قال ابن إسحاق : [ و حدثني بعض أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر يومئذ بامرأة قتلها خالد بن الوليد و الناس متقصفون عليها فقال لبعض أصحابه أدرك خالدا فقل له : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا ]
هكذا رواه ابن إسحاق منقطعا
و قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد حدثني المرقع بن صيفي عن جده رباح بن ربيع أخي بني حنظلة الكاتب أنه أخبره أنه رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها و على مقدمته خالد بن الوليد فمر رباح و أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون إليها و يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم على راحلته فانفرجوا عنها فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ما كانت هذه لتقاتل ! فقال لأحدهم : الحق خالدا فقل له : لا يقتلن ذرية و لا عسيفا ]
و كذلك رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجة من حديث المرقع بن صيفي به نحوه (3/638)
و كان سببها أن هوازن لما انهزمت ذهبت فرقة منهم فيهم الرئيس مالك بن عوف النصري فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها و سارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له أوطاس فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية من أصحابه عليهم أبو عامر الأشعري فقاتلوهم فغلبوهم ثم سار رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه الكريمة فحاصر أهل الطائف كما سيأتي
قال ابن إسحاق : و لما انهزم المشركون يوم حنين أتوا الطائف و معهم مالك بن عوف و عسكر بعضهم بأوطاس و توجه بعضهم نحو نخلة و لم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف و تبعت خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم من سلك الثنايا
قال : فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهان السلمي و يعرف بابن الدغنة ـ و هي أمه ـ دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله و هو يظن أنه امرأة و ذلك أنه في شجار لهم فإذا برجل فأناخ به فإذا شيخ كبير و إذا دريد بن الصمة و لا يعرفه الغلام فقال دريد : ماذا تريد بي ؟ قال : أقتلك قال : و من أنت ؟ قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا قال : بئس ما سلحتك أمك ! خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار ثم اضرب به و ارفع عن العظام و اخفض عن الدماغ فإني كذلك كنت أضرب الرجال ! ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب و الله يوم منعت فيه نساءك ! فزعم بنو سليم أن ربيعة قال : لما ضربته فوقع تكشف فإذا عجانه و بطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل إعراء
فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت : أما و الله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا
ثم ذكر ابن إسحاق ما رثت به عمرة بنت دريد أباها فمن ذلك قولها :
( قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا ... فظل دمعي على السربال ينحدر )
( لولا الذي قهر الأقوام كلهم ... رأت سليم و كعب كيف يأتمر )
( إذن لصبحهم غبا و ظاهرة ... حيث استقرت نواهم جحفل ذفر )
قال ابن إسحاق : و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه القتال فرمي أبو عامر فقتل فأخذ الراية أبو موسى الأشعري و هو ابن عمه فقاتلهم ففتح الله عليه و هزمهم الله عز و جل و يزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم فأصاب ركبته فقتله و قال :
( إن تسألوا عني فإني سلمة ... ابن سمادير لمن توسمه )
( أضرب بالسيف رءوس المسلمة )
قال ابن إسحاق : و حدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر و حديثه أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة إخوة من المشركين فحمل عليه أحدهم فحمل عليه أبو عامر و هو يدعوه إلى الإسلام و يقول : اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر
ثم جعل عليه آخر فحمل عليه أبو عامر و هو يدعوه إلى الإسلام و يقول : اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر ثم جعلوا يحملون عليه و هو يقول ذلك حتى قتل تسعة و بقي العاشر فحمل على أبو عامر و حمل عليه أبو عامر و هو يدعوه إلى الإسلام و يقول : اللهم اشهد عليه فقال الرجل : اللهم لا تشهد علي فكف عنه أبو عامر فأفلت فأسلم بعد فحسن إسلامه فكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا رآه قال : [ هذا شريد أبي عامر ]
قال : و رمى أبا عامر أخوان : العلاء و أوفى ابنا الحارث من بني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه و الآخر ركبته فقتلاه و ولى الناس أبو موسى فحمل عليهما فقتلهما فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما :
( إن الرزية قتل العلاء ... و أوفى جميعا و لم يسندا )
( هما القاتلان أبا عامر ... و قد كان داهية أربدا )
( هما تركاه لدى معرك ... كأن على عطفه مجسدا )
( فلم ير في الناس مثليهما ... أقل عثارا و أرمى يدا )
و قال البخاري : [ حدثنا محمد بن العلاء و حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد و هزم الله أصحابه ]
قال أبو موسى : [ و بعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته قال : فانتهيت إليه فقلت : يا عم من رماك ؟ فأشار إلى أبي موسى فقال : ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته و جعلت أقول له : ألا تستحي ألا تثبت ؟ فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبي عامر : قتل الله صاحبك قال : فانتزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء قال : يا ابن أخي أقرىء رسول الله صلى الله عليه و سلم السلام و قل له : استغفر لي
و استخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات فرجعت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته على سرير مزمل و عليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره و جنبيه فأخبرته بخبرنا و خبر أبي عامر و قوله : قل له : استغفر لي قال : فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال : اللهم اغفر لعبيد أبي عامر و رأيت بياض إبطيه ثم قال : اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك ـ أو من الناس فقلت : و لي فاستغفر فقال : اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه و أدخله يوم القيامة مدخلا كريما ]
قال أبو بردة : إحداهما لأبي عامر و الأخرى لأبي موسى رضي الله عنهما
و رواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء و عبد الله بن أبي براد عن أبي أسامة به نحوه
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان ـ هو الثوري ـ عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا نساء من سبي أوطاس و لهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن و لهن أزواج فسألنا النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية : { و المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } قال : فاستحللنا بها فروجهن ]
و هكذا رواه الترمذي و النسائي من حديث عثمان البتي به و أخرجه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري و قد رواه الإمام أحمد و مسلم و أبو داود و النسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة زاد مسلم و شعبة و الترمذي من حديث همام عن يحيى ثلاثتهم [ عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كفوا و تأثموا من غشيانهم فنزلت الآية في ذلك : { و المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ]
و هذا لفظ أحمد بن حنبل فزاد في هذا الإسناد أبا علقمة الهاشمي و هو ثقة و كان هذا هو المحفوظ و الله أعلم
و قد استدل جماعة من السلف بهذه الآية الكريمة على أن بيع الأمة طلاقها روي ذلك عن ابن مسعود و أبي بن كعب و جابر بن عبد الله و ابن عباس و سعيد بن المسيب و الحسن البصري
و خالفهم الجمهور مستدلين بحديث بريرة حيث بيعت ثم خيرت في فسخ نكاحها أو إبقائه فلو كان بيعها طلاقها لها لما خيرت
و قد تقصينا الكلام على ذلك في التفسير بما فيه كفاية و سنذكره إن شاء الله في الأحكام الكبير
و قد استدل جماعة من السلف على إباحة الأمة المشركة بهذا الحديث في سبايا أوطاس و خالفهم الجمهور و قالوا : هذه قضية عين فلعلهن أسلمن أو كن كتابيات و موضع تقرير ذلك في الأحكام الكبير إن شاء الله تعالى (3/640)
أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو أيمن بن عبيد و زيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد جمح به فرسه الذي يقال له الجناح فمات و سراقة بن مالك بن الحارث بن عدي الأنصاري من بني العجلان و أبو عامر الأشعري أمير سرية أوطاس فهؤلاء أربعة رضي الله عنهم (3/644)
فمن ذلك قول بجير بن زهير بن أبي سلمى :
( لولا الإله و عبده وليتم ... حين استخف الرعب كل جبان )
( بالجزع يوم حيالنا أقراننا ... و سوابح يكبون للأذقان )
( من بين ساع ثوبه في كفه ... و مقطر بسنابك و لبان )
( و الله أكرمنا و أظهر ديننا ... و أعزنا بعبادة الرحمن )
( و الله أهلكهم و فرق جمعهم ... و أذلهم بعبادة الشيطان )
قال ابن هشام : و يروي فيها بعض الرواة :
( إذ قام عم نبيكم و وليه ... يدعون يا لكتيبة الإيمان )
( أين الذين هم أجابوا ربهم ... يوم العريض و بيعة الرضوان )
و قال عباس بن مرداس السلمي :
( فإني و السوابح يوم جمع ... و ما يتلو الرسول من الكتاب )
( لقد أحببت ما لقيت ثقيف ... بجنب الشعب أمس من العذاب )
( هم رأس العدو من أهل نجد ... فقتلهم ألذ من الشراب )
( هزمنا الجمع جمع بني قسي ... و حكت بركها ببني ئاب )
( و صرما من هلال غادرتهم ... بأوطاس تعفر بالتراب )
( و لو لاقين جمع بني كلاب ... لقام نساؤهم و النقع كابي )
( ركضنا الخيل فيهم بين بس ... إلى الأورال تنحط بالنهاب )
( بذي لجب رسول الله فيهم ... كتيبته تعرض للضراب )
و قال عباس بن مرداس أيضا :
( يا خاتم النباء إنك مرسل ... بالحق كل هدى السبيل هداكا )
( إن الإله بنى عليك محبة ... في خلقه و محمدا سماك )
( ثم الذين وفوا بما عاهدتهم ... جند بعثت عليهم الضحاكا )
( رجلا به ذرب السلاح كأنه ... لما تكفنه العدو يراكا )
( يغشى ذوي النسب القريب و إنما ... يبغي رضا الرحمن ثم رضاكا )
( أنبئك أني قد رأيت مكرة ... تحت العجاجة يدمغ الإشراكا )
( طورا يعانق باليدين و تارة ... يفري الجماجم صارما فتاكا )
( يغشى به هام الكماة و لو ترى ... منه الذي عاينت كان شفاكا )
( و بنو سليم معنقون أمامه ... ضربا و طعنا في العدو دراكا )
( يمشون تحت لوائه كأنهم ... أسد العرين أردن ثم عراكا )
( ما يرتجون من القريب قرابة ... إلا لطاعة ربهم و هواكا )
( هذي مشاهدنا التي كانت لنا ... معروفة و ولينا مولاكا )
و قال عباس بن مرداس أيضا :
( عفا مجدل من أهله فمتالع ... فمطلي أريك قد خلا فالمصانع )
( ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا ... رخي و صرف الدهر للحي جامع )
( حبيبة ألوت بها غربة النوى ... لبين فهل ماض من العيش راجع )
( فإن تبغي الكفار غير ملومة ... فإني وزير للنبي و تابع )
( دعانا إليه خير وفد علمتهم ... خزيمة و المرار منهم و واسع )
( فجئنا بألف من سليم عليهم ... لبوس لهم من نسج داود رائع )
( نبايعه بالأخشبين و إنما ... يد الله بين الأخشبين نبايع )
( فجسنا مع المهدي مكة عنوة ... بأسيافنا و النقع كاب و ساطع )
( علانية و الخيل يغشى متونها ... حميم وآن من دم الجوف ناقع )
( و يوم حنين حين سارت هوازن ... إلينا و ضاقت بالنفوس الأضالع )
( صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا ... قراع الأعادي منهم و الوقائع )
( أمام رسول الله يخفق فوقنا ... لواء كخذروف السحابة لامع )
( عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول الله و الموت كانع )
( نذود أخانا عن أخينا و لو نرى ... مصالا لكنا الأقربين نتابع )
( و لكن دين الله دين محمد ... رضينا به فيه الهدى و الشرائع )
( أقام به بعد الضلالة أمرنا ... و ليس لأمر حمه الله دافع )
و قال عباس أيضا :
( تقطع باقي وصل أم مؤمل ... بعاقبة و استبدلت نية خلفا )
( و قد حلفت بالله لا تقطع القوى ... فما صدقت فيه و لا برت الحلفا )
( خفافية بطن العقيق مصيفها ... و تحتل في البادين وجرة فالعرفا )
( فإن تتبع الكفار أم مؤمل ... فقد زودت قلبي على نأيها شغفا )
( و سوف ينبئها الخبير بأننا ... أبينا و لم نطلب سوى ربنا حلفا )
( و أنا مع الهادي النبي محمد ... و فينا و لم يستوفها معشر ألفا )
( بفتيان صدق من سليم أعزة ... أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا )
( خفاف و ذكوان و عوف تخالهم ... مصاعب زافت في طروقتها كلفا )
( كأن نسيج الشهب و البيض ملبس ... أسودا تلاقت في مراصدها غضفا )
( بنا عز دين الله غير تنحل ... و زدنا على الحي الذي معه ضعفا )
( بمكة إذ جئنا كأن لواءنا ... عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا )
( على شخص الأبصار تحسب بينها ... إذا هي جالت في مراودها عزفا )
( غداة وطئنا المشركين و لم نجد ... لأمر رسول الله عدلا و لا صرفا )
( بمعترك لا يسمع القوم وسطه ... لنا زجمة إلا التذامر و النقفا )
( ببيض نطير الهام عن مستقرها ... و تقطف أعناق الكماة بها قطفا )
( فكائن تركنا من قتيل ملحب ... و أرملة تدعو على بعلها لهفا )
( رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي ... و لله ما يبدو جميعا و ما يخفى )
و قال عباس أيضا رضي الله عنه :
( ما بال عينك فيها عائر سهر ... مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر )
( عين تأوبها من شجوها أرق ... فالماء يغمرها طورا و ينحدر )
( كأنه نظم در عند ناظمه ... تقطع السلك منه فهو منتثر )
( يا بعد منزل من ترجو مودته ... و من أتى دونه الصمان فالحفر )
( دع ما تقدم من عهد الشباب فقد ... ولى الشباب و زار الشيب و الزعر )
( و اذكر بلاء سليم في مواطنها ... و في سليم لأهل الفخر مفتخر )
( قوم هم نصروا الرحمن و اتبعوا ... دين الرسول و أمر الناس مشتجر )
( لا يغرسون فسيل النخل وسطهم ... و لا تخاور في مشتاهم البقر )
( إلا سوابح كالعقبان مقربة ... في دارة حولها الأخطار و العكر )
( تدعى خفاف عوف في جوانبها ... و حي ذكوان لا ميل و لا ضجر )
( الضاربون جنود الشرك ضاحية ... ببطن مكة و الأرواح تبتدر )
( حتى رفعنا و قتلاهم كأنهم ... نخل بظاهرة البطحاء منقعر )
( و نحن يوم حنين كان مشهدنا ... للدين عزا و عند الله مدخر )
( إذ نركب الموت مخضرا بطائنه ... و الخيل ينجاب عنها ساطع كدر )
( تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا ... كما مشى الليث في غاباته الخدر )
( في مأزق من مجر الحرب كلكلها ... تكاد تأفل منه الشمس و القمر )
( و قد صبرنا بأوطاس أسنتنا ... لله ننصر من شئنا و ننتصر )
( حتى تأوب أقوام منازلهم ... لولا المليك و لولا نحن ما صدروا )
( فما ترى معشرا قلوا و لا كثروا ... إلا قد أصبح منا فيهم أثر )
و قال عباس أيضا رضي الله عنه :
( يا أيها الرجل الذي تهوى به ... وجناء مجمرة المناسم عرمس )
( إما أتيت على النبي فقل له ... حقا عليك إذا اطمأن المجلس )
( يا خير من ركب المطي و من مشى ... فوق التراب إذا تعد الأنفس )
( إنا وفينا بالذي عاهدتنا ... و الخيل تقدع بالكماة و تضرس )
( إذ سال من أفناء بهثة كلها ... جمع تظل به المخارم ترجس )
( حتى صبحنا أهل مكة فيلقا ... شهباء يقدمها الهمام الأشوس )
( من كل أغلب من سليم فوقه ... بيضاء محكمة الدخال و قونس )
( يروي القناة إذا تجاسر في الوغى ... و تخاله أسدا إذا ما يعبس )
( يغشى الكتيبة معلما و بكفه ... عضب يقد به و لدن مدعس )
( و على حنين قد وفى من جمعنا ... ألف أمد به الرسول عرندس )
( كانوا أمام المؤمنين دريئة ... و الشمس يومئذ عليهم أشمس )
( نمضي و يحرسنا الإله بحفظه ... و الله ليس بضائع من يحرس )
( و لقد حبسنا بالمناقب محبسا ... رضي الإله به فنعم المحبس )
( و غداة أوطاس شددنا شدة ... كفت العدو و قيل منها يا احبسوا )
( تدعو هوازن بالأخوة بيننا ... ثدي تمد به هوازن أيبس )
( حتى تركنا جمعهم و كأنه ... عير تعاقبه السباع مفرس )
و قال أيضا رضي الله عنه :
( من مبلغ الأقوام أن محمدا ... رسول الإله راشد حيث يمما )
( دعا ربه و استنصر الله وحده ... فأصبح قد وفى إليه و أنعما )
( سرينا و واعدنا قديدا محمدا ... يؤم بنا أمرا من الله محكما )
( تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا ... مع الفجر فتيانا و غابا مقوما )
( على الخيل مشدودا علينا دروعنا ... و رجلا كدفاع الأتي عرمرما )
( فإن سراة الحي إن كنت سائلا ... سليم و فيهم منهم من تسلما )
( و جند من الأنصار لا يخذلونه ... أطاعوا فما يعصونه ما تكلما )
( فإن تك قد أمرت في القوم خالدا ... و قدمته فإنه قد تقدما )
( بجند هداه الله أنت أميره ... تصيب به في الحق من كان أظلما )
( حلفت يمينا برة لمحمد ... فأكملتها ألفا من الخيل ملجما )
( و قال نبي المؤمنين تقدموا ... و حب إلينا أن نكون المقدما )
( و بتنا بنهي المستدير و لم يكن ... بنا الخوف إلا رغبة و تحزما )
( أطعناك حتى أسلم الناس كلهم ... و حتى صبحنا الجمع أهل يلملما )
( يضل الحصان الأبلق الورد وسطه ... و لا يطمئن الشيخ حتى يسوما )
( سمونا لهم ورد القطا زفه ضحى ... و كل تراه عن أخيه قد أحجما )
( لدن غدوة حتى تركنا عشية ... حنينا و قد سالت دوامعه دما )
( إذا شئت من كل رأيت طمرة ... و فارسها يهوي و رمحا محطما )
( و قد أحرزت منا هوازن سربها ... و حب إليها أن تخيب و تحرما )
هكذا أورد الإمام محمد بن إسحاق هذه القصائد من شعر عباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه و قد تركنا بعض ما أورده من القصائد خشية الإطالة و خوف الملالة ثم أورد من شعر غيره أيضا و قد حصل ما فيه كفاية من ذلك و الله أعلم (3/645)
قال عروة و موسى بن عقبة عن الزهري : قاتل رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين و حاصر الطائف في شوال سنة ثمان
و قال محمد بن إسحاق : و لما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها و صنعوا الصنائع للقتال
و لم يشهد حنينا و لا الطائف عروة بن مسعود و لا غيلان بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات و المجانيق و الضبور (3/652)
قال : ثم سار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الطائف حين فرغ من حنين فقال كعب بن ملك في ذلك :
( قضينا من تهامة كل ريب ... و خيبر ثم أجمعنا السيوفا )
( نخيرها و لو نطقت لقالت ... قواطعهن : دوسا أو ثقيفا )
( فلست لحاضن إن لم تروها ... بساحة داركم منا ألوفا )
( و ننتزع العروش ببطن وج ... و تصبح دوركم منكم خلوفا )
( و يأتيكم لنا سرعان خيل ... يغادر خلفه جمعا كثيفا )
( إذا نزلوا بساحتكم سمعتم ... لها مما أناخ بها رجيفا )
( بأيديهم قواضب مرهفات ... يزرن المصطلين بها الحتوفا )
( كأمثال العقائق أخلصتها ... قيون الهند لم تضرب كتيفا )
( تخال جدية الأبطال فيها ... غداة الزحف جاديا مدوفا )
( أجدهم أليس لهم نصيح ... من الأقوام كان بنا عريفا )
( يخبرهم بأنا قد جمعنا ... عتاق الخيل و النجب الطروقا )
( و أنا قد أتيناهم بزحف ... يحيط بسور حصنهم صفوفا )
( رئيسهم النبي و كان صلبا ... نقي القلب مصطبرا عزوفا )
( رشيد الأمر ذا حكم و علم ... و حلم لم يكن نزقا خفيفا )
( نطيع نبينا و نطيع ربا ... هو الرحمن كان بنا رءوفا )
( فإن تلقوا إلينا السلم نقبل ... و نجعلكم لنا عضدا و ريفا )
( و إن تأبوا نجاهدكم و نصبر ... و لا يك أمرنا رعشا ضعيفا )
( نجالد ما بقينا أو تنيبوا ... إلى الإسلام إذعانا مضيفا )
( نجاهد لا نبالي ما لقينا ... أأهلكنا التلاد أم الطريفا )
( و كم من معشر ألبوا علينا ... صميم الجذم منهم و الحليفا )
( أتونا لا يرون لهم كفاء ... فجدعنا المسامع و الأنوفا )
( بكل مهند لين صقيل ... نسوقهم بها سوقا عنيفا )
( لأمر الله و الإسلام حتى ... يقوم الدين معتدلا حنيفا )
( و تنسى اللات و العزى و ود ... و نسلبها القلائد و الشنوفا )
( فأمسوا قد أقروا و اطمأنوا ... و من لا يمتنع يقبل خسوفا )
و قال ابن إسحاق : فأجابه كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي :
قلت : قد وفد على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك في وفد ثقيف فأسلم معهم
قاله موسى بن عقبة و أبو إسحاق و أبو عمر بن عبد البر و بن الأثير و غير واحد و زعم المدائني أنه لم يسلم بل صار إلى بلاد الروم فتنصر و مات بها :
( من كان يبغينا يريد قتالنا ... فإنا بدار معلم لا نريمها )
( وجدنا بها الآباء من قبل ما ترى ... و كانت لنا أطواؤها و كرومها )
( و قد جربتنا قبل عمرو بن عامر ... فأخبرها ذو رأيها و حليمها )
( و قد علمت ـ إن قالت الحق ـ أننا ... إذا ما أتت صعر الخدود نقيمها )
( نقومها حتى يلين شريسها ... و يعرف للحق المبين ظلومها )
( علينا دلاص من تراث محرق ... كلون السماء زينتها نجومها )
( نرفعها عنا ببيض صوارم ... إذا جردت في غمرة لا نشيمها )
قال ابن إسحاق : و قال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الطائف :
( لا تنصروا اللات إن الله مهلكها ... و كيف ينصر من هو ليس ينتصر )
( إن التي حرقت بالسد فاشتعلت ... و لم تقاتل لدى أحجارها هدر )
( إن الرسول متى ينزل بلادكم ... يظعن و ليس بها من أهلها بشر )
قال ابن إسحاق : فسلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ يعني من حنين إلى الطائف ـ على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم على المليح ثم على بحرة الرغاء من لية فابتنى بها مسجدا فصلى فيه (3/652)
قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب أنه عليه السلام أقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم و هو أول دم أقيد في الإسلام رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو بلية [ بحصن مالك بن عوف فهدم ]
قال ابن إسحاق : ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة فلما توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم سأل عن اسمها فقال : [ ما اسم هذه الطريق ؟ فقيل : الضيقة فقال : بل هي اليسرى ثم خرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريبا من مال رجل ثقيف فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم : إما أن تخرج إلينا و إما أن نخرب عليك حائطك فأبى أن يخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بإخرابه ] (3/655)
و قال ابن إسحاق : [ عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير سمعت عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا قبر أبي رغال و هو أبو ثقيف و كان من ثمود و كان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه و آية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه قال : فابتدره الناس فاستخرجوا معه الغصن ]
و رواه أبو داود عن يحيى بن معين عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق به
و رواه البيهقي من حديث يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية به (3/655)
قال ابن إسحاق : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل قريبا من الطائف فضرب به عسكره فقتل ناس من أصحابه بالنبل و ذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف فتأخروا إلى موضع مسجده عليه السلام اليوم بالطائف الذي بنته ثقيف بعد إسلامها بناه عمرو بن أمية بن وهب و كانت فيه سارية لا تطلع عليها الشمس صبيحة كل يوم إلا سمع لها نقيض فيما يذكرون
قال : فحاصرهم بضعا و عشرين ليلة قال ابن هشام : و يقال سبعة عشرة ليلة
و قال عروة و موسى بن عقبة عن الزهري : [ ثم سار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الطائف و ترك السبي بالجعرانة و ملئت عرش مكة منهم فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة يقاتلهم و يقاتلونه من وراء حصنهم و لم يخرج إليه أحد منهم غير أبي بكرة بن مسروح أخي زياد لأمه فأعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم و كثرت الجراح و قطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها فقالت لهم ثقيف : لا تفسدوا الأموال فإنها لنا أو لكم ]
و قال عروة : [ أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم كل رجل من المسلمين أن يقطع خمس نخلات و خمس حبلات و بعث مناديا ينادي : من خرج إلينا فهو حر فاقتحم إليه نفر منهم فيهم أبو بكرة بن مسروح أخو زياد بن أبي سفيان لأمه فأعتقهم ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يعوله و يحمله ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يزيد حدثنا حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعتق من جاءه من العبيد قبل مواليهم إذا أسلموا و قد أعتق يوم الطائف رجلين ]
و قال أحمد : [ حدثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل الطائف فخرج إليه عبدان فأعتقهما أحدهما أبو بكرة و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتق العبيد إذا خرجوا إليه ] (3/656)
و قال أحمد أيضا : [ حدثنا نصر بن رئاب عن حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الطائف : من خرج إلينا من العبيد فهو حر ]
فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم
هذا الحديث تفرد به أحمد و مداره على الحجاج بن أرطاة و هو ضعيف
لكن ذهب الإمام أحمد إلى هذا فعنده أن كل عبد جاء من دار الحرب إلى دار الإسلام عتق حكما شرعيا مطلقا عاما
و قال آخرون : إنما كان هذا شرطا لا حكما عاما
و لو صح الحديث لكان التشريع العام أظهر كما في قوله عليه السلام : [ من قتل قتيلا فله سلبه ]
و قد قال يونس بن بكير [ عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن المكرم الثقفي قال : لما حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل الطائف خرج إليه رقيق من رقيقهم أبو بكرة عبد الحارث بن كلدة و المنبعث و كان اسمه المضطجع فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم المنبعث و يحنس و وردان في رهط من رقيقهم فأسلموا فلما قدم وفد أهل الطائف فأسلموا قالوا : يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك قال : لا أولئك عتقاء الله ورد على ذلك الرجل ولاء عبده فجعله إليه ]
و قال البخاري : [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا عثمان قال : سمعت سعدا ـ و هو أول من رمى بسهم في سبيل الله و أبا بكرة و كان تسور حصن الطائف في أناس فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ قالا : سمعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من ادعى إلى غير أبيه و هو يعلمه فالجنة عليه حرام ]
و رواه مسلم من حديث عاصم به
قال البخاري : و قال هشام : [ أنبأنا معمر عن عاصم عن أبي العالية أو أبي عثمان النهدي قال : سمعت سعدا و أبا بكرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال عاصم : قلت : لقد شهد عندك رجلان حسبك بهما قال : أجل : أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله و أما الآخر فنزل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثالث ثلاثة و عشرين من الطائف ] (3/657)
قال محمد بن إسحاق : و كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة فضرب لهما قبتين فكان يصلي بينهما فحاصرهم و قاتلهم قتالا شديدا و تراموا بالنبل قال ابن هشام : [ و رماهم بالمنجنيق
فحدثني من أثق به أن النبي صلى الله عليه و سلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق رمى به أهل الطائف ]
و ذكر ابن إسحاق أن نفرا من الصحابة دخلوا تحت دبابة ثم زحفوا ليحرقوا جدار أهل الطائف فأرسلت عليهم سكك الحديد محماة فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا فحينئذ أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم [ بقطع أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون ]
قال : و تقدم أبو سفيان بن حرب و المغيرة بن شعبة فناديا ثقيفا بالأمان حتى يكلموهم فأمنوهم فدعوا نساء من قريش و بني كنانة ليخرجن إليهم و هما يخافان عليهن السباء إذا فتح الحصن فأبين فقال لهما أبو الأسود بن مسعود : ألا أدلكما على خير مما جئتما له ؟ إن مال أبي الأسود حيث قد علمتما و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم نازلا بواد يقال له العقيق و هو بين مال بني الأسود و بين الطائف و ليس بالطائف مال أبعد رشاء و لا أشد مؤنة و لا أبعد عمارة منه و إن محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله و للرحم [ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تركه لهم ]
و قد روى الواقدي عن شيوخه نحو هذا و عنده أن سلمان الفارسي هو الذي أشار بالمنجنيق و عمله بيده و قيل قدم به و بدبابتين فالله أعلم
و قد أورد البيهقي [ من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة أن عيينة بن حصن استأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في أن يأتي أهل الطائف فيدعوهم إلى الإسلام فأذن له فجاءهم فأمرهم بالثبات في حصنهم و قال : لا يهولنكم قطع ما قطع من الأشجار في كلام طويل
فلما رجع قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما قلت لهم ؟ قال : دعوتهم إلى الإسلام و أنذرتهم النار و ذكرتهم بالجنة فقال : كذبت بل قلت لهم كذا و كذا فقال : صدقت يا رسول الله أتوب إلى الله و إليك من ذلك ] (3/658)
و قد روى البيهقي [ عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ابن أبي نجيح السلمي و هو عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال : حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قصر الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من بلغ بسهم فله درجة في الجنة فبلغت يومئذ ستة عشر سهما
و سمعته يقول : من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر و من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة و أيما رجل أعتق رجلا مسلما فإن الله جاعل كل عظم من عظامه وقاء كل عظم بعظم و أيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل كل عظم من عظامها وقاء كل عظم من عظامها من النار ]
و رواه أبو داود و الترمذي و صححه النسائي من حديث قتادة به (3/659)
و قال البخاري : [ حدثنا الحميدي سمع سفيان حدثنا هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم و عندي مخنث فسمعه يقول لعبد الله بن أبي أمية : أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع و تدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يدخلن هؤلاء عليكن ]
قال ابن عيينة : و قال ابن جريج : المخنث هيت
و قد رواه البخاري أيضا و مسلم [ من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه به و في لفظ : و كانوا يرونه من غير أولي الإربة من الرجال و في لفظ : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا أرى هذا يعلم ما هاهنا ؟ لا يدخلن عليكن هؤلاء ]
يعني إذا كان ممن يفهم ذلك فهو داخل في قوله تعالى : { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }
والمراد بالمخنث في عرف السلف الذي لا همة له إلى النساء و ليس المراد به الذي يؤتى إذ لو كان كذلك لوجب قتله حتما كما دل عليه الحديث و كما قتله أبو بكر الصديق رضي الله عنه
ومعنى قوله : تقبل بأربع و تدبر بثمان يعني بذلك عكن بطنها فإنها تكون أربعا إذا أقبلت ثم تصير كل واحدة ثنتين إذا أدبرت و هذه المرأة هي بادية بنت غيلان بن سلمة من سادات ثقيف
و هذا المخنث قد ذكر البخاري [ عن ابن جريج أن اسمه هيت و هذا هو المشهور لكن قال يونس عن ابن إسحاق قال : و كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مولى لخالته بنت عمرو بن عابد مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته و لا يرى أنه يفطن لشيء من أمور النساء مما يفطن إليه الرجال و لا يرى أن له في ذلك أربا فسمعه و هو يقول لخالد بن الوليد : يا خالد إن افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم الطائف فلا تنفلتن منكم بادية بنت غيلان فإنها تقبل بأربع و تدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين سمع هذا منه : ألا أرى هذا يفطن لهذا الحديث ثم قال لنسائه : لا يدخلن عليكن فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ] (3/660)
و قال البخاري : [ حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي العباس الشاعر الأعمى عن عبد الله بن عمرو قال : لما حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم الطائف فلم ينل منهم شيئا قال : إنا قافلون غدا إن شاء الله فثقل عليهم و قالوا : نذهب و لا نفتح ؟ فقال : اغدوا على القتال فغدوا فأصابهم جراح فقال : إنا قافلون غدا إن شاء الله فأعجبهم فضحك النبي صلى الله عليه و سلم و قال سفيان موة : فتبسم ]
و رواه مسلم من حديث سفيان بن عينة به و عنده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب و اختلف في نسخ البخاري ففي نسخة كذلك و في نسخة عن عبد الله بن عمرو بن العاص فالله أعلم
و قال الواقدي : [ حدثني كثير بن زيد بن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال : لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف استشار رسول الله صلى الله عليه و سلم نوفل بن معاوية الديلي فقال : يا نوفل ما ترى في المقام عليهم ؟ قال : يا رسول ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته و إن تركته لم يضرك ]
قال ابن إسحاق : و قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر و هو محاصر ثقيفا : [ يا أبا بكر إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك فهراق ما فيها فقال أبو بكر رضي الله عنه : ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و أنا لا أرى ذلك
قال : ثم إن خولة بنت حكيم السلمية و هي امرأة عثمان بن مظعون قالت : يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك حلي بادية بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقبل ـ و كانت من أحلى نساء ثقيف ـ فذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لها : و إن كان لم يؤذن في ثقيف يا خويلة ؟ فخرجت خولة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلته ؟ قال : قد قلته قال : أو ما أذن فيهم ؟ قال : لا قال : أفلا أؤذن بالرحيل ؟ قال : بلى ]
فأذن عمر بالرحيل فلما استقبل الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج : ألا إن الحي مقيم قال : يقول عيينة بن حصن : أجل و الله مجدة كراما
فقال له رجل من المسلمين : قاتلك الله يا عيينة ! أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد جئت تنصره ؟ فقال : إني و الله ما جئت لأقاتل ثقيفا معكم و لكن أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف جارية أطؤها لعلها تلد لي رجلا فإن ثقيفا منا كير
و قد روى ابن لهيعة [ عن أبي الأسود عن عروة قصة خولة بنت حكيم و قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قال : و تأذين عمر بالرحيل قال : و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس ألا يسرحوا ظهرهم فلما أصبحوا ارتحل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و دعا حين ركب قافلا فقال : اللهم اهدهم و اكفنا مؤنتهم ] (3/661)
و روى الترمزي من [ حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قالوا : يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال : اللهم اهد ثقيفا ]
ثم قال : هذا حديث حسن غريب
و روى يونس عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر و عبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم : قالوا : حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك ثم انصرفوا عنهم و لم يؤذن فيهم فقدم المدينة فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا
و سيأتي ذلك مفصلا في رمضان من سنة تسع إن شاء الله (3/663)
و هذه تسمية من استشهد من المسلمين بالطائف فيما قاله ابن إسحاق :
فمن قريش سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية و عرفطة بن جناب حليف لبني أمية بن الأسد بن الغوث و عبد الله بن أبي بكر الصديق رمي بسهم فتوفي منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي من رمية رميها يومئذ و عبد الله بن عامر بن ربيعة حليف لبني عدي و السائب بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي و أخوه عبد الله و جليجة بن عبد الله من بني سعد بن ليث و من الأنصار ثم من الخزرج ثابت بن الجذع الأسلمي و الحارث بن سهل بن أبي صعصعة المازني و المنذر بن عبد الله من بني ساعدة و من الأوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لودان بن معاوية فقط
فجميع من استشهد يومئذ اثنا عشرة رجلا سبعة من قريش و أربعة من الأنصار و رجل من بني ليث رضي الله عنهم أجمعين
قال ابن إسحاق : و لمل انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا عن الطائف قال بجير بن زهير بن سلمى يذكر حنينا و الطائف :
( كانت علالة يوم بطن حنين ... و غداة أوطاس و يوم الأبرق )
( جمعت بإغواء هوازن جمعها ... فتبددوا كالطائر المتمزق )
( لم يمنعوا منا مقاما واحدا ... إلا جدارهم و بطن الخندق )
( و لقد تعرضنا لكيما يخرجوا ... فاستحصنوا منا بباب مغلق )
( ترتد حسرانا إلى رجراجة ... شهباء تلمع بالمنايا فيلق )
( ملمومة خضراء لو قذفوا بها ... حصنا لظل كأنه لم يخلق )
( مشى الضراء على الهراس كأننا ... قدر تفرق في القياد و يلتقي )
( في كل سابغة إذا ما استحصنت ... كالنهي هبت ريحه المترقرق )
( جدل تمس فضولهن نعالنا ... من نسج داود و آل محرق ) (3/663)
و قال أبو داود : [ حدثنا عمر بن الخطاب أبو حفص حدثنا الفريابي حدثنا أبان حدثنا عمرو ـ هو ابن عبد الله بن أبي حازم ـ حدثنا عثمان بن أبي حازم عن أبيه عن جده صخر ـ هو أبو العيلة الأحسمي ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا ثقيفا فلما أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يمد النبي صلى الله عليه و سلم فوجده قد انصرف و لم يفتح فجعل صخر حينئذ عهدا و ذمة لا أفارق هذا القصر حتى ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم ز و لم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم و كتب إليه صخر : أما بعد فإن ثقيفا قد نزلت على حكمك يا رسول الله و أنا مقبل بهم و هم في خيلي
فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة جامعة فدعا الأحمس عشرة دعوات : اللهم بارك لأحمس في خيلها و رجالها
و أتى القوم فتكلم المغيرة بن شعبة فقال : يا رسول الله إن صخرا أخذ عمتي و دخلت فيما دخل فيه المسلمون فدعاه فقال : يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم و أموالهم فادفع إلى المغيرة عمته فدفعها إليه
و سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ماء لبني سليم قد هربوا عن الإسلام و تركوا ذلك الماء فقال : يا رسول الله أنزلنيه أنا و قومي قال : نعم فأنزله و أسلم ـ يعني الأسلميين فأتوا صخرا فسألوه أن يدفع إليهم الماء فأبى فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : يا رسول الله أسلمنا و أتينا صخرا ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا فقال : يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم و دماءهم فادفع إليهم ماءهم قال : نعم يا نبي الله
فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتغير عند ذلك حمرة حياء من أخذه الجارية و أخذه الماء ! ]
تفرد به أبو داود و في إسناده اختلاف
قلت : و كانت الحكمة الإلهية تقتضي أن يؤخر الفتح عامئذ لئلا يستأصلوا قتلا لأنه قد تقدم أنه عليه السلام لما كان خرج إلى الطائف فدعاهم إلى الله تعالى و إلى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه عز و جل و ذلك بعد موت عمه أبي طالب فردوا عليه قوله و كذبوه فرجع مهموما فلم يستفق إلا عند قرن الثعالب فإذا هو بغمامة و إذا فيها جبريل فناداه ملك الجبال فقال : يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام و قد سمع قول قومك لك و ما ردوا عليك فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ بل أستأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئا ]
فناسب قوله : [ بل أستأني بهم ] ألا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم و أن يؤخر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام المقبل كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى (3/664)
قال ابن إسحاق : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حين انصرف عن الطائف على دحنا حتى نزل الجعرانة فيمن معه من المسلمين و معه من هوازن سبى كثير و قد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف : يا رسول الله ادع عليهم فقال : [ اللهم اهد ثقيفا و ائت بهم ] (3/667)
قال : ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة و كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري و النساء و من الإبل و الشاء ما لا يدرى عدته
قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب و في رواية يونس بن بكير عنه قال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بحنين فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم و سباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة و قد أسلموا فقالوا : يا رسول الله إنا أهل و عشيرة و قد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك
و قام خطيبهم زهير بن صرد أبو صرد فقال : يا رسول الله إنما في الحظائر من السبايا خالاتك و حواضنك اللاتي كن يكفلنك و لو أنا ملحنا لابن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهم و عطفهما و أنت رسول الله خير المكفولين ثم أنشأ يقول :
( امنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه و ننتظر )
( امنن على بيضة قد عاقها قدر ... ممزق شملها في دهرها غير )
( أبقت لنا الدهر هتافا على حزن ... على قلوبهم الغماء و الغمر )
( إن لم تداركها نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر )
( امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملؤه من محضها الدرر )
( امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... و إذ يزينك ما تأتي و ما تذر )
( لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... و استبق منا فإنا معشر زهر )
( إنا لنشكر آلاء و إن كفرت ... و عندنا بعد هذا اليوم مدخر ) (3/367)
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ نسائكم و أبنائكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ ] فقالوا : يا رسول الله خيرتنا بين أحسابنا و أموالنا ؟ بل أبناؤنا و نساؤنا أحب إلينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم و إذا أنا صليت فقوموا فقولوا : إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المسلمين و بالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا و نسائنا فإني سأعطيكم عند ذلك و أسأل لكم ]
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس الظهر قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ أما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم ] فقال المهاجرون : و ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم و قالت الأنصار : و ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم
و قال الأقرع بن حابس : أما أنا و بنو تميم فلا و قال عيينة : أما أنا وبنو فزازة فلا و قال العباس بن مرداس السلمي : أما أنا و بنو سليم فلا فقالت بنو سليم : بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول عباس بن مرداس لبني سليم : و هنتموني ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ من أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ستة فرائض من أول فيء نصيبه فردوا إلى الناس نساءهم و أبناءهم ]
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم و اتبعه الناس يقولون : يا رسول الله أقسم علينا فيئنا حتى اضطروه إلى شجرة فانتزعت رداءه فقال : [ أيها الناس ردوا على ردائي فوالذي نفسي في يده لو كان لكم عندي عدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا و لا جبانا و لا كذابا ]
ثم [ قام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جنب بعير فأخذ من سنامه وبرة فجعلها بين إصبعيه ثم رفعها فقال : أيها الناس و الله مالي من فيئكم و لا هذه الوبرة إلا الخمس و الخمس مردود عليكم فأدوا الخياط و المخيط فإن الغلول عار و نار و شنار على أهله يوم القيامة ]
فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال : يا رسول الله أخذت هذه لأخيط بها برذعة بعير لي دبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أما حقي منها فلك ] فقال الرجل : أما إذا بلغ الأمر فيها فلا حاجة لي بها فرمى بها من يده
و هذا السياق يقتضي أنه عليه السلام رد إليهم سبيهم قبل القسمة كما ذهب إليه محمد بن إسحاق بن يسار خلافا لموسى ابن عقبة و غيره
و في صحيح البخاري من طريق الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوا أن ترد إليهم أموالهم و نسائهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ معي من ترون و أحب الحديث إلى أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي و إما المال و قد كنت استأنيت بكم ]
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم انتظرهم بضعة عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غير راد إليهم أموالهم إلا إحدى الطائفتين قالوا : إنا نختار سبينا
فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسلمين و أثنى على الله بما هو أهله ثم قال : [ أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا تائبين و إني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل و من أحب منكم أن يكون على حظه حنى نعطيه إياه من أول مال يفيء الله علينا فليفعل ]
فقال الناس : قد طيبنا ذلك يا رسول الله فقال لهم : [ إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم ] فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبروه بأنهم قد طيبوا و أذنوا
فهذا ما بلغنا عن سبي هوازن
و لم يتعرض البخاري لمنع الأقرع و عيينة و قومهما بل سكت عن ذلك و المثبت مقدم على النافي فكيف الساكت
و روى البخاري من حديث الزهري : أخبرني عمر بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أخبره جبير بن مطعم أنه بينما هو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه الناس مقفله من حنين علقت الأعراب برسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونه حتى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال : [ أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا و لا كذوبا و لا جبانا ]
تفرد به البخاري
و قال ابن إسحاق : و حدثني أبو وجرة يزيد بن عبيد السعدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى علي بن أبي طالب جارية يقال لها ريطة بنت هلال بنت حيان بن عميرة و أعطى عثمان بن عفان جارية يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان و أعطى عمر جارية فوهبها من ابنه عبد الله
و قال ابن إسحاق : فحدثني نافع عن عبد الله بن عمر قال : بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح ليصلحوا لي منها و يهيئوها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم و أنا أريد أن أصيبهما إذا رجعت إليها قال : فجئت من المسجد حين فرغت فإذا الناس يشتدون فقلت : ما شأنكم ؟ قالوا رد علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءنا و أبناءنا قلت : تلكم صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها فذهبوا إليها فأخذوها
قال ابن إسحاق : و أما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن و قال حين أخذها : أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا و عسى أن يعظم فداؤها فلما رد رسول الله صلى الله عليه و سلم السبايا بست فرائض أبى أن يردها فقال له زهير بن صرد : خذها عنك فوالله ما فوها ببارد و لا ثديها بناهد و لا بطنها بوالد و لا زوجها بواجد و لا درها بماكد إنك ما أخذتها و الله بيضاء غريرة و لا نصفا وثيرة
فردها بست فرائض (3/668)
قال الواقدي : و لما قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم الغنائم بالجعرانة أصاب كل رجل أربع من الإبل و أربعون شاة
و قال سلمة بن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أن رجلا ممن شهد حنينا قال : و الله إني لأسير إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم على ناقة لي و في رجلي نعل غليظة إذ زحمت ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم و يقع حرف نعلي على ساق رسول الله صلى الله عليه و سلم فأوجعه فقرع قدمي بالسوط و قال : [ أوجعتني فتأخر عني ] فانصرفت فلما كان الغد إذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يلتمسني قال : قلت : هذا و الله لما كنت أصبت من رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأمس قال : فجئته و أنا أتوقع فقال : [ إنك أصبت رجلي بالأ مس فأوجعتني فقرعت قدمك بالسوط فدعوتك لأعوضك منها فأعطاني ثمانين نعجة بالضربة التي ضربني ] (3/671)
و المقصود من هذا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رد إلى هوازن سبيهم بعد القسمة كما دل عليه السياق و غيره
و ظاهر سياق حديث عمرو بن شعيب الذي أورده محمد بن إسحاق : [ عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رد إلى هوازن سبيهم قبل القسمة و لهذا لما رد السبي و ركب علقت الأعراب برسول الله صلى الله عليه و سلم يقولون له : اقسم علينا فيئنا حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فقال ردوا علي ردائي أيها الناس فو الذي نفسي بيده لو كان لكم عدد هذه العضاة نعما لقسمته فيكم ثم لا تجدوني بخيلا و لا جبانا و لا كذابا ]
كما رواه البخاري عن جبير بن مطعم بنحوه
و كأنهم خشوا أن يرد إلى هوازن أموالهم كما رد إليهم نساءهم و أطفالهم فسألوه قسمة ذلك فقسمها عليه الصلاة و السلام بالجعرانة كما أمره الله عز و جل و آثر أناسا في القسمة و تألف أقواما من رؤساء القبائل و أمرائهم فعتب عليه أناس من الأنصار حتى خطبهم و بين لهم وجه الحكمة فيما فعله تطييبا لقلوبهم
و تنقد بعض من لا يعلم من الجهلة و الخوارج كذي الخويصرة و أشباهه قبحه الله كما سيأتي تفصيله و بيانه في الأحاديث الواردة في ذلك و بالله المستعان
قال الإمام أحمد : [ حدثنا عارم حدثنا معتمر بن سليمان سمعت أبي يقول حدثنا السميط السدوسي عن أنس بن مالك قال : فتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة ثم صفت النساء من وراء ذلك ثم صفت الغنم ثم النعم قال : و نحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف و على مجنبة خيلنا خالد بن الوليد قال : فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا قال : فلم نلبث أن انكشف خيلنا و فرت الأعراب و من نعلم من الناس قال فنادى رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا للمهاجرين يا للمهاجرين يا للأنصار ؟
قال أنس : هذا حديث عمته قال : قلنا لبيك يا رسول الله قال : و تقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال و أيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله
قال : فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة ثم رجعنا إلى مكة قال : فنزلنا فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي الرجل المائة و يعطي الرجل المائتين ] (3/672)
قال : فتحدث الأنصار بينها : أما من قاتله فيعطيه و أما من لم يقاتله فلا يعطيه ؟ !
فرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أمر بسراة المهاجرين و الأنصار أن يدخلوا عليه ثم قال : [ لا يدخلن علي إلا أنصاري أو الأنصار ] قال فدخلنا القبة حتى ملأناها قال نبي الله صلى الله عليه و سلم : [ يا معشر الأنصار ] أو كما قال : [ ما حديث أتاني ؟ ] قالوا : ما أتاك يا رسول الله ؟ قال : [ ما حديث أتاني ] قالوا : ما أتاك يا رسول الله
قال : [ ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال و تذهبون برسول الله حتى تدخلوه بيوتكم ؟ ] قالوا رضينا يا رسول الله قال فرضوا أو كما قال
و هكذا رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان
و فيه من الغريب قوله : أنهم كانوا يوم هوازن ستة آلاف و إنما كانوا اثني عشر ألفا و قوله : [ إنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة ] وإنما حاصروهم قريبا من شهر و دون العشرين ليلة فالله أعلم
و قال البخاري : [ حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا هشام حدثنا معمر عن الزهري حدثني أنس بن مالك قال : قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق النبي صلى الله عليه و سلم يعطي رجالا المائة من الإبل فقالوا : يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي قريشا و يتركنا و سيوفنا تقطر من دمائهم ! ] (3/673)
قال أنس بن مالك : [ فحدث رسول الله صلى الله عليه و سلم بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة أدم و لم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ما حديث بلغني عنكم ؟ قال فقهاء الأنصار : أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا و أما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا : يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي قريشا و يتركنا و سيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإني لأعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال و تذهبون بالنبي إلى رحالكم ؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا : يا رسول الله قد رضينا فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم : فستجدون أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله و رسوله فإني على الحوض قال أنس فلم يصبروا ]
تفرد به البخاري من هذا الوجه
ثم رواه البخاري و مسلم من [ حديث ابن عوف عن هشام بن زيد عن جده أنس بن مالك قال : لما كان يوم حنين التقى هوازن و مع النبي صلى الله عليه و سلم عشرة آلاف و الطلقاء فأدبروا فقال : يا معشر الأنصار قالوا : لبيك يا رسول الله و سعديك لبيك نحن بين يديك فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أنا عبد الله و رسوله فانهزم المشركون فأعطى الطلقاء و المهاجرين و لم يعطي الأنصار شيئا فقالوا فدعاهم فأدخلهم في قبته فقال : أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة و البعير و تذهبون برسول الله ؟ صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو سلك الناس واديا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ] و في رواية للبخاري من هذا الوجه قال : [ لما كان يوم حنين أقبلت هوازن و غطفان و غيرهم بنعمهم و ذراريهم ومع رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرة آلاف و الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما التفت عن يمينه فقال : يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك ثم التفت عن يساره فقال : يا معشر الأنصار فقالوا : لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك و هو على بغلة بيضاء فنزل فقال : أنا عبد الله و رسوله
فانهزم المشركون و أصاب يومئذ مغانم كثيرة فقسم بين المهاجرين و الطلقاء و لم يعط الأنصار شيئا فقالت الأنصار : إذا كانت شديدة فنحن ندعى و يعطي الغنيمة غيرنا !
فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال : يا معشر الأنصار ما حديث بلغني ؟ فسكتوا فقال : يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا و تذهبون برسول الله تحوزونه إلى بيوتكم ؟ قالوا : بلى فقال : لو سلك الناس واديا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار قال هشام : قلت : يا أيا حمزة و أنت شاهد ذلك ؟ قال : و أين أغيب عنه ؟ ]
ثم رواه البخاري و مسلم أيضا من حديث شعبة عن قتادة عن أنس قال : [ جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم الأنصار فقال : إن قريشا حديثو عهد بجاهلية و مصيبة و إني أردت أن أجبرهم و أتألفهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا و ترجعون برسول الله إلى بيوتكم ؟ قالوا : بلى قال : لو سلك الناس واديا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار ]
و أخرجاه من حديث شعبة عن أبي التياح يزيد بن حميد عن أنس بنحوه و فيه فقالوا : و الله إن هذا لهو العجب ! إن سيوفنا لتقطر من دمائهم و الغنائم تقسم فيهم فخطبهم و ذكر نحو ما تقدم
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى أبا سفيان و عيينة و الأقرع و سهيل بن عمرو في آخرين يوم حنين فقالت الأنصار : يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم و هم يذهبون بالمغنم ؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فجمعهم في قبة له حتى فاضت فقال : فيكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا إلا ابن أختنا قال : ابن أخت القوم منهم ثم قال : أقلتم كذا و كذا ؟ قالوا : نعم قال : أنتم الشعار و الناس الدثار أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء و البعير و تذهبون برسول الله صلى الله عليه و سلم إلى دياركم ؟ قالوا : بلى قال : الأنصار كرشي و عيبتي لو سلك الناس واديا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعبهم و لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ]
و قال : قال حماد : أعطى مائة من الإبل فسمى كل واحد من هؤلاء
تفرد به أحمد من هذا الوجه و هو على شرط مسلم
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بي ألم آتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : أفلا تقولون : جئتنا خائفا فأمناك و طريدا فآويناك و مخذولا فنصرناك ؟ قالوا : بل لله المن علينا و لرسوله ]
و هذا إسناده ثلاثي على شرط الصحيحين
فهذا الحديث كالمتواتر عن أنس بن مالك
و قد روي عن غيره من الصاحبة
قال البخاري : [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال : لما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم و لم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال : يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ و كنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ و عالة فأغناكم الله بي ؟ كلما قال شيئا قالوا : الله و رسوله أمن
قال : لو شئتم قلتم : جئتنا كذا و كذا أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء و البعير و تذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار و لو سلك الناس واديا و شعبا لسلكت وادي الأنصار و شعبها الأنصار شعار و الناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ]
و رواه مسلم من حديث عمرو بن يحيى المازني به
و قال يونس بن بكير [ عن محمد بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري قال : لما أصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الغنائم يوم حنين و قسم للمتألفين من قريش و سائر العرب ما قسم و لم يكن في الأنصار منها شيء قليل و لا كثير وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى قال قائلهم : لقي و الله رسول الله قومه ! فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم فقال : فيم ؟ قال : فيما كان من قسمك هذه الغنائم في قومك و في سائر العرب و لم يكن فيهم من ذلك شيء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : ما أنا إلا امرؤ من قومي قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة فإذا اجتمعوا فأعلمني فخرج سعد فصرخ فيهم فجمعهم في تلك الحظيرة فجاء رجل من المهاجرين فأذن له فدخلوا و جاء آخرون فردهم حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه فقال : يا رسول الله قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم
فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام فيهم خطيبا فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال : يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله و عالة فأغناكم الله و أعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ قالوا : بلى ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا تجيبون يا معشر الأنصار ؟ قالوا : و ما نقول يا رسول الله ؟ و بماذا نجيبك ؟ المن لله و لرسوله قال : و الله لو شئتم لقلتم فصدقتم و صدقتم : جئتنا طريدا فآويناك و عائلا فآسيناك و خائفا فأمناك و مخذولا فنصرناك فقالوا : المن لله و لرسوله
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما أسلموا و وكلتكم إلى ما قسم الله من الإسلام أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء و البعير و تذهبون برسول الله إلى رحالكم فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار و لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار اللهم الأنصار و أبناء الأنصار و أبناء أبناء الأنصار
قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم و قالوا : رضينا بالله ربا و رسوله قسما ثم انصرف و تفرقوا ]
و هكذا رواه الإمام أحمد من حديث ابن إسحاق و لم يروه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه و هو صحيح
و قد رواه الإمام أحمد [ عن يحيى بن بكير عن الفضل بن مرزوق عن عطية بن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري قال رجل من الأنصار لأصحابه : أما و الله لقد كنت أحدثكم أنه لو استقامت الأمور قد آثر عليكم قال : فردوا عليه ردا عنيفا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءهم فقال لهم أشياء لا أحفظها قالوا : بلى يا رسول الله قال : و كنتم لا تركبون الخيل و كلما قال لهم شيئا قالوا : بلى يا رسول الله ثم ذكر بقية الخطبة كما تقدم ]
تفرد به أحمد أيضا
و هكذا رواه الإمام أحمد منفردا به من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد بنحوه و رواه أحمد أيضا عن موسى بن عقبة عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مختصرا (3/674)
و قال سفيان بن عيينة [ عن عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين مائة من الإبل و أعطى أبا سفيان بن حرب مائة و أعطى صفوان بن أمية مائة و أعطى عيينة بن حصن مائة و أعطى الأقرع بن حابس مائة و أعطى علقمة بن علاثة مائة و أعطى مالك بن عوف مائة و أعطى العباس بن مرداس دون المائة و لم يبلغ به أولئك فأنشأ يقول :
( أتجعل نهبي و نهب العبيد ... بين عيينة و الأقرع )
( فما كان حصن و لا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع )
( و ما كنت دون امرىء منهما ... و من تخفض اليوم لا يرفع )
( و قد كنت في الحرب ذا تدرأ ... فلم أعط شيئا و لم أمنع )
قال : فأتم له رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة ]
رواه مسلم من حديث ابن عينة بنحوه و هذا لفظ البيهقي
و في رواية ذكرها موسى بن عقبة و عروة بن الزبير و ابن إسحاق فقال :
( كانت نهابا تلافيتها ... بكري على المهر في الأجرع )
( و إيقاظي الحي أن يرقدوا ... إذا هجع الناس لم أهجع )
( فأصبح نهبي و نهب العبيد ... بين عيينة و الأقرع )
( و قد كنت في الحرب ذا تدرأ ... فلم أعط سيئا و لم أمنع )
( إلا أفائل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع )
( و ما كان حصن و لا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع )
( و ما كنت دون امرىء منهما ... و من تضع اليوم لا يرفع )
قال عروة و موسى بن عقبة [ عن الزهري : فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : أنت القائل أصبح نهبي و نهب العبيد بين الأقرع و عيينة ؟
فقال أبو بكر : ما هكذا قال يا رسول الله و لكن و الله ما كنت بشاعر و ما ينبغي لك فقال : كيف قال ؟ فأنشده أبو بكر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هما سواء ما يضرك بأيهما بدأت
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اقطعوا عني لسانه فخشي بعض الناس أن يكون أراد المثلة به و إنما أراد النبي صلى الله عليه و سلم العطية ] قال : و عبيد فرسه
و قال البخاري : [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم و هو نازل بالجعرانة بين مكة و المدينة و معه بلال فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم أعرابي فقال : ألا تنجز لي ما وعدتني ؟ فقال له أبشر فقال : قد أكثرت علي من أبشر !
فأقبل على أبي موسى و بلال كهيئة الغضبان فقال : رد البشرى فاقبلا أنتما ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه و وجهه فيه و مج فيه ثم قال : اشربا منه و أفرغا على وجوهكما و نحوركما و أبشرا فأخذا القدح ففعلا فنادت أم سلمة من وراء الستر : أفضلا لأمكما فأفضلا لها منه طائفة ]
هكذا رواه
و قال البخاري : [ حدثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و عليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته قال : مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء ] (3/680)
و قد ذكر ابن إسحاق الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ مائة من الإبل و هم : أبو سفيان صخر بن حرب و ابنه معاوية و حكيم بن حزام و الحارث بن كلدة أخو بني عبد الدار و علقمة بن علاثة و العلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة و الحارث بن هشام و جبير بن مطعم و مالك بن عوف النصري و سهيل بن عمرو و حويطب بن عبد العزى و عيينة بن حصن و صفوان بن أمية و الأقرع بن حابس
قال ابن إسحاق : [ و حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم من أصحابه : يا رسول الله أعطيت عيينة و الأقرع مائة مائة و تركت جعيل بن سراقة الضمري ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما و الذي نفس محمد بيده لجعيل خير من طلاع الأرض كلهم مثل عينة و الأقرع و لكن تألفتهما ليسلما و وكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه ]
ثم ذكر ابن إسحاق من أعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم دون المائة ممن يطول ذكره
و في الحديث الصحيح [ عن صفوان بن أمية أنه قال : مازال رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطيني من غنائم حنين و هو أبغض الخلق إلي حتى ما خلق الله شيئا أحب إلي منه ] (3/682)
قال ابن إسحاق : [ و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لوفد هوازن و سألهم عن مالك بن عوف : ما فعل ؟ فقالوا : هو بالطائف مع ثقيف فقال : أخبروه إنه إن أتاني مسلما رددت له إليه أهله و ماله و أعطيته مائة من الإبل
فلما بلغ ذلك مالكا انسل من ثقيف حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو بالجعرانة ـ أو بمكة ـ فأسلم و حسن إسلامه فرد عليه أهله و ماله و لما أعطاه مائة قال مالك بن عوف رضي الله عنه :
( ما إن رأيت و لا سمعت بمثله ... في الناس كلهم بمثل محمد )
( أوفى و أعطى للجزيل إذا اجتدى ... و متى تشأ يخبرك عما في غد )
( و إذا الكتيبة عردت أنيابها ... بالسمهري و ضرب كل مهند )
( فكأنه ليث على أشباله ... وسط الهباءة خادر في مرصد )
قال : و استعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم على من أسلم من قومه و تلك القبائل ثمالة و سلمة و فهم فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم ]
و قال البخاري : [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير بن حازم حدثنا الحسن حدثني عمرو بن تغلب قال : أعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم قوما و منع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال : إني أعطي قوما أخاف هلعهم و جزعهم و أكل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير و الغنى منهم عمرو بن تغلب
قال عمرو : فما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه و سلم حمر النعم ]
زاد أبو عاصم عن جرير سمعت الحسن حدثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى بمال ـ أو سبي ـ فقسمه بهذا
و في رواية للبخاري قال : [ أتى رسول الله بمال ـ أو بشيء ـ فأعطى رجالا و ترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا فخطبهم فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد فذكر مثله سواء ]
تفرد به البخاري (3/683)
و قد ذكر ابن هشام أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال فيما كان من أمر الأنصار و تأخرهم عن الغنيمة :
( زاد الهموم فماء العين منحدر ... سحا إذا حفلته عبرة درر )
( وجدا بشماء إذ شماء بهكنة ... هيفاء لا ذنن فيها و لا خور )
( دع عنك شماء إذ كانت مودتها ... نزرا و شر وصال الواصل النزر )
( و ائت الرسول و قل يا خير مؤتمن ... للمؤمنين إذا ما عدد البشر )
( علام تدعى سليم و هي نازحة ... قدام قوم هم آووا و هم نصروا )
( سماهم الله أنصارا بنصرهم ... دين الهدى و عوان الحرب تستعر )
( و سارعوا في سبيل الله و اعترضوا ... للنائبات و ما خانوا و ما ضجروا )
( و الناس إلب علينا فيك ليس لنا ... إلا السيوف و أطراف القنا وزر )
( نجالد الناس لا نبقي على أحد ... و لا نضيع ما توحي به السور )
( و لا تهر جناة الحرب نادينا ... و نحن حين تلظى نارها سعر )
( كما رددنا ببدر دون ما طلبوا ... أهل النفاق و فينا ينزل الظفر )
( و نحن جندك يوم النعف من أحد ... إذ حزبت بطرا أحزابها مضر )
( فما ونينا و ما خمنا و ما خبروا ... منا عثارا و كل الناس قد عثروا ) (3/684)
قال البخاري : [ حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال : لما قسم النبي صلى الله عليه و سلم قسمة حنين قال رجل من الأنصار : ما أراد بها وجه الله قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته فتغير وجهه ثم قال : رحمة الله على موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ]
ورواه مسلم من حديث الأعمش به
ثم قال البخاري : [ حدثنا قتيبة بن سعد حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال : لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه و سلم ناسا : أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل و أعطى عيينة مثل ذلك و أعطى ناسا فقال رجل : ما أريد بهذه القسمة وجه الله فقلت : لأخبرن النبي صلى الله عليه و سلم فقال : رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ]
و هكذا رواه من حديث منصور عن المعتمر به
و في رواية للبخاري فقال رجل : [ و الله إن هذه لقسمة ما عدل فيها و ما أريد فيها وجه الله فقلت : و الله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته فأخبرته فقال : من يعدل إذا لم يعدل الله و رسوله ؟ ! رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ]
و قال محمد بن إسحاق : [ و حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : خرجت أنا و تليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص و هو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده فقلنا له : هل حضرت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين كلمه التميمي يوم حنين ؟ قال : نعم جاء رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف عليه و هو يعطي الناس فقال له : يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أجل فكيف رأيت ؟ قال : لم أرك عدلت قال : فغضب النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون !
فقال عمر بن الخطاب : ألا نقتله ؟ فقال : دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سبق الفرث و الدم ]
و قال الليث بن سعد [ عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : أتى رجل بالجعرانة النبي صلى الله عليه و سلم منصرفه من حنين و في ثوب بلال فضة و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبض منها و يعطي الناس فقال : يا محمد اعدل قال ويلك و من يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت و خسرت إذا لم أكن أعدل فقال عمر بن الخطاب : دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق ؟ فقال : معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا و أصحابه يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية ]
و رواه مسلم عن محمد بن رمح عن الليث
و قال أحمد : [ حدثنا أبو عامر حدثنا قرة عن عمرو بن دينار عن جابر قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم مغانم حنين إذ قام إليه رجل فقال : اعدل فقال : لقد شقيت إذا لم أعدل ]
و رواه البخاري عن مسلم بن إبراهيم عن قرة بن خالد السدوسي به
و في الصحيحين من [ حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة رجل من بني تميم فقال : يا رسول الله اعدل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ويلك و من يعدل إن لم أعدل لقد خبت و خسرت إذا لم أعدل فمن يعدل ؟ فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله إيذن لي فيه فأضرب عنقه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم و صيامه مع صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه ـ و هو قدحه ـ فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث و الدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة و مثل البضعة تدردر و يخرجون على حين فرقة من الناس
قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و أشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم و أنا معه و أمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي نعت ]
و رواه مسلم أيضا من حديث القاسم بن الفضل عن أبي نضرة عن أبي سعيد به نحوه (3/688)
قال ابن إسحاق : و حدثني بعض بني سعد بن بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم هوازن : إن قدرتم على نجاد ـ رجل من بني سعد بن بكر ـ فلا يفلتنكم و كان قد أحدث حدثا
فلما ظفر به المسلمون ساقوه و أهله و ساقوا معه الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة
قال : فعنفوا عليها في السوق فقالت للمسلمين : تعلمون و الله إني لأخت صاحبكم من الرضاعة فلم يصدقوها حتى أتو بها رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق : [ فحدثني يزيد بن عبيد السعدي ـ هو أبو وجزة ـ قال : فلما انتهى بها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : يا رسول الله إني أختك من الرضاعة قال : و ما علامة ذلك ؟ قالت : عضة عضضتنيها في ظهري و أنا متوركتك قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم العلامة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه و خيرها و قال : إن أحببت فعندي محببة مكرمة و إن أحببت أن أمتعك و ترجعي إلى قومك فعلت
قالت : بل تمتعني و تردني إلى قومي فمتعها رسول الله صلى الله عليه و سلم و ردها إلى قومها فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول و جارية فزوجت أحدهما الآخر فلم يزل فيهم من نسلهما بقية ]
و روى البيهقي من حديث [ الحكم بن عبد الملك عن قتادة قال : لما كان يوم فتح هوازن جاءت جارية إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله أنا أختك أنا شيماء بنت الحارث فقال لها : إن تكوني صادقة فإن بك مني أثرا لا يبلى قال : فكشفت عن عضدها فقالت : نعم يا رسول الله و أنت صغير فعضضتني هذه العضة قال : فبسط لها رسول الله صلى الله عليه و سلم رداءه ثم قال : سلي تعطي و اشفعي تشفعي ]
و قال البيهقي : أنبأنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا عمرو بن إسماعيل بن عبد السلمي حدثنا مسلم حدثنا أبو عاصم حدثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان أخبرني عمي عمارة بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال : كنت غلاما أحمل عضو البعير و رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم نعما بالجعرانة
قال : فجاءته امرأة فبسط لها رداءه فقلت من هذه ؟ قالوا : أمه التي أرضعته
هذا حديث غريب و لعله يريد أخته و قد كانت تحضنه مع أمها حليمة السعدية و إن كان محفوظا فقد عمرت حليمة دهرا فإن من وقت أن أرضعت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى وقت الجعرانة أزيد من ستين سنة و أقل ما كان عمرها حين أرضعته صلى الله عليه و سلم ثلاثين سنة ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك
و قد ورد حديث مرسل فيه أن أبويه من الرضاعة قدما عليه و الله أعلم بصحته
قال أبو داود في المراسيل : [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان جالسا يوما فجاءه أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ثم جاءه أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجلسه بين يديه
و قد تقدم أن هوازن بكمالها متوالية برضاعته من بني سعد بن بكر و هم شرذمة من هوازن فقال خطيبهم زهير بن صرد : يا رسول الله إنما في الحظائر أمهاتك و خالاتك و حواضنك فامنن علينا من الله عليك و قال فيما قال :
( امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملؤه من محضها درر )
( امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... و إذ يزينك ما تأتي و ما تذر )
فكان هذا سبب إعتاقهم عن بكرة أبيهم فعادت فواضله عليه السلام عليهم قديما و حديثا خصوصا و عموما ]
و قد ذكر الواقدي [ عن إبراهيم بن محمد بن شرحبيل عن أبيه قال : كان النضير بن الحارث بن كلدة من أجمل الناس فكان يقول : الحمد لله الذي من علينا بالإسلام و من علينا بمحمد صلى الله عليه و سلم و لم نمت على ما مات عليه الآباء و قتل عليه الإخوة و بنو العم
ثم ذكر عداوته للنبي صلى الله عليه و سلم و أنه خرج مع قومه من قريش إلى حنين و هم على دينهم بعد قال : و نحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه فلم يمكنا ذلك فلما صار بالجعرانة فو الله إني لعلى ما أنا عليه إن شعرت إلا برسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أنضير ؟ قلت لبيك قال : هل لك إلى خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك و بينه ؟ قال : فأقبلت إليه سريعا فقال : قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع قلت قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا و إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم زده ثباتا قال النضير : فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجر ثباتا في الدين و تبصره بالحق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحمد لله الذي هداه ] (3/688)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا بهز و عبد الصمد المعني قالا : حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة قال : سألت أنس بن مالك قلت : كم حج رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : حجة واحدة و اعتمر أربع مرات عمرته زمن الحديبية و عمرته في ذي القعدة من المدينة و عمرته من الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنيمة حنين و عمرته مع حجته ]
و رواه البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي من طرق عن همام بن يحيى به و قال الترمذي : حسن صحيح
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو النضر حدثنا داود ـ يعني العطار ـ عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع عمر : عمرة الحديبية و عمرة القضاء و الثالثة من الجعرانة و الرابعة التي مع حجته ]
و رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة من حديث داود بن عبد الرحمن العطار المكي عن عمرو بن دينار به و حسنه و الترمذي
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثنا حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر كل ذلك في ذي القعدة يلبي حتى يستلم الحجر ]
غريب من هذا الوجه
و هذه الثلاث عمر اللاتي وقعن في ذي القعدة ما عدا عمرته مع حجته فإنها وقعت في ذي الحجة مع الحجة و إن أراد ابتداء الإحرام بهن في ذي القعدة فلعله لم يرد عمرة الحديبية لأنه صد عنها و لم يفعلها و الله أعلم
قلت و قد كان نافع و مولاه ابن عمر ينكران أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر من الجعرانة بالكلية و ذلك فيما قال البخاري : [ حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية فأمره أن يفي به ]
قال : و أصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة قال : فمن رسول الله صلى الله عليه و سلم على سبي حنين فجعلوا يسعون في السكك فقال عمر : يا عبد الله انظر ما هذا ؟ قال : من رسول الله صلى الله عليه و سلم على السبي قال : اذهب فأرسل الجاريتين
قال نافع : و لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة و لو اعتمر لم يخف على عبد الله
و قد رواه مسلم من حديث أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر به
و رواه مسلم أيضا عن أحمد بن عبدة الضبي عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال : ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة فقال : لم يعتمر منها
و هذا غريب جدا عن ابن عمر و عن مولاه نافع في إنكارهما عمرة الجعرانة و قد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح و السنن و المسانيد و ذكر ذلك أصحاب المغازي و السنن كلهم
و هذا أيضا كما ثبت في الصحيحين [ من حديث عطاء بن أبي رباح عن عروة عن عائشة أنها أنكرت على ابن عمر قوله : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر في رجب ]
و قالت : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ! ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا و هو شاهد و ما اعتمر في رجب قط
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا ابن نمير حدثنا الأعمش عن مجاهد قال : سأل عروة ابن الزبير ابن عمر : في أي شهر اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : في رجب فسمعتنا عائشة فسألها ابن الزبير و أخبرها بقول ابن عمر فقالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ! ما اعتمر عمرة إلا و قد شهدها و ما اعتمر عمرة قط إلا في ذي القعدة ]
و أخرجه البخاري و مسلم من حديث جرير عن منصور عن مجاهد به نحوه
و رواه أبو داود و النسائي أيضا من [ حديث زهير عن أبي إسحاق عن مجاهد سئل ابن عمر : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : مرتين فقالت عائشة : لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع ]
قال الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مفضل عن منصور عن مجاهد قال : دخلت مع عروة بن الزبير المسجد فإذا ابن عمر مستند إلى حجرة عائشة و أناس يصلون الضحى فقال عروة : أبا عبد الرحمن ما هذه الصلاة ؟ قال : بدعة فقال له عروة : أبا عبد الرحمن كم اعتمر رسول الله ؟ فقال : أربعا إحداهن في رجب قال : و سمعنا استنان عائشة في الحجرة فقال لها عروة : إن أبا عبد الرحمن يزعم أن رسول الله اعتمر أربعا إحداهن في رجب ؟ فقالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر النبي صلى الله عليه و سلم إلا وهو معه و ما اعتمر في رجب قط ]
و هكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع عن الحسن بن موسى عن شيبان عن منصور و قال : حسن صحيح غريب
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله عن مخرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج من الجعرانة ليلا حين أمسى معتمرا فدخل مكة ليلا يقضي عمرته ثم خرج من تحت ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت حتى إذا زالت الشمس خرج من الجعرانة في بطن سرف حتى جاء مع الطريق ـ طريق المدينة ـ قال مخرش : فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس ]
و رواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج كذلك و هو من أفراده (3/692)
و المقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه و لا دفعه و من نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها و الله أعلم
ثم هم كالمجمعين على أنها كانت في ذي القعدة بعد غزوة الطائف و قسم غنائم حنين
و ما رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير قائلا : [ حدثنا الحسن بن إسحاق التستري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن الحسن الأسدي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عمير مولى عبد الله بن عباس عن ابن عباس قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها و ذلك لليلتين بقيتا من شوال ]
فإنه غريب جدا و في إسناده نظر و الله أعلم
و قال البخاري : [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا ابن جريج أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى كان يقول : ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين ينزل عليه قال : فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالجعرانة و عليه ثوب قد أظل به معه فيه ناس من أصحابه إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ بطيب قال : فأشار عمر بن الخطاب إلى يعلى بيده : أن تعال فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي صلى الله عليه و سلم محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه فقال : أين الذي يسألني عن العمرة آنفا ؟ فالتمس الرجل فأتي به قال : أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات و أما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك ]
و رواه مسلم من حديث ابن جريج و أخرجاه من وجه آخر عن عطاء كلاهما عن صفوان بن يعلى بن أمية به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو أسامة أنبأنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح من كداء من أعلى مكة و دخل في العمرة من كدى ]
و قال أبو داود : [ حدثنا موسى أبو سلمة حدثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير / عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ثلاثا و مشوا أربعا و جعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى ]
تفرد به أبو داود و رواه أيضا ابن ماجة من حديث خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس مختصرا
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج حدثني الحسن بن مسلم عن طاوس أن ابن عباس أخبره أن معاوية أخبره قال : قصرت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمشقص أو قال : رأيته يقصر عنه بمشقص عند المروة ]
و قد أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن جريج به و رواه مسلم أيضا من حديث سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس عن معاوية به
و رواه أبو داود و النسائي أيضا من حديث عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه به
و قال عبد الله بن الإمام أحمد : [ حدثني عمرو بن محمد الناقد حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس عن معاوية قال : قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم عند المروة ]
و المقصود أن هذا إنما يتوجه أن يكون في عمرة الجعرانة
و ذلك أن عمرة الحديبية لم يدخل إلى مكة فيها بل صد عنها كما تقدم بيانه و أما عمرة القضاء فلم يكن أبو سفيان أسلم و لم يبق بمكة من أهلها أحد حين دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بل خرجوا منها و تغيبوا عنها مدة مقامه عليه السلام بها تلك الثلاثة أيام و عمرته التي كانت مع حجته لم يتحلل منها بالإتفاق فتعين أن هذا التقصير الذي تعاطاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم عند المروة إنما كان في عمرة الجعرانة كما قلنا و الله أعلم
و قال محمد بن إسحاق رحمه الله : [ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة معتمرا و أمر ببقاء الفيء بمجنة بناحية مر الظهران ]
قلت : الظاهر أنه عليه السلام إنما استبقى بعض المغنم ليتألف به من يلقاه من الأعراب فيما بين مكة و المدينة
قال ابن إسحاق : [ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة و استخلف عتاب بن أسيد على مكة و خلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين و يعلمهم القرآن ]
و ذكر عروة و موسى بن عقبة [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خلف معاذا مع عتاب بمكة قبل خروجه إلى هوازن ثم خلفهما بها حين رجع إلى المدينة ]
و قال ابن هشام : و بلغني عن زيد بن أسلم أنه قال : [ لما استعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهما ] فقام فخطب الناس فقال : أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم ! فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه و سلم درهما كل يوم فليست لي حاجة إلى أحد
قال ابن إسحاق : و كانت عمرة رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذي القعدة و قدم المدينة في بقية ذي القعدة أو في أول ذي الحجة قال ابن هشام : قدمها لست بقين من ذي القعدة فيما قال أبو عمرو المديني
قال ابن إسحاق : و حج الناس ذلك العام على ما كانت العرب تحج عليه و حج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد و هي سنة ثمان
قال : و أقام أهل الطائف على شركهم و امتناعهم في طائفهم ما بين ذي القعدة إلى رمضان من سنة تسع (3/695)
و أبوه هو صاحب إحدى المعلقات السبع الشاعر ابن الشاعر و ذكر قصيدته التي سمعها رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي بانت سعاد
قال ابن إسحاق : و لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه لأبويه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه و يؤذيه و أن من بقي من شعراء قريش : ابن الزبعري و هبيرة بن أبي وهب هربوا في كل وجه فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا و إن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض و كان كعب قد قال :
( ألا بلغا عني بجيرا رسالة ... فويحك فيما قلت ويحك هل لكا )
( فبين لنا إن كنت لست بفاعل ... على أي شيء غير ذلك دلكا )
( على خلق لم ألف يوما أبا له ... عليه و ما تلفي عليه أبا لكا )
( فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... و لا قائل إما عثرت لعا لكا )
( سقاك بها المأمون كأسا روية ... فأنهلك المأمون منها و علكا )
قال ابن هشام : و أنشدني بعض أهل العلم بالشعر :
( من مبلغ عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا )
( شربت مع المأمون كأسا روية ... فأنهلك المأمون منها و علكا )
( و خالفت أسباب الهدى و اتبعته ... على أي شيء ويب غيرك دلكا )
( على خلق لم تلف أما و لا أبا ... عليه و لم تدرك عليه أخا لكا )
( فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... و لا قائل إما عثرت لعا لكا )
قال ابن إسحاق : و بعث بها إلى بجير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما سمع : [ سقاك بها المأمون : صدق و إنه لكذوب أنا المأمون و لما سمع : على خلق لم تلف أما و لا أبا عليه قال : أجل لم يلف عليه أباه و لا أمه ]
قال : ثم كتب بجير إلى كعب يقول له :
( من مبلغ كعبا فهل لك في التي ... تلوم عليها باطلا و هي أحزم )
( إلى الله لا العزى و لا اللات وحده ... فتنجو إذا كان النجاء و تسلم )
( لدى يوم لا ينجو و ليس بمفلت ... من الناس إلا طاهر القلب مسلم )
( فدين زهير و هو لا شيء دينه ... و دين أبي سلمى علي محرم )
قال : فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض و أشفق على نفسه و أرجف به من كان في حاضره من عدوه و قالوا : هو مقتول فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذكر فيها خوفه و إرجاف الوشاة به من عدوه ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه و بينه معرفة من جهينة كما ذكر لي فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في صلاة الصبح فصلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه
فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس إليه و وضع يده في يده و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يعرفه فقال : [ يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن جئتك به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم فقال : إذا أنا يا رسول الله كعب بن زهير ]
قال ابن إسحاق : [ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه وثب عليه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله دعني و عدو الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعه عنك فإنه جاء تائبا نازعا ] (3/699)
قال : فغضب كعب بن زهير على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم و ذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم عندها لم يفد مكبول )
( و ما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول )
( هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... لا يشتكى قصر منها و لا طول )
( تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول )
( شجت بذي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى و هو مشمول )
( تنفي الرياح القذى عنه و أفرطه ... من صوب غادية بيض يعاليل )
( فيالها خلة لو أنها صدقت ... بوعدها أو لو أن النصح مقبول )
( لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع و ولع و إخلاف و تبديل )
( فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول )
( و ما تمسك بالعهد الذي زعمت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيل )
( فلا يغرنك ما منت و ما وعدت ... إن الأماني و الأحلام تضليل )
( كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... و ما مواعيدها إلا الأباطيل )
( أرجو و آمل أن تدنو مودتها ... و ما لهن إخال الدهر تعجيل )
( أمست سعاد بأرض لا تبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل )
( و لن يبلغها إلا عذافرة ... فيها على الأين إرقال و تبغيل )
( من كل نضاخة الذفرى إذا عرفت ... عرضتها طامس العلام مجهول )
( ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق ... إذا توقدت الحزان و الميل )
( ضخم مقلدها فعم مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل )
( حرف أخوها أبوها من مهجنة ... و عمها خالها قوداء شمليل )
( يمشي القراد عليها ثم يزلقه ... منها لبان و أقراب زهاليل )
( عيرانة قذفت بالنحض عن عرض ... مزفقها عن بنات الزور مفتول )
( قنواء في حرتيها للبصير بها ... عتق مبين و في الخدين تسهيل )
( كأنما فات عينيها و مذبحها ... من خطمها و من اللحيين برطيل )
( تمر مثل عسيب النخل ذا خصل ... في غارز لم تخونه الأحاليل )
( تهوى على يسرات و هي لاهية ... ذوابل مسهن الأرض تحليل )
( يوما يظل به الحرباء مصطخدا ... كأن ضاحية بالشمس محلول )
( و قال للقوم حاديهم و قد جعلت ... ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا )
( أوب يدي فاقد شمطاء معولة ... قامت فجاوبها نكد مثاكيل )
( نواحة رخوة الضبعين ليس لها ... لما نعى بكرها الناعون معقول )
( تفري اللبان بكفيها و مدرعها ... مشقق عن تراقيها رعابيل )
( تسعى الغواة جنابيها و قولهم ... إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول )
( و قال كل صديق كنت آمله ... لا ألهينك إني عنك مشغول )
( فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم ... فكل ما قدر الرحمن مفعول )
( كل ابن أنثى و إن طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول )
( نبئت أن رسول الله أوعدني ... و العفو عند رسول الله مأمول )
( مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال ... قرآن فيه مواعيظ و تفصيل )
( لا تأخذني بأقوال الوشاة و لم ... أذنب و لو كثرت في الأقاويل )
( لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... أرى و أسمع مالو يسمع الفيل )
( لظل يرعد إلا أن يكون له ... من الرسول بإذن الله تنويل )
( حتى وضعت يميني ما أنازعها ... في كف ذي نقمات قوله القيل )
( فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ... و قيل إنك منسوب و مسئول )
( من ضيغم بضراء الأرض مخدره ... في بطن عثر غيل دونه غيل )
( يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من الناس معفور خراديل )
( إذا يساور قرنا لا يحل له ... أن يترك القرن إلا و هو مغلول )
( منه تظل حمير الوحش نافرة ... و لا تمشي بواديه الأراجيل )
( و لا يزال بواديه أخو ثقة ... مضرج البز و الدرسان مأكول )
( إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول )
( في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا )
( زالوا فما زال أنكاس و لا كشف ... عند اللقاء و لا ميل معازيل )
( يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إذا عرد السود التنابيل )
( شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل )
( بيض سوابغ قد شكت لها خلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول )
( ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم ... قوما و ليسوا مجازيعا إذا نيلوا )
( لا يقع الطعن إلا في نحورهم ... و لا لهم عن حياض الموت تهليل )
قال ابن هشام : هكذا أورد محمد بن إسحاق هذه القصيدة و لم يذكر لها إسنادا (3/701)
و قد رواها الحافظ البيهقي في دلائل النبوة بإسناد متصل فقال : [ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الأسدي بهمذان حدثنا إبراهيم بن الحسين حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى عن أبيه عن جده قال : خرج كعب و بجير ابنا زهير حتى أتيا أبرق العزاف فقال بجير لكعب : اثبت في هذا المكان حتى آتي هذا الرجل ـ يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ فأسمع ما يقول : فثبت كعب و خرج بجير فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فعرض عليه الإسلام فأسلم فبلغ ذلك كعبا فقال :
( ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ... على أي شيء ويب غيرك دلكا )
( على خلق لم تلف أما و لا أبا ... عليه و لم تدرك عليه أخا لكا )
( سقاك أبو بكر بكأس روية ... و أنهلك المأمون منها و علكا )
فلما بلغت الأبيات رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدر دمه و قال : من لقي كعبا فليقتله ]
فكتب بذلك بجير إلى أخيه و ذكر له أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أهدر دمه و يقول له : النجاء و ما أراك تنفلت ثم كتب إليه بعد ذلك : اعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله و أن محدا رسول الله إلا قبل ذلك منه و أسقط ما كان قبل ذلك فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم و أقبل
قال : فأسلم كعب و قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم دخل المسجد و رسول الله مع أصحابه كالمائدة بين القوم متحلقون معه حلقة خلف حلقة يلتفت إلى هؤلاء مرة فيحدثهم و إلى هؤلاء مرة فيحدثهم
قال كعب : فأنخت راحلتي بباب المسجد فعرفت رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصفة حتى جلست إليه فأسلمت و قلت : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك محمد رسول الله الأمان يا رسول الله قال : من أنت ؟ قال : كعب بن زهير قال : الذي يقول ثم التفت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : كيف قال يا أبا بكر ؟ فأنشده أبو بكر :
( سقاك بها المأمون كأسا روية ... و أنهلك المأمور منها و علكا )
قال : يا رسول الله ما قلت هكذا قال : فكيف قلت ؟ قال قلت :
( سقاك بها المأمون كأسا روية ... و أنهلك المأمون منها و علكا )
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مأمون و الله ثم أنشده القصيدة كلها حتى أتى على آخرها و هي هذه القصيدة :
( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم عندها لم يفد مكبول )
و قد تقدم ما ذكرناه من الرمز لما اختلف فيه إنشاد ابن إسحاق و البيهقي رحمهما الله عز و جل و ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب أن كعبا لما انتهى إلى قوله :
( إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول )
( نبئت أن رسول الله أوعدني ... و العفو عند رسول الله مأمول )
قال : فأشار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى من معه أن [ اسمعوا ] و قد ذكر ذلك قبله موسى بن عقبة في مغازيه و لله الحمد و المنة (3/705)
قلت ورد في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاه بردته حين أنشده القصيدة و قد نظم ذلك الصرصري في بعض مدائحه و هكذا ذكر ذلك الحافظ أبو الحسن بن الأثير في الغابة قال : و هي البردة التي عند الخلفاء
قلت : و هذا من الأمور المشهورة جدا و لكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه فالله أعلم
و قد روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له لما قال بانت سعاد : [ و من سعاد ؟ ] قال : زوجتي يا رسول الله قال : [ لم تبن ]
و لكن لم يصح ذلك و كأنه على ذلك توهم أن بإسلامه تبين امرأته و الظاهر أنه إنما أراد البينونة الحسية لا الحكمية و الله تعالى أعلم (3/707)
قال ابن إسحاق : و قال عاصم بن عمر بن قتادة : فلما قال كعب ـ يعني في قصيدته ـ [ إذا عرد السود التنابيل ] و إنما يريدنا معشر الأنصار لما كان صاحبنا صنع به و خص الهاجرين من قريش بمدحته غضبت عليه الأنصار فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار و يذكر بلاءهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم و موضعهم من اليمن :
( من سرة كرم الحياة فلا يزل ... في مقنب من صالح الأنصار )
( ورثوا المكارم كابرا عن كابر ... إن الخيار هم بنو الأخيار )
( المكرهين السمهري بأذرع ... كسوالف الهندي غير قصار )
( و الناظرين بأعين محمرة ... كالجمر غير كليلة الإبصار )
( و البائعين نفوسهم لنبيهم ... للموت يوم تعانق و كرار )
( يتطهرون يرونه نسكا لهم ... بدماء من علقوا من الكفار )
( دربوا كما دربت بطون خفية ... غلب الرقاب من الأسود صواري )
( و إذا حللت ليمنعوك إليهم ... أصبحت عند معاقل الأعفار )
( ضربوا عليا يوم بدر ضربة ... دانت لوقعتها جميع نزار )
( لو يعلم الأقوام علمي كله ... فيهم لصدقني الذين أماري )
( قوم إذا خوت النجوم فإنهم ... للطارقين النازلين مقاري )
قال ابن هشام : و يقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له حين أنشده بانت سعاد : [ لولا ذكرت الأنصار بخير فإنهم لذلك أهل ؟ ] فقال كعب هذه الأبيات و هي من قصيدة له
قال : و بلغني عن علي بن زيد بن جدعان أن كعب بن زهير أنشد رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول (3/707)
و قد رواه الحافظ البيهقي بإسناده المتقدم إلى إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني معن بن عيسى حدثني محمد بن عبد الرحمن الأفطس عن ابن جدعان فذكره و هو مرسل
و قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب بعد ما ورد طرفا من ترجمة كعب بن زهير إلى أن قال : و قد كان كعب بن زهير شاعرا مجودا كثير الشعر مقدما في طبقته هو و أخوه بجير و كعب أشعرهما و أبوهما زهير فوقهما و مما يستجاد من شعر كعب بن زهير قوله :
( لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى و هو مخبوء له القدر )
( يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... فالنفس واحدة و الهم منتشر )
( و المرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر )
ثم أورد له ابن عبد البر أشعارا كثيرة يطول ذكرها و لم يؤرخ وفاته و كذا لم يؤرخها أبو الحسن بن الأثير في كتاب الغابة في معرفة الصحابة و لكن حكى أن أباه توفي قبل المبعث بسنة فالله أعلم
و قال السهيلي : و مما أجاد فيه كعب بن زهير قوله يمدح رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( تجري به الناقة الأدماء معتجرا ... بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم )
( ففي عطافيه أو أثناء بردته ... ما يعلم الله من دين و من كرم ) (3/708)
فكان في جمادى منها وقعة مؤتة وفي رمضان غزوة فتح مكة و بعدها في شوال غزوة هوازن بحنين و بعده كان حصار الطائف ثم كانت عمرة الجعرانة في ذي القعدة ثم عاد إلى المدينة في بقية السنة
قال الواقدي : رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة لليال بقين من ذي الحجة في سفرته هذه
قال الواقدي : [ و في هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن العاص إلى جيفر و عمرو ابني الجلندي من الأزد و أخذت الجزية من مجوس بلدهما و من حولها من الأعراب ]
قال : و فيها تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم فاطمة بنت الضحاك بن سنيان الكلابي في ذي القعدة فاستعاذت منه عليه السلام ففارقها و قيل بل خيرها فاختارت الدنيا ففارقها
قال : و في ذي الحجة منها ولد إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم من مارية القبطية فاشتدت غيرة أمهات المؤمنين منها حين رزقت ولدا ذكرا و كانت قابلتها فيه سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت إلى أبي رافع فأخبرته فذهب فبشر به رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه مملوكا و دفعه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أم برة بنت المنذر بن أسيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار و زوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول
و كانت وفاة من ذكرنا من الشهداء في هذه الوقائع
و قد قدمنا هدم خالد بن الوليد البيت الذي كانت العزى تعبد فيه بنخلة بين مكة و الطائف و ذلك لخمس بقين من رمضان منها
قال الواقدي : و فيها كان هدم سواع الذي كانت تعبده هذيل برهاط هدمه عمرو بن العاص رضي الله عنه و لم يجد في خزانته شيئا وفيها هدم مناة بالمشلل و كانت الأنصار أوسها و خزرجها يعظمونه هدمه سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه
و قد ذكرنا من هذا فصلا مفيدا مبسوطا في تفسير سورة النجم عند قوله تعالى : { أفرأيتم اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى }
قلت و قد ذكر البخاري بعد فتح مكة قصة تخريب خثعم البيت الذي كانت تعبده و يسمونه الكعبة اليمانية مضاهيا للكعبة التي بمكة و يسمون التي بمكة الكعبة الشامية و تلك الكعبة اليمانية فقال البخاري : [ حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تريحني من ذي الخلصة ؟ فقلت بلى
فانطلقت في خمسين و مائة فارس من أحمس و كانوا أصحاب خيل و كنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فضرب يده في صدري حتى رأيت أثر يده في صدري و قال : اللهم ثبته و اجعله هاديا مهديا قال : فما وقعت عن فرس بعد
قال : و كان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم و بجيلة فيه نصب تعبد يقال له الكعبة اليمانية قال : فأتاها فحرقها في النار و كسرها
قال : فلما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام فقيل له : إن رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم هاهنا فإن قدر عليك ضرب عنقك فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال : لتكسرنها و تشهد أن لا إله إلا الله أو لأضربن عنقك فكسرها و شهد
ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أرطأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم يبشره بذلك قال : فلما أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يا رسول الله و الذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال : فبارك رسول الله صلى الله عليه و سلم على خيل أحمس و رجالها خمس مرات ]
و رواه مسلم من طرق متعددة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي بنحوه (3/710)
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا و إن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون }
روي عن ابن عباس و مجاهد و عكرمة و سعيد بن جبير و قتادة و الضحاك و غيرهم : أنه لما أمر الله تعالى أن يمنع المشركون من قربان المسجد الحرام في الحج و غيره قالت قريش : لتنقطعن عنا المتاجر و الأسواق أيام الحج و ليذهبن ما كنا نصيب منها فعوضهم الله عن ذلك بالأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون
قلت فزعم رسول الله صلى الله عليه و سلم على قتال الروم لأنهم أقرب الناس إليه و أولى الناس بالدعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام و أهله و قد قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار و ليجدوا فيكم غلطة و اعلموا أن الله مع المتقين }
فلما عزم رسول الله صلى الله عليه و سلم على غزو الروم عام تبوك و كان ذلك في حر شديد و ضيق من الحال جلى للناس أمرها و دعا من حوله من أحياء الأعراب للخروج معه فأوعب معه بشر كثير كما سيأتي قريبا من ثلاثين ألفا و تخلف آخرون فعاتب الله من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين و المقصرين و لامتهم و وبخهم و قرعهم أشد التقريع و فضحهم أشد الفضيحة و أنزل فيهم قرآنا يتلى و بين أمرهم في سورة براءة كما قد بينا ذلك مبسوطا في التفسير و أمر المؤمنين بالنفر على كل حال فقال تعالى : { انفروا خفافا و ثقالا و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون لو كان عرضا قريبا و سفرا قاصدا لاتبعوك و لكن بعدت عليهم الشقة و سيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم و الله يعلم إنهم لكاذبون } ثم الآيات بعدها
ثم قال تعالى : { و ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } فقيل إن هذه ناسخة لتلك و قيل لا فالله أعلم (4/3)
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب ـ يعني من سنة تسع ـ ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم
فذكر الزهري و يزيد بن رومان و عبد الله بن أبي بكر و عاصم بن عمر بن قتادة و غيرهم من علمائنا كل يحدث عن غزوة تبوك ما بلغه عنها و بعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو و ذلك في زمان عسرة من الناس و شدة من الحر و جدب من البلاد و حين طابت الثمار فالناس يحبون المقام في ثمارهم و ظلالهم و يكرهون الشخوص في الحال من الزمان الذي هم عليه
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قل ما يخرج في غزوة إلا كنى عنها إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد الشقة و شدة الزمان و كثرة العدو الذي يصمد إليه ليتأهب الناس لذلك أهبته فأمرهم بالجهاز و أخبرهم أنه يريد الروم
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم و هو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بني سلمة : يا جد هل لك العام في جلاد بني الأصفر ؟ فقال : يا رسول الله أوتأذن لي و لا تفتني فو الله لقد عرف قومي أنه ما رجل بأشد عجبا بالنساء مني و إني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر
فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : قد أذنت لك ففي الجد أنزل الله هذه الآية : { و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني ألا في الفتنة سقطوا و إن جهنم لمحيطة بالكافرين }
و قال قوم من المنافقين بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد شكا في الحق و إرجافا بالرسول صلى الله عليه و سلم فأنزل الله فيهم : { و قالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون }
قال ابن هشام : حدثني الثقة عمن حدثه عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله بن حارثة عن أبيه عن جده قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودى ـ و كان بيته عند جاسوم ـ يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه و أمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ففعل طلحة فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله و اقتحم أصحابه فأفلتوا فقال الضحاك في ذلك :
( كادت و بيت الله نار محمد ... يشيط بها الضحاك و ابن أبيرق )
( و ظلت و قد طبقت كبس سويلم ... أنوء على رجل كسيرا و مرفق )
( سلام عليكم لا أعود لمثلها ... أخاف و من تشمل به النار يحرق ) (4/4)
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم جد في سفره و أمر الناس بالجهاز و الانكماش و حض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله فحمل رجال من أهل الغنى و احتسبوا و أنفق عثمان بن عفان نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها
قال ابن هشام : فحدثني من أثق به أن عثمان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض ]
و قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا هارون بن معروف حدثنا مضرة بن شوذب عن عبد الله بن القاسم عن كثة مولى عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه و سلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه و سلم جيش العسرة قال : فصبها في حجر النبي صلى الله عليه و سلم فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يقلبها بيده و يقول : ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم ! ]
و رواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل عن الحسن بن واقع عن ضمرة به و قال : حسن غريب
و قال عبد الله بن أحمد في مسند أبيه [ حدثني أبو موسى العنزي حدثنا عبدالصمد بن عبد الوارث حدثني سكن بن المغيرة حدثني الوليد بن أبي هشام عن فرقد أبي طلحة عن عبد الرحمن بن خباب السلمي قال : خطب النبي صلى الله عليه و سلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان : على مائة بعير بأحلاسها و أقتابها قال : ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث فقال عثمان : على مائة أخرى بأحلاسها و أقتابها قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بيده هكذا يحركها و أخرج عبد الصمد يده كالمتعجب : ما على عثمان ما عمل بعد هذا ]
و هكذا رواه [ الترمذي ] عن محمد بن بشار عن أبي داود الطيالسي عن سكن بن المغيرة أبي محمد مولى لآل عثمان به وقال : غريب من هذا الوجه
و رواه البيهقي من طريق عمرو بن مرزوق عن سكن بن المغيرة به وقال : ثلاث مرات و أنه التزم بثلاثمائة بعير بأحلاسها و أقتابها
قال عبد الرحمن : فأنا شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول و هو على المنبر : [ ما ضر عثمان بعدها ـ أو قال ـ بعد اليوم ]
و قال أبو داود الطيالسي : [ حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال : سمعت عثمان بن عفان يقول لسعد ابن أبي وقاص و علي و الزبير و طلحة : أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من جهز جيش العسرة غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما و لا عقالا ؟ قالوا : اللهم نعم ]
و رواه النسائي من حديث حصين به (4/6)
قال الله تعالى : { و إذا أنزلت سورة أن آمنوا و جاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم و قالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف و طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون لكن الرسول و الذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم و أنفسهم و أولئك لهم الخيرات و أولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم و جاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم و قعد الذين كذبوا الله و رسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ليس على الضعفاء و لا على المرضى و لا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله و رسوله ما على المحسنين من سبيل و الله غفور رحيم و لا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا و أعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون إنما السبيل على الذين يستأذنوك و هم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف و طبع الله على قلوبهم فهم لايعلمون }
قد تكلمنا على تفسير هذا كله في التفسير بما فيه كفاية و لله الحمد و المنة
و المقصود ذكر البكائين الذين جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليحملهم حتى يصحبوه في غزوته هذه فلم يجدوا عنده من الظهر ما يحملهم عليه فرجعوا و هم يبكون تأسفا على ما فاتهم من الجهاد في سبيل الله و النفقة فيه
قال ابن إسحاق : وكانوا سبعة نفر من الأنصار و غيرهم
فمن بني عمرو بن عوف : سالم بن عمير وعلبة بن زيد أخو بني حارثة و أبو ليلى عبد الرحمن بنكعب أخو بني مازن بن النجار و عمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة وعبد الله بن المغفل المزني و بعض الناس يقولون : بل هو عبد الله بن عمرو المزني و هرمي بن عبد الله أخو بني واقف و عرباض بن سارية الغزاري
قال ابن إسحاق : فبلغني أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضري لقي أبا ليلى و عبد الله بن مغفل و هما يبكيان فقال : ما يبكيكما ؟ قالا : جئنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه و ليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه و زودهما شيئا من تمر فخرجا مع النبي صلى الله عليه و سلم
زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق : و أما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله ثم بكى و قال : اللهم إنك أمرت بالجهاد و رغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به و لم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه و إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها في مال أو جسد أو عرض
ثم أصبح مع الناس [ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أين المتصدق هذه الليلة ؟ فلم يقم أحد ثم قال : أين المتصدق فليقم فقام إليه فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أبشر فو الذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة ! ]
و قد أورد الحافظ البيهقي هاهنا حديث أبي موسى الأشعري فقال : حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الحميد المازني حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال : أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم اسأله لهم الحملان إذ هم معه في جيش العسرة و هو في غزوة تبوك فقلت : يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال : [ و الله لا أحملكم على شيء ] و وافقته و هو غضبان و لا أشعر
فرجعت حزينا من منع رسول الله صلى الله عليه و سلم و من مخافة أن يكون رسول الله قد وجد في نفسه علي فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بالذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي : أين عبد الله بن قيس ؟ فأجبته فقال : أجب رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعوك فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ خذ هذه القرينين و هذين القرينين و هذين القرينين ] لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد فقال : [ انطلق بهن إلى أصحابك فقل : إن الله أو إن رسول الله يحملكم على هؤلاء ]
فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يحملكم على هؤلاء و لكن و الله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله حين سألته لكم و منعته لي في أول مرة ثم إعطائه إياي بعد ذلك لا تظنوا أني حدثتكم شيئا لم يقله فقالوا لي : و الله إنك عندنا لمصدق و لنفعلن ما أحببت
قال : فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا مقالة رسول الله صلى الله عليه و سلم من منعه إياهم ثم إعطائه بعد فحدثوهم بما حدثهم أبو موسى سواء
و أخرجه البخاري و مسلم جميعا عن أبي كريب عن أبي أسامة :
و في رواية لهما [ عن أبي موسى قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في رهط من الأشعريين ليحملنا فقال : و الله لا أحملكم و ما عندي ما أحملكم عليه
قال : ثم جيء رسول الله صلى الله عليه و سلم بنهب إبل فأمر لنا بست ذود عر الذرى فأخذناها ثم قلنا : تغفلنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يمينه و الله لا يبارك لنا
فرجعنا فقلنا له فقال : ما أنا حملتكم و لكن الله حملكم ثم قال : إني و الله إن شاء الله لا أحلف على يميني فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير و تحللتها ]
قال ابن إسحاق : و قد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم الغيبة حتى تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير شك و لا ارتياب
منهم كعب بن مالك بن أبي كعب أخو بني سلمة و مرارة بن ربيع أخو بني عمرو ابن عوف و هلال بن أمية أخو بني واقف و أبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف و كانوا نفر صدق لا يتهمون في إسلامهم
قلت : أما الثلاثة الأول فستأتي قصتهم مبسوطة قريبا إن شاء الله تعالى و هم الذين أنزل الله فيهم : { و على الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم أنفسهم و ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه }
و أما أبو خيثمة فإنه عاد و عزم على اللحوق برسول الله صلى الله عليه و سلم كما سيأتي (4/8)
قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق : ثم استتب برسول الله صلى الله عليه و سلم سفره و أجمع السير فلما خرج يوم الخميس ضرب عسكره على ثنية الوداع و معه زيادة على ثلاثين ألفا من الناس و ضرب عبد الله بن أبي عدو الله عسكره أسفل منه ـ و ما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين
فلما سار رسول الله صلى الله عليه و سلم تخلف عنه عبد الله بن أبي في طائفة من المنافقين و أهل الريب
قال ابن هشام : و استخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري قال : و ذكر الدراوردى أنه استخلف عليها عام تبوك سباع بن عرفطة (4/11)
قال ابن إسحاق : و خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب على أهله و أمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون و قالوا : ما خلفه إلا استثقالا له و تخففا منه
فلما قالوا ذلك أخذ علي سلاحه ثم خرج حتى لحق برسول الله صلى الله عليه و سلم و هو نازل بالجرف فأخبره بما قالوا فقال : [ كذبوا و لكني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي و أهلك أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ]
فرجع علي و مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفره
ثم قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعلي هذه المقالة
و قد روى البخاري و مسلم هذا الحديث من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه به
و قد قال أبو داود الطيالسي في مسنده : [ حدثنا شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله أتخلفني في النساء و الصبيان ؟ فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ]
و أخرجاه من طرق عن شعبة نحوه و علقه البخاري أيضا من طريق أبي داود عن شعبة
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له ـ و خلفه في مغازيه فقال علي : يا رسول الله تخلفني مع النساء و الصبيان ؟ فقال : يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ]
و رواه مسلم و الترمذي عن قتيبة زاد مسلم و محمد بن عباد كلاهما عن حاتم بن إسماعيل به و قال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوسجه (4/12)
قال ابن إسحاق : ثم إن أبا خيثمة رجع بعد ما سار رسول الله صلى الله عليه و سلم أياما إلى أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه قد رشت كل واحدة منهما عريشها و بردت فيه ماء و هيأت له فيه طعاما
فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه و ما صنعتا له فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم في الصح و الريح و الحر و أبو خيثمة في ظل بارد و طعام مهيأ و امرأة حسناء في ماله مقيم ! ما هذا بالنصف و الله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه و سلم فهيئا زادا ففعلتا
ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أدركه حين نزل تبوك
و قد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب : إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم ففعل
حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كن أبا خيثمة ] فقالوا : يا رسول الله هو و الله أبو خيثمة
فلما بلغ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم فقال له : [ أولى لك يا أبا خيثمة ! ] ثم أخبر رسول الله الخبر فقال خيرا و دعا له بخير
و قد ذكر عروة بن الزبير و موسى بن عقبة قصة أبي خيثمة بنحو من سياق محمد بن إسحاق و أبسط و ذكر أن خروجه عليه السلام إلى تبوك كان في زمن الخريف فالله أعلم
قال ابن هشام : و قال أبو خيثمة و اسمه مالك بن قيس في ذلك :
( لما رأيت الناس في الدين نافقوا ... أتيت التي كانت أعف و أكرما )
( و بايعت باليمنى يدي لمحمد ... فلم أكتسب إثما و لم أغش محرما )
( تركت خضيبا في العريش و صرمة ... صفايا كراما بسرها قد تحمما )
( و كنت إذا شك المنافق اسمحت ... إلى الدين نفسي شطره حيث يمما )
و قال يونس بن بكير [ عن محمد بن إسحاق عن بريدة عن سفيان عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود قال : لما سار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى تبوك جعل لا يزال الرجل يتخلف فيقولون : يا رسول الله تخلف فلان
فيقول : دعوه إن بك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن بك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ] (4/13)
حتى قيل : يا رسول الله تخلف أبو ذر و أبطأ به بعيره فقال : [ دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم و إن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ]
فتلوم أبو ذر بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه و سلم ماشيئا و نزل رسول الله في بعض منازله و نظر ناظر من المسلمين فقال : يا رسول الله إن هذا الرجل ماش على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كن أبا ذر ] فلما تأمله القوم قالوا : يا رسول الله هو و الله أبا ذر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يرحم الله أبا ذر ! يمشي وحده و يموت وحده و يبعث وحده ]
قال فضرب الدهر ضربه و سير أبو ذر إلى الربذة فلما حضره الموت أوصى امرأته و غلامه فقال : إذا مت فاغسلاني و كفناني من الليل ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمرون بكم فقولوا : هذا أبو ذر
فلما مات فعلوا به كذلك فاطلع ركب فما علموا به حتى كانت ركابهم تطأ سريره فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة فقال : ما هذا ؟ فقيل : جنازة أبي ذر فاستهل ابن مسعود يبكي و قال : صدق رسول الله : [ يرحم الله أبا ذر يمشي وحده و يموت وحده و يبعث وحده ! ] فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه
إسناده حسن و لم يخرجوه (4/15)
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرنا عبد الله بن محمد بن عقيل في قوله : الذين اتبعوه في ساعة العسرة قال : خرجوا في غزوة تبوك الرجلان و الثلاثة على بعير واحد و خرجوا في حر شديد فأصابهم في يوم عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها و يشربوا ماءها فكان ذلك عسرة في الماء و عسرة في النفقة و عسرة في الظهر
و قال عبد الله بن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب : حدثنا عن شأن ساعة العسرة فقال عمر : خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا و أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرحل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه ثم يجعل ما بقى على كبده فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا فقال : أوتحب ذلك ؟ قال : نعم قال : فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر ]
إسناده جيد و لم يخرجوه من هذا الوجه
و قد ذكر ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه أن هذه القصة كانت و هم بالحجر و أنهم قالوا لرجل معهم منافق : و يحك هل بعد هذا من شيء ؟ !
