصافهن ممن ظلمهن من أسيادهن، أن أمة جاءت إليه تشكو سيدها بأنه عذبها، فأقعدها على الجمر حتى احترقت مقعدتها، فأرسل عمر إلى سيدها، فأوجعه ضرباً، وأعتق الأَمة(4).
__________
(1) أم الولد: الأمة التي حملت من سيدها، وأتت بولد. معجم لغة الفقهاء ص 88.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 7/292، ابن حبان / الصحيح 7/265، الدارقطني / السنن 4/134، 196، الحاكم / المستدرك 2/458، البيهقي / السنن الكبرى 10/342،343. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر عن نافع عن أبي عمر، قال: قضى... الأثر.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/411، ورجاله ثقات، ومالك بن عامر الهمداني الراوي عن عمر رضي الله عنه، قال عنه ابن معين: كوفي ثقة. ابن أبي حاتم / الجرح والتعديل 8/213. فالأثر صحيح.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 9/438، الخرائطي/ مساوئ الأخلاق ص 286،321، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 4/288،289، الحاكم / المستدرك 8/36، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات، ولكنه منقطع من رواية أبي قلابة الجرمي عن عمر رضي الله عنه،وهو ثقة من الثالثة.تق 304.
ورجال إسناده عند الخرائطي ما بين ثقة وصدوق سوى شيخ أبي الزبير، فهو مبهم حيث قال عن شيخ من أهل مكة أنه أبصر عمر...الأثر.
وفيه عند الطبراني والحاكم عمر بن عيسى القرشي الأسدي، قال البخاري: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 30/216. فالأثر يرتقي بطريقيه عند عبد الرزاق والخرائطي لدرجة الحسن لغيره.(4/96)
ومن الأمور التي لاحظها عمر رضي الله عنه في الإماء هو عدم تشبههن بالحرائر، فكان يعاقب من يفعل ذلك من الإماء، لأن ذلك قد يوقع في الغرر والخداع بحيث تظن الأمة حرة، فتعامل معاملتها في الأحكام الشرعية، فكان رضي الله عنه ينهى الإماء أن يلبسن لبس الحرائر من الحجاب وغيره(1).
المطلب الثاني: معاملة أهل الذمة(2)، وفيه ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى: عناية عمر رضي الله عنه، واهتمامه بأهل الذمة.
__________
(1) ورواه عبد الرزاق / المصنف 3/135، البيهقي / السنن الكبرى 2/226، 227، وهو عند عبد الرزاق من ثلاث طرق، الأولى رجالها ثقات، وفيها عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، ولفظها: أن عمر رأى أمة لابنه عبد الرحمن خرجت من عند ابنته حفصة، فعاقبها، ونهاها عن أن تلبسها لبس الحرائر، والثانية رجالها ثقات، وهي منقطعة من رواية عطاء بن أبي رباح عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ولفظها: أن عمر رضي الله عنه كان ينهى الإماء عن الجلابيب أن يتشبهن بالحرائر، وأما الطريق الثالث فرجاله ثقات، وفيه قتادة بن دعامة مدلس من الثالثة، لم يصرح بالسماع من أنس بن مالك رضي الله عنه، ولفظه: أن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة، فقال: إكشفي رأسك، لا تشبهين بالحرائر.
فهذه الطرق الثلاثة يرتقي ما فيها من نهي عمر رضي الله عنه الإماء عن أن يلبسن لبس الحرائر لدرجة الحسن لغيره، وإسناده عند البيهقي متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق. فالأثر يرتقي لدرجة الصحيح لغيره بمجموع طرقه، سوى ما فيه من ذكر الضرب فهو ضعيف.
(2) الذّمة: العهد والأمان، والحرمة والحق، وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/168.(4/97)
يعتبر أهل الذمة من رعايا الدولة الإسلامية، وفئة من فئاتها، إذ أنهم يعيشون على أراضيها، وينعمون بحمايتها، مقابل جزية يدفعونها، لأنهم ليسو من المسلمين، ولكن لهم ذمة وعهداً، وقد حرص عمر رضي الله عنه على العناية بأهل الذمة وحمايتهم، وإعطائهم حقوقهم التي كفلتها لهم شريعة الإسلام، وعدم تكليفهم بما لا يطيقون والرأفة بهم.
بعث عمر رضي الله عنه حذيفة بن اليمان، وعثمان بن حنيف(1) لجباية الخراج، ومسح أرض السواد، وقال لهما محذراً من تكليف أهل الذمة ما لا يطيقونه من الخراج: تخافا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. فقال عثمان: لو شئت لأضعفت، وقال حذيفة: لقد حملت الأرض أمراً هي له مطيقة، وما فيها كبير فضل، فجعل عمر يقول: انظر ما لديكما أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق(2).
ومن رأفة عمر رضي الله عنه بأهل الذمة وعنايته بهم، ومعرفته لحوائجهم أن أذن لهم بدخول المدينة ثلاثة أيام يتسوقون بها، ويقضون حوائجهم ولا يقيمون فوق ثلاث(3).
وقد أوصى رضي الله عنه عند وفاته مَنْ بعده بالعناية بأهل الذمة، وإعطائهم حقوقهم، والرأفة بهم.
قال رضي الله عنه: وأوصي الخليفة من بعدي بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم(4)، ولا يكلفوا فوق طاقتهم(5).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (644).
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/337. صحيح.
قال:أخبرنا محمّد بن الفضيل غزوان الضبي، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن ميمون، قال: جئت فإذا عمر... الأثر.
(3) رواه مالك / الموطأ 2/63،64، عبد الرزاق / المصنف 6/51، أبو عوانة / المسند 4/164. صحيح من طريق مالك. قال: عن نافع عن أسلم مولى عمر ابن الخطاب أن عمر... الأثر.
(4) أي يقاتل عنهم ويدافع، كما بوب الإمام البخاري رحمه الله تعالى بقوله: باب يقاتل عن أهل الذمة. الصحيح 2/178.
(5) صحيح. تقدم تخريجه في ص: 595.(4/98)
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الرأفة بأهل الذمة أنه مر بباب قوم وعليه سائل يسأل،شيخ كبير، ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر رضي الله عنه بيده،وذهب به إلى منزله، فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم(1).
المسألة الثانية: دعوة أهل الذمة للإسلام.
كان عمر رضي الله عنه يدعو أهل الذمة للإسلام، ويحرص على هدايتهم وإنقاذهم من النار رحمة بهم وشفقة عليهم، ومن الآثار في ذلك:
أن أسلم مولى عمر التمس وضوءاً لعمر رضي الله عنه، فلم يجده إلا عند نصرانية فاستوهبها، وجاء به إلى عمر رضي الله عنه، فأعجبه حسنه، فقال: من أين هذا؟ فقال له: من عند هذه النصرانية، فتوضأ عمر رضي الله عنه، ثم دخل عليها، فقال: أسلمي فكشفت عن رأسها كأنه ثغامة(2) بيضاء، فقالت: أبعد هذه السن(3)؟!
ومما روي في شفقة عمر رضي الله عنه على أهل الكتاب لكونهم ممن يعبد الله على ضلالة، وحزنه على مشقتهم في عبادتهم مع أن مصيرهم إلى النار.
__________
(1) رواه أبو يوسف / الخراج ص: 136، قال: حدّثني عمر بن نافع عن أبي بكر. ابن زنجويه / الأموال 1/162،163، ومداره على عمر بن نافع الثقفي، كوفي ضعيف من السادسة. تق 417، فقد نص المزي على أنه هو الراوي عن أبي بكر العبسي، وأما العدوي فهو ثقة. فالأثر ضعيف.
(2) الثُّغامة: نبت أبيض الثمر، والزهر يُشّبه بياض الشيب به. ابن منظور / لسان العرب 2/105.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/78، الدراقطني / السنن 1/32، البيهقي / السنن الكبرى 1/32. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه التمس لعمر رضي الله عنه وضوءً... الأثر.(4/99)
روي أنه رضي الله عنه مر بدير راهب، فناداه: يا راهب، فأشرف عليه، فجعل عمر رضي الله عنه ينظر إليه ويبكي، فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك، من هذا؟ قال: ذكرت قول الله عز وجل: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ}(1)، فذلك الذي أبكاني(2).
المسألة الثالثة: الشروط التي صالح عليها عمر رضي الله عنه أهل الذمة.
إن من أهم النصوص، وأشملها لبنود الصلح التي عقدها عمر رضي الله عنه مع أهل الذمة، ذلك النص الذي نقل إلينا صلح عمر رضي الله عنه مع نصارى الشام، وفيه:
__________
(1) سورة الغاشية الآيات(2-5).
(2) ضعيف. تقدم تخريجه في ص: 330.(4/100)
أن أهل الشام كتبوا لعمر رضي الله عنه: إنكم لما قدمتم علينا، سألناكم الأمان لأنفسنا، وذرارينا، وموالينا، وأهل ملتنا، وشرطنا على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا، ولا فيما حولها ديراً، ولا كنيسة، ولا قلاية(1)، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها، ولا نجيء ما كان من خطط المسلمين، ولا نمنع كنائسنا من أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل أو نهار، وأن نوسع أبوابها للمارة، وابن السبيل، وأن ننزل من مر بنا ثلاثة أيام من المسلمين نطعمهم، وأن نرشدهم، ولا نؤوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوساً، ولا نعلم أولادنا القرآن، وأن لا نظهر شركاً، ولا ندعو إليه أحداً، وأن لا نمنع أحداً من ذوي قراباتنا الدخول في الإسلام، ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله معنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زيّنا حيث ما كنا، وأن نشد الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، وأن لا نظهر صلبنا وكتبنا في شيءٍ من طرق المسلمين ولا أسواقهم، وأن لا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفياً، وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين، وأن لا نخرج شعانين(2)، ولا باعوثاً(3)، وأن لا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين وأسواقهم، ولا نجاورهم بموتنا، ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، ولا نطلع عليهم
__________
(1) القلاّية: من بيوت عبادة النصارى. ابن منظور / لسان العرب 11/295.
(2) شعانين: الصواب سعانين، وهو عيد لهم معروف، قبل: عيدهم الكبير بأسبوع، وهو سرياني معرب. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/369.
(3) الباعوث: للنصارى كالاستسقاء للمسلمين، وهو اسم سرياني. المصدر السابق 1/139.(4/101)
في منازلهم.
قال عبد الرحمن بن غنم الأشعري(1): فلما أتيت عمر بن الخطاب بهذا الكتاب زاد فيه: ولا نضرب أحداً من المسلمين. شرطنا ذلك لكم على أنفسنا وأهل ملتنا، وقبلنا الأمان، فإن نحن خالفنا عن شيء مما شرطنا لكم،وضمنا على أنفسنا، فلا ذمة لنا، وقد حل لكم ما حل لأهل المعاندة والشقاق(2)
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص 885.
(2) رواه الطبري / التاريخ 2/449، ابن الأعرابي / المعجم 1/382،384، ابن حزم / المحلى 5/414،415، البيهقي / السنن الكبرى 9/202، ابن عساكر / تاريخ دمشق 2/178، ابن كثير/ مسند الفاروق 2/488،489، وهو عند الطبري من غير إسناد، بل قال: وعن خالد وعبادة قالا: ولم أعرف خالداً وعبادة، ومتنه مختصر، وفيه أن عمر رضي الله عنه شرط عليهم أن لا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود. وفي إسناده عند ابن الأعرابي، وابن حزم، والبيهقي، وابن كثير، يحيى بن عقبة بن العيزار. قال ابن معين: كذاب خبيث، عدو الله، وقال أبو حاتم: يفتعل الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة. ميزان الاعتدال 4/397.
وقال ابن كثير رحمه الله: وهكذا رواه الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر، قاضي دمشق، في جزء جمعه في الشروط العمرية، أي من طريق يحيى بن عقبة، ثم نقل ابن كثير عن ابن زبر أنه قال: ووجدت هذا الحديث بالشام، رواه عبد الوهاب الحوطي عن محمد بن حمير عن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن السري بن مصرف، وسفيان الثوري، والوليد بن نوح عن طلحة بن مصرف عن مسروق الأجدع عن عبد الرحمن بن غنم. وهذا السند رجاله ثقات سوى محمد بن حمير فهو صدوق، ولكن لم يظهر لي أين وجد ابن زبر هذا الأثر وعمن يروي. ثم قال ابن زبر، وجدت هذا الحديث في كتاب رجل من أصحابنا بدمشق، ذكر أنه سمعه من محمد بن ميمون بن معاوية الصوفي بطبرية، بإسناد ليس بمشهور، ينتهي إلى إسماعيل بن مجالد حدثني سفيان الثوري، وطلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم، وهذا السند فيه إبهام الرجل الذي وجد عنده الكتاب، وفيه مجالد بن سعيد ليس بالقوي. ثم قال ابن زبر: حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، حدثني أبي، حدثنا بقية بن الوليد عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم. وهذا الإسناد فيه بقية بن الوليد مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وأيضاً فإن ابن زبر نفسه قال عنه الخطيب البغدادي: كان غير ثقة، وقال الذهبي: ما أتقن. سير أعلام النبلاء 15/315.
ورواه ابن عساكر بسند متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وشيخ ابن عساكر أبو الحسين عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن عبد الواحد بن أبي الحديد المعدل. ذكره ابن عساكر في تاريخه وقال: خطيب دمشق.1/3 نسخة المكتبة الظاهرية - فهرسة محمد بن رزق طرهوني، وشيخه هو جده الحسن بن أحمد بن أبي الحديد، ذكره أيضاً ابن عساكر في تاريخه 4/406،407، وقال: حكم بين الناس بدمشق. وقال الذهبي: مسند دمشق. سير أعلام النبلاء 18/501. فالأثر حسن إن شاء الله.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم، وتصغيرهم، وتحقيرهم، وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري، ثم ذكر الرواية التي ذكرت نصها. التفسير 2/346،347.
وقال ابن تيمية رحمه الله عن شروط صلح عمر مع نصارى الشام: وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه، والعلم وهي مجمع عليها في الجملة بين العلماء من الأئمة المتبوعين، وأصحابهم، وسائر الأئمة. اقتضاء الصراط المستقيم ص 121،122.(4/102)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه اشترط على أهل الذمة إصلاح القناطير(1)، وإن قتل رجل من المسلمين فعليهم ديته،وضيافة المسلمين يوماً وليلة(2).
ومما لا شك فيه أن هذه الشروط التي شرطها عمر رضي الله عنه على أهل الذمة كانت مع أدائهم الجزية عن يد وهم صاغرون. قال أسلم مولى عمر رضي الله عنه: ضرب عمر رضي الله عنه الجزية، وكتب بذلك إلى أمراء الأجناد أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي، ولا يضربوها على صبي، ولا على امرأة(3)، وكان عمر رضي الله عنه يختم أهل الجزية في أعناقهم(4).
وممن عاملهم عمر رضي الله عنه معاملة الذميين، المجوس، فقد أخذ عمر رضي الله عنه منهم الجزية بعد أن شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها منهم، وأمر عمر رضي الله عنه بالتفريق بين محارم المجوس(5).
__________
(1) القنطرة: الجسر، وقال الأزهري: هو أَزَجُ يبنى بالآجر، أو بالحجارة على الماء يعبر عليه. ابن منظور / لسان العرب 11/320.
(2) مر في صلح عمر مع نصارى الشام أن الضيافة شرطت عليهم ثلاثة أيام، وهي الثابتة، ولو ثبتت هذه الرواية لحملت على أن ذلك راجع لمراعاة حال أهل الذمة من العسر واليسر، فأهل اليسر يضيفون ثلاثة أيام، والمعسرين يوماً وليلة.
رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق /471/ب، ورجال إسناده ثقات، وفيه قتادة بن دعامة، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع. فالأثر ضعيف.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/88، أبو عبيد / الأموال ص 41، ابن زنجويه / الأموال 1/151،157،158. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر.
(4) رواه أبو عبيد / الأموال ص 57، أبو بكر بن أبي شيبة / المطالب العالية لابن حجر ق/471/ب. صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عبد ة عن عبيد الله عن نافع عن أسلم مولى عمر كتب عمر... الأثر.
(5) رواه البخاري / الصحيح 2/200.(4/103)
ونهى عمر رضي الله عنه المجوس عن الزمزمة(1).
ويظهر من شروط الصلح التي صالح عليها عمر رضي الله عنه أهل الذمة أنها نصت على إذلال الكفار، وإظهار عزة المسلمين، والعمل على توقيرهم وخدمتهم، والنصح لهم، وعدم غشهم، وخيانتهم وموالاة أعدائهم.
ونصت على التمييز بين المسلمين وأهل الذمة في الهيئة واللباس، ولم تغفل الشروط حق أهل الذمة في العيش بكل حرية في ظل الدولة الإسلامية، وأدائهم لعباداتهم في معابدهم، وممارستهم لحياتهم الاعتيادية في مآكلهم ومشاربهم، ومصالحهم الشخصية، بشرط عدم إظهار وإعلان الكفر والفسق.
ومن أهم ما كفلته هذه الشروط لأهل الذمة عيشهم تحت حماية الدولة الإسلامية، وأمنهم على أنفسهم وأعراضهم، وأموالهم لا يتميز المسلمون عليهم بشيء في ذلك، ما داموا أوفياء بعهدهم وذمتهم التي صالحوا عليها المسلمين.
وكان عمر رضي الله عنه صارماً شديد الحزم مع من نكث عهده، وخان ذمته من أهل الذمة، وذلك لما يترتب على هذه الخيانة من مفاسد دينية ودنيوية، ولأن ذلك دليل على خبث نية هذا الخائن، وفساد طويته.
__________
(1) الزمزمة: كلام خفي يقولونه عند أكلهم بصوت خفي. ابن منظور / لسان العرب 6/85.
رواه عبد الرزاق / المصنف 10/180، ابن أبي شيبة / المصنف 6/430، الدارقطني / السنن 8/247. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن معمر وابن عيينة عن عمرو بن دينار، قال: سمعت بجالة يحدث أبا الشعثاء وعمرو بن أوس عند صفة زمزم في إمارة مصعب بن الزبير، قال: كنت كاتباً لجزء عم الأحنف بن قيس، فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة... الأثر.(4/104)
ولقد كان من أسباب إجلاء عمر رضي الله عنه لليهود من خيبر اعتداؤهم على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: نقركم ما أقركم الله وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت(1) يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم(2).
وروي أن رجلاً من أهل الذمة نخس بامرأة من المسلمين، ونزع خمارها وجابذها، فحال بينه وبينها عوف بن مالك(3)، وضرب الذمي، ثم أتى عمر رضي الله عنه، فذكر له، فدعا عمر رضي الله عنه المرأة، فسألها فصدقت عوفاً، فأمر عمر رضي الله عنه بالذمي فصلب، ثم قال: أيها الناس، اتقوا الله في ذمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تظلموهم، فمن فعل منهم مثل هذا، فلا ذمة له(4).
__________
(1) الفَدَعُ: زيغ بين القدم، وبين عظم الساق، وكذلك في المفاصل، وهي أن تزول المفاصل عن أماكنها. ابن منظور / لسان العرب 10/202.
(2) رواه البخاري / الصحيح 2/119، كتاب الشروط باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت، وأبو داود / السنن 3/158. وغيرهما.
(3) تقدمت ترجمته في ص:333.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/114،115، الحارث / المسند / إتحاف الخيرة المهرة 3/102، الطبراني / المعجم الكبير 18/37، البيهقي / السنن الكبرى 9/201، ومدار الأثر على عامر الشعبي روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة، وكذا عن عوف بن مالك كما في جامع التحصيل ص 204. وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات. فالأثر ضعيف.(4/105)
المبحث الثالث: القضاة، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأوّل: قضاة عمر في الأمصار.
المطلب الثاني: كيفية القضاء وآدابه.
المبحث الثالث: القضاة. وفيه مطلبان:
المطلب الأوّل: قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار.كان ولاة المدن والبلاد التابعة للدّولة الإسلاميّة في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم هم المكلّفون بمهمة القضاء بين النّاس، خاصّة في المناطق البعيدة من المدينة حيث لا يتمكن النبيّ صلى الله عليه وسلم من النّظر في قضايا المسلمين والحكم فيها لبعدها، أما في المدينة وما حولها، وما قرب منها من المدن الإسلاميّة فإنه صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يقوم بالقضاء فيها بين النّاس.
وفي العام التاسع من الهجرة النّبويّة بعد أن فتح النبيّ صلى الله عليه وسلم مكّة وفرغ من غزوة حنين والطائف وتبوك وأسلمت قريش وثقيف جاءت وفود العرب تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام من جميع أنحاء الجزيرة العربيّة، وسمي هذا العام بعام الوفود. فانتشر الإسلام في الجزيرة العربيّة وأسلمت قبائلها المختلفة في شرقها وغربها، وشمالها ووسطها وجنوبها، كعبد القيس وتميم وطيئ وأسد وبني حنيفة وهمدان والأشعريين وغيرها من قبائل العرب.
وبذلك توحدت الجزيرة العربيّة سياسياً لأوّل مرّة في تاريخها تحت راية التوحيد بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمكن صلى الله عليه وسلم من تحقيق هذه الوحدة بفضل الله عز وجل في أقلّ من عشر سنوات بالرغم من قوّة الروح الاستقلاليّة بين القبائل، وتغلغل العصبيّة القبليّة والنزاعات الجاهليّة(1).
وكان لا بد من بعث أمراء على هذه القبائل والبلدان والمدن التي دخلت تحت راية الإسلام وعلماء يعلّمونهم أمور دينهم وقضاة يقيمون العدل فيهم ويحكمون فيما شجر بينهم.
__________
(1) انظر: د. أكرم العمري / السيرة النبويّة الصحيحة 2/541-548.(5/1)
فبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل حجّة الوداع أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن كلّ منهما أمير على مخلاف(1). واليمن مخلافان، ثم قال: "يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا". فانطلق كلّ واحد منهما إلى عمله، وكان كلّ واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريباً من صاحبه، فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، إذا هو جالس، وقد اجتمع إليه النّاس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم(2) هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه. قال: لا أنزل حتى يقتل. قال: إنما جيء به لذلك، فأنزل. قال: ما أنزل حتى يقتل. فأمر به فقتل(3).
وفي هذا الحديث تصريح بإرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي موسى ومعاذ أمرين كلّ منهما على ناحية من اليمن، وفيه إشارة إلى أنهما كانا يقضيان أيضاً بين النّاس، وذلك في حكمهما بقتل الذي الرجل ارتد عن إلاسلام فقتل.
__________
(1) المِخْلاف: هي الكورة والإقليم والرُّسْتاق، وكانت جهة معاذ العليا صوب عدن، وكان من عمله الجَنَد، وله بها مسجد مشهور إلى اليوم، وكانت جهة معاذ السّفلى. ابن حجر / فتح الباري 8/61.
(2) أَيْم هذا: أي: أي شيئ به؟ ابن منظور / لسان العرب 1/291.
(3) رواه البخاري / الصحيح / فتح الباري 8/61.(5/2)
وكان من مهامهما القيام بالدّعوة إلى الله، ونشر الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول اله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"(1).
وأما حديث تعليمه صلى الله عليه وسلم معاذاً القضاء لما بعثه إلى اليمن، وقال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟" قال: أقضي بكتاب الله. قال:"فإن لم تجد في كتاب الله؟" قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟" قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله"(2).
فهو حديث ضعيف. لكن هذا لا يمنع أن يكون معاذ قام بالقضاء بين النّاس كما مرّ ذلك في حديث الرجل الذي ارتد عن إسلامه.
وأما عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه قاضياً قال رضي الله عنه: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً، فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ترسلني وأنا حديث السن ولا أعلم القضاء؟ فقال: "إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، وإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء". قال: فما زلت قاضياً، أو ما شككت في قضاء بعد(3).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح / فتح الباري 2/64.
(2) ضعّفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص: 354، 355.
(3) رواه أبو داود / السنن / صحيح سنن أبي داود 2/684.(5/3)
وكان من مهامه أيضاً القيام بالدّعوة، فقد أسلمت قبيلة همدان(1) على يديه، فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك فخر لله ساجداً، ثم رفع رأسه فقال: "السّلام على همدان"(2). وكان رضي الله عنه والياً على ناحية من نواحي اليمن(3).
ومما تقدم يتبيّن أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يفصل القضاء عن الولاة، فكان ولاته في الأقاليم هم القضاة، وكذلك أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه لم يؤثر عنه أنه عيّن قضاة مستقلّين عن الولاة في الأقاليم الإسلاميّة حيث لم تدعو الحاجة لذلك لقصر مدّة خلافته رضي الله عنه، وعدم توسع نفوذ الدّولة الإسلاميّة في عهده(4).
__________
(1) همْدن: بطن من كهلان من القحطانية، وهم بنو همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن كهلان، كانت ديارهم باليمن من شرقية، ومن بلادهم بها نجران، غرق، شروم، الخنق. عمر رضا حالة / معجم قبائل العرب 3/1225.
(2) قال ابن حجر رحمه الله بعد أن أورد ما رواه البخاري من حديث بعث عليّ إلى اليمن: "أورد البخاري هذا الحديث مختصراً، وقد أورده الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة بن أبي السفر سمعت إبراهيم بن يوسف" وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه فزاد فيه: "فكنت ممن عقب معه، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا عليّ وصفنا صفّاً واحداً ثم تقدم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعاً..." الخ. فتح الباري 8/66.
(3) قال ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث مقدم عليّ رضي الله عنه من اليمن في حجّة الوداع وفيه: "فقدم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بسعايته... الخ قال: بسعايته يعني: ولايته على اليمن لا بسعاية الصّدقة. فتح الباري 8/66.
(4) انظر:ناصر الطريفي/ القضاء في عهد عمر رضي الله عنه 1/90، 96، وغالب القرشي/ أوّليّات الفاروق في القضاء 2/574.(5/4)
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنّه أوّل من فصل القضاء عن الولاية، فعيّن قضاة مستقلّين في الأقاليم الإسلاميّة بجانب الولاة وفرض لهم رزقاً. ومن أسباب ذلك اتساع الدّولة الإسلاميّة في خلافته اتساعاً كبيراً وكثرة رعاياها، فكان لا بد من وجود قاضٍ يفصل في قضايا النّاس وخصوماتهم، لأن الأمير عنده من الأعمال والمهام الشيء الكثير الذي لا يستطيع معه الجمع بين مهمتي الولاية والقضاء، إضافة إلى أنّ الولاة في الغالب كانوا منشغلين بأمور الفتح وإعداد الجيوش والقيام بالدّعوة إلى الله عز وجل، والمحافظة على الأمن في مناطقهم وولايتهم. وكان فصل عمر للقضاء عن الولاية مركز بشكل كبير في مناطق الثغور حيث كثافة الجند، وانشغال الولاة بأمور الإعداد للجند والجهاد في سبيل الله.
وفي المدينة كان عمر رضي الله عنه يقوم بمهمة القضاء بين الرعية والنظر في منازعاتهم وخصوماتهم بنفسه حتى إذا كان آخر خلافته وكثرت رعيته رضي الله عنه وكبرت سنه، قال ليزيد بن أخت النمر(1) رضي الله عنه: اكفني بعض الأمور - يعني صغارها(2).
__________
(1) يزيد بن ثمامة بن الأسود والد السائب بن يزيد، صحابي، شهد الفتح، واستقضاه عمر رضي الله عنه. تق 601.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 8/302. ابن سعد / الطبقات / الرابعة 2/711، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/259، وكيع / أخبار القضاة 1/105،106، أبو يعلى / المسند 9/344، 345، الطبراني / المعجم الكبير 7/150، صحيح من طريق أبي يعلى. قال: "حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثني أبي عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر".
ولفظه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: "قال: وما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضياً ولا أبو بكر ولا عمر حتى كان في آخر زمانه قال ليزيد ابن أخت النمر رضي الله عنه: اكفني بعض الأمور يعني: صغارها.
وانظر: ناصر بن عقيل الطريفي / القضاء في عهد عمر بن الخطاب ص 90، 91، 165، 166.(5/5)
وممن كان عمر رضي الله عنه يستشيرهم ويأخذ برأيهم في قضائه: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد شهد عمر رضي الله عنه بسعة علم علي رضي الله عنه بالقضاء، قال رضي الله عنه: علي أقضانا(1).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يتعوذ من معضلة لا أبا حسن لها(2).
وممن روي أن عمر رضي الله عنه استقضاه بالمدينة وفرض له رزقاً زيد بن ثابت رضي الله عنه(3).
وروي أن عمر كان إذا كثر عليه الخصوم صرفهم إلى زيد(4).
وربما كان عمر رضي الله عنه يستشير زيداً في القضاء كما كان يستشير علياً رضي الله عنه، فقد كان زيد أحد فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم(5)، ولكن لم يأت ما يثبت أن عمر رضي الله عنه ولاه القضاء.
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 2/339، الحاكم / المستدرك 3/305، وهو عند ابن سعد من عدة طرق ومنها ما رواه فقال: أخبرنا وهب بن جرير أخبرنا شعبة عن حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، وهذا السند متصل ورجاله ثقات، فالأثر صحيح.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 2/339، وفي إسناده نوفل بن إسماعيل صدوق سيء الحفظ، وهو من رواية سعيد بن المسيب وسماعه من عمر مختلف فيه، فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 2/359، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/259، ومداره على حجاج بن أرطاة صدوق كثير الخطأ، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/258، وفي إسناده حفص بن عمر لم أجد له ترجمة، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه ويروي عنه ضمرة بن ربيعة، صدوق من التاسعة، ولا ريب أن الإسناد معضل، فالأثر ضعيف.
(5) ابن عبد البر / الاستيعاب 2/112.(5/6)
وأما ما ورد من أن عمر رضي الله عنه لم يتخذ قاضياً حتى كانت الفتنة فاتخذ معاوية(1) قاضياً فغير ثابت وما صح من استقضاء عمر رضي الله ليزيد بن أخت النمر مقدم عليه.
أما قضاة عمر رضي الله عنه في الأمصار الإسلامية فهم كالآتي:
أولاً: الكوفة.
1- عروة بن عياض بن أبي الجعد(2) رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه قضاء الكوفة، ولم أقف على تحديد الزمان الذي ولي فيه(3).
2- سلمان بن ربيعة الباهلي(4) رضي الله عنه:
بعثه عمر رضي الله عنه معاوناً لعروة بن عياض(5)، ولم تذكر المصادر تحديد زمان ذلك.
3- شريح بن الحارث الكندي(6):
استعمله عمر رضي الله عنه على قضاء الكوفة بعد عروة بن عياض، وروي أنه رزقه كل شهر مائة درهم وقيل: خمسمائة درهم، واستمر شريح رحمه الله على قضاء الكوفة حتى توفي في سنة ثمان وسبعين في إمارة عبد الملك بن مروان وله مائة وثمان سنوات(7)، وقيل إنه استعفى من القضاء قبل وفاته(8).
__________
(1) رواه أبو زرعة /التاريخ1/205، وكيع / أخبار القضاة 1/105، 110، 111، وهو عندهما من طريقين الأولى منقطعة من رواية الإمام مالك عن الزهري عن عمر رضي الله عنه، والثانية معضلة من رواية الإمام مالك بن أنس عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(2) عروة بن الجعد ويقال ابن أبي الجعد، وقيل اسم أبيه عياض البارقي صحابي، سكن الكوفة وهو أول قاض بها. تق 389.
(3) ابن عبد البر / الاستيعاب 3/175.
(4) سلمان بن ربيعة الباهلي رضي الله عنه، له صحبة. المصدر السابق 3/109.
(5) خليفة بن خياط / التاريخ ص 155. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/193.
(6) شريح بن الحارث بن قيس الكوفي أبو أمية القاضي، مخضرم، ثقة، وقيل له صحبة. تق 265.
(7) ابن كثير البداية والنهاية 9/24.
(8) ابن حجر / الإصابة 2/146.(5/7)
ولم أقف على تحديد السنة التي ولي فيها القضاء، وذكر البعض أنه استمر قاضياً على الكوفة ستين سنة(1)، فتكون بداية توليه القضاء في سنة ثمان عشرة من الهجرة على القول بأنه استمر قاضياً حتى توفي في سنة ثمان وسبعين.
وقيل إن سبب استقضائه رضي الله عنه لشريح رحمه الله، أن عمر رضي الله عنه ساوم رجلاً بفرس، فركبه عمر رضي الله عنه، فعطب، فقال للرجل: خذ فرسك، فقال الرجل: لا، فقال عمر رضي الله عنه: اجعل بيني وبينك حَكَماً، فقال الرجل: شريح، فتحاكما إليه، فقال شريح: يا أمير المؤمنين خذ ما ابتعت، أو رد كما أخذت، قال عمر: وهل القضاء إلا على هذا، فصيره إلى الكوفة قاضياً وإنه لأول يوم عرفة(2).
4- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
روي أن عمر رضي الله عنه استعمله على قضاء الكوفة ولم تثبت الرواية في ذلك(3)، بل الثابت أن عمر رضي الله عنه بعثه معلماً لأهل الكوفة، ووزيراً لعمار بن ياسر، وقال لأهل الكوفة: وإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي إثرة(4).
__________
(1) ابن عبد البر / الاستيعاب 2/257، 258.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 6/132، ابن أبي شيبة / المصنف 4/507، 7/252، 271، وكيع / أخبار القضاة 2/189، أبو نعيم / حلية الأولياء 4/137، البيهقي / السنن الكبرى 5/274، ومداره على عامر الشعبي، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات، فالأثر ضعيف.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/100،101،10/333، وفي إسناده قتادة بن دعامة مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية أبي مجلز لاحق بن حميد عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(4) صحيح تقدم تخريجه في ص713.(5/8)
ومما روي عن عمر رضي الله عنه ويدل على عدم استقضاء عمر رضي الله عنه لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه رضي الله عنه قال لابن مسعود رضي الله عنه: بلغني أنك تقضي ولست بأمير؟ قال: بلى، قال عمر رضي الله عنه: فول حارها من تولى قارها(1).
ولكن قيام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالقضاء أحياناً أمر ممكن ولا غضاضة عليه رضي الله عنه في ذلك فهو من كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بسعة العلم، وقد بعثه عمر رضي الله عنه معلماً لأهل الكوفة.
ثانيا: البصرة.
1- أبو مريم إياس بن صبيح الحنفي(2):
وهو أول من استقضى عمر رضي الله عنه بالبصرة(3)، وروي أن عتبة بن غزوان(4) رضي الله عنه ولاه القضاء حين كان والياً على البصرة، فلم يزل قاضياً بها حتى تولى المغيرة بن شعبة إمرة البصرة(5).
__________
(1) أي ول شرها من تولى خيرها، وول شديدتها من تولى هينتها، جعل الحر كناية عن الشر، والشدة والبرد كناية عن الخير. ابن منظور / لسان العرب 11/98.
رواه عبد الرزاق / المصنف 8/301، وكيع / أخبار القضاة 1/83، ومداره على محمد بن سيرين روايته عن عمر منقطعة.
(2) تقدمت ترجمته في ص659.
(3) رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 154، البلاذري / فتوح البلدان ص 107 من غير إسناد، وكيع/ أخبار القضاة 1/269، وفي إسناده شيخه أبو يعلى المنقري ذكره الخطيب البغدادي، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، تاريخ بغداد 8/459، وهو منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(4) تقدمت ترجمته في ص 694.
(5) رواه وكيع / أخبار القضاة 1/269، وإسناده كالرواية السابقة.(5/9)
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن ينظر في قضاء أبي مريم ويتحقق منه، فكتب إليه أبو موسى: إني لا أتهم أبا مريم، فقال عمر رضي الله عنه: وأنا لا أتهمه، ولكن إذا رأيت من خصم ظلماً فعاقبه(1).
وربما كان في هذا الأثر إشارة إلى ضعف أبي مريم في القضاء، ولذلك أمر عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بالنظر في قضائه باعتاره والياً على البصرة.
ومما روي أيضاً وفيه دلالة على ضعف أبي مريم في القضاء: أن عمر رضي الله عنه شكي إليه ضعف أبي مريم فأمر بعزله(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال في أبي مريم: لأنزعن فلاناً عن القضاء، ولأستعملن رجلاً إذا رآه الفاجر فرقه(3).
وروي أن أبا مريم اختصم إليه رجلان في دينار، فحمل ديناراً، فأعطاه المدعي فقال عمر رضي الله عنه: اعتزل قضاءنا(4).
__________
(1) رواه وكيع / أخبار القضاة 1/270، البيهقي / السنن الكبرى 10/108، وسنده عند البيهقي رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2) رواه وكيع / أخبار القضاة 1/270، وسنده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، سوى شيخ وكيع أبي يعلى لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
(3) رواه وكيع / أخبار القضاة 1/270، البيهقي / السنن الكبرى 10/108، وفي سنده عند وكيع شيخه أبو يعلى تقدم في الذي قبله، وفيه انقطاع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه. ورجال إسناده عند البيهقي ثقات. ولكنه منقطع أيضاً من رواية محمّد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/534، وكيع / أخبار القضاة 1/81، 272، 273، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند وكيع أبو حريز متهم بوضع الحديث. ميزان الاعتدال 4/251. فالأثر ضعيف.(5/10)
وهذه الآثار تدل مجتمعة على عزل عمر رضي الله عنه لأبي مريم عن القضاء بسبب ضعفه في القضاء.
وقال ابن سعد رحمه الله تعالى: إن أبا مريم تولى القضاء بعد عمران بن حصين(1).
ولعل الصواب والله أعلم هو ما تقدم من أن أول من استقضى عمر بالبصرة أبا مريم الحنفي، وأما عمران بن حصين فإن عمر رضي الله عنه بعثه ليفقه أهل البصرة كما قال ابن حجر رحمه الله: إن الطبراني أخرج ذلك بسند صحيح(2).
2- كعب بن سور الأزدي(3) رحمه الله:
ولاه عمر رضي الله عنه قضاء البصرة بعد عزله أبي مريم، وظل والياً على قضاء البصرة حتى نهاية خلافة عمر رضي الله عنه(4).
وروي في سبب تولية عمر لكعب، أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: أشكو إليك خير أهل الدنيا إلا رجلاً سبقه بعمل، أو عمل بمثل عمله يقوم الليل حتى يصبح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم تجلاها الحياء، فقالت: أقلني يا أمير المؤمنين، فقال: جزاك الله خيراً، قد أحسنت الثناء، قد أقلتك.
__________
(1) عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي أبو نجيد أسلم عام خيبر وصحب، وكان فاضلاً. تق 429.
الطبقات 7/91.
(2) الإصابة 3/26، ولم أقف عليه فيما بحثت.
(3) كعب بن سور بن بكر الأزدي، قال ابن مندة: يقال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: ليست له صحبة، وقال أبو عمر: كان مسلماً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يره وهو معدود في كبار التابعين ونقل ابن حجر رحمه الله عن الزبير بن بكار أنه قتل يوم الجمل. ابن حجر / الإصابة 3/314،315.
(4) خليفة بن خياط / التاريخ ص 154 من غير إسناد، وكيع / أخبار القضاة 1/474، وفيه أبو يعلى المنقري ذكره الخطيب البغدادي، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، تاريخ بغداد 8/459، وفيه حسن بن فرقد لم أجد له ترجمة، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه.(5/11)
فلما ولت، قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال: ما اشتكت؟ قال: زوجها، قال: عليّ المرأة، فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟! قال: إنك فطنت إلى ما لم أفطن، قال: إن الله يقول {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ}(1)، صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يوماً، وقم ثلاث ليال، وبت عندها ليلة، فقال عمر: لهذا أعجب من الأول، فرحل به أو بعثه قاضياً لأهل البصرة(2).
وممن كان يقضي بالبصرة في خلافة عمر أميرها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وسيأتي إن شاء الله ذكر كتاب عمر رضي الله عنه إليه في كيفة القضاء(3).
3- مصر.
1- قيس بن أبي العاص السهمي(4) رضي الله عنه:
وهو أول من استقضى عمر رضي الله عنه بمصر(5)، ذكر أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص أن يوليه قضاء مصر(6)، ولي القضاء في أول سنة ثلاث وعشرين، واستمر قاضياً حتى توفي في شهر ربيع الأول من تلك السنة(7).
__________
(1) سورة النساء، الآية (3).
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 7/92، ابن أبي شيبة / المصنف 7/252، ابن أبي الدنيا / العيال 2/688،689، البيهقي / السنن الكبرى 10/87، ومداره على الشعبي وروايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات. فالأثر ضعيف.
(3) انظر: ص: 782-784.
(4) قيس بن أبي العاص بن قيس بن عدي بن سعيد القرشي السهمي رضي الله عنه، أسلم يوم الفتح وشهد حنيناً. ابن حجر /الإصابة 3/254.
(5) ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 220، نقلاً عن سعيد بن عفير وهو صدوق من العاشرة. تق 240، وكيع / أخبار القضاة 3/220، من طريق ابن عبد الحكم.
(6) الكندي / تاريخ ولاة مصر وقضاتها ص 227، وفي إسناده عاصم بن رازح الخولاني شيخ الكندي، لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.
(7) المصدر السابق ص 227،228، ورجال إسناده لم أجد لهم تراجم.(5/12)
2- كعب بن يسار بن ضبة(1) رضي الله عنه:
كتب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص أن يولي كعب بن يسار القضاء بمصر بعد وفاة قيس بن أبي العاص، فأقرأ عمرو بن العاص كعباً كتاب أمير المؤمنين، فقال كعب: والله لا ينجيه الله من أمر الجاهلية، وما كان فيها من الهلاك ثم يعود فيها أبداً، فأبى أن يقبل القضاء، فتركه عمرو(2).
3- عثمان بن قيس بن أبي العاص(3):
ولاه عمرو بن العاص القضاء بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن امتنع كعب بن يسار، وظل والياً للقضاء حتى انقضاء خلافة عمر رضي الله عنه(4).
ثالثا: بلاد الشام.
1- دمشق:
كان القاضي بها في خلافة عمر رضي الله عنه أبو الدرداء(5)
__________
(1) كعب بن يسار بن ضبة العبسي، له صحبة، وشهد فتح مصر، وله خطة بمصر معروفة. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/383.
(2) ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 220،221، وكيع / أخبار القضاة 3/221، ابن الأعرابي / المعجم 2/25، ووقع فيه خطأً أن اسمه: (أبي بن كعب)، الكندي / تاريخ ولاة مصر وقضاتها ص 228، ومداره على عمار بن سعد التجيبي جهله ابن القطان. التهذيب 7/402، وقال ابن حجر: مقبول. تق 407. فالأثر ضعيف.
(3) عثمان بن قيس بن أبي العاص السهمي، شهد فتح مصر مع أبيه. ابن حجر / الإصابة 2/464.
(4) ابن عبد الحكم/فتوح مصر ص 230، من غير إسناد، الكندي / تاريخ ولاة مصر وقضاتها ص 230، ورجال إسناده لم أجد لهم تراجم.
(5) تقدمت ترجمته ص 182.
رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 146، أبو زرعة / التاريخ 1/198، 224، وكيع / أخبار القضاة 3/199. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/299، 300، الذهبي / سير أعلام النبلاء 2/335، وفي إسناده عند البلاذري الوليد ابن مسلم مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وهو معضل من رواية تميم ابن عطية عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من السابعة، وهو عند أبي زرعة وابن عبد البر ووكيع من رواية سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من السابعة، روايته عن عمر معضلة، وأورده الذهبي من غير إسناد. قال ابن حجر في ترجمة أبي الدرداء: "ولاه معاوية قضاء دمشق في خلافة عمر". الإصابة 3/45، 46.(5/13)
رضي الله عنه.
وكان عمر رضي الله عنه بعثه أيضاً لتفقيه أهل الشام، ونزل دمشق ومات بها(1).
2- حمص وقنسرين(2).
1- عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
ولى عمر رضي الله عنه قضاءهما عبادة بن الصامت رضي الله عنه(3) وكان يقوم بتعليم أهل حمص الفقه والدين(4).
2- حابس بن سعيد الطائي(5) رضي الله عنه:
روي أن عمر رضي الله عنه ولاه القضاء بحمص، فقال له: إني أريد أن أوليك قضاء حمص، فكيف أنت صانع؟ قال: أجتهد رأيي، وأشاور جلسائي، فقال: انطلق، فلم يمض إلا يسيراً حتى رجع، فقال: يا أمير المؤمنين، إني رأيت رؤيا أحببت أن أقصها عليك، قال: هاتها، قال: رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق، ومعها جمع عظيم، وكأن القمر أقبل من المغرب ومعه جمع عظيم.
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 2/356، ورجال إسناده ثقات، ولكنه منقطع من رواية محمد بن كعب القرظي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة.
(2) تقدم التعريف بها ص 750.
(3) رواه البلاذري /فتوح البلدان ص: 146، تقدم الكلام على إسناده في ص 777/ الحاشية (1).
(4) رواه ابن سعد / الطبقات 2/356، تقدم الكلام على إسناده في ص: 777 حاشية (1). قال ابن سعد: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس، حدثني سليمان بن بلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن محمّد بن كعب القرظي.
(5) حابس بن سعد بن المنذر بن ربيعة الطائي، ذكره ابن سعد وأبو زرعة الدمشقي فيمن نزل الشام من الصحابة، وذكره ابن سميع في الطبقة الأولى من الصحابة، وقال البخاري: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. ابن حجر / الإصابة 1/272.(5/14)
فقال عمر رضي الله عنه: مع أيهما كنت؟ قال: مع القمر، فقال عمر: كنت مع الآية الممحوة، لا والله لا تعمل لي عملاً أبداً ورده(1).
3- الأردن:
روي أن عمر رضي الله عنه استعمل على قضائها كريب(2) بن سيف الأنصاري.
4- البحرين:
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/180، 7/549، ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 221، 222 أبو العرب / المحن ص 124، ابن حزم / جمهرة النسب ص 403. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/344، ابن كثير / مسند الفاروق 2/548،وفي إسناده عند ابن أبي شيبة رواة مبهمون، حيث قال فيه عطاء بن السائب: حدثني غير واحد: أن قاضياً...الخ، وليس فيه تحديد اسم الوالي، ولا مكان ولايته في الشام.
وفيه عند ابن أبي الدنيا شيخه بسام بن يزيد، قال الذهبي: تكلم فيه، وقال الأزدي: هو وسط في الرواية. ميزان الاعتدال 1/308، وفيه انقطاع لأنه من رواية محارب بن دثار وهو ثقة من الرابعة يرويه عن عمر رضي الله عنه وفيه أن عمر رضي الله عنه بعث حابساً على قضاء دمشق، وهو عند ابن كثير من طريق بسام بن يزيد به مثله، وفي إسناده عند أبي العرب إبهام بشيخه حيث قال: حدثني غير واحد عن أسد بن زياد، وأسد لم أجد له ترجمة، وفيه إبهام بالراوي عن عمر رضي الله عنه حيث قال الراوي: حدثني شيخ من طيء، وليس فيه ذكر للجهة التي بعثه عمر رضي الله عنه قاضياً عليها، وأما ابن حزم وابن عبد البر فذكرا الخبر من غير إسناد، وذكرا أن عمر رضي الله عنه بعثه قاضياً على حمص، فالخبر ضعيف، وعزل عمر رضي الله عنه لحابس بسبب الرؤيا التي رآها فيه بعد إلا أن يكون عمر رضي الله عنه رأى بفراسته عدم أهليته للقضاء أو بلغه عنه أمراً لا يرضاه.
(2) لم أجد له ترجمة.
رواه أبو زرعة الدمشقي / التاريخ 1/227، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه معضل من رواية سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السابعة، ولم أقف على تفاصيل أخرى في ولايته للقضاء.(5/15)
تقدم أن عمر رضي الله عنه بعث على قضائها أبا هريرة رضي الله عنه ثم عزله وقاسمه ماله، وأسند مهمة القضاء لوالي البحرين عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه(1).
المطلب الثاني: توجيه عمر رضي الله عنه لقضاته وإرشاده لهم في صفة القضاء وآدابه.
إن القضاء مهمة عظيمة جليلة، وهي أيضاً مهمة ذات خطورة بالغة ومسؤولية عظيمة أمام الله عز وجل إذ إن القاضي محكّم في دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، لذلك جاءت نصوص السنة تحث القضاة على العدل في الحكم، وتحذرهم من الجور فيه، قال صلى الله عليه وسلم وهو يبين عظم شأن القضاء وخطورة هذا المنصب على من لم يتحر العدل فيه، والبعد عن الظلم: "من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين"(2).
وأما عمر رضي الله عنه فإنه ما فتئ يحث قضاته على العدل ويحذرهم من الظلم ومن عواقبه المخزية في الدنيا والآخرة، قال رضي الله عنه: ويل لديان أهل الأرض من ديان أهل السماء يوم يلقونه، إلا من أم العدل وقضى بالحق، ولم يقض لهوى، ولا لقرابة، ولا لرغبة، ولا لرهبة، وجعل كتاب الله مرآة عينيه(3).
__________
(1) انظر: ص (691) في ولاية قدامة بن مظعون على البحرين.
(2) رواه أبو داود / صحيح سنن أبي داود / الألباني 2/682، الترمذي / صحيح سنن الترمذي / الألباني 2/35.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/540، وكيع / أخبار القضاة 1/30، البيهقي / السنن الكبرى 10/117، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا وكيع، قال: حدّثنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن إسماعيل بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: قال عمر: ويل... الأثر.(5/16)
وقال المسور بن مخرمة(1) رضي الله عنه: سمعت عمر وإن إحدى أصابعي في جرحه هذه أو هذه أو هذه، وهو يقول: يا معشر قريش، إني لا أخاف الناس عليكم إنما أخافكم على الناس، إني قد تركت فيكم ثنتين لن تبرحوا بخير مالزمتموهما: العدل في الحكم، والعدل في القسم(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى: إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائجهم، فأكرم من قبلك من وجوه الناس، وبحسب المسلم الضعيف من العدل أن ينصف في الحكم والقسم(3).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص 324.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/438، صحيح.قال: حدّثنا ابن إدريس عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن ابن مينا عن المسور بن مخرمة.
(3) رواه الجعد / المسند 1/556، ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 212، الطبري / التاريخ 2/566، الخلال / السنة ص 118، ومداره على أبي عمران الجوني، وهو ثقة من الرابعة روايته عن عمر منقطعة تق 661. وبقية رجاله عند الجعد ثقات. فالأثر ضعيف وله ما يشهد له.(5/17)
وإن من أهم النصوص الواردة عن عمر رضي الله عنه والتي جمعت عدداً كبيراً من الوصايا الهامة في كيفة القضاء وآدابه، هو كتابه رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال رضي الله عنه: أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لانفاذ له(1)، وآس بين الاثنين في مجلسك، ووجهك، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس وضيع وربما قال: ضعيف من عدلك(2)، الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك، وربما قال: في نفسك، ويشكل عليك ما لم ينزل في الكتاب، ولم تجربه سنة، واعرف الأشباه والأمثال، ثم قس الأمور بعضها ببعض، فانظر أقربها إلى الله، وأشبهها بالحق فاتبعه، واعمد إليه(3)، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس، راجعت فيه وهديت فيه لرشدك، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً حداً أو مجرباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة(4)
__________
(1) قال ابن القيم رحمه الله: ومراد عمر بذلك التحريض على تنفيذ الحق إذ أفهمه الحاكم، ولا ينفع تكلمه به إن لم يكن له قوة تنفيذه. أعلام الموقعين 1/89.
(2) وقال رحمه الله: إذا عدل الحاكم في هذا بين الخصمين، فهو عنوان عدله في الحكومة فمتى خص أحد الخصمين بالدخول عليه، أو القيام له، أو بصدر المجلس، والإقبال عليه، والبشاشة، والنظر إليه، كان عنوان حيفه وظلمه. المصدر السابق 1/89.
(3) وقال رحمه الله: هذا أحد ما اعتمد عليه القياسيون في الشريعة، وقالوا: هذا كتاب عمر إلى أبي موسى، ولم ينكره أحد من الصحابة، بل كانوا متفقين على القول بالقياس وهو أحد أصول الشريعة، ولا يستغني عنه فقيه. المصدر السابق 1/130.
(4) قوله: أو ظنيناً في ولاء أو قرابة، يعني متهم بأن يجر إلى نفسه نفعاً من المشهود له، كشهادة السيد لعتيقه بمال، أو شهادة العتيق لسيده إذا كان في عياله، أو منقطعاً إليه، يناله نفعه، وكذلك شهادة القريب لقريبه لا تقبل مع التهمة، وتقبل بدونها وهو الصحيح. المصدر السابق 1/110،111.(5/18)
، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه أو بينة عادلة، فإنه أثبت للحجة، وأبلغ في العذر، فإن أحضر بينة إلى ذلك الأجل، أخذ بحقه، وإلا وجهت عليه القضاء، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، إن الله تبارك وتعالى، تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم الشبهات، وإياك والقلق والضجر، والتأذي بالناس والتنكر للخصم في مجالس القضاء، التي يوجب الله فيها الأجر، ويحسن فيها الذخر، من حسنت نيته، وخلصت فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، والصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراماً، أو حرم حلالاً، ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شانه الله، فما ظنك بثواب غير الله في عاجل دنيا، وآجل آخرة والسلام(1)
__________
(1) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/345. قال: حدّثنا عبد الله بن يزيد، قال: حدّثا عبد الملك بن الوليد بن معدان، قال: حدّثني أبي، قال: كتب عمر...
البلاذري / أنساب الأشراف ص 302، 305. قال: حدّثني إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع عن سفيان عن رجل عن الشعبي أن عمر كتب... الأثر.
وكيع / أخبار القضاة 1/70-73. قال: حدّثي عليّ بن محمّد بن عبد الملك ابن أبي الشوارب، قال: حدّثنا إبراهيم بن بشار، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا إدريس أبو عبد الله بن إدريس، قال: أتيت سعيد بن أبي بردة فسألته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى الأشعري وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة، وأخرج إليّ كتاباً فرأيت في كتاب منها: أما بعد، فإن القضاء... الأثر.
البيهقي / السنن الكبرى 10/106، 119، 135، 150، 182،253. قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسحاق الصغاني، ثنا ابن كنانة، ثنا جعفر بن برقان عن معمر البصري عن أبي العوام، قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما... الأثر.
ورواه من طريق آخر من طريق سفيان عن أبي إدريس به مثله عند وكيع، وأبي إدريس الصواب في اسمه: إدريس كما عند وكيع، وهو إدريس الأودي.
الخطيب / تاريخ بغداد 10/449.
وفي إسناده عند ابن شبة عبد الملك بن الوليد بن معدان، ضعيف. تق 366، وأبوه ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال يروي عن عمر رضي الله عنه مرسل، الجرح والتعديل 9/18.
وفيه عند البلاذري راو مبهم، وهو شيخ سفيان، حيث قال: عن رجل، وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه.
ورجال إسناده عند البيهقي ما بين ثقة وصدوق سوى معمر البصري، وشيخه أبي العوام البصري وهو الراوي عن عمر رضي الله عنه لم أجد لهما ترجمة.
وإسناده عند الخطيب رجاله كذلك ما بين ثقة وصدوق سوى نعيم الضبي، البراز لم أجد لهما ترجمة. وهو من طريق سفيان عن أبي إدريس به مثله عن وكيع.
ورجال إسناده عند وكيع ثقات ويروي وجادة حيث قال فيه إدريس الأودي: أتيت سعيد بن أبي بردة، فسألته عن رسائل عمر وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة وأخرج إلي كتاباً...فذكره، وسعيد ابن أبي بردة روايته عن عمر معضلة، فهو ثقة من الخامسة تق 233، ولكن هذا الكتاب من كتب والده التي أوصى بها إليه جده أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، قال الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله: لكن قوله هذا كتاب عمر، وجادة وهي صحيحة من أصح الوجادات، وهي حجة. إرواء الغليل 8/241.(5/19)
.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا كتاب جليل، تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه، وإلى تأمله والتفقه فيه(1).
ومن النصوص الهامة أيضاً في هذا الجانب كتابه رضي الله عنه لشريح القاضي في كيفة القضاء، قال رضي الله عنه: اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله، فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقض به الصالحون، فإن شئت، فتقدم، وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك، والسلام(2).
ومما ورد عن عمر رضي الله عنه في حث القضاة على عدم الميل لأحد الخصمين، قوله رضي الله عنه: ما أبالي إذا اختصم إلي رجلان لأيهما كان الحق(3).
__________
(1) أعلام الموقعين 1/86.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/543، 544، ابن أبي خيثمة / التاريخ ص 184، النسائي / السنن 8/231، الكبرى 3/468، وكيع / أخبار القضاة 2/189، 190، البيهقي / السنن الكبرى 3/468، صحيح من طريق النسائي. قال: أخبرنا محمّد بن بشار، قال: حدّثنا أبو عامر، قال: حدّثنا سفيان عن الشيباني عن الشعبي عن شريح.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/290، البلاذري / أنساب الأشراف ص 223، 224. ورجاله إسناده عند ابن سعد ثقات ولكنه معضل من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر رضي الله عنه عنه، وهو ثقة من الخامسة. وسنده عند البلاذري رجاله ثقات ولكنه من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه وقد اختلف في سماع سعيد من عمر رضي الله عنه.(5/20)
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه في كيفة القضاء وآدابه ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان بينه وبين أبي بن كعب خصومة، فقال عمر رضي الله عنه لأبي بن كعب رضي الله عنه اجعل بيني وبينك رجلاً، فجعلا بينهما زيد بن ثابت رضي الله عنه، فأتياه فقال عمر: أتيناك لتحكم بيننا، وفي بيته يؤتى الحكم، فلما دخلوا عليه، أَجلس زيد عمر معه على صدر فراشه، فقال عمر رضي الله عنه: هذا أول جورك، جرت في حكمك، اجلسني وخصمي مجلساً، فقصا عليه القصة، فقال زيد: اليمين على أمير المؤمنين، وإن شئت أعفيته، فأقسم عمر على ذلك، ثم أقسم له لا تدرك باب القضاء حتى لا يكون لي عندك على أحد فضيلة(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يحكم بكتاب الله، ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن وجد لأبي بكر قول وقضاء أخذ به وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم(2).
وقال الشعبي رحمه الله تعالى: من أراد أن يأخذ بالوثيقة من القضاء، فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير(3).
__________
(1) رواه الجعد / المسند 2/727، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/323،324، وكيع / أخبار القضاة 1/108-110، البيهقي / السنن الكبرى 10/136، 144، 145، ومداره على عامر الشعبي وروايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة وبقية رجاله عند الجعد ثقات فالأثر ضعيف.
(2) رواه البيهقي / السنن الكبرى 10/114،115، وفي إسناده الشريف أبو الفتح العمري، وعبد الرحمن بن أبي شريح لم أجد لهما ترجمة، وبقية رجاله ثقات وفيه انقطاع، فهو من رواية ميمون بن مهران عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.
(3) صحيح إلى الشعبي، تقدم تخريجه في ص 609.(5/21)
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبينات العدول، والأيمان القاطعة، ثم أدن الضعيف حتى ينبسط لسانه ويجترئ قلبه، وتعاهد الغريب، فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته، وانصرف إلى أهله، وإذا الذي أبطل حقه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح ما لم يتبين القضاء(1).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ردوا الخصوم إذا كانت بينهم القرابات فإن فصل القضاء مورث بينهم العداوة(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أرأيت لو كنت القاضي والوالي، ثم أبصرت إنساناً على حد، أكنت مقيماً عليه؟ قال: لا، حتى يشهد معي غيري، قال: أصبت، ولو قلت غير هذا لم نجز(3).
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا / أشراف ص 156، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 238، وفيه عندهما محمد بن يزيد الضبي، ذكره ابن حبان في الثقات 9/35، ولم أر فيه توثيقاً لغيره، وهو عندهما معضل من رواية عروة بن رويم صدوق من الخامسة. تق 389، عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب بهذا الكتاب إلى معاوية بن أبي سفيان، رواه وكيع / أخبار القضاة 1/74،75، ورجال إسناده لم أجد لهم تراجم، وهو منقطع من رواية الشعبي عن عمر رضي الله عنه.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 8/304، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/338،339، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات ولكنه منقطع من رواية محارب بن دثار عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة، ورواه ابن شبة من طريق عبد الرزاق. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/550، وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي، صدوق يخطئ كثيراً، وهو منقطع من رواية عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.(5/22)
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أرأيت لو رأيتُ رجلاً زنى أو سرق؟ قال: أرى شهادتك شهادة رجل من المسلمين، قال: أصبت(1).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في التحذير من الرشوة وقبول الهدايا في الحكم أن رجلاً كان يهدي لعمر رضي الله عنه كل عام فخذ جزور، فخاصم إليه رجلاً فقال: يا أمير المؤمنين، اقض بيننا قضاءً فصلاً، كما تفصل الرجل من سائر الجزور، فقضى عليه عمر، ثم كتب إلى عماله: إن الهدايا هي الرشا(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى قضاته: اجعلوا الناس عندكم في الحق سواء قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم، وإياكم والرشا، والحكم بالهوى(3).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 8/340، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية عكرمة مولى ابن عباس عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 251،294،295، وكيع / أخبار القضاة 1/55،56، البيهقي/ السنن الكبرى 10/138، الصغرى 4/135، وهو عند ابن أبي الدنيا من طريقين الأول رجاله ثقات ولكنه معضل من رواية أبي حريز الأزدي عن عمر رضي الله عنه وهو صدوق يخطئ من السادسة، ورواه سائر من رواه من طريق أبي حريز ورواه ابن أبي الدنيا من طريق آخر وفي إسناده إسماعيل بن زياد الكوفي متروك. تق 107. فالأثر ضعيف.
(3) رواه البيهقي / السنن الكبرى 10/135، ورجال إسناده ثقات سوى يزيد بن أيهم فهو مقبول من الخامسة، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه وروياته عنه معضلة. فالأثر ضعيف.(5/23)
وروي كذلك أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: لا تبيعن ولا تبتاعن، ولا تشارن، ولا تضارن، ولا ترشى في الحكم، ولا تحكم بين اثنين وأنت غضبان(1).
الفصل الثّاني: التنظيمات الإدارية العامة في المجتمع
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأوّل: الاهتمام بالنواحي الدينية والفكرية، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأوّل: العناية بالكتاب والسنة.
إنّ العناية بالكتاب والسنة مقصد عظيم من مقاصد الدين، فهما مصدر هداية المسلمين وعزتهم في الدنيا والآخرة.
وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده وسلف هذه الأمة على العناية بالكتاب والسنة، وحمايتهما من الضياع والتلف والنسيان، ومن التحريف والدس والتزوير.
وقد تكفل الله عز وجل بحفظ كتابه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(2).
وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العناية بها، والحفاظ عليها ورتب على ذلك الثواب العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع"(3). وحذر صلى الله عليه وسلم من التهاون بسنته ومن التعرض لها بشيء من التغيير أو التحريف أو الكذب، قال صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار"(4).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"(5).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 8/300، وفي إسناده محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي، متروك من السادسة. تق 494. فالأثر ضعيف جداً، وما فيه من النهي عن البيع والشراء يبعد أن يأمر به عمر رضي الله عنه فإن كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا تجاراً وكان فيهم الولاة والقضاة.
(2) سورة الحجر الآية (9).
(3) رواه الترمذي / صحيح سنن الترمذي / الألباني 2/338.
(4) رواه البخاري / الصحيح 1/31.
(5) رواه الترمذي / صحيح سنن الترمذي / الألباني 2/338.(5/24)
وكان عمر رضي الله عنه شديد الحرص على حماية الكتاب والسنة من الضياع أو التحريف أوالتبديل أو الزيادة والنقص.
أما عنايته بالقرآن الكريم فقد تمثلت في عدة جوانب هامة هي:
أولاً: اهتمامه بجمع القرآن الكريم:
فقد أشار على الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن بعد مقتل عدد كبير من القراء في موقعة اليمامة وكان له الفضل بعد الله عز وجل في حفظ القرآن من الضياع والنسيان.
وقد كتب القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه في الصحف وكانت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت بعد وفاته عند عمر رضي الله عنه ثم كانت عند حفصة بعد وفاة عمر رضي الله عنه(1).
وقد رويت بعض الآثار التي فيها إشارة إلى جمع عمر رضي الله عنه القرآن ولو ثبت تلك الآثار لكان المراد بها مشاركته في ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه كما قال ابن حجر رحمه الله عند تعقيبه على الأثر الذي فيه أن عمر رضي الله عنه سأل عن آية من كتاب الله، فقيل له: كانت مع فلان، قتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، وأمر بالقرآن فجمع، وكان أول من جمعه في المصحف(2).
قال ابن حجر: هذا منقطع، فإن كان محفوظاً حمل على أن المراد بقوله: "فكان أول من جمع القرآن" أي أشار بجمعه في خلافة أبي بكر، فنسب الجمع إليه لذلك(3).
__________
(1) صحيح. تقدم الكلام على ذلك في ص (526).
(2) رواه ابن أبي داود / المصاحف ص 16، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن خلاد ذكره ابن حبان في الثقات 8/368، وفيه مبارك بن فضالة صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3) فتح الباري 9/12،13.(5/25)
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه لما أراد أن يكتب المصحف أقعد له نفراً من أصحابه، وقال: "إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر(1)، فإن القرآن نزل على رجل من مضر(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: "لا يملي في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف"(3).
وروي أن الأنصار جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالوا: نجمع القرآن في مصحف واحد، فقال: "إنكم أقوام في ألسنتكم لحن، وإني أكره أن تحدثوا في القرآن لحناً"، فأبى عليهم(4).
__________
(1) مضر بن نزار قبيلة عظيمة من العدنانية، كانت ديارهم حَيّز الحرم إلى السروات، وما دونها من الغور، وكانوا أهل الكثرة والغلب بالحجاز من سائر بني عدنان، وكانت لهم رئاسة مكة. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/1107.
(2) رواه ابن أبي داود / المصاحف ص 17، وفي إسناده عبد الله بن فضالة الزهراني لم يوثقه سوى ابن حبان، الثقات 5/40، وذكره الذهبي في الكاشف ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/584، وقال ابن حجر: من أولاد الصحابة له رؤية، وروايته مرسلة. تق 317، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
(3) رواه سعيد بن منصور / السنن 3/939، ابن أبي داود / المصاحف ص 17، 18، ومداره على عبد الملك بن عمير وهو مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع. من جابر بن سمرة رضي الله عنه ورجال إسناده عند سعيد ثقات. فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/116، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/271، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ضعيف. تق 411، وهو منقطع بين سالم بن عبد الله بن عمر وبين زيد بن ثابت رضي الله عنه راوي الأثر. العلائي / جامع التحصيل ص 180، وفيه عند ابن شبة، إسماعيل بن عياش الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم، وروايته هنا عن غيرهم، وهو منقطع زيد بن عبد الله العمري ثقة من الثانية تق: 224، لم يدرك عمر رضي الله عنه.فالأثر ضعيف.(5/26)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان لا يقبل في جمع القرآن من أحد شيئاً من القرآن يأتي به حتى يشهد شاهدان(1).
وروي أن الحارث بن خزيمة(2) جاء بالآيتين آخر سورة براءة: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} إلى قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}(3) إلى عمر رضي الله عنه فقال: من معك على هذا؟ قال: لا أدري والله إلا أني أشهد أني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها، فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعيتها، وحفظتها، ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا من القرآن فألحقوها فيها، فألحقتها في آخر براءة(4).
__________
(1) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/271، ابن أبي داود / المصاحف ص 17، وفي إسناديهما محمد بن عمرو بن علقمة صدوق له أوهام. تق 499، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(2) الحارث بن خزيمة بن عدي بن غنم الخزرجي الأنصاري شهد بدراً والمشاهد، ومات بالمدينة سنة أربعين، الإصابة 1/277.
(3) سورة التوبة الآيتان 128،129.
(4) رواه أحمد / المسند 1/199، ابن أبي داود / المصاحف ص 38، وفي إسناديهما محمد بن إسحاق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية عباد بن عبد الله بن الزبير عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
وجاء في رواية عند ابن أبي داود في المصاحف ص 17، من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، روايته عن عمر منقطعة، أن الذي جاء بالآيتين خزيمة ابن ثابت، وكان ذلك في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولابن حجر رحمه الله كلام مفيد في ذلك يطول ذكره، فتح الباري 9/12-22.(5/27)
وروي أن عمر رضي الله عنه خشي الفتنة لما اختلفوا في القراءات فقال: من أعرب الناس؟ فقالوا: سعيد بن العاص(1)، قال: فمن أخطّهم؟ قالوا: زيد بن ثابت، فأمر بمصحف فكتب بإعراب سعيد، وخط زيد، فلما كان عثمان بن عفان وكثر اختلاف الناس أمرهم بقراءة هذا المصحف، وترك ما سواه(2).
وأما ما روي من أن عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع القرآن في خلافة عمر رضي الله عنه فغير ثابت(3).
وكذلك ما روي من أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ماتا ولم يُجمع القرآن فغير ثابت أيضاً(4) فإن جمع أبي بكر رضي الله عنه للقرآن ثابت في الصحيح، إلا أن يكون المراد الجمع الأخير الذي فعله عثمان رضي الله عنه من جمع الناس في جميع الأمصار على مصحف واحد، ومحو وإحراق ما عداه من المصاحف كما ثبت ذلك في الصحيح(5).
ثانياً: تحريه وتشدده في قبول القراءات التي كان الصحابة رضوان الله عليهم يقرؤون بها:
فكان رضي الله عنه إذا سمع من أحد من الصحابة رضي الله عنهم قراءة تخالف ما سمعه وأخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعه يقرأ بها حتى يتوثق ويتحقق من ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (244).
(2) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 3/359، وفي إسناده يزيد بن عياض كذبه مالك وغيره. تق 604، وهو منقطع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف جداً.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 1/356، من طريق الواقدي.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/25، وفي إسناده منصور بن عبد الرحمن صدوق يهم، وفيه انقطاع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(5) رواه البخاري / الصحيح 3/225.(5/28)
قال رضي الله عنه: سمعت هشام بن حكيم بن حزام(1) يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، وكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها، فقال لي: "أرسله"، ثم قال له: "اقرأ"، فقرأ، قال: "هكذا أنزلت"، ثم قال لي: "اقرأ": فقرأت، فقال: "هكذا أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا منه ما تيسر"(2).
ووجد عمر رضي الله عنه مصحفاً في حجر غلام له، فيه: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أبٌ لَهُمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهاتُهُمْ}(3)، فقال: أحِككها يا غلام،فقال: والله لا أحكها، وهي في مصحف أبي بن كعب، فانطلق عمر إلى أبي بن كعب، فقال كعب: شغلني القرآن وشغلك الصفق بالأسواق(4).
__________
(1) هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي، صحابي بن صحابي رضي الله عنه. تق 572.
(2) رواه البخاري / الصحيح 2/61، 3/226، 227،234،4/198، 308، 309، مسلم / الصحيح / شرح النووي 6/98، 101 وغيرهما.
(3) سورة الأحزاب الآية (6).
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 10/181،التفسير 2/112، إسحاق بن راهويه / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 5/93، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/273. صحيح من طريق إسحاق. قال: أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ ابن جريج أخبرني عمرو ابن دينار عن بجالة التميميّ قال: وجد عمر... الأثر.(5/29)
وروي أن أبي بن كعب رضي الله عنه كان يقرأ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ}(1) فبلغ ذلك عمر، فأغلظ له، فقال: إنك لتعلم إني كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمني مما علمه الله، فقال عمر: بل أنت رجل عندك علم وقرآن، فاقرأ وعلم مما علمك الله ورسوله(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه سمع كثير بن الصلت(3) يقرأ: لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. فقال عمر: ما هذا؟ قال في التنزيل، فقال عمر: من يعلم ذاك؟ والله لتأتين بمن يعلم ذاك أو لأفعلن كذا وكذا، قال أبي بن كعب، فانطلق إلى أبي، فقال: ما يقول هذا؟ قال: ما يقول؟ قال: فقرأ عليه، فقال: صدق، قد كان هذا فيما قرأ، قال: أكتبها في المصحف، قال: لا أنهاك، قال: أتركها؟ قال: لا آمرك(4)
__________
(1) سورة الفتح الآية (26).
(2) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/274، النسائي / السنن الكبرى 6/463، 464، ابن أبي داود / المصاحف ص 174، ومداره على أبي إدريس الخولاني ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وسمع كبار الصحابة. تق 289، وقد اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه، فقيل إن روايته عنه مرسلة، وقال البخاري لم يسمع من عمر. العلائي / جامع التحصيل ص 205، وبقية رجاله عند النسائي ثقات.
(3) كثير بن الصلت بن عدي الكندي مدني ثقة من الثانية، ووهم من جعله صحابياً. تق 459.
(4) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/272، 273، من طريقين الأول فيه عثمان ابن موسى، وأبو قبيصة لم أعرفهما وهو منقطع من رواية عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، والثاني رجاله ثقات، ولكنه منقطع أيضاً من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه.
وفي صحيح البخاري 4/119 عن أبي بن كعب قال: كنا نرى هذا من القرآن أي قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب"، حتى نزلت ألهاكم التكاثر.(5/30)
.
ثالثاً: كراهيته قراءة القرآن على وجوه غير معروفة:
فقد كان رضي الله عنه يكره قراءة القرآن بالقراءات التي لم يألفها الناس، ولم يسمعوها أو قراءة بعض الآيات التي نسخ رسمها وبقي حكمها، وذلك حرصاً منه رضي الله عنه على سلامة عقيدة الرعية في كتاب ربها وقرآنها، وعدم إدخال الشك والريب إلى قلوب العامة، ومن قل حظهم من العلم.
قال رضي الله عنه: إلا وإن ناساً يقولون: ما بال الرجم في كتاب الله الجلد، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، ولولا أن يقول قائلون أو يتكلم متكلمون أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت(1).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/334، أحمد / المسند 1/29. صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا هشيم ثنا الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أخبرني عبد الله بن عباس حدّثني عبد الرحمن بن عوف أنّ عمر... الأثر.(5/31)
وقال ابن عباس رضي الله عنه: بينما أنا أقرأ آية من كتاب الله عز وجل وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة، فإذا أنا برجل ينادي من بعدي، أتبع(1) ابن عباس، فإذا هو أمير المؤمنين عمر، فقلت: أتبعك على أبي بن كعب، فقال: أهو أقرأكها كما سمعتك تقرأ، قلت: نعم، قال: فأرسل معي رسولاً، قال: اذهب معه إلى أبي بن كعب، فانظر أيقرئ أبي كذلك، قال: فانطلقت أنا ورسوله إلى أبي بن كعب، فقلت: يا أبي بن كعب، قرأتُ آيةً من كتاب الله، فنادى من بعدي عمر بن الخطاب، أتبع ابن عباس، فقلت أتبعك على أبي بن كعب، فأرسل معي رسوله، أفأنت أقرأتنيها كما قرأت؟ قال أبي رضي الله عنه: نعم، فرجع الرسول إليه، فانطلقت أنا إلى حاجتي، فراح عمر رضي الله عنه إلى أبي، فوجده قد فرغ من غسل رأسه، ووليدته تدري لحيته(2) بمدراها فقال أبي: مرحباً يا أمير المؤمنين، أزائراً جئت أم طالب حاجة، فقال عمر رضي الله عنه: بل طالب حاجة، فجلس ومعه مَوْلَيان له، حتى فرغ من لحيته، وأدرت جانبه الأيمن من لمته، ثم ولاها جانبه الأيسر، حتى فرغ أقبل إلى عمر بوجهه، فقال: ما حاجة أمير المؤمنين؟ فقال عمر: يا أبي، علام تقنط الناس؟ فقال أبي: يا أمير المؤمنين، إني تلقيت القرآن من تلقاء جبريل، وهو رطب، فقال عمر: تالله ما أنت بمنته، وما أنا بصابر، ثلاث مرات، ثم قام فانطلق(3).
__________
(1) أَتْبع: أي أسند قراءتك ممن أخذتها، وأحل على من سمعتها منه. ابن منظور / لسان العرب 2/15.
(2) أي تسرحه وتمشطه. المصدر السابق 4/343.
(3) رواه الحاكم / المستدرك 2/225. وسنده متّصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا عليّ بن حمشاد العدل، ثنا محمّد بن غالب ثنا عفان بن مسلم وأبو الوليد الطيالسي قالا: ثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما أنا أقرأ... فالأثر صحيح.(5/32)
وقال عمر رضي الله عنه: أبي أقرؤنا، وإنا لندع من لحن(1) أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء، قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقرأ من سورة يوسف {عَتَا حِينٍ}، فقال له عمر رضي الله عنه: من أقرأك هكذا؟ قال: ابن مسعود، فكتب إلى ابن مسعود: سلام عليك أما بعد، فإن الله أنزل هذا القرآن بلسان قريش، وجعله بلسان عربي مبين، أقرئ الناس بلغة قريش، لا تقرئهم بلغة هذيل(3) والسلام(4).
رابعاً: حرصه على سلامة تعلم القرآن وأخذه عن المتقنين لقراءته وترتيله:
ومن صور ذلك:
__________
(1) اللّحن: أي اللغة. ابن منظور / لسان العرب 12/255.
(2) سورة البقرة الآية (106).
رواه البخاري / الصحيح 3/228.
(3) هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، كانت ديارهم بالسروات وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطائف. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/1213.
(4) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/276، قال: حدّثنا محمّد بن الصباح البراز قال: حدّثنا هشيم عن عبد الرحمن بن عبد الملك يعني: بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جدّه. وما ورد في الإسناد في اسم شيخ هشيم عبد الرحمن بن عبد الملك خطأ والصّواب: عبد الرحمن بن عبد الله.
الخطيب / تاريخ بغداد 3/405،406، ومداره على هشيم بن بشير ثقة من السابعة، مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وفيه انقطاع بين هشيم وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب ثقة من الثالثة تق: 344. فالأثر ضعيف.(5/33)
ما رواه عبيد(1) بن عمير، قال: اجتمعت جماعة في بعض ماء حول مكّة، قال: حسبت أنّه قال: بأعلى الوادي ههنا، قال: وفي الحجّ فحانت الصّلاة، فتقدم رجل من آل أبي السائب المخزومي أعجمي اللسان، قال: فأخرّه المسور بن مخرمة(2)، وقدّم غيره، فبلغ عمر بن الخطاب، فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة، فلما جاء المدينة عرفه بذلك، فقال المسور: أنظرني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجميَّ اللسان، وكان في الحجّ، فخشيت أن يسمع بعض الحاجّ قراءته، فيأخذ بعجمته، قال: أو هناك ذهبت؟ قال: نعم، قال: أصبت(3)
__________
(1) عبيد بن عمر بن قتادة اللّيثي أبو عاصم المكّيّ، ولد على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قاله مسلم، وعدّه غيره في كبار التّابعين. وكان قاص أهل مكّة، مجمع على ثقته. مات قبل ابن عمر رضي الله عنهما. تق: 377.
(2) تقدمت ترجمته في ص: (324).
(3) رواه الشافعي / المسند، ص: 54، عبد الرزاق / المصنف2/400، ابن سعد / الطبقات الكبرى / الخامسة2/142، 143، البيهقي / السنن الكبرى3/89.
وسنده عند عبد الرزاق متصل ورجاله ثقات. قال: عن ابن جريج، أخبرني عطاء، قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: اجتمعت... الأثر. ورواه الشافعي والبيهقي من طريق ابن جريج به مثله.
وأما ابن سعد فقد رواه من طريق آخر، وفي نصّه اختلاف، ففيه أن المسور خرج تاجراً إلى سوق عكاظ أو ذي المجاز فإذا رجل من الأنصار يؤم الناس أرت أو ألثغ، فأخره وقدم رجلاً، فغضب الرجل المؤخر، فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن المسور أخرني وقدم رجلاً، فغضب عمر وجعل يقول: واعجباً لك يا مسور!
فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين فوالله ما أردت إلاّ خيراً، فقال: وأنى الخير في هذا؟ فقال: إن سوق عكاظ أو ذي المجاز، اجتمع فيها ناس كثير عامتهم لم يسمع القرآن، فكان الرجل أرت أو ألثغ، فخشيت أن يتفرقوا بالقرآن على لسانه، فأخرته، وقدمت رجلاً عربياً بيّناً. فقال عمر: جزاك الله خيراً. اهـ.
ومعنى: أرت أو ألثغ: اللّثْغَة: هو الذي لا يُبَيِّن الكلام، وقيل: هو الذي قصر لسانه عن موضع الحرف ولحق موضع أقرب الحروف من الحرف الذي يعثر لسانه عنه. ابن منظور / لسان العرب2/235.
وإسناد ابن سعد فيه عبد الله بن جعفر المخزومي ليس فيه بأس تق: 298. وأم بكر هي ابنة المسور بن مخرمة.
قال الذهبي رحمه الله: تفرد عنها ابن أخيها عبد الله بن جعفر ولم يذكر فيها جرحاً ولا تعديلاً. ميزان الاعتدال، 4/611.
قال ابن حجر: مقبولة تق: 755. وبقية رجاله ثقات، فالأثر ضعيف بهذا اللّفظ.(5/34)
.
وقدم قيس بن مروان الجعفي(1) على عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، جئت من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلب، فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل(2)، فقال: ومن هو؟ ويحك: قال: عبد الله بن مسعود، فما زال يطفأ ويسري عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: لا يقرأ القرآن إلا عالم باللغة(4)، ولعل المراد به من كان يقرأ للناس ويعلمهم القرآن لأنه يبعد أن يلزم عمر رضي الله عنه كل قارئ للقرآن أن يكون عالماً باللغة.
وأما عناية عمر رضي الله عنه بالسنة فقد تمثلت في عدة أمور هي:
أولاً: الحرص الشديد على التوثق من صحة ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) قيس بن أبي قيس مروان الجعفي الكوفي، صدوق من الثانية. تق 458.
(2) الشاعِبان: المنكبان لتباعدهما. ابن منظور / لسان العرب 7/128.
(3) رواه أحمد / المسند 1/25، الترمذي / السنن 1/110، أبو يعلى / المسند 1/172، 173، ابن المنذر / الأوسط 5/194، والأثر حسن عند أحمد، رجاله ثقات سوى قيس بن أبي قيس الجعفي فهو صدوق. تق 458، ورواه أحمد من طريق آخر رجاله ثقات، ولكنه مرسل من رواية علقمة بن قيس عن عمر وروايته عنه مرسلة، العلائي / جامع التحصيل ص 240، ورواه سائر من رواه من هذين الوجهين.
(4) ذكره الشاطبي / الاعتصام ص 144، وقال: وقد روى عن ابن أبي مليكة أن عمر...الخ، ولم يذكر سنداً وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، ثقة من الثالثة روايته عن عمر مرسلة. فالأثر ضعيف.(5/35)
فقد كان عمر رضي الله عنه يستوثق أحياناً من صحة ما ينقله صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ويطلب منهم أن يأتوا بمن يشهد معهم على صحة ما نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مع يقينه رضي الله عنه بعدالتهم وصدقهم، وعدم احتمال صدور الكذب منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ذلك منه رضي الله عنه زيادة في التحري والتوثق من صحة المنقول وإبعاداً عن احتمال الوهم أو الخطأ أو النسيان أو الغفلة من الناقل.
ولعل عمر رضي الله عنه كان يلجأ إلى ذلك إذا بلغه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم استغربه أو علم خلافه ومن أمثلة ذلك قصته المعروفة مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عندما استأذن عليه ثلاثاً فلم يأذن له عمر رضي الله عنه، وكان مشغولاً، فرجع أبو موسى، ففزع عمر رضي الله عنه، فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس، إئذنوا له، قيل: قد رجع، فدعاه، فقال: كنا نؤمر بذلك، فقال عمر: تأتيني على ذلك بالبينة، فانطلق إلى مجلس الأنصار، فسألهم، فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا، أبو سعيد الخدري، فذهب بأبي سعيد الخدري، فقال عمر: أخفي علي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ألهاني الصفق بالأسواق(1).
واستشار عمر رضي الله عنه أصحابه في إملاص المرأة(2)، فقال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة(3).
__________
(1) تقدم تخريجه في ص: (261).
(2) إملاص المرأة: أي المرأة الحامل التي تضرب، فتملص جنينها أي تزلقه قبل وقت ولادته. ابن منظور / لسان العرب 13/177.
(3) تقدمت ترجمته في ص: (660).
رواه الشافعي / المسند ص 241، عبد الرزاق / المصنف 9/58، 59، 61، ابن أبي شيبة / المصنف5/391، 6/8، أحمد / المسند 4/244. صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه المسور بن مخرمة، قال: استشار... الأثر.(5/36)
وقد قبل عمر رضي الله عنه الأخبار التي بلغته عن آحاد الصحابة رضوان الله عليهم ولم يطلب منهم توثيقاً لخبرهم من طرف آخر.
فقد خرج رضي الله عنه حاجاً، فاشتدت الريح عليه وعلى أصحابه وهم بالطريق، فقال عمر رضي الله عنه: من يحدثنا عن الريح؟ فلم يرجعوا إليه شيئاً، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فبلغني الذي سأله عنه عمر رضي الله عنه، فاستحثثت راحلتي حتى أدركته، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها، فلا تسبوها،وسلوا الله خيرها،واستعيذوا من شرها"(1).فأخذ عمررضي الله عنه بقوله.
ولما خرج رضي الله عنه إلى الشام(2)، وعلم بوقوع الطاعون استشار كبار الصحابة، والمهاجرين والأنصار في الرجوع إلى المدينة أو الدخول إلى بلاد الشام، حتى جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان متغيباً في حاجة له، فقال: إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها فراراً منه".
فحمد الله عمر رضي الله عنه، وانصرف راجعاً إلى المدينة(3).
__________
(1) رواه الشافعي / المسند ص: 81، 82، عبد الرزاق / المصنف 11/89، أحمد / المسند 2/267، 268، البخاري / الأدب المفرد ص 312. صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن الزهري، قال: حدّثني ثابت بن قيس أن أبا هريرة قال: أخذت ريح... الأثر.
(2) كان خروجه ذلك رضي الله عنه في السنة الثامنة عشرة من الهجرة. 2/507.
(3) رواه البخاري / الصحيح 4/15، 206، مسلم / الصحيح / شرح النووي/ 14/208 - 212، أحمد / المسند 1/194 وغيرهم.(5/37)
وكان عمر رضي الله عنه يقول: إن المرأة لا ترث من دية زوجها شيئاً حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه: أن يورث امرأة أشيم الضبابي(2) من دية زوجها(3).
وأتى عمر بامرأة تشم، فقام فقال: أنشدكم بالله من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الوشم؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا سمعت، قال: ما سمعت؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تشمن، ولا تستوشمن"(4).
ثانياً: النهي عن كثرة التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) الضحاك بن سفيان بن عوف بن كلاب الكلابي، صحابي معروف، كان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم. تق 279.
(2) أشيم الضِبابي، قتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً. ابن حجر / الإصابة 1/52.
(3) رواه مالك/الموطأ2/245، ابن المبارك/المسند ص: 101، 102، عبد الرزاق/ المصنف 9/397، أبو داود / السنن 3/129،130، ابن ماجه / السنن 2/883، الترمذي/السنن3/288، وسنده عند عبد الرزاق صحيح إلى سعيد ابن المسيب.
قال: عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب... الأثر.
ورواه سائر من رواه من رواية المسيب عن عمر رضي الله عنه وقد اختلف في سماعه عنه. وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/216.
(4) رواه البخاري / الصحيح 4/44.
والوَشْمُ: أن يغرز الجلد بإبرة ثم يُحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث5/189.(5/38)
ومن حرص عمر رضي الله عنه وعنايته بالسنة النبوية، وخشيته أن يدخل فيها ما ليس منها، نهيه عن كثرة التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك مظنة وقوع المتحدث في الوهم والخطأ، ومدعاة لعدم التحري والدقة في نقل الأخبار ولقد اتسعت الدولة الإسلامية في خلافة عمر رضي الله عنه وكثر الداخلون في الإسلام، وربما كان الكثير منهم حديثو عهد بكفر ومن غير العرب، فتفضي كثرة تحديثهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لوقوعهم في الحيرة والشك، وربما الانحراف عن الصراط المستقيم بسبب سوء الفهم وقلة الفقه(1).
قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: إياكم وأحاديث إلا حديثاً كان في عهد عمر، كان يخيف الناس في الله عز وجل(2).
وقال قرظة بن كعب(3) رضي الله عنه: بعث عمر رضي الله عنه رهطاً من الأنصار إلى الكوفة، فبعثني معهم، فجعل يمشي معنا حتى أتى صرار(4)، وصرار ماء في طريق المدينة، فجعل ينفض الغبار عن رجليه ثم قال: إنكم تأتون الكوفة فتأتون قوماً لهم أزيز بالقرآن، فيأتونكم، فيقولون: قدم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شريككم(5).
__________
(1) انظر: ابن كثير / البداية والنهاية 8/110.
(2) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 7/127، 128، أحمد /المسند 4/99 وغيرهما.
(3) قرظة بن كعب بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري شهد أحداً، وما بعدها، وفتحت الري على يديه في خلافة عمر رضي الله عنه، وولاه علي رضي الله عنه الكوفة. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/365.
(4) تقدم التعريف بها في ص: (589).
(5) رواه عبد الله بن المبارك / المسند ص 139، 140، الدارمي / السنن 1/85، ابن ماجه / السنن 1/12، ابن أبي خيثمة / التاريخ ق 158/أ، الطبراني / التاريخ 2/567. صحيح من طريق الدارمي. قال: أخبرنا يزيد بن هارون، أنا أشعث بن سوار عن الشعبي عن قرظة بن كعب.(5/39)
وقال عمر لأبي هريرة رضي الله عنهما، وكان من المكثرين من رواية الحديث: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس(1)، وقال لكعب(2): لتتركن الأحاديث أو لألحقنك بأرض القردة(3).
ومراد عمر بذلك - والله أعلم - نَهْي أبي هريرة رضي الله عنه من التحديث أو الإكثار منه بين عامة الناس، فإن فيهم العالم والجاهل وسيء الفهم والزائغ عن الحق فيفضي ذلك إلى مساوئ كثيرة، وإلاّ فإنه رضي الله عنه لم يمنع أبا هريرة من التحديث بين أهل العلم ومن يعي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر رضي الله عنه يقبل منه ما يحدث به كما تقدم، ولم يثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله لما حدث بأحاديث بعد وفاة عمر رضي الله عنه: أفإن كنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي، أما والله إذاً لألفيت المخفقة ستباشر ظهري(4).
__________
(1) دَوْس: بطن من زهران إحدى قبائل عسير الكثيرة، وقدم وفد دوس على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بخيبر. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/394.
(2) تقدمت ترجمته في ص: (317).
(3) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 3/16، أبو زرعة / التاريخ 1/544. صحيح من طريق أبي زرعة. واللفظ له. قال: حدّثني محمّد بن زرعة الرعيني، قال: حدّثني مروان بن محمّد، قال: حدّثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن السائب بن يزيد، قال: سمعت عمر... الأُثر.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/262، الذهبي / سير أعلام النبلاء 2/602، 603، وهو عند عبد الرزاق منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، وفيه عند الذهبي يزيد بن يوسف الرحبي، وشيخه صالح أبو الأخضر، ضعيف من السادسة. تق 271، فالإسناد معضل، والأثر ضعيف.(5/40)
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: إن حذيفة(1) كان يحدث بأشياء كان يقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غضبه لأقوام، فأؤتى فأسأل عنها فأقول: حذيفة أعلم بما يقول، وأكره أن تكون ضغائن بين أقوام، فأُتى حذيفة فقيل له: إن سلمان لا يصدقك ولا يكذبك بما تقول، فجاءني حذيفة، فقال: يا سلمان بن أبي سلمان، فقلت: يا حذيفة ابن أم حذيفة، لتنتهين أو لأكتبَنّ فيك إلى عمر، فلما خوفته بعمر تركني، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ولد آدم أنا، فأيما عبد من أمتي لعنته لعنة أو سببته سبة في غير كنهه(2)، فاجعلها عليه صلاة"(3).
__________
(1) هو ابن اليمان الصحابي الجليل رضي الله عنه. تقدمت ترجمته في ص: (181).
(2) كُنْهه: نهاية الشيء وحقيقته. ابن منظور /لسان العرب 12/174. أي: لا يستحق اللعن والسبّ حقيقة.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 5/219/أ، البخاري / الأدب المفرد ص 91،92، الطبراني / المعجم الكبير 6/260.
ومداره على عمرو بن قيس الماصر وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود والفسوي. تهذيب الكمال21/484. وقال الذهبي: مرضي ثقة مرجئ الكاشف. 2/68. وقال ابن حجر: صدوق ربما وهم تق: 416. وبقية رجاله عند البخاري ثقات وسنده متصل. وقد حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد ص 104، 105.(5/41)
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه قال لابن مسعود وأبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهم:ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم لم يدعهم يخرجون من المدينة حتى مات(1).
وفي آخره عند البلاذري زيادة "سوى ابن مسعود".
ولكن حبس عمر رضي الله عنه لأبي الدرداء، وأبي ذر أمر مستبعد، فإن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كان فيهم من المكثرين للحديث كأبي هريرة الذي أنكر عليه عمر رضي الله عنه كثرة تحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، ولم يؤثر عن عمر رضي الله عنه حبسه لهم، ثم إن أبا ذر، وأبا الدرداء، لم ينقل عنهم كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)،إضافة إلى أن المؤرخين وأهل التراجم ذكروا أن عمر رضي الله عنه بعث أبا الدرداء قاضياً ومفقهاً لأهل دمشق، كما تقدم ذلك(3).
وكذلك فإنّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بعثه عمر رضي الله عنه معلّماً لأهل الكوفة ومفقّهاً كما ثبت بذلك الأثر(4).
__________
(1) رواه ابن سعد /الطبقات 2/336، البلاذري / أنساب الأشراف ص 151، أبو زرعة / التاريخ 1/545، أبو العرب / المحن ص 386، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 1/262، 263، أبو نعيم / الإمامة ص 325، ومداره على حجاج بن محمد المصيص، ثقة ولكنه اختلط قبل موته بسنة ولم أقف على من روى عنه قبل الاختلاط أو بعده، وبقية رجاله عند ابن سعد والبلاذري ثقات وسنده متصل.
(2) ذكر أهل العلم أن الذين عرف عنهم كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته صلى الله عليه وسلم سبعة، هم: أبو هريرة، عبد الله بن عمر، أنس بن مالك، عائشة رضي الله عنها، عبد الله بن عباس، جابر بن عبد الله، أبو سعيد الخدري رضي الله عنهم. صبحي الصالح/ علوم الحديث ومصطلحه ص: 359-371.
(3) انظر: ص: 777، وانظر كلام الشيخ مصطفى السباعي في كتابه: السنة ومكانتها في الشرع الإسلامي، ص: 64، 65.
(4) انظر ص: (769).(5/42)
فهذا يضعف ما في هذا الحديث من حبس عمر رضي الله عنه للمذكورين في الأثر.
ثالثاً: همه رضي الله عنه بكتابة السنة صيانة لها من الضياع، ثم تركه ذلك خشية من الانشغال بها عن القرآن.
فقد أراد عمر رضي الله عنه كتابة السنة وجمع نصوصها في كتاب مكتوب حفاظاً لها من الضياع ولكنه رضي الله عنه خشي أن ينشغل الناس بذلك عن دراسة القرآن والعناية به حيث لا زال تدوين القرآن غضاً طرياً، وهو بحاجة إلى مزيد من العناية والاهتمام، ولا زال الناس في حاجة لمدراسة كتاب الله وحفظه في الصدور، ولم تكن هناك خشية من ضياع السنة وكبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين تلقوا عنه أقواله وأفعاله وعاصروا حياته صلى الله عليه وسلم متوافرون في كل بلد ومصر من أمصار المسلمين، يقومون بالجهاد في سبيل الله والدعوة إلى دينه، ويجلسون للناس في حلقات الدرس والعلم، لذلك أمر عمر رضي الله عنه بمحو ما كتب من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم(1)
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/286،287،5/188، البلاذري / أنساب الأشراف ص 217، ابن أبي خيثمة / العلم ص 115، الخطيب البغدادي / تقييد العلم ص 50، ورجال إسناده عند ابن سعد والبلاذري ثقات ولكنه منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، ولفظه: أن عمر أراد كتابة السنن، فاستخار الله شهراً، ثم أصبح وقد عزم له، فقال: ذكرت قوماً كتبوا كتاباً، فأقبلوا عليه، وتركوا كتاب الله.
وهو عند الخطيب بهذا اللفظ ولكنه من رواية الزهري عن عروة بن الزبير، وعروة روايته عن عمر منقطعة فهو ثقة من الثالثة.
ورواه الخطيب من طريق آخر وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى شيخ الخطيب أبي الفتح عبد الملك بن عمر بن خلف، قال الخطيب: لم يكن بذاك. تاريخ بغداد 10/433، وهو من طريق عروة بن الزبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه ابن أبي خيثمة من طريق رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية يحيى بن جعدة، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ولفظه أن عمر أراد كتابة السنة ثم كتب في الناس: من كان عنده شيء من ذلك فليمحه، وقد ورد الأمر بالمحو أو التحريق عند ابن سعد بإسناد رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر عنه، وهو ثقة من الثالثة.
فما ورد في الأثر من همّ عمر رضي الله عنه بكتابة السنة ثم تركه ذلك، وأمره بمحو ما كتب، يرتقي لدرجة الحسن لغيره.(5/43)
.
المطلب الثاني: العناية بالعقيدة وسلامتها.
لقد حرص عمر رضي الله عنه غاية الحرص على سلامة عقيدة رعيته وإيمانهم ويقينهم بالله عز وجل وتصديقهم لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الشرع والدين وقد عمل رضي الله عنه على تحقيق ذلك بما يلي:
أولاً: التحذير من الإشراك بالله عز وجل وسده الذرائع الموصلة إليه:
فمن تحذيره رضي الله عنه عن الإشراك بالله عز وجل واعتقاد النفع والضر في غيره وحثه على إخلاص العبادة لله عز وجل قوله رضي الله عنه، وهو يطوف بالكعبة وقد قبل الحجر الأسود: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك(1).
وذلك ليعلم رضي الله عنه من حوله من الناس هذا المبدأ العظيم، وهو أن النافع والضار هو الله عز وجل، وأن من سواه لا يملك نفعاً ولا ضراً، وإن بلغ ما بلغ من المكانة العظيمة عند الله عز وجل وعند خلقه.
ومن سده رضي الله عنه لذرائع الشرك أنه رأى أنس بن مالك رضي الله عنه يصلي، وأمامه قبر، فقال رضي الله عنه له وهو يصلي: القبر القبر(2). وذلك لكي يتجنب الصلاة وراء هذا القبر فقد يراه من يمر به من عامة الناس ويظن جواز فعل ذلك أو مشروعيته لفعل هذا الصحابي الجليل لذلك.
__________
(1) صحيح، تقدم تخريجه في ص: (166).
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف1/404، وابن أبي شيبة / المصنف 2/153، ابن المنذر / الأوسط 2/186. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن ثابت البناني عن أنس بن مالك، قال: رآني عمر... الأثر.(5/44)
ولما ذهب رضي الله عنه إلى الشام، صنع له رجل من عظماء النصارى طعاماً ودعاه إليه، فقال عمر رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها، يعني التماثيل(1).
ومن حرص عمر رضي الله عنه على سلامة عقيدة رعيته في أفعالهم وأقوالهم وجميع أحوالهم، ما رواه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: كان عمر بالمخمص(2) فاستبق الناس، فسبقهم عمر فقال عبد الله: فانتهزت، فسبقته فقلت سبقته والكعبة، ثم انتهز فسبقني فقال: سبقته والله، ثم انتهزت فسبقته فقلت: سبقته والكعبة، ثم انتهز الثالثة فسبقني فقال: سبقته والله، ثم أناخ فقال: أرأيت حلفك بالكعبة، والله لو أعلم أنك فكرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك، احلف بالله فآثم أو ابرر(3).
روي أنه رضي الله عنه سمع رجلاً يحلف بالكعبة فضربه ثم قال: الكعبة تطعمك، الكعبة تسقيك؟!(4).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/411، 413، 10/398، مسدد / المسند / اتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 3/154/أ، ابن أبي شيبة / المصنف 2/261، 7/10، البخاري / الأدب المفرد ص 427، الحاكم / المستدرك 3/82. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر أن عمر حين قدم الشام... الأثر.
(2) المَخْمِص: طريق في جبل عير إلى مكة. ياقوت الحموي / معجم البلدان 5/73.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 8/468، ابن أبي شيبة / المصنف 3/79، الفاكهي / أخبار مكة 1/353، البيهقي / السنن الكبرى 10/29. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يخبر أنه سمع ابن الزبير يخبر أن عمر لما كان... الأثر.
(4) رواه الفاكهي/ أخبار مكة1/345، وفي إسناده شيخه إبراهيم بن أبي يوسف لم أجد له ترجمة، وفيه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد صدوق يخطئ، تق: 361. وهو من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما، وروايته عنه منقطعة، فالأثر ضعيف.(5/45)
وروي عن خناس بن سحيم، قال: أقلبت مع زياد(1) بن حُدَير فقلت في كلامي: لا والأمانة. فجعل زياد يبكي فظننت أني أتيت أمراً عظيماً، فقلت له: أكان يكره هذا؟ قال: نعم. كان عمر ينهى عن الحلف بالأمانة أشد النهي(2).
ومن سد عمر رضي الله عنه لذرائع الشرك والاعتماد على غير الله عز وجل في جلب النفع ودفع الضر، محاربته رضي الله عنه للسحرة والمشعوذين الذين يصرفون الناس عن تعلقهم بربهم، وسؤاله، وتوكلهم عليه، إلى الاعتماد على الجن وسؤالهم، ويسعون في إفساد عقائد المسلمين وعقولهم، وأكل أموالهم بالباطل، فكانت عقوبته رضي الله عنه لهؤلاء المفسدين صارمة وقاطعة لدابرهم، فقد كتب رضي الله عنه قبل موته بسنة إلى عماله والقائمين بأمره: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة(3).
__________
(1) زياد بن حُدَير الأسدي، له ذكر في الصحيح، ثقة عابد من الثانية، تق: 218.
(2) رواه ابن المبارك/ الزهد ص: 70، 71،وأبو نعيم/ حلية الأولياء4/196. وفي إسناده عند ابن المبارك شريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً تق: 266.
وفيه خناس بن سحيم ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً3/395، وذكره ابن حبان في الثقات6/276، ورواه أبو نعيم من طريق ابن المبارك، فالأثر ضعيف.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/49، 10/180،181، سعيد بن منصور / السنن 2/90-92. ابن سعد / الطبقات 7/131، ابن أبي شيبة / المصنف 5/562، 6/430، أحمد/ المسند1/190، 191، أبو داود/ السنن 3/168، أبو يعلى/ المسند 2/166، 167، صحيح من رواية عبد الرزاق.
قال: عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، قال: سمعت بجالة التميمي قال: كنت كاتباً لجزء بن معاوية، فأتى كتاب عمر قبل موته بسنة: أن اقتلوا... الأثر.(5/46)
وروي أنه رضي الله عنه أخذ ساحراً فدفنه إلى صدره ثم تركه حتى مات(1).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في تحذيره من الشرك وصرفه الناس عنه، أنه رضي الله عنه بلغه أن الشجرة التي بويع عندها النبي صلى الله عليه وسلم يأتيها الناس، أي بقصد التبرك، فأمر بها عمر فقطعت(2).
وروي أن المعرور بن سويد(3) رحمه الله تعالى قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر رضي الله عنه: ما شأنهم؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعاً، فمن عرض له فيه صلاة فليصل، ومن لم يعرض له فيه صلاة فليمض(4).
__________
(1) رواه ابن حزم/ المحلى12/414، وفي إسناده شيخه حمام لم أجد له ترجمة، وفيه المثنى بن الصباح اليماني الأبناوي نزيل مكّة ضعيف اختلط بآخره وكان عابداً تق: 519، وبقية رجاله ثقات، وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماعه منه. فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 2/100، ابن أبي شيبة / المصنف 2/150، الفاكهي / أخبار مكة 5/78، ابن وضاح / البدع ص 42، 43، ومداره على نافع مولى ابن عمر روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. فالأثر ضعيف.
(3) المعرور بن سويد الأسدي، أبو أمية الكوفي، ثقة من الثالثة. تق 540.
(4) رواه ابن وضاح / البدع ص 41،42، ابن كثير / مسند الفاروق 1/142، وفي إسناديهما الأعمش، مدلس ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله ثقات، ورواه ابن وضاح من طريق آخر سنده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق سوى شيخ ابن وضاح إبراهيم بن محمد بن عوف لم أجد له ترجمة.(5/47)
وهذا الأثر والذي قبله فيهما دلالة على كراهية عمر رضي الله عنه إتيان المواضع التي أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة أو الجلوس، فيها والتي لم يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإتيانها، لأن ذلك قد يفضي إلى الغلو فيها والتبرك بها، واعتقاد النفع والضر بها.
ثانياً: الحث على العمل بالسنة، ومجانبة الابتداع:
فقد عمل عمر رضي الله عنه على إلزام رعيته الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وترك الابتداع والإحداث في الدين.
كتب عامل لعمر رضي الله عنه: إن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أقبل بهم معك، فأقبل، وقال عمر رضي الله عنه للبواب: أعد سوطاً، فلما دخلوا على عمر رضي الله عنه، علا أميرهم ضرباً بالسوط(1).
وجاء عنه رضي الله عنه أنه كان في نَعم من نَعم الصدقة، فمر به رجلان، فقال: من أين جئتما؟ قالا: من بيت المقدس، فعلاهما بالدرة، وقال: حج كحج البيت؟! قالا: يا أمير المؤمنين، إنا جئنا من أرض كذا وكذا، فمررنا به، فصلينا فيه، فقال: كذلك إذاً، فتركهما(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يضرب الرجبيين، الذين يصومون شهر رجب كله(3).
ثالثاً: الحث على الاتباع وترك السؤال عن المشتبهات والخوض فيها:
__________
(1) رواه ابن وضاح / البدع ص 18،19، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى معاوية بن هشام، فهو صدوق له أوهام. فالأثر حسن.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 5/133، الفاكهي / أخبار مكة 2/100. صحيح عندهما إلى سعيد بن السيب، وقد اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه.
(3) رواه ابن وضاح / البدع ص 44، وفي إسناده محمد بن مصفّى الحمصي، صدوق له أوهام وبقية رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.(5/48)
قال عمر رضي الله عنه وهو يوضح ذلك لرعيته: فما لنا وللرمل(1) إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثم قال رضي الله عنه: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه(2).
وقرأ رضي الله عنه وهو بين أصحابه قوله تعالى {وَفَكِهَةً وَأَبًّا}(3) فقال: ما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، وما عليك ألا تدري ما الأب(4).
وقال عمر رضي الله عنه: اقرأوا القرآن ما اتفقتم عليه، فإذا اختلفتم فقوموا(5).
__________
(1) الرَمَلُ: رَمَل الرجل يَرْمل رَمَلاناً إذا أسرع في مشيته وهز منكبيه. ابن منظور / لسان العرب 5/320.
(2) رواه البخاري /الصحيح 1/279، أحمد / المسند 1/45، ولفظه عند أحمد: فيما الرملان الآن والكشف عن المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسناده حسن. وتقدم في ص 169.
(3) سورة عبس، الآية (31).
(4) رواه سعيد بن منصور / السنن 1/181. ابن سعد / الطبقات 3/327، ابن أبي شيبة / المصنف 6/136، البلاذري / أنساب الأشراف ص 329،330، الحاكم / المستدرك 2/290، 514. صحيح من طريق البلاذري. قال: حدّثني خلف بن هشام، حدّثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه . وقد تقدم في 170.
(5) رواه النسائي / السنن الكبرى 5/34، البيهقي / شعب الإيمان 5/212، 213. صحيح من طريق البيهقي. قال: أخبرنا أبو محمّد بن يوسف، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدّثنا الحسن بن محمّد الزعفراني، حدّثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، أخبرنا عون عن أبي عمران أن عبد الله بن الصامت قال: قال عمر اقرأوا... الأثر.(5/49)
وقال رضي الله عنه: يهدم الإسلام ثلاث، زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون(1).
وقال رضي الله عنه: ثلاثة أشياء وددت أيها الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها، الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا(2).
وذلك لكراهيته رضي الله عنه الخلاف الذي وقع في هذه المسائل، وما ينشأ عن ذلك من فرقة واختلاف.
ومما ثبت عن عمر رضي الله عنه في حث رعيته على اتباع السنة وترك الخوض في المشتبهات موقفه رضي الله عنه من صبيغ التميمي(3)، فعن السائب(4) بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: أتى عمر بن الخطاب، فقيل: يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلاً يسأل عن تأويل القرآن، فقال عمر: اللهم مكّني منه. قال: فبينما عمر ذات يوم جالساً يغدي الناس إذ جاء عليه ثوب وعمامة فتغدى حتى أفرغ. قال: يا أمير المؤمنين: {وَالذَّارِيتِ ذَرْوًا فَالْحَمِلتِ وِقْرًا}(5).
__________
(1) رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 4/196، ابن كثير / مسند الفاروق 2/661، صحيح من رواية ابن كثير عن جعفر الفريابي. قال جعفر: حدّثني زكريا بن يحيى البلخي، حدّثنا وكيع عن مالك بن مغول عن أبي الحصين عن زياد بن حُدَير، قال: قال عمر... الأثر.
وفي إسناده عند أبي نعيم شيخه وشيخه أحمد بن موسى وشيخه إسماعيل بن سعد لم أعرفهم. وفيه جرير عبد الحميد الضّبي موسى من الثالثة ولم يصرح بالسماع.
(2) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 18/165، ابن حبان / الصحيح 7/371، 372.
(3) ترجم له ابن حجر وقال: صبيغ بن سهل الحنظلي له إدراك تم قصته مع عمر رضي الله عنه. الإصابة2/198.
(4) السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي يعرف بابن أخت النمر، استعمله عمر على سوق المدينة مات سنة اثنتين وثمانين، وقيل: بعد التسعين قيل سنة إحدى وقيل سنة أربع. وقال أبو داود: هو آخر من مات بالمدينة من الصحابة. ابن حجر/ الإصابة2/12، 13.
(5) سورة الذّاريات آيتان: 1-2.(5/50)
فقال عمر: أنت هو؟ فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته. فقال: والذي نفسي بيده لو وجدتك محلوقاً(1) لضربت رأسك. ألبسوه ثياباً واحملوه على قَتَب(2) ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم يقول إن صبيغاً ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك وكان سيد قومه(3)
__________
(1) محلوقاً: أي: محلوق الرأس. قال ابن حجر رحمه الله: قال أبو أحمد العسكري: اتهمه عمر برأي الخوارج. الإصابة 2/199.
أقول: وقد ورد في الحديث أن سيما الخوارج التحليق. قال صلى الله عليه وسلم: "يخرج ناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فُوقه، قيل: ما سماهم؟ قال: سماهم: التحليق أو قال: التسبيد. البخاري/ الصحيح4/311.
(2) قَتَب: إكاف البعير، وقيل: هو الإكاف الصغير الذي على قدر سنام البعير. ابن منظور/ لسان العرب11/28.
(3) رواه الآجري/ الشريعة ص: 74، 75، واللالكائي/ شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/701، 702. وسنده عند اللالكائي متصل ورجاله ثقات.
قال: أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن محمّد البغوي، قال: ثنا داود بن رشيد، قال: ثنا مكّيّ عن الجعيد بن عبد الرحمن عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد. فالأثر صحيح. وصححه الحافظ ابن حجر في الإصابة 2/199.
وجاءت الرواية من طريق آخر وفيها: أن عمر ضرب صبيغاً حتى سال الدم على وجهه.
رواه الدارمي/ السنن1/45، اللالكائي/ شرح أصول اعتقاد أهل السنة4/702، 703، وأبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان الحجة 1/193، 194.
وسنده عن الدارمي رجاله ثقات، ولكنه من رواية سليمان بن يسار وهو ثقة من كبار الثالثة تق: 255. وروايته عن عمر منقطعة. ورواه سائر من رواه من رواية سليمان بن يسار عن عمر رضي الله عنه . فالسند ضعيف.
وجاءت أيضاً من طريق ثالث وفيها أن عمر رضي الله عنه ضربه مائة سوط وحبسه في بيت، فلما برأ أخرجه فضربه مثلها، وأمر بعدم مجالسته حتى حلف بالأيمان المغلظة أنه ذهب عنه ما كان في صدره، فخلى عمر بينه وبين الناس.
رواه الدارمي/ السنن 1/54، 55، وابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص: 168، وابن وضاح/ البدع ص: 56، 57، والبزار/ المسند1/423، 424.
وفي إسناده عند الدارمي وابن عبد الحكم، عبد الله بن صالح المصري كاتب اللّيث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه تق: 308. وهو منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما ولم يدركه.
ورواه ابن وضاح من طريق ابن وهب عن اللّيث بن سعد عن محمّد بن عجلان عن نافع تابع فيه ابن وهب عبد الله بن صالح عن اللّيث بن سعد عن محمّد بن عجلان عن نافع وهو أيضاً منقطع كالذي قبله من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر.
وفي إسناده عند البزار سعيد بن سلام العطار متهم بالوضع. ميزان الاعتدال 2/141، وأبو بكر بن سبرة متهم كذلك بالوضع تق: 623. فالسند ضعيف.(5/51)
.
ومما روي عنه في ذلك قوله رضي الله عنه: دعوا الربا والريبة(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: سيأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن،فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنة أعلم بكتاب الله(2).
رابعاً: تحذيره من التنطع والتعمق في الدين:
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 4/448، 449، أحمد / المسند 1/49، 50، ابن ماجه / السنن 2/764، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية الشعبي عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند أحمد وابن ماجه قتادة بن دعامة وهو مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، وقد اختلف في سماعه منه.
(2) رواه الدارمي / السنن 1/49، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/16،17، الآجري / الشريعة ص 55، 58. ابن عبد البر / جامع بيان العلم وفضله 2/135، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة، وفي إسناده عند الدارمي عبد الله بن صالح الجهني صدوق كثير الغلط، وهو مرسل من رواية عمر بن عبد الله بن الأشج، قال ابن أبي حاتم في ترجمة عمر: روى عن عمر مرسل، وذكر الأثر الذي أنا بصدده ولم يذكر في الأشج جرحاً ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في الثقات 7/172 وفي حاشية إتحاف المهرة نقل توثيق العجلي له 12/342، ورجال إسناده عند ابن شبة ثقات أيضاً ولكنه منقطع من رواية محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة وهو عند الآجري معضل من رواية بكير الأشج ثقة من الخامسة تق 128، وفي إسناده عند ابن عبد البر ابهام بشيخه حيث قال: أخبرني رجل من أهل المدينة، وفيه صدقة بن أبي عبد الله لم أعرفه ورواه من طريق آخر وفيه: عبد الرحمن بن شريك النخعي، صدوق يخطئ، وأبوه شريك صدوق يخطئ كثيراً، وفيه مجالد بن سعيد ضعيف، وفي إسناده عند أبي القاسم غالب بن عبيد الله العقيلي، قال ابن معين: ليس بثقة، وقال الدراقطني وغيره: متروك. ميزان الاعتدال 3/331.(5/52)
فقد كان عمر رضي الله عنه حريصاً على ابعاد الرعية عن التنطع في الدين والتشدد فيه والذي يفضي إلى الخروج عن الحق إلى الباطل بالزيادة في الدين والغلو فيه وترك ما جاء به الدين من الوسطية في العقائد والعبادات والمعاملات.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأيت أحداً كان أشد خوفاً على المتنطعين من رسول اللهصلى الله عليه وسلم، ولا بعد رسول اللهصلى الله عليه وسلم كان أشد خوفاً من أبي بكر،وإني لأرى عمر بن الخطاب كان أشد خوفاً عليهم ولهم(1).
خامساً: النهي عن مشابهة الكفار وموادتهم:
فإن مخالطة أهل الشرك وموادتهم مدعاة للتأثر بهم في عادتهم، وعقائدهم.
قدم الحارث بن معاوية(2) على عمر رضي الله عنه فقال له: كيف تركت أهل الشام ؟
فأخبره عن حالهم، فحمد الله ثم قال: لعلكم تجالسون أهل الشرك؟ فقال: لا يا أمير المؤمنين، قال عمر: إنكم إن جالستموهم أكلتم وشربتم معهم، ولن تزالوا بخير ما لم تفعلوا ذلك(3).
__________
(1) رواه إسحاق بن راهويه/ المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري1/72/أ صحيح. قال: قلت لأبي أسامة أحدّثكم مسعر، قال: أخرج إلى معن بن عبد الرحمن كتاباً فحلف أنه خطّ أبيه فإذا فيه: قال عبد الله: والذي لا إله غيره... الأثر.
ومعن بن عبد الرحمن هو: معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، ثقة من كبار السابعة، تق: 542.
وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ثقة من صغار الثانية، تق: 344.
(2) الحارث بن معاوية بن زمعة الكندي، مختلف في صحبته. ابن حجر / الإصابة 1/290، 291.
(3) رواه البيهقي / شعب الإيمان /زغلول 7/42،42. صحيح. قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر نا يعقوب بن سفيان أبو اليمان نا جرير عن سليمان عن الحارث بن معاوية أنه قدم على عمر... الأثر.(5/53)
ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام أتى ببرذون فركبه، فهزه فكرهه، فنزل عنه وركب بعيره، فعرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأخذهما بيده وخاض الماء، وهو ممسك بعيره بخطامه، أو قال: بزمامه، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: لقد صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، فصك في صدره، ثم قال: أوه يمد بها صوته لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأقل الناس، وأحقر الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله(1).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في ذلك أنه قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم(2).
__________
(1) صحيح تقدم تخريجه في ص: (302)، وانظر: 351.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/411، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 7/43، السنن الكبرى 9/234، وإسناده عند عبد الرزاق والبيهقي معضل من رواية عطاء بن دينار عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السادسة، ورواه البيهقي من طريق آخر، وفيه محمد بن سليمان بن فارس لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وما فيه من النهي عن تعلم لغة الأعاجم يحمل لو ثبت على ما إذا خشي من تعلم لغة الأعاجم قراءة كتبهم والتأثر بهم، والميل إليهم، وإلا فإن تعلم لغة الأعداء يعين على معرفة مؤامراتهم وإبطالها ويفيد في دعوتهم للإسلام وبيان شرائعه لهم.(5/54)
وروي أنه قال: لا يجاورنكم خنزير، ولا يرفع فيكم صليب، ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر(1).
وصح أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه اتخذ كاتباً نصرانياً، فانتهره عمر، وقرأ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(2)
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/61، 11/462، ابن أبي عمر / المسند/ المطالب العالية لابن حجر ص 490/أ، الحسن بن عرفة / جزء ص 90، البيهقي / السنن الكبرى 9/201، وفي إسناده عند عبد الرزاق زيد بن رفيع ضعفه الدارقطني، وقال النسائي: ليس بالقوي. ميزان الاعتدال 2/103، وفيه حرام ابن معاوية ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/282، وذكره ابن حبان في الثقات 4/185، وترجم له ابن حجر باسم حرام بن حكيم وقال: ثقة، من الثالثة. تق 155، روايته عن عمر مرسلة، ورواه سائر من رواه من طريق زيد بن رفيع به مثله، ورواه ابن أبي عمر من طريق آخر، وفيه ابن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه، وفيه أبو النميري، وشيخه الباهلي الراوي عن عمر رضي الله عنه لم أجد لهما ترجمة. فالأثر ضعيف.
(2) سورة المائدة، الآية (51).
رواه البيهقي / السنن الكبرى 9/204،10/127، من طريقين في الأولى شيخ البيهقي زيد بن جعفر العلوي، وشيخه عبد الواحد بن محمد النجار لم أجد له ترجمة، وفيه أسباط بن نصر الهمذاني، صدوق كثير الخطأ يغرب. تق 98، وفيه سماك بن حرب صدوق تغير بأخره، ولم يظهر لي هل رواية أسباط عنه قبل اختلاطه أم بعده.
ورواه من طريق آخر فقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو سعيد إسماعيل ابن أحمد الجرجاني أملاء أنبأ الحسن بن محمّد أبو علي الوشاء، ثنا علي بن الجعد، أنبأ شعبة عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياض الأشعري أن أبا موسى...الأثر. وهذا السند رجاله ثقات، والحسن الوشاء وثقه الدارقطني وضعفه ابن قانع. ميزان الاعتدال 1/520، وتابع فيه شعبة أسباط عن سماك وروايته عنه قبل الاختلاط، وعياضاً الأشعري قال عنه ابن حجر: صحابي له حديث، وجزم أبو حاتم بأن حديثه مرسل وأنه رأى أبا عبيدة بن الجراح فيكون مخضرماً تق 437، وقد صحح إسناد الأثر الشيخ الألباني في إرواء الغليل 8/255.(5/55)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لكعب الأحبار(1) لما دخل بيت المقدس: أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة، فصلى، ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة(2).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (317).
(2) رواه أحمد / المسند 1/38، المقدسي / المختارة 1/350، 351، فضائل بيت المقدس ص 87، وفي إسناده عند أحمد أبو سنان عيسى بن آدم ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 5/401، وفيه أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، ورواه المقدسي من طريق أحمد به مثله. فالأثر ضعيف.(5/56)
ومما روي عن عمر رضي الله عنه النهي عن قراءة كتب أهل الكتاب خشية التأثر بهم. أن عمر رضي الله عنه أتي برجل من عبد القيس(1)، مسكنه بالسوس(2)، فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العبدي، قال: نعم، فضربه بعصاً معه، فقال الرجل: مالي يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: اجلس، فجلس، فقرأ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم {الر تِلْكَ ءَايتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءانَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَفِلِينَ}(3)،فقرأها عليه ثلاثاً، وضربه ثلاثاً، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين. فقال: لأنت الذي نسخت كتاب دانيال. فقال: مرني بأمرك أتبعه، قال: انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه أنت، ولا تقريه أحداً من المسلمين، فلأن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من المسلمين لأهلكنك عقوبة(4)
__________
(1) تقدم التعريف بهم في ص: (509).
(2) السُّوس: بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبي عليه السلام. ياقوت / معجم البلدان 3/280،281، وفي المنجد خوزستان: إقليم في غرب إيران على حدود العراق، قاعدة الأهواز ص 236 / الأعلام.
(3) سورة يوسف، الآيات (1-3).
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 6/114، ابن أبي شيبة / المصنف 5/291، البلاذري / أنساب الأشراف ص 273، أبو يعلى / المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/67/أ، المقدسي / المختارة 1/215،216، ورجال إسناده عند عبد الرزاق والبلاذري ما بين ثقة وصدوق ولكنه معضل من رواية إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة شريك بن عبد الله النخغي صدوق يخطئ كثيراً، وهو منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند أبي يعلى والمقدسي عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ضعيف، تق 336، وخليفة بن قيس ذكره ابن أبي حاتم، وقال: شيخ ليس بالمعروف، الجرح والتعديل 3/376. فالأثر ضعيف.(5/57)
.
وروي أن رجلين تحابا في الله بحمص في خلافة عمر، وكانا قد اكتتبا من اليهود ملء صفنين(1)، فأخذاهما معهما يستفتيان فيهما أمير المؤمنين فقالا: يا أمير المؤمنين: إنا بأرض أهل الكتابين، وإنا نسمع منهم كلاماً تقشعر منه جلودنا، أفنأخذ منهم أم نترك؟ قال: لعلكما اكتتبتما منه شيئاً؟ فقالا: لا...(2)، فلو أعلم أنكما اكتتبتما منهم شيئاً جعلتكما نكالاً لهذه الأمة، قالا والله لا نكتب منهم شيئاً أبداً، فخرجا بصفنيهما، فحفرا لهما من الأرض، فلم يألوا أن يعمقا ويدفنا، فكان آخر العهد منهما(3).
خامساً: الحثّ على إخلاص العمل لله والحذر من الرياء الذي هو الشرك الأصغر الذي يبطل به العمل.
قال عمر رضي الله عنه: "أيّها الناس قد أتى عليّ زمان وأنا أرى من قرأ القرآن يريد الله عز وجل وما عنده، فيخيل ليّ أن أقواماً قرأوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا، ألا فأريدوا الله بأعمالكم"(4)
__________
(1) الصُّفْن: كالسفرة بين العيبة والقربة يكون فيها المتاع. ابن منظور / لسان العرب 7/368.
(2) هذا نص من الرواية تركته خشية الإطالة وفيه ذكر عمر رضي الله عنه حادثة وقعت له مع النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 5/135،136، وفي إسناده إسحاق بن إبراهيم زبريق، قال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو داود: ليس بشيء، وكذبه محدث حمص محمد بن عوف، وقال أبو حاتم: لا بأس به، سمعت ابن معين يثني عليه. ميزان الاعتدال 1/181، وفيه شيخه عمرو بن الحارث بن الضحاك، قال الذهبي: غير معروف العدالة، وابن زبريق ضعيف. ميزان الاعتدال 3/251، وبقية رجاله ثقات. فالأثر ضعيف.
(4) رواه سعيد بن منصور/ السنن2/419، ومسدد/ المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري4/47/أ، وابن أبي شيبة/ المصنف6/124، وأبو يعلى/ المسند1/174، 175، والبيهقي/ السنن الكبرى9/42.
وسنده عند مسدد متصل ورجاله ثقات. قال: ثنا يزيد نا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما. فالأثر صحيح.(5/58)
.
وروي أنه رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "من خلصت نيّته كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بغير ما يعلم الله من قلبه شانه الله عز وجل فما ظنّك في ثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام"(1).
سادساً: توضيحه لحقيقة الإيمان بالقضاء والقدر وتعنيفه لمن خاض فيه وذلك لأهمية هذا الركن العظيم من أركان الإيمان، وكثرة الهالكين فيه.
فقد بيّن عمر رضي الله عنه لأبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر، وأوضح له ما أشكل عليه منه، فلما قدم عمر رضي الله عنه الشام في العام الثامن عشر من الهجرة، الذي انتشر فيه وباء الطاعون، وعلم رضي الله عنه بوقوعه استشار رضي الله عنه الصحابة في دخول الشام أو الرجوع إلى المدينة، ثم شرح الله صدره للعودة إلى المدينة.
فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه أفراراً من قدر الله؟
فقال عمر رضي الله عنه: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم. نفر من قدر الله إلى قدر الله. أريت لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان(2) إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله..." الأثر(3).
__________
(1) رواه أبو نعيم/ حلية الأولياء1/50. وفي إسناده السري بن إسماعيل الهمداني ابن عم الشعبي ولي القضاء، متروك الحديث تق: 230. وهو أيضاً من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه ، وروايته عنه مرسلة كما في جامع التحصيل ص: 204. فالأثر ضعيف.
(2) العُدْوَةُ: عُدْوة الوادي وعِدْوته جانبه وحافته. ابن منظور/ لسان العرب9/79.
(3) صحيح تقدم تخريجه في ص: (610، 611).(5/59)
ومما جاء عنه رضي الله عنه في توضيحه وتقريره للإيمان بالقضاء والقدر ما ثبت عنه أنه لما قدم الشام لعقد صلح بيت المقدس خطب بالجابية(1) فتشهد ثم قال: "من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له". فقال الجاثليق(2): لا. فقال عمر: "ما قال؟" فقالوا ما قال. فأعاد: "من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له" فقال الجاثليق بقميصه هكذا (ونفض إسماعيل ثوبه) وأخذه من صدره فنفضه وقال: إن الله لا يضل أحداً. فقال: "ما يقول؟" فقالوا له ما قال: فقال: "كذبت عدو الله. خلقك والله، وأضلك ثم يميتك فيدخلك النار إن شاء الله، والله والله لولا وَلْث(3) عقد لك لضربت عنقك، ثم قال: إن الله خلق آدم فنثر ذريته في يديه، ثم كتب أهل الجنة وما هم عاملون، وكتب أهل النار وما هم عاملون، ثم قال هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه". فقال فتصدع الناس وما يُتنازع في القدر(4)
__________
(1) تقدم التعريف بها وتحديد السنة التي قدم فيها عمر رضي الله عنه الجابية في ص: (301).
(2) الجاثليق: عند بعض الطوائف المسيحية الشرقية، مقدم الأساقفة. مجموعة من العلماء/ المعجم الوسيط1/107.
(3) وَلْثٌ: أي: لولا طرف من عقد لك أو يسير منه، والولث كل يسير من كثير. ابن منظور/ لسان العرب15/391.
(4) رواه عبد الله بن أحمد/ السنة ص: 142، والآجري/ الشريعة ص: 186، 187، واللالكائي/ شرح اعتقاد أصول أهل السنة4/726-732، والخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد11/290-291، وأبو القاسم التيمي/ الحجة في بيان الحجة 2/61، 62، وابن كثير/ مسند الفاروق2/639، نقلاً عن الإمام محمّد بن الحسن الشيباني.
ورجال إسناده عند الله بن أحمد ثقات سوى عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ابن كريز القرشي، فلم يوثقه سوى ابن حبان. وذكره المزي في تهذيب الكمال ولم يذكر فيه توثيقاً لغير ابن حبان. ولم يذكر فيه جرحاً. 16/356. وذكره ابن حجر في التهذيب وزاد: وكان جواداً، 6/95. وقال في التقريب: مقبول 331.
وراه سائر من رواه من طريق عبد الأعلى بن عامر سوى الخطيب البغدادي وابن كثير، روياه من طريق محمّد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس... الأثر.
ومحمّد بن الحسن قال عنه الذهبي: العلامة فقيه العراق. وقال في الميزان: ليّنه النسائي وغير من قبل حفظه. سير أعلام النبلاء 9/134، ميزان الاعتدال 3/513.
وفي الإسناد أيضاً حماد بن أبي سليمان الأشعري وثقه العجلي. وقال: كان أفقه أصحاب إبراهيم (أي النخعي). ووثقه النسائي. المزي/ تهذيب الكمال 7/276، 277. وقال ابن حجر: فقيه صدوق له أوهام تق: 178.
وقال محقّق كتاب مسند الفاروق الدّكتور عبد المعطي قلعجي عن هذا الأثر: إنه في جامع مسانيد الإمام أبي حنيفة للخوارزمي، وإسناده صحيح.
أقول: - والله أعلم - فالأثر لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الله.(5/60)
.
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في التشديد في القدر: أنه قيل له: إن ناساً يتكلمون في القدر، فقام خطيباً فقال: "أيّها الناس، إنما هلك من كان قبلكم في القدر، والذي نفس عمر بيده لأسمع برجلين تكلما فيه إلا ضربت أعناقهما"(1).
وهذا الأثر فيه ضعف ويشهد له الأثر قبله في قول عمر للجاثليق: "ولولا ولث عقد لك لضربت عنقك". وهذا الأثر ليس فيه دلالة على ظهور بدعة القدر من القول بالجبر أو من نفي القدر وأن الأمر أنف في عهد عمر رضي الله عنه وإنما كانت هذه أحداث فردية لأن أوّل من أحدث بدعة نفي القدر والكلام فيه معبد الجهني في أواخر عهد الصحابة بالبصرة. فأنكر كلامه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وبين أنهم لا ينفعهم إيمانهم إن لم يؤمنوا بالقدر، لأنه ركن من أركان الإيمان(2).
ومما روي عنه رضي الله عنه في معاقبة من احتجّ بالقدر: أنه أتى بسارق فقطع يده، وقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: القدر. فضربه أربعين سوطاً، ثم قال: "قطعت يدك لسرقتك، وضربتك لفريتك على الله"(3).
المطلب الثالث: إقامة شعائر الدين:
__________
(1) رواه اللالكائي/ شرح أصول اعتقاد أهل السنة4/736. وفي إسناده محمّد بن حميد الرازي حافظ ضعيف حسن ابن معين الرأي فيه تق: 475. وفيه يعقوب بن عبد الله الأشعري صدوق يهم من الثامنة 608، وفيه جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي القمي صدوق يهم تق: 141. فالأثر ضعيف.
(2) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 1/150. وانظر: محمّد بن صالح العثيمين/ شرح لمعة الاعتقاد ص: 114. والذهبي/ سير أعلام النبلاء 4/185.
(3) رواه الخطيب البغدادي/ الجامع لأخلاق الراوي 2/169. وفي إسناده حماد المالكي نقل ابن أبي حاتم تكذيبه. الجرح والتعديل 3/153. وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه . فالأثر ضعيف جداً.(5/61)
لقد كان عمر رضي الله عنه شديد الحرص على إقامة رعيته لشعائر الدين وأركان الإسلام، وتطبيقها كما جاءت بها السنة النبوية الصحيحة من غير زيادة ولا نقص.
وسوف أتكلم إن شاء الله على ما فعله عمر رضي الله عنه وأمر به في سبيل إقامة هذه الشعائر وأدائها وهي الصلاة والصيام والحج والعمرة(1).
المسألة الأولى: الاهتمام بالصلاة وأدائها.
لقد جاءت نصوص الكتاب والسنة دالة على عظم منزلة الصلاة في الإسلام وعلو منزلتها من الدين، وقد عرف السلف رضوان الله عليهم لهذه الفريضة العظيمة الجليلة مكانتها، وقد أولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الفريضة اهتماماً عظيماً من حيث التهيؤ لها وأداؤها في أوقاتها، ومن حيث الاهتمام بأماكن أدائها وهي المساجد والاهتمام أيضاً بالأئمة والمؤذنين.
وقد بين عمر رضي الله عنه عظم مكانة الصلاة في الإسلام، فقال رضي الله عنه: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"(2).
وكتب عمر رضي الله عنه إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة، من حفظها أو حافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع(3).
__________
(1) أما الزكاة فإني تناولت موضعها في بحثي للماجستير لتعلقها بالنواحي المالية.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 3/125. ابن سعد / الطبقات 6/157، ابن أبي شيبة / المصنف 7/438. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت عمر يقول... الأثر.
(3) رواه مالك / الموطأ 1/26، عبد الرزاق / المصنف 1/536،537، البيهقي / السنن الكبرى 1/445. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن مالك عن نافع أن عمر كتب إلى عماله، ثم ذكر الأثر، ثم ساق إسناداً آخر متصلاً فقال: عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله، أي: مثل الأثر السابق بالسند السابق.(5/62)
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: عرى الإيمان أربع: الصلاة والزكاة والجهاد والأمانة(1).
وقد تمثل اهتمام عمر رضي الله عنه بالصلاة في عدة أمور هي:
1- الاهتمام بالمساجد:
فإن المساجد بيوت الله التي تقام فيها الصلاة، ولا شك أن العناية بها فيها إعانة على إقامة الصلاة بسكون وطمأنينة، وحضور للقلب، وقد اعتنى عمر رضي الله عنه بالمساجد وعرف لها فضلها وحرمتها، وإن من أولى المساجد بالعناية والاهتمام مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقد اهتم به عمر رضي الله عنه وتمثل ذلك في زيادة مساحته بعد أن ضاق بالمسلمين، فقد كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه من الجريد، وعمده من خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر رضي الله عنه، وبناه على بنايته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وعمده من الخشب(2)، ونهى رضي الله عنه أن يزخرف بحمرة أو صفرة لئلا يفتن الناس في صلاتهم(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يجمر المسجد النبوي كل جمعة، ويطيبه بالبخور(4).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/157، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية أبي زرعة عمرو بن حريز عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(2) رواه البخاري / الصحيح 1/89، أحمد / المسند 2/130.
(3) رواه البخاري / الصحيح 1/89، معلقاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
قال ابن حجر رحمه الله: أما حديث أبي سعيد فهو طرف من حديثه في قصة ليلة القدر، وقد أسنده أبو عبد الله في الاعتكاف، وفي الصلاة، وفي الصوم مطولاً ومختصراً، تغليق التعليق 2/235، وانظر حديث أبي سعيد الذي أشار إليه ابن حجر رحمه الله في صحيح البخاري / فتح الباري 4/271، 256، 2/157، 298.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/141، أبو يعلى / المسند 1/170، ومداره على عبد الله بن عمر العمري، ضعيف من السابعة. تق 314، وبقية رجاله عند أبي يعلى ثقات. فالأثر ضعيف.(5/63)
ولا شك أن تنظيف المساجد وتطهيرها وتطييبها أمر حث عليه الشارع وعمر رضي الله عنه أولى الناس بفعل ذلك.
ومن قيام عمر رضي الله عنه بحرمة المساجد ومعرفته لفضلها وخاصة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، زجره وتوبيخه لمن رفع صوته في المسجد.
قال السائب بن يزيد(1) رضي الله عنه: كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!(2)
وكان رضي الله عنه يأمر باجتناب اللغو من الحديث والكلام الذي لا فائدة فيه في المسجد، فكان رضي الله عنه إذا مر بنادٍ، وجماعة من الناس في المسجد قال: إياكم واللغط(3).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (278).
(2) رواه البخاري / الصحيح 1/93، عبد الرزاق / المصنف 1/438، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/34 وغيرهم.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/438، ابن أبي شيبة / المصنف 2/182، 183، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/36، البيهقي / السنن الكبرى 2/429. صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا محمّد بن بشر، قال: نا عبيد الله ابن عمر عن نافع أن عبد الله أخبره أن عمر... الأثر.(5/64)
ومر عمر رضي الله عنه بحسان بن ثابت(1) رضي الله عنه وهو ينشد في المسجد، فلحظه، فقال حسان: والله لقد أنشدت فيه، وفيه من هو خير منك، فخشي عمر رضي الله عنه أن يرميه برسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز وتركه(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه بنى مكاناً خارج مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لينشد فيه الشعر، وعرف بالرحبة أو البطيحاء(3).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (187).
(2) رواه البخاري/ الصحيح 2/212، وعبد الرزاق/ المصنف 1/439، و11/267، وغيرهما. واللفظ لعبد الرزاق. وفيه زيادة (فلحظه) وهي ليست في الصحيح. وفي رواية الصحيح أن عمر مر في المسجد وحسان ينشد فقال: كنت أنشد فيه، وفيه من خير منك. فمفهوم السياق أنه لامه. ورواية البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه وهو كذلك عند عبد الرزاق.
(3) قال السمهودي: ذكر ابن شبة ما يبين أن البطيحاء كانت في جهة شرقي المسجد مما يلي مؤخره، وفاء الوفاء 1/498.
رواه مالك / الموطأ 1/226، الفاكهي / أخبار مكة 3/345،346، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/36، ابن الأعرابي / المعجم4/40، وسنده عند مالك رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة من الثالثة، عن عمر رضي الله عنه، ورواه ابن الأعرابي من طريق مالك، ورواه الفاكهي من رواية الزبير بن أبي بكر من كلامه، ولم أجد له ترجمة، ورجال إسناده عند ابن شبة ثقات، ولكنه معضل من رواية سالم أبي النضر عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.(5/65)
وروي أن عمر رضي الله عنه سمع ناساً من التجار يذكرون تجارتهم، والدنيا في المسجد، فقال: إنما بنيت هذه المساجد لذكر الله، فإذا ذكرتم تجارتكم ودنياكم فاخرجوا إلى البقيع(1).
2- الاهتمام بالمؤذنين والأئمة:
ومن اهتمام عمر رضي الله عنه بالصلاة، اهتمامه بالأذان والمؤذنين إذ أن المؤذن هو الذي يعلم الناس بدخول وقت الصلاة، ويأتمنه الناس على ذلك، وقد بين عمر رضي الله عنه مكانة المؤذن،وعظم مهمته التي يقوم بها بقوله:لوكنت أطيق الأذان مع الخليفىأي الخلافة لأذنت(2).
وفي رواية أنه قال: لولا أني أخاف أن يكون سنة، ما تركت الأذان(3).
وقال عمر رضي الله عنه لقوم: من مؤذنوكم؟ قالوا: عبيدنا، وموالينا، فقال عمر: إن ذلك لنقص بكم كبيراً أو كثيراً(4).
__________
(1) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 1/36، وفي إسناده محمد بن إسحاق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية عاصم بن عمرو بن قتادة، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/486. ابن سعد / الطبقات 3/290، ابن أبي شيبة / المصنف 1/203،204. صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: أخبرنا زهير بن معاوية، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، قال: قال عمر... الأثر.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/486 صحيح. قال: عن إسماعيل عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل أن عمر... الأثر.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/204، 486. ابن سعد / الطبقات 3/290، ابن أبي شيبة / المصنف 1/203،204، ابن المنذر / الأوسط 3/41،42، الطحاوي / مشكل الآثار 3/56. صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: نا يزيد ووكيع قالا: حدّثنا إسماعيل عن شبيل بن عون، قال: قال عمر... الأثر.(5/66)
وكان عمر رضي الله عنه يوجه المؤذنين ويرشدهم، ومن ذلك: إرشاده لأبي محذورة المؤذن(1) رضي الله عنه أن يرفق بنفسه.
قدم عمر رضي الله عنه مكة، فأذن أبو محذورة ثم أتى عمر رضي الله عنه فسلم عليه، فقال له عمر: ما أندى صوتك، أما تخشى أن ينشق مريطاك(2).
__________
(1) أبو محذورة الجمحي المكي المؤذن، صحابي مشهور، اسمه أوس، وقيل سلمة، وقيل سلمان، وأبوه مِعْير. تق 671.
(2) مريطاك، المريطاوان: ما بين السرة والعانة وقيل هو ما خف شعره مما بين السرة والعانة، وقيل المريطاوان عرقان في مراق البطن عليهما يعتمد الصائح. ابن منظور / لسان العرب 13/82.
رواه عبد الرزاق / المصنف 1/482. ابن سعد / الطبقات / الرابعة 1/409،410، ابن أبي شيبة / المصنف 1/286، الفاكهي / أخبار مكة 2/141،142، أبو يعلى / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/27/أ، ورجال إسناده عند عبد الرزاق ثقات ولكنه منقطع من رواية عكرمة بن خالد ابن العاص عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. تق 396، ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات أيضاً، وهو منقطع أيضاً من رواية ابن أبي مليكة عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، وسنده عند الفاكهي رجاله ثقات سوى إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة فهو صدوق يخطئ. تق 91، وجده عبد الملك بن أبي محذورة قال عنه الذهبي في الكاشف: ثقة، 1/668، وقال ابن حجر: مقبول. تق 364، وفي إسناده عند أبي يعلى محمد ابن الحسن بن زبالة كذبوه. تق 474، والأثر يرتقي بطرقه الثلاثة لدرجة الحسن لغيره.(5/67)
واهتم عمر رضي الله عنه بالأئمة وبحسن أدائهم للصلاة بأركانها وواجباتها وإن مما يدل على اهتمام عمر رضي الله عنه البالغ بالإمام وحسن صلاته بالناس وإعطائه الصلاة حقها من القراءة والقيام والركوع والسجود والجلوس عزله رضي الله عنه سعد(1) بن أبي وقاص رضي الله عنه عن ولاية الكوفة بعد أن شكاه أهلها أنه لا يحسن يصلي بهم، حتى قدم سعد رضي الله عنه على عمر بالمدينة، وبين له كيفة صلاته بهم وأنه كان يصلي بهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرم عنها، فقال عمر: ذاك الظن بك أبا إسحاق(2).
ومن الآثار الدالة على اهتمام عمر رضي الله عنه بأداء الإمام وحسن قراءته للقرآن، أن جماعة اجتمعت في ماء قريب من مكة بأعلاها في الحج، فحانت الصلاة، فتقدم رجل من آل أبي السائب المخزومي، أعجمي اللسان فأخره المسور بن مخرمة، وقدم غيره، فبلغ عمر بن الخطاب، فلم يعرفه بشيء حتى جاء المدينة، فعرفه بذلك، فقال المسور: أنظرني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجمي اللسان، وكان في الحج، فخشيت أن يسمع بعض الحاج قراءته فيأخذ بعجمته، قال: أوهناك ذهبت؟ قال: نعم، قال: أصبت(3).
3- الاهتمام بالصلاة بأدائها في أوقاتها، وعدم التشاغل عنها:
__________
(1) هو سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري كان سابع سبعة في الإسلام أسلم بعد ستة. وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة شهد جميع المشاهد مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم. مات بالمدينة سنة خمس وخمسين. ابن حجر/ الاستيعاب2/171.
(2) صحيح تقدم الكلام عليه في ص: (637).
(3) صحيح، تقدم الكلام عليه في ص: (809).(5/68)
كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يعلمه بأوقات الصلاة، ويحذر من تأخير الصلاة عن وقتها والتشاغل عنها: صلِ الظهر إذا زالت الشمس إلى أن يكون ظل كل شيء مثله، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن تدخلها صفرة، وفي رواية: قدر ما يسير الراكب فرسخين(1) أو ثلاثة، والمغرب حين تغرب الشمس، ويدخل الليل، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، وصلِ الصبح والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيه سورتين طويلتين من المفصل(2).
وكتب رضي الله عنه: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، وكان عمر يضرب عليهما الرجال(3).
__________
(1) الفَرْسخ: مقداره ثلاثة أميال، اثنا عشر ألف ذراع = 5544م. محمد رواس قلعجي / معجم لغة الفقهاء ص 343.
(2) رواه مالك / الموطأ 1/6،7، عبد الرزاق / المصنف 1/536. صحيح من طريق عبد الرزاق.
ورد ذكر هذه المواقيت بإسنادين صحيحين مختلفين: الأوّل: قال فيه عبد الرزاق: عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أن عمر... الأثر.
والثاني: قال فيه: عن معمر عن أيوب عن ابن عمر...
(3) رواه عبد الرزاق/ المصنف2/426، ابن المنذر/ الأوسط 2/393، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال:عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر.(5/69)
ومما جاء عن عمر رضي الله عنه في بيان فضل أداء الصلاة في وقتها، وشهودها في جماعة المسلمين أنه رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حثمة(1) في صلاة الصبح فغدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمر على الشفاء أم سليمان، فقال: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي، فغلبته عيناه، فقال عمر: "لأن أشهد صلاة الصبح أحب إلي من أن أقوم ليلة"(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه فقد رجلاً في صلاة الصبح، فأرسل إليه، فجاء فقال: أين كنت؟ فقال: كنت مريضاً، ولولا أن رسولك أتاني لما خرجت، فقال عمر: فإن كنت خارجاً إلى أحد فاخرج للصلاة(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الصلاة، فاستقبل الناس، فأمر المؤذن فأقام وقال: لا ننتظر لصلاتنا أحداً، فلما قضى صلاته أقبل على الناس، ثم قال: ما بال أقوام يتخلف بتخلفهم آخرون، والله لقد هممت أن أرسل إليهم، فيجاء في أعناقهم، ثم يقال: اشهدوا الصلاة(4).
__________
(1) سليمان بن أبي حثمة بن غانم بن عامر العدوي، هاجر صغيراً مع أبيه مع أمه الشفاء، وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم، واستعمله عمر على السوق. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/210.
(2) رواه مالك / الموطأ 1/129، عبد الرزاق / المصنف 1/526،527، البيهقي / شعب الإيمان 6/164. صحيح من طريق مالك. قال: عن ابن شهاب عن أبي بكر سليمان بن أبي حثمة أن عمر فقد سليمان... الأثر.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 1/303، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/519، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، ولكنه منقطع من رواية ثابت بن الحجاج الرقي، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.(5/70)
وروي أن عمر رضي الله عنه جاء إلى سعيد بن يربوع(1) بمنزله، فعزاه بذهاب بصره، وقال: لا تدع الجمعة ولا الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ليس لي قائد، قال عمر: فنحن نبعث إليك بقائد، فبعث إليه غلاماً من السبي(2).
وهذه الآثار دالة على حث عمر رضي الله عنه رعيته على أداء الصلوات في أوقاتها وفي جماعة المسلمين.
ومن اهتمام عمر رضي الله عنه بأداء الصلاة، اهتمامه بالتهيؤ لها والتطهر بالوضوء، فقد كان رضي الله عنه يأمر بالتحري في الوضوء وإسباغه.
رأى رضي الله عنه رجلاً يتوضأ، قد ترك برجله لمعة لم يصبها الماء، فقال: أعد الوضوء(3).
__________
(1) سعيد بن يربوع بن عنكثة المخزومي القرشي، صحابي، مات سنة 54، وله مائة وعشرون سنة أو أزيد. تق 242.
(2) رواه ابن سعد /الطبقات / الرابعة 1/360، من طريق الواقدي.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 1/45،46، الدارقطني / السنن 1/109، 110، البيهقي / السنن الكبرى 1/84، ورجال إسناده عند ابن أبي شيبة ثقات سوى حجاج بن أرطاة فهو صدوق، مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، ورواه من طريق آخر، ورجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية أبي قلابة الجرمي، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، ورواه من طريق ثالث ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق، وفيه الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع، ورواه الدارقطني والبيهقي بإسناد رجاله ما بين ثقة وصدوق، وفيه هشيم بن بشير ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع فالأثر حسن لغيره بمجموع طرقه.(5/71)
وروي أنه رضي الله عنه: مر بقوم يتوضئون، فقال: خللوا(1) - يعني بين الأصابع(2).
وروي أنه رضي الله عنه رأى رجلاً قد غسل ظاهر قدميه، وترك باطنهما، فقال: لم تركتهما للنار(3)؟
ومن آداب الصلاة التي أوصى بها عمر رضي الله عنه ووجه إليها وعمل بها:
1- تعهد الصفوف وتسويتها، لما في ذلك من زيادة طمأنينة القلب وهو دليل على وحدة المسلمين وقوتهم، قال أبو عثمان النهدي(4) رحمه الله: ما رأيت أحداً كان أشد تعاهداً للصف من عمر رضي الله عنه، إن كان يستقبل القبلة، حتى إذا قلنا قد كبر، التفت فنظر إلى المناكب والأقدام، وإن كان ليبعث رجالاً يطردون الناس حتى يلحقوهم بالصفوف(5).
وقال رحمه الله: كنت فيمن يقيم عمر قدامه لإقامة الصف(6).
2- عدم إطالة الصلاة بالناس:
__________
(1) التخليل: التفريق بين شعر اللحية، وأصابع اليدين والرجلين في الوضوء. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/73.
(2) رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص 442/أ، ابن أبي شيبة / المصنف 1/19، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية مصعب بن سعد بن أبي وقاص ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، ورواه مسدد من طريق مصعب. فالأثر ضعيف، ويشهد له الذي قبله.
(3) رواه أبو عبيد / الطهور ص 257، ابن أبي شيبة / المصنف 1/26، ومداره على شريك بن عبد الله النخعي، صدوق يخطئ كثيراً، وفيه أبو الغرباء لم أعرفه. فالأثر ضعيف.
(4) تقدمت ترجمته في ص: (178).
(5) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 1/309، صحيح. قال: حدّثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان، قال: ما رأيت... الأثر.
(6) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف1/309. صحيح. قال: حدّثنا وكيع عن عمران ابن حدير عن أبي عثمان، قال: كنت... الأثر.(5/72)
قال عمر رضي الله عنه: أيها الناس، لا تبغضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إماماً فيطول عليهم ما هم فيه(1).
3- الاستعجال بصلاة العشاء قبل نوم المريض، وكسل العامل:
قال رضي الله عنه: عجلوا العشاء قبل أن ينام عنها المريض، ويكسل العامل(2).
4- عدم التكلف في الصلاة:
فقد رأى رضي الله عنه رجلاً قد أثر السجود بأنفه فقال: لا تقلب صورتك(3).
وذلك أن عمر رضي الله عنه علم من حاله التكلف في السجود حتى يظهر ذلك في وجهه كما روي في رواية أخرى: أن الرجل كان يعتمد على وجهه وأنفه ليؤثر فيهما(4).
المسألة الثانية: الاهتمام بالصيام والقيام في شهر رمضان
كان عمر رضي الله عنه يهتم كثيراً بالتحري في ثبوت شهر رمضان وخروجه ويأمر رعيته بذلك، ويحثهم على عدم التفريط في ذلك، ولا تخفى أهمية هذه المسألة، إذ أن التهاون في التعرف على دخول شهر رمضان وخروجه والتحري في ذلك يفضي إلى إفطار ما يجب صومه، وصوم ما يجب إفطاره.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 5/321، ورجال إسناده ثقات سوى محمد بن عجلان فهو صدوق، وهو متصل. فالأثر حسن.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/560، ابن أبي شيبة / المصنف 1/292، ابن المنذر / الأوسط 2/372. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة، قال: سمعت عمر بن الخطاب... الأثر.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 2/173، 174، الطبري / تهذيب الآثار / مسند العباس 1/196. صحيح من طريق الطبري. قال: حدّثنا ابن المثنى، قال: حدّثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حبيب عن أبي الشعثاء، قال: قال عبد الله: حبيب يرى أنه ابن عمر.
(4) هي رواية عبد الرزاق المتقدم ذكرها وفي إسنادها الأعمش مدلس، ولم يصرح بالسماع. فالأثر ضعيف.(5/73)
قال أبو وائل(1) رحمه الله تعالى: أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين(2): إن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس(3).
وكان رضي الله عنه يحث على عدم الفرقة والاختلاف في صيام شهر رمضان، وفطره قال رضي الله عنه: ليتق أحدكم أن يصوم يوماً من شعبان أو يفطر يوماً من رمضان، وأن يتقدم قبل الناس، فليفطر إذا أفطر الناس(4).
وكان رضي الله عنه يحض الرعية، ويأمرهم باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطر وعدم تأخيره حتى تظهر النجوم لما في ذلك من مشابهة أهل الكتاب.
قال المسيب بن حزن(5)رضي الله عنه: كنت جالساً عند عمر إذ جاءه ركب من الشام، فطفق عمر يستخبر عن حالهم، فقال: هل يعجل أهل الشام الفطر؟ قال: نعم، قال: لن يزالوا بخير ما فعلوا ذلك، ولم ينتظروا النجوم انتظار أهل العراق(6).
__________
(1) أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة. تق 268.
(2) خانَقِين: مدينة عراقية على حدود إيران، مركز قضاء في محافظة ديالي، المنجد / الأعلام ص 229.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/319،320، صحيح. قال: حدّثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل، قال: أتانا كتاب عمر... الأثر.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/324، صحيح. قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن عاصم عن أبي عثمان، قال: قال عمر... الأثر.
(5) المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي له ولأبيه صحبة، عاش إلى خلافة عثمان رضي الله عنه. تق 532.
(6) رواه عبد الرزاق / المصنف4/225 صحيح. قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن المسيب عن أبيه.(5/74)
وناول عمر رضي الله عنه رجلاً كان إلى جنبه إناء حين غربت الشمس، فقال له: اشرب، ثم قال: لعلك من المسرفين(1) بفطره، سرف، سرف(2).
وكان عمر رضي الله عنه يهتم بقيام رمضان وإحياء لياليه بالصلاة والعبادة فكان يحض رعيته على ذلك، ويرغبهم فيه، وإن مما يدل على ذلك، فعله رضي الله عنه في جمعه الناس في صلاة التراويح بعد أن رآهم يصلون أوزاعاً متفرقين يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب رضي الله عنه، ثم خرج رضي الله عنه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون بها(3).
وكما يظهر من الأثر السابق أن عمر رضي الله عنه كان يفضل قيام آخر الليل على أوله وذلك في قوله: والتي ينامون عنها خير من التي يقومون بها(4).
__________
(1) مراد عمر رضي الله عنه بذلك الإسراف الذي هو مجاوزة الحد والغلو في الإفطار وذلك بتأخيره عن وقته الذي هو غروب الشمس، حيث أن ابن أبي شيبة رحمه الله صنف الأثر تحت باب تعجيل الفطر.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/278، صحيح. قال: حدّثنا ابن فضيل عن بيان عن قيس، قال: ناول عمر... الأثر.
وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على تعجيل الفطر، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"، رواه البخاري / الصحيح 1/335، وقال ابن حجر رحمه الله: قال ابن دقيق العيد: في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم، فتح الباري 4/199.
(3) رواه البخاري/ الصحيح1/342، مسلم / الصحيح/ شرح النووي 6/40، مالك / الموطأ 1/108، 109 وغيرهم.
(4) انظر: ابن حجر / فتح الباري 4/253.(5/75)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: دعاني عمر رضي الله عنه أتسحر عنده، وأتغدى في شهر رمضان، فسمع هيعة(1) الناس حين خرجوا من المسجد فقال: ما هذا؟ فقلت: الناس حين خرجوا من المسجد، فقال: ما بقي من الليل أحب إلي مما ذهب(2).
وكان الناس في عهد عمر رضي الله عنه يصلون التراويح إحدى عشرة ركعة.
وقد تقدم أن عمر رضي الله عنه أمر أبياً أن يصلي بهم، وكان تميم الداري(3) رضي الله عنه أيضاً ممن أمره عمر أن يؤم الناس بالتراويح.
قال السائب بن يزيد(4) رضي الله عنه: أمر عمر بن الخطاب أبي ابن كعب، وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: فكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر(5).
وثبت أيضاً أنهم كانوا يقومون بإحدى وعشرين ركعة(6).
وأشار أهل العلم أن الزيادة في عدد الركعات تكون عند التخفيف، والتقليل فيها يكون مع التطويل(7).
المسألة الثالثة: الاهتمام بأداء فريضة الحج، وأداء العمرة
فكان عمر رضي الله عنه يحث رعيته على أداء فريضة الحج والمسارعة في ذلك.
__________
(1) الهَيْعَة: الصياح والضجة. ابن منظور / لسان العرب 15/180.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 4/263، ابن أبي شيبة / المصنف 2/166. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس، قال: سمعت ابن عباس يقول: دعاني عمر، أتسحر... الأثر.
(3) تميم بن أوس بن خارجة الداري، أبو رقية، صحابي مشهور، سكن بيت المقدس بعد مقتل عثمان. تق 131.
(4) تقدمت ترجمته في ص: (278).
(5) رواه مالك / الموطأ 1/110، ابن أبي شيبة / المصنف 2/162، البيهقي / فضائل الأوقات ص 274،275،صحيح من طريق مالك. قال: عن محمّد ابن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر... الأُثر.
(6) رواه عبد الرزاق / المصنف 4/260، صحيح. قال: عن داود بن قيس وغيره عن محمّد بن يوسف عن السائب بن يزيد.
(7) انظر: ابن حجر / فتح الباري 4/253.(5/76)
قال رضي الله عنه: إذا وضعتم السروج فشدوا الرحيل إلى الحج والعمرة، فإنه أحد الجهادين(1).
وقال رضي الله عنه: كتب عليكم ثلاثة أسفار الحج، والعمرة، والجهاد في سبيل الله(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه أراد أن يعرض على الناس عدة(3) في كل بلد، يوافون الحج في كل عام، فلما رأى تسارع الناس فيه كف عن ذلك، وقال: لو تركوه لجاهدناهم عليه كما نجاهدهم على الصلاة والزكاة(4).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 5/7، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/136، البخاري / الصحيح تعليقاً 1/164. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن عباس بن ربيعة عن عمر، قال: إذا... الأثر.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 5/172، ابن أبي شيبة / المصنف 4/467، وإسناده عند عبد الرزاق رجاله ما بين ثقة وصدوق، وحريث الراوي عن عمر الصواب في اسمه حجير، ثقة من الثالثة وروايته عن عمر منقطعة. وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ما بين ثقة وصدوق سوى عمرو بن عيسى أبي نعامة، صدوق اختلط ولم يتبين لي هل سماع وكيع الراوي عنه قبل اختلاطه أم بعده. فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
(3) العِدّة: الجماعة قلت أو كثرت. ابن منظور / لسان العرب 9/76.
(4) رواه ابن أبي عمر / الإيمان ص 100، الفاكهي / أخبار مكة 1/384، ورجال إسناده عند ابن أبي عمر ثقات، ولكنه منقطع من رواية سعيد بن جبير عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ومدار الأثر عليه، فيكون ضعيفاً.(5/77)
وروي أن عمر رضي الله عنه هم أن يبعث إلى الأمصار، فلا يوجد رجل قد بلغ سناً وله سعة، ولم يحج إلا ضربت عليه الجزية، والله ما أولئك بمسلمين، والله ما أولئك بمسلمين(1).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يحث رعيته على الرفق بالنفس في أداء الحج، والتهيؤ له، وينهى عن الغلو وتحميل النفس ما لا تطيق.
روى أنه رضي الله عنه رأى رجلاً أحرم من البصرة، وقدم محرماً على عمر رضي الله عنه، ورآه عمر سيئ الهيئة، فأغلظ له، فأخذ بيده وجعل يدور به في الحِلق ويقول: انظروا إلى ما صنع هذا بنفسه، وقد وسع الله عليه(2).
__________
(1) رواه ابن كثير / مسند الفاروق 1/293، نقلاً عن محمد بن إسماعيل البصري وإسناده رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة وهو ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف. وما فيه من نفي عمر رضي الله عنه صفة الإسلام عمن لم يحج وهمه بوضع الجزية عليهم يبعد صدوره من عمر رضي الله عنه، لأن من خرج من الدين يكون مرتداً ولا تضرب عليه الجزية التي تضرب على أهل الكتاب، إلا أن يكون المراد بنفي الإسلام عنهم هو كماله وصدقه، والمراد بالجزية: هي مجرد جزء من المال يؤخذ منهم عقوبة لهم، والله أعلم.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 3/126، من طريقين الأول: رجاله ثقات سوى شيخ إسماعيل بن أبي خالد واسمه مسلم لم أعرفه وهو يروي عن عمر رضي الله عنه.
والثاني: رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، وفيه قتادة بن دعامة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بسماعه من الحسن وهو من أعلم أصحابه بحديثه.(5/78)
ومن الأمور الهامة التي ينبغي الإشارة إليها والتي لها علاقة باهتمام عمر رضي الله عنه بأمور الحج والعمرة هو حده رضي الله عنه ميقات ذات عرق(1) لأهل العراق(2).
قال ابن عمر رضي الله عنهما: لما فتح هذان المصران(3)، أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرناً، وهو جور(4) عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا.
قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق(5).
المطلب الرابع: الاهتمام بالعلم والعلماء:
إن منزلة العلم والعلماء في الإسلام منزلة عالية ورفيعة فقد حض القرآن الكريم والسنة المطهرة على تعلم العلم النافع، ورفع الإسلام من شأن العلماء وأعلى منزلتهم وقدرهم، وقد عرف عمر رضي الله عنه للعلم أهميته، وللعلماء قدرهم.
وسأتناول ذلك بالبيان في عدة مسائل:
المسألة الأولى: الحث على تعلم العلم:
__________
(1) ذاتُ عرق: مهل أهل العراق، وهو الحد بين نجد وتهامة. ياقوت الحموي / معجم البلدان 4/107،108.
(2) وقد وافقه الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك وأقروه عليه، وعملوا به وهو دليل على حجية ما فعله رضي الله عنه. انظر: ابن قيم الجوزية / أعلام الموقعين 4/118،119.
(3) المِصْرَان: هما الكوفة والبصرة، والمراد غلبة المسلمين على أرضهما وإلا فهما من تمصير المسلمين. ابن حجر / فتح الباري 3/389.
(4) جور: أي مائل. المصدر السابق 3/389.
(5) رواه البخاري / الصحيح 1/267، أحمد /المسند 2/3، 11،50،وغيرهما.(5/79)
فقد حث عمر رضي الله عنه رعيته على تعلم العلوم النافعة فكان يحثهم على التفقه في الدين الذي هو شرط قبول العمل، فلا يقبل العمل إلا أن يكون موافقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سنته الصحيحة، ولاشك أن التفقه في الدين شامل للعقائد والعبادات والمعاملات، قال عمر رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا(1)، وقال رضي الله عنه: تفقهوا في الدين(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: كونوا أوعية الكتاب، وينابيع العلم(3).
وحث عمر رضي الله عنه رعيته على تعلم كتاب الله عز وجل، والتفقه فيه، والعمل به.
__________
(1) رواه الدارمي / السنن 1/79، وكيع /الزهد 1/327، 328. صحيح من طريق وكيع. قال: حدّثنا ابن عون عن ابن سيرين عن الأحنف، قال: قال عمر... الأثر.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 4/323، سعيد بن منصور / السنن 2/314، س315، ابن أبي شيبة / المصنف 6/116، وفي إسناده عند عبد الرزاق شيخه عبد الله بن كثير لم أعرفه، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، ورجاله عند سعيد ما بين ثقة وصدوق وهو منقطع أيضاً من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، ورجاله عند ابن أبي شيبة ثقات وهو منقطع من رواية عمرو بن دينار عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
(3) رواه أحمد / الزهد ص 149، ابن أبي الدنيا / التواضع ص 36، الطبري / تهذيب الآثار / مسند العباس 1/301، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 7/368، ورجال إسناده عند أحمد ثقات وهو منقطع من رواية إسماعيل بن أبي خالد، وهو ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة، ورواه سائر من رواه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي، وعامر الشعبي روايته عن عمر منقطعة، فهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.(5/80)
قال رضي الله عنه: تعلموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإن فيهن الفرائض(1).
وقال رضي الله عنه وهو يحث على قراءة القرآن وإتقان تجويده وإقامة حروفه: أعربوا القرآن فإنه عربي(2).
وروي أنه رضي الله عنه انتهى إلى قوم يقرئ بعضهم بعضاً، فقال: اقرؤوا ولا تلحنوا(3).
ومما ثبت عن عمر رضي الله عنه في قراءة القرآن وتعلمه والعمل به وإخلاص النية لله فيه أنه قال: "يا أيّها الناس، إنه قد أتى على زمان رأي أرى من قرأ القرآن يريد الله عز وجل وما عنده، فيخيل إليّ أن أقواماً قرأوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا، ألا فأريدوا الله بأعمالكم"(4).
__________
(1) رواه الحاكم / المستدرك 2/395، البيهقي / شعب الإيمان 5/317، ورجال إسناده عند الحاكم ما بين ثقة وصدوق، وهو متصل، ورواه البيهقي من طريق الحاكم. فالأثر حسن.
(2) رواه سعيد بن منصور / السنن 2/270، ابن أبي شيبة / المصنف 6/116، البلاذري / أنساب الأشراف ص 235، ورجال إسناده عند سعيد صدوقون ولكنه معضل من رواية عبيد الله الكلاعي، عن عمر وهو ثقة من السادسة، وهو عند ابن أبي شيبة منقطع من رواية عمرو بن دينار عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة، ورجال إسناده ثقات، وهو عند البلاذري منقطع أيضاً من رواية يحيى بن يعمر عن عمر وهو ثقة من الثالثة، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق. فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
(3) رواه سعيد بن منصور / السنن 1/166، ابن أبي شيبة / المصنف 6/117، ومداره على سليمان بن يسار وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة، ورجال إسناده عندهما ثقات. فالأثر ضعيف، ويشهد له الذي قبله.
(4) تقدم تخريجه في ص: (841).(5/81)
وروي أنه قال: "تعلموا القرآن واعملوا به"(1).
وروي أنه قال: اقرؤا كتاب الله عز وجل، وسلوا الله عز وجل به قبل أن يقرأه أقوام يسألون الناس به(2).
وروي أنه رضي الله عنه قال: تعلموا سورة براءة، وعلموا نساءكم سورة النور(3).
وكان عمر رضي الله عنه يأمر بتدارس القرآن وقراءته وعدم المجادلة فيه والاختلاف في نصوصه، قال رضي الله عنه: "اقرأوا القرآن ما اتّفقتم فإذا اختلفتم فقوموا عنه"(4).
ومن العلوم الهامة التي حث عمر رضي الله عنه رعيته على تعلمها اللغة العربية وأصولها، فبها يستطيع المسلم تعلم القرآن والسنة ومعرفة أحكامهما وفقههما.
كتب عمر رضي الله عنه إلى رعيته: أن تعلموا العربية(5).
__________
(1) رواه سعيد بن منصور / السنن 2/393، ابن أبي عمر / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 490/أ، البلاذري / أنساب الأشراف ص 250، وفي إسناده عند سعيد، خديج بن معاوية صدوق يخطئ،تق 154، وفيه أبو إسحاق السبيعي يروي عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه منقطعة فهو ثقة من الثالثة، وفيه عند ابن أبي عمر عبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه، وفيه الباهلي يروي عن عمر رضي الله عنه لم أعرفه، وهو عند البلاذري من كلام المدائني من غير إسناد. فالأثر ضعيف.
(2) رواه أحمد / الزهد ص 477، البلاذري / أنساب الأشراف ص 168،169، ورجال إسناده عند أحمد ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وفيه عند البلاذري أبو شهاب الحناط، صدوق يهم، وفيه سعيد بن إياس الجريري، ثقة اختلط قبل موته ولم يتبين لي هل سمع منه الحناط قبل اختلاطه أم بعده، وشيخه مبهم حيث قال: عن رجل.
(3) رواه البيهقي / شعب الإيمان 5/370، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى شيخ البيهقي لم أجد له ترجمة.
(4) تقدم تخريجه في ص: (829).
(5) حسن لغيره، تقدم تخريجه وهو جزء من الأثر المتقدم في ص: (869) بلفظ تفقهوا في الدين.(5/82)
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الحث على تعلم اللغة العربية والاهتمام بها: أن عمر رضي الله عنه مر بقوم يرمون رشقاً(1) فقال: بئس ما رميتم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قوم متعلمين، فقال: والله لذنبكم في لحنكم أشد علي من لحنكم في رميكم(2).
وروي أنه رضي الله عنه مر برجلين يرميان، فقال أحدهما: أسبت، فقال عمر: سوء اللحن أشد من سوء الرمي(3).
وروي أن رجلاً سأله رضي الله عنه فقال: ما علي بالضبي؟ قال: وما عليك لو قلت بالظبي؟ قال: إنها لغة، قال: انقطع العتاب(4).
__________
(1) الرّشْق: الوجه من الرمي إذا رموا بأجمعهم وجهاً بجميع سهامهم في جهة واحدة، قالوا: رمينا رشقاً واحداً، ورموا رشقاً واحداً أي وجهاً واحداً بجميع سهامهم. ابن منظور / لسان العرب 5/221.
(2) رواه القضاعي / مسند الشهاب 1/338، الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 2/24، وفي إسناده عند القضاعي يحيى بن هاشم الغساني كذبه ابن معين، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال ابن عدي: كان يضع الحديث ويسرقه. ميزان الاعتدال 4/412، وفيه عند الخطيب عيسى بن إبراهيم بن طهمان قال البخاري والنسائي: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وذكر الذهبي الأثر الذي أنا بصدده وقال: ليس بصحيح. ميزان الاعتدال 3/308. فالأثر ضعيف جداً.
(3) رواه البخاري / الأدب المفرد ص 304، وفي إسناده عبد الرحمن بن عجلان، قال ابن حجر: بصري من الثالثة، أرسل حديثاً، وهو مجهول الحال. تق 346، وهو منقطع من رواية عبد الرحمن، المتقدم الذكر. فالأثر ضعيف.
(4) رواه الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 1/293، وفي إسناده عثمان ابن عبد الرحمن لم أعرفه، وهو معضل من رواية إبراهيم بن زياد البغدادي ثقة من العاشرة. تق 89. فالأثر ضعيف.(5/83)
وروي أن كاتباً لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتب إلى عمر: من أبو موسى فكتب إليه عمر: إذا أتاك كتابي هذا، فاضرب كاتبك سوطاً، واعزله عن عمله(1).
وروي أنه رضي الله عنه سمع رجلاً يتكلم الفارسية في الطواف فقال: ابتغ إلى العربية سبيلاً(2).
وأذن عمر رضي الله عنه في معرفة أخبار الأمم الماضية وأخذ العبر والحكم من تاريخهم مع أخذ الحيطة والحذر، فإن تلك الأخبار قد يكون فيها كثير من الكذب والتزوير وهذا العلم هو ما يعرف بالقصص.
__________
(1) رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 341، أنساب الأشراف ص 188، وكيع / أخبار القضاة 1/286، البيهقي / شعب الإيمان 4/314. ورجال إسناده عند البلاذري ما بين ثقة وصدوق، ولكنه معضل من رواية يحيى بن أبي كثير عن عمر رضي الله عنه، ثقة من الخامسة. وإسناده عند وكيع رجاله ثقات ولكنه معضل من رواية عبد السلام بن حرب وهو ثقة من صغار الثامنة، عن رجل من أهل البصرة يقال له أبو يزيد عن عمر، ولم أجد لأبي يزيد ترجمة، ورواه البيهقي من غير إسناد فقال: ورُوّينا. فالأثر ضعيف.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 5/496، الفاكهي / أخبار مكة 1/197، البيهقي / شعب الإيمان 4/313، وفي سنده عند عبد الرزاق والبيهقي طلحة بن عمرو المكي متروك من السابعة، وهو منقطع من رواية عطاء بن أبي رباح عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ورجال إسناده عند الفاكهي ثقات، ولكنه معضل من رواية عبد الملك بن جريج، ثقة من السادسة روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.(5/84)
قال السائب بن يزيد(1) رضي الله عنه: لم يكن قص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه، كان أوّل من قص تميم الداري(2) رضي الله عنه، استأذن عمر رضي الله عنه أن يقص قائماً، فأذن له(3).
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه عدة آثار تدل بمجموعها على إذنه رضي الله عنه لتميم الداري بأن يقص في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد تردده في ذلك وتخوفه منه، ولعل ذلك راجع لخوفه رضي الله عنه من انشغال الناس بذلك عن طلب العلوم الشرعية التي أمر الله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم بتعلمها.
روي أن تميماً الداري استأذن عمر رضي الله عنه في القصص فقال: إنه على مثل الذبح، فقال: إني أرجو العافية فأذن له عمر(4).
وروي أن تميماً استأذن عمر رضي الله عنه في القصص، فأبى أن يأذن ثم استأذنه فأبى أن يأذن له، ثم استأذنه، فقال: إن شئت وأشار بيده يعني الذبح(5).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (278).
(2) تقدمت ترجمته في ص: (864).
(3) رواه أحمد / المسند 3/449، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/10، ابن الجوزي / القصاص والمذكرين ص 177، وسنده عند أحمد متصل ورجاله ثقات سوى بقية بن الوليد فهو صدوق مدلس، وقد صرح بالسماع، وهو عند ابن شبة متصل ورجاله ثقات سوى موسى بن مروان الرقي، فهو صدوق، الكاشف 2/308، ورواه ابن الجوزي من طريق أحمد. فالأثر صحيح لغيره بطريقيه.
(4) رواه ابن المبارك / الزهد ص 508، ابن شبة / تاريخ المدينة 1/11، ابن الجوزي / القصاص والمذكرين ص 193،194، ومداره على نافع مولى ابن عمر، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة ورجاله عند ابن المبارك ثقات. فالأثر ضعيف.
(5) رواه الطبراني / المعجم الكبير 2/49،50، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية عمرو بن دينار عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. فالأثر ضعيف.(5/85)
وروي أنه رضي الله عنه استأذن عمر رضي الله عنه في أن يقص فلم يأذن له، ثم استأذنه، فقال عمر: تقول ماذا؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وأذكرهم وأعظهم، قال: فأذن له في الأسبوع يوماً واحداً(1).
وروي أن تميماً رضي الله عنه هو أول من قص على عهد عمر رضي الله عنه، فكان يقوم فيتكلم، فإذا جاء عمر أمسك، وقد علم ذلك عمر رضي الله عنه(2).
وجاء في رواية صحيحة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لم يقص في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبي بكر ولا عمر، ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة(3).
والمراد بذلك هو التوسع في القصص والإكثار منها وانتشارها بحيث غلبت على الناس لأن القصص في عهد عمر رضي الله عنه ثابت كما تقدم.
ومن العلوم التي روي عن عمر رضي الله عنه أنه حض على تعلمها:
1- تعلّم الشعر:
تقدم الكلام على أهمية الشعر ومنزلته عند العرب في الجاهلية وفي الإسلام، وتقدم كذلك الكلام على حبّ عمر للشعر واهتمامه به(4).
__________
(1) رواه ابن أبي عاصم / المذكر والتذكير ص 65،66، ورجال إسناده ثقات سوى أسامة بن زيد الليثي، فهو صدوق يهم، وفي اتصاله نظر فهو من رواية حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ثقة من الثانية، قيل إن روايته عن عمر مرسلة. تق 182.
(2) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 1/14، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن شبة /تاريخ المدينة 2/101، ابن وضاح / البدع ص 20، ابن حبان / الصحيح 8/53، الخطيب / تاريخ بغداد 2/101، ابن الجوزي / القصاص والمذكرين ص178. صحيح من طريق ابن حبان.
قال: أخبرنا عمر بن محمّد الهمداني، حدثّنا محمّد بن عبد الملك بن نجويه، حدّثنا محمّد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: لم يقص... الأثر.
(4) انظر: ص: (185-215).(5/86)
وعمر رضي الله عنه لم يكره لرعيته تعلّم الشعر إذ لم يشغل عما هو أهمّ منه من تعلّم كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم والتفقه في دين الله.
مرّ عمر رضي الله عنه بحسان(1) بن ثابت رضي الله عنه وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره ذلك لأن المساجد وضعت للصّلاة وذكر الله ودراسة العلم الشرعي فيها، فلحظ إليه.
فقال حسان رضي الله عنه: "قد كنت أنشد فيه وفيه خير منك، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم التفت إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أجب عني،اللهم أيّده بروح القدس؟ قال:اللهم نعم"(2).
ومما ثبت عن عمر رضي الله عنه وفيه إشارة لكراهيته رضي الله عنه الإكثار من قول الشعر والاهتمام به: ما رواه عمرو(3) بن حريث رضي الله عنه قال: كان في عهد عمر رضي الله عنه شاعر يروي شعراً كثيراً، فقال عمر رضي الله عنه: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً"(4).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (187).
(2) صحيح. تقدم تخريجه ص 187.
قال النووي: "وفيه جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا كان مباحاً، واستحبابه إذا كان في ممادح الإسلام وأهله، أو في هجاء الكفار والتحريض على قتالهم أو تحقيرهم ونحو ذلك. وهكذا كان شعر حسان".
(3) عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان القرشي المخزومي رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسمع منه، مسح برأسه ودعا له بالبركة، وقيل: قبض النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، مات بالكوفة سنة خمس وثمانين. ابن حجر/ الاستيعاب 3/256.
(4) رواه الطبري / تهذيب الآثار / مسند عمر 2/617، الدارقطني / العلل 2/189. صحيح من طريق الطبري.
قال: حدّثنا مجاهد بن موسى، حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت عمرو بن حريث يحدث أن شاعراً...(5/87)
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار فيها حض على تعلّم الشعر المحمود الذي فيه دعوة للإسلام والإيمان وفيه من العظات والعبر ما يتّعظ به المسلم.
وروي أنّه قال: "تعلّموا من الشعر ما يكون حِكَماً ويدلّكم على مكارم الأخلاق"(1).
وروي أنه قال: "تعلّموا الشعر، فإنّ فيه محاسن تبتغى، ومساوئ تتّقى، وحكمة الحكماء"(2).
وروي أنّه رضي الله عنه كتب إلى أهل الأمصار: "أن علّموا أولادكم الفروسية والعوم، وروّوهم الشعر"(3).
2- تعلّم أخبار الجاهليّة:
روي عن عمر رضي الله عنه أنّه كتب إلى سعد بن أبي وقاص: "أن جنب الناس أحاديث الجاهلية فإنّها تذكر الأحقاد، وتنشئ الضغائن وعظهم بآيات الله ما نشطوا للسماع"(4).
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا/ مكارم الأخلاق ص: 57، وفي إسناده أبو عقيل يحيى بن المتوكل، ضعيف، تق: 596. وفيه حفص بن عثمان ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 3/184. فالأثر ضعيف.
(2) رواه السمعاني / أدب الإملاء والاستملاء 1/346،347. وفيه محمّد بن الحسن بن عمران، قال الخطيب البغدادي: كان يضع الحديث، تاريخ بغداد 2/244. فالأثر ضعيف جداً.
(3) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 281، وفي إسناده إسماعيل بن مجالد، صدوق يخطئ. تق 109، وأبوه مجالد بن سعيد، ليس بالقوي تق: 520. وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه . وهو ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(4) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 197، 198، عن المدائني عن عبد الرحمن بن طلحة، وعبد الرحمن بن طلحة لم يتبيّن لي من هو.(5/88)
وهذا الخبر لم يثبت عن عمر رضي الله عنه إلاّ أنه لا يتعارض لو ثبت مع ما تقدم من حرص عمر رضي الله عنه على معرفة أخبار الجاهلية(1)، لأنه كره هنا ذكر الأخبار التي فيها إشارة للعصبيات والضغائن بين الناس بذكر ما كان بينهم من ذلك في الجاهلية. أمّا ذكر أخبار الجاهلية لأخذ العظة والعبرة، ومعرفة ما له تعلّق بأحكام الدّين، فلم يكره عمر رضي الله عنه ولم ينه عنه.
3- تعلّم علم النجوم:
اهتم العرب في الجاهلية بالنجوم وتعلّقوا بها واعتقدوا فيها النفع والضّرّ، بل وعبد وها من دون الله كما قال تعالى على لسان هدهد سليمان عليه السلام حكاية عن ملكة سبأ: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}(2).
ومما اعتقده العرب في الجاهلية في النجوم قدرتها على إنزال المطر.
فعن زيد(3) بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية(4) على أثر سماء(5) كانت من الليل، فلما انصرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربّكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"(6).
__________
(1) انظر: ص: (216).
(2) سورة النمل آية: 24.
(3) زيد بن خالد الجهني شهد الحديبية وكان معه لواء جهينة يوم الفتح مات سنة ثمان وسبعين بالمدينة وله خمس وثمانون سنة بالمدينة. ابن حجر/ الإصابة 1/565.
(4) تقدم التعريف بها في ص: (224).
(5) إثر سماء، أي: مطر.
(6) رواه البخاري/ الصحيح1/183.(5/89)
وإن من الجاهلية الأولى ما نسمعه ونقرؤه في وسائل الإعلام من إذاعة وصحف ومجلات وغيرها من تعليق الخير والشعر والفلاح والسعادة والشقاوة وادعاء معرفة مستقبل الإنسان من معرفة برجه الذي ولد فيه، كالجوزاء والدلو والعقرب وغيرها، وكلّ ذلك إفك ودجل وكذب وصرف للعباد عن التعلّق بخالقهم وفاطرهم والتوكّل عليه.
وقد خلق الله النجوم لثلاث: علامات يهتدى بها، وزينة للسماء، ورجوماً للشياطين، كما قال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} (1). وقال: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ}(2).
قال قتادة(3) رحمه الله: "فمن تأوّل فيها بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به"(4).
وعمر رضي الله عنه أثر عنه الحثّ على تعلّم علم النجوم للأغراض التي شرعها الله عز وجل روي أنه قال: "تعلّموا من النجوم ما تعرفون به ساعات الليل والنهار، وتهتدون به السبيل، ومنازل القمر"(5).
المسألة الثانية: العمل على نشر العلم بين الرعية:
إن نشر العلم وتعليمه، ونشر الثقافة والمعرفة الدينية، بين أفراد الرعية مما حضت عليه الشريعة، وجاءت به نصوص الكتاب والسنة، ولقد قام سلفنا الصالح بذلك خير قيام، وإن من نشر عمر رضي الله عنه للعلم بين رعيته ما تقدم من حثه على تعلم العلم، ومن ذلك أيضاً، بعثه من يفقه أهل الأمصار المختلفة، ويعلمهم القرآن والسنة.
__________
(1) سورة النحل آية: 17.
(2) سورة الملك آية: 6.
(3) قتادة بن دعامة السّدوسيّ البصري ثقة ثبت، رأس الطبقة الرابعة مات سنة مائة وبضع عشرة تق: 453.
(4) رواه البخاري/ الصحيح2/208.
(5) رواه ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/13. وفي إسناده الحارث بن نبهان متروك. تق 148. فالأثر ضعيف جداً.(5/90)
فقد بعث عمر رضي الله عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه معلماً لأهل الكوفة، كتب رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: أما بعد فإني بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله معلماً ووزيراً، وهما من النجباء، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، وإني آثرتكم بعبد الله على نفسي أثرة(1).
وبعث عمر رضي الله عنه عمران بن حصين(2) ليفقه أهل البصرة(3).
وممن نقلت إلينا المصادر بعث عمر رضي الله لهم إلى الأمصار لتعليم الرعية العلم، وتفقيههم في الدين:
1- حبان بن أبي جبلة، بعثه لتفقيه أهل مصر(4).
2- عبادة بن الصامت رضي الله عنه، بعثه لتفقيه أهل حمص(5).
3- أبو الدرداء(6) رضي الله عنه، بعثه إلى أهل دمشق لتعليمهم وإقرائهم القرآن(7).
4- معاذ بن جبل، بعثه لتعليم أهل فلسطين(8).
5- عبد الرحمن بن غنم(9)، بعثه لتفقيه الناس بالشام(10).
6- أبو سفيان الفهري، بعثه يستقرئ أهل البادية القرآن(11).
__________
(1) صحيح تقدم تخريجه في ص (713).
(2) تقدمت ترجمته في ص: (773).
(3) صحيح، تقدم الكلام عليه في ص (773).
(4) ذكر ذلك ابن حجر نقلاً عن ابن يونس في ترجمة حبان، وقال: تابعي له إدراك، الإصابة 1/372.
(5) تقدم تخريجه في ص (778).
(6) تقدمت ترجمته في ص (182).
(7) تقدم تخريجه في ص (777).
(8) ذكره ابن الأثير / أسد الغابة 3/106، الذهبي / سير أعلام النبلاء 2/6، ابن حجر / الإصابة 2/269، كلهم نقلاً عن محمد بن كعب القرظي، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر رضي الله عنه مرسلة.
(9) عبد الرحمن بن غنم الأشعري رضي عنه مختلف في صحبته، و ذكره العجلي في كبار ثقات التابعين. تق 348.
(10) ذكره الفسوي / المعرفة والتاريخ 2/309، الذهبي / سير أعلام النبلاء 4/40، نقلاً عن ابن سعد من غير إسناد.
(11) ذكره ابن حزم / جمهرة أنساب العرب ص: 404، وزاد: "فقتله حريث بن زيد الخير الطائي" من غير إسناد، وابن حجر / الإصابة 1/83، نقلاً عن الكلبي.(5/91)
7- قسيط بن أسامة بن عمير، بعثه ليعلم أهل البادية القرآن(1).
ومما لا شك فيه، أن ولاة عمر رضي الله عنه في الأمصار الإسلاميّة المختلفة وكذلك قضاته وقادة جنده كانوا من من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يقومون في الغالب بالدعوة إلى الله ونشر العلم بين الناس بأقوالهم وأفعالهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
المسألة الثالثة: الحث على التخلق بآداب العلم.
وكان عمر رضي الله عنه يحث العلماء وطلبة العلم على التخلق والالتزام بآداب العلم، سواء في تلقيه أو تعليمه ونشره.
فمن الآداب التي حث عمر رضي الله عنه العلماء على التحلي بها:
التواضع وعدم العجب بالنفس: جاء الحارث الكندي(2) رضي الله عنه فقال: إن قومي يريدوني أن أقرأ عليهم، وأقص، قال عمر: فإني أخاف عليك أن تقرأ عليهم، وتقص حتى تراهم منك كالثريا، فيجعلك الله تحتهم بقدر ذلك(3).
__________
(1) ذكره ابن حزم / جمهرة أنساب العرب ص: 182 من غير إسناد.
(2) انظر: ترجمته في دراسة سند الأثر.
(3) رواه ابن الأشيب: جزء ص 152، أحمد / المسند 1/18، الزهد ص 152، وسنده عند ابن الأشيب متصل ورجاله ثقات، والحارث الكندي، وثقه ابن حبان والعجلي، وقال ابن حجر: مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ووفد في خلافة عمر رضي الله عنه، تعجيل المنفعة ص 80،وسنده عند أحمد رجاله ثقات سوى حجاج بن شداد فهو مقبول من السابعة. فالأثر صحيح من طريق ابن الأشيب.(5/92)
ورأى عمر رضي الله عنه قوماً يتبعون أبي بن كعب رضي الله عنه يسألونه، فضربه عمر بالدرة فقال أبي لعمر: انظر ما تصنع، فقال عمر: على عمد أصنع، أما تعلم أن هذا الذي تصنع فتنة للمتبوع، مذلة للتابع(1).
ولا شك أن تواضع العالم، ولين جانبه وحسن خلقه في تعامله مع تلاميذه من الأسباب الهامة والرئيسة لقبول العلم عنه ومحبة تلاميذه له وتوقيرهم إياه ولقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أعلم أهل الأرض، وأكثرهم تواضعاً لله عز وجل.
__________
(1) رواه ابن المبارك / الزهد، من زيادات أبي نعيم ص 13، الدرامي / السنن 1/132،133، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/256، ابن أبي الدنيا / التواضع ص 77، البيهقي / الزهد الكبير ص 147، الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 1/395،396، وإسناده عند الدارمي رجاله ما بين ثقة وصدوق، سوى سليم بن حنظلة فقد ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 4/212، والبخاري / التاريخ الكبير، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 4/123، وذكره ابن حبان في الثقات 4/332، وهو عند ابن المبارك، وابن أبي الدنيا، والبيهقي من طريق سليم بن حنظلة، ورجال إسناده عند ابن شبة ما بين ثقة وصدوق سوى أبي عمرو الجميلي ذكره البخاري في التاريخ الكبير، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 8/55 / الكنى، وقال أبو حاتم: مجهول، الجرح والتعديل 9/410، وفي إسناده عند الخطيب البغدادي حسين بن عبد الأول، قال أبو زرعة: لا أحدث عنه، وقال أبو حاتم: تكلم الناس فيه، وكذبه ابن معين. ميزان الاعتدال 1/539، وفيه الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع. فالأثر يرتقي من رواية الدارمي وابن شبة لدرجة الحسن لغيره.(5/93)
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في حث العلماء على التواضع أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، ومن قال: أنا عالم فهو جاهل(1).
ومما روي في تواضع عمر رضي الله عنه في تعليمه العلم، ما رواه أبو رافع الصائغ(2) رحمه الله قال: كان عمر يجلس عندي، فيعلمني الآية، فأنساها، فأناديه يا أمير المؤمنين، قد نسيتها فيرجع فيعلمنيها(3).
ومن الآداب التي روى أن عمر رضي الله عنه أرشد العلماء على التخلق بها في تدريسهم العلم، الترويح على طلبة العلم وعدم مواصلة الدرس حتى لا يملوا.
روى أن عمر رضي الله عنه كان يحدث الناس، فإذا رآهم قد تعبوا أو ملوا، أخذ بهم في غراس الشجر(4).
__________
(1) رواه مسدد / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/25/ب، الحارث بن أبي أسامة / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/25/ب، وفي سنده عند مسدد موسى بن عبيدة بن نشيط، ضعيف. تق 301، وفيه انقطاع من رواية طلحة بن عبيدالله بن كريز، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وإسناده عند الحارث رجاله ثقات لكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة، وهو ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضعيف.
(2) تقدمت ترجمته في ص 360.
(3) رواه البيهقي / السنن الكبرى 5/292، ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق سوى دينار أبي فاطمة، ذكره البخاري في التاريخ الكبير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/247، وكذا ابن أبي حاتم ذكره ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/342، وذكره ابن حبان في الثقات 4/219.
(4) رواه الخرائطي / مكارم الأخلاق ص728، السمعاني / أدب الإملاء والاستملاء 1/341، وفي إسناده عند الخرائطي رواد بن الجراح العسقلاني، صدوق اختلط، وشيخه سعيد بن عبد العزيز ثقة، اختلط أيضاً، ولم يتضح لي هل سماع رواد من سعيد قبل اختلاطه أم بعده، وكذلك هل سماع الراوي عن رواد قبل اختلاطه أم بعده، وهو معضل من رواية مكحول الشامي عن عمر، وهو ثقة من الخامسة. فالأثر ضعيف.(5/94)
ولا شك أن هذا هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم العلم، قال ابن مسعود رضي الله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا(1).
ومن الآداب التي وجه إليها عمر رضي الله عنه طالب العلم، توقير العلماء وإجلالهم، وأن يعرف لهم مكانتهم ومنزلتهم التي أنزلهم الله إياها.
ولقد كان عمر رضي الله عنه يجل أهل العلم ويوقرهم، ومن ذلك تكريمه رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله، فقال: إنه ممن قد علمتم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فدعاهم ذات يوم، ودعاني معهم، وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، وقال: ما تقولون {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ...} حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يابن عباس، أكذلك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له، إذا جاء نصر الله والفتح، فتح مكة، فذاك علامة أجلك، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً. قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم(2).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 1/24.
(2) رواه البخاري / الصحيح 3/63، 91،222، الترمذي / السنن 5/120 وغيرهما.(5/95)
ومن توقيره رضي الله عنه لأهل العلم، ما ورد من أن عمر رضي الله عنه جاء إلى زيد بن ثابت، فاستأذن عليه، فأذن له، ورأسه في يد جارية له ترجله، فنزع رأسه، فقال له عمر: دعها ترجلك، فقال: يا أمير المؤمنين: لو أرسلت إلي جئتك، فقال عمر: إنما الحاجة لي(1).
وكان بين معاوية بن أبي سفيان، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما خلاف حول بيع الذهب بالدنانير، وبيع الفضة بالدراهم، فقال عبادة لمعاوية: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحدثني عن رأيك، لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة.
فلما قفل لحق بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقص عليه القصة، وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر(2).
__________
(1) رواه البخاري / الأدب المفرد ص 442، البيهقي / السنن الكبرى 6/247، ومداره على سليمان بن زيد بن ثابت، ذكره ابن حبان في الثقات 4/315، وقال ابن حجر: مقبول. تق 251، وبقية رجاله عند البخاري ثقات، وقد حسن الشيخ الألباني الأثر في صحيح الأدب المفرد ص 495.
(2) رواه ابن ماجه / السنن 1/8، أبو زرعة الدمشقي / التاريخ 1/225، ورجال إسناده عند ابن ماجة ما بين ثقة وصدوق، سوى هشام بن عمار فهو صدوق، كبر فصار يلقن، ولم يظهر لي هل سماع ابن ماجه منه قبل اختلاطه أم بعده، وسنده عند أبي زرعة متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق.
قال: حدّثنا محمّد بن المبارك عن يحيى بن حمزة أنه حدّثهم عن برد بن سنان عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤويب عن أبيه أن عبادة أنكر... الآثر.
وقد صحح الشيخ الألباني رحمه الله الأثر في صحيح سنن ابن ماجة 1/8، 9.(5/96)
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في توقير العلماء ومعرفة فضلهم قوله: تعلموا العلم، وعلموه الناس، وتعلموا الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمون منه العلم، وتواضعوا لمن تُعلِّموه العلم، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم(1).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لموت الف عابد أهون من موت عاقل عقل عن الله(2).
وروي أن عمرو بن العاص قدم على مصر، واستخلف عليها مجاهد بن جبر، فقال له عمر: من استخلفت؟ فقال: مجاهد بن جبر، فقال عمر: مولى ابنة غزوان؟ قال: نعم، إنه كاتب، فقال عمر: إن القلم ليرفع صاحبه(3).
__________
(1) رواه أحمد / الزهد 2/538، وكيع / الزهد 2/538، الآجري / الشريعة ص 73، البيهقي / شعب الإيمان 4/416، الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 1/93، وإسناده عند أحمد ووكيع رجاله ثقات، ولكنه معضل من رواية العلاء بن عبد الكريم اليامي، ثقة من السادسة، روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة، وأورده الآجري من غير إسناد، وإسناده عند البيهقي رجاله ثقات، لكنه من رواية عمران بن مسلم عن عمر رضي الله عنه، ولم يظهر لي من هو، يروي عنه يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة من السابعة، وفي إسناده عند الخطيب إسماعيل بن عمرو البجلي، ذكره ابن حبان / الثقات، وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي: حدث عن مسعر وسفيان بأحاديث لا يتابع عليها، ثم ساق له ابن عدي أحاديث، فقال: هذه مع سائر رواياته التي لم أذكر عامتها مما لا يتابع عليه، وهو ضعيف. سير أعلام النبلاء 10/435، وهو منقطع من رواية المسيب بن رافع عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة.
(2) رواه الحارث بن أسامة / المسند / بغية الباحث للهيثمي 2/813، وفي إسناده داود بن المحبر، متروك. تق 200. فالأثر ضعيف جداً.
(3) رواه ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 179، وهو معضل من رواية الليث بن سعد عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من السابعة. فالأثر ضعيف.(5/97)
وكان عمر رضي الله عنه يحثّ طلاب العلم على تلقيه وأخذه ممن عرف به وكان راسخ القدم فيه قد أمضى فيه وقته وأفنى فيه عمره، وكان جليل القدر كبير المنزلة بين أهل الدين والعلم. قال رضي الله عنه "فساد الدين إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير"(1).
قال ابن حجر: "وذكر أبو عبيد أن المراد بالصغر في هذا صغر القدر لا صغر السن. والله أعلم".
ومن آداب العلم الهامة التي حث عليها عمر رضي الله عنه العالم والمتعلم:
1- إخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم، وابتغاء وجهه دون الأغراض الدنيوية، والجد في طلب العلم، وعدم الزهد فيه والرغبة عنه لأي سبب كان.
قال رضي الله عنه: لا يتعلم العلم لثلاث ولا يترك لثلاث، لا يتعلم ليمارى به، ولا ليباهى به، ولا ليراءى به، ولا يترك حياء من طلبه ولا زهادة فيه، ولا رضا بالجهل منه(2).
2- تحري الحق والصواب عند تلقي العلم ونشره:
فقد حذر عمر رضي الله عنه طالب العلم ومتلقيه أن يحدث بكل ما سمعه من غير تروٍ وتوثق من صحة ما سمعه وصوابه وموافقته للحق.
قال رضي الله عنه: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع(3).
وشبه عمر رضي الله عنه الخطيب الذي يتكلم بالكلام الكثير من غير تحقق من ثبوته من عدمه بالشيطان.
__________
(1) قال ابن حجر رحمه الله: "وفي مصنف قاسم بن أصبغ بسند صحيح عن عمر فساد الدين..." الأثر. فتح الباري13/301، 302.
(2) رواه ابن أبي الدنيا / الصمت ص 83، حسن. قال: حدّثني أبو سلمة المخزومي يحيى بن المغيرة، حدّثني أخي محمّد بن المغيرة عن عبد الله بن الحارث الجمحي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر... الأثر.
(3) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 1/74،75.(5/98)
فقد خطب رجل عند عمر رضي الله عنه فكثر الكلام، فقال عمر: "إن كثرة الكلام في الخطب من شقائق الشيطان"(1).
ومن آداب العلم المروية عن عمر رضي الله عنه:
1- العمل بالعلم:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إياكم والمنافق العالم، قالوا: وكيف يكون المنافق عليماً؟ قال: يتكلم بالحق، ويعمل بالمنكر(2).
وهذا الأثر صحيح المعنى، فإن مدح العالم العامل بعلمه والثناء عليه، وذم من لا يعمل بعلمه، ويخالف قوله فعله جاءت به النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة.
2- الاهتمام بحفظ العلم وتقييده:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قيدوا العلم بالكتاب(3).
3- الحث على حسن كتابة العلم وقراءته:
__________
(1) رواه البخاري / الأدب المفرد ص 302، ابن أبي الدنيا / الصمت ص 93، الغيبة ص 34. صحيح من طريق البخاري. قال: حدّثنا سعيد بن مريم، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: أخبرني حميد أنه سمع أنساً يقول... الأثر.
قال ابن منظور رحمه الله: جعل للشيطان شقائق، ونسب الخطب إليه، لما يدخل فيها من الكذب، قال أبو منصور: شبه الذي يتفيهق في كلامه، ويسرده، ولا يبالي ما قاله من صدق أو كذب بالشيطان، لسان العرب 7/167،168.
(2) رواه البيهقي / شعب الإيمان 4/404، وفي إسناده شيخه محمد بن الحسين أبو عبد الرحمن السلمي، قال الذهبي قال الخطيب قال لي محمد بن يوسف القطان: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة، وكان يضع للصوفية الأحاديث. سير أعلام النبلاء 17/247. فالأثر ضعيف جداً.
(3) رواه الدارمي / السنن 1/127، الحاكم / المستدرك 1/106، الخطيب / تقييد العلم ص 87،88، وفي إسناده عند الدارمي والخطيب، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية عمرو بن أبي سفيان عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ورواه الحاكم من غير إسناد. فالأثر ضعيف.(5/99)
روي أنه رضي الله عنه قال: شر الكتابة المشق(1)، وشر القراءة الهذرمة(2)، وأجود الخط أبينه(3).
4- التهيؤ لطلب العلم بالتنظف والتطيب:
روي عنه رضي الله عنه أنه قال: يعجبني أن أرى القارئ النظيف(4).
المسألة الرابعة: الاهتمام بالفتوى:
إن التصدي للفتوى، وبيان أحكام الدين من الحلال والحرام، من الأمور التي أمر الشارع العظيم بالتحري فيها، والتريث، وعدم القول على الله بغير علم، وكان عمر رضي الله عنه شديد الحيطة والحذر، كثير التحري عند إصدار الفتوى، وبيان الأحكام الشرعية. قال رضي الله عنه وهو يحذر من خطأ العالم في فتواه وزلته: يهدم الإسلام ثلاث: زلة عالم، ومجادلة منافق بالقرآن، وحكم أئمة مضلين(5).
وإن من تحري عمر رضي الله عنه في الفتوى استشارته الصحابة رضوان الله عليهم قبل أن يفتي في المسألة مع سعة علمه رضي الله عنه ومع ما أوتيه من فقه وحكمة ومن أمثلة ذلك:
__________
(1) المشق في الخط: المد فيه، وقيل الإسراع فيه. ابن منظور / لسان العرب 13/116.
(2) الهذرمة: السرعة في القراءة. المصدر السابق 15/15.
(3) رواه الخطيب البغدادي / الجامع لأخلاق الراوي 1/262، وفي إسناده علي ابن منصور بن جعفر لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ثقة، مات سنة 276، روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.
(4) رواه الجعد / المسند 2/1064، وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي، صدوق كثير الأوهام، وهو منقطع من رواية محمد بن المنكدر عن عمر رضي الله عنه، وهو، ثقة من الثالثة. فالأثر ضعيف.
(5) صحيح، تقدم الكلام عليه في ص (829).(5/100)
قال قبيصة بن جابر(1) رحمه الله: كنت محرماً فرأيت ظبياً، فرميته فأصبت خششاه - يعني أصل قرنه، فركب ردعه(2)، فوقع في نفسي من ذلك شيء، فأتيت عمر بن الخطاب أسأله، فوجدت لما جئته رجلاً أبيض رقيق الوجه، وإذا هو عبد الرحمن بن عوف، قال: فسألت عمر: فالتفت إلى عبد الرحمن بن عوف فقال: ترى شاة تكفيه؟ قال: نعم، فأمرني أن أذبح شاة، فقمنا من عنده، فقال صاحب لي: إن أمير المؤمنين لم يحسن أن يفتيك حتى سأل الرجل، فسمع عمر كلامه، فعلاه بالدرة، ثم أقبل علي عمر ليضربني فقلت: يا أمير المؤمنين لم أقل شيئاً، إنما هو قاله، قال: فتركني، ثم قال: أردت أن تقتل في الحرم وتتعدى الفتيا، ثم قال: إن في الإنسان عشرة أخلاق تسعة حسنة، وواحدة سيئة، فيفسدها ذلك السيء، وقال: إياك وعثرة الشباب(3).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: (183).
(2) رَكب رَدْعه: أي سقط على رأسه، فاندقت عنقه. ابن منظور / لسان العرب 5/188.
(3) رواه مالك / الموطأ 1/485، عبد الرزاق / المصنف 4/406،407، الطبراني / المعجم الكبير 1/127، الحاكم / المستدرك 3/310. صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن عبد الملك بن عمير، قال: أخبرني قبيصة بن جابر الأسدي، قال: كنت محرماً... الأثر.(5/101)
وسأل عمر رضي الله عنه أصحابه، فقال: فيما ترون أنزلت {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}(1)، فقالوا: الله أعلم، فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن في النفس منها شيئاً يا أمير المؤمنين، فقال عمر: قل يابن أخي ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ضُربت مثلاً لعمل، فقال عمر: أي عمل؟ قال: لعمل رجل عُني بعمل الحسنات، ثم بعث إليه شيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله(2).
ومما روي في تحري عمر رضي الله عنه في الفتوى، ما روي من قول أبي حصين(3) رحمه الله: إن أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر(4).
وكان عمر رضي الله عنه يلوم ويعاقب من يتسرع في الفتوى ثم يخطئ فيها، فقد مر أبو هريرة رضي الله عنه بقوم محرمين، فاستفتوه في لحم صيد، وجدوا ناساً أحلة يأكلونه، فأفتاهم رضي الله عنه بأكله، ثم قدم على عمر رضي الله عنه، فسأله عن ذلك فقال عمر رضي الله عنه: فبما أفتيتهم؟ قال: بأكله، فقال عمر: لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك(5).
__________
(1) سورة البقرة الآية (266).
(2) رواه ابن المبارك / الزهد ص 546،547، الحاكم / المستدرك 2/283. صحيح من طريق ابن المبارك. قال: عن ابن جريج، قال: سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير أنه سمعه يقول: سأل عمر... الأثر.
(3) أبو حصين عثمان بن عاصم الأسدي، ثقة من الرابعة. تق 384.
(4) أورده الذهبي / سير أعلام النبلاء 5/416، وقال: قال أبو شهاب، سمعت أبا حصين.
(5) رواه مالك / الموطأ 1/448،449، سعيد بن منصور / السنن 4/1628، 1629. صحيح من طريق مالك. قال: عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين... الأثر.(5/102)
وخرج عمر رضي الله عنه من الخلاء بعد أن قضى حاجته، ثم أخذ يقرأ القرآن فقال له أبو مريم الحنفي(1): لو توضأت يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: أمسيلمة أفتاك بهذا(2).
وكان رضي الله عنه يكره اختلاف العلماء في الفتوى، لما يسببه ذلك من اختلاف الأمة وتفرق كلمتها.
قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: اختلف أبي بن كعب، وابن مسعود رضي الله عنهما في الصلاة في ثوب واحد، فقال أبي بن كعب: ثوب واحد، وقال ابن مسعود: ثوبين، فجاز عليهم عمر رضي الله عنه فلامهما وقال: إنه ليسوؤني أن يختلف اثنان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في شيء واحد، فعن أي فتياكما يصدر الناس، أما ابن مسعود فلم يأل، والقول ما قال أبي(3).
وتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند عمر العزل، فاختلفوا فيه، فقال عمر رضي الله عنه: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم(4).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص (659).
(2) رواه مالك / الموطأ 1/90، ابن أبي شيبة / المصنف 1/98، ورجال إسناده عند مالك ثقات ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه ورجال إسناده عند ابن أبي شيبة ثقات، ولكنه منقطع أيضاً من رواية قتادة بن دعامة عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من رؤوس الطبقة الرابعة. فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
(3) رواه البيهقي / السنن الكبرى 2/238، حسن.
قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد، أنبأ جعفر الرزاز، ثنا عليّ ابن إبراهيم الواسطي، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد، قال: اختلف أبي بن كعب... الأثر.
(4) رواه الشافعي / السنن 2/290، الطحاوي / مشكل الآثار 2/373. صحيح من طريق الطحاوي.
قال: حدّثنا روح بن الفرج، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن اللّيث بن سعد عن معمر بن أبي حبيبة عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم... الأثر.(5/103)
وكان عمر رضي الله عنه يحث العلماء وأهل الفتيا على أن يكونوا قدوة للناس بأعمالهم قبل أقوالهم، فإن الناس يقتدون بهم في أفعالهم، ويرون أعمالهم موضع القدوة.
رأى عمر رضي الله عنه على طلحة رضي الله عنه ثوباً مصبوغاً وهو محرم، فقال: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين،إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أن رجلاً جاهلاً رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله قد كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب المصبغة(1).
وكان عمر رضي الله عنه يسأل أصحابه أحياناً ويختبر قدراتهم على الفتيا في الأحكام حتى يعلم مدى كفاءتهم لذلك.
قال طارق بن شهاب(2) رحمه الله: خرجنا حجاجاً، فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضباً ففزر ظهره، فقدمنا على عمر رضي الله عنه، فسأله أربد فقال عمر: احكم يا أربد فيه، فقال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم، فقال عمر رضي الله عنه: إنما أمرتك أن تحكم فيه، ولم آمرك أن تزكيني. فقال أربد: أرى فيه جدياً(3)، قد جمع الماء والشجر، فقال عمر: فذلك فيه(4).
المسألة الخامسة: وضع التأريخ الهجري:
إن من الأعمال الجليلة التي قام بها عمر رضي الله عنه خدمةً للعلم والمعرفة وضعه رضي الله عنه التأريخ الهجري الذي حفظ الله به للأمة تراثها وثقافتها.
__________
(1) رواه مالك / الموطأ 1/412،413، ابن المبارك / الزهد ص 516، البيهقي / السنن الكبرى 5/60. صحيح من طريق مالك.
قال: عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عن ابن عمر أن عمر... الأثر.
(2) تقدمت ترجمته في ص: (221).
(3) الجَدي: ولد المعز بعدما يفطم، ابن ستة أشهر. معجم لغة الفقهاء ص 161.
(4) رواه الشافعي / المسند ص 134، البيهقي / السنن الكبرى 5/182، 185. صحيح من طريق الشافعي. قال: أخبرنا ابن عيينة، أخبرنا مخارق عن طارق ابن شهاب، قال: خرجنا... الأثر.(5/104)
وقد رويت في ذلك عدة آثار تدل بمجموعها على أن عمر رضي الله عنه هو أول من وضع التأريخ الهجري، فقد روي أن عمر رضي الله عنه رفع إليه صك محلة في شعبان فقال عمر: أي شعبان الذي هو آت، أو الذي نحن فيه؟ ثم قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوا للناس شيئاَ يعرفونه، فقال بعضهم: اكتبوا عن تاريخ الروم، فقيل إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول، وقال بعضهم: اكتبوا عن تاريخ الفرس، فقيل إن الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فوجدوه عشر سنين، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
وروي أن عاملاً لعمر رضي الله عنه جاء من اليمن، فقال لعمر رضي الله عنه: أما تؤرخون، تكتبون في سنة كذا وكذا، من شهر كذا وكذا؟ فأراد عمر رضي الله عنه والناس أن يكتبوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرادوا أن يكون ذلك من عند الهجرة، ثم قالوا: من أي شهر؟ فأرادوه أن يكون من رمضان، ثم بدا لهم، فقالوا من المحرم(2)
__________
(1) رواه الطبري / التاريخ 2/3. قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، حدّثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدّثنا خالد بن حيان أبو يزيد الخزاز عن فرات بن سليمان عن ميمون بن مهران، قال: رفع إلى عمر فذكر الأثر.
محمّد بن إسماعيل لعلّه الإمام البخاري. وقتيبة بن سعيد ثقة من العاشرة تق: 454. وخالد بن حيان أبو يزيد الخزاز صدوق يخطئ تق: 187. وفرات بن سليمان لعلّه الذي ذكره الذهبي، وقال: لا بأس به. ميزان الاعتدال3/342. ميمون بن مهران الجزري ثقة من الرابعة تق: 556. روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضغيف.
(2) رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 51. قال: أخبرنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، قال: نا قرة بن خالد عن محمّد بن سيرين، قال: قال عامل لعمر وذكر الأثر.
عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة تق: 331. وقرة بن خالد ثقة من السادسة تق: 455. ومحمّد بن سيرين ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة. وقد أثنى العلماء على مراسيله.
ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/327. قال: حدّثنا وهب بن جرير، قال: حدّثنا قرة ابن خالد به مثله عن ابن شبه.
الطبري/ التاريخ 2/3. قال: حدّثنا أمية بن خالد وأبو داود الطيالسي عن قرة ابن خالد بالإسناد السابق. فالأثر ضعيف لانقطاعه.(5/105)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه جمع المهاجرين والأنصار، فقال: من أين نكتب التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الشرك - يعني يوم هاجر، فكتب عمر رضي الله عنه(1).
__________
(1) رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 51. قال: نا إسحاق بن إدريس، قال: نا عبد العزيز بن محمّد، نا عثمان بن عبيد الله عن سعيد بن المسيب، قال: جمع عمر... فذكر الأثر.
إسحاق بن إدريس الأسواري تركه ابن المديني. وقال أبو زرعة: واهٍ. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وقال يحيى بن معين: كذاب يضع الحديث. الميزان 1/184. وعبد العزيز محمّد الدراوردي صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ تق: 358. وعثمان بن عبيد الله بن أبي رافع ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 6/156. وذكره ابن حبان في الثقات 7/190. وسعيد بن المسيب أحد العلماء الأثبات من كبار الثانية اتفقوا على أن مرسلاته من أصحّ المراسيل تق: 241.
ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/327. قال: حدّثنا هارون بن معروف، حدّثنا عبد العزيز بن محمّد، قال: أخبرني عثمان بن عبيد الله، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول:... فذكر الأثر.
هارون بن معروف ثقة من العاشرة تق: 569. وقد تابع إسحاق في روايته خليفة المتقدمة. وبقية رجال السند تقدموا في السند السابق.
الطبري/ التاريخ 2/4،5. قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدّثنا نعيم بن حماد، قال: حدّثنا الدراودري عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت سعيد بن المسيب.
عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ثقة من الحادية عشرة. ونعيم بن حماد صدوق يخطئ كثيراً. وبقية رجال السند تقدموا.
فتبيّن من خلال هذه الأسانيد أن مدار الأثر على عبد العزيز بن محمّد الداروردي عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع. وقد تقدم الكلام عليهما. وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه وقد اختلف في سماعه منه.(5/106)
وروي أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كتب إلى عمر: إنه تأتينا كتب ما ندري ما تاريخها، فاستشار عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم من المبعث، وقال بعضهم من وفاته، فقال عمر: أرخوا من هجرته، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل(1).
__________
(1) رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 51. قال: نا محمّد بن عبد الله بن الزبير، قال: نا حبان عن مجالد عن عامر، قال: كتب أبو موسى... فذكر الأثر.
محمّد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي ثقة ثبت إلاّ أنه قد يخطئ في حديث الثوري تق: 487.
وحبان بن عليّ العنزي ضعيف من الثامنة تق: 149. ومجالد بن سعيد ليس بالقويّ وتغير في آخر عمره تق: 520. والشعبي عامر بن شراحيل ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة.
البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 189. قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثني محمّد بن عبد الله الأسدي، حدّثنا حبان عن مجالد عن الشعبي... فذكره.
عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة ثقة حافظ تق: 320. وبقية رجال السند تقدموا في الذي قبله.
الطبري/ التاريخ2/3. قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل، حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا حبان بن عليّ العنزي عن مجالد عن الشعبي.
محمّد بن إسماعيل لعلّه البخاري. وأبو نعيم الفضل بن دكين ثقة ثبت تق: 446. ورجال السند تقدموا.
فتبيّن مما تقدم أن مدار الأثر على حبان بن عليّ العنزي عن مجالد بن سعيد، وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه . فالأثر ضعيف.(5/107)
المبحث الثاني: الولاة.وفيه مطلبان
المطلب الأول: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة وعزلهم، وفيه مسألتان.
المسألة الأولى: سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة.
كانت سياسة عمر رضي الله عنه في تولية الولاة على الأمصار مبنية على اختيارهم من صفوة الرعية، وممن توفرت فيهم الخصال والشروط التالية:
1- أن يكون الوالي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد لاحظ عمر رضي الله عنه في الوالي أن يكون صحابياً، وإن المتتبع لأخبار ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والأقطار الإسلامية مثل مكة والمدينة واليمن والشام، ومصر والعراق وعمان وغيرها يتضح لديه أنهم كانوا من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وربما كان هناك عدد قليل من غير الصحابة ممن روى أن عمر رضي الله عنه أسند إليهم ولاية بعض المدن وسيأتي ذكرهم إن شاء الله عند الكلام على أسماء ولاة عمر رضي الله عنه.
قال عمر رضي الله عنه: قد علمت والله متى تهلك العرب، إذا ساس أمرهم من لم يصحب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعالج أمر الجاهلية(1).