فقال : سحابة مارة !
و ذكر أن ناقة رسول الله ضلت فذهبوا في طلبها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمارة بن حزم الأنصاري ـ و كان عنده : [ إن رجلا قال : هذا محمد يخبركم أنه نبي و يخبركم خبر السماء و هو لا يدري أين ناقته ! و إني و الله لا أعلم إلا ما علمني الله و قد دلني الله عليها هي في الوادي قد حبستها شجرة بزمامها ]
فانطلقوا فجاءوا بها فرجع عمارة إلى رحله فحدثهم عما جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم من خبر الرجل فقال رجل ممن كان في رحل عمارة : إنما قال ذلك زيد بن اللصيت و كان في رحل عمارة قبل أن يأتي فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه و يقول : إن في رحلي لداهية و أنا لا أدري اخرج عني يا عدو الله فلا تصحبني فقال بعض الناس : إن زيدا تاب و قال بعضهم : لم يزل مصرا حتى هلك
قال الحافظ البيهقي : و قد روينا من حديث ابن مسعود شبيها بقصة الراحلة
ثم روى من حديث الأعمش و قد رواه الإمام أحمد [ عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري ـ شك الأعمش ـ قال : لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا : يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا و ادهنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : افعلوا
فجاء عمر فقال : يا رسول الله إن فعلت قل الظهر و لكن ادعهم بفضل أزوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله أن يجعل فيها البركة فقال رسول الله : نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف ذرة و يجيء الآخر بكف من التمر و يجيء الاخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبركة ثم قال لهم : خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه و أكلوا حتى شبعوا و فضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة ]
و رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي معاوية عن الأعمش به ورواه الإمام أحمد من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة و لم يذكر غزوة تبوك بل قال : كان في غزوة غزاها (4/16)
قال ابن إسحاق : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مر بالحجر نزلها و استقى الناس من بئرها فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تشربوا من مياها سيئا و لا تتوضأ منه للصلاة و ما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الأبل و لا تأكلوا منه شيئا ]
هكذا ذكره ابن إسحاق بغير إسناد
و قال الإمام أحمد : حدثنا يعمر بن بشر حدثنا عبد الله بن مبارك أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني سالم بن عبد أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما مر بالحجر قال : [ لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم ] و تقنع بردائه و هو على الرحل
و رواه البخاري من حديث عبد الله بن المبارك و عبد الرزاق كلاهما عن معمر بإسناده نحوه
وقال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه : [ لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل أصابهم ]
و رواه البخاري من حديث مالك و من حديث سليمان بن بلال كلاهما عن عبد الله بن دينار و رواه مسلم من وجه آخر عن عبد الله بن دينار نحوه
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا صخر ـ هو ابن جويرية ـ عن نافع عن ابن عمر قال : نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس عام تبوك الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود فعجنوا و نصبوا القدور باللحم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهرقوا القدور و علفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة و نهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال : [ إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم ]
و هذا الحديث إسناده على شرط الصحيحين من هذا الوجه و لم يخرجوه و إنما أخرجه البخاري و مسلم من حديث أنس بن عياض عن أبي ضمرة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به
قال البخاري : و تابعه أسامة عن عبيد الله
و وراه مسلم من حديث شعيب بن إسحاق عن عبيد الله عن نافع به
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن عبد الله بن عثمان ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قال : لما مر النبي صلى الله عليه و سلم بالحجر قال : [ لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج و تصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها و كانت تشرب ماءهم يوما و يشربون لبنها يوما فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحد كان في حرم الله
قيل : من هو يا رسول الله ؟ قال : هو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه ]
إسناده صحيح و لم يخرجوه
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المسعودي عن إسماعيل بن واسط عن محمد بن أبي كبشة الأعاري عن أبيه قال : لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي في الناس : الصلاة جامعة
قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ممسك بعيره و هو يقول :
ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم ؟ فناداه رجل : نعجب منهم قال : أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم و ما هو كائن بعدكم فاستقيموا و سددوا فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا و سيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا ]
و قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق : [ حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن العباس بن سهل بن سعد الساعدي ـ أو عن العباس بن سعد الشك مني ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مر بالحجر و نزلها و استقى من بئرها فلما راحوا منها قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للناس : لا تشربوا من مائها شيئا و لا تتوضأوا منه للصلاة و ما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل و لا تأكلوا منه شيئا و لا يخرجن أحد منكم الليلة إلا و معه صاحب له
ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته و خرج الآخر في طلب بعير له فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى ألقته بجبل طييء فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك فقال : ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا و معه صاحب له
ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي و أما و الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من تبوك ]
و في رواية زياد عن ابن إسحاق أن طيئا أهدته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رجع إلى المدينة
قال ابن إسحاق : و قد حدثني عبد الله بن أبي بكر أن العباس بن سهل سمي له الرجلين لكنه استكتمه إياهما فلم يحدثني بهما
و قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا وهيب بن خالد حدثنا عمرو بن يحيى عن العباس بن سهل بن الساعدي عن أبي حميد الساعدي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام تبوك حتى جئنا وادي القرى فإذا امراة في حديقة لها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : اخرصوا فخرص القوم و خرص رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرة أوسق و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمرأة : أحصي ما يخرج منها حتى أرجع إليك إن شاء الله
قال : فخرج حتى قدم تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنها ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقومن فيها رجل فمن كان له بعير فليوثق عقاله
قال أبو حميد : فعقلناها فلما كان من الليل هبت علينا ريح شديدة فقام فيها رجل فألقته في جبل طييء
ثم جاء رسول الله ملك أيلة فأهدى لرسول الله بغلة بيضاء و كساه رسول الله بردا و كتب له يجيرهم
ثم أقبل و أقبلنا معه حتى جئنا وادي القري فقال للمرأة : كم جاءت حديقتك ؟ قالت : عشرة أوسق خرص رسول الله
فقال رسول الله : إني متعجل فمن أحب منكم أن يتعجل فليفعل قال : فخرج رسول الله و خرجنا معه حتى إذا أوفى على المدينة قال : هذه طابة فلما رأى أحدا قال هذا أحد يحبنا و نحبه ألا بخبر دور الأنصار ؟ قلنا : بلى يا رسول الله
قال : خير دور الأنصار بنو النجار ثم دار بني عبد الأشهل ثم دار بني ساعدة ثم في كل دور الأنصار خير ]
و أخرجه البخاري و مسلم من غير وجه عن عمرو بن يحيى به نحوه
و قال الإمام مالك رحمه الله [ عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام تبوك فكان يجمع بين الظهر و العصر و بين المغرب و العشاء قال : فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر و العصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب و العشاء جميعا ثم قال : إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك و إنكم لن تأتوها حتى يضحى ضحى النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي
قال فجئناها و قد سبق إليها رجلان و العين مثل الشراك تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل مستما من مائها شيئا ؟ قالا : نعم فسبهما و قال لهما ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شن ثم غسل رسول الله فيه وجهه و يديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد مليء جنانا ]
أخرجه مسلم من حديث مالك به (4/18)
روى الإمام أحمد [ عن أبي النضر هاشم بن القاسم و يونس بن محمد المؤدب و حجاج ابن محمد ثلاثتهم عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن أبي الخطاب عن أبي سعيد الخدري أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم عام تبوك خطب الناس و هو مسند ظهره إلى نخلة فقال : ألا أخبركم بخير الناس و شر الناس ؟ إن خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أوعلى ظهر بعيره أوعلى قدميه حتى يأتيه الموت و إن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله لا يرعوى إلى شيء منه ]
و رواه النسائي عن قتيبة عن الليث به و قال : أبو الخطاب لا أعرفه
و روى البيهقي [ من طريق يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز بن عمران حدثنا مصعب بن عبد الله عن منظور بن جميل بن سنان أخبرني أبي سمعت عقبة بن عامر الجهني خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فاسترقد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يستيقظ حتى كانت الشمس قيد رمح قال : ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر ؟ فقال : يا رسول الله ذهب بي من النوم مثل الذي ذهب بك
قال : فانتقل رسول الله صلى الله عليه و سلم من منزله غير بعيد ثم صلى و سار بقية يومه و ليلته فأصبح بتبوك فحمد الله و أثني عليه بما هو أهله ثم قال :
أيها الناس أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله و أوثق العري كلمة التقوى و خير الملل ملة إبراهيم و خير السنن سنة محمد و أشرف الحديث ذكر الله و أحسن القصص هذا القرآن و خير الأمور عوازمها و شعر الأمور محدثاتها وأحسن الهدي هدي الأنبياء و أشرف الموت قتل الشهداء و أعمى العمى الضلالة بعد الهدى و خير الأعمال ما نفع و خير الهدى ما اتبع و شر العمى عمى القلب و اليد العليا خير من اليد السفلى و ما قل و كفى خير مما كثر و ألهى و شر المعذرة حين يحضر الموت و شر الندامة يوم القيامة و من الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبرا و من الناس من لا يذكر الله إلا هجرا و من أعظم الخطايا اللسان الكذوب و خير الغنى غنى النفس و خير الزاد التقوى و رأس الحكمة مخافة الله عز و جل و خير ما وقر القلوب اليقين و الارتياب من الكفر و النياحة من عمل الجاهلية و الغلول من حثى جهنم و الشعر من إبليس و الخمر جماع الإثم و النساء حبائل الشيطان و الشباب شعبة من الجنون و شر المكاسب كسب الربا وشر المآكل أكل مال اليتيم و السعيد من وعظ بغيره و الشقيءمن شقي في بطن أمه و إنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع و الأمر إلى الآخرة و ملاك العمل خواتمه و شر الروايا روايا الكذب و كل ماهو آت قريب و سباب المؤمن فسوق و قتال المؤمن كفر وأكل لحمه من معصية الله و حرمة ماله كحرمة دمه و من يتألى على الله يكذبه ومن يستغفره يغفرله و من يعف يعف الله عنه و من يكظم يأجره الله و من يصبر على الرزية يعوضه الله و من يبتغ السمعة يسمع الله به و من يصبر يضعف الله له و من يعص الله يعذبه الله اللهم اغفر لي و لأمتي اللهم اغفر لي و لأمتي اللهم اغفر لي و لأمتي قالها ثلاثا ثم قال : أستغفر الله لي و لكم ]
و هذا حديث غريب و فيه نكارة و في إسناده ضعف و الله أعلم بالصواب
و قال أبو داود : [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمذاني و سليمان بن داود قالا : أخبرنا ابن وهب أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان عن أبيه أنه نزل بتبوك و هو حاج فإذا رجل مقعد فسألته عن أمره فقال : سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت أني حي إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل بتبوك إلى نخلة فقال هذه قبلتنا
ثم صلى إليها قال : فأقبلت و أنا غلام أسعى حتى مررت بينه و بينها فقال : قطع صلاتنا قطع الله أثره
قال : فما قمت عليها إلى يومي هذا ]
ثم رواه أبو داود من [ حديث سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن مولى ليزيد ابن نمران عن يزيد بن نمران قال : رأيت بتبوك مقعدا فقال : مررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا على حمار و هو يصلي فقال : اللهم اقطع أثره فما مشيت عليها بعد و في رواية : قطع صلاتنا قطع الله أثره ] (4/23)
روى البيهقي من [ حديث يزيد بن هارون أخبرنا العلاء أبو محمد الثقفي قال سمعت أنس بن مالك قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء و شعاع و نور لم أرها طلعت فيما مضى فأتى جبريل رسول الله فقال : يا جبريل مالي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء و نور و شعاع لم أرها طلعت فيما مضىء ؟ قال : ذلك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه قال : و مم ذاك ؟ قال : بكثرة قراءته : { قل هو الله أحد } باليل و النهار و في ممشاه و في قيامه و قعوده فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه ؟ قال : نعم قال : فصلى عليه ثم رجع ]
وهذا الحديث فيه غرابة شديدة و نكارة و الناس يسندون أمره إلى العلاء بن زيد هذا و قد تكلموا فيه
ثم قال البيهقي : [ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا هشام بن علي أخبرنا عثمان بن الهيثم حدثنا محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس قال : جاء جبريل فقال : يا محمد مات معاوية بن أبي معاوية المزني أفتحب أن تصلي عليه ؟ قال : نعم فضرب بجناحه فلم يبق من شجرة و لا أكمة إلا تضعضعت له قال : فصلى و خلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك قال قلت : يا جبريل بم نال هذه المنزلة من الله ؟ قال : بحبه { قل هو الله أحد } يقرؤها قائما و قاعدا و ذاهبا و جائيا و على كل حال
قال عثمان : فسألت أبي أين كان النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قال : بغزوة تبوك بالشام و مات معاوية بالمدينة و رفع له سريره حتى نظر إليه و صلى عليه ]
و هذا أيضا منكر من هذا الوجه (4/26)
قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن أبي راشد قال : لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بحمص و كان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ العقد أو قرب فقلت : ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى هرقل ؟ قال : بلى
قدم رسول الله تبوك فبعث دحية الكلبي إلى هرقل فلما أن جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا قسيسي الروم و بطارقتها ثم أغلق عليه و عليهم الدار فقال : [ قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم و قد أرسل إلى أن يدعوني إلى ثلاث خصال يدعوني أن أتبعه على دينه أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا و الأرض أرضنا أو نلقي إليه الحرب ]
و الله لقد عرفتم فيما تقرأون من الكتب ليأخذن أرضنا فهلم فلنتبعه على دينه أو نعطيه مالنا على أرضنا
فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من براسهم و قالوا : تدعونا إلى أن نذر النصرانية أو نكون عبيدا لأعرابي جاء من الحجاز
فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رفأهم و لم يكد و قال : إنما قلت ذلك لأعلم صلابتكم على أمركم
ثم دعا رجلا من عرب تجيب كان على نصارى العرب قال : ادع لي رجلا حافظا للحديث عربي اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه
فجاء بي فدفع إلى هرقل كتابا فقال : اذهب بكتابي إلى هذا الرجل فلما سمعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال : انظر هل يذكر صحيفته إلى التي كتب بشيء و انظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل ؟ و انظر في ظهره هل به شيء يريبك ؟
قال : فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا على الماء فقلت : أين صاحبكم ؟ قيل : ها هو ذا
فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال : [ ممن أنت ] فقلت أنا أخو تنوخ : قال : [ هل لك إلى الإسلام الحنيفية ملة أبيك إبراهيم ؟ ] قلت : إني رسول قوم و على دين قومي لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم فضحك و قال : [ إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من و يشاء و هو أعلم بالمهتدين يا أخا تنوخ إني كتبت بكتاب إلى كسرى و الله ممزق و ممزق ملكه و كتبت إلى النجاشي بصحيفة فخرقها و الله مخرق ملكه و كتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير ]
قلت : هذه إحدى الثلاث التى أوصاني بها صاحبي
فأخذت سهما من جعبتي فكتبتها في جنب سيفي ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره قلت : من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم ؟ قالوا : معاوية فإذا في كتاب صاحبي : تدعوني إلى جنة عرضها السموات و الأرض أعدت للمتقين فأين النار ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ سبحان الله ! أين الليل إذا جاء النهار ]
قال : فأخذت سهما من جعبتي فكتبته في جلد سيفي
فلما أن فرغ من قراءة كتابي قال : إن لك حقا و إنك لرسول فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها إنا سفر مرملون قال : فناداه رجل من طائفة الناس قال : أنا أجوزه ففتح رحله فإذا هو يأتي بحلة صفورية فوضعها في حجري قلت : من صاحب الجائزة ؟ قيل لي : عثمان
ثم قال رسول الله : [ أيكم ينزل هذا الرجل ؟ ] فقال فتى من الأنصار : أنا فقام الأنصاري و قمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله فقال : [ تعال يا أخا تنوخ ] فأقبلت أهوي حتى كنت قائما في مجلسي الذي كنت بين يديه فحل حبوته عن ظهره و قال : [ ها هنا امض لما أمرت به ] فجلت في ظهره فإذا أنا بخاتم في موضع غضون الكيف مثل الحجمة الضخمة
هذا حديث غريب و إسناده لا بأس به تفرد به الإمام أحمد (4/27)
قال ابن إسحاق : و لما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه و سلم و أعطاه الجزية و أتاه أهل جرباء و أذرح فأعطوه الجزية
و كتب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا فهو عندهم
فكتب ليحنة بن رؤبة و أهل أيلة : [ بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله و محمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة و أهل أيلة سفنهم و سيارتهم في البر و البحر لهم ذمة الله و ذمة محمد النبي و من كان معهم من أهل الشام و أهل اليمن و أهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه و إنه طيب لمن أخذه من الناس و أنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه و لا طريقا يردونه من بر أو بحر ]
زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق بعد هذا : و هذا كتاب جهيم بن الصلت و شرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله
قال يونس عن ابن إسحاق : و كتب لأهل جرباء و أذرح : [ بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لأهل جرباء و أذرح أنهم آمنون بأمان الله و أمان محمد و أن عليهم مائة دينار في كل رجب و مائة أوقية طيبة و أن الله عليهم كفيل بالنصح و الإحسان إلى المسلمين و من لجأ إليهم من المسلمين ]
قال : و أعطى النبي صلى الله عليه و سلم أهل أيلة برده مع كتابه أمانا لهم قال : فاشتراه بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار (4/29)
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر دومة و هو أكيدر بن عبد الملك رجل من بني كندة كان ملكا عليها و كان نصرانيا و قال رسول الله لخالد : [ إنك ستجده يصيد البقر ]
فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين و في ليلة مقمرة صائفة و هو على سطح له و معه امرأته و باتت البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا و الله قالت : فمن يترك هذا ؟
قال : لا أحد
فنزل فأمر بفرسه فأسرج له و ركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له حسان فركب و خرجوا معه بمطاردهم
فلما خرجوا تلقتهم خيل النبي صلى الله عليه و سلم فأخذته و قتلوا أخاه و كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل قدومه عليه
قال : [ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس بن مالك قال : رأيت قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم و يتعجبون منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتعجبون من هذا فو الذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا ]
قال ابن إسحاق : ثم إن خالد بن الوليد لما قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه و سلم حقن له دمه فصالحه على الجزية ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته
فقال رجل من بني طييء يقال له بجير بن بجرة في ذلك :
( تبارك سائق البقرات إني ... رأيت الله يهدي كل هاد )
( فمن يك حائدا عن ذي تبوك ... فإنا قد أمرنا بالجهاد )
و قد حكى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لهذا الشاعر : [ لا يفضض الله فاك ] فأتت عليه سبعون سنة ما تحرك له فيها ضرس و لا سن
و قد روى ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث خالدا مرجعه من تبوك في أربعمائة و عشرين فارسا إلى أكيدر دومة فذكر نحو ما تقدم إلا أنه ذكر أنه ما كره حتى أنزله من الحصن و ذكر أنه قدم مع أكيدر إلى رسول الله ثمانمائة من السبي و ألف بعير و أربعمائة درع و أربعمائة رمح و ذكر أنه لما سمع عظيم أيلة يحنة بن رؤبة بقصة أكيدر دومة أقبل قادما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصالحه فاجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم بتبوك فالله أعلم
و روى يونس بن بكير عن سعد بن أوس عن بلال بن يحيى أن أبا بكر الصديق كان على المهاجرين في غزوة دومة الجندل و خالد بن الوليد على الأعراب في غزوة دومة الجندل فالله أعلم (4/30)
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بضع عشرة ليلة لم يجاوزها ثم انصرف قافلا إلى المدينة
قال : و كان في الطريق ماء يخرج من وشل يروي الراكب و الراكبين و الثلاثة بواد يقال له وادي المشقق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه ]
قال : فسبقه إليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال : [ من سبقنا إلى هذا الماء ؟ ] فقيل له : يا رسول الله فلان و فلان فقال : [ أو لم أنههم أن يستقوا منه حتى آتيه ؟ ] ثم لعنهم و دعا عليهم
ثم نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نصحه به و مسحه بيده و دعا بما شاء الله أن يدعو فانخرق من الماء ـ كما يقول من سمعه ـ ما إن له حسا كحس الصواعق فشرب الناس و استقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لئن بقيتم أو من بقي منكم ليسمعن بهذا الوادي و هو أخصب ما بين يديه و ما خلفه ]
قال ابن إسحاق : و حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عبد الله بن مسعود كان يحدث قال : قمت من جوف الليل و أنا مع رسول الله في غزوة تبوك فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها (4/32)
قال : فإذا رسول الله و أبو بكر و عمر و إذا عبد الله ذو البجادين قد مات و إذا هم قد حفروا له و رسول الله في حفرته و أبو بكر و عمر يدليانه و إذا هو يقول : [ أدنيا إلي أخاكما ] فدلياه إليه فلما هيأه لشقه قال : [ اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه ]
قال : يقول ابن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة
قال ابن هشام : إنما سمي ذا البجادين لأنه كان يريد الإسلام فمنعه قومه و ضيقوا عليه حتى خرج من بينهم و ليس عليه إلا بجاد ـ و هو الكساء الغليظ فشقه باثنين فائتزر بواحدة و ارتدى بالأخرى ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسمي ذا البجادين
قال ابن إسحاق : و ذكر ابن شهاب الزهري عن ابن أكيمة الليثي عن ابن أخي أبي رهم الغفاري أنه سمع أبا رهم كلثوم بن الحصين ـ و كان من أصحاب الشجرة ـ يقول : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة تبوك فسرت ذات ليلة معه و نحن بالأخضر و ألقى الله علي النعاس و طفقت أستيقظ و قد دنت راحلتي من راحلة النبي صلى الله عليه و سلم فيفزعني دنوها منه مخافة أن أصيب رجله في الغرز فطفقت أحوز راحلتي عنه حتى غلبتني عيني في بعض الطريق فزاحمت راحلتي راحلته و رجله في الغرز فلم أستيقظ إلا بقوله : [ حس ] فقلت : يا رسول الله استغفر لي
قال : [ سر ]
فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألني عمن تخلف عنه من بني غفار فأخبره به فقال و هو يسألني : [ ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط الذين لا شعر في وجوههم ؟ ] فحدثته بثخافهم
قال : [ فمافعل النفر السود الجعاد القصار ؟ ] قال : قلت : و الله ما أعرف هؤلاء منا قال : [ بلى الذين لهم نعم بشبكة شدخ ] فتذكرتهم في بني غفار فلم أذكرهم حتى ذكرت أنهم رهط من أسلم كانوا حلفاء فينا فقلت : يا رسول الله أولئك رهط من أسلم حلفاء فينا : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل على بعيره من إبله أمرأ نشيطا في سبيل الله ؟ إن أعز أهلي علي أن يتخلف عني المهاجرون و الأنصار و غفار و أسلم ] (4/33)
و قال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال : لما قفل رسول الله صلى الله عليه و سلم من تبوك إلى المدينة هم جماعة من المنافقين بالفتك به و أن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق فأخبر بخبرهم فأمر الناس بالمسير من الوادي و صعد هو العقبة و سلكها معه أولئك النفر و قد تلثموا و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عمار بن ياسر و حذيفة بن اليمان أن يمشيا معه عمار آخذ بزمام الناقة و حذيفة يسوقها
فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم قد غشوهم فغضب رسول الله و أبصر حذيفة غضبه فرجع إليهم و معه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم بمحجنه فلما رأوا حذيفة ضنوا أن قد أظهر على ما أضمروه من الأمر العظيم فأسرعوا حتى خالطوا الناس
و أقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمرهما فأسرعا حتى قطعوا العقبة و وقفوا ينتظرون الناس ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحذيفة : [ هل عرفت هؤلاء القوم ؟ ] قال : ما عرفت إلا رواحلهم في ظلمة الليل حين غشيتهم ثم قال : [ علمتما ما كان من شأن هؤلاء الركب ؟ ] قالا : لا فأخبرهما بما كانوا تمالأوا عليه و سماهم لهما و استكتمهما ذلك
فقالا : يا رسول الله أفلا تأمر بقتلهم ؟ فقال : [ أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ]
و قد ذكر ابن إسحاق هذه القصة إلا أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أعلم بأسمائهم حذيفة بن اليمان وحده و هذا هو الأشبه و الله أعلم
و يشهد له قول أبي الدرداء لعلقمة صاحب ابن مسعود : أليس فيكم ـ يعني أهل الكوفة ـ صاحب السواد و الوساد يعني ابن مسعود أليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره يعني حذيفة أليس فيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان محمد
يعني عمارا
و روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لحذيفة : أقسمت عليك بالله أأنا منهم ؟ قال : لا و لا أبري بعدك أحدا يعني حتى لا يكون مفشيا سر النبي صلى الله عليه و سلم
قلت : و قد كانوا أربعة عشر رجلا و قيل : كانوا اثني عشر رجلا و ذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إليهم حذيفة بن اليمان فجمعهم له فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بما كان من أمرهم و بما تمالأوا عليه
ثم سرد ابن إسحاق أسماءهم قال : و فيهم أنزل الله عز و جل : { و هموا بما لم ينالوا }
و روى البيهقي من طريق محمد بن سلمة عن أبي إسحاق عن الأعمش عن عمرو ابن مرة عن أبي البختري عن حذيفة بن اليمان قال : كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم أقود به و عمار يسوق الناقة ـ أو أنا أسوق و عمار يقود به ـ حتى إذا كنا بالعقبة إذا باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها قال : فأنبهت رسول الله صلى الله عليه و سلم فصرخ بهم فولوا مدبرين
فقال لنا رسول الله : [ هل عرفتم القوم ؟ ] قلنا : لا يا رسول الله قد كانوا متلثمين و لكنا قد عرفنا الركاب قال : [ هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة و هل تدرون ما أرادوا ؟ ] قلنا : لا قال : [ أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها ]
قلنا : يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال : [ لا أكره أن تتحدث العرب بينها أن محمدا قاتل بقومه حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم ]
ثم قال : [ اللهم ارمهم بالدبيلة ] قلنا : يا رسول الله و ما الدبيلة ؟ قال : [ هي شهاب من نار تقع على نياط قلب أحدهم فيهلك ]
و في صحيح مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن قيس بن عبادة قال : قلت لعمار : أرأيتم صنيعكم هذا فيما كان من أمر علي أراى رأيتموه أم شيء عهده إليكم رسول الله ؟ فقال : ما عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة و لكن حذيفة أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ في أصحابي اثنا عشر منافقا منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ]
و في رواية من وجه آخر عن قتادة : [ إن في أمتي اثني عشر منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة سراج من النار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم ]
قال الحافظ البيهقي : و روينا عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشر ـ أو خمسة عشر ـ و أشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله و لرسوله في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد و عذر ثلاثة أنهم قالوا : ما سمعنا المنادي و لا علمنا بما أراد
و هذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في مسنده قال : حدثنا يزيد ـ هو ابن هارون ـ أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل قال : لما أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة تبوك أمر مناديا فنادى : إن رسول الله آخذ بالعقبة فلا يأخذها أحد
فبيمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوده حذيفة و يسوقه عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عمارا و هو يسوق برسول الله صلى الله عليه و سلم و أقبل عمار يضرب وجوه الرواحل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحذيفة : [ قد قد ]
حتى هبط رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوادي فلما هبط و رجع عمار قال : [ يا عمار هل عرفت القوم ؟ ] قال : قد عرفت عامة الرواحل و القوم متلثمون قال : [ هل تدري ما أرادوا ؟ ] قال : الله و رسوله أعلم فقال : [ أرادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه ]
قال : فسار عمار رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال : نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة ؟ قال : أربعة عشر رجلا فقال : [ إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر ]
قال : فعذر رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم ثلاثة قالوا : ما سمعنا منادي رسول الله و ما علمنا ما أراد القوم فقال عمار : أشهد أن الاثني عشر الباقين حرب لله و لرسوله في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد (4/34)
قال الله تعالى : { و الذين اتخذوا مسجدا ضرارا و كفرا و تفريقا بين المؤمنين و إرصادا لمن حارب الله و رسوله من قبل و ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى و الله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا و الله يحب المطهرين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله و رضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم و الله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنواريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم و الله عليم حكيم }
و قد تكلمنا على تفسير ما يتعلق بهذه الآيات الكريمة في كتابنا التفسير بما فيه كفاية و لله الحمد
و ذكر ابن إسحاق كيفية بناء هذا المسجد الظالم أهله و كيفية أمر رسول الله صلى الله بخرابه مرجعه من تبوك قبل دخوله المدينة
و مضمون ذلك : أن طائفة من المنافقين بنوا صورة مسجد قريبا من مسجد قباء و أرادوا أن يصلي لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه حتى بروج لهم ما أرادوه من الفساد و الكفر و العناد
فعصم الله رسوله صلى الله عليه و سلم من الصلاة فيه و ذلك أنه كان على جناح سفر إلى تبوك فلما رجع منها فنزل بذي أوان ـ مكان بينه و بين المدينة ساعة ـ نزل عليه الوحي في شأن هذا المسجد و هو قوله تعالى : { و الذين اتخذوا مسجدا و كفرا و تفريقا بين المؤمنين و إرصادا لمن حارب الله و رسوله من قبل } الآية
أما قوله { ضرارا } فلأنهم أرادوا مضاهاة مسجد قباء { و كفرا } بالله لا للإيمان به { و تفريقا } للجماعة عن مسجد قباء
{ و إرصادا لمن حارب الله و رسوله من قبل } و هو أبو عامر الراهب الفاسق قبحه الله و ذلك أنه لما دعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فأبى عليه ذهب إلى مكة فاستنفرهم فجاءوا عام أحد فكان من أمرهم ما قد مناه فلما لم ينهض أمره ذهب إلى ملك الروم قيصر ليستنصره على رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان أبو عامر على دين هرقل ممن تنصر معهم من العرب و كان يكتب إلى إخوانه الذين نافقوا بعدهم و يمنيهم و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا فكانت مكاتباته و رسله تفد إليهم كل حين
فبنوا هذا المسجد في الصورة الظاهرة و باطنه دار حرب و مقر لمن يفد من عند أبي عامر الراهب و مجمع لمن هو على طريقتهم من المنافقين و لهذا قال تعالى : { و إرصادا لمن حارب الله و رسوله من قبل }
ثم قال : { و ليحلفن } أي الذين بنوه { إن أردنا إلا الحسنى } أي إنما أردنا ببنيانه الخير قال الله تعالى : { و الله يشهد إنهم لكاذبون }
ثم قال الله تعالى لرسوله : { لا تقم فيه أبدا } فنهاه عن القيام فيه لئلا يقرر أمره ثم أمره و حثه على القيام في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم و هو مسجد قباء لما دل عليه السياق و الأحاديث الواردة في الثناء على تطهير أهله مشيرة إليه
و ما ثبت في صحيح مسلم من أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينافي ما تقدم لأنه إذا كان مسجد قباء أسس على التقوى من أول يوم أول يوم فمسجد الرسول أولى بذلك و أحرى و أثبت في الفضل منه و أقوى
و قد أشبعنا القول في ذلك في التفسير و لله الحمد
و المقصود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما نزل بذي أوان دعا مالك بن الدخشم و معن بن عدي ـ أو أخاه عاصم بن عدي رضي الله عنهما فأمرهما أن يذهبا إلى هذا المسجد الظالم أهله فيحرقاه بالنار فذهبا فحرقاه بالنار و تفرق عنه أهله
قال ابن إسحاق : و كان الذين بنوه اثني عشر رجلا و هم خذام بن خالد ـ و في جنب داره كان بناء هذا المسجد ـ و ثعلبة بن حاطب و معتب بن قشير و أبو حبيبة ابن الأزعر و عباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف و جارية بن عامر و ابناه مجمع و زيد و نبتل بن الحارث و بخرج و هو إلى بني ضبيعة و بجاد بن عثمان و هو من بني ضبيعة و وديعة بن ثابت و هو إلى بني أمية
قلت : و في غزوة تبوك هذه صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خلف عبد الرحمن بن عوف صلاة الفجر أدرك معه الركعة الثانية منها و ذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب يتوضأ و معه المغيرة بن شعبة فأبطأ على الناس فأقيمت الصلاة فتقدم عبد الرحمن بن عوف فلما سلم الناس أعظموا ما وقع فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أحسنتم و اصبتم ] و ذلك فيما رواه البخاري رحمه الله قائلا حدثنا
و قال البخاري : [ حدثنا أحمد بن محمد حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال : إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلا كانوا معكم فقالوا : يا رسول الله و هم بالمدينة ؟ قال : و هم بالمدينة حبسهم العذر ]
تفرد به من هذا الوجه
و قال البخاري : [ حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان حدثني عمرو بن يحيى عن العباس بن سهل بن سعد عن أبي حميد قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة قال : هذه طابة و هذا أحد جبل يحبنا و نحبه ]
و رواه مسلم من حديث سليمان بن بلال به نحوه
و قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن الزهري عن السائب ابن يزيد قال : أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك
و رواه أبو داود و الترمذي من حديث سفيان بن عيينة به و قال الترمذي : حسن صحيح
و قال البيهقي : أخبرنا أبو نصر قتادة أخبرنا أبو عمرو بن مطر سمعت أبا خليفة يقول : سمعت ابن عائشة يقول : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة جعل النساء و الصبيان و الولائد يقلن :
( طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع )
( وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع )
قال البيهقي : و هذا يذكره علماؤنا عند مقدمة المدينة من مكة إلا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك و الله أعلم فذكرناه ها هنا أيضا (4/38)
قال البخاري رحمه الله : حديث كعب بن مالك رضي الله عنه
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل ابن شهاب عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك ـ و كان قائد كعب من بنيه حين عمي ـ قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك قال كعب :
لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر و لم يعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم و بين عدوهم على غير ميعاد و لقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام و ما أحب أن لي بها مشهد بدر و إن كانت بدر أذكر في الناس منها
كان من خبري أني لم أكن قط أقوى و لا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة و الله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة و لم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله في حر شديد و استقبل سفرا بعيدا و عددا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد و المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا يجمعهم كتاب حافظ ـ يريد الديوان ـ
قال كعب : فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفي له ما لم ينزل فيه وحي الله و غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك الغزوة حين طابت الثمار و الظلال
و تجهز رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع و لم أقص شيئا فأقول في نفسي : أنا قادر عليه
فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله و المسلمون معه و لم أقض من جهازي شيئا فقلت : أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألجقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت و لم أقض شيئا ثم غدوت ثم رجعت و لم أقض شيئا فلم يزل بي حتى أسرعوا و تفارط الغزو و هممت أن أرتحل فأدركهم ـ و ليتني فعلت ـ فلم يقدر لي ذلك
فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء
و لم يذكرني رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بلغ تبوكا فقال و هو جالس في القوم بتبوك : [ ما فعل كعب ؟ ] فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله حبسه برداه و نظره في عطفيه فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت و الله ما علمنا عليه إلا خيرا
فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال كعب بن مالك : فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي و طفقت أتذكر الكذب و أقول : بماذا أخرج غدا من سخطه ؟ و استعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أظل قادما زاح عني الباطل و عرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه
و أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم قادما و كان إذا قدم سفر بدا بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه و يحلفون له و كانوا بضعة و ثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم علانيتهم و بايعهم و استغفر لهم و وكل سرائرهم إلى الله عز و جل
فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال : [ تعال ] فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي : [ ما خلفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ ] فقلت : بلى إني و الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ـ و لقد أعطيت جدلا ـ و لكني و الله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي و لئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله لا و الله ما كان لي من عذر و و الله ما كنت قط أقوى و لا أيسر مني حين تخلفت عنك
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك ]
فقمت فثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي : و الله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا و لقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بما اعتذر إليه المخلفون ؟ و قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه و سلم لك
فو الله ما زالوا يؤنبونني حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي
ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم رجلان قالا مثل ما قلت و قيل لهما مثل ما قيل لك فقلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العمري و هلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي
و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف
فاجتنبنا الناس و تغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة
فأما صاحباي فاستكانا و قعدافي بيوتهما يبكيان و أما أنا فكنت أشب القوم و أجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين و أطوف في الأسواق و لا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم عليه و هو في مجلسه بعد الصلاة و أقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قربيا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي و إذا التفت نحوه أعرض عني
حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ـ و هو ابن عمي و أحب الناس إلي ـ فسلمت عليه فو الله ما رد السلام فقلت : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله و رسوله ؟ فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال : الله و رسوله أعلم ففاضت عيناي و توليت حتى تسورت الجدار
فقال : و بينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطى من أنباط أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدلني على كعب بن مالك ؟ فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان في سرقة من حرير فإذا فيه : أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك و لم يجعلك الله بدار هوان و لا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتها : و هذا أيضا من البلاء ! فتيممت بها التنور فسجرته بها
فأقمناعلى ذلك حتى إذا مضت أربعون من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتيني فقال : [ رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك ] فقلت أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال : [ لا بل اعتزلها و لا تقربها ] وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر
قال كعب : فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله فقالت : يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه ؟ قال : [ لا و لكن لا يقربك ] قالت : إنه و الله ما به حركة إلى شيء و الله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله في امرأتك كما استأذن هلال بن أمية أن تخدمه ؟ فقلت : و الله لا أستأذن فيها رسول الله و ما يدريني ما يقول رسول الله إذا استأذنته فيها و أنا رجل شاب
قال : فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله عن كلامنا
فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة و أنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز و جل قد ضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته : يا كعب أبشر
فخررت ساجدا و عرفت أن قد جاء فرج و آذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا و ذهب قبل صاحبي مبشرون و ركض رجل إلى فرسا و سعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس
فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه و الله ماأملك غيرهما يومئذ ! و استعرت ثوبين فلبستهما و انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة يقولون : ليهنك توبة الله عليك
قال كعب : حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه و سلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني و هنأني و الله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره و لا أنساها لطلحة
قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يبرق وجهه من السرور : [ أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ]
قال : قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : [ لا بل من عند الله ] و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر و كنا نعرف ذلك منه
فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله إن من توبتي أن أتخلع من مالي صدقة إلى الله و إلى رسوله
قال رسول الله : [ أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ] قلت : فإني أمسك سهمي الذي بخبير
و قلت : يا رسول الله إنما نجاني بالصدق و إن من توبتي ألا أتحدث إلا صدقا ما بقيت فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومي هذا كذبا و إني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت و أنزل الله على رسوله صلى الله عليه و سلم : { لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الأنصار } إلى قوله { و كونوا مع الصادقين } فو الله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحى شر ماقال لأحد قال الله تعالى : { سيحلفون بالله لكم إذا نقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم } إلى قوله { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين }
قال كعب : و كنا تخلفنا أيها الثلاثة من أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله حين حلفوا له فبايعهم و استغفر لهم و أرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله تعالى : { و على الثلاثة الذين خلفوا } ليس الذي ذكر الله مما خلفنا من الغزو و إنما هو تخليفه إيانا و إرجاؤه أمرنا عمن حلف له و اعتذر إليه فقبل منهم
وهكذا رواه مسلم من طريق الزهري بنحوه و هكذا رواه محمد بن اسحاق عن الزهري مثل سياق البخاري و قد سقناه في التفسير من مسند الإمام أحمد و فيه زيادات يسيرة و لله الحمد والمنة (4/42)
قال علي بن طلحة الوالبي عن ابن عباس في قوله تعالى : { و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله هو التوب الرحيم } قال : كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فلما حضروا رجوعه أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد
فلما مر بهم رسول الله قال : [ من هؤلاء ؟ ] قالوا : أبو لبابة و أصحاب له تخلفوا عنك حتى تطلقهم و تعذرهم قال : [ و أنا أقسم بالله لا أطلقهم و لا أعذرهم حتى يكون الله عز و جل هو الذي يطلقهم و غبوا عني و تخلفوا عن الغزو مع المسلمين ]
فلما بلغهم ذلك قالوا : و نحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا
فأنزل الله عز و جل : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية { و عسى } من الله واجب
فلما أنزلت أرسل إليهم رسول الله فأطلقهم وعذرهم فجاءوا بأموالهم و قالوا : يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال : [ ماأمرت أن آخذ أموالكم ]
فأنزل الله : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها و صل عليهم إن صلاتك سكن لهم إن الله سميع عليم } إلىقوله : { و آخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم و إما يتوب عليهم }
و هم الذين لم يربطوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا حتى نزل قوله تعالى : { لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الأنصار الذين اتبعوه } إلى آخرها
و كذا رواه عطية بن سعيد العوفي عن ابن عباس بنحوه
و قد ذكر سعيد بن المسيب ومجاهد و محمد بن إسحاق قصة أبي لبابة و ما كان من أمره يوم بني قريظة و ربطه نفسه حتى تيب عليه ثم إنه تخلف عن غزوة تبوك فربط نفسه أيضا حتى تاب الله عليه وأراد أن ينخلع من ماله كله صدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يكفيك من ذلك الثلث ]
قال مجاهد و ابن إسحاق : و فيه نزل : { و آخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية
قال سعيد بن المسيب : ثم لم ير منه بعد ذلك في الإسلام خير رضى الله عنه و أرضاه
قلت : و لعل هؤلاء الثلاثة لم يذكروا معه بقية أصحابه و اقتصروا على ذكره لأنه كان كالزعيم لهم كما دل عليه سياق ابن عباس و الله أعلم
وروى الحافظ البيهقي من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عياض بن عياض عن أبيه عن ابن مسعود قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ إن منكم منافقين فمن سميت فليقم قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان ] حتى عد سته و ثلاثين ثم قال : [ إن فيكم ـ أو إن منكم ـ منافقين فسلوا الله العافية ]
قال : فمر عمر برجل متقنع و قد كان بينه و بينه معرفة فقال : ما شأنك ؟ فأخبره بما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : بعدا لك سائر اليوم
قلت : كان المتخلفون عن غزوة تبوك أربعة أقسام : مأمورون مأجورون كعلي بن أبي طالب و محمد بن مسلمة و ابن أم مكتوم و معذورون و هم الضعفاء و المرضى و المقلون و هم البكاءون و عصاة مذنبون و هم الثلاثة و أبو لبابة و أصحابه المذكورون و آخرون ملومون مذمومون وهم المنافقون (4/48)
قال الحافظ البيهقي : حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو البختري عبد الله بن شاكر حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا عم أبي زخر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة ابن لام يقول : هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم منصرفه من تبوك فسمعت العباس بن عبد الله المطلب يقول : يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ قل لا يفضض الله فاك ] فقال :
( من قبلها طبت في الظلال و في ... مستودع حيث يخصف الورق )
( ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت و لا نطفة و لا علق )
( بل نطفة تركب السفين و قد ... ألجم نسرا و أهله الغرق )
( تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق )
( حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خنذف علياء تحتها النطق )
( و أنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض فضاءت بنورك الأفق )
( فنحنفي ذلك الضياء و في النور و سبل الرشاد نخترق )
ثم رواه البيهقي من طريق أخرى عن أبي السكن زكريا بن يحيى الطائي و هو في جزء له مروى عنه
قال البيهقي : و زاد ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ هذه الحيرة البيضاء رفعت لي و هذه الشيماء بنت نفيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود ] فقلت يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما تصف فهي لي ؟ قال : [ هي لك ]
قال : ثم كانت الردة فما ارتد أحد من طييء و كنا نقاتل من بلينا من العرب على الإسلام فكنا نقاتل قيسا و فيها عيينة بن حصن و كنا نقاتل بني أسد و فيهم طلحة ابن خويلد و كان بن الوليد يمدحنا و كان فيما قال فينا :
( جزى الله عنا طيئا في ديارها ... بمعترك الأبطال خير جزاء )
( هم أهل رايات السماحة و الندى ... إذا ما الصبا ألوت بكل خباء )
( هم ضربوا قيسا على الدين بعدما ... أجابوا منادي ظلمة و عماء )
قال : ثم سار خالد إلى مسيلمة الكذاب فسرنا معه فلما فرغنا من مسيلمة أقبلنا إلى ناحية البصرة فلقينا هرمز بكاظمة في جيش هو أكبر من جمعنا و لم يكن أحد من العجم أعدي للعرب و الإسلام من هرمز فخرج إليه خالد و دعاه إلى البراز فبرز له فقتله خالد و كتب بخبره إلى الصديق فنفله سلبه فبلغت قلنسوة هرمز مائة ألف درهم و كانت الفرس إذا شرف فيها الرجل جعلت قلنسوته بمائة ألف درهم
قال : ثم قفلنا على طريق الطف إلى الحيرة فأول من تلقانا حين دخلناها الشيماء بنت نفيلة كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود فتعلقت بها و قلت : هذه وهبها لي رسول الله صلى الله عليه و سلم
فدعاني خالد عليها بالبينة فأتيته بها و كانت البينة محمد بن مسلمة و محمدبن بشير الأنصاري فسلمها إلي
فنزل إلي أخوها عبد المسيح يريد الصلح فقال : بعنيها فقلت : لا أنقصها و الله عن عشرة مائة درهم فأعطاني ألف درهم و سلمتها إليه فقيل لي : لو قلت مائة ألف لدفعها إليك
فقلت : ما كنت أحسب أن عددا أكثر من عشر مائة ! (4/51)
تقدم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ارتجل عن ثقيف سئل أن يدعو عليهم فدعا لهم بالهداية
و قد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أسلم مالك بن عوف النصري أنعم عليه و أعطاه و جعله أميرا على من أسلم من قومه فكان يغزو بلاد ثقيف و يضيق عليهم حتى ألجأهم إلى الدخول في الإسلام
و تقدم أيضا فيما رواه أبو داود عن صخر بن العيلة الأحمسي أنه لم يزل بثقيف حتى أنزلهم من حصنهم على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل بهم إلى المدينة النبوية بإذن رسول الله صلى الله عليه و سلم له في ذلك
و قال ابن إسحاق : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة من تبوك في رمضان و قدم عليه في ذلك الشهر وفد من ثقيف
و كان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم و سأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام
فقال له رسول الله ـ كما يتحدث قومه ـ : [ إنهم قاتلوك ] و عرف رسول الله أن فيهم نخوة الامتناع للذي كان منهم فقال عروة : يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم و كان فيهم كذلك محببا مطاعا
فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف على علية له و قد دعاهم إلى الإسلام و أظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله
فيزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم يقال له أوس بن عوف أخو بني سالم بن مالك و يزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم من بني عتاب يقال له وهب بن جابر فقيل لعروة ما ترى في دينك ؟ قال : كرامة أكرمني الله بها و شهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم
فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فيه : [ إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه ]
و هكذا ذكر موسى بن عقبة قصة عروة و لكن زعم أن ذلك كان بعد حجة أبي بكر الصديق و تابعه أبو بكر البيهقي في ذلك
و هذا بعيد و الصحيح أن ذلك قبل حجة أبي بكر كما ذكره ابن إسحاق و الله أعلم
قال ابن إسحاق : ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا ثم إنهم ائتمروا بينهم رأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب و قد بايعوا و أسلموا
فائتمروا فيما بينهم و ذلك عن رأي عمرو بن أمية أخي بني علاج فائتمروا بينهم ثم أجمعوا على أن يرسلوا رجلا منهم فأرسلوا عبد ياليل بن عمرو بن عمير و معه اثنان من الأحلاف و ثلاثة من بني مالك و هم الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب و شرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب و عثمان بن أبي العاص و أوس بن عوف أخو بني سالم ونمير بن خرشة بن ربيعة
و قال موسى بن عقبة : كانوا بضعة عشر رجلا فيهم كنانة بن عبد ياليل ـ و هو رئيسهم ـ و فيهم عثمان بن أبي العاص و هو أصغر الوفد
قال ابن إسحاق : فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ألفوا المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآهم ذهب يشتد ليبشر رسول الله بقدومهم فلقيه أبو بكر الصديق فأخبره عن ركب ثقيف أن قدموا يريدون البيعة و الإسلام بأن يشرط لهم رسول الله شروطا و يكتبوا كتابا في قومهم فقال أبو بكر للمغيرة : أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله حتى أكون أنا أحدثه ففعل المغيرة فدخل أبو بكر فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقدومهم ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم و علمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية
و لما قدموا على رسول الله ضربت عليهم قبة في المسجد و كان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم و بين رسول الله فكان إذا جاءهم بطعام من عنده لم يأكلوا منه حتى يأكل خالد بن سعيد قبلهم و هو الذي كتب لهم كتابهم
قال : و كان مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يدع لهم الطاغية ثلاث سنين فما برحوا يسألونه سنة سنة و يأبى عليهم حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم ليتألفوا سفهاءهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى إلا أن يبعث معهم أبا سفيان بن حرب و المغيرة ليهدماها
و سألوه مع ذلك ألا يصلوا و ألا يكسروا أصنامهم بأيديهم فقال : [ أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم من ذلك و أما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه ] فقالوا : سنؤتيكها و إن كانت دناءة
و قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا محمد بن مسلمة عن حميد عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص أن و فد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم فاشترطوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا يحشروا و لا يعشروا و لا يجبوا و لا يستعمل عليهم غيرهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لكم ألا تحشروا و لا تعشروا و لا يستعمل عليكم غيركم و لا خير في في دين لا ركوع فيه ]
و قال عثمان بن أبي العاص : يا رسول الله علمني القرآن و اجعلني إمام قومي
و قد رواه أبو داود من حديث أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة عن حميد به
و قال أبو داود : [ حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه عن وهب سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت قال : اشترطت على رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا صدقة عليها و لا جهاد و أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بعد ذلك : سيتصدقون و يجاهدون إذا أسلموا ] (4/53)
قال ابن إسحاق : فلما أسلموا و كتب لهم كتابهم أمر عليهم عثمان بن أبي العاص ـ و كان من أحدثهم سنا ـ لأن الصديق قال : يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام و تعلم القرآن
و ذكر موسى بن عقبة أن وفدهم كانوا إذا أتوا رسول الله خلفوا عثمان بن أبي العاص في رحالهم فإذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله عن العلم و استقرأه القرآن فإن وجده نائما ذهب إلى أبي بكر الصديق فلم يزل دأبه حتى فقه في الإسلام و أحبه رسول الله صلى الله عليه و سلم حبا شديدا
قال ابن إسحاق : [ حدثني سعيد بن أبي هند عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص قال : كان من آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بعثني إلى ثقيف قال : يا عثمان تجوز في الصلاة و اقدر الناس بأضعفهم فإن فيهم الكبير و الصغير و الضعيف و ذا الحاجة ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن عثمان بن أبي العاص قال : قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال : أنت إمامهم فاقتد بأضعفهم و اتخذ مؤذنا لا يلأخذ على أذانه أجرا ]
رواه أبو داود و الترمذي من حديث حماد بن سلمة به و رواه بن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية عن محمد بن إسحاق كما تقدم
و روى أحمد [ عن عفان عن وهب و عن معاوية بن عمرو عن زائدة كلاهما عن عبد الله بن خثيم عن داود بن أبي عاصم عن عثمان بن أبي العاص أن آخر ما فارقه رسول الله حين استعمله على الطائف أن قال : إذا صليت بقوم فخفف بهم حتى وقت لي : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } و أشباهها من القرآن ]
و قال أحمد : [ حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت سعيد ابن المسيب قال : حدث عثمان بن أبي العاص قال : آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قال إذا أممت قوما فخفف بهم الصلاة ]
و رواه مسلم عن محمد بن مثنى و بندار كلاهما عن محمد بن جعفر عن غندر به
و قال أحمد : [ حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عبد الله بن الحكم أنه سمع عثمان بن أبى العاص يقول : استعملني رسول الله صلى الله عليه و سلم على الطائف فكان آخر ما عهد إلى أن قال : خفف عن الناس الصلاة ]
تفرد به من هذا الوجه
و قال أحمد : [ حدثنا يحيى بن سعيد أخبرنا عمرو بن عثمان حدثني موسى ـ هو ابن طلحة ـ أن عثمان بن أبي العاص حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره أن يؤم قومه ثم قال : من أم قوما فليخفف بهم فإن فيهم الضعيف و الكبير و ذا الحاجة فإذا صلى وحده فليصل ما شاء ]
و رواه مسلم من حديث عمرو بن عثمان به
و قال أحمد : [ حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم سمعت أشياخا من ثقيف قالوا : حدثنا عثمان بن أبي العاص أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : أم قومك وإذا أممت قوما فخفف بهم الصلاة فإنه يقوم فيها الصغير و الكبير و الضعيف و المريض و ذو الحاجة ]
و قال أحمد : [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري عن أبي العلاء بن الشخير أن عثمان قال : يا رسول الله حال الشيطان بيني و بين صلاتي و قراءتي قال : ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه و اتفل عن يسارك ثلاثا ] قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني
و رواه مسلم من حديث سعيد الجريري به
و روى مالك و أحمد و مسلم و أهل السنن من طرق [ عن نافع بن جبير بن مطعم عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وجعا يجده في جسده فقال له : ضع يدك على الذي يألم من جسدك و قل : بسم الله ثلاثا و قل سبع مرات أعوذ بعزة الله و قدرته من شر ما أجد و أحاذر ]
و في بعض الروايات : ففعلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي و غيرهم
و قال أبو عبد الله بن ماجه : [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني عيينة بن عبد الرحمن ـ هو ابن جوشن ـ حدثني أبي عن عثمان ابن أبي العاص قال : لما استعملني رسول الله صلى الله عليه و سلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ابن أبي العاص ؟ قلت : نعم يال رسول الله قال : ما جاء بك ؟ قلت : يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي
قال : ذاك الشيطان ادن فدنوت منه فجلست على صدور قدمي قال : فضرب صدري بيده و تفل في فمي و قال : اخرج عدو الله فعل ذلك ثلاث مرات ثم قال : الحق بعملك قال فقال عثمان : فلعمري ما أحسبه خالطني بعد ]
تفرد به ابن ماجه
قال ابن إسحاق : و حدثني عيسى بن عبد الله عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال : كان بلال يأتينا حين أسلمنا و صمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بقي من شهر رمضان بفطورنا و سحورنا فيأتينا بالسحور و إنا لنقول : إنا لنرى الفجر قد طلع ؟ فيقول : قد تركت رسول الله صلى الله عليه و سلم و يتسحر لتأخير السحور و يأتينا بفطرنا و إنا لنقول : ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد فيقول : ما جئتكم حتى أكل رسول صلى الله عليه و سلم ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها
و روى الإمام أحمد و أبو داود و ابن ماجه من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده أوس بن حذيفة قال : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد ثقيف
قال : فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة و أنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بني مالك في قبة له كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش ثم يقول : [ لا آسى و كنا مستضعفين مستذلين بمكة فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا و بينهم ندال عليهم و يدالون علينا ]
فلما كانت ليلة أبطأ عنا الوقت الذي كان يأتينا فيه فقلنا : لقد أبطأت علينا الليلة فقال : [ إنه طرأ على حزبي من القرآن فكرهت أن أجيء حتى أتمه ]
قال أوس : سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف تحزبون القرآن ؟ فقالوا : ثلاث و خمس و سبع و تسع و إحدى عشرة و ثلاث عشرة و حزب المفصل وحده
لفظ أبي داود (4/56)
قال ابن إسحاق : فلما فرغوا من أمرهم و توجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معهم أبا سفيان بن حرب و المغيرة بن شعبة في هدم الطاغية
فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان فأبى ذلك عليه أبو سفيان و قال : ادخل أنت على قومك و أقام أبو سفيان بما له بذي الهدم
فلما دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول و قام قومه بني معتب دونه خشية أن يرمي أو يصاب كما أصيب عروة بن مسعود
قال : و خرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها و يقلن :
( لنبكن دفاع ... أسلمها الرضاع )
( لم يحسنوا المصاع )
قال ابن إسحاق : و يقول أبو سفيان ـ و المغيرة يضربها بالفأس ـ : واها لك !