ولقد كان ابن حجر رحمه الله تعالى يستدل على كون الرجل صحابياً إذا نقل أن عمر بن الخطاب ولاه على مصر من الأمصار، فيقول: وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة(2).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 6/129، الجعد/ المسند 2/876، الحاكم/ المستدرك 4/428، أبو نعيم/ حلية الأولياء 7/243، ومداره على المستظل ابن الحصين البارقي يروي عن عمر رضي الله عنه، وقد وثقه ابن سعد فقال: كان ثقة قليل الحديث، الطبقات 6/129.
وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 8/429. وذكره ابن حبان في الثقات 5/462، وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات، فالأثر صحيح.
(2) الإصابة 1/336، 2/221.(6/1)
ولم يشترط عمر رضي الله عنه في الوالي قدم الصحبة والسابقة في الإسلام، ودليل ذلك أن عمر رضي الله عنه ولى بعض من أسلم عام الفتح كمعاوية بن أبي سفيان، وأخيه يزيد بن أبي سفيان(1) وغيرهما.
وما روي عنه رضي الله عنه أنه قال: وليس فيها لطليق ولا لولد طليق، ولا لمسلمة الفتح شيئاً(2). أي الإمارة، فغير ثابت عنه رضي الله عنه.
2- أن لا يكون الوالي من قومه رضي الله عنه.
فلم يول عمر رضي الله عنه أحداً من قومه بني عدي سوى ما روي من توليته النعمان بن عدي بن نضلة(3) على ميسان(4).
__________
(1) يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي أخو معاوية، صحابي مشهور أمره عمر على دمشق حتى مات بها سنة تسع عشرة بالطاعون. تق 601.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/342، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 37، وفي إسناده عند ابن سعد راوٍ مبهم وهو شيخ حسين بن عمران حيث قال: عن شيخ، ورواه البلاذري من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف.
(3) النعمان بن عدي بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشي العدوي، من مهاجرة الحبشة، وهو أول وارث في الإسلام. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/65.
(4) مَيْسان: اسم كورة واسعة كثيرة القرى والنخل بين البصرة وواسط وفي هذه الكورة أيضاً قرية فيها قبر عزير النبيّ عليه السلام... وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما فتحت ميسان في أيامه ولاها النعمان بن عدي بن نضلة. ياقوت/ معجم البلدان 5/242، 243.
وفي المنجد مَيسان منطقة في جنوب العراق على شط العرب. ص 563/ الأعلام.
رواه ابن إسحاق/ السيرة النبوية لابن هشام 4/14،15، مؤرج السدوسي/ حذف من نسب قريش ص 82،83. ابن سعد/ الطبقات 4/140، البلاذري/ فتوح البلدان ص 378، ابن أبي الدنيا/ ذم المسكر ص 69، وهو عند ابن إسحاق ومؤرج والبلاذري، وابن أبي الدنيا من غير إسناد وفيه عند ابن سعد الواقدي. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/65، من غير إسناد.(6/2)
بل لقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يجنب قرابته الولاية والخلافة من بعده وأوصى مَنْ بَعْدَهُ من الخلفاء بعدم تولية قراباتهم وحملهم على رقاب الناس، فلما طعن رضي الله عنه، وطلب منه أن يوصي ويستخلف قال: ما أجد أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة سعداً وعبد الرحمن، وقال: ليشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء(1).
وقال رضي الله عنه لعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهم: ثم إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس، وإن كنت يا عثمان على شيء من أمر الناس، فلا تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا علي، فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس(2).
3- الاستقامة والصلاح.
فقد بين رضي الله عنه أن استقامة الوالي وصلاحه سبب لصلاح رعيته ومن تحت يديه وأن فساده وانحرافه سبب لفساد الرعية وانحرافهم.
قال رضي الله عنه: إن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم(3).
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: لا يستعمل الفاجر إلا فاجر، من استعمل فاجراً وهو يعلم أنه فاجر فهو فاجر مثله(4).
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 2/299.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/344، صحح. قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان، قال: قال ابن شهاب: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: دخل الرهط... الأثر.
(3) صحيح تقدم تخريجه في ص: 572.
(4) رواه وكيع / أخبار القضاة 1/69، 3/209، من طريقين، الأولى فيها فرج بن فضالة، ضعيف. تق 444، وفيها النضر بن شفي وعمران بن سليم لم أجد لهما ترجمة، والثانية رجالها ما بين ثقة وصدوق سوى أبي بكر بن الحسين شيخ وكيع لم أجد له ترجمة.(6/3)
ولم يثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: نستعين بالمنافق وإثمه عليه(1).
وأنه سئل: إنك تستعين بالرجل الفاجر؟ فقال عمر: إني أستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفانه(2).
4- القدرة والخبرة والسياسية.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/200، وفيه عبد الملك بن عبيد السدوسي، مجهول الحال من السادسة. تق 364، وروايته عن عمر رضي الله عنه معضلة، فالخبر ضعيف.
(2) قَفّانة: أي أكون على تتبع أمره حتى أستقصي علمه وأعرفه. ابن منظور/ لسان العرب 11/267.
نقله ابن كثير رحمه الله في مسند الفاروق 2/539، عن أبي عبيد في غريب الحديث، وفي إسناده هشام بن حسان الأزدي القردوسيّ يروي عن الحسن البصري، وروايته عنه فيها مقال، لأنه قيل كان يرسل عنه. تق: 572. ورواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه منقطعة، فالأثر ضعيف.(6/4)
فهي لازمة لمن يتولى أمر رعاية شؤون المسلمين ومصالحهم. ولا يكفي كونه مستقيماً في نفسه وكونه صحابياً إذا كان غير قادر على القيام بأمور الولاية لأي سبب من الأسباب، أو كان قليل الخبرة والحنكة السياسية بحيث يمكن مخادعته واستغفاله واستدراجه. جاء في الحديث الصحيح أن أبا(1) ذرّ رضي الله عنه قال للنبيّ صلي الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا تستعملني. قال: "فضرب على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذرّ إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقّها، وأدى الذي عليه فيها"(2).
فقد عزل عمر رضي الله عنه عمار بن ياسر رضي الله عنه بعد أن سأل عنه هل هو مجزي في ولايته، فقال جرير بن عبد الله(3) رضي الله عنه: والله لا هو بمجزي ولا عالم بالسياسة، فعزله وولى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه(4).
__________
(1) هو: أبو ذرّ الغفاري الزاهد المشهور الصادق اللهجة، مختلف في اسمه واسم أبيه، والمشهور أنه جندب بن سكن... كان من السابقين إلى الإسلام، يقال إن إسلامه بعد أربعة وانصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ووقعت بدر وأحد ولم تتأهيأ له الهجرة إلا بعد ذلك. وكانت وفاته بالربذة سنة إحدى وثلاثين، وقيل: في التي بعدها. وعليه الأكثر. ويقال: إنه صلى عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. ابن حجر/ الإصابة 4/64.
(2) رواه مسلم/ شرح النووي 12/209، 210.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 239.
(4) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/203،550، الطبري/ التاريخ 2/544، 545، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو أسامة عن إسماعيل عن قيس، قال شهدت القادسية... الأثر.(6/5)
وعزل عمر رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة(1) رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، أعن سخطة نزعتني؟ فقال: لا ولكن رأينا من هو أقوى منك، فتحرجنا من الله أن نقرك وقد رأينا من هو أقوى منك(2).
وكان رضي الله عنه يقر الوالي على ولايته ويثبته عليها إذا كان متصفاً بالقدرة والخبرة والحنكة السياسية، ومن أمثلة ذلك: إقراره رضي الله عنه عمرو بن العاص على ولاية فلسطين ثم على مصر، ولم يبعث معه معاوناً، وذلك لما اتصف به عمرو من الدهاء والحنكة السياسية العالية.
قال الشعبي رحمه الله: دهاة العرب في الإسلام أربعة وذكر منهم عمرو بن العاص رضي الله عنه(3).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إني لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه(4).
__________
(1) شرحبيل بن عبد الله بن المطاع الكندي حليف بني زهرة، وهو ابن حسنة، وهي أمه التي ربته، صحابي جليل. كان أميراً في فتح الشّام ومات بها سنة ثماني عشرة. تق 265.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/189، الطبري/ التاريخ 2/490، ورجال إسناده عند ابن أبي شيبة ثقات سوى عمر بن حمزة، فقد قال الذهبي: احتج به مسلم. ميزان الاعتدال 3/192، وقال المزي: استشهد به البخاري في الصحيح، تهذيب الكمال 21/312، وقال ابن حجر: مختلف في توثيقه ومثله يخرج له مسلم في المتابعات، فتح الباري 10/83، وقال في التقريب: ضعيف ص 411، ورواه الطبري من طريق سيف بن عمر وهو ضعيف، فالأثر حسن إن شاء الله.
(3) نقله عنه ابن حجر/ الإصابة 3/2.
(4) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/305، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 246، ومداره على الواقدي، فالأثر ضعيف.(6/6)
وروي عنه رضي الله عنه أنه أراد أن يستعمل رجلاً فقال: من يدلني على القوي الأمين(1).
5- الفطنة والذكاء.
ولا تخفى أهمية تحلي الوالي بالفطنة والذكاء والدهاء وسرعة البديهة بحيث يستطيع التعامل مع كلّ حدث بما يناسبه ويضع الأمور في نصابها.
فقد لقي عمر رضي الله عنه ركباً يريدون البيت الحرام، فقال: من أنتم؟ فأجابه أحدثهم سناً فقال: نحن عباد الله المسلمون، قال: من أين جئتم؟ قال: من الفج العميق، قال: أين تريدون؟ قال: البيت العتيق، قال عمر: تأولها لعمر الله، فقال: من أميركم؟ فأشار إلى شيخ منهم، فقال عمر رضي الله عنه: بل أنت أميرهم لأحدثهم سناً الذي أجابه بجيد(2).
6- الرحمة والشفقة.
وهي خصلة هامة وأساسية للوالي الذي جمع صفات الصلاح والقدرة والحنكة السياسية إذ بها يحسن التعامل مع الرعية ويقيم العدل فيهم ويحبهم ويحبونه ويقبلون إليه ويأنسون به ويرفعون إليه حوائجهم من غير رهبة ووجل. قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُم وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...} الآية(3).
__________
(1) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 363، 371، من طريقين الأولى من رواية الواقدي، والثانية فيها عثمان بن مقسم البُري تركه القطان وابن المبارك، وقال أحمد: حديثه منكر، وقال النسائي والدارقطني: متروك. ميزان الاعتدال 3/56، فالأثر ضعيف.
(2) رواه عبد الرزاق/ المصنف 2/390، 391، صحيح. قال: عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء بن عبيد بن عمير، قال: لقي عمر بن الخطاب ركباً... الأثر.
(3) سورة آل عمران آية: 159.(6/7)
استعمل عمر رضي الله عنه رجلاً من بني أسد على عمل، فدخل ليسلم على عمر رضي الله عنه فأتي عمر ببعض ولده، فقبله، فقال الأسدي: أتقبل هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما قبلت ولداً لي قط، فقال عمر: فأنت والله بالناس أقل رحمة، لا تعمل لي عملاً أبداً، فرد عهده(1).
7 - الزهد في الدنيا والرغبة عنها، وعدم الحرص على الولاية.
ومن الصفات التي كان عمر رضي الله عنه يحب توفرها في الوالي الزهد في الدنيا.
وهي صفة حميدة من صفات المؤمنين الصادقين واتصاف الوالي بها تجعله أكثر إخلاصاً لله في عمله وأبعد عن مطامع الدنيا و التطلع إليها من خلال عمله ومنصبه.
__________
(1) رواه هناد/ الزهد 2/619، وكيع/ الزهد 3/814، البيهقي/ السنن الصغرى 3/367، صحيح من طريق هناد.
قال: حدّثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن أبي عثمان (النّهدي)، قال: استعمل عمر... الأثر.(6/8)
قال مالك الدار رحمه الله تعالى: أخذ عمر رضي الله عنه أربعمائة دينار، فجعلها في صرة، ثم قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تله(1) ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حوائجك. فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره ووجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل ثم تله في البيت ساعة حتى تنظر إلى ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذا في حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه، تعالي يا جارية، اذهبي إلى فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا، فلم يبق في الخرقة إلا ديناران، فرمى بهما إليها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسر بذلك عمر، وقال: إنهم إخوة، بعضهم من بعض(2).
__________
(1) تلّة، قال ابن الأعرابي: استتليت فلاناً أي انتظرته. ابن منظور/ لسان العرب 2/48.
(2) رواه ابن المبارك/ الزهد ص 178، ورجاله ثقات، ومالك الدار ذكره ابن حجر في الإصابة 3/484، وقال: له إدراك وسمع من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وروى عن الشيخين، وذكره ابن حبان في الثقات 5/384.(6/9)
وقدم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه وكان من أبيض الناس وأجملهم، فحج مع عمر رضي الله عنه فجعل ينظر إليه، ويعجب له، ثم يضع إصبعه على متنه، ثم يرفعها عن مثل الشراك، فيقول: بخٍ بخٍ، نحن إذاً خير الناس إن جمع لنا خير الدنيا والآخرة، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين سأحدثك: إنا بأرض الحمامات والريف، فقال عمر: سأحدثك ما بك، إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنك، وذوو الحاجات وراء الباب(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا استعمل عاملاً كتب له عهداً وأشهد عليه رهطاً من المهاجرين، والأنصار أن لا يركب برذوناً(2)، ولا يلبس رقيقاً، ولا يأكل نقياً(3).
ولعل المراد بذلك لوثبت عدم الإسراف في التنعم لأن هذه الأمور هي من المباحات، ويبعد أن يشترط عمر رضي الله عنه على ولاته الامتناع عنها، ولكنه رضي الله عنه كان يكره الإسراف في التنعم، وتناول المباحات، ويرغب من ولاته أن يكونوا من أهل الزهادة في الدنيا والرغبة في الآخرة كما دلت على ذلك النصوص السابقة.
__________
(1) رواه ابن المبارك/ الزهد ص 202، 203، صحيح. قال: أخبرنا محمّد بن أبي ذئب عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر، قال: قدم... الأثر.
(2) تقدم التعريف به ص: 304.
(3) رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/342، 325، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/461، الطبري/ التاريخ 2/568،569، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 6/24، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 235، وإسناده عند عبد الرزاق معضل من رواية عاصم بن أبي النجود عن عمر وهو صدوق له أوهام من السادسة، ورواه البيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرزاق، ورواه ابن أبي شيبة والطبري من طريق عاصم أيضاً ولكنه يرويه عندهما عن عمارة بن أبي خزيمة ابن ثابت الأنصاري وهو ثقة من الثالثة، وروايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.(6/10)
وإن من زهد الولاة الذي كان عمر رضي الله عنه يراعيه في تولية الولاة زهدهم في الولاية والتطلع إليها، واعتبر عمر رضي الله عنه من حرص على الولاية ورغب فيها غير قادر على القيام بأعباء الولاية والإخلاص في عمله.
وجاء عنه رضي الله عنه: من حرص على الإمارة لم يعدل فيها(1).
هذه أهم الصفات التي كان عمر رضي الله عنه يراعيها في ولاته الذين يوليهم ويؤمرهم على الأمصار.
وقد أشار عمر رضي الله عنه إلى نماذج من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى فيهم الولاة المثاليين، وكان يأمل لو كان عنده مثلهم، فيوليهم شئون المسلمين.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/420، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/74، أبو نعيم/ حلية الأولياء 10/25، وفي إسناده عند ابن أبي شيبة انقطاع من رواية عروة بن الزبير عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ورجاله ثقات، وفي عند ابن شبة محمد بن مسلم الطائفي، صدوق يخطئ، وهو منقطع من رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن عمر رضي الله عنه، وإسناده عند أبي نعيم متصل ورجاله ثقات سوى شيخ أبي نعيم إسحاق بن علي الديلمي لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات.(6/11)
قال رضي الله عنه لأصحابه: تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملؤة ذهباً أنفقه في سبيل الله وأتصدق، وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجداً وجواهر فأنفقه في سبيل الله، وأتصدق، ثم قال عمر: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال: أتمنى لو أنها مملؤة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان فأستعملهم في طاعة الله(1).
وهؤلاء الذين ذكر عمر رضي الله عنه من خيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن السابقين إلى الإسلام، وممن اتصفوا بالورع والتقوى، والزهد وسعة العلم، والفقه في الدين، والشجاعة، وغيرها من الصفات الحميدة.
وقد أشار عمر رضي الله عنه إلى جدارة بعض ولاته بالخلافة من بعده لما يتحلون به من صفات تؤهلهم لذلك.
قال رضي الله عنه: فإن أصابت الإمارة سعداً(2) فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أُمّر، فإني لم أنزعه عن عجز ولا خيانة(3).
لذلك كان ولاة عمر رضي الله عنه مثلاً عالياً في التقوى والصلاح والزهد والورع وحسن القيام بأعباء الولاية والإخلاص لله في ذلك، وفوق كل ذلك ما تميزوا به من شرف صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/413، الحاكم/ المستدرك 3/226، 227، ورجال سنده عند ابن سعد ثقات ولكنه معضل من رواية عبد الله بن أبي نجيح عن عمر وهو ثقة من السادسة، وسنده عند الحاكم متصل ورجاله ثقات سوى أبي صخر حميد بن زياد الخراط فهو صدوق يهم. تق 181، وقال ابن عدي: إنما أنكر عليه هذان الحديثان: المؤمن يألف، وفي القدرية، وسائر حديثه أرجوا أن يكون مستقيماً. المزي/ تهذيب الكمال 7/369، 370، فالأثر حسن إن شاء الله.
(2) هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري/ الصحيح 2/299.(6/12)
روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر رحمهما الله: أن ابعث إلي بكتاب عمر بن الخطاب، وقضائه وسيرته في أهل العهد والذمة، فإني متبع أثره وسائر سيرته إن أعانني الله على ذلك والسلام، فكتب إليه سالم: إنك لست في زمان عمر وليس عندك رجال عمر...الأثر(1).
المسألة الثانية: سياسة عمر رضي الله عنه في عزل الولاة.
لقد أوضحت النصوص الثابتة عن عمر رضي الله عنه في عزله لولاته الأسباب التي كان عمر رضي الله عنه يعزل ولاته من أجلها وهي:
1- عدم القدرة على سياسة الرعية أو التقصير في ذلك.
فقد عزل عمر رضي الله عنه عمار بن ياسر رضي الله عنه حينما شهد جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه بعدم علمه بالسياسة وقيامه بواجبات الولاية(2).
وعزل رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه فقال: أعن سخطة نزعتني؟ فقال: لا ولكن رأينا من هو أقوى منك(3).
2- شكوى الرعية للوالي.
فحين شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر رضي الله عنه وزعموا أنه لا يحسن أن يصلي بهم، عزله عمر رضي الله عنه مع يقينه بعدم صدق هذه التهمة ولكنه رضي الله عنه فعل ذلك قطعاً للفتنة التي قد تقع بسبب كراهية الرعية للوالي وشق عصا الطاعة عليه(4).
__________
(1) رواه أحمد/ الزهد ص 366، وفي إسناده علي بن ثابت الجزري، صدوق ربما أخطأ، وجعفر بن برقان، ثقة من السابعة، روايته عن عمر بن الخطاب معضلة. فالأثر ضعيف. ولم تذكر رواية عن سالم بن عبد الله بن عمر أو عمر بن عبد العزيز.
(2) صحيح، تقدم تخريجه في ص: 627.
(3) حسن، تقدم تخريجه في ص: 627.
(4) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 4/176.(6/13)
قال رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: قد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة، فقال سعد: أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الآخريين، وما آلوا ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: ذاك الظن بك، أو ذاك ظني بك(1).
وقد بين عمر رضي الله عنه عند وفاته أنه لم يعزل سعداً عن عجز ولا خيانة(2).
3- عدم امتثال الوالي لأوامر الخليفة.
قال عمر رضي الله عنه وهو يخطب بالجابية(3): إني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد، إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطى ذا البأس، وذا الشرف، فنزعته وأمرت أبا عبيدة(4).
فبين عمر رضي الله عنه أن من أسباب عزله خالد بن الوليد هو مخالفته لأمره له بشأن قسمة المال.
وروي أن عمر رضي الله عنه عزل العلاء بن الحضرمي(5) لأنه أغزى جيشاً في البحر، وقد نهى عمر رضي الله عنه عن ركوب البحر في الغزو(6).
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 1/138، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 4/172، 173، مختصراً.
(2) صحيح، تقدم في ص: 635.
(3) تقدم التعريف بها في ص 302.
وكان قدوم عمر رضي الله عنه الجابية في السنة الخامسة عشرة أو السادسة عشرة لعقد صلح بيت المقدس. خليفة خياط/ التاريخ ص 134، 135، الطبري/ التاريخ 2/448، 449.
(4) رواه عبد الرزاق/ المصنف 5/452، 455، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 1/463، 464، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 2/27، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/161، 162، صحيح من طريق الفسوي.
قال: حدّثنا عبد الله بن عثمان، حدّثنا عبد الله، أخبرنا سعيد بن يزيد، قال: سمعت الحارث بن يزيد الحضرمي عن عُلي بن رباح عن ناشرة بن سمي اليزني، قال: سمعت عمر بن الخطاب... الأثر.
(5) العلاء بن الحضرمي: اسم أبيه عبد الله بن عماد حليف بني أمية، صحابي جليل. تق 434.
(6) رواه الطبري/ التاريخ 2/498 من رواية سيف بن عمر. سيأتي مزيد من التّفصيل عن ولاية العلاء على البحرين إن شاء الله في ص: 688.(6/14)
4- عزل الوالي إذا بلغه عنه أمراً يكرهه.
قدم أبو هريرة رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه، وكان قد ولاه بعض المهام بالبحرين - ومعه عشرة آلاف، فقال له عمر رضي الله عنه: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما، فقال عمر: فمن أين هي لك، فقال: خيل لي تناتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي، فعزله عمر رضي الله عنه، ثم نظروا بعد ذلك فوجدوه كما قال أبو هريرة، فلما كان بعد دعا عمر رضي الله عنه أبا هريرة ليستعمله فأبى أن يعمل له(1).
ومن ذلك ما روي من عزل عمر للنعمان بن عدي بن نضلة(2) لما تغنى بأبيات فيها مدح للخمر، ثم اعتذر من عمر وبين له أنه ما أراد مدح الخمر وإنما أراد مجرد التغني بالشعر، فقال عمر: إني لأظنك صادقاً ولكن لا تعمل لي عملاً(3).
__________
(1) رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/380، 381، وابن سعد/ الطّبقات4/335، 336، وأبو نعيم/ حلية الأولياء1/380، 381.
وإسناده عند عبد الرّزاق رجاله ثقات ولكن ليس فيه تصريح بسماع ابن سيرين من أبي هريرة رضي الله عنه وإن كان قد ثبت سماعه منه.
قال عبد الرّزاق: عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل أبا هريرة رضي الله عنه.
وإسناده عند ابن سعد متّصل ورجاله ثقات سوى محمّد بن سليم أبو هلال الرّاسبيّ، فهو صدوق فيه لين تق: 481.
قال ابن سعد: أخبرنا عمرو بن الهيثم (بن قطن القطيعي)، قال: حدّثنا أبو هلال عن محمّد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت عاملاً... الأثر.
وفي إسناده عند أبي نعيم يحيى بن العلاء البجلي، قال أحمد بن حنبل: كذّاب يضع الحديث. وقال النّسائي والدّارقطنيّ: متروك. المزي/ تهذيب الكمال31/484، 486. وقال ابن حجر: رمي بالوضع. تق: 595. فالأثر حسن إن شاء الله من طريقيه الأوّلين. إن لم يكن صحيحاً.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 623
(3) تقدم تخريجه في ص: 623.(6/15)
وعزل عمر رضي الله عنه قدامة(1) بن مظعون عن البحرين(2) بعد أن شهد عليه الجارود العبدي سيد عبد القيس، وأبو هريرة رضي الله عنهما بأنه شرب الخمر، فحده عمر رضي الله عنه وعزله(3).
__________
(1) قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة الجمحي، خال حفصة وعبد الله ابني عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، هاجر إلى الحبشة ثم شهد بدراً، وسائر المشاهد. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/340.
(2) البَحْرَين: كان اسماً لسواحل نجد بين قطر والكويت، وكانت هجر قصبته وهي الهفوف اليوم وقد تسمى (الحسا) ثم أطلق على هذا الإقليم اسم الأحساء حتى نهاية العهد العثماني. وانتقل اسم البحرين إلى جزيرة كبيرة تواجه الساحل من الشّرق كانت تسمى أُوَال وهي إمارة البحرين اليوم. وعندما تكوّنت المملكة العربيّة السّعوديّة أطلق على هذا الإقليم اسم المنطقة الشّرقيّة،وجعلت الدّمام قاعدتها.البلادي/معجم المعالم الجغرافيّة،ص40، 41.
(3) رواه الحاكم/ المستدرك 3/379، البيهقي / السنن الكبرى 8/315، صحيح من طريق البيهقي.
قال: أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبّار السكري ببغداد، أنبأ إسماعيل بن محمّد الصغار، ثنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرّزّاق عن معمر عن الزّهري، أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة... أن عمر استعمل... الأثر.(6/16)
وعزل عمر رضي الله عنه المغيرة بن شعبة(1) عن البصرة بعد أن شهد عليه أبو بكرة(2) ونافع(3) وشبل بن معبد (4) بالزنى، وأنهم رأوا كالمرود في المكحلة، ونكل زياد(5) عن الشهادة وقال: رأيت مجلساً قبيحاً وانبهاراً(6)، فجلد عمر رضي الله عنه أبا بكرة ونافعاً وشبلاً حد القذف، وعزل المغيرة عن البصرة ولم يعده إلى ولايتها(7).
5- عزل الوالي إذا اعتذر عن الولاية لعذر شرعي.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 83.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 549.
(3) نافع بن الحارث الثقفي أخو أبي بكرة، أسلم يوم الطائف. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/52.
(4) شبل بن معبد بن عبيد بن الحارث البجلي، نسبه الطبري والعسكري، وقال: لا يصح له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن السكن: يقال له صحبة، وأمه سمية والدة أبي بكرة وزياد. ابن حجر/ الإصابة 2/163.
(5) زياد بن أبي سفيان، ويقال زياد بن أبيه، قيل ولد عام الهجرة، وقيل قبل الهجرة، وقيل يوم بدر، ليس له صحبة ولا رواية. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/99، 100.
(6) البُهرُ: تتابع النفس من الإعياء. ابن منظور/ لسان العرب 1/516.
(7) رواه عبد الرزاق/ المصنف 7/384، 8/362، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/544، 545.
الحاكم/ المستدرك 3/448، 449، البيهقي/ السنن الكبرى 8/234، 235. وسنده عند عبد الرزاق متصل ورجاله ثقات.
قال: عن الثّوري عن سليمان التّميمي عن أبي عثمان النّهديّ، قال: شهد أبو بكرة... الأثر.
وأمّا عزل عمر رضي الله عنه للمغيرة عن البصرة وتوليته أبا موسى الأشعري رضي الله عنهم، فقد ذكرها خليفة بن خياط في تاريخه، ص: 135، والطبري في تاريخه2/492، 493. فالأثر صحيح.(6/17)
ولي عمر رضي الله عنه النعمان بن مقرن المزني(1) رضي الله عنه كَسْكَر(2)، فكتب إليه النعمان: يا أمير المؤمنين، إن مثلي ومثل كسكر كمثل رجل شاب عند مومسة تلون له وتعطر، وإني أنشدك بالله لما عزلتني عن كسكر، وبعثتني في جيش من جيوش المسلمين، فعزله عمر، وكتب إليه: سر إلى الناس بنهاوند(3)، فأنت عليهم، فسار إليهم، فالتقوا، فكان رضي الله عنه أول قتيل(4).
المطلب الثاني: علاقة الخليفة بالولاة.
لقد قامت العلاقة بين عمر رضي الله عنه وبين ولاته على مبادئ وأسس هامة كان لها أثر كبير في استقرار دولة الخلافة، وانتشار الأمن في أرجائها الواسعة وسلامتها من الفتن الداخلية ومن أهم هذه المبادئ:
أولاً: طاعة الولاة للخليفة وانقيادهم له وعدم شق عصا الطاعة عليه.
__________
(1) النعمان بن مقرن بن عائذ أبو عمرو أو أبو حكيم المزني، صحابي مشهور، استشهد بنهاوند. تق 564.
(2) كَسْكَر: معناها عامل الزراعة، وقصبتها واسط التي بين الكوفة والبصرة، وكانت قصبتها قبل أن يمصر الحجاج واسط خسرو سابور، ومن مشهور نواحيها، المبارك، وعبد سي، والمذار، ونغيا، وميسان. الحموي/ معجم البلدان 4/461.
(3) نهاوند: مدينة إيرانية غربي كرمنشاه. المنجد/ الأعلام ص 578.
(4) رواه عبد الله بن المبارك/ الزهد ص 172. ابن سعد/ الطبقات 6/18، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/552، بحشل/ تاريخ واسط ص 34، الطبري/ التاريخ 2/524، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عفان، ثنا عوانة، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا حصين عن أبي وائل، قال: جاء سعد بن أبي وقاص... الأثر.(6/18)
وقد ضرب ولاة عمر رضي الله عنه في ذلك مثلاً فريداً ورائعاً، ومن الأخبار في ذلك أن عثمان بن حنيف(1) رضي الله عنه كان يكلم عمر في شيء، فأغضبه، فأخذ عمر رضي الله عنه من البطحاء قبضة فرجمه بها، فأصاب حجر منها جبينه فشجه، فسال الدم على لحيته، فكأن عمر رضي الله عنه ندم، فقال: امسح الدم عن لحيتك، فقال عثمان بن حنيف رضي الله عنه: لا يهلك هذا يا أمير المؤمنين، فوالله لما انتهكت ممن وليتني أمره أشد مما انتهكت مني، فكأن ذلك أعجب عمر، فزاده عنده خيراً(2).
وروي أن عمرو بن العاص رضي الله عنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو على مائدته جاثياً على ركبتيه، وأصحابه كلهم على تلك الحال، وليس في الجفنة فضل لأحد يجلس، فسلم عمرو على عمر، فرد عليه السلام، قال عمرو بن العاص؟ قال: نعم، فأدخل عمر يده في الثريد فملاها ثريداً ثم ناولها عمرو بن العاص، فقال: خذ هذا، فجلس عمرو، وجعل الثريد في يده اليسرى، ويأكل باليمنى، ووفد أهل مصر ينظرون إليه، فلما خرجوا، قال الوفد لعمرو: أي شيء صنعت؟!
فقال عمرو: إنه والله لقد علم أني بما قدمت به من مصر لغني عن الثريد الذي ناولني، ولكن أراد أن يختبرني، فلو لم أقبلها للقيت شراً(3).
ثانياً: معاونته ومساعدته على أعباء الخلافة.
__________
(1) عثمان بن حنيف بن واهب الأنصاري، صحابي شهير، استعمله عمر على مساحة أرض الكوفة وعَليٌّ على البصرة قبل الجمل، ومات في خلافة معاوية. تق 383.
(2) رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/332، 333، ابن شبة/ تاريخ المدينة 2/256، الطبراني/ المعجم الكبير 9/15، صحيح من طريق عبد الرزاق.
قال: عن معمر عن الزهري، قال: حدّثني نوفل بن مساحق، قال: بينا عثمان... الأثر.
(3) رواه ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص 179، وفي إسناده عبد الله بن صالح الجهني، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، وفيه إعضال، فهو من رواية يزيد ابن أبي حبيب بن أبي ثابت عن عمر وهو ثقة، من الخامسة،فالأثر ضعيف.(6/19)
لقد بين عمر رضي الله عنه أنه إنما يستعمل الولاة ليعاونوه على أعباء الخلافة، والقيام بشئون الرعية، قال رضي الله عنه: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم عليهم، ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويقسموا فيئهم ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه دعا سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي(2) فقال: إني مستعملك على أرض كذا وكذا، فقال سعيد: يا عمر أو تقيلني يا أمير المؤمنين؟
فقال عمر: والله لا أدعك، قلدتموها في عنقي وتتركوني؟ ثم قال: ألا نفرض لك رزقاً؟ فقال: قد جعلت لي في عطائي ما يكفيني دونه، وفضلاً على ما أريد...الأثر(3).
3 - مراقبة الخليفة للولاة ومحاسبته لهم.
__________
(1) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 5/5154، أحمد/ المسند 1/41، أبو داود/ السنن 4/183.
(2) سعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان الجمحي، يقال إنه أسلم قبل فتح خيبر، وشهدها وما بعدها من المشاهد، وكان خيراً فاضلاً. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/185.
(3) رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/348، 349، إسحاق بن راهويه/ المسند/ المطالب العالية لابن حجر ق 491/أ، الفاكهي/ أخبار مكة 3/338، 339، الطبراني/ المعجم الكبير 6/58، أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/246، 247، معرفة الصحابة 1/ق 281/أ. ومداره عند من رواه سوى عبد الرّزّاق عليّ عبد الرحمن بن سابط الجمحي وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند إسحاق ثقات. ورواه عبد الرّزّاق من طريق معمر عن جعفر ابن برقان وهو ثقة من السابعة روايته عن عمر معضلة. فالأثر ضعيف.(6/20)
وكان عمر رضي الله عنه يراقب عماله وولاته وينظر كيف عملهم في الرعية، ويعاقب المفرطين منهم، ومن صور مراقبته رضي الله عنه لعماله وولاته سؤاله الوفود التي تقدم عليه من الأمصار المختلفة عن أمرائهم، يسأل كل وفد عن أميرهم، فيقولون خيراً، فيقول: هل يعود مريضكم؟ فيقولون: نعم، فيقول: هل يعود العبد ؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف صنيعه بالضعيف ؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا لخصلة منها لا، عزله(1).
وأذن عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن يستعمل الربيع بن زياد(2) وأمره أن لا تأتي عليه عشراً إلا تعاهد عمله، وكتب إليه بسيرته في عمله حتى كأنه هو الذي استعمله(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم وأمرته بالعدل أقضيت ما علي؟ قالوا: نعم، قال: لا حتى أنظر في عمله، أَعَمل ما أمرته أم لا(4).
__________
(1) رواه هناد/ الزهد 2/415، الطبري/ التاريخ 2/579، البيهقي/ السنن الكبرى 10/108، صحيح من طريق الطبري. قال: حدّثنا ابن بشار، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدّثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد، قال: كان الوفد... الأثر. وهذا الأثر فيه دلالة على عزل عمر رضي الله عنه للوالي إذا قصر في أداء واجبه نحو الرعية.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 294.
(3) رواه إسحاق بن راهويه/ المسند/ المطالب العالية لابن حجر ق 487/ب وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: أنا روح بن عبادة عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة أن عمر جمع الناس... صحيح.
(4) رواه عبد الرزاق/ المصنف 11/326، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 6/24، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 238، وإسناده عند عبد الرزاق رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية طاووس بن كيسان، وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة، ومدار الأثر عليه، فالأثر ضعيف.(6/21)
وروي أنه رضي الله عنه كان يأمر عماله أن يوافوه بالموسم ليطلع على أخبارهم، وأخبار الرعية(1).
وروي أن عمير(2) بن سعد رضي الله عنه عامل عمر رضي الله عنه على حمص(3) مكث حولاً لا يبعث إلى عمر رضي الله عنه بأخباره، فقال عمر رضي الله عنه لكاتبه: أكتب إلى عمير، فوالله ما أراه إلا قد خاننا: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما جئت من فيء المسلمين حين تنظر كتابي هذا(4).
وكان هذا ظناً من عمر رضي الله عنه وتبين له خلافه. كما سيأتي ذلك إن شاء الله عند ذكر ولاية عمير على حمص(5).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/293، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/23،24، الطبري/ التاريخ 2/545، وفي إسناده عند ابن سعد عبد الملك بن أبي سليمان صدوق له أوهام، وهو منقطع من رواية عطاء بن أبي رباح عن عمر وهو ثقة من الثالثة، ورواه ابن أبي شيبة من طريق عطاء به مثله، وفي إسناده عند الطبري سيف بن عمر، ضعيف، فالأثر ضعيف.
(2) عمير بن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن عوف الأنصاري. كان يقال له نسيج وحده صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وشهد فتوح الشام واستعمله عمر على حمص إلى أن مات. وكان من الزهاد. توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان. ابن حجر/ الإصابة 3/23.
(3) حِمْص: مركز محافظة حمص ومن كبريات المدن السورية. يسكنها حوالي 400 نسمة. تقع على الطريق الرئيسة المعدة الآتية من دمشق باتجاه حلب. وهي قريبة جداً من الحدود السورية اللبنانية. وبها يمر نهر العاص. فتحت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر: ياقوت الحموي/ معجم البلدان.
(4) رواه أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/247، وفي إسناده عبد الملك بن هارون بن عنترة يروي عن أبيه، قال الدارقطني: هما ضعيفان، وقال أبو حاتم: متروك، ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، وقال السعدي: عبد الملك بن هارون كذاب. ميزان الاعتدال 2/666، فالأثر ضعيف جداً.
(5) انظر ص: 745.(6/22)
وكان رضي الله عنه يعاقب عماله ويقتص منهم إذا ثبت لديه تعديهم وظلمهم.
كتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: من ظلمه أميره فلا إمرة له عليه، فكان الرجل يأتي المغيرة بن شعبة، فيقول: إما أن تنصفني من نفسك، وإلا فلا إمرة لك علي(1).
ولكن هل يعارض هذا ما يثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: "من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج على السلطان شبراً مات ميتة جاهلية"(2).
والظاهر أنه لا تعارض بينهما، لأنه - والله أعلم - أن المراد بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "فليصبر" يعني: إذا لم يستطع أن يأخذ حقّه بالحسنى والمعروف، ولم يجد أحداً يرد عليه حقّه من غير نزاع وقتال وخروج على الأمير والإمام.
أمّا خبر عمر رضي الله عنه فإن صاحب المظلمة تكفل له عمر رضي الله عنه وهو الإمام برد حقّه وأمره ألا يوافق أميره ولا يقرّه ظلمه له بل يرفع أمره إليه حتى يقتص منه، وحينئذٍ لن يكون هناك خروج ونزاع وقتال، لأن حقّ المظلوم قد ردّ إليه من غير ذلك، والمراد بنفي الإمرة في الأثر عدم طاعة الأمير وإقراره على الظلم، بل يرفع أمره إلى الإمام وهو عمر رضي الله عنه، وليس المراد أن يشق عصا الطاعة ويعلن الخروج والحرب على الأمير.
__________
(1) رواه الطيالسي/ المسند ص 11، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 171، 210، 246، الخلال/ السنة ص 118، صحيح من طريق الخلال.
قال: خبرنا محمّد، قال: أنبأ وكيع عن شعبة عن مخارق الأحمسي عن طارق بن شهاب، قال: كتب عمر... الأثر.
(2) رواه البخاري/ الصحيح 4/221، 222، 224، ومسلم/ الصحيح/ شرح النووي 12/239، 240. وانظر فتح الباري لابن حجر 13/5، 6، 121.(6/23)
وقال رضي الله عنه: إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، وليشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا أذن له عليَّ، ليرفعها إلي حتى أقصه منه، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، أرأيت إن أدب أمير رجلاً من رعيته أتقصه منه؟! فقال عمر: وما لي لا أقصه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه(1)؟!
__________
(1) رواه الفزاري/ السير ص 291، أبو داود الطيالسي/ المسند ص 11، مسدد/ المسند/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 4/47/أ، ابن سعد/ الطبقات 3/280، 281، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/ 461، أحمد/المسند 1/41، أبو داود/ السنن 4/183، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 168،169، ابن الجارود/ المنتقى ص 214، صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا عارم بن الفضل، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر... الأثر.
وسعيد بن إياس الجريري اختلط ولكن رواية حماد بن سلمة الراوي عنه هنا كانت قبل اختلاطه، والربيع بن زياد الحارثي الراوي عن عمر رضي الله عنه أثبت ابن عبد البر صحبته وتقدمت ترجمته في ص: 268، فالأثر صحيح كما تقدم.
وفيه عند بقية من رواه أبو فراس يروي عن عمر رضي الله عنه، قال الذهبي: لا يعرف. ميزان الاعتدال 4/561، وقال ابن حجر: مقبول. تق 665.(6/24)
وروي أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال لرجل من تجيب(1): يا منافق، فقال التجيبي: ما نافقت منذ أسلمت، ولا أغسل لي رأساً ولا أدهنه، حتى آتي عمر رضي الله عنه، فأتى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عمراً نفّقني، ولا والله ما نافقت منذ أسلمت، فكتب عمر رضي الله عنه إلى عمرو رضي الله عنه، وكان إذا غضب عليه يكتب: إلى العاص بن العاص أما بعد، فإن فلاناً التجيبي ذكر أنك نفقته، وقد أمرته إن أقام عليك شاهدان أن يضربك أربعين أو قال سبعين، فقام الرجل، فقال: أنشد الله رجلاً سمع عمراً نفقني إلا قام فشهد، فقام عامة أهل المسجد، فقال له حَشَمُه: أتريد أن تضرب الأمير؟ قال وعرض عليه الأرض: لو ملئت لي هذه الكنيسة ما قبلت، فقال له حشمه: أتريد أن تضربه؟ فقال التجيبي: ما أرى لعمر رضي الله عنه ها هنا طاعة، فلما ولى قال عمرو بن العاص: ردوه، فأمكنه من السوط، وجلس بين يديه، قال: أتقدر أن تمتنع مني بسلطانك؟ قال: لا، فامض لما أمِرت به، قال: فإني أدعك لله(2).
__________
(1) تُجَيب: بطن من كِندة وهو أشرس بن شبيب بن السكون بن كندة، كانوا يسكنون الكَسْر في وسط حضرموت، عمر رضا كحالة/ معجم قبائل العرب 1/116.
(2) رواه عبد الرزاق/ المصنف 7/428، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/24، وإسناده عند عبد الرزاق معضل من رواية عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السادسة، وفي إسناده عند ابن شبة حيان بن بشر الأسدي، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 3/248، وفيه عبد الملك بن أبي القاسم راوي الخبر عن عمر رضي الله عنه، ذكره ابن حبان في الثقات 7/101، روايته عن عمر منقطعة، فالخبر ضعيف.(6/25)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان بمنى إذ دخل عليه رجل من أهل مصر، فقال: يا أمير المؤمنين، استبقت أنا ومحمد بن عمرو بن العاص، فسبقته، فعدا علي، فضربني بين ظهراني المسلمين وهو يقول: خذها وأنا ابن الكريمين، فجئت أباه أستأديه فيما صنع بي، فحبسني أربعة أشهر، ثم أرسلني، فخرجت في حاج المسلمين، فجئت إليك لتأخذ مظلمتي، فقال: أعجل علي بعمرو بن العاص وابنه، فأتى بهما.
قال عمر: ويحك ما بينتك على ما تقول؟ قال: الجند كلهم يا أمير المؤمنين من وافى الحاج منهم، فسأل الناس، فأخبروه بذلك، فدعا بمحمّد ابن عمرو فجرد من ثيابه، ثم أمكن المصري من السوط، ثم قال له: اضرب، فضرب المصري وعمر يقول: خذها وأنت ابن اللئيمين، حتى تركه...الأثر(1).
وروي أن رجلاً من الدهاقين(2) شخص إلى عمر بن الخطاب في مظلمة له، فلما قدم المدينة سأل عن عمر، فقيل: هو ذاك، وإذا هو مستلق قد جمع إزاره تحت رأسه ودرته إلى جنبه، فقال: إني أريد أمير المؤمنين، قيل: فذاك أمير المؤمنين عمر، فقال في نفسه: لقد غررت بنفسي، وذهبت بنفقتي، ثم دنا من عمر فأخبره بقصته، فأخذ قطعة جلد، فكتب فيها بخطه: لينصفن هذا الدهقان أو لأبعثن من ينصفه، فقال الدهقان: لقد خبت وخسرت، أنفقت مالي، وأتعبت نفسي وتجشمت هذا السفر البعيد الشديد، ثم رجعت بقطعة جلد من صحيفة، وهم أن يلقيها، فلما صار إلى العامل، ودفعها إليه، قام على رجليه، فلم يجلس حتى أنصفه، فقال الدهقان: هذا والله الملك، وهذه الطاعة، لا ما كنا فيه(3).
__________
(1) رواه أبو العرب/ المحن ص 303، وفي إسناده راوي مبهم حيث قال ابن إسحاق: حدثني رجل،وبقية رجاله ثقات، وسنده متصل. فالخبر ضعيف.
(2) الدِهقان: رئيس القرية. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/145.
(3) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 237، 238، ورجال إسناده ثقات سوى بكر بن الهيثم، شيخ البلاذري لم أجد له ترجمة، وفيه سعيد بن المسيب مختلف في سماعه من عمر.(6/26)
ومن مراقبة عمر رضي الله عنه لعماله وولاته محاسبته لهم في مصادر أموالهم ومواردها حرصاً منه رضي الله عنه على أموال المسلمين وعلى أرزاق ولاته أن تكون مباحة لا تشوبها شائبة من مال حرام، فكان رضي الله عنه يقبض أموال ولاته إذا استكثرها حتى يستوثق من شرعية مصادرها.
استعمل عمر رضي الله عنه أبا هريرة على البحرين، فقدم على عمر رضي الله عنه ومعه عشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما.
قال عمر رضي الله عنه: فمن أين لك هي؟ قال: خيل لي تناتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي، فنظروه، فوجدوه كما قال، فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له، فقال: أتكره العمل، وقد طلب العمل من كان خيراً منك يوسف عليه السلام؟ قال: إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة، أخشى ثلاثاً أو اثنين، قال عمر: أفلا قلت خمساً؟ قال: لا، أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم ويضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي(1).
وقول أبي هريرة رضي الله عنه في آخر الأثر: أخشى أن ينتزع مالي يدل على أن عمر رضي الله عنه قد أخذ ماله، وقد جاء ذلك مصرحاً به في روايات أخرى وفيها أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: فأخذ مني اثني عشر ألفاً(2)، وفي رواية أن عمر رضي الله عنه أخذ منه عشرة آلاف.
__________
(1) حسن تقدم في ص: 639،640.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 4/335، ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص: 148، 149، ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات سوى أبي هلال الراسبي محمد بن سليم فهو صدوق فيه لين. تق 481، وسنده متصل، وإسناده عند ابن عبد الحكم متصل، ورجاله ثقات، وشيخ ابن عبد الحكم أسد بن موسى وثقه الذهبي، الكاشف 1/241، وقال ابن حجر: صدوق يغرب. تق 104، فالأثر صحيح.(6/27)
قال أبو هريرة رضي الله عنه: فأمر بها أمير المؤمنين فقبضت، فكان يقول: اللهم اغفر لأمير المؤمنين(1).
ولكن طلب عمر من أبي هريرة رضي الله عنهما أن يتولى الإمارة مرة أخرى دليل على عدم اتهام عمر رضي الله عنه لأبي هريرة باكتساب أمواله من وجوه غير شرعية ولعل عمر رضي الله عنه أعادها إليه بعد ذلك أو أنه جعلها في مال المسلمين، وذلك حرصاً منه رضي الله عنه أن تكون أموال أبي هريرة خالصة لا شبهة فيها خصوصاً وأن الوالي قد تأتيه بعض الهدايا والأموال التي لا حق له فيها، فيأخذها من غير علم أو قصد.
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 4/335،336، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى هوذة بن خليفة وهو صدوق. تق 575، فالأثر حسن.(6/28)
وممن روي أن عمر رضي الله عنه أخذ أموالهم وقاسمهم فأعطاهم شطرها، وقبض شطراً، عمال عمر رضي الله عنهم الذين شكاهم يزيد بن الصعق(1) في أبيات بعث بها إلى عمر رضي الله عنه يطلب منه أن ينظر في أموالهم، فقاسمهم عمر رضي الله عنه شطر أموالهم حتى أخذ نعلاً وترك نعلاً، وهم الحجاج بن عتيك الثقفي(2) وجزء بن معاوية(3) عم الأحنف، وبشر بن المحتفز(4)، وخالد بن الحارث(5)، وكان على بيت المال بأصبهان، وعاصم بن قيس بن الصلت(6)، وكان على مناذر(7)، وسمرة بن جندب(8)، وكان على سوق الأهواز(9)
__________
(1) يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق، كنيته أبو المختار، والصعق لقب واسمه: عمرو بن الحرث بن خوليد بن نوفل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة الكلابي. ذكر المرزباني جدّه يزيد بن الصعق وأشد له هجواً في بني تميم وأنه كان في زمن النعمان بن المنذر ثم ذكر ابن حجر قصيدته التي اشتكى فيها العمال لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه. ابن حجر/ الإصابة 3/675.
(2) الحجاج بن عتيك الثقفي، قال ابن حجر: ذكره خليفة فيمن نزل البصرة والكوفة من الصحابة. الإصابة 1/312.
(3) جزء بن معاوية التميمي قال ابن عبد البر: كان عامل عمر على الأهواز، وقيل له صحبة، ولا تصح، وقال ابن حجر: تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة. الإصابة 1/234.
(4) بشر بن المحتفز المزني له ذكر في الفتوح، وأن عمر استعمله على السوس. المصدر السابق 1/151.
(5) خالد بن الحارث بن أوس بن النابغة له وفادة، ثم نزل البصرة، وكان على بيت المال لعمر. المصدر السابق 1/411.
(6) لم أجد له ترجمة.
(7) مَنَاذر: بلدتان بنواحي خوزستان، مناذر الكبرى، والصغرى من كور الأهواز. ياقوت/ معجم البلدان 5/199.
(8) سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، حليف الأنصار، صحابي مشهور، مات بالبصرة. تق 256.
(9) الأَهْوَاز: سبع كور بين البصرة وفارس، وسمتها العرب الأحواز، وكان اسمها أيام الفرس خوزستان. ياقوت/ معجم البلدان 1/284. وفي المنجد الأهواز: مدينة في جنوب غربي إيران على كارون عاصمة خوزستان.الأعلام ص 80.(6/29)
، والنعمان بن عدي(1)، وكان على كور دجلة، ومجاشع بن مسعود(2)، وكان على صدقات البصرة، وشبل بن معبد (3)، وكان على الغنائم، وأبو مريم الحنفي(4)، وكان على رامهرمز(5).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 623..
(2) مجاشع بن مسعود بن ثعلبة، صحابي، قتل يوم الجمل. تق 520.
(3) تقدمت ترجمته في ص:641.
(4) هو إياس بن صبيح بن المحرش الحنفي كان من أصحاب مسيلمة الكذاب، ثم تاب وحسن إسلامه، وولي قضاء البصرة. ابن حجر/ الإصابة 1/117.
(5) رامهرمز: مدينة مشهورة بنواحي خوزستان تجمع النخل والجوز والأترج. ياقوت/ معجم البلدان 3/17.
رواه ابن معين/ التاريخ/ رواية ابن محرز 1/43، ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص 147، 148، البلاذري/ فتوح البلدان ص 377، أنساب الأشراف ص 296، 298، العسكري/ الأوائل ص 116118، ورجال إسناده عند ابن معين ثقات سوى أبي كثير لم أعرفه، ولعله أبو لبيد لمازة بن زبار فهو الذي يروي عن الزبير بن الخريت كما في هذه الرواية فإن كان هو، فهو صدوق من الثالثة. تق 464، روايته عن عمر مرسلة، ورواه العسكري من طريق ابن معين به مثله، وفي إسناده عند ابن عبد الحكم عبد الملك بن مسلمة، قال ابن يونس: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي مناكير كثيرة عن أهل المدينة. ميزان الاعتدال 2/664، وفيه عبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه. تق 319، وفي إسناده عند البلاذري علي بن حماد لم أعرفه وسحيم بن حفص لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية المدائني المتوفى سنة 225، عن علي بن حماد وسحيم عن عمر رضي الله عنه، فالخبر ضعيف.(6/30)
وروي أن عمر رضي الله عنه قاسم عمرو بن العاص ماله، فكتب إليه: إنه قد فشت له فاشية من متاع، ورقيق وآنية، وحيوان لم يكن حين وليت مصر؟ فكتب إليه عمر: إنا أرضنا أرض مزدرع ومتجر نصيب فضلاً عما نحتاج لنفقتنا، فكتب إليه: إني قد خبرت من عمال السوء ما كفى، وكتابك إلي كتاب من أقلقه الأخذ بالحق وقد سؤت بك ظناً، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة(1) ليقاسمك مالك، فأطلعه طعله، وأخرج إليه ما يطالبك بها، واعفه من الغلظة عليك، فإنه برح الخفاء، فقاسمه ماله(2).
__________
(1) محمّد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي الأنصاري الخزرجي الحارثي شهد بدراً والمشاهد كلّها. كان أسمر شديد السمرة، طويلاً أصلع ذا جثة. وكان من فضلاء الصحابة. مات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين وهو ابن سبع وسبعين. وصلّى عليه مروان بن الحكم. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب3/433.
(2) رواه ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص 146، البلاذري/ فتوح البلدان ص 220، 221، أنساب الأشراف/ ص 270،271، العسكري/ الأوائل ص: 118120، وفي إسناده عبد الله بن عبد العزيز لم أجد له ترجمة، ووثقه تلميذه محمد بن سماعة الرملي، وهو ثقة من العاشرة. تق 482، حيث قال: حدثني عبد الله بن عبد العزيز شيخ ثقة، وهو معضل من رواية عبد الله المتقدم الذكر عن عمر رضي الله عنه، وإسناده عند البلاذري من رواية عبد الله بن المبارك عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثامنة روايته عن عمر معضلة، وفي إسناده عند العسكري عبد الله بن شبيب، قال الذهبي: إخباري علامة لكنه واهٍ. ميزان الاعتدال 2/438، وهو معضل من رواية محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ثقة من السادسة، روايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.(6/31)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا ولي عماله كتب أموالهم، ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك(1).
المطلب الثالث: حقوق الولاة على الرعية وواجباتهم نحوها.
إن من حقوق الولاة على الرعية الطاعة بالمعروف التي هي حق من حقوق الخليفة لأن طاعة الوالي طاعة لمن ولاه.
قال صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني"(2).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا استعمل الولاة كتب: إني بعثت إليكم فلاناً فأمرته بكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا(3).
وأما حقوق الرعية وواجباتهم على الولاة فقد بينها عمر رضي الله عنه بقوله رضي الله عنه: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويقسموا فيئهم، ويرفعوا إلي ما أشكل من أمرهم(4).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/307، البلاذري/ فتوح البلدان ص 220،221، أنساب الأشراف ص 257، ومداره على الواقدي، ورواه البلاذري من طريق آخر بلفظ: كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب ماله. وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
ورواه في فتوح البلدان من رواية عبد الله بن المبارك عن عمر رضي الله عنه، وروايته عنه معضلة، فهو ثقة من الثامنة.
(2) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 12/226.
(3) رواه عبد الرزاق/المصنف 10/429، أحمد/ الزهد ص 226، هناد/ الزهد 2/415، الخلال/ السنة ص 112، ومداره على محمد بن سيرين رحمه الله وروايته عن عمر منقطعة، وأثنى العلماء على مراسيله وأنها صحاح، وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات.
(4) صحيح، تقدم في ص: 646.(6/32)
فبين عمر رضي الله عنه أن من واجبات الولاة على الرعية إقامة العدل بينهم، ونشر العلم بينهم وتفقيههم بشرع الله، وإعطاؤهم حقوقهم المشروعة لهم، والتعرف على حوائجهم وما ينوبهم من أمور ومعالجة ذلك إن أمكن أو رفعه إلى الخليفة بل أن عمر رضي الله عنه ألزم ولاته بالتعرف الدقيق على أحوال الرعية ومواساتهم وعدم الترفع عليهم وإهمال الضعفاء والفقراء، فكان رضي الله عنه يسأل الوفد إذا قدموا عليه عن أميرهم فيقول: هل يعود المريض؟ هل يعود العبد ؟ كيف صنيعه بالضعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا بخصلة واحدة منها: لا، عزله(1).
ومن حقوق الرعية التي أوجبها عمر رضي الله عنه على ولاته عدم الاستئثار عليهم في مآكلهم ومشاربهم وسائر أحوالهم وأن لا يمنعوهم ولا يحرموهم شيئاً يستمتعون به.
بعث عتبة بن فرقد(2) رضي الله عنه مع مولاه من أذربيجان(3) بسلال فيها خبيص وهو نوع جيد من الحلوى، فتذوقه عمر رضي الله عنه، فقال: إن هذا لطيب لين، أفكل المهاجرين أكل منه شبعه؟ فقال: لا، إنما هو شيء خصك به، فكتب عمر رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنه: أما بعد: فليس من كدك، ولا كد أمك، ولا كد أبيك، لا تأكل إلا ما شبع المسلمون منه في رحالهم(4).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في بيان واجبات الولاة نحو الرعية:
__________
(1) صحيح، تقدم في ص: 647.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 262.
(3) تقدم التعريف بها في ص: 612.
(4) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/460، أحمد/الزهد ص 150، هناد/ الزهد 2/364، 365، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 188، فتوح البلدان ص 322، الدارقطني/ السنن 4/260261، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان، قال: لما قدم عتبة... الأثر.(6/33)
أن عمر رضي الله عنه بعث أبا موسى الأشعري والياً فقال لمن بُعث إليهم: إن أمير المؤمنين بعثني إليكم أعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه استعمل معاذاً(2) على الشام، فكتب إليه: أن أعط الناس أعطياتهم واغز بهم(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا استعمل ولاته شرط عليهم أن لا يتخذوا أبواباً للمجالس التي يجلسون فيها للناس(4). وذلك حتى لا يحتجبوا عنهم.
__________
(1) رواه أبو نعيم/ حلية الأولياء 1/257، وفي إسناده أبو عامر الخزاز صالح بن رستم صدوق، كثير الخطأ. تق 272، وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(2) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا عبد الرّحمن. كان طويلاً حسن الشّعر عظيم العينين أبيض. شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلّها. مات بناحية الأردن في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب3/459.
(3) رواه الطبراني/ المعجم الكبير 20/77، وفي إسناده علي بن سعيد الرازي، قال الدراقطني: لم يكن بذالك في حديثه، وحدث بأحاديث لم يتابع عليها، تكلم فيه أصحابنا بمصر، الذهبي/ سير أعلام النبلاء 14/145، وفيه إبراهيم ابن هارون الرازي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 2/142، فالأثر ضعيف ويشهد له ما في الرواية الصحيحة المتقدمة من أمر الوالي بإعطاء الرعية أعطياتهم وما فيه من الأمر للوالي بأن يغزو بالرعية له ما يؤيده مما سيأتي بيانه إن شاء الله من أن ولاه عمر رضي الله عنه على الأمصار كانوا قادة الفتح في البلاد المفتوحة.
(4) رواه ابن الجوزي/ المنتظم 4/137، وفي إسناده مبهمون.(6/34)
وروي أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته، وإن أشقى الرعاة عندالله من شقيت به رعيته(1).
وروي أنه كتب لعمرو بن العاص وهو أمير لمصر: كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك(2).
المطلب الرابع: ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار.
قبل البدء في ذكر ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والمدن في الدولة الإسلامية أود الإشارة إلى النقاط التالية:
1- إن الغالب على الروايات والأخبار التي ذكرت ولاة عمر رضي الله عنه على الأمصار والمدن الإسلامية الضعف إما لورودها من غير أسانيد أو بأسانيد فيها كثير من الضعفاء والمجاهيل والمتروكين أو بأسانيد منقطعة أو معضلة والقليل منها نقل بأسانيد صحيحة أو حسنة ولا شك أن مثل هذه الأخبار لا يتشدد فيها خصوصاً وأن الولاة الواردة أسماؤهم ممن ثبتت صحبتهم وممن توفرت فيهم شروط عمر رضي الله عنه في تولية الولاة. وقد تأتي بعض القرائن التي تدل عدم ثبوت الرواية فحينئذٍ يمكن رد الرواية بهذه القرائن والحجج القوية.
2- يلاحظ تعاقب عدد من الولاة على بعض المدن في مدة قصيرة وذلك راجع لكثرة استبدال عمر رضي الله عنه الولاة في هذه المدن حسب ما تقتضيه مصلحة الرعية مما قد يوهم بتعارض الروايات أو عدم ثبوتها.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/94، ورجال إسناده ثقات ولكنه معضل من رواية سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة، فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص 274، وفي إسناده رشاء بن نظيف والحسن المصري، وأبو بكر المالكي لم أجد لهم تراجم، وهو معضل من رواية سفيان بن عيينة عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثامنة، ورواه من طريق آخر وهو معضل أيضاً من رواية المدائني، المتوفى سنة 225ه، عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.(6/35)
3- إن ولاة عمر رضي الله عنه على المدن والأمصار خارج الجزيرة العربية كانوا في الغالب هم قادة الفتح، وأمراء الجيوش في البلاد المفتوحة.
وهذه أسماء ولاته رضي الله عنه على المدن والأمصار الإسلامية:
1- المدينة النبوية.
إن لمدينة النبيّ صلى الله عليه وسلم منزلة ومكانة متميزة عن بقية مدن الخلافة الإسلامية، فهي مقر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفيها مسكنه صلى الله عليه وسلم، وقبره، وفيها مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان مدرسة الإسلام الأولى التي تخرج منها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ملؤوا الأرض علماً وإيماناً ونوراً، فكانوا هم العلماء العاملين القادة الفاتحين.
والمدينة هي عاصمة دولة الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصّديق رضي الله عنه. وكذا كانت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لها مكانتها العالية فهي مقرّ الخلافة وفيها يقيم الخليفة عمر رضي الله عنه وأهل مشورته ووزراؤه من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها تدار شؤون الدولة الإسلامية، وتبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس والعراق والشام وإفريقية، وإليها ترسل الغنائم والفيئ والزكاة، ومنها يبعث الأمراء على البلدان والأقاليم.
وكان عمر رضي الله عنه يقيم بالمدينة وكان هو الذي يتولى أمر الرعية فيها ويقف على أحوالهم ويقضي حوائجهم، فلم يكن بحاجة لأمير يعاونه في ذلك، ولكنه رضي الله عنه كان يستخلف على المدينة من يقوم مقامه عند غيابه وممن استخلف عمر رضي الله عنه على المدينة:
1- زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.(6/36)
فكان رضي الله عنه يستخلفه إذا سافر(1)، وكان يستخلفه على المدينة إذا خرج حاجاً(2)، وحين خرج إلى بلاد الشام لما وقع بها الطاعون(3).
2- علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقد روي أن عمر رضي الله عنه استخلفه على المدينة عندما هم بالخروج لقتال الفرس بنفسه في موقعة القادسية(4)، وحينما خرج إلى بلاد الشام لعقد الصلح مع الروم في السنة الخامسة عشرة(5)، وكذلك عندما خرج إلى الشام في السنة السابعة عشرة(6)، وهي غير المرة التي رجع فيها عندما علم بوقوع الطاعون، وكانت سنة ثمان عشرة للهجرة.
__________
(1) قال ابن حجر رحمه الله: روى البغوي بإسناد صحيح عن خارجة بن زيد: كان عمر يستخلف زيد بن ثابت إذا سافر. الإصابة 1/561،562، ولم أقف عليه فيما بحثت.
(2) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153، 154، من كلامه. الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/476، 534 من كلامه.
(3) خليفة بن خياط ص 135 من كلامه.
(4) الطبري/ التاريخ 2/381، وفي إسناده شعيب بن إبراهيم فيه جهالة. ميزان الاعتدال 2/275، وفيه سيف بن عمر، ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ. تق 262.
القادسية: موقع في العراق غربي النجف. المنجد/ الأعلام ص 430.
(5) رواه الطبري/ التاريخ 2/449، قال وعن عدي بن سهل، ولم يذكر سنداً، وعدي بن سهل لم أجد له ترجمة، وقد وافق الطبري على ذلك ابن الأثير في الكامل 2/348، وابن كثير في البداية والنهاية 7/57، وخالف اليعقوبي في تاريخه وقال: إن عمر استخلف عثمان بن عفان 2/147، واليعقوبي شيعي معروف بميوله للرافضة.
(6) الطبري/ التاريخ 2/489، عن السري عن شعيب عن سيف بن عمر.(6/37)
وإن مما يزيد اليقين بثبوت الرواية التي فيها استخلاف عمر لعلي رضي الله عنه، اقتداء عمر رضي الله عنه في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم في استخلافه علياً فقد استخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة يوم غزوة تبوك، فقال علي رضي الله عنه أتخلفني في الصبيان والنساء؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي(1).
2- مكة:
1- عتاب بن أسيد(2) رضي الله عنه.
ذكر الطبري رحمه الله أن عتاباً كان والياً لعمر رضي الله عنه على مكة من السنة الثالثة عشرة وهي السنة التي ولي فيها عمر رضي الله عنه الخلافة حتى سنة اثنتين وعشرين أي قبل مقتله بسنة واحدة(3).
والذي ذكره خليفة بن خياط(4) والذهبي(5) رحمهما الله: أن عتاباً وأبا بكر رضي الله عنهما توفيا في يوم واحد، ونقل ذلك ابن عبد البر رحمه الله عن الواقدي وَوَلد عتاب، قال: وقال محمد بن سلام وغيره: جاء نعي أبي بكر إلى مكة يوم دفن عتاب بها(6)، ويعني هذا أن عتاباً لم يتول الإمارة في خلافة عمر رضي الله عنه لأنه كان قد توفي.
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 3/86، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 15/175.
(2) عتاب بن أسيد ابن أبي العاص بن أمية أبو عبد الرحمن أو أبو محمد المكي له صحبة وكان أمير مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات يوم مات أبو بكر رضي الله عنه فيما ذكر الواقدي، لكن ذكر الطبري أنه كان عاملاً لعمر سنة إحدى وعشرين. تق 380.
(3) التاريخ2/380، 442، 457، 476، 506،510، 511، 517، 534، 550 من غير إسناد.
(4) التاريخ ص 122.
(5) تاريخ الإسلام/ عهد الخلفاء الراشدين ص 97،98، 144.
(6) الاستعياب 3/143، 144.(6/38)
فالتعارض بين الروايتين ظاهر، وبَيّن ولا يمكن الجمع بينهما فلا بد من ترجيح إحداهما على الأخرى، وكأن ابن حجر رحمه الله مال إلى ترجيح قول الطبري رحمه الله تعالى قال: وروى الطيالسي والبخاري في تاريخه من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار عن عمرو(1) بن أبي عقرب سمعت عتاب أسيد وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول: والله ما أصبت في عملي هذا الذي ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان. وإسناده حسن، ومقتضاه أن يكون عتاب عاش بعد أبي بكر، ويؤيد ذلك أن الطبري ذكره في عمال عمر في سني خلافته كلها إلى سنة اثنتين وعشرين، ثم ذكر أن عامل عمر على مكة سنة ثلاث وعشرين كان نافع بن عبد الحارث، فهذا يشعر بأن عتاباً مات في آخر خلافة عمر رضي الله عنه(2).
2- محرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى القرشي(3).
__________
(1) عمرو بن أبي عقرب، سمع عتاب بن أسيد روى عنه سليط وأيوب ابنا عبد الله بن يسار حديثه عن أهل مكة، وليست له صحبة. البخاري/ التاريخ الكبير 6/356، ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 6/252.
(2) الإصابة 2/451.
ولعل وجه الدلالة من كلام ابن حجر أن عمرو بن أبي عقرب لقي عتاباً وسمع منه وعمرو لا صحبه له فهذا يدل على صغر عمره في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم فكونه يلقي عتاباً ويسمع منه يدل على أنه كان كبير السن حين لقي عتاباً، وفي هذا دليل على أن عتاباً عاش بعد خلافة أبي بكر طويلاً حتى لقيه عمرو ابن أبي عقرب وسمع منه وهو شاب كبير. وفي هذا ترجيح للقول بأن عتاباً تولى إمارة مكّة معظم خلافة عمر رضي الله عنه، لأن مدة خلافة أبي بكر بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم سنتان.
(3) مُحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، قتل يوم الجمل. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/23.(6/39)
استخلفه عتاب بن أسيد على مكة في سفر سافرها، ثم ولاه عمر بن الخطاب مكة في أول ولايته ثم عزله(1). ولم تذكر مدة ولايته وهو أول ولاة عمر رضي الله عنه على مكة على قول من قال إن عتاباً توفي يوم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
3- قنفذ بن عمير بن جدعان التيمي رضي الله عنه(2).
ولاه عمر رضي الله عنه مكة بعد عزله محرز بن حارثة، ولم تذكر مدة ولايته أيضاً(3).
4- نافع بن عبد الحارث الخزاعي رضي الله عنه(4).
ولاه عمر رضي الله عنه مكة بعد عزله قنفذ بن عمير، فخرج نافع إلى عمر، واستخلف مولاه عبد الرحمن بن أبزى، فقال له عمر رضي الله عنه: استخلفت على آل الله مولاك، فعزله(5).
وعند الطبري أنه كان والياً على مكة في السنة التي قتل فيها عمر رضي الله عنه(6).
__________
(1) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153، من غير إسناد، الفاكهي/ أخبار مكة، وقال: كان عاملاً لعمر فيما يقال. ابن حزم/ جمهرة النسب ص 78، من غير إسناد. ابن حجر/ الإصابة 3/368، نقلاً عن الفاكهي.
(2) قنفذ بن عمير بن جدعان التيمي له صحبة. ابن عبد البر/ الاستعياب 3/366.
(3) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153. ابن عبد البر/ الاستعياب 3/366. ابن حجر/ الإصابة 3/241، كلهم من غير أسانيد.
(4) نافع بن عبد الحارث بن حُبالة بن عمير الخزاعي له صحبة ورواية، وكان من كبار الصحابة وفضلائهم. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/54.
(5) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/378. ابن عبد البر/ الاستعياب 4/54 كلهم من غير أسانيد.
(6) التاريخ 2/587.(6/40)
وثبت أن نافعاً لقي عمر رضي الله عنه بعسفان فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال عمر بن الخطاب: من ابن أبزى؟ قال: رجل من مواليّ، قال: استخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله، وإنه لعالم بالفرائض. فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين(1).
5- خالد بن العاص بن هشام المخزومي(2).
ولاه عمر رضي الله عنه مكة بعد عزله نافع بن عبد الحارث(3).
6- طارق بن المرتفع الكناني(4) رضي الله عنه.
__________
(1) رواه مسلم في الصحيح/ شرح النووي كتاب المسافرين باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه 6/97-98، وعبد الرزاق/ المصنف 11/439، ابن سعد/ الطبقات 5/460، أحمد/ المسند 1/35، الفاكهي/ أخبار مكة 3/165، الدارمي/ السنن 2/443، الطبري/ تهذيب الآثار مسند عمر 2/779، 780، 781.
(2) خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي، قتل أبوه يوم بدر كافراً، له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون لم يسمع منه. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/15.
(3) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 153 من غير إسناد. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/15 من غير إسناد. ابن حجر/ الإصابة 1/408، وقال: يقال إن عمر رضي الله عنه استعمل خالد بن العاص هذا على مكة بعد نافع بن عبد الحارث الخزاعي.
(4) طارق بن المريفع الكناني عامل عمر بن الخطاب على مكة، ومات في عهده، ولم أر من ذكره في الصحابة صريحاً وهو صحابي لا محالة لأنه من جيران قريش ولم يبق بعد حجة الفتح إلى حجة الوداع أحد من قريش ومن حولهم إلا من أسلم وشهد الحجة كما تقدم، ولولا صحبته لم يؤمره عمر رضي الله عنه. ابن حجر/ الإصابة 2/221، 222. ونقل ابن فهد كلام ابن حجر في غاية المرام 1/51، 52.(6/41)
كان والياً لعمر رضي الله عنه على مكة(1)، استعمله عمر رضي الله عنه عليها بعد عزله نافع بن عبد الحارث(2). ولعلّه كان يتناوب الإمارة مع خالد بن العاص.
7- الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
روي أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم فاستعمله على بعض عمله بمكة فأقره أبو بكر وعمر وعثمان، ثم انتقل إلى البصرة واختط بها داراً، ومات في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه، ولم يذكر متى كانت ولايته ولعلها كانت على بعض المهام وليس مطلق الإمارة(3).
__________
(1) رواه الفاكهي/ أخبار مكة 3/166. ونقله عنه أبو الطيب الفاسي/ شفاء الغرام 2/255، ابن حجر/ الإصابة 2/221، وفي إسناده عند الفاكهي عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وفيه انقطاع من رواية عطاء بن أبي رباح عن عمر وهو ثقة من الثالثة، ونقله ابن حجر عن الفاكهي.
(2) نقل ذلك ابن حجر عن الطبري في الإصابة 2/221، ولم أقف عليه عنده، والله أعلم.
(3) ابن سعد/ الطبقات 4/56 من كلامه، ابن حجر/ الإصابة 1/292، قال: قال ابن سعد أخبرني علي بن عيسى بن عبد الله بن عبد الله بن الحارث، قال: صحب الحارث...الخ، وعلي بن عيسى لم أجد له ترجمة، وقد ترجم للحارث ابن نوفل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3/91، وابن عبد البر في الاستيعاب 1/355، ولم يذكرا تولية عمر رضي الله عنه له على مكة وكذلك لم يذكر أحد من المؤرخين فيما بحثت أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه وقال ابن حجر رحمه الله تعال في ترجمة الحارث بن عبد المطلب: قال ابن أبي حاتم: صحب النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله على بعض أعمال مكة، وولاه أبو بكر وعمر وعثمان مكة، ثم انتقل إلى البصرة، قال ابن حجر: قلت: وهم فيه وهماً شنيعاً، فإن هذه الترجمة لحفيده الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأما الحارث ابن عبد المطلب، فمات في الجاهلية. وانظر: ابن فهد/ غاية المرام 1/39 نقلاً عن ابن سعد.(6/42)
وهؤلاء الولاة الذين تقدم ذكرهم كانوا ولاة على مكة من قبل عمر رضي الله عنه على ما ذكره بعض المؤرخين وأما الطبري رحمه الله فذهب إلى أن والي عمر رضي الله عنه على مكة منذ استخلف حتى سنة اثنتين وعشرين أي قبل مقتله رضي الله عنه بسنة واحدة هو عتاب بن أسيد وكان واليه على مكة سنة ثلاث وعشرين نافع بن عبد الحارث الخزاعي رضي الله عنه، فعلى قول الطبري رحمه الله تكون ولاية محرز بن حارثة وقنفذ بن عمير ولاية على بعض المهام وليس مطلق الولاية وذلك مع وجود الوالي الحقيقي وهو عتاب بن أسيد أو كانت ولاية قصيرة مؤقتة لغياب عتاب بن أسيد خصوصاً وأنه لم تذكر مدة ولايتهما ثم ولي عمر رضي الله عنه نافع بن عبد الحارث قبل مقتله بسنة فكان والياً على مكة في السنة التي قتل فيها رضي الله عنه.
ولم يعزله عمر رضي الله عنه حيث وردت قصة خروجه وإنابته مولى له بسند صحيح وليس فيها أن عمر رضي الله عنه عزله كما ذكر بعض المؤرخين أن عمر رضي الله عنه عزله بسبب ذلك وولى بعده خالد ابن العاص وطارق بن المرتفع(1)، وقد يوفق بينهما بأنه رضي الله عنه ولاهما بعض المهام الخاصة بنافع أو أنه عزل نافعاً وولى خالداً وطارقاً مدة قصيرة ثم أعاد نافع بن عبد الحارث فتوفي عمر رضي الله عنه وهو على مكة والله أعلم.
3- الطائف:
1- عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه(2):
__________
(1) تقدم الكلام على ذلك في ص: 610.
(2) عثمان بن أبي العاص الثقفي أبو عبد الله بن بشر بن عبد بن دهمان أبو عبد الله، نزيل البصرة أسلم في وفد ثقيف فاستعمله النبيّ صلى الله عليه وسلم على الطائف، وأقره أبو بكر ثم عمر، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين سنة خمس عشرة. ثم سكن البصرة حتى مات بها في خلافة معاوية. قيل: سنة خمس وقيل: سنة إحدى وخمسين. الإصابة 2/460.(6/43)
استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف فلم يزل عليها حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر وهما السنة الثالثة عشرة والرابعة عشرة(1). ثم عزله وولاه عمان والبحرين.
2- يعلى بن أمية التميمي الحنظلي(2) رضي الله عنه:
كان والياً لعمر رضي الله عنه على الطائف سنة خمس عشرة(3).
3- سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي(4) رضي الله عنه:
__________
(1) ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/153. ابن حجر/ الإصابة 2/460 من غير إسناد، وذكر الطبري أن عثمان كان والياً على الطائف في سنة ثلاثة عشرة وستة عشرة، التاريخ 2/380،476 ووالياً على اليمامة والبحرين في السنوات أربعة عشر، وخمسة عشر وسبعة عشر إلى سنة ثلاث وعشرين، التاريخ 2/442، 457، 506، 510، 511، 517، 534، 550، 587، والذي أراه راجحاً هو ما ذكره ابن عبد البر وابن حجر لأنه يبعد أن يولي عمر رضي الله عنه عثمان بن أبي العاص سنة ثلاثة عشرة على الطائف ثم يعزله في السنة الرابعة عشر ويوليه اليمامة والبحرين ثم يعزله في السنة السادسة عشرة، ويعيده والياً على الطائف ثم يعزله مرة ثالثة ويعيده لولاية اليمامة والبحرين في السنة السابعة عشر.
(2) أسلم يوم الفتح، وشهد حنيناً والطائف وتبوك. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/147.
(3) الطبري/ التاريخ 2/457، من غير إسناد.
(4) له صحبة ورواية. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/190،191.(6/44)
استعمله عمر رضي الله عنه على الطائف ومخاليفها(1)، وكان استعمال عمر رضي الله عنه له بعد عزله عثمان بن أبي العاص في السنة الخامسة عشر كما ذكر ابن عبد البر(2)، وابن الأثير(3) وأما يعلى بن أمية المتقدم ذكره والذي ذكره الطبري أن عمر رضي الله عنه استعمله سنة خمس عشرة فلعل ولايته كانت قصيرة لبضعة أشهر أو أنه كان نائباً عن سفيان في بعض الأحيان، وقد استمرت ولاية سفيان حتى سنة ثلاث وعشرين حيث ذكر الطبري رحمه الله أنه كان والياً لعمر سنة ثلاث وعشرين ولم يذكر المؤرخون أسماء ولاة الطائف في السنوات من السادسة عشرة إلى الثانية والعشرين فلا ريب أنه رضي الله عنه كان واليها في تلك السنوات خصوصاً وأنه لم ينص أحد على عزل عمر رضي الله عنه له.
4- عتبة بن أبي سفيان بن حرب القرشي الأموي(4) أخو معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه.
ولاه عمر رضي الله عنه الطائف وصدقاتها(5).
ولم تذكر متى كانت ولايته وكم استمرت والظاهر والله أعلم أنه كان من عمال الصدقة ولم يكن والياً.
4- اليمن:
1- يعلى بن أمية التميمي(6) رضي الله عنه:
__________
(1) رواه الفاكهي/ أخبار مكة 2/191،192، حسن.
(2) الاستيعاب 2/190،191.
(3) أسد الغابة 2/319،320.
(4) قال ابن حجر رحمه الله: لم أر له بعد التتبع الكثير ذكراً قبل شهوده الدار حين قتل عثمان، ولم أر في ترجمته عند ابن عساكر ما يدل على أنه ولد في العصر النبوي، وهو محتمل. الإصابة 3/78.
(5) ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/146. ابن حجر/ الإصابة 3/78 من غير سند.
(6) تقدمت ترجمته في ص: 680.(6/45)
كان عاملاً لعمر على اليمن في سنوات خلافته كلها(1)، وقد تقدم ذكره في ولاة عمر رضي الله عنه على الطائف في السنة الخامسة عشرة وذكرت بأن ولايته كانت قصيرة ربما لم تتجاوز عدة أشهر أو كان نائباً عن الوالي الحقيقي وهو سفيان بن عبد الله في غيابه(2).
ومما يؤيد ذلك أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على اليمن في سنوات خلافته كلها.
2- عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي(3) رضي الله عنه:
__________
(1) الطبري/ التاريخ 2/380، 442، 476،506، 587 من غير إسناد، وذكر أنه كان والياً على صنعاء في سنة 23، وقال الحاكم في الأسامي والكنى 4/239، 220، 301 إنه كان عاملاً لعمر رضي الله عنه على نجران. ونقل ذلك ابن حجر في الإصابة 3/668، 669. ولا إشكال في ذلك فإن نجران كانت مخلاف ومقاطعة من مقاطعات اليمن، كما ذكر ذلك ياقوت الحموي في معجمه 5/266.
(2) تقدم في ص: 680.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 226.(6/46)
أقره عمر رضي الله عنه على الجَنَد(1) من اليمن بعد أن كان والياً عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه(2).
3- عدي بن نوفل بن أسد بن عبد العزى(3).
ذكر أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على حضرموت، وقيل إنه كان والياً لعثمان رضي الله عنه(4).
5- عُمان:
__________
(1) الجَنَد: مدينة باليمن كبيرة حصينة كثيرة الخيرات، بها قوم من خولان وبها مسجد جامع بناه معاذ بن جبل رضي الله عنه حين نزلها. الحميري/ الروض المعطار ص: 175، 176. وانظر: ياقوت الحموي/ معجم البلدان 2/169، الهمداني/ الأكليل الحاشية ص: 57.
(2) ابن سعد/ الطبقات/ الرابعة 1/337، الطبقات الكبرى 5/444، وفيه ولاه عمر اليمن. الزبيري/ نسب قريش ص 317، خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154،كلهم بلفظ ولاه عمر اليمن، ومن غير إسناد، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/73، بلفظ: كان عبد الله بن أبي ربيعة عاملاً على الجند، فبعث إلى عمر بمسك...الخ، وفي إسناده غسان بن عبد الحميد ذكره البخاري في التاريخ الكبير 7/107، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات 9/2، وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، فالخبر معضل، وقد ذكر الطبري عبد الله بن أبي ربيعة في ولاة عمر رضي الله عنه على الجند سنة ثلاث وعشرين فقط، التاريخ 2/587، وقال ابن عبد البر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه الجند ومخاليفها، فلم يزل والياً عليها حتى قتل عمر رضي الله عنه. الاستيعاب1/31،32، وقال ابن حجر: ولي الجند لعمر رضي الله عنه، الإصابة 2/305.
(3) عَدِي بن نوفل بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي أخو ورقة بن نوفل لأبيه أسلم عام الفتح. ثم عمل لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان على حضرموت. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/171.
(4) الزبيري/ نسب قريش ص 209. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/171. ابن الأثير/ أسد الغابة 3/398. ابن حجر/ الإصابة 2/471 من غير إسناد.(6/47)
1- بلال الأنصاري(1) رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه عمان، ثم عزله وضم عمان إلى عثمان ابن أبي العاص(2).
2- عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه:
تقدم أن عمر رضي الله عنه أقره سنتين من خلافته على الطائف، ثم عزله وولاه سنة خمس عشرة عمان والبحرين(3).
وكانت له فتوح بفارس، فقد روى أنه كان يذهب للجهاد، ويخلف على عمان والبحرين أخاه المغيرة بن أبي العاص، ويقال حفص بن أبي العاص(4).
__________
(1) ذكره ابن حجر في الإصابة في القسم الأول 1/165، وقال ابن عبد البر: لا أقف على نسبه في الأنصار. الاستيعاب 1/261.
(2) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/261، وقال: وخبره هذا مشهور. ابن الأثير/ أسد الغابة 1/209. ابن حجر/ الإصابة 1/165 من غير أسانيد.
(3) تقدم الكلام في ذلك في ص:679، ولم يذكره الطبري في ولاة عمر رضي الله عنه على عمان بل قال ولاه اليمامة البحرين.
(4) البلاذري/ فتوح البلدان ص 92 من رواية الهيثم بن عدي، قال البخاري: ليس بثقة، كان يكذب، وقال أبو داود: كذاب، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال ابن المديني: هو أوثق من الواقدي، ولا أرضاه في شيء، وقال الذهبي: كان إخبارياً علامة. ميزان الاعتدال 4/324.
حفص بن أبي العاص تقدمت ترجمته في ص 226.(6/48)
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه ولاه البحرين وعمان، فوجه أخاه الحكم(1) إلى البحرين ومضى هو إلى عمان، فأقطع جيشاً إلى تانة(2)، فلما رجع كتب إلى عمر، فكتب إليه: يا أخا ثقيف، حملت دوداً على عود، وإني أحلف بالله أن لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم، ووجه عثمان أخاه الحكم إلى بروص(3)، وأخاه المغيرة إلى خور الديبل(4)، فلقي العدو، فظفر بهم(5).
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إليه لما ولاه عمان: أن سر بأهل البحرين - يعني للجهاد - إلى شهرك(6).
وكان يغزو سنوات في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما يغزو صيفاً، فيرجع ويشتو بتوج(7).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 222.
(2) تانه: مدينة هندية في مهارشترا على بحر عمان. المنجد/ الأعلام ص 167.
(3) لم أقف على تعريف لها، والظاهر أنها من مدن الساحل الهندية القريبة من الجزيرة العريبة.
(4) الديبل: مدينة في جنوب البحر بفارس، وقيل هي في أرض السند، تقصدها مراكب العمانيين بأمتعتها وبضائعها. الحميري/ الروض المعطار ص 249.
(5) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 420، من كلام علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف، ولم أجد له ترجمة.
(6) شهرك هو ابن بريشهر قائد من قادة الفرس، قتله المسلمون حينما فتحوا توج، بقيادة عثمان والحكم بن أبي العاص. خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 141، 142.
رواه الفسوي/ المعرفة والتاريخ 3/200،201، ورجال إسناده ثقات ولكنه منقطع من رواية سعيد بن يزيد الأزدي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة.
(7) تَوَّجُ: مدينة بفارس، قريبة من كازرون، وهي مدينة بين شيراز والبحر، فتحها عثمان بن أبي العاص، وبنى بها مسجداً، وجعلها داراً للمسلمين، وأسكنها عبد القيس وغيرهم. ياقوت/ معجم البلدان 2/56.
رواه ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/153. ابن الأثير/ أسد الغابة 3/372، 373، 5/29، الذهبي/ سير أعلام النبلاء 2/374.(6/49)
3- حذيفة بن محصن الغلفائي(1):
ذكر الطبري رحمه الله أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على عمان من السنة التي ولي فيها الخلافة حتى سنة اثنين وعشرين ولم يذكر من ولي عمان في آخر سنة من خلافة عمر رضي الله عنه(2).
والذي عليه خليفة بن خياط(3)، وابن عبد البر(4)، وابن الأثير(5) أنه كان والياً على عمان في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأن والي عمان في خلافة عمر رضي الله عنه هو عثمان ابن أبي العاص الثقفي واستمر والياً عليها حتى وفاة عمر رضي الله عنه.
ولعل حذيفة كان معاوناً ومساعداً لعثمان بن أبي العاص في بعض المهام خصوصاً أثناء غيابه لانشغاله بالفتوح، والله أعلم.
6- البحرين:
1- العلاء بن الحضرمي(6) رضي الله عنه.
أقره عمر رضي الله عنه على البحرين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه إياها وأبو بكر كذلك، ثم عزله عمر رضي الله عنه، وولاه البصرة، فمات قبل أن يصل إليها في أواخر سنة أربع عشرة وأوائل سنة خمس عشرة من الهجرة(7).
__________
(1) قال ابن عبد البر/ لا أعرفه بأكثر من أن أبا بكر الصديق عزل عكرمة بن أبي جهل عن عمان، ووجه إلى اليمن، وولى على عمان الغلفائي، فلم يزل عليها حتى توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الاستيعاب 1/394، 395.
(2) التاريخ 2/442، 457، 476، 506، 587.
(3) التاريخ ص 122،123.
(4) الاستيعاب 2/153.
(5) أسد الغابة 1/390، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 1/317.
(6) تقدمت ترجمته في ص:638.
(7) البلاذري/ فتوح البلدان ص 92 من رواية أبي مخنف، قال الذهبي: تالف لا يوثق به. ميزان الاعتدال 3/419. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/192،193. ابن الأثير/ أسد الغابة 4/7، ابن كثير/ البداية والنهاية 7/123. ابن حجر/ الإصابة 2/497، التقريب ص 434 من غير إسناد.(6/50)
وقيل إن العلاء توفي في سنة عشرين أو إحدى وعشرين، فولى عمر رضي الله عنه مكانه أبا هريرة رضي الله عنه(1).
وقد ذكر الطبري رحمه الله أن العلاء كان والياً لعمر رضي الله عنه على البحرين في السنوات ثلاث عشرة وأربع عشرة وست عشرة، وأن عمر رضي الله عنه عزله عن البحرين عندما أمره بعدم ركوب البحر بجند المسلمين لقتال الفرس، فلم يستجب لذلك فندب أهل البحرين إلى فارس، فتسارعوا إلى ذلك، وفرقهم أجنداً، وقاتل الفرس بإصطخر(2)، وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم أراد الرجوع إلى البصرة بمن معه من المسلمين وقد غرقت سفنهم، فبلغ الخبر عمر رضي الله عنه، فاشتد غضبه على العلاء وكتب إليه يعزله، ويؤمر سعد بن أبي وقاص عليه، وأمره أن يلحق بجند سعد رضي الله عنهما، وكان ذلك في السنة السابعة عشرة من الهجرة(3).
وهذا القول قريب من القول الأول وهو أن عزل العلاء كان في السنة الخامسة عشرة إذ أن الفارق التاريخي بينهما قليل وهذا يقع كثيراً بين المؤرخين للاختلاف في بداية التاريخ الهجري، وسرعة بلوغ الخبر عند البعض، وتأخره عند البعض الآخر، وأما القول بأن موت العلاء كان في سنة عشرين أو إحدى وعشرين فقد نقله المؤرخون بصيغة التمريض والتضعيف كما تقدم ذلك(4).
2- عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه:
__________
(1) البلاذري/ فتوح البلدان ص 92، فقال: ويقال بأن عمر.... ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/193. ابن الأثير/ أسد الغابة 4/7، الذهبي/ سير أعلام النبلاء 1/263. ابن حجر/ الإصابة 2/497، 498، كلهم بلفظ، وقيل. وهي صيغة تضعيف.
(2) اصطخر: بلدة بفارس، من أقدم مدن فارس، وأشهرها، وبين اصطخر وشيراز إثني عشر فرسخاً. ياقوت/ معجم البلدان 1/211.
(3) التاريخ 2/498،499 من رواية سيف بن عمر، ونقله ابن كثير/ البداية والنهاية 7/85، 86.
(4) ص: 688 / الهامش.(6/51)
استعمله عمر رضي الله عنه على البحرين بعد عزله العلاء بن الحضرمي، وقد تقدم الكلام عن ولايته على عمان والفتوحات التي قام بها وقد أورد المؤرخون خبر تولية عمر رضي الله عنه له عمان والبحرين معاً(1).
واستمر عثمان رضي الله عنه والياً على البحرين حتى وفاة عمر رضي الله عنه حيث لم يذكر أحد من المؤرخين فيما بحثت فيه عزل عمر رضي الله عنه له.
3- عياش بن أبي ثور(2) رضي الله عنه:
ذكر أنه من ولاة عمر رضي الله عنه على البحرين قبل قدامة بن مظعون(3) رضي الله عنه(4)، ويظهر أن ولايته كانت على جباية الأموال وعلى الصدقات كما كانت ولاية قدامة بن مظعون رضي الله عنه وأنها كانت قصيرة فأغفلها كثير من المؤرخين.
4- قدامة بن مظعون رضي الله عنه:
ذكر في ولاة عمر رضي الله عنه على البحرين، ولم تذكر سنة ولايته والراجح عندي أنها كانت على جباية الأموال والصدقات حيث أن تلك المهمة كانت من خصوصيات الولاة، ولعل عمر رضي الله عنه بعثه على تلك المهمة لأن والي البحرين عثمان بن أبي العاص كان منشغلاً بالفتوح وبالقتال مع الفرس، وولى عمر معه معاوناً لعثمان أبا هريرة على القضاء والصلاة(5).
__________
(1) انظر ذلك في ص: 684.
(2) عياش بن أبي ثور له صحبة ولاه عمر رضي الله عنه البحرين قبل قدامة رضي الله عنه. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/301.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 640.
(4) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/38. ابن الأثير/ أسد الغابة ص 154. ابن حجر/ الإصابة 3/46 من غير أسانيد.
(5) البلاذري/ فتوح البلدان ص 92،93 من روايتي أبي مخنف والهيثم بن عدي.(6/52)
ثم إن عمر رضي الله عنه عزل قدامة بعد أن شرب الخمر وشهد عليه الجارود القيسي(1) سيد عبد القيس(2)، وأبو هريرة رضي الله عنهما، قال عمر رضي الله عنه لأبي هريرة: بما تشهد؟ فقال: لم أره شرب، ولكني رأيته سكران يقيء، فقال: لقد تنطعت في الشهادة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين، فقدم قدامة، فأقام عليه عمر رضي الله عنه حد الخمر(3) وعزله.
5- أبو هريرة رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه عمل قدامة بن مظعون بعد عزله سنة عشرين من الهجرة ثم عزله عمر رضي الله عنه عن البحرين، وقاسمه ماله(4). وأسند المهام التي كان يقوم بها لوالي البحرين الرسمي وهو عثمان ابن أبي العاص ولذلك ذكر المؤرخون أن عمر رضي الله عنه لما عزل أبا هريرة وولى البحرين عثمان(5). أي أسند إليه مهام أبي هريرة وهذا يؤيد ما ذكره أهل التاريخ من أن عثمان بن أبي العاص كان والي البحرين لعمر بعد عزل العلاء وحتى وفاة عمر رضي الله عنه(6).
7- اليمامة:
1- حذيفة بن محصن الغلفائي(7):
ذكر الطبري أن عمر رضي الله عنه ولاه عمان واليمامة في السنة الثالثة عشر(8).
2- عثمان بن أبي العاص الثقفي:
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 575.
(2) تقدم التعريف بهم في ص: 509.
(3) صحيح تقدم في ص: 641.
(4) البلاذري/ فتوح البلدان ص 93، رواية الهيثم بن عدي. الطبري/ التاريخ 2/516 من رواية الواقدي، وقصة مقاسمة عمر رضي الله عنه لأبي هريرة أمواله وعزله إياه صحيحة تقدم ذكرها في ص: 639.
(5) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/340.
(6) انظر ص: 690.
(7) تقدمت ترجمته في ص: 686.
(8) التاريخ 2/380 من غير إسناد، ونقل ابن حجر عن عمر بن شبة رحمه الله أن عمر رضي الله عنه ولاه اليمامة، الإصابة 1/317.(6/53)
تقدم أن الطبري رحمه الله ذكر أن عمر رضي الله عنه ولى عثمان البحرين واليمامة بعد عزله عن ولاية الطائف في السنة الرابعة عشرة وأن غير الطبري ذكر ولايته على البحرين وعمان في السنة الخامسة عشرة حتى آخر خلافة عمر رضي الله عنه، ولم يذكروا ولايته على اليمامة(1)، فلعل اليمامة كانت تابعة من ناحية الإمارة للبحرين لقربها منها جغرافياً(2).
3- أبو هريرة رضي الله عنه:
ذكر الطبري أن عمر ولاه البحرين واليمامة بعد عزله قدامة بن مظعون عن البحرين وقد تقدم أن قدامة ولاه عمر رضي الله عنه البحرين وأن ولايته كانت لجباية الأموال ثم عزله وولى أبا هريرة ثم عزله وأسند المهام التي كلف بها قدامة وأبا هريرة للوالي الحقيقي وهو عثمان بن أبي العاص(3).
وهذا يؤيد القول بأن اليمامة والبحرين كانت تحت ولاية واحدة وأن المراد بولاية أبي هريرة لليمامة هي ولاية جباية الصدقات وأن ذلك كان حين ولي ذلك في البحرين.
8- البصرة:
1- شريح بن عامر بن قيس السعدي(4) رضي الله عنه:
ذكر المؤرخون أن عمر رضي الله عنه ولاه البصرة حين بعثه مدداً لقطبة بن قتادة السدوسي(5)
__________
(1) انظر ذلك في ص: 679.
(2) قال ياقوت الحموي رحمه الله: وربما عد بعضهم اليمامة من أعمالها أي البحرين... حتى قال فلما ولي بنو العباس صيروا عمان والبحرين واليمامة عملاً واحداً، معجم البلدان 1/346، 347.
(3) تقدم في ص: 692.
(4) شريح بن عامر بن قيس السعدي، صحابي ولاه عمر البصرة، فقتل بناحية الأهواز. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/258.
(5) قطبة بن قتادة السدوسي، قال البخاري: له صحبة، وهو أول من فتح الأبلة، واستخلفه خالد بن الوليد رضي الله عنه على البصرة في سنة اثنتي عشر، ثم سار إلى السواد.
المصدر السابق 3/344. ابن حجر/ الإصابة 3/237.(6/54)
رضي الله عنه لما كتب إليه يستمده في قتال الفرس، فقال لشريح: كن ردءاً للمسلمين، فأقبل إلى البصرة، ثم سار إلى الأهواز(1)، فقتل بها فبعث عمر رضي الله عنه على عمله عتبة بن غزوان(2).
2- عتبة بن غزوان رضي الله عنه:
أمره عمر رضي الله عنه على البصرة بعد مقتل شريح بن عامر، وكان ذلك في السنة الرابعة عشرة من الهجرة(3)
__________
(1) تقدم التعريف بها في ص: 658.
(2) عتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني عبد شمس، من السابقين الأوّلين، وهاجر إلى الحبشة ثم رجع مهاجراً إلى المدينة رفيقاً للمقداد وشهد بدراً وما بعدها.وولاه عمر في الفتوح فاختط البصرة وفتح فتوحاً، وكان طويلاً جميلاً. ابن حجر/ الإصابة 2/455.
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 127، 154، عن المدائني عن أشياخه قالوا. ابن حجر/ الإصابة 2/147، وقال: روى عمر بن شبة من طريق قتادة، ثم ذكر النص، الطبري/ التاريخ 2/440، العسكري/ تصحيفات المحدثين 2/499 من غير سند.
(3) ذكر ذلك خليفة بن خياط رحمه الله تعالى وهو محدث مؤرخ من المؤرخين الأوائل في أحداث سنة أربع عشرة. التاريخ ص: 129. وكذلك الطبري وهو شيخ المؤرخين ذكر هذا في أحداث سنة أربع عشرة. وقال على سبيل التضعيف: وزعم سيف أن البصرة مصرت سنة ست عشرة، وكذلك نقله البلاذري عن أبي مخنف في فتوح البلدان ص: 92، 93. وذكر البلاذري أيضاً أن عمر رضي الله عنه أرسل إلى عتبة بن عزوان وقال:
"إن الحيرة قد افتتحت وقتل عظيم من العجم يعني مهران، ومهران إنما قتل في معركة البويب سنة ثلاث عشرة كما ذكر ذلك الطبري في تاريخه". 2/372.
وكأن الدّكتور صالح العلي في كتابه: "خطط البصرة ص: 43" مال إلى هذا الرأي وهو تحديد إرسال عتبة بن غزوان إلى البصرة سنة أربع عشرة حيث إنه ذكر قول سيف بن عمر بأن البصرة مصرت سنة ست عشرة، وأطلق عليه صفة الادعاء، وإن لم يصرح بترجيحه أحد القولين. ونقل الدّكتور عبد العزيز العمري في كتابه: "الولاية علىالبلدان في عصر الخلفاء الراشدين 1/113" عن الدّكتور صالح العلي ترجيحه لإرسال عمر رضي الله عنه عتبة إلى البصرة سنة أربع عشرة. وذلك بعد أن وافقه على ذلك والنصّ الذي نقله عن صالح العلي هو قوله: "ويزعم بعض المؤرخين أن عتبة أرسل سنة 16ه بعد معركة القادسية أو جلولاء، ولكن الأغلبية المطلعةمن المؤرخين يؤكّدون أنه أرسل سنة أربع عشرة من الهجرة مما يجعلنا نرجح روايتهم".(6/55)
. وذلك لقطع المدد عن جند الفرس بالمدائن(1)، فخرج عتبة رضي الله عنه من المدينة بثلاثمائة مقاتل في شهر صفر، وانضم إليه بعض الأعراب، فقدم البصرة ومعه خمسمائة جندي أو أقل أو أزيد في شهر ربيع الأول أو الآخر، فنزل عتبة بالخريبة(2)، وبالأبلة(3) خمسمائة من الأساورة(4) يحمونها، وكانت مرفأ السفن من الصين وما دونها، فسار عتبة، فنزل دون الأجّانة، فأقام نحواً من شهر، ثم خرج أهل الأبلة، فناهضهم عتبة، فهزمهم، ففروا، وخلوا المدينة، فدخلها المسلمون(5).
__________
(1) المدائن: تقدم التعريف بها في ص: 443.
(2) الخريبة: تصغير خربة، موضع بالبصرة، وسميت بذلك لأن المرزبان كان قد ابتنى به قصراً، وخرب بعده، فلما نزل المسلمون البصرة، ابتنوا عنده، وفيه أبنية، وسموها الخريبة. ياقوت/ معجم البلدان 2/363.
(3) الأُبُلّة: بلدة على شاطىء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة، لأن البصرة مصرت أيام عمر بن الخطاب، وكانت الأبلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى. المصدر السابق 1/77.
(4) الأساورة: قوم من العجم بالبصرة نزلوها قديماً، والأُسوار: الواحد من أساورة فارس وهو الفارس من فرسانهم المقاتل. ابن منظور/ لسان العرب 6/428.
(5) رواه الطبري/ التاريخ 2/439، 440، من رواية أبي مخنف عن مجالد عن الشعبي.(6/56)
وبعد دخولهم الأبلة خطب فيهم عتبة رضي الله عنه خطبة ذكرهم فيها بفناء الدنيا، وأن الناس منتقلون منها إما إلى جنة أو نار، وذكرهم بحالهم في بداية الإسلام، وما من الله به عليهم، قال رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حَذّاء(1)، ولم يبق منها إلا صُبَابة(2) كصبابة الإناء، يتصابها صحابها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم، فيهوي فيها سبعين عاماً لا يدرك لها قعراً، والله لتملأن، أفعجبتم، ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالنا من طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة، فشققتها بيني وبين سعد بن مالك(3)، فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميراً على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً، وعند الله صغيراً(4).
__________
(1) حَذّاء: مسرعة الانقطاع. النووي/ شرح صحيح مسلم 18/102.
(2) صُبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء. المصدر السابق.
(3) هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(4) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 18/101 103.(6/57)
ثم اختط عتبة بن غزوان البصرة، وكانت قبل ذلك تسمى الأبلة، وأمر محجن بن الأدرع(1) بخط المسجد، وبناه بالقصب، ثم خرج رضي الله عنه حاجاً، وخلف على البصرة مجاشع بن مسعود(2)، وأمره أن يسير إلى الفرات، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع، فجمع أهل مسيان(3) للمغيرة عليهم الفيلكان عظيم من عظماء الفرس، فظهر عليهم المغيرة، وكتب بالفتح إلى عمر، فأمر عمر عتبة أن يسير إلى عمله، فمات قبل أن يصل البصرة، فقدم غلامه سويد على عمر بمتاعه، فأقر عمر المغيرة على البصرة وكان ذلك في آخر سنة أربع عشرة وأول سنة خمس عشرة من الهجرة(4).
وكانت مدة ولاية عتبة بن غزوان رضي الله عنه على البصرة ستة أشهر(5)
__________
(1) محجن بن الأدرع الأسلمي رضي الله عنه صحابي اختط مسجد البصرة، مات في آخر خلافة معاوية. تق 521.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 659.
(3) مَيْسَان: تقدم التعريف بها في ص: 623.
(4) ابن سعد/ الطبقات 3/99،7/5 من رواية الواقدي، خليفة بن خياط/ التاريخ ص 129،154 من غير سند، البلاذري/ فتوح البلدان ص 92، 341،342 من رواية أبي مخنف، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، الطبري/ تاريخ الأمم والملوك 2/441 عن عليّ بن زيد من غير إسناد، وذكر وفاته سنة أربع عشرة.
(5) الطبري/ التاريخ 2/442.
وفي رواية الواقدي عند البلاذري في فتوح البلدان ص 345، أن عتبة بن غزوان رضي الله عنه كان مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فكتب عمر إلى سعد رضي الله عنهما أن اضرب قيروانك بالكوفة، ووجه عتبة إلى البصرة، فخرج عتبة في ثمانمائة، فضرب خيمة من أكسية، وضرب الناس معه، وأمده عمر بالرجال، فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن منها بالخريبة اثنتان، وبالزابوقة واحدة، وفي بني تميم اثنتان، وفي الأزد اثنتان ثم إن عتبة خرج إلى الفرات بالبصرة، فافتتحه، ثم رجع إلى البصرة، وكان سعد يكاتبه فغمه ذلك، فاستأذن عمر في الشخوص إليه، فلحق به، واستخلف المغيرة بن شعبة فلما قدم المدينة شكا إلى عمر تسلط سعد عليه، فقال له عمر: وما عليك أن تقر بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف، فأبى الرجوع، وأبى عمر إلا رده، فسقط عن راحلته في الطريق، فمات في سنة ستة عشر.(6/58)
.
3- المغيرة بن شعبة(1) رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على البصرة بعد وفاة عتبة بن غزوان رضي الله عنه وكانت مدة ولايته سنتين من السنة الخامسة عشرة إلى السنة السابعة عشرة، وكانت له عدة فتوح في بلاد العراق وفارس، ومنها فتح مدينة ميسان(2)، ثم عزله عمر رضي الله عنه بعد اتهامه بالزنى(3).
4- عبد الرحمن بن سهل بن يزيد بن كعب الأنصاري(4) رضي الله عنه:
قال ابن الأثير نقلاً عن أبي نعيم: ولاه عمر البصرة بعد موت عتبة ابن غزوان، ولم أقف على من ذكر ولايته على البصرة ممن ترجم له غير ما نقله ابن الأثير(5).
5- أبو موسى الأشعري رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه بعد عزله المغيرة بن شعبة عن البصرة في السنة السابعة عشرة واستمر والياً عليها حتى قتل عمر رضي الله عنه، وكانت له عدة فتوح ببلاد فارس ومنها فتح الأهواز(6) ثم أصبهان(7).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 83.
(2) تقدم التعريف بها في ص: 623.
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 129 من غير إسناد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 238،239 من رواية هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وهما ضعيفان، الطبري/ التاريخ 2/457،456،492،493، الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 1/191 من غير إسناد. ابن حجر/ الإصابة 3/352 من غير إسناد.
(3) تقدم ذكر ذلك في ص: 641، 642، وسيأتي إن شاء الله تعالى في ص: 715 أن عمر رضي الله عنه ولاّه الكوفة بعد عزله عن البصرة.
(4) صحابي جليل شهد أحداً والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم. ابن الأثير/ أسد الغابة 3/299.
(5) المصدر السابق.
(6) تقدم التعريف بها في ص: 658.
(7) تقدم التعريف بها في ص: 611.
خليفة بن خياط/ التاريخ ص 154، الطبري/ التاريخ 2/506، 510، 511، 517، 534،550، 587. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/103،104.
ابن الأثير/ أسد الغابة 3/245، 246. ابن حجر/ الإصابة 2/359 من غير أسانيد.(6/59)
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب مع أبي موسى حين ولاه كتاباً للمغيرة وفيه أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم، فبعثت أبا موسى أميراً، فسلم إليه ما في يدك والعجل، وكتب إلى أهل البصرة: أما بعد فإني قد بعثت أبا موسى أميراً عليكم، ليأخذ لضعيفكم من قويكم، وليقاتل بكم عدوكم، ويدفع عن ذمتكم وليحصي لكم فيئكم ثم يقسمه بينكم، ولينقي لكم طرقكم(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى الخليفة من بعده ألا يقر أميراً من أمرائه أكثر من سنة إلا أبا موسى الأشعري(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه نزع أبا موسى عن البصرة وولاها عمر بن سراقة(3)، وولى أبا موسى الكوفة ثم أعاد أبا موسى على البصرة وصرف عمر بن سراقة إلى الكوفة(4).