آها لك فلما هدمها المغيرة و أخذ مالها و حليها أرسل إلى أبي سفيان فقال له : إن رسول الله قد أمرنا أن نقضي عن عروة بن مسعود و أخيه الأسود بن مسعود و الد قارب بن الأسود دينهما من مال الطاغية فقضى ذلك عنهما
قلت : كان الأسود قد مات مشركا ولكن أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك تأليفا و إكراما لولده بن الأسود رضي الله عنه
و ذكر موسى بن عقبة أن وفد ثقيف كانوا بضعة عشر رجلا فلما قدموا أنزلهم رسول الله المسجد ليسمعوا القرآن فسألوه عن الربا و الزنا و الخمر فحرم عليهم ذلك كله
فسألوه عن الربة ما هو صانع بها ؟ قال : [ اهدموها ]
قالوا : هيهات ! لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها قتلت أهلها
فقال عمر بن الخطاب : ويحك يا بن عبد ياليل ما أجهلك ! إنما الربة حجر فقالوا : إنا لم نأتك يا بن الخطاب
ثم قالوا : يا رسول الله تول أنت هدمها أما نحن فإنا لن نهدمها أبدا فقال : [ سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها ]
فكاتبوه على ذلك و استأذنوه أن يسبقوا إليهم فلما جاءوا قومهم تلقوهم فسألوهم : ما وراءكم ؟
فأظهروا الحزن و أنهم إنما جاءوا من عند رجل فظ غليظ قد ظهر بالسيف يحكم ما يريد و قد دوخ العرب قد حرم الربا و الزنا و الخمر و أمر بهدم الربة
فنفرت ثقيف و قالوا : لا نطيع لهذا أبدا
قال : فتأهبوا للقتال و أعدوا السلاح فمكثوا على ذلك يومين ـ أو ثلا ثة ـ ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فرجعوا و أنابوا و قالوا : ارجعوا إليه فشارطوه على ذلك و صالحوه عليه قالوا : فإنا قد فعلنا ذلك و وجدناه أتقى الناس و أوفاهم و أرحمهم و أصدقهم و قد بورك لنا و لكم في مسيرنا إليه و فيما قاضيناه عليه فافهموا ما في القضية و اقبلوا عافية الله
قالوا : فلم كتمتمونا هذا أولا ؟ قالوا : أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان
فأسلموا مكانهم
و مكثوا أياما ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد أمر عليهم خالد بن الوليد و فيهم المغيرة بن شعبة فعمدوا إلى اللات و قد استكفت ثقيف رجالها و نساؤها و الصبيان حتى خرج العوائق من الحجال و لا يرى عامة ثقيف أنها مهدومة و يظنون أنها ممتنعة
فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين ـ بعني المعول ـ و قال لأصحابه : و الله لأضحكنكم من ثقيف فضرب بالكرزين ثم سقط يركض برجله فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة و فرحوا و قالوا : أبعد الله المغيرة قتلته الربة ! و قالوا لأولئك : من شاء منكم فليقترب
فقام المغيرة فقال : و الله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة و مدر فاقبلوا عافية الله و اعبدوه ثم إنه ضرب الباب فكسره ثم علا سورها و علا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها بالأرض
و جعل سادنها يقول : ليغضبن الأساس فليخسفن بهم فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد :
دعني أحفر أساسها فحفروه حتى أخرجوه ترابها و جمعوا ماءها و بناءها
و بهتت عند ذلك ثقيف
ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقسم أموالها من يومه و حمدوا الله تعالى على إعزاز دينه و نصرة رسوله (4/61)
قال ابن إسحاق : و كان كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كتب لهم :
[ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين إن عضاه وج و صيده لا يعضد من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد و تنزع ثيابه و إن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمد و إن هذا النبي محمد ] و كتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعده أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله
و قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الله بن الحارث ـ من أهل مكة مخزومي ـ حدثني محمد بن عبد الله بن إنسان ـ و أثنى عليه خيرا ـ عن أبيه عن عروة بن الزبير قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم في طرف القرن حذوها فاستقبل محبسا ببصره ـ يعني واديا ـ و وقف حتى اتفق الناس كلهم ثم قال : إن صيد وج و عضاهه حرم محرم لله و ذلك قبل نزوله الطائف و حصاره ثقيفا ]
و قد رواه أبو داود من حديث محمد بن إنسان الطائفي و قد ذكره ابن حبان في ثقاته و قال ابن معين : ليس به بأس و تكلم فيه بعضهم
و قد ضعف أحمد و البخاري و غيرهما هذا الحديث و صححه الشافعي و قال بمقتضاه
و الله أعلم (4/63)
قال محمد بن إسحاق : [ حدثني الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه فلما عرف فيه الموت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما و الله إن كنت لأنهاك عن حب يهود فقال : قد أبغضهم أسعد بن زرارة فمه ؟ ]
وقال الواقدي : مرض عبد الله بن أبي في ليال بقين من شوال ومات في ذي القعدة و كان مرضه عشرين ليلة فكان رسول الله يعوده فيها
فلما كان اليوم الذي مات فيه دخل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يجود بنفسه فقال : [ قد نهيتك عن حب يهود ] فقال : قد أبغضهم أسعد بن زرارة فما نفعه ؟
ثم قال : يا رسول الله ليس هذا بحين عتاب هو الموت فأحضر غسلي و أعطني قميصك الذي يلي جلدك فكفني فيه و صل علي و استغفر لي ففعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه و سلم
وروى البيهقي من حديث سالم بن عجلان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوا مما ذكره الواقدي فالله أعلم
و قد قال : إسحاق بن راهويه : قلت لأبي أسامة : أحدثكم عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : لما توفى عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه
فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي عليه فقام عمر بن الخطاب فأخذ بثوبه فقال : يا رسول الله تصلي عليه و قد نهاك الله عنه ؟ فقال رسول الله : [ إن ربي خيرني فقال : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } و سأزيد على السبعين ]
فقال : إنه منافق أتصلي عليه ؟ فأنزل الله عز و جل : { و لا تصل على أحد منهم مات أبدا و لا تقم على قبره إنهم كفروا بالله و رسوله } فأقر به أبو أسامة و قال : نعم
وأخرجاه في الصحيحين من حديث أبي أسامة
وفي رواية للبخاري و غيره قال عمر : فقلت : يا رسول الله تصلي عليه و قد قال في يوم كذا كذا و كذا و قال في يوم كذا كذا و كذا ؟ !
فقال : [ دعني يا عمر فإني بين خيرتين و لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت ] ثم صلى عليه فأنزل الله عز و جل { و لا تصل على أحد منهم مات أبدا و لا تقم على قبره } الآية
قال عمر : فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله و رسوله أعلم
و قال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول : أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم قبر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ـ أو فخذيه ـ و نفث عليه من ريقه و ألبسه قميصه فالله أعلم
و في صحيح البخاري بهذا الإسناد مثله و عنده أنه إنما ألبسه قميصه مكافأة لما كان كسا العباس قميصا حين قدم المدينة فلم يجدوا قميصا يصلح له إلا قميص عبد الله بن أبي
و قد ذكر البيهقي ها هنا قصة ثعلبة بن حاطب و كيف افتتن بكثرة المال و منعه الصدقة و قد حررنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى : { و منهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله } الآية
قال ابن إسحاق : و كانت غزوة تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قال حسان بن ثابت رضي الله عنه يعدد أيام الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و يذكر مواطنهم معه في أيام غزوة (4/64)
قال ابن هشام : و تروي لابنه عبد الرحمن بن حسان :
( ألست خير معد كلها نفرا ... و معشرا إن هم عموا و إن حصلوا )
( قوم هم شهدوا بدرا بأجمعهم ... مع الرسول فما ألوا و ما خذلوا )
( و بايعوه فلم ينكث به أحد ... منهم و لم يك في إيمانه دخل )
( و يوم صبحهم في الشعب من أحد ... ضرب رصين كحر النار مشتعل )
( و يوم ذي قرد يوم استثار بهم ... على الجياد فما خانوا و ما نكلوا )
( و ذا العشيرة جاسوها بخيلهم ... مع الرسول عليها البيض و الأسل )
( و يوم ودان أجلوا أهله رقصا ... بالخيل حتى نهانا الحزن و الجبل )
( و ليلة طلبوا فيها عدوهم ... لله و لله يجزيهم بما عملوا )
( و ليلة بحنين جالدوا معه ... فيها يعلهم في الحرب إذ نهلوا )
( و غزوة يوم نجد ثم كان لهم ... مع الرسول بها الأسلاب و النفل )
( و غزوة القاع فرقنا العدو به ... كما يفرق دون المشرب الرسل )
( و يوم بويع كانوا أهل بيعته ... على الجلاد فآسوه و ما عدلوا )
( و غزوة الفتح كانوا في سري ... مرابطين فما طاشوا و ما عجلوا )
( و يوم خيبر كانوا في كتيبته ... يمشون كلهم مستبسل بطل )
( بالبيض ترعش في الأيمان عارية تعوج بالضرب أحيانا و تعتدل )
( و يوم سار رسول الله محتسبا ... إلى تبوك و هم راياته الأول )
( وساسة الحرب إن حرب بدت لهم ... حتى بدا لهم الإقبال و القفل )
( أولئك القوم أنصار النبي و هم ... قومي أصير إليهم حين أتصل )
( ماتوا كراما و لم تنكث عهودهم ... و قتلهم في سبيل إذ قتلوا ) (4/67)
قال ابن إسحاق بعد ذكره وفود أهل الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان كما تقدم بيانه معسوطا قال : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بقية شهر رمضان و شوالا و ذا القعدة ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم و أهل الشرك على منازلهم من حجهم لم يصدوا بعد عن البيت و منهم من له عهد مؤقت إلى أمد
فلما خرج أبو بكر رضي الله عنه بمن معه من المسلمين و فصل عن البيت أنزل الله عز و جل هذه الآيات من أول سورة التوبة : { براءة من الله و رسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسبحوا في الأرض أربعة أشهر } إلى قوله : { و أذان من الله و رسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برىء من المشركين ورسوله } إلى آخر القصة
ثم شرع ابن إسحاق يتكلم على هذه الآيات و قد بسطنا الكلام عليها في التفسير و لله الحمد و المنة
و المقصود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عليا رضي الله عنه بعد أبي بكر الصديق ليكون معه و يتولى على بنفسه إبلاغ البراءة إلى المشركين نيابة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لكونه ابن عمه من عصبته
قال ابن إسحاق : حدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال : لما نزلت { براءة } على رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم للناس الحج قيل له : يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر ؟ فقال : [ لا يؤدي عني إلى رجل من أهل بيتي ]
ثم دعا علي بن أبي طالب فقال : [ اخرج بهذه من صدر براءة و أذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى : ألا إنه لا يدخل الجنة كافر و لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان و من كان له عند رسول الله عهد فهو له إلى مدته ]
فخرج علي بن أبي طالب على ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم العضباء حتى أدرك أبا بكر الصديق فلما رآه أبو بكر قال : أمير أو مأمور ؟ فقال : بل مأمور
ثم مضيا فأقام أبو بكر للناس الحج و العرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية
حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه و سلم و أجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم و بلادهم ثم لا عهد لمشرك و لا ذمة إلا أحد كان له عند رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد فهو له إلى مدته
فلم يحج بعد العام مشرك و لم يطف بالبيت عريان ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم
و هذا مرسل من هذا الوجه
و قد قال البخاري : باب حج أبي بكر رضي الله عنه بالناس سنة تسع
[ حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع حدثنا فليح عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها النبي صلى الله عليه و سلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس : أن لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوفن بالبيت عريان ]
و قال البخاري في موضع آخر : حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : بعثني أبو بكر الصديق في تلك الحجة في المؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى : أن لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوفن بالبيت عريان
قال حميد : ثم أردف النبي صلى الله عليه و سلم بعلي فأمره أن يؤذن ببراءة
قال أبو هريرة : فأذن معنا علي في منى يوم النحر ببراءة أن لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوفن بالبيت عريان
و قال البخاري في كتاب الجهاد : حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : بعثني أبو بكر الصديق فيمن يؤذن يوم النحر بمنى لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان
و يوم الحج الأكبر يوم النحر و إنما قيل الأكبر من أجل قول الناس : العمرة الحج الأصغر
فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم مشرك
و رواه مسلم من طريق الزهري به نحوه و قال الإمام أحمد : [ حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مغيرة عن الشعبي عن محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال : كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ما كنتم تنادون ؟ ]
قال : كنا ننادي : أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن و لا يطوف بالبيت عريان و من كان بينه و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد فإن أجله ـ أو أمده ـ إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة أشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله و لا يحج هذا البيت بعد العام مشرك قال : فكنت أنادي حتى صحل صوتي
و هذا إسناد جيد لكن فيه نكارة من جهة قول الراوي : [ إن من كان له عهد فأجله إلى أربعة أشهر ] و قد ذهب إلى هذا ذاهبون و لكن الصحيح أن من كان له عهد فأجله إلى أمده بالغا ما بلغ و لو زاد على أربعة أشهر و من ليس له أمد بالكلية فله تأجيل أربعة أشهر
بقي قسم ثالث و هو من له أمد يتناهى إلى أقل من أربعة أشهر من يوم التأجيل و هذا يحتمل أن يلتحق بالأول فيكون أجله إلى مدته و إن قل و يحتمل أن يقال : إنه يؤجل إلى أربعة أشهر لأنه أولى ممن ليس له عهد بالكلية و الله تعالى أعلم
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا حماد عن سماك عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث ببراءة مع أبي بكر فلما بلغ ذا الحليفة قال : لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي ]
فبعث بها مع علي بن أبي طالب
و قد رواه الترمذي من حديث حماد بن سلمة و قال : حسن غريب من حديث أنس
و قد روى عبد الله بن أحمد عن لوين عن محمد بن جابر عن سماك عن حنش عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أردف أبا بكر بعلي فأخذ منه الكتاب بالجحفة رجع أبو بكر فقال : يا رسول الله نزل في شيء ؟ قال : [ لا و لكن جبريل جاءني فقال : لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ]
و هذا ضعيف الإسناد و متنه فيه نكارة و الله أعلم
و قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن زيد بن أثيع ـ رجل من همدان ـ قال : سألنا عليا : بأي شيء بعثت ؟ يوم بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر في الحجة
قال : بأربع : لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة و لا يطوف بالبيت عريان و من كان بينه و بين رسول الله عهد فعهده إلى مدته و لا يحج المشركون و المسلمون بعد عامهم هذا
و هكذا رواه الترمذي من حديث سفيان ـ هو ابن عيينة ـ عن أبي إسحاق السبيعي عن زيد بن أثيع عن علي به و قال : حسن صحيح
ثم قال : و قد رواه شعبة عن أبي إسحاق فقال عن زيد بن أثثيل و رواه الثوري عن أبي إسحاق عن بعض أصحابه عن علي
قلت : و رواه ابن جرير من حديث معمر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي
و قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا أبو زرعة وهب الله بن راشد أخبرنا حيوة بن شريح أخبرنا ابن صخر أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول : سمعت أبا الصهباء البكري و هو يقول : سألت علي بن أبي طالب عن يوم الحج الأكبر
فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث أبا بكر ابن أبي قحافة يقيم للناس الحج و بعثني معه بأربعين آية من براءة حتى أتي عرفة فخطب الناس يوم عرفة فلما قضى خطبته التفت إلي فقال : [ قم يا علي فأد رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من براءة ثم صدرنا فأتينا منى فرميت الجمرة و نحرت البدنة ثم حلقت رأسي و علمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضروا كلهم خطبة أبي بكر رضي الله عنه يوم عرفة فطفت أتتبع الفساطيط أقرؤها عليهم
قال علي : فمن ثم أخال حسبتم أنه يوم النحر ألا و هو يوم عرفة
و قد تقصينا الكلام على هذا المقام في التفسير و ذكرنا أسانيد الأحاديث و الآثار في ذلك مبسوطا بما فيه كفاية و لله الحمد و المنة
قال الواقدي : و قد كان خرج مع أبي بكر من المدينة ثلاثمائة من الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف وخرج أبو بكر معه بخمس بدنات وبعث معه رسول الله صلى الله عليه و سلم بعشرين بدنة ثم أردفه بعلى فلحقه بالعرج فنادى ببراءة أمام الموسم (4/68)
كان في السنة ـ أعني في سنة تسع ـ من الأمور الحادثة : تبوك في رجب كما تقدم بيانه
قال الواقدي : و في رجب منها مات النجاشي صاحب الحبشة و نعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الناس وفي شعبان منها ـ أي من هذه السنة ـ توفيت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فغسلتها أسماء بنت عميس و صفية بنت عبد المطلب و قيل غسلها نسوة من الأنصار فيهن أم عطية
قلت : و هذا ثابت في الصحيحين و ثبت في الحديث أيضا أنه عليه السلام لما صلى عليها و أراد دفنها قال : [ لا يدخله أحد قارف الليلة أهله ] فامتنع زوجها عثمان لذلك و دفنها أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه
ويحتمل أنه أراد بهذا الكلام من كان يتولى ذلك ممن يتبرع بالحفر و الدفن من الصحابة كأبي عبيدة و أبي طلحة و من شابههم فقال : [ لا يدخل قبرها إلا من لم يقارف أهله من هؤلاء ] إذ يبعد أن عثمان كان عنده غير أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا بعيد و الله أعلم
و فيها صلح ملك أيلة و أهل جرباء و أذرح و صاحب دومة الجندل كما تقدم إيضاح ذلك كله في مواضعه
و فيها هدم مسجد الضرار الذي بناه جماعة من المنافقين صورة مسجد و هو دار حرب في الباطن فأمر عليه السلام به فحرق
و في رمضان منها قدم وفد ثقيف فصالحوا عن قومهم و رجعوا إليهم بالأمان وكسرت اللات كما تقدم
و فيها توفي عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين لعنة الله في أواخرها و قبله بشهر توفي معاوية الليثي ـ أو المزني ـ و هو الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو نازل بتبوك إن صح الخبر في ذلك
و فيها حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس عن إذن رسول الله صلى الله عليه و سلم له في ذلك
و فيها كان قدوم عامة وفود أحياء العرب و لذلك تسمى سنة تسع الوفود و ها نحن نعقد لذلك كتابا برأسه اقتداء بالبخاري و غيره (4/73)
قال ابن إسحاق : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة و فرغ من تبوك و أسلمت ثقيف و بايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه
قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع و أنها كانت تسمى سنة الوفود قال ابن إسحاق : و إنما كانت العرب تربص بإسلامها أمر هذا الحي من قريش لأن قريشا كانوا إمام الناس و هاديهم و أهل البيت و الحرم و صريح ولد إسماعيل بن إبرهيم و قادة العرب لاينكرون ذلك
و كانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله صلى الله عليه و سلم و خلافه فلما افتتحت مكة و دانت له قريش و دوخها الإسلام عرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا عداوته فدخلوا في دين الله كما قال الله عز و جل أفواجا يضربون إليه من كل وجه
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم : { إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا } أي فاحمد الله على ما ظهر من دينك و استغفره إنه كان توابا
و قد قدمنا حديث عمرو بن سلمة قال : كانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون : اتركوه و قومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم و بدر ـ أي قومي ـ بإسلامهم فلما قدم قال : جئتكم و الله من عند النبي حقا قال صلوا صلاة كذا في حين كذا و صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم و ليؤمكم أكثركم قرآنا و ذكر تمام الحديث و هو صحيح البخاري
قلت : و قد ذكر محمد بن إسحاق ثم الواقدي و البخاري ثم البيهقي بعدهم من الوفود ما هو متقدم تاريخ قدومهم على سنة تسع بل و على فتح مكة
و قد قال تعالى : { لا يستوي منكم أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا و كلا وعد الله الحسنى } و تقدم قوله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح : [ لا هجرة و لكن جهاد و نية ]
فيجب التمييز بين السابق من هؤلاء الوافدين على زمن الفتح ممن يعد وفوده هجرة و بين اللاحق لهم بعد الفتح ممن وعده الله خيرا و حسني و لكن ليس في ذلك كالسابق له في الزمان و الفضيلة و الله أعلم
على أن هؤلاء الأئمة الذين اعتنوا بإيراد الوفود قد تركوا فيما أوردوه أشياء لم يذكروها و نحن نورد بحمد الله و منه ما ذكروه و ننبه على ما ينبغي التنبيه عليه من ذلك و نذكر ما وقع لنا مما أهملوه إن شاء الله و به الثقة و عليه التكلان (4/76)
و قد قال محمد بن عمر الواقدي : حدثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال : كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه و سلم من مضر أربعمائة من مزينة و ذاك في رجب سنة خمس
فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الهجرة في دارهم و قال : [ أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم ] فرجعوا إلى بلادهم
ثم ذكر الواقدي عن هشام بن الكبلي بإسناده أن أول من قدم من مزينة خزاعي ابن عبد نهم و معه عشرة من قومه مزينة فبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم على إسلام قومه فلما رجع إليهم لم يجدهم كما ظن فيهم فتأخروا عنه
فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم حسان بن ثابث أن يعرض بخزاعي من غير أن يهجوه فذكر أبياتا فلما بلغت خزاعيا شكا ذلك إلى قومه فجمعوا له و أسلموا معه و قدم بهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فلما كان يوم الفتح دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم لواء مزينة ـ و كانوا يومئذ ألفا ـ إلى خزاعي هذا قال : و هو أخو عبد الله ذي البجادين
و قال البخاري رحمه الله : باب وفد بني تميم : [ حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي صخرة عن صفوان بن محرز المازني عن عمران بن حصين قال : أتى نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا : يا رسول الله قد بشرتنا فأعطنا ـ فرئي ذلك في وجهه ثم جاء نفر من اليمن فقال : اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم فقالوا : قد قبلنا يا رسول الله ]
ثم قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبره عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبرهم : أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد بن زرارة فقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي فقال عمر : ما أردت خلافك
فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله و رسوله } حتى انقضت
و رواه البخاري أيضا من غير وجه عن ابن أبي مليكة بالفاظ أخر و قد ذكرنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى : { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الآية (4/77)
و قال محمد ابن إسحاق : و لما قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفود العرب قدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي في أشراف من بني تميم منهم الأقرع ابن حابس التميمي و الزبرقان بن0 بدر التميمي ـ أحد بني سعد ـ و عمرو بن الأهتم و الحبحاب بن يزيد و نعيم بن يزيد و قيس بن الحارث و قيس بن عاصم أخو بني سعد في وفد عظيم من بني تميم
قال ابن إسحاق : و معهم عيينه بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري و قد كان الأقرع بن حابس و عيينة شهدا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فتح مكة و حنين و الطائف فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم
و لما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه و سلم من وراء حجراته : أن اخرج إلينا يا محمد فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم من صياحهم فخرج إليهم فقالوا : يا محمد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا و خطيبنا قال [ قد أذنت لخطيبكم فليقل ]
فقام عطارد بن حاجب فقال : الحمد لله الذي له علينا الفضل و المن و هو أهله الذي جعلنا ملوكا و وهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف و جعلنا أعز أهل المشرق و أكثره عددا و أيسره عدة
فمن مثلنا في الناس ألسنا برءوس الناس و ألي فضلهم ؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا و إنا لو نشاء لأكثر الكلام و لكن نخشى من الإكثار فيما أعطانا و إنا نعرف بذلك أقول هذا لأن تأوا بمثل قولنا و أمر أفضل من أمرنا ثم جلس
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث بن الخزرج : [ قم فأجب الرجل في خطبته ]
فقام ثابت فقال : الحمد لله الذي السموات و الأرض خلقه قضى فيهن أمره و وسع كرسيه علمه و لم يك شيء قط إلا من فضله
ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاو اصطفى من خيرته رسولا أكرمه نسبا و أصدقه حديثا و أفضله حسبا فأنزل عليه كتابا و ائتمنه على خلقه فكان خيرة الله من العالمين
ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه و ذوي رحمه أكرم الناس أحسابا و أحسن الناس وجوها و خير الناس فعالا ثم كان أول الخلق إجابة و استجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم نحن فنحن أنصار الله و وزراء رسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا فمن آمن بالله و رسوله منع ماله و دمه و من كفر جاهدناه في الله ابدا و كان قتله علينا يسيرا أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و للمؤمنين و المؤمنات و السلام عليكم (4/79)
فقام الزبرقان بن بدر فقال :
( نحن الكرام فلا حي يعادلنا ... منا الملوك و فينا تنصب البيع )
( و كم قسرنا من الأحياء كلهم ... عند النهاب و فضل العز يتبع )
( و نحن يطعم عند القحط مطعمنا ... من الشواء إذا لم يؤنس القزع )
( بما ترى الناس تأتينا سراتهم ... من كل أرض هويا ثم نصطنع )
( فننحر الكوم عبطا في أرومتنا ... للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا )
( فما ترانا إلى حي نفاخرهم ... إلا استفادوا و كانوا الرأس يقتطع )
( فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه ... فيرجع القوم و الأخبار تستمع )
( إنا أبينا و لم يأبى لنا أحد ... إنا كذلك عند الفخر نرتفع )
قال ابن إسحاق : و كان حسان بن ثابت غائبا فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قام شاعر القوم فقال ما قال : عرضت في قوله و قلت على نحو ما قال
فلما فرغ الزبرقان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت : [ قم يا حسان فأجب الرجل فيما قال ] فقال حسان :
( إن الذوائب من فهر و إخواتهم ... قد بينوا سنة للناس تتبع )
( يرضى بها كل من كانت سريرته ... تقوى الإله و كل الخير يصطنع )
( قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا )
( سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق ـ فاعلم ـ شرها البدع )
( إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم تبع )
( لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم ... عند الدفاع و لا يوهون ما رقعوا )
( إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم ... أو وازنوا أهل مجد بالندي منعوا )
( أعفة ذكرت في الوحي عفتهم ... لا يطمعون و لا يرديهم طمع )
( لا يبخلون على جار بفضلهم ... و لا يمسهم من مطمع طبع )
( إذا نصبنا لحي لم ندب لهم ... كما يدب إلى الوحشية الذرع )
( نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها ... إذا الزعانف من أظفارها خشعوا )
( لا يفخرون إذا نالوا عدوهم ... و إن أصيبوا فلا خور و لا هلع )
( كأنهم في الوغى و الموت مكتنع ... أسد بحلية في أرساغها فذع )
( خذ منهم ما أتوا عفوا إذا غضبوا ... و لا يكن همك الأمر الذي منعوا )
( فإن في حربهم ـ فاترك عداوتهم ـ ... شرا يخاض عليه السم و السلع )
( أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفاوتت الأهواء و الشيع )
( أهدي لهم مد حتى قلب يؤازره ... فيما أحب لسان حائك صنع )
( فإنهم أفضل الأحياء كلهم ... إن جد في الناس جد القول أو شمعوا )
و قال ابن هشام : و أخبرني بعض أهل العلم من بني تميم أن الزبرقان لما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد بني تميم قام فقال :
( أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا ... إذا اختلفوا عند احتضار المواسم )
( بأنا فروع الناس في كل موطن ... و أن ليس في أرض الحجاز كدارم )
( و أنا نذود المعلمين إذا انتخوا ... و نضرب رأس الأصيد المتفاقم )
( و إن لنا المرباع في كل غارة ... نغير بنجد أو أرض الأعاجم )
قال : فقام حسان فأجابه فقال :
( هل المجد إلا السؤدد العود و الندى ... و جاه الملوك و احتمال العظائم )
( نصرنا و آوينا النبي محمدا ... على أنف راض من معد و راغم )
( بحي حريد أصله و ثراؤه ... بجابية الجولان وسط الأعاجم )
( نصرناه لما حل بين ديارنا ... بأسيافنا من كل باغ و ظالم )
( جعلنا بنينا دونه و بناتنا ... و طبنا له نفسا بفيء المغانم )
( و نحن ضربنا الناس حتى تتابعوا ... على دينه بالمرهفات الصوارم )
( و نحن ولدنا من قريش عظيمها ... ولدنا نبي الخير من آل هاشم )
( بني دارم لا تفخروا إن فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم )
( هبلتم علينا تفخرون و أنتم ... لنا خول من بين ظئر و خادم )
( فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... و أموالكم أن تقسموا في المقاسم )
( فلا تجعلوا لله ندا و أسلموا ... و لا تلبسوا زيا كزى الأعاجم )
قال ابن إسحاق : فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله قال الأقرع بن حابس :
و أبي إن هذا لموتي له ! لخطيبنا و لشاعره أشعر من شاعرنا و لأصواتهم أعلى من أصواتنا
قال : فلما فرغ القوم أسلموا و جوزهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحسن جوائزهم
و كان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في رحالهم و كان أصغرهم سنا فقال قيس ابن عاصم ـ و كان يبغض عمرو بن الأهتم ـ يا رسول الله إنه كان رجل منا في رحالنا و هو غلام حدث و أزرى به فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ما أعطى القوم
فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيسا قال ذلك يهجوه :
( ظللت مفترش الهلباء تشتمني ... عند الرسول فلم تصدق و لم تصب )
( سدناكم سؤددا رهوا و سؤددكم ... باد نواجذه مقع على الذنب )
و قد روى الحافظ البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن محمد بن الزبير الحنظلي قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم الزبرقان بن بدر و قيس بن عاصم و عمرو بن الأهتم فقال لعمرو بن الأهتم : [ أخبرني عن الزبرقان فأما هذا فلست أسألك عنه ] و أراه كان قد عرف قيسا
قال : فقال : مطاع في أدنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان : قد قال ما قال و هو يعلم أني أفضل مما قال قال فقال عمرو : و الله ما علمتك إلا زمر المروءة ضيق العطن أحمق الأب لئيم الخال ثم قال يا رسول الله قد صدقت فيهما جميعا أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم فيه و أسخطني فقلت بأسوء ما أعلم
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن من البيان سحرا ]
و هذا مرسل من هذا الوجه
قال البيهقي : و قد روى من وجه آخر موصولا : أنبأنا أبو جعفر كامل بن أحمد المستملي حدثنا محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي حدثنا محمد بن عبد الله ابن الحسن العلاف ببغداد حدثنا علي بن حرب الطائي أنبأنا أبو سعد بن الهيثم بن محفوظ عن أبي المقوم يحيى بن يزيد الأنصاري عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : جلس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قيس بن عاصم و الزبرقان بن بدر و عمرو بن الأهتم التميميون ففخر الزبرقان فقال : يا رسول الله أنا سيد تميم و المطاع فيهم و المجاب أمنعهم من الظلم و آخذ لهم بحقوقهم و هذا يعلم ذلك ـ يعني عمرو بن الأهتم ـ فقال عمرو بن الأهتم : إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أدنيه
فقال الزبرقان : و الله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال و ما منعه أن يتكلم إلا الحد
فقال عمرو بن الأهتم : أنا أحسدك ؟ فو الله إنك للئيم الخال حديث المال أحمق الولد مضيع في العشيرة و الله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولا و ما كذبت فيما قلت آخرا و لكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت و إذا غضبت قلت أقبح ما وجدت و لقد صدقت في الأولى و الأخرى جميعا
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن من البيان سحرا ]
و هذا إسناد غريب جدا
و قد ذكر الواقدي سبب قدومهم و هو أنهم كانوا قد شهروا السلاح على خزاعة فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عيينة بن بدر في خمسين ليس فيهم أنصاري و لا مهاجري فأسر منهم أحد عشر رجلا و إحدى عشرة امرأة و ثلاثين صبيا فقدم رؤساؤهم بسبب أسراهم و يقال قدم منهم تسعون ـ أو ثمانون ـ رجلا في ذلك منهم عطارد و الزبرقان و قيس بن عاصم و قيس بن الحارث و نعيم بن سعد و الأقرع بن حابس و رباح بن الحارث و عمرو بن الأهتم فدخلوا المسجد و قد أذن بلال الظهر و الناس ينتظرون رسول الله صلى الله عليه و سلم ليخرج إليهم فعجل هؤلاء فنادوه من وراء الحجرات فنزل فيهم ما نزل
ثم ذكر الواقدي خطيبهم و شاعرهم و أنه عليه السلام أجازهم كل رجل اثني عشر أوقية و نشا إلا عمرو بن الأهتم فإنما أعطى خمس أوراق لحداثة سنه و الله أعلم
قال ابن إسحاق : و نزل فيهم من القرآن قوله تعالى : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون و لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم و الله غفور رحيم }
قال ابن جرير : [ حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن أبي إسحاق عن البراء في قوله : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات } قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد إن حمدي زين و ذمي شين فقال : ذاك الله عز و جل ]
و هذا إسناد جيد متصل
و قد روى عن الحسن البصري و قتادة مرسلا عنهما
و قد وقع تسمية هذا الرجل فقال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا موسى بن عقبة عن أبي سلمة عن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد يا محمد و في رواية : يا رسول الله
فلم يجبه فقال : يا رسول الله إن حمدي لزين و إن ذمي لشين فقال : ذاك الله عز و جل ] (4/81)
قال البخاري : [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال : لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقولها فيهم :
هم أشد أمتي على الدجال و كانت فيهم سبية عند عائشة فقال : أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل و جاءت صدقاتهم فقال : هذه صدقات قوم ـ أو قومي ـ ]
و هكذا رواه مسلم عن زهير بن حرب به
و هذا الحديث يرد على قتادة ما ذكره صاحب الحماسة و غيره من شعر من ذمهم حيث يقول :
( تميم بطرق اللؤم أهدي من القطا ... و لو سلكت طرق الرشاد لضلت )
( و لو أن برغوثا على ظهر قملة ... رأته تميم من بعيد لولت ) (4/78)
ثم قال البخاري بعد وفد بني تميم : باب وفد عبد القيس
[ حدثنا أبو إسحاق حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا قرة عن أبي جمرة قال قلت لابن عباس : إن لي جرة ينتبذ لي فيها فأشربه حلوا في جر إن أكثرت منه فجالست القوم فأطلت الجلوس خشيت أن أفتضح ؟
فقال : قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : مرحبا بالقوم غير خزايا و لا الندامى فقالوا : يا رسول الله إن بيننا و بينك المشركين من مضر و إنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام فحدثنا بحميل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة و ندعو به من وراءنا
قال : آمركم بأربع و أنهاكم عن أربع لإيمان بالله هل تدرون ما لإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و أن تعطوا من المغانم الخمس و أنهاكم عن أربع : ما ينتبذ في الدباء و النقير و الحنتم و المزفت ]
و هكذا رواه مسلم من حديث قرة بن خالد عن أبي جمرة به و له طرق في الصحيحين عن أبي جمرة
و قال أبو داود الطيالسي في مسنده : [ حدثنا شعبة عن أبي جمرة سمعت ابن عباس يقول : إن وفد عبد القيس لما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ممن القوم ؟ قالوا : من ربيعة قال : مرحبا بالوفد غير الخزايا و لا الندامى
فقالوا : يا رسول الله إنا حي من ربيعة و إنا نأتيك من شقة بعيدة و إنه يحول بيننا و بينك هذا الحي من كفار مضر و إنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام فمرنا بأمر فصل ندعو إليه من وراءنا و ندخل به الجنة
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : آمركم بأربع و أنهاكم عن أربع آمركم بالإيمان بالله وحده أتدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و أن تعطوا من المغانم الخمس و أنهاكم عن أربع عن الدباء و الحنتم و النقير و المزفت ـ و ربما قال و المقير ـ فاحفظوهن و ادعوا إليهن من وراءكم ]
و قد أخرجه صاحبا الصحيحين من حديث شعبة بنحوه
و قد رواه مسلم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد بحديث قصتهم بمثل هذا السياق
و عنده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأشج عبد القيس : [ إن فيك لخلتين يحبهما الله عز و جل الحلم و الأناة ] و في رواية : [ يحبهما الله و رسوله ] فقال : يا رسول الله تخلقتهما أم جبلني الله عليهما ؟ فقال : [ جبلك الله عليهما ] فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله و رسوله
و قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا مطر بن عبد الرحمن سمعت هندا بنت الوازع أنها سمعت الوازع يقول : أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و الأشج المنذر بن عامر ـ أو عامر بن المنذر ـ و معهم رجل مصاب فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وثبوا من رواحلهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبلوا يده ثم نزل الأشج فعقل راحلته و أخرج عيبته ففتحها فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما ثم أتى رواحلهم فعقلها فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ يا أشج إن فيك خصلتين يحبهما الله عز و جل و رسوله : الحلم و الأناة ]
فقال : يا رسول الله أنا تخلقتهما أو جبلني الله عليهما ؟ فقال : [ بل الله جبلك عليهما ]
قال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله عز و جل و رسوله
فقال الوازع : يا رسول الله إن معي خالا لي مصابا فادع الله له فقال : [ أين هو ائتني به ] فصنعت مثل ما صنع الأشج ألبسه ثوبيه و أتيته فأخذ من ردائه يرفعهما حتى رأينا بياض إبطه ثم ضرب بظهره فقال : [ اخرج عدو الله ] فولى وجهه و هو ينظر رجل صحيح
[ و روى الحافظ البيهقي من طريق هود بن عبد الله بن سعد أنه سمع جده مزيدة العبدي قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث أصحابه إذ قال لهم : سيطلع من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق
فقام عمر فتوجه نحوه فتلقى ثلاثة عشر راكبا فقال من القوم : من بني عبد القيس قال : فما أقدمكم هذه البلاد التجارة ؟ قالوا : لا قال : أما إن النبي صلى الله عليه و سلم قد ذكركم آنفا فقال خيرا
ثم مشوا معه حتى أتوا النبي صلى الله عليه و سلم فقال عمر للقوم : هذا صاحبكم الذي تريدون فرى القوم بأنفسهم عن ركائبهم فمنهم من مشى و منهم من هرول و منهم من سعى حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذوا بيده فقبلوها و تخلف الأشبح في الركاب حتى أناخها و جمع متاع القوم ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبلها فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إن فيك خلتين يحبهما الله و رسوله قال : جبل جبلت عليه أم تخلقا مني ؟ قال : بل جبل فقال الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله و رسوله ]
و قال ابن إسحاق : و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم الجارود بن عمرو بن حنش أخو عبد القيس قال ابن هشام : و هو الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبد القيس و كان نصرانيا
قال ابن إسحاق : [ و حدثني من لا أتهم عن الحسن قال لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمه فعرض عليه الإسلام و دعاه إليه و رغبه فيه فقال : يا محمد إني كنت على دين و إني تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه قال فأسلم و أسلم أصحابه
ثم سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحملان فقال : و الله ما عندي ما أحملكم عليه قال يا رسول الله فإن بيننا و بين بلادنا ضوال من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ؟ قال : لا إياك و إياها فإنما تلك حرق النار ]
قال : فخرج الجارود راجعا إلى قومه و كان حسن الإسلام صلبا على دينه حتى هلك
و قد أدرك الردة فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود فتشهد شهادة الحق و دعا إلى الإسلام فقال : أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أكفر من لم يشهد
و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي فأسلم فحسن إسلامه ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل ردة أهل البحرين و العلاء عنده أميرا لرسول الله صلى الله عليه و سلم على البحرين
و لهذا روى البخاري من حديث إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة عن ابن عباس قال : أول جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسجد عبد القيس بجواثي من البحرين
و روى البخاري عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخر الركعتين بعد الظهر بسبب وفد عبد القيس حتى صلاهما بعد العصر في بيتها
قلت : لكن في سياق ابن عباس ما يدل على أن قدوم وفد عبد القيس كان قبل فتح مكة لقولهم : و بينا و بينك هذا الحي من مضر لا نصل إليك إلا في شهر حرام و الله أعلم (4/87)
قال البخاري : باب وفد بني حنيفة و قصة ثمامة بن أثال
[ حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث بن سعد حدثني سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال : بعث النبي صلى الله عليه و سلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ قال : عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم و إن تنعم تنعم على شاكر و إن كنت تريد المال فسل منه ما شئت
فتركه حتى كان الغد ثم قال له : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى بعد الغد فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي ما قلت لك فقال : أطلقوا ثمامة
فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله يا محمد و الله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي و الله ما كان دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين إلي و الله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي و إن خيلك أخذتني و أنا أريد العمرة فماذا ترى ؟
فبشره رسول الله صلى الله عليه و سلم و أمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل : أصبوت ؟ قال : لا و لكن أسلمت مع محمد صلى الله عليه و سلم و لا و الله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه و سلم ]
و قد رواه البخاري في موضع آخر و مسلم و أبو داود و النسائي كلهم عن قتيبة عن الليث به
و في ذكر البخاري هذه القصة في الوفود نظر
و ذلك أن ثمامة لم يفد بنفسه و إنما أسر و قدم به في الوثائق فربط بسارية من سواري المسجد
ثم في ذكره مع الوفود سنة تسع نظر آخر و ذلك أن الظاهر من سياق قصته أنها قبيل الفتح لأن أهل مكة عيروه بالإسلام و قالوا : أصبوت ؟ فتوعدهم بأنه لا يفد إليهم من اليمامة حبة حنطة ميرة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم فدل على أن مكة كانت إذ ذاك دار حرب لم يسلم أهلها بعد و الله أعلم
و لهذا ذكر الحافظ البيهقي قصة ثمامة بن أثال قبل فتح مكة و هو أشبه و لكن ذكرنا ها هنا إتباعا للبخاري رحمه الله
و قال البخاري : [ حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن عبد الله بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يقول : إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته و قدم في بشر كثير من قومه
فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه ثابت بن قيس بن شماس و في يد رسول الله صلى الله عليه و سلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال له : لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها و لكن تعدو أمر الله فيك و لئن أدبرت ليعفرنك الله و إني لأراك الذي رأيت فيه ما رأيت و هذا ثابت يجيبك عني ثم انصرف عنه ]
قال ابن عباس : فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنك الذي رأيت فيه ما رأيت ] فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحى إلي في المنام : أن انفخهما فنفخهما فطارا فأولنهما كذابين يخرجان بعدي أحدهما الأسود العنسي و الآخر مسيلمة ]
ثم قال البخاري : [ حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق أخبرني معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا نائم أتيت بخزائن الأرض فوضع في كفي سواران من ذهب فكبرا علي فأوحى إلي : أن انفخهما فنفختهما فذهبا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء و صاحب اليمامة ]
ثم قال البخاري : [ حدثنا سعيد بن محمد الجرمي حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن عبيدة بن نشيط ـ و كان في موضع آخر اسمه عبد الله ـ أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث و كان تحته بنت الحارث بن كريز و هي أم عبد الله بن كريز فأتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه ثابت بن قيس بن شماس و هو الذي يقال له : خطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم و في يد رسول الله صلى الله عليه و سلم قضيب فوقف عليه فكمه فقال له مسيلمة : إن شئت خليت بينك و بين الأمر ثم جعلته لنا بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه و إني لأراك الذي رأيت فيه ما رأيت و هذا ثابت بن قيس و سيجيبك عني فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
قال عبيد بن عبد الله : سألت ابن عباس عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي ذكر فقال ابن عباس : ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ففظعتهما و كرهتهما فأذن لي فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين
فقال عبيد الله : أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن و الآخر مسيلمة الكذاب ]
و قال محمد ابن إسحاق : قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب الكذاب قال ابن هشام : و هو مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن عبد الحارث بن هفان بن ذهل بن الدول بن حنيفة و يكنى أبا ثمامة و قيل أبا هارون و كان قد تسمى بالرحمن فكان يقال له رحمن اليمامة و كان عمره يوم قتل مائة و خمسين سنة و كان يعرف أبوابا من النيرجات فكان يدخل البيضة إلى القاروة و هو أول من فعل ذلك و كان يقص جنح الطير ثم يصله و يدعى أن ظبية يأتية من الجبل فيحلب لبنها