وروي أن عمر رضي الله عنه ولي أبا موسى الأشعري رضي الله عنه الكوفة بعد عزله عمار بن ياسر رضي الله عنه في سنة اثنتين وعشرين، وأنه رضي الله عنه مكث على ولاية الكوفة سنة واحدة ثم عزله بعد أن شكاه أهل الكوفة(5). ولعل ما روي من نزع أبي موسى عن البصرة وتولية عمر بن سراقة عليها كان لمدة قصيرة جداً وغير معتبرة ولذلك أهملها المؤرخون ثم أعاده عمر رضي الله عنه على البصرة كما ذكرت الرواية.
__________
(1) رواه الطبري/ التاريخ 2/93 من طريق سيف بن عمر.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/359،4/109. ابن عبد البر/ التمهيد 14/309 وفي إسناده عند ابن سعد مجالد بن سعيد ليس بالقوي، وهو منقطع من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه، وهو عند ابن عبد البر من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف.
(3) لم أجد له ترجمة، ولعله عمرو بن سراقة العدوي، صحابي جليل شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/260، وذكره ابن حجر/ الإصابة 2/537 ولم يذكر تولية عمر رضي الله عنه له.
(4) رواه الطبري/ التاريخ 2/499 من رواية سيف بن عمر.
(5) الطبري/ التاريخ 2/544 من رواية سيف بن عمر.(6/60)
وأما الرواية التي فيها أنه ولى أبا موسى على الكوفة بعد نزع عمار عنها في سنة اثنتين وعشرين فإن الطبري قال: في قول بعضهم، وقد ذكرت ما قال الواقدي، والذي نقله الطبري عن الواقدي هو أن عمر رضي الله عنه ولى الكوفة بعد نزع عمار بن ياسر عنها المغيرة بن شعبة(1). وهذا القول هو الذي اعتمده الطبري في ذكره لولاة الكوفة واعتمد أيضاً القول باستمرار ولاية أبي موسى على البصرة منذ ولاه إياها عمر حتى توفي عمر رضي الله عنه كما تقدم ذلك، وقد يوفق بين الروايتين بأن عمر رضي الله عنه لم يعزل أبا موسى عن البصرة بل ضم إليه الكوفة بعد عزل عمار عنها حتى عين والياً آخر عليها وهو المغيرة بن شعبة، والله أعلم.
9- الكوفة:
1- المثنى بن حارثة الشيباني(2) رضي الله عنه:
ذكر الطبري رحمه الله أنه كان والياً على الكوفة من قبل عمر رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة من الهجرة(3)، والكوفة إنما مصرت في السنة السابعة عشرة على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ومراد الطبري رحمه الله أنه كان والياً على موضع الكوفة وما جاوره من المناطق والمواضع التي كانت جيوش المسلمين ترابط بها، والتي كانت تحت قيادته رضي الله عنه، حيث قاد رضي الله عنه المسلمين في موقعة البويب(4) التي قتل فيها قائد الفرس مهران واحتز رأسه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
2- سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
__________
(1) المصدر السابق 2/534.
(2) المثنى بن حارثة الشيباني كان إسلامه وقدومه في وفد قومه على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع، وقيل سنة عشر، وكان شجاعاً شهماً بطلاً، أبلى في حروب في العراق بلاءً لم يبلغه أحد. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/19.
(3) الطبري/ التاريخ 2/380 من غير إسناد.
(4) كانت موقعة البويب في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة من الهجرة. حسين مؤنس/الأطلس التاريخي ص 128، والبويب نهر كان بالعراق موضع الكوفة، يأخذ من الفرات. ياقوت/ معجم البلدان 1/512.(6/61)
ولاه عمر رضي الله عنه الكوفة في السنة الرابعة عشرة بعد عزل المثنى بن حارثة رضي الله عنه عن قيادة جيوش المسلمين وأمر عمر له بالانضمام تحت لواء سعد بن أبي وقاص الذي ولاه قيادة جيش المسلمين في موقعة القادسية(1)، ولكن المثنى رضي الله عنه توفي قبل أن يصل إليه سعد متأثراً بجراحه التي أصيب بها في موقعة الجسر(2).
وجهود سعد رضي الله عنه في فتوح العراق وبلاؤه فيها أشهر من أن يكتب عنها، فهو قائد الموقعة العظيمة الفاصلة موقعة القادسية، والتي هزم فيها الفرس شر هزيمة، وهو قائد موقعة المدائن(3) التي دخل فيها المسلمون المدائن واستولوا على إيوان كسرى وعرشه،وقائد موقعة جلولاء(4) وغيرها من المواقع.
وهو الذي مصر مدينة الكوفة، وأنشأها، وكان ذلك في شهر محرم من السنة السابعة عشرة للهجرة.
وسبب بنائها ما ذكره الطبري رحمه الله أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالمدائن: أنبئني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم ؟
__________
(1) تقدم التعريف بها في ص:670.
(2) كانت موقعة الجسر في آخر شهر رمضان وأول شوال سنة ثلاث عشرة من الهجرة في مكان يعرف بقس الناطف على نهر الفرات، قتل فيها قائد المسلمين أبو عبيد الثقفي رضي الله عنه وعدد كبير من المسلمين. انظر: خليفة بن خياط/ التاريخ ص 124، 125.
رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 129، البلاذري/ فتوح البلدان ص 255، 256، من غير سند، الطبري/ التاريخ 2/376،384 من رواية سيف ابن عمر.
(3) تقدم التعريف بها في ص: 443.
(4) جلولاء: بلدة في العراق جنوبي خانقين على شاطئ دجلة الأيمن، محطة هامة في خراسان بين العراق وإيران، عندها انتصر المسلمون على يزدجرد قائد الفرس الساسانيين، المنجد/ الأعلام ص 203 بتصرف.
وكانت موقعتي المدائن وجلولاء في السنة السادسة عشرة، الطبري/ التاريخ 2/381، 464، 468.(6/62)
فكتب إليه: إن العرب خدَدَهم(1)، وكفى(2) ألوانهم وخومة المدائن ودجلة. فكتب إليه عمر رضي الله عنه: إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان فابعث سلمان(3) رائداً، وحذيفة(4) - وكانا رائدي الجيش - فليرتادا منزلاً برياً بحرياً، ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر، فخرج سلمان حتى أتى الأنبار(5) فسار غربي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة وهي على حصباء، فنزلها فصليا، وقال كل واحد منهما: اللهم رب السماء وما أظلت، ورب الأرض وما أقلت، والريح وما ذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما جرت والشياطين وما أضلت، بارك لنا في هذه الكوفة، واجعلها منزل ثبات.
وكتبا إلى سعد بالخبر(6).
__________
(1) خَدَدّ لحمه تَخَدّد: هزل ونقص. ابن منظور/ لسان العرب 4/34.
(2) يقال رأيته مكتفي اللون ومتكفف اللون أي متغير اللون. المصدر السابق 12/116.
(3) هو سلمان الفارسي رضي الله عنه.
(4) هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
(5) الأَنبار: محافظة غرب العراق على الحدود السورية الأردنية، قاعدتها الرمادي، أقضيتها الرمادي، القائم، عَنَه، حديثه، هيت، الفلوجة، الرطبة. المنجد/ الأعلام ص 72، 73.
(6) رواه ابن سعد/ الطبقات 6/12 مختصراً من غير إسناد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 274، 275، من رواية معمر بن المثنى عن أشياخه، الطبري/ التاريخ 2/477، 478، من رواية سيف. ابن الجوزي/ المنتظم 4/222 من رواية سيف أيضاً.(6/63)
ثم شرع سعد رضي الله عنه في بناء الكوفة، وبعث إلى أبي الهياج(1)، فأخبره بكتاب عمر رضي الله عنه في الطرق، وكان أول ما بنى فيها المسجد في وسط المدينة، وبقربه دار الإمارة، وحوله البنيان بعيداً عنه، حيث أمر برام شديد النزع فرمى حول المسجد بسهمه، وأمر من أراد البناء أن يبني خلف السهم، وأنزل القبائل العربية في الكوفة(2).
__________
(1) أبو الهياج حيان بن حصين الأسدي. ثقة من الثالثة. تق 184.
(2) رواه البلاذري/ فتوح البلدان ص 274، 275، من رواية معمر بن المثنى عن أشياخه. الطبري/ التاريخ 2/479، 280 من رواية سيف.(6/64)
وجاء من طريق صحيح أن عمار بن ياسر رضي الله عنه أراد أن ينزل المسلمين المدائن فاجتووها وكرهوها، فبلغ عمر رضي الله عنه أن الناس كرهوها، فسأل: هل تصلح بها الإبل؟ قالوا: لا، لأن بها البعوض، فقال عمر: فإن العرب لا تصلح بأرض لا تصلح بها الإبل، فارجعوا، فلقي سعد بن أبي وقاص عباداً(1)، فقال: أنا أدلكم على أرض ارتفعت من البقعة(2)، وتطأطأت من السبخة(3)، وتسوطت الريف(4)، وطعنت في أنف التربة، أرض بين الحيرة(5) والفرات(6).
__________
(1) العِباد: قوم من قبائل شتى من بطون العرب، اجتمعوا على النّصرانية، فأنفوا أن يتسموا بالعبيد، نزلوا الحيرة. ابن منظور/ لسان العرب9/11.
(2) البقاع: مواضع يستنقع فيها الماء. ابن منظور/ لسان العرب 1/462، ولعل المراد بعدها عن المستنقعات.
(3) السَّبَخُ: المكان يسبخ، فينبت فيه الملح، وتسوخ فيه الأقدام، والسَبَخة هي الأرض تعلوها الملوحة، ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. المصدر السابق 6/148.
(4) الرّيفُ: ما قارب الماء من أرض العرب. المصدر السابق 5/392.
(5) الحِيرة: أطلال قاعدة الملوك اللخميين بين النجف والكوفة في العراق المنجد/ الأعلام ص: 227.
(6) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/551،552، خليفة بن خياط/ التاريخ 1/138، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا عفان، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا حصين عن أبي وائل، قال: جاء سعد... الأثر. وفيه عند خليفة إبهام بشيخه وبقية رجاله ثقات وفي آخر متنه عنده: فدلنا على الكوفة.(6/65)
واستمرت ولاية سعد رضي الله عنه على الكوفة حتى سنة عشرين من الهجرة(1).ثم عزله عمر رضي الله عنه لشكاية أهل الكوفة له أنه لا يحسن يصلي بهم ودعاه عمر رضي الله عنه إلى المدينة، فقدم سعد رضي الله عنه، فذكر له عمر رضي الله عنه له ما عابوا عليه من أمر الصلاة، فقال رضي الله عنه: إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها، إني لأركد بهم في الأوليين، وأحذف في الأخريين، فقال عمر رضي الله عنه: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل عمر رضي الله عنه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة وبعث معهم سعداً، فسألوا أهل الكوفة عن سعد، ولم يدعوا مسجداً إلا سألوا عنه، ويثنون معروفاً، حتى دخلوا مسجداً لبني عبس(2)، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذا نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسَّرِيَّة(3)، ولا يقسم بالسويّة ولا يعدل في القضية، فقال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبد ك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، فكان الرجل بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك أحد رواة الأثر: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن(4).
__________
(1) الطبري/ التاريخ 2/442، 457، 476، 506، 510، 511، 516 من غير إسناد.
(2) هم بنو عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان من قيس عيلان كانت منازلهم بنجد، وتنسب إلى عبس هؤلاء محلة بالكوفة فيها مسجد عمر، عمر رضا كحالة/ معجم قبائل العرب 2/738.
(3) هي القطعة من الجيش. ابن حجر/ فتح الباري 2/239.
(4) صحيح تقدم في ص:637.(6/66)
وروي أن أهل الكوفة شكوا سعداً لعمر بأنه اتخذ باباً على قصره يحتجب به عن الناس وعن حاجاتهم، فبعث عمر رضي الله عنه محمد بن مسلمة(1) إلى الكوفة وأمره بإحراق باب سعد بن أبي وقاص، فأحرقه(2).
وعلى الرغم من عزل عمر رضي الله عنه لسعد عن ولاية الكوفة، إلا أنه بين أنه لم يعزله بسبب تقصيره في أداء واجبه أو عجزه عن أداء مهمته أو خيانته. قال رضي الله عنه عن سعد رضي الله عنه: إني لم أعزله عن عجز ولا خيانة(3).
ولكنه رضي الله عنه فعل ذلك قطعاً لدابر الفتنة التي قد يثيرها المرجفون ومن معهم من الغوغاء، فكان فعله ذلك رضي الله عنه إخراساً لألسنتهم وقطعاً لحجتهم، ولذا جاء عنه رضي الله عنه أنه قال لأهل الكوفة: لأبدلنكم حتى ترضون، أي بالأمير الذي يتولى أمركم(4).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 660.
(2) رواه ابن المبارك/ الزهد ص 179181. ابن سعد/ الطبقات 5/62، إسحاق ابن راهويه/ المسند/ المطالب العالية لابن حجر ل 443/أ، أحمد/ المسند 1/54، البلاذري/ فتوح البلدان ص 277، الطبري/ التاريخ 2/480،481، الطبراني/ المعجم الكبير 1/144، القضاعي/ مسند الشهاب ص 67،68 ورجال إسناده عند ابن المبارك ثقات ولكنه منقطع من رواية عباية بن رافع بن خديج عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، ورواه سائر من رواه من طريق عباية سوى ابن سعد فقد رواه من طريق الواقدي، والبلاذري من رواية الكلبي عن أبي مخنف، فالأثر ضعيف.
(3) صحيح تقدم في ص: 635.
(4) رواه الخلال/ السنة ص 317، ورجال إسناده ثقات سوى أسامة بن زيد الليثي فهو صدوق، وفي إسناده حميد بن عبد الرحمن بن عوف اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه، قال العلائي: نعم روى عن عمر، وكأنه مرسل، جامع التحصيل ص 168، ولو ثبت سماعه كان الأثر حسناً.(6/67)
3- عبد الله بن عبد الله بن عتبان رضي الله عنه(1).
4- زياد بن حنظلة رضي الله عنه(2):
قال الطبري رحمه الله تعالى نقلاً عن سيف بن عمر: وكان بين عمل سعد بن أبي وقاص، وبين عمل عمار بن ياسر أميران، أحدهما عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وفي زمانه كانت وقعة نهاوند، وزياد بن حنظلة حليف بني عدي بن قصي، وفي زمانه أمر بالانسياح وعزل عبد الله ابن عبد الله، وبعثه في وجه آخر من الوجوه، وولى زياد بن حنظلة، وكان من المهاجرين، فعمل قليلاً، وألح في الاستعفاء فأعفي، وولى عماراً(3).
ولم تذكر مدة ولايتيهما ولعلها كانت قصيرة ولمدة عدد من الأشهر فقط.
5- عمار بن ياسر رضي الله عنه:
ولاه عمر الكوفة في سنة إحدى وعشرين بعد عزله سعد بن أبي وقاص في سنة عشرين من الهجرة(4).
__________
(1) عبد الله بن عبد الله بن عتبان الأنصاري، كان من أصحاب النبيصلى الله عليه وسلم، وهو الذي كتب الصلح بين المسلمين وبين أهل جي. ابن الأثير/ أسد الغابة 3/199.
(2) زياد بن حنظلة التميمي حليف بني عدي له صحبة، وهو الذي بعثه النبيصلى الله عليه وسلم إلى قيس بن عاصم، والزبرقان بن بدر ليتعاونوا على مسيلمة الكذاب. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/16.
(3) التاريخ 2/530،531، ونقله ابن حجر عن سيف في الردة. الإصابة 2/336.
(4) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 149، الطبري/ التاريخ 2/534.(6/68)
ولما ولى عمر رضي الله عنه عمار بن ياسر رضي الله عنه، بعث معه عبد الله بن مسعود معلماً لأهل الكوفة، وكتب إليهم: أما بعد، فإني بعثت إليكم عمار أميراً وعبد الله معلماً ووزيراً، وهما من النجباء(1) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا لهما واقتدوا بهما، وإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي(2).
وكان من مهام عمار رضي الله عنه الصلاة بالناس، وقيادة الجيوش وعبد الله بن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف(3) على مساحة الأرض، وكان عطاؤهم كل يوم شاة، شطرها لعمار لأنه الأمير، وشطرها الباقي لابن مسعود وابن حنيف(4)
__________
(1) النجيب من الرجال: الكريم الحسيب. ابن منظور/ لسان العرب 4/41.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات2/344،6/7،8، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/384، أحمد/ المسند 1/459، فضائل الصحابة 2/842، ابن أبي خيثمة/ التاريخ ص: 155، الطبراني/ المعجم الكبير 9/85، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب، قال: قرئ علينا كتاب عمر... الأثر.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 644.
(4) رواه عبد الرزاق/ المصنف 10/333، أبو عبيد/ الأموال ص 73،74. ابن سعد/ الطبقات 6/8، أحمد/ فضائل الصحابة 2/842، ابن زنجويه/ الأموال 1/209، ابن كثير/ مسند الفاروق 2/486 ومداره عند عبد الرزاق وأبي عبيد وابن زنجويه على قتادة بن دعامة مدلس ولم يصرح بالسماع وهو منقطع من رواية أبي مجلز لاحق بن حميد عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، ورجاله عند عبد الرزاق ثقات، وسنده عند أحمد رجاله ثقات وفيه أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وليس فيه ذكر لجعل عمار على الصلاة والقتال ولكن هذه كانت من المهام التي يكلف بها الأمير كما مر ذلك في ذكر الأمراء السابقين. كما صرحت بذلك بقية مصادر الأثر.
ونقله ابن كثير عن حنبل بن إسحاق بسند متصل ورجاله ثقات سوى عامر ابن شقيق، فقد ضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ليس به بأس. ميزان الاعتدال 2/359، وقال ابن حجر: قواه البخاري والنسائي وابن حبان، وحكم البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل بأن حديثه حسن. النكت 1/421،422، فالأثر حسن إن شاء الله. وقال ابن كثير رحمه الله: هذا إسناد صحيح.(6/69)
.
واستمر عمار رضي الله عنه عاملاً لعمر رضي الله عنه على الكوفة لمدة سنة واحدة وبعض السنة، ثم عزله عمر رضي الله عنه في سنة اثنين وعشرين(1).
وكان سبب عزل عمر رضي الله عنه له، شهادة جرير بن عبد الله رضي الله عنه بضعفه في سياسة الرعية، وذلك حينما سأل عنه عمر رضي الله عنه(2).
6- المغيرة بن شعبة(3) رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه الكوفة بعد عزله عمار بن ياسر رضي الله عنه(4).
ولعل ذلك كان في بداية السنة الثانية والعشرين فقد ذكر المؤرخون أن ولايته استمرت نحواً من سنتين، وكان والياً على الكوفة حين قتل عمر رضي الله عنه(5)
__________
(1) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 152، الطبري/ التاريخ 2/544.
(2) صحيح تقدم الكلام عليه في ص: 627.
وفي رواية عند الطبري أن عمر رضي الله عنه قال لعمار رضي الله عنه حين عزله: أساءك حين عزلتك؟ فقال: والله ما فرحت به حين بعثتني، ولقد ساءني حين عزلتني، فقال عمر: لقد علمت ما أنت بصاحب عمل، ولكني تأولت قوله تعالى: { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الورثين}، وهي رواية ضعيف من طريق شعيب عن سيف بن عمر.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 83.
(4) ابن أبي شيبة/ المصنف 6/203،550، البلاذري/ فتوح البلدان ص 278، 279، الطبري/ التاريخ 2/534، 545، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا إسماعيل أخبرنا قيس، قال: قال عمر: ألا تخبروني... الأثر.
(5) البلاذري/ فتوح البلدان ص 278،279 من رواية مجالد عن الشعبي، الطبري/ التاريخ 2/550،587 من غير إسناد.
وقد تقدم ما رواه الطبري من أن عمر رضي الله عنه ولى الكوفة بعد نزعه عمار بن ياسر وقبل تولية المغيرة بن شعبة أبا موسى الأشعري، وتقدم الكلام على ذلك في ص: 702.
وذكر خليفة بن خياط رحمه الله أن عمر رضي الله عنه ولي الكوفة بعد عزله عمار سعد بن أبي وقاص مرة أخرى، ثم عزله وولاها جبير بن مطعم، ثم عزله قبل أن يسير إليها وولاها المغيرة بن شعبة، التاريخ ص 154،155 من غير إسناد.(6/70)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى المغيرة لما بعثه على الكوفة فقال: ليأمنك الأبرار، وليخافك الفجار(1).
وكان للمغيرة رضي الله عنه حين ولاه عمر رضي الله عنه عدة فتوح ببلاد فارس منها فتح مدينتي همذان(2) وأذربيجان(3) في قول بعض المؤرخين(4).
10- الموصل:
1- عتبة بن فرقد السلمي(5) رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه الموصل(6) بعد فتحه لها بعد أن فتح نينوى(7) وصالحه أهلها على الجزية في سنة عشرين من الهجرة(8).
2- عرفجة بن هرثمة البارقي(9) رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه الموصل بعد عزله عتبة بن فرقد(10)، وقام عرفجة بخط الموصل وتمصيرها وأسكنها العرب(11).
11- مَيْسان:
__________
(1) الطبري/ التاريخ 2/545 من رواية سيف.
(2) هَمَذان: مدينة إيرانية جنوب غربي طهران. المنجد/ الأعلام ص 597.
(3) تقدم التعريف بها في ص: 612.
(4) رواه خليفة بن خياط/ التاريخ ص 151 من طريق ابن إسحاق، على قول البعض وفي قول أن همذان من فتوح حذيفة بن اليمان أو جرير بن عبد الله وكذا أذربيجان قيل افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري، وقيل عتبة بن فرقد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 322 من رواية الواقدي.
(5) تقدمت ترجمته في ص: 262.
(6) المُوصل: مدينة في شمال العراق على دجلة، قاعدة محافظة نينوى.المنجد/ الأعلام ص 556.
(7) نِينَوى: محافظة في العراق قاعدتها الموصل لها ثمانية أقضية، الموصل، سنجار، تلعفر، القوش، تلكيف، الحمدانية، الشرقاط، البعاج، عين سفني. المصدر السابق ص 585.
(8) البلاذري/ فتوح البلدان ص 327 من غير إسناد.
(9) عَرْفَجة بن هرثمة بن عبد العزى البارقي، أحد الأمراء في الفتوح، وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة. ابن حجر/ الإصابة 2/474.
(10) البلاذري/ فتوح البلدان ص 327، من طريق أبي موسى الهروي عن أبي الفضل الأنصاري عن أبي المحارب ولم أجد لهم تراجم.
(11) المصدر السابق من رواية العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده وكلهم ضعفاء.(6/71)
1- النعمان بن عدي بن نضلة(1) رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على ميسان(2)، فتغنى بأبيات فيها مدح للخمر وهي:
من ملبغ الحسناء أن خليلها بميسان يسقي في زجاج وحنتم(3)
إذا شئت غنتني دهاقين قرية وصناجة(4) تجذو(5) على كلّ منسم(6)
لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا(7) بالجوسق(8) المتهدم
فبلغ ذلك عمر فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم {حم تَنزِيلُ الْكِتَبِ مِن اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ}(9).
أما بعد، فقد بلغني قولك: لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا في الجوسق المتهدم
وأيم الله لقد ساءني ذلك. وعزله، فلما قدم عليه المدينة، سأله فقال: والله ما كان من هذا شيء، وما كان إلا فضل شعر وجدته، وما شربتها قط.
فقال عمر: أظن ذلك، ولكن لا تعمل لي على عملاً أبداً(10).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 623.
(2) تقدم التعريف بها في ص: 623.
(3) الحَنْتَم: جرار خضر تضرب إلى الحمرة. ابن منظور/ لسان العرب 3/353.
(4) الصَّنْجُ الذي تعرفه العرب هو الذي يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر، وقيل: الصنج ذو الأوتار الذي يلعب به. ابن منظور/ لسان العرب 7/418. وفي رواية ابن إسحاق ورقاصة تجذو.
(5) جذا: ثبت قائماً، وقال الجوهري: الحاذي المقعي، فتنصب القدمين وهو على أطراف أصابعه. المصدر السابق 2/225.
(6) المَنْسِم: طرف خف البعير والنعامة والفيل، وقد تطلق على مفاصل الإنسان إتساعاً. المصدر 14/129.
(7) النَّديم: الشريب الذي ينادمه، وهو ندمانه أيضاً، ونادمني فلان على الشراب فهو نديمي. المصدر المصدر السابق 14/94.
(8) الجَوْسَق: القصر. المصدر السابق 2/284.
(9) سورة غافر الآيتان 201.
(10) تقدم الكلام عليه في ص: 623.(6/72)
2- حصين بن الحر بن مالك العنبري(1) رضي الله عنه:
كان عاملاً لعمر رضي الله عنه على ميسان(2)، ولم تذكر متى كانت ولايته.
12- المدائن(3).
1- سلمان الفارسي رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على المدائن(4)، ولم تذكر السنة التي ولي فيها، وكم كانت مدة ولايته عليها.
ولا شك أن ولايته لم تستمر إلى آخر خلافة عمر رضي الله عنه، فقد استعمل عمر رضي الله عنه بعده ولاة آخرين سيأتي ذكرهم إن شاء الله.
وكان لسلمان رضي الله عنه دور كبير في فتح المدائن، فقد كان رائد الجيش، وداعية الفرس(5).
وروي أن سلمان رضي الله عنه كان يطلب من عمر رضي الله عنه أن يعفيه من الإمارة، فيأبى(6)، ولعل عمر رضي الله عنه أعفاه بعد ذلك، فقد ولي المدائن بعده ولاة آخرون.
__________
(1) قال ابن حجر: كان من عمال خالد بن الوليد رضي الله عنه على بعض نواحي الحيرة زمن الفتوح في خلافة أبي بكر، وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمرون إلا الصحابة 1/336.
(2) ابن سعد/ الطبقات 7/125، وقال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال... وذكر ولاية حصين. وعمرو بن عاصم صدوق من صغار التاسعة.
(3) المدائن تقدم التعريف بها في ص: 443.
(4) رواه ابن سعد/ الطبقات 4/88 من طريقين الأولى من طريق مسلم بن إبراهيم حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا ثابت بن أسلم البناني، وهذا السند رجاله ثقات، ورواية ثابت عن عمر رضي الله عنه منقطعة فهو ثقة من الرابعة، والثانية رجالها ثقات ولكنها منقطعة أيضاً من رواية عبادة بن نسي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
وقال ابن حجر في ترجمة سلمان رضي الله عنه: وشهد بنفسه المشاهد وفتوح العراق، وولي المدائن، الإصابة 2/62.
(5) الطبري/التاريخ 2/463.
(6) أورده الذهبي/ سير أعلام النبلاء 1/547، تاريخ الإسلام/ الخلفاء الراشدون ص: 518، 519 عن شعبة عن سماك بن حرب عن عمه ورجاله ثقات وعم سماك بن حرب الراوي عن عمر رضي الله عنه لم أعرفه.(6/73)
2- السائب بن الأقرع الثقفي(1):
استعمله عمر رضي الله عنه على المدائن(2) ولم أقف على مدة ولايته ومتى كانت.
3- حذيفة بن اليمان(3) رضي الله عنه:
استعمله عمر رضي الله عنه على المدائن، واستمر والياً عليها حتى توفي بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه(4).
وروي أن عمر لما استعمله كتب له عهداً للرعية وفيه: اسمعوا له وأطيعوا.
__________
(1) السائب بن الأقرع الثقفي كوفي شهد فتح نهاوند مع النعمان بن مقرن، وكان عمر بعثه بكتابه إلى النعمان بن مقرن ثم استعمله على المدائن، وقال البخاري: السائب بن الأقرع أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح برأسه. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/137.
(2) رواه سعيد بن منصور/ السنن/ الأعظمي 2/186، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/555، وإسناده عند سعيد متصل ورجاله ثقات، وشيخ سعيد بن منصور في النسخة المطبوعة سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف من كبار التاسعة. تق 260، والذي رجحه الدكتور الأعظمي أنه سعيد بن عبد العزيز التنوخي، وهو ثقة وكذا قال ابن حجر رحمه الله، الإصابة 2/8، وإسناده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق سوى شيخ أبي إسحاق محمّد بن عبيد الله الشيباني راوي الخبر عن عمر رضي الله عنه لم أعرفه، وقال ابن حجر: أخرج ذلك ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، فالأثر صحيح.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 181.
(4) الذهبي/ سير أعلام النبلاء 2/364. ابن حجر/ الإصابة 1/318.(6/74)
فقدم حذيفة المدائن على حمار، وفي يده عرق ورغيف يأكله، فاستقبله الناس، فقرأ عليهم كتاب عمر، فقالوا له: سلنا، فقال: أسألكم طعاماً آكله وعلف حماري هذا، فأقام عندهم ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر أن أقدم، فخرج فلما بلغ عمر قدومه، كمن له في مكان حيث يراه، فلما رآه على الحال التي خرج من عنده عليها، أتاه عمر رضي الله عنه، فالتزمه وقال: أنت أخي وأنا أخوك(1).
وكانت لحذيفة رضي الله عنه آثار عظيمة، ومواقع جليلة في فتوح العراق، فقد كان أميراً على جيش المسلمين في نهاوند(2) بعد مقتل النعمان بن مقرن رضي الله عنه، وكان فتح همذان(3) والري(4)، والدينور(5) على يديه(6).
13- كسكر(7).
__________
(1) رواه عبد الرزاق/ المصنف 10/429، أحمد/ الزهد ص 226، هناد/ الزهد 2/415، الخلال/ السنة ص 112، ومداره على محمد بن سيرين رحمه الله، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقعطة وبقية رجاله عند عبد الرزاق ثقات، فالأثر ضعيف، وقد أثنى العلماء على مراسيل محمد بن سيرين.
(2) تقدم التعريف بها في ص: 643.
(3) تقدم التعريف بها في ص: 716.
(4) الرّي: مدينة في شمال إيران بضاحية طهران، أطلال مدينة تاريخية قديمة. المصدر السابق ص 272.
(5) الدِينَوَر: مدينة قديمة في الجبال بإيران، دخلها المسلمون، وازدهرت في أيامهم، خربها تيمور. المصدر السابق ص 255، بتصرف.
(6) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 147،148، 150،151، الذهبي/ سير أعلام النبلاء 2/364. ابن الأثير/ أسد الغابة 1/361. ابن حجر/ الإصابة 1/318.
(7) تقدم التعريف بها في ص: 643.(6/75)
وليها النعمان بن مقرن(1) رضي الله عنه، ولكنه اعتذر عن الولاية خوفاً من الافتتان بالدنيا، فكتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، إن مثلي، ومثل كسكر كمثل رجل شاب عند مومسة تلون له وتعطر، وإني أنشدك بالله لما عزلتني عن كسكر، وبعثتني في جيش من جيوش المسلمين، فكتب إليه عمر: سر إلى الناس بنهاوند، فأنت عليهم، فسار إليهم، فالتقوا، فكان أول قتيل(2).
ولم أقف على أسماء ولاة كسكر قبل النعمان أو بعده، ولعلها كانت تابعة لولاية البصرة، أو الكوفة أو المدائن لقربها منها.
14- الأهواز(3).
وليها في عهد عمر رضي الله عنه جزء بن معاوية التميمي(4)، وهو الذي أمد به عمر رضي الله عنه عتبة بن غزوان(5) واليه على البصرة عند قيامه بفتح الأهواز بقيادة حرقوص بن زهير السعدي(6) رضي الله عنه.
ولم تذكر مدة ولايته ومتى كانت، والظاهر أن ولايته على الأهواز كانت من قبل ولاة عمر رضي الله عنه على البصرة وذلك لقرب منطقة الأهواز من البصرة، وولاة البصرة هم الذين أوكل إليهم عمر رضي الله عنه قيادة جيوش المسلمين في منطقة الأهواز وما والاها.
15- أصبهان(7).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 642.
(2) صحيح تقدم تخريجه في ص: 643.
(3) تقدم التعريف بها في ص: 658.
(4) تقدمت ترجمته في ص: 658.
(5) تقدمت ترجمته في ص: 694.
(6) حرقوص بن زهير السعدي، قال ابن حجر رحمه الله: ذكر الطبري أن عتبة ابن غزوان كتب إلى عمر يستمده، فأمده بحرقوص بن زهير، وكانت له صحبه. الإصابة 1/320.
(7) تقدم التعريف بها في ص: 611.(6/76)
السائب بن الأقرع(1):ولاه عمر رضي الله عنه أصبهان بعد أن فتحها عبد الله بن عتبان(2)، فأمره عمر رضي الله عنه بالتوجه إلى كرمان(3)، وأن يستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع، وذلك في سنة إحدى وعشرين من الهجرة(4).
16- أذربيجان(5).
1- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:ولاه عمر رضي الله عنه أذربيجان بعد فتحها سنة اثنتين وعشرين(6).
ولم أقف على مدة ولايته على أذربيجان.
وتقدم أن حذيفة كان والياً على المدائن حتى وفاة عمر رضي الله عنه(7) فلعله وليها بعد عزله عن أذربيجان أو أنه كان والياً أو أميراً على جيش من جيوش المسلمين التي فتحت أذربيجان حيث أنه ذكر فيمن تولى فتح أذربيجان(8).
ولعل عمر رضي الله عنه ولاه أذربيجان مدة يسيرة إضافة لولايته المدائن ثم أسند ولاية أذربيجان لعتبة بن فرقد الذي كان من قادة المسلمين في فتح أذربيجان ورد حذيفة لعمله على المدائن. والله أعلم.
2- عتبة بن فرقد السلمي(9) رضي الله عنه:
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 269.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 711.
(3) كرمان: مدينة في إيران، قاعدة إقليم. المنجد/ الأعلام ص: 461.
(4) الطبري/ التاريخ 2/531،532، ابن كثير/ البداية والنهاية 7/114،وتقدم في ذكر ولاة المدائن أن عمر رضي الله عنه ولاه المدائن فلعل ذلك كان قبل فتح أصبهان حيث إن فتحها كان متأخراً بعدة سنوات عن فتح المدائن.
(5) تقدم التعريف بها في ص: 612.
(6) البلاذري/ فتوح البلدان ص 321،322، وفي إسناده مبهمون.
(7) انظر: ص: 722.
(8) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 151، قال: وقال أبو عبيدة: افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري بأهل الشام عنوة، ومعهم أهل الكوفة وحذيفة بعد قتال شديد، قال: ويقال: فتحها عتبة بن فرقد.
وقال الطبري رحمه الله: إن الذي فتح أذربيجان عتبة بن فرقد، وبكير بن عبد الله، وأن عمر رضي الله عنه جمع أذربيجان لعتبة، التاريخ 2/539.
(9) تقدمت ترجمته في ص: 262.(6/77)
ولاه عمر رضي الله عنه أذربيجان بعد عزله حذيفة رضي الله عنه(1) ولم أقف على تاريخ ولايته لأذربيجان وكم كانت.
وله قصة مع عمر رضي الله عنه تدل على ولايته لأذربيجان، قال أبو عثمان النهدي(2) رحمه الله: كنت مع عتبة حين افتتح أذربيجان فصنع صفطين(3) فيهما خبيص، وألبسهما الجلود واللبود(4)، ثم بعث بهما إلى عمر مع سحيم مولاه، فلما قدم على عمر قال: ما الذي جئت به، أذهب أم ورق؟ وأمر به فكشف عنه، فذاق الخبيص، فقال: إن هذا لطيب لين، أفكل المهاجرين أكل منه شبعه؟ قال: لا، إنما هو شيء خصك به، فكتب إليه عمر: أما بعد، فليس من كدك ولا كد أمك ولا كد أبيك، لا تأكل إلا ما شبع المسلمون منه في رحالهم(5).
ثانياً: بلاد الشام.
1- أبو عبيدة عامر بن الجراح:
__________
(1) البلاذري/ فتوح البلدان ص 322، ورجال إسناده ثقات سوى علي بن مجاهد فهو متروك. تق 404.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 178.
(3) لعل الصفط شيء كالإناء أو الزنبيل يوضع في الطعام، وفي رواية ابن أبي شيبة بسلال خبيص عظيمة.
(4) اللبود: ألبدت القربة، جعلتها في لبيد أي جوالق، والجوالق: وعاء من الأوعية. ابن منظور/ لسان العرب 2/333، 12/223.
(5) صحيح تقدم تخريجه في ص: 664، 665.(6/78)
كان خالد بن الوليد رضي الله عنه أميراً على جيوش المسلمين التي بعثها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في بداية السنة الثالثة عشرة لقتال الروم وهي: جيش يزيد بن أبي سفيان(1) ووجهته دمشق، وشرحبيل بن حسنة(2) ووجهته الأردن، وأبو عبيدة بن الجراح ووجهته حمص، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد أمره بالقدوم من العراق، فقدم خالد من العراق بتسعة آلاف مقاتل(3) وأمره على أجناد المسلمين المرابطة ببلاد الشام(4)
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 622.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 627.
(3) الطبري/ التاريخ 2/334، 335، من رواية سيف بن عمر.
(4) الأزدي/ تاريخ فتوح الشام ص 85،86، والذي ذكره الطبري من رواية سيف أن أمراء الأجناد هم الذين أمروا خالداً عليهم في موقعة اليرموك بعد أن خطب فيهم وحدثهم على توحيد صفوفهم وتأمير أحدهم وذلك في السنة الثالثة عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، والذي عليه كثير من المؤرخين أن موقعة اليرموك كانت في السنة الخامسة عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وأن أمير الأجناد فيها كان أبو عبيدة،ذهب إلى ذلك ابن إسحاق، نقل ذلك عنه ابن كثير في البداية والنهاية 7/4، والأزدي في فتوح الشام، وقال: كانت في خلافة عمر بعد موقعة فحل ودمشق، وفتح حمص، وقبل فتح بيت المقدس ص: 217، وحدد خليفة بن خياط تاريخ وقوعها في السنة الخامسة عشرة ص: 130، وذهب إلى ذلك الإمام الذهبي رحمه الله في تاريخ الإسلام ص 139، وقال: وقيل سنة ثلاث عشرة وأراه وهماً، وقال ابن عساكر رحمه الله بعد أن ذكر من قال بأن وقعة اليرموك كانت سنة خمس عشرة: وهذه الأقوال هي المحفوظة في تاريخ اليرموك. تاريخ دمشق 2/142.
ولا مانع أن يكون أبا بكر ولى خالد بن الوليد رضي الله عنهما إمرة الأجناد ببلاد الشام وقيادتها ولما تولى عمر رضي الله عنه الخلافة عزله وولى أبا عبيدة، ثم فوض أبو عبيدة قيادة الجيوش في موقعة اليرموك والتي كانت في خلافة عمر رضي الله عنه لخالد بن الوليد ووافقه على ذلك بقية أمراء الأجناد وذلك لخبرة خالد رضي الله عنه وحنكته القتالية.(6/79)
، والتي تقدم ذكرها وفتح خالد رضي الله عنه وهو في طريقه لبلاد الشام قادماً من العراق مدناً هامة منها دومة الجندل(1)، وتدمر(2)، وبصرى(3)، وكانت أولى المواقع الفاصلة التي قادها خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، موقعة أجنادين(4) في شهر جمادى الأولى من السنة الثالثة عشرة للهجرة، والتي هزم فيها الروم هزيمة منكرة، ثم توفي الصديق رضي الله عنه، وبعد أن تولى عمر رضي الله عنه الخلافة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن قيادة المسلمين ببلاد الشام وولى عليهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه(5).
__________
(1) دَوْمة الجندل: قرية في الجوف، يشرف عليها حصن مارد أكيدر الكندي، والجوف منطقة زراعية شمال تيماء على قرابة 450 كم. عاتق البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 127، 128.
(2) تَدمر: مدينة في قلب الصحراء السورية، شرقي حمص، واشتهرت بعروس الصحراء. المنجد/ الأعلام ص 199.
(3) بُصرى: مدينة سورية قديمة في محافظة حوران. المصدر السابق ص 129.
(4) أَجنادَيْن: من الرملة، من كورة بيت جبرين، وهي بالتحديد بين بيت المقدس والساحل. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 18.
(5) ذكر الأزدي أن عزل خالد رضي الله عنه كان بعد موقعة أجنادين وأثناء حصار المسلمين لمدينة دمشق، تاريخ فتوح الشام ص 94105، وذكر خليفة رحمه الله أنه كان بعد عقد الصلح مع أهل دمشق، التاريخ ص 119، والذهبي في تاريخ الإسلام ص 123، وابن عساكر/ تاريخ دمشق 2/134، 135، وقال البلاذري والطبري إن عزل خالد كان بعد موقعة أجنادين وقبل موقعة فحل وحصار دمشق، فتوح البلدان ص 118122، التاريخ 2/355، 356.(6/80)
وقد بين عمر رضي الله عنه سبب عزله لخالد رضي الله عنه وهو يخطب بالجابية(1) قال رضي الله عنه: وإني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطى ذا البأس وذا الشرف فنزعته، وأمرت أبا عبيدة بن الجراح، فقام أبو عمرو ابن حفص بن المغيرة(2)، فقال: والله ما اعتذرت يا عمر بن الخطاب، لقد نزعت غلاماً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغمدت سيفاً سله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعت لواءً نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطعت الرحم، وحسدت ابن العم، فقال عمر بن الخطاب: إنك قريب القرابة، حديث السن، مغضب في ابن عمك(3)
__________
(1) تقدم التعريف بها في ص: 302.
(2) أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي القرشي زوج فاطمة بنت قيس الفهرية، خرج مع علي رضي الله عنه إلى اليمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/282.
(3) صحيح، تقدم تخريجه في ص: 638 مختصراً، وفي لفظه عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 2/27: لما قدم عمر الجابية نزع خالد بن الوليد، وهذا وهم فإن في إسناده إسحاق بن راشد يروي عن الزهري، وفي روايته عنه بعض الوهم. وذلك لأن المؤرخين مجمعون على أن عمر رضي الله عنه نزع خالداً بعد تولية الخلافة بيسير، وعمر رضي الله عنه إنما قدم الجابية بعد السنة الخامسة عشرة للهجرة، ورواية الثقات فيها أن عمر رضي الله عنه لما قدم الجابية اعتذر من عزل خالد فقط.
وذكر بعض المؤرخين أن العزل الأوّل كان عن قيادة الجيوش عامة، وأمّا العزل الثاني فكان عن المشاركة في القتال مطلقاً وهو الذي كان عند ما قدم عمر الجابية. انظر: صادق إبراهيم عرجون/ خالد بن الوليد ص: 269.
وفي هذا الأثر دلالة على حسن خلق عمر رضي الله عنه وصبره وحلمه حيث رد رداً جميلاً على أبي عمرو الذي أغلظ له القول، وفيه دلالة على مكانة خالد بن الوليد رضي الله عنه العالية بين جند المسلمين وقادتهم حيث أن عمر رضي الله عنه اعتذر إليهم من عزله توضيحاً للحقيقة، وتطييباً لخاطرهم وجبراً لكسرهم.(6/81)
.
وأما السبب الآخر لعزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد فهو خشيته رضي الله عنه من افتتان الناس به، وأن النصر على الأعداء مقترن به، فيقل اعتمادهم على الله وتوكلهم عليه واستنزالهم نصره.
قال رضي الله عنه: لأنزعن خالد بن الوليد، والمثنى مثنى بني شيبان، حتى يعلما أن الله إنما كان ينصر عباده، وليس إياهما النصر(1).
وأما ما روي من أن سبب عزل عمر رضي الله عنه خالد بن الوليد رضي الله عنه هو غضبه عليه بعد قتله مالك بن نويرة وزواجه من امرأته في أحد حروب الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فهو خبر ضعيف سنداً ومتناً وقد تقدم الكلام عليه(2).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/284، ابن أبي شيبة/ المصنف 7/9، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 200، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 2/27، ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات سوى مبارك بن فضالة فهو صدوق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وقال أبو بكر المروزي عن أحمد: ما روى عن الحسن يحتج به، المزّي/ تهذيب الكمال 27/185، وهو هنا يروي عنه وهو منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، والأثر بطريقيه يرتقي لدرجة الحسن لغيره إن شاء الله.
(2) انظر: ص: 532-535.(6/82)
وبعد تولية عمر رضي الله عنه لأبي عبيدة رضي الله عنه روى أنه كتب إليه: أوصيك بتقوى الله الذي يبقي ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد فقم بأمرهم الذي يحق عليك، لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة، ولا تنزلهم منزلاً قبل أن تستريده لهم، وتعلم كيف مأتاه، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس، وإياك إلقاء المسلمين في التهلكة وقد أبلاك الله بي، وأبلاني بك، فغمض بصرك عن الدنيا، وألن قلبك عنها، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك، فقد رأيت مصارعهم(1).
وقيل إن أبا عبيدة رضي الله عنه لم يخبر خالداً رضي الله عنه بعزل عمر إياه ومكث عهد عمر رضي الله عنه عنده شهرين(2).
وهذا غير مستبعد على أولئك السلف الصالح الذين كان هدفهم الأول مصلحة المسلمين والحرص على وحدة صفوفهم وكلمتهم فلعل أبا عبيدة كتم عزل عمر لخالد حرصاً على وحدة صفوف المسلمين،وقوة معنوياتهم وهم يواجهون العدو، وهذا دليل على تواضع أبي عبيدة وعدم حرصه على الزعامة والرئاسة، والله أعلم.
__________
(1) رواه الطبري/ التاريخ 2/355،356، وفي إسناده عيسى بن يزيد مقبول من السابعة. تق 441، وفيه انقطاع من رواية صالح بن كيسان عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة، فالأثر ضعيف، وليس في متنه ما يستنكر.
(2) رواه عبد الرزاق/ المصنف 5/483، وهو منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.(6/83)
وظل خالد رضي الله عنه جندياً مخلصاً لدينه وربه ولولاة أمره تحت إمرة أبي عبيدة يقاتل في صفوفه الروم حتى لقي وجه ربه صابراً محتسباً في السنة الحادية والعشرين من الهجرة بمدينة حمص. ولما توفي رضي الله عنه اجتمع نسوة في داره بالمدينة يبكينه فمر بهم عمر رضي الله عنه، فقال معترفاً بفضل خالد بن الوليد رضي الله عنه وبمنزلته في الإسلام: وما عليهن أن يرقن من أعينهن على أبي سليمان(1).
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح تعليقاً 224، التاريخ الصغير 1/71، الحاكم/ المستدرك 3/297، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/204، البيهقي/ السنن الكبرى 4/71، صحيح عند البخاري في التاريخ.
قال: حدّثنا عمر بن حفص ثنا أبي ثنا الأعمش عن شقيق قال: قيل لعمر: إن نسوة بني المغيرة. وفي النسخة المطبوعة خطأ مطبعي في السند حيث إن فيه: "عن الأعش عن شقيق" والصواب: عن الأعمش، كما في بقية مصادر الأثر. وتكلم ابن حجر رحمه الله على طرقه في تغليق التعليق 2/466، 467.
وقد اختلف في مكان وفاة خالد رضي الله عنه، فقيل بحمص وعليه الأكثر، وقيل بالمدينة، ويدل عليه الأثر المتقدم كما قال ابن حجر. الإصابة 1/415، ولا مانع أن تكون وفاة خالد بحمص بلغت أهل المدينة، فاجتمع النسوة في بيته يبكينه.(6/84)
واستمر أبو عبيدة رضي الله عنه والياً على بلاد الشام، وقاد فيها المعارك الفاصلة مع الروم في اليرموك، وفتح دمشق وموقعة فحل(1)، وفتح حمص، وبعلبك وحلب، وإنطاكية(2)، وفتح بيت المقدس، حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه بطاعون عمواس(3) في السنة الثامنة عشرة للهجرة(4).
2- معاذ بن جبل رضي الله عنه:
استخلفه أبو عبيدة رضي الله عنه قبل وفاته بالطاعون، ولم تطل مدة ولايته رضي الله عنه، فقد توفي في العام الذي ولي فيه بالطاعون(5).
3- يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه(6):
ولاه معاذ بن جبل رضي الله عنه الشام قبل وفاته بالطاعون، فأقره عمر رضي الله عنه، ثم ما لبث يزيد رضي الله عنه أن توفي بالطاعون(7).
4- معاوية بن أبي سفيان:
__________
(1) فِحل: أطلال مدينة بيلا إحدى المدن العشر القديمة في فلسطين، جنوب شرق بيسان. المنجد/ الأعلام ص 407.
(2) أنطاكية: مدينة على العاصي قرب مصبه في المتوسط. المصدر السابق ص 76، 77.
(3) تقدم التعريف بها في ص: 233.
(4) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 125،126،127،130،134،135،138، البلاذري/ فتوح البلدان ص 122150، الطبري/ التاريخ 2/380، 442، 457، 476، 489.
(5) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 155. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/461، ابن الجوزي/ المنتظم 4/264، 265، وفي رواية عند الطبراني/ المعجم الكبير 20/77، أن عمر استعمل معاذاً على الشام، وكتب إليه أن أعط الناس أعطياتهم واغز بهم، وفي إسناده علي بن سعيد الرازي قال الدارقطني: لم يكن بذاك في حديثه، وحدث بأحاديث لم يتابع عليها، وتكلم فيه أصحابنا بمصر. الذهبي/ سير أعلام النبلاء 14/145، فالأثر ضعيف، ومعناه صحيح واستخلاف عمر معاذاً أي إقراره عليه بعد أن استخلفه أبو عبيدة.
(6) تقدمت ترجمته في ص: 622.
(7) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 155،ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/136.(6/85)
بعد موت يزيد بن أبي سفيان تولى إمرة بلاد الشام أخوه معاوية، وكان قد أوصى بها إليه، وأمره عليها قبل وفاته، فأقره عمر رضي الله عنه(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه نعى يزيداً لأبيه أبي سفيان حينما دخل عليه أبو سفيان، فقال عمر رضي الله عنه: آجرك الله في ابنك يا أبا سفيان، فقال: أي بني يا أمير المؤمنين؟ قال: يزيد بن أبي سفيان، قال: فمن بعثت على عمله؟ قال: معاوية، وقال عمر رضي الله عنه: إنه لا يحل لنا أن ننزع مصلحاً(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه أوصى معاوية لما ولاه فكتب إليه بكتاب يوصيه فيه بتقوى الله في عمله(3).
واستمر معاوية والياً على الشام حتى وفاة عمر رضي الله عنه(4).
__________
(1) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 155.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 7/405،406، الرابعة 1/113،114،132، ابن شبه/ تاريخ المدينة 3/55، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/382، وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية سعيد بن عمرو الأموي عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من صغار الثالثة. تق 239، وفي إسناده عند ابن أبي عاصم حفص بن عمر الدمشقي، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 3/171، وهو منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات/ الرابعة 1/133،134، من طريق الواقدي، وأبو بكر بن أبي سبرة وهو متهم بالوضع. تق 623.
(4) ابن سعد/ الطبقات 7/406 من غير إسناد، الرابعة ص 133، عن الواقدي. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/470، 471 من غير إسناد. ابن حجر/ الإصابة 3/433، وقال ولاه عمر الشام بعد أخيه يزيد وأقره عثمان.(6/86)
هؤلاء هم الولاة الذين نقل أن عمر رضي الله عنه جمع لهم ولاية الشام، والذي أرجحه أن أبا عبيدة رضي الله عنه هو الذي جمع له عمر رضي الله عنه ولاية أجناد الشام فقط وأما من جاء بعده فكانوا ولاة على بعض مناطق الشام، فمعاذ بن جبل استخلفه أبو عبيدة رضي الله عنه قبل وفاته على دمشق فقط، وكذلك من جاء بعده كيزيد ومعاوية لأن المؤرخين ذكروا إنابة أبي عبيدة ولاة آخرين لمناطق أخرى في الشام قبل وفاته، وأيضاً ذكروا أن عمر رضي الله عنه ولى بعض مناطق الشام ولاة أخرين، وكانت لهم فتوح في مناطقهم التي ولاهم عليها، وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: دمشق:
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:
قال الزهري(1): إنما ولاه عمر عمل يزيد، ولم يفرد له الشام، حتى كان عثمان فأفرد له الشام(2). وقال الواقدي: هذا الأمر المجتمع عليه عندنا ولا خلاف فيه(3).
وقال الذهبي رحمه الله: والمحفوظ أن الذي أفرد معاوية بالشام عثمان(4). ونقل ذلك ابن كثير رحمه الله(5).
وهو الذي رجحه الطبري رحمه الله حيث ذكر ولاية معاوية رضي الله عنه على دمشق في السنة الثالثة والعشرين، وهي آخر سنة من خلافة عمر رضي الله عنه(6).
ونقل الطبري عن ابن إسحاق رحمه الله قوله: ولما انتهى إلى عمر مصاب أبي عبيدة رضي الله عنه، ويزيد بن أبي سفيان، أمر معاوية بن ابي سفيان على جند دمشق(7).
واستمر معاوية رضي الله عنه والياً على دمشق حتى نهاية خلافة عمر رضي الله عنه.
حيث لم يذكر أن عمر رضي الله عنه ولى دمشق بعده أحداً غيره.
__________
(1) محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبد الله بن شهاب الزهري، متفق على جلالته وإتقانه من رؤوس الطبقة الرابعة. تق 506.
(2) ابن سعد/ الطبقات/ الرابعة 1/132، 133.
(3) المصدر السابق.
(4) سير أعلام النبلاء 3/133، وانظر: تاريخ الإسلام/ الخلفاء الراشدون ص 180.
(5) البداية والنهاية 8/127.
(6) التاريخ 2/587.
(7) التاريخ 2/489.(6/87)
ثانياً: حمص والجزيرة(1).
1- عياض بن غنم(2) رضي الله عنه:
استخلفه أبو عبيدة رضي الله عنه على حمص قبل وفاته، فأقره عمر رضي الله عنه.
وكانت لعياض فتوح كثيره في هذه المنطقة بل لقد ذكر المؤرخون أن فتح منطقة الجزيرة جميعاً كان على يديه، ولم يزل والياً عليها حتى توفي سنة عشرين من الهجرة، وأن عمر رضي الله عنه رزقه كل يوم ديناراً وشاة ومداً(3).
__________
(1) الجزَيرة: هضبة صحرواية على الحدود السورية العراقية التركية ما بين النهرين دجلة والفرات، كانت في الجاهلية وصدر الإسلام تتألف من ديار ربيعة في الشرق، وديار مضر في الغرب وديار بكر في الشمال، المنجد/ الأعلام ص 201.
(2) عياض بن غنم بن زهير بن أبي شداد القرشي الفهري، اختلف في تايخ إسلامه، فقيل كان ممن هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، وشهد المشاهد كلها، ومات بالمدينة، وقيل أسلم قبل الحديبية وشهدها وتوفي بالشام سنة عشرين. ابن حجر/ الإصابة 3/50.
(3) ابن سعد/ الطبقات 7/398، عن الواقدي، البلاذري/ فتوح البلدان ص: 176، 177 عن عبد الله بن أبي زياد الرصافي، صدوق من السابعة. تق 371، الطبري/ التاريخ 2/618 من رواية سيف بن عمر.(6/88)
وروي أن عمر رضي الله عنه لما أتاه نعي أبي عبيدة رضي الله عنه أكثر الاسترجاع والترحم عليه، وقال: لا يسد مسدك أحد،، وسأل: من استخلف على عمله؟ فقالوا: عياض بن غنم، فأقره، وكتب إليه، إني قد وليتك ما كان أبو عبيدة بن الجراح عليه، فاعمل بحق الله عليك(1).
2- سعيد بن عامر بن حذيم(2) رضي الله عنه:
ولاه عمر على حمص والجزيرة بعد وفاة عياض بن غنم، ولم تطل مدة ولايته فقد توفي في السنة التي ولي فيها(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب له كتاباً يوصيه فيه بتقوى الله، والجد في أمر الله، والقيام بالحق الذي يجب عليه، والرفق بالرعية(4).
__________
(1) ابن سعد/ الطبقات 7/398، من غير إسناد، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 2/153، الطبري/ التاريخ 2/618، الطبراني/ المعجم الكبير 17/ 316، الحاكم/ المستدرك 3/289، 260، الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 1/183، وفي إسناده عند ابن أبي عاصم حفص بن عمر الدمشقي، قال الذهبي: أتى بخبر منكر. ميزان الاعتدال 1/565، وهو منقطع من رواية الزهري عن عمر رضي الله عنه، ورواه الطبري والطبراني والحاكم من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف، ومعناه صحيح.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 646.
(3) ابن سعد/ الطبقات 7/398 من غير إسناد.
(4) المصدر السابق 4/269 من رواية الواقدي.(6/89)
وكان رضي الله عنه زاهداً في الدنيا روي أن عمر رضي الله عنه بلغه أنه يأتي عليه حين لا يدخن في تنوره، فبعث إليه بمال فاشترى ما يصلحه وأهله ثم قال لامرأته: لو أنا أعطيناها تاجراً لعله أن يصيب لنا فيها، فقالت: فافعل، فتصدق بها وأعطاها حتى لم يبق منها شيء، ثم احتاجوا، فقالت له امرأته: لو أنك نظرت إلى تلك الدراهم، فأخذتها، فإنا قد احتجنا إليها، فأعرض عنها، ثم عادت، فقالت أيضاً، فأعرض عنها، حتى استبان لها أنه قد أمضاها، قال: فجعلت تلومه، فاستعان عليها بخالد بن الوليد، فكلمها فقال: إنك قد آذيته، فقالت له أيضاً، فلما رأى ذلك سعيد برك على ركبتيه فقال: ما يسرني أن أحبس عن العنو(1) الأوّل يوم القيامة، ولا أن لي ما ظهر على الأرض، ولو أن خيرة من الخيرات أبرزت أصابعها لأهل الأرض من فوق السموات لوجد ريحهن، فأنا أدعهن لكُنَّ؟! فلما رأت ذلك كفت عنه(2).
وروي أن أهل حمص قدموا على عمر رضي الله عنه فقال: يا أهل حمص كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه، وكان يقال لحمص الكويفة الصغرى لشكايتهم العمال، فشكوا أربعاً، قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار.
__________
(1) العِنْو: يقال: أعناء من الناس وأعراء من الناس، واحدها عِنْوٌ وعِرْوٌ، أي: جماعات، ويقال: بها أعناء من الناس وأفناء أي: أخلاط، الواحد: عنو وفنو، وهم قوم من قبائل شتى. ابن منظور/ لسان العرب 9/444. والمراد به في الأثر: الناس والجماعة والأوائل الذين يدخلون الجنة.
(2) رواه ابن أبي شيبة/المصنف 7/212 ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق ولكنه منقطع من رواية عبد الرحمن بن سابط الجمحي عن عمر وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.(6/90)
قال: أعظم بها، قال: وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحداً بالليل، قال: وعظيمة، قال: وماذا؟ قالوا: له يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا، قال: وعظيمة، قال: وماذا؟ قالوا: يغبط الغبطة بين الأيام، أي تأخذه موتة، فجمع عمر بينهم وبينه، وقال: اللهم لا تقيل رأي فيه اليوم ما تشكون منه؟ فذكروا الشكوى الأولى، فقال سعيد: والله إن كنت لأكره ذكره، ليس لأهلي خادم، فأعجن عجيني، ثم أجلس حتى يخمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم، ثم ذكروا الثانية فقال: إني جعلت النهار لهم، والليل لله عز وجل، ثم ذكروا الثالثة فقال: ليس لي خادم يغسل ثوبي، ولا ثياب لي أبدلها، فأجلس حتى يجف، ثم أدلكها ثم أخرج إليهم من آخر النهار، ثم ذكروا الرابعة، فقال: شهدت مصرع خبيب الأنصاري(1) بمكة، وقد بضعت قريش لحمه، ثم حملوه على خشبة فقالوا: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أنني في أهلي وأن محمداً شيك بشوكة، ثم نادى، يا محمد، فما ذكرت ذلك اليوم، وتركي نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ذلك الذنب أبداً، فتصيبني تلك الغبطة فقال عمر: الحمد لله الذي لم يقيل فراستي، فبعث إليه بألف دينار، فقال: استعن بها على أمرك، فقالت امرأته: الحمدلله الذي أغنانا عن خدمتك فقال لها: هل أدلك على خير من ذلك؟ ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها، فقالت: نعم، فدعا رجلاً من أهله يثق به فصرها صرراً، ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإلى يتيم آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مبتلى آل فلان، فبقيت منها ذهبية، فقال لامرأته: أنفقي هذه، ثم عاد إلى عمله، فقالت امرأته: ألا تشتري لنا خادماً، ما فعل
__________
(1) خُبَيب بن عدي الأنصاري من بني جحجبا بن عوف بن كُلفة، شهد بدراً، وأسر يوم الرجيع في السرية التي خرج فيها مرثد بن أبي مرثد، وعاصم بن ثابت، وخالد ابن البكير في سبعة نفر فقتلوا، وذلك في سنة ثلاث، ثم قتله عقبة بن الحارث. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/23،24.(6/91)
ذلك المال؟ قال: سيأتيك أحوج ما تكونين إليه(1).
3- عمير بن سعد(2) رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه حمص بعد وفاة سعيد بن عامر(3)، وكانت له فتوح في منطقة الجزيرة، فقد فتح عين الوردة بعد قتال شديد، وكذلك رأس العين(4).
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب لعمير أن يقبل إلى المدينة وذلك حين تأخرت أخباره عن عمر رضي الله عنه حولاً كاملاً، فقدم المدينة ماشياً ومعه جرابه وقصعته، فأمره عمر رضي الله عنه أن يأتي بالخراج، فأخبره أنه لم يقدم بشيء منه، وأنه أنفقه في أهل حمص، ورأى عمر رضي الله عنه من زهده وورعه، ثم جدد له الولاية، وقال: وددت لو أن لي رجلاً مثل عمير أستعين به(5).
واستمرت ولاية عمير بن سعد على حمص حتى آخر سنة من خلافة عمر رضي الله عنه(6).
__________
(1) رواه ابن الجوزي/ المنتظم 4/302،303، ابن قدامة/ الرقة ص 134، 135، ومداره على الهيثم بن عدي اتهمه البخاري، وابن معين وأبو داود بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك. ميزان الاعتدال 4/324، فالأثر ضعيف جداً.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 649.
(3) ابن سعد/ الطبقات 7/402، 403 من غير إسناد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 180 ورجال إسناده ما بين ثقة وصدوق وفيه جد الحجاج بن أبي منيع لم أجد له ترجمة. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/289،290 من غير إسناد.
(4) رأس العين/ مدينة سورية على الخابور قرب حدود تركيا، مركز قضاء بمحافظة الحسكه. المنجد/ الأعلام ص 259. البلاذري/ فتوح البلدان ص 180.
(5) تقدم تخريجه في ص:649.
(6) الطبري/ التاريخ 2/587، وذكره في ولاة عمر رضي الله عنه على حمص سنة ثلاثة وعشرين، ونقل ابن حجر رحمه الله تعالى عن الكلبي أن عمر رضي الله عنه استعمله على حمص حتى مات، ونقل عن ابن سعد أنه قال: توفي في خلافة معاوية ونقل عن غيره أنه قال: توفي في خلافة عثمان، وقال: وجاء في رواية أخرى أنه مات في خلافة عمر، فصلى عليه قال ابن حجر: ولا يثبت ذلك، الإصابة 3/32.(6/92)
وقد أوردت المصادر التاريخية أسماء ولاة آخرين لحمص في عهد عمر بن الخطاب ولعلهم كانوا ينوبون عن الولاة المتقدم ذكرهم أحياناً أو كانوا ولاة على بعض المهام كالقضاء ونحوه، وهم كالآتي:
1- أبو الدرداء(1).
روي أنه كان والياً لعمر رضي الله عنه على حمص، فبلغ عمر رضي الله عنه أنه ابتنى كنيفاً بحمص، فكتب إليه، أما بعد: يا عويمر، أما كانت لك كفاية فيما بنت الروم عن تزين الدنيا، وقد آذن الله بخرابها، فإذا أتاك كتابي هذا، فانتقل من حمص إلى دمشق(2).
2- حبيب بن مسلمة الفهري(3) رضي الله عنه:
ذكر في ولاة عمر رضي الله عنه على حمص والجزيرة(4).
3- عبد الله بن قرط الثمالي رضي الله عنه(5):
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 182.
(2) رواه أبو زرعة/ التاريخ 1/220 مختصراً، أبو نعيم/ حلية الأولياء 7/305، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 7/397، ورجال إسناده عند أبي زرعة ثقات ولكنه معضل من رواية مكحول الشامي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الخامسة، وفيه عند أبي نعيم والبيهقي أحوص بن حكيم ضيعف. تق 96، وهو منقطع من رواية راشد بن سعد عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. تق 204، فالأثر ضعيف.
وقد نقل ابن عبد البر أن عمر رضي الله عنه أَمّر أبا الدرداء على القضاء بدمشق، قال: وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/212.
(3) حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر بن وهب القرشي الفهري، قال ابن معين: أهل الشام يثبتون صحبته، وأهل المدينة ينكرونها، وقال البخاري: له صحبة. ابن حجر/ الإصابة 1/309.
(4) خليفة بن خياط/ التاريخ ص 155. ابن الأثير/ أسد الغابة 1/374، وزاد وقيل لم يستعمله عمر.
(5) عبد الله بن قرط الثمالي الأزدي، قال البخاري وأبو حاتم وابن حبان: له صحبة، وروى الإمام أحمد بن حنبل بإسناد حسن أن اسمه كان شيطاناً فغيره النبي صلى الله عليه وسلم. ابن حجر/ الإصابة 2/358.(6/93)
ولي حمص بعد عزل حبيب بن مسلمة(1).
4- عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه بعد عزله عبد الله بن قرط، ثم عزله وأعاد عبد الله بن قرط(2).
5- خالد بن الوليد رضي الله عنه:
روي أن عمر رضي الله عنه استعمله على مناطق من منطقة الجزيرة على الرها(3)وحران(4) والرقة(5) وآمد(6)، فمكث سنة، فاستعفاه فأعفاه عمر(7)، ولم يذكر تاريخ ولايته رضي الله عنه ولا شك أنه كان قبل سنة إحدى وعشرين لأنها السنة التي توفي فيها رضي الله عنه.
وقيل إن سبب عزل عمر رضي الله عنه لخالد بن الوليد أنه اطِّلَى في حمام بآمد أو غيرها بشيء فيه خمر، قال الواقدي: وليس ذلك بثبت(8).
ثالثاً: فلسطين.
1- يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه:
__________
(1) خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 155. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/102، وقال: ولاه أبو عبيدة بن الجراح مرتين على حمص. ابن حجر/ الإصابة 4/38، وذكر قصة في ذلك.
(2) خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 155 من غير إسناد، البلاذري/ فتوح البلدان ص 145، وقال: قال قوم: وولى عمر حمص عبادة بن الصامت.
وقال ابن عبد البر: وجهه عمر إلى الشام قاضياً ومعلماً، فأقام بحمص. الاستيعاب 2/355، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 2/269.
(3) هي مدينة أورفا التركية، وتقع ما بين نهري دجلة والفرات قرب الحدود السورية. المنجد/ الأعلام ص 83 بتصرف.
(4) حران: مدينة قديمة في تركيا، موطن إبراهيم الخليل عليه السلام بعد هجرته من أور، وتقع ما بين نهري دجلة والفرات. المصدر السابق ص 214 بتصرف.
(5) الرِّقّة: مدينة في شمال سورية على الفرات، قاعدة محافظة يتبعها قضاء تل أبيض. المصدر السابق ص 265.
(6) ديار بكر: مدينة تركية على دجلة، شرقي الأناضول، هي آمد قديماً. المصدر السابق ص 252.
(7) رواه الحاكم/ المستدرك 3/296،297، ورجاله ثقات ولكنه معضل من رواية محمد بن عبد الله بن نمير، وهو ثقة من العاشرة.
(8) رواه البلاذري/ فتوح البلدان ص 182 عن الواقدي، قال: وروي قوم.(6/94)
استخلفه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على فلسطين وناحيتها بعد أن ولاه عمر رضي الله عنه إمارة الشام(1)، وقيل إن الذي ولاه على فلسطين عمر رضي الله عنه بعد أن بلغه نبأ وفاة أبي عبيدة رضي الله عنه(2).
وأمر عمر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان بغزو قيسارية(3)، فنهض إليها في سبعة عشر ألفاً، فقاتله أهلها، فحاصرهم، ثم مرض رضي الله عنه بالطاعون واستخلف أخاه معاوية على قيسارية ففتحها معاوية رضي الله عنه بعد ذلك ورجع يزيد إلى دمشق ومات بها بالطاعون في آخر سنة ثماني عشرة(4).
2- عمرو بن العاص:
ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلسطين بعد موت يزيد بن أبي سفيان سنة ثماني عشرة(5).
وكان لعمرو بن العاص رضي الله عنه فتوحات كثيرة بفلسطين وغيرها من بلاد الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد فتح مدن غزة، وسبسطية(6)، ونابلس، واللد، وعمواس، وبيت جبرين، وقنسرين(7).
وصالح أهل حلب ومنبج(8) وإنطاكية(9).
__________
(1) خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 146، ابن حجر/ الإصابة 3/656.
(2) البلاذري/ فتوح البلدان ص 155 من غير إسناد. ابن عبد البر/ الاستيعاب 4/136.
(3) مدينة بناها هيرودس الكبير بين حيفا ويافا. المنجد/ الأعلام ص 444.
(4) البلاذري/ فتوح البلدان ص 146،147، الطبري/ التاريخ 2/511، وفي رواية أبي معشر عند الطبري أن فتحها كان سنة ستة عشر على يد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
(5) ابن سعد/ الطبقات 7/493، خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 155. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/268.
(6) هي مدينة السامرة مدينة قديمة في فلسطين، جدد بناءها هيرودس، وسماها سبسطية.المنجد/ الأعلام ص 288.
(7) قِنّسرين: قرية في سورية جنوبي حلب على نهر فويق. المصدر السابق ص 443.
رواه البلاذري/ فتوح البلدان ص 144.
(8) مَنبِج: مدينة سورية مركز قضاء في محافظة حلب. المنجد/ الأعلام ص 547.
(9) البلاذري/ فتوح البلدان ص 144. ابن حجر/ الإصابة 3/2.(6/95)
وهو الذي فتح مصر، عندما أذن له عمر رضي الله عنه بغزوها وكتب إليه أن يسير إليها فسار إليها في ثلاثة آلاف وخمسمائة من الجند ففتحها، وولاه عمر مصر وظل والياً عليها في خلافة عمر رضي الله عنه(1)، والظاهر أن ولاية عمرو بن العاص على فلسطين استمرت حتى بعد مسيره إلى مصر في العام التاسع عشر، وإمرته عليها، حيث لم تذكر المصادر تعيين عمر رضي الله عنه وال عليها غيره بعد خروجه إلى مصر، ولعل قرب منطقة فلسطين من مصر، وخبرة عمرو بن العاص رضي الله عنه بفلسطين وأهلها جعل عمر رضي الله عنه يقره عليها ويضم إليه مصر.
رابعاً: الأردن.
1- شرحبيل بن حسنة(2):
ولاه أبو عبيدة رضي الله عنه الأردن لما تولى إمرة بلاد الشام، وهو الذي فتح جميع مدن الأردن وحصونها، ففتح أفيق(3) وجرش، وبيت رأس(4) وغيرها، وغلب على سواد الأردن وجميع أراضيها.
وقد عزل عمر رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة لما خرج إلى الشام في خرجته إلى بلاد الشام سنة سبع عشرة، فقال شرحبيل: أعن سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا إنك لكما أحب، ولكني أريد رجلاً أقوى من رجل(5).
2- يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه:
ولاه عمر رضي الله عنه الأردن بعد عزله شرحبيل بن حسنة(6)، وظل والياً عليها وعلى فلسطين حتى وفاته بالطاعون سنة ثماني عشرة(7).
3- عمرو بن العاص رضي الله عنه:
__________
(1) ابن سعد/الطبقات 7/493.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 627.
(3) أَفْيق: قرية من حوران في طريق الغور في أول العقبة المعروفة بعقبة أفيق والعامة تقول: فيق، تنزل من هذه العقبة إلى الغور، وهو الأردن. ياقوت/ معجم البلدان 1/233، وفي المنجد: فيق بلدة سورية مركز قضاء درعا ص 426.
(4) بيت رأس: كورة بالأردن. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 1/520.
(5) حسن تقدم تخريجه في ص: 627.
(6) البلاذري/ فتوح البلدان ص 145.
(7) المصدر السابق ص 145، 146.(6/96)
ولاه عمر رضي الله عنه الأردن بعد وفاة يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه وتقدم أنه كان والياً أيضاً على فلسطين(1)، ويبدو أن ولايته عليها استمرت حتى وفاة عمر رضي الله عنه.
وقد أوردت المصادر أسماء ولاة آخرين على الأردن ولم تذكر متى كانت ولايتهم وكم استمرت ولعلهم كما مر من قبل كانوا معاونين للولاة الحقيقيين أو كانوا ولاةً على بعض المهام كالصدقات والقضاء وهؤلاء هم:
1- بلال بن رباح(2) رضي الله عنه.
2- خالد بن رباح(3) أخو بلال بن رباح رضي الله عنه.
3- حصين بن نمير(4).
خامساً: مصر.
1- عمرو بن العاص رضي الله عنه:
بعثه عمر رضي الله عنه من فلسطين فاتحاً لمصر، فسار إليها في ثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل، ففتح مصر وأمده عمر رضي الله عنه بإمدادات أخرى، وولاه مصر بعد فتحه لها في سنة عشرين وظل رضي الله عنه والياً عليها طوال خلافة عمر رضي الله عنه(5).
__________
(1) خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 155. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/268.
(2) ذكر ولايته على الأردن أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/270/ب بإسناد فيه محمد ابن الزبير الحنظلي وهو متروك من السادسة. تق 478.
(3) العسكري/ تصحيفات المحدثين/ القسم الثاني ص 623 من غير إسناد، وقد ترجم له ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/19، وقال: له صحبة، ولا أعلم له رواية، ولم يذكر ولايته للأردن.
(4) قال ابن حجر رحمه الله: ما أدري هو الذي قبله أي حصين بن نمير الأنصاري أو غيره، وقال: ذكره ابن عساكر في تاريخه وقال: كان عامل عمر على الأردن.
قال: وقد قدمنا أنهم ما كانوا يؤمرون في الفتوح إلا الصحابة، الإصابة 1/339.
(5) ابن سعد/ الطبقات 7/493، خليفة بن خياط/ التاريخ ص: 155، البلاذري/ فتوح البلدان ص 214221، الطبري/ التاريخ 2/587 من غير إسناد.(6/97)
2- عبد الله بن أبي السرح(1) رضي الله عنه:
كان والياً على الفيوم من الصعيد(2)، وكان صاحب الميمنة في جيش عمرو بن العاص، وكانت له مواقف محمودة في الفتح، وهو الذي افتتح إفريقية زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
__________
(1) عبد الله بن سعد بن أبي السرح بن الحارث العامري القرشي أسلم قبل الفتح، وهاجر وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد مشركاً، فلما كان عام الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فغيبه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمنه، وعفا عنه، وحسن إسلامه، وكان صاحب ميمنة عمرو بن العاص في فتح مصر، واعتزل الفتنة زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومات بعسقلان وهو يصلي الصبح سنة ست أو سبع وثلاثين. ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/52.
(2) الصّعيد: منطقة في مصر بين القاهرة وشلالات أسوان، تضم محافظات: الجيزة، بني سُويف، الفيّوم، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، أسوان. المنجد/ الأعلام ص 345.
رواه ابن عبد الحكم/ فتوح مصر ص 173 من كلام سعيد بن كثير بن عفير المصري، صدوق من العاشرة. تق 240.(6/98)
الفصل الثالث: حياة عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه
وفيه مبحثان:
المبحث الأول:حياة عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه مطلبان:
المطلب الأول: محبّة عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وعنايته ورأفته به وتوقيره له.
لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في نفس عمر رضي الله عنه منزلة عالية لا تدانيها منزلة أحد من الخلق، فكان صلى الله عليه وسلم أحب الخلق إليه قال رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيده: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر"(1).
وقال رضي الله عنه لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك(2).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 4/148، أحمد / المسند 4/233، البيهقي / شعب الإيمان 3/540.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/432، الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 4/401، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا محمّد بن بشر نا عبيد الله بن عمر، حدّثنا زيد بن أسلم عن أبيه أسلم.(7/1)
ومن مواقفه رضي الله عنه الدالة على محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، موقفه من إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه، ومعاتبته لابنته حفصة في ذلك، فقد دخل رضي الله عنه على حفصة رضي الله عنها، فقال لها: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالت: نعم، قال: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟! قالت: نعم. قال: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله؟! فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئاً، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد عائشة رضي الله عنها(1).
__________
(1) رواه أحمد / المسند 1/33، 34، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 5/409، أبو يعلى / المسند 1/159، 160، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا عبد الرّزّاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس.
وفيه عند ابن أبي عاصم وأبي يعلى أن عمر قال لحفصة: والله لئن طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبداً. وفي إسناديهما يونس بن بكير وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: محلة الصدق، وفيه الأعمش، وهو ثقة مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع عن أبي صالح السمان ولكنه من المكثرين عنه، فروايته عنه محمولة على السماع فالزيادة حسنة إن شاء الله.(7/2)
ومن تلك المواقف موقفه من أم سلمة رضي الله عنها حينما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقد قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيَّ خلالاً ثلاثاً، أنا امرأة مُصْبِية، وأنا امرأة شديدة الغيرة، وأنا امرأة ليس ها هنا من أوليائي أحد شاهد فيزوجني، فغضب عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما غضب لنفسه حين ردته، فأتاها، فقال: أنت التي تردين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تردينه(1).
ومنها موقفه من وفاته صلى الله عليه وسلم، فقد قام رضي الله عنه حينما أذيع خبر وفاته صلى الله عليه وسلم وهو يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب، فكشف عن وجهه، ثم قبله، وخرج وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى أن يجلس، فأقبل الناس إلى أبي بكر وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفإن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}(2).
__________
(1) رواه أحمد بن منيع / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص 508/ب، أبو يعلى / المسند 12/337، 338، صحيح من طريق أبي يعلى. قال: حدّثنا هدبة بن خالد حدّثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: حدّثني ابن أم سلمة أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة.
(2) سورة آل عمران الآية (144).(7/3)
قال عمر رضي الله عنه: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعُقِرت(1) حتى ما تقلني رجلاي(2)، وأهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات(3).
فلعظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند عمر رضي الله عنه أصابه ما أصابه من السقوط إلى الأرض عندما علم بوفاته صلى الله عليه وسلم مع ما عرف عنه من القوة والجلادة وشدة البأس رضي الله عنه وأرضاه(4).
ومن محبة عمر رضي الله عنه للنبي محبته لما يحبه النبي صلى الله عليه وسلم، قال عمر رضي الله عنه للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: فوالله لإسلامك حين أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب أبي لو أسلم وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب(5).
وكان عمر رضي الله عنه رؤوفاً رحيماً بالنبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على دفع الأذى والمشقة والعنت عنه صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) عُقِرت: أي هلكت وفي رواية بفتح العين، أي دهشت وتحيرت، ويقال: سقطت. ابن حجر/ فتح الباري 8/146.
(2) ما تقلني رجلاي: أي ما تحملني. المصدر السابق.
(3) رواه البخاري / الصحيح 1/216، 2/290، 291، 3/94، 95. ابن هشام / السيرة النبوية 4/406، 407، أحمد / المسند 3/196.
(4) انظر: فتح الباري 3/113، 7/19، 8/145.
(5) رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/64، إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 513/ب، الطبري / التاريخ 2/157، البيهقي / دلائل النبوة 5/32-34، وإسناده عند إسحاق متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن إسحاق فهو صدوق. قال: أنا وهب بن جرير بن حازم حدّثني أبي ثنا محمّد بن إسحاق حدّثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث. فالأثر حسن.(7/4)
ومن الآثار الدالة على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: "سلوني عما شئتم"، فقال رجل: من أبي؟ قال: "أبوك حذافة"، فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: "أبوك سالم مولى شيبة"، فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل(1).
وأتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه، قال: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضب النبي صلى الله عليه وسلم(2).
ولما حُضر النبي صلى الله عليه وسلم ودنا أجله قال: "هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده"، وكان عنده رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال عمر رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب ربنا(3)
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 1/29، 4/107، 226، 227، 259، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/111 - 116، عبد الرزاق / المصنف 11/379، 380، وغيرهم.
وفي رواية عند البخاري في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يقول: "سلوني ما شئتم"، فبرك عمر على ركبتيه وجعل يقول: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 8/49-51، أبو داود / السنن 2/321، 322.
(3) رواه البخاري / الصحيح 3/291، 4/71، 271، مسلم / الصحيح / شرح النووي 11/95، عبد الرزاق / المصنف 5/438، 439، أحمد / المسند 1/334، 335، وغيرهم.
قال ابن حجر رحمه الله: اتفق قول العلماء على أن قول عمر: حسبنا كتاب الله من قوة فقهه ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب أموراً ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا ينسد باب الاجتهاد على العلماء، قال: وفي تركه أي النبي صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويب رأيه، ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه إذ لو كان من هذا القبيل لم يتركه لأجل اختلافهم، ولا يعارض ذلك قول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم، لأن عمر كان أفقه منه قطعاً. فتح الباري 8/133، 134.(7/5)
.
ودخل رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حصير، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، قال: فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك"؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة"(1).
__________
(1) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 10/87، أحمد / المسند 2/298، الزهد ص 476، البخاري / الأدب المفرد ص 398 وغيرهم.(7/6)
وجاء في قصة إسلام زيد بن سعنة(1) رضي الله عنه أنه قال:... خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة، ودنا من جدار ليجلس أتيته، فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ، فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي، فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، وتبسم، ثم قال: "يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة..." الحديث(2).
__________
(1) زيد بن سعنة الحبر أحد أحبار يهود، ومن أكثرهم مالاً، أسلم فحسن إسلامه وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة، وتوفي في غزوة تبوك مقبلاً إلى المدينة. ابن الأثير / أسد الغابة 2/231.
(2) رواه ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 4/110، 111، ابن حبان / الصحيح 1/253،254، الطبراني / المعجم الكبير 25/202، 203، الحاكم / المستدرك 3/604، 605، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/ق 259/أ، البيهقي / السنن الكبرى 6/52، ومداره على حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، وثقه ابن حبان، وقال ابن حجر: مقبول. تق 181.
وبقية رجاله عن ابن أبي عاصم ثقات سوى محمد بن حمزة بن يوسف فهو صدوق، وقد روى المزي هذا الأثر في تهذيب الكمال، وقال: هذا حديث حسن مشهور 7/346، 347.
والمراد بالتباعة في الحديث: المطالبة بالحقّ والظلامة ونحوها. ابن منظور/ لسان العرب2/15.(7/7)
وروي في قصة إسلام عمير بن وهب الجمحي(1) أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد قتله بعد أن تكفل له صفوان بن أمية(2) بقضاء دينه، ونفقة عياله، فجهز عمير سيفه وشحذ له سماً، فانطلق حتى قدم المدينة، فبينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف(3)، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا(4) للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأدخله علي"، فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث،فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث(5)
__________
(1) عمير بن وهب الجمحي أبو أمية، كان له قدر وشرف في قريش وشهد بدراً كافراً، وشهد فتح مكة، وقيل إنه اسلم بعد وقعة بدر، وشهد أحداً مع النبي صلى الله عليه وسلم وعاش إلى صدر من خلافة عثمان رضي الله عنه. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/294، 295.
(2) صفوان بن أمية الجمحي، قتل أبوه يوم بدر كافراً، وهرب يوم فتح مكة وأسلمت امرأته وأسلم بعد موقعة حنين ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم امرأته بعد أربعة أشهر. ابن حجر / الإصابة 2/187.
(3) توشح الرجل سيفه: إذا وضع حمائل سيفه على عاتقه اليسرى وكشف الأيمن. ابن منظور / لسان العرب 15/306.
(4) حزر الشيء يَحْزُرُه ويَحْزِرُه حزراً، قدره بالحدس. ابن منظور / لسان العرب 3/150.
(5) رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 2/372، الطبري / التاريخ 2/45، تهذيب الآثار / مسند علي ص 72- 74، الطبراني / المعجم الكبير 17/56 -62، وإسناده عند ابن إسحاق رجاله ثقات لكن رواية عروة بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعة فهو ثقة من الثالثة، ورواه الطبري والطبراني من طريق ابن إسحاق، ورواه الطبراني من وجه آخر عن أبي عمران الجوني، وهو ثقة من كبار الرابعة، ورجاله ثقات سوى شيخ الطبراني أحمد بن زهير التستري، لم أجد له ترجمة، ورواية أبي عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعة، وقال الطبراني عن الحديث: لا أعلمه إلا عن أنس بن مالك، وقال ابن حجر: قال ابن منده: غريب لا نعرفه عن ابن عمران إلا من هذا الوجه، ولعل الصواب أبي عمران، الإصابة 3/36، 37، ورواه الطبراني من وجه آخر أيضاً وهو من مراسيل الزهري.
وفيه شيخ الطبراني الحسن بن هارون، لم أجد له ترجمة. وفيه محمّد بن فليح صدوق يهم. تق 502، وبقية رجاله ثقات.(7/8)
.
وكان عمر رضي الله عنه يهاب النبي صلى الله عليه وسلم ويجله ويوقره.
في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، فوضع يده عليها، وكان في الناس أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه...الحديث(1).
وحينما قدم وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم اختلف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إلى قوله تعالى: {عَظِيمٌ}(2).
فكان عمر بعد إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه(3).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 1/217، 4/85، الحميدي / المسند 2/433، أحمد / المسند 4/77، أبو داود / السنن 1/264، وغيرهم.
وجاء في أثر آخر أن أبا بكر وعمر كانا من أجرأ القوم على النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الطبراني / المعجم الكبير 8/342،343، وفي إسناده علي بن سعيد الرازي قال الدراقطني: ليس بذاك تفرد بأشياء. ميزان الاعتدال 3/131، وفيه إسماعيل ابن إبراهيم بن المغيرة المروزي لم أجد له ترجمة، وفيه علي بن الحسن بن واقد، صدوق يهم تق 400، وفيه أبو غالب البصري حزور صدوق يخطئ تق 664، فالأثر ضعيف، وقد يحمل ما ورد فيه من الجرأة على التي لا تنافي التوقير والهيبة وحسن الأدب بل لعظم منزلتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وقربهما منه يستطيعان التحدث معه وسؤاله أكثر من غيرهما.
(2) سورة الحجرات الآيتان (2،3).
(3) رواه البخاري / الصحيح 4/260، الترمذي / السنن 5/63، البزار / المسند 6/146، 147، أبو يعلى / المسند 12/193،194 وغيرهم.(7/9)
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق، حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً ولا ميتاً أو كلمة نحوها(1).
المطلب الثاني: أهم أعمال عمر رضي الله عنه ومشاركاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد كان لعمر رضي الله عنه دور هام، ومكانة متميزة في حياته مع النبي صلى الله عليه وسلم وسأعرض لذكرها هنا إن شاء الله.
أولاً: كان رضي الله عنه مستشاراً للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما(2).
__________
(1) رواه ابن ماجه / السنن 1/497، وفي إسناده عبيد بن طفيل المقري مجهول تق 377، وعبد الرحمن بن أبي مليكة القرشي ضعيف، وأبو بكر بن أبي مليكة مقبول تق 623، فالأثر ضعيف.
وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/260 لوروده من طرق عند أحمد في المسند3/139، والبغوي في شرح السنة 5/388، يرتقي بها لدرجة الحسن لغيره، ولكن لفظه عند أحمد والبغوي ليس فيه ذكرٌ لكلام عمر رضي الله عنه المستشهد به.
(2) رواه الترمذي / السنن 1/110، وإسناده متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أحمد بن منيع حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر ابن الخطاب، قال: كان... الأثر. فالأثر صحيح وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/55.(7/10)
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "لو اتفقتما لي ما شاورت غيركما"(1).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أمرني أن أتخذ عمر مشيراً"(2).
ثانياً: كان عمر رضي الله عنه من جباة الزكاة وعمال الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وممن يأتمنه النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمول المسلمين.
استعمل رضي الله عنه عبد الله بن السعدي(3) على الصدقة، فلما فرغ من عمله أعطاه عطاءه، وعمالته، فقال: إنما عملت وأجري على الله، فقال عمر: خذ ما أعطيت، فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَمَّلني(4)، فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأل فكل وتصدق"(5).
__________
(1) رواه إسحاق بن راهويه / المسند 2/88، 89، أحمد / المسند 4/227، وإسناده عند إسحاق فيه محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب تق 333، وفيه عند أحمد شهر بن حوشب صدوق كثير الأوهام تق 269، وقال الترمذي: قال أحمد بن حنبل: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر ابن حوشب، تهذيب الكمال 12/584، وشهر هنا يروي عنه عبد الحميد وقد رمز الذهبي لشهر بن حوشب بـ(صح) وهي علامة تعني ترجيح التوثيق، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر حسن.
(2) رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 104، وفي إسناده محمد بن عبد الله بن أحمد بن عمر بن كعب بن مجبر لم أجد له ترجمة، ودريد بن مجاشع لم أجد له ترجمة كذلك وفيه أبو أيوب العتكي، ثقة من الثالثة تق 620، يروي عن علي رضي الله عنه ولم يظهر لي هل سمع منه أم لم يسمع منه.
(3) عبد الله بن السعدي القرشي العامري اسم أبيه وقدان وقيل غير ذلك، صحابي يقال مات في خلافة عمر رضي الله عنه، وقيل عاش إلى خلافة معاوية رضي الله عنه. تق 305.
(4) عَمَّلني: أي أعطاني أجرة عملي. النووي / شرح مسلم 7/137.
(5) رواه البخاري / الصحيح 1/257، 4/238، مسلم / الصحيح / شرح النووي 7/134-137، النسائي / السنن 5/102-105 وغيرهم.(7/11)
ولم يبين عمر رضي الله عنه العمل الذي استعمله عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لجباية الصدقات(1).
ثالثاً: كتابته للوحي.
فقد ذكر أهل السير أنه كان من كتاب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم(2).
ومن المهام التي روي أن عمر رضي الله عنه قام بها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
- بعث النبي صلى الله عليه وسلم له مبلغاً عنه.
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت فأرسل إليهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام عمر على الباب فسلم عليهن، فرددن عليه السلام، فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن...الحديث(3).
- قيامه بالفتوى والقضاء.
__________
(1) ثبت ذلك عند مسلم في الصحيح، فعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة... الحديث / شرح النووي 7/56.
(2) ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في السيرة النبوية 4/692، والخزاعي في تخريج الدلات السمعية ص 457، ولم أقف على نص مسند في ذلك، والله أعلم.
(3) رواه أحمد / المسند 5/85، أبو داود / السنن 1/296، أبو يعلى / المسند 1/196،197، البيهقي / السنن الكبرى 3/184، شعب الإيمان 7/21 / زغلول، المقدسي / المختارة 1/402،403، ومداره على إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية الأنصاري، ذكره ابن حبان في الثقات 4/18، وقال ابن حجر: مقبول تق 108، وبقية رجاله عند أبي يعلى ثقات. وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص 110.(7/12)
فقد روي أن عمر رضي الله عنه كان من أهل الفتوى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان من قضاة النبي صلى الله عليه وسلم(1).
- مشاركته في بناء مسجد قباء ومسجده صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 2/334،335، من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف، ولكن قيام عمر رضي الله عنه بالفتيا والقضاء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمر ممكن لشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالعلم وموافقة الحق وكم من القضايا التي أفتى فيها عمر رضي الله عنه ووافقه عليها القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر بن العربي رحمه الله: وقع في بعض نسخ الترمذي: أن عثمان قال لابن عمر: أقض بين الناس، قال: لا أقض بين رجلين، قال: إن أباك كان يقضي، قال: إن أبي كان يقضي فإن أشكل عليه شيء سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أشكل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل، وإني لا أجد من أسأل، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من عاذ بالله فقد عاذ"، وإني أعوذ بالله منك أن تجعلني قاضياً فأعفاه.
وقال: لا تخبرن أحداً. عارضة الأحوذي 6/64، وانظره في مشكاة المصابيح 2/1105، ولم يتكلم عليه الشيخ الألباني.(7/13)
روي أن عمر رضي الله عنه كان يأتي مسجد قباء يوم الاثنين والخميس فجاء يوماً فلم يجد فيه أحداً من الناس، فقال: مالي لا أرى في هذا المسجد أحداً من الناس، والذي نفسي بيده لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وأناساً من أصحابه ونحن ننقل حجارته على بطوننا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أسسه بيده وجبريل يؤم له الكعبة(1).
- مشاركته رضي الله عنه في الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) رواه البخاري / التاريخ الكبير 1/401،402، البزار / المسند 1/430، وفي إسناديهما عبد العزيز بن محمد الدراوردي، صدوق يحدث من كتب غيره فيخطئ. تق 358، وفيه إسحاق بن المستورد ذكره البخاري في تاريخه الكبير 1/401، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/235، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات 6/52، وفيه عبد الرحمن بن جارية قيل اسمه محمد بن عبد الرحمن بن جارية وقيل محمد بن عمرو بن جارية ولم يتبين لي من هو ولم أجد له ترجمة، فالحديث ضعيف، وذكر السهيلي أن ابن أبي خثيمة ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسس مسجد قباء كان أول من وضع حجراً في قبلته، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبي بكر، ثم أخذ الناس في البنيان. الروض الأنف 2/246، ولم أقف عليه في تاريخ ابن أبي خيثمة، وقد روى نحو هذا الحديث في بنائه مسجده صلى الله عليه وسلم وهو حديث ضعيف سيأتي الكلام عليه عند ذكر تولي عمر الخلافة إن شاء الله. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم شارك الأنصار في نقل حجارة مسجده صلى الله عليه وسلم لما بناه. فتح الباري 1/524، ولا شكّ أنّ بقية الصحابة من المهاجرين وخاصة أبو بكر وعمر شاركوا في نقل الحجارة والبناء معه صلى الله عليه وسلم.(7/14)
لقد شارك عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه في جميع غزواته وكان له في تلك الغزوات مواقف خلدها القرآن الكريم والسنة المطهرة.
فقد شارك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الكبرى(1) وهي الغزوة التي فرق الله بها بين الحق والباطل، ومن مواقفه المشهورة فيها موقفه من أسارى بدر من المشركين، فقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: "ما ترون في هؤلاء الأسارى؟" فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يابن الخطاب"؟ فقال عمر: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل(2) فيضرب عنقه، وتمكني من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر رضي الله عنهما، فلما كان من الغد جاء عمر رضي الله عنه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، فقال: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذ الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة (شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم) وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى
__________
(1) كانت غزوة بدر الكبرى في يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان من السنة الثانية للهجرة. ابن هشام / السيرة النبوية 2/320.
(2) عَقيل بن أبي طالب بن عبد مناف القرشي أخو علي وجعفر وكان الأسن، تأخر إسلامه إلى عام الفتح، وقيل أسلم بعد الحديبية، مات في خلافة معاوية ابن أبي سفيان. ابن حجر/ الإصابة 2/494.(7/15)
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا}(1).
وكان رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد(2) ومن مواقفه الفاضلة فيها بعد أن أصاب المسلمين ما أصابهم من القرح واثخنت فيهم الجراح وكثر شهداؤهم وهدأ القتال قام أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه، فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، فما ملك عمر رضي الله عنه نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسؤك(3).
وقاتل رضي الله عنه المشركين يوم الخندق(4) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شغلوا عن صلاة العصر، فجعل رضي الله عنه يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فوالله إن صليتها"، فنزلنا بطحان(5)، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوضأنا، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب(6).
__________
(1) سورة الأنفال الآيات (17-19).
صحيح تقدم تخريجه في ص: (372).
(2) كانت غزوة أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة. ابن هشام / السيرة النبوية 3/86.
(3) رواه البخاري / الصحيح 2/175، عبد الرزاق / المصنف 5/363، أحمد / المسند 1/288، 4/293 وغيرهم.
(4) كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة. ابن هشام / السيرة 3/298.
(5) بُطَحان: يصدر بطحان من ذي حدر، فجفاف وهي قرية قربان، ثم يسيل في فضاء متسع ويستبطن بعده وادي بطحان، ويذهب حتى غربي مسجد الفتح، حيث منتهى وادي بطحان، ثم يسير إلى زغابه. عبد القدوس الأنصاري / آثار المدينة ص 229.
(6) رواه البخاري / الصحيح 1/112/118،119، مسلم / الصحيح / شرح النووي 5/131،132.(7/16)
وفي غزوة بني المصطلق(1) كان لعمر رضي الله عنه موقف حازم من زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، فقد حدث في هذه الغزوة أن رجلاً من المهاجرين كسع(2) رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال دعوا الجاهلية"؟ قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: "دعوها فإنها منتنة"، فسمع بذلك عبد الله بن أبي، فقال: فعلوها، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعه لا يتحدث الناس أن محمّداً يقتل أصحابه"(3).
وكان رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية(4) وهو اليوم الذي عقد فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصلح بين المسلمين وبين كفار قريش.
__________
(1) كانت غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست من الهجرة. ابن هشام / السيرة 3/401.
وبنو المصطلق هم: بنو جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بطن من خزاعة من القحطانية، واسم المصطلق جذيمة. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/1104،1105.
(2) الكَسْعُ: أن تضرب بيدك أو برجلك بصدر قدمك على دبر إنسان أو شيء. ابن منظور / لسان العرب 12/92،93.
(3) رواه البخاري / الصحيح 2/268،3/203،204، ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/402،403، عبد الرزاق / المصنف 8/468، أحمد / المسند 3/392 وغيرهم.
(4) تقدم التعريف بها في ص:224.(7/17)
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، فبايعناه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري(1) أختبأ تحت بطن بعيره(2).
__________
(1) الجد بن قيس بن صخر بن خنساء الأنصاري السلمي ابن عم البراء بن معرور، وكان ممن يظن فيه النفاق، وفيه نزل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} الآية، وقيل إنه تاب وحسنت توبته وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه. ابن الأثير / أسد الغابة 1/274،275.
(2) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 13/2،3، أحمد / المسند 3/396 وغيرها.(7/18)
وموقفه رضي الله عنه من صلح الحديبية مشهور، فقد أعطت بنود هذا الصلح قريشاً حقوقاً وصلاحيات حرم منها المسلمون، فكان من تلك البنود: أن من أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً من قريش رده إليهم، فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟! فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف(1) في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل(2): هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأجزه لي"، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: "بلى فافعل"، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز(3): بل قد أجزناه، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله(4)
__________
(1) يَرسف: مشي المقيد إذا جاء يتحامل برجله مع القيد. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/222.
(2) سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري، كان أحد أشراف قريش، وكان من مسلمة الفتح. ابن حجر / الإصابة 2/93،94.
(3) مُكَرِّز هو ابن حفص ذكر في أول الحديث، أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل قريش، ليتفاوض معه وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا مكرز وهو رجل فاجر".
(4) وفي رواية: أن عمر رضي الله عنه قام يمشي إلى جنب أبي جندل، وأبوه يتلوه وعمر يقول: أبا جندل، اصبر فإنما هم المشركون، إنما دم أحدهم دم كلب وجعل عمر يدني منه قائم السيف، قال عمر: رجوت أن يأخذه، فيضرب به أباه فضن بأبيه. رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/441،442. البيهقي / السنن الكبرى 9/227، وإسنادها عند ابن إسحاق موقوف على الزهري وفي إسنادها عند الطبري أحمد بن عبد الجبار ضعيف وسماعه للسيرة صحيح، وفيه يونس بن بكير صدوق يخطئ. تق 613، ووثقه ابن معين وابن أبي حاتم، وقال الذهبي: أحد أئمة الأثر والسير. ميزان الاعتدال 4/477، وبقية رجاله ثقات سوى محمد بن إسحاق فهو صدوق، فالرواية حسنة.(7/19)
، فقال عمر بن الخطاب: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلم نعط الدنية في ديننا إذا؟!
قال: "إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري"، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام"؟ قلت: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به"، قال عمر: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعط الدنية في ديننا إذاً؟!
قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه(1)، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، فأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به(2).
__________
(1) استمسك بغرزه: أي اعتلق به وامسكه، واتبع قوله وفعله ولا تخالفه، فاستعار له الغرز كالذي يمسك بركاب الراكب ويسير بسيره. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 3/359.
(2) رواه البخاري / الصحيح 2/119، 120، 205، 3/190، مسلم / الصحيح / شرح النووي 12/139 - 142، ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/439 -441 وغيرهم.(7/20)
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عمر رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة عام الحديبية، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، وأنه إنما جاء لزيارة البيت، وليس للحرب، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحداً يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان(1).
وشارك عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر(2)، قال صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه"، فقال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فتساورت لها رجاء أن أدعى لها(3)، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها... الحديث(4).
__________
(1) رواه محمد بن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/436،437، الطبري / التاريخ 2/121، وفي إسناديهما إبهام بشيخ ابن إسحاق حيث قال: حدثني من لا أتهم، وهي عبارة لا تكفي في التوثيق، انظر: السخاوي / فتح المغيث 1/312،313، فالأثر ضعيف.
(2) كانت غزوة خيبر في محرم من السنة السابعة، ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/455.
(3) قال النووي رحمه الله: إنما كانت محبته لها لِمَا دلت عليه الإمارة من محبته لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبتهما له، والفتح على يديه، شرح صحيح مسلم 15/176،177.
(4) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/176،177، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/179.(7/21)
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الصديق برايته البيضاء إلى بعض حصون خيبر، فقاتل، فرجع ولم يك فتح، وقد جهد، ثم بعث الغد عمر ابن الخطاب، فقاتل ثم رجع، ولم يك فتح، وقد جهد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه، ليس بفرار"(1)
__________
(1) رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 3/465، الطبري / التاريخ 2/136،137، الحاكم / المستدرك 3/37،38، وفي إسناده عند ابن إسحاق بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، قال الدراقطني: متروك، وقال البخاري: فيه نظر، وقال أبو داود: لم يكن بذاك. ميزان الاعتدال 1/306، وقال ابن حجر: ليس بالقوي،تق 121، وفيه والده سفيان بن فروة ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 4/219، وفيه عند الطبري ميمون أبو عبد الله البصري الكندي، قال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد عنه، فحمض وجهه وقال: زعم شعبة أنه كان فسلاً، وقال في موضع آخر: كان يحيى لا يحدث عنه، وقال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يحيى القطان: سيئ الرأي فيه. المزي / تهذيب الكمال 29/231،232، وقال ابن حجر: ضعيف. تق 556.
ورواه الحاكم من طريقين بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى خيبر بعث عمر رضي الله عنه وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم، فقاتلوهم، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يجبنونه ويجبنهم.
وطريق الحاكم الأول فيه سعيد بن مسعود المروزي لم يوثقه سوى ابن حبان، الثقات 8/271، وفيه نعيم بن حكيم المدائني صدوق له أوهام. تق 564، وأبو مريم الحنفي القاضي، وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول. تق 672، وبقية رجاله ثقات.
والطريق الثاني فيه القاسم بن محمد بن أبي شيبة قال الذهبي: حدث عنه أبو زرعة وأبو حاتم ثم تركا حديثه، وقال محمد بن أبي شيبة: سألت عمي يحيى ابن القاسم فقال لي: عمك ضعيف يا بن أخي. ميزان الاعتدال 3/379.
وقال الذهبي في تعليقه على الحاكم: قلت القاسم واهٍ، وفيه يحيى بن يعلى القطواني، قال ابن حجر: شيعي ضعيف. تق 598، فالأثر ضعيف.
وهذا اللفظ يخالف ما ثبت في الصحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث في بداية الأمر علياً رضي الله عنه وكان عمر رضي الله عنه يأمل ويتمنى أن تكون له الإمرة. وما في الصّحيح هو الثّابت والمتقدم.(7/22)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه بعد غزوة خيبر في سرية من ثلاثين رجلاً إلى عجز هوازن بتربة(1)، وخرج معه دليل من بني هلال، فكان عمر يسير بالليل ويكمن بالنهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر محالهم، فلم يلق منهم أحداً، فانصرف راجعاً إلى المدينة(2).
وفي السنة الثامنة من الهجرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل(3)
__________
(1) كانت سرية تربة في شعبان سنة سبع من الهجرة، ابن سعد / الطبقات 2/117.
وتُرَبَةُ: وادٍ من أودية الحجاز الشرقية طويل ذو مياه وزروع وهو يسيل من سراة غامد قرب الباحة ويتعرج بين الشرق والشمال حتى يجتمع من بيشة ورنية في مكان يسمى الفَرشة. البلادي / معجم المعالم الجغرافية في السيرة ص: 62.
(2) رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/341، ابن سعد / الطبقات 2/117، 3/272، خليفة بن خياط / التاريخ ص 78، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/230، الفسوي / المعرفة والتاريخ 3/303، البيهقي / دلائل النبوة 4/292، وأورده ابن إسحاق وخليفة وابن سعد من وجه من غير إسناد، ورواه ابن سعد من طريق آخر فيه الواقدي، وبهذا الطريق رواه ابن شبه والبيهقي، فالأثر ضعيف.
(3) تقدم التعريف بها في ص: 333.
وكانت غزوة ذات السلاسل في جمادى الآخرة سنة ثمان، ونقل ابن عساكر الإتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا ابن إسحاق، فقال: قبلها. ابن حجر / فتح الباري 8/74،75.(7/23)
، وبعث تحت إمرته عدداً من أجلة الصحابة رضوان الله عليهم فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما(1).
__________
(1) رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/359، 360، ابن سعد / الطبقات 2/131، إسحاق بن راهويه / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 4/49، الطحاوي / مشكل الآثار 3/171، الحاكم / المستدرك 3/42،43، البيهقي / السنن الكبرى 9/41، دلائل النبوة 4/397،398، وأورده ابن إسحاق وابن سعد في الطبقات من غير إسناد، وإسناده عند إسحاق بن راهويه رجاله ثقات وفيه انقطاع فهو من رواية عبد الله بن بريدة، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. وإسناده عند الطبري متصل ورجاله ثقات سوى عبد الله بن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه. تق 319، وإسناده عند الحاكم متصل وفيه أحمد بن عبد الجبار العطاردي، ضعيف وسماعه للسيرة صحيح، ويونس بن بكير وثقه ابن معين وابن أبي حاتم، وقال الذهبي: أحد أئمة الأثر والسير. ميزان الاعتدال 4/477، وقال ابن حجر: صدوق يخطئ، وفيه محمد بن إسحاق، صدوق مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله ثقات، وفي إسناده عند البيهقي في الدلائل أحمد بن عبد الجبار، ويونس بن بكير المتقدم الكلام عليهما، وفيه محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن الحصين التميمي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان صواماً قواماً من المتقنين الثقات 7/413، وذكره البخاري في التاريخ الكبير ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/156، ورواه البيهقي من وجه آخر وسنده متصل ورجاله ثقات سوى علي بن عاصم بن صهيب فهو صدوق يخطئ. تق 403، فالأثر حسن لغيره بطرقه.(7/24)
وروي أن عمر رضي الله عنه شارك في سرية الخبط، والتي كانت بإمرة أبي عبيدة بن الجراح في السنة الثامنة من الهجرة(1).
__________
(1) كانت سرية الخبط في رجب سنة ثمان من الهجرة، وسميت بهذا الاسم لأنهم أكلوا فيها الخبط وهو ورق الشجر الذي يخبط ليسقط، فكانوا يبلونه بالماء فيأكلونه، وأصل قصة سرية الخبط ثابت في صحيح البخاري / فتح الباري 8/77، 78، وصحيح مسلم شرح النووي 13/84، وأوردها ابن إسحاق في السيرة النبوية 4/371، وليس فيها إشارة لمشاركة عمر رضي الله عنه في هذه السرية والذي أورد مشاركة عمر رضي الله عنه فيها ابن سعد في طبقاته 2/132، من غير إسناد.(7/25)
ومن مواقفه رضي الله عنه قبل غزوة الفتح، موقفه من حاطب بن أبي بلتعة لما أعلم قريشاً بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فحين أراد النبي صلى الله عليه وسلم التجهز للمسير إلى مكة عمَّى الأخبار عن قريش حتى لا تعلم بمسيره إليهم، فيتجهزون لقتاله بل أراد صلى الله عليه وسلم مباغتتهم وأخذهم على غرة، وحدث أن أخبر حاطب(1) بن أبي بلتعة قريشاً بمسير النبي صلى الله عليه وسلم ونزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً له بفعل حاطب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً فسأله عن ذلك، فاعتذر وقبل عذره، فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"(2).
__________
(1) حاطب بن أبي بَلْتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى... كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدراً والحديبية مات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه عثمان. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/374، ابن حجر / الإصابة 1/300.
(2) رواه البخاري / الصحيح 2/170، 3/7، 59،200، 4/91، مسلم / الصحيح / شرح النووي 16/54،56، ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/58،59، بتفاصيل لم أذكرها خشية الإطالة.(7/26)
وشارك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره لفتح مكة(1)، ومن مواقفه في هذه الغزوة الدالة على شدته على الكفار وأعداء الدين موقفه من أبي سفيان رضي الله عنه، فقد خرج النبي بعشرة آلاف من المسلمين حتى نزل بمر الظهران(2)، وأوقد الجيش النيران، وقد عمت الأخبار على قريش ولا يدرون ما هو فاعله، فخرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام(3)، وبديل بن ورقاء الخزاعي(4)، يتحسسون الأخبار، فرأى العباس ابن عبد المطلب أبا سفيان، فأركبه على دابته، وكان يركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء، فقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في طريقه يمر بجيش المسلمين وهم قد أوقدوا النيران، وأبو سفيان ينظر إليهم، فلما مر بنار عمر رضي الله عنه، قال عمر: من هذا؟ وقام إلى العباس فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة عرفه، فقال: والله عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك، فخرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليه في مكانه الذي نزل فيه، واشتد العباس ومعه أبو سفيان حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه: هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه في غير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه، فقال العباس: قد
__________
(1) كانت غزوة الفتح في رمضان من السنة الثامنة للهجرة. ابن هشام / السيرة النبوية 4/45.
(2) مَرّ الظّهران: وادٍ فحل من أودية الحجاز، يأخذ مياه النخلتين، فيمر بشمال مكة على 22كم، ويصب في البحر جنوب جدة بقرابة 20 كم، وفيه عشرات العيون بل مئاتها، وكذلك القرى ومنها حداء وبحرة والجموم وغيرها، البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 288.
(3) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ابن أخي خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها أسلم عام الفتح، وصحب وله أربع وسبعون سنة. تق 176.
(4) بديل بن ورقاء بن عبد العزى الخزاعي أسلم هو وابنه عبد الله يوم الفتح بمر الظهران، وقيل إنه أسلم قبل الفتح. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/235.(7/27)
أجرته يا رسول الله...فلما أكثر عمر، قال العباس: مهلاً يا عمر، فوالله لو كان رجلاً من بني عدي ما قلت هذا، ولكنه من بني عبد مناف، فقال عمر: مهلاً يا عباس، لا تقل هذا، فوالله لإسلامك حين أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب أبي لو أسلم، وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب(1).
وكان عمر رضي الله عنه أميراً على حرس النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح(2).وبعد فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء عمر رضي الله عنه أن يأتي الكعبة فيمحوا كل صورة فيها، ولم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها(3).
__________
(1) حسن، تقدم الكلام عليه في ص:471.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/398، وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة. قال الذهبي: شيخ مشهور حسن الحديث. ميزان الاعتدال 3/673. وقال ابن حجر: صدوق تق: 499. فهو صدوق له أوهام، وبقية رجاله ثقات وفيه انقطاع فهو من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة من الثالثة، عن عمر رضي الله عنه ولكن تابعه يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وهو أيضاً ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة.
قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمّد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى ابن عبد الرّحمن بن حاطب، قالا: كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث. فالأثر حسن لغيره إن شاء الله.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 2/142، أحمد / المسند 3/336، أبو داود / السنن 4/74، أبو نعيم / حلية الأولياء 4/79، البيهقي / السنن الكبرى 5/158، والأثر صحيح من طريق البيهقي. قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا: ثنا أبو العباس ثنا العباس بن محمّد ثنا حجاج الأعور، قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله يزعم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم.(7/28)
وشارك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في غزوة حنين(1)، وكان له موقف كريم في هذه الغزوة التي أعجبت المسلمين فيها كثرتهم فكادت أن تحل بهم الهزيمة، لولا لطف الله عز وجل بهم ورحمته كما قال سبحانه: {لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}(2).
فكان رضي الله عنه ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم ونافح عنه في هذا الموقف العصيب(3)، وذلك دليل على قوة إيمانه وصدق يقينه وشجاعته.
__________
(1) تقدم التعريف بمكانها في ص: 410.
وكانت غزوة حنين سنة ثمان من الهجرة بعد فتح مكة. ابن هشام / السيرة 4/114.
(2) سورة التوبة الآية (25).
(3) رواه ابن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 4/121، 122، أحمد / المسند 3/376، 377، الفاكهي / أخبار مكة 5/93،94، ابن أبي الدنيا / مكارم الأخلاق ص 126،127، والأثر صحيح من طريق ابن إسحاق. قال: حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله، قال: لما استقبلنا وادي حنين... الأثر.(7/29)
ومن مواقفه رضي الله عنه في هذه الغزوة موقفه من ذي الخويصرة(1) التميمي فبعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من القتال في حنين والطائف نزل بالجعرانة(2)، وفيها قسم غنائم حنين، فأتاه ذو الخويصرة فقال: يا رسول الله إعدل، فقال: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل"، فقال عمر رضي الله عنه: ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: "دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم..."(3) الحديث.
__________
(1) انظر ترجمته في: الإصابة 1/320، 485. ولم يذكر فيها ابن حجر رحمه الله زيادة على اسمه ونسبه ذو الخويصرة التميمي. وأورد حديث تقسيم الغنائم الذي أنا بصدده، وذكر أن ابن الأثير ذكر في موضع أن اسمه: حرقوص بن بن زهير، وأنه وقع عند البخاري أيضاً عبد الله بن ذي الخويصرة.
(2) الجِعْرَانة: لازالت تعرف في رأس وادي سَرِف، في الشمال الشرقي من مكة يعتمر منها المكيون وبها مسجد. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 83.
(3) رواه البخاري / الصحيح 2/281، 4/75، مسلم / الصحيح / شرح النووي 7/159 - 167، أحمد / المسند 2/219، وغيرهم.(7/30)
وكان عمر رضي الله عنه مع المسلمين في غزوة تبوك(1)، سئل رضي الله عنه فقيل له: حدثنا من شأن العسرة، فقال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى نظن أن رقبته ستنقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه): يا رسول الله قد عودك الله في الدعاء خيراً، فادع لنا، فقال: "أتحب ذلك"؟ قال: نعم، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم فلم يرجعهما حتى أطلت سحابة، فسكبت، فملؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر(2).
__________
(1) كانت غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة في شهر رجب. ابن هشام / السيرة النبوية 4/215. وقد تقدم التعريف بمكانها في ص: 409.
(2) رواه البزار / المسند 1/331، ابن حبان / الصحيح 2/331، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 5/132، البيهقي / السنن الكبرى 9/357، دلائل النبوة 5/231، المقدسي / المختارة 1/278-280، 325، وسنده عند البيهقي في الدلائل متصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد، قال: أخبرنا أبو محمّد دعلج بن أحمد بن دعلج، حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب: حدّثنا... الأثر.(7/31)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان ممن انتدبه النبي صلى الله عليه وسلم للخروج في جيش أسامة بن زيد(1) رضي الله عنه لقتال الروم في أطراف الشام حينما جهز ذلك الجيش قبل وفاته صلى الله عليه وسلم(2).
هذا ما أردت الإشارة إليه من حياة عمر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ظهر مما تقدم ما كان عليه عمر رضي الله عنه من توقير وإجلال للنبي صلى الله عليه وسلم ومن تفانيه في خدمته والدفاع عنه صلى الله عليه وسلم وملازمته له في حربه وسلمه، وما كان لعمر رضي الله عنه من منزلة ومكانة عالية ورفيعة عند النبي صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثاني: حياة عمر رضي الله عنه مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في معرفة عمر رضي الله عنه لفضل أبي بكر وتوقيره له.
__________
(1) أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، الأمير أبو محمد وأبو زيد صحابي مشهور، مات سنة أربع وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة. تق 98.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 2/189، 190، ابن أبي شيبة / المصنف 7/415، وهو عند ابن سعد من غير إسناد، وسنده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، ولكنه منقطع لأنه من رواية عروة بن الزبير، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو ثقة من الثّالثة.، فالأثر ضعيف. وله ما يشهد له بسند حسن. انظر: ص: 527، 528.
وقال ابن تيمة رحمه الله تعالى في رده على الرافضة في زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد إخراج أبي بكر وعمر من المدينة قبل وفاته مع أسامة لئلا ينازعا علياً الخلافة: وأبو بكر رضي الله عنه لم يكن في جيش أسامة باتفاق أهل العلم، لكن رُوي أن عمر كان فيهم، وكان خارجاً مع أسامة لكن طلب منه أبو بكر أن يأذن له في المقام عنده لحاجته إليه فأذن له. مختصر منهاج السنة 2/541،542، وأصل قصة بعث النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد ثابت في صحيح البخاري وليس فيه ذكر لبعث أبي بكر وعمر رضي الله عنهما معه. فتح الباري 8/151،152.(7/32)
إن فضل أبي بكر رضي الله عنه، وعظم منزلته جاءت به نصوص الكتاب والسنة، وعرف الصحابة رضوان الله عليهم لأبي بكر منزلته الرفيعة من الإسلام وأهله، ومن أفضل من عرف لأبي بكر هذه المنزلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن أقواله في ذلك قوله رضي الله عنه:
أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا - يعني بلالاً(1).
وقال رضي الله عنه: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتقدم قوماً فيهم أبو بكر(2).
وقدم عليه رضي الله عنه وفد عبد القيس(3)، فأذن لهم، فدخلوا عليه، فقضى بينهم، وقضى من حوائجهم، فبينا هم كذلك، غلبته عينه، فقال رجل منهم: ما رأيت امرأً قط خيراً من هذا، فاستيقظ عمر رضي الله عنه فقال: أكنت رأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه؟ قال: لا، فقال: أما والله لو كنت رأيته لنكلت بك(4).
وقال رضي الله عنه: لا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته جلد المفتري(5).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/306.
(2) رواه البخاري / الصحيح 4/179،180، ابن أبي شيبة / المصنف 6/369.
(3) عبد القيس: هم بنو عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، كانت مواطنهم بتهامة، ثم خرجوا إلى البحرين. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 2/726.
(4) رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/55،56، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى أحمد بن عيسى بن حسان المصري، فهو صدوق. تق 83، فالأثر حسن.
(5) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 61، عبد الله بن أحمد / السنة ص 234، وإسناده عند البلاذري رجاله ثقات، وهو منقطع من رواية الشعبي، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، وكذلك إسناده عند عبد الله بن أحمد رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر بطريقيه يرتقي لدرجة الحسن لغيره.(7/33)
وقال رضي الله عنه: يوم من أبي بكر خير من آل عمر(1).
وذكر رضي الله عنه أبا بكر يوماً وهو يخطب على المنبر، فقال: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً(2).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/352، الحاكم / المستدرك 3/6، ابن قدامة / الرقة ص 72،73، وسنده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري، عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. وإسناده عند الحاكم فيه أحمد بن إسحاق الضبعي، قال الذهبي: الإمام العلامة، المفتي المحدّث شيخ الإسلام. سير أعلام النبلاء 15/483، وفيه موسى بن الحسن بن عباد، قال الدراقطني: لا بأس به. المصدر السابق 13/378، وبقية رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة. وسنده عند ابن قدامة فيه فرات بن السائب، قال الدراقطني: متروك، فالأثر بطريقيه الأوليين يرتقي لدرجة الحسن لغيره.
(2) رواه أحمد / الزهد ص 138، من زيادات ابنه عبد الله، وفي إسناده محمد بن عباد المكي. قال: أحمد: حديثه حديث أهل الصدق وأرجو أن لا يكون به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن معين: لا بأس به. تهذيب الكمال 25/834. وقال صالح جزرة: لا بأس به. وقال ابن قانع: كان ثقة. تهذيب الكمال 9/245. وقال ابن حجر: صدوق يهم. تق 486، وفيه حاتم ابن إسماعيل المدني، قال الذهبي: ثقة مشهور، صدوق. ميزان الاعتدال 1/428، وقال ابن حجر: صدوق يهم. تق 144، فالأثر حسن.(7/34)
وروي أن نفراً أثنوا على عمر رضي الله عنه فقالوا: أنت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي(1).
المطلب الثاني: مواقفه ومشاركاته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: موقفه رضي الله عنه من استخلاف أبي بكر رضي الله عنه.
لقد كان لعمر رضي الله عنه موقف جليل ومقام محمود من بيعة أبي بكر رضي الله عنه، فقد كان له الفضل الأكبر بعد فضله سبحانه وتعالى في إخماد نار الفتنة وإزالة أسباب الشقاق والفرقة التي كادت أن تعصف بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فقد اختلفوا فيمن له الحق في تولي إمرة المسلمين بعده صلى الله عليه وسلم، فاجتمع الأنصار رضي الله عنهم في سقيفة بني ساعدة(2)
__________
(1) رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 5/134. قال: حدّثنا سليمان بن أحمد ثنا موسى ابن عيسى بن المنذرالحمصي ثنا أبو عيسى ثنا بقية بن الوليد ثنا يحيى ابن سعيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير.وفي إسناده موسى بن عيسى الحمصي، قال النسائي: لا أحدث عنه شيئاً ليس هو شيئاً. لسان الميزان 6/126، وفيه أبو عيسى بن المنذر الحمصي مقبول. تق 441، ورواه في الإمامة ص: 270 وفيه محمّد بن علي بن حبيش، وموسى بن هارون، وسليمان بن آدم، لم أجد لهم تراجم.
(2) سقيفة بني ساعدة قرب بئر بضاعة، والمبنى الذي كان قائماً هناك يعرف باسم سقيفة بني ساعدة وتحديده بالدقة أنه كان بخارج باب الشامي في الطريق المعروف بالسحيمي، وهو بناء ذو شرفات مكشوف وبابه مسدود. عبد القدوس الأنصاري / آثار المدينة ص 151-153.
أقول: وقد دخلت تلك الأماكن الآن في توسعة الحرم النّبويّ الشّريف من الجهة الشّمالية.(7/35)
، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، وتخلف عنهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، فقال المهاجرون لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقوا يريدونهم، وكان معهم عمر بن الخطاب، قال رضي الله عنه: فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان(1)، فذكرا ما تمالى(2) عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل(3) بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة(4) ؟ فقلت: ماله؟ قالوا: يوعك(5).
فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: فنحن أنصار الله، وكتيبة(6) الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط(7)، وقد دفت دافة(8) من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا(9) من أصلنا، وأن يحضنوننا(10) من الأمر.
__________
(1) هما عويم بن ساعدة، ومعن بن عدي. ابن حجر / فتح الباري 12/15.
(2) تمالأ: أي الذي صنع القوم من اتفاقهم على أن يبايعوا سعد بن عبادة رضي الله عنه. المصدر السابق 12/151.
(3) مُزمَّل: أي ملفف. ابن حجر/ فتح الباري 12/15.
(4) سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري، أحد النقباء وسيد الخزرج، مات بالشام سنة خمس عشرة وقيل غير ذلك. تق 231.
(5) يُوعك: أي يحصل له الوعك، وهو الحمى بتنافض. المصدر السابق.
(6) الكتيبة: جمع كتائب، وهي الجيش المجتمع الذي لا ينتشر وأطلق عليهم ذلك مبالغة كأنه قال لهم: أنتم مجتمع الإسلام. المصدر السابق.
(7) رهط: أي قليل، وهو يقال للعشرة فما دونها. المصدر السابق.
(8) دافة: أي عدد قليل وأصله من الدف، وهو السير البطيء في جماعة. المصدر السابق.
(9) يختزلونا: أي يقتطعونا من الأمر وينفردوا به دوننا. المصدر السابق.
(10) يحضنونا: أي يخرجونا. المصدر السابق.(7/36)
فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت زورت(1) مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد(2)، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها، أو أفضل منها حتى سكت، فقال: ما ذكرتم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلى نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار(3): أنا جذيلها المحكك(4)، وعذيقها المرجب(5)، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار، ونزونا(6) على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة(7)
__________
(1) زورت: هيأت وحسنت. المصدر السابق 12/152.
(2) أي: الحدة وسرعة الغضب.
(3) هو الحباب بن المنذر. ابن حجر / فتح الباري 12/152، 153.
(4) جُذَيْلها المُحَكّك: تصغير جذل وهو العود الذي ينصب للإبل الجربى لتحتك به، أي أنا ممن يستشفى برأيه كما تستشفى الإبل الجربى بالاحتكاك بهذا العود. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/251.
(5) الرُّجْبةَ: هو أن تُعْمد النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خشي عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع، والعُذيق: تصغير عذق، وهي النخلة، وقيل أراد بالترجيب التعظيم. المصدر السابق 2/197.
(6) نزونا: أي وثبنا. ابن حجر / فتح الباري 12/153.
(7) قوله قتلتم سعد بن عبادة: أي كدتم أن تقتلوه، وقيل هو كناية عن الإعراض والخذلان، وقول عمر: اقتلوه، قتله الله لم يرد حقيقته. المصدر السابق 7/153.(7/37)
، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر،خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرض، وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا(1).
__________
(1) تَغِرة: أي حذراً من القتل والمعنى أن من فعل ذلك أي مبايعة من يريد مبايعته من غير مشورة المسلمين فقد غرر بنفسه وصاحبه، وعرضهما للقتل، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه في هذا الخبر قوله: فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها كانت كذلك، ولكن وقى الله شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر.
ومراد عمر رضي الله عنه بذلك أن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت سريعة، وغاب عنها من كان ينبغي أن يشاور، ويؤخذ رأيه، ووقى الله شر تلك السرعة التي لم تكن فيها مشورة جميع من ينبغي أن يشاور، فأطاع الناس أبا بكر كلهم من حضر البيعة ومن غاب عنها، ولم يقع اختلاف ومعارضة ممن غاب عن المشورة، فيحدث الشر بذلك وبيّن عمر رضي الله عنه أن ذلك كان من خصوصيات أبي بكر لأنه ليس في الناس مثله، وأفضل منه، فلا يغتر أحد بذلك، ويبايع أحداً بالإمارة والخلافة من غير أن يشاور أهل الرأي والحل والعقد لأنه بذلك يعرض نفسه ومن بايعه للقتل، وقد بين عمر رضي الله عنه السبب في إسراع الناس في مبايعة أبي بكر، وهو خشية الفتنة، ووقوع الاختلاف لأن الأنصار كانوا يريدون مبايعة سعد بن عبادة. انظر: ابن حجر / فتح الباري 12/144-156.
رواه البخاري / الصحيح 2/291، 338، 4/179،265، عبد الرزاق / المصنف 5/439، ابن أبي شيبة /المصنف 7/431 وغيرهم.(7/38)
وقد بين عمر رضي الله عنه للأنصار أنه لا يمكن أن يكون للمسلمين خليفتان ويستحيل أن يفعل المسلمون ذلك، لأنه سبيل إلى الفرقة والخلاف، فقال رضي الله عنه: سيفان في غمد واحد لا يصطلحان(1).
وذلك عندما طلب الأنصار أن يكون منهم أمير، ومن المهاجرين أمير، وذكرهم رضي الله عنه بفضل أبي بكر، وبأحقيته في الخلافة، فقال رضي الله عنه: ثم إن أبا بكر رحمه الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين، وإنه أولى الناس بأموركم، فقوموا فبايعوه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر(2).
ومن الأمور التي ذكر بها عمر رضي الله عنه الأنصار وهي من فضائل أبي بكر رضي الله عنه قوله رضي الله عنه: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر(3).
وبهذا أذعن الأنصار رضوان الله عليهم واستجابوا لبيعة الصديق رضي الله عنه.
__________
(1) رواه النسائي / السنن الكبرى 5/37، 6/355، البيهقي / السنن الكبرى 8/144،145، صحيح من رواية النسائي. قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد أنا حميد بن عبد الرحمن عن سلمة بن نبيط عن نعيم عن نبيط عن سالم بن عبيد وكان من أصحاب الصفة قال: قالت الأنصار.
(2) رواه البخاري / الصحيح 4/248، عبد الرزاق / المصنف 5/437، 438، الطبراني / المعجم الكبير 7/56،57 وغيرهم.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 2/224، ابن أبي شيبة / المصنف 7/432، أحمد / المسند 1/396، فضائل الصحابة 1/182، النسائي / السنن 2/75، ومدار الأثر على عاصم بن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، وبقية رجاله عند النسائي ثقات وسنده متصل، فالأثر حسن، وقد حسنه ابن حجر رحمه الله في فتح الباري 12/153، والشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح سنن النسائي 1/168.(7/39)
وروي أن عمر رضي الله عنه ذكر الأنصار بقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه أحقية قريش بالخلافة، فقال: نشدتكم بالله يا معشر الأنصار ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من سمعه منكم وهو يقول: "الولاة من قريش ما أطاعوا الله، واستقاموا على أمره"(1).
__________
(1) رواه البيهقي / السنن الكبرى 8/143، وفي إسناده أحمد بن عبد الجبار ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح. تق 81، وفيه يونس بن بكير صدوق يخطئ. تق 613، وهو معضل من رواية محمد بن إسحاق صدوق من صغار الخامسة. تق 467، فالأثر ضعيف، ولكن معناه صحيح، رواه البخاري في الصحيح ولفظه: أن رسول الله r قال: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين. 3/233 كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش.
وفي رواية أخرى عنده: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان. ابن حجر / فتح الباري 6/533.(7/40)
وأما علي والزبير فإنهما كما ذكر عمر رضي الله في حديثه الذي تقدم في الصحيح تخلفا عن المهاجرين، وكانا يأتيان بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتشاوران معها في أمرهما، وفي بيعة أبي بكر رضي الله عنه، فعلم بذلك عمر رضي الله عنه، وخشي من تفرق كلمة المسلمين إذا رأوا اجتماع علي والزبير في بيت فاطمة، وذلك لمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم ولمنزلتها في قلوب المسلمين فذهب رضي الله عنه إليها وقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعى إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، فلما خرج عمر رضي الله عنه جاؤوها، فقالت رضي الله عنها: تعلمون أن عمر قد جاءني وحلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت،وأيم الله ليمضين لما حلف، وأمرتهم أن ينصرفوا عنها، ويتشاوروا في أمرهم بأنفسهم ولا يرجعوا إليها، فلم يرجعوا إليها بعد ذلك حتى تشاوروا في أمرهما، ثم بايعوا أبا بكر رضي الله عنه(1)
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/432، أحمد / فضائل الصحابة 1/364، صحيح من رواية ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا محمّد بن بشر نا عبيد الله بن عمر، حدّثنا زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع. وإسناده عند أحمد متصل ورجاله ثقات سوى شيخه محمد بن إبراهيم بن إسحاق الأصبهاني ذكره الخطيب في تاريخه ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/401، ورواية أحمد ليس فيها ذكر للإحراق وفي الأثر دلالة على أن علياً رضي الله عنه بايع أبا بكر في حياة فاطمة، وقد ورد في الصحيح عند البخاري من حديث عائشة أن علياً رضي الله عنه لم يبايع حتى توفيت فاطمة رضي الله عنها بعد ستة أشهر، فتح الباري 7/493، وجمع أهل العلم بين ذلك بأن مراد عائشة رضي الله عنها من عدم بيعة علي في تلك الأشهر هو عدم ملازمته لأبي بكر وحضوره عنده لأن ذلك يوهم من لا يعرف حقيقة الأمر أن ذلك بسبب عدم الرضا عن الخلافة، فلذلك أظهر علي رضي الله عنه البيعة مرة أخرى بعد وفاة فاطمة حتى يقطع ذلك الوهم. ابن حجر / فتح الباري 1/495.(7/41)
.
وقد ثبت أن علياً والزبير بايعا أبا بكر رضي الله عنهم بالخلافة بعد أن وعظهما، وذكرهما بأن في تخلفهما عن البيعة شقاً لعصا المسلمين(1).
وبذلك يمكن القول بأن تخلف علي والزبير رضي الله عنهما واجتماعهما في بيت فاطمة رضي الله عنها،كان في بداية الأمر ثم بايعا بعد ذلك.
المسألة الثانية: موقف عمر رضي الله عنه من قتال المرتدين.
كان لعمر رضي الله عنه موقف معارض من قتال أبي بكر رضي الله عنه لمانعي الزكاة من المرتدين الذين ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال رضي الله عنه لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله"، حيث كان رأيه رضي الله عنه في بداية الأمر عدم قتال من نطق بالشهادتين ومنع الزكاة ولم يعارض في قتال من ارتد عن الإسلام بادعاء النبوة والرجوع إلى عبادة الأوثان لأن إباحة قتال هؤلاء لا مرية فيه(2).
__________
(1) رواه الحاكم / المستدرك 3/76. حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ثنا جعفر ابن محمّد بن شاكر ثنا عفان بن سلم ثنا وهيب ثنا داود بن أبي هند ثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما توفي... الأثر. وإسناده متصل ورجاله ثقات فالأثر صحيح.
(2) انظر: ابن حجر / فتح الباري 12/276،277،278.(7/42)
ولكن أبا بكر رضي الله عنه أصر على قتال من منع الزكاة سواءً كان جاحدًا لوجوبها أو مقراً، وبين رضي الله عنه أن من حق المال الزكاة، فمن لم يؤد حقه لم يكن معصوماً من القتل، وقال رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً(1) كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها(2).
وتبين لعمر رضي الله عنه أن الصواب والحق فيما ذهب إليه أبو بكر، وعزم عليه من قتال مانعي الزكاة، فكان خير معين له في القضاء على فتنة الردة.
وفي موقف عمر رضي الله عنه ذلك دليل على شدة تعظيمه رضي الله عنه لحرمات الله، وحفاظه على حرمات المسلمين ودمائهم وأموالهم، وعدم التعرض لها إلا بحق وشدة تحريه في ذلك، وفيه دليل على سرعة رجوعه للحق والصواب إذا ظهر له.
المسألة الثالثة: إشارته على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن بعد موقعة اليمامة(3).
__________
(1) العَناق: هي الأنثى من ولد المعز ما لم يتم له سنة. ابن منظور / لسان العرب 9/433.
(2) رواه البخاري / الصحيح 1/243، 253،254،4/196، 257، مسلم / الصحيح / شرح النووي 1/200- 212.
(3) اليمامة: معدودة من نجد وقاعدتها حَجْر، وتسمى جوا والعروض، وبينها وبين البحرين عشرة أيام. ياقوت الحموي / معجم البلدان 5/442. وقال في المنجد: العارض منطقة سعودية في نجد عرفها الأقدمون باسم اليمامة، قاعدتها الرياض ومن مدنها العيينة، والدرعية، يجري فيها وادي حنيفة. الأعلام ص 362.(7/43)
كانت موقعة اليمامة إحدى المواقع التي قاتل فيها المسلمون المرتدين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت في أواخر السنة الحادية عشرة وأول الثانية عشرة، وقتل فيها مسيلمة الكذاب، وقتل فيها من المسلمين ستمائة وقيل سبعمائة، وكان فيهم عدد كبير من قراء القرآن رضوان الله عليهم(1).
فخشى عمر من استمرار مقتل القراء واستشهادهم في حروب الردة، كما حدث في يوم اليمامة فيفضي ذلك لضياع القرآن الذي حفظه القراء في صدورهم وتلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة غضاً كما نزل، وحيث إن القرآن الذي كتب لم يكن مجموعاً في مكان واحد، بل كان متفرقاً، فأشار رضي الله عنه على أبي بكر بجمع القرآن، ثم شرح الله صدر أبي بكر لذلك، فأمر زيد بن ثابت بجمع القرآن.
قال زيد رضي الله عنه: أرسل إلى أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر(2) يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
__________
(1) انظر: ابن كثير / البداية والنهاية 6/330. ابن حجر / فتح الباري 9/12/ وقد ذكر الذهبي رحمه الله أسماء ممن استشهد في موقعة اليمامة من الصحابة رضوان الله عليهم. تاريخ الإسلام / عهد الخلفاء الراشدين ص54-73.
(2) اسْتحّر القتل: اشتد وكثر. ابن منظور / لسان العرب 3/116.(7/44)
قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك رأي عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من ا لجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب(1) واللخاف(2)، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري(3) لم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه(4).
وكان جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه من حفظ الله عز وجل لكتابه العزيز وحمايته من الضياع، والفضل بعد الله في ذلك لأبي بكر ولعمر رضي الله عنه الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنه بذلك، وكان ذلك منه الرأي الصائب الذي وافقه عليه بقية الصحابة رضوان الله عليهم بعد جزمهم بصواب ذلك الرأي وأهميته البالغة(5).
__________
(1) العُسب: جريد النخل كانوا يكتشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض، وقيل العسيب طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص، والذي ينبت عليه الخوص هو السعف. ابن حجر / فتح الباري 9/14.
(2) اللِخاف: الحجاة الرقاق، وقيل صفائح الحجارة الرقاق. المصدر السابق 9/14.
(3) أبو خزيمة بن أوس بن زيد البخاري الأنصاري، شهد بدراً وما بعدها من المشاهد، وتوفي في خلافة عثمان. ابن عبد البر / الاستيعاب 4/205.
(4) رواه البخاري / الصحيح 3/139، 225،4/243، الترمذي / السنن 4/346، 347 وغيرهما.
(5) انظر: ابن حجر / الإصابة 9/12-14.(7/45)
المسألة الرابعة: ما ورد في معاونة عمر رضي الله عنه لأبي بكر في إدارة شئون الرعية.
لا ريب أن عمر رضي الله عنه كان من أهل مشورة أبي بكر رضي الله عنه وكان ممن يعاونه ويعضده في إدارة شئون الرعية بقوله وفعله ومن الأخبار الدالة على ذلك ما جاء أن أبا بكر الصّديق رضي الله عنه طلب من أسامة بن زيد رضي الله عنه أن يأذن لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجلس في المدينة ليعاونه على إدارة شؤون المسلمين ومواجهة ما قد يحدث من ردة الأعراب حول المدينة(1).
ومن المهام التي روي أن أبا بكر رضي الله عنه أسندها لعمر رضي الله عنه:
1- القضاء:
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 5/482، سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/318. ابن سعد / الطبقات 2/189،191، 4/67، إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص 443/ب، خليفة بن خياط / التاريخ ص 100، وإسناده عند عبد الرزاق وإسحاق رجاله ثقات، ولكن من رواية الزهري عن أبي بكر رضي الله عنه، وروايته عنه منقطعة. فهو من رؤوس الطبقة الرابعة. وإسناده عند سعيد رجاله ثقات وهو منقطع أيضاً من رواية سليمان بن يسار، وهو ثقة من الثالثة. تق: 255. روايته عن أبي بكر صلى الله عليه وسلم منقطعة.
ورواه ابن سعد من غير إسناد، وسنده عند خليفة رجاله ثقات، لكنه منقطع من رواية عروة بن الزبير بن العوام عن أبي بكر، وهو ثقة من الثالثة. فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.(7/46)
فروي أنه رضي الله عنه لما ولي الخلافة ولى عمر القضاء، وأبا عبيدة بيت المال، وقال: أعينوني، فمكث عمر سنة لا يأتيه اثنان، أو لا يقضي بين اثنين(1).
2- استخلافه لعمر عند خروجه من المدينة:
فقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه خرج معتمراً في العام الثاني عشر من الهجرة، واستخلف على المدينة عمر بن الخطاب رضي الله عنه(2).
3- صلاته بالناس عند غياب الصديق رضي الله عنه:
روي أن عمر رضي الله عنه كان يصلي بالناس عند غياب أبي بكر ومرضه رضي الله عنه(3).
4- حجه بالناس في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما:
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/184، خليفة بن خياط / التاريخ ص 123، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/230، البلاذري / أنساب الأشراف ص 43،44، وكيع / أخبار القضاة 1/103،104، الطبري / التاريخ 2/351، البيهقي / السنن الكبرى 10/87، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 232، وإسناده عند ابن سعد والبلاذري رجاله ثقات ولكنه معضل من رواية عطاء بن السائب عن أبي بكر رضي الله عنه، وهو صدوق من الخامسة. ورواه ابن شبه وخليفة وابن عساكر من غير إسناد وفي إسناده عند وكيع أبو أحمد الزهري، لم أجد له ترجمة، وهو منقطع أو معضل من رواية محارب بن دثار عن أبي بكر رضي الله عنه، وهو ثقة من الرابعة. ورواه البيهقي عن محارب بن دثار أيضاً وسنده عند الطبري معضل من رواية مسعر بن كدام، وهو ثقة من السابعة عن أبي بكر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(2) رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 119 من غير إسناد.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/186،202، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 46، 47، الطبري / التاريخ 2/354، وفي إسناده عند ابن سعد والبلاذري الواقدي، وفيه عند الطبري أبو قدامة عثمان بن محمد بن عبد الله العمري، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 6/165، وفيه أبو وجزة يروي عن أبيه، لم أجد لهما ترجمة.(7/47)
روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف استعمل عمر رضي الله عنه على الحج ثم حج هو من عام قابل(1).
وهذه المهام الأربعة الأخيرة، وإن لم ترد بسند ثابت إلاّ أن وقوعها أمر غير مستبعد ولا غرابة فيه. وكان الخلفاء الرّاشدون ومن بعدهم ينيبون من يرون فيه الكفاءة في مثل هذه الأمور ومن قبلهم كذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
المسألة الخامسة: ما روي عن عمر رضي الله عنه من مواقف من بعض قادة أبي بكر رضي الله عنه.
1- موقفه من تولية أبي بكر رضي الله عنه لخالد بن سعيد بن العاص(2) رضي الله عنه لقيادة المسلمين بالشام.
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/177، البلاذري / أنساب الأشراف ص 41،42، وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات سوى عبد الله بن عمر العُمري ضعيف. تق 314، ورواه البلاذري من طريق ابن سعد فالأثر ضعيف.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 228.(7/48)
روي أن خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه قدم من اليمن إلى المدينة بعد أن بويع لأبي بكر، فقال لعلي وعثمان رضي الله عنهما: أرضيتم بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟! فنقلها عمر إلى أبي بكر، فلم يحملها أبو بكر على خالد، وأقام خالد ثلاثة أشهر لم يبايع أبا بكر، ثم بايعه، وكان رأي أبي بكر فيه حسناً، وكان معظماً له، فلما بعث الجنود على الشام عقد له على المسلمين، وجاء باللواء إلى بيته، فكلم عمر أبا بكر وقال: تولي خالداً، وهو القائل ما قال؟! فلم يزل به حتى أرسل أبا أروى الدوسي(1)، فقال: إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: أردد إلينا لواءنا، فأخرجه فدفعه إليه وقال: والله ما سرتنا ولايتكم، ولا ساءنا عزلكم، وإن المُليم لغيرك، ثم دخل أبو بكر على خالد يعتذر إليه، ويطلب منه ألا يذكر عمر بحرف(2).
__________
(1) أبو أروى الدوسي حجازي كان ينزل ذا الحليفة، مات في آخر خلافة معاوية، وكان عثمانياً. ابن عبد البر / الاستيعاب 4/158.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 4/97، البلاذري / أنساب الأشراف ص152، الحاكم / المستدرك 3/249، 250، وفي إسناده عند ابن سعد الواقدي، ونقله البلاذري عن المدائني، وفي إسناده أبو زكريا العجلاني لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية صالح بن كيسان، وهو ثقة من الرابعة. تق 273، عن أبي بكر رضي الله عنه، وفي إسناده عند الحاكم يونس بن بكير وهو صدوق يخطئ. تق 613، وفيه محمد بن إسحاق بن يسار صدوق مدلس، من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه محمد بن عبد الله بن أبي بكر يروي عن أبيه لم أجد له ترجمة ولعله محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 7/299، وأبوه مقبول من الثالثة. تق 310، فالأثر ضعيف.(7/49)
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكر لما عقد اللواء لخالد ابن سعيد: إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب، فعزله أبو بكر(1).
2- موقفه من خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد قتله مالك بن نويرة التميمي ومن معه من الأسرى في موقعة البطاح(2).
__________
(1) رواه البلاذري / فتوح البلدان ص 116، من غير إسناد بلفظ: قالوا.
(2) البُطاح: منزل لبني يربوع، وقيل ماء في ديار بني أسد بن خزيمة. ياقوت الحموي / معجم البلدان 1/445.(7/50)
روي أن خالداً رضي الله عنه لما قاتل المرتدين يوم البطاح، بزعامة مالك بن نويرة وقع مالك في الأسر في نفر من قومه، فجيء بهم إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه، واختلف في أمرهم، فقال بعض جند خالد وفيهم أبو قتادة(1): أن مالكاً ومن معه أذنوا، وأقاموا، وصلوا، وقال بعضهم: لم يفعلوا ذلك، فأمر خالد رضي الله عنه بهم، فحبسوا حتى يستوثق من أمرهم، وكانت تلك الليلة شديدة البرد، فأمر خالد رضي الله عنه بأن يدفأ الأسرى، وكانت كلمة أدفئوا في لغة أهل تلك الناحية بمعنى اقتلوا، فقتلوا جميع الأسرى، فقال أبو قتادة رضي الله عنه لخالد بن الوليد رضي الله عنه: هذا عملك! فزبره خالد، فغضب ومضى إلى أبي بكر بالمدينة، فغضب عليه، وأمره أن يرجع إلى خالد ولا يعود إلا معه، وتزوج خالد من زوجة مالك بن نويرة، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره، فقال عمر لأبي بكر: إن في سيف خالد رهقاً(2)، فإن لم يكن هذا حقاً حق عليه أن تقيده، وأكثر عليه في ذلك، وكان أبو بكر لا يقيد من عماله، فقال: هيه يا عمر، تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد، وودى مالكاً، وكتب إلى خالد أن يقدم إليه ففعل، فأخبره خبره، فعذره وقبل منه، وعنفه في التزويج الذي كانت تعيب عليه العرب(3).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 410.
(2) رهقاً: أي عجلة. ابن منظور / لسان العرب 5/346.
(3) رواه الطبري / التاريخ 2/273، 274، وفي إسناده شعيب بن إبراهيم، قال الذهبي: فيه جهالة. ميزان الاعتدال 2/275، وفيه خزيمة بن شجرة العقالي، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 3/382، وفيه عثمان بن سويد لم أجد له ترجمة، فالأثر ضعيف.(7/51)
وروي أن أبا بكر قال لعمر لما أكثر عليه في شأن خالد رضي الله عنهم: لم أكن لأشم سيفاً سله الله على الكافرين(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال - لما بلغه مقتل مالك، وتزوج خالد لامرأته -: عدو الله عدا على امرئ مسلم، فقتله، ثم نزا على امرأته، وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتى دخل المسجد، وعليه قباء له عليه صدأ الحديد، معتجراً(2) بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهماً، فلما دخل المسجد قام إليه عمر، فانتزع الأسهم من رأسه، فحطمها ثم قال: أرئاء قتلت امرأً مسلماً ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك، وخالد لا يكلمه، ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه، حتى دخل على أبي بكر، فأخبره الخبر، واعتذر إليه، فعذره أبو بكر(3).
والروايات الواردة في موقف عمر رضي الله عنه من خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد قتله مالك بن نويرة لم تثبت وأيضاً فإن فيها أن السرية التي كانت مع خالد رضي الله عنه اختلفت في أمر مالك وأصحابه هل عادوا إلى الدين وأذنوا وأقاموا أم تمسكوا بما هم فيه من الردة، ومنع الزكاة.
__________
(1) رواه الطبري / التاريخ 2/273، وفي إسناده شعيب بن إبراهيم المتقدم ذكره، وهو منقطع من رواية عروة بن الزبير عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(2) الاعْتِجَار: لف العمامة دون التحلي ومن غير إدارة تحت الحنك. ابن منظور / لسان العرب 9/56.
(3) رواه الطبري / التاريخ 2/273، 274، وفي إسناده محمد بن حميد الرازي، ضعيف تق 475، وفيه سلمة بن الفضل الأبرش، صدوق كثير الخطأ. تق 248، وفيه محمد بن إسحاق صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، مقبول من الثالثة. تق 282، فالأثر ضعيف.(7/52)
وقد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وليس عندنا أخبار صحيحة ثابتة بأن الأمر جرى على وجه يوجب قتل خالد، وأما ما ذكر من تزوجه بامرأته ليلة قتله، فهذا مما لم يعرف ثبوته(1).
هذه هي أهم مواقف عمر رضي الله عنه ومشاركاته في حياته مع أبي بكر رضي الله عنه وهي دالة على الدور العظيم والهام الذي قام به رضي الله عنه في تثبيت قواعد الدولة الإسلامية الناشئة والمحافظة على سلامة الأمة ووحدتها وصيانة دينها وعقيدتها.
الباب الثاني: السياسة الإدارية للدّولة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه فصلان:
الفصل الأوّل: الجهاز الإداري للدولة
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأوّل: الخليفة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: خلافته وما ورد فيها وكيفة استخلافه، وفيه ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى: ما ورد من أحاديث فيها إشارة لخلافته رضي الله عنه.
لقد وردت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها إشارة إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه من بعده صلى الله عليه وسلم، وخلافة عمر رضي الله عنه من بعد أبي بكر رضي الله عنه، وأحقيتهما بالخلافة من بعده صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الأحاديث ليس فيها تصريح باستخلافه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر من بعده، بل إن عدم استخلافه صلى الله عليه وسلم لخليفة من بعده أمر ثابت.
قال عمر رضي الله عنه: إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم(2).
أما تلك الأحاديث فهي:
__________
(1) انظر: مختصر منهاج السنة ص 422 - 425.
(2) رواه البخاري / الصحيح 4/248، مسلم / الصحيح / شرح النووي 12/204-206، وغيرهما.
قال ابن العربي رحمه الله: أجمعت الأمة على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما نص على أحد يكون بعده. العواصم من القواصم ص 185.(7/53)
1- ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما من أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف(1) السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون(2) منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانطلق به ثم وصل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعبر"، قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن وحلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك، فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً"، قال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت قال: لا تحلف(3).
قال ابن حجر رحمه الله: قال القاضي عياض: والسبب في اللغة الحبل والميثاق، والذين أخذوا به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واحداً بعد واحد هم الخلفاء الثلاثة وعثمان هو الذي انقطع به ثم اتصل(4).
__________
(1) تَنْطف: أي تقطر. ابن منظور / لسان العرب 14/188. أي: أنه رأى شيئاً يظله مثل السحابة يقطر منها السمن والعسل. المصدر السّابق 8/261.
(2) يتكففون: تكفف الشيء طلبه بكفه. المصدر السابق 12/125.
(3) رواه البخاري / الصحيح 4/219، أحمد / المسند 1/236، أبو داود / السنن 4/208 وغيرهم.
(4) فتح الباري 12/435.(7/54)
2- حديث أبي بكرة(1) رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم(2).
__________
(1) أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة صحابي مشهور بكنيته، قيل اسمه مسروح، أسلم بالطائف ثم نزل البصرة، ومات سنة إحدى أو اثنتين وخمسين.تق 565.
(2) رواه الطيالسي / المسند ص116، ابن أبي شيبة / المصنف 6/176،177، 348، أحمد / المسند 4/63،5/44، أبو داود / السنن 4/208، الترمذي / السنن 3/368، 369، الطحاوي / مشكل الآثار 4/312، الحاكم / المستدرك 3/70، 71، 4/393، 394.
وفي إسناده عند الطيالسي وأحمد من طريق والطحاوي عليّ بن زيد بن جدعان ضعيف. تق: 401. وبقية رجاله عند الطيالسي ثقات. وفي إسناده عند أبي شيبة عبيد الله بن مروان، ذكره ابن حبان في الثقات 7/151. وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكره فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 5/334. وفيه أبو عائشة لم أعرفه ولعله الذي ذكره ابن حجر في التقريب وقال: مقبول تق: 654. وبقية رجاله ثقات.
وفيه عند أبي داود والترمذي والحاكم، الأشعث بن عبد الله الحداني، وثّقه النسائي وابن معين والذهبي. وقال ابن حجر: صدوق. الكاشف 1/253 تق: 113. وبقية رجاله عند الترمذي وأبي داود ثقات.
ورواه أحمد من طريق آخر ورجال إسناده ثقات سوى شيخ الأسود بن هلال فهو مبهم، والأسود ثقة مخضرم من الثانية تق: 111. ففي الإسناد: عن الأسود عن رجل من قومه كان يقول في خلافة عمر بن الخطاب لا يموت عثمان حتى يستخلف. قلنا من أين تعلم ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:... الحديث.
والظاهر أن ذلك الرجل كان صحابياً فلا تضرّ.فالأثر صحيح من طريق الترمذي وأبي داود.(7/55)
قال أهل العلم: قوله في الحديث: فرأينا الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما علم صلى الله عليه وسلم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور، وظهور الفتن بعد خلافة عمر رضي الله عنه، ومعنى رجحان كل من الآخران الراجح أفضل من المرجوح(1).
وقد ذكر ابن العربي رحمه الله هذا الأثر والذي قبله في الاستدلال على إشارة النبي صلى الله عليه وسلم لخلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما(2).
3- حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: إني لشاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة، وفي يده حصى، فسبحن في يده، وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فسمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فسبحن مع أبي بكر، سمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسبحن في يده، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر فسبحن في يده سمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان بن عفان فسبحن في يده، ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا(3).
__________
(1) انظر: أبو الطيب العظيم أبادي / عون المعبود 12/383 - 386، محمد المباركفوري / تحفة الأحوذي 6/566،567.
(2) العواصم من القواصم ص 184-190.
(3) رواه ابن أبي عاصم / السنة ص 529، الخلال / السنة ص 288،289، الإطرابلسي / فضائل الصحابة ص 105،106، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/152، 153، اللالكائي / شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/886، 887، البيهقي / دلائل النبوة 6/64، 65، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/179، 180، صحيح من رواية الطبراني.
قال: حدّثنا أحمد ثنا المنذر بن الوليد الجارودي ثنا أبي ثنا حميد بن مهران عن داود بن أبي هند عن رجل من أهل الشام يعني: الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن أبي ذرّ قال: إني شاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم... الأثر.(7/56)
وقد استدل ابن أبي عاصم في السنة بهذا الأثر على خلافة الخلفاء الراشدين المهديين(1).
4- قوله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك"(2). فالثلاثون سنة هي خلافة أبي بكر الصّدّيق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب والحسن بن عليّ رضي الله عنهم.
قال ابن كثير رحمه الله: "وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن عليّ، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأوّل من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين من موت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنه توفي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأوّل سنة أحدى عشرة من الهجرة. وهذا من دلائل النبوّة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليماً".(3)
5- قوله صلى الله عليه وسلم: "تدور رحى الإسلام على خمس وثلاثين أو ست وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن بقي لهم دينهم فسبعين عاماً"، قال عمر: يا رسول الله، بما بقي أو بما مضى؟ قال: "بما بقي"(4)
__________
(1) السنة ص 520-530.
(2) رواه الطيالسي / المسند ص 151، الجعد / المسند 2/1155، ابن أبي شيبة / المصنف 6/363، الترمذي / السنن 3/341، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 1/116، 119، الطبري / صريح السنة ص 24، وغيرهم، وسنده عند الترمذي متصل ورجاله ثقات سوى سعيد بن جهمان فهو صدوق، ومدار الحديث عليه، فالحديث حسن.
(3) البداية والنهاية 8/17.
(4) رواه أحمد / المسند 1/393، أبو داود / السنن 4/98، الخطابي / غريب الحديث 1/549، الحاكم / المستدرك 3/114، 145،4/521، صحيح من طريق الحاكم.
قال: حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، ثنا بكار بن قتيبة القاضي، ثنا أبو داود الطّيالسيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن عن منصور عن ربعي بن حراش عن البراء بن ناجية الكاهلي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... الحديث.
وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 2/703.
قال المباركفوري في كلامه على الحديث: وليس الهلاك فيه على حقيقته بل سمى أسباب الهلاك والاشتغال بما يؤدي إليه هلاكاً، ثم قال: فإن قلت في هذا الكلام موعدان الأول أنهم إن يهلكوا فسبيلهم سبيل من هلك، والثاني أنهم إن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً، وهذان الموعدان لا يوجدان معاً بل إن وجد الأول لا يوجد الثاني، وإن وجد الثاني لا يوجد الأول، فأي من هذين الموعدين وجد ووقع؟ قلت: قال القاري في المرقاة: قد وقع المحذور في الموعد الأول ولم يزل كذلك إلى الآن، قلت: لا شك في قوله فقد ظهر بعد انقضاء مدة الخلفاء الراشدين ما ظهر وجرى ما جرى، فلما وقع ما في الموعد الأول ارتفع ما في الموعد الثاني. عون المعبود 11/327، 328.(7/57)
.
6- ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت مستخلفاً لاستخلفت أبا بكر أو عمر"(1).
وقد رويت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تصريح باستخلافه صلى الله عليه وسلم أبا بكر من بعده وعمر من بعد أبي بكر، وهي غير ثابتة بل الثابت والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف خليفة من بعده.
__________
(1) رواه إسحاق بن راهويه / المسند 3/660، النسائي / السنن الكبرى 5/39، صحيح من طريق إسحاق.
قال: أخبرنا وكيع، نا أبو العميس عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو... الحديث.
ورواه أحمد/ المسند6/36، والنّسائي/ السنن الكبرى5/57، 58، والخلال/ السّنّة، ص: 272، والحاكم/ المستدرك3/78.
وسنده عند أحمد متّصل ورجاله ثقات. قال: ثنا وكيع، ثنا أبو العميس عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لاستخلف أبا بكر أو عمر.
فالنّصّ فيه من كلام عائشة رضي الله عنها وليس مرفوعاً إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم. ولا مانع أن تكون عائشة رضي الله عنها سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حكته هي.(7/58)
ومن تلك الأحاديث الضعيفة ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسس مسجد قباء جاء بحجر فوضعه، وجاء أبو بكر بحجر فوضعه، وجاء عمر بحجر فوضعه، وجاء عثمان بحجر فوضعه، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "هذا أمر الخلافة من بعدي"(1).
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: بعثني بنو المصطلق(2) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من ندفع صدقاتنا بعدك؟ قال: فأتيته، فسألته، فقال: "إلى أبي بكر"، فأتيتهم فأخبرتهم فقالوا: ارجع إليه، فسله، فإن حدث بأبي بكر حدث فإلى من؟ فأتيته فسألته فقال: "إلى عمر"، فأتيتهم فأخبرتهم... الحديث(3).
__________
(1) رواه البخاري / التاريخ الكبير 3/117، عبد الله بن أحمد / السنة ص 244،245، أبو يعلى / المسند 8/295، الحاكم / المستدرك 3/13، وفي إسناده عند جميع من رواه سوى عبد الله بن أحمد حشرج بن نباته صدوق يهم، وقال البخاري بعد إيراده للحديث في ترجمة حشرج: هذا لم يتابع عليه لأن عمر وعلياً قالا: لم يستخلف النبي صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده عند عبد الله بن أحمد هشيم بن بشير مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه رجل مبهم، فالأثر ضعيف.
وقال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث بهذا السياق غريب جداً. السيرة النبوية 4/310.
(2) بنو المصطلق هم بنو جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة وهم بطن من خزاعة من القحطانية. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/1104.
(3) رواه الحاكم /المستدرك 3/77، أبو نعيم / حلية الأولياء 8/358، وفيه إسناديهما نصر بن منصور المروزي، ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 13/286، وفيه المختار بن فلفل صدوق له أوهام. تق 523، وقال ابن حجر في التهذيب: تكلم فيه السليماني فعده من رواة المناكير عن أنس 10/609، فالأثر ضعيف.(7/59)
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من رجل من أهل البادية إبلاً، فلقيه علي بن أبي طالب، فقال له: ما أقدمك؟ قال: قدمت بإبل، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنقدك؟ قال: لا، ولكن بعتها منه بتأخير، قال: ارجع فقل له يا رسول الله، إن حدث بك حدث من يقضيني؟ وانظر ما يقول لك، فارجع حتى تعلمني، فقال: يا رسول الله، إن حدث بك حدث من يقضيني مالي؟ قال: "أبو بكر"، فأعلم علياً، فقال له: ارجع اسأله إن حدث بأبي بكر حدث فمن يقضيني؟ فسأله فقال: "عمر"، فجاء فأعلم علياً، فقال له: ارجع فسله، إذا مات عمر فمن يقضيني؟ فجاء فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك إذا مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت"(1).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 2/226، الطبراني / المعجم الكبير 17/180، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 201،202، وفي إسناده عند ابن سعد الواقدي وفيه عند الطبراني شيخه أحمد بن رشدين، قال ابن عدي: كذبوه. ميزان الاعتدال 1/233، وفيه الفضل بن المختار البصري قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها، وقال الأزدي: منكر الحديث جداً. الذهبي: ميزان الاعتدال 3/358، ورواه ابن عساكر من طريق الطبراني، فالأثر ضعيف جداً.(7/60)
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحفصة بنت عمر رضي الله عنه: "أبشرك ببشارة، فإن أباك يلي من بعد أبي بكر إذا أنا مت"(1).
ومن ذلك ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لم يقبض النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسر إلى أن الخليفة من بعده أبو بكر، ومن بعد أبي بكر عمر، ومن بعد عمر عثمان... الحديث(2).
__________
(1) رواه الطبراني / المعجم الكبير 12/117، العشاري /فضائل أبي بكر ص 47، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 199،200، وفي إسناده عند الطبراني إسماعيل ابن عمرو البجلي، قال ابن عدي: له أحاديث لا يتابع عليها، وضعفه أبو حاتم، والدارقطني، وساق الذهبي له حديثاً باطلاً، وقال: هو الآفة. ميزان الاعتدال 1/239، 240، وفيه انقطاع الضحاك بن مزاحم لم يلق ابن عباس. انظر ميزان الاعتدال 2/325، وفي إسناده عند العشاري سيف بن عمر التميمي، ضعيف. تق 262، وفيه عند ابن عساكر موسى بن جعفر الأنصاري، قال العقيلي: مجهول النقل، لا يتابع على حديثه، ولا يصح إسناده، الضعفاء 4/155، وقال الذهبي: لا يعرف، وخبره ساقط، ثم ساق الحديث الذي أنا بصدد الكلام عنه، وقال: هذا باطل. ميزان الاعتدال 4/201، فالحديث ضعيف جداً.
(2) رواه العشاري / فضائل أبو بكر ص 46، وفي إسناده إبراهيم بن راشد الآدمي، قل الذهبي: وثقه الخطيب، واتهمه ابن عدي. ميزان الاعتدال 1/30.
وفيه ليث بن أبي سليم زنيم صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك. تق 464، وفيه انقطاع مجاهد بن جبر المكي روايته عن علي بن أبي طالب مرسلة، فالأثر ضعيف.(7/61)
وروي أن الزبير بن العوام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخليفة فيكم بعدي أبو بكر ثم عمر"(1).
المسألة الثانية: ما ورد في فضل خلافته.
تعتبر خلافة عمر رضي الله عنه رمزاً لأمن واستقرار الدولة الإسلامية واتساعها، وعزة الأمة الإسلامية، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، وشهد بذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عمر رضي الله عنه لأصحابه: "أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟" قال حذيفة بن اليمان(2) رضي الله عنه: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء، قال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتنة الرجل في أهله، وماله، وجاره تكفرها الصلاة والصدقة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، قال عمر: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق، قال الصحابة رضوان الله عليهم: قلنا علم عمر الباب؟ قال حذيفة: نعم، كما أن دون غداً الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط(3).
__________
(1) رواه العشاري / فضائل أبي بكر ص 48، وفي إسناده عبد الرحمن بن عمرو ابن جبلة قال أبو حاتم: كان يكذب، فضربت على حديثه، وقال الدارقطني: متروك يضع الحديث. ميزان الاعتدال 2/580، وقال الذهبي بعد ذكره للحديث الذي أتكلم عليه: هذا باطل، والآفة من عبد الرحمن فإنه كذاب. ميزان الاعتدال 1/315، فالحديث موضوع.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 181.
(3) رواه البخاري / الصحيح 1/102، 249، 2/277، 4/227، مسلم / الصحيح / شرح النووي 2/170 - 175، 18/16،17، الترمذي / السنن 3/357، 358 وغيرهم.(7/62)
ففي هذا الحديث إخبار بعدم وقوع الفتن في عهد عمر رضي الله عنه. فقد مثل حياة عمر بباب لحائط الفتنة وراءه ومثل موته رضي الله عنه بكسر هذا الباب وأنه إذا مات فإن الباب سوف لن يغلق، لأنه كسر كسراً ولم يفتح. وهو إشارة إلى أن الفتن سوف تظهر بعد موته ولن يكون لها مانع أو راد. وقد بدأت الفتنة بعد خلافته قبل مقتل عثمان رضي الله عنه ثم تتابعت الفتن، وظهرت الأهواء والبدع في الأمة الإسلامية(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "رأيت الناس مجتمعين في صعيد واحد، فقام أبو بكر، فنزع ذنوباً(2) أو ذنوبين، وفي بعض نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها عمر، فاستحالت بيده غرباً(3)، فلم أر عبقرياً(4) في الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن"(5).
وقد ذكر أهل العلم أن تأويل رؤياه صلى الله عليه وسلم إخبار عن خلافة عمر رضي الله عنه، وما سوف تكون عليه من طول زمانها، وكثرة الفتوحات فيها، واتساع أمر الإسلام، واستقرار قواعده، وما يصيب المسلمين فيه من الخير والنعم الكثيرة(6).
__________
(1) انظر: ابن حجر / فتح الباري 6/603-607.
(2) الذنوب الدلو الممتلئ. ابن منظور / لسان العرب 5/64.
(3) فاستحالت غرباً: أي تحولت الدلو غرباً أي دلولاً عظيماً وهي المتخذة من جلد الثور. المصدر السابق 10/35.
(4) العبقري: الشديد والقوي. المصدر السابق 9/24.
(5) يقال ضربت الإبل بالعطن: إذا رويت ثم بركت حول الماء. المصدر السابق 9/273.
رواه البخاري / الصحيح 2/285، 290، 294،4/215،293، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/160-162 وغيرهما.
(6) انظر: ابن حجر / فتح الباري 12/412-414.(7/63)
ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم في فضل خلافة عمر رضي الله عنه: قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن عمر كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه الإسلام ولا يخرج منه، فلما قتل عمر انثلم(1) الحصن، فالإسلام يخرج منه، ولا يدخل فيه(2).
وقال رضي الله عنه: إن إسلام عمر كان نصراً، وإن إمرته كانت فتحاً(3).
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما كان الإسلام في زمان عمر إلا كالرجل المقبل ما يزداد إلا قرباً، فلما قتل عمر كان كالرجل المدبر ما يزداد إلا بعداً(4).
وقالت أم أيمن(5) رضي الله عنها لما مات عمر رضي الله عنه: اليوم وهى الإسلام(6).
المسألة الثالثة: استخلافه رضي الله عنه.
انتقلت الخلافة إلى عمر رضي الله عنه عن طريق الاستخلاف، فقد استخلف أبو بكر رضي الله عنه عمر قبل وفاته، قال عمر رضي الله عنه: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم(7).
__________
(1) الثُلمة: الخلل في الحائط وغيره. ابن منظور / لسان العرب 2/124.
(2) صحيح. تقدم تخريجه في ص:446.
(3) حسن. تقدم تخريجه في ص: 448.
(4) صحيح. تقدم تخريجه في ص:448.
(5) تقدمت ترجمتها في ص: 447.
(6) صحيح. تقدم تخريجه في ص: 447.
(7) صحيح. تقدم الكلام عليه في ص: 547(7/64)
ولما علم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم باستخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما دخل عليه رجل من المهاجرين وهو يشتكي، فقال له: استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له؟! فكيف لو ملكنا كان أعتا وأعتا، فكيف تقول لله إذا لقيته؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: أجلسوني فأجلسوه فقال: أبالله تفرقوني؟! أقول إذا لقيته: استخفلت عليهم خير أهلك(1).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/199، 200، إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 504/أ، الفاكهي / أخبار مكة 3/73، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/231-233، البلاذري / أنساب الأشراف ص 72، 73، 147، 163،164، الطبري / التاريخ 2/355، المروزي / تعظيم قدر الصلاة 2/842، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/82، 183،184، الإمامة ص 276، البيهقي / السنن الكبرى 8/149، صحيح من طريق إسحاق بن راهويه. قال: أنا عبد الرّزّاق أنا معمر عن الزهري عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: دخل رجل من المهاجرين... الأثر.
وجاء في رواية الطبري أن الذي دخل على أبي بكر هو طلحة بن عبيد الله، وفي إسنادها محمد بن حميد، الرازي ضعيف. تق 475، وفيه سلمة بن الفضل الأبرش صدوق كثير الخطأ. تق 248، وفيه محمد بن إسحاق مدلس، من الثالثة، ولم يصرح بالسماع فالرواية ضعيفة.(7/65)
وروي أن أبا بكر استشار كبار المهاجرين والأنصار في استخلاف عمر رضي الله عنهما قبل استخلافه، فدعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، ثم قال: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فسأله عن عمر، فقال: اللهم إن علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: ولو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل(1)، وأسيد بن حضير(2)، وغيرهما من المهاجرين والأنصار، وقال أسيد: لن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه(3).
وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أشرف على الناس من كنيفة(4)، وأسماء بنت عميس(5) رضي الله عنها ممسكته، موشومة اليدين، وهو يقول: أترضون بمن استخلف عليكم؟ وإني والله ما آلوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فقالوا: سمعنا وأطعنا(6).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 103.
(2) أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأنصاري الأشهلي، صحابي جليل، مات سنة 20هـ. تق 112.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/199، 200. البلاذري / أنساب الأشراف ص 70، 71، ومداره على الواقدي، فالأثر ضعيف.
(4) كنيفه: أي ستره، وكل ما ستر من بناء أو حظيرة فهو كنيف. ابن منظور / لسان العرب 12/171.
(5) أسماء بنت عميس الخثعمية صحابية، تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي رضي الله عنهم، وولدت لهم، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها. تق 743.
(6) رواه الطبري / التاريخ 2/352،353، الخلال / السنة ص276، وفي إسناديهما يونس بن إسحاق السبيعي صدوق يهم قليلاً، وفيه أبو السفر سعيد ابن يحمد ثقة من الثالثة لم تذكر له رواية عن أبي بكر، وذكر ابن معين أنه لم يلق عليا. التاريخ / رواية الدوري 2/195، فالأثر ضعيف.(7/66)
وهذان الأثران ضعيفان ولكن ذلك لا يمنع أن يكون أبو بكر قد استشار كبار الصحابة رضوان الله عليهم في استخلافه عمر رضي الله عنه فوافقوه على ذلك، وعارض البعض تخوفاً من شدة عمر رضي الله عنه كما تقدم في الأثر، فبين لهم أبو بكر رضي الله عنه فضل عمر وأحقيته بالخلافة.
ثم أمر أبو بكر رضي الله عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه بكتابة وصية وعهد الخلافة لمن بعده، فأغمي على أبي بكر، فتعجل عثمان رضي الله عنه وكتب اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر رضي الله عنه قال لعثمان رضي الله عنه: من كتبت؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: كتبت الذي أردت أن آمرك به، ولو كتبت نفسك كنت لها أهلاً(1).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/199، 200، ابن أبي شيبة / المصنف 6/361، الحسن بن عرفة / جزء ص 62، البلاذري / أنساب الأشراف ص 72، الطبري / التاريخ 2/353، صحيح من طريق الحسن بن عرفة.
قال: حدّثنا شبابة بن سوار الغزالي حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كتب عثمان... الأثر.(7/67)
وبعد ذلك خرج عمر رضي الله عنه ومعه مولى أبي بكر شديد، وبيده الصحيفة التي فيها استخلاف عمر، وعمر رضي الله عنه بيده عسيب نخل(1)، يقول: اسمعوا لقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل شديد يقرأ ما في الصحيفة، فقال: يقول أبو بكر: اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة، فوالله ما آلوتكم(2)، قال قيس بن أبي حازم(3) رحمه لله وهو راوي الخبر: فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر(4).
وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى عمر رضي الله عنه حين عهد إليه بالخلافة فقال: إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض، لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل المنكر يوشك أن تنقطع أمنيته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تجف يدك من دمائهم، وأن تضمر بطنك من أموالهم، وأن يجف لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوة إلا بالله(5).
__________
(1) عَسِيب النخل: جريد النخل إذا نحي عنه خوصه. ابن منظور / لسان العرب 9/197،198.
(2) آلَوْتُكم: أي قصرت في أمركم. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث1/63.
(3) قيس بن أبي حازم البجلي أبو عبد الله، ثقة، من الثالثة، مخضرم، ويقال له رؤية. تق 456.
(4) رواه الطبري / التاريخ 2/353، الخلال / السنة ص 277، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 219، صحيح من طريق الخلال. قال: أخبرنا محمّد أنا وكيع عن ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: قال: رأيت عمر بن الخطاب... الأثر.
(5) رواه الطبراني / المعجم الكبير 1/59، 60، وفي إسناده شيخ الطبراني عمرو ابن أبي الطاهر لم أجد له ترجمة، وفيه الأغر أبو مالك راوي الخبر عن أبي بكر رضي الله عنه لم أجد له ترجمة، وقال الهيثمي: والأغر لم يدرك أبا بكر. مجمع الزوائد 5/201، وبقية رجال السند ثقات، فالأثر ضعيف.(7/68)
وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى عمر رضي الله عنه أيضاً عند وفاته فقال: اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عز وجل عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع في الباطل غداً أن يكون خفيفاً، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف ألا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوء أعمالهم، ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء فيكون العبد راغباً راهباً لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمته عز وجل، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يكن غائب أبغض إليك من الموت ولست بمعجزة(1).
__________
(1) رواه أبو نعيم / حلية الألياء 1/36، ورجاله ثقات سوى خلاد بن يحيى، فهو صدوق. تق 196، ولكنه منقطع من رواية عبد الرحمن بن سابط، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن أبي بكر مرسلة. جامع التحصيل ص 222، فالأثر ضعيف.(7/69)
وتوفي أبو بكر رضي الله عنه في ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من السنة الثانية عشر للهجرة، فتولى عمر رضي الله عنه خلافة المسلمين صبيحة يوم الثلاثاء لاثنين وعشرين يوماً خلت من شهر جمادى الآخرة من السنة الثالثة عشرة للهجرة(1).
المطلب الثاني: حقوق الخليفة على رعيته وواجباته نحوهم.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حقوق الخليفة على رعيته.
إن من أعظم حقوق الخليفة على رعيته بعد مبايعتهم له طاعتهم إياه، وقد كان عمر رضي الله عنه يبايع رعيته على السمع والطاعة فيما استطاعوا(2)
__________
(1) ذكر ذلك ابن سعد / الطبقات 3/274، البلاذري / أنساب الأشراف ص 165، 378، الطبري / التاريخ 2/348، 561، الطبراني / المعجم الكبير 1/70، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/192،193، الحاكم / المستدرك 3/81، وهو عند ابن سعد والطبري وأبي نعيم من طريق الواقدي ولفظه: توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة، فاستقبل عمر بولايته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر.
وفي لفظ عند الطبري، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر، واحدى وعشرين ليلة من متوفى أبي بكر.
ورواه الطبراني بإسناد صحيح إلى يحيى بن بكير من كلامه وهو ثقة من العاشرة، ولفظه: استخلف عمر في رجب سنة ثلاث عشرة، ورواه الحاكم بإسناد حسن إلى ابن إسحاق من كلامه، ولفظه: استخلف عمر على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) رواه أبو داود الطيالسي / المسند ص286. ابن سعد / الطبقات 6/156، 21/7. ابن عبد البر / التمهيد 16/351.
وإسناده عند الطيالسي متصل ورجاله ثقات سوى علي بن زيد بن جدعان ضعيف من الرابعة. تق 401، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: والأرجح أنه ضعيف وبه جزم الحافظ في التقريب، ولكن ضعف بسبب سوء الحفظ لا لتهمة في نفسه، فمثله يحسن حديثه إذا توبع، السلسة الصحيحة 1/271، 272، ورواه سائر من رواه من طريق ابن جدعان سوى ابن سعد فإنه رواه من طريق آخر وفي إسناده سماك بن حرب، صدوق تغير بأخره، ولم يظهر لي هل سماع إسرائيل بن يونس الراوي عنه،كان قبل تغيره أم بعده،وفيه بشر بن قحيف ذكره ابن حبان في الثقات 4/69، وذكره ابن حجر في الإصابة 1/172، في القسم الثالث، ثم ذكر أثراً في مبايعة بشر لعمر وقال: هذا إسناد صحيح، وهو يدل على أنه لا صحبة له، إلا أن له إدراكاً، ووفد أيام عمر، فدلّ على أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كبيراً، وبقية رجال السند ثقات. فالأثر حسن لغيره بطريقيه.(7/70)
.
وقد بين عمر رضي الله عنه لرعيته أن من بايع أميره فقد بايعه، ولا يلزم من البيعة لقاء الخليفة بشخصه.
قال عمر رضي الله عنه لبشر بن قحيف: إذا بايعت أميري فقد بايعتني(1).
وكان عمر رضي الله عنه يحذر رعيته من شق عصا الطاعة على الخليفة، ويأمرهم بلزوم طاعته وإن كان عبداً حبشياً، ولا شك أن تلك الطاعة مقيدة بما ليس فيه معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإذا أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة كما قال صلى الله عليه وسلم: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، مالم يؤمر بمعصيته، فإذا أمر بمعصيته فلا سمع ولا طاعة(2).
قال عمر رضي الله عنه لسويد بن غفلة(3) رحمه الله: يا أبا أمية، إني لا أدري لعلي لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع(4) فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر(5).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 6/156، وفي إسناده سماك بن حرب صدوق تغير بأخره، ولكن سماع شعبة بن الحجاج الراوي عنه هنا روى عنه قبل تغيره، وفيه بشر بن قحيف، تقدم الكلام عليه في الحاشية السابقة، وبقية رجاله ثقات، وقد صححه الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة 1/172.
(2) رواه البخاري / الصحيح 4/234.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 442.
(4) مُجّدع: أي مقطع الأطراف. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/247.
(5) رواه الخلال / السنة ص 111، الآجري / الشريعة ص 48،49، البيهقي / السنن الكبرى 8/159، صحيح من طريق الخلال. قال: أخبرنا محمّد، قال: أنبأنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة، قال: قال لي عمر: يا أبا أميه. ..(7/71)
وروي أن عمرو بن عطية قال: أتيت عمر وأنا غلام، فبايعته على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هي لنا وهي علينا، فضحك وبايعني(1).
وقد بين عمر رضي الله عنه أن صلاح الوالي أو الحاكم وامتثاله أوامر الله عز وجل سبب في صلاح رعيته وامتثالهم طاعة الله عز وجل ومن ثم طاعته والانقياد له.
قال عمر رضي الله عنه: إن الناس لم يزالوا بخير ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم(2).
ومن حقوق الخليفة على رعيته التي نبه عليها عمر رضي الله عنه النصيحة له من رعيته.
قال رجل لعمر رضي الله عنه: لا أخاف في الله لومة لائم خير لي، أم أقبل على نفسي؟ فقال عمر: أما من ولي من أمر المسلمين شيئاً فلا يخاف في الله لومة لائم، ومن كان خلواً، فليقبل على نفسه، ولينصح لولي أمره(3).
وقد رويت عن عمر رضي الله عنه آثار تدل مجتمعة على حبه رضي الله عنه نصيحة رعيته له وحثه لهم على ذلك.
__________
(1) رواه ابن عبد البر / التمهيد 16/354، وقال: قال سنيد: حدثنا معتمر عن عاصم الأحول عن عمر أو عمرو بن عطية، وفي هذا الإسناد سنيد بن داود المصيصي، ضعيف مع إمامته ومعرفته. تق 257.
وعمرو بن عطية الراوي عن عمر رضي الله عنه ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 6/250، وذكره ابن حبان في الثقات 5/168، فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/292، ابن أبي شيبة / المصنف 7/94، البيهقي / السنن الكبرى 10/135، وشعب الإيمان/ زغلول 6/42، صحيح من طريق البيهقي في الشعب: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا عمرو بن السماك ثنا حنبل ابن إسحاق ثنا أبو نعيم ثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر عند موته....
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/333، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/342، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب:... الأثر.(7/72)
روي أن رجلاً وعظ عمر رضي الله عنه فقال: إنك وليت أمر هذه الأمة، فاتق الله فيما وليت من أمر هذه الأمة في رعيتك، وفي نفسك خاصة، فإنك محاسب ومسؤول عما استرعيت، وإنما أنت أمين، وعليك أن تؤدي ما عليك من الأمانة فتعطى أجرك على قدر عملك، فقال عمر: ما صدقني رجل منذ استخلفت غيرك(1).
وروي أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه دخل على عمر رضي الله عنه وهو قاعد على جذع في داره، وهو يحدث نفسه فدنا منه فقال: ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين ؟
فقال: هكذا بيده، وأشار بها، قال حذيفة: قلت: الذي يهمك، والله لو رأينا منك أمراً ننكره قومناك، قال عمر: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأيتم أمراً تنكرونه لقومتوه؟ فقلت: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمراً ننكره لقومناك.
قال: ففرح بذلك فرحاً شديداً، وقال: الحمدلله الذي جعل فيكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الذي إذا رأى مني أمراً ينكره قومني(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أيها الرعية، إن لنا عليكم حقاً النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير(3).
__________
(1) رواه إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق 487 / ب رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/99، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى يحيى بن عيسى التميمي.
قال الذهبيّ: قال: النّسائي وغيره: ليس بالقويّ. الكاشف2/372. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ ورمي بالتّشيّع تق: 595. فالأثر ضعيف.
(3) رواه الطبري / التاريخ 2/578، وإسناد رجاله ما بين ثقة وصدوق ولكنه منقطع من رواية سلمة بن كهيل وهو ثقة من الرابعة عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.(7/73)
وروي أن عمر رضي الله عنه رد على أبي بن كعب قراءة آية، فقال أبي رضي الله عنه: لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت يلهيك الصفق بالأسواق بالبقيع، فقال عمر: صدقت، إنما أردت أن أجربكم هل فيكم من يقول الحق، فلا خير في أمير لا يقال عنده الحق ولا يقوله(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج من المسجد ومعه الجارود العبدي(2) رضي الله عنه، فإذا امرأة برزة(3) على ظهر الطريق، فسلم عليها، فردت عليه السلام، فقال: هيها يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميراً تصارع الصبيان في سوق عكاظ(4)، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فبكى عمر رضي الله عنه، فقال الجارود: هيه فقد اجترأت على أمير المؤمنين وأبكيته، فقال عمر رضي الله عنه: أما تعرف هذه؟ هذه خولة بنت حكيم امرأة عبادة بن الصامت التي سمع الله عز وجل قولها من فوق سمواته، فعمر أحرى أن يسمع لها(5)
__________
(1) رواه إسحاق بن راهويه / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 1/51/ب، وفي إسناده خالد بن يزيد الفزاري مجهول الحال. تق 191، وفيه انقطاع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(2) الجارود العبدي اسمه بشر واختلف في اسم أبيه فقيل المعلى أو العلاء، وقيل عمرو، صحابي جليل، استشهد سنة إحدى وعشرين. تق 137.
(3) بَرزَة: أي كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم.ابن منظور / لسان العرب 1/374.
(4) تقدم التعريف به في ص: 97.
(5) رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 2/13/14،343، 344، وفي إسناده هارون بن عمر لم أجد له ترجمة، وفيه خليد بن دعليج السدوسي، ضعيف. تق 195، وفيه انقطاع من رواية قتادة بن دعامة، وهو ثقة من الرابعة عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
وذكر ابن عبد البر أن التي سمع الله قولها هي خولة بنت ثعلبة، وأن ما ورد في الأثر من أنها خولة بنت حكيم وهم. الاستيعاب 4/390،391.(7/74)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال: أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي(1).
وروي أن أبا عبيدة ومعاذ بن جبل كتبا إلى عمر رضي الله عنه يعظانه: سلام عليك أما بعد، فإنا عهدناك وأمر نفسك لك مهم، وأصبحت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر، فإنا نحذرك يوماً تعنو فيه الوجوه، وتحف(2) فيه القلوب، وتقطع فيه الحجج، يملك قهرهم بجبروته، والخلق داخرون له، يرجون رحمته، ويخافون عقابه وإنا كنا نحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع إلى آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، وإنا نعوذ بالله أن يترك كتابنا إليك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، فإنا كتبنا به نصيحة لك، والسلام عليك.
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/293، الدارمي / السنن 1/160-163، البلاذري / أنساب الأشراف ص 231، وسنده عند ابن سعد صحيح إلى سفيان بن عيينة وهو ثقة من الثامنة روايته عن عمر معضلة، ورواه البلاذري من طريق ابن سعد، وفي إسناده عند الدارمي عبد الملك بن سليمان أبو عبد الرحمن الأنطاكي لم أجد له ترجمة، وهو معضل من رواية عباد بن عباد الخواص الشامي أبو عتبة عن عمر رضي الله عنه وهو صدوق من التاسعة. تق 290، فالأثر ضعيف.
(2) لعل المراد به ترقق فإن ذلك من معاني الحف في اللغة كما في لسان العرب لابن منظور 3/249.(7/75)
فكتب إليهما: من عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ومعاذ بن جبل سلام عليكما، أما بعد، فإنكما كتبتما إلي تذكران أنكما عهدتماني وأمر نفسي لي مهم وإني قد أصحبت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها يجلس بين يدي الشريف والوضيع، والعدو والصديق ولكل حقه من ذلك، وكتبتما فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر، وأنه لا حول ولا قوة عند ذلك لعمر إلا بالله، وكتبتما تحذراني ما حذرت به الأمم قبلنا، وقديماً كان اختلاف الليل والنهار بآجال الناس يقربان كل بعيد ويبليان كل جديد ويأتيان بكل موعود حتى يصير الناس إلى منازلهم من الجنة والنار، وكتبتما تحدثان أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك، ليس هذا بزمان ذلك، وأن ذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، تكون رغبة بعض الناس إلى بعض لصلاح دنياهم، ورهبة بعض الناس من بعض، كتبتما به نصيحة تعظاني بالله أن أنزل كتابكما سوى المنزل الذي نزل من قلوبكما، وإنكما كتبتما به وقد صدقتكما، فلا تدعا الكتاب إلي، فإنه لا غنى بي عنكما، والسلام عليكما(1).
المسألة الثانية: واجبات الخليفة نحو رعيته.
كان عمر رضي الله عنه شديد الخشية والمراقبة لله عز وجل في جميع أحواله، ولقد كان في تعامله مع رعيته أشد خشية لله وخوفاً من أن يضيع ما استرعاه الله عز وجل.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/94، وفي إسناده مروان بن معاوية الفزاري، ثقة من الثامنة وهو مدلس من الثالثة تق: 526، ولم يصرح بالسماع، وهو من رواية نعيم ابن أبي هند، (ثقة من الرابعة،) عن صحيفة عنده.
فالأثر ضعيف.(7/76)
قدم معاوية بن حديج(1) رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه بفتح الاسكندرية، وأناخ راحلته، فخرجت جارية لعمر رضي الله عنه فرأته وعليه أثر السفر، فأدخلته، فقربت إليه خبزاً وزيتاً وتمراً، فأكل، فقال عمر لمعاوية رضي الله عنهما: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال: قلت: إن أمير المؤمنين قائل(2)، قال عمر: بئس ما قلت أو بئس ما ظننت، لئن نمت النهار لأضيعن الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية(3)؟!
وقال عمر رضي الله عنه: لو مات جمل من عملي ضياعاً، خشيت أن يسألني الله عنه(4).
__________
(1) معاوية بن حُديج الكندي أبو عبد الرحمن رضي الله عنه، صحابي صغير. تق 537.
(2) أي: نائمٌ نوم القيلولة.
(3) رواه أحمد / الزهد ص 152، ابن عبد الحكيم / فتوح مصر ص 81، ومداره على موسى بن عُلي اللخمي. قال الذهبي: ثبت صالح. الكاشف2/306. وقال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ تق 553، وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر حسن.
(4) رواه مسدد / المطالب العالية لابن حجر ق 504/أ. ابن سعد / الطبقات 3/305، ابن أبي شيبة / المصنف 7/99، الطبري / التاريخ 2/566، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 304، ورجال إسناده عند مسدد وابن عساكر ثقات ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. ورواه ابن سعد من طريق الواقدي، وفي إسناده ابن أبي شيبة أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، وبقية رجاله ثقات، وفي اتصاله اختلاف فهو من رواية حميد بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة من الثانية، قال العلائي روى عن عمر وكأنه مرسل، جامع التحصيل ص: 168، وفيه عند الطبري عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم ضعيف. تق 340، وبقية رجاله ثقات، فالأثر حسن لغيره بمجموع طرقه.(7/77)
ولما كانت أخر حجة حجها عمر رضي الله عنه أناخ بالأبطح(1) ثم كوم كومة من بطحاء ثم طرح عليها رداءه، ثم استلقى ومد يديه إلى السماء، فقال: اللهم قد كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع(2).
ولما حضرته الوفاة رضي الله عنه جعل الناس يثنون عليه بعدله في إمارته وقيامه بحقوق رعيته، فقال رضي الله عنه: أبالإمارة تغبطوني فوالله لوددت أني نجوت منها كفافاً لا علي ولا لي(3).
ومن الآثار الدالة بمجموعها على خشية عمر رضي الله عنه من التفريط في رعيته ما روي من أنه رضي الله عنه كان يدخل يده في دَبَرَةِ البعير(4) ويقول: إني أخاف أن أسأل عما بك(5).
__________
(1) الأبطح: جزع من وادي مكة بين المنحى إلى الحجون، ثم تليه البطحاء إلى المسجد الحرام، وكلاهما من المعلاة، ثم المسفلة. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 13/14.
(2) رواه مالك / الموطأ 2/21، مسدد / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 3/144/ب. ابن سعد / الطبقات 3/324 - 330، ابن أبي شيبة / المنصف 7/96، ابن شبة / تاريخ المدنية 3/90، البلاذري / أنساب الأشراف ص 338، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 1/107،109، الحاكم / المستدرك 3/91، 92، ومداره على سعيد بن المسيب وقد اختلف في سماعه من عمر رضي الله عنه وبقية رجاله عند مالك ثقات، ورواه ابن سعد من طريق آخر رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
(3) صحيح، تقدم الكلام عليه في ص:321.
(4) دَبَرة البعير: قرحة البعير. ابن منظور / لسان العرب 4/384.
(5) رواه ابن سعد / الطبقات 3/286، البلاذري / أنساب الأشراف ص 217، ومداره على سالم بن عبد الله بن عمر، ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات، فالأثر ضعيف.(7/78)
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:بينما أنا أمشي مع عمر رضي الله عنه ذات يوم وهو يضرب وحشي قدمه(1) بالدرة، تنفس تنفسة ظننت أنها قد فضت أضلاعه فقلت: سبحان الله، وما أخرج هذا منك يا أمير المؤمنين إلا أمر عظيم، قال: ويحك يا ابن عباس، والله ما أدري كيف أصنع بأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: والله إنك بحمد لله لقادر على أن تصنع ذاك منها في البقية، قال: إنه والله يا ابن عباس ما يصح هذا الأمر إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل، يقول ابن عباس: والله ما أعرف غير عمر(2).
وروي أن مالك الدار(3) قال: غدوت على عمر رضي الله عنه يوماً، فقال لي: يا مالك، كيف أصبح الناس؟ قلت: أصبح الناس بخير، قال: هل سمعت من شيء؟
فقلت: ما سمعت إلا خيراً، قال: ثم غدوت عليه اليوم الثاني فسألني، فأخبرته، واليوم الثالث سألني وأبرمني، فقلت: وما تخشى من الناس؟ فقال: ثكلتك أم مالك، هل خشيت أن يكون عمر يضرب عن بعض حقوق المسلمين فيغدون عليه براياتهم يسألون حقوقهم(4).
__________
(1) وحشي القدم، مالم يقبل عليك منها. الفيومي / المصباح المنير ص 249.
(2) رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/96، ورجاله ثقات سوى محمد بن إسحاق فهو صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع فالأثر ضعيف.
(3) مالك بن عياض مولى عمر له إدراك، وسمع من أبي بكر الصديق روى عن الشيخين وكان خازناً لعمر رضي الله عنه. ابن حجر / الإصابة 3/484، 485.
(4) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/348، وفي إسناده هارون بن عمر المخزومي لم أجد له ترجمة، وفيه محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع صدوق يخطئ، وهو مدلس من الطبقة الرابعة ولم يصرح بالسماع، وفيه بسير بن عبيدالله، ثقة من الرابعة، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.(7/79)
وروي أن عمر رضي الله عنه لما ولي الخلافة خطب فقال: يا أيها الناس إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم، وأقواكم عليكم، وأشدكم استطلاعاً بما ينوب من مهم أموركم ما توليت ذلك منكم، ويكفي عمر مُهِمّا محزناً انتظار موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها، ووضعها أين أضعها، وبالسير فيكم كيف أسير، فربي المستعان، فإن عمر أصبح لا يثق بقوة، ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده(1).
وقد قام عمر رضي الله عنه بواجباته نحو رعيته خير قيام وأتمه، وقد تمثل ذلك في عدة أمور هي:
أولاً: تعرفه رضي الله عنه على أحوال رعيته.
فقد كان عمر رضي الله عنه دائم التعرف على أحوال رعيته بنفسه يجلس للرعية، ويلتقي بهم ويعرضون عليه حاجاتهم، كبيرهم وصغيرهم، شريفهم ووضيعهم، ولم يكن رضي الله عنه يحتجب عنهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر فيها(2).
وكان رضي الله عنه يجلس بعد صلاة الفجر للنظر في أمور رعيته حتى ترتفع الشمس، ثم يقوم فيدخل بيته(3).
__________
(1) رواه الطبري / التاريخ 2/572،573، وفي إسناده أبو معشر السندي، ضعيف أسن واختلط. تق 559، وفيه محمد بن المنكدر، ثقة من الثالثة،يروي عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه منقطعة، ورواه من طريق آخر وفيه يزيد ابن عياض بن جعدبة كذبه مالك وغيره. تق 604، فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/288، أبو يعقوب بن شيبة بن الصلت / مسند عمر ص 98، البلاذري / أنساب الأشراف ص 221، الطبري / التاريخ 2/565،566، ومداره على عاصم بن كليب بن شهاب، وهو صدوق. تق 486، يروي عن أبيه كليب وهو صدوق أيضاً، وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات، فالأثر حسن.
(3) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/270، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى عبدالغفار بن إسماعيل، قال ابن أبي حاتم: لا بأس به. الجرح والتعديل 5/377، فالأثر حسن.(7/80)
وكان بعض الرعية لا يستطيع أن يعرض حاجته على عمر رضي الله عنه هيبة منه، فاجتمع عدد من الصحابة رضوان الله عليهم لإعلامه بذلك، وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وكان أجرأهم عليه عبد الرحمن بن عوف، فقالوا له: لو كلمت أمير المؤمنين للناس، فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة، فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يقض حاجته، فدخل على عمر رضي الله عنه، فكلمه فقال: يا أمير المؤمنين، لن للناس، فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك، فقال عمر رضي الله عنه: يا عبد الرحمن أنشدك الله أعلي وعثمان وطلحة والزبير وسعد أمروك بهذا؟ فقال: اللهم نعم، قال: يا عبد الرحمن، والله لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين ثم اشتددت عليهم حتى خشيت الله في الشدة، فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يبكي يجر رداءه، يقول بيده أف لهم بعدك، أف لهم بعدك(1).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/287، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/246، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 200، الطبري / التاريخ 2/568.
وفي إسناده عند ابن سعيد والبلاذري سلمة بن دينار المدني صدوق تق: 306. وبقية رجال إسناديهما ثقات. ولكنهما منقطعان من رواية محمّد بن زيد ثقة من الثالثة تق: 479. روايته عن عمر منقطعة.
ورواه ابن شبه كذلك من طريق معمر بن محمّد بن زيد عن أبيه عن عمر. وإسناده عند الطبري متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق. قال: حدّثني عبيد الله بن سعيد الزهري حدّثنا عمي حدّثني أبي إبراهيم بن سعد عن الوليد بن كثير القرشي عن محمّد بن عجلان أن زيد بن أسلم حدّثه عن أبيه أن نفراً من المسلمين... الأثر. فالأثر حسن.(7/81)
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يدعوا الله ويقول: اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه لما ولي الناس خطب فقال: يا أيها الناس إني قد علمت أنكم تونسون مني شدة وغلظة، وذلك أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه، وكان كما قال الله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(2) فكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني، فأكف وإلا أقدمت على الناس لمكان لينه(3).
وأما من كان من الرعية بعيداً عن المدينة كأهل العراق والشام وغيرهما من أقطار المسلمين، فإن عمر كان يسأل عن أحوالهم ويستخبر عنها ويتعرف عليها ومن ثم يقضي حاجتهم.
كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله بالعراق: أن ابعث إلي برجلين جليدين نبيلين أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم(4).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/274، وفيه الأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع، وفيه شداد المحاربي، لم أجد له ترجمة، فالأثر ضعيف.
(2) سورة التوبة الآية 128.
(3) رواه الحاكم / المستدرك 1/126، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 225 - 227، وفيه عندهما أبو صالح عبدالله بن صالح الجهني كاتب الليث، صدوق كثير الغلط. تق 308، ورواه ابن عساكر من طريق آخر وفيه أبو الأغر قراتكين بن الأسعد لم أجد له ترجمة، وذكر الذهبي تاريخ وفاته سنة: 524 وقال: المسند أبو الأغر قراتكين، تذكرة الحفاظ 2/1275، وفيه أبو محمد الجوهري لم أعرفه، وعبدالعزيز بن جعفر بن محمد بن حمدي لم أجد له ترجمة، ومدار الأثر على سعيد بن المسيب وسماعه من عمر مختلف فيه.
(4) صحيح تقدم الكلام عليه في ص: 80، 81.(7/82)
بل لقد عزم رضي الله عنه على أن لا يدع بلداً من بلاد المسلمين إلا ويأتيه ويطلع على أحوال أهله بنفسه، ويقضي حاجاتهم(1).
وقال عمر رضي الله عنه وقد عزم على قضاء حوائج رعيته قويهم وضعيفهم شريفهم ووضيعهم: لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي(2).
وفي المدينة لم يقتصر عمر رضي الله عنه على الجلوس لرعيته للتعرف على أحوالهم بل كان رضي الله عنه يطوف بالمدينة ويراقب رعيته ويواسيهم ويخدمهم.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبه / المصنف 7/483، ابن شبة / تاريخ المدينة 3/38، الطبري / التاريخ 2/565، ورجال إسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية أبي مجلز لاحق بن حميد عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. ومداره عند ابن شبة، والطبري على الحسن البصري وروايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند الطبري ثقات، فالأثر حسن لغيره بطريقه.
(2) رواه البخاري / الصحيح 2/297، 298، البيهقي / السنن الكبرى 8/47.(7/83)
ذكر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه حرس بالمدينة ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبينما هم يمشون في طرقاتها إذ شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا نحوه، حتى إذا دنوا منه، إذا باب مغلق عليه قوم، ولهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال عبد الرحمن: لا، قال: هو ربيعة بن أمية بن خلف(1)، وهم الآن شرب، فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهانا الله عنه، نهانا الله فقال: {وَلاَ تَجَسَّسُواْ}،فقد تجسسنا،فانصرف عمر وتركهم(2).
__________
(1) ربيعة بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة الجمحي القرشي أخو صفوان، كان شهد حجة الوداع، ثم شرب الخمر في عهد عمر رضي الله عنه، وهرب منه إلى الشام، ثم هرب إلى قيصر فتنصر ومات عنده. ابن حجر / الإصابة 1/350.
(2) رواه عبد الرزاق / التفسير 2/232، 233، المصنف 10/231،232، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/287،288، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 481، الحاكم / المستدرك4/277، 278، البيهقي/ السنن الكبرى 8/333، صحيح من طريق عبد الرزاق. قال: عن معمر عن الزهري عن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف عن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن بن عوف.(7/84)
وقال أسلم مولى عمر رضي الله عنه: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرة واقم(1) حتى إذا كنا بصرار(2) إذ نار، فقال عمر: إني لأرى ها هنا ركباً قصر بهم البرد والليل، انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان صغار، وقدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون(3)، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول أصحاب النار، فقال: وعليك السلام، فقال: أدنو؟ فقالت: إدن بخير أودع، فدنا، فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد، قال: ما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ما أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر، فقال: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى عمر أمرنا ثم يغفل عنا، قال أسلم: فأقبل علي فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً(4) من دقيق وكبة من شحم، فقال: إحمله علي، فقلت: أنا أحمله عنك، فقال: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة؟ لا أم لك، فحملته عليه، فانطلق، وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً، فجعل يقول لها: ذري علي وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر(5).
__________
(1) حرة واقِم: إحدى حرتي المدينة وهي الشرقية، سميت باسم رجل من العماليق، وفي هذه الحرة كانت وقعة الحرة المشهورة في أيام يزيد بن معاوية سنة: 63هـ. ياقوت الحموي / معجم البلدان 2/249.
(2) صِرار: بئر على ثلاثة أميال من المدينة تلقاء حرة واقم. المصدر السابق 3/402.
(3) يتضاغون: يتباكون. ابن منظور / لسان العرب 8/69.
(4) العِدل: نصف الحمل يكون على إحدى جنبي البعير، والعديلتان الغرارتان لأن كل واحدة منهما تعدل صاحبتها. ابن منظور / لسان العرب 9/85.
(5) حسن، تقدم الكلام عليه في ص: 99. في ذكر صفة طول اللحية لعمر رضي الله عنه حيث أنها ذكرت في هذا الأثر.(7/85)
وقال أسلم رضي الله عنه: بينما أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس بالمدينة إذا أعيا، فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء؟ فقالت لها: يا أمتاه، وما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته يا بينه؟ قالت: إنه أمر مناديه فنادى: أن لا يشاب اللبن بالماء؟ فقالت لها: يابنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها يا أمتاه: والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، وعمر يسمع كل ذلك، فقال: يا أسلم: عَلّم الباب، واعرف الموضع، ثم مضى في عسسه، فلما أصبح قال: يا أسلم إمض إلى الموضع فانظر من القائلة؟ ومن المقول لها؟ وهل لهما من يعل؟ قال أسلم: فأتيت الموضع، فنظرت فإذا الجارية أَيّم لا بعل لها، وإذ تيك أمها، وإذ ليس لهم رجل، فأتيت عمر بن الخطاب، فأخبرته، فدعى ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه، ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه فيكم أحد إلى هذه الجارية، فقال عبدالله: لي زوجة، وقال عبدالرحمن: لي زوجة، وقال عاصم: يا أبتاه، لا زوجة لي فزوجني، فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم، فكانت جدة عمر بن عبد العزيز الخليفة رحمه الله(1).
__________
(1) أورده ابن كثير في مسند الفاروق 1/392، نقلاً عن أبي بكر الآجري وإسناده متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق. قال: قال أبو بكر محمّد بن الحسين الآجري: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن عليّ الجصاص حدّثنا محمّد بن عبد الله ابن عبد الحكم بن أعين أخبرني أبي حدّثنا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه أسلم، قال: بينما أنا مع عمر... الأثر. فالأثر حسن.(7/86)
ومن مواساة عمر رضي الله عنه لرعيته إطعامه المحتاجين والفقراء منهم ومواساته لهم، قدم بعض الرسل إلى عمر رضي الله عنه مبشراً له بفتح بعض مدن فارس، فوجد عمر رضي الله عنه يطعم الناس، ويعاونه مولاه يرفأ(1).
ومن أخباره رضي الله عنه في مراقبته لرعيته وتواضعه لهم ما حكاه سنان بن سلمة(2) قال: كنت في أغيلمة نلتقط البلح، ففجئنا عمر، فتبعني الغلمان، فقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه مما ألقت الريح، فقال: أرنيه، فلما أريته قال: انطلق، قلت: يا أمير المؤمنين فبين هؤلاء الغلمان الساعة؟ فإنك إذا انصرفت عني، انتزعوا ما معي، قال: فمشى معي حتى بلغت مأمني(3).
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه في ذلك، ما روي من أن عمر رضي الله عنه خرج في سواد الليل، فرآه طلحة، فذهب عمر، فدخل بيتاً، ثم دخل بيتاً آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل ببابك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع(4)؟
__________
(1) صحيح، تقدم الكلام عليه في ص: 264.
(2) سنان بن سلمة بن المحبق البصري الهذلي، ولد يوم حنين، فله رؤية، وقد أرسل أحاديث، مات في آخر إمارة الحجاج. تق 256.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 7/124، ابن أبي شيبة / المصنف 4/294، ابن أبي الدنيا / العيال 1/418، الطبري / تهذيب الآثار / مسند علي بن أبي طالب ص: 250، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا معتمر عن قرة عن هارون بن رياب عن سنان بن سلمة، قال: نا وهو بالبحرين، قال: كنت في أغيلمة.
(4) رواه ابن قدامة / الرقة ص 84، وفي إسناده يحيى بن عبد الله البابلتي، ضعيف. تق 593، وهو معضل من رواية عبد الرحمن الأوزاعي، عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من السابعة، فالأثر ضعيف.(7/87)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان في سفر، فسمع صوت راع في جبل، فعدل إليه، فلما دنا منه صاح: يا راعي الغنم، فأجاب، فقال له عمر: إني مررت بمكان هو أخصب من مكانك، وإن كل راع مسؤول عن رعيته، ثم عدل صدور الركاب(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه افتقد أسيد بن حضير(2) رضي الله عنه من المسجد، فقال: انطلقوا بنا إلى أسيد، فقال: ما أقعدك عنا؟ فأخبره بشغل، فقال: لله الحمد، خشيت أن تكون تركت الصلاة معنا لأمر كرهته منا.
قال: معاذ الله أن أرى منك شيئاً منكراً ولا أنهاك عنه، فإن لم تنزع جاهدتك عليه(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يركب في كل جمعة ركبتين ينظر في أموال اليتامي(4).
ومن الأقوال المروية عن عمر رضي الله عنه في اهتمامه برعيته قوله: إني والله لأكون كالسراج يحرق نفسه ويضيء للناس(5).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/291، 292، البلاذري / أنساب الأشراف ص 228، ومداره على عم قطن بن وهب، لم أجد له ترجمة وبقية رجاله عندهما ثقات.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 563.
(3) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 209، وفي إسناده غسان بن عبد الحميد، قال الذهبي: مجهول. ميزان الاعتدال 3/334، وفيه جعفر بن عبد الرحمن لم يظهر لي من هو، فالأثر ضعيف.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 2/349، وفي إسناده إبهام بشيخ ابن جريج حيث قال: حدثني بعض أهل المدينة. فالأثر ضعيف.
(5) رواه ابن شبة / تاريخ المدنية 2/349، وفي إسناده انقطاع بين عبد الله بن المبارك والحسن البصري، فابن المبارك ولد سنة 118 هـ، وتوفي الحسن سنة 110، وفيه انقطاع لأنه من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.(7/88)
وروي أن عمر رضي الله عنه قال في أول خطبة خطبها: إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم، وأبقاني فيكم بعد صاحبي، فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يتغيب عني فآلوا عن الجزء والأمانة، ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساؤوا لأنكلن بهم(1).
ثانياً: عنايته رضي الله عنه واهتمامه بجميع فئات المجتمع وتقريبه لأهل الفضل والتقوى والصلاح.
كان اهتمام عمر رضي الله عنه برعيته وقيامه بشؤونها ورعايته لمصالحها شاملاً لجميع فئاتها وطبقاتها، فلم يكن يفضل فئة على فئة ويحسن إلى واحدة دون الأخرى.
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/326. ابن سعد / الطبقات 3/274، ابن شبة / تاريخ المدينة 2/240،241، وفي أسانيدهم حميد بن هلال ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند ابن سعد ثقات، ورواه ابن سعد من طريق ثانٍ، وفيه أشعث بن سوار، قال الذهبي رحمه الله: صدوق، لينه أبو زرعة الكاشف 1/253، وقال البزار: لا نعلم أحداً ترك حديثه إلا من هو قليل المعرفة. ابن حجر / تهذيب التهذيب 1/354، وقال ابن حجر: ضعيف. تق 113، وفيه انقطاع من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه.(7/89)
قال رضي الله عنه وهو يوصي الخليفة من بعده عند حضور أجله رضي الله عنه: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم وأن يعفي عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً فإنهم ردء الإسلام(1) وجباة المال، وغيظ العدو(2)، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم، وأوصيه بالأعراب خيراً فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي(3) أموالهم، وترد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعدهم، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم(4).
وروي أن عمر رضي الله عنه أشار إلى ذلك في خطبة خلافته فقال: أيها الناس إني نظرت في أمر الإسلام فإذا هو إنما يقوم بخمس خصال، فمن حفظهن وعمل بهن وقوي عليهن فقد حفظ الإسلام، ومن ضيع منهن خصلة واحدة، فقد ضيع أمر الإسلام، ألا فمن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فإن حفظتهن وعملت بهن وقويت عليهن إلا وآزرني، ألا ومن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فإن ضيعت منهن خصلة واحدة إلا خلعني خلع الشعرة من العجين، فلا طاعة لي عليه.
فقام إليه عمار بن ياسر رضي الله عنه، فقال: وما هذه الخمس الخصال يا عمر؟
__________
(1) ردء الإسلام: أعوانه وأنصاره. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/213.
(2) غيظ العدو: يغيظونه بكثرتهم. ابن حجر / فتح الباري 7/68.
(3) حواشي أموالهم: أي ليست بخيارها. المصدر السابق.
(4) رواه البخاري / الصحيح 2/297،298، 3/199. ابن سعد / الطبقات 3/336، 337، وغيرهما.(7/90)
فقال: أما الأولى فهذا المال من أين آخذه أو من أين أجمعه، حتى إذا أخذته من مآخذه التي أمرني الله أن أضعه فيها(1) حتى لا يبقى عندي منه دينار ولا درهم ولا عند آل عمر خاصة، وأما الثانية، فالمهاجرون تحت ظلال السيوف أدر عليهم أرزاقهم، وأوفر عليهم فيئهم، ولا أجمرهم في المغازي، وأكون أنا أبو العيال حتى يقدموا، وأما الثالثة، فالأنصار الذي آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه وواسوه في دمائهم وأموالهم أدر عليهم أرزاقهم، وأوفر فيئهم، وأفعل فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل محسنهم وأعفو عن مسيئهم، وأما الرابعة فالعرب، فإنهم أصل الإسلام، ومنبت العز أثبتهم على منازلهم وآخذ من أموالهم صدقة أطهرهم وأزكيهم، لا آخذ في ذلك ديناراً ولا درهما، إلا الشاة والبعير، ثم أرده على فقرائهم، وأما الخامسة فأهل الذمة، أوفي لهم بعهدهم، وأقاتل عدوهم من ورائهم، ولا أكلفهم إلا دون طاقتهم، فإذا فعلت ذلك كنت عند الله مصدقاً، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم(2).
وكان عمر رضي الله عنه إضافة إلى اهتمامه بجميع طبقات رعيته يقرب أهل الفضل والسابقة في الإسلام وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) هكذا وردت العبارة في المصدر، ولعل هناك سقطاً في الكلام تقديره: "وضعته في مواضعه"، أو كلمة نحوها.
(2) رواه ابن شبة / تاريخ المدينة 2/240، وفي إسناده أحمد بن معاوية الباهلي، قال ابن عدي: حدث بأباطيل وكان يسرق الحديث. ميزان الاعتدال 1/157، وبقية رجاله لم أجد لهم تراجم، فالأثر ضعيف جداً.(7/91)
حضر إلى بابه رضي الله عنه عدد من زعماء قريش في الجاهلية فيهم أبو سفيان، وسهيل بن عمرو(1)، والحارث بن هشام(2)، وحضره عدد من الموالي فيهم صهيب الرومي وبلال، فأذن عمر رضي الله عنه لصهيب وبلال ومن معهما، فغضب من كان واقفاً من أشراف قريش، فقال عمر أو سهيل(3): دعي القوم ودعيتم، فأسرعوا وأبطأتم فلوموا أنفسكم(4).
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 489.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 119.
(3) في رواية سعيد بن منصور أن القائل هو الحارث بن هشام رضي الله عنه، وفي رواية أحمد والطبراني أن القائل هو: سهيل بن عمرو رضي الله عنه، وفي رواية الفاكهي أن القائل هو: عمر بن الخطاب، ولا تعارض بين ذلك.
(4) رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/123، أحمد / الزهد ص 142، الفاكهي / أخبار مكة 3/352، الطبراني / المعجم الكبير 6/211، ورجال إسناده عند الفاكهي ثقات لكنه منقطع من رواية الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، ثقة من الثالثة، عن عمر رضي الله عنه، ومداره عند بقية من رواه على الحسن البصري وروايته عن عمر منقطعة وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالأثر حسن لغيره بطريقيه.(7/92)
ومن تكريم عمر رضي الله عنه لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه نبيح العنزي قال: كنت عند أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) فذكر علي ابن أبي طالب ومعاوية فنيل من معاوية، وكان أبو سعيد مضطجعاً، فاستوى جالساً، فقال: كنا ننزل أو نكون مع النبي صلى الله عليه وسلم رفاقاً رفقة مع فلان ورفقة مع أبي بكر (رضي الله عنه)، فكنت في رفقة أبي بكر، فنزلنا بأهل بيت أو بأهل أبيات فيهن امرأة حبلى ومعنا رجل من أهل البادية، فقال لها البدوي: أيسرك أن تلدي غلاماً أن تعطيني شاة، فأعطته شاة، فسجع لها أساجيع، ثم عمد إلى الشاة فذبحها ثم طبخها، قال: فجلسنا أو جلسوا، فأكلوا، فذكروا أمر الشاة، فرأيت أبا بكر متبرزاً مستنثلاً(1) يتقيأ، ثم إن عمر رضي الله عنه أتى بذلك الأعرابي يهجو الأنصار، فقال عمر: لولا أن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفيتكموه، ولكن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم(2).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في ذلك: أن عمر رضي الله عنه جمع الناس لقدوم الوفد فقال لآذنه عبد الله بن أرقم(3): أنظر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأذن لهم أول الناس ثم الذين يلونهم(4).
__________
(1) مُسْتَنْثِلاً: نَثَلْتُ البئر نثلاً: أي استخرجت ترابها، ونثل كنانته نثلاً: استخرج ما فيها من النبل. ابن منظور / لسان العرب 14/39. والمراد به هنا أنه أخرج ما في بطنه.
(2) رواه الجعد / المسند 2/956، وسنده متصل ورجاله ثقات، ونبيح العنزي وثقه أبو زرعة والعجلي. ميزان الاعتدال 4/245، وقال الذهبي: ثقة، الكاشف 2/316، وقال ابن حجر: مقبول، فالأثر صحيح.
(3) عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب الزهري، صحابي معروف ولاه عمر بيت المال. تق 295.
(4) رواه إسحاق بن راهويه / المسند / المطالب العالية لابن حجر ق/487/ب، ورجال إسناده ثقات إلا أنه منقطع من رواية عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن عمر رضي الله عنه، وهو ثقة من الثالثة، فالأثر ضعيف.(7/93)
وروي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سب المقداد بن عمرو(1) رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه: علي نذر إن لم أقطع لسانه، فمشى إليه ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلموه، فقال: دعوني أقطع لسانه، فلا يسب بعدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم(2).