قال ابن إسحاق : و كان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار ثم من بني النجار
قال السهيلي : هي زينب و قيل كيسة بنت الحارث بن كريز بن حبيب بن عبد شمس و كان مسيلمة قد تزوجها قديما ثم فارقها فلهذا نزلوا في دارها قال ابن إسحاق : [ فحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه و سلم تستره بالثياب و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في أصحابه معه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هم يسترونه بالثياب كلمه و سأله فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه ]
قال ابن إسحاق : [ و حدثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا و زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و خلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا : يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا و في ركائبنا يحفظها لنا
قال : فأمر له رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل ما أمر به للقوم و قال : أما إنه ليس بشركم مكانا أي لحفظه ضيعة أصحابه ذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و جاءوا مسيلمة بما أعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله و تنبأ و تكذب لهم و قال : إني قد أشركت في الأمر معه
و قال لوفده الذين كانوا معه : ألم يقل لكم حين ذكر تموني له : أما إنه ليس بشر كم مكانا ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه
ثم جعل يسجع لهم السجعات و يقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن : لقد أنعم الله على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى من بين ضفاق وحشا
و أحل لهم الخمر و الزنا و وضع عنهم الصلاة و هو مع هذا يشهد لرسول الله صلى الله عليه و سلم بأنه نبي
فأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك ]
قال ابن إسحاق فالله أعلم أي ذلك كان
[ و ذكر السهيلي و غيره أن الرحال بن عنفوة ـ و اسمه نهار بن عنفوة ـ و كان قد أسلم و تعلم شيئا من القرآن و صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم مدة و قد مر عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو جالس مع أبي هريرة و فرات بن حيان فقال لهم : أحدكم ضرسه في النار مثل أحد ]
فلم يزالا خائفين حتى ارتد مع مسيلمة و شهد له زورا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أشركه في الأمر معه و ألقي إليه شيئا مما كان يحفظه من القرآن فادعاه مسيلمة لنفسه فحصل بذلك فتنة عظيمة لبني حنيفة و قد قتله زيد بن الخطاب يوم اليمامة
قال السهيلي : و كان مؤذن مسيلمة يقال له حجير و كان مدبر الحرب بين يديه محكم بن الطفيل
و أضيف إليهم سجاح و كانت تكنى أم صادر و تزوجها مسيلمة و له معها أخبار فاحشة و اسم مؤذنها زهير بن عمرو و قيل جنبة بن طارق و يقال إن شبت ابن ربعي أذن لها أيضا ثم أسلم و قد أسلمت هي أيضا أيام عمر بن الخطاب فحسن إسلامها
و قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق : و قد كان مسيلمة بن حبيب كتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك
أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك فإن لنا نصف الأمر و لقريش نصف الأمر و لكن قريشا قوم يعتدون
فقدم عليه رسولان بهذا الكتاب فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم
[ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد : فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين ]
قال : و كان ذلك في آخر سنة عشر ـ يعني ورود هذا الكتاب و قد روى البخاري قصة هذا الكتاب في صحيحه قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق : [ فحدثني سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما : و أنما تقولان مثل ما يقول ؟ قالا : نعم فقال أما و الله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ]
و قال أبو داود الطيالسي : [ حدثنا المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : جاء ابن النواحة و ابن أثال رسولين لمسيلمة الكذاب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لهما : أتشهد أني رسول الله فقالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : آمنت بالله و رسله و لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما ]
قال عبد الله بن مسعود : فمضت السنة بأن الرسل لا تقتل
قال عبد الله : فأما ابن أثال فقد كفاه الله و أما ابن النواحة فلم يزل في نفسي منه حتى أمكن الله منه
قال الحافظ البيهقي : أما أسامة بن أثال فإنه أسلم و قد مضى الحديث في إسلامه
[ و أما ابن النواحة فأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزني أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الوهاب حدثنا جعفر بن عون أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال : إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة و هم يقرءون قراءة ما أنزلها الله على محمد صلى الله عليه و سلم : و الطاحنات طحنا و العاجنات عجنا و الخابزات خبزا و الثاردات ثردا و اللاقمات لقما ]
قال : فأرسل إليهم عبد الله فأتي بهم و هم سبعون رجلا و رأسهم عبد الله بن النواحة قال : فأمر به عبد الله فقتل ثم قال : ما كنا بمحرزين الشيطان من هؤلاء و لكن نحوزهم إلى الشام لعل الله أن يكفيناهم
[ و قال الواقدي : كان وفد بني حنيفة بضعة عشر رجلا عليهم سلمى بن حنظلة و فيهم الرحال بن عنفوة و طلق بن علي و علي بن سنلن و مسيلمة بن حبيب الكذاب فأنزلوا في دار مسلمة بنت الحارث و أجريت عليهم الضيافة فكانوا يؤتون بغداء و عشاء مرة خبزا و لحما و مرة خبزا و لبنا و مرة خبزا و سمنا و مرة تمرا بنزلهم
فلما قدموا المسجد أسلموا و قد خلفوا مسيلمة في رحالهم و لما أرادوا الانصراب أعطاهم جوائزهم خمس أوراق من فضة و أمر لمسيلمة بمثل ما أعطاهم لما ذكروا أنه في رحالهم فقال : أما إنه ليس بشركم مكانا ]
فلما رجعوا إليه أخبروه بما قال عنه فقال : إنما قال ذلك لأنه عرف أن الأمر لي من بعده
و بهذه الكلمة تشبث قبحه الله حتى ادعى النبوة
قال الواقدي : و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث معهم بإداوة فيها فضل طهوره و أمرهم أن يهدموا بيعتهم و ينضحوا هذا الماء مكانه و يتخذونه مسجدا ففعلوا
و سيأتي ذكر مقتل الأسود العنسي في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم و قتل مسيلمة الكذاب في أيام الصديق (4/92)
قال البخاري : [ حدثنا عباس بن الحسين حدثنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال جاء العاقب و السيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يريدان أن يلاعناه
قال : فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل فو الله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن و لا عقبنا من بعدنا
قالا : إنا نعطيك ما سألتنا و ابعث معنا رجلا أمينا و لا تبعث معنا إلا رجلا أمينا فقال : لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين
فأستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : قم يا أبا عبيدة ابن الجراح فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا أمين هذه الأمة ]
و قد رواه البخاري أيضا و مسلم من حديث شعبة عن أبي إسحاق به
و قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ و أبو سعيد محمد بن موسى ابن الفضل قالا : [ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده ـ قال يونس : و كان نصراينا فأسلم ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلى نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان باسم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران أسلم أنتم فإني أحمد إليكم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب أما بعد فإنى أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد و أدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم آذنتكم بحرب و السلام ]
فلما أتى الأسقف الكتاب فقرأه فظع به و ذعر به ذعرا شديدا و بعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة ـ و كان من همدان و لم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله لا الأبهم و لا السيد و لا العاقب ـ
فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى شرحبيل فقرأه فقال الأسقف : يا أبا مريم ما رأيك ؟ فقال شرحبيل : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما تؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل ؟ ليس لي في النبوة رأي و لو كان أمرا من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأي و جهدت لك فقال له الأسقف : تنح فاجلس فتنحى شرحبيل فجلس ناحيته
فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل و هو من ذي أصبح من حمير فأقرأه الكتاب و سأله عن الرأي فقال له مثل قول شرحبيل فقال له الأسقف : تنح فاجلس فتنحى فجلس ناحيته
و بعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث ابن كعب أحد بني الحماس فأقراه الكتاب و سأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل و عبد الله فأمره الأسقف فتنحى فجلس ناحيته
فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به و رفعت النيران و المسوح في الصوامع و كذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار و إذا كان فزعهم ليلا ضربوا بالناقوس و رفعت النيران بالصوامع
فاجتمع حين ضرب بالناقوس و رفعت المسوح أهل الوادي أعلاه و أسفله و طول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع و فيه ثلاث و سبعون قرية و عشرون و مائة ألف مقاتل فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و سألهم عن الرأي فيه
فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني و عبد الله ابن شرحبيل الأصبحي و جبار بن فيض الحارثي فيأتوهم بخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم و لبسوا حللا لهم يجرونها من حيرة و خواتيم الذهب ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام و تصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم و عليهم تلك الحلل و الخواتيم الذهب
فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف و كانوا يعرفونهما فوجدوهما في ناس من المهاجرين و الأنصار في مجلس فقالوا : يا عثمان و يا عبد الحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا و تصدينا لكلامه نهارا طويلا فأعيانا أن يكلمنا فما الرأي منكما أترون أن نرجع ؟
فقالا لعلي بن أبي طالب و هو في القوم : ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم ؟ فقال علي لعثمان و لعبد الرحمن : أرى أن يضعوا حللهم هذه و خواتيمهم و يلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا إليه
ففعلوا فسلموا فرد سلامهم ثم قال : [ و الذي بعثي بالحق لقد أتوني المرة الأولى و إن إبليس لمعهم ]
ثم ساءهم و ساءلوه فلم تزل به و بهم المسألة حتى قالوا : ماتقول في عيسى فإنا نرجع إلى قومنا و نحن نصارى يسرنا إن كنت نبيا أن نسمع ما تقول فيه
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى ]
فأصبح الغد و قد أنزل الله عز و جل هذه الآية : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين }
فأبوا أن يقروا بذلك
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن و الحسين في خميل له و فاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة و له يومئذ عدة نسوة
فقال شرحبيل لصاحبيه : قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه و أسفله لم يردوا و لم يصدوا إلا عن رأيي و إني و الله أرى أمرا ثقيلا و الله لئن كان هذا الرجل ملكا متقويا فكنا أول العرب طعن في عينه و رد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره و لا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة و إنا أدنى العرب منهم جوارا و لئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبق على وجه الأرض منا شعر و لا ظفر إلا هلك
فقال له صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم ؟ فقال : رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا له : أنت و ذاك
قال فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال : [ و ما هو ] فقال : حكمك اليوم إلى الليل و ليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لعل وراءك أحدا يثرب عليك ؟ ] فقال شرحبيل : سل صاحبي فقالا : ما يرد الوادي و لا يصدر إلا عن رأي شرحبيل
فرجع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يلاعنهم حتى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب : [ بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب محمد النبي الأمي رسول الله لنجران أن كان عليهم حكمه في كل ثمرة و كل صفراء و بيضاء و رقيق فأفضل عليهم و ترك ذلك كله على ألفي حلة في كل رجب ألف حلة و في كل صفر ألف حلة ] و ذكر تمام الشروط إلى أن قال : [ شهد أبو سفيان بن حرب و غيلان بن عمرو و مالك بن عوف من بني نصر و الأقرع بن حابس الحنظلي و المغيرة و كتب ]
حتى إذا قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران و مع الأسقف أخ له من أمه و هو ابن عمه من النسب يقال له بشر بن معاوية و كنيته أبو علقمة فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الأسقف فبينما هو يقرأه و أبو علقمة معه و هما يسيران إذ كبت ببشر ناقته فتعس بشر غير أنه لا يكنى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقال له الأسقف عند ذلك : قد و الله تعست نبيا مرسلا فقال له بشر : لا جرم و الله لا أحل عنها عقدا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : و صرف وجه ناقته نحو المدينة و ثنى الأسقف ناقته عليه فقال له : افهم عني إنما قلت هذا ليبلغ عني العرب مخافة أن يروا أنا أخذنا حقه أو رضينا بصوته أو نخعنا لهذا الرجل بما لم تنخع به العرب و نحن أعزهم و أجمعهم دارا فقال له بشر : لا و الله لا أقبل ما خرج من رأسك أبدا
فضرب بشر ناقته و هو مولى الأسقف ظهره و ارتجز يقول :
( إليك تغدو قلقا وضينها ... معترضا في بطنها جنينها )
( مخالفا دين النصارى دينها )
حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يزل معه حتى قتل بعد ذلك
قال : و دخل الوفد نجران فأتى الراهب ابن أبي شمر الزبيدي و هو في رأس صومعته فقال له : إن نبيا بعث بتهامة فذكر ما كان من وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنه عرض عليهم الملاعنة فأبوا و أن بشر بن معاوية دفع إليه فأسلم
فقال الراهب : أنزواني و إلا ألقيت من هذه الصومعة قال : فأنزلوه فأخذ معه هدية و ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم منها هذا البرد الذي يلبسه الخلفاء و قعب و عصا
فأقام مدة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمع الوحي ثم رجع إلى قومه و لم يقدر له الإسلام و وعد أنه سيعود فلم يقدر له حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم
و إن الأسقف أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه السيد و العاقب و وجوه قومه فأقام عنده يسمعون ما ينزل الله عليه و كتب للأسقف هذا الكتاب و لأساقفة نجران بعده : [ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للأسقف أبي الحارث و أساقفة نجران و كهنتهم و رهبانهم و كل ما تحت أيديهم من قليل و كثير جوار الله و رسوله لا يغير أسقف من أسقفته و لا راهب من رهبانيته و لا كاهن من كهانته و لا يغير حق من حقوقهم و لا سلطانهم و لا كانوا عليه من ذلك جوار الله و رسوله أبدا ما أصلحوا و نصحوا عليهم غير مبتلين بظلم و لا ظالمين و كتب المغيرة بن شعبة ]
و ذكر محمد ابن إسحاق أن وفد نصارى نجران كانوا ستين راكبا يرجع أمرهم إلى أربعة عشر منهم و هم العاقب و اسمه عبد المسيح و السيد و هو الأبهم و أبو حارثة بن علقمة و أوس بن الحارث و زيد و قيس و يزيد و نبيه و خويلد و عمرو و خالد و عبد الله و يحنس
و أمر هؤلاء الأربعة عشر يؤول إلى ثلاثة منهم و هم العاقب و كان أمير القوم و ذا رأيهم و صاحب مشورتهم و الذي لا يصدرون إلا عن رأيه و السيد و كان ثمالهم و صاحب رحلهم و أبو حارثة بن علقمة و كان أسقفهم و حبرهم و كان رجلا من العرب من بكر بن وائل و لكن دخل دين النصرانية فعظمته الروم و شرفوه و بنوا له الكنائس و مولوه و أخدموه لما يعرفون من صلابته في دينهم و كان مع ذلك يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكن صده الشرف و الجاه من اتباع الحق
و قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق : حدثني بريدة بن سفيان عن ابن البيلماني عن كرز بن علقمة قال : قدم وفد نصارى نجران ستون راكبا منهم أربعة و عشرون رجلا من أشرافهم و الأربعة و العشرون منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم العاقب و السيد و أبو حارثة أحد بني بكر بن وائل أسقفهم و صاحب مدراسهم و كانوا قد شرفوه فيهم و مولوه و أكرمهم و بسطوا عليه الكرامات و بنوا له الكنائس لما بلغهم عنه من علمه و اجتهاده في دينهم
فلما توجهوا من نجران جلس أبو حارثة على بغلة له و إلى جنبه أخ له يقال له كرز بن علقمة يسايره إذا عثرت بغلة أبي حارثة فقال كرز : تعس الأبعد ـ يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ فقال له أبو حارثة : بل أنت تعست فقال له كرز : و لم يا أخي ؟ فقال : و الله إنه للنبي الذي كنا ننتظره
فقال له كرز : و ما يمنعك و أنت تعلم هذا ؟ فقال له : ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا و مولونا و أخدمونا و قد أبوا إلا خلافه و لو فعلت نزعوا منا كل ما ترى
قال : فأضمر عليها منه أخوه كرز حتى أسلم بعد ذلك
و ذكر ابن إسحاق أنهم لما دخلوا المسجد النبوي دخلوا في تجمل و ثياب حسان و قد حانت صلاة العصر فقاموا يصلون إلى المشرق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعوهم
فكان المتكلم لهم أبا حارثة بن علقمة و السيد و العاقب حتى نزل فيهم صدر سورة آل عمران و المباهلة فأبوا ذلك و سألوا أن يرسل معهم أمينا فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح كما تقدم في رواية البخاري
و قد ذكرنا ذلك مستقصى في تفسير سورة آل عمران و لله الحمد و المنة (4/100)
قال ابن إسحاق : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل و أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر و حيان بن سلمى بن مالك بن جعفر و كان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم و شياطينهم
و قدم عامر بن الطفيل عدو الله على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يريد الغدر به
و قد قال له قومه : يا أبا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم قال : و الله لقد كنت آليت ألا انتهي حتى تتبع العرب عقبي فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش
ثم قال لأربد : إن قدمنا على الرجل فإني سأشغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عامر بن الطفيل : يا محمد خالني قال : [ لا و الله حتى تؤمن بالله وحده ] قال : يا محمد خالني قال : و جعل يكلمه و ينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يحير شيئا فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال : يا محمد خالني قال : [ لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له ]
فلما أبى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أما و الله لأملأنها عليك خيلا و رجالا فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ اللهم اكفني عامر بن الطفيل ]
فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عامر بن الطفيل لأربد : أين ما كنت أمرتك به ؟ و الله ما كان على ظهر الأرض رجل أخوف على نفسي منك و ايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا
قال : لا أبا لك لا تعجل علي و الله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني و بين الرجل حتى ما أرى غيرك فأضربك بالسيف ؟ !
و خرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله عز و جل على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول :
( يا بني عامر أغدة كغدة البكر ... في بيت امرأة من بني سلول )
قال ابن هشام : و يقال : أغدة كغدة الإبل و موت في بيت سلولية !
و روى الحافظ البيهقي من طريق الزبير بن بكار [ حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن موءلة عن أبيها عن جدها موءلة بن جميل قال : أتى عامر بن الطفيل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : يا عامر أسلم فقال : أسلم على أن لي الوبر و لك المدر قال : لا
ثم قال : أسلم فقال : أسلم على أن لي الوبر و لك المدر قال : لا فولى و هو يقول : و الله يا محمد لأملأنها عليك خيلا جردا و رجالا مردا و لأربطن بكل نخلة فرسا
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم اكفني عامرا و أهد قومه ]
فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة من قومه يقال لها سلولية فنزل عن فرسه و نام في بيتها فأخذته غدة في حلقه فوثب على فرسه و أخذ رمحه و أبقل يجول و هو يقول : غدة كغدة البكر و موت في بيت سلولية ! فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتا
و ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب في أسماء الصحابة موءلة هذا فقال : هو موءلة بن كثيف الضبابي الكلابي العامري من بني عامر بن صعصعة أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن عشرين سنة فأسلم و عاش في الإسلام مائة سنة و كان يدعى ذا اللسانين من فصاحته و روى عنه ابنه عبد العزيز و هو الذي روى قصة عامر بن الطفيل : غدة كغدة البعير و موت في بيت سلولية
قال الزبير بن بكار : حدثتني ظماء بنت عبد العزيز بن موءلة بن حمل بن خالد بن عمرو بن معاوية و هو الضباب بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قالت : حدثني أبي عن أبيه عن موءلة أنه أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم و هو ابن عشرين سنة و بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم و مسح يمينه و ساق إبله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فصدقها بنت لبون ثم صحب أبا هريرة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم و عاش في الإسلام مائة سنة و كان يسمى ذا اللسانين من فصاحته
قلت : و الظاهر أن قصة عامر بن الطفيل متقدمة على الفتح و إن كان ابن إسحاق و البيهقي قد ذكراها بعد الفتح
و ذلك لما رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن الأصم أنبأنا محمد بن إسحاق أنبأنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أنس في قصة بئر معونة و قتل عامر بن الطفيل حرام بن ملحان خال أنس بن مالك و غدره بأصحاب بئر معونة حتى قتلوا عن آخرهم سوى عمرو بن أمية كما تقدم
قال الأوزاعي : قال يحيى : فمكث رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا : [ اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت و ابعث عليه ما يقتله ] فبعث الله عليه الطاعون
و روى عن همام عن إسحاق بن عبد الله عن أنس في قصة حرام بن ملحان قال : و كان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أخيرك بين ثلاث خصال يكون لك أهل السهل و يكون لي أهل الوبر و أكون خليفتك من بعدك أو أغزوك بغطفان بألف أشقر و ألف شقراء
قال : فطعن في بيت امرأة فقال : أغدة كغدة البعير و موت في بيت امرأة من بني فلان ! ائتوني بفرسي فركب فمات على ظهر فرسه
قال ابن إسحاق : ثم خرج أصحابه حتى واروه حتى قدموا أرض بني عامر شاتين فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا : و ما ورائك يا أربد ؟ قال : لا شيء و الله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت لو أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله الآن فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه فأرسل الله عليه و على جمله صاعقة فأحرقتهما
قال ابن إسحاق : و كان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه فقال لبيد يبكي أربد :
( ما إن تعدى المنون من أحد ... لا ولد مشفق و لا ولد )
( أخشى على أربد الحتوف و لا ... أرهب نوء السماك و الأسد )
( فعين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا و قام النساء في كبد )
( إن يشغبوا لا يبال شغبهم ... أو يقصدوا في الحكوم يقتصد )
( جار أريب و في حلاوته ... مر لصيق الأحشاد و الكبد )
( و عين هلا بكيت أربد إذ ... ألوت رياح الشتاء بالعضد )
( و أصبحت لاقحا مصرمة ... حتى تجلت غوابر المدد )
( أشجع من ليث غابة لحم ... ذو نهمة في العلا و منتقد )
( لا تبلغ العين كل نهمتها ... ليلة تمسي الجياد كالقدد )
( الباعث النوح في مآتمه ... مثل الظباء الأبكار بالجرد )
( فجعني البرق و الصواعق بالفا ... رس يوم الكريهة النجد )
( و الحارب الجابر الحريب إذا ... جاء نكيبا و إن بعد يعد )
( يعفو على الجهد و السؤال كما ... ينبت غيث الربيع ذو الرصد )
( كل نبي حرة مصيرهم ... قل و إن أكثروا من العدد )
( إن يغبطوا يهبطوا و إن أمروا ... يوما فهم للهلاك و النفد )
و قد ذكر ابن إسحاق عن لبيد أشعارا كثيرة في رثاء أخيه لأمه أربد بن قيس تركناها اختصارا و اكتفاء بما أوردناه و الله الموفق للصواب
قال ابن هشام : و ذكر زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال : فأنزل الله عز و جل في عامر و أربد { الله يعلم ما تحمل كل أنثى و ما تفيض الأرحام و ما تزداد و كل شيء عنده بمقدار عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول و من جهر به و من هو مستخف بالليل و سارب بالنهار له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من أمر الله } يعني محمدا صلى الله عليه و سلم
ثم ذكر أربد و قتله فقال الله تعالى : { و إذا أراد الله بقوم سواءا فلا مرد له و ما لهم من دونه من وال هو الذي يريكم البرق خوفا و طمعا و ينشئ السحاب الثقال و يسبح الرعد بحمده و الملائكة من خيفته و يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء و هم يجادلون في الله و هو شديد المحال }
قلت : و قد تكلمنا على الآيات الكريمات في سورة الرعد و لله الحمد و المنة
و قد وقع لنا إسناد ما علقه ابن هشام رحمه الله
فروينا من طريق الحافظ أبي قاسم سليمان بن أحمد الطبراني في معجمه الكبير حيث قال : [ حدثنا مسعدة بن سعد العطار حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني عبد العزيز بن عمران حدثني عبد الرحمن و عبد الله ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن حعفر بن كلاب و عامر بن الطفيل بن مالك قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتهيا إليه و هو جالس فجلسا بين يديه : فقال عامر بن الطفيل : يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لك ما للمسلمين و عليك ما عليهم
قال عامر : أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس ذلك لك و لا لقومك و لكن لك أعنة الخيل قال : أنا الآن في أعنة خيل نجد اجعل لي الوبر و لك المدر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا فلما قفل من عنده قال عامر : أما و الله لأملأنها عليك خيلا و رجالا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يمنعك الله ]
فلما خرج أربد و عامر قال عامر : يا أربد أنا أشغل عنك محمدا بالحديث فاضربه بالسيف فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية و يكرهوا الحرب فسنعطيهم الدية قال أربد : أفعل
فأقبلا راجعين إليه فقال عامر : يا محمد قم معي أكلمك فقام معه رسول الله صلى الله عليه و سلم خليا إلى الجدار و وقف معه رسول الله صلى الله عليه و سلم يكلمه و سل أربد السيف فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف فلم يستطع سل السيف فأبطأ أربد على عامر بالضرب فالتفت رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأى أربد و ما يصنع فانصرف عنهما
فلما خرج أربد و عامر عن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كانا بالحرة حرة و اقم نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذ و أسيد بن الحضير فقالا : اشخصا يا عدوا الله لعنكما الله فقال عامر من هذا يا سعد ؟ قال : أسيد بن حضير الكتائب
فخرجا حتى إذا كانا بالرقم أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته و خرج عامر حتى إذا كان بالحرة أرسل الله قرحة فأخذته فأدركه الليل في بيت امراة من بني سلول فجعل يمس قرحته في حلقه و يقول : غدة كغدة الجمل في بيت سلولية ؟ يرغب أن يموت في بيتها
ثم ركب فرسه فاحضرها حتى مات عليه راجعا فأنزل الله فيهما { الله يعلم ما تحمل كل أنثى و ما تفيض الرحام و ما تزداد } إلى قوله : { له معقبات من بين يديه و من خلفه } يعني محمدا صلى الله عليه و سلم ثم ذكر أربد و ما قتله به فقال : { و يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } الآية
و في هذا السياق دلالة على تقدم قصة عامر و أربد و ذلك لذكر سعد بن معاذ فيه و الله أعلم
و قد تقدم و فود الطفيل بن عامر الدوسي رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة و إسلامه و كيف جعل الله نورا بين عينيه ثم سأل الله فحوله له إلى طرف سوطه و بسطنا ذلك هنالك فلا حاجة إلى إعادته ها هنا كما صنع البيهقي و غيره (4/109)
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس قال : بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقدم إليه و أناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في أصحابه و كان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين
فأقبل حتى وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصحابه فقال : أيكم ابن عبد المطلب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أنا ابن عبد المطلب ]
فقال : يا محمد قال : نعم قال : يا بن عبد المطلب إني سائلك و مغلظ عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك قال : [ لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك ]
فقال : أنشدك إلهك و إله من كان قبلك و إله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولا ؟ قال : [ اللهم نعم ]
قال : فأنشدك الله إلهك و إله من كان قبلك و إله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده و لا نشرك به شيئا و أن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون ؟ قال : [ اللهم نعم ]
قال : فأنشدك الله إلهك و إله من كان قبلك و إله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس ؟ قال : [ نعم ]
قال : ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الزكاة و الصيام و الحج و شرائع الإسلام كلها ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها
حتى إذا فرغ قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله و سأؤدي هذه الفرائض و أجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد و لا أنقص ثم انصرف إلى بعيره راجعا
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة ]
قال : فأتى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال : بئست اللات و العزى فقالوا : مه يا ضمام اتق البرص اتق الجذام اتق الجنون ! فقال : ويلكم إنهما و الله لا يضران و لا ينفعان إن الله قد بعث رسولا و أنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه و إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و قد جئتكم من عنده بما أمركم به و ما نهاكم عنه
قال : فو الله ما أمسى من ذلك اليوم و في حاضره رجل و لا امرأة إلا مسلما
قال : يقول ابن عباس : فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة
و هكذا رواه الإمام أحمد عن يعقوب بن إبراهيم الزهري عن أبيه عن ابن إسحاق فذكره
و قد روى هذا الحديث أبو داود من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن سلمة بن كهيل و محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس بنحوه
و في هذا السياق ما يدل على أنه رجع إلى قومه قبل الفتح لأن العزى خربها خالد بن الوليد أيام الفتح
و قد قال الواقدي : حدثنى أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس قال : بعثت بنو سعد بن بكر في رجب سنة خمس ضمام بن ثعلبة و كان جلدا أشعر ذا غديرتين وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله فأغلظ له في المسألة سأله عمن أرسله و بم أرسله و سأله عن شرائع الإسلام فأجابه رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك كله فرجع إلى قومه مسلما قد خلع الأنداد فأخبرهم بما أمرهم به و نهاهم عنه فما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجل و لا امرأة إلى مسلما و بنو المساجد و أذنوا بالصلاة
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان ـ يعني ابن المغيرة ـ عن ثابت عن أنس بن مالك قال : كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل يسأله و نحن نسمع
فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال : صدق
قال : قمن خلق السماء ؟ قال : الله قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : الله قال فمن نصب هذه الجبال و جعل فيها ما جعل ؟ قال : الله
قال : فبالذي خلق السماء و خلق الأرض و نصب هذه الجبال آلله أرسلك قال : نعم
قال : و زعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا و ليلتنا قال : صدق قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم
قال : و زعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا قال : صدق قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم
قال : و زعم رسولك أن صوم شهر في سنتنا قال : صدق قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم
قال : و زعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال : صدق
قال : ثم ولى فقال : و الذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئا و لا أنقص عليهن شيئا
فقال النبي صلى الله عليه و سلم إن صدق ليدخلن الجنة ]
و هذا الحديث مخرج في الصحيحين و غيرهما بأسانيد و ألفاظ كثيرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه
و قد رواه مسلم من حديث أبي نضر هاشم بن القاسم عن سليمان بن المغيرة و علقه البخاري من طريقه
و قد أخرجه من وجه آخر بنحوه فقال الإمام أحمد : [ حدثنا حجاج حدثنا ليث حدثني سعيد بن أبي سعيد عن شريك بن عبد الله بن أبي تمر أنه سمع أنس بن مالك يقول : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم جلوس في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال : أيكم محمد ؟ و رسول الله صلى الله عليه و سلم متكئ بين ظهرانيهم قال : فقلنا : هذا الرجل الأبيض المتكئ
فقال الرجل : يا بن عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قد أجبتك فقال الرجل : يا محمد إني سائلك فمشتد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك فقال : سل ما بدا لك فقال الرجل : أنشدك بربك و رب من كان قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم نعم
قال : أنشدك الله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم و الليلة ؟ قال : اللهم نعم
قال : أنشدك الله آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم نعم
قال : أنشدك الله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم نعم
قال الرجل : آمنت بما جئت به و أنا رسول من ورائي من قومي و أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ]
و قد رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن يوسف عن الليث بن سعد عن سعيد المقبري به
و هكذا رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجه عن الليث به
و العجب أن النسائي رواه من طريق آخر عن الليث قال : حدثني ابن عجلان و غيره من أصحابنا عن سعيد المقبري عن شريك عن أنس بن مالك فذكره و قد رواه النسائي أيضا من حديث عبيد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلعله عن سعيد المقبري من الوجهين جميعا و الله أعلم (4/116)
و قد قدمنا ما رواه الإمام أحمد عن يحيى بن آدم عن حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قدوم ضماد الأزدي على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة قبل الهجرة و إسلامه و إسلام قومه كما ذكرناه مبوسطا بم أغنى عن إعادته ها هنا و لله الحمد و المنة (4/121)
و هو زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب أبو مكنف الطائي و كان من أحسن المرب و أطوله رجلا
و سمي زيد الخيل لخمس أفراس كن له
قال السهيلي : و لهن أسماء لا يحضرني الآن حفظها
قال ابن إسحاق : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد طيئ و فيهم زيد الخيل و هو سيدهم فلما انتهوا إليه كلموه و عرض عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الإسلام فأسلموا فحسن إسلامهم
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ : [ ما ذكر رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ كل الذي فيه ]
ثم سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد الخير و قطع له فيدا و أرضين معه و كتب له بذلك
فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا إلى قومه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إن ينج زيد من حمى المدينة فإنه ] قال : و قد سماها رسول الله صلى الله عليه و سلم باسم غير الحمى و غير أم ملدم ـ لم يثبته ـ
قال ابن إسحاق : فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له فردة أصابته الحمى فمات بها و لما أحس بالموت قال :
( أمرتحل قومي المشارق غدوة ... و أترك في بيت بفردة منجد )
( ألا رب يوم لو مرضت لعادني ... عوائد من لم يبر منهن يجهد )
قال : و لما مات عمدت امرأته لجهلها و قلة عقلها و دينها إلى ما كان معه من الكتب فحرقتها بالنار
قلت : و قد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد أن علي بن أبي طالب بعث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من اليمن بذهبية في تربتها فقسمها رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أربعة : زيد الخيل و علقمة بن علاثة و الأقرع بن حابس و عيينة بن بدر الحديث و سيأتي ذكره في بعث علي إلى اليمن إن شاء الله تعالى (4/121)
قال البخاري في الصحيح : وفد طيء و حديث بن حاتم
حدثنا موسى بن اسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث عن عدي بن حاتم قال : أتينا عمر بن الخطاب في وفد فجعل يدعو رجلا رجلا يسميهم فقلت : أما تعرفني يا أمير المؤمنين ؟ قال : بلى أسلمت إذ كفروا و أقبلت إذ أدبروا و وفيت إذ غدروا و عرفت إذ أنكروا فقال : عدي : لا أبالي إذا
و قال ابن إسحاق : و أما عدي بن حاتم فكان يقول فيما بلغني : ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه و سلم حين سمع به مني أما أنا فكنت امرءا شريفا و كنت أسير في قومي بالمرباع و كنت في نفسي على دين و كنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي
فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه و سلم كرهته فقلت لغلام كان لي عربي و كان راعيا لإبلي : لا أبا لك اعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل
ثم إنه أتاني ذات غداة فقال : يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا : هذه جيوش محمد قال : قلت : فقرب إلي أجمالي فقربها
فاحتملت أهلي و ولدي ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام فسلكت الجوشية و خلفت بنتا لحاتم في الحاضر فلما قدمت الشام أقمت بها
و تخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه و سلم في سبايا من طيء و قد بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم هربي إلى الشام
قال : فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس بها فمر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقامت إليه و كانت امرأة جزلة فقالت : يا رسول الله هلك الوالد و غاب الوافد فامنن علي من الله عليك
قال : [ و من وافدك ؟ ] قالت : عدي بن حاتم قال : [ الفار من الله و رسوله ] قالت : ثم مضى و تركني حتى إذا كان الغد مر بي فقلت له مثل ذلك و قال لي مثل ما قال بالأمس
قالت : حتى إذا كان بعد الغد مر بي و قد يئست فأشار إلي رجل خلفه أن قومي فكلميه قالت : فقمت إليه فقلت : يا رسول الله هلك الوالد و غاب الوافد فامنن علي من الله عليك
فقال صلى الله عليه و سلم : [ قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني ] فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن كلميه فقيل لي : علي بن أبي طالب
قالت : و أقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة قالت و إنما أريد أن آتي أخي بالشام فجئت فقلت : يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة و بلاغ قالت : فكساني و حملني و أعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام
قال عدي : فو الله إني لقاعد في أهلي فنظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا قال : فقلت ابنة حاتم قال : فإذا هي هي
فلما وقفت علي انسحلت تقول : القاطع الظالم ! احتملت بأهلك و ولدك و تركت بقية والدك عورتك ؟ قال : قلت : أي أخية لا تقولي إلا خيرا فو الله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت
قال : ثم نزلت فأقامت عندي فقلت لها و كانت امرأة حازمة : ماذا ترين في أمر هذا الرجل ؟
قالت : أرى و الله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله و إن يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن و أنت أنت قال : فقلت : و الله إن هذا لرأي
قال : فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فدخلت عليه و هو في مسجده فسلمت عليه فقال : من الرجل ؟ فقلت : عدي بن حاتم
فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم و انطلق بي إلى بيته فو الله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال قلت في نفسي : و الله ما هذا بملك !
قال : ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلي فقال : [ اجلس على هذه ] قال قلت : بل أنت فاجلس عليها قال : [ بل أنت ]
فجلست و جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأرض قال قلت في نفسي : و الله ما هذا بأمر ملك
ثم قال : [ إيه يا عدي بن حاتم ؟ ألم تك ركوسيا ؟ ] قال قلت : بلى ؟
قال : [ أولم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ ] قال قلت : بلى قال : [ فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك ] قال : قلت أجل و الله
قال : [ و عرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ]
ثم قال : [ لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فو الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه و لعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم و قلة عددهم فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف و لعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك و السلطان في غيرهم و ايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ]
قال : فأسلمت
قال فكان عدي يقول : مضت اثنتان و بقيت الثالثة و الله لتكونن و قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت و رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت و ايم الله لتكونن الثالثة ليفيضن المال حتى لا يوجد من يأخذه
هكذا أورد ابن إسحاق رحمه الله في هذا السياق بلا إسناد و له شواهد من وجوه أخر
فقال الإمام أحمد : [ حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت سماك بن حرب سمعت عباد بن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم قال : جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا بعقرب فأخذوا عمتي و ناسا فلما أتوا بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فصفوا له قالت : يا رسول الله بان الوافد و انقطع الولد و أنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة فمن علي من الله عليك
فقال : و من وافدك ؟ قالت : عدي بن حاتم قال : الذي فر من الله و رسوله قالت : فمن علي
فلما رجع و رجل إلى جنبه ـ نرى أنه علي ـ قال : سليه حملانا قال : فسألته فأمر لها
قال عدي : فأتتني فقالت : لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها و قالت : إبته راغبا أو راهبا فقد أتاه فلان فأصاب منه و أتاه فلان فأصاب منه
قال : فأتيته فإذا عنده امرأة و صبيان أو صبي فذكر قربهم منه فعرفت أنه ليس ملك كسرى و لا قيصر
فقال له : يا عدي بن حاتم ما أفرك ؟ أفرك أن يقال لا إله إلا الله ؟ فهل من إله إلا الله ما أفرك ؟ أفرك أن يقال الله أكبر ؟ فهل شيء هو أكبر من الله عز و جل ؟
فأسلمت فرأيت وجهه استبشر و قال : إن المغضوب عليهم اليهود و إن الضالين النصارى
قال : ثم سألوه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد فلكم أيها الناس أن ترتضخوا من الفضل ارتضخ امرؤ بصاع ببعض صاع بقبضة ببعض قبضة قال شعبة ـ و أكثر علمي أنه قال بتمرة بشق تمرة ـ و إن أحدكم لاقي الله فقائل ما أقول : ألم أجعلك سميعا بصيرا ؟ ألم أجعل لك مالا و ولدا فماذا قدمت فينظر من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله فلا يجد شيئا فما يتقي النار إلا بوجهه فاتقوا النار و لو بشق تمرة فإن لم تجدوه فبكلمه لينة إني لا أخشى عليكم الفاقة لينصرنكم الله و ليعطينكم ـ أو ليفتحن عليكم ـ حتى تسير الظعينة بين الحيرة و يثرب إن أكثر ما تخاف السرق على ظعينتها ]
و قد رواه الترمذي من حديث شعبة و عمرو بن أبي قيس كلاهما عن سماك ثم قال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك
و قال الإمام أحمد أيضا : [ حدثنا يزيد أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة ـ هو ابن حذيفة ـ عن رجل قال : قلت لعدي بن حاتم : حديث بلغني عنك أحب أن أسمعه منك
قال نعم : لما بلغني خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم كرهت خروجه كراهية شديدة فخرجت حتى وقعت ناحية الروم ـ و في رواية حتى قدمت على قيصر ـ قال : فكرهت مكاني ذلك أشد من كراهتي لخروجه
قال قلت : و الله لو أتيت هذا الرجل فإن كان كاذبا لم يضرني و إن كان صادقا علمت قال : فقدمت فأتيته فلما قدمت قال الناس : عدي بن حاتم
فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي : يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ثلاثا
قال قلت : إني على دين قال : أنا أعلم بدينك منك
فقلت : أنت تعلم بديني مني ؟ قال : نعم ألست من الركوسية و أنت تأكل مرباع قومك ؟ قلت : بلى قال : فإن هذا لا يحل لك في دينك قال : نعم فلم يعد أن قالها فتواضعت لها
قال : أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس و من لا قوة لهم و قد رمتهم العرب أتعرف الحيرة ؟ قلت : لم أرها و قد سمعت بها : قال فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد و ليفتحن كنوز كسرى بن هرمز قال قلت : كنوز ابن هرمز ؟ قال : نعم كسرى بن هرمز و ليبذلن المال حتى لا يقبله أحد
قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار و لقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى و الذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قالها ]
ثم قال أحمد : حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة عن رجل ـ و قال حماد و هشام عن محمد بن أبي عبيدة و لم يذكر عن رجل ـ قال : كنت أسأل الناس عن حديث عدي بن حاتم و هو إلى جنبي و لا أسأله قال : فأتيته فسألته فقال : نعم فذكر الحديث
و قال الحافظ أبو بكر البيهقي : [ أنبأنا أبو عمرو الأديب أنبأنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا النضر بن شميل أنبأنا إسرائيل أنبأنا سعد الطائي أنبأنا محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال : بينا أنا عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة و أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل
قال : يا عدي بن حاتم هل رأيت الحيرة ؟ قلت : لم أرها و قد أنبئت عنها قال : فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله عز و جل
قال : قلت في نفسي فأين دعار طيئ الذين سعروا البلاد ؟ !
و لئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى بن هرمز قلت : كسرى بن هرمز ؟
قال : كسرى بن هرمز
و لئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه و ليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ليس بينه و بينه ترجمان فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم و ينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم ]
قال عدي : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ اتقوا النار و لو بشق تمرة فإن لم تجدوا شق تمرة فبكلمة طيبة ]
قال عدي : فقد رأيت الظعينة ترتحل من الكوفة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله عز و جل و كنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز و لئن طالت بكم حياة سترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم
وقد رواه البخاري عن محمد بن الحكم عن النضر بن شميل به بطوله و قد رواه من وجه آخر عن سعدان بن بشر عن سعد أبي مجاهد الطائي عن محل بن خليفة عن عدي به و راوه الإمام أحمد و النسائي من حديث شعبة عن سعد أبي مجاهد الطائي به
و ممن روى هذه القصة عن عدي عامر بن شرحبيل الشعبي فذكر نحوه و قال : لا تخاف إلا الله و الذئب على غنمها
و ثبت في صحيح البخاري [ من حديث سعبة و عند مسلم من حديث زهير بن معاوية كلاهما عن أبي إسحاق عن عبد الله بن معقل بن مقرن المزني عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اتقوا النار و لو بشق تمرة ]
و لفظ مسلم : [ من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل ]
طريق أخرى فيها شاهد لما تقدم
و قد قال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو بكر بن محمد ابن عبد الله بن يوسف حدثنا أبو سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد الكوفي حدثنا ضرار بن صرد حدثنا عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الرحمن ابن جندب عن كميل بن زياد النخعي قال : قال علي بن أبي طالب : يا سبحان الله ما أزهد كثيرا من الناس في خير ! عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم في الحاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا فلو كان لا يرجو ثوابا و لا يخشى عقابا لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق فإنها تدل على سبيل النجاح
فقام إليه رجل فقال : فداك أبي و أمي يا أمير المؤمنين سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم و ما هو خير منه
لما أتى بسبايا طيئ و قفت جارية حمراء لعساء ذلفاء عيطاء شماء الأنف معتدلة القامة و الهامة درماء الكعبين خدلة الساقين لفاء الفخذين خميصة الخصرين ضامرة الكشحين مصقولة المتنين قال فلما رأيتها أعجبت بها وقلت : لأطلبن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يجعلها في فيئ فلما تكلمت أنسيت جمالها من فصاحتها فقالت : يا محمد إن رأيت أن تخلي عنا و لا تشمت بنا أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي و إن أبي كان يحمي الذمار و يفك العاني و يشبع الجائع و يكسو العري و يقري الضيف و يطعم الطعام و يفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم طيئ
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق و الله بحب مكارم الأخلاق
فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول الله تحب مكارم الخلاق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ و الذي نفسي بيده لا يدخل أحد الجنة إلا بحسن الخلق ]
هذا حديث حسن المتن عريب الإسناد جدا عزيز المخرج
و قد ذكرنا ترجمة حاتم طيئ أيام الجاهلية عند ذكرنا من مات من أعيان المشهورين فيها و ما كان يسديه حاتم إلى الناس من المكارم و الإحسان إلا أن نفع ذلك في الآخرة معذوق بالإيمان و هو ممن لم يقل يوما من الدهر : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين
و قد زعم الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث علي بن أبي طالب في ربيع الآخر من سنة تسع إلى بلاد طيئ فجاء معه بسبايا فيهم أخت عدي بن حاتم و جاء معه بسيفين كانا في بيت الصنم يقال لأحدهما الرسوب و الآخر المخذم كان الحارث بن أبي شمر قد نذرهنا لذلك الصنم
قال البخاري رحمه الله (4/123)
[ حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن زكوان ـ هو عبد الله بن زياد ـ عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال : جاء الطفيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن دوسا قد هلكت و عصت و أبت فادع الله عليهم
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم اهد دوسا و أت بهم ]
انفرد به البخاري من هذا الوجه
ثم قال : [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا إسماعيل عن قيس عن أبي هريرة قال : لما قدمت على النبي صلى الله عليه و سلم قلت في الطريق :
( يا ليلة من طولها و عنائها ... على أنها من دارة الكفر نجت )
و ابق لي غلام في الطريق فلما قدمت على النبي صلى الله عليه و سلم و بايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النبي صلى الله عليه و سلم : يا أبا هريرة هذا غلامك فقلت : هو حر لوجه الله عز و جل فأعتقته ]
انفرد به البخاري من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم
و هذا الذي ذكره البخاري من قدوم الطفيل بن عمرو قد كان قبل الهجرة ثم إن قدر قدومه بعد الهجرة فقد كان قبل الفتح لأن دوسا قدموا و معهم أبو هريرة و كان قدوم أبي هريرة و رسول الله صلى الله عليه و سلم محاصر خيبر ثم ارتحل أبو هريرة حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر بعد الفتح فرضخ لهم شيئا من الغنيمة و قد قدمنا ذلك كله مطولا في مواضعه قال البخاري رحمه الله (4/133)
ثم روى [ من حديث شعبة عن سليمان بن مهران الأعمش عن ذكوان أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة و ألين قلوبا الإيمان يمان و الحكمة يمانية و الفخر و الخيلاء في أصحاب الإبل و السكينة و الوقار في أهل الغنم ]
و رواه مسلم من حديث شعبة
ثم رواه البخاري [ عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا و أرق أفئدة الفقه يمان و الحكمة يمانية ]
ثم روى [ عن إسماعيل عن سليمان عن ثور عن أبي المغيث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الإيمان يمان و الفتنة ها هنا ها هنا يطلع قرن الشيطان ]
و رواه مسلم [ عن شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ثم روى البخاري من حديث شعبة عن إسماعيل عن قيس عن أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الإيمان ها هنا ـ و أشار بيده إلى اليمن ـ و الجفاء و غلظ القوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعة و مضر ]
و هكذا رواه البخاري أيضا و مسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو
ثم روى [ من حديث سفيان الثوري عن أبي صخرة جامع بن شداد حدثنا صفوان ابن محزز عن عمران بن حصين قال : جاءت بنو تميم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبشروا يا بني تميم فقالوا : أما إذ بشرتنا فأعطنا فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء ناس من أهل اليمن فقال : اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم فقالوا : قبلنا يا رسول الله ]
و قد رواه الترمذي و النسائي من حديث الثوري به
و هذا كله مما يدل على فضل وفود أهل اليمن و ليس فيه تعرض لوقت وفودهم و وفد بني تميم و إن كان متأخرا قدومهم لا يلزم من هذا أن يكون مقارنا لقدوم الأشعريين بل الأشعريون متقدم وفدهم على هذا فإنهم قدموا صحبة أبي موسى الأشعري في صحبة جعفر ابن أبي طالب و أصحابه من المهاجرين الذين كانوا بالحبشة و ذلك كله حين فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر كما قدمناه مبسوطا في موضعه و تقدم قوله صلى الله عليه و سلم : [ و الله ما أدري بأيهما أسر أبقدوم جعفر أو بفتح خيبر ] و الله سبحانه و تعالى أعلم قال البخاري (4/134)
[ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان سمع محمد بن المنكدر سمع جابر بن عبد الله يقول : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا و هكذا و هكذا ] ثلاثا فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم
فلما قدم على أبي بكر أمر مناديا فنادى : من كان له عند النبي صلى الله عليه و سلم دين أو عدة فليأتني
قال جابر : فجئت أبا بكر فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا و هكذا ثلاثا ] قال : فأعرض عني
قال جابر : فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فلم يعطني فقلت له : قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني فإما أن تعطيني و إما أن تبخل عني قال : قلت : تبخل عني ؟ قال : و أي داء أدوأ من البخل : قالها ثلاثا ما منعنك من مرة إلا و أنا أريد أن أعطيك
و هكذا رواه البخاري ها هنا و قد رواه مسلم عن عمر و الناقد عن سفيان بن عيينة به
ثم قال البخاري بعده : و عن عمرو عن محمد بن علي سمعت جابر بن عبد الله يقول : جئته فقال لي أبو بكر : عدها فعددتها فوجدتها خمسمائة فقال : خذ مثلها مرتين
و قد رواه البخاري أيضا عن علي بن المديني عن سفيان هو أبو عيينة عن عمرو ابن دينار عن محمد بن علي أبي جعفر الباقر عن جابر كروايته له عن قتيبة و رواه أيضا هو و مسلم من طرق أخر عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن محمد بن علي عن جابر بنحو و في رواية أخرى له أنه أمره فحثا بيديه من دراهم فعدها فإذا هي خمسمائة فأضعفها له مرتين يعني فكان جملة ما أعطاه ألفا و خمسمائة درهم (4/135)
قال ابن إسحاق : و قدم فروة بن مسيك المرادي مفارقا لملوك كندة و مباعدا لهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد كان بين قومه و بين همدان وقعة قبيل الإسلام أصابت همدان من قومه حتى أثخنوهم و كان ذلك في يوم يقال له الردم و كان الذي قاد همدان إليهم الأجدع ابن مالك قال ابن هشام : و يقال : مالك بن خريم الهمداني
قال ابن إسحاق : فقال فروة بن مسيك في ذلك اليوم :
( مررن على لفات و هن خوص ... ينازعن الأعنة ينتحينا )
( فإن نغلب فغلابون قدما ... و إن نغلب فغير مغلبينا )
( و ما إن طبنا جبن و لكن ... منايا و طعمة آخرينا )
( كذاك الدهر دولته سجال ... تكر صروفه حينا فحينا )
( فبينا ما نسر به و نرضى ... و لو لبست غضارته سنينا )
( إذا انقلبت به كرات دهر ... فألفى في الألى غبطوا طحينا )
( فمن يغبط بريب الدهر منهم ... يجد ريب الزمان له خئونا )
( فلو خلد الملوك إذا خلدنا ... و لو بقي الكرام إذا بقينا )
( فأفنى ذلكم سروات قومي ... كما أفنى القرون الأولينا )
قال ابن إسحاق : و لما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مفارقا ملوك كندة قال :
( لما رأيت ملوك كندة أعرضت ... كالرجل خان الرجل عرق نسائها )
( قربت راحلتي أؤم محمدا ... أرجو فواضله و حسن ثنائها )
قال : فلما انتهى فروة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : ـ فيما بلغني ـ يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم ؟
فقلا : يا رسول الله من ذا الذي يصيب قومه ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوؤه ذلك
فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا ] و استعمله على مراد و زبيد و مذحج كلها و بعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/136)
قال ابن إسحاق : و قد كان عمرو بن معد كرب قال لقيس بن مشكوح المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا قيس إنك سيد قومك و قد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقال إنه نبي فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى علينا إذا لقيناه اتبعناه و إن كان غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه قيس ذلك و سفه رأيه
فركب عمرو بن معد يكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم و صدقه و آمن به فلما بلغ ذلك قيس بن مشكوح أوعد عمرا و قال : خالفني و ترك أمري و رأي
فقال عمرو بن معد يكرب في ذلك :
( أمرتك يوم ذي صنعا ... ء أمرا باديا رشده )
( أمرتك باتقاء اللـ ... ه و المعروف تتعده )
( خرجت من المنى مثل الـ ... حمير غره وتده )
( تمناني على فرس ... عليه جالسا أسده )
( علي مفاضة كالنهـ ... ى أخلص ماءه جدده )
( يرد الرمح منثني السنان عوائرا قصده )
( فلو لاقيتني للقيـ ... ت ليثا فوقه لبده )
( تلاقي شنبثا شثن الـ ... براثن ناشزا كتده )
( يسامي القرن إن قرن ... تيممه فيعتضده )
( فيأخذه فيرفعه ... فيخفضه فيقتصده )
( فيدمغه فيحطمه ... فيخضمه فيزدرده )
( ظلوم الشرك فيما أحـ ... رزت أنيابه و يده )
قال ابن إسحاق : فأقام عمرو بن معد يكرب في قومه من بني زبيد و عليهم فروة بن مسيك فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتد عمرو بن معد يكرب فيمن ارتد و هجا فروة بن مسيك فقال :
( وجدنا ملك فروة شر ملك ... حمار ساف منخره بثغر )
( و كنت إذا رأيت أبا عمير ... ترى الحولاء من خبث و غدر )
قلت : ثم رجع إلى الإسلام و حسن إسلامه و شهد فتوحات كثيرة في أيام الصديق و عمر الفاروق رضي الله عنهما
و كان من الشجعان المذكورين و الأبطال المشهورين و الشعراء المجيدين توفي سنة إحدى و عشرين بعد ما شهد فتح نهاوند و قيل بل شهد القادسية و قتل يومئذ
قال أبو عمر بن عبد البر : و كان وفوده إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة تسع و قيل سنة عشر فيما ذكره ابن إسحاق و الواقدي
قلت : وفي كلام الشافعي ما يدل على ذلك فالله أعلم
قال يونس عن ابن إسحاق : و قد قيل إن عمرو بن معد يكرب لم يأت النبي صلى الله عليه و سلم و قد قال في ذلك :
( إنني بالنبي موقنة نفسـ ... ي و إن لم أر النبي عيانا )
( سيد العالمين طرا و أدنا ... هم إلى الله حين بان مكانا )
( جاء بالناموس من لدن الله ... و كان الأمين فيه المعانا )
( حكمة بعد حكمة و ضياء ... فاهتدينا بنورها من عمانا )
( و ركبنا السبي حين ركبنـ ... اه جديدا بكرهنا و رضانا )
( و عبدنا الإله حقا و كنا ... للجهالات نعبد الأوثانا )
( و ائتلفنا به و كنا عدوا ... فرجعنا به معا إخوانا )
( فعليه السلام و السلام منا ... حيث كنا من البلاد و كانا )
( إن نكن لم نر النبي فإنا ... قد تبعنا سبيله إيمانا ) (4/138)
قال ابن إسحاق : و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم الأشعث بن قيس في وفد كندة
فحدثني الزهري أنه قدم في ثمانين راكبا من كندة فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده قد رجلوا جممهم و تكحلوا عليهم جبب الحبرة قد كففوها بالحرير
فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لهم : ألم تسلموا ؟ قالوا : بلى قال : فما بال هذا الحرير في أعناقكم ؟ قال : فشقوه منها فألقوه
ثم قال له الأشعث بن قيس : يا رسول الله نحن بنو آكل المرار و أنت ابن آكل المرار
قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : [ ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب و ربيعة بن الحارث ]
و كانا تاجرين إذا شاعا في العرب فسئلا : ممن أنتما ؟ قالا : نحن بنو آكل المرار يعني ينتسبان إلى كندة ليعزا في تلك البلاد لأن كندة كانوا ملوكا فاعتقدت كندة أن قريشأ منهم لقول عباس و ربيعة : [ نحن بنو آكل المرار ] و هو الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندى ـ و يقال ابن كندة
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لهم : [ لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا و لا ننتفي من أبينا ]
فقال لهم الأشعث بن قيس : و الله يا معشر كندة لا أسمع رجلا يقولها إلا ضربته ثمانين
و قد روي هذا الحديث متصلا من و جه آخر فقال الإمام أحمد : [ حدثنا بهز و عفان قالا : حدثنا حماد بن سلمة حدثني عقيل بن طلحة و قال عفان في حديثه : أنبأنا عقيل بن طلحة السلمي عن مسلم بن هيصم عن الأشعث بن قيس أنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و في وفد كندة ـ قال عثمان ـ لا يروني أفضلهم قال : قلت يا رسول الله : أنا ابن عم إنكم منا
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا و لا ننتفي من أبينا ]
قال : قال الأشعث : فوالله لا أسمع أحدا نفى قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد
و قد رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون و عن محمد بن يحي عن سليمان بن حرب و عن هارون بن حيان عن عبد العزيز بن المغيرة ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به نحوه
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا شريح بن النعمان حدثنا هشيم أنبأنا مجالد عن الشعبي حدثنا الأشعث بن قيس قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد كندة فقال لي : هل لك من ولد ؟ قلت : غلام ولد لي في مخرجي إليك من ابنة جمد و لوددت أن مكانه شبع القوم
قال : لا تقولن ذلك فإن فيهم قرة عين و أجرا إذا قبضوا ثم و لئن قلت ذاك إنهم لمجبنة محزنة إنهم لمجبنة محزنة ]
تفرد به أحمد و هو حديث حسن جيد الإسناد (4/140)
قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا أبو سلمة عبيد بن عبد الرحمن الحنفي قال : حدثني الجنيد بن أمين بن ذروة بن نضلة بن طريف ابن نهصل الحرمازي حدثني أبي أمين عن أبيه ذروة عن أبيه نضلة أن رجلا منهم يقال له الأعشى و اسمه عبد الله الأعور كانت عنده امرأة يقال لها معاذة خرج في رجب يمير أهله من هجر فهربت امرأته بعده ناشزا عليه فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ابن بهشل بن كعب بن قميثع بن دلف بن أهضم بن عبد الله بن الحرماز فجعلها خلف ظهره فلما قدم لم يجدها في بيته و أخبر أنها نشزت عليه و أنها عاذت بمطرف بن نهشل فأتاه فقال : يا بن عم أعندك امرأتي معاذة فادفعها إلي قال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك
قال : و كان مطرف أعز منه قال : فخرج الأعشى حتى أتى النبي صلى الله عليه و سلم فعاذ به فأنشأ يقول :
( يا سيد الناس و ديان العرب ... إلك أشكو ذربة من الذرب )
( كالذئبة العنساء في ظل السرب ... خرجت أبغيها الطعام في رجب )
( فخلفتني بنزاع و هرب ... أخلفت الوعد و لطت بالذنب )
( و قذفتني بين عصر مؤتشب ... و هن شر غالب لمن غلب )
فقال النبي صلى الله عليه و سلم عند ذلك : [ و هن شر غالب لمن غلب ] فشكا إليه امرأته و ما صنعت به و أنها عند رجل منهم يقال له مطرف بن نهشل فكتب له النبي صلى الله عليه و سلم إلى مطرف : انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه
فأتاه كتاب النبي صلى الله عليه و سلم فقرئ عليه فقال لها : يا معاذة هذا كتاب النبي صلى الله عليه و سلم فيك فأنا دافعك إليه فقالت : خذ لي عليه العهد و الميثاق و ذمة نبيه أن لا يعاقبني فيما صنعت فأخذ لها ذلك عليه و دفعها مطرف إليه فأنشأ يقول :
( لعمرك ما حبي معاذة بالذي ... يغيره الواشي و لا قدم العهد )
( و لا سوء ما جاءت به إذ أزالها ... غواة الرجال إذ يناجونها بعدي ) (4/142)
قال ابن إسحاق : و قدم صرد بن عبد الله الأذدي على رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد من الأزد فأسلم و حسن إسلامه و أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم على من أسلم من قومه و أمره أن يجاهد بمن أسلم من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن
فذهب فحاصر جرش و بها قبائل من اليمن و قد ضوت إليهم خثعم حين سمعوا بمسيره إليهم فأقام عليهم قريبا من شهر فامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم حتى إذا كان قريبا من جبل يقال له شكر فظنوا أنه قد و لى عنهم منهزما فخرجوا في طلبه فعطف عليهم فقتلهم قتلا شديدا
و قد كان أهل جرش بعثوا منهم رجلين إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فبينما هما عنده بعد العصر إذ قال : [ بأي بلاد الله شكر ؟ ] فقام الجرشيان فقالا : يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر و كذلك تسميه أهل جرش فقال : إنه ليس بكشر و لكنه شكر قالا : فما شأنه يا رسول الله ؟ فقال : [ إن بدن الله لتنحر عنده الآن ]
قال : فجلس الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان فقال لهما : و يحكما إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لآن لينعي قومكما فقوما إليه فاسألاه أن يدعوا الله فيرفع عن قومكما فقاما إليه فسألاه ذلك فقال : [ اللهم ارفع عنهم ]
فرجعا فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أخبرعنهم رسول الله صلى الله عليه و سلم
و جاء وفد أهل جرش بمن بقي منهم حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلموا و حسن إسلامهم و حمى لهم حول قريتهم (4/144)
قال الواقدي : و كان ذلك في رمضان سنة تسع
قال ابن إسحاق : و قدم على رسول الله كتاب ملوك حمير و رسلهم بإسلامهم مقدمه من تبوك و هم الحارث بن كلال و نعيم بن عبد كلال و النعمان قيل ذي رعين و معافر و همدان و بعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم و مفارقتهم الشرك و أهله
فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد كلال و النعمان قيل ذي رعين و معافر و همدان أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به و خبرنا ما قبلكم و أنبأنا بإسلامكم و قتلكم المشركين و أن الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم و أطعمتم الله و رسوله و أقمتم الصلاة و آتيتم الزكاة و أعطيتم من المغانم خمس الله و سهم النبي صلى الله عليه و سلم و صفيه و ما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين و سقت السماء و على ما سقى الغرب نصف العشر و أن في الإبل في الأربعين ابنة لبون و في الثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر و في كل خمس من الإبل شاة و في كل عشر من الإبل شاتان و في كل أربعين من البقر بقرة و في كل ثلاثين تبيع جذع أو جذعة و في كل أربعين من الغنم سائمة و حدها شاة إنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له و من أدى ذلك و أشهد على إسلامه و ظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين له مالهم و عليه ماعليهم و له ذمة الله و ذمة رسوله و إنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم و عليه ما عليهم
ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها و عليه الجزية على كل حالم ذكر و أنثى حر أو عبد دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا فمن أدى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله و ذمة رسوله و من منعه فإنه عدو لله و لرسوله أما بعد فإن رسول الله محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن : أن إذ أتاك رسلي فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل و عبد الله بن زيد و مالك بن عبادة و عقبة بن نمر و مالك بن مرة و أصحابهم و أن اجمعوا ماعندكم من الصدقة و الجزية من مخاليفكم وأبلغوها رسلي و إن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضيا
أما بعد فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله و أنه عبده و رسوله ثم إن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير و قتلت المشركين فأبشر بخير و آمرك بحمير خيرا و لا تخونوا و لا تخاذلوا فإن رسول الله هو مولى غنيكم و فقيركم و إن الصدقة لا تحل لمحمد و لا لأهل بيته و إنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين و ابن السبيل و إن مالكا قد بلغ الخبر و حفظ الغيب فآمركم به خيرا و إني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي و أولي دينهم و أولي علمهم فآمركم بهم خيرلا فإنهم منظور إليهم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ]
و قال الإمام أحمد : حدثنا حسن حدثنا عمارة عن ثابت عن أنس بن مالك
أن مالك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حلة قد أخذها بثلاثة و ثلاثين بعيرا أو ثلاثة و ثلاثين ناقة
و رواه أبو داود عن عمرو بن عون الواسطي عن عمارة بن زادان الصيدلاني عن ثابت البناني عن أنس به
و قد روى الحافظ البيهقي ها هنا ـ حديث كتاب عمرو بن حزم فقال : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو العباس الأصم حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس ابن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله أبي بكر عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها و يعلمهم السنة و يأخذ صدقاتهم فكتب له كتابا و عهدا و أمره فيه أمره
فكتب : [ بسم الله الحمن الرحيم هذا كتاب من الله و رسوله يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهدا من رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن
أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوه و الذين هم محسنون و أمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله و أن يبشر الناس بالخير و يأمرهم به و يعلم الناس القرآن و يفقههم في الدين و أن ينهى الناس فلا يمس أحد القرآن إلا و هو طاهر و أن يخبر الناس بالذي لهم و الذي عليهم و يلين لهم في الحق و يشتد عليهم في الظلم فإن الله حرم الظلم و نهى عنه فقال : { ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله }
و أن يبشر الناس بالجنة و بعملها و ينذر الناس النار و عملها و يستألف الناس حتى يتفقهوا في الدين و يعلم الناس معالم الحج و سننه و فرائضه و ما أمره الله به و الحج الأكبر الحج و الحج الأصغر العمرة
و أن ينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغير إلا أن يكون واسعا فيخالف بين طرفيه على عاتقيه و ينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد و يفضي بفرجه إلى السماء و لا ينقص شعر رأسه إذا عفى في قفاه و ينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعو إلى القبائل و العشائر و ليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له فمن لم يدع إلى الله و دعا إلى العشائر و القبائل فليعطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له
و يأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم و أيديهم إلى المرافق و أرجلهم إلى الكعبين و أن يمسحوا روءسهم كما أمرهم الله عز و جل و أمروا بالصلاة لوقتها و إتمام الركوع و السجود و أن يغلس بالصبح و أن يهجر بالهاجرة حتى تميل الشمس و صلاة العصر و الشمس في الأرض مبدرة و المغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء أول الليل
أمره أن يأخذ من المغانم خمس الله ما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار فيما سقى العين و فيما سقت السماء العشر و ما سقى الغرب فنصف العشر و في كل عشر من الإبل شاتان و في عشرين أربع شياه و في أربعين من البقر بقرة و في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة و في كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين فمن زاد فهو خير له
و من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه فدان دين الإسلام فإنه من المؤمنين له ما لهم و عليه ما عليهم و من كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يغير عنها و على كل حالم ذكر و أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه من الثياب فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله و رسوله و من منع ذلك فإنه عدو الله و رسوله و المؤمنين جميعا
صلوات الله على محمد و السلام عليه و رحمة الله و بركاته ]
قال الحافظ البيهقي : و قد روى سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده هذا الحديث موصولا بزيادات كثيرة و نقصان عن بعض ما ذكرناه في الزكاة و الديات و غير ذلك
قلت : و من هذا الوجه رواه الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في سننه مطولا و أبو داود في كتاب المراسيل و قد ذكرت ذلك بأسانيده و ألفاظه في السنن و لله الحمد و المنة
و سنذكر بعد الوفود بعث النبي صلى الله عليه و سلم الأمراء إلى اليمن لتعليم الناس و أخذ صدقاتهم و أخماسهم معاذ بن جبل و أبو موسى و خالد بن الوليد و علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين (4/145)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو قطن حدثني يونس عن المغيرة بن شبل قال : قال جرير : لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي ثم حللت عيبتي ثم لبست حلتي ثم دخلت فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب فرماني الناس بالحدق فقلت لجليسي : يا عبد الله هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم ذكرك بأحسن الذكر بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته و قال : يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن إلا أن على وجهه مسحة ملك ]
قال جرير : فحمدت الله عز و جل على ما أبلاني قال أبو قطن : فقلت له : سمعته منه أو سمعته من المغيرة بن شبل ؟ قال : نعم
ثم رواه الإمام أحمد عن أبي نعيم و إسحاق بن يوسف و أخرجه النسائي من حديث الفصل بن موسى ثلاثتهم عن يونس عن أبي إسحاق السبيعي عن المغيرة ابن شبل ـ و يقال ابن شبيل ـ عن عوف البجلي الكوفي عن جرير بن عبد الله و ليس له عنه غيره
و قد رواه النسائي [ عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير و نصه : يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك ] الحديث
و هذا على شرط الصحيحين
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا إسماعيل عن قيس عن جرير قال : ما حجبني رسول الله صلى الله عليه و سلم منذ أسلمت و لا رآني إلا تبسم في وجهي ]
و قد رواه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه
و في الصحيحين زيادة : و شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري و قال : [ اللهم ثبته و اجعله هاديا مهديا ]
و رواه النسائي [ عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل عن قيس عنه و زاد فيه : يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك ] فذكر نحو ما تقدم
و قال الحافظ البيهقي : [ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عمرو و عثمان بن أحمد السماك حدثنا الحسن بن سلام السواق حدثنا محمد بن مقاتل الخراساني حدثنا حصين ابن عمر الأخمسي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال : بعث إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا جرير لأي شيء جئت ؟ قلت : أسلم على يديك يا رسول الله قال : فألقى علي كساء ثم أقبل على أصحابه فقال : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه
ثم قال : يا جرير أدعوك إلى شهادة ان لا إله إلا الله و أني رسول الله و أن تؤمن بالله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره و تصلي الصلاة المكتوبة و تؤدي الزكاة المفروضة
ففعلت ذلك فكان بعد ذلك لا يراني إلا تبسم في وجهي ]
هذا حديث غريب من هذا الوجه
و قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و النصح لكل مسلم
و أخرجاه في الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد به و هو في الصحيحين من حديث زياد بن علاثة عن جرير به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو سعيد حدثنا زائدة حدثنا عاصم عن سفيان يعني ـ أبو وائل ـ عن جرير قال : قلت : يا رسول الله اشترط علي فأنت أعلم بالشرط
قال : أبايعك على أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئا و تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تنصح المسلم و تبرأ من الشرك ]
و رواه النسائي من حديث شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن جرير وفي طريق أخره عن الأعمش عن المنصور عن أبي وائل عن أبي نخيلة عن جرير به فالله أعلم
و رواه أيضا عن محمد بن قدامة عن جرير عن مغيرة عن أبي وائل و الشعبي عن جرير به و رواه عن جرير عبد الله بن عميرة رواه أحمد منفردا به و ابنه عبيد الله بن جرير أحمد أيضا منفردا به و أبو جميلة و صوابه نخيلة و رواه أحمد أيضا و النسائي
و رواه أحمد أيضا عن غندر عن شعبة عن منصور عن أبي وائل عن رجل عن جرير فذكره
و الظاهر أن هذا الرجل هو أبو نخيلة البجلي و الله أعلم
و قد ذكرنا بعث النبي صلى الله عليه و سلم له حين أسلم إلى ذي الخلصة بيت كان يعبده خثعم و بجيلة و كان يقال له الكعبة اليمانية يضاهون به الكعبة التي بمكة و يقواون للتي ببكة الكعبة الشامية و لبيتهم الكعبة اليمانية فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ألا تريحني من ذي الخلصة ؟ ]
فحينئذ شكا إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه لا يثبت على الخيل فضرب بيده الكريمة في صدره حتى أثرت فيه و قال : [ اللهم ثبته و اجعله هاديا مهديا ] فلم يسقط بعد ذلك عن فرس
و نفر إلى ذي الخلصة في خمسين و مائة راكب من قومه من أحمس فخرب ذلك البيت و حرقه حتى تركه مثل الجمل الأجرب و بعث إلى النبي صلى الله عليه و سلم بشيرا يقال له أبو أرطاة فبشره بذلك فبرك رسول الله صلى الله عليه و سلم على خيل أحمس و رجالها خمس مرات
و الحديث مبسوط في الصحيحين و غيرهما كما قدمناه بعد الفتح استطرادا بعد ذكر تخريب بيت العزى على يدي خالد بن الوليد رضي الله عنه
و الظاهر أن إسلام جرير رضي الله عنه كان متأخرا عن الفتح بمقدار جيد
فإن الإمام أحمد قال : حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا زياد بن عبد الله بن علاثة عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد عن جرير بن عبد الله البجلي قال : إنما أسلمت بعد ما أنزلت المائدة و أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح بعد ما أسلمت
تفرد به أحمد وهو إسناد جيد اللهم إلا إن يكون منقطعا بين مجاهد و بينة
و ثبت في الصحيحين أن صحاب عبد الله بن مسعود كان يعجبهم حديث جرير في مسح الخف لأن إسلام جرير إنما كان بعد نزول المائدة و سيأتي في حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : [ استنصت الناس يا جرير ] و إنما أمره بذلك لأنه كان صيتا
و كان ذا شكل عظيم كانت نعله طولها ذراعا و كان من أحسن الناس وجها و كان مع هذا من أغض الناس طرفا و لهذا روينا في الحديث الصحيح عنه أنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نظر الفجأة فقال : [ اصرف بصرك ] (4/149)
قال أبو عمر بن عبد البر : كان أحد أقيال حضرموت و كان أبوه من ملوكهم
و يقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بشر أصحابه قبل قدومه به و قال : يأتيكم بقية أبناء الملوك فلما دخل رحب به و أدناه من نفسه و قرب مجلسه و بسط له رداءه و قال : [ اللهم بارك في وائل و ولده و ولد ولده ]
و استعمله على الأقيال من حضرموت و كتب معه ثلاثة كتب منها كتاب إلى المهاجر بن أبي أمية و كتاب إلى الأقيال و العباهلة و أقطعه أرضا و أرسل معه معاوية ابن أبي سفيان فخرج معه راجلا فشكا إليه حر الرمضاء فقال : انتعل ظل الناقة فقال : و ما يغني عني ذلك لو جعلتني ردقا ؟ فقال له وائل : اسكت فلست من أرداف الملوك
ثم عاش وائل بن حجر حتى وفد على معاوية و هو أمير المؤمنين فعرفه معاوية فرحب به و قربه و أدناه و أذكره الحديث و عرض عليه جائزة سنية فأبى أن يأخذها و قال : أعطها من هو أحوج إليها مني
و أورد الحافظ البيهقي بعض هذا و أشار إلى أن البخاري في التاريخ روى في ذلك شيئا
و قد قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج أنبأنا شعبة عن سماك بن حرب عن علقمة ابن وائل عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقطعه أرضا قال : و أرسل معي معاوية أن أعطها إياه ـ أو قال أعلمها إياه ـ
قال : فقال معاوية : أردفني خلفك فقلت : لا تكون من أرداف الملوك قال : فقال : أعطني نعلك فقلت : انتعل ظل الناقة
قال : فلما استخلف معاوية أتيته فأقعدني معه على السرير فذكرني الحديث قال سماك : فقال : وددت أني كنت حملته بين يدي
و قد رواه أبو داود و الترمذي من حديث شعبة و قال الترمذي : صحيح (4/154)
قال عبد الله بن الإمام أحمد حدثني أبي حدثنا عبد الله : كتب إلي إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة ابن مصعب بن الزبير الزبيري : كتبت إليك بهذا الحديث و قد عرضته و سمعته على ما كتبت به إليك فحدث بذلك عني قال : حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي حدثني عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القباني من بني عمرو بن عوف عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم : و حدثنيه أبي الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك ابن المنتفق
قال لقيط : فخرجت أنا و صاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة انسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال : [ أيها الناس ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ألا لا سمعكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه ]
فقالوا : اعلم لنا ما يقول رسول الله ثم قال : ألا لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه الضلال ألا إني مسئول هل بلغت ؟ ألا فاسمعوا تعيشوا ألا اجلسوا ألا اجلسوا
فجلس الناس و قمت أنا و صاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده و بصره قلت : يا رسول الله ما عندك من علم الغيب ؟
فضحك لعمر الله و هز رأسه و علم أني أبتغي لسقطه فقال : [ ضن ربك عز و جل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله ] و أشار بيده قلت : و ما هي ؟
قال : [ علم المنية قد علم متى منية أحدكم و لا تعلمونه و علم المني حين يكون في الرحم قد علمه و لا تعلمون و علم ما في غد و ما أنت طاعم غدا و لا تعلمون و علم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مسنتين فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قريب ]
[ قال لقيط : قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا و علم يوم الساعة
قلنا : يا رسول الله علمنا مما لا يعلم الناس و مما تعلم فإنا من قبيل لا يصدقون تصديق أحد من مذحج التي تربو علينا و خثعم التي توالينا و عشيرتنا التي نحن منها
قال : تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات و الملائكة الذين مع ربك فأصبح ربك عز و جل يطوف في الأرض قد خلت عليه البلاد فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل و لا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلقه من عند رأسه فيستوى جالسا فيقول ربك عز و جل : مهيم ؟ لما كان فيه ـ فيقول : يا رب أمس اليوم فلعهده بالحياة يحسبه بأهله
قلت : يا رسول الله كيف يجمعنا بعد ما تفرقنا الرياح و البلى و السباع
فقال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله في الأرض أشرفت عليها و هي مدرة بالية فقلت لا تحيا أبدا ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عليك أيام حتى أشرفت عليها و هي شربة واحدة فلعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فتخرجون من الأصواء و من مصارعكم فتنظرون إليه و ينظر إليكم
قال : قلت يا رسول الله و كيف و نحن ملء الأرض و هو عز و جل شخص واحد ينظر إلينا و ننظر إليه ؟
فقال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الشمس و القمر آية منه صغيرة ترونهما و يريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما و لعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم و ترونه من أن ترونهما و يريانكم لا تضارون في رؤيتهما
قلت : يا رسول الله فما يفعل ربنا إذا لقيناه ؟ قال : تعرضون عليه بادية له صحائفكم لا يخفي عليه منكم خافية فيأخذ ربك عز و جل بيده غرفة من الماء فينضخ قبلكم بها فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم منها قطرة فأما المسلم فتدع على وجهه مثل الريطة البيضاء و أما الكافر فتخطمه بمثل الحمم الأسود
ألا ثم ينصرف نبيكم و ينصرف على أثره الصالحون فتسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول : حس فيقول ربك عز و جل : أوانه فتطلعون على حوض الرسول على أظمأ و الله ناهلة عليها ما رأيتها قط فلعمر إلهك لا يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف و البول و الأذى و تحبس الشمس و القمر فلا ترون منهما واحدا
قال : قلت : يا رسول الله فبم نبصر ؟ قال : مثل بصرك ساعتك هذه و ذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض و واجهته الجبال
قال : قلت : يا رسول الله فيم نجزي من سيئاتنا و حسناتنا ؟ فقال : الحسنة بعشر أمثالها و السيئة بمثلها إلا أن يعفو
قال : قلت : يا رسول الله إما الجنة و إما النار ؟ قال : لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما و إن للجنة لثمانية أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما
قلت : يا رسول الله فعلام نطلع من الجنة ؟ قال : على أنهار من عسل مصفى و أنهار من كأس ما بها من صداع و لا ندامة و أنهار من لبن لم يتغير طعمه و ماء غير آسن و فاكهة لعمر إلهك ما تعلمون و خير من مثله معه و أزواج مطهرة
قلت : يا رسول الله و لنا فيها أزواج أو منهن مصطلحات ؟ قال : الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا و يلذونكم غير ألا توالد
قال لقيط : قلت : أقصى ما نحن بالغون و منتهون إليه ؟ فلم يجبه النبي صلى الله عليه و سلم
قلت : يا رسول الله علام أبايعك ؟ فبسط النبي يده و قال : على إقام الصلاة و إيتاء الزاكاة و زيال الشرك و ألا تشرك بالله إلها غيره قال : قلت : و إن لنا ما بين المشرق و المغرب فقبض النبي صلى الله عليه و سلم و بسط أصابعه و ظن أني مشترط شيئا لايعطينيه قال : قلت : نحل منها حيث شئنا و لا يجني منها امرؤ إلا على نفسه فبسط يده و قال : ذلك لك تحل حيث شئت و لا تجني عليك إلا نفسك قال : فانصرفنا عنه
ثم قال : إن هذين لعمر إلهك من أتقى الناس في الأولى و الآخرة ؟ فقال له كعب بن الخدارية أحد بني كلاب منهم : يا رسول الله بنو المنتفق أهل ذلك منهم ؟ قال : فانصرفنا و أقبلت عليه
و ذكر تمام الحديث إلى أن قال : فقلت : يا رسول الله هل لأحد ممن مضى خير في جاهليته ؟ قال : فقال رجل من عرض قريش : و الله إن أباك المنتفق لفي النار
قال : فلكأنه وقع حر بين جلدتي وجهي و لحمي مما قال لأبي على رءوس الناس
فهممت أن أقول : و أبوك يا رسول الله ؟ ثم أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل : أرسلي إليك محمد فأبشرك بما يسوءك تجز على وجهك و بطنك في النار
قال : قلت : يا رسول الله ما فعل بهم ذلك ؟ و قد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه و قد كانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟
قال : ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم ـ يعني نبيا ـ فمن عصى نبيه كان من الضالين و من أطاع نبيه كان من المهتدين ]
هذا حديث غريب جدا و ألفاظه في بعضها نكارة و قد أخرجه الحافظ البيهقي في كتاب البعث و النشور و عبد الحق الإشبيلي في العاقبة و القرطبي في كتاب التذكرة في أحوال الآخرة (4/156)
قال الحافظ البيهقي : [ أنبأنا أبو أحمد الأسداباذي بها أنبأنا أبو بكر بن مالك القطيعي حدثنا أبو علي بشر بن موسى حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم حدثني زياد بن نعيم الحضرمي سمعت زياد بن الحارث الصدائي يحدث قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعته على الإسلام فأخبرت أنه قد بعث جيشا إلى قومي فقلت : يا رسول الله أردد الجيش و أنا لك بإسلام قومي و طاعتهم فقال لي : اذهب فردهم فقلت : يا رسول الله إن راحلتي قد كلت فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا فردهم
قال الصدائي : و كتبت إليهم كتابا فقدم وفدهم بإسلامهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك فقلت : بل الله هداهم للإسلام فقال : أفلا أؤمرك عليهم قلت : بلى يا رسول الله قال : فكتب لي كتابا أمرني فقلت : يا رسول الله مر لي بشيء من صدقاتهم قال : نعم فكتب لي كتابا آخر
قال الصدائي : و كان ذلك في بعض أسفاره فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم و يقولون : أخذنا بشيء كان بيننا و بين قومه في الجاهلية فقال رسول الله : أو فعل ذلك ؟ قالوا : نعم فالتفت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أصحابه و أنا فيهم فقال : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن
قال الصدائي : فدخل قوله في نفسي ثم أتاه آخر فقال : يا رسول الله أعطني
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من سأل الناس عن ظهر غني فصداع في الرأس و داء في البطن فقال السائل : أعطني من الصدقة فقال رسول الله : إن الله لم يرض في الصدقات بحكم نبي و لا غيره حتى حكم هو فيها فجزاها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك قال الصدائي : فدخل ذلك في نفسي أني غني و أني سألته من الصدقة
قال : ثم إن رسول الله اعتشى من أول الليل فلزمته و كنت قريبا منه فكان أصحابه ينقطعون عنه و يستأخرون منه و لم يبق معه أحد غيري
فلما كان أوان صلاة الصبح أمرني فأذنت فجعلت أقول : أقيم يا رسول الله ؟ فجعل ينظر ناحية المشرق إلى الفجر و يقول : لا حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز ثم انصرف إلي و هو متلاحق أصحابه فقال : هل من ماء يا أخا صداء ؟ قلت : لا إلا شيء قليل لا يكفيك فقال : اجعله في إناء ثم ائتنى به ففعلت فوضع كفه في الماء قال : فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لولا أني أستحي من ربي عز و جل لسقينا و استقينا ناد في أصحابي من له حاجة في الماء فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم شيئا
ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم فقال له رسول الله : إن أخا صداء أذن و من أذن فهو يقيم قال الصدائي : فأقمت
فلما قضى رسول الله الصلاة أتيته بالكتابين فقلت : يا رسول الله أعفني من هذين
فقال : ما بدا لك ؟ فقلت : سمعتك يا رسول الله تقول : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن و أنا أومن بالله و برسوله و سمعتك تقول للسائل : من سأل الناس عن ظهر غني فهو صداع في الرأس و داء في البطن و سألتك و أنا غني
فقال : هو ذاك فإن شئت فاقبل و إن شئت فدع فقلت : أدع فقال لي رسول الله : فدلني على رجل أؤمره عليكم فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمره عليهم
ثم قلنا : يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء و سعنا ماؤها و اجتمعنا عليها و إذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا و قد أسلمنا و كل من حولنا عدو فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه و لا نتفرق
فدعا سبع حصيات فعر كهن بيده و دعا فيهن ثم قال : اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة و اذكروا الله
قال الصدائي : ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها ـ يعني البئر ]
و هذا الحديث له شواهد في سنن أبي داود و الترمذي و ابن ماجه
و قد ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان بعث بعد عمرة الجعرانة قيس بن سعد بن عبادة في أربعمائة إلى بلاد صداء فيوطئها فبعثوا رجلا منهم فقال : جئتك لترد عن قومي الجيش و أنا لك بهم ثم قدم وفدهم خمسة عشر رجلا ثم رأى منهم حجة الوداع مائة رجل
ثم روى الواقدي عن الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي قصته في الأذان (4/161)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا زيد بن الحباب حدثنى أبو المنذر سلام بن سليمان النجوي حدثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن الحارث البكري قال : خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها فقالت : يا عبد الله إن لي إلى رسول الله حاجة فهل أنت مبلغي إليه ؟
قال : فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله و إذا راية سوداء تخفق و بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : ما شأن الناس ؟ قالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها
قال : فجلست فدخل منزله أو قال لرحله فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت فسلمت فقال : هل بينكم و بين تميم شيء ؟ قلت : نعم و كانت الدائرة عليهم و مررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك و ها هي بالباب فأذن لها فدخلت فقلت : يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا و بين تميم حاجزا فاجعل الدهناء فحميت العجوز و استوفزت و قالت : يا رسول الله أين تضطر مضرك قال : قلت : إن مثلي ما قال الأول : معزي حملت حتفها ! حملت هذه و لا أشعر أنها كانت لي خصما ! أعوذ بالله و رسوله أن أكون كوافد عاد
قال : و ما وافد عاد ؟ و هو أعلم بالحديث منه و لكن يستطعمه قلت : إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسيقه الخمر و تغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال : اللهم إنك تعلم لم أجئ إلى مريض فأدوايه و لا إلى أسير فأفاديه اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه فمرت به سحابات سود فنودي : منها اختر فأومأ على سجاية منها سوداء فنودي منها : خذها رمادا رمددا لا تبقى من عاد أحدا قال : فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا بقدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا
قال أبو وائل : و صدق و كانت المرأة أو الرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا : لا تكن كوافد عاد ]
و قد رواه الترمذي و النسائي من حديث أبي المنذر سلام بن سليمان به و رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن الحارث البكري و لم يذكر أبا وائل
و هكذا رواه الإمام أحمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث و الصواب عن عاصم عن أبي وائل عن الحارث كما تقدم (4/163)
قال أبو بكر البيهقي : [ أنبأنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي أنبأنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي أنبأنا علي بن الجعد حدثنا عبد العزيز حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو خالد يزيد الأسدي حدثنا عون بن أبي جحيفة عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عن عبد الرحمن ابن أبي عقيل قال : انطلقت في وفد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيناه فأنحنا الباب و ما في الناس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه فلما دخلنا و خرجنا فما في الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه قال : فقال قائل منا : يا رسول الله ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان ؟ قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال : فلعل صاحبك عند الله أفضل من سليمان إن الله عز و جل لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة فمنهم من اتخذها دنيا فأعطيها و منهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها و إن الله أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة ] (4/165)
روى الحافظ البيهقي من طريق أبي جناب الكلبي عن جامع بن شداد المحاربي حدثني رجل من قومي يقال له طارق بن عبد الله قال : إني لقائم بسوق ذي المجاز إذ أقبل رجل عليه جبة و هو يقول : [ يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ] و رجل يتبعه يريميه بالحجارة و هو يقول [ يا أيها الناس إنه كذاب ] فقلت : من هذا ؟ فقالوا هذا غلام من بني هاشم يزعم أنه رسول الله قال قلت : من هذا الذي يفعل به هذا ؟ قالوا : هذا عمه عبد العزى قال : فلما أسلم الناس و هاجروا خرجنا من الربذة نريد المدينة نمتاز من تمرها فلما دنونا من حيطانها و نخلها قلت : لو نزلنا فلبسنا ثيابا غير هذه إذا رجل في طمرين فسلم علينا و قال : من أين أقبل القوم ؟ قلنا من الربذة قال : و أين تريدون ؟ قلنا : نريد هذه المدينة قال : ما حاجتكم منها ؟ قلنا : نمتار من تمرها قال : و معنا ظعينة لنا و معنا جمل أحمر مخطوم فقال : أتبيعوني جملكم هذا ؟ قلنا : نعم بكذا و كذا صاعا من تمر
قال : فما استوضعنا مما قلنا شيئا و أخذ بخطام الجمل و انطلق فلما توارى عنا بحيطان المدينة و نخلها قلنا : ما صنعنا ؟ و الله ما بعنا جملنا ممن نعرف و لا أخذنا له ثمنا
قال تقول المرأة التي معنا : و الله لقد رأيت رجلا كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر أنا ضامنة لثمن جملكم إذ أقبل الرجل فقال : أنا رسول الله إليكم هذا تمركم فكلوا و اشبعوا و اكتالوا و استوفوا فأكلنا حتى شبعنا و اكتلنا فاستوفينا
ثم دخلنا المدينة فدخلنا المسجد فإذا هو قائم على المنبر يخطب الناس فأدركنا من خطبته و هو يقول : [ تصدقوا فإن الصدقة خير لكم اليد العليا خير من اليد السفلى أمك و أباك و أختك و أخاك و أدناك أدناك ] إذ أقبل رجل من بني يربوع أو قال رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية فقال : [ إن أبا لا يجني على ولد ] ثلاث مرات
و قد روى النسائي فضل الصدقة منه عن يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن جامع بن شداد عن طارق بن عبد الله المحاربي ببعضه
و رواه الحافظ البيهقي أيضا عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن يزيد بن زياد عن جامع بن طارق بطوله كما تقدم و قال فيه : فقالت الظعينة : لا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه (4/166)
قال ابن إسحاق : وبعث فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي ثم النفاثي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم رسولا بإسلامه و أهدى له بغلة بيضاء
و كان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب و كان منزله معان و ما حولها من أرض الشام فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه طلبوه حتى أخذوه فحبسوه عندهم فقال في محبسه ذلك :
( طرقت سليمى موهنا أصحابي ... و الروم بين الباب و القروان )
( صد الخيال و ساءه ما قد رأى ... و هممت أن أغفى و قد أبكاني )
( لا تكلحن العين بعدي إثمدا ... سلمى و لا تدين للإتيان )
( و لقد علمت أبا كبيشة أنني ... وسط الأعزة لا يحص لساني )
( فلئن هلكت لتفقدن أخاكم ... و لئن بقيت ليعرفن مكاني )
( و لقد جمعت أجل ما جمع الفتى ... من جودة و شجاعة و بيان )
قال : فلما أجمعت الروم على صلبه على ماء لهم يقال له عفري بفلسطين قال :
( ألا هل أتى سلمى بأن حليلها ... على ماء عفري فوق إحدى الرواحل )
( على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... مشذبة أطرافها بالمناجل )
قال : و زعم الزهري أنهم لما قدموه ليقتلوه قال :
( بلغ سراة المسلمين بأنني ... سلم لربي أعظمي و مقامي )
قال : ثم ضربوا عنقه و صلبوه على ذلك الماء رحمه الله و رضى عنه و أرضاه و جعل الجنة مثواه (4/167)
أخبرنا أبو عبد الله سهل بن محمد بن نصرويه المروزي بنيسابور أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن القاضي أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبير أنبأنا وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت غيلان بن جرير يحدث عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت : قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم تميم الداري فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته فسقطوا إلى جزيرة فخرجوا إليها يلتمسون الماء فلقى إنسانا يجر شعره فقال له : من أنت ؟ قال : أنا الجساسة قالوا : فأخبرنا قال : لا أخبركم و لكن عليكم بهذه الجزيرة
فدخلناها فإذا رجل مقيد فقال : من أنتم ؟ قلنا : ناس من العرب قال : ما فعل هذا النبي الذي خرج فيكم ؟ قلنا : قد آمن به الناس و اتبعوه و صدقوه قال : ذلك خير لهم
قال : أفلا تخبروني عن عين زعر ما فعلت ؟ فأخبرناه عنها فوثب وثبة كاد أن يخرج من وراء الجدار ثم قال : ما فعل نخل بيسان هل أطعم بعد ؟ فأخبرناه أنه قد أطعم فوثب مثلها ثم قال أما لو قد أذن لي في الخروج لوطئت البلاد كلها غير طيبة
قالت : فأخرجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فحدث الناس فقال : [ هذه طيبة و ذاك الدجال ]
و قد روى هذا الحديث الإمام أحمد و مسلم و أهل السنن من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبي عن فاطمة بنت قيس و قد أورد له الإمام أحمد شاهدا من رواية أبي هريرة و عائشة أم المؤمنين و قد ذكرنا هذا الحديث بطرقه و ألفاظه في كتاب الفتن
و ذكر الواقدي وفد الدارس من لخم و كانوا عشرة (4/168)
و هكذا ذكر الواقدي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم في أول سنة تسع وفد بني أسد و كانوا عشرة منهم ضرار بن الأزور و وابصة بن معبد و طليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة بعد ذلك ثم أسلم و حسن إسلامه و نفادة بن عبد الله ابن خلف
فقال له رئيسهم حضرمي بن عامر : يا رسول الله أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء و لم تبعث إلينا بعثا
فنزل فيهم : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين }
و كان فيهم قبيلة يقال لهم بنو الرثية فغير اسمهم فقال : أنتم بنو الراشدة و قد استهدى رسول الله صلى الله عليه و سلم من نفادة بن عبد الله بن خلف ناقة تكون جيدة للركوب و الحلب من غير أن يكون لها ولد معها فطلبها فلم يجدها إلا عند ابن عم له فجاء بها فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بحلبها فشرب منها و سقاه سؤره ثم قال : [ اللهم بارك فيها و فيمن منحها ] فقال : يا رسول الله و فيمن جاء بها فقال : [ و فيمن جاء بها ] (4/170)
ذكر الواقدي : أنهم كانوا تسعة نفر و سماهم الواقدي فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنا عاشركم ] و أمر طلحة بن عبيد الله فعقد لهم لواء و جعل شعارهم : يا عشرة
و ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم سألهم عن خالد بن سنان العبسي الذي قدمنا ترجمته في أيام الجاهلية فذكروا أنه لا عقب له و ذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثهم يرصدون عيرا لقريش قدمت من الشام و هذا يقتضي تقدم وفادتهم على الفتح و الله أعلم (4/170)
قال الواقدي : حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر الجمحي عن أبي وجزة السعدي قال : لما رجع رسول الله من تبوك و كان سنة تسع قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن و الحارث بن قيس بن حصن و هو أصغرهم على ركاب عجاف فجاءوا مقرين بالإسلام
و سألهم رسول الله عن بلادهم فقال أحدهم : يا رسول الله أسنتت بلادنا و هلكت مواشينا و أجدب جنابنا و غرث عيالنا فادع الله لنا
فصعد رسول الله المنبر و دعا فقال : [ اللهم اسق بلادك و بهائمك و انشر رحمتك و أحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم اسقنا سقيا رحمة و لا سقيا عذاب و لا هدم و لا غرق و لا محق اللهم اسقنا الغيث و انصرنا على الأعداء ]
قال : فمطرت فما رأوا السماء سبتا فصعد رسول الله المنبر فدعا فقال : [ اللهم حوالينا و لا علينا على الآكام و الظراب و بطون الأودية و منابت الشجر ]
فانجابت السماء على المدينة انجباب الثوب (4/171)
ذكر الواقدي أنهم قدموا سنة تسع مرجعه من تبوك و كانوا ثلاثة عشر رجلا منهم الحارث بن عوف فأجازهم عليه السلام بعشر أواق من فضة و أعطى الحارث بن عوف ثنتي عشرة أوقية
و ذكروا أن بلادهم مجدبة فدعا لهم فقال : [ اللهم اسقهم الغيث ] فلما رجعوا إلى بلادهم وجدوها قد مطرت ذلك اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/172)
قال الواقدي : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن رجل من بني ثعلبة عن أبيه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة سنة ثمان قدمنا عليه أربعة نفر فقلنا : نحن رسل من خلفنا من قومنا و هم يقرون بالإسلام
فأمر لنا بضيافة و أقمنا أياما ثم جئناه لنودعه فقال لبلال : [ أجزهم كما تجيز الوفد ] فجاء ببقرة من فضة فأعطى كل رجل منا خمس أواق و قال : [ ليس عندنا دراهم ] و انصرفنا إلى بلادنا (4/172)
قال الواقدي : حدثني محمد بن صالح عن أبي وجزة السعدي قال : قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع و هم عشرة نفر فيهم سواء بن الحارث و ابنه خزيمة بن سواء فأنزلوا دار رملة بنت الحارث و كان بلال يأتيهم بغداء و عشاء فأسلموا و قالوا : نحن على من وراءنا
و لم يكن أحد في تلك المواسم أفظ و لا أغلظ على رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم
و كان في الوفد رجل منهم فعرفه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : الحمد لله الذي أبقاني حتى صدقت بك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن هذه القلوب بيد الله عز و جل ]
و مسح رسول الله وجه خزيمة بن سواء فصارت غرة بيضاء و أجازهم كما يجيز الوفد و انصرفوا إلى بلادهم (4/172)
ذكر الواقدي : أنهم قدموا سنة تسع و هم ثلاثة عشر رجلا فيهم لبيد بن ربيعة الشاعر و جبار بن سلمى و كان بينه و بين كعب بن مالك خلة فرحب به و أكرمه و أهدى إليه و جاءوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلموا عليه بسلام الإسلام و ذكروا له أن الضحاك بن سفيان الكلابي سار فيهم بكتاب الله و سنة رسوله التي أمره الله بها و دعاهم إلى الله فاستجابوا له و أخذ صدقاتهم من أغنيائهم فصرفوها على فقرائهم (4/173)
ثم ذكر الواقدي : أن رجلا يقال له عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم ثم رجع إلى قومه فدعاهم إلى الله فقالوا : حتى نصيب من بني عقيل مثل ما أصابوا منا
فذكر مقتلة كانت بينهم و أن عمرو بن مالك هذا قتل رجلا من بني عقيل قال : فشددت يدي في غل و أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و بلغه ما صنعت فقال : [ لئن أتاني لأضربن ما فوق الغل من يده ]
فلما جئت سلمت فلم يرد علي السلام و أعرض عني فأتيته عن يمينه فأعرض عني فأتيته عن يساره فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت : يا رسول الله إن الرب عز و جل ليرتضي فيرضى فارض عني رضى الله عنك قال : [ قد رضيت ] (4/173)
ذكر الواقدي : أنهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقطعهم العقيق ـ عقيق بني عقيل ـ و هي أرض فيها نخيل و عيون
و كتب بذلك كتابا : [ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله ربيعا و مطرفا و أنسا أعطاهم العقيق ما أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و سمعوا و أطاعوا و لم يعطهم حقا لمسلم ]
فكان الكتاب في يد مطرف
قال : و قدم عليه أيضا لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل و هو أبو رزين فأعطاه ماء يقال له النظيم و بايعه على قومه
و قد قدمنا قدومه و قصته و حديثه بطوله و لله الحمد و المنة (4/174)
و ذلك قبل حجة الوداع و قبل حنين فذكر فيهم قرة بن هبيرة بن عامر ابن سلمة الخير بن قشير فأسلم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم و كساه بردا و أمره أن يلي صدقات قومه فقال قرة حين رجع :
( حباها رسول الله إذا نزلت به ... و أمكنها من نائل غير منقد )
( فأضحت بروض الخضر و هي حثيثة ... و قد أنجحت حاجاتها من محمد )
( عليها فتى لا يردف الذم رحله ... يروي لأمر العاجز المتردد ) (4/174)
ذكر أنهم قدموا سنة تسع و أنهم كانوا ثلاثين رجلا فيهم معاوية بن ثور بن معاوية بن عبادة بن البكاء و هو يومئذ ابن مائة سنة و معه ابن له يقال له بشر فقال : يا رسول الله إني أتبرك بمسك و قد كبرت و ابني هذا بر بي فامسح وجهه
فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم وجهه و أعطاه أعنزا عفرا و برك عليهن فكانوا لا يصيبهم بعد ذلك قحط و لا سنة
و قال محمد بن بشر بن معاوية في ذلك :
( و أبي الذي مسح الرسول برأسه و دعا له بالخير و البركات )
( أعطاه أحمد إذ أتاه أعنزاعفرا نواحل لسن بالحيات )
( يملأن وفد الحي كل عشية و يعود ذاك الملئ بالغدوات )
( بوركن من منح و بورك مانحا و عليه مني ما حييت صلاتي ) (4/175)
روى الواقدي بأسانيده : أن واثلة بن الأسقع الليثي قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يتجهز إلى تبوك فصلى معه الصبح ثم رجع إلى قومه فدعاهم و أخبرهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبوه و الله لا أحملك أبدا
و سمعت أخته كلامه فأسلمت و جهزته حتى سار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى تبوك و هو راكب على بعير لكعب بن عجرة
و بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم مع خالد إلى أكيدر دومة فلما رجعوا عرض واثلة بن كعب بن عجرة ما كان شارطه عليه من سهمه من الغنيمة فقال له كعب : إنما حملتك لله عز و جل (4/176)
ذكر الواقدي : أنهم قدموا عام الخندق و هم مائة رجل و رئيسهم مسعود بن رخيلة فنزلوا شعب سلع
فخرج إليهم رسول الله و أمر لهم بأحمال التمر و يقال : بل قدموا بعدما فرغ من بني قريظة و كانوا سبعمائة رجل فودعاهم و رجعوا ثم أسلموا بعد ذلك (4/176)
قدم رئيسهم مطرف بن الكاهن بعد الفتح فأسلم و أخذ لقومه أمانا و كتب له كتابا فيه الفرائض و شرائع الإسلام كتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه (4/176)
قال : و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل من بني سليم يقال له قيس بن نشبة فسمع كلامه و سأله عن أشياء فأجابه و وعي ذلك كله و دعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فأسلم
و رجع إلى قومه من بني سليم فقال : قد سمعت ترجمة الروم و هينمة فارس و أشعار العرب و كهانة الكهان و كلام مقاول حمير فما يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم فأطيعوني و خذوا بنصيبكم منه
فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم فلقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقديد و هم سبعمائة و يقال : كانوا ألفا و فيهم العباس بن مرداس و جماعة من أعيانهم فأسلموا و قالوا : اجعلنا في مقدمتك و اجعل لواءنا أحمر و شعارنا مقدما ففعل ذلك بهم فشهدوا معه الفتح و الطائف و حنينا
و قد كان راشد بن عبد ربه السلمي يعبد صنما فرآه يوما و ثعلبان يبولان عليه فقال :
( أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب )
ثم شد عليه فكسره ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم و قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما اسمك ؟ ] قال : غاوي بن عبد العزى فقال : [ بل أنت راشد بن عبد ربه ] و أقطعه موضعا يقال له رهاط فيه عين تجري يقال لها عين الرسول و قال : هو خير بني سليم و عقد له على قومه و شهد الفتح و ما بعدها (4/176)
ذكر في وفدهم : عبد عوف بن أصرم فأسلم و سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله و قبيصة بن مخارق الذي له حديث في الصدقات
و ذكر في وفد بني هلال زياد بن عبد الله بن مالك بن بجير بن الهدم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر فلما دخل المدينة يمم منزل خالته ميمونة بنت الحارث فدخل عليها فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم منزله رآه فغضب و رجع فقالت : يا رسول الله إنه ابن أختي فدخل ثم خرج إلى المسجد و معه زياد فصلى الظهر ثم أدنى زيادا فدعا له و وضع يده على رأسه ثم حدرها على طرف أنفه فكانت بنو هلال تقول : مازلنا نتعرف البركة في وجه زياد
و قال الشاعر لعلي بن زياد :
( يا بن الذي مسح الرسول برأسه ... و دعا له بالخير عند المسجد )
( أعني زيادا لا أريد سواءه ... من عابر أو متهم أو منجد )
( ما زال ذاك النور في عرنينه ... حتى تبوأ بيته في ملحد ) (4/177)
ذكر الواقدي : أنهم لما قدموا سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قس بن ساعدة : فقال : ليس ذاك منكم ذاك رجل من إياد تحنف في الجاهلية فوافى عكاظ و الناس مجتمعون فكلمهم بكلامه الذي حفظ عنه
قال : و كان في الوفد بشير بن الخصاصية و عبد الله بن مرثد و حسان بن خوط فقال رجل من ولد حسان :
( أنا ابن حسان بن خوط و أبي ... رسول بكر كلها إلى النبي ) (4/178)
ذكر أنهم كانوا ستة عشر رجلا مسلمين و نصارى عليهم صلب الذهب فنزلوا دار رملة بنت الحارث
فصالح رسول الله صلى الله عليه و سلم النصارى على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية و أجاز المسلمين منهم (4/178)
ذكر الواقدي : أنهم قدموا سنة تسع و أنهم كانوا ثلاثة عشر رجلا فأجازهم أكثر مما أجاز غيرهم و أن غلاما منهم قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما حاجتك ؟ فقال : يا رسول الله ادع الله يغفر لي و يرحمني و يجعل غناي في قلبي
فقال : [ اللهم اغفر له و ارحمه و اجعل غناه في قلبه ] فكان بعد ذلك من أزهد الناس (4/179)
ذكر أنهم كانوا عشرة و أنهم قدموا في شعبان سنة عشر
و سألهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صنمهم الذي كان يقال له عم أنس فقالوا أبدلنا به خيرا منه و لو قد رجعنا لهدمناه
و تعلموا القرآن و السنن فلما رجعوا هدموا الصنم و أحلوا ما أحل الله و حرموا ما حرم الله (4/179)
ذكر أنهم كانوا يحرمون أكل القلب فلما أسلم وفدهم أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بأكل القلب و أمكر به فشوى و ناوله رئيسهم و قال : لا يتم إيمانكم حتى تأكلوه فأخذه و يده ترعد فأكله و قال :
( على أني أكلت القلب كرها ... و ترعد حين مسته بناني ) (4/179)
ذكر أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة و الحافظ أبو موسى المديني من حديث أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني قال : [ حدثني علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي قال : حدثني أبي عن جدي عن سويد بن الحارث قال : و فدت سابع سبعة من قومي على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما دخلنا عليه و كلمناه فأعجبه ما رأى من سمتنا و زينا فقال : ما أنتم ؟ قلنا مؤمنون
فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم و إيمانكم
قلنا : خمس عشرة خصلة خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها و خمس أمرتنا أن نعمل بها و خمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟
قلنا : أمرتنا أن نؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و البعث بعد الموت
قال : و ما الخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها ؟ قلنا : أمرتنا أن تقول : لا إله إلا الله و نقيم الصلاة و نؤتي الزكاة و نصوم رمضان و نحج البيت من استطاع إليه سبيلا
فقال : و ما الخمسة الذي تخلفتم بها في الجاهلية ؟ قلنا : الشكر عند الرخاء و الصبر عند البلاء و الرضى بمر القضاء و الصدق في مواطن اللقاء و ترك الشمانة بالأعداء
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء
ثم قال : و أنا أزيدكم خمسا فيتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون و لا تنبوا ما لا تسكنون و لا تنافسوا في شيء أنتم عنه غدا تزولون و اتقوا الله الذي إليه ترجعون و عليه تعرضون و ارغبوا فيما عليه تقدمون و فيه تخلدون ]
فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و حفظوا وصيته و عملوا بها
ثم ذكر : (4/180)
و أنهم كانوا بضعة عشر راكبا عليهم الأشعث بن قيس و أنه أجازهم بعشر أواق و أجاز الأشعث ثنتي عشرة أوقية و قد تقدم (4/181)
قدموا في بضعة عشر راكبا فصادفوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب على المنبر فجلسوا و لم يسلموا فقال : [ أمسملون أنتم ؟ ] قالوا : نعم قال : [ فهلا سلمتم ؟ ]
فقاموا قياما فقالوا : السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته فقال : [ و عليكم السلام اجلسوا ] فجلسوا و سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أوقات الصلوات (4/181)
قال : و قدم أبو ثعلبة الخشني و رسول الله يتجهز إلى خيبر فشهد معه خيبر ثم قدم بعد ذلك بضعة عشر رجلا منهم فأسلموا
ثم ذكر وفد بني سعد هذيم و بلي و بهراء و بني عذرة و سلامان و جهينة و بني كلب و الجرميين و قد تقدم حديث عمرو بن سلمة الجرمي في صحيح البخاري
و ذكر : وفد الأزد و وفد غسان و الحارث بن كعب و همدان و سعد العشيرة و عبس و وفد الداريين و الرهاووين و بني غامد و النخع و بجيلة و خثعم و حضرموت و ذكر فيهم وائل بن حجر و ذكر فيهم الملوك الأربعة جمدا و مخوسا و مشرحا و أبضعة
و قد ورد في مسند أحمد لعنهم مع أختهم العمردة و تكلم الواقدي فيهم كلاما فيه طول
و ذكر وفد أزد عمان و غافق و بارق و دوس و ثمالة و الجدار و أسلم و جذام و مهرة و حمير و نجران و جيشان و بسط الكلام على هذه القبائل يطول جدا و قد قدمنا بعض ما يتعلق بذلك و فيما أوردناه كفاية و الله أعلم (4/182)
ثم قال الواقدي :
[ حدثني شعيب بن عبادة عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس بالمدينة في أصحابه إذ أقبل ذئب فوقف بين يديه فعوى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا وافد السباع إليكم فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه غلى غيره و إن أحببتم تركتموه و تحذرتم منه فما أخذ فهو رزقه
قالوا : يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشيء فأومأ إليه النبي صلى الله عليه و سلم بأصابعه الثلاث : أي خالسهم فولى و له عسلان ]
و هذا مرسل من هذا الوجه
و يشبه هذا الذئب الذئب الذي ذكر في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يزيد هو ابن هارون أنبأنا القاسم بن الفضل الحداني عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبها الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه فقال : ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي ! فقال : يا عجبا ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس !
فقال الذئب : ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق
قال : فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره
فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي : الصلاة جامعة ثم خرج فقال للأعرابي : أخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صدق و الذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس و تكلم الرجل عذبة سوطه و شراك نعله و تخبره فخذه بما أحدث أهله بعده ]
و قد رواه الترمذي عن سفيان بن وكيع بن الجراح عن أبيه عن القاسم بن الفضل به و قال : حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل و هو ثقة مأمون عند أهل الحديث وثقه يحيى و ابن مهدي
قلت : و قد رواه الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب هو ابن أبي حمزة حدثني عبد الله بن الحسين حدثني مهران أن أبا سعيد الخدري حدثه فذكر هذه القصة بطولها بأبسط من هذا السياق
ثم رواه أحمد : حدثنا أبو النضر حدثنا عبد الحميد بن بهرام حدثنا شهر قال : و حدث أبو سعيد فذكره
وهذا السياق أشبه و الله أعلم و هو إسناد على شرط أهل السنن و لم يخرجوه (4/182)
و قد تقدم ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة
و قد تقصينا الكلام في ذلك أيضا عند قوله تعالى في سورة الأحقاف : { و إذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن } فذكرنا ما ورد من الأحاديث في ذلك و الآثار و أوردنا حديث سواد بن قارب الذي كان كاهنا فأسلم و ما رواه عن رئيه الذي كان يأتيه بالخبر حين أسلم الرئي حين قال له :
( عجبت للجن و أنجاسها ... و شدها العيس بأحلاسها )
( تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنو الجن كأرجاسها )
( فانهض إلى الصفوة من هاشم ... و اسم بعينيك إلى رأسها )
ثم قوله :
( عجبت للجن و تطلابها ... و شدها العيس بأقتابها )
( تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس قدامها كأذنابها )
( فانهض إلى الصفوة من هاشم ... و اسم بعينيك إلى رأسها )
ثم قوله :
( عجبت للجن و تخبارها ... و شدها العيس بأكوارها )
( تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس ذوو الشر كأخيارها )
( فانهض إلى الصفوة من هاشم ... ما مؤمنو الجن ككفارها )
و هذا و أمثاله مما يدل على تكرار وفود الجن إلى مكة و قد قررنا ذلك هنالك بما فيه كفاية و لله الحمد و المنة و به التوفيق و العصمة (4/184)
و قد أورد الحافظ أبو بكر البيهقي ها هنا حديثا غريبا جدا بل منكرا أو موضوعا و لكن مخرجه عزيز أحببنا أن نورده كما أورده و العجب منه
فإنه قال في دلائل النبوة : باب قدومه هامة بن الهيثم بن لاقيس بن إبليس على النبي صلى الله عليه و سلم و إسلامه
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله أنبأنا أبو نصر محمد ابن حمدويه بن سهل القاريءالمروزي حدثنا عبد الله بن حماد الآملي حدثنا محمد بن أبي معشر أخبرني أبي عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر رضي الله عنه : بينا نحن قعود مع النبي صلى الله عليه و سلم على جبل من جبال تهامة إذ أقبل شيخ بيده عصا فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد ثم قال : [ نغمة جن و عمغتهم من أنت ] قال : أنا هامة بن الهيثم بن لاقيس بن إبليس
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ فما بينك و بين إبليس إلا أبوان فكم أتى لك من الدهر ؟ ] قال : قد أفنيت الدنيا عمرها إلا قليلا ليالي قتل قابيل هابيل كنت غلاما ابن أعوام أفهم الكلام و أمر بالآكام و آمر بإفساد الطعام و قطيعة الأرحام
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ بئس عمل الشيخ المتوسم و الشاب المتلوم ]
قال : ذرني من الترداد إني تائب إلى الله عز و جل إني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى و أبكاني و قال : لا جرم إني على ذلك منت النادمين أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين
قال قلت يا نوح إني كنت ممن اشترك في دم السعيد الشهيد هابيل بن آدم فهل تجد لي عندك توبة ؟ قال : يا هام هم بالخير و افعله قبل الحسرة و الندامة إني قرأت فيما أنزل الله علي أنه ليس من عبد تاب إلى الله بالغ أمره ما بلغ إلا تاب الله عليه قم فتوضأ و اسجد لله سجدتين
قال ففعلت من ساعتي ما أمرني به فناداني : ارفع رأسك فقد نزلت توبتك من السماء فخررت لله ساجدا
قال : و كنت مع هود في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومي حتى بكى عليهم و أبكاني فقال : لا جرم إني على ذلك من النادمين و أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين
قال : و كنت مع صالح في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومي حتى بكى و أبكاني و قال : أنا على ذلك من النادمين و أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين
و كنت أزور يعقوب و كنت مع يوسف في المكان الأمين و كنت ألقى إلياس في الأودية و أنا ألقاه الآن
و إني لقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة و قال : إن لقيت عيسى ابن مريم فأقرئه مني السلام و إني لقيت عيسى بن مريم فأقرأته عن موسى السلام و إن عيسى قال : إن لقيت محمدا صلى الله عليه و سلم فأقرئه مني السلام
فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم عينيه فبكى ثم قال : [ و على عيسى السلام ما دامت الدنيا و عليك السلام يا هام بأدائك الأمانة ]
قال : يا رسول الله افعل بي ما فعل موسى إنه علمني من التوراة قال : فعلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم : { إذا وقعت الواقعة و المرسلات و عم يتساءلون و إذا الشمس كورت و المعوذتين و قل هو الله أحد } و قال : [ ارفع إلينا حاجتك يا هامة و لا تدع زيارتنا ]
قال عمر : فقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يعد إلينا فلا ندري الآن أحي هو أم ميت ؟
ثم قال البيهقي : ابن أبي معشر هذا قد روى عنه الكبار إلا أن أهل العلم بالحديث يضعفونه
و قد روي هذا الحديث من وجه آخر هو أقوى منه و الله أعلم (4/185)
قال ابن إسحاق : ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران
و أمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا فإن استجابوا فاقبل منهم و إن لم يفعلوا فقاتلهم
فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه و يدعون إلى الإسلام و يقولون : أيها الناس أسلموا تسلموا
فأسلم الناس و دخلوا فيما دعوا إليه فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام و كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم كما أمره رسول الله إن هم أسلموا و لم يقاتلوا
ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد النبي رسول الله من خالد بن الوليد السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب و أمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام و أن أدعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا قبلت منهم و علمتهم معالم الإسلام و كتاب الله و سنة نبيه و إن لم يسلموا قاتلتهم
و إني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله و بعثت فيهم ركبانا قالوا : يا بني الحارث أسلموا تسلموا فأسلموا و لم يقاتلوا و أنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به و أنهاهم عما نهاهم الله عنه و أعلمهم معالم الإسلام و سنة النبي صلى الله عليه و سلم حتى يكتب إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم و السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم و أجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام و شهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله و أن قد هداهم الله بهداه فبشرهم و أنذرهم و أقبل و ليقبل معك وفدهم و السلام عليك و رحمة الله و بركاته ]
فأقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقبل معه وفد بني الحارث بن كعب منهم قيس بن الحصين ذو الغصة و يزيد بن عبد المدان و يزيد بن المحجل و عبد الله بن قراد الزيادي و شداد بن عبيد الله القناني و عمرو بن عبد الله الضبابي
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم و رآهم قال : من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند
قيل يا رسول الله : هؤلاء بنو الحارث بن كعب فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم سلموا عليه و قالوا : نشهد أنك رسول الله و أنه لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله ]
ثم قال : [ أنتم الذين إذا زجروا استقدموا ] فسكتوا فلم يراجعه منهم أحد ثم أعادها الثانية ثم الثالثة فلم يراجعه منهم أحد
ثم أعادها الرابعة قال يزيد بن عبد المدان : نعم يا رسول الله نحن الذين إذا زجروا استقدموا قالها أربع مرات
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لو أن خالد لم يكتب إلي أنكم أسلمتم و لم تقاتلوا لألقيت رءوسكم تحت أقدامكم ]
فقال يزيد بن عبد المدان : أما و الله ما حمدناك و لا حمدنا خالدا قال : فمن حمدتم ؟ قالوا : حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صدقتم ]
ثم قال : [ بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ ] قالوا : لم نك نغلب أحدا قال : [ بلى كنتم تغلبون من قاتلكم ]
قالوا : كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله أنا كنا نجتمع و لا نتفرق و لا نبدأ أحدا بظلم قال : [ صدقتم ] ثم أمر عليهم قيس بن الحصين
قال ابن إسحاق : ثم رجعوا إلى قومهم في بقية شوال أو في صدر ذي القعدة
قال : ثم بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين و يعلمهم السنة و معالم الإسلام و يأخذ منهم صدقاتهم و كتب له كتابا عهد إليه فيه عهده و أمره أمره
ثم أورده ابن إسحاق و قد قدمناه في وفد ملوك حمير من طريق البيهقي و قد رواه النسائي نظير ما ساقه محمد بن إسحاق بغير إسناد (4/188)
قال البخاري : باب بعث أبي موسى و معاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع
حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك عن أبي بردة قال : بعث النبي صلى الله عليه و سلم أبا موسى و معاذ بن جبل إلى اليمن قال : و بعث كل واحد منهما على مخلاف قال : و اليمن مخلافان
ثم قال : [ يسرا ولا تعسرا و بشرا ولا تنفرا ] و في رواية : [ و تطاوعا و لا تختلفا ]
و انطلقا كل واحد منهماإلى عمله
قال : و كان كل واحد منهما إذا سار في أرضه و كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه فإذا هو جالس و قد اجتمع الناس إليه و إذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه فقال له معاذ : يا عبد الله بن قيس أيم هذا ؟ هذا رجل كفر بعد إسلامه قال : لا أنزل حتى يقتل قال : إنما جيء به لذلك فانزل قال : ما أنزل حتى يقتل فأمر به فقتل
ثم نزل فقال : يا عبد الله كيف تقرأ القرآن ؟ قال : أتفوقه تفوقا قال : فكيف تقرأ أنت يا معاذ ؟ قال : أنام أول الليل فأقوم و قد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي
انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه
ثم قال البخاري : [ حدثنا ابن إسحاق حدثنا خالد عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال : ما هي ؟ قال : البتع و المزر فقلت لأبي بردة : ما البتع ؟ قال : نبيذ العسل و المزر نبيذ الشعير فقال : كل مسكر حرام ]
و رواه جرير و عبد الواحد عن الشيباني عن أبي بردة و رواه مسلم من حديث سعيد بن أبي بردة
و قال البخاري : [ حدثنا حبان أخبرنا عبد الله عن زكريا بن أبي إسحاق عن يحي بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذ جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم و ليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب ]
و قد أخرجه بقية الجماعة من طرق متعددة
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني عن معاذ بن جبل قال : لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن خرج معه يوصيه و معاذ راكب و رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال : يا معاذ إنك عسى أن تلقاني بعد عامي هذا و لعلك أن تمر بمسجدي هذا و قبري
فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم التفت بوجهه نحو المدينة فقال : إن أولى الناس بي المتقون من كانوا و حيث كانوا ]
[ ثم رواه عن أبي اليمان عن صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني أن معاذا لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن خرج معه يوصيه و معاذ راكب و رسول الله يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال : يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا و لعلك أن تمر بمسجدي هذا و قبري
فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لا تبك يا معاذ للبكاء أوان البكاء من الشيطان ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثنا أبو زياد يحي بن عبيد الغساني عن يزيد بن قطيب عن معاذ أنه كان يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن فقال : لعلك أن تمر بقبري و مسجدي فقد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم يقاتلون على الحق مرتين فقاتل بمن أطاعك منهم من عصاك ثم يفيئون إلى الإسلام حتى تبادر المرأة زوجها و الولد والده و الأخ أخاه فانزل بين الحيين السكون و السكاسك ]
و هذا الحديث فيه إشارة و ظهور و إيماء إلى أن معاذا رضي الله عنه لا يجتمع بالنبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك و كذلك وقع فإنه أقام باليمن حتى كانت حجة الوداع ثم كانت وفاته عليه السلام بعد أحد و ثمانين
يوما من يوم الحج الأكبر
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد : [ حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن معاذ أنه لما رجع من اليمن قال : يا رسول الله رأيت رجالا باليمن يسجد بعضهم لبعض أفلا نسجد لك ؟ قال : لو كنت آمر بشرا أن يسجد لبشر لآمرت المرأة أن تسجد لزوجها ]
و قد رواه أحمد عن ابن نمير عن الأعمش سمعت أبا ظبيان يحدث عن رجل من الأنصار عن معاذ بن جبل قال : أقبل معاذ من اليمن فقال : يا رسول الله إني رأيت رجالا فذكر معناه
فقد دار على رجل مبهم و مثله لا يحتج به و لا سيما و قد خالفه غيره ممن يعتد به فقالوا : لما قدم معاذ من الشام كذلك رواه أحمد
و قال أحمد : [ حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله ]
و قال أحمد [ حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : يا معاذ أتبع السيئة الحسنة تمحها و خالق الناس بخلق حسن ]
قال وكيع : وجدته في كتابي عن أبي الذر و هو السماع الأول و قال سفيان مرة عن معاذ ثم قال الإمام أحمد : [ حدثنا إسماعيل عن ليث عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ أنه قال : يا رسول الله أوصني فقال : اتق الله حيثما كنت قال : زدني قال : أتبع السيئة الحسنة تمحها قال : زدني قال : خالق الناس بخلق حسن ]
و قد رواه الترمذي في جامعه عن محمود بن غيلان عن وكيع عن سفيان الثوري به و قال : حسن
قال شيخنا في الأطراف : و تابعه فضيل بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن الأعمش عن حبيب به
و قال أحمد : [ حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحصرمي عن معاذ بن جبل قال : أوصاني رسول الله صلى الله عليه و سلم بعشر كلمات قال : لا تشرك بالله شيئا و إن قتلت و حرقت و لا تعقن و الديك و إن أمراك أن تخرج من مالك و أهلك و لا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله و لا تشربن خمرا فإنه رأس كل فاحشة و إياك و المعصية فإن بالمعصية يحل سخط الله و إياك و الفرار من الزحف و إن هلك الناس و إذا أصاب الناس موت و أنت فيهم فاثبت و أنفق على عيالك من طولك و لا ترفع عنهم عصاك أدبا و أحبهم في الله عز و جل ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يونس حدثنا بقية عن السرى بن ينعم عن شريح عن مسروق عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بعثه إلى اليمن قال : إياك و التنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ]
و قال أحمد : [ حدثنا سليمان بن داود الهاشمي حدثنا أبو بكر ـ يعني ابن عياش ـ حدثنا عاصم عن أبي وائل عن معاذ قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن و أمرني أن أخذ من كل حالم دينارا و عدله من المعافر و أمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة مسنة و من كل ثلاثين بقرة تبيعا حوليا و أمرني فيما سقت السماء العشر و ما سقى باليد والي نصف العشر ]
وقد رواه أبو داود من حديث ابي معاوية و النسائي من حديث محمد بن إسحاق عن الأعمش كذلك
و قد رواه أهل السنن الأربعة من طرق عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ به
و قال أحمد : [ حدثنا معاوية عن عمرو و هارون بن معروف قالا : حدثنا عبد الله ابن وهب عن حيوة عن يزيد بن أبي حبيب عن سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحاكم أن معاذا قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا قال هارون : و التبيع : الجذع أو الجذعة ـ و من كل أربعين مسنة
فعرضوا علي أن آخذ ما بين الأربعين و الخمسين و ما بين الستين و السبعين و ما بين الثمانين و التسعين فأبيت ذلك و قلت لهم : اسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك
فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه و سلم فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا و من كل أربعين مسنة و من الستين تبعين و من السبعين مسنة وتبيعا و من الثمانين مسنتين و من التسعين ثلاثة أتباع و من المائة مسنة وتبعين و من العشرة و مائة مسنتين و تبيعا و من العشرين و مائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع ]
قال : الأوزاعي أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن يبلغ مسنة أو جذعا و زعم أن الأوقاص لا فريضة فيها
و هذا من إفراد أحمد و فيه دلالة على أنه قدم بعد مصيره إلى اليمن على رسول الله صلى الله عليه و سلم
و الصحيح أنه لم ير النبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك كما تقدم في الحديث
و قد قال عبد الرزاق : أنبأنا نعمر عن الزهري عن أبي كعب بن مالك قال : كان معاذ بن جبل شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه لا يسأل شيئا إلا أعطاه حتى كان عليه دين أغلق ماله فكلم رسول الله في أن يكلم غرماءه ففعل فلم يضعوا له شيئا فلو ترك لأحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : فدعاه رسول الله فلم يبرح أن باع ماله و قسمه بين غرمائه قال : فقام معاذ ولا مال له
قال : فلما حج رسول الله بعث معاذا إلى اليمن قال : فكان أول من تجر في هذا المال معاذ
قال : فقدم على أبي بكر الصديق من اليمن و قد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء عمر فقال : هل لك أن تطيعني فتدفع هذا المال إلى أبي بكر فإن أعطاكه فاقبله ؟ قال : فقال معاذ : لن أدفعه إليه و إنما بعثني رسول الله ليجبرني
فلما أبى عليه انطلق عمر إلى أبي بكر فقال : أرسل إلى هذا الرجل فخذ منه و دع له فقال أبو بكر : ما كنت لأفعل إنما بعثه رسول الله ليجبره فلست آخذ منه شيئا
قال : فلما أصبح معاذ انطلق إلى عمر فقال : ما أراني إلا فاعل الذي قلت إني رأيتني البارحة في النوم ـ فيما يحسب عبد الرزاق قال ـ أجر إلى النار و أنت آخذ بحجزتي
قال : فانطلق إلى أبي بكر بكل شيء جاء به حتى جاءه بسوطه و حلف له أنه لم يكتمه شيئا قال فقال أبو بكر رضي الله عنه : هو لك لا آخذ منه شيئا
و قد رواه أبو ثور عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك فذكره إلا أنه قال : حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم على طائفة من اليمن أميرا فمكث حتى قبض رسول الله ثم قدم في خلافة أبي بكر و خرج إلى الشام
قال البيهقي : و قد قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استخلفه بمكة مع عتاب ابن أسيد ليعلم أهلها و أنه شهدغزوة تبوك فالأشبه أن بعثه إلى اليمن كان بعد ذلك و الله أعلم
ثم ذكر البيهقي لقصة منام معاذ شاهدا من طريق الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله و أنه كان من جملة ما جاء به عبيد فأتى بهم أبا بكر فلما رد الجميع عليه رجع بهم ثم قام يصلي فقاموا كلهم يصلون معه فلما انصرف قال : لمن صليتم ؟ قالوا : لله قال : فأنتم له عتقاء فأعتقهم
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي عون عن الحارث ابن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بعثه إلى اليمن قال : كيف تصنع إن عرضت لك قضاء ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله
قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال : أجتهد و إني لا آلو
قال : فضرب رسول الله صدري ثم قال : الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضى رسول الله ]
و قد رواه أحمد عن وكيع عن عفان عن شعبة بإسناده و لفظه
و أخرجه أبو داود و الترمذي من حديث شعبة به و قال الترمذي : لا نعرفه إلا من هذا الوجه و
ليس إسناده عندي بمتصل
و قد رواه ابن ماجة من وجه آخر عنه إلا أنه من طريق محمد بن سعد بن حسان ـ و هو المصلوب أحد
الكذابين ـ عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ به نحوه
و قد روى الإمام أحمد عن محمد بن جعفر و يحي بن سعيد عن شعبة عن عمرو ابن أبي حكيم عن عبد الله بن بريدة عن يحي بن معمر عن أبي الأسود الد بلي قال : كان معاذ باليمن فارتفعوا إليه في يهودي مات و ترك أخا مسلما
فقال معاذ : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إن الإسلام يزيد و لا ينقص ] فورثه
و رواه أبو داود من حديث ابن بريدة به
و قد حكي هذا المذهب عن معاوية بن أبي سفيان و راويه يحي بن معمر القاضي و طائفة من السلف و إليه ذهب إسحاق بن راهويه
و خالفهم الجمهور و منهم الأئمة الأربعة و أصحابهم محتجين بما ثبت في الصحيحين [ عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يرث الكافر المسلم و لا المسلم الكافر ]
و المقصود أن معاذا رضي الله عنه كان قاضيا للنبي صلى الله عليه و سلم باليمن و حاكما في الحروب و مصدقا إليه تدفع الصدقات كما دل عليه حديث ابن عباس المتقدم
و قد كان بارزا للناس يصلي بهم الصلوات الخمس كما قال البخاري : حدثنا سليمان ابن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن عمرو بن ميمون أن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ : { و اتخذ الله إبراهيم خليلا } فقال رجل من القوم : لقد قرت عين أم إبراهيم !