وروي أن سلمان الفارسي رضي الله عنه قدم على عمر رضي الله عنه، فقال للناس: أخرجوا بنا نتلق سلمان(3).
__________
(1) المقداد بن عمرو ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهراني الكندي ثم الزهري، حالف أبوه كندة وتبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فنسب إليه صحابي مشهور من السابقين. تق 545.
(2) رواه الخرائطي / مساوئ الأخلاق ص 37، وفي إسناده إسحاق بن منصور السلولي، صدوق تكلم فيه للتشيع، وفيه قيس بن الربيع الأسدي، صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. تق 457، وشيخه وائل لم أعرفه، وشيخ وائل عبد الله بن يسار مولى مصعب بن الزبير، ذكره ابن سعد في الطبقات 5/307، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات 4/80، وقال: شيخ يروي عن عمر، فالأثر ضعيف، وما فيه من سب ابن عمر رضي الله عنه للمقداد أمر يبعد وقوعه بين هذين الصحابيين الجليلين في تلك الفترة المباركة من الخلافة، ولعل المراد بالسب لو ثبت إغلاظ القول ونحوه، والله أعلم.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 4/86. قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن شمر بن عطية عن رجل من بني عامر عن خال له أن سلمان لما قدم... الأثر.
وفي إسناده الأعمش وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع، وفيه إبهام بشيخ شمر بن عطية، وشيخه. فالأثر ضعيف.(7/94)
وروي أن خباب بن الأرت رضي الله عنه جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال له عمر: أدن، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار بن ياسر، فجعل خباب يريه آثاراً في ظهره مما عذبه المشركون(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج من المسجد ومعه الجارود العبدي رضي الله عنه، فإذا امرأة برزة على ظهر الطريق، فسلم عليها عمر، فردت عليه، أو سلمت عليه، فرد عليها، ثم قالت: هيه يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ(2) تصارع الصبيان، فلم تذهب الأيام والليالي حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب منه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فبكى عمر رضي الله عنه، فقال الجارود: هيه، فقد أكثرت وأبكيت أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه: أو ما تعرف هذه؟ هذه خولة بنت حكيم امرأة عبادة بن الصامت، التي سمع الله قولها من سمائه، فعمر والله أجدر أن يسمع لها(3).
وكان عمر رضي الله عنه يكرم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ويجلهم.
قال عمر رضي الله عنه لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك(4).
__________
(1) رواه ابن سعد /الطبقات 3/165، ابن أبي شيبة / المصنف 6/385، 7/337، ابن ماجه / السنن 1/54، أبو نعيم / حلية الأولياء 3/143،144، وفي إسناده عند ابن سعد حبان بن علي العنزي، ضعيف. تق 149، وفيه مجالد بن سعيد ليس بالقوي، وهو منقطع من رواية الشعبي عن عمر رضي الله عنه ورجاله عند ابن أبي شيبة وابن ماجة، ثقات، ولكن فيه أبو أسحاق السبيعي، مدلس ولم يصرح بالسماع، وهو عند أبي نعيم منقطع من رواية الشعبي عن عمر، وفيه شيخ أبي نعيم لم أجد له ترجمة. فالأثر ضعيف.
(2) تقدم التعريف بها في ص: 97.
(3) ضعيف، تقدم في ص: 575.
(4) صحيح، تقدم الكلام عليه في ص:467.(7/95)
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان عمر رضي الله عنه إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون(1).
وكان رضي الله عنه يقرب أهل التقوى والصلاح ويجلهم ويرفع من شأنهم ومن ذلك سؤاله رضي الله عنه عن أويس القرني(2) رحمه الله تعالى، فقد أتاه أمداد(3) أهل اليمن فسألهم أفيكم أويس؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قَرن(4)؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قَرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي...الأثر(5).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/301.
(2) أويس بن عامر القَرني سيد التابعين مخضرم، قتل بصفين. تق 116.
(3) الأمداد: جمع مدد وهم الأعوان، والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد. ابن منظور / لسان العرب 13/51.
(4) قَرن بن ردمان: بطن من مراد من القحطانية وهم بنو قرن بن ردمان بن ناجية ابن مراد. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 3/946.
(5) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 16/95،96. ابن سعد / الطبقات 6/161 وغيرهما.(7/96)
ومن ذلك تقريبه لأبي مسلم الخولاني(1) رحمه الله تعالى الذي حرقه الأسود العنسي المتنبي باليمن لعنه الله، وكان طلب منه الارتداد عن الإسلام والشهادة له بأنه رسول من عند الله عز وجل، فأبى ذلك فحرقه بالنار، ولكن الله عز وجل حماه فلم تحرقه النار، ثم قدم أبو مسلم المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأناخ راحلته بباب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل المسجد، فصلى إلى سارية، فبصر به عمر رضي الله عنه، فقام إليه، فقال: ممن الرجل؟ قال: من أهل اليمن، قال: ما فعل الرجل الذي أحرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذلك عبد الله بن ثوب، قال: أنشدك بالله أنت هو؟ قال: اللهم نعم، فاعتنقه عمر وبكى ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله عليه السلام(2).
__________
(1) أبو مسلم الخولاني الزاهد الشامي اسمه عبدالله بن ثوب، ثقة عابد، من الثانية، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدركه، وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية. تق 673.
(2) رواه ابن حبان / الصحيح 1/392، أبو نعيم / حلية الأولياء 2/128، 129. ابن عبدالبر / الاستيعاب 4/320، ابن قدامة / الرقة ص 147،148، وإسناده عند ابن عبد البر متصل ورجاله ثقات، سوى إسماعيل بن عياش الحمصي، صدوق. تق 109، وشيخه شرحبيل بن مسلم الخولاني الحمصي، صدوق. تق 265، ورواه سائر من رواه من طريق إسماعيل به مثله، فالأثر حسن.(7/97)
ومن تقريب عمر رضي الله عنه لأهل الصلاح والتقوى ما تقدم ذكره في قصة المرأة التي سمعها عمر رضي الله عنه وهو يعس بالليل وهي تقول لابنتها: يا ابنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فقالت لها: يا أمتاه، وما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين؟ قالت: وما كان من عزمته يا بنية؟ قالت: إنه أمر مناديه، فنادى: أن لا يشاب اللبن بالماء، فقالت لها: يا بنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها: يا أمتاه: والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، فسأل عمر رضي الله عنه عن هذه البنت، فدل على مكانها فأرسل إليها فزوجها ابنه عاصم، فكانت جدة عمر بن عبد العزيز الخليفة رحمه الله تعالى(1).
وكان زيد بن صوحان العبدي(2) رضي الله عنه سيداً في قومه من فضلائهم ومن أهل الدين والخلق فيهم، فوفد على عمر رضي الله عنه وضفنه(3) على الرحل كما يفعل بالأمراء، وأمر الناس أن يصنعوا به وبأصحابه كذلك(4).
__________
(1) حسن، تقدم الكلام عليه في ص: 591.
(2) زيد بن صوحان بن حجر العبدي كان مسلماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قتل يوم الجمل، لا أعلم له صحبة ولكنه ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً، وكان فاضلاً ديناً سيد قومه هو وإخوته. ابن عبد البر / الاستيعاب 2/124.
(3) ضَفَن مع الضيف: جاء معه. ابن منظور / لسان العرب 8/74.
(4) رواه ابن سعد / الطبقات 6/124. أخبرنا شهاب بن عبد الله العبدي، قال: حدّثنا محمّد بن فضيل بن غزوان عن الأجلح عن أبي الهذيل، وابن أبي شيبة / المصنف 5/239، وسنده عند ابن سعد متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وهو كذلك عند ابن أبي شيبة إلا أنه منقطع من رواية الشعبي عن عمر رضي الله عنه، فالأثر حسن عند ابن سعد.(7/98)
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه في إكرامه لأهل الفضل والتقوى: ما روي من أن بيرح بن أسد(1) خرج مهاجراً إلى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه عمر رضي الله عنه يطوف في سكك المدينة، فأنكره، فقال: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل عمان، فأخذ بيده، فذهب به إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال: يا أبا بكر، هذا من الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأعلم أرضاً يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر، بها حي من العرب، لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر"(2).
وروي أن الطفيل بن عمرو(3) حارب المرتدين في موقعة اليمامة، ومعه ابنه عمرو، فجرح عمرو، وقطعت يده، فكان يوماً عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتي بطعام، فتنحى عنه، فقال عمر: مالك تنحيت بمكان يدك؟ قال: أجل، قال: والله لا أذوقه حتى تسوط بيدك فيه، فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك(4).
__________
(1) بيرح بن أسد الطاحي من أهل عمان، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد مات. ابن حجر / الإصابة 1/175.
(2) رواه أحمد / المسند 1/44، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 4/272، 273، أبو يعلى / المسند 1/101، أبو نعيم / معرفة الصحابة 3/174، ومداره على أبي لبيد لمازة بن زبار، وهو صدوق من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند أبي يعلى ثقات. فالأثر ضعيف.
(3) الطُّفَيل بن عمرو بن طريف الدوسي، أسلم بمكة ثم رجع إلى قومه، ثم هاجر إلى المدينة، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر، فلم يزل مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى استشهد باليمامة، وقيل باليرموك. ابن عبدالبر / الاستيعاب 2/311.
(4) رواه الحاكم / المستدرك 3/260، من كلام الواقدي. فالأثر ضعيف.(7/99)
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو بالبصرة: بلغني أنك تأذن للناس جمعاً غفيراً، فإذا جاءك كتابي هذا فأذن لأهل الشرف وأهل القوة والتقوى والدين، فإذا أخذوا مجالسهم فائذن للعامة(1).
ثالثاً: الأخذ بمبدأ الشورى، ومشاركة الرعية في اتخاذ القرار.
إن العمل بمدأ الشورى من الأمور التي حض عليها الدين، قال تعالى: {وَشَاوِرْهُم فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(2)، وقال عز وجل: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(3)، وعمل بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وشواهد ذلك أكثر من أن تقع تحت الحصر.
قال ابن كثير رحمه الله: ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث تطييباً لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه(4).
وعمل بذلك عمر رضي الله عنه في حياته، فلم يكن يتخذ قراراته ويمضي في تدبير شؤون رعيته بمفرده بل كان رضي الله عنه يشرك رعيته في ذلك خاصة أهل العلم والرأي والتقوى والصلاح منهم، وهو بذلك رضي الله عنه يتعرف على أرائهم والسديد من أقوالهم، إضافة إلى إطلاعه بمشاورته لهم على حاجاتهم ورغباتهم، وفي مشاورته رضي الله عنه لرعيته زيادة في تقوية حبال المودة والسمع والطاعة له رضي الله عنه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان القراء أصحاب مجالس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً(5).
__________
(1) رواه وكيع / أخبار القضاة 1/286، ابن كثير / مسند الفاروق 2/535، ومداره على الهيثم بن عدي عن شيخه أبي بكر، والهيثم بن عدي كذبه ابن معين، وأبو داود، وقال النسائي وغيره متروك. ميزان الاعتدال 4/324، وشيخه أبو بكر، قال ابن حجر: متروك. تق 625. فالأثر ضعيف جداً.
(2) سورة آل عمران الآية (159).
(3) سورة الشورى الآية (38).
(4) تفسير القرآن العظيم 1/419،420.
(5) رواه البخاري / الصحيح 3/131.(7/100)
وقال محمد بن سيرين(1) رحمه الله تعالى: إن عمر رضي الله عنه كان يستشير في الأمر حتى إنه كان يستشير المرأة، فربما أبصر في قولها الشيء يستحسنه فيأخذ به(2).
وقال الزهري(3) رحمه الله تعالى: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر دعا الفتيان فاستشارهم(4).
وقال الشعبي(5) رحمه الله: من أراد أن يأخذ بالوثيقة من القضاء، فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشير(6).
ومن صور استشارته رضي الله عنه لرعيته، استشارته رضي الله عنه المهاجرين والأنصار في الرجوع إلى المدينة عندما علم بوقوع الطاعون بالشام.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 11.
(2) رواه البيهقي / السنن الكبرى 10/113 وإسناده حسن إلى ابن سيرين وروايته عن عمر رضي الله عنه مرسلة، وقد أثنى العلماء على مراسيله. العلائي/ جامع التحصيل ص:90.
قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا العباس بن محمّد بن يعقوب ثنا سعيد بن عثمان التنوخي ثنا معاوية بن حفص كوفي أنبأ يزيد بن هارون عن هشام عن ابن سيرين، قال: إن كان عمر... الأثر.
(3) محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري متفق على جلالته واتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة 125هـ. تق 506.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/440، 441، البيهقي / السنن الكبرى 10/113، صحيح عند عبد الرزاق إلى الزهري. قال: عن معمر عن الزهري.
(5) تقدمت ترجمته في ص: 214.
(6) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 151، البيهقي / السنن الكبرى 10/109، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 272، صحيح من طريق البيهقي إلى الشعبي.
قال: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان أنبأ عبد الله بن جفعر ثنا يعقوب ابن سفيان ثنا قبيصة ثنا سفيان عن صالح يعني: ابن حي، قال: قال الشعبي من سرّه أن يأخذ... الأثر.(7/101)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام حتى إذا كان بسرغ(1) لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه...الأثر(2).
__________
(1) سَرْغْ: سهل واسع تقع حالة عمار على طرفه الجنوبي، وبلدة المدورة الأردنية على طرفة الشمالي والمسافة بينهما تسعة عشر كيلاً، أو أن سرغ هو المدورة ذلك أنه لا تزال توجد بئر يستقي منها أهل المدورة تعرف باسم سرغ. البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 136.
(2) رواه البخاري / الصحيح 4/15/206، مسلم / الصحيح / شرح النووي 14/208 - 212، أحمد / المسند 1/194 وغيرهم.(7/102)
ومن ذلك استشارته رضي الله عنه للهرمزان(1) في قتال الفرس هل يبدأ بأصبهان(2) أو فارس(3) أو أذربيجان(4)، فقال الهرمزان: يا أمير المؤمنين، إن أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت أحد الجناحين لاذ الرأس بالجناح الآخر، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فابدأ بأصبهان(5)
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 243.
(2) أصبهان أو أصفهان: تقع وسط هضبة إيران وتبعد عن العاصمة طهران حوالي: 700 كم باتجاه الجنوب، وهي من أعظم المدن التجارية، وهي مدينة تاريخية عريقة... لهج بذكرها المسافرون لصحة هوائها، وخلوها من جميع الهوام، ومنها تخرج مجموعة من العلماء فمنهم: أبو الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني، وأبو نعيم الأصبهاني صاحب حلية الأولياء وغيرهم. يحيى شامي / موسوعة المدن العربية الإسلامية ص: 256-258.
(3) فارس: ولاية واسعة، وإقليم فسيح أوّل حدودها من جهة العراق أرجان، ومن جهة كرمان السِّرَجان، ومن جهة ساحل الهند سيراف، ومن جهة السند مكران. وقصبتها شيراز، وكورها المشهورة خمس فأوسعها كورة اصطخر ثم أزدشيرخره، ثم كورة داربجرد، ثم كورة سابور، ثم قباذ خره، وكان بداية فتح فارس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد الحكم بن أبي العاص رضي الله عنه ثم فتحت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه. ياقوت الحموي / معجم البلدان 4/226-227.
(4) أَذْرَبَيجان: إحدى جمهوريات الإتحاد السوفييتي سابقاً، تقع على بحر قزوين. مساحتها: 86.600 كم، عدد سكانها: 6 ملايين نسمة. عاصمتها باكو. موسوعة المدن العربيّة الإسلاميّة، ص: 256-258.
(5) رواه خليفة بن خياط / التاريخ ص 148، ابن أبي شيبة / المصنف 6/559، ابن أبي عمر / المسند / إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 4/115، الفسوي / المعرفة والتاريخ 3/380، الطبري / التاريخ 2/520، ابن حبان / الصحيح 7/123، 124، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عفان، قال: ثنا حماد بن سلمة أخبرنا أبو عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر... الأثر.(7/103)
.
ومن ذلك استشارة عمر رضي الله عنه الناس في مضاعفة حد الخمر من أربعين جلدة إلى ثمانين.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين، وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر(1).
رابعاً: عدم الاستعلاء على الرعية والتميز عنهم.
فقد اعتبر عمر رضي الله عنه نفسه أحد الرعية له ما لهم وعليه ما عليهم.
قال الأحنف بن قيس(2) رحمه الله: كنا جلوساً عند باب عمر بن الخطاب، فخرجت جارية، فقلنا سرية عمر، فقالت: إنها ليست بسرية عمر، إنها لا تحل لعمر، إنها من مال الله، قال: فتذاكرنا بيننا ما يحل من مال الله، فبلغ ذلك عمر، فأرسل إلينا، فقال: ما كنتم تذاكرون؟ فقلنا: خرجت علينا جارية، فقلنا هذه سرية عمر، فقالت: إنها ليست بسرية عمر، إنها لا تحل لعمر، إنها من مال الله، فتذاكرنا بيننا ما يحل لك من مال الله، فقال: ألا أخبركم بما أستحل من مال الله؟ حلتين، حلة الشتاء والقيظ، وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوت أهلي كرجل من قريش، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم(3).
__________
(1) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 11/214-216، مالك / الموطأ 2/45، الشافعي / المسند ص 285، 286، عبد الرزاق / المصنف 7/368، 377، 378، 379.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 270.
(3) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/104،105، أبو عبيد / الأموال ص 281. ابن سعد / الطبقات 3/275، 276، ابن أبي شيبة / المصنف 6/459،460، ابن زنجويه / الأموال 2/600، 601، البيهقي / السنن الكبرى 6/353، صحيح من طريق أبي عبيد.
قال: حدّثنا يزيد عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن الأحنف بن قيس، قال: كنا جلوساً... الأثر.(7/104)
وفي خلافته رضي الله عنه وقعت بالمدينة وما حولها من القرى مجاعة شديدة وكان ذلك في السنة الثامنة عشرة بعد عودة الناس من الحج، فحبس المطر من السماء وأجدبت الأرض، وهلكت الماشية، واستمرت هذه المجاعة تسعة أشهر حتى صارت الأرض سوداء فشبهت بالرماد(1).
وقد واسى عمر رضي الله عنه الناس بنفسه فحرمها من الطعام الذي لا يجده الناس. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "تقرقر بطن عمر وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن،فنقر بطنه بأصبعه. وقال: تقرقر تقرقرك إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس"(2).
وأكل رضي الله عنه الشعير فصوت بطنه، فضربه بيده وقال: "والله ما هو إلا ما ترى حتى يوسع الله على المسلمين"(3).
__________
(1) ابن سعد / الطبقات 3/310 من رواية الواقدي.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/313-315، عبد الرّزّاق / المصنف 11/223. صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن ثابت البناني عن أنس بن مالك...
(3) رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 2/309. وسنده متصل، ورجاله ثقات. قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا سلميان بن المغيرة عن ثابت عن أنس ابن مالك.(7/105)
وعمل عمر رضي الله عنه على جلب الطعام من الأرياف لأهل البوادي، وكان يدعو الله عز وجل أن يفرج عن المسلمين كربتهم. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو يصف عام الرمادة: "وكانت سنة شديدة ملمة... اجتهد عمر فيها بإمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف(1) كلّها، حتى بلحت(2) الأرياف كلّها مما جهدها ذلك، فقام عمر يدعو فقال: "اللهم اجعل رزقهم على رؤوس الجبال". فاستجاب الله له وللمسلمين. فقال حين نزل به الغيث: الحمد لله، فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحداً"(3).
__________
(1) الأرياف: جمع رِيْف، وهو الخِصْب والسَّعة والرَيفُ: ما قارب الماء من أرض العرب وغيرها. ابن منظور / لسان العرب 5/392.
(2) بَلَحَت: أي: نفذ ما فيها من زرع وأرزاق يقال: بلحت البئر أي: ذهب ماؤها، والبوالح من الأرضين التي قد عطلت فلا تزرع ولا تعمر. انظر: ابن منظور / لسان العرب 2/478.
(3) رواه البخاري/ الأدب المفر، ص: 198. وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أصبغ، قال: أخبرني ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالماً أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب قال عام الرمادة.... الأثر.
وقد روى الفقرة الأخيرة من الأثر وهي قول عمر: "فوالله لو أن الله... الخ ابن سعد / الطبقات 3/316. وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا محمّد بن عبيد، قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر... ولفظه: "أن عمر قال: لو لم أجد للناس من المال ما يسعهم إلا أن أدخل على كلّ أهل بيت عدتهم فيقاسمونهم أنصاف بطونهم حتى يأتي الله بحيا فعلت، فإنهم لن يهلكوا عن أنصاف بطونهم".(7/106)
فعمر رضي الله عنه بعد أن واسى رعيته بنفسه وبذل جهده رضي الله عنه بإمداد الأعراب ومن أصابتهم المجاعة من أرياف المسلمين حتى نفد ما فيها قام يدعو الله ويستغيث به ويستسقيه حتى استجاب الله دعاءه، وكان عمر رضي الله عنه قد عزم إن استمرت هذه المجاعة أن يلزم كلّ أهل بيت عندهم أرزاق أن يقاسموا من أصابتهم المجاعة ويواسوهم وهذا منه رضي الله عنه عمل بالتكافل الاجتماعي بين المسلمين والتعاون على البرّ والتقوى.
وقد رويت آثار كثيرة تشير إلى ما أصاب الناس من الجهد والمشقة في هذا العام وأنهم أكلوا الجرابيع والجرذان من الجوع، وأن الموت انتشر فيهم. وأن عمر رضي الله كتب إلى عمرو بن العاص بمصر، وسعد بن أبي وقاص بالكوفة، وأبي موسى الأشعري بالبصرة، ومعاوية بن أبي سفيان بالشام، يطلب منهم أن يمدّوه بالأطعمة والأكسية(1).
وهذه الآثار لا تخلو من ضعف ولكن ما ورد فيها لا يستبعد وقوعه خصوصاً وأن أرض الجزيرة العربية وخاصة البوادي حول المدينة أرض قليلة الماء والكلأ والعشب، فإن انقطع عنها المطر أصبحت الحياة فيها منعدمة لعدم وجود الماء الذي هو عصب الحياة للإنسان والحيوان والنبات، حيث لا توجد أنهار ولا مصادر أخرى للمياه فتجف الأرض ويموت الزرع وتهلك الماشية فيضطر الإنسان لأكل ما يحيا به.
ولا مانع أن يكون عمر رضي الله عنه كتب إلى أمرائه في العراق والشام ومصر يطلب منهم إمداد المسلمين بالأرزاق بل إن هذا هو الذي لا يتصور غيره منه رضي الله عنه لشدة اهتمامه وحرصه على رعيته، وقد ثبت كما تقدم أنه اجتهد في إمداد الناس من الأرياف.
__________
(1) انظر: عبد السلام آل عيسى / النواحي المالية في خلافة عمر رضي الله عنه دراسة نقدية للرّوايات ص: 349-354.(7/107)
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في مواساته لرعيته أنه قال: إذا كنت في منزلة تسعني، وتعجز عن الناس فوالله ما تلك لي بمنزلة حتى أكون أسوة الناس(1).
خامساً: الاهتمام بالمصالح العامة للرعية، وسيأتي الكلام على ذلك مفصلاً في الفصل الثاني وهو: التنظيمات الإدارية العامة للمجتمع إن شاء الله تعالى.
__________
(1) رواه الطبري / التاريخ 2/565، ورجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية الحسن البصري، عن عمر رضي الله عنه فالأثر ضعيف.(7/108)
المبحث الثاني: صفاته الخُلقية، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: صفاته الخُلقية الدالة على كمال دينه وإيمانه وفيه خمسة مسائل.
المسألة الأولى: شدته في الدين وغيرته على محارم الله.
من صفات عمر رضي الله عنه التي اشتهر بها الشدة في الدين، والصرامة في الحق، وشدة الغيرة على محارم الله عز وجل، ومواقفه الدالة على ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وفي خلافته كثيرة، وسيأتي إن شاء الله ذكر الكثير منها وأشير هنا إلى بعض تلك المواقف.
فمن ذلك أن عمر رضي الله عنه أتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والحبشة يلعبون فيه بحرابهم(1)، فأهوى رضي الله عنه إلى الحصى، فحصبهم به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "دعهم يا عمر"، وكانت عائشة رضي الله عنها تنظر إليهم والنبي صلى الله عليه وسلم يسترها(2).
وكان صلى الله عليه وسلم في جنازة ومعه عمر رضي الله عنه، فرأى عمر امرأة فصاح بها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعها يا عمر، فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب"(3)
__________
(1) الحراب: جمع حربة، تقدم الكلام عليها في ص (149).
(2) رواه البخاري / الصحيح 1/176، 2/153،154، مسلم / الصحيح 6/186، 187، النسائي / السنن 3/196، وغيرهم.
(3) رواه الطيالسي / المسند ص339،351، عبد الرزاق / المصنف 3/553، ابن أبي شيبة / المصنف 2/482، أحمد / المسند 1/335، ابن شبه / تاريخ المدينة 1/103، النسائي / السنن 4/19، ابن المنذر / الأوسط 5/388، ابن حبان / الصحيح 5/62،63، البيهقي / السنن الكبرى 4/70،71، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا وكيع عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان وعن محمّد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة... الحديث.
وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجنازة يبكى عليها ومعه عمر بن الخطاب، فانتهر عمر اللائي يبكين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "دعهن يا ابن الخطاب، فإن النفس مصابة، والعين دامعة"، وفي إسناده عند أحمد علي بن زيد بن جدعان ضعيف. تق 401، ويوسف بن مهران، لين الحديث. تق 612، وفيه عند عبد الرزاق والنسائي سلمة بن الأزرق، مقبول تق 246، وبقية رجاله ثقات، وفيه عند الطيالسي قيس بن الربيع، صدوق تغير حفظه لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به. تق 457، وبقية رجاله ثقات، فالأثر بهذا اللفظ يرتقي لدرجة الحسن لغيره.(8/1)
.
وقال الأسود(1) بن سريع رضي الله عنه:كنت أنشده يعني النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أعرف أصحابه، حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب، أصلع، فقيل لي: اسكت، فقلت: واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم؟!
فقيل: إنه عمر بن الخطاب، فعرفت والله بعد أنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي، فيسحبني إلى البقيع(2).
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن مثل عمر مثل نوح عليه السلام، كان أشد في الله من الحجر"(3).
__________
(1) الأسود بن سَريع بن حمير بن عبادة بن النزال بن مرة السعدي التميمي غزا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا عبد الله نزل . وكان قاصاً محسناً. هو أوّل من قص في مسجد البصرة. ابن عبد البر / الاستيعاب 1/181، 182.
(2) تقدم الكلام على هذا الأثر في ص (94). وهو أثر حسن.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/410، ابن أبي عاصم / السنة ص604، أبو نعيم / حلية الأولياء 4/304، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، ولكن محمد بن علي بن أبي طالب لم تذكر له رواية عن عمر رضي الله عنه، وذكر المزي أنه دخل على عمر، وكان مولده في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقيل في خلافة عمر رضي الله عنه، تهذيب الكمال 26/147، وفيه عند أبي عاصم وأبي نعيم رباح بن أبي معروف، صدوق له أوهام. تق 205، وسعيد بن أبي عجلان، قال الأزدي: فيه نظر، وقال ابن حبان: يخطئ ويخالف. ميزان الاعتدال 2/151، الثقات 6/360، وعند ابن أبي عاصم، وأبي نعيم، زيادة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "ومثلك يا عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالبأس"، فالحديث حسن لغيره بطريقيه إن شاء الله، وأما زيادة ابن أبي عاصم فهي ضعيفة.(8/2)
ومن النصوص التي فيها دلالة على شدة غيرة عمر رضي الله عنه على محارم الله عز وجل قوله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته، فوليت مدبراً"، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله(1)؟!
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "عمر غيور وأنا أغير منه، والله أغير منا"(2).
وروي عن عمر رضي الله عنه قوله: لقد لان قلبي في الله حتى لهو ألين من الزبد ولقد اشتد قلبي في الله حتى لهو أشد من الحجر(3).
المسألة الثانية: قبول عمر رضي الله عنه للحق وسرعة رجوعه إليه.
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/216،217، 3/265،4/215،216، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/163،164، الترمذي / السنن 5/282،283 وغيرهم.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 10/409، الطبراني / مجمع البحرين 5/205، وسنده عند عبد الرزاق رجاله ثقات، ورواية طاووس بن كيسان عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلة، وفيه عند الطبراني المقدام بن داود بن عيسى الرعيني ضعفه النسائي والدراقطني، وقال سلمة بن القاسم: رواياته لا بأس بها، ابن أبي حاتم /الجرح 8/303، الذهبي / ميزان الاعتدال 4/175، ابن حجر / لسان الميزان 6/84، وفيه عبد الرحمن بن أشرس الأفريقي، قال ابن حجر: مجهول الحال، وقال ابن الجنيد: ليس به بأس، وضعفه الدارقطني 3/405، وفيه عبد الله بن عمر العمري، ضعيف. تق 314، فالأثر ضعيف، ومعناه صحيح.
(3) رواه أبو نعيم / حلية الأولياء 1/50،51، وفي إسناده أبو حامد بن جبلة، شيح أبي نعيم لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، وفيه انقطاع فإن رواية عامر بن شراحبيل الشعبي، وهو ثقة من الثالثة عن عمر رضي الله عنه منقطعة، فالأثر ضعيف، ومعناه تؤيده مواقف عمر رضي الله عنه في حياته.(8/3)
ومن صفاته رضي الله عنه الخُلقية والدالة على كمال دينه وإيمانه رجوعه للحق إذا تبين له، وإذا ذكر بالله عز وجل على الرغم من شدته رضي الله عنه وصلابته حيث إن تلك الشدة لم تكن إصراراً على الخطأ وتعصباً للرأي، وإنما كانت شدة وصلابة في التمسك بالحق والدفاع عنه.
ومن أمثلة ذلك موقفه رضي الله عنه من عيينة بن حصن الفزاري(1)حينما قدم عليه ونزل على ابن أخيه الحر بن قيس(2)، وكان الحر من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه الحر: يابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه، فأذن له عمر، فلما دخل عيينة على عمر قال: هي يابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(3). وإن هذا من الجاهلين، قال ابن عباس رضي الله عنه: فوالله ما جاوزهما عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله(4).
وفي الأثر السابق دلالة أيضاً على تحلي عمر رضي الله بصفة الحلم.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 251.
(2) الحر بن قيس بن حصن بن حذيفة الفزاري هو أحد الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من تبوك. ابن الأثير / أسد الغابة 1/393،394.
(3) سورة الأعراف، الآية: (199).
(4) رواه البخاري / الصحيح 3/131.(8/4)
ومن المواقف الدالة على قبول عمر رضي الله عنه الحق ورجوعه إليه، موقفه مع جرير(1) بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، فقد كان عمر رضي الله عنه ومعه نفر من أصحابه فيهم جرير بن عبد الله رضي الله عنهم في بيت، فوجد عمر رضي الله عنه ريحاً، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ،فقال جرير: يا أمير المؤمنين أويتوضأ القوم جميعاً، فقال عمر: رحمك الله، نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام(2).
وروي أن عمر ذكر بني تميم(3) فذمهم، فقام الأحنف(4) فقال: يا أمير المؤمنين إئذن لي فأتكلم، قال: تكلم، قال: إنك ذكرت بني تميم فعممتهم بالذم، وإنما هم من الناس، فمنهم الصالح والطالح، فقال عمر: صدقت، فعفا بقول حسن(5).
المسألة الثالثة: حبه للذكر وسماع الموعظة.
__________
(1) تقدمت ترجمته في ص: 239.
(2) رواه مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص442/ب، ابن سعد / الطبقات / الرابعة 2/738، البلاذري / أنساب الأشراف ص219، ابن أبي الدنيا / الأشراف ص189، الطبراني / المعجم الكبير 2/292، وسنده عند ابن سعد وابن أبي الدنيا رجاله ثقات، ولكن فيه مغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة ولكنه مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه عند البلاذري عاصم ابن أبي النجود، صدوق له أوهام، وشيخ عاصم مبهم، حيث قال عن رجل من أصحابه عن عمر وبقية رجاله ثقات، وفيه عند مسدد والطبراني مجالد بن سعيد ضعيف. تق 520، وبقية رجاله ثقات، فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الحسن لغيره.
(3) بنو تميم بن مُرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/126.
(4) تقدمت ترجمته في ص: 270.
(5) رواه ابن سعد / الطبقات 7/94، ورجاله ثقات ولكن رواية محمد بن سيرين عن عمر رضي الله عنه منقطعة، فالأثر ضعيف، ولكن العلماء أثنوا على مراسيل ابن سيرين، انظر: العلائي / جامع التحصيل ص89،90.(8/5)
ومن صفاته رضي الله عنه الدالة على كمال دينه، حبه لذكر الله عز وجل وسماعه لموعظة الواعظين، فإن ذلك يرقق القلب، ويزيد اليقين، فكان رضي الله عنه يجمع أصحابه ويقول لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: شوقنا إلى ربنا، فيقرأ أبو موسى رضي الله عنه من القرآن ما شاء الله(1).
وكان رضي الله عنه يقول لكعب الأحبار(2):خوفنا يا كعب، فيقول كعب: يا أمير المؤمنين، أليس فيكم كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحكمة؟!
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 4/109 بطرق متعددة، أحمد / الزهد ص148، الدارمي: السنن 2/472،473، الطحاوي / مشكل الآثار 2/161، ابن حبان / الصحيح 9/163، البيهقي / السنن الكبرى 10/231.
ورجال إسناده عن ابن سعد ثقات. قال: أخبرنا عثمان بن عمر، قال:حدّثنا يونس عن الزهري عن أبي سلمة أن عمر... الأثر. ولكنه منقطع من رواية أبي سلمة بن عبد الرحن بن عوف وهو ثقة من الثالثة تق: 645. ولم يدرك عمر رضي الله عنه. انظر: هامش جامع التحصيل ص: 213.
ومن طريق أبي سلمة رواه الدارمي. قال: أخبرنا عمرو بن الهيثم أبو قطن، قال: حدّثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة.
ورواه ابن سعد من طريق آخر رجاله ثقات ولكنه منقطع أيضاً من رواية أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة وهوثقة من الثالثة تق: 546. ولم تذكر له رواية عن عمر رضي الله عنه.ورواه الطحاوي وأحمد من طريق أبي نضرة.
فالأثر يرتقي بطريقه ابن سعد إلى درجة الحسن لغيره.
(2) كعب الأحبار: هو كعب بن ماتع الحميري، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم في خلافة أبي بكر أو عمر، والراجح أن إسلامه كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ابن حجر / الإصابة 3/315.(8/6)
فيقول عمر: بلى، ولكن خوفنا، فيجعل كعب يذكر عمر أهوال القيامة، وعذاب النار، ويصغي له عمر رضي الله عنه، وهو مطرقٌ رأسه متأملٌ ما يقوله كعب، ثم يقول: زدنا(1).
__________
(1) رواه عبد الله بن المبارك /الزهد ص75،76، عبد الرزاق / التفسير 1/363، ابن أبي شيبة / المصنف 7/54، أحمد /الزهد ص151، المروزي / تعظيم قدر الصلاة 1/302، أبو نعيم / حلية الأولياء 5/368،369،371، ابن الجوزي / القصاص والمذكرين ص194،195، وسنده عند ابن المبارك رجاله ثقات، ولكن شريح بن عبيد الحضرمي وهو ثقة من الثالثة. تق 265 روايته عن عمر منقطعة، وإسناده عند عبد الرزاق وأحمد وأبي نعيم وابن الجوزي متصل ورجاله ثقات سوى علي بن زيد بن جدعان، قال الترمذي: صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره، وقال يعقوب بن أبي شيبة: ثقة صالح الحديث، وإلى اللين ما هو، وقال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين، وقال الذهبي: أحد الحفاظ وليس بالثبت، وقال ابن حجر: ضعيف. المزي / تهذيب الكمال 20/434، الذهبي / الكاشف 2/40. تق 140.
وإسناده عند ابن ابي شيبة رجاله ثقات وفيه انقطاع لأن عمرو بن قيس الملائي وهو ثقة من السادسة روايته عن عمر منقطعة، وإسناده عند المروزي متصل ورجاله ثقات، سوى أبي خالد الدلاني، فهو صدوق يخطئ كثيراً تق 636، وفي لفظه اختلاف حيث فيه أن ابن مسعود ذكر الجنة ونعيمها عند عمر رضي الله عنهما فقال عمر لكعب: يا كعب إن القلوب قد استرخت فاقبضها، فذكر كعب جهنم وعذابها.
ورواه أبو نعيم من طريق آخر وفي إسناده محمّد بن شبل لم أجد له ترجمة. وفيه محمّد بن عمرو بن علقمة بن قصاص الليثي صدوق له أوهام تق: 499. وبقية رجاله ثقات وسنده متصل.
فما في الأثر من طلب عمر من كعب من وعظه وذكر كعب لعذاب النار يرتقي لدرجة الحسن لغيره.(8/7)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يأخذ بيد الرجل أو الرجلين من أصحابه فيقول: قم بنا نزداد إيماناً(1).
المسألة الرابعة: خشيته لله عز وجل.
كان عمر رضي الله عنه شديد الخشية لله دائم الخوف والوجل من لقائه شديد المحاسبة لنفسه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: خرجت مع عمر بن الخطاب حتى دخل حائطاً(2)،فسمعته يقول وبيني وبينه الجدار، وهو في جوف الحائط: أعمر أمير المؤمنين بخٍ بخٍ(3)،والله يا بُنَيَّ الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك(4).
__________
(1) رواه أبو بكر بن أبي شيبة / الإيمان ص36، البيهقي / شعب الإيمان 1/181-182، وإسناد ابن أبي شيبة رجاله ثقات سوى محمد بن طلحة بن مصرف، صدوق له أوهام، وفيه انقطاع ذر ابن عبد الله المرهبي، ثقة من السادسة. تق 203، روايته عن عمر معضلة، ورواه البيهقي من طريق محمّد بن طلحة. فالأثر ضعيف.
(2) الحائط: الجدار لأنه يحوط ما فيه، والحائط البستان من النخيل إذا كان عليه حائط. ابن منظور / لسان العرب 3/395.
(3) بخٍ بخٍ: معناها تعظيم الأمر وتفخيمه. المصدر السابق 1/329.
(4) رواه مالك / الموطأ 2/170، ابن سعد / الطبقات 3/292، أحمد / الزهد ص144، البلاذري / أنساب الأشراف ص230، ابن أبي الدنيا / محاسبة النفس ص30،31، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/216، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص214، صحيح من طريق مالك.قال: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك.(8/8)
وقال عبد الله بن عمر لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري(1) رضي الله عنهم: هل تدري ما قال أبي لأبيك؟ قال: لا، قال: فإن أبي قال لأبيك: يا أبا موسى، هل يسرك إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهجرتنا معه وجهادنا معه، وعملنا كله معه بَرَد(2) لنا، وان كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافاً(3) رأساً برأس؟ قال: لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلينا وصمنا، وعملنا خيراً كثيراً، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنا لنرجوا ذلك، قال عبد الله: فقال أبي: لكني أنا والذي نفسي بيده، لوددت أن ذلك برد لنا، وأن كل شيء عملناه بعد نجونا منه كفافاً رأساً برأس.
قال أبو بردة: قلت: إن أباك والله خير من أبي(4).
ولما حضرت الوفاة عمر رضي الله عنه أثنى عليه الناس في إمارته وخلافته، فقال: بالإمارة تغبطوني؟! فوالله لوددت أني أنجو كفافاً لا علي ولا لي(5).
__________
(1) أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، قيل اسمه عامر، وقيل الحارث، ثقة من الثالثة، مات سنة أربع ومائة، وقيل غير ذلك، جاز الثمانين. تق 621.
(2) بَرَدَ لنا: أي ثبت لنا. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/115.
(3) كفافاً: الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقد الحاجة إليه. المصدر السابق 4/191.
(4) رواه البخاري / الصحيح 2/335،336.
(5) رواه ابن سعد / الطبقات 3/351، الحميدي / المسند 1/17 - 19، ابن أبي عمر / المسند/ المطالب العالية لابن حجر 504/أ، صحح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا معن بن عيسى، قال: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أيبه، قال: لما حضرت عمر الوفاة... الأثر.(8/9)
ودخل عليه ابن عباس رضي الله عنهما لما طعن، فقال: يا أمير المؤمنين، أبشر بالجنة، أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقتلت شهيداً، فقال عمر رضي الله عنه: أعد علي، فأعاد عليه، فقال عمر: والذي لا إله غيره، لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطَّلع(1).
وقال رضي الله عنه لابنه عبد الله، وكان رأسه في حجره لما طعن: ضع خدي بالأرض، فقال عبد الله: فخذي والأرض سواء، فقال: ضع خدي على الأرض لا أم لك(2) في الثانية والثالثة، ثم شبك بين رجليه، وقال: ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي(3)
__________
(1) المُطَّلع: الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت، فشبهه بالمطَّلع الذي يُشرف عليه من موضعٍ عال. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 3/123، 133.
رواه الطيالسي / المسند ص6،7، ابن سعد / الطبقات 3/351،352، ابن أبي شيبة / المصنف 7/100، أحمد / الزهد ص154، البلاذري / أنساب الأشراف ص358 - 365 - 364 - 367، الحاكم / المستدرك 3/92، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/52، 3/354، 355، البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 4/227، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو خالد الأحمر عن داود عن عامر عن ابن عباس، قال: دخلت... الأثر.
(2) لا أم لك: ذم وسب أي أنت لقيط لا تعرف لك أم، وقيل قد يقع بمعنى التعجب منه وفيه بعد. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/68. وهذا من السب والدعاء الذي لا يراد معناه كقولهم: تربت يداك.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/360، البلاذري / أنساب الأشراف ص:374، صحيح.
قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي، قال: أخبرنا مالك بن أنس، قال: وأخبرنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا: أخبرنا حماد بن زيد جميعاً عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه عثمان ابن عفان، قال: أنا آخركم عهداً بعمر... الأثر.
وجاء في رواية أن عمر قال: وددت أن أمي لم تلدني، رواها ابن المبارك / الزهد ص79،80،147، مسدد / المسند / المطالب العالية لابن حجر ص 504/ب، الجعد / المسند 1/476، ابن أبي شيبة / المصنف 7/98، أحمد / الزهد ص147، أبو العرب / المحن ص76، أبو نعيم / حلية الألياء 1/52، ومداره على عاصم بن عبيدالله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ضعيف. تق 285، فالأثر ضعيف.(8/10)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه أخذ تبنة من الأرض، وقال: يا ليتني هذه التبنة(1).
وروي أنه قال: يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديداً، ثم أكلوني، فأخرجوني عذرة، ولم أك بشراً(2).
ومن خشية عمر رضي الله عنه حرصه الشديد على أداء فرائض الله عز وجل، والوقوف عند حدوده.
قال المسور(3) بن مخرمة رضي الله عنه: دخلت أنا وابن عباس على عمر بعدما طعن، وقد أغمي عليه، فقلنا: لا يتنبه لشيء أفزع له من الصلاة، فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فانتبه، وقال: لا حظ في الإسلام لامرئ ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب دماً(4)
__________
(1) رواه ابن المبارك / الزهد ص79، ابن سعد / الطبقات 3/360، ابن أبي شيبة / المصنف 7/98، البلاذري / أنساب الأشراف ص375، البيهقي / شعب الإيمان 3/78،79، ومداره على عاصم بن عبيدالله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ضعيف. تق 285، فالأثر ضعيف.
(2) رواه هناد / الزهد 1/258، البيهقي / شعب الإيمان 3/77، ومداره على جويبر بن سعيد الأزدي، ضعيف جداً. تق 143، وعلى الضحاك بن مزاحم وهو صدوق من الخامسة. تق 280، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
(3) المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين سمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة في العاشر من ربيع الآخر. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/455-456.
(4) يثعب: يجري دماً. ابن منظور / لسان العرب 2/79.
رواه مالك / الموطأ 1/44، عبد الرزاق / المصنف 1/150، ابن سعد / الطبقات 3/350، 351، ابن أبي شيبة / المصنف 7/438، الإيمان ص34، أحمد / الزهد ص154، البلاذري / أنساب الأشراف ص356،357، ابن المنذر / الأوسط 1/166، 167، ابن الأعرابي / المعجم 1/415، الدارقطني / السنن 1/224،406، المروزي / تعظيم قدر الصلاة 2/892،897، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/215، صحيح من طريق مالك. قال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر... الأثر.(8/11)
.
وروي أن عمر رضي الله عنه تأخر يوماً عن صلاة المغرب حتى طلع نجمان، فلما فرغ من صلاته تلك أعتق رقبتين(1).
ومن خشية عمر رضي الله عنه أنه كان إذا غضب ثم ذكر الله عنده هدأ عنه الغضب وذهب كما مر ذلك في قصة دخول عيينة بن حصن عليه(2).
وروي أن أسلم مولى عمر رضي الله عنه قال: صاح عمر يوماً، وعلاني بالدرة، فقلت: أذكرك الله فطرحها(3).
وروي كذلك أن بلال بن رباح رضي الله عنه قال لأسلم: يا أسلم، كيف تجدون عمر؟ فقال: خير الناس إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم، فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب، قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه.
وروي أيضاً أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما رأيت عمر غضب قط، فَذُكِرَ الله عنده أو خُوّف، أو قرأ عنده إنسان آية من قرآن إلا وقف عما كان يريد(4).
ورويت آثار تشير إلى كثرة ذكر عمر رضي الله عنه للموت، فروي عنه أنه قال: ما ترك الموت لذي لب قرة عين(5)
__________
(1) رواه عبد الله بن المبارك / الزهد ص187، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص265، وفي إسناده عند ابن المبارك محمد بن عبد الرحمن بن أبي مسلم الأزدي، ذكره ابن أبي حاتم والبخاري ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح 7/320، التاريخ الكبير1/151، وذكره ابن حبان في الثقات 7/410، وفيه جده أبو مسلم لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، ورواه ابن عساكر من طريق ابن المبارك.
(2) انظره في ص: (313، 314).
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/309، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 255، 256، من طريق الواقدي، فالأثر ضعيف.
(4) رواه والأثر الذي قبله ابن سعد / الطبقات 3/309، البلاذري / أنساب الأشراف ص 255،256، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص264، ومدارهما على الواقدي.
(5) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص209، وفي إسناده شيخه أبو موسى إسحاق العروي، لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات، ولكنه منقطع من رواية محمد بن سيرين، وهو ثقة من الثالثة، عن عمر رضي الله عنه. فالأثر ضعيف.
وما ورد في السند أيوب بن محمّد بن سيرين خطأ والصواب: أيوب عن محمّد ابن سيرين. وهو أيوب بن أبي تميمة.(8/12)
.
ورُوي أنه كان يتمثل بهذا البيت:
لا يغرنك عشاء ساكن
فقد توافى بالمنيات السحر(1)
المسألة الخامسة: رقة قلبه وخشوعه.
وكان عمر رضي الله عنه خاشع القلب، رقيقه، كثير الدمع، سريع البكاء من خشية الله.
قال عبد الله بن شداد بن الهاد(2) رضي الله عنه: سمعت نشيج(3) عمر وأنا في آخر الصفوف، وهو يقرأ سورة يوسف حين بلغ {قَالَ إنما أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(4).
__________
(1) تقدّم تخريجه في ص: 194.
ومما لا شك فيه أن الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا أكثر الخلق ذكراً للموت واستعداداً له.
(2) عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين. تق 307.
(3) النشيج: أشد البكاء. ابن منظور / لسان العرب 14/137.
(4) سورة يوسف الآية (86).
رواه عبد الرزاق / المصنف 2/111، ابن سعد / الطبقات 6/126، يحيى بن معين / التاريخ/ رواية الدوري 2/313، ابن أبي شيبة / المصنف 1/312، الطبري / تهذيب الآثار/ مسند العباس 1/353،354، البيهقي / السنن الكبرى 2/251، صحيح من طريق ابن سعد.
قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن محمّد بن سعد بن أبي وقاص سمع عبد الله بن شداد بن الهادي يقول: سمعت نشجَ عمر... الأثر.(8/13)
ومن الآثار المروية في ذلك والدالة على اتصاف عمر رضي الله عنه برقة القلب والخشوع، ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان يعس المسجد بعد العشاء فلا يرى فيه أحداً إلا أخرجه، إلا رجلاً قائماً يصلي، فمر بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبي بن كعب، فقال عمر: من هؤلاء؟ قال أبي: نفر من أهلك يا أمير المؤمنين، قال: ما خلفكم بعد الصلاة؟! قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: فجلس معهم، ثم قال لأدناهم إليه: خذ، قال: فدعا فاستقرأهم رجلاً رجلاً يدعون، حتى انتهى إلي وأنا إلى جنبه، فقال: هات، فحصرت(1) وأخذني من الرعدة أفكل(2)، حتى جعل يجد حس ذلك مني، فقال: ولو أن تقول اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، قال: ثم أخذ عمر يدعو، فما كان في القوم أكثر دمعة، ولا أشد بكاء منه، ثم قال: إيهاً، الآن فتفرقوا(3).
__________
(1) حصر الرجل: تعب، وقيل حصر: لم يقدر على الكلام، وحصره صدره ضاق. ابن منظور/لسان العرب 3/200.
(2) أَفكل: على وزن أفعل، الرعدة، أفكل إذا أخذته رعدة، فارتعد من برد أو خوف. المصدر السابق 10/309.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/294، البلاذري / أنساب الأشراف ص236، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص263، كلهم من طريق يزيد بن هارون السلمي وهو ثقة، ولكن روايته عن سعيد الجريري بعد اختلاطه. ابن الكيال / الكواكب النيرات ص189، وفيه عندهم أبو سعيد مولى أبي أسيد، قال ابن حجر في الإصابة: ذكره ابن منده في الصحابة، ولم يذكر ما يدل على صحبته، لكن ثبت أنه أدرك أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فالأثر ضعيف لاختلاط الجريري.(8/14)
وروي أن عمر رضي الله عنه كان يمر بالآية فتخنقه العبرة(1)، فيبكي حتى يسقط ثم يلزم بيته، حتى يعاد، يحسبونه مريضاً(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه كان في وجهه خطان أسودان من البكاء(3).
وروي أنه رضي الله عنه خرج ليلة يعس بالمدينة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائماً يصلي، فوقف فسمع قراءته يقرأ {وَالطُّورِ} حتى بلغ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ}(4)، فقال: قَسَمٌ وربُ الكعبة حقٌ، ونزل عن حماره واستند إلى حائط، فلبث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فلبث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه(5).
__________
(1) العَبرة: الدمعة. ابن منظور / لسان العرب 9/18.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/95، أحمد / الزهد ص149، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/51، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص263، ومداره على الحسن البصري روايته عن عمر منقطعة. ورجاله عند ابن أبي شيبة ثقات سوى جعفر الضبي فهو صدوق. فالأثر ضعيف.
(3) رواه أحمد / الزهد ص150، الفاكهي / أخبار مكة 2/319، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/51، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص262، ومداره على عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة من السادسة. تق 317، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
(4) سورة الطور الآية (7،8).
(5) رواه ابن كثير / مسند الفاروق 1/607 نقلاً عن ابن أبي الدنيا، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص262، ابن قدامة / الرقة ص81، ومداره على صالح بن بشير المري، قال ابن المديني وابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ضعيف الحديث، وقال مرة: متروك الحديث. المزي / تهذيب الكمال 13/16 - 18، وقال ابن حجر: ضعيف. تق 271، فالأثر ضعيف جداً.(8/15)
وروي أنه رضي الله عنه مر بدير راهب فوقف، فنودي الراهب، فقيل له: هذا أمير المؤمنين، قال: فاطلع، فإذا إنسان من الضر، والاجتهاد، وترك الدنيا، فلما رآه عمر بكى، فقيل له: إنه نصراني، فقال عمر: قد علمت، ولكن رحمته ذكرت قول الله: {عَامِلَة نَاصِبَة تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}(1)، فرحمت نصبه واجتهاده وهو في النار(2).
ومن ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر الأسود، فاستلمه ثم وضع شفتيه يبكي طويلاً، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي، فقال: "يا عمر ههنا تسكب العبرات"(3).
المسألة السادسة: ورعه.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على كمال دينه وورعه وشدة تحرزه في دينه وتركه الشبهات استبراءاً لدينه وعرضه، ومن أخباره رضي الله عنه الدالة على ذلك:
__________
(1) سورة الغاشية الآية (3،4).
(2) رواه عبد الرزاق / التفسير 2/368، الحاكم / المتسدرك 2/521،522، ابن كثير / مسند الفاروق 2/620،621، ومداره على عبد الملك بن حبيب الأزدي، أبو عمران الجوني، وهو ثقة من الرابعة. تق 362، روايته عن عمر منقطعة، وقال الذهبي في تعليقه على الحاكم: الجوني لم يدرك عمر، فالأثر ضعيف.
(3) العَبرات: جمع عبرة وهي الدمعة. ابن منظور / لسان العرب 9/18.
رواه عبد بن حميد / المنتخب من المسند ص245، الفاكهي / أخبار مكة 1/114،115، ابن ماجه / السنن 2/982، البيهقي / شعب الإيمان 7/602،603، ومداره على محمد بن عون الخراساني وهو متروك. تق 500. فالأثر ضعيف جداً.(8/16)
أنه رضي الله عنه كان له ناقة يحلبها ويشرب لبنها، فأتى له غلامه يوماً بلبن أنكره، فقال عمر رضي الله عنه: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها، فشربها، فحلبت لك ناقة من مال الله، فقال عمر رضي الله عنه: ويحك، تسقني ناراً(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه شرب لبناً فأعجبه، فسأل الذي سقاه من أين لك هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء قد سَماه، فإذا نعم من نعم الصدقة، وهم يسقون، فجعلوا لي من ألبانها، فجعلته في سقائي هذا، فأدخل عمر رضي الله عنه إصبعه في فيه واستقاء(2).
__________
(1) رواه ابن زنجويه / الأموال 2/602، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/268. وفي إسناده عند ابن زنجويه أبو قيس مالك بن الحكم لم أجد له ترجمة، ولعله مالك ابن أبي مريم الحكمي. ذكر في تلاميذ عبد الرحمن بن غنم وهو هنا يروي عنه. انظر: تهذيب الكمال 17/338-340.
ومالك بن أبي مريم الحكمي مقبول من الخامسة ق: 518.
وعبد الرحمن بن غنم الأشعري مختلف في صحبته. وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين تق: 348. وهو هنا يروي عن عمر رضي الله عنه حديثاً قال: نزلت على عمر رضي الله عنه فكانت لعمر ناقة... الأثر.
وإسناده عند ابن شبه متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وفيه ابن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرها ويروي عنه هنا عبد الله بن وهب، فالأثر حسن.
(2) رواه البيهقي / السنن الكبرى 7/14، شعب الإيمان / زغلول 5/60، وفي إسناده أبو بكر محمد بن جعفر المزكي لم أجد له ترجمة، ويحيى بن بكير، ثقة في الليث وتكلموا في سماعه من مالك، وهو هنا يروي عنه وفيه زيد بن أسلم، ثقة من الثالثة. تق 222، روايته عن عمر منطقعة، فالأثر ضعيف.(8/17)
وروي أن عوف بن مالك الأشجعي(1) رضي الله عنه قال: كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل(2)، فصحبت أبا بكر وعمر، فمررت بقوم على جزور قد نحروها، وهم لا يقدورن على أن يعضوها(3)، وكنت امرأً لبقاً(4) جازراً، فقلت: أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم؟ قالوا: نعم، فأخذت الشفرتين، فجزأتهما مكاني، وأخذت منها جزءاً، فحملته إلى أصحابي، فأطبخناه، فأكلناه، فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: أنى لك هذا اللحم يا عوف؟ فأخبرتهما خبره، فقالا: والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا، ثم قاما يتقيآن ما في بطنيهما من ذلك(5).
__________
(1) عوف بن مالك الأشجعي أبو عبد الرحمن، صحابي جليل أول مشاهده خيبر، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح. ابن عبد البر / الاستيعاب 3/298.
(2) ذات السلاسل: اسم مكان من أرض بني عذرة أو بني جذام، وديار بني عذرة من وادي القرى (وادي العلا) إلى تبوك إلى تيماء، وتقرب من خيبر شمالاً، وديار جذام كانت بين تبوك والبحر، عاتق البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص: 159.
(3) يعضّوها: عضّيت الذبيحة: جعلتها أعضاءً. الفيومي / المصباح المنير 158.
(4) اللبق واللبيق: الحاذق في عمله.المصدر السابق ص208.
(5) رواه ابن إسحاق / السير النبوية لابن هشام 4/362. قال: أخبرني يزيد بن أبي حبيب أنه حدّث عن عوف بن مالك. البيهقي / دلائل النبوة 4/404،405، ومداره على يزيد بن أبي حبيب وهو ثقة من الخامسة، روايته عن عوف الأشجعي معضلة وبقية رجاله عند ابن إسحاق ثقات، فالأثر ضعيف.(8/18)
وروي أن عمر وعثمان رضي الله عنهما دعيا إلى طعام فلما خرجا، قال عمر لعثمان: لقد شهدت طعاماً، وددت أني لم أشهده، فقال عثمان: وما ذاك؟ قال عمر: خشيت أن يكون جعل مباهاة(1).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الحرام(2).
وروي أن المسور بن مخرمة(3) رضي الله عنهما قال: كنا نلزم عمر نتعلم منه الورع(4).
ففي هذه الآثار دلالة على تخلق عمر رضي الله عنه بهذه الصفة الجليلة ومما لا مراء فيه أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم هم أكثر هذه الأمة ورعاً وتقوى لله، وبالأخص صاحبي النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
المطلب الثاني: صفات عمر الخُلقية الدالة على عزمه وقوة إرادته وكمال شخصيته.
وفيه خمسة مسائل:
المسألة الأولى: زهده.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على عزمه وقوة إرادته إضافة إلى قوة دينه وإيمانه الزهد في الدنيا وزينتها، والرغبة فيما عند الله، وقد تقدم ذكر شيء من ذلك عند الكلام على طعام عمر رضي الله عنه وشرابه ولباسه.
__________
(1) رواه عبد الله بن المبارك /الزهد ص66،67، أحمد / الزهد ص157، ومداره على حميد بن نعيم بن عبد الله كاتب عمر بن عبد العزيز، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/230، وقال ابن حجر: مقبول من السادسة، وأورده باسم نعيم بن عبد الله القيني. تق 565، وروايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 8/152، ابن أبي شيبة / المصنف 4/449، البلاذري / أنساب الأشراف ص201، 202، 254، ومداره على عيسى بن المغيرة التميمي الحزامي مقبول من السادسة. تق 441، وفيه انقطاع بين عامر الشعبي وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 324.
(4) رواه ابن سعد / الطبقات 3/290، الطبقة الخامسة ص156، البلاذري / أنساب الأشراف ص226، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص245، ومداره على الواقدي، فالأثر ضعيف.(8/19)
ومن الآثار الدالة على زهده في الدنيا ما ذكره رضي الله عنه عن نفسه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذه فتموله(1)، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك"(2).
ومن الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه والدالة بمجموعها على اتصاف عمر رضي الله عنه بهذه الصفة ما روي من أن عمر رضي الله عنه كان ذات يوم في إبل الصدقة، يمرن أخفافها(3)، فجاع، فاشتد عليه الجوع والحر، فدخل منزله، فقال: هل عندكم من شيء فآكله؟ قالوا: نعم، قباع(4) من تمر، فأتوه به، فأكل منه، ثم شرب ماء، ومسح بطنه وقال: ويل لمن أدخله بطنه النار، إنما يكفي الرجل ما يسد جوعته(5).
__________
(1) تموله: اجعله لك مالاً. ابن منظور / لسان العرب 13/224.
(2) لا تتبعه نفسك: أي إن لم يجيء إليك فلا تطلبه بل اتركه. ابن حجر / فتح الباري 13/152.
رواه البخاري / الصحيح 1/257، 4/238، مسلم / الصحيح /شرح النووي 7/134 - 137، النسائي / السنن 5/102،105، وغيرهم.
(3) يَمّرَن أخفافها: أي يدهن أسفل خفها بالودك. ابن منظور / لسان العرب 13/87.
(4) قُبَاع: مكيال واسع كبير. ابن منظور / لسان العرب 11/17.
(5) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص209، وفي سنده محمد بن حاتم بن ميمون المروزي، صدوق ربما وهم. تق 472، وبقية رجاله ثقات، وفيه إنقطاع فإن رواية محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة من الثالثة. تق 479، عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.(8/20)
وروي أن عبد الله بن عامر بن ربيعة(1) قال: كنت أفطر مع عثمان بن عفان رضي الله عنه في شهر رمضان، فكان يأتينا بطعام هو ألين من طعام عمر رضي الله عنه قد رأيت على مائدة عثمان الدرمك الجيد(2)، وصغار الضأن كل ليلة، وما رأيت عمر قط أكل من الدقيق منخولاً، ولا أكل من الغنم إلا مسانها، فقلت لعثمان في ذلك، فقال: يرحم الله عمراً، ومن يطيق ما كان يطيق عمر(3).
__________
(1) عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي، حليف بني عدي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولأبيه صحبة مشهورة، ووثقه العجلي. تق 309.
(2) الدَرمك: الدقيق الحواري وهو الذي ينخل مرة بعد مرة. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/458، 2/114.
(3) رواه الطبري / التاريخ 2/681، من طريق الواقدي وفيه أيضاً ابو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، وهو متهم بالوضع، فالأثر ضعيف جداً.(8/21)
ومن ذلك ما روي في قصة قدوم عمر رضي الله عنه الجابية(1) على جمل أورق(2) تلوح صلعته لا حقبة(3) ولا خشبة تصطفق رجلاه، ليس له ركاب(4)، وطاؤه فروة كبش ذات صوف، وهي فراشه إذا نزل، وحقيبة نمرة(5) أو شملة(6) محشوة ليفاً هي وسادته إذا نزل، وحقيبته إذا ركب(7).
وروي أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام لقيه العجم من أهل الشام، فقالوا: أين أمير المؤمنين، فقالوا: قدامكم حتى جاوزوه، فسألوا: فقيل هذا أمير المؤمنين، فرجعوا فنظروا إليه في رجل أو اثنين، أو ما شاء الله، فقالوا: هذه والله الرهبانية لا رهبانيتكم(8).
__________
(1) تقدم التعريف بها في ص: (302).
(2) تقدم شرحها في ص: (303).
(3) حَقبة: الحقيبة تكون على عجز البعير، تحت حقوي القتب، والحقب: حبل تشد به الحقيبة. ابن منظور / لسان العرب 3/252،253.
(4) الرِكاب للسرج كالغرز للرحل. المصدر السابق 5/295.
(5) نمرة، النمِرةُ: شملة فيها خطوط بيض وسود، وهي أيضاً: بردة من صوف يلبسها الأعراب. المصدر السابق 14/290.
(6) الشَّملة: كساء يتغطى به، ويتلفف به، المصدر السابق 7/202،203.
(7) رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/42، ابن قدامة / الرقة ص87، وفي إسناده عند ابن شبه عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي، ضعيف. تق 3/42. وفيه أبو الغالية الشامي لم أجد له ترجمة. وفي إسناده عند ابن قدامة أبو الحسن محمّد بن عبد الواحد بن جعفر لم أجد له ترجمة. وفيه يحيى بن سعيد بن أبان صدوق يغرب من التاسعة تق: 590. وفيه رواه مبهمون حيث قال يحيى بن سعيد بن أبان: وبلغنا في بعض الحديث عمن شهد ذلك قال: قدم عمر الجابية... الأثر.
(8) رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/42، وفي إسناده عتاب بن بشر، صدوق يخطئ. تق 380، وفيه سالم بن عجلان الأفطس، ثقة من السادسة. تق 227، روايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف.(8/22)
ومن ذلك ما روي من أن عمرو بن العاص كتب لعمر رضي الله عنهما: إنا قد اختططنا لك داراً عند المسجد الجامع، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أنّى لرجل بالحجاز تكون له دارٌ بمصر؟! وأمره أن يجعلها سوقاً للمسلمين(1).
ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم في زهد عمر رضي الله عنه ما روي من قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيه: والله ما كان بأقدمنا إسلاماً، ولكن قد عرفت بأي شيء فضلنا،كان أزهدنا في الدنيا(2).
__________
(1) رواه ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص92، وفي إسناده عبد الملك بن مسلمة المصري، قال ابن أبي حاتم: مضطرب الحديث ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي منكر الحديث، الجرح والتعديل 5/371، وفيه الحجاج بن راشد الصنعاني، قال ابن حجر: مقبول. تق 153، فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/358، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص244. ابن الأثير / أسد الغابة 4/60، وإسناده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات سوى محمد بن عمرو بن علقمة الليثي، صدوق له أوهام. تق 499، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة من الثالثة لم تذكر له رواية عن سعد ابن أبي وقاص، ولكن إمكان اللقاء بينهم موجود فإن أبا سلمة ولد سنة بضع وعشرين، وتوفي سنة أربع وتسعين، وتوفي سعد ابن أبي وقاص سنة خمس وخمسين.
وهو عند ابن عساكر وابن الأثير من كلام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وليس من كلام سعد أبي وقاص رضي الله عنه، وفي إسناديهما علي بن عمر ابن محمد الحربي، قال الذهبي: موصوف بالزهد، والعبادة، سير أعلام النبلاء 17/609، ولم أر فيه توثيقاً لأحد وفيه أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات.(8/23)
وروي أن ابن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقول: اين الزاهدون في الدنيا، والراغبون في الآخرة، فأخذه بيده، وأقامه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال: عن هؤلاء تسأل(1).
وروي عن عمرو بن العاص أنه قال وهو يذكر خلافة عمر رضي الله عنه: ثم ولي عمر فبعجت له الدنيا عن بطنها، وألقت إليه...كبدها، ففرص منها فرصاً وجانب غمرتها، ومشى في ضحضاحها، فخرج والله منها، وما بلت عقبه(2).
__________
(1) رواه أحمد / الزهد ص477، هناد / الزهد 1/314، ابن الأعرابي / الزهد ص: 41، أبو نعيم/ حلية الألياء 1/306،307، ومداره على عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة من الرابعة. تق 285.وقال في حديثه: بلغني أن ابن عمر سمع رجلاً، والبلاغ منقطع فالأثر ضعيف.
(2) رواه ابن شبه / تاريخ المدينة 3/310. قال: حدّثنا عبيد الله بن عمر بن حفص، قال: حدّثني أبي، قال: لما قدم عمرو بن العاص... الأثر. وفي إسناده محمد بن حفص بن عائشة، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 1/236، وذكره ابن حبان في الثقات 9/62، وهو منقطع بين محمد ابن حفص المذكور وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(8/24)
ومما روي في زهده رضي الله عنه أنه رضي الله عنه حج فما ضرب فسطاطاً(1) يستظل به حتى رجع(2).
وروي أنه رضي الله عنه أنفق في حجه ستة عشر ديناراً(3) فاستكثرها(4).
وقد رويت عنه رضي الله عنه أقوال في الزهد منها:
ما روي من قوله رضي الله عنه: نظرت في هذا الأمر، فجعلت إذا أردت الدنيا أضررت بالآخرة، وإذا أردت الآخرة أضررت بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية(5).
__________
(1) الفُسطاط: بيت من الشعر. ابن منظور / لسان العرب 10/262.
(2) رواه الشافعي / المسند ص365، البلاذري / أنساب الأشراف ص181، 182، الخلال / السنة ص318، البيهقي / السنن الكبرى 5/70، وسنده عند الشافعي والبيهقي رجاله ثقات ولكن فيه انقطاع بين يحيى بن سعيد الأنصاري وهو ثقة من الخامسة. تق 591، وبين عبد الله بن عياش بن ربيعة، راوي الخبر عن عمر رضي الله عنهما. وهو صحابي جليل روى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعن عمر رضي الله عنه. انظر: ابن حجر / الإصابة 2/356. وسنده عند البلاذري والخلال رجاله ثقات، ولكن فيه إبهام بشيخ يحيى بن سعيد الأنصاري حيث قال: حدثنا شيخ لنا، فالأثر ضعيف.
(3) الدينار: نوع من النقود الذهبية زنته عشرين قيراطاً = 4.25 غرام، معجم لغة الفقهاء ص212.
(4) رواه ابن سعد / الطبقات 3/308، أبو نعيم / حلية الأولياء 6/377، وفي سنده عند ابن سعد الواقدي، وإسناده عند أبي نعيم رجاله ثقات ولكنه معضل لأنه من كلام سفيان الثوري رحمه الله وهو ثقة من السابعة. تق 244، فالأثر ضعيف.
(5) رواه أحمد / الزهد ص155،156، وفي إسناده شجاع بن الوليد صدوق له أوهام وفيه إعضال لأن خلف بن حوشب، ثقة من السادسة. تق 194، روايته عن عمر معضلة.(8/25)
وروي أنه قال: لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جنبي لله في التراب أو أجالس قوماً يلتقطون طيب الكلام كما يلتقطون طيب التمر، لأحببت أن أكون قد لحقت بالله(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه خطب أم أبان بنت عتبة(2)، فردته، فقيل لها في ذلك، فقالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج ببأس، قد أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه، كأنه ينظر إلى ربه بعينيه(3).
المسألة الثانية: صبره.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الصبر، والصبر من الصفات الحميدة التي حض الله تبارك وتعالى عليها في مواضع كثيرة من كتابه ورتب عليها الأجر والثواب العظيم، واتصاف عمر رضي الله عنه بالصبر أمر ثابت وله شواهد أكثر من أن تحصر حيث إن اتصاف عمر رضي الله عنه بالصفات السابقة الذكر كشدة الخشية لله والمراقبة له والورع، والزهد دليل على شدة صبره وعزمه لأن تلك الصفات تستلزم الصبر.
__________
(1) رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 2/309، ابن سعد / الطبقات 3/290، ابن أبي شيبة / المصنف 4/214، أحمد / الزهد ص145،146، البلاذري / أنساب الأشراف ص225، وكيع / الزهد 1/315،316، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص267، وإسناده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، لكن مدار الحديث على يحيى بن جعدة المخزومي، وهو ثقة من الثالثة. تق 588، روايته عن عمر منقطعة، فالأثر ضعيف.
(2) وتقدم ذكرها فيمن خطبهن عمر ص: (237).
(3) تقدم الكلام عليه ص (237).(8/26)
وقد روي أن عمر رضي الله عنه قال: وجدنا خير عيشنا بالصبر(1).
المسألة الثالثة: هيبته.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على قوة شخصيته الهيبة، فقد كان رضي الله عنه ذا هيبة عظيمة، يهابه من حوله من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن بقية رعيته.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له(2).
وقال عمرو بن ميمون(3) رحمه الله تعالى: شهدت عمر يوم طعن، فما منعني أن أكون في الصف المتقدم إلا هيبته وكان رجلاً مهيباً، فكنت في الصف الذي يليه(4)
__________
(1) رواه عبد الله بن المبارك / الزهد ص222،354، أبو مسهر / جزء ص62، أحمد / الزهد ص146، البخاري / الصحيح 4/124 تعليقاً، وكيع / الزهد 2/449، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/50، ومداره على مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة، وبقية رجاله عند ابن المبارك ثقات، وقال ابن حجر ورواه الحاكم عن مجاهد عن سعيد بن المسيب، فتح الباري 11/303، تغليق التعليق 5/172،173، وسماع سعيد بن المسيب من عمر مختلف فيه، وكان له اهتمام كبير بأخبار عمر رضي الله عنه، وقد تقدم ذكر ذلك في ص:92.ولم أقف على رواية الحاكم التي ذكرها ابن حجر.
(2) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 10/85، أبو يعلى / المسند 1/176.
(3) عمرو بن ميمون الأودي أبو عبد الله، ويقال أبو يحيى مخضرم مشهور ثقة عابد، نزل الكوفة، مات سنة أربع وسبعين. تق 427.
(4) رواه عبد الرزاق / المصنف 2/120، ابن سعد / الطبقات 3/340، ابن أبي خيثمة / التاريخ ص185/ب، الحارث، ابن أبي أسامة / المسند / بغية الباحث عن زوائد الحديث للهيثمي 2/622،623، وإسناده عند عبد الرزاق وابن أبي خيثمة والحارث فيه أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس من الطبقة الثالثة، ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله ثقات وفيه عند ابن سعد الأعمش، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع، فالأثر حسن لغيره بطريقيه.
وانظر: الأثرين في ص: 202، 219. وفيهما ذكر لهيبة النبيّ صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه وإنما أخّرتهما لصلتهما بالموضوع الذي ذكرا فيه وهو شهادة النبيّ صلى الله عليه وسلم لعمر بالفضل.(8/27)
.
المسألة الرابعة: كراهيته المدح والثناء.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على قوة شخصيته وكمالها كراهيته المدح والثناء.
دخلت عليه ابنته حفصة رضي الله عنهما لما طعن، فجعلت تثني عليه وتقول: يا صاحب رسول الله، ويا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويا أمير المؤمنين وجعلت تثني عليه، فقال عمر رضي الله عنه لابنه عبد الله: أجلسني، فلا صبر لي على ما أسمع، فأسنده إلى صدره، فقال عمر لحفصة رضي الله عنهم: إني أحرج عليك بما لي عليك من الحق أن تندبيني بعد مجلسك هذا، فأما عينيك فلن أملكها(1).
وروي أن رجلاً أثنى على عمر رضي الله عنه، فقال له عمر رضي الله عنه: تهلكني وتهلك نفسك(2).
وروي أن رجلاً قال لعمر رضي الله عنه: لو قدرت جعلت خدي نعلاً لك، فقال عمر: إذاً يهنك الله(3).
المسألة الخامسة:كرمه.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على كمال شخصيته سماحته وكرمه.
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/361، أحمد بن منيع / المسند / المطالب العالية لابن حجر ل: 504/أ، صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حريز بن عثمان، قال: أخبرنا حبيب بن عبد الله الرحبي عن المقدام بن معدي كرب.
(2) رواه ابن أبي الدنيا / الصمت ص280، وفي إسناده الأعمش، وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع وفيه انقطاع الحسن البصري لم يدرك عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(3) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص: 281، الطبري / التاريخ 2/569، تهذيب الآثار / مسند علي بن أبي طالب ص: 112. وفي إسناده عند البلاذري شيخ المدائني مبهم حيث قال: عن رجل، وهو معضل من رواية سفيان الثوري عن عمر. وهو ثقة من السابقة. تق: 244. وفي إسناده عند الطّبري شيخه محمّد بن حميد الرازي، حافظ ضعيف حسن ابن معين الرأي فيه. تق 475، وفيه جابر بن يزيد الجعفي، رافضي ضعيف. تق 137، فالأثر ضعيف.(8/28)
فقد كان رضي الله عنه سخياً كثير الإنفاق في سبيل الله، وفي وجوه الخير وإكرام رعيته ومواساتهم.
وقد تقدم ذكر شيء من حبه للإنفاق في سبيل الله، حيث كان يتسابق مع الصديق رضي الله عنه في الصدقة، وتصدق بأغلى وأحب مال عنده، وهو أرضه بخيبر(1).
ومن كرمه لأضيافه ومواساته لرعيته ما تقدم ذكره في خبر قدوم عتبة بن فرقد على عمر رضي الله عنه وفيه قال عمر رضي الله عنه: إنا ننحر كل يوم جزوراً، فأما ودكها وأطايبها، فلمن حضرنا من آفاق المسلمين(2).
وفي قصة قدوم رسول سلمة بن قيس الأشجعي بغنائم بعض فتوح فارس ذكر أنه قدم على عمر رضي الله عنه وهو يطعم الناس، وهو متكئ على عصا ويعاونه مولاه يرفأ، وعمر يقول: ضع هنا يا يرفأ، ضعها هنا(3).
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجد ولا أجود من عمر رضي الله عنه(4).
المسألة السادسة: شجاعته.
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على قوة شخصيته، شجاعته فقد اتصف عمر رضي الله عنه بصفات خلقية فيها كل معاني القوة والقارئ لسيرته رضي الله عنه وحياته في الجاهلية والإسلام، ومواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم وعدم تخلفه عنه في سلم أو حرب وجرأته على أعداء الله وانتقامه منهم، وما فتح الله على يديه من فتوحات في خلافته ما كانت تحقق لولا عون الله عز وجل وما منحه الله عز وجل لهذا الخليفة الراشد من صفات القوة والحزم والجلادة والصبر والشجاعة والإقدام.
المطلب الثالث: صفاته الخُلقية الدالة على سهولته ولين جانبه، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تواضعه.
__________
(1) صحيح تقدم تخريجه في ص: 177.
(2) صحيح تقدم تخريجه في ص: 264.
(3) صحيح تقدم تخريجه في ص: 226.
(4) رواه البخاري / الصحيح 2/295، ابن أبي شيبة / المصنف 6/356.(8/29)
ومن صفات عمر رضي الله عنه والتي فيها معنى السهولة واللطف ولين الجانب، تواضعه لربه عز وجل وعدم تكبره على رعيته بالرغم مما كان يمتلكه من صفات القوة والهيبة، وما كان تحت ملكه وتصرفه من البلاد التي شملت الجزيرة العربية، وبلاد فارس من أقصاها إلى أدناها، وبلاد الشام ومصر فلم يزده الملك إلا تواضعاً لربه تبارك وتعالى وخوفاً وخشية منه.
قدم الهرمزان المدينة وكان من ملوك فارس، فرأى عمر رضي الله عنه مضطجعاً على الأرض في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمير المؤمنين، وليس حوله خدم ولا حرس ولا حاجب قد أمن رعيته وأمنته، فرأى منظراً عجيباً ملأ قلبه هيبة وإجلالاً، فقال: هذا والله الملك الهني(1)، أي ليس ملوك فارس الذين امتلأت قصورهم بالحرس والخدم وامتلأت قلوبهم خوفاً وقلقاً تخافهم رعيتهم ويخافونهم.
ولما قدم عمر رضي الله عنه بلاد الشام عرضت له في طريقه وهو راكب على بعيره مخاضة فنزل رضي الله عنه عن بعيره، ونزع موقيه فأمسكهما بيده، فخاض الماء، ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: قد صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك في صدره وقال: آوه لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأصغر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله(2).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/293، 5/89، البلاذري / أنساب الأشراف من غير إسناد ص: 232، الطبري/ التاريخ 2/500-502، الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 3/85، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص272، وإسناده عند ابن سعد متصل ورجاله ثقات، وتدليس حميد الطويل وهو مدلس من الثالثة عن أنس لا يضر لأن الواسطة فيه معروفة وهي ثابت بن أسلم البناني، أو قتادة بن دعامة وهما ثقتان، انظر: العلائي جامع التحصيل ص168. ابن حجر / تعريف أهل التقديس ص86، فالأثر صحيح.
(2) صحيح تقدم تخريجه ص: (302).(8/30)
واستقبله رضي الله عنه الناس بالشام، وهو على بعيره فقالوا له: يا أمير المؤمنين، لو ركبت برذوناً(1) حتى يلقاك عظماء الناس ووجوهم، فقال عمر: لا أراكم ها هنا إنما الأمر من ها هنا، وأشار بيده إلى السماء، ثم قال: خلوا سبيل جملي(2).
ومن صور تواضعه ما رواه ربيعة بن الهدير أنه رأى عمر رضي الله عنه يقرد بعيراً له وينظفه بالطين وهو محرم(3).
وقال مالك بن ابي عامر الأصبحي(4) رحمه الله: رأيت عمر وعثمان إذا قدما من مكة ينزلان بالمعرص(5)، فإذا ركبوا، ليدخلوا المدينة، لم يبق منهم أحدٌ إلا أردف وراءه غلاماً فدخلا على ذلك، فقال له ابنه نافع: هل كانا يفعلان ذلك إرادة التواضع؟
فقال: نعم(6)، ثم ذكر ما أحدث الناس من أن يمشوا غلمانهم خلفهم وهم ركبان، ويعيب ذلك عليهم.
__________
(1) البِرذَون: من الخيل ما كان من غير نتاج العرب. ابن منظور / لسان العرب 1/370.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/9، الخلال / السنة ص317، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/47، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص2، ابن قدامة / الرقه ص86، صحيح من طريق الخلال. قال: أخبرنا محمّد، قال: ثنا وكيع عن ابن أبي خالد عن قيس، قال: لما قدم عمر... الأثر.
(3) صحيح تقدم تخريجه في ص: 304.
(4) مالك بن أبي عامر الأصبحي، سمع عمر رضي الله عنه. ثقة من الثالثة. تق 517.
(5) المعرص: العَرْصَة كل جَوْبه متسعة ليس فيها بناء فهي عرصة، والعرصتان، بالعقيق من نواحي المدينة من أفضل بقاعها، وكان سعيد بن العاص قد ابتنى فيها قصاراً واحتفر فيها بئراً. ياقوت الحموي / معجم البلدان 4/101،102، وانظر: السمهودي / وفاء الوفاء 3/10377- 1042.
(6) رواه البيهقي / شعب الإيمان / زغلول 6/291 وسنده رجاله ثقات سوى حرملة بن يحيى التجيبي، فهو صدوق فالأثر حسن.
قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أحمد بن سهل، نا إبراهيم بن معقل، أنا حرملة، أنا ابن وهب، حدّثني مالك عن عمه عن أبيه أنه رأى عمر وعثمان.(8/31)
وقد رويت أخبار في تواضع عمر رضي الله عنه وفيها ضعف من ذلك:
ما روي في قصة مجيء عمر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه ليستشيره في ميراث الجد، وفيها أن عمر رضي الله عنه استأذن على زيد ورأسه في يد جارية له ترجله، فلما رأى عمر نزع رأسه، فقال له عمر: دعها ترجلك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي جئتك، فقال عمر: إنما الحاجة لي(1).
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج يوم الجمعة، فقطر عليه ميزاب العباس، وكان على طريق عمر إلى المسجد، فقلعه عمر رضي الله عنه، فقال له العباس رضي الله عنه: قلعت ميزابي، والله ما وضعه حيث كان إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقال عمر: لا جرم(2) أن يكون لك سُلم غيري، ولا يضعه إلا أنت بيدك، فحمل عمر العباس على عنقه، فوضع رجليه على منكبي عمر، ثم أعاد الميزاب حيث كان فوضعه موضعه(3).
__________
(1) رواه البخاري / الأدب المفرد ص 442، البيهقي / السنن الكبرى 6/247، وفي إسناديهما يحيى بن أيوب الغافقي، صدوق ربما أخطأ، وفيه سليمان بن زيد بن ثابت، قال ابن حجر: مقبول. تق 251، وذكره ابن حبان في الثقات 4/315، وقد حسن الأثر الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 495.
(2) لا جرم: لا بد ولا محالة، ثم حولت وصارت بمعنى حقاً. الفيومي / المصباح المنير ص38.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 4/20، 21، أحمد / المسند 1/210، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/511، البيهقي / السنن الكبرى 6/66، المقدسي / المختارة 8/390،391، وفي إسناده عند ابن سعد والفسوي والبيهقي موسى بن عبيدة الربذي، ضعيف. تق 552، وفيه إعضال يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي صدوق من الخامسة. تق 608، روايته عن عمر منقطعة، وإسناده عند أحمد والمقدسي معضل هشام بن سعد المدني صدوق له أوهام، من السابعة. تق 572، يروي عن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وهو من صغار الصحابة، توفي في خلافة يزيد بن معاوية. فالأثر ضعيف.(8/32)
ومن ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر بعد أن جمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس لقد رأيتني ومالي من آكال(1) يأكله الناس إلا أن لي خالات من بني مخزوم، فكنت أستعذب لهن الماء، فيقبضن لي القبضات من الزبيب، ثم نزل عن المنبر، فقيل له: ما أردت إلى هذا يا أمير المؤمنين؟
قال: إني وجدت من نفسي شيئاً، فأدرت أن أطأطئ منها(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه قال لسلمان الفارسي رضي الله عنه: يا سلمان ما أعلم من أمر الجاهلية شيئاً إلا وضعه الله عنا بالإسلام إلا أنا لا ننكح إليكم، ولا ننكحكم، فهلم فلنزوجك ابنة الخطاب، أفر والله من الكبر(3).
وروي أنه رضي الله عنه كان يشتري اللحم لأهله ويعلقه في يده اليسرى ويحمل درته بيده اليمنى ويدور في الأسواق(4).
__________
(1) آكال: ما يؤكل وما ذاق أكالاً أي ما يؤكل. ابن منظور / لسان العرب 1/171.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/293، البلاذري / أنساب الأشراف ص 232، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 268، وسنده عن ابن سعد والبلاذري فيه أبو عمير الحارث بن عمير وثقه الجمهور وفي أحاديثه مناكير ضعفه بسببها الأزدي وابن حبان وغيرهما فلعله تغير حفظه في الآخر. تق 147.
وشيخه مبهم، وفيه عند ابن عساكر محمد بن عبد العزيز الدينوري، قال الذهبي: منكر الحديث ضعيف كان ليس بثقة، يأتي ببلايا. ميزان الاعتدال 3/629، فالأثر ضعيف.
(3) رواه عبد الله بن المبارك / الزهد، من زيادات نعيم بن حماد ص 52، وفي إسناده إبهام بشيخ ابن المبارك وفيه إعضال بين يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة من الخامسة. تق 600، وبين عمر بن الخطاب، فالأثر ضعيف.
(4) رواه ابن أبي الدنيا / التواضع والخمول ص 132،133، وفي إسناده الأصبغ ابن نباتة التميمي الحنظلي، وهو متروك، ورمي بالرفض. تق 113، فالأثر ضعيف جداً.(8/33)
وروي أن الزبير بن العوام خرج بغلس يريد أرضاً له، فلما كان ببعض الطريق إذا هو بعمر رضي الله عنه على عنقه قربة من ماء، فعرفه الزبير، فقال له: والله ما أعلم هذا يسعك، لقد أغناك الله عن هذا وأقناك بما خولك وأعطاك، فما يحملك على هذا؟ قال عمر: لما رأيت هؤلاء الوفد سامعين لأمري، مطيعين لي، وما كنا نرى أنه لا تنجح لنا بطاعة، ولا تطيع لنا أمراً(1)، دخلتني لذلك نخوة، فأردت أن أكسرها، قال الزبير: فمال بالقربة إلى حجرة أرملة من الأنصار، فأفرغها في جرارها(2).
وروي أن عمر رضي الله عنه خرج في يوم حار، واضعاً رداءه على رأسه، فمر به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لا، اركب وأركب خلفك تريد أن تحملني على المكان الوطئ، ولكن اركب أنت، وأكون أنا خلفك، فدخل المدينة وهو خليفة والناس ينظرون إليه(3).
__________
(1) قوله: وما كنا نرى أنه لا تنجح لنا بطاعة، ولا تطيع لنا أمراً، لعلّ مراد عمر رضي الله عنه أنّه كان يستبعد أن تخضع له رقاب الناس ويذلون لطاعته.
(2) رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 271، ابن قدامة / الرقة ص 84، وفي إسناده عند ابن عساكر أحمد بن مروان ضعيف، الذهبي / سير أعلام النبلاء 15/427، وفيه رشاء بن نظيف لم أجد له ترجمة، وهو معضل حماد بن سلمة، ثقة من الثامنة، روايته عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه معضلة، وفيه عند ابن قدامة هشام بن زياد أبو المقدام، متروك. وهو أيضاً منقطع من رواية عروة بن الزبير بن العوام عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. تق 572، فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن أبي الدنيا / ذم الدنيا ص 104، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 271، ومداره على الحسن البصري، ورواية الحسن عن عمر رضي الله عنه منقطعة وبقية رجاله عند ابن أبي الدنيا ما بين ثقة وصدوق، فالأثر ضعيف.(8/34)
وروي كذلك أنه رضي الله عنه فقد عمار بن ياسر رضي الله عنه، فجاءه في منزله، وهو يبني داره، فوجده ينقل طيناً ولبناً، فنقل عمر رضي الله عنه معه بنفسه طيناً ولبناً(1).
ومما لا شك فيه أن تواضع عمر رضي الله عنه لم يكن تواضعاً فيه الضعف والخور والتماوت بل كان رضي الله عنه مع تواضعه قوياً شديداً ذا وقار وهيبة، وسيرته رضي الله عنه دالة على ذلك، وروي أن الشفاء بنت عبد الله(2) رأت فتياناً يقصدون في المشي، ويتكلمون رويداً، فقالت: ما هؤلاء؟ قالوا: نساك، فقالت: كان والله عمر بن الخطاب إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو والله الناسك حقاً(3).
__________
(1) رواه ابن شبه / تاريخ المدنية 1/235، ولم يسق إسناداً، بل قال: كان عبيد الله ابن أبي عبيدة بن محمد بن عمار يذكر... وذكر الأثر، وعبيد الله المذكور لم أجد له ترجمة.
(2) الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية، أسلمت قبل الهجرة، وهي من المهاجرات الأول، وكان عمر يقدمها في الرأي، ويرعاها، ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق. ابن حجر / الإصابة 4/341.
(3) رواه ابن سعد الطبقات 3/290، البلاذري / أنساب الأشراف ص 226، الطبري/ التاريخ 2/571،572، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 245، ومدار الأثر على الواقدي فيكون ضعيفاً، غير أن معناه صحيح.(8/35)
وروي أن عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله كانا لا يعرف فيهما البر حتى يقولا أو يفعلا، فسئل الزهري عن المراد بذلك؟ فقال: لم يكونا مؤنثين ولا متماوتين(1).
المسألة الثانية: مرحه:
ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على سماحته ولين جانبه، مرحه ومداعبة أصحابه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ربما قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفساً ونحن محرمون(2).
فكان رضي الله عنه يتنافس مع ابن عباس رضي الله عنهما بإدخال رأسيهما في الماء أيهما أطول نفساً يستطيع البقاء في الماء.
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/291، البلاذري / أنساب الأشراف ص 226، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/53، وفي إسناده عند ابن سعد، والبلاذري عبد الله ابن أبي أويس المدني، صدوق يهم. تق 309، وقال الدارقطني في بعض حديثه عن الزهري شيء. المزي / تهذيب الكمال 15/170، وروايته هنا عن الزهري، وفيه انقطاع سالم بن عبد الله بن عمر روايته عن جده منقطعة، وفيه عند أبي نعيم عبد العزيز بن محمد الدراوردي، صدوق روايته عن عبيد الله بن عمر العمري منكرة. تق 358، وروايته هنا عنه، وفيه انقطاع،لأن نافعاً مولى ابن عمر لم يدرك عمر رضي الله عنه، فالأثر ضعيف، ولكنه مما يتساهل فيه.
(2) رواه الشافعي / المسند ص 117، ابن أبي شيبة / المصنف 3/141، البيهقي / السنن الكبرى 5/63، وإسناده عند الشافعي متصل ورجاله ثقات. قال: أخبرنا ابن عيينة عن عبد الحكم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لي عمر بن الخطاب... الأثر. فالأثر صحيح.(8/36)
وقال أبو رافع الصائغ(1): كان عمر يمازحني يقول: أكذب الناس الصائغ يقول اليوم غداً(2).
وروي عن أبي مسعود الأنصاري(3) أنه قال: كنا جلوساً في نادينا، فأقبل رجل على فرس يركضه يجري حتى كاد يوطئنا، فارتعنا لذلك وقمنا، قال: فإذا عمر بن الخطاب، فقلنا: فمن بعدك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما أنكرتم؟ وجدت نشاطاً، فأخذت فرساً فركضته(4).
وروي عن خوات بن جبير رضي الله عنه(5) أنه قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، فقال القوم: غننا ياخوات، فغناهم، فقالوا: غننا من شعر ضرار(6)، فقال عمر رضي الله عنه: دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده، يعني من شعره، قال: فما زلت أغنيهم حتى إذا كان السحر قال عمر رضي الله عنه: ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا(7).
__________
(1) أبو رافع الصائغ: اسمه نفيع، وهو مدني، نزل البصرة، وهو مولى، قال ابن سعد: خرج قديماً من المدينة وهو ثقة، قال ابن حجر: قلت: أكثر عن أبي هريرة، وروى أيضاً عن الخلفاء الأربعة. ابن حجر / الإصابة 4/74.
(2) قال ابن حجر: أخرج إبراهيم الحربي في غريب الحديث بسند جيد عن أبي رافع. وذكر الأثر، الإصابة 4/74. ولم أقف عليه في القسم المطبوع. ولعل مراد عمر رضي الله عنه بذلك أنّه يماطل في وعده.
(3) أبو مسعود الأنصاري البدري، هو عقبة بن عمرو صحابي جليل مات قبل الأربعين. تق 395.
(4) رواه ابن سعد / الطبقات 3/326، ورجال إسناده ثقات لكن فيه الأعمش وهو مدلس ولم يصرح بالسماع من عدي بن ثابت الأنصاري فالأثر ضعيف.
(5) خوات بن جبير الأنصاري، صحابي، قيل إنه شهد بدراً، مات سنة تسع وأربعين وقيل قبلها. تق 196.
(6) تقدم التّعريف به في ص: 189.
(7) تقدم تخريجه في ص: 189.(8/37)
وروي أن سعيد بن المسلم(1) كان يقص شارب عمر رضي الله عنه فبخ في وجهه يعني قال: بَخْ، ففزع سعيد فضرط، فقال: يا أمير المؤمنين أفزعتني، فقال عمر رضي الله عنه: ما أردت ذلك، سنعقل لك، فأعطاه أربعين درهماً(2).
الفصل الثاني: فضائله
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالفضل وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الأحاديث الدالة على علو منزلته ورفعة مكانته، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: مكانته عندالله عز وجل:
إن مكانة عمر رضي الله عنه ومنزلته عند ربه عز وجل منزلة عالية ورفيعة يدل على ذلك أمور هي:
1- نزول القرآن بموافقته:
فقد نزلت آيات عديدة من القرآن الكريم موافقة لرأي عمر رضي الله عنه وما يميل إليه، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر(3).
__________
(1) لم أجد له ترجمة.
(2) رواه ابن أبي الدنيا / الأشراف ص 190، وفي إسناده مزاحم بن داود بن علبة قال الذهبي: قال أبو حاتم: لا يحتج به. ميزان الاعتدال 4/95، وفيه أبوه داود بن علبة الحارثي ضعيف. تق 203، وهو معضل من رواية إسماعيل ابن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص، ثقة من السادسة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/354، أحمد / فضائل الصحابة 1/251، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/467، الترمذي / السنن 5/280، أبو يعلى / المعجم ص 276،277، أبو نعيم / الإمامة ص 297. وفي إسناده عند ابن أبي شيبة شريك بن عبد الله النخعي صدوق تق: 266. وفيه إبراهيم بن المهاجر صدوق لين الحفظ تق: 94. وهو منقطع من رواية مجاهد بن جبر عن عمر، وهو ثقة من الثالثة. وفي إسناده عند سائر من رواه خارجة بن عبد الله الأنصاري وهو صدوق له أوهام. تق: 186. وبقية رجاله عند الترمذي وأحمد ثقات. وقد صحّح الأثر الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/204.(8/38)
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن في القرآن من كلام عمر لكثير(1).
ومن الآيات التي نزلت موافقة لرأي عمر رضي الله عنه ما أخبر به هو عن نفسه، قال عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت {وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إبراهِيمَ مُصَلًّى}(2)، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن(3)، فنزلت هذه الآية(4).
وفي نزول آية الحجاب قالت عائشة رضي الله عنها: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع(5)
__________
(1) رواه أبو نعيم / الإمامة ص 297، وفي إسناده شيخه أبو حامد أحمد بن محمّد بالوية لم أجد له ترجمة وفيه عبد الله بن عمير كذلك لم أجد له ترجمة ولعله عبد الله بن عمر بن أبان صدوق تق: 315. و فيه عبيدة بن الأسود الهمداني صدوق تق: 78. وهو مدلّس من الثالثة عند ابن حجر في تعريف أهل التقديس ص: 98، ولم يصرّح بالسماع. وفيه مجالد بن سعيد قال ابن حجر: ليس بالقوي. تق 520. فالأثر ضعيف.
(2) سورة البقرة الآية (125).
(3) سورة التحريم الآية (5).
(4) رواه البخاري / الصحيح 1/82، 3/99، أحمد / المسند 1/24، ابن أبي عاصم / السنة ص 572، 573 وغيرهم.
(5) المناصع: جمع مَنْصَع وهي أماكن معروفة من ناحية البقيع، سميت بذلك لأن الإنسان ينصع فيها أي يخلص. ابن حجر / فتح الباري 1/249.
وقال الفيروزآبادي: هي موضع بعينه خارج المدينة. وكان النساء يتبرزن إليه بالليل على مذاهب العرب في الجاهلية. وفي حديث الإفك قال: وكان متبرز النساء بالمدينة قبل أن تتخذ الكنف في البيوت المناصع. المغانم المطابق ص: 392، 393.(8/39)
وهو صعيد أفيح(1)، فكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أحجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة، حرصاً على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب(2).
وقالت عائشة رضي الله عنها: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيساً(3)، فمر عمر فدعاه، فأكل، فأصابت يده إصبعي، فقال: حس(4)، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزل الحجاب(5).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وطريق الجمع بينهما أن أسباب نزول الحجاب تعددت(6).
ومن القضايا التي نزل فيها القرآن موافقاً لرأي عمر رضي الله عنه قضية أسارى بدر(7).
__________
(1) قال ابن حجر: والظاهر أن التفسير مقول عائشة رضي الله عنها، والأفيح المتسع، فتح الباري 1/249.
(2) رواه البخاري / الصحيح 1/40، 3/176، النسائي / السنن الكبرى 6/435.
(3) الحَيْس: طعام يتخذ من التمر والإقط والسمن، وقد يجعل عوض الإقط الدقيق. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/467.
(4) حِسِّ: بكسر السين والتشديد: كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما أحرقه غفلة كالجمرة والضربة ونحوها. ابن منظور / لسان العرب 3/171.
(5) رواه ابن سعد / الطبقات 8/175، ابن أبي شيبة / المصنف 6/358،359، البخاري / الأدب المفرد ص 362، 363. وفي إسناده عند ابن سعد الواقدي. وسنده عند ابن أبي شيبة والبخاري رجاله ثقات سوى موسى بن أبي كثير الأنصاري، صدوق. تق 553، ومجاهد بن جبر المكي، أثبت العلائي سماعه من عائشة رضي الله عنها، جامع التحصيل ص 273، فالأثر حسن.
(6) فتح الباري 1/249.
(7) بَدْر: بلدة بأسفل وادي الصفراء تبعد عن المدينة 155 كيلاً وعن مكة 310 أكيال، وتبعد عن سيف البحر قرابة 45 كيلاً، وكان ميناؤها الجار، فلما اندثرت قامت بالقرب منها بلدة الرايس. البلادي / معجم المعالم الجغرافية في السيرة ص 41.(8/40)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "ما ترون في هؤلاء الأسارى"؟
فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يابن الخطاب"؟
فقال عمر: قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت يا رسول الله: أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم، أدنى من هذه الشجرة (شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم) وأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا}(1).
ومنها تحريم الخمر:
__________
(1) سورة الأنفال الآيات 67-69.
رواه مسلم / الصحيح 12/74 -78، ابن أبي شيبة / المصنف 6/497، أحمد / المسند 1/383 -384، والطبري/ التاريخ 2/46.(8/41)
فقد كان عمر رضي الله عنه يرغب في تحريم الخمر ويأمل أن ينزل الوحي بتحريمها فقال رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثم كبير}(1) فدعى عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وأنتم سُكَارَى}(2)، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت هذه الآية: {فَهَلْ أَنتُمْ مُنْتَهُونَ}(3)، فقال عمر: إنتهينا(4).
__________
(1) سورة البقرة الآية (219).
(2) سورة النساء الآية (43).
(3) سورة المائدة (91).
(4) رواه أحمد / المسند 1/53، أبو داود / السنن 3/325، الترمذي / السنن 4/319، 320، النسائي / السنن 8/286، الطبري / التفسير 5/34،35، الدارقطني / العلل 2/184، 186، الحاكم / المستدرك 2/278، 4/143، البيهقي / السنن الكبرى 8/285، الصغرى 3/327، المقدسي / المختارة 1/368،369، ومدار الحديث على عمرو بن عبدالله أبي إسحاق السبيعي، وهو مدلس من الطبقة الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله عند ابن أبي داود والنسائي والطبري ثقات. وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/699.(8/42)
ومن موافقات القرآن لعمر رضي الله عنه موافقته له في عدم الصلاة على زعيم المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول(1).
فلما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، فقال: آذني أصلي عليه، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه، فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا بين خيرتين قال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم"، فصلى عليه، فنزلت {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}(2).
__________
(1) هو: عبد الله بن أبي بن سلول. قال ابن هشام: "سلول امرأة من خزاعة وهي أم أبي مالك بن الحارث. وهو من بني عوف بن الخزرج. قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان سيد أهلها لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين حتى جاء الإسلام. وكان عبد الله قد نظم له قومه الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم. فجاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك. فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكه، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارهاً مصرّاً على نفاق وضغن". السيرة النبويّة 2/446، 526، 584.
(2) سورة التوبة الآية (84).
رواه البخاري / الصحيح 1/220،237، 3/137، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/167،168، الترمذي / السنن 4/342، 343، وغيرهم.(8/43)
وروي أن سبب نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيمانكم وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ...}(1)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً له من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليدعوه، فانطلق إليه، فوجده نائماً فدفع الباب، وسلم فاستيقط عمر، وانكشف منه شيء، ورآه الغلام، وعرف عمر أنه رآه فقال: وددت أن الله عز وجل نهى أبناءنا، ونساءنا أن يدخلوا هذه الساعات، فنزلت هذه الآية(2).
__________
(1) سورة النور الآية (58).
(2) رواه أبو نعيم / معرفة الصحابة 2/209 /ب. ابن الأثير / أسد الغابة 4/341، 342،وانظر ابن حجر / الإصابة 3/395، نقلاً عن ابن منده ومداره على محمد بن السائب الكلبي وهو متهم بالكذب. ونقله الواحدي في أسباب النزول من غير إسناد ص: 380.(8/44)
وروي في سبب نزول قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ...}(1)، أن رجلين احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى لأحدهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم انطلقوا إلى عمر، فانطلقا، فلما أتينا عمر، قال الذي قضى عليه: يابن الخطاب، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لي، وإن هذا قال: ردنا إلى عمر، فردنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر للذي قضى عليه: كذاك؟ فقال عمر: مكانك حتى أخرج فأقضي بينكما، فخرج مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عمر صاحبي ولولا أني أعجزته لقتلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كنت أظن عمر يجرؤ على قتل مؤمن"، فأنزل الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ...}الآية(2).
2- تبشير الله عز وجل لعمر بالجنة:
ومن كريم مكانة عمر رضي الله عنه عند ربه عز وجل وعظم منزلته تبشيره بالجنة التي أعدها الله عز وجل لأوليائه جعلنا الله منهم.
__________
(1) سورة النساء الآية (65).
(2) رواه ابن كثير / مسند الفاروق 2/575، نقلاً عن ابن دحيم في تفسيره، وإسناده رجاله ما بين ثقة وصدوق، ولكنه مرسل فيه ضمرة بن حبيب ثقة من الرابعة، روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة، ورواه في تفسيره 1/521، نقلاً عن ابن أبي حاتم وفي إسناده عبدالله بن لهيعة خلط بعد احتراق كتبه، وأبو الأسود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل، وهو ثقة من السادسة روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلة فالحديث ضعيف.(8/45)
قال صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته، فوليت مدبراً"، فبكى عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!(1).
وخرج أبو موسى الأشعري رضي الله عنه من بيته وتوضأ وتبع النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل معه بئر أريس(2)، وقضى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته وجلس أبو موسى رضي الله عنه عند باب البئر، وكان من الجريد، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على البئر وتوسط قفها(3)، وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، فجاء أبو بكر، فدفع الباب، فقال أبو موسى: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقال: على رسلك، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا أبو بكر يستأذن، فقال: "إئذن له وبشره بالجنة"، فأقبل أبو موسى رضي الله عنه حتى قال لأبي بكر رضي الله عنه: أدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف، ودلى رجليه في البئر،...فإذا إنسان يحرك الباب، فقال أبو موسى: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقال: على رسلك، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال: هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال: "إئذن
__________
(1) صحيح، تقدم تخريجه في ص 312.
(2) بئر أريس: هذه البئر تنسب إلى رجل من اليهود اسمه أريس، وهو الفلاح بلغة أهل الشام، وقال ابن النجار، والغزالي وتبعهما من بعدهما: أن بئر أريس هي المقابلة لمسجد قباء في غربيه، وذكر ابن النجار: أن طول قفها الذي جلس عليه النبي وصاحباه ثلاثة أذرع، وهي تحت أطم عال خراب من جهة القبلة في أعلاه سكن، ولهذه البئر درج إلى أسفل الماء، جددت في عام 714هـ، وجدد طيها في عهد الدولة العثمانية، فطمث الدرج لتقادمه. الخياري / تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً ص 179،181.
(3) قُف البئر: هي الدكة التي تجعل حولها. ابن منظور / لسان العرب 11/260.(8/46)
له وبشره بالجنة"، فجاء، فقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أدخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة... الحديث(1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر سيدا كهول(2) أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين"(3)
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/292،4/83،254، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/170 - 173 وغيرهما.
(2) الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين وخطه الشيب، ابن منظور / لسان العرب 12/177.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/175، أحمد / المسند / من زيادات ابنه عبد الله 1/80، فضائل الصحابة 1/148، 149، 158، 159، 185، 216، 237، 346، 347، 377، 399، 409، 410، 424.
ابن ماجه / السنن 1/38، الترمذي / السنن 5/272، 273، البلاذري / أنساب الأشراف ص: 28، 35، ابن أبي عاصم / السنة ص: 603، البزار / المسند 2/132، 3/67، 68، 69، أبو يعلى / المسند 1/405، 406، الطحاوي / مشكل الآثار 2/391، 392، ابن حبان / الصحيح 9/25، الطبراني / المعجم الكبير 22/104، مجمع البحرين للهيثمي 6/229.
ورجال إسناده عند ابن سعد ثقات ولكنه مرسل من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة روايته عن عمر مرسلة.
وفي إسناده عند أحمد في المسند عبد الله بن عمر اليمامي لم أعرفه، والحسن ابن زيد بن حسن بن عليّ بن أبي طالب ذكره ابن حبان في الثقات، ونقل الذهبي عن ابن معين قوله في: ضعيف الحديث. وقال ابن عديّ: أحاديثه معضلة. ميزان الاعتدال 1/492. وفي حاشية تهذيب الكمال: وثقه ابن سعد والعجلي 6/162. وبقية رجاله ثقات.
وهو عند أحمد في فضائل الصحابة من ثمانية طرق:
الأولى: كالتي عند أحمد في المسند، ولكن ليس فيها ذكر لعبد الله اليمامي شيخ عمرو بن يونس والسند فيه عن عمرو بن يونس عن الحسن بن زيد.
الثانية: فيها شيخ أحمد أبو العباس الفضل بن صالح الهاشمي ذكر الذهبي أنه كان نائب دمشق ثم مصر للمهدي، قال: وهو الذي عمل أبواب جامع دمشق وقبة المهدي بالجامع ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. سير أعلام النبلاء 9/122. وفيه هدية بن عبد الوهّاب صدوق ربما وهم تق: 571، وفيها محمّد ابن كثير أبو عطاء الثقفي صدوق كثير الغلط تق: 405، وبقية رجالها ثقات. لكنه منقطع من رواية قتادة بن دعامة السدوسي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الرابعة.
الثالثة: من زيادة عبد الله ورجال إسنادها ثقات إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه سوى الحارث بن عبد الله الأعور شيخ الشعبي كذّبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض. وفي حديثه ضعف تق: 146.
الرابعة: رجال إسنادها ما بين ثقة وصدوق، وفيها يونس بن أبي إسحاق السييعي صدوق يهم قليلاً تق: 613، وفيها الشعبي يروي عن أبي هريرة رضي الله عنه ورايته عنه في الصحيحين، وأنكر سماعه منه الإمام أحمد. انظر: هامش جامع التحصيل ص: 204.
الخامسة: من زيادات عبد الله، وفيها محمّد بن عبد الرحمن بن أبي مليكة لم أعرفه. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق. إلا أنها منقطعة من رواية عليّ بن الحسين زيد العابدين عن عليّ رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة. قال أبو زرعة: لم يدرك جده عليّاً بن أبي طالب. جامع التحصيل ص: 240.
السادسة: رجال إسنادها ما ثقة وصدوق. ولكن فيها إبهام بشيخ زبيد اليمامي ففي السند عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليمامي عمن حدّثه عن عليّ رضي الله عنه.
السابعة: فيه محمّد بن يونس الكديمي ضعيف. تق: 515. وعبد الرحمن بن جبلة بن خالد الباهلي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4/221 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وبقية رجالها ثقات.
الثامنة: رجالها ثقات ولكنها منقطعة من رواية عامر الشعبي عن عمر رضي الله عنه وهو ثقة من الثالثة.
ورجال إسناده عن ابن ماجة ما بين ثقة وصدوق، وسنده متصل. قال: حدّثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي ثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس ثنا مالك بن مقول عن عوف بن أبي جحبفة عن أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر..." الحديث.
وفي إسناده عن الترمذي الوليد بن محمّد الموقري متروك تق: 583. وهو منقطع من رواية عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ثقة من الثالثة روايتيه عن عليّ رضي الله عنه منقطعة.
ورواه البلاذري من طريق ابن سعد المتقدم.
ورواه ابن أبي عاصم من طريقين:
الأولى: فيها موسى بن عبيدة الربذي ضعيف تق: 552. وفيه أبو معاذ وخطاب أو أبو خاطب لم أعرفهما.
والثانية: فيها كثير بن إسماعيل النواء ضعيف.تق: 459. وعبد الله مليل ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 5/168. وذكره ابن حبان في الثقات 5/43.
ورواه البزار كذلك من طريقين:
الأولى: من طريق الشعبي عن الحارث الأعور عن عليّ رضي الله عنه وقد سبق الكلام عليها عند أحمد.
والثانية: فيها شيخ البزار إسحاق بن زياد الأيلى وشيخه عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم وعبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي بكر لم أجد لهم تراجم.
وفيه إسناده عند أبي يعلى يونس بن أبي إسحاق صدوق يهم قليلاً تق: 613. وبقية رجاله ثقات. وهو من رواية عامر الشعبي عن عليّ رضي الله عنه وأثبت العلائي سماعه منه. جامع التحصيل ص: 204.
ورواه الطحاوي من ثلاث طرق:
الأولى: فيها إبراهيم بن أبي الوزير ومحمّد بن أبان،لم أعرفهما.وفيه أبو جناب يحيى ابن أبي حية ضعّفوه لكثرة تدليس، وهو من مدلّسي الطبقة الرابعة عن ابن حجر في تعريف التقديس ص: 146. ولم يصرح بالسماع من الشعبي.
والثانية: من طريق الشعبي عن الحارث الأعور عن عليّ. وتقدمت دراستها عند أحمد.
والثالثة: رجالها ثقات سوى طلحة بن عمرو الحضرمي فهو متروك تق: 283.
وفي إسناده عند ابن حبان خنيس بن بكر بن خنيس قال: صالح جزرة ضعيف. ميزان الاعتدال 1/669. وذكره ابن حبان في الثقات. وبقية رجاله ثقات وسند متصل.
ورواه الطبراني في معجمة الكبير من طريق خنيس بن بكر.
وفي إسناده عنده في مجمع البحرين مقدام بن داود بن عيسى قال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن يونس وغيره: تكلموا فيه. وقال سلمة بن القاسم: روايته لا بأس بها. وضعّفه الدارقطني. ميزان الاعتدال 4/175، لسان الميزان 6/84. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
ومحمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ولد سنة ست وخمسين أو قريباً من ستين. وجابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي يروى عنه الباقر مات بعد السبعين. فإمكان اللقاء بينهما موجود. ورمز المزي بـ (ع) عند ما ذكر في شيوخ الباقر جابر بن عبد الله أي: أن روايته عنه عند الجماعة.
فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الصحيح لغيره. وقد صحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي 3/201.(8/47)
.
وهو رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة(1)
__________
(1) رواه الحميدي / المسند 1/45، ابن سعد / الطبقات 3/383، ابن أبي شيبة / المصنف 6/350، أحمد / المسند 1/187، 188، فضائل الصحابة 1/111 - 121، ابن ماجة/ السنن1/48. صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا محمّد بن بشر، قال: ثنا صدقة بن المثنى، قال: سمعت جدي رباح ابن الحارث يذكر أنه شهد المغيرة بن شعبة وكان بالكوفة في المسجد الأكبر، وكانوا أجمع ما كانوا يميناً وشمالاً حتى جاء رجل من أهل المدينة يدعى سعيد ابن زيد ابن نفيل، فرحب به المغيرة وأجلسه عند رجله على السرير، فبينا هو على ذلك إذ دخل رجل من أهل الكوفة يدعى قيس بن علقمة، فاستقبل المغيرة، فسب فسب، فقال له المدني: يا مغير بن شعب! من يسب هذا الشاب؟ قال: سب عليّ بن أبي طالب. قال له مرتين: يا مغير بن شعب، ألا أسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون عندك لا تنكر ولا تغير. فإني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمعت أذناي، وبما وعى قلبي، فإني لن أروي عنه من بعده كذباً، فيسألني عنه إذا لقيته أنه قال:
أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة، وطلحة في الجنة، و الزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وآخر تاسع لو شاء أن أسميه لسميته.
قال: فخرج أهل المسجد يناشدون بالله يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التاسع؟ قال: نشدتموني بالله والله عظيم أنا تاسع المؤمنين، ونبيّ الله العاشر، ثم أتبعها والله لمشهد شهده الرجل منهم يوماً واحداً في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح.
ونصّ الحديث هنا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو العاشر وليس فيه ذكر لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وقد روى التّرمذيّ في سننه 5/311-312 هذا الحديث وفيه: أن العاشر هو أبو عبيدة بن الجراح.
قال: حدّثنا قتيبة (وهو ابن سعيد ثقة تق: 454)، أخبرنا عبد العزيز بن محمّد (وهو الداووديّ صدوق تق: 358)، عن عبد الرحمن بن حميد (ابن عبد الرحمن بن عوف، ثقة من السادسة، تق: 319)، عن أبيه (حميد بن عبد الرّحمن بن عوف، ثقة من الثّانية. تق: 182)، عن عبد الرّحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث.
ورواه من طريق آخر فقال: حدّثنا صالح بن ممار (السّلميّ المروزيّ صدوق من العاشرة، تق: 274)، أخبرنا ابن أبي فديك (محمّد بن إسماعيل بن مسلم صدوق. تق: 468)، عن موسى بن يعقوب (بن عبد الله بن وهب بن زمعه، صدوق سيّء الحفظ، تق: 554)، عن عمر بن سعيد (بن أبي حسين القرشيّ ثقة من السّادسة تق: 413)، عن عبد الرّحمن بن حميد عن أبيه أن سعيد بن زيد حدّثه في نفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:... الحديث.
فالحديث بهذا اللفظ يرتقي لدرجة الصّحّة وقد صحّحه الشّيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن التّرمذيّ 3/218.(8/48)
.
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: مشيت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى امرأة رجل من الأنصار، فرشت لنا أصول نخل، وذبحت لنا شاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليدخلن رجل من أهل الجنة"، فدخل أبو بكر رضي الله عنه، ثم قال: "ليدخلن رجل من أهل الجنة، فدخل عمر..." الحديث(1).
__________
(1) رواه مسدد / المسند / البوصيري / إتحاف الخيرة المهرة 3/ق 52/ أ، ابن أبي شيبة / المصنف 6/351، أحمد / المسند 3/331، فضائل الصحابة 1/209، ابن أبي عاصم / السنة ص: 610، الحاكم / المستدرك 3/136، وسنده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات سوى عبدالله بن محمد بن عقيل فهو صدوق، فيه لين 321، وحسن الذهبي حديثه في ميزان الاعتدال 2/485، ورواه سائر من رواه من طريق ابن أبي شيبة فالأثر حسن.(8/49)
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة، فتضيء الجنة لوجهه كأنها كوكب دري، وإن أبا بكر وعمر لمنهما وأنعما"(1).
ومن الأحاديث الضعيفة المروية في تبشير النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه بالجنة:
__________
(1) رواه ابن طهمان / المشيخه ص 154، الجعد / المسند 2/790، أحمد / المسند 3/26، 27، 61، 72، 93، فضائل الصحابة 1/168، 169- 171، 196، 374، 379-381، 385، 393، 409، 415، 417، 426، 442، أبو داود / السنن 4/34، الترمذي / السنن 5/268، البلاذري / أنساب الأشراف ص 30، ابن أبي عاصم / السنة ص 602، أبو يعلى / المسند 2/369، الخلال / السنة ص 306،307، ابن الأعرابي / المعجم 1/434، 2/104- 106، 127، 251،252، الأطرابلسي / فضائل الصحابة ص: 200، ابن منده / الفوائد ص: 90، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/233، المعجم الكبير 2/254، البيهقي / البعث والنشور ص:174، 175، وإسناده عند ابن طهمان وأبي داود والترمذي والبلاذري وابن أبي عاصم، وأبي يعلى والخلال والأطرابلسي وابن منده والبيهقي فيه عطية بن سعد العوفي، صدوق يخطئ كثيراً تق 393، وبقية رجاله عند الترمذي ما بين ثقة وصدوق، وفي إسناده عند أحمد في طريق والجعد مجالد بن سعيد ليس بالقوي تق 520، وفيه عند أحمد في طريق والطبراني في مجمع البحرين محمد ابن خداش صدوق يغرب تق 475، ويونس بن أبي إسحاق السبيعي صدوق يهم قليلاً، وبقية رجاله عند أحمد ما بين ثقة وصدوق، وفيه عند ابن الأعرابي من طريق محمد بن يونس الكديمي، قال أبو زرعة وابن أبي حاتم: منكر الحديث، الجرح والتعديل 4/442، وفيه عنده من طريق آخر سليمان الأعمش، وهو ثقة مدلس ولم يصرح بالسماع، وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق، فالحديث بمجموع طرقه صحيح لغيره، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/199.(8/50)
ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد منكم جنازة؟ قال عمر: أنا، قال: من تصدق؟ قال عمر: أنا، قال: من أصبح منكم صائماً؟ قال عمر: أنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجبت، وجبت"(1).
وروي أنه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وهو معتمد على أبي بكر وعمر، فقال: "هكذا ندخل الجنة"(2).
وروي أن قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مَتَقَابِلِينَ}(3) نزلت في عشرة منهم أبو بكر وعمر(4).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 2/444، 6/358، أحمد / المسند 3/118، فضائل الصحابة1/387، البزار / كشف الأستار للهيثمي 1/489، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 116، 122، ومداره على سلمة بن وردان الليثي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال ابن حجر: ضعيف. تق 248، وقال أبو حاتم: عامة ما عنده عن أنس منكر. ميزان الاعتدال 2/193، فالأثر ضعيف.
(2) رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 3/138،139، وفيه أبو جعفر محمد بن عاصم صاحب الخانات ذكره الخطيب ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، التاريخ 3/ 138، وفيه الوليد أبو همام الكندي لم أجد له ترجمة.
(3) سورة الحجر الآية (47).
(4) رواه الثوري / التفسير ص 160، أحمد / فضائل الصحابة 1/145، الأطرابلسي / فضائل الصحابة ص 95، العشاري / فضائل الصديق ص 71، وفي إسناده عند الثوري محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب تق 479، وفيه باذام أبو صالح ضعيف تق 120، وفيه عند أحمد محمد بن سليمان ابن خالد القمام لم أجد له ترجمة، وفيه كثير النواء ضعيف تق 459، وفيه عند العشاري عثمان بن عمير بن أبي حميد البجلي، قال ابن حجر: ضعيف واختلط وكان يدلس. تق 386، فالحديث ضعيف.(8/51)
ومن الأحاديث الضعيفة المروية في رفعة مكانة عمر رضي الله عنه عند الله عز وجل ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة"(1).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يباهي بالناس يوم عرفة عامة ويباهي بعمر بن الخطاب خاصة"(2)
__________
(1) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/408، ابن ماجه / السنن 1/39، ابن أبي عاصم / السنة ص 566، الحاكم / المستدرك 3/84، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 136،137، وفي إسناده عند أحمد وابن ماجه وابن أبي عاصم إسماعيل بن محمد الطلحي صدوق يهم تق 109، وفيه داود بن عطاء المدني، قال ابن حجر: ضعيف تق 199، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وذكر الحديث الذي أنا بصدد الكلام عنه وقال: هذا منكر جداً 2/12، وفي إسناده عند الحاكم أحمد بن محمد بن عبد الحميد ترجم له الذهبي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. ميزان الاعتدال 1/143، وفيه الفضل بن جبير، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه. ميزان الاعتدال 3/350، فالحديث ضعيف، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص: 10.
(2) رواه ابن أبي عاصم / السنة ص 572، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/249، المعجم الكبير 11/182.
وفي إسناده عند ابن أبي عاصم الوليد بن الوليد العنسي القلانسي، قال أبو حاتم: صدوق، وقال الدارقطي وغيره: متروك، وقال الذهبي: روى له نصر المقدسي في أربعينه حديثاً منكراً، وقال: تركوه. ميزان الاعتدال 4/350، وفي سنده عند الطبراني عبدالرحمن بن إبراهيم القارئ يروى عن العلاء بن عبد الرحمن ضعفه الدارقطني وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، روى حديثاً منكراً عن العلاء، وقال أبو داود: وهو عندي منكر الحديث، وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء، لسان الميزان 3/401،402، وفيه عند الطبراني من رواية أخرى رشدين بن سعد المهري المصري، ضعيف تق 209، وفيه عنده من طريق ثالث أبو سعد خادم الحسن البصري، قال الذهبي: لا يدري من ذا، وخبره باطل، ثم ذكر الذهبي الحديث الذي أتكلم عليه. ميزان الاعتدال 4/529، فالخبر ضعيف.(8/52)
.
وروي أن جبريل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم عمر فقال: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر(1).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفر من عمر(2).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة بنت عمر رضي الله عنه جاءه جبريل عليه السلام فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر(3).
__________
(1) رواه ابن سعد / الطبقات 3/269، أحمد / فضائل الصحابة 1/258، 347، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/223- 225، ابن حبان / الصحيح 9/18، الحاكم / المستدرك 3/84، ومداره على عبد الله بن خراش الشيباني ضعفه الدارقطني وغيره، وقال أبو زرعة: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 2/413. فالخبر ضعيف جداً.
(2) رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 74، وفي إسناده موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني، قال الذهبي: ليس بثقة، فإن ابن حبان قال فيه: دجال وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير، وقال ابن عدي: منكر الحديث، وذكر ابن عدي هذا الحديث وغيره، وقال هذه الأحاديث بواطيل، ميزان الاعتدل 4/211/212، فالحديث موضوع.
(3) رواه الطبراني / المعجم الكبير 17/291، 292، أبو نعيم / حلية الأولياء 2/50،51، وفي سنده عند الطبراني أحمد بن طاهر بن حرملة كذبه الدارقطني، وقال ابن عدي: حدث عن جده عن الشافعي بحكايات بواطيل يطول ذكرها. ميزان الاعتدال 1/105، وفيه عند أبي نعيم أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري، قال ابن عدي: رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه، وقال ابن يونس: لا تقوم به حجة. ميزان الاعتدال 1/112 - 114، فالحديث ضعيف جداً.(8/53)
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً فجعلهم خير أصحابي(1).
وروي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب إذا غضب(2).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد سمعوا صوت مناد يهتف من نحو العرش: ألا لا يرفعن أحد كتابه قبل أبي بكر وعمر(3).
المسألة الثانية: منزلة عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم.
إن رفعة مكانة عمر رضي الله عنه وعلو منزلته وقدره عند النبي صلى الله عليه وسلم أمر معروف عند سلف الأمة وخلفها لا ينازع فيه إلا ضال مكابر، فقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث الثابتة الدالة على ذلك، وهذه المكانة تتمثل في أمور هي:
__________
(1) رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 3/162، وفي إسناده محمد بن عمرو ابن نافع أبو جعفر المعدل لم أجد له ترجمة، وفيه أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط تق 308، وقال النسائي: ولقد حدث أبو صالح عن نافع بن يزيد عن زهرة بن معبد عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اختار أصحابي...الحديث، ثم قال: حديث بطوله موضوع. المزي / تهذيب الكمال 15/104.
(2) رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 5/430، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص: 63، ومداره على محمد بن عبدالله أبو لقمان النحاس، قال الخطيب: كان ضعيفاً يروي المنكرات عن الأثبات، وفيه أبو إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، فالحديث ضعيف.
(3) رواه أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/355، 356، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 138، وفي إسناديهما الفضل بن جبر الوراق، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، لسان الميزان 4/437، وفيهما داود بن الزبرقان، متروك تق 198، فالأثر ضعيف جداً.(8/54)
1- محبة النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه وثناؤه عليه وتوقيره إياه، فمن الأحاديث الواردة في ذلك:
ما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل(1)، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، قلت: من الرجال؟ قال: "أبوها"، قلت: ثم من؟ قال: "عمر..."الحديث(2).
وقال عبد الله بن شقيق(3) رضي الله عنه: قلت لعائشة رضي الله عنها: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: عمر...(4).
__________
(1) تقدم التعريف بها في ص: 302.
(2) رواه البخاري / الصحيح 3/75، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/153، 154، ابن أبي عاصم / السنة ص 564، وغيرهم.
(3) عبدالله بن شقيق العُقيلي بصري، ثقة من الثالثة. تق 307.
(4) راه أحمد / المسند 6/218، الترمذي / السنن 5/268، النسائي / السنن الكبرى 5/57، أبو يعلى / المسند 8/178،229، الأطرابلسي / فضائل الصحابة 1/198، الحاكم / المستدرك 3/73، تمام الرازي / الفوائد 2/9، صحيح من طريق الترمذي.قال: حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري عن عبد الله بن شقيق.(8/55)
وقال صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "هذان السمع والبصر"(1)
__________
(1) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/382، الترمذي / السنن 5/275، ابن أبي عاصم / السنة ص 561،562، الحاكم / المستدرك 3/69، 74، أبو نعيم / حلية الأولياء 4/72،73،93، العشاري / فضائل أبي بكر ص 60، الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 8/459،460، وفي سنده عند أحمد والعشاري وأبي نعيم من وجه فرات بن السائب الجزري متروك متهم بالكذب. ميزان الاعتدال 3/341، لسان الميزان 4/430، وفيه عند ابن أبي عاصم بقية بن الوليد صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وفيه عبد الله بن نسير الكندي لم أجد له ترجمة، وإسناده عند الحاكم رجاله ما بين ثقة وصدوق سوى شيخ محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك الحسن بن عبد الله بن عطية السعدي لم أجد له ترجمة، وسنده عند الخطيب رجاله ما بين ثقة وصدوق سوى زكريا بن يحيى بن مخلد الساجي، ذكره الخطيب ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وفيه عند أبي نعيم من طريق آخر الوليد بن الفضل العنزي قال ابن حبان: يروي الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به بحال. ميزان الاعتدال 4/343، وإسناده عند الترمذي رجاله ما بين ثقة وصدوق يرويه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عبدالعزيز بن المطلب عن أبيه عن جده عن عبد الله ابن حنطب، والصواب عن جده عبد الله بن حنطب كما ذكر ذلك المزي في تهذيب الكمال 14/435، وقال الترمذي: هذا حديث مرسل وعبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تكلم الحافظ ابن حجر رحمه الله على علل هذا السند وأجاب عنها قال رحمه الله: قال ابن أبي حاتم: عبدالله بن حنطب له صحبة، وكذا قال ابن عبدالبر وزاد: وحديثه مضطرب الإسناد لا يثبت قال رحمه الله:
قلت: أخرجه ابن منده من طريق موسى بن أيوب عن ابن أبي فديك وقال فيه: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم (أي عبد الله بن حنطب) فهذا يقتضي ثبوت صحبته، قال: وقد سقط بين ابن أبي فديك وبين عبد العزيز واسطة، فقد رواه داود بن صبيح والفضل بن الصباح عن ابن أبي فديك: حدثني غير واحد عن عبد العزيز، وهكذا رواه علي بن مسلم، ويوسف بن يعقوب الصفار عن ابن أبي فديك، قال: حدثني غير واحد ورواه ابن منده أيضاً من طريق دحيم عن ابن أبي فديك حدثني غير واحد عن عبد العزيز بن المطلب وكذا هو عند البغوي وسمى منهم عمرو بن أبي عمرو (ميسرة مولى المطلب ثقة ربما وهم. تق 425)، وعلي بن عبد الرحمن بن عثمان (ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 6/195)، فهذا يدل على أن ابن أبي فديك لم يسمعه من عبد العزيز، وقد رواه أحمد بن صالح المصري وآخرون عن ابن أبي فديك هكذا وسموا المبهمين: على بن عبد الرحمن، وعمرو بن أبي عمرو، وأخرجه الحاكم من طريق آدم عن ابن أبي فديك، فسمى الواسطة: الحسن بن عبد الله بن عطية ا.هـ تهذيب الكمال 5/192،193، الإصابة 2/298.
وقد صحح الحاكم هذا الحديث وحسنه الذهبي في تعليقه على الحاكم 3/69، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 2/472.(8/56)
.
وقال علي رضي الله عنه وقد دخل على عمر رضي الله عنه بعد أن كفن: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عمر"(2).
وخطب عمر رضي الله عنه والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه امرأة فرد أهل المرأة عمر رضي الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد ردوا خير هذه الأمة"(3).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/294، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/158، أحمد / المسند 1/109، 112 وغيرهم.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/168، 268، 295، البخاري / الأدب المفرد ص: 123، الفسوي / المعرفة والتاريخ 3/228، الترمذي / السنن 5/317، 331، النسائي / السنن الكبرى 5/64، 67، ابن حبان / الصحيح 9/69، 130،131، الحاكم / الأسامي والكنى 2/403، الحاكم / المستدرك 3/268، صحيح من طريق البخاري. قال: حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدّثني عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل عن أبيه عن أي هريرة. وصحّحه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/222.
(3) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/357، 358، أحمد / فضائل الصحابة 1/430، وسنده عند ابن أبي شيبة رجاله ثقات، وفيه انقطاع بين الحسن البصري وعمر رضي الله عنه وهو كذلك عند أحمد رجاله ثقات لكنه منقطع لأن ثابت بن الحجاج الرقي ثقة من الثالثة روايته عن عمر بن الخطاب منقطعة. فالأثر يرتقي بطريقيه لدرجة الحسن لغيره غير أنه شاذ لمخالفته الأحاديث الصحيحة في كون أبي بكر أفضل هذه الأمة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم.(8/57)
وكان صلى الله عليه وسلم يوقر عمر رضي الله عنه ويجله، قالت عائشة رضي الله عنها: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة(1) قد طبختها له، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة، فطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع بيده لها، وقال لها: الضخي وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها، فمر عمر فقال: يا عبد الله، يا عبدالله، فظن أن سيدخل فقال: "قوما، فاغسلا ما وجوهكما"، فقال عائشة رضي الله عنها: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم(2)
__________
(1) خَزِيرة: لحم يقطع صغاراً، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذُر عليه الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، وقيل هي: حساً من دقيق ودسم، وقيل: إذا كان من دقيق فهو حريرة، وإذا كان من نخالة فهو خزيرة. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/28.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/349، 350، النسائي / السنن الكبرى 5/291، أبو يعلى/ المسند 7/449، 450، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 78، 79.
ومدار هذا الحديث على محمد بن عمرو بن علقمة، قال ابن معين: كانوا يتقون حديثه قيل له: وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من رأيه، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة. المزي / تهذيب الكمال 26/216، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. تق 499، ويروي محمد بن عمرو هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة رضي الله عنها وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة رضي الله عنها.
قال أحمد: حدّثنا عليّ بن الحسن القطبعي، (قال الخطيب: كان ثقة. تاريخ بغداد11/377)، قال: نا موسى بن عبد الرحمن أبو عيسى المسروقي (ثقة تق: 552)، ثنا أبو أسامة (حماد بن أسامة ثقة تق: 177)، حدّثني محمّد بن عمرو ابن علقمة، حدّثني يحيى بن عبد الرحمن، قال: قالت عائشة... الحديث.
وقال النّسائي: أخبرنا محمّد بن معمر بن ربعي القيس البحراني صدوق تق: 508)، قال: ثنا خالد بن الحارث (بن عبيد الهجيمي ثقة ثبت تق: 187)، قال: ثنا محمّد بن عمرو عن أبي سلمة قال: قالت عائشة:... الحديث). فالأثر حسن.(8/58)
.
وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة فيها إشارة لمحبته صلى الله عليه وسلم لعمر وتوقيره له، وعظم ثواب المحبين لعمر رضي الله عنه.
فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المسجد، فلا يرفع إليه أحد بصره إلا أبو بكر وعمر ينظران إليه، وينظر إليهما، ويتبسمان إليه ويتبسم إليهما(1).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: "الحمد لله الذي أيدني بكما"(2).
__________
(1) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/212، 213، عبد بن حميد / المنتخب من المسند ص 388، الترمذي / السنن 5/274، أبو يعلى / المسند 6/116، الحاكم / المستدرك 1/121، 122، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص: 106، 107، ومدار الحديث على الحكم بن عطية العيشي البصري، قال أحمد: لا بأس به إلا أن أبا داود روى عنه أحاديث منكرة ووثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: سمعت سليمان بن حرب يقول: عمدت إلى حديث المشايخ فغسلته، فقيل: مثل من؟ قال: مثل الحكم بن عطية، وقال الترمذي: قد تكلم فيه بعضهم، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع ضعيف، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: يكتب حديثه وليس بمنكر الحديث، وكان أبو داود يذكره بجميل، قلت: يحتج به؟ قال: لا من ألف شيخ يحتج بواحد ليس هو بالمتين. المزي / تهذيب الكمال 7/120، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. تق 132، فالأثر ضعيف، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 490، 491.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/73، 74،384، الطبراني / المعجم الكبير 22/369، مجمع البحرين للهيثمي 6/228، والحاكم / الأسامي والكنى 2/84، 85، الحاكم / المستدرك 1/73،74، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص: 57، 58، ومداره على عاصم بن عمر بن حفص العمري ضعيف. تق 286، فالأثر ضعيف.(8/59)
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب عمر فقد أحبني"(1).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحب أبو بكر وعمر منافق ولا يبغضهما مؤمن"(2).
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبو بكر وعمر وعثمان وعلي"(3).
__________
(1) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 248، الطبراني / مجمع البحرين 6/249، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 110، 168، وفي سنده عند البلاذري بكر بن الهيثم لم أجد له ترجمة وهو أيضاً من مراسيل الزهري وفيه عند الطبراني أبو سعد خادم الحسن البصري، قال الذهبي: لا يدري من ذا وخبره باطل ثم ساق الذهبي الحديث الذي أتكلم عليه. ميزان الاعتدال 4/529.
وفي إسناده عند ابن عساكر أحمد بن بكر البالسي، قال ابن عدي: روى مناكير عن الثقات، ثم ذكر الحديث المتكلم عليه، وقال أبو الفتح: كان يضع الحديث. ميزان الاعتدال 1/86.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/393،415، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 192، ومداره على معلى بن هلال بن سويد الطحان، رماه ابن عيينة والثوري بالكذب واتهمه ابن المبارك وابن المديني بالوضع، وقال النسائي: متروك. ميزان الاعتدال 4/152، فالحديث موضوع.
(3) رواه عبد بن حميد / المنتخب من المسند ص 426، 427، أحمد / الورع ص 81، فضائل الصحابة 1/427، وفي إسناده عندهما يزيد بن حبان النبطي البلخي صدوق يخطئ. تق 600، وفيه انقطاع عطاء بن أبي مسلم الخراساني، صدوق يهم كثيراً من الخامسة تق: 392. روايته عن أبي هريرة رضي الله منطقعة، فالحديث ضعيف.(8/60)
وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: يؤتى بأقوام يوم القيامة، فيوقفون بين يدي الله تعالى، فيؤمر بهم إلى النار، فإذا همّ الزبانية بأخذهم وقربوا من النار، وهمّ مالك بأخذهم قال الله تعالى لملائكة الرحمة: ردوهم، فيردونهم فيقفون بين يدي الله تعالى طويلاً، فيقول: "عبادي، أمرت بكم إلى النار بذنوب سلفت لكم، واستوجبتم بها، وقد روعتكم، وقد ذهبت ذنوبكم بحبكم أبا بكر وعمر"(1).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متكأً على علي رضي الله عنه، فاستقبله أبو بكر وعمر، فقال له: يا علي، "أتحب هذين الشيخين"؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال: "أحبهما تدخل الجنة"(2).
__________
(1) رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 191، وفي إسناده محمد بن علي بن خلف الوراق، قال الخطيب: ضعيف جداً. ميزان الاعتدال 3/671، وفيه محمّد بن السري بن عثمان التمار، قال الذهبي: يروي المناكير والبلايا، ليس بشيء. ميزان الاعتدال 3/559، فالحديث ضعيف جداً.
(2) رواه ابن الأعرابي / المعجم 1/521، العشاري / فضائل أبي بكر ص 62، الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 1/246، 5/440،441، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 190، 191، وفي إسناده عند ابن الأعرابي محمد بن أحمد ابن سعيد بن فرقد، قال الذهبي: له مناكير. ميزان الاعتدال 3/459، وفيه عمر بن حفص أبو حفص العبدي، قال ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال ابن أبي حاتم: ضعيف الحديث ليس بقوي هو على يدي عدل، الجرح والتعديل 6/103، وقال الساجي متروك، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، تاريخ بغداد 11/193،194، وفيه عند العشاري الحسن بن مكي اللخمي، ذكر الذهبي له الحديث الذي أتكلم عليه وقال: باطل. ميزان الاعتدال 1/524، وفي سنده عند الخطيب محمد بن عبدالله بن ثابت أبو بكر الأشناني، قال الخطيب: كان كذاباً يضع الحديث، فالحديث موضوع. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/69.(8/61)
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت في السماء خيلاً موقوفة، مسرجة، ملجمة، لا تروث، ولا تبول، ولا تعرق رؤوسها من الياقوت الأحمر، حوافرها من الزبرجد الأخضر، أبدانها من القيعان الأخضر، ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذه؟ فقال جبريل: هذه لمحبي أبي بكر وعمر يزورون الله عليها يوم القيامة"(1).
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر"(2).
__________
(1) رواه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 11/242،243، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 191، ومداره على محمد بن عبيد الله بن مرزوق الخلال، قال الذهبي: لا يعي ما يحدث به، روى عن عفان حديثاً كذباً يقال أُدخل عليه، ثم ذكر الذهبي الحديث الذي أتكلم عليه. ميزان الاعتدال 3/638، فالحديث موضوع. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/67-68.
(2) رواه الترمذي / السنن 5/281، ابن أبي عاصم / السنة ص 572، البزار / المسند 159،194، الحاكم / المستدرك 3/90، ومداره على عبد الله بن داود الواسطي، قال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وذكر له ابن عدي الحديث الذي أتكلم عليه وقال هذا كذب. ميزان الاعتدال 2/415، وفيه عبد الرحمن ابن أخي المنكدر مجهول تق 353، وقال الشيخ الألباني: موضوع. السلسلة الضعيفة 3/533.(8/62)
وروي أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أقرئ عمر السلام، وأخبره أن رضاه عز وغضبه حكم"(1).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء بعد النبيين على رجل خير منك يا عمر"(2).
__________
(1) رواه الطبراني / المعجم الكبير 12/60،61، مجمع البحرين للهيثمي 6/247، المروزي / تعظيم قدر الصلاة 1/262 -265، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/221، الإمامة ص 293، حلية الأولياء 4/277، وفي سنده عند الطبراني خالد بن يزيد العمري كذبه أبو حاتم ويحيى، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. ميزان الاعتدال 1/646، وفيه عند المروزي: عبدالملك بن قدامة: ضعيف تق 364، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار: صدوق يخطئ تق 344، وفي إسناده عند بقية من رواه جعفر بن أبي المغيرة القمي عن سعيد بن جبير، قال الذهبي: صدوق، وذكره ابن أبي حاتم وما نقل توثيقه بل سكت. وقال ابن منده: ليس هو بالقوي في سعيد بن جبير. ميزان الاعتدال 1/417، وهذا الحديث من رواية جعفر عن سعيد بن جبير عن أنس ابن مالك رضي الله عنه، ورواه بعض من رواه موقوفاً على سعيد، فالحديث ضعيف.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/432. ابن الأثير / أسد الغابة 2/147، وفي إسناده عند أحمد عبدالله بن لهيعة، صدوق خلط بعد احتراق كتبه. تق 319، وفيه علي بن عمر بن علي بن الحسن وثقه ابن حبان، وقال ابن حجر: مستور، من الثامنة. تق 404، وهو أيضاً معضل من رواية علي بن عمر المذكور عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، ونقله ابن الأثير عن ابن منده بسنده عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه ونصه: "ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، ولا ولد النساء بعدي أفضل من أبي بكر ثم عمر"، وهذا السند رجاله ثقات ولكني لم أطلع على رجال السند من ابن منده إلى هدبة، فالأثر ضعيف من لفظ أحمد.(8/63)
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن لهذا الدين إقبالاً وإدباراً، ألا وإن من إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها، حتى لا يبقى إلا الفاسق، والفاسقان ذليلان فيها، إن تكلما قهرا أو اضطهدا، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها، فلا يبقى إلا الفقيه والفقيهان فهما ذليلان، إن تكلما قهرا واضطهدا، ويلعن آخر هذه الأمة أولها، ألا وعليهم حلت اللعنة حتى يشربوا الخمر علانية، حتى تمر المرأة بالقوم، فيقوم إليها بعضهم فيرفع بذيلها كما يرفع بذنب النعجة، فقائل يقول يومئذ: ألا وار منها وراء الحائط، فهو يومئذ فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم..."(1).
__________
(1) رواه الفزاري / السير ص 316،317، أحمد بن منيع / المسند، إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 3/187،188، الطبراني / المعجم الكبير 8/234، الحاكم / المستدرك 4/495، وفي سنده عند الفزاري وابن منيع عبيدالله بن زحر، قال ابن المديني: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. ميزان الاعتدال 3/6، وفيه عندهما وعند الطبراني علي بن يزيد الألهاني، قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال الدراقطني: متروك. ميزان الاعتدال 3/161، وفيه عند الحاكم سليمان بن أبي سليمان اليمامي، قال الحاكم: هالك، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: ضعيف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. ميزان الاعتدال 2/202، فالحديث ضعيف جداً.(8/64)
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من حجة الوداع صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك له، يا أيها الناس إني راض عن أبي بكر وعمر..."الحديث(1).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "لا يتأمر عليكما أحد بعدي"(2).
__________
(1) رواه الطبراني / المعجم الكبير 6/104، الخطيب / تاريخ بغداد 2/118، 119. ابن الأثير/ أسد الغابة 2/369، كلهم من طريق خالد بن عمرو القرشي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال صالح جزرة: يضع الحديث، وقال ابن الأثير بعد ذكره لهذا الأثر خالد بن عمرو: منكر الحديث متروكه، فالحديث ضعيف جداً، ومعناه صحيح.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/211، ابن أبي شيبة / المصنف 6/351، البلاذري / أنساب الأشراف ص 85،86، تمام الرازي / الفوائد 2/230، 231، وإسناده عند ابن سعد وابن أبي شيبة والبلاذري رجاله ثقات لكنه معضل يرويه عن عمر بسطام بن مسلم ثقة من السابعة لم يدرك زمان عمر رضي الله عنه، وفي إسناده عند تمام إسحاق بن الحسن الطحان،لم أجد له ترجمة، وفيه موسى بن ناصح ذكره الخطيب البغدادي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، تاريخ بغداد 13/39، ومعنى الأثر صحيح فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يتأمر عليها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.(8/65)
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر حين استأذنه في العمرة: "أي أخيَّ أشركنا في دعائك ولا تنسا"(1).
وروي أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل حدثني بفضائل عمر في السماء، فقال: يا محمد لو حدثتك بفضائل عمر في السماء مثل لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نفذت فضائل عمر"(2).
ثانياً: موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لرأي عمر رضي الله عنه وقوله:
وذلك في مواقف هي:
1- مشروعية الأذان:
__________
(1) روا ابن سعد / الطبقات 3/273، أحمد / المسند 1/29، عبد بن حميد / المنتخب ص: 241، الفاكهي / أخبار مكة 1/407، الترمذي / السنن 5/220، البلاذري / أنساب الأشراف ص 162، البزار / المسند 1/231، أبو يعلى / المسند 6/376، ابن السني / عمل اليوم والليلة ص 342، البيهقي / شعب الإيمان 6/502، وفي إسناده عند ابن سعد سعيد بن حميد الثقفي الوراق ضعيف. تق 240، وفيه إعضال فإن الوليد بن أبي هشام، صدوق من السادسة لم يدرك عمر رضي الله عنه، ومداره عند بقية من رواه علي عاصم بن عبيد الله بن عاصم ضعيف من الرابعة. تق 285، فالأثر ضعيف، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي ص 468.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/429، أبو يعلى / المسند 3/179، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/252، ومداره على الوليد بن الفضل العنزي، قال ابن حبان: يروي الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به بحال. ميزان الاعتدال 4/343، فالحديث موضوع.(8/66)
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم، فنادي بالصلاة(1)
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 1/113،114، مسلم / الصحيح 4/75،76، أحمد / المسند 2/148، وغيرهم.
وفي رواية عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه: "أنه رأى الأذان في المنام، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى فقال صلى الله عليه وسلم: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك"، قال فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد"، رواه محمد بن إسحاق / السيرة النبوية لابن هشام 2/176 - 178، عبد الرزاق / المصنف 1/455،456، وابن سعد/ الطبقات1/247،248، أحمد/ المسند4/43، 5، 232، 246، أبو داود / السنن 1/134- 140، الترمذي / السنن 1/122، 123، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 3/476،477، وسنده عند ابن إسحاق متصل ورجاله ثقات سوى ابن إسحاق فهو صدوق، ورواه أبو داود والترمذي من طريق ابن إسحاق ورواه عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات إلى ابن المسيب باختلاف يسير وإسناده عند ابن سعد رجاله ثقات إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة من الثانية ولكنه لم يسمع من عبد الله بن زيد واختلف في سماعه من عمر، فالحديث بمجموع طرقه صحيح لغيره، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/98،99، وقد ذكر العلماء أن رؤيا عبد الله بن زيد للأذان ورؤيا عمر رضي الله عنه أتت بعد تشاورهم في كيفية النداء للصلاة الواردة في الصحيح، انظر: ابن حجر / فتح الباري2/76- 82.(8/67)
.
2- عدم تبشير الناس بفضل لا إله إلا الله:
قال أبو هريرة رضي الله: عنه كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً(1) للأنصار، لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد له، فإذا ربيع(2) يدخل في جوف الحائط من بئر خارجه، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أبو هريرة؟" قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما "شأنك؟" قلت: كنت بين أظهرنا، فقمت، فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي، فقال: "يا أبا هريرة"، وأعطاني نعليه، فقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة"، فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما، من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثدي، فخررت لأستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجهشت بكاء، وركبني عمر، فإذا هو على إثري، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالك يا أبا هريرة؟" قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثدي ضربة خررت لأستي، قال: ارجع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر، ما حملك على ما فعلت؟" فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا
__________
(1) الحائط: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/461،462.
(2) الربيع: الجدول. ابن منظور / لسان العرب 5/116.(8/68)
الله مستيقناً بها قلبه، بَشره بالجنة؟ قال: "نعم"، قال: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فخلهم"(1).
3- جمع أزواد الجيش والدعاء عليها يوم تبوك.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: لما كانت غزوة تبوك(2) أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا(3)، فأكلنا وادهنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افعلوا"، فجاء عمر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم ثم أدع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فدعا بنطع، فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، قال: فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، ثم قال: خذوا أوعيتكم، فأخذوا أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤوه، فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة(4).
__________
(1) رواه مسلم / الصحيح / شرح النووي 1/233، 240، أحمد / المسند 4/402، 411 وغيرهما.
(2) تَبوك: أصبحت اليوم مدينة من مدن شمال الحجاز الرئيسية لها إمارة تعرف بإمارة تبوك، تبعد عن المدينة شمالاً 778كم على طريق معبده. عاتق البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 59.
وكانت غزوة تبوك في رجب سنة تسع من الهجرة. مهدي رزق الله/ السيرة في ضوء المصادر، ص: 614.
(3) الناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه الماء. ابن منظور / لسان العرب 14/174. والمراد به في الحديث البعير.
(4) رواه البخاري/ الصحيح 2/167، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي1/221- 226، وغيرهما.(8/69)
4- إعطاء أبي قتادة(1) رضي الله عنه سلب قتيله يوم حنين(2).
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: "من قتل كافراً فله سلبه" فقتل أبو طلحة"(3) يومئذ عشرين رجلاً، فأخذ أسلابهم، وقال أبو قتادة: يا رسول الله: إني ضربت رجلاً على حبل العاتق وعليه درع، فأجهضت(4) عنه، فانظر من أخذها، فقام رجل، فقال: أنا أخذتها، فارضه منها وأعطنيها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، أو سكت، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: لا والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر"(5).
__________
(1) أبو قتادة الأنصاري الحارث بن ربعي، شهد أحداً وما بعدها، مات سنة 54ه-. تق 666.
(2) حُنين: واد من أودية مكة يقع شرقها بقرابة 30 كم يسمى وادي الشرائع على 28كم من المسجد الحرام على طريق الطائف. انظر: البلادي / معجم المعالم الجغرافية ص 107.
وكانت غزوة حنين في العاشر من شوال سنة ثمان من الهجرة. مهدي رزق الله / السيرة في ضوء المصادر، ص: 583.
(3) أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل من كبار الصحابة، شهد بدراً وما بعدها، مات سنة 34هـ. تق 223.
(4) فأجهَضه عن مكانه: أي أزاله. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/322.
(5) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/419، أحمد / المسند 3/279، ابن أبي عاصم / الآحاد والمثاني 4/242، ابن حبان / الصحيح 7/161 -163، الحاكم / المستدرك 2/130، وسنده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا عفان، قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن هوازن... الأثر. فالحديث صحيح.(8/70)
5- ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فقام رجل يصلي بعدها فأخذ عمر بن الخطاب بردائه أو ثوبه، وقال: اجلس، فإنما هلك أهل الكتاب قبلكم لأنه لم يكن لصلاتهم فصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق ابن الخطاب"(1).
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف"، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهكذا بيده"، وجمع كفيه، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "وهكذا"، وجمع كفيه، فقال عمر: حسبك يا أبا بكر، فقال أبو بكر: دعني يا عمر، ما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا، فقال عمر: إن الله إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر"(2).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 2/432، أحمد / المسند 5/368، أبو داود / السنن 1/264، أبو يعلى / المسند 13/107، الطبراني / مجمع البحرين 2/258، 259، البيهقي / السنن الكبرى 2/190، وإسناده عند عبد الرزاق وأبي يعلى متصل ورجاله ثقات سوى عبد الله بن سعيد بن أبي هند فهو صدوق. تق 306، وفيه إبهام بشيخ عبد الله بن رباح الأنصاري حيث قال فيه عن رجل من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يضر ذلك الإبهام لعدالة الصحابة رضوان الله عليهم، وفي إسناده عند بقية من رواه المنهال بن خليفة ضعيف. تق 547، فالحديث حسن من طريق عبدالرزاق وأبي يعلى، وقد ضعف الشيخ الألباني الحديث في ضعيف سنن أبي داود ص 98،99.
(2) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/286، أحمد / المسند 3/165،193، فضائل الصحابة 1/445، ابن أبي عاصم / السنة ص 262، الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 7/166، أبو نعيم / معرفة الصحابة 2/ق 107/ أ، ومداره على قتادة بن دعامة وهو مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع وبقية رجاله عند أحمد ثقات، فالحديث ضعيف.(8/71)
وروي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال: إن امرأة جاءت تبايعني فأدخلتها الدولج(1)، فأصبت منها ما دون الجماع، فقال: ويحك لعلها مغيب في سبيل الله؟ فقال: أجل، قال: فأت أبا بكر فاسأله. قال: فأتاه فسأله، فقال: لعلها مغيب في سيبل الله؟ قال: أجل. قال: فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "لعلها مغيب في سبيل الله"؟ قال: أجل، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قوله تعالى: {وأقم الصَّلوة طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَات يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}(2).
فقال الرجل: ألي خاصة يا رسول الله أم للناس عامة؟
فضرب عمر صدره وقال: لا ولا نعمة عين بل للناس عامة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر"(3).
__________
(1) الدَّولجَ: المخدع وهو البيت الصغير داخل البيت الكبير. ابن منظور / لسان العرب 4/386.
(2) سورة هود الآية 114.
(3) رواه أحمد / المسند 1/245، الحارث بن أبي أسامة / المسند / بغية الباحث للهيثمي 2/723، الطبراني / المعجم الكبير 12/215، 216، ومداره على علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. تق 401، فالحديث ضعيف. وأصل الحديث في صحيح البخاري (فتح الباري 8/355) وفيه أن الرجل قال لما نزلت الآية: ألي هذه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لمن عمل بها من أمتي وليس فيه ذكر لعمر رضي الله عنه.(8/72)
ومن الأحاديث المروية في علو منزلة عمر رضي الله عنه ومكانته من النبي صلى الله عليه وسلم ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيري من أهل الأرض فأبو بكر وعمر"(1).
__________
(1) رواه الجعد/ المسند 2/789، أحمد / فضائل الصحابة 1/134، 164، 425، الترمذي / السنن 5/278، 279، البلاذري / أنساب الأشراف ص 254، الطبراني / المعجم الكبير 11/79، بحشل / تاريخ واسط ص 230، 231، وفي إسناده عند الجعد سوار بن مصعب الهمداني، قال أحمد: متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، الجرح والتعديل / ابن أبي حاتم 4/271، 272، وفيه عند أحمد معلى بن هلال بن سويد الحضرمي، اتفق الأئمة على تركه وتكذيبه. تق 541، وفيه عند الترمذي تليد بن سليمان المحاربي، قال ابن حجر: رافضي ضعيف. تق 130، وفيه عطية بن سعد بن جنادة العوفي من مدلسي الطبقة الرابعة، وهو صدوق يخطئ كثيراً تق: 393، وتعريف أهل التقديس ص 130. ولم يصرح بالسماع، وفيه عند البلاذري، وبحشل ليث بن أبي سليم زنيم، صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه، فترك تق 464، وفيه عند الطبراني محمد بن مجيب الثقفي الصايغ متروك تق 505، فالحديث ضعيف جداً، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 492.(8/73)
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن كل نبي أعطي سبعة نجباء(1)، رفقاء أو قال: رقباء، وأعطيت أنا أربعة عشر، قلنا: من هم؟ قال: علي بن أبي طالب رضي الله عنه (راوي الحديث): أنا وابناي، وجعفر وحمزة، وأبو بكر، وعمر..." الحديث(2).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبي خاصة، وإن خاصتي من أمتي أبو بكر وعمر(3).
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر يحفر، فقال: "قبر من هذا"؟ قالوا قبر فلان الحبشي، قال: "سبحان الله سبق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها".
__________
(1) النجيب: الفاضل. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 5/17.
(2) رواه عبد الرزاق / التفسير 2/290، أحمد / فضائل الصحابة 1/136،137، 227، 228، المسند 1/142، 148،149، الترمذي / السنن 5/329، ابن أبي عاصم / السنة ص 603، الآحاد والمثاني 1/190، الطحاوي / مشكل الآثار 4/17- 19، الطبراني / المعجم الكبير 6/215،216، أبو نعيم / حلية الأولياء 1/128، ومداره علي عبد الله بن مليل البجلي ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، الجرح والتعديل 5/168، وذكره ابن حبان في الثقات 5/43، وفيه عند بعضهم أيضاً كثير النواء ضعفه أبو حاتم والنسائي، وقال السعدي: زائغ. ميزان الاعتدال 3/402، وقد ضعف الشيخ الألباني هذا الحديث في ضعيف الترمذي ص 509.
(3) رواه الطبراني / المعجم الكبير 10/94، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 104، وفي سنده عند الطبراني عبد الله بن معمر البصري، قال الأزدي: متروك الحديث. ميزان الاعتدال 2/507، وفيه عند ابن عساكر عبد الرحيم بن حماد الثقفي السندي، قال الذهبي: هذا شيخ واهٍ. المصدر السابق 2/604، فالحديث ضعيف جداً.(8/74)
قال الرواي: ما أعلم لأبي بكر وعمر فضيلة أفضل من أن يكونا خلقا من التربة التي خلق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
وروي أنه صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد وأبو بكر وعمر، وهو آخذ بأيديهما، فقال: "هكذا نبعث"(2).
__________
(1) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/360، 361، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/355، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 105، 106، وإسناده عند أحمد فيه إعضال يرويه عبد الله بن سوار بن عبد الله العنزي، وهو ثقة من التاسعة. تق 207، عن عمر رضي الله عنه، وفيه عند أبي القاسم التيمي محمد ابن الحسن النقاش متهم بالكذب والوضع. ميزان الاعتدال 5/380، وفيه عند ابن عساكر أحمد بن الحسن بن أبان متهم بالوضع والكذب. ميزان الاعتدال 1/89، 90، وفيه موسى بن سهل بن هارون الرازي، قال الذهبي: عن أبي إسحاق الأزرق بخبر باطل عن الثوري، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله مرفوعاً: خلقت أنا وأبو بكر وعمر من تربة واحدة وفيها ندفن. ميزان الاعتدال 4/206، فالحديث موضوع.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/105،164، 202، 395، الترمذي/ السنن 5/274، ابن أبي عاصم / السنة ص 602، 603، الطبراني / مجمع البحرين / الهيثمي 6/ 232، الحاكم/ المستدرك 3/68، 4/280، الخطيب / تاريخ بغداد 4/365، وفي إسناده عند سائر من رواه سوى الطبراني سعيد بن مسلمة الأموي، ضعيف. تق 241، وفيه عند الطبراني خالد بن يزيد العمري كذبه أبو حاتم ويحيى، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. ميزان الاعتدال 1/646. فالأثر ضعيف جداً.(8/75)
وروي كذلك عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبا بكر ثم عمر"(1).
المطلب الثاني: الأحاديث الدالة على كمال دينه وسعة علمه، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الأحاديث الدالة على كمال دينه وقوة إيمانه وفرار الشيطان منه.
ومن فضائل عمر رضي الله عنه شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بصدق الإيمان وكمال الدين وفرار الشيطان منه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال: "بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها، فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم، فإني أومن بهذا وأبو بكر وعمر وما هما ثم، وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب، فذهب منها بشاة، فطلب حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب: هذا استنقذتها مني، فمن لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري، فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم، فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم"(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض على عمر وعليه قميص اجتره"، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "الدين"(3).
__________
(1) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/150، 231، 351، 411، الفاكهي / أخبار مكة 3/70، 71، الترمذي / السنن 5/285، الطبراني / المعجم الكبير 12/305، الحاكم / المستدرك 2/465، 3/68، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص:161، 162، ومداره على عاصم بن عمر العمري، ضعيف. تق 286، ورواه ابن عساكر من طريق آخر وفيه القاسم بن عبدالله بن عمر بن حفص العمري، متروك تق 450. فالأثر ضعيف.
(2) رواه البخاري / الصحيح 2/45، 46، 261، 290، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/156، 157، الترمذي / السنن 5/279، وغيرهم.
(3) رواه البخاري / الصحيح 2/295، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/159، الدارمي / السنن 2/127، وغيرهم.(8/76)
وقال صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر"(1).
وأخبر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وهو صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببراءته من النفاق.
فقال حذيفة رضي الله عنه: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد، فقال لي: يا حذيفة، إن فلاناً قد مات، فاشهد، ثم مضى حتى إذا كاد أن يخرج من المسجد التفت إلي فرآني وأنا جالس، فعرف، فرجع إلي، فقال: يا حذيفة: أنشدك بالله، أمن القوم أنا؟ قلت: اللهم لا، ولن أبرئ أحداً بعدك، قال حذيفة: فرأيت عيني عمر جادتا(2).
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصحابي من لا يراني، ولا أراه بعد أن أموت أبداً"، فأتاها عمر رضي الله عنه، فقال: أنشدك بالله أنا منهم؟ فقالت: لا، ولن أبرئ أحداً بعدك(3).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 11/225، ابن سعد / الطبقات 3/291، أحمد / المسند 3/184، فضائل الصحابة 1/446، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/479، البلاذري / أنساب الأشراف ص 223، ابن أبي عاصم / السنة ص 568، النسائي / السنن الكبرى 5/67، 68، أبو يعلى / المسند 10/141، الطبراني / مجمع البحرين / الهيثمي 6/418، 419، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة به عن أنس وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/227.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/481، الفسوي / المعرفة والتاريخ 2/769، وكيع / الزهد 3/791، الخرائطي / مساوئ الأخلاق ص 144، 145، وإسناده عند وكيع متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا ابن أبي خالد، قال: سمعت زيد بن وهب الجهني عن حذيفة، فالأثر صحيح.
(3) رواه أحمد / المسند 6/290، أبو يعقوب بن الصلت / مسند عمر ص 90، 91، أبو يعلى/ المسند 12/435، 436، الطبراني / المعجم الكبير 22/317، 318، 394، صحيح من طريق أحمد. قال: حدّثني أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش عن شقيق عن أم سلمة.(8/77)
ومن فضائل عمر رضي الله عنه التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرار الشيطان منه، فقد استأذن رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة يكلمنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فقال عمر رضي الله عنه: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال: "عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب"، قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن، ثم قال: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجّاً إلا وسلك فجّاً غير فجك"(1).
وكان الحبشة يلعبون بالحراب والنبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها ينظران إليهم، فلما جاء عمر تفرقوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لما جاء عمر تفرقت الشياطين"(2).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/223، 249، 3/63، مسلم / الصحيح / شرح النووي 15/164، 165، أحمد / المسند 1/171، 182، 187 وغيرهم.
وفي هذا الأثر دلالة على غلظة عمر وشدته في الدين.
(2) رواه الحميدي / المسند 1/123، 124، الترمذي / السنن 5/284، 285، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 71، 72، 84، صحيح من طريق الحميدي. قال: ثنا سفيان، قال: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/206، 207.(8/78)
وجاءت أمة سوداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من بعض مغازيه، فقال: إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً أن أضرب عندك بالدف، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن كنت فعلت فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي" فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ودخل غيره وهي تضرب، ثم دخل عمر، فجعلت دفها خلفها وهي مقنعة، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليفر منك يا عمر"، أنا جالس ها هنا ودخل هؤلاء، فلما دخلت فَعَلت ما فَعَلت"(1).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/356، أحمد / المسند 5/353، فضائل الصحابة 1/333، 334، 392، الترمذي / السنن 5/283، 384، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا زيد بن الحباب ثنا حسين حدّثني عبد الله بن بريدة عن أبيه أن أمه... الأثر. وصحّحه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/206.(8/79)
ومن الأحاديث الضعيفة الواردة في كمال دين عمر رضي الله عنه ما روي من أن المراد بصالح المؤمنين في قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}(1) هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما(2).
__________
(1) سورة التحريم الآية (4).
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/356، أحمد / فضائل الصحابة 1/128، 129، 167، 246، 259، 341، 400، 416، الطبراني / المعجم الكبير 10/ 253، مجمع البحرين للهيثمي 6/78، 79، 228، 229، الحاكم / المستدرك 3/69، 70، وسنده عند ابن أبي شيبة فيه خلف بن خليفة شيخ ابن أبي شيبة صدوق اختلط ولم يتبين لي هل رواية ابن أبي شيبة عنه قبل اختلاطه أم بعده، وفيه انقطاع فهو من رواية سعيد بن جبير وهو ثقة من كبار التابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أحمد من طرق عدة لا تخلو من مقال، ففي أحدها مقاتل بن سليمان متروك متهم بالكذب. ميزان الاعتدال 4/173، وفي الثانية وهي من زيادات عبد الله بن أحمد، محمد بن أبان بن صالح بن عمير ضعفه أبو داود وابن معين، وقال البخاري: ليس بالقوي. ميزان الاعتدال 3/453، وفي الثالثة الضحاك بن مزاحم الهلالي صدوق من الخامسة، روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعة، وفي إسناده عند الحاكم موسى بن عمير، قال الذهبي: واهٍ، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث كذاب. ميزان الاعتدال 4/215، وفيه عند الطبراني موسى بن جعفر بن أبي كثير مجهول، قال ابن حجر: لم أقف على اسمه ولا أعرف حاله، لسان الميزان 6/114، وقال الذهبي: خبره ساقط،ميزان الاعتدال 4/201، وله عنده طريق آخر وفيه فرات بن السائب ضعيف، منكر الحديث كما قال البخاري، وقال الدارقطني وغيره: متروك. ميزان الاعتدال 3/341، فالحديث ضعيف.(8/80)
وروي كذلك أن الصادقين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(1) هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما(2).
المسألة الثانية: الأحاديث الدالة على سعة علمه وأن الحق يؤيده.
ومن فضائل عمر رضي الله عنه، شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بسعة علمه وصحته وصوابه، وأن قوله وعمله يوافق الحق، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب"، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه"(4)
__________
(1) سورة التوبة الآية 119.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/341، وفي إسناده العلاء بن سلمة بن عثمان الراسبي، قال الأزدي: لا تحل الرواية عنه، وقال ابن طاهر: كان يضع لحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات.ميزان الاعتدال 3/105، وفيه إسحاق بن بشر بن مقاتل، قال مطين: ما سمعت أبا بكر بن أبي شيبة كذب أحداً إلا إسحاق بن بشر، وكذبه موسى بن هارون، وأبو زرعة، وقال الدارقطني: هو في عداد من يضع الحديث، فالحديث موضوع.
(3) صحيح، تقدم تخريجه في ص: 162.
(4) رواه أحمد / المسند 2/53، 95، 401، 5 / 145، 165، فضائل الصحابة 1/250، 251، 299، 356، 357، 358، 359، 431، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/227، الترمذي / السنن 5/280، البلاذري / أنساب الأشراف ص 150، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/467، ابن أبي عاصم / السنة ص 567، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 861، 862، ابن حبان / الصحيح 9/21،22، الطبراني / المعجم الكبير 1/354، مجمع البحرين / للهيثمي 6/ 244، 245، 246، وغيرهم.
وهو عند أحمد في المسند مروي من عشرة طرق وهي كالآتي:
1- قال: ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر. ورجاله ثقات سوى نافع بن أبي نعيم فهو صدوق تق: 558.
ومن طريق نافع بن أبي نعيم رواه الخرائطي.
2- حدّثنا أبو عامر، حدّثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر. رجاله ثقات سوى خارجة فهو صدوق. وتابع فيه خارجة نافع بن أبي نعيم عن نافع مولى ابن عمر ومن طريق خارجة رواه الترمذي.
3- ثنا نوح بن ميمون أنا عبد الله يعنى العمري عن جهم بن أبي الجهم عن مسور بن مخرمة عن أبي هريرة.
وفي الإسناد عبد الله العمري ضعيف تق: 314. وجهم بن أبي الجهم ذكره ابن حبان في الثقات 4/113. وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/521. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وبقية رجاله ثقات. ومن طريق الجهم رواه الطبراني في مجمع البحرين.
4- ثنا يزيد ثنا محمّد بن إسحاق عن محكول عن غضيف بن الحارث.
وفي الإسناد محمّد بن إسحاق بن يسار صدوق مدلّس ولم يصرح بالسماع. وغضيف بن الحارث هو السكوني ويقال: الثمالي، مختلف في صحبته. قال ابن حبان: "من قال الحارث بن غطيف وهم. ومنهم من فرق بينه وبين غطيف ابن الحارث فأثبت صحبته، وغطيف بن الحارث فقال: إنه تابعي وهو أشبه تق: 443". ولعل الصواب في الاسم الأخير: الحارث بن غطيف.
5- نا هارون بن معروف المروزي قتنا عبد العزيز بن محمّد الدراوردي، قال: أخبرني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.
وفي الإسناد عبد العزيز الدراوردي صدوق يحدث من كتب غيره فيخطئ تق: 358. وسهيل بن أبي صالح صدوق تغير حفظه بآخره. تق: 259. وبقية رجاله ثقات.
6- قثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري قثنا ابن أبي حازم عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر. وفي الإسناد الضحاك بن عثمان صدوق يهم تق: 279. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
7- قثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قثنا محمّد بن أبي فديك عن عبد الرحمن بن الزناد عن ابن أبي عتيق عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
وفي الإسناد عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق مقبول تق: 344. وبقية رجاله ما بين ثقة وصدوق.
8- حدّثنا جعفر، قال: حدّثني الحسن بن عليّ الرزار الواسطي قثنا يعقوب بن محمّد الزهري قثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر.
وفي الإسناد الحسن بن عليّ، لم أجد له ترجمة. ويعقوب بن محمّد صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء تق: 608. والضحاك بن عثمان صدوق يهم تق: 279.
9- نا العباس بن جعفر بن أبي طالب نا قبيصة عن سفيان عن عبد الله بن سعيد عن مكحول عن أبي ذر.
وفي الإسناد قبيصة بن عقبة صدوق ربما خالف. وهو أيضاً منقطع لأن رواية مكحول عن أبي ذر مرسلة. انظر: جامع التحصيل ص: 285.
10- حدّثنا جعفر، قال: نا محمّد بن أبي السّريّ العسقلاني، قال: نا بشر بن بكر، قال: نا أبو بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد الرحبي عن غطيف بن الحارث عن بلال.
وفي الإسناد محمّد بن المتوكل بن عبد الرحمن صدوق له أوهام كثيرة تق: 504. وفيه بشر بن بكر التنيسي ثقة يغرب تق: 122. وفيه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف كان بيته قد سرق فاختلط تق: 623.
ورواه ابن شبه فقال:أخبرنا أحمد بن محمّد الأزرقي، قال: خبرنا عبد الرحمن ابن حسن عن أيوب بن موسى.
وفي الإسناد عبد الرحمن بن حسن بن القاسم لم أجد له ترجمة وأيوب بن موسى لم أعرفه.
ورواه ابن أبي عاصم فقال: ثنا محمّد بن عبد الوهّاب الأزهري من ولد عبد الرحمن بن الأزهر، ثنا عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال أبو هريرة.
وفي الإسناد محمّد بن عبد الوهّاب الأزهري لم أجد له ترجمة وكذلك عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى العامري لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات.
ورواه الطبري فقال: حدّثنا محمّد بن الحسن ثنا عليّ بن سعيد المقري العكاوي، ثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ثنا مسعر عن وبرة بن عبد الرحمن عن غطيف.
وفي الإسناد عليّ بن سعيد المقري لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات.
ورواه من طريق آخر، فقال: حدّثنا جعفر بن إلياس بن صدقة الكباش ثنا عبد الله بن صالح حدّثني ابن وهب عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر.
وفي الإسناد عبد الله بن صالح الجهني صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه تق: 308.
فالحديث يرتقي بطرقه لدرجة الصحيح لغيره.(8/81)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا"، قال ذلك ثلاث مرات(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم، فإنه عمر بن الخطاب"(2).
__________
(1) رواه عبد الرزاق / المصنف 1/278، 279، الجعد / المسند 2/1096، 1099، ابن سعد / الطبقات 1/180- 182، ابن أبي شيبة / المصنف 7/412، 413، أحمد / المسند 5/298، 302، أبو يعلى / المسند 7/234، 235، 236، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث.
(2) تقدم تخريجه في ص: 195.(8/82)
وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر"(1).
__________
(1) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/346، ابن عبد الحكم / فتوح مصر ص 288، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/462، 2 / 500، الترمذي / السنن 5/281، 282، الطبراني / المعجم الكبير 17/ 180، مجمع البحرين / للهيثمي 6/247، 248،، الحاكم / المستدرك 3/85، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/358، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 100- 102. ابن الأثير / أسد الغابة 4/64، وسنده عند الترمذي متصل ورجاله ثقات سوى مشرح ابن عاهان، قال أحمد بن حنبل: معروف ووثقه ابن معين والعجلي، وقال الدارمي: ليس بذاك، وهو صدوق، وقال ابن حجر: مقبول، ومداره عند أحمد وابن عبد الحكم والفسوي والحاكم والبيهقي وابن الأثير على مشرح، ولا تخلوا بقية طرقه من مقال ففيه عند الطبراني عبد المنعم بن بشير الأنصاري، ضعفه الدارقطني وغيره، وقال ابن حبان وابن يونس: منكر الحديث، واتهمه الحاكم بالوضع، وكذبه أحمد. ميزان الاعتدال 2/669، لسان الميزان 4/74، وفيه عند الطبراني في المعجم الكبير أحمد بن محمد بن الحجاج، قال ابن عدي: كذبوه. ميزان الاعتدال 1/258، وفيه الفضل بن المختار أبو سهل البصري، قال الأزدي: منكر الحديث جداً، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها. ميزان الاعتدال 3/358، وفيه عند ابن عساكر زكريا بن يحيى أبو يحيى الوقار، قال ابن عدي: يضع الحديث، الكامل 3/1071، فالحديث حسن من طريق الترمذي.(8/83)
وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ"(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر"(2)
__________
(1) رواه أحمد / المسند 4/126، 127، الدارمي / السنن 1/44، 45، أبو داود / السنن 4/200، 201، ابن ماجه / السنن 1/16، الترمذي / السنن 4/149، 150، الحاكم / المستدرك 1/96، 97، وفي إسناده عند أحمد معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام. تق 538، وفيه عبدالرحمن بن عمرو السلمي وثقه ابن حبان، وقال الذهبي في الكاشف: صدوق 1/638، وقال ابن حجر: مقبول تق 347، وبقية رجاله ثقات، وإسناده عند أبي داود متصل، ورجاله ثقات سوى عبد الرحمن بن عمرو السلمي المتقدم، وقال تابعه حُجْر بن حُجْر الكلاعي الحمصي، ذكره ابن حبان في الثقات 4/177، ووثقه الحاكم في المستدرك 1/96،97، وقال ابن حجر: مقبول تق 154، فالحديث صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 8/107.
(2) رواه الحميدي / المسند 1/214، ابن سعد / الطبقات 2/334، ابن أبي شيبة / المصنف 7/433، أحمد / المسند 5/382، 385، 399، فضائل الصحابة 1/186، 187، 238، 332، 333، 359، 426، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/480، الترمذي/ السنن 5/271،272، البلاذري / أنساب الأشراف ص 25، 26، عبدالله بن أحمد / السنة ص 238، الخلال / السنة ص 274، 275، الطحاوي / مشكل الآثار 2/83 - 85، ابن حبان / الصحيح 9/24،25، الطبراني / المعجم الكبير 9/67، 68، الحاكم / المستدرك 3/75، 76، أبو نعيم / حلية الأولياء 9/109، 110، وغيرهم.
وسنده عند الحميدي وابن سعد وأحمد رجاله ثقات، وفيه عبد الملك بن عمير ثقة مدلس، من الثالثة ولم يصرح بالسماع من ربعي بن حراش، ومدار الحديث عليه عند الترمذي والفسوي، وعبد الله بن أحمد والطحاوي والحاكم من طريق وأبي نعيم، وفيه عند ابن سعد من طريق سالم بن عبد الواحد المرادي الأنعمي أبو العلاء ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول. تق 227، وبقية رجاله ثقات.
وفي إسناده عند البلاذري والطبراني والحاكم من طريق آخر يحيى بن سلمة بن كهيل متروك تق 591، فالحديث بطريقيه الأوليين يرتقي لدرجة الحسن لغيره، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي 3/200، والله أعلم.(8/84)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ستحدث بعدي أشياء، فأحبها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر"(1).
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقولها بالحق عمر..."(2).
وروي عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عمر يقول الحق، وإن كان مراً"(3).
__________
(1) رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 238، وفي إسناده عبد الملك بن أبي عياش عن عرزب رجل له صحبة، قال الذهبي: ذكره ابن أبي حاتم، مجهول. ميزان الاعتدال 2/661، وانظر: الجرح والتعديل 5/362، ونقل ابن حجر عن أبي حاتم قوله: عبد الملك بن أبي عياش عن عرزب وذكر الحديث الذي أتكلم عليه، وقال: هو وشيخه مجهولان، الإصابة 2/473، فالحديث ضعيف.
(2) رواه الترمذي / السنن 5/297، ابن أبي عاصم / السنة ص 567، البزار / المسند 3/51،52، أبو يعلى / المسند 1/418، 419، أبو نعيم / معرفة الصحابة 1/317، 318، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 121، ومداره على المختار بن نافع التيمي ويقال العكلي، قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال البخاري والنسائي، وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك. المزي / تهذيب الكمال 27/322، وقال ابن حجر: ضعيف تق 523، فالأثر ضعيف جداً، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 497.
(3) رواه الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/456، بحشل / تاريخ واسط ص 131، الخلال / الأمالي ص 49، 50، الطبراني / المعجم الكبير 18/280، 281، مجمع البحرين للهيثمي 2/380 - 382، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 109، 110، 168، ابن الجوزي / المنتظم 4/28 - 30، ومداره على القاسم ابن يزيد بن عبد الله بن قسيط، قال الذهبي: حديثه منكر، ذكره العقيلي بطرق معللة، ثم ذكر الحديث الذي أتكلم عليه. ميزان الاعتدال 3/381، فالحديث ضعيف.(8/85)
وروي كذلك عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "عمر بن الخطاب معي حيث أحب، وأنا معه حيث يحب، والحق بعدي مع عمر بن الخطاب حيث كان"(1).
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً، لا يخاف في الله لومة لائم"(2).
المبحث الثاني: شهادة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين ومن بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: شهادة الصحابة رضي الله عنهم لعمر رضي الله عنه بالفضل.
__________
(1) رواه البلاذري / أنساب الأشراف ص 37 وفي إسناده جعفر بن الزبير الشامي. متروك. تق 240 فالأثر ضعيف جداً.
(2) رواه أحمد / المسند 1/108، 109، الحاكم / المستدرك 3/70، 142، الخطيب / تاريخ بغداد 3/31،32، 11/47، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 200، 201. ابن الأثير / أسد الغابة 4/30، 31، الضياء المقدسي / المختارة 2/86، وفي إسناده عند أحمد عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: شيخ، الجرح والتعديل 6/17، وهي عبارة لا تفيد جرحاً ولا تعديلاً كما قال الذهبي في ميزان الاعتدال 2/385، وفيه أبو إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، ورواه ابن الأثير والمقدسي من طريق أحمد به مثله، ورواه الحاكم من طريقين في أحدهما تدليس أبي إسحاق، وفي الآخر علي بن عبد الله الحكيمي ذكره الخطيب في تاريخ بغداد ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 130/5، وفيه شريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً، وفيه عثمان بن عمير ضعيف تق 386، وفي إسناده عند ابن عساكر عمرو بن عبد الغفار الفقيمي قال أبو حاتم: متروك الحديث واتهمه ابن عدي وابن المديني بالوضع. ميزان الاعتدال 3/272، فالأثر ضعيف.(8/86)
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون لعمر رضي الله عنه منزلته ومكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرفون له فضله وبلاءه في الإسلام، قال عبد الله بن حوالة(1) رضي الله عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بجب رومة(2)
__________
(1) عبد الله بن حوالة، نسبه الواقدي في بني عامر بن لؤي، وقال الهيثمبن عدي: هو من الأزد وهو الأشهر في ابن حوالة أنه أزديّ، ويشبه أن يكون حليفاً لبني عامر بن لؤي. توفي بالشّام سنة ثمانين. ابن عبد البرّ/ الاستيعاب3/30.
(2) الجُبُّ: البئر، وقيل: هي البئر التي لم تطو. وقيل: هي الجيدة الموضع من الكلأ. وقيل: مما وجد لا مما حفره الناس. ابن منظور / لسان العرب 2/162.
أما بئر رومة فهي: البئر التي اشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه عن أحد المزنيين وتصدق بها في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي بئر جاهلية قديمة. انظر: السمهودي / وفاء الوفاء. تقع هذه البئر في عرصة العقيق الكبرى، بقرب مجمع الأسيال (زغابة ) بشمالي غربي المدينة، يبعد عنها نحو نصف ساعة، وقطرها 4 أمتار وعمقها 12 متراً، وهي غزيرة المياة، وماؤها عذب صافي خفيف للغاية، ولعذوبة مائها وغزارته رغب النبي صلى الله عليه وسلم في شرائها وجعلها وقفاً للمسلمين، وتستأجرها اليوم في سنة 1392هـ وفيما قبلها وزارة الزراعة والمياة السعودية، وجعلتها حديقة عامة. عبد القدوس الأنصاري / آثار المدينة ص 240، 241، وانظر: أحمد الخياري / تاريخ معالم المدينة ص: 183.(8/87)
، وهو يكتب الناس، فرفع رأسه إلي، فقال: يا عبد الله بن حوالة، أكتبك؟ فقلت: ما خار الله لي ورسوله، فجعل عليّ يرفع رأسه إلي فقال: أكتبك؟ فقلت: ما خار الله لي ورسوله، فرأيت في الكتاب أبا بكر وعمر، فقلت: إنهما لا يكتبان إلا في خير، فقلت: نعم، فكتبني(1).
__________
(1) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/338، 449، ابن شبه / تاريخ المدينة 3/325، الفسوي / المعرفة والتاريخ 3/525،526، ابن أبي عاصم / السنة ص 576، 577، الآحاد والمثاني 4/275. صحيح من طريق ابن أبي عاصم.
قال: ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن حواله، قال:... الحديث.(8/88)
وقال أبو شريح الكعبي(1) رضي الله عنه: أذن لنا رسول الله في قتال بني بكر(2) حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برفع السيف، فلقي رهط منا الغد رجلاً من هذيل(3) في الحرم، يؤم(4) رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم، وكان قد وترهم(5) في الجاهلية، وكانوا يطلبونه، فقتلوه، وبادروا أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمن، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً، والله ما رأيته غضب غضباً أشد منه، فسعينا إلى أبي بكر وعمر نستشفعهم وخشينا أن نكون قد هلكنا... الحديث(6)
__________
(1) أبو شريح الخزاعي الكعبي اسمه خويلد بن عمرو أو عكسه، وقيل: عبد الرحمن ابن عمرو، وقيل: هانئ، وقيل: كعب، صحابي نزل المدينة مات سنة 68هـ. تق 648.
(2) بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان. عمر رضا كحالة / معجم قبائل العرب 1/92.
(3) هُذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان كانت ديارهم بالسروات، وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطائف، المصدر السابق 3/1213.
(4) يؤم: أَمَّهُ يَؤُمه أَماً إذا قصده. ابن منظور / لسان العرب 1/212.
(5) الوَتْر والوِترُ والوتيرة: الظلم في الذَّحل، والمَوتُور: الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه. المصدر السابق 15/204، 205.
(6) رواه أحمد / المسند 4/31، 32، الفاكهي / أخبار مكة 2/253، الفسوي / المعرفة والتاريخ 1/398، البيهقي / السنن الكبرى 8/71، وإسناده عند أحمد متصل ورجاله ثقات سوى مسلم بن نذير أو يزيد السعدي، قال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: صالح، وقال ابن حجر: مقبول. المزي / تهذيب الكمال 27/546، الكاشف 2/260. تق 531.
ورواه الفسوي والبيهقي من طريق مسلم بن يزيد وإسناده عند الفاكهي رجاله ثقات سوى محمد بن أبي عمر العدني فهو صدوق، وبقية رجاله ثقات، وفيه انقطاع لأنه من رواية عطاء بن يزيد الليثي، - وهو ثقة من الثالثة - عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالأثر حسن.(8/89)
.
وقد شهد كبار الصحابة رضوان الله عليهم وخيارهم بعظم منزلة عمر رضي الله عنه بينهم وبفضله عليهم بعد صاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ابن أبي قحافة الصديق رضي الله عنه:
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نخير بين الناس زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان(1).
وقال محمد بن الحنفية(2) رحمه الله تعالى: قلت لأبي: أي الناس خير بعدرسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين(3).
وقال علي رضي الله عنه: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر(4).
__________
(1) رواه البخاري / الصحيح 2/289، 297، يحيى بن معين / التاريخ / رواية ابن محرز 2/61، 231، 232، أحمد / المسند 2/26 وغيرهم.
(2) محمد بن علي بن أبي طالب أبو القاسم ابن الحنفية المدني، ثقة عالم من الثانية. تق 497.
(3) رواه البخاري / الصحيح 2/291، ابن أبي شيبة / المصنف 6/350، أحمد / فضائل الصحابة 1/153، 154، 321، 382 وغيرهم.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/351، أحمد / المسند 1/106، 110، 113، 114، 115، 125 - 128، فضائل الصحابة 1/76 - 80، 300، 301، ابن ماجه / السنن 1/39، ابن أبي عاصم / السنة ص 555 - 558، عبد الله ابن أحمد / السنة ص 237، 239، 240 - 242. صحيح من طريق عبد الله ابن أحمد. قال: حدّثني عمرو بن محمّد الناقد، حدّثنا سفيان بن أبي خالد عن الشعبي عن أبي جحيفة. وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه 1/24.(8/90)
وقال رضي الله عنه: سبق رسول الله، وصلى(1) أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة ما شاء الله(2).
__________
(1) قال ابن الأثير رحمه الله: المُصَلِّى في خَيل الحلبة هو الثاني، سمي به لأن رأسه عند صَلا الأول، وهو ما عن يمين الذنب وشماله. النهاية في غريب الحديث 3/50.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 6/130، أحمد / المسند 1/124، 132، فضائل الصحابة 1/214-216، 387، البلاذري / أنساب الأشراف ص 40، ابن أبي عاصم / السنة ص 29، 230، 232، 233، الخلال / السنة ص 312، 313، المحاملي / الأمالي ص 215، 216، الطبراني / مجمع البحرين / الهيثمي 6/232، 233، أبو نعيم / حلية الأولياء 5/74، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/522، وهذا الأثر رواه سائر من رواه من ثلاث طرق اثنان منها عند أحمد في مسنده، والثالثة عند الطبراني الأولى فيها أبو هشام القاسم ابن كثير الخارفي، قال أبو حاتم: صالح، ووثقه النسائي، وقال الفسوي: لا بأس به. تهذيب الكمال 23/419. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول. تق 451، وفيها قيس الخارفي وثقه العجلي وابن حبان. تهذيب الكمال 24/91/ الحاشية. وقال ابن حجر: مقبول تق 458، وبقية رجالها ثقات ولا انقطاع فيها، وأما الثانية ففيها أبو إسحاق السبيعي مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع، وفيها شجاع بن الوليد صدوق له أوهام تق 264، وبقية رجالها ثقات. والثالثة متصلة ورجالها ما بين ثقة وصدوق سوى محمد بن مصطفى الحمصي فهو صدوق له أوهام تق 507، فالأثر حسن.(8/91)
وقال سويد بن غفلة الجعفي(1) لعلي رضي الله عنه وقد دخل عليه في خلافته: يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له أهل من الإسلام، لأنهم يرون أنك تضمر لهما على مثل ذلك، وأنهم لم يجترؤا على ذلك إلا وهم يرون أنك موافق ذلك، ثم ذكر حديث خطبة علي رضي الله وكلامه في أبي بكر وعمر، وقوله في آخره: ألا ولن يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري(2).
وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلغه أن رجلاً نال من أبي بكر وعمر فأتي به، فجعل يُعّرض بذكرهما، وفطن الرجل، فأمسك، فقال له علي: أما لو أقررت بالذي بلغني عنك لألقيت أكثرك شعراً(3).
__________
(1) سويد بن غفلة أبو أمية الجعفي مخضرم من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مسلماً في حياته ثم نزل الكوفة. تق 260.
(2) رواه الفزاري / السير ص 327، أحمد / فضائل الصحابة 1/83، 294، 336، 337، ابن أبي عاصم / السنة ص 465، 466، 561، عبد الله بن أحمد / السنة ص 229، صحيح من طريق الفزاري. قال: ثنا شعبة عن سلمة ابن كهيل عن أبي الزعراء أو عن زيد بن وهب أن سويد بن غفلة الجعفي دخل على عليّ بن أبي طالب... الخ.
(3) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/264، العشاري / فضائل أبي بكر ص 53، ومداره على سُلمى بن عبد الله الهذلي صاحب الحسن، قال الذهبي: واهٍ. ميزان الاعتدال 2/194، فالأثر ضعيف.(8/92)
وروي أنه رضي الله عنه بلغه أن ابن السوداء (عبدالله بن سبأ(1) يتنقص أبا بكر وعمر، فدعا به، ودعا بالسيف وهم بقتله، فكُلم فيه، فقال: لا يساكنني في بلد أنا فيه، فسيره إلى المدائن(2).
وروي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: من فضل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أزرى(3) على المهاجرين والأنصار وأثنى عشر ألفاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم(4).
__________
(1) عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة، ضال مضل، أحسب أن علياً حرقه بالنار، وقد قال الجوزجاني: زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي، فنهاه علي بعدما هم به. ميزان الاعتدال 2/426.
(2) المَدائِن: موقع أثري في العراق جنوبي بغداد على ضفتي مدينتي سلوقيه وقسطيفون عاصمة الفرثيين فتحها المسلمون بعد معركة القادسية، نقل المنصور أنقاضها لبناء بغداد. مركز قضاء بمحافظة بغداد. المنجد/ الأعلام ص 525 بتصرف.
رواه العشاري / فضائل الصديق ص 73، وفي إسناده مغيرة بن مقسم الضبي، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع وفيه إعضال لأنه من رواية شباك الضبي وهو ثقة من السادسة عن علي رضي الله عنه، فالأثر ضعيف.
(3) أزريت به إزراءً إذا قصرت به وتهاونت. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/302.
(4) رواه الطبراني / مجمع البحرين للهيثمي 6/229، العشاري / فضائل أبي بكر ص: 65، ابن عساكر/تاريخ دمشق ص 323، ورجاله عند الطبراني ثقات سوى حازم بن جبلة بن أبي نضرة العبدي لم أجد له ترجمة، ومدار الأثر عليه.(8/93)
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كنا نعد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر(1).
وأما الآثار الدالة على ثناء الصحابة رضوان الله عليهم ومحبتهم لعمر رضي الله عنه فكثيرة:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما دخل على عمر رضي الله عنه وقد كفن: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر(2).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض، كان أجد ولا أجود حتى انتهى من عمر رضي الله عنه(3).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وكان أحبهم إلي(4).
__________
(1) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/85، الحارث / المسند / بغية الباحث للهيثمي 2/888، 889، ابن أبي عاصم السنة ص 555، ابن الأعرابي / المعجم 2/408، وفي إسناده عند ابن أبي عاصم عبدالوهاب بن الضحاك، متروك كذبه ابن أبي حاتم. تق 368، ورواه سائر من رواه من طريق عمر بن عبيد صاحب الخُمر أبو حفص البصري، قال أبو حاتم: شيخ ضعيف الحديث، وذكره العقيلي في الضعفاء وقال: في حديثه اضطراب، الجرح والتعديل 6/123، لسان الميزان 4/316، فالأثر ضعيف ومعناه صحيح.
(2) صحيح، تقدم الكلام عليه في ص 394.
(3) صحيح، تقدم الكلام عليه في ص 349.
(4) رواه مسلم / الصحيح 6/110، 111، أحمد / المسند 1/20، 21، أبو داود / السنن 2/24.(8/94)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كان عمر إذا سلك بنا طريقاً وجدناه سهلاً(1).
وقال رضي الله عنه: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر(2).
وقال: كان عمر للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه، ولا يخرج منه، فلما قتل انثلم الحصن(3).
__________
(1) رواه سعيد بن منصور / السنن / الأعظمي 1/37، 38، ابن أبي شيبة / المصنف 6/241، الدارمي / السنن 2/344، 345، البيهقي / السنن الكبرى 6/227، 228، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 240، 241، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنه قال: كان عمر... الأثر.
(2) رواه عبدالرزاق / المصنف 11/231، يحيى بن معين / التاريخ رواية الدوري 3/45، 46، ابن أبي شيبة / المصنف 6/354، 355، أحمد / فضائل الصحابة 1/263، 268، 231، الخلال / السنة ص 293، 314، الخرائطي / مكارم الأخلاق ص 863، أبو العرب / المحن ص 75، 76، الطبراني / المعجم الكبير 9/180، 181، 182، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا محمّد ابن جعفر نا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله إذا ذكر... الأثر.
(3) رواه عبدالرزاق / المصنف 7/289، 290، ابن سعد / الطبقات 3/371، ابن أبي شيبة / المصنف 6/354 - 357، أحمد / فضائل الصحابة 1/270، 271، 338، 339، البلاذري / أنساب الأشراف ص 253، 386، الشاشي / المسند 2/275، الطبراني / المعجم الكبير 9/176، 177، 188، الحاكم / المستدرك 3/93، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا عبد الله بن نمير عن عبد الملك بن أبي سليمان عن واصل الأحدب عن زيد بن وهب عن عبد الله قال: إن عمر... الأثر.(8/95)
وقالت أم أيمن بركة الحبشية(1) حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها لما مات عمر: اليوم وهى الإسلام(2).
وقال أبو طلحة رضي الله عنه(3) يوم مات عمر: ما أهل حاضر ولا باد إلا وقد دخل عليهم نقص(4).
__________
(1) أم أيمن بركة الحبشية خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها عبيد الحبشي فولدت له أيمن. ثم تزوجها زيد بن حارثة فولدت له أسامة. وكان أبو بكر وعمر يزورانها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها. انظر: ابن عبد البر / الاستيعاب 4/356-357.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/369، ابن أبي شيبة / المصنف 6/354، أحمد / فضائل الصحابة 1/245، البلاذري / أنساب الأشراف ص 384، الطبراني/ المعجم الكبير 25/86، ابن عساكر/تاريخ دمشق ص 396، وإسناده عند ابن شيبة متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أبو أسامة عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قالت أم أيمن... الأثر. فالأثر صحيح.
(3) تقدمت ترجمته في ص: 411.
(4) رواه ابن سعد / الطبقات 3/373، 374، ابن أبي شيبة / المصنف 6/355، البلاذري / أنساب الأشراف ص 388، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 395، 396، وإسناده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات، وتدليس حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه لا يضر لأن الواسطة فيه معروفة، وهي ثابت البناني أو قتادة بن دعامة وكلاهما ثقة.
قال ابن أبي شيبة: حدّثنا أبو خالد الأحمر والثقفي عن حميد عن أنس، قال: قال أبو طلحة. فالأثر صحيح.(8/96)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن إسلام عمر كان نصراً، وإن إمارته كانت فتحاً، وايم الله ما أعلم على الأرض شيئاً إلا وقد وجد فقد عمر حتى العضاة(1)، وايم الله لو أعلم كلباً يحب عمر لأحببته(2).
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما كان الإسلام في زمان عمر إلا كالرجل المقبل(3).
وقال رضي الله عنه: ما أبالي على كف من ضربت بعد عمر(4).
__________
(1) العِضَاة: اسم يقع على شجر من شجر الشوك له أسماء مختلفة. ابن منظور / لسان العرب 9/258.
(2) رواه ابن سعد / الطبقات 3/372، ابن أبي شيبة / المصنف 6/355، أحمد / فضائل الصحابة 1/80، 81، 247، 335، 336، البلاذري / أنساب الأشراف ص 386، 387، ابن شبه / تاريخ المدينة 2/226، النسائي / السنن الكبرى 6/435، الطبراني / المعجم الكبير 9/178،179، ومدار الأثر على عاصم بن أبي النجود صدوق له أوهام تق 285، وبقية رجاله عند ابن أبي شيبة ثقات. قال: حدّثنا حسين بن عليّ عن زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن عبد الله قال: إذا ذكر الصالحون. فالأثر حسن.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/273، ابن أبي شيبة / المصنف 6/359، أحمد / فضائل الصحابة 1/331، ابن شبه / تاريخ المدينة 3/159، 160، البلاذري / أنساب الأشراف ص 388، الحاكم / المستدرك 3/84، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو داود عمر بن سعد عن سفيان عن منصور عن ربعي، قال: سمعت حذيفة يقول: ما كان... الأثر.
(4) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 7/474 صحيح. قال: حدّثنا يحيى بن آدم، قال: حدّثنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن حذيفة.(8/97)
وقالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها(1)، اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغنائها في ئاستخلف أبو بكر رحمة الله على أبي بكر، فأقام واستقام، ثم استخلف عمر، رضي الله على عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه(2).
وقالت عائشة رضي الله عنها: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر(3).
__________
(1) الهَضُى والهضض: كسر دون الهد وفوق الرض. ابن منظور / لسان العرب 15/98.
(2) ضرب الدين بجرانه: أي قر قراره واستقام، كما أن البعير إذا برك واستراح مد عنقه على الأرض. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 1/263.
رواه أحمد / المسند 1/114، 128، فضائل الصحابة 1/332، ابن أبي عاصم / السنة ص 561، عبدالله بن أحمد / السنة ص 231، 233، بحشل / تاريخ واسط ص 178، الحاكم / المستدرك 3/104، العشاري / فضائل أبي بكر ص 34، وإسناده عند عبدالله بن أحمد متصل ورجاله ثقات، وفيه قتادة ابن دعامة مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع يروي عن الحسن البصري وهو من أثبت أصحابه وأكبرهم، وسنده أيضاً عند العشاري متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق. قال: حدّثنا عليّ حدّثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدّثنا محمود بن خداش، حدّثنا مروان بن معاوية، حدّثنا عبد الملك بن سلع الهداني، حدّثنا عبد خير، قال: قام عليّ على المنبر... الأثر. فالأثر صحيح.
(3) رواه أحمد / المسند 6/148، صحيح. قال:ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن الأسود بن شيبان عن أبي نوفل قال: سألت عائشة... الأثر.(8/98)
وبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على أخيه لما مات، فقيل له: أتبكي؟ فقال أخي وصاحبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب الناس إلي إلا ما كان من عمر بن الخطاب(1).
وقال عوف بن مالك الأشجعي(2) رضي الله عنه: رأيت في المنام كأن الناس جمعوا فكأني برجل قد فرعهم، فوقهم بثلاثة أذرع، قلت: من هذا؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قلت: لم؟ قالوا: إنه لا تلومه في الله لومة لائم، وإنه خليفة مستخلف، وشهيد مستشهد، قال: فأتيت أبا بكر، فقصصتها عليه، فأرسل إلى عمر ليبشره، فقال لي: أقصص رؤياك، فلما بلغت إلى خليفة زبرني عمر وانتهرني، قال: تقول هذا وأبو بكر حي، فسكت، فلما ولي عمر كان بعد بالشام مررت به، وهو على المنبر، فدعاني فقال لي: أقصص رؤياك، فلما بلغت لا يخاف في الله لومة لائم قال: إني لأرجو أن يجعلني الله منهم، وأما خليفة مستخلف فقد والله استخلفني فأسأله أن يعينني على ما ولاني، فلما بلغت وشهيد مستشهد، قال: وإنى لي الشهادة وأنا في جزيرة العرب، وحولي يغزون، ثم قال: يأتي الله بها إن شاء الله(3).
__________
(1) رواه الطبراني / مجمع البحرين 2/403، الحاكم / المستدرك 3/257، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 322-323. ابن الأثير / أسد الغابة 3/367. ومدار الأثر على محمّد بن ربيعة الكلابي وثقه ابن معين وأبو داود. وقال ابن حجر: صدوق تق: 478. وبقية رجاله عند الحاكم ثقات. فالأثر صحيح.
(2) تقدمت ترجمته في ص: 303.
(3) رواه ابن سعد / الطبقات 3/331، أحمد / فضائل الصحابة 1/267، من زوائد ابنه عبد الله، ابن شبه / تاريخ المدينة 3/87 - 89، البلاذري / أنساب الأشراف ص 334، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 345، 346، صحيح من طريق أحمد. قال: حدّثني محمّد بن حسان الأزرق مولى زائدة بن معن بن زائدة الشيباني، قثنا حسين بن عليّ الجعفي عن زائدة عن عبد الملك ابن عمير، قال: حدّثني أبو بردة وآخر عن عوف بن مالك الأشجعي.(8/99)
وقال سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى: قلت لأبي(1): ما تقول في رجل سب أبا بكر رضي الله عنه؟ قال: يقتل، قلت: سب عمر رضي الله عنه ؟ قال: يقتل(2).
المطلب الثاني: شهادة التابعين ومن بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل.
لقد شهد التابعون ومن جاء بعدهم لعمر بالفضل كما شهد له بذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا له قدره ومنزلته في الإسلام.
__________
(1) عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم رضي الله عنه صحابي صغير، وكان في عهد عمر رضي الله عنه رجلاً، وكان على خراسان لعلي رضي الله عنه تق 336.
وقد ذكر فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أن سب الصحابة رضوان الله عليهم على ثلاثة أقسام هي:
1- أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا فهذا كفر لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متيقن لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار أو فساق.
2- أن يسبهم باللعن والتقبيح ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.
3- أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخل فلا يكفر ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك. شرح لمعة الاعتقاد ص 101، 102.
(2) رواه محمد بن عاصم الأصبهاني / جزء ص 103 وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا أبو أسامة عن سفيان بن عيينة عن حلف بن جوشب عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قلت لأبي ما تقول في رجل... فالأثر صحيح.(8/100)
قال سالم بن أبي حفصة(1) رحمه الله: سألت أبا جعفر(2) وجعفر(3) عن أبي بكر وعمر، فقالا لي: يا سالم تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى. قال: وقال لي جعفر: يا سالم أبو بكر جدي أيسب الرجل جده؟! قال: وقال لي: لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة إن لم أكن أتولهما وأبرأ من عدوهما(4).
وقال مسروق بن الأجدع(5) رحمه الله: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة(6).
وقال محارب بن دثار(7) رحمه الله: بغض أبي بكر وعمر نفاق(8).
__________
(1) سالم بن أبي حفصة العجلي أبو يونس صدوق في روايته إلا أنه شيعي غالٍ، من الرابعة. تق 226.
(2) أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جفعر الباقر، ثقة من الرابعة. تق 497.
(3) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق، صدوق من السادسة. تق 141.
(4) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/175، عبد الله بن أحمد / السنة ص 227. وسنده عند أحمد متصل ورجاله صدوقون. قال: ثنا محمّد بن فضيل قثنا سالم يعني ابن أبي حفصة، قال: سألت أبا جعفر وجعفراً عن أبي بكر... الأثر. فالأثر حسن.
(5) تقدمت ترجمته في ص: 182.
(6) رواه عبد الله بن أحمد / السنة ص 238، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/336، 337، وسنده عند عبدالله بن أحمد متصل ورجاله ثقات سوى خالد بن سلمة المخزومي فهو صدوق، فالأثر حسن.
(7) محارب بن دِثار السدوسي الكوفي القاضي، ثقة إمام زاهد من الرابعة، مات سنة 116. تق 521.
(8) رواه وكيع / أخبار القضاة 3/28، الخلال / السنة ص 290، وسنده عند الخلال متصل ورجاله ثقات سوى علي بن حرب فهو صدوق، ومدار الأثر عليه فالأثر حسن.(8/101)
وقال مجاهد بن جبر المكي(1) رحمه الله: كنا نتحدث أو نحدث أن الشياطين كانت مصفدة في زمن عمر رضي الله عنه(2).
وقال أبو جعفر الباقر(3) رحمه الله: من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة(4).
وقال جعفر الصادق(5) رحمه الله: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر(6).
وقال: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير(7).
__________
(1) مجاهد بن جبر المكي المخزومي مولاهم ثقة إمام في التفسير والعلم، من الثالثة، مات سنة 104هـ وله 83 سنة. تق 520.
(2) رواه ابن أبي شيبة / المصنف 6/354. وسنده متصل ورجاله ثقات. قال: حدّثنا وكيع عن سفيان عن واصل عن مجاهد قال: كنا... فالأثر صحيح.
(3) تقدمت ترجمته في ص:454.
(4) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/135، 136، وهو من زيادات عبد الله بن أحمد. قال: حدّثني عند الرحمن بن صالح قثنا يونس بن بكير ومحمّد بن إسحاق عن أبي جعفر، قال: من جهل... الأثر. وفي إسناده يونس بن بكير، قال ابن معين: صدوق، وقال مرة: ثقة، وسئل أبو زرعة أي شيء ينكر عليه؟ قال: أما في الحديث فلا أعلمه، وقال أبو حاتم: محلة الصدق. المزي / تهذيب الكمال 32/496، وقال ابن حجر: صدوق يخطئ، وتابعه في هذا السند محمد بن إسحاق وهو صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع وبقية رجال السند ثقات، فالأثر حسن.
(5) تقدمت ترجمته في ص: 454.
(6) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/160، عبد الله بن أحمد / السنة ص 227، المحاملي / الأمالي ص 240، 241، صحيح من طريق أحمد. قال: ثنا أسباط عن عمرو بن قيس، قال: سمعت جعفر بن محمّد بن عليّ يقول: برئ... الأثر.
(7) رواه ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 330، وسنده رجاله ثقات سوى السري ابن يحيى فهو صدوق. ابن أبي حاتم / الجرح والتعديل 4/285، وقبيصة بن عقبة صدوق. تق 453، فالأثر حسن.(8/102)
وقال عمرو بن عبد الله بن أبي إسحاق السبيعي(1) رحمه الله: بغض أبي بكر وعمر من الكبائر(2).
وقال محمد بن يحيى بن فارس(3) رحمه الله: سألت أحمد بن حنبل فقال: أبو بكر وعمر وعثمان ولو قال قائل وعلي لم أعنفه، يعني في التفضيل(4).
ومن الآثار المروية في شهادة التابعين ومن جاء بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل ما روي عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يُعلمون السورة من القرآن(5).
__________
(1) عمرو بن عبد الله بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة مكثر عابد، من الثالثة، مات سنة 126هـ، وقيل قبلها. تق 423.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/293، 294، العشاري / فضائل الصديق ص: 84، وسنده عند أحمد متصل ورجاله ما بين ثقة وصدوق، وهو من زيادات ابنه عبد الله. قال:حدّثني أبو حميد الحمصي أحمد بن محمّد قثنا معاوية ابن حفص، قال: نا أبو الأحوص وعمرو بن ثابت قالا: سمعنا أبا إسحاق يقول: بغض... الأثر. فالأثر حسن.
(3) محمد بن يحيى بن فارس بن ذؤيب الذهبي النيسابوري، ثقة حافظ جليل من الحادية عشر، مات سنة 258، وله ست وثمانون سنة. تق 512.
(4) رواه أبو داود السجستاني / مسائل الإمام أحمد ص 277، الخلال / السنة ص 397، صحيح من طريق أبي داود. قال: سمعت أحمد قال له رجل... الأثر.
(5) رواه أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/338، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 328، وفي إسناديهما أبو العيناء محمد بن القاسم، قال الذهبي: إخباري شهير، قال الدارقطني: ليس بالقوي في الحديث. الميزان 4/13، وفيه محمد بن خالد بن عثمة الحنفي البصري، قال ابن حجر: صدوق يخطئ تق 476، فالأثر ضعيف.(8/103)
وروي عن الحسن البصري(1) رحمه الله أنه قال: حب أبي بكر وعمر فريضة(2).
وروي عن طاووس(3) رحمه الله أنه قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة(4).
وروي عن زيد بن علي(5) رحمه الله أنه قال: البراءة من أبي بكر وعمر البراءة من علي(6).
__________
(1) الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور رأس الطبقة الثالثة. تق 160.
(2) رواه الأطرابلسي / فضائل الصحابة ص 171، أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/337، ابن عساكر / تاريخ دمشق ص 326، وفي إسانيدهم محمد بن إسرائيل الجوهري، والوليد بن المفضل، وعبد العزيز بن جعفر اللؤلؤي وجميعهم لم أجد لهم تراجم.
(3) طاووس بن كيسان اليماني ثقة فقيه فاضل من الثالثة، مات سنة 106. تق 281.
(4) أورده ابن الجوزي في تاريخ عمر بن الخطاب ص 51، ولم أقف على إسناده.
(5) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثقة من الرابعة، وهو الذي تنسب إليه الزيدية، قتل بالكوفة سنة 122هـ. تق 224.
(6) رواه العشاري / فضائل الصديق ص: 74. قال: حدّثنا عليّ حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد حدّثنا أحمد بن يحيى الصوفي، وحدّثنا عبد الرحمن بن قيس الملائي، حدّثنا محمّد بن كثير عن هاشم بن البريد عن زيد بن عليّ قال: قال لي يا هاشم اعلم. أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/352، وسنده عند العشاري فيه محمد بن كثير الكوفي، قال أحمد: خرقنا حديثه، وقال البخاري: كوفي منكر الحديث، وقال ابن عدي: الضعف على حديثه بيّن، ورواه أبو القاسم من غير إسناد بل قال: وعن هاشم بن البريد أ، زيد بن عليّ قال له يا هاشم. فالأثر ضعيف.(8/104)
وروي أن كثير النواء(1) سأل زيد بن علي عن أبي بكر وعمر فقال: تولهما، قال: كيف تقول فيمن تبرأ منهما؟ قال: تبرأ منه حتى يتوب(2).
وروي أن الرافضة قالت لزيد بن علي: إبرأ من أبي بكر وعمر يضرب معك مائة ألف سيف، فقال: لا والله، ولكن أتولاهما، وأبرأ مما يبرأ منه(3).
وروي أن إبراهيم النخعي(4) رحمه الله قال: من فضل علياً على أبي بكر وعمر فقد أزرى(5) على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، ولا أدري هل يعطب أم لا(6).
__________
(1) كثير بن إسماعيل أو ابن نافع النَّوّاء أبو إسماعيل، ضعيف من السادسة. تق 459.
(2) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/160، 161، عبد الله بن أحمد / السنة ص 226، ومدراه على كثير بن إسماعيل النواء، وتقدم أنه ضعيف، فالأثر ضعيف.
(3) رواه أبو القاسم التيمي / الحجة في بيان المحجة 2/348، 349، وفي إسناده أبو الجارود زياد ابن المنذر، رافضي كذبه ابن معين. تق 221، فالأثر ضعيف جداً.
(4) إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة من الخامسة. تق 95.
(5) أزرى: من زريت عليه زراية إذا عبته، وأزريت به إزراءً إذا قصرت به وتهاونت. ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث 2/302.
(6) رواه أحمد / فضائل الصحابة 1/248، 249، وفي إسناده الوليد بن بكر التميمي أبو جناب، قال الذهبي: ما رأيت من وثقه غير ابن حبان، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال الدراقطني: متروك. ميزان الاعتدال 4/336، تهذيب التهذيب 11/132، وقال ابن حجر: لين الحديث. تق 581. فالأثر ضعيف.(8/105)
وروي عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: من سب أبا بكر وعمر جلد(1).
وهناك من الآثار الضعيفة غير ما ذكرته ولم أوردها خشية الإطالة، وقد ذكرت من الآثار الصحيحة والثابتة ما فيه الكفاية والغنية.
__________
(1) رواه ابن حزم / المحلى 2/440، وفي إسناده أحمد بن إسماعيل بن دليم الحضرمي، وأحمد بن الخلاص لم أجد لهما ترجمة، وفيه الحسن بن علي الهاشمي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ضعيف. ميزان الاعتدال 1/505، وفيه محمد بن سليمان الباغندي، قال الدارقطني: لا بأس به، وقال مرة: ضعيف. ميزان الاعتدال 3/571، وفيه شيخه هشام بن عمار الدمشقي كبر فصار يلقن، فحديثه القديم أصح، ولم يتبين لي هل رواية الباغندي عنه قبل اختلاطه أم بعده. فالأثر ضعيف.(8/106)
المطلب الرابع: حياته في الإسلام وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: التزامه الديني.
1- قوة إيمانه: لقد كان عمر رضي الله عنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المقربين وممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بكمال الإيمان وصدق اليقين وذلك ثابت بالأحاديث الصحيحة التي سوف يأتي الكلام عليها في ذكر فضائل عمر رضي الله عنه بمشيئة الله تعالى.
ومن أقواله وأفعاله رضي الله عنه الدالة على صدق إيمانه واتباعه وتحقيقه التوحيد:(9/1)
قوله رضي الله عنه وهو يستلم الحجر الأسود ويقبله: "أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"(1).
وهو رضي الله عنه بقوله هذا يعلن براءته من الإشراك بالله وعبادة الأحجار والأوثان والتبرك بها، ويظهر طاعته وانقياده لأوامر الله ورسوله والتسليم لها.
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 1/278،279، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 9/15-17 وغيرهم، ورواه الحاكم/ المستدرك 1/457،458، وفيه زيادة وهي أن علي بن أبي طالب قال لعمر بعد قوله ذلك: بلى يا أمير المؤمنين، إنه يضر وينفع، قال عمر: بم؟ قال: بكتاب الله، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قال الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} خلق الله آدم، ومسح على ظهره، فقررهم بأنه الرب وأنهم العبيد، وأخذ عهودهم ومواثيقهم، وكتب ذلك في رق، وكان لهذا الحجر عينان ولسان، فقال له: افتح فاك، قال: ففتح فاه، فألقمه ذلك الرق، فقال: أشهد لمن وفاك بالموافاة يوم القيامة، وإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود، وله لسان ذلق، يشهد لمن يستلمه بالتوحيد"، فهو يا أمير المؤمنين يضر وينفع، فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن، وفي إسناد هذه الرواية عند الحاكم: عمارة بن جوين أبو هارون العبدي، قال الذهبي: أبو هارون ساقط. وقال ابن حجر: متروك، ومنهم من كذبه شيعي من الرابعة. تق 408، ورواه البيهقي/ شعب الإيمان 5/587،589 من طريق الحاكم.(9/2)
وروي عنه رضي الله عنه أنه كان يقول عند استلام الحجر: آمنت بالله وكفرت بالطاغوت(1).
ومن ذلك قوله رضي الله عنه: فيما الرملان الآن والكشف عن المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم(2)
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/81، الفاكهي/ أخبار مكة 1/99، وفي إسناديهما موسى بن عبيدة الربذي، ضعيف. تق 552، وهو من رواية سعيد ابن المسيب عن عمر وقد اختلف في سماعه منه. كما تقدم ذلك في ص (92). فالأثر ضعيف.
(2) رواه الشافعي/ المسند ص128، قال: أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب... إلى آخره. سعيد بن سالم بن القداح صدوق يهم التقريب ص: 236. عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة تق: 362. مدلس من الثالثة ولم يصرح بالسماع. عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ثقة من الثالثة تق: 312. حديثه عن عمر بن الخطاب مرسل جامع التحصيل ص: 214.
أبو داود الطيالسي/ المسند ص7. قال: حدّثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر أنه طاف... إلى آخره. زمعة بن صالح الجندي ضعّفه أحمد وابن معين وقال مرة: صويلح الحديث. وقال أبو زرعة: لين واهي الحديث. وقال البخاري: يخالف في حديث تركه ابن مهدي أخيراً. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بالقوي كثير الغلط عن الزهري. الميزان2/81. وقال ابن حجر: ضعيف حديثه عند مسلم مقرون تق: 217. سلمة بن وهرام صدوق تق: 248. عكرمة مولى ابن عباس تقدم.
أحمد/ المسند 1/45. قال: حدّثنا عبد الملك بن عمرو ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه. عبد الملك بن عمرو القيسي أبو عامر العقدي ثقة من التاسعة تق: 364. هشام بن سعد صدوق له أوهام تق: 572. وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم. المزي/ تهذيب الكمال 30/280. زيد بن أسلم العدوي ثقة من الثالثة تق: 222 أسلم مولى عمر ثقة مخضرم.
الفاكهي/ أخبار مكة 2/211. حدّثنا يعقوب بن حميد قال: ثنا إسماعيل بن داود عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه. تقدمت دراسته في سند أحمد.
أبو داود/ السنن 2/178، 179. قال: حدّثنا أحمد بن حنبل حدّثنا عبد الملك ابن عمرو حدّثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه. تقدمت دراسته في سند أحمد.
البزار/ المسند 1/392. حدّثنا أحمد بن المثنى وعمر بن عليّ قالا: نا هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر. تقدمت دراسته في سند أحمد.
البيهقي/ السنن الكبرى 5/79. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدّثني محمّد بن صالح بن هاني ثنا أبو سعيد الحسن بن عبد الصمد ثنا يحيى بن يحيى أنبأنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه. تقدمت دراسته في سند أحمد. فالأثر حسن من طريق أحمد الذي تقدم الكلام عليه.
وهشام بن سعد حسن الشيخ الألباني رحمه الله حديثه في عدة مواضع عن كتابه السلسلة الصحيحة وهي: 1/325، 3/8، 4/285، 4/377. قال في 3/8: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ولولا أن هشاماً هذا له أوهام لحكمت عليه بالصحة.(9/3)
.
وهو رضي الله عنه بين أن اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم ليس مقيداً بمعرفة الحكمة والسؤال عنها في الأمر المتبع، ولكنه اتباع وطاعة مطلقة مصدرها الإيمان المطلق بكل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الواجب على كل مؤمن ومؤمنه.
وقرأ رضي الله عنه قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}(1) فقال: ما االأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، فما عليك أن لا تدري ما الأب(2).
ومن الأخبار الدالة على تحقيقه رضي الله عنه التوحيد وبعده عن الشرك دقيقة وجليلة، ما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر رضي الله عنه في ركب وعمر يحلف بأبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"، قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً(3).
ومما روي عن عمر رضي الله عنه في الإيمان بالقضاء والقدر والرضا به قوله: ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره(4).
2- اجتهاده في الطاعات:
__________
(1) سورة عبس الآية (31).
(2) رواه عبدالرزاق/ التفسير 2/349، سعيد بن منصور/ السنن 1/181، ابن سعد/ الطبقات 3/327، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/136، البلاذري/ أنساب الأشراف ص329،330، الحاكم/ المستدرك 2/290،514، البيهقي/ شعب الإيمان 5/229،230، صحيح من طريق البلاذري.
قال البلاذري: حدّثنا خلف بن هشام حدّثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس. خلف بن هشام ثقة تق: 194. حماد بن زيد ثقة تق: 178. ثابت البناني ثقة تق: 132.
(3) ذاكراً ولا آثراً: أي ما حلفت بها مبتدئاً من نفسي، ولا رويت عن أحد أنه حلف بها. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/22.
رواه البخاري/ الصحيح 4/151، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 11/104، 105 وغيرهما.
(4) رواه ابن المبارك/ الزهد ص143، وإسناده رجاله ثقات ولكنه منقطع من رواية لاحق بن حميد أبو مجلز، وهو ثقة من كبار الثالثة، روايته عن عمر مرسلة.(9/4)
كان عمر رضي الله عنه كثير فعل الطاعات والقربات من الصلاة والصيام والصدقة كثير التضرع والدعاء لله عز وجل، فكان رضي الله عنه يداوم على قيام الليل وهي خصلة أثنى الله عز وجل على من اتصف بها وداوم عليها ووصف الله عز وجل بها عباده المقربين، قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(1). سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقال: متى توتر؟ فقال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر: متى توتر؟ قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر: أخذ هذا بالحزم، وقال لعمر: أخذ هذا بالقوة(2)
__________
(1) سورة الذاريات الآيتان: 17-18.
(2) رواه مالك/ الموطأ 1/120،121، الشافعي/ المسند 1/279،280، أبو داود الطيالسي/ المسند ص233، عبدالرزاق/ المصنف 3/14، ابن أبي شيبة/ المصنف 2/80،81، أبو داود/ السنن 2/66، ابن ماجه/ السنن 1/379، أبو يعلى/ المسند 3/353 ابن المنذر/ الأوسط 5/171،173، ابن حبان/ الصحيح 4/73، الطبراني/ المعجم الكبير 17/303،304، البيهقي/ السنن الكبرى 3/35،36.
وأسانيده عند مالك وعبد الرزاق والشافعي وأبي يعلى رجالها ثقات، إلا أنه عندهم من رواية سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه وقد اختلف في سماعه منه. كما تقدم ذلك في ص: (82، 83).
ورجاله عند الطيالس وابن أبي شيبة وابن ماجة ثقات سوى عبد الله بن محمّد ابن عقيل فهو صدوق في حديثه لين. ويقال تغير بآخره تق: 321. وسنده متصل. وفي إسناده عند أبي داود وابن حزم، والبيهقي من طريق يحيى بن إسحاق السليحني أبو زكريا، قال الذهبي: ثقة حافظ. الكشاف 2/361. وقال ابن حجر: صدوق تق: 587. وبقية رجاله عند أبي داود ثقات.
وإسناده عند ابن المنذر وابن حبان والبيهقي من طريق آخر محمّد بن عباد بن الزيرقان المكي صدوق يهم تق: 486. وفيه يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيء الحفظ تق: 591. وبقية رجاله عن ابن حبان ثقات. وفيه عند الطبراني شيخه أحمد بن محمّد بن زغبة لم أجد له ترجمة، وكذلك في السند زيد عن أبي المصعب لم أعرفهما. وفيه عبد الله بن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه. وفيه عند أبي نعيم محمّد بن حمدان النصيبي لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله ثقات وسنده متصل.
فالأثر يرتقي بمجموع طرقه لدرجة الصحيح لغيره. وقد صحّحه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/269.(9/5)
.
فكان رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا خشي الفجر أيقظ أهله فصلوا ما شاء الله(1).
وجاء عنه رضي الله عنه أنه كان يتهيأ لصلاة الليل فإذا صلى العشاء أمر أهله أن يضعوا عند رأسه إناء فيه ماء ثم يرقد، فإذا تعار(2) من الليل وضع يده في الماء ومسح به وجهه وذكر الله عز وجل ثم ينام حتى تأتي الساعة التي يقوم فيها لصلاة الليل(3).
وروي عنه رضي الله عنه أنه ربما فاتته الصلاة من الليل فيقضيها من النهار، فقد روي أن رجلاً استأذن على عمر بالهاجرة، فحجبه طويلاً ثم أذن له، فقال: إني كنت نمت عن حزبي فكنت أقضيه(4).
__________
(1) رواه مالك/ الموطأ 1/113، البيهقي/ شعب الإيمان 6/330، صحيح عند مالك. وقال: عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: كان عمر... الأثر.
(2) أي هب من نومه واستيقظ. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/190.
(3) رواه أبو عبيد/ الطهور ص65، أحمد/ الزهد ص148، الطبراني/ المعجم الكبير 9/32، البيهقي/ شعب الإيمان 4/175، وسنده عند أحمد رجاله ثقات سوى حزم القطيعي فهو صدوق وسماع الحسن البصري من عثمان بن أبي العاص الراوي عن زوجة عمر سابقاً مختلف فيه، وهو أيضاً يرويه عنه حكاية، ولم يصرح بالسماع. قال: حدّثنا موسى حدّثنا حزم قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول: تزوج عثمان بن أبي العاص امرأة من نساء عمر ابن الخطاب. وسنده عند أبي عيبد رجاله ثقات، وهو من رواية الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه وروايته عنه منقطعة. ورواه الطبراني من طريق حزم القطيعي به مثله عند أحمد. ورواه البيهقي عن عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الحسن، ففيه إبهام وهو أيضاً منقطع.
(4) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 1/416،وإسناده رجاله ثقات إلا أن راويه عن عمر وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم روايته عن عمر معضلة، فهو ثقة من الخامسة،تق 624.(9/6)
وجاء عنه أنه كان يأتي مسجد قباء فيصلي فيه كل يوم اثنين وخميس(1).
وكان عمر رضي الله عنه يصوم من التطوّع ما شاء الله فكان يصوم الأيام البيض من كل شهر(2).
وجاء في رواية صحيحة أن عمر رضي الله عنه سرد الصوم قبل موته بسنتين(3).
وروي عنه أنه كان يجهد نفسه وهو صائم في الحر ويقول: أبشري بالري(4).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 1/244، البزار/ المسند 1/430، وفي سنده عند ابن سعد الواقدي وهو متروك، وفيه عند البزار عبدالعزيز الداروردي، صدوق يحدث من كتب غيره فيخطىء. تق 358، وفيه إسحاق بن المستورد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه شيء. الجرح والتعديل 2/235، وفيه عبدالرحمن ابن عمرو بن جارية لم أجد له ترجمة، فالخبر ضعيف.
والثابت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يأتي مسجد قباء كلّ يوم سبت فيصلّي فيه، وكان صلى الله عليه وسلم يأتيه أحياناً راكباً وأحياناً ماشياً. رواه البخاري/ الصّحيح/ فتح الباري368، حديث رقم: 9191، 9193.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "من تطهّر في بيته ثمّ أتى مسجد قباء فصلّى فيه صلاة كان له كأجر عمرة". رواه ابن ماجة/ صحيح سنن ابن ماجة1/238.
(2) رواه الحارث بن أبي أسامة/ بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث/ الهيثمي 1/219، الطبري، تهذيب الآثار/ مسند عمر بن الخطاب 2/856، 858، صحيح من طريق الطبري. قال: حدّثنا محمّد بن بشار وابن المثنى قالا: حدّثنا محمّد جعفر الهذلي حدّثنا شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال: سألت ابن عباس عن صوم... الأثر.
(3) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 2/274،328، الطبري/ تهذيب الآثار/ مسند عمر 1/315، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا عبيدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر... الأثر.
(4) رواه ابن المبارك/ الزهد ص98 من زيادات نعيم بن حماد، وفي إسناده عبدالله ابن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه، وفيه رجل مبهم. فالأثر ضعيف.(9/7)
وقال زياد بن حدير(1): رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكثر الناس صياماً وأكثر الناس سواكاً(2).
وكان رضي الله عنه كثير الصدقات فقد قال رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟" قلت: مثله.
قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً(3).
وأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها"، فتصدق بها عمر أنه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول(4)
__________
(1) زياد بن حُدير الأسدي، ثقة عابد له في ذكر في الصحيح، من الثانية. تق 218.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/290، ابن أبي شيبة/ المصنف 2/295، البلاذري/ أنساب الأشراف ص224،225، وإسناده متصل ورجاله ثقات سوى أبي نهيك القاسم بن محمد الأسدي، ذكره ابن حبان في الثقات 5/306، وقال ابن حجر: مقبول. تق 679.
(3) رواه أبو داود/ السنن 2/129، الترمذي/ السنن 5/277، وسنده متصل ورجاله ثقات سوى هشام بن سعد تقدمت ترجمته في ص: (152، 153). فالأثر حسن، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/315.
(4) مُتَمَوِّل: مال الرجل وتَمَوّل، إذا صار ذا مال. وتَمَوَّلهْ أي: اجعله لك مالاً. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/372-373. والمراد به في الأثر: أي غير متخذٍ مالاً.
رواه البخاري/ الصحيح 2/44،124،131،132، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 11/85-87، أبو داود/ السنن 3/116،117 وغيرهم.(9/8)
.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: تصدق عمر بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ثمغ وكان نخلاً(1). وقد بين عمر مصدر هذا المال فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالاً لم أصب مثله قط كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها، وإني قد أردت أن أتقرب بها إلى الله عز وجل ... الحديث(2).
وكان عمر رضي الله عنه كثير الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، فكان يدعو الله بجوامع الدعاء ومن دعائه ما رواه أبو العاليه(3) رحمه الله قال: أكثر ما كنت أسمع عمر يقول: اللهم عافنا واعف عنا(4).
وكان يسأل الله عز وجل المغفرة وأن يبدل الله سيئاته حسنات.
قال عبد الرحمن بن مل أبو عثمان النهدي(5): سمعت عمر بن الخطاب يقول: اللهم إن كنت كتبت علي ذنباً أو إثماً أو ضغناً فاغفره لي، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب(6)
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 1/131.
(2) رواه النسائي/ السنن وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 2/764.
(3) أبو العاليه: هو رُفَيع بن مهران أبو العالية الرِّياحي، ثقة كثير الإرسال، من الثانية، مات سنة تسعين، وقيل ثلاث وتسعين، وقيل بعد ذلك. تق 210.
(4) رواه أحمد/ الزهد 143،147 صحيح. قال: حدّثنا عبد الصمد حدّثنا أبو خلدة حدّثنا أبو العالية قال: أكثر ما كنت... الأثر.
(5) أبو عثمان النهدي ثقة عابد مخضرم من الثانية تق 351.
(6) رواه البخاري/ التاريخ الكبير 7/63، قال البخاري: قال عبدالله نا أبو عامر قال نا قرة عن عصمة قال قال أبو عثمان....
وعبدالله هو ابن محمد السندي ثقة. تق 321، وأبو عامر هو العقدي ثقة، وقرة هو ابن خالد السدوسي ثقة، وعصمة هو أبو حكيمة الغزال، قال ابن أبي حاتم محله الصدق. الجرح والتعديل 7/20.
ورواه الفاكهي/ أخبار مكة 1/229،230، الطبري/ التفسير 7/401 بلفظ: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف بالبيت وهو يقول: اللهم إن كان كتابي في كتاب أهل السعادة فاثبته، وإن كان كتابي في أهل الشقاء فامحه واجعله في كتاب أهل السعادة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، وسنده عند الفاكهي رجاله ثقات سوى عبدالجبار بن العلاء البصري، قال ابن حجر: لا بأس به. تق 332، وفيه أبو حكيمة يروي عن أبي عثمان النهدي كما في رواية البخاري. فالأثر حسن أيضاً بهذا اللفظ.
وقد ذكر الطبري رحمه الله هذا الأثر بعد أن ذكر أقوال العلماء في المراد بقوله تعالى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِت} معنى ذلك: أن الله يمحو ما يشاء ويثبت من كتاب سوى أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء. ثم قال: وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء ويثبت كل ما أراد ثم أورد هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه، التفسير 7/401،402، ونقله أيضاً ابن كثير في تفسيره من غير تعليق 2/519، وقد عزا البغوي في تفسيره القول بمحو السعادة والشقاء لعمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما 4/324.(9/9)
.
المسألة الثانية: في علمه وفقهه رضي الله عنه
كان عمر رضي الله عنه ممن أوتي علماً كبيراً وفقهاً عظيماً. ولا شكّ أن ما اتصف به عمر رضي الله عنه من صدق الإيمان بالله واليقين التام وخلوص العقيدة من الشرك بأنواعه والبدع والشبهات وما اتصف به كذلك من حسن الالتزام بشعائر الدين والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات من أسباب سعة علمه وفقهه رضي الله عنه . فقد شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب"، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم"(1).
ومن شهادة الصحابة رضوان الله عليهم له بالعلم قول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: لو وضع علم الناس في كفة ميزان، وعلم عمر في كفة لرجح علم عمر(2).
وقال: إن عمر كان أعلمنا بالله، وأقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله(3).
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 1/27، 2/294، 4/213،216،217، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 15/159،160، الترمذي/ السنن 3/367،368، 5/282 وغيرهم.
(2) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/357، ابن أبي خثيمة/ العلم ص123، أبو نعيم/ الإمامة ص284،285، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص241،242، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله (أي: ابن مسعود ) لو وضع... الأثر. وتدليس الأعمش لا يضرّ لأنه يروي عن شقيق أبي وائل وهو من المكثرين عنه.
(3) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/355 وسنده متصل ورجاله ثقات سوى عبدالملك الرواي عن زيد بن وهب فإنه إما أن يكون ابن أبي سليمان صدوق له أوهام. تق 363 أو ابن أبي ميسرة فهو ثقة، فالأثر لا ينزل عن درجة الحسن، والله أعلم.(9/10)
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: إن كنا نحسب أن عمر قد انفرد بتسعة أعشار العلم(1).
وروي عن حذيفة بن اليمان(2) أنه قال: كأن علم الناس مدسوس في حجر مع علم عمر(3).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 2/336، الدرامي/ السنن 1/101، البلاذري/ أنساب الأشراف ص150، أبو نعيم/ الإمامة ص285، وسنده عند ابن سعد رجاله ثقات، ولكن إبراهيم النخعي روايته عن ابن مسعود منقطعة.
ورواه سائر من رواه من رواية النخعي عن ابن مسعود، ونقل العلائي عن البيهقي قوله: إن مراسيل النخعي عن ابن مسعود صحاح، جامع التحصيل ص141،142.
(2) حُذَيْفَة بن اليمان العبسي. يكنى أبا عبد الله. واسم اليمان: حسيل بن جابر العبسي. كان عمر رضي الله عنه يسأله عن المنافقين. وهو معروف في الصحابة بصاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد نهاوند فلما قتل النعمان بن مقرن آخذ الراية وكان فتح همذان والري والدينور على يده. مات سنة ست وثلاثين. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/393، 394.
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 2/336، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/359، البلاذري/ أنساب الأشراف ص150،151، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص243، وفي إسناده عندهم سليمان الأعمش وهو مدلس ولم يصرح بالسماع، وفيه شمر بن عطية الأسدي، صدوق من السادسة، يروي عن حذيفة وروايته عنه معضلة. فالأثر ضعيف.(9/11)
وشهد له بذلك التابعون ومن بعدهم، قال مسروق بن الأجدع(1) رحمه الله: انتهى علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء النفر الستة: عمر وعلي وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء(2)، وزيد بن ثابت(3).
وقال قبيصة بن جابر(4): ما رأيت رجلاً أعلم بالله، ولا أقرأ لكتاب الله وأفقه في دين الله من عمر(5).
وروي عن أيوب السختياني(6) أنه قال: إذا بلغك اختلاف عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر فشد يدك به فهو الحق وهو السنة(7).
__________
(1) مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة ثلاث وستين. تق 528.
(2) أبو الدرداء اسمه عُوَيْمِر بن عامر بن مالك الخزرجي تأخر إسلامه قليلاً، شهد أحداً وما بعدها من المشاهد. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 4/211
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 2/351، ابن أبي خيثمة/ التاريخ ص155، الحاكم/ المستدرك 3/365، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/166، الخطيب البغدادي/ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/288، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص240، صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا الفضل بن دكين أخبرنا القاسم بن معن عن منصور عن مسروق.
(4) قَبِيصَة بن جابر بن وهب الأسدي، ثقة من الثانية، مخضرم، مات سنة تسع وستين. تق 453.
(5) رواه ابن ابي شيبة/ المصنف 6/355، أبو نعيم/ الإمامة ص294، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص243،244، صحيح من طريق ابن أبي شيبة. قال: حدّثنا حسين بن عليّ عن زائدة قال: قال عبد الملك حدّثني قبيصة بن جابر قال: ما رأيت... الأثر.
(6) أيوب بن أبي تَمِيمَة: كيسان السختياني، ثقة حجة من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة. تق 117.
(7) رواه ابن المنذر/ الأوسط 1/223، وفيه إبهام بشيخ ابن المنذر حيث قال: حدثني بعض أصحابنا، وبقية رجاله ثقات.(9/12)
وعن رجل من أهل المدينة قال: دفعت إلى عمر بن الخطاب، فإذا الفقهاء عنده مثل الصبيان قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه(1).
ولمكانة عمر رضي الله عنه العلمية العالية فقد كان من أهل الفتوى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال مسروق بن الأجدع(2) رحمه الله: كان أصحاب الفتوى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعلي، وابن مسعود، وزيد، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم(3).
وجاء عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله: إنما يفتي الناس أحد ثلاثة، رجل علم ناسخ القرآن من منسوخه، قالوا: ومن ذاك؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: وأمير لا يخاف، أو أحمق متكلف(4).
وكان رضي الله عنه شديد الحذر في الفتوى، قال ابن سيرين رحمه الله تعالى: لم يكن أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد أهيب لما لا يعلم من عمر(5)
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 2/336، البلاذري/ أنساب الأشراف ص151، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص240، وسنده عن ابن سعد رجاله ثقات ولكن فيه الإبهام بالرجل من أهل المدينة، ورواه بقية من رواه من طريق ابن سعد.
(2) تقدمت ترجمته في ص (182).
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 2/351. صحيح. قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا حسن بن صالح بن مطرف حدّثني عامر عن مسروق.
(4) رواه عبدالرزاق/ المصنف 11/231، الدارمي/ السنن 1/61،62، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص243، وسنده عند عبدالرزاق رجاله ثقات إلا أنه من مراسيل ابن سيرين عن حذيفة وسنده عند الدارمي رجاله ثقات أيضاً وهو أيضاً من رواية ابن سيرين إلا أنه يرويه عن أبي عبيدة بن حذيفة بن اليمان عن أبيه فالسند متصل، وأبو عبيدة وثقه العجلي وابن حبان، وقال ابن حجر: مقبول. فالأثر حسن إن شاء الله.
(5) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/177، 178 صحيح.
قال: أخبرنا الفضل بن عنبسة الخزاز الواسطي وعارم بن الفضل، قالا: أخبرنا حماد بن زيد، قال: أ خبرنا سعيد بن أبي صدقة عن ابن سيرين...(9/13)
.
ومن العلوم التي كان عمر رضي الله عنه يجيدها علم القراءة والكتابة وهما فنان لم يكن يجيدهما إلا القلائل من العرب في الجاهلية وأوائل الإسلام. ففي قصة همرة عمر رضي الله عنه مع عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص أنه كتب بيده قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ...} الآية(1). وبعثها إلى هشام بن العاص بمكة(2).
وإن كانت قريش من أكثر قبائل العرب كتابة راءة وذلك لتحضرها وانشغالها بالتجارة التي تسلتزم ذلك(3).
ومن العلوم التي نقل عن عمر رضي الله عنه اهتمامه بها. ومعرفته لها الشعر. والشعر هو: ديوان العرب وصحيفة مفاخرهم، وسجل مناقبهم، وشاهد صوابهم وخطئهم، وأصل يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم، به يفتخرون، وبنابغيه يعتزون، لم تخل قبيلة من قبائلهم من شاعر يحمى ذمارها، ويفاخر بأمجادها، ويصور عواطفها، وكانت القبيلة تزهو ويرتفع شأنها إذا نبغ منها شاعر ينافح عنها، ويشيد بمفاخرها، وكان للشعر تأثير كبير في نفوسهم يدلّ على ذلك أن الشاعر قد يخض بشعره شأن قبيلة ويرفع شأن قبيلة أخرى. ومن أمثلة ذلك:
قول جرير(4) في بني نمير من عامر بن صعصعة:
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعباً بلغت ولا كلاباً
جعل هذا البيت كلّ نميري إذا سئل عن نسبه قال: إنه عامري.
__________
(1) سورة الزمر الآية: 53.
(2) صحيح تقدم تخريجه في ص: (158) حاشية (3).
(3) انظر: حسين مؤنس/ تاريخ قريش ص: 210.
(4) جرير بن عطية بن الخَطَفَى والخَطَفَى لقب واسمه: حذيفة بن بدر بن سلمة ابن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة التميمي الخنظلي. أبو الفتح الأصفهاني/ الأغاني 8/229.(9/14)
وعكس ذلك قول الحطيئة(1):
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يساوى بأنف الناقة الذنبا
فقد رفع هذا البيت شأن بني أنف الناقة وجعلهم يفاخرون بقبيلتهم بعد أن كان الواحد منهم إذا سئل عن نسبه قال: من بني قريع. وهو نسب آخر لهم.
وبعد مجئي الإسلام كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم مدى تأثير الشعر في نفوس العرب. فيأمر حسان(2) بن ثابت رضي الله عنه أن يدافع وينافح عنه وعن صحابته، وأن يهجو المشركين.فيقول له صلى الله عليه وسلم: "اهجهم وهاجهم وجبريل معك"(3). ودعا له صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم أيده بروح القدس"(4).
وقد أوجد الإسلام الكثير من المعاني والأغراض بما جد من شؤون وأحداث لم تكن عند العرب من قبل، وكان من أهم هذه الأغراض الدعوة للجهاد وتحميس الجند وحضّهم على الاستبال والاستشهاد في سبيل الله(5).
__________
(1) هو: جرول بن أوس بن مالك بن حيوة العبسي كان من فحول الشعراء ومقدّميهم وفصحائهم. وكان يتصرف في جميع فنون الشعر من مدح وهجاء وفخر ونسب. ويجيد في جميع ذلك. وكان كثير الهجاء حتى هجا أباه وأمّه وأخاه وزوجته ونفسه. وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. وكان أسلم في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم ارتد، ثم أسر وعاد إلى الإسلام. وكان يلقب الحطيئة لقصره. ابن حجر/ الإصابة1/397.
(2) هو: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد بن مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان شاعر الأنصار في الجاهلية. وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم في أيام النبوّة، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام. مات قبل الأربعين، وقيل: سنه أربعين، وقيل: خمسين، وقيل: أربع وخمسين. عاش مائة وعشرين سنة. ابن حجر/ الإصابة 1/326.
(3) رواه مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 16/4.
(4) المصدر السابق 16/45.
(5) انظر: أبو زيد شلبي/ تاريخ الحضارة الإسلامية ص: 252-254.(9/15)
ومما جاء عن عمر رضي الله عنه في بيان أهمية الشعر ما روي من قوله رضي الله عنه: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه"(1).
وقد روي عنه رضي الله عنه آثار فيها دلالة على حبّه سماع الشعر الذي لا لغو فيه. ومن ذلك أنه رضي الله عنه سمع رجلاً يتغنى بفلاة من الأرض، فقال عمر رضي الله عنه: "الغناء زاد الراكب"(2).
__________
(1) أخرجه ابن سلام الجمحي/ طبقات الشعراء 1/24، وقال: قال ابن عون عن ابن سيرين قال: قال عمر:... الأثر.
وابن عون هو: عبد الله بن عون ثقة تق: 317. وابن سيرين هو: محمّد بن سيرين ثقة من الثالثة تق: 483. لكن روايته عن عمر منقطعة. وقد أثنى العلماء على مراسيله. وقالوا: إنها صحيحة. العلائي/ جامع التحصيل ص: 90.
(2) رواه البيهقي/ السنن الكبرى 5/68. قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم أنبأ أبو عبد الله محمّد بن يعقوب ثنا محمّد بن عبد الوهّاب، أنبأ جعفر بن عون أنبأ أسامة بن زيد عن زيد بن أسلم عن أبيه سمع عمر رجلاً... الأثر.
وأسامة بن زيد لعله الليثي فهو صدوق، أو هو: أسامة بن زيد بن أسلم فهو ضعيف تق: 98. وجعفر بن عون صدوق تق: 140. وبقية رجال السند ثقات.(9/16)
وروي عن خوات(1) بن جبير رضي الله عنه قال: خرجنا حجاجاً مع عمر ابن الخطاب، فسرنا في ركب فيهم أبو(2) عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن(3) بن عوف رضي الله عنهما، فقال القوم: غننا يا خوات، فغناهم، فقالوا: غننا من شعر ضرار(4). فقال عمر رضي الله عنه:"دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده". يعنى: من شعره. قال: فما زلت أغنيهم حتى إذا كان السحر قال عمر رضي الله عنه: "ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا"(5).
__________
(1) خوات بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة الأنصاري الأوسي شهد أحداً والمشاهد بعدها. مات سنة أربعين وعمره أربع وسبعين سنة بالمدينة. ابن حجر/ الإصابة 1/457، 458.
(2) هو: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال القرشي الفهري من العشرة السابقين إلى الإسلام هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وما بعدها. قال فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لكلّ أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". أخرجاه في الصحيح. اتفقوا على أنه مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة. ابن حجر/ الإصابة 2/252-254.
(3) عبد الرحن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحرث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. أسلم قديماً قبل دخول النبيّ صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وشهد بدراً وسائر المشاهد. مات سنة إحدى وثلاثين. ودفن بالبقيع. ابن حجر/ الإصابة 2/416، 417.
(4) ضرار بن جبير بن مرادس الفهري. كان من فرسان قريش وشجعانهم المطبوعين المجودين. وكان من مسلمة الفتح. ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/300، 310.
(5) رواه البيهقي/ السنن الكبرى 5/69. وفي إسناده فليح بن سليمان صدوق كثير الخطأ. وفيه قيس بن أبي حذيفة ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 7/95، وبقية رجاله ثقات سوى أبي الأزهر أحمد بن الأزهر صدوق تق: 77. فالأثر ضعيف.(9/17)
وروي أن عمر رضي الله عنه بينما هو يسير في طريق مكّة في خلافته، ومعه المهاجرون والأنصار فترنم عمر ببيت. فقال له رجل من أهل العراق ليس معه عراقي غيره: "غيرك فليقلها يا أمير المؤمنين". فاستحيا عمر رضي الله عنه من ذلك وضرب راحلته حتى انقطعت من الموكب(1).
وكان عمر رضي الله عنه كثيراً ما يتمثل بأبيات الشعر لذلك روي أنه كان لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر(2).
ومن الأخبار الواردة عنه في ذلك:
ما روي من أنه رضي الله عنه خرج في الجاهلية مع عمارة(3) بن الوليد بن المغيرة إلى الشّام، فشذت ناقة له فلحقها عمر بعد طلب، فاعتقلها وطرحها لجنبها يسيراً فحسده عمارة على ما رأى من قوته، فقال: انحرها وهي لنا طعاماً، فاختبز عمر وطبخ وقدم إلى عمارة طعاماً، فقال له: الشحم الحار على الخبز الحار في اليوم الحار، ما تريد إلا قتلي، ثم وثب إليه يضربه، فبادر عمر إليه بالسيف، فهرب عمارة من بين يديه وعمر يقول:
والله لولا شعبة الكرم
__________
(1) رواه البيهقي/ السنن الكبرى 5/69. ورجاله ثقات. سوى محمّد بن خالد الحمصي، فهو صدوق. وإبراهيم بن عبد الرحن بن عبد الله بن أبي ربيعة. ذكره ابن حبان في الثقات 6/6. ووثقه مغلطاي. وقال ابن خلفون: ثقة مشهور. وقال ابن حجر: مقبول. وفيه الحارث بن عبد الله بن عياش.
ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. 3/77. وذكره ابن حبان في الثقات 4/131.
(2) نقله الجاحظ عن محمّد بن سلام عن بعض أشياخه. قالوا: كان عمر... الخ. البيان والتبيين 1/202، 203.
(3) عمارة بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. مات عمارة كافراً لأن قريشاً بعثوه إلى النجاشي فجرت له معه قصة، فأصيب بعقله، وهام مع الوحش، وقد بينت أنه ممن دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم من قريش لما وضع عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهره وهو يصلي. ابن حجر/ الإصلابة 3/171.(9/18)
وسبطة(1) في الحي من خال وعم
لضمني الشر إلى مضم
وما أساء مطعم ولا ظلم
إذ خلط الخبز بلحم ودسم(2)
ومما قال عمر رضي الله عنه يتمثل به من الشعر وهو محرم:
إليك تعدو قلقاً وضينها(3)
معرضاً في بطنها جنينها
مخلفاً دين النصارى دينها(4)
وروي أنه رضي الله عنه كان يتمثل أيضاً وهو محرم وقد ركب راحلته، فتدلت فجعلت تقدم يداً وتؤخر أخرى بهذا البيت:
كأن راكبها غصن بمروحةٍ(5) إذا تدلت به أو شارب ثمل(6)
__________
(1) السِبْطُ: واحد الأسباط، وهم ولد الولد. أبو بكر الرازي/ مختار الصحاح ص120.
(2) ضعيف، تقدم تخريجه في ص (97).
(3) القَلَقُ: الانزعاج، والوَضِين: حِزام الرحل. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 4/103.
(4) رواه الشافعي/ المسند ص373، ابن أبي شيبة/ المصنف 5/275، البيهقي/ السنن الكبرى 5/126. وسنده عند ابن أبي شيبة متصل ورجاله ثقات سوى محمّد بن فضيل، فهو صدوق. تق: 502. فالأثر حسن.
وفي رواية البيهقي كان عمر يوضع في محسر وهو يتمثل بهذا البيت، قال ابن الأثير وضع البعير يضع وضعاً، وأوضعه راكبه إيضاعاً، إذا حمله على سرعة السير. النهاية في غريب الحديث 5/196.
وهذا البيت من الشعر الذي تمثل به عمر رضي الله عنه لابن رئيس نجران الذي كان في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم أسلم وحجّ وقال هذا البيت. انظر: ابن هشام/ السيرة النبويّة 2/256.
(5) المَرْوحة بالفتح: الموضع الذي تخترقه الريح. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/273.
(6) ثَمَل: الذي أخذ منه الشراب والسُكر. المصدر السابق 1/222.
رواه الشافعي/ المسند ص366، ابن شبة/ تاريخ المدينة 3/7،8، البلاذري/ أنساب الأشراف ص160، أبو نعيم/ حلية الأولياء 9/151، البيهقي/ السنن الكبرى 5/68.
وفي إسناده عند الشافعي شيخه عبد الرحمن بن الحسن الأزرقي ذكره ابن حجر ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. تعجيل المنفعة ص: 247. وأبيه الحسن الأزرقي، قال ابن حجر: غير مشهور. المصدر السابق ص: 95.
وفيه عند ابن شبه أحمد بن معاوية ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/76، وفيه أبو عمرو بن العلاء يروي عن عمر وهو ثقة من الخامسة، روايته عن عمر منقطعة، وفيه عند البلاذري سالم بن حفص لم أجد له ترجمة، وهو يروي عن أشياخ حدثوه، ففيه إبهام بالأشياخ.
ورواه أبو نعيم عن الشافعي. ورواه البيهقي من طريق عبدالرحمن الأزرقي به مثله عند الشافعي. فالأثر ضعيف.
وأمّا قائل البيت، فقد نقل ابن منظور عن ابن بري أنّ البيت لعمر رضي الله عنه قال: وقيل: لغيره. وتمثل به هو وأنه قديم. لسان العرب 5/356.(9/19)
.
وروي عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى الشام، فاستيقظنا به ليلة، وقد رحّل(1) رواحلنا، وهو يرحل لنفسه ويقول:
لا يأخذ الليل عليك بالهم
والبس له القميص واعتم
وكن شريك رافع وأسلم(2)
واخدم القوم حتى تخدم
فقال أسلم: فقلت - رحمك الله - يا أمير المؤمنين لو أيقظتنا كفيناك(3).
وروي أنه رضي الله عنه كان يعظ نفسه ويتمثل بهذا البيت:
لا يغرنك عشاء ساكن
فقد توافى بالمنيات السحر(4).
ومما ثبت تمثله به من الشعر ما تقدم ذكره من أنه رضي الله عنه مرّ بشعب ضجنان وذكر ما كان عليه في طفولته من الشيء وما هو عليه من النعمة والرخاء والخلافة فتمثل بهذا البيت:
لا شيء من الدنيا تبقى بشاشته
يبقى الإله ويفنى المال والولد(5).
ومما روي تمثله به قوله:
هون عليك فإن الأمور
بكف الإله مقاديرها
فليس بآتيك مَنْهِيُّها
ولا حاضر عنك مأمورها(6).
__________
(1) رَحّل البعير: شَدَّ على ظهره الرحل، أبو بكر الرازي/ مختار الصحاح ص: 100.
(2) رافع وأسلم: خادمين للنبيّ صلى الله عليه وسلم. أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/252، ابن الأثير/ أسد الغابة 1/75، ابن حجر/ الإصابة 1/38، وذكر ابن سعد أن رافعاً هو مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الطبقات 5/299.
(3) رواه الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 6/333، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/252، ابن الأثر/ أسد الغابة 1/75، ابن حجر/ الإصابة 1/38. ومداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف. تق: 340. وبقية رجاله عند الخطيب ثقات. فالأثر ضغيف.
(4) رواه البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 7/367، وفي إسناده يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيئ الحفظ. وفيه إعضال لأنه من رواية سفيان الثوري عن عمر وهو ثقة من السابعة تق: 244.
(5) تقدم تخريجه والكلام عليه في ص: (118).
(6) أورده ابن رشيق/ العمدة ص: 33. وقال: يروى للأعور الشَّنِّيِّ.(9/20)
وكان عمر رضي الله عنه مع حبّه للشعر وتمثله به في مناسبات عديدة فإنه أثر عنه أنه كان ناقداً للشعر وعالماً بمعانيه.
فال الجاحظ: قال العائشي: كان عمر بن الخطاب أعلم الناس بالشعر(1).
وقال ابن رشيق: كان عمر من أنقد أهل زمانه للشعر وأنفذهم فيه معرفة(2).
ومن الأخبار التي جاءت عنه رضي الله عنه والدالة على علمه بمعاني الشعر، وأغراضه، وأهدافه، ونقده لذلك، وثنائه ومدحه للشعر المشتمل على المعاني والأغراض الخيرة الحسنة، ونقده وذمّه للشعر ذي المعاني السيئة ومعاقبته لمن قاله:
1- موقف عمر رضي الله عنه من شعر النابغة الذبياني(3).
روي أن ربعي بن خراش قال: لما أتينا عمر بن الخطاب في نفر من غطفان قال: من أشعر شعرائكم؟
قلنا: أنت أعلم يا أمير المؤمنين.
قال: من الذي يقول:
أتيتك عارياً خلقاً ثيابي
على خوف تظن بي الظنون
فألفيت الأمانة لم تخنها
كذلك كان نوح لا يخون(4)
قلنا: النابغة.
قال: فمن الذي يقول:
كن كسليمان إذ قال الإله له
قم في البرية فاحجزها عن الفند(5)
قلنا: النابغة.
قال فمن الذي يقول:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مذهب(6)
قلنا: النابغة.
__________
(1) البيان والتبيان 1/202.
(2) العمدة ص: 33.
(3) النابغة الذبياني هو: زياد بن معاوية بن ضباب بن جناب بن يربوع بن غيظ ابن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن ريث بن غطفان شاعر جاهلي. كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها. الزركلي/ الأعلام 3/54، 55. والشنقيطي/ شرح المعلقات العشر ص: 141.
(4) انظر: البيتين في ديوان النابغة ص: 264، 265. وفيه مكان "أتيتك" في البيت الأوّل: "فجئتك".
(5) البيت في ديوان النابغة ص: 13. وصيغته:
إلا سليمان إذ قال الإله له قم في البريّة فاحددها عن الفند
والفَنَد: الخطأ في الرأي والقول. وأفنده: خطَّأ رأيه. ابن منظور/ لسان العرب 10/332.
(6) البيت في ديوان النابغة الذبياني ص: 76.(9/21)
قال: هذا أشعر شعرائكم حين ذهب إلى هذا المذهب(1).
2- موقفه من هجاء الحطيئة(2) للزبرقان بن بدر التميمي(3).
فقد جاء أن الحطيئة هجا الزبرقان بن بدر فشكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إنه هجاني. فقال عمر رضي الله عنه: وما قال لك؟ فقال: قال:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فقال عمر رضي الله عنه: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة جميلة.
فقال الزبرقان: وما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس، والله يا أمير المؤمنين ما هُجيت ببيت قط أشدّ عليّ منه. سل ابن الفريعة يعنى حسان ابن ثابت(4).
فقال عمر رضي الله عنه: علي بحسان. فجيئ به، فسأله عمر رضي الله عنه . فقال: لم يهجه ولكن سَلَح(5)
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 5/274، ابن شبه/ تاريخ المدينة 1/4،5، ابن أبي الدنيا/ الأشراف ص: 307، الطبري/ تهذيب الآثار/ مسند عمر بن الخطاب 2/665-668، كلّهم من طريق مجالد بن سعيد عن الشعبي عن ربعي ابن خراش. ومجالد بن سعيد قال عنه ابن حجر: ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره. تق 520.
(2) تقدمت رجمته في ص: (186).
(3) هو: الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدله التميمي السعدي. كان اسمه: الحصين ولقب بذلك لحسن وجهه. وهو اسم من أسماء القمر. وذكر ابن إسحاق قدومه في وفد بني تميم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عمر بن عبد البر: ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه فأداها في الردة إلى أبي بكر فأقره عمر. ابن حجر/ الإصابة 1/544.
(4) تقدمت ترجمته في ص: (187).
(5) سَلْح: السّلاح بالضم: النجو ومن سَلَم يَسْلَم سَلْمًا. ابن منظور/ لسان العرب 6/322.
وسَلَح: راث فهو سالح والسُّلاح كلّ ما يخرج من البطن من الفضلات. المعجم الوسيط 1/443.
وفي بعض ألفاظ الأثر: ذرق عليه. والذرق أيضاً هو: ذرق الحباري بسلحه. وأذرق الطائر يَذْرُق ويَذْرِق ذَرْقاً وأذرق: خذق بسلحه، وقد يستعار في السبع و الثعلب. ابن منظور/ لسان العرب 5/39.(9/22)
عليه. فأمر به عمر رضي الله عنه فجعل في نقير بئر(1) ثم ألقى عليه حفصة(2). فقال الحطيئة:
ما ذا تقول لأفراخ(3) بذي مرخ(4)
حمر الحواصل(5) لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
فاغفر عليك سلام الله يا عمر
__________
(1) نَقير بئر: المِنقَرُ والمُنْقَرُ: بئر صغيرة، وقيل: بئر ضيقة الرأس، تحفر في الأرض الصُّلبة لئلا تهشم. ابن منظور/ لسان العرب 14/256، 257. وفي رواية ابن سلام في طبقات فحول الشعراء 1/116: فألقاه عمر في حفرة اتخذها محبساً.
(2) الحَفْصُ: زبيل من جلود، وقيل: زبيل صغير من آدم. ابن منظور/ لسان العرب 3/41. ولعل المراد أنه ألقى عليه قطعة من جلد حتى يحجب عنه النور.
(3) الفَرْخ: ولد الطائر.هذا الأصل وقد استعمل في كلّ صغير من الحيوان والنبات والشجر وغيرها. المصدر السابق 10/212.
(4) ذي مَرَخ: هو وادٍ بين فدك والوابشية خضر نضر كثير الشجر. قال ياقوت: وقال الحفصي في كتابه: الخارجة قرية لبني يربوع باليمامة وفيها يمر ذو مَرَخ. قال ياقوت: وأظن الوادي قرب فدك هو ذو مرخ. معجم البلدان 5/103.
(5) حمر الحواصل: في رواية الطبري في تهذيب الآثار 2/668: زغب الحواصل. والزَّغَبُ: الشعيرات الصفر على ريش الفرخ. وقيل: هو صغار الشعر والريش ولينه. وقيل: الزغب أوّل ما يبدو من شعر الصبيّ والمهر وريش الفرخ. ابن منظور/ لسان العرب 6/50.
والحواصل: جمع حوصلة. وهي في الطائر ما يجتمع فيه الطعام. المصدر السابق 3/208.
والحطيئة يصف أبناءه بصغر السن كالطائر الصغير الذي ما زال الزغب عليه ولم يغط الشعر حمرة لحم حوصلته.(9/23)
فأخرجه عمر وقال: إياك وهجاء الناس. قال: إذن تموت عيالي جوعاً، هذا كسبي ومنه معاشي. قال: فإياك والمقذع من القول. قال: وما المقذع؟ قال: أن تخاير بين الناس فتقول: فلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان. قال: أنت والله أهجى مني. ويقال إن عمر رضي الله عنه قال: والله لولا أن تكون سنة لقطعت لسانك(1)
__________
(1) رواه ابن سلام الجمحي/ طبقات فحول الشعراء 1/114، 117، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/121، 122، 3/1-3، الطبري/ تهذيب الآثار/ مسند عمر ابن الخطاب 2/668، 669، الخرائطي/ مساوئ الأخلاق ص: 37، 38.
وليس فيه عند الطبري والخرائطي ذكر للبيت الذي هجا فيه الحطيئة الزبرقان. أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 2/447-453، ابن الأثير/ أسد الغابة 2/194، 195، ابن حجر/ الإصابة 1/174.
وإسناده عند ابن سلام معضل. قال: أخبرني يونس النحوي قال: خرج... الأثر.
ويونس النحوي هو: أبو عبد الرحن يونس بن حبيب الضبيّ إمام النحو. توفي عام: 193 وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. 8/191.
وفي إسناده عند ابن شبه محمّد بن عباد بن عباد المهلبي قال الذهبي: قال الحربي وجماعة لم يكن بصيراً بالحديث. ميزان الاعتدال 3/589. وفيه محمّد بن الزبير الحنظلي متروك تق: 478.
ورواه من طريق آخر وفيه أحمد بن معاوية شيخ ابن شبه ذكره ابن أبي حاتم لم يذكره فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/76.
وفيه أبو عبد الرحمن الطائي لم أجد له ترجمة. وفيه عبد الله بن عياش لم أعرفه ولعله القتباني صدوق يغلط. تق: 377. وفيه أبو علاثة التيمي لم أجد له ترجمة. وفيه قيس بن فهد الأنصاري ذكره ابن حبان في الثقات 3/339. وقال: له صحبة. وذكره البخاري في التاريخ الكبير 7/142. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.وذكر ابن حجر الاختلاف في اسمه قيس بن عمرو أو قيس ابن قهد، أو قيس بن فهد. الإصابة 3/ 255، 257.
ورواه من طريق ثالث رجاله ثقات ولكنه معضل. من رواية عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ثقة من السابعة. تق: 257. روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة، وليس فيه ذكر للبيت الذي هجا به الحطيئة الزبرقان، بل فيه ذكر لإخراج عمر له من حبسه بعد تعطف الحطيئة له بأبيات ذكرها.
وفي إسناده عند الطبري محمّد بن الضحاك بن عثمان ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 7/290. وذكره ابن حبان في الثقات 9/59. يروي عن أبيه الضحاك بن عثمان الأسدي القرشي وهو صدوق من كبار العاشرة مات على رأس المائتين. تق: 279. وهو يروي عن عمر رضي الله عنه، فروايته عنه معضلة.
ورواه من طريق آخر رجاله ثقات ولكنه معضل أيضاً من رواية عبد الحكم ابن أعين بن عبد الله صاحب التاريخ عن عمر رضي الله عنه. وتوفي عبد الحكم سنة: 237. السير 11/162.
وإسناده عند الخرائطي رجاله ثقات. لكنه فيه إعضال بين الزبير بن بكار وهو ثقة من صغار العاشرة.تق: 214 وبين زيد بن أسلم العدوي وهو ثقة من الثالثة. تق: 222.
ورواه الأصفهاني من عدة طرق: الأولى معضلة من رواية محمّد بن سلام الجمحي صاحب طبقات الشعراء عن عمر وهو صدوق توفي سنة: 231. السير 10/651.
والثانية: من طريق محمّد بن سلام الجمحي عن يونس وهو معضلة.
يونس: هو ابن حبيب الضبيّ النحوي. توفي سنة: 183. وقد مرّت هذه الطريق عند ابن سلام.
والثالثة: فيها محمّد بن الحسن بن دريد الأديب قال الذهبي: قال الدارقطني: تكلموا فيه. السير 15/96، وهي معضلة من رواية أبي عبيدة. معمر بن المثنى النحوي توفي سنة: 209. السير 9/445.
والرابعة: يروي فيها الأصفهاني عن اليزيدي عن عمه عبيد الله لم أجد لها ترجمة. وفيها أبو حبيب الصواب في اسمه: اسمه ابن حبيب، وهو: محمّد بن حبيب بن أمية. ذكره ابن النديم في الفهرست ص: 136 ولم يذكر فيه لأحد جرحاً ولا تعديلاً. وهي معضلة من رواية ابن الأعرابي محمّد بن زياد اللغوي عن عمر، وهو متوفى سنة: 321هـ. السير 10/687.
ورواه من طريق خامس ولكن ليس في متنه ذكر للبيت الذي هجا به الحطيئة الزبرقان، وفي الإسناد شيخ الأصفهاني أحمد بن عبد العزيز الجوهري لم أجد له ترجمة، وفيه حبيب بن نصر المهلبي ذكره الخطيب ولم يذكره فيه جرحاً ولا تعديلاً. تاريخ بغداد 8/253. وفيه أحمد بن معاوية ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/76. وبقية رجال السند تكلم عليهم عند دراسة سند ابن شبه حيث يرويه عن أحمد بن معاوية عن أبي عبد الرحمن الطائي عن عبد الله بن عياش عن الشعبي قال: شهدت زياداً... الخ.
وأورده ابن الأثير وابن حجر من غير إسناد. وطرق الخبر المتقدّمة تثبت له أصلاً.(9/24)
.
قال ابن سلام الجمحي رحمه الله في سؤال عمر رضي الله عنه لحسان: ما تقول أهجاه؟ قال: وعمر يعلم من ذلك ما يعلم حسان ولكنه أراد الحجة على الحطيئة(1).
وقال العقاد رحمه الله: في قول عمر رضي الله عنه للزبرقان بن بدر رضي الله عنه: ما أسمع هجاء ولكنها معاقبة. قال: فنسي أنه الأديب الراوية ولم يذكر إلا أنه القاضي الذي يدرأ الحدود بالشبهات، ولا يحكم بما يعلم ون ما يعلمه أهل الصناعة(2).
3- ما روي من نقد عمر رضي الله عنه لشعر الحطيئة وتكذيبه فيه.
روي الأصفهاني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سبق على فرس له فجثا(3) على ركبته وقال: إنه لبحر(4).
فقال عمر رضي الله عنه: كذب الحطيئة يقول:
وإن جياد الخيل لا تستفزنا(5)
ولا جاعلات الريط(6) فوق المعاصم(7)
__________
(1) طبقات فحول الشعراء 1/116.
(2) عبقرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ص: 194، 195. وانظر: محمّد أحمد أبو النصر/ عمر بن الخطاب ص: 222.
(3) جَثَا يَجْثو، وَيَجْثِي جَثُوت وجثياً جلس على ركبته للخصومة ونحوها. ابن منظور/ لسان العرب 2/180.
(4) بَحْر: يسمى الفرس الواسع الجري بحراً. قال الأصمعي: يقال فرس بحر وفيض وسكب و حَثٌّ إذا كان جواداً كثير العدو. ابن منظور/ لسان العرب 1/324.
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان فزع بالمدينة فاستعار النبيّ صلى الله عليه وسلم فرساً من أبي طلحة يقال هل: المندوب، فلما رجع قال: ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحراً. فتح الباري 5/241.
(5) لا تَسْتَفزنا: استفزه: استخفه، ورجل فزٌّ، أي: خفيف. ابن منظور/ لسان العرب 10/257. ولعل المراد في البيت أي: تستخفنا بأن نهواها ونعجب بها، وتأخذ بعقولنا وفي ذلك نوع من الاستخفاف.
(6) الرَّيْطه: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ولم تكن لفقين، وقيل: هي كلّ ثوب دقيق. المصدر السابق 5/390.
(7) المَعَاصِم: جمع معصم، وهو موضع السوار من اليد. المصدر السابق 9/248.(9/25)
لو ترك هذا أحد لتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
ورى أن عمر رضي الله عنه أنشد قول الحطيئة:
__________
(1) رواه أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 2/445. قال: نسخت من كتاب لحماد ابن إسحاق حدّثني به أبي وأخبرني به عمي عن الكراني عن الرِّياشي قال: حدّثني محمّد بن الطفيل عن أبي بكر بن عياش عن الحارث بن عبد الرحمن عن مكحول قال: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث.
حماد بن إسحاق لعله التميمي المعروف بالموصلي ذكره الخطيب وقال: روى عن أبيه كتاب الأغاني ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. تاريخ بغداد 8/159. وأبوه هو: إسحاق بن إبراهيم بن ميمون أبو محمّد التميمي المعروف والده بالموصلي. قال إبراهيم الحربي كان إسحاق الموصلي ثقة صدوقاً عالماً. وهو صاحب كتاب الأغاني الذي يرويه عنه ابنه حماد. توفي سنة: 235هـ. المصدر السابق 6/338.
والكراني لم أجد له ترجمة.
والرِّياشي هو: عباس بن الفرج الرِّياشي أبو الفضل البصري ثقة من الحادية عشرة تق: 293.
ومحمّد بن الطفيل هو: ابن مالك النخعي صدوق من العاشرة تق: 285.
وأبو بكر بن عياش لم أعرفه، ولعله الأسدي ثقة من السابعة، أو السلمي مقبول من السابعة.
والحارث بن عبد الرحمن لعله الدوسي أو العامري وكلاهما صدوق من الخامسة تق: 624.
ومكحول لعله الشامي ثقة من الخامسة تق: 545. روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة.
والاحتمال الذي ذكرته في ترجمة أبي بكر بن عياش والحارث ومكحول، لأني لم أجد ذكراً لأبي بكر بن عياش في شيوخ محمّد بن الطفيل الذي روى عنه هنا. وكذلك لم أجد لابن الطفيل ذكراً في تلاميذ أبي بكر. وكذلك الحال في كلّ من الحارث بن عبد الرحمن الذي يروي عنه أبو بكر بن عباش، ومحكول الذي يروي عنه الحارث. ومكحول إن كان هو الشامي فروايته عن عمر معضلة فيكون الأثر ضعيفاً.(9/26)
متى تأته تعشو(1) إلى ضوء ناره
تجد خير نارٍ عندها خير موقد
فقال عمر: كذب بل تلك نار موسى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم (2).
4- موقفه من شعر زهير(3) بن أبي سلمى.
فال الجاحظ: قال العائشي: ولقد أنشدوه أي: عمر بن الخطاب رضي الله عنه شعراً لزهير، وكان شعره مقدماً فلما انتهوا إلى قوله:
وإن الحقّ مقطعه ثلاث
يمين(4) أو نفار(5) أو جلاء(6)
قال عمر رضي الله عنه - كالمعتجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينها وإقامته أقسامها -:
وإن الحقّ مقطعه ثلاث:
يمين أو نفار أو جلاء
__________
(1) عشا النار: رآها ليلاً على بعد فقصدها مستضيئاً بها، ومعنى البيت: أي: متى تأته لا تتبين ناره لضعف بصرك. ابن منظور/ لسان العرب 9/226.
(2) رواه أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 2/461. قال أخبرني الحسن بن عليّ حدّثنا محمّد بن موسى قال: حدثّنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني عن عليّ بن مجاهد عن هشام بن عروة أن عمر... الأثر.
أحمد بن الحارث الخزاز لم جد له ترجمة. و علىّ بن مجاهد لم أعرفه. وإن كان هو عليّ بن مجاهد بن مسلم القاضي الكابلي الذي ذكرته كتب التراجم فهو متروك تق: 405. وهشام بن عروة ثقة من الخامسة تق: 573، روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة. فالأثر ضعيف.
(3) هو: زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني من مضر حكيم الشعراء في الجاهلية وفي أئمة الأدب من يفضله على شعراء العرب كافة. قال ابن الأعرابي: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره، كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة. ولد في بلاد مزنية بنواحي المدينة. وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد. الزركلي/ الأعلام 3/52.
(4) يمين: أي: حَلِفاً باليمن.
(5) نِفَار: نافر الرجل منافرة ونِفاراً: حاكمه. ابن منظور/ لسان العرب 14/232.
(6) جلاء: الوضوح، وأراد به في البيت البينة والشهود. وقيل: أراد الإقرار. المصدر السابق 2/343.(9/27)
يردِّد البيت من التعجب(1).
وذكر أن عمر رضي الله عنه قال لابنة زهير: ما فعلت حلل هرم(2) بن سنان التي كساها أباك؟
قالت: أبلاها الدهر. قال: لكن ما كساه أبوك هرماً لم يبله الدهر.
وقيل: إنه رضي الله عنه قال لبعض ولد هرم بن سنان: أنشدني ما قال فيكم زهير. فأنشده، فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن. قال: يا أمير المؤمنين: إنا كنا نعطيه فنجزل. قال عمر: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم(3).
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال عمر بن الخطاب ليلة مسيره إلى الجابية: أين ابن عباس؟ قال: فأتيته... ثم قال: هل تروي لشاعر الشعراء؟ قلت: ومن هو؟ قال الذي يقول:
ولو أن حمداً يخلد الناس أخلدوا ولكن حمد الناس ليس بمخلد
قلت: ذاك زهير. قال فذاك شاعر الشعراء. قلت: وبم كان شاعر الشعراء؟ قال: لأنه كان لا يعاظل في الكلام، وكان يتجنب وحشي الشعر ولم يمدح أحداً إلا بما فيه.
__________
(1) البيان والتبيان 1/202.
(2) هرم بن سنان بن أبي حارثة المري من أجود العرب في الجاهلية يضرب به المثل وهو ممدوح زهير بن أبي سلمى. الزركلي/ الأعلام 8/82.
(3) رواه أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني فال: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدّثنا عمر بن شبه، وقال المهلبي في خبر له عن الأصمعي: قال أنشد عمر... الأثر.
أحمد بن عبد العزيز الجوهري لم أجد له ترجمة.
وحبيب بن نصر المهلبي، ترجم له الخطيب البغدادي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. تاريخ بغداد 8/253.
وعمر بن شبه هو: النميري صدوق من كبار الحادية عشرة تق: 413.
والأصمعي هو: عبد الملك بن قريب الباهلي صدوق من التاسعة تق: 364.
فالسند ضعيف للجهالة بحال المهلبي، وعمر بن شبه روايته عن عمر معضلة. وكذلك الأصمعي روايته عن عمر معضلة.
وأورد الخبر ابن رشيق في العمدة ص: 81 من غير سند.(9/28)
قال الأصمعي: يعاظل بين الكلام: يداخل فيه، ويقال: يتبع حَوشِيَّ الكلام وَوَحْشِيَّ الكلام والمعنى واحد(1)
__________
(1) رواه محمّد بن سلام/ طبقات فحول الشعراء 1/63. فقال: أخبرني عيسى بن يزيد بن داب بإسناد له عن ابن عباس قال: قال لي عمر... الأثر.
عيسى بن داب هو الليثي. قال الذهبي: كان إخبارياً علامة نسابة’ لكن حديثه واه. قال خلف الأحمر: كان يضع الحديث. وقال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 3/327، 328، لسان الميزان 4/408.
وفي الإسناد أيضاً جهالة بالرجال بين ابن داب وابن عباس رضي الله عنهما.
ورواه أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 10/443 فقال: أخبرني أحمد بن عبدالعزيز الجوهري، قال: حدّثنا عمر بن شبه، قال: حدّثنا هارون بن عمر قال: حدّثنا أيوب بن سويد، قال: حدّثنا يحيى بن يزيد عن عمر بن عبد الله الليثي عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب... الأثر.
وفي هذا السند أحمد بن عبد العزيز الجوهري شيخ أبي الفرج الأصفهاني لم أجد له ترجمة، وكذلك هارون بن عمر شيخ ابن شبه لم أجد له ترجمة، وأيوب بن سويد لم أعرفه. ولعله الرملي صدوق يخطئ من التاسعة تق: 118. وفيه كذلك يحيى بن يزيد وشيخه عمر بن عبد الله الليثي لم أجد لهما ترجمة. وبهذا السند روى أبو الفرج الكلام الذي دار بين عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما.
ورواه أبو الفرج من طريق آخر فقال: أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثنا عبد الله بن عمرو القيسي، قال: حدّثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان عن زيد بن ثابت عن عبد الله بن سفيان عن أبيه عن ابن عباس، قال: خرجت مع عمر... الأثر.
وفي هذا السند عبد الله بن عمرو القيسي لم أجد له ترجمة، ولم أجده في تلاميذ خارجة ولا في شيوخ ابن شبه.
وخارجة بن عبد الله صدوق له أوهام، وزيد بن ثابت المذكور في السند لم أعرفه. ولم أجده في شيوخ خارجة، وإنما روى خارجة عن أبيه عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت. وكذلك لم أجده في تلاميذ عبد الله بن أبي سفيان.
وعبد الله بن أبي سفيان لعله ابن أبي أحمد مقبول من الرابعة تق: 306. وأبوه لعله أبو سفيان مولى أبي أحمد. قيل: اسمه: وهب، وقيل: قزمان. ثقة من الثالثة. تق: 645. لم تذكر له روايته عن عمر رضي الله عنه.
وأورد هذا الخبر ابن رشيق في العمدة ص: 98 نقلاً عن ابن سلام الجمحي.(9/29)
.
5- موقفه رضي الله عنه من هجاء النجاشي(1) لبني العجلان قوم تميم(2) بن مقبل.
روي أن بني العجلان كان يفخرون بهذا الاسم لقصة كانت لصاحبه في تعجيل قرى الأضياف إلى أن هجاهم به النجاشي فضجروا منه وسبوا به فاستعدوا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، هجانا فقال: وما قال؟ فأنشدوه:
إذا الله عادى أهل لؤم وَرِقَّةٍ
فعادى بني عجلان رهط ابن مقبل
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما دعا عليكم ولعله لا يجاب، فقالوا: إنه قال:
قبيلة لا يغدرون بذمة
ولا يظلمون الناس حبة خردل
فقال عمر: ليتني من هؤلاء أو قال: ليت آل الخطاب كذلك أو كلاماً يشبه هذا. قالوا: فإنه قال:
ولا يردون الماء إلا عشية
إذا صدر الوُرَّاد عن كلّ منهل
فقال عمر: ذلك أقل للسكاك. يعني: الزحام، قالوا فإنه قال:
تعاف الكلاب الضاريات لحومهم
وتأكل من كعب بن عوف ونهشل
فقال عمر: كفى ضياعاً من تأكل الكلاب لحمه. قالوا: فإنه قال:
وما سمي العجلان إلا لقولهم
خذ القعب واحلب أيها العبد واعجل
__________
(1) النجاشي، هو: قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب بن كهلان شاعر هجاء مخضرم. اشتهر في الجاهلية والإسلام. أصله من بخران، وانتقل إلى الحجاز. قال البكري: النجاشي من أشراف العرب إلا أنه كان فاسقاً، وكانت أمه من الحبشة فنسب إليها. الزركلي/ الأعلام 5/207.
(2) تميم بن مقبل بن عوف بن حنفي بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أدرك الإسلام فأسلم. ابن حجر/ الإصابة 1/187.(9/30)
فقال عمر: كلنا عبد وخير قوم خادمهم. فقالوا: يا أمير المؤمنين هجانا فقال: ما أسمع ذلك. فقالوا: فاسأل حسان بن ثابت. فسأله فقال: ما هجاهم ولكن سلح(1) عليهم(2).
قال ابن رشيق: وكان عمر رضي الله عنه أبصر الناس بما قال النجاشي ولكن أراد أن يدرأ الحد بالشبهات. فلما قال حسان ما قال، سجن عمر النجاشي وقيل: إنه حده.
وقال: كان عمر رضي الله عنه عالماً بالشعر، قليل التعرض لأهله، استعداه رهط تميم بن أبي مقبل على النجاشي لما هجاهم، فأسلم النظر في أمرهم إلى حسان بن ثابت، فراراً من التعرض لأحدهما، فلما حكم حسان أنفذ عمر حكمه على النجاشي كالمقلد من جهة الصناعة، ولم يكن حسان على علمه بالشعر أبصر من عمر رضي الله عنه بوجه الحكم(3).
ولما ذكر من حبّ عمر رضي الله عنه لسماع الشعر وتمثله بأبيات منه في مناسبات عديدة ونقده له وعلمه بمعانيه روي أنه رضي الله عنه كان شاعراً.
قال الشعبي(4) - رحمه الله -: "كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان عليّ بن أبي طالب شاعراً(5)
__________
(1) تقدم شرحها في ص: (199).
(2) ذكره ابن قتيبة/ الشعر والشعراء ص: 152، من غير إسناد. وكذلك بان رشيق/ العمدة ص: 52 من غير إسناد. ونقل ابن حجر/ الإصابة 1/187 عن ثعلب في فوائده من رواية أبي الحسن بن مقسم عنه قال: قال أصحابنا... وذكر الرواية باختلاف يسير عما نقله ابن قتيبة وابن رشيق.
وثعلب هو: أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني مولاهم البغدادي. قال الذهبي: العلامة المحدّث إمام النحو. قال الخطيب: ثقة حجة دين صالح مشهور بالحفظ. مات في 291هـ. السير 14/5. روايته عن عمر رضي الله عنه معضلة. فالأثر ضعيف.
(3) العمدة ص: 76.
(4) عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، مشهور، فقيه، فاضل من الثالثة. قال مكحول: ما رأيت أفقه منه. مات بعد المائة وله نحو من ثمانين. تق: 287.
(5) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 159، 160، الطبري/ تهذيب الآثار/ مسند عمر بن الخطاب 2/637.
وسنده عند البلاذري رجاله ثقات سوى أبي الجحاف داود بن أبي عوف وثقه أحمد ويحيى. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن عدي: ليس هو عندي ممن يحتج به شيعي عامه ما يرويه في فضائل أهل البيت. ميزان الاعتدال 2/18. وقال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ تق: 199.
ورجال إسناده عند الطبري ثقات سوى عبيد بن أسباط القرشي فهو صدوق تق: 377. فالأثر صحيح بطريقيه إلى الشعبي.(9/31)
. أي: عالماً بالشعر وبمعانيه وأغراضه متذوقاً له".
لأن أهل النقد والأدب والشعر قديماً وحديثاً لم يذكروا عمر رضي الله عنه في الشعراء ولم تثبت عنه قصائد وأبيات من نظمه(1)، بل روي عنه رضي الله عنه أنه قال لمتمم بن نويرة أخي مالك(2) بن نويرة: "لو كنت شاعراً أثنيت على أخي(3) كما أثنيت على أخيك متمم". فقال: لو كان مهلك أخي كمهلك أخيك لتعزيت عنه. فقال عمر: "ما رأيت تعزية أحسن من هذه"(4)
__________
(1) انظر: محمّد أحمد أبو النصر/ عمر بن الخطاب ص: 209-217.
(2) مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد ثعلبه بن يربوع التميمي كان شاعراً شريفاً فارساً معدوداً في فرسان بني يربوع في الجاهلية. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات قومه، فلما بلغته وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم أمسك الصدقة وفرقها في قومه. قتله ضرار بن الأزور الأسدي صبراً بأمر خالد بن الوليد بعد فراغه من قتال الردة. ابن حجر/ الإصابة 3/357.
(3) أخو عمر رضي الله عنه هو: زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي، وكان أسن من عمر، وأسلم قبله وشهد بدراً، والمشاهد، واستشهد باليمامة. وكانت راية المسلمين معه سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر. وحزن عيله عمر حزناً شديداً. ولما قتل قال عمر: سبقني إلى الحسنيين: أسلم قبلي، واستشهد قبلي. ابن حجر/ الإصابة 1/565.
(4) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/378، ابن قتيبة/ الشعر والشعراء ص: 157، البلاذري/ أنساب الأشراف ص: 208، 413، 414، فتوح البلدان ص: 107، 108، أبو الفرج الأصفهاني/ الأغاني 15/205، البيهقي/ شعب الإيمان/ زغلول 7/252.
وفي إسناده عند ابن سعد والبلاذري الواقدي، وهو متروك.
ورواه ابن قتيبة من غير إسناد. ورجال إسناده عند أبي الفرج لم أجد لهم تراجم.
وفي إسناده عند البيهقي محمّد بن هانئ الطائي ذكره الخطيب البغدادي ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً تاريخ بغداد 3/370. وهو معضل من رواية خالد ابن سعيد بن عمرو بن سعيد عن عمر رضي الله عنه. وهو صدوق من الثامنة تق: 188. فالأثر ضعيف.(9/32)
.
وكان لعمر رضي الله عنه اهتمام بأخبار الجاهلية وخاصة ما له تعلق بالإسلام وأحكام الدين، فقد أرسل عمر رضي الله عنه إلى شيخ من بني زهرة كان قد أدرك الجاهلية فجاء الشيخ إلى عمر وهو في حِجر الكعبة، فسأله عمر رضي لله عنه عن أولاد من أولاد الجاهلية فقال الشيخ: أما النطفة فمن فلان، وأما الولد فعلى فراش فلان، فقال عمر: صدقت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالفراش، فلما ولى الشيخ دعاه عمر، فقال: أخبرني عن بناء الكعبة، فقال: إن قريشاً تقربت لبناء الكعبة، فعجزوا واستقصروا فتركوا بعضاً في الحجر، فقال عمر: صدقت(1).
ومما اختص به عمر رضي الله عنه من العلم صدق الحدس، وهو علم جِبلِّي خلقي، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك عن عمر حيث قال: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحَدَّثُون(2)، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب(3).
ومن الأخبار الدالة على اختصاص عمر رضي الله عنه بذلك، ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال: ما سمعت عمر رضي الله عنه يقول لشيء قط: إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن(4).
__________
(1) رواه عبدالرزاق/ المصنف 5/128،129، الحميدي/ المسند 1/15، البيهقي/ السنن الكبرى 7/402، وسنده عند عبد الرزاق متصل ورجاله ثقات، وراويه عن عمر أبو يزيد المكي وثقه العجلي وابن حبان ويقال: له صحبة. تق 685. فالأثر صحيح. قال: عن ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: حدّثني أبي أن عمر...الأثر.
(2) محدثون: هم الملهمون، والملهم هو الذي يلقى في نفسه الشيء، فيخبر به حدساً وفراسةً، وهو نوع يختص به الله عز وجل من يشاء من عباده الذين اصطفى مثل عمر. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 1/350.
(3) رواه البخاري/ الصحيح 2/261،295، مسلم/ الصحيح/شرح النووي 15/166 وغيرهما.
(4) رواه البخاري/ الصحيح 2/323.(9/33)
وقال علي رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر(1).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأيت عمر إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدده(2).
وقال عبد الله بن سلمة المرادي(3) رحمه الله: دخلنا على عمر معاشر مذحج(4)، وكنت من أقربهم منه مجلساً، فجعل عمر ينظر إلى الأشتر(5)ويصرف بصره، فقال: أمنكم هذا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: ماله قاتله الله، كفى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم شره، والله إني لأحسب أن للناس منه يوماً عصيباً(6).
__________
(1) رواه الجعد/ المسند 2/885، عبد الرزاق/ المصنف 11/222، ابن أبي شيبة/ المصنف 6/354، 223، أحمد/ المسند1/106، فضائل الصحابة 2/330، 395، 401، 410، 442، 444، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 1/461، 462، صحيح من طريق ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا عبد الله بن إدريس عن الشّيباني عن الشّعبي، قال: قال عليّ:...
(2) رواه ابن أبي شيبة/ المصنف 6/354، أحمد/ فضائل الصحابة 1/247، الفسوي/ المعرفة والتاريخ 1/462، الطبراني/ المعجم الكبير 9/181، 183، 186، صحيح عند ابن أبي شيبة.
قال: حدّثنا وكيع عن سفيان عن واصل عن أبي وائل، قال عبد الله: ما رأيت... الأثر.
(3) عبدالله بن سلمة المرادي، صدوق من الثانية. تق 306.
(4) مَذْحِج هو مالك بن أدد بن زيد بن يَشْجُب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ. ابن حزم/ جمهرة النسب ص485.
(5) الأَشْتر: هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الكوفي، كان من شيعة علي رضي الله عنه، وشهد معه الجمل وصفين ومشاهده كلها، وكان رئيس قومه، وله بلاء حسن في وقعة اليرموك، وذهبت عينه يومئذ وكان ممن سعى في الفتنة، وألب على عثمان رضي الله عنه، وشهد حصره، وروي أن عائشة رضي الله عنها دعت عليه. المزي/ تهذيب الكمال 27/127.
(6) رواه أبو بكر الخلال/ السنة ص516،517، ورجاله ثقات سوى عبدالله بن سلمة، فهو صدوق وسنده متصل. فالأثر حسن.(9/34)
ولعلّ مما يلتحق بذلك وهو من كرامات عمر رضي الله عنه ما رواه عبد الله ابن عمر أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بعث جيشاً وأمّر عليهم رجلاً يدعى سارية(1)، فبينما عمر يخطب الناس يوماً فجعل يصيح وهو على المنبر: "يا ساري الجبل يا ساري الجبل". قال: فقدم رسول الجيش، فسأله فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمناهم، فإذا بصائح يصيح: "يا ساري الجبل" فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله(2).
__________
(1) سارية بن زنيم بن عبد الله بن جابر الدؤلي كان مخضرماً وقال العسكري: روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يلقه. الإصابة 2/3.
(2) رواه ابن سعد الطبقة الرابعة/ 2/474-475، أحمد/ فضائل الصحابة 1/269-270، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص: 289.
وهو عند ابن سعد من طريق الواقدي، وسنده عند أحمد رجاله ثقات، سوى يحيى بن أيوب فقد وثّقه ابن معين والبخاري والحربي. وقال أبو حاتم: محله الصدق ولا يحتج به. وقال أبو داود: صالح. ميزان الاعتدال 4/362. وقال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ تق588.
وفيه محمّد بن عجلان صدوق تق: 496.
وهو عند ابن عساكر من طريق يحيى بن أيوب به. فالأثر حسن. وقد حسّنه ابن حجر في الإصابة 2/2-3. وحسّنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/101.(9/35)
وجاء في رواية أن عمر رضي الله عنه قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال ابن من؟ قال ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقه، قال: أين مسكنك؟ قال: الحرة، قال بأيها؟ قال: بذات لظى، قال: أدرك أهلك فقد احترقوا، فرجع الرجل، فوجد أهله قد احترقوا(1).
__________
(1) رواه مالك/ الموطأ 2/152، عبدالرزاق/ المصنف 11/43،44، ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/322، البلاذري/ أنساب الأشراف ص176،177، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص239، وسنده عند مالك فيه إعضال بين يحيى بن سعيد الأنصاري وهو ثقة من الخامسة. تق 591، وبين عمر بن الخطاب وعند عبدالرزاق فيه رجل مبهم حيث أن معمر يرويه عن رجل عن سعيد بن المسيب، لكن قال ابن حجر في الإصابة 1/263: رواه عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، ولم أجده.
والسند الذي ساقه ابن حجر رجاله ثقات ولكن سماع سعيد من عمر مختلف فيه كما تقدم في ص: (92).
وفيه عند البلاذري هشام بن محمد بن السائب الكلبي، تقدمت ترجمته في ص: (108).
وأبوه محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب، ورمي بالرفض. تق 479.
ورواه ابن شبه وابن عساكر من طريق مالك به مثله، وقال ابن حجر في الإصابة: وروينا في فوائد أبي القاسم بن بشران من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر.....
وهذا السند رجاله ثقات، ولكني لم أعرف حال الرجال بين أبي القاسم وموسى بن عقبة.(9/36)
وقال طارق بن شهاب(1) رحمه الله تعالى: كان رأي عمر كيقين آخر(2).
وجاء عنه أنه قال: إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به أنه كذب فهو عمر(3).
__________
(1) طارق بن شهاب بن عبد شمس الأحمسي قال أبو داود رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه. تق 281.
(2) رواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص239،240، فقال: أخبرنا أبو البركات عبدالوهاب بن المبارك أنا أبو الفضل بن خيرون أنا أبو القاسم عبدالملك بن محمد بن بشران أنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف أنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة نا أبي نا وكيع نا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، وهذا الإسناد رجاله ثقات سوى محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وثقه صالح جزرة، وقال ابن عدي: لم أرى له حديثاً منكراً، وهو على ماوصف ابن عبدان لا بأس به، وقال الخطيب: له معرفة وفهم، وله تاريخ كبير.
وكذبه عبدالله بن أحمد بن حنبل، وقال عطية: هو عصا موسى تلقف ما يأفكون. ميزان الاعتدال 3/642.
وقد دافع عنه المعلمي في التنكيل فقال: وأما التكذيب فإنه تفرد بنقله أحمد بن محمد بن سعيد بن عقده وليس بعمدة، ولا يقبل من ابن عقده ما ينقله من الجرح، ولا سيما إذا كان في مخالفه في المذهب كما هنا، ويؤكد ذلك هنا أن ابن عقده نقل التكذيب عن عشرة مشهورين من أهل الحديث، وتفرد بذلك كله فيما أعلم، فلم يروي غيره عن أحد منهم تكذيب محمد بن عثمان...الخ 1/474. فالأثر حسن إن شاء الله.
(3) رواه العسكري/ تصحيفات المحدثين 1/269، ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص240 وسنده عند العسكري فيه الحسين بن أحمد بن بسطام شيخ العسكري لم أجد له ترجمة، وفيه محمد بن ميمون الخياط البزار، صدوق ربما أخطأ، وبقية رجاله ثقات.(9/37)
ومن العلوم التي وهبها الله تعالى لعمر وعرف بها علم القيافة، قال الحكم بن أبي العاص(1): كنت قاعداً مع عمر بن الخطاب، فأتاه رجل فسلم عليه، فقال له عمر: بينك وبين أهل نجران(2) قرابة؟ قال الرجل: لا، قال عمر: بلى، قال الرجل: لا، قال عمر: بلى والله، أنشد الله كل رجل من المسلمين يعلم أن بين هذا وبين أهل نجران قرابة لما تكلم. فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين بلى بينه وبين أهل نجران قرابة من قبل كذا وكذا، فقال له عمر: مه فإنا نقفو الآثار(3).
وروي أن عمر رضي الله عنه مر به رجل ضخم طويل سبط(4)، ثم اتبعه رجل نحيف جعد أسود، فقال عمر: هما أخوان، فنظر فإذا هما أخوان، وكان عمر قائفاً(5).
المسألة الثالثة: أسرته وحياته المعيشية .
أولاً: أسرته .
1- زوجاته رضي الله عنه:
كان عدد من تزوج بهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أربع عشرة امرأة وهن:
__________
(1) الحكم بن أبي العاص الثقفي قال ابن سعد يقال له صحبه، وولاه أخوه عثمان البحرين فافتتح فتوحاً كثيرة. ابن حجر/ الإصابة 1/345، وقال أبو حاتم له صحبه. الجرح والتعديل 3/121.
(2) نَجْرَان: من مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا سمي بنجران بن زيدان بن سبأ ابن يشجب ابن يعرب بن قحطان، كان أول من عمرها ونزلها. ياقوت/ معجم البلدان 5/266.
أقول: وهي الآن من مدن المملكة العربية السعودية الحدودية الجنوبية.
(3) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/289، البلاذري/ أنساب الأشراف ص224، وسنده عند ابن سعد متصل ورجاله ثقات. فالأثر صحيح. قال: أخبرنا عارم ابن الفضل، قال: أخبرنا القاسم بن الفضل، قال: حدّثني معاوية بن قرة عن الحكم بن أبي العاص الثقفي، قال: كنت قاعداً مع عمر... الأثر.
(4) السَّبْط من الشعر: المنبسط المسترسل. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/334.
(5) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص283، وفيه سنده أشياخ المدائني مبهمون، قال البلاذري: المدائني عن أشياخه عن شريح. فالأثر ضعيف.(9/38)
1- أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، كانت زوجته رضي الله عنه في الجاهلية.
2- قريبة بنت أبي أمية المخزومية وكانت أيضاً زوجة له قبل الإسلام، وهاتان الزوجتان طلقهن عمر رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}(1)، وذلك بعد صلح الحديبية(2) من السنة السادسة للهجرة(3).
__________
(1) سورة الممتحنة آية: (10).
(2) الحُدَيْبِيَة: على 22كم غرب مكة على طريق جدة القديم وهو الطريق الذي يمر بالحديبية ثم حداء على بضع أكيال من الحديبية ثم على بحرة منتصف الطريق ثم على أم السلم فجده. البلادي/ معجم المعالم الجغرافية ص 94،95.
(3) رواه البخاري/ الصحيح 2/119-123، بلفظ:...فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ} حتى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}، فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. وأما تحديد اسم المرأتين فقد أورده البخاري من كلام الزهري حيث قال الزهري: بلغنا. ورواه أيضاً عبد الرزاق/ التفسير 2/288، المصنف 5/101،106،340، من كلام الزهري، والطبري/ التاريخ 2/124،125 من كلام ابن إسحاق. وروى البخاري في الصحيح 3/275 تحديد اسم قريبة فقط موصولاً عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت قريبة بنت أبي أمية عند عمر فطلقها فتزوجها معاوية بن أبي سفيان.(9/39)
3- زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحية، وهي التي رافقت عمر رضي الله عنه في هجرته إلى المدينة(1).
4- جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية تزوجها عمر رضي الله عنه سنة سبع من الهجرة ثم طلقها(2)
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 8/81، البلاذري/ أنساب الأشراف ص391، من غير سند، وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: قال أبو عمر هي زوجة عمر بن الخطاب ووالدة ولديه عبدالله وحفصة، ذكر الزبير أنها كانت من المهاجرات، وأخشى أن يكون وهماً لأنه قد قيل إنها ماتت بمكة قبل الهجرة، قلت: بل الوهم ممن قال ذلك، فقد ثبت عن عمر أنه قال في حق ولده عبدالله هاجر به أبواه، أخرجه البخاري من طريق نافع عن ابن عمر وذلك لما فضل أسامة بن زيد على عبدالله في القسم. الإصابة 4/319.
(2) رواه مالك/ الموطأ 2/516، 517، قال: عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت القاسم بن محمّد يقول وذكر الأثر. يحيى بن سعيد الأنصاري ثقة ثبت من الخامسة تق: 591. القاسم بن محمّد بن أبي بكر ثقة أحد الفقهاء السبعة تق: 451.
سعيد بن منصور/ السنن 2/109. قال: نا سفيان عن يحيى بن سعيد عن القاسم به.
ابن أبي شيبة/ المصنف 4/180. رواه من طريقين:
الأولى: من طريق مالك المتقدم، والثانية قال فيها: نا محمّد بن بشر قال: نا سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة عن سعيد بن المسيب.
محمّد بن بشر العبدي ثقة، تق: 469. سعيد بن أبي عروبة ثقة كان من أثبت الناس في قتادة، تق: 239.
ورجاله عند مالك وسعيد ابن منصور ثقات كما تقدم. لكن رواية القاسم بن محمّد بن أبي بكر عن عمر بن الخطاب منقطعة وإسناده عند ابن أبي شيبة فيه قتادة بن دعامة مدلّس، من الثالثة ولم يصرّح بالسماع، وسماع سعيد بن المسيب من عمر مختلف فيه. وقد تقد الكلام على ذلك في ص(92) وفي هذا الخبر ذكر لمخاصمة عمر لزوجته جميلة في ابنه منها عاصم فقضى أبو بكر رضي الله عنه بالحضانة لأم عاصم وبالنفقة على عمر.
وروى ابن سعد في طبقاته 3/266 بإسناد رجاله ثقات فيه انقطاع من رواية نافع مولى ابن عمر عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم جميلة امرأة عمر من عاصية إلى جميلة، فالخبر ضعيف.(9/40)
.
5- ابنة حفص بن المغيرة(1) تزوجها عمر رضي الله عنه بعد أن طلقها زوجها عبد الله بن أبي ربيعة(2)، فلما عرف عمر أنها عاقر لاتلد طلقها(3).
6- عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية تزوجها عمر رضي الله عنه بعد أن ولي الخلافة(4). وكانت قد تبتلت وامتنعت من الأزواج بعد وفاة زوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما(5)
__________
(1) لم أقف على اسمها فيما بحثت.
(2) عبدالله بن أبي ربيعة واسمه عمرو وقيل حذيفة المخزومي، وهو أخو عياش بن أبي ربيعة لأبويه، ولي الجند لعمر بن الخطاب، واستمر إلى أن جاء لينصر عثمان بن عفان رضي الله عنهم، فسقط عن راحلته بقرب مكة فمات. ابن حجر/ الإصابة 2/305.
(3) رواه الشافعي/ المسند ص377، ابن أبي شيبة/ المصنف 4/195، البيهقي/ السنن الكبرى 6/276، وفي سنده عند ابن أبي شيبة قتادة بن دعامة يروي عن عمر بن الخطاب، وروايته عنه منقطعة، وفيه عند الشافعي والبيهقي عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج، وهو ثقة مدلس من الثالثة،ولم يصرح بالسماع وفيه نافع مولى ابن عمر، روايته عن عمر منقطعة، فالخبر ضعيف، وهو مما يتساهل فيه.
(4) حدد ابن عبدالبر زواجه منها بسنة 12هـ، الاستيعاب 4/433.
(5) عبدالله بن أبي بكر الصديق شقيق أسماء بنت أبي بكر، ذكره ابن حبان في الصحابة، وثبت ذكره في البخاري في قصة الهجرة وقال عمر لم أسمع له بمشهد إلا في الفتح وحنين والطائف، مات في خلافة أبيه. انظر/ الإصابة 2/283.
رواه ابن سعد/ الطبقات 8/266، وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة صدوق له أوهام، وفيه يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب، ثقة من الثالثة، روايته عن عمر منقطعة.(9/41)
، وكانت عاتكة رضي الله عنها تصلي العشاء والفجر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يكره خروجها، فقيل لها: تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار، قالت: وما يمنعه أن ينهاني، قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا مساجد الله إماء الله"، وطعن عمر رضي الله عنه وزوجته عاتكة تصلي معه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
7- أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد استشهاد زوجها خالد بن سعيد بن العاص(2) رضي الله عنه بموقعة مرج الصفر ببلاد الشام(3)
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 1/160، وليس فيه تصريح باسم عاتكة بل فيه أن امرأة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. ورواه أحمد/ المسند 2/7 بإسناد متصل رجاله ثقات، وفيه زيادة أن عمر طعن وهي في المسجد، وأما تحديد اسمها بأنها عاتكة، فقد رواه مالك/ الموطأ 1/213، وفي سنده إعضال بين يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة من الخامسة وبين عمر بن الخطاب ولم تذكر له رواية عن عاتكة، ورواه أحمد/ المسند 1/40، وسنده رجاله ثقات سوى يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي فهو صدوق، وهو منقطع من رواية سالم ابن عبدالله بن عمر عن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورواه ابن سعد/ الطبقات 8/217، من رواية الواقدي.
(2) خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، أسلم قديماً، يقال إنه أسلم بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قتل بأجنادين في جمادى الأول سنة 13هـ، وقيل بمرج الصفر سنة 14هـ. ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/7،8.
(3) انظر: ابن سعد/ الطبقات 5/50 حيث ذكر أن أم حكيم هي والدة فاطمة ابنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ترجم لأم حكيم ابن عبدالبر/ الاستيعاب 2/7، وابن الأثير/ أسد الغابة 5/577، وابن حجر/ الإصابة 4/443، ولم يذكروا زواج عمر منها. وسيأتي ذكر ابنتها فاطمة في ذكر بنات عمر رضي الله عنه في ص: (114).
مَرْج الصُّفَّر: سهل واسع جنوبي دمشق يبعد عنها حوالي 38 كم بين قريتي الكوة وغباغب. أحمد عادل كمال/ الطريق إلى دمشق ص293.(9/42)
.
8- أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها، تزوجها عمر رضي الله عنه سنة سبع عشرة من الهجرة(1).
وكان عمر رضي الله عنه يبتغي من نكاحه أم كلثوم رضي الله عنهما القرب من نسب النبي صلى الله عليه وسلم، قال رضي الله عنه لما تزوجها: ألا تهنؤني؟! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل سبب ونسب منقطع إلا سببي ونسبي، فأحببت أن يكون بيني وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب"(2)
__________
(1) الطبري/ التاريخ 2/492 من غير سند، وروي أن عمر رضي الله عنه شاور العباس بن عبدالمطلب والحسين بن علي بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم في زواجه من أم كلثوم. وراه الطبراني/ المعجم الكبير 3/44، وإسناده رجاله ثقات، سوى شيخ الطبراني جعفر بن محمد بن سليمان النوفلي لم أجد له ترجمة.
(2) رواه عبد الرزاق/ المصنف 6/163. قال: عن معمر عن أيوب عن عكرمة. معمر بن راشد الأسدي ثقة، أيوب بن أبي تميمة ثقة، عكرمة مولى ابن عباس ثقة من الثالثة روايته عن عمر منقطعة.
سعيد بن منصور/ السنن 1/146، 147. قال: نا عبد العزيز بن محمّد عن جفعر ابن محمّد عن أبيه عن عمر وذكر الحديث.
عبد العزيز بن محمّد الدراوردي صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، تق: 358. وهو لا يروي عنه هنا. جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين الصادق صدوق تق: 141. وأبوه محمّد بن عليّ بن الحسين أبو جعفر الباقر، ثقة من الرابعة تق: 497. وروايته عن عمر منقطعة.
ابن سعد/ الطبقات 8/463. قال: أخبرنا أنس بن عياش الليثي عن جعفر ابن محمّد عن أبيه فذكره.
إسحاق بن راهويه/ المسند/ المطالب العالية لابن حجر 506/ أ قال: أنا سفيان عن جعفر بن محمّد عن أبيه به مثله.
الطبراني/ مجمع البحرين 6/331، 332. قال: حدّثنا محمّد بن الله الحضرمي ثنا الحسن بن سهل الخياط ثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر، محمّد بن عبد الله الحضرمي لقبه مطين الثقة الحافظ الكبير. تذكرة الحفاظ 662. الحسن بن سهل الخياط لعله الجعفي ذكره ابن حبان في الثقات 8/18. وعند ابن أبي حاتم 3/17: الحسن بن سهل الجفري ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. سفيان بن عيينة هو العالم الجليل المعروف. جعفر بن محمّد الصّادق وأبوه تقدما في سند سعيد بن منصور، وسماع محمّد بن عليّ أبي جعفر الباقر من جابر بن عبد الله رضي الله عنه ممكن فإنه ولد سنة: 56هـ. ومات جابر بن عبد الله رضي الله عنه بعد السبعين.
الحاكم/ المستدرك 3/142. حدّثنا الحسن بن يعقوب وإبراهيم عصمة العدلاني قالا: ثنا السّري بن خزيمة ثنا معلى بن راشد ثنا وهيب بن خالد عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن عليّ بن الحسين. الحسن بن يعقوب البخاري قال الذهبي: الشيخ الصدوق النبيل ولم ينقل فيه كلاماً لأحد. السير 15/433. السري بن خزيمة بن معاوية الإمام الحافظ الحجة قال الحاكم: هو فوق الثقة. سير أعلام النبلاء 13/245. المعلى بن راشد قال النسائي ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن حجر: مقبول. تهذيب الكمال 27/285. تق: 541. وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي ثقة ثبت لكنه تغير قليلاً بآخره. تق: 586.جعفر بن محمّد الصادق وأبوه تقدما. وعليّ بن الحسين زيد العابدين ثقة من الثالثة. تق: 400. روايته عن عمر منقطعة.
أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/231، 232. حدّثنا أبو أحمد بن جعفر ثنا محمّد ابن يونس ثنا بشر بن مهران ثنا شريك عن شبيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين أن عمر فذكره.
أبو أحمد بن جعفر لم أجد له ترجمة. محمّد بن يونس الكديمي البصري أحد المتروكين. قال ابن عدي: اتهم بالوضع. وقال أبو عبيد الآجري: رأيت أبا داود يطلق في الكديمي الكذب. ميزان الاعتدال 3/74-75. بشر بن مهران الخصاف قال ابن أبي حاتم: ترك أبي حديثه. ميزان الاعتدال 1/325. شريك ابن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة تق: 266. شبيب بن غرقدة ثقة تق: 264. المستظل بن حسين البارقي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقال: روى عن عمر وعليّ وروى عنه شبيب بن غرقدة. الجرح والتعديل 8/429.
حلية الأولياء 2/34. قال: حدّثنا سليمان بن أحمد ثنا جعفر بن سليمان النوفلي ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ثنا عبد العزيز بن محمّد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه. سليمان بن أحمد هو: الطبراني. جعفر بن محمّد النوفلي لم أجد له ترجمة. إبراهيم بن حمزة الزبيري صدوق تق: 89. عبد العزيز بن محمّد الدراوردي صدوق كان يحدّث من كتب غيره فيخطئ حديثه عن عبيد الله العمري منكر تق: 358. زيد بن أسلم ثقة تق: 228. أسلم مولى ابن عمر ثقة مخضرم تق: 104.
البيهقي/ السنن الكبرى 7/63، 64، 114. قال: أخبرنا أبو عبد الله ثنا الحسن بن يعقوب وإبراهيم بن عصمة ثنا السري بن خزيمة ثنا معلى بن أسد ثنا وهيب بن خالد عن جعفر بن محمّد عن أبيه تقدمت دراسته في سند بن منصور. فالأثر يرتقي بطرقه عند عبد الرّزّاق وسعيد بن منصور والطبراني والحاكم لدرجة الحسن لغيره.
وقال الإمام البيهقي رحمه الله في معرفة السنن والآثار 1/564: ونحن لا نقول بالمنقطع إذا كان مفرداً فإذا انضم إليه غيره أو انضم إليه قول بعض الصحابة أو ممن تتأكد به المراسيل ولم يعارضه ما هو أقوى منه فإنا نقول به.(9/43)
.
وروي أن مهر أم كلثوم رضي الله عنها الذي أمهرها إياه عمر رضي الله عنه كان أربعين ألفاً كما ذكر في بعض الروايات(1).
9- فاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية تزوجها عمر رضي الله عنه بعد وفاة زوجها الحارث بن هشام المخزومي(2) بطاعون عمواس(3)، وتربى ابنها عبد الرحمن في حجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه(4).
10- أم هنيدة الخزاعي(5).
11- سبيعة الأسلمية(6)
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 8/463، ابن أبي شيبة/ المصنف 3/494، البيهقي/ السنن الكبرى 7/233، وفي إسناده عند ابن سعد وابن أبي شيبة عطاء بن أبي مسلم الخرساني، صدوق يهم. تق 392، وروايته عن عمر منقطعة، وفي سنده عند البيهقي محمد بن داود بن دينار، اتهمه ابن عدي بالكذب. ميزان الاعتدال 3/540، وأورده ابن كثير في مسند الفاروق 1/392، نقلاً عن إسحاق بن المنذر وفي سنده محمد بن عبدالملك الأنصاري، قال يحيى الوحاظي: كان أعمى يضع الحديث ويكذب، وقال البخاري والنسائي: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 3/631، فالخبر ضعيف.
(2) تقدمت ترجمته في ص: (119).
(3) عِمَوَاس: ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس. ياقوت الحموي/ معجم البلدان 4/17، وفي المنجد عَمواس أو عمَّاوس قرية في فلسطين قرب القدس. ص380/ الأعلام.
(4) أورده ابن سعد/ الطبقات 5/5 من دون إسناد، الطبري/ التاريخ 2/516، من غير إسناد، الحاكم/ المستدرك 3/278 من طريق الواقدي، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 3/66.
(5) قال ابن حجر رحمه الله تعالى في ترجمة هنيدة الخزاعي: قال أبو إسحاق كانت أمه تحت عمر بن الخطاب ونقل ذلك أيضاً عن ابن حبان في الثقات. الإصابة 3/612، ابن حبان/ الثقات 5/515.
(6) قال ابن حجر: ذكر الفاكهي أن سبيعة بنت الحارث أول امرأة أسلمت بعد الحديبية، وتزوجها عمر بن الخطاب. الإصابة 4/324.
والذي وجدته في أخبار مكة للفاكهي: أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} نزلت في سبيعة بنت الحارث يوم الحديبية، حلت مهاجرة، وزوجها اسمه مسافر بن أسلم. 5/74.
وليس فيه ذكر لزواج عمر منها ولعل ذلك والله أعلم من كلام ابن حجر، وقد ترجم لها ابن عبدالبر في الاستيعاب 4/414، وابن الأثير في أسد الغابة/5/473، ولم يذكرا زواج عمر منها.
وفي إسناد الفاكهي مبهمان يرويان عن الكلبي عن أبيه. والكلبي هو هشام بن محمد. تقدمت ترجمته وأبوه في ص: (82).(9/44)
.
12- لهية أو نهية وهي من أهل اليمن، وقيل إنها كانت جارية لعمر وأم ولد(1).
13- سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو بن عبيد الأنصارية(2).
14- فكيهة أم ولد لعمر(3).
أما النساء اللاتي خطبهن عمر رضي الله عنه ولم يتزوج منهن فهن:
1- أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية خطبها عمر رضي الله عنه بعد وفاة زوجها أبي سلمة بن عبدالأسد المخزومي عقب غزوة أحد من جرح أصابه فيها(4)، فأرسل إليها فأبت(5).
__________
(1) الطبري/ التاريخ 2/564، وقال: قال المدائني: ولدت له عبدالرحمن الأصغر، ويقال كانت أم ولد، وقال: وقال الواقدي: ولدت له عبدالرحمن الأصغر، وعبدالرحمن الأوسط، وهي أم ولد.
وقال ابن حجر: جارية عمر أم عبدالرحمن أبي شحمة وقيل إنها نهية. الإصابة 4/399.
(2) ذكرها الزبيري في نسب قريش، وذكر أن ولدها من عمر بن الخطاب عبدالله الأصغر ص350.
(3) الطبري/ التاريخ 2/564، من غير سند، وقال: ولدت له زينب.
(4) ابن عبدالبر/ الإستيعاب 4/244.
(5) رواه أحمد/ المسند 6/313، أحمد بن منيع/ المسند، البوصيري/ إتحاف الخيره المهرة 3/96، 97، النسائي/ السنن الكبرى 3/286، أبو يعلى/ المسند 12/334، البيهقي/ السنن الكبرى 3/286، الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد 11/354، 355، وسند ابن منيع متصل ورجاله ثقات. قال: ثنا أبو النضر ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت أخبرني عمر بن أبي سلمة قال: جاء أبو سلمة... الأثر. فالأثر صحيح.(9/45)
2- فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم قال بريدة بن الحصيب(1) رضي الله عنه خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها صغيرة" فخطبها علي فزوجها منه(2).
3- أم أبان بنت عتبة(3)
__________
(1) بُرَيْدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج الأسلمي. أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وشهد الحديبية وكان ممن بايع بيعة الرضوان. مات بمرو غازياً في إمارة يزيد بن معاوية. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/263.
(2) رواه ابن سعد/ الطبقات 8/19، النسائي/ السنن 6/62، السنن الكبرى 3/265، الطبراني/ المعجم الكبير 4/34، ابن حبان/ الصحيح 9/51، الحاكم/ المستدرك 2/167،168، أبو نعيم/ معرفة الصحابة 1/196/أ، صحيح من طريق النسائي. قال: أخبرنا الحسين بن حريث، قال: حدّثنا الفضل ابن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: خطب عمر... الأثر. وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 2/678.
قال الإمام السندي رحمه الله في تعليقه على سنن النسائي: ففيه أن الموافقة في السن أو المقاربة مرعية لكونها أقرب إلى المؤالفة، نعم قد يترك ذاك لما هو أعلى منه كما في تزويج عائشة رضي الله عنها.
(3) أم أبان بنت عتبة بن زمعة بنت عبد شمس العبشية خالة معاوية. قال أبو عمر: لما قدمت الشام خطبها عمر وعليّ والزبير وطلحة، فأبت إلا من طلحة فتزوجها. لا أعلم لها رواية. قال ابن حجر: قلت هي والدة إسحاق بن طلحة وكانت زوج أبان بن سعيد بن العاص. فاستشهد في حرب الروم. الإصابة 4/429.
ولعل الصواب في اسم أبيها كما ورد عند الطبري والحاكم عتبة بن ربيعة، وليس ابن زمعة.(9/46)
بن ربيعة فقد روي أن عمر رضي الله عنه خطبها فأبته فقيل لها: ولم؟ قالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج ببأس قد أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه، كأنه ينظر إلى ربه بعينيه(1).
4- أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه روي أنه خطبها وأرسل إلى عائشة رضي الله عنها فكلمتها، فقالت أم كلثوم: لا حاجة لي فيه، فقالت عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين! قالت: نعم، إنه خشن العيش، شديد على النساء ... الخ(2).
__________
(1) رواه الطبري/ التاريخ 2/564، من غير سند وقال: قال المدائني: وخطب عمر... الخ الحاكم/ المستدرك 3/377، وفي سنده شيخه عبيدالله بن محمد ابن أحمد البلخي لم أجد له ترجمة، وسليمان بن أيوب القرشي صدوق يخطىء، وأبوه أيوب بن سليمان القرشي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح 2/248، ولم يذكر جرحاً ولا تعديلاً، وابن حبان/ الثقات 8/127، وقال إمام مسجد سلمية بحمص، وجده سليمان بن عيسى ذكره البخاري في تاريخه الكبير 4/30، ولم يذكر جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات 6/394، وانظر: ابن حجر/ الإصابة 4/429.
(2) ذكره الطبري/ التاريخ 2/564، من غير سند وقال: قال المدائني: وخطب... الخ، وابن قدامة/ التبيين في أسماء القرشيين ص317، وأورد ابن حجر ترجمتها ولم يذكر خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لها. الإصابة 4/493، وكذلك ابن عبدالبر/ الاستيعاب 4/414، وابن الأثير/ أسد الغابة 5/473.(9/47)
وقد روي أن عمر رضي الله عنه كان يحرص على كثرة النساء رغبة في الولد وتكثير النسل، فقد روي عنه قوله: إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبح الله(1).
__________
(1) رواه ابن سعد/ الطبقات 3/325، البلاذري/ أنساب الأشراف ص 227، ابن أبي الدنيا/ العيال 2/571،573، البيهقي/ السنن الكبرى 7/79، وفي سنده عند ابن سعد الواقدي وهو متروك وفيه عند البلاذري شيخه بكر بن الهيثم لم أجد له ترجمه وهو من كلام الزهري موقوف عليه وفيه عند ابن أبي الدنيا فهد ابن حبان النهشلي جرحه ابن المديني، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال أبو زرعة: منكر الحديث. ميزان الاعتدال 3/366، وهو من مرسل عروة بن الزبير عن عمر، وفيه عند البيهقي الهجنع بن قيس، قال الدراقطني: لا شيء. المصدر السابق 4/293. فالخبر ضعيف ولا شك أن طلب الولد الصالح كان من أسمى مقاصد سلفنا الصالح من النكاح وتعدد الزوجات.(9/48)
ورويت بعض الآثار التي تدل على شكوى عمر من نسائه وشدته عليهن وتأديبه لهن من ذلك أن جرير بن عبد الله(1) جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو إليه ما يلقى من النساء، فقال عمر: إنا لنجد ذلك حتى إني لأريد الحاجة، فيقال لي: ما تذهب إلا إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن، فقال له عند ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أما بلغك أن إبراهيم شكا إلى الله عز وجل ذرا(2) خلق سارة فقيل له: إنما خلقت من ضلع، فالبسها على ما كان فيها ما لم تر عليها خزية في دينها، فقال له عمر: لقد حشى الله بين أضلاعك علماً كثيراً(3)
__________
(1) جرير بن عبدالله بن جابر بن مالك بن نصر البَجلي كان إسلامه في العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه حين أقبل عليه واعداً: "يطلع عليكم خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك". توفي سنة: إحدى وخمسين. ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/309.
(2) في بعض الروايات (دَرْءاً) وهو: الخلاف والنشوز من الزوجة. ابن الأثير/ النهاية في غريب الحديث 2/110.
(3) رواه عبدالرزاق/ المصنف 7/303، ابن أبي شيبة/ المصنف 4/197، إسحاق ابن راهويه/ المسند/ البوصيري/ إتحاف الخيرة المهرة 3/78، ابن أبي الدنيا/ العيال 2/662، الطبراني/ المعجم الكبير 9/395، وفي سنده عند عبدالرزاق مبهمان. قال: عن عيينة عن شيخ منهم عن أبيه قال: جاء... الأثر.
رواه الطبراني من طريق عبد الرّزّاق.
وفيه عند ابن أبي شيبة عبيدة بن حميد التيمي صدوق ربما أخطأ. تق 379، وفيه نعيم بن حنظلة، قال الذهبي: لا يعرف، تفرد عنه دكين بن الربيع لكن وثقه العجلي وابن حبان. ميزان الاعتدال 4/270. قال ابن أبي شيبة: نا عبيدة بن حميد عن دكين عن نعيم بن حنظلة، قال: قدم جرير بن عبد الله.
وفيه عند ابن راهويه وابن أبي الدنيا أبو طلق عدي بن حنظلة بن نعيم الزهري، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 7/3،، وفيه عند ابن راهويه حنظلة بن نعيم العنزي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً 3/240، وأوس بن ثريب التغلبي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر جرحاً ولا تعديلاً. الجرح والتعديل 2/304.
قال ابن راهويه: قلت لأبي أسامة، أحدّثكم أبو طلق عن حنظلة: حدّثني أبي عن أوس بن ثريب؟ قال: أكريت جرير بن عبد الله في الحجّ فقدم على عمر... الأثر.
وقال ابن أبي الدّنيا: حدّثنا عليّ بن الجعد، حدّثنا ابن عيينة عن أبي طلق عن رجل سمع جريراً.(9/49)
.
وروي عن الأشعث(1) بن قيس قوله: ضفت عمر ليلة، فلما كان جوف الليل قام إلى امرأته يضربها، فحجزت بينهما، فلما آوى إلى فراشه، قال لي: يا أشعث، إحفظ عني شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل الرجل فيما يضرب امرأته..." الحديث(2).
وروي أن امرأة لعمر تكلمت في شيء من الأمر فانتهرها وقال: ما أنت وهذا، إنما أنتن لعب، فأقبلي على مغزلك، ولا تعرضي فيما ليس من شأنك(3).
ومن المعروف أن الحياة الزوجية قد يعرض لها ما يعكر صفوها بين الزوجين بسبب خطأ منهما أو من أحدهما، ولا يعتبر ذلك قادحاً في أحد الزوجين ونقصاً من قدره ومما لا شك فيه أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من رجال ونساء كانوا من أكمل الأمة وأفضلها ديناً وخُلقاً وحسن معاشرة لأهليهم ومجتمعهم.
2- أبناؤه:
__________
(1) الأَشْعَثُ بن قَيْس بن مَعْدِي كرِب الكندي قدم علىرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة: 10 في وفد كندة. كان رئيسهم. مات سنة: 42هـ وقيل: 40هـ بالكوفة. وصلى عليه الحسن بن عليّ رضي الله عنهما. ابن البر/ الاستيعاب 1/220.
(2) رواه الطيالسي/ المسند ص 10،20، ابن ماجه/ السنن 1/639، البزار/ المسند 1/356، الحاكم/ المستدرك 4/175، المقدسي/ المختارة 1/189. ومداره على عبد الرحمن المسلمي. قال الذهبي: لا يعرف إلا في حديثه عن الأشعث عن عمر: لا يسأل الرجل... الخ. تفرد عنه داود بن عبد الله الأودي. ميزان الاعتدال 2/602. قال ابن حجر: مقبول. تق 353، وبقية رجاله عند الطيالسي ثقات، وقد ضعف الأثر الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص151.
(3) رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص189 وفي سنده أبو هلال الراسبي، صدوق فيه لين، والحسن البصري روايته عن عمر منقطعة. فالأثر ضيعف.(9/50)
1- عبد الله بن عمر الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه،وهو أكبر ولد عمر رضي الله عنه وأمه زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحية، شهد المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى بدر وأحد حيث أنه استصغر يوم أحد وشهد غزوة الخندق، وما بعدها مع النبي صلى الله عليه وسلم(1).
وهاجر مع أبيه وأمه إلى المدينة وهو ابن عشر سنين، وبقي حتى مات سنة 73هـ(2).
وجاء في رواية أن عبد الله رضي الله عنه كان أحب ولد عمر إليه، فروي أنه قال ما من أهل ولا مال، ولا ولد إلا وأنا أحب أن أقول عليه: إنا لله وإنا إليه راجعون إلا عبد الله بن عمر فإني أحب أن يبقى في الناس بعدي(3).
2- عبد الرحمن الأكبر وأمه هي أم عبد الله زينب بنت مظعون(4).
__________
(1) رواه البخاري/ الصحيح 3/30. وانظر: ابن حجر/ فتح الباري 7/392.
(2) الزبيري/ نسب قريش ص 348،350، الطبري/ التاريخ 2/562،564 من كلام الواقدي، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي. وتقدم ما يتعلق بهجرته رضي الله عنه مع أبيه في ص: 159.
(3) رواه ابن أبي الدنيا/ العيال 1/302، وإسناده رجاله ثقات لكنه منقطع بين سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وهو ثقة من الثالثة. تق 239، وبين عمر بن الخطاب وأثبتها أبو أحمد الحاكم، وقال ابن عساكر: هو وهم. العلائي/ جامع التحصيل ص183.
(4) الزبيري/ نسب قريش ص348، الطبري/ التاريخ 2/563،564، من كلام الواقدي، وهشام الكلبي.(9/51)