انفرد به البخاري (4/191)
[ حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق حدثني أبي عن أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن قال : ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه قال : مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب و من شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه قال : فغنمت أواقي ذات عدد ]
انفرد به البخاري من هذا الوجه
ثم قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار حدثنا روح بن عبادة حدثنا علي بن سويد ابن منجوف عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : بعث النبي صلى الله عليه و سلم عليا إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس و كنت أبغض عليا فأصبح و قد اغتسل فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ؟
فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه و سلم ذكرت ذلك فقال : [ يا بريدة تبغض عليا ؟ ] فقلت : نعم فقال : [ لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك ]
انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه
و قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبد الجليل قال : انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز و ابنا بريدة فقال عبد الله بن بريدة : حدثني أبي بريدة قال : أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط قال : و أحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا
قال : فبعث ذلك الرجل على خيل : فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا قال : فأصبنا سببا قال : فكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ابعث إلينا من يخمسه ] قال : فبعث إلينا عليا و في السبي وصيفة من أفضل السبي
قال : فخمس و قسم فخرج و رأسه يقطر فقلنا : يا أبا الحسن ما هذا ؟ فقال : ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت و خمست فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه و سلم ثم صارت في آل علي و وقعت بها
قال : فكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه و سلم فقلت : ابعثني فبعثني مصدقا قال : فجعلت أقرأ الكتاب و أقول : صدق قال : فأمسك يدي و الكتاب فقال : [ أتبغض عليا ؟ ] قال : قلت : نعم قال : [ فلا تبغضه و إن كنت تحبه فازدد له حبا فو الذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة ]
قال : فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى الله عليه و سلم أحب إلي من علي
قال عبد الله بن بريدة : فو الذي لا إله غيره ما بيني و بين النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث غير أبي بريدة
تفرد به بهذا السياق عبد الجليل بن عطية الفقيه أبو صالح البصري وثقه ابن معين و ابن حبان و قال البخاري : إنما يتهم في الشيء بعد الشيء
و قال محمد بن إسحاق : [ حدثنا أبان بن صالح عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن خاله عمرو بن شأس الأسلمي و كان من أصحاب الحديبية قال : كنت مع علي بن أبي طالب في خيله التي بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن فجفاني علي بعض الجفاء فوجدت في نفسي عليه
فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة و عند من لقيته فأقبلت يوما و رسول الله جالس في المسجد فلما رآني أنظر إلى عينيه نظر إلي حتى جلست إليه فلما جلست إليه قال : إنه و الله يا عمرو بن شأس لقد آذيتني فقلت : إنا لله و إنا إليه راجعون ! أعوذ بالله و الإسلام أن أوذي رسول الله فقال : من آذى عليا فقد آذاني ]
و قد وراه البيهقي من وجه آخر عن ابن إسحاق عن أبان بن الفضل بن معقل ابن سنان عن عبد الله بن نيار عن خاله عمرو بن شأس فذكره بمعناه
و قال الحافظ البيهقي : أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأنا أبو إسحاق المزكي حدثنا عبيدة بن أبي السفر سمعت إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام
قال البراء : فكنت فيمن خرج خالد بن الوليد فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث علي بن أبي طالب و أمره أن يقفل خالدا إلا رجلا كان ممن مع خالد فأحب أن يعقب مع علي فليعقب معه
قال البراء : فكنت فيمن عقب مع علي فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا ثم تقدم بنا فصلى بنا علي ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا و قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلمت همدان جميعا فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بإسلامهم فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال : [ السلام على همدان السلام على همدان ]
قال البيهقي : رواه البخاري مختصرا من وجه آخر عن إبراهيم بن يوسف
و قال البيهقي : أنبأنا أبو الحسين محمد بن الفضل القطان أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري أنه قال : بعث رسول الله علي بن أبي طالب إلى اليمن
قال أبو سعيد : فكنت فيمن خرج معه فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها و نريح إبلنا ـ و كنا قد رأينا في إبلنا خللا ـ فأبى علينا و قال : إنما لكم فيها سهم كما للمسلمين
قال : فلما فرغ علي و انطلق من اليمن راجعا أمر علينا إنسانا و أسرع هو و أدرك الحج فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه و سلم : [ ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم ]
قال أبو سعيد : و قد كنا سألنا الذي استخلفته ما كان علي منعنا إياه ففعل فلما عرف في إبل الصدقة أنها قد ركبت و رأى أثر الركب قدم الذي أمره و لامه
فقلت : أما إن لله علي لئن قدمت المدينة لأذكرن لرسول الله و لأخبرته ما لقينا من الغلظة و التضييق
قال : فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أريد أن أفعل ما كنت حلفت عليه فلقيت أبا بكر خارجا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآني وقف معي و رحب بي و ساءلني و ساءلته و قال : متى قدمت ؟ فقلت قدمت البارحة فرجع معي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل و قال : هذا سعد بن مالك بن الشهيد فقال : ائذن له
فدخلت فحييت رسول الله و حياني و أقبل علي و ساءلني عن نفسي و أهلي و أحفى المسألة فقلت : يا رسول الله ما لقينا من علي من الغلظة و سوء الصحبة و التضييق
فاتأد رسول الله و جعلت أنا أعدد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله على فخذي و كنت منه قريبا و قال : [ يا سعد بن مالك بن الشهيد مه بعض قولك لأخيك علي فو الله لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله ] قال : فقلت في نفسي : ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنت فيما يكره هذا اليوم و لا أدري ؟ ! لا جرم و الله لا أذكره بسوء أبدا سرا و لا علانية
و هذا إسناد جيد على شرط النسائي و لم يره أحد من أصحاب الكتب الستة
و قد قال يونس عن محمد بن إسحاق : حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي عمر عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال : إنما وجد جيش علي بن أبي طالب الذين كانوا معه باليمن لأنهم حين أقبلوا خلف عليهم رجلا و تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : فعمد الرجل فكسا كل رجل حلة فلما دنوا خرج عليهم علي يستقبلهم فإذا عليهم الحلل قال علي : ماهذا ؟ قالوا : كسانا فلان : قال : فما دعاك إلى هذا قبل أن تقدم على رسول الله فيصنع ما شاء ؟ فنزع الحلل منهم
فلما قدموا على رسول الله اشتكوه لذلك و كانوا قد صالحوا رسول الله و إنما بعث عليا إلى جزية موضوعة قلت : هذا السياق أقرب من سياق البيهقي
و ذلك أن عليا سبقهم لأجل الحج و ساق معه هديا و أهل بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم فأمره أن يمكث حراما و في رواية البراء بن عازب أنه قال : له إني سقت الهدى و قرنت و المقصود أن عليا لما كثر فيه القيل و القال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة و استرجاعه منهم الحلل التي لأطلقها لهم نائبه و علي معذور فيما فعل لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج فلذلك و الله أعلم ـ لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من حجته و تفرغ من مناسكه و رجع إلى المدينة فمر بغدير خم قام في الناس خطيبا فبرأ ساحة علي و رفع من قدره و نبه على فضله ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس و سيأتي هذا مفصلا في موضعه إن شاء الله و به الثقة
و قال البخاري : حدثنا قتيبة حدثنا عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة حدثني عبد الرحمن بن أبي نعم سمعت أبا سعيد الخدري يقول : بعث علي بن أبي طالب إلى النبي صلى الله عليه و سلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها
قال : فقسمها بين أربعة بين عيينة بن بدر و الأقرع بن حابس و زيد الخيل و الرابع إما علقمة بن علاثة و إما عامر بن الطفيل
فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ ألا تأمنوني ؟ و أنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا و مساء ]
قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار فقال : يا رسول الله اتق الله فقال : [ و يلك أولست أحق الناس أن يتقي الله ] قال : ثم ولى الرجل
قال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ قال : لا لعله أن يكون يصلي قال خالد : و كم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس و لا أشق بطونهم ]
قال ثم نظر إليه و هو مقف فقال : [ إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ] أظنه قال : لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود
و قد رواه البخاري في مواضع أخر من كتابه و مسلم في كتاب الزكاة من صحيحه من طرق متعددة إلى عمارة بن القعقاع به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن و أنا حديث السن
قال : فقلت : تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث و لا علم لي بالقضاء ؟ قال : إن الله سيهدي لسانك و يثبت قلبك قال : فما شككت في قضاء بين اثنين ] و رواه ابن ماجة من حديث الأعمش به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أسود بن عامر حدثنا شريك عن سماك عن حنش عن علي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن قال فقلت : يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني و أنا حدث لا أبصر القضاء ؟ قال فوضع يده على صدري و قال : اللهم ثبت لسانه و اهد قلبه يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر ما سمعت من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك ]
قال : فما اختلف علي قضاء بعد ـ أو ما أشكل علي قضاء بعد
و رواه أحمد أيضا و أبو داود من طرق عن شريك و الترمذي من حديث زائدة كلاهما عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر و قيل ابن ربيعة الكناني الكوفي عن علي به
و قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة عن الأجلح عن الشعبي عن عبد الله ابن أبي الخليل عن زيد بن أرقم أن نفرا و طئوا امرأة في طهر فقال علي لاثنين : أتطيبان نفسا لذا ؟ فقالا : لا فأقبل على الآخرين فقال : أتطيبان نفسا لذا ؟
فقالا : لا فقال : أنتم شركاء متشاكسون
فقال : إني مقرع بينكم فأيكم قرع أغرمته ثلثي الدية و ألزمته الولد
قال : فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : لا أعلم إلا ما قال علي
و قال أحمد : [ حدثنا شريح بن النعمان حدثنا هشيم أنبأنا الأجلح عن الشعبي عن أبي الخليل عن زيد بن أرقم أن عليا أتى في ثلاثة نفر إذ كان في اليمن اشتركوا في ولد فأقرع بينهم فضمن الذي أصابته القرعة ثلثي الدية و جعل الولد له
قال زيد بن أرقم : فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته بقضاء علي فضحك حتى بدت نواجذه ]
و رواه أبو داود عن مسدد عن يحيى القطان و النسائي عن علي بن حجر عن علي بن مسهر كلاهما عن الأجلح بن عبد الله عن عامر الشعبي عن عبد الله بن الخليل
و قال النسائي [ في رواية عبد الله بن أبي الخليل عن زيد بن أرقم قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فجاء رجل من أهل اليمن فقال : إن ثلاثة نفر أتوا عليا يختصمون في ولد و قعوا على امراة في طهر واحد فذكر نحو ما تقدم و قال فضحك النبي صلى الله عليه و سلم ]
و قد روياه ـ أعني أبا داود و النسائي ـ من حديث شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي عن أبي الخليل أو ابن الخليل عن علي قوله فأرسله و لم يرفعه
و قد رواه الإمام أحمد أيضا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأجلح عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم فذكر نحو ماتقدم
و أخرجه أبو داود و النسائي جميعاعن حنش بن أصرم و ابن ماجة عن إسحاق ابن منصور كلاهما عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن صالح الهمداني عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم به
قال شيخنا في الأطراف : لعل عبد خير هذا هو عبد الله بن الخليل و لكن لم يضبط الراوي اسمه
قلت : فعلى هذا يقوى الحديث و إن كان غيره كان أجود لمتابعته له لكن الأجلح ابن عبد الله الكندي فيه كلام ما و قد ذهب إلى القول بالقرعة في الأنساب الإمام أحمد و هو من أفراده
و قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد حدثنا إسرائيل حدثنا سماك عن حنش عن علي قال : بعثني رسول الله إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم تعلق آخر بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد فانتدب له رجل بحربة فقتله و ماتوا من جراحتهم كلهم
فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا فأتاهم علي على تعبية ذلك فقال : تريدون أن تقاتلوا و رسول الله صلى الله عليه و سلم حي ! إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء و إلا حجز بعضكم عن بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه و سلم فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له
اجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر ربع الدية و ثلث الدية و نصف الدية و الدية كاملة فللأول الربع لأنه هلك و الثاني ثلث الدية و الثالث نصف الدية و الرابع الدية
فأبوا أن يرضوا فأتوا النبي صلى الله عليه و سلم و هو عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة فقال : أنا أحكم بينكم فقال رجل من القوم : يا رسول الله إن عليا قضى فينا فقصوا عليه القصة فأجازه رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم رواه الإمام أحمد أيضا عن وكيع عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن حنش عن علي فذكره (4/201)
لأنه عليه الصلاة و السلام ودع الناس فيها و لم يحج بعدها و سميت حجة الإسلام لأنه عليه السلام لم يحج من المديمة غيرها ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة و بعدها
و قد قيل إن فريضة الحج نزلت عامئذ و قيل سنة تسع و قيل سنة ست و قيل قبل الهجرة و هو غريب
و سميت حجة البلاغ لأنه عليه السلام بلغ الناس شرع الله في الحج قولا و فعلا و لم يكن بقي من دعائم الإسلام و قواعده شيء إلا و قد بينه عليه السلام فلما بين لهم شريعة الحج و وضحه و شرحه أنزل الله عز و جل عليه و هو واقف بعرفة : { اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا }
و سيأتي إيضاح هذا كله و المقصود ذكر حجته عليه السلام كيف كانت فإن النقلة اختلفوا فيها اختلافا كثيرا جدا بحسب ما وصل إلى كل منهم من العلم و تفاوتوا في ذلك تفاوتا كثيرا لاسيما من بعد الصحابة رضي الله عنهم
و نحن نورد بحمد الله و عونه و حسن توفيقه ما ذكره الأئمة في كتبهم من هذا الروايات و نجمع بينها جمعا يثلج قلب من تأمله و أنعم النظر فيه و جمع بين طريقتي الحديث و فهم معانيه إن شاء الله و به الثقة و عليه التكلان
و قد اعتنى الناس بحجة رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتناء كثيرا من قدماء الأئمة و متأخريهم
و قد صنف العلامة أبو محمد بن حزم الأندلسي رحمه الله مجلدا في حجة الوداع أجاد في أكثره و وقع له فيه أوهام سننبه عليها في مواضعها و بالله المسعتان (4/211)
كما رواه البخاري و مسلم عن هدبة عن همام عن قتادة عن أنس قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي في حجته الحديث و قد رواه يونس بن بكير عن عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي هريرة مثله
و قال سعد بن منصور عن الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر : عمرة في شوال و عمرتين في ذي القعدة
و كذا رواه ابن بكير عن مالك عن هشام بن عروة
و روى الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله اعتمر ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة
و قال أحمد : حدثنا أبو النضر حدثنا داود ـ يعني العطار ـ عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال اعتمر رسول الله أربع عمر : عمرة الحديبية و عمرة القضاء و الثالثة من الجعرانة و الرابعة التي مع حجته
و رواه أبو داود و الترمذي و النسائي من حديث داود العطار و حسنه الترمذي
و قد تقدم هذا الفصل عند عمره الجعرانة و سيأتي في فضل من قال إنه عليه السلام حج قارنا و بالله المستعان
فالأولى من هذه العمر : عمرة الحديبية التي صد عنها ثم بعدها عمرة القضاء و يقال بل عمرة القصاص و يقال عمرة القضية ثم بعدها عمرة الجعرانة مرجعه من الطائف حين قسم غنائم حنين و قد قدمنا ذلك كله في مواضعه و الرابعة عمرته مع حجته
و سنبين اختلاف الناس في عمرته هذه مع الحجة هل كان متمتعا بأن أوقع العمرة قبل الحجة و حل منها أو منعه من الإحلال منها سوقه الهدى أو كان قارنا لها مع الحجة كما نذكره من الأحاديث الدالة على ذلك أو كان مفردا لها عن الحجة بأن أوقعها بعد قضاء الحجة قال : و هذا هو الذي يقوله من يقول من يقول بالإفراد كما هو المشهور عن الشافعي
و سيأتي بيان هذا عند ذكرنا إحرامه صلى الله عليه و سلم كيف كان مفردا أو متمتعا أو قارنا
قال البخاري : حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق حدثني زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه و سلم غزا تسع عشرة غزوة و أنه حج بعد ما هاجر حجة واحدة
قال أبو إسحاق : و بمكة أخرى
و قد رواه مسلم من حديث زهير و أخرجاه من حديث شعبة زاد البخاري و إسرائيل ثلاثتهم عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن زيد به
و هذا الذي قال أبو إسحاق من أنه عليه السلام حج بمكة حجة أخرى إن أراد أنه لم يقع منه بمكة إلا حجة واحدة كما هو ظاهر لفظه فهو بعيد
فإنه عليه السلام كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج و يدعو الناس إلى الله و يقول [ من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز و جل ]
حتى قيض الله له جماعة الأنصار يلقونه ليلة العقبة أي عشية يوم النحر عند جمرة العقبة ثلاث سنين متتاليات حتى إذا كانوا آخر سنة بايعوه ليلة العقبة الثانية و هي ثالث اجتماعهم به ثم كانت بعدها الهجرة إلى المدينة كما قدمنا ذلك مبسوطا في موضعه و الله أعلم
و في حديث جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال : أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس بالحج فاجتمع بالمدينة بشر كثير فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لخمس بقين من ذي القعدة أو لأربع فلما كان بذي الحليفة صلى ثم استوى على راحلته فلما أخذت به في البيداء لبى و أهللنا لا ننوي إلا الحج
و سيأتي الحديث بطوله و هو في حيح مسلم و هذا لفظ البيهقي من طريق أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن طهمان عن جعفر بن محمد به (4/212)
قال محمد بن إسحاق : فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم ذو العقدة من سنة عشر تجهز للحج و أمر الناس بالجهاز له
فحدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة
و هذا إسناد جيد
و رواه الإمام مالك في موطئه عن يحيى بن سعد الأنصاري عن عمرة عن عائشة و رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عنها
و هو ثابت في الصحيحين و سنن النسائي و ابن ماجه و مصنف ابن أبي شيبة من طرق عن يحيى سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الجح الحديث بطوله كما سيأتي
و قال البخاري : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة أخبرني كريب عن ابن عباس قال : انطلق النبي صلى الله عليه و سلم من المدينة بعدما ترجل و ادهن و لبس إزراه و رداءه و لم ينه عن شيء من الأردية و لا الأزر إلا المزعفرة التي تردع على الجلد فأصبح بذي الحليفة و ركب راحلته حتى استوى على البيداء و ذلك لخمس بقين من ذي القعدة فقدم مكة لخمس خلون من ذي الحجة
تفرد به البخاري
فقوله : [ و ذلك لخمس بقين من ذي القعدة ] إن أراد به صبيحة يومه بذي الحليفة صح قول ابن حزم في دعواه أنه عليه السلام خرج من المدينة يوم الخميس و بات بذي الحليفة ليلة الجمعة و أصبح بها يوم الجمعة و هو اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة
و إن أراد ابن عباس بقوله : و ذلك لخمس من ذي القعدة يوم انطلاقه عليه السلام من المدينة بعدما ترجل و ادهن و لبس إزراه و رداءه كما قالت عائشة و جابر أنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة بعد قول ابن حزم و تعذر المصير إليه و تعين القول بغيره و لم ينطبق ذلك إلا على يوم الجمعة إن كان شهر ذي القعدة كاملا
و لا يجوز أن يكون خروجه عليه السلام من المدينة كان يوم الجمعة لما رواه البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس ابن مالك قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن معه الظهر بالمدينة أربعا و العصر بذي الحيفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء حمد الله عز و جل و سبح و كبر ثم أهل بحج و عمرة
و قد رواه مسلم و النسائي جمعيا عن قتيبة عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بالمدينة أربعا و العصر بذي الحليفة ركعتين
و قال أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن محمد ـ يعني ابن المنكدر ـ و إبراهيم بن ميسرة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بالمدينة أربعا و العصر بذي الحليفة ركعتين
و رواه البخاري عن أبي نعيم عن سفيان ـ هو الثوري ـ به و أخرجه مسلم و أبو دواد و النسائي من حديث سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر و إبراهيم بن ميسرة عن أنس به
و قال أحمد : حدثنا محمد بن بكير حدثنا ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن أنس قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة الظهر أربعا و العصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح فلما ركب راحلته و استوت به أهل
و قال أحمد : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن المنكدر التيمي عن أنس بن مالك الأنصاري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات ثم صلى بنا العصر بذي الحليفة ركعتين آمنا لا يخاف في حجة الوداع
تفرد به أحمد من هذين الوجهين و هما على شرط الصحيح
و هذا ينفي كون خروجه عليه السلام يوم الجمعة قطعا
و لا يجوز على هذا أن يكون خروجه يوم الخميس كما قال ابن حزم لأنه كان يوم الرابع و العشرين من ذي القعدة لأنه لا خلاف أن أول ذي الحجة كان يوم الخميس لما ثبت بالتواتر و الإجماع من أنه عليه السلام وقف بعرفة يوم الجمعة و هو تاسع ذي الحجة بلا نزاع فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع و العشرين من ذي القعدة لبقي في الشهر ست ليال قطعا ليلة الجمعة و السبت و الأحد و الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء فهذه ست ليال
و قد قال ابن عباس و عائشة و جابر أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة و تعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس فتعين على هذا أنه عيه السلام خرج من المدينة يوم السبت و ظن الراوي أن الشهر يكون تاما فاتفق في تلك السنة نقصانه فانسلخ يوم الأربعاء و استهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس و يؤيده ما وقع في رواية جابر : لخمس بقين أو أربع
و هذا التقرير على هذا التقدير لا محيد عنه و لا بد منه و الله أعلم (4/215)
قال البخاري : [ حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن ابن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخرج من طريق الشجرة و يدخل من طريق المعرس و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذ خرج إلى مكة يصلي في مسجد الشجرة و إذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي و بات حتى يصبح ]
تفرد به البخاري من هذا الوجه
و قال الحافظ أبو بكر البزاز : وجدت في كتابي [ عن عمرو بن مالك عن يزيد بن زريع عن هشام عن عزرة بن ثابت عن ثمامة عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم : حج على رحل رث و تحته قطيفة و قال : حجة لا رياء فيها و لا سمعة ]
و قد علقه البخاري في صحيحه فقال : و قال محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا يزيد بن زريع عن عزرة بن ثابت عن ثمامة قال : حج أنس على رحل رث و لم يكن شحيحا و حدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حج على رحل و كانت زاملته
هكذا ذكره البزار و البخاري معلقا مقطوع الإسناد من أوله
و قد أسنده الحافظ البيهقي في سننه فقال : أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا يزيد بن زريع فذكره
و قد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده من وجه آخر [ عن أنس بن مالك فقال : حدثنا علي بن الجعد أنبأنا الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس قال : حج رسول الله صلى الله عليه و سلم على رحل رث و قطيفة تساوي ـ أو لا تساوي ـ أربعة دراهم فقال : اللهم حجة لا رياء فيها ]
و قد رواه الترمذي في الشمائل من حديث أبو داود الطيالسي و سفيان الثوري و ا0بن ماجة من حديث وكيع ابن الجراح ثلاثتهم عن الربيع بن صبيح به
و هو إسناد ضعيف من جهة يزيد بن أبان الرقاشي فإنه غير مقبول الرواية عند الأئمة
و قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه قال : صدرت مع ابن عمر فمرت بنا رفقة يمانية و رحالهم الأدم وخطم إبلهم الخرز فقال عبد الله : من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت العام برسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه إذ قدموا في حجة الوداع فلينظر إلى هذه الرفقة
و رواه أبو داود عن هناد عن وكيع عن إسحاق عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن ابن عمر
و قال الحافظ أبو بكر البيهقي : [ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ و أبو طاهر الفقيه و أبو زكريا بن أبي إسحاق و أبو بكر بن الحسن و أبو سعيد بن أبي عمرو : قالوا حدثنا أبو العباس هو الأصم أنبأنا محمد بن عبد الله بن الحكم أنبأنا سعيد بن بشير القرشي حدثنا عبد الله بن حكيم الكناني ـ رجل من أهل اليمن من مواليهم ـ عن بشر بن قدامة الضبابي قال : أبصرت عيناي حبيبي رسول الله صلى الله عليه و سلم واقفا بعرفات مع الناس على ناقة له حمراء قصواء تحته قطيفة بولانية و هو يقول اللهم اجعلها حجة غير رياء و لا مباهاة و لا سمعة و الناس يقولون : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الله بن إدريس حدثنا ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قالت : خرجنا مع النبي صلى الله عليه و سلم حجاجا حتى أدركنا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلست عائشة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم و جلست إلى جنب أبي و كانت زمالة رسول الله صلى الله عليه و سلم و زمالة أبي بكر واحدة مع غلام أبي بكر فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه فطلع عليه و ليس معه بعيره فقال : أين بعيرك ؟ فقال أضللته البارحة فقال أبو بكر : بعير واحد تضله ! فطفق يضربه و رسول الله صلى الله عليه و سلم يبتسم و يقول : انظروا إلى هذا المحرم و ما يصنع ! ]
و كذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل و محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة و أخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة ثلاثتهم عن عبد الله بن إدريس به
فأما الحديث الذي رواه أبو بكر البزاز في مسنده قائلا : [ حدثنا إسماعيل بن حفص حدثنا يحيى بن اليمان حدثنا حمزة الزيات عن حمران بن أعين عن أبي الطفيل عن أبي سعيد قال : حج النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه مشاة من المدينة إلى مكة قد ربطوا أوساطهم و مشيهم خلط الهرولة ]
فإنه حديث منكر ضعيف الإسناد و حمزة بن حبيب الزيات ضعيف و شيخه متروك الحديث و قد قال البزار : لا يروى إلا من هذا الوجه و إن كان إسناده حسنا عندنا
و معناه أنهم كانوا في عمرة إن ثبت الحديث لأنه عليه السلام إنما حج حجة واحدة و كان راكبا و بعض أصحابه مشاة
قلت : و لم يعتمر النبي صلى الله عليه و سلم في شيء من عمره ماشيا لا في الحديبية و لا في القضاء و لا الجعرانة و لا في حجة الوداع
و أحواله عليه السلام أشهر و أعرف من أن تخفى على الناس بل هذا الحديث منكر شاذ لا يثبت مثله و الله أعلم
فصل
تقدمو أنه عليه السلام صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم ركب منها إلى الحليفة و هي واد العقيق فصلى بها العصر ركعتين
فدل على أنه جاء الحليفة نهارا في وقت العصر فصلى بها العصر قصرا و هي من المدينة على ثلاثة أميال ثم صلى بها المغرب و العشاء و بات بها حتى أصبح فصلى بأصحابه و أخبرهم أنه جاءه الوحي من الليل بما يتعمده في الإحرام
كما قال الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم : أنه أتى في المعرس من من ذي الحليفة فقيل له : إنك ببطحاء مباركة ]
و أخرجاه في الصحيحين من حديث موسى بن عقبة به
و قال البخاري : [ حدثنا الحميدي حدثنا الوليد و بشر بن بكر قالا : حدثنا الأوزاعي حدثنا يحيى حدثني عكرمة أنه سمع ابن عباس أنه سمع عمر يقول : سمعت رسول الله بوادي العقيق يقول : أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك و قل : عمرة في حجة ]
تفرد به دون مسلم
فالظاهر أن أمره عليه السلام بالصلاة في وادي العقيق هو أمر بالإقامة به إلى أن يصلي صلاة الظهر لأن الأمر إنما جاءه في الليل و أخبرهم بعد صلاة الصبح فلم يبق إلا صلاة الظهر فأمر أن يصليها هنالك و أن يوقع الإحرام بعدها
و لهذا قال : [ أتاني الليلة آت من ربي عز و جل فقال : صل في هذا الوادي المبارك و قل عمرة في حجة ]
و قد احتج به على الأمر بالقران في الحج و هو من أقوى الأدلة على ذلك كما سيأتي بيانه قريبا
و المقصود أنه عليه السلام أمر بالإقامة بوادي العقيق إلى صلاة الظهر و قد امتثل صلوات الله و سلامه عليه ذلك فأقام هنالك و طاف على نسائه في تلك الصبيحة و كن تسع نسوة و كلهن خرج معه و لم يزل هنالك حتى صلى الظهر كما سيأتي في حديث أبي حسان الأعرج عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم أشعر بدنته ثم ركب فأهل
و هو عند مسلم
و هكذا قال الإمام أحمد : حدثنا روح حدثنا أشعث ـ هو ابن عبد الملك ـ عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا شرف البيداء أهل
و رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل و النسائي عن إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل عن أشعث بمعناه و عن أحمد بن الأزهر عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن أشعث أتم منه
و هذا فيه رد على ابن حزم حيث زعم أن ذلك في صدر النهار
و له أن يعتضد بما رواه البخاري من طريق أيوب عن رجل عن أنس أن رسول الله بات بذي الحليفة حتى أصبح فصلى الصبح ثم ركب راحلته حتى إذا استوت به البيداء أهل بعمرة و حج
و لكن في إسناده رجل مبهم و الظاهر أنه أبو قلابة و الله أعلم
قال مسلم في صحيحه : حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد ـ يعني ابن الحارث ـ حدثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر سمعت أبي يحدث عن عائشة أنها قالت : كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينصح طيبا
و قد رواه البخاري من حديث شعبة و أخرجاه من حديث أبي عوانة و مسلم و مسعر و سفيان بن سعيد الثوري أربعتهم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر به
و في رواية لمسلم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال : سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطلب ثم يصبح محرما قال : ما أحب أني أصبح محرما أنضخ طيبا لأن أطلي القطران أحب إلي من أن أفعل ذلك
فقالت عائشة : أنا طيبت رسول الله عند إحرامه ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما
و هذا اللفظ الذي رواه مسلم يقتضي أنه كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتطيب قبل أن يطوف على نسائه ليكون ذلك أطيب لنفسه و أحب إليهن ثم لما اغتسل من الجنابة و للإحرام تطيب أيضا للإحرام طيبا آخر
كما رواه الترمذي و البيهقي من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم تجرد لإهلاله و اغتسل
و قال الترمذي : حسن غريب
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا زكريا بن عدي أنبأنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عروة عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي و أشنان و دهنه بشيء من زيت غير كثير ]
الحديث تفرد به أحمد
و قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله : [ أنبأنا سفيان بن عيينة عن عثمان بن عروة سمعت أبي يقول : سمعت عائشة تقول : طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم لحرمه و لحله قلت لها : بأي طيب ؟ قالت بأطيب الطيب ]
و قد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة و أخرجه البخاري من حديث وهب عن هشام بن عروة عن أخيه عثمان عن أبيه عروة عن عائشة به
و قال البخاري : [ حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لإحرمه حين يحرم و لحله قبل أن يطوف بالبيت ]
و قال مسلم : [ حدثنا عبد بن حميد أنبأنا محمد بن أبي بكر : أنبأنا ابن جريج أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة و القاسم يخبران عن عائشة قالت : طيبت رسول الله بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل و الإحرام ]
و روى مسلم [ من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي هاتين لحرمه حين أحرم و لحله قبل أن يطوف بالبيت ]
و قال مسلم : [ حدثني أحمد بن منيع و يعقوب الدورقي قالا : حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : كنت أطيب النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يحرم و يحل و يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت يطيب فيه مسك ]
و قال مسلم : [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و زهير بن حرب قالا : حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت : كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يلبي ]
ثم رواه مسلم [ من حديث الثوري و غيره عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو محرم ]
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري و مسلم من حديث الأعمش كلاهما من منصور عن إبراهيم عن الأسود عنها
و أخرجناه في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم بن إبراهيم عن الأسود عن عائشة
و قال أبو داود الطيالسي : [ أنبأنا أشعث عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كأني أنظر إلى وبيص الطيب في وبيص الطيب في أصول شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو محرم ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت : كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق النبي صلى الله عليه و سلم بعد أيام و هو محرم ]
و قال عبد الله بن الزبير الحميدي : [ حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عطاء بن السائب عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت : رأيت الطيب في مفرق رسول الله بعد ثالثة و هو محرم ]
فهذه الأحاديث دالة على أنه عليه السلام تطيب بعد الغسل إذ لو كان الطيب قبل الغسل لذهب به الغسل و لما بقي له أثر و لا سيما بعد ثلاثة أيام من يوم الإحرام
و قد ذهب طائفة من السلف منهم ابن عمر إلى كراهة التطيب عند الإحرام
و قد روينا هذا الحديث من طريق ابن عمر عن عائشة فقال الحافظ البيهقي : [ أنبأنا أبو الحسين بن بشران ـ ببغداد ـ أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المصري حدثنا يحيى ابن عثمان بن صالح حدثنا عبد الرحمن بن ابي المعشر حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة أنها قالت :
طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم بالغالية الجيدة عند إحرامه ]
و هذا إسناد غريب عزيز المخرج
ثم إنه عليه السلام لبد رأسه ليكون أحفظ لما فيه من الطيب و أصون له من استقرار التراب و الغبار
قال مالك [ عن نافع عن ابن عمر أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة و لم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي و قلدت هديي فلا أحل حتى أنحر ]
و أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك و له طرق كثيرة عن نافع
و قال البيهقي : [ أنبأنا الحاكم أنبأنا الأصم أنبانا يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا عبد الأعلى حدثنا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لبد رأسه بالعسل ]
و هذا إسناد جيد
ثم إنه عليه السلام أشعر الهدى و قلده و كان معه بذي الحليفة
قال الليث عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه [ تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج و أهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة ]
و سيأتي الحديث بتمامه و هو في الصحيحين و الكلام عليه إن شاء الله
و قال مسلم : [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام ـ هو الدستوائي ـ حدثني أبي عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أتى ذا الحليفة دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن و سلت الدم و قلدها نعلين ثم ركب راحلته ]
و قد رواه أهل السنن الأربعة من طرق عن قتادة
و هذا يدل على أنه عليه السلام تعاطى هذا الإشعار و التقليد بيده الكريمة في هذه البدنة و تولى إشعار بقية الهدي و تقليده غيره فإنه قد كان معه هدي كثير إما مائة بدنة أو أقل منها بقليل و قد ذبح بيده الكريمة ثلاثا و ستين بدنة و أعطى عليا فذبح ما غبر
و في حديث جابر أن عليا قدم من اليمن ببدن للنبي صلى الله عليه و سلم
و في سياق ابن إسحاق أنه عليه السلام أشرك عليا في بدنه و الله أعلم و ذكر غيره أنه ذبح هو و علي يوم النحر مائة بدنة
فعلى هذا يكون قد ساقها معه من ذي الحليفة و قد يكون اشترى بعضها بعد ذلك و هو محرم (4/218)
ذكر من قال إنه عليه السلام أحرم من المسجد الذي بذي الحليفة بعد الصلاة : تقدم الحديث الذي رواه البخاري [ من حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم بوادي العقيق يقول : أتاني آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك و قل عمره في حجة ]
و قال البخاري : باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة :
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا موسى بن عقبة سمعت سالم بن عبد الله ح و حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك موسى بن عقبة سمعت سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول : ما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا من عند المسجد ـ يعني مسجد ذي الحليفة
و قد رواه الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن موسى بن عقبة
و في رواية لمسلم عن موسى بن عقبة عن سالم و نافع و حمزة بن عبد الله بن عمر ثلاثتهم عن عبد الله بن عمر فذكره و زاد فقلا : لبيك اللهم لبيك
و في رواية لهما من طريق مالك عن موسى بن عقبة عن سالم قال : قال عبد الله ابن عمر : بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أهل رسول الله إلا من عند المسجد
و قد روي عن ابن عمر خلاف هذا كما يأتي في الشق الآخر
و هو ما أخرجاه في الصحيحين من طريق مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريح عن ابن عمر فذكر حديثا فيه أن عبد الله قال : و أما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل حتى تنبعث به راحلته
و قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني خصيف ابن عبد الرحمن الجزري عن سعيد بن جبير قال : قلت لعبد الله بن عباس : يا أبا العباس عجبا لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في الإهلال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أوجب ؟ !
فقال : إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا
خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه قوم فحفظوا عنه ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل و أدرك ذلك منه أقوام و ذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا : إنما أهل رسول الله حين استقلت به ناقته
ثم مضى رسول الله فلما علا شرف البيداء أهل و أدرك ذلك منه أقوام فقالوا : إنما أهل رسول الله حين علا شرف البيداء و ايم الله لقد أوجب في مصلاه و أهل حين استقلت به ناقته و أهل حين علا شرف البيداء
فمن أخذ يقول عبد الله بن عباس أنه أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه ـ و قد رواه الترمذي و النسائي جميعا عن قتيبة عن عبد السلام بن حرب عن خصيف به نحوه
و قال الترمذي : حسن غريب لا نعرف أحدا رواه غير عبد السلام كذا قال و قد تقدم رواية
الإمام أحمد له من طريق محمد بن إسحاق عنه ـ و كذلك رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن
القطيعي عن عبد الله بن أحمد عن أبيه ثم قال : خصيف الجزري غير قوي و قد رواه الواقدي بإسناد له عن ابن عباس قال البيهقي : إلا أنه لا ينفع متابعة الواقدي و الأحاديث التي وردت في ذلك عن عمر مسانيدها قوية ثابتة و الله تعالى أعلم ـ
قلت : فلو صح هذا الحديث لكان فيه جمع لما بين الأحاديث من الاختلاف و بسط لعذر من نقل خلاف الواقع و لكن في إسناده ضعف
ثم قد روى عن ابن عباس و ابن عمر خلاف ما تقدم عنهما كما سننبه عليه و نبينه
و هكذا ذكر من قال إنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته
قال البخاري : [ حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا هشام بن يوسف أنبأنا ابن جريج حدثني محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال : صلى النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة أربعا و بذي الحليفة ركعتين ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة فلما ركب راحلته و استوت به أهل ]
و قد رواه البخاري و مسلم و أهل السنن من طرق عن محمد بن المنكدر و إبراهيم بن ميسرة عن أنس
و ثبت في الصحيحين من حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن ابن عمر قال :
و أما الإهلال فإني لم أر رسول الله يهل حتى تنبعث به راحلته
و أخرجاه في الصحيحين من رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله كان يركب راحلته بذي الحليفة ثم يهل حين تستوي به قائمة
و قال البخاري : باب من أهل حين استوت به راحلته :
[ حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج أخبرني صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر قال : أهل النبي صلى الله عليه و سلم حين استوت به راحلته قائمة ]
و قد رواه مسلم و النسائي من حديث ابن جريج به
و قال مسلم : [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا وضع رجله في الغرز و انبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة ]
انفرد به مسلم من هذا الوجه و أخرجاه من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه
ثم قال البخاري : باب الإهلال مستقبل القبلة :
قال أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن نافع قال : كان ابن عمر إذا صلى الغداة بذي الحليفة أمر براحلته فرحلت ثم ركب فإذا استوت به استقبل القبلة قائما ثم يلبي حتى يبلغ الحرم ثم يمسك حتى إذا جاء ذا طوى بات به حتى يصبح فإذا صلى الغداة اغتسل و زعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل ذلك
ثم قال : تابعه إسماعيل عن أيوب في الغسل
و قد علق البخاري أيضا هذا الحديث في كتاب الحج عن محمد بن عيسى عن حماد ابن زيد و أسنده فيه عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن إسماعيل هو ابن علية
و رواه مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل و عن الربيع الزهراني و غيره عن حماد بن زيد ثلاثتهم عن أيوب عن أبي تميمة السختياني به و رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن علية به
ثم قال البخاري : حدثنا سليمان أبو الربيع حدثنا فليح عن نافع قال : كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلى ثم يركب فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل
تفرد به البخاري من هذا الوجه
و روى مسلم عن قتيبة عن حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه قال : بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها و الله ما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره
وهذا الحديث يجمع بين رواية ابن عمر الأولى و هذه الرويات عنه و هو أن الإحرام كان من عند المسجد و لكن بعد ما ركب راحلته و استوت به على البيداء يعني الأرض و ذلك قبل أن يصل إلى المكان المعروف بالبيداء
ثم قال البخاري في موضع آخر : [ حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا فضيل ابن سليمان حدثنا موسى بن عقبة حدثني كريب عن عبد الله بن عباس قال : انطلق النبي صلى الله عليه و سلم من المدينة بعد ما ترجل و ادهن و لبس إزاره و رداءه هو و أصحابه و لم ينه عن شيء من الأزدية و الأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل و أصحابه و قلد بدنه و ذلك لخمس بقين من ذي القعدة فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة
فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و لم يحل من أجل بدنه لأنه قلدها ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون و هو مهل بالحج و لم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة و أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت و بين الصفا و المروة ثم يقصروا من روءسهم ثم يحلوا و ذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها و من كانت معه امرأته فهي له حلال و الطيب و الثياب ]
انفرد به البخاري
و قد روى الإمام أحمد [ عن بهز بن أسد و حجاج و روح بن عبادة و عفان بن مسلم كلهم عن شعبة قال : أخبرني قتادة قال سمعت أبا حسان الأعرج الأجرد و هو مسلم ابن عبد الله البصري عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر بذي الحليفة وثم دعا ببدنته فأشعر صفحة سنامها الأيمن و سلت الدم عنها و قلدها نعلين ثم دعا براحلته فلما استوت على البيداء أله بالحج ]
و رواه أيضا عن هشيم أنبأنا أصحابنا منهم شعبة فذكر نحوه
ثم رواه الإمام أحمد أيضا عن روح و أبي داود الطيالسي و وكيع بن الجراح كلهم عن هشام الدستوائي عن قتادة به نحوه
و من هذا الوجه رواه مسلم في صحيحه و أهل السنن في كتبهم
فهذه الطرق عن ابن عباس من أنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته أصح و أثبت من رواية خصيف الجزري عن سعيد بن جبير عنه و الله أعلم
و هكذا الرواية المثبتة المفسرة أنه أهل حين استوت به الراحلة مقدمة على الأخرى لاحتمال أنه أراد أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته و تكون رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الأخرى و الله أعلم
و رواية أنس في ذلك سالمة عن المعارض و هكذا رواية جابر بن عبد الله في صحيح مسلم من طريق جعفر الصادق عن أبيه عن أبي الحسين زين العابدين عن جابر في حديثه الطويل الذي سيأتي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل حين استوت به راحلته سالمة عن المعارض و الله أعلم
و روى البخاري من طريق الأوزاعي سمعت عطاء عن جابر بن عبد الله أن إهلال رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته
فأما الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق بن يسار [ عن أبي الزناد عن عائشة بنت سعد قالت : قال سعد : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته و إذا أخذ طريقا أخرى أهل إذا علا على شرف البيداء ] فرواه أبو داود و البيهقي من حديث ابن إسحاق و فيه غرابة و نكارة و الله أعلم
فهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه عليه السلام أحرم بعد الصلاة و بعد ما ركب راحلته و ابتدأت به السير زاد ابن عمر في روايته : و هو مستقبل القبلة (4/229)
قال أبو عبد الله محمد إدريس الشافعي : أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج
و رواه مسلم عن إسماعيل عن أبي أويس ويحي بن يحي عن مالك و رواه الإمام أحمد عن
عبد الرحمن بن المهدي عن مالك به
و قال أحمد : [ حدثنا إسحاق بن عيسى حدثني المنكدر بن محمد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا شريح حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن عائشة و عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة و عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج ]
تفرد به أحمد من هذه الوجوه عنها
و قال الإمام أحمد : [ حدثني عبد الأعلى بن حماد قال : قرأت على مالك بن أنس عن أبى الأسود عن عروة عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج ]
و قال : [ حدثنا روح حدثنا مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل و كان يتيما في حجر عروة ـ عن عروة بن الزبير عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج ]
و رواه ابن ماجة عن أبي مصعب عن مالك كذلك
و رواه [ النسائي عن قتيبة عن مالك عن أبي الأسود عن عائشة : أن رسول الله أهل بالحج ]
و قال أحمد أيضا : [ حدثنا عبد الرحمن عن مالك عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنا من أهل بالحج و منا من أهل بالعمرة و منا من أهل بالحج و العمرة و أهل رسول الله بالحج فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت و الصفا و المروة و أما من أهل بالحج و العمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر ]
و هكذا رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف و القعيني و إسماعيل بن أبي أويس عن مالك و رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك به
و قال أحمد : [ حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة : أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج و أهل ناس بالحج و العمرة و أهل ناس بالعمرة ]
و رواه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة به نحوه
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد : [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر الناس في حجة الوداع فقال : من أحب أن يبدأ بعمرة قبل الحج فليفعل و أفرد رسول الله صلى الله عليه و سلم الحج و لم يعتمر ] فإنه حديث غريب جدا تفرد به أحمد بن حنبل و إسناده لا بأس به و لكن لفظه فيه نكارة شديدة و هو قوله : [ فلم يعتمر ]
فإن أريد بهذا أنه لم يعتمر مع الحج و لا قبله هو من ذهب إلى الإفراد و إن أريد أنه لم يعتمر بالكلية لاقبل الحج و لا معه و لا بعده فهذا مما لا أعلم أحدا من العلماء قال به ثم هو مخالف لما صح عن عائشة و غيرها من أنه صلى الله عليه و سلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته
و سيأتي تقرير هذا في فصل القران مستقصى و الله أعلم
و هكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد قائلا في مسنده : [ حدثنا روح حدثنا صالح بن أبي الأخضر حدثنا ابن شهاب أن عروة أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : أهل رسول الله بالحج و العمرة في حجة الوداع و ساق معه الهدى و أهل ناس معه بالعمرة و ساقوا الهدى و أهل ناس بالعمرة و لم يسوقوا هديا
قالت عائشة : و كنت ممن أهل بالعمرة و لم أسق هديا
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من كان منكم أهل بالعمرة فساق معه الهدى فليطف بالبيت و بالصفا و المروة و لا يحل منه شيء حرم منه حتى يقضي حجه و ينحر هدية يوم النحر و من كان منكم أهل بالعمرة و لم يسق معه هديا فليطف بالبيت و بالصفا و المروة ثم ليقصر و ليحلل ثم ليهل بالحج و ليهد فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله
قالت عائشة : فقدم رسول الله الحج الذي خاف فوته و أخر العمرة ]
فهو حديث من أفراد الإمام أحمد و في بعض ألفاظه نكارة و لبعضه شاهد في الصحيح و صالح بن أبي الأخضر ليس من علية أصحاب الزهري لا سيما إذا خالفه غيره كما ها هنا في بعض ألفاظ سياقه هذا
و قوله : [ فقدم الحج الذي يخاف فوته و أخر العمرة ] لا يلتئم مع أول الحديث : [ أهل بالحج و العمرة ]
فإن أراد أنه أهل بهما في الجملة و قدم أفعال الحج ثم بعد فراغه أهل بالعمرة كما يقوله من ذهب إلى الإفراد فهو مما نحن فيه ها هنا
و إن أراد أنه أخر العمرة بالكلية بعد إحرامه بها فهذا لا أعلم أحدا من العلماء صار إليه و إن أراد أنه اكتفى بأفعال الحج عن أفعال العمرة و دخلت العمرة في الحج فهذا قول من ذهب إلى القران و هم يؤولون قول من روى أنه عليه الصلاة و السلام أفرد الحج أي أفرد أفعال الحج و إن كان قد نوى معه العمرة قالوا : لأنه قد روى القران كل من روى الإفراد كما سيأتي بيانه و الله تعالى أعلم (4/236)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجته بالحج ]
إسناده جيد على شرط مسلم
و رواه البيهقي [ عن الحاكم و غيره عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : أهل رسول الله في حجته بالحج ليس معه عمرة ]
و هذه الزيادة غريبة جدا و رواية الإمام أحمد بن حنبل أحفظ و الله أعلم
وفي صحيح مسلم من [ طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : و أهللنا بالحج لسنا نعرف العمرة ]
و قد روى ابن ماجة [ عن هشام بن عمار عن الدراوردي و حاتم بن إسماعيل كلاهما عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرد الحج ]
و هذا إسناد جيد
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا حبيب ـ يعني المعلم ـ عن عطاء حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل و أصحابه بالحج ليس مع أحد منهم هدي إلا النبي صلى الله عليه و سلم و طلحة ]
و ذكر تمام الحديث و هو في صحيح البخاري بطوله كما سيأتي عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب (4/239)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا إسماعيل بن محمد حدثنا عباد ـ يعني ابن عباد ـ حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : أهللنا مع النبي صلى الله عليه و سلم بالحج مفردا ]
و رواه مسلم في صحيحه [ عن عبد الله بن عون عن عباد بن عباد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بالحج مفردا ]
و قال الحافظ أبو بكر البزار : [ حدثنا الحسن بن عبد العزيز و محمد بن مسكين قالا : حدثنا بشر بن بكر حدثنا سعيد بن عبد العزيز بن زيد بن أسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بالحج ـ يعني مفردا ]
إسناده جيد و لم يخرجوه (4/240)
روى الحافظ البيهقي [ من حديث روح بن عبادة عن شعبة عن أيوب عن أبي العالية البراء عن ابن عباس أنه قال : أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج فقدم لأربع مضين من ذي الحجة فصلى بنا الصبح بالبطحاء ثم قال : من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها ]
ثم قال : رواه مسلم عن إبراهيم بن دينار عن ابن روح
و تقدم من رواية قتادة [ عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم أتى ببدنة فأشعر صفحة سسنامها الأيمن ثم أتى براحلته فركبها فلما استوت على البيداء أهل بالحج ]
و هو في صحيح مسلم أيضا
و قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا أبو هشام حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا أبو حصين عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : حججت مع أبي بكر فجرد و مع عمر فجرد و مع عثمان فجرد
تابعه الثوري عن أبي حصين
و هذا إنما ذكرناه لأن الظاهر أن هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما يفعلون هذا عن توقيف و المراد بالتجريد ها هنا الإفراد و الله أعلم
و قال الدارقطني : حدثنا أبو عبيد الله القاسم بن إسماعيل و محمد بن مخلد قالا : حدثنا علي بن محمد بن معاوية الرزاز حدثنا عبد الله بن نافع عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه و سلم استعمل عتاب بن أسيد على الحج فأفرد ثم استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحج ثم حج النبي صلى الله عليه و سلم فأفرد الحج ثم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و استخلف أبو بكر فبعث عمر فأفرد الحج ثم حج أبو بكر فأفرد الحج و توفي أبو بكر و استخلف عمر فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفرد الحج ثم حج فأفرد الحج ثم حصر عثمان فأقام عبد الله بن عباس للناس فأفرد الحج
و في إسناده عبد الله بن عمر العمري و هو ضعيف لكن قال الحافظ البيهقي : له شاهد بإسناده صحيح (4/240)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا حجاج حدثنا ليث حدثني عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج و أهل فساق الهدي من ذي الحليفة و بدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمر ثم أهل بالحج و كان من الناس من أهدي فساق الهدي من ذي الحليفة و منهم من لم يهد
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه و من لم يكن أهدي فليطف بالبيت و بالصفا و المروة و ليقصر و ليحلل ثم ليهل بالحج و ليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام و سبعة إذا رجع إلى أهله
و طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم مكة استلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أشواط من السبع و مشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا و المروة ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه و نحر هديه يوم النحر و أفاض فطاف بالبيت و فعل مثل ما فعل رسول الله ص من أهدي فساق الهدي من الناس ]
قال الإمام أحمد : و حدثنا حجاج حدثنا ليث حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في تمتع بالعمرة إلى الحج و تمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد روى هذا الحديث البخاري عن يحيى بن بكير و مسلم و أبو داود عن عبد الملك بن شعيب عن الليث عن أبيه و النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي عن حجين بن المثنى ثلاثتهم عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة كما ذكره الإمام أحمد رحمه الله
و هذا الحديث من المشكلات على كل من الأقوال الثلاثة
أما قول الإفراد : ففي هذا إثبات عمرة إما قبل الحج أو معه
و أما على قول التمتع الخاص فلأنه ذكر أنه لم يحل من إحرامه بعد ما طاف بالصفا و المروة و ليس هذا شأن المتمتع
و من زعم أنه إنما منعه من التحلل سوق الهدي كما قد يفهم من حديث [ ابن عمر عن حفصة أنها قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة و لم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال : إني لبدت رأسي و قلدت هدي فلا أحل حتى أنحر ] فقولهم بعيد لأن الأحاديث الواردة في إثبات القران ترد هذا القول و تأبى كونه عليه السلام إنما أهل أولا بعمرة ثم بعد سعيه بالصفا و المروة أهل بالحج فإن هذا على هذه الصفة لم ينقله أحد بإسناد صحيح بل و لا حسن و لا ضعيف
و قوله في هذا الحديث : [ تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ] إن أريد بذلك التمتع الخاص و هو الذي يحل منه بعد السعي فليس كذلك فإن في سياق الحديث ما يرده ثم في إثبات العمرة المقارنة لحجه عليه السلام ما يأباه و إن أريد به التمتع العام دخل فيه القران و هو المراد
و قوله : و بدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج إن أريد به بدأ بلفظ العمرة على لفظ الحج بأن قال : لبيك اللهم عمرة و حجا فهذا سهل و لا ينافي القران
و إن أريد به أنه أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج متراخيا و لكن قبل الطواف فقد صار قارنا أيضا
و إن أريد به أنه أهل بالعمرة ثم لما فرغ من أفعالها تحلل أو لم يتحلل بسوق الهدي كما زعمه زاعمون و لكنه أهل بحج بعد قضاء مناسك العمرة و قبل خروجه إلى منى فهذا لم ينقله أحد من الصحابة كما قدمنا و من ادعاه من الناس فقوله مردود لعدم نقله و مخالفته الأحاديث الواردة في إثبات القران كما سيأتي بل و الأحاديث الواردة في الإفراد كما سبق و الله أعلم
و الظاهر و الله أعلم أن حديث الليث هذا عن عقيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر مروي من الطريق الأخرى عن ابن عمر حين أفرد الحج زمن محاصرة الحجاج لابن الزبير فقيل له : إن الناس كائن بينهم شيء فلو أخرت الحج عامك هذا ؟ فقال : إذا أفعل كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم يعني زمن حصر عام الحديبية فأحرم بعمرة من ذي الحليفة ثم لما علا شرف البيداء قال : ما أرى أمرهما إلا واحدا فأهل بحج معها فاعتقد الراوي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هكذا فعل سواء بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فرووه كذلك و فيه نظر لما سنبينه
و بيان هذا في الحديث الذي رواه عبد الله بن وهب أخبرني مالك بن أنس و غيره أن نافعا حدثهم أن عبد الله بن عمر خرج في الفتنة معتمرا و قال : إن صددت عن البيت صنعنا كا صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج فأهل بالعمرة و سار حتى إذا ظهر على ظاهر البيداء التفت إلى أصحابه فقال : ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة فخرج حتى جاء البيت فطاف به وطاف بين الصفا و المروة سبعا لم يزد عليه و رأى أن ذلك مجز عنه و أهدى
و قد أخرجه صاحب الصحيح من حديث مالك و أخرجاه من حديث عبيد الله عن نافع به و رواه عبد الرزاق عن عبيد الله و عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع به نحوه و فيه : ثم قال في آخره : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم
و فيما رواه البخاري حيث قال : حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن نافع : أن ابن عمرأراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له : إن الناس كائن بينهم قتال و إنا نخاف أن يصدوك قال : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة
ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال : ما أرى شأن الحج و العمرة إلا واحدا أشهدكم أني أوجبت حجا مع عمرتي فأهدى هديا اشتراه بقديد ولم يزد على ذلك و لم ينحر و لم يحل من شيء حرم منه و لم يحلق و لم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر و حلق و رأى أن قد قضى طواف الحج و العمرة بطوافه الأول
و قال ابن عمر : كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن أيوب عن نافع أن ابن عمر دخل ابنه عبد الله بن عبد الله و ظهره في الدار فقال : إني لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فيصدوك عن البيت فلو أقمت ؟
قال : قد خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فحال كفار قريش بينته و بين البيت فإن يحل بيني و بينه أفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم إني أشهدكم أني قد أوجبت مع عمرتي حجا ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا
و هكذا رواه البخاري عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن نافع به و رواه مسلم من حديثهما عن أيوب به
فقد اقتدى ابن عمر رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه و سلم في التحلل عند حصر العدو و الاكتفاء بطواف واحد عن الحج و العمرة
و ذلك لأنه كان قد أحرم أولا بعمرة ليكون متمتعا فخشي أن يكون حصر فجمعهما و أدخل الحج قبل العمرة قبل الطواف فصار قارنا
و قال : ما أرى أمرهما إلا واحدا ـ يعني : لا فرق بين أن يحصر الإنسان عن الحج أو العمرة أو عنهما ـ فلما قدم مكة اكتفى عنهما بطوافه الأول كما صرح به في السياق الأول الذي أفردناه و هو قوله : و رأى أن قد قضى طواف الحج و العمرة بطوافه الأول
قال ابن عمر : كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ يعني أنه اكتفى عن الحج و العمرة بطواف واحد ـ يعني بين الصفا و المروة
و في هذا دلالة على أن ابن عمر روى القران
و لهذا روى النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع : أن ابن عمر قرن الحج و العمرة فطاف طوافا واحدا
ثم رواه النسائي عن علي بن ميمون الرقي عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية و أيوب بن موسى و أيوب السختياني و عبد الله بن عمر أربعتهم عن نافع : أن ابن عمر أتى ذا الحليفة فأهل بعمرة فخشي أن يصد عن البيت فذكر تمام الحديث من إدخاله الحج على العمرة و صيرورته قارنا
و المقصود أن بعض الرواة لما سمع قول ابن عمر : إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم و قوله : كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بدأفأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فأدخله عليها قبل الطواف فرواه بمعنى ما فهم
و لم يرد ابن عمر ذلك و إنما أراد ما ذكرناه و الله أعلم بالصواب
ثم بتقدير أن يكون أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف فإنه يصير قارنا لا متمتعا التمتع الخاص فيكون فيه دلالة لمن ذهب إلى أفضلية التمتع و الله تعالى أعلم
و أما الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن قتادة حدثني مطرف عن عمران قال : تمتعنا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم و نزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء
فقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد بن عبد الوراث عن همام عن قتادة به
و المراد به المتعة التي أعم من القران و التمتع الخاص
و يدل على ذلك ما رواه مسلم من حديث شعبة و سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مطرف عن عبد الله بن الشخير عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع بين حج و عمرة و ذكر تمام الحديث
و أكثر السلف يطلقون المتعة على القران كما قال البخاري : حدثنا قتيبة حدثنا حجاج بن محمد الأعور عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال : اختلف علي و عثمان رضي الله عنهما و هما بعسفان في المتعة فقال علي : ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أهل بهما جميعا
و رواه مسلم من حديث شعبة أيضا عن الحكم بن عيينة عن علي بن الحسين عن مروان بن الحكم عنهما به و قال علي : ما كنت لادع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم بقول أحد من الناس
و رواه مسلم من حديث شعبة أيضا عن قتادة عن عبد الله بن سقيق عنهما
فقال علي : لقد علمت إنما تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : أجل و لكنا كنا خائفين
و أما الحديث الذي رواه مسلم من حديث غندر عن شعبة و عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عبد
مسلم بن مخراق القرى سمع ابن عباس يقول : أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بعمرة و أهل أصحابه بحج فلم يحل رسول الله و لا من ساق الهدى من اصحابه و حل بقيتهم
فقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده و روح بن عبادة عن شعبة عن مسلم القرى عن ابن عباس قال : أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج و في رواية أبي داود : أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه بالحج فمن كان منهم لم يكن له متعة هدى حل و من كان معه هدى لم يحل الحديث
فإن صححنا الروايتين جاء القران و إن توقفنا في كلم منهما و قف الدليل و إن رجحنا رواية مسلم في صحيحه في رواية العمرة فقد تقدم عن ابن عباس أنه روى الإفراد و هو الإحرام بالحج فتكون هذه زيادة على الحج فيجئ القول بالقران لا سيما و سيأتي عن ابن عباس مايدل على ذلك
و روى مسلم [ من حديث غندر و معاذ بن معاذ عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله قال : هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن معه هدى فليحل كله فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ]
و روى البخاري عن آدم بن أبي إياس و مسلم من حديث غندر كلاهما عن شعبة عن أبي جمرة قال : تمتعت فنهاني ناس فسألت ابن عباس فأمرني بها فرأيت في المنام كأن رجلا يقول لي : حج مبرور و متعة متقبلة فأخبرت ابن عباس فقال : الله أكبر ! سنة أبي القاسم صلوات الله و سلامه عليه
و المراد بالمتعة ها هنا القران
و قال القعيني و غيره عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه حدثه أنه سمع سعد بن أبي و قاص و الضحاك بن قيس عام حج معاوية بن ابي سفيان يذكر التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد : بئس ماقلت يا بن أخي فقال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب كان ينهي عنها فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه و سلم و صنعناها معه
و رواه الترمذي و النسائي عن قتيبة عن مالك و قال الترمذي : صحيح
و قال عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان و عبد الله بن مبارك كلاهما عن سليمان التيمي حدثني غنيم بن قيس سألت سعد بن أبي و قاص : عن التمتع بالعمرة إلى الحج قال : فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا يومئذ كافر في العرش ـ يعني مكة ـ و يعني به معاوية
و رواه مسلم من حديث شعبة و سفيان الثوري و يحيى بن سعيد و مروان الفزازي أربعتهم عن سليمان التيمي سمعت غنيم بن قيس سألت سعدا عن المتعة فقال : قد فعلناه و هذا يو مئذ كافر بالعرش
و في رواية يحيى بن سعيد ـ يعني معاوية ـ و هذا كله من باب إطلاق التمتع على ما هو أعم من التمتع الخاص و هو الإحرام بالعمرة و الفراغ منها ثم الإحرام بالحج و من القران بل كلام سعد فيه دلالة على إطلاق التمتع علىالاعتمار في أشهر الحج و ذلك أنهم اعتمروا و معاوية بعد كافر بمكة قبل الحج إما عمرة الحديبية أو عمرة القضاء و هو الأشبه فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية أسلم مع أبيه ليلة الفتح و روينا أنه قصر من شعر النبي صلى الله عليه و سلم بمشقص في بعض عمرة و هي عمرة الجعرانة لا محالة و الله أعلم (4/242)
قد تقدم ما رواه البخاري [ من حديث أبي عمرو الأوزاعي سمعت يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم بوادي العقيق يقول : أتاني آت من ربي عز و جل فقال : صل في هذا الوادي المبارك و قل عمرة فيحجة ]
و قال الحافظ البيهقي : [ أنبأنا علي بن أحمد بن حفص المقبري ببغداد أنبأنا أحمد بن سليمان قال : قرئ على عبد الملك بن محمد و انا أسمع حدثنا أبو زيد الهروي حدثنا علي بن المبارك حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثنا عكرمة حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتاني جبرائيل عليه السلام و أنا بالعقيق فقال : صل في هذا الوادي المبارك ركعتين و قل : عمرة في حجة فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ]
ثم قال البيهقي : رواه البخاري عن أبي زيد الهروي
و فال الإمام أحمد : [ حدثنا هاشم حدثنا سيار عن أبي وائل أن رجلا كان نصرانيا يقال له الصبي بن معبد فأراد الجهاد فقيل له : ابدأ بالحج فأتي الأشعري فأمره أن يهل بالحج و العمرة جميعا ففعل فبينما هو يلبي إذ مر بزيد بن صوحان و سلمان بن ربيعة فقال أحدهما لصاحبه : هذا أضل من بعير أهله فسمعها الصبي فكبر ذلك عليه فلما قدم أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال له عمر : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه و سلم قال : و سمعته مرة أخرى يقول : و فقت لسنة نبيك صلى الله عليه و سلم ]
و قد رواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش عن شقيق عن أبي وائل عن الصبي بن معبد عن عمر بن الخطاب فذكره و قال : إنهما لم يقولا شيئا هديت لسنة نبيك صلى الله عليه و سلم
و رواه عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن أبي وائل به و رواه أيضاعن غندر عن شعبة عن الحكم عن أبي وائل و عن سفيان بن عيينة عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي وائل قال : قال الصبي بن معبد : كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فأهللت بحج و عمرة فسمعني يزيد بن صوحان و سلمان بن ربيعة و أنا أهل بهما فقالا : لهذا أضل من بعير أهله فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل فقدمت على عمر فأخبرته ن فأقبل عليهما عليهما فلامهما و أقبل علي فقال : هديت لسنة النبي صلى الله عليه و سلم
قال عبدة : قال أبو وائل : كثيرا ما ذهبت أنا و مسروق إلى الصبي بن معبد نسأله عنه
وهذه أسانيد جيدة على شرط الصحيح و قد رواه أبو دواد و النسائي و ابن ماجه من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة به
و قال النسائي في كتاب الحج من سننه : حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق حدثنا أبي عن جمرة السكري عن مطرف عن سلمة بن كهيل عن طاووس عن ابن عباس عن عمر أنه قال : و الله إني لأنهاكم عن المتعة و إنها لفي كتاب الله و قد فعلها النبي صلى الله عليه و سلم
إسناد جيد (4/251)
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال : اجتمع علي و عثمان بعسفان و كان عثمان ينهي عن المتعة أو العمرة فقال علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم تنهي عنه ؟ فقال عثمان : دعنا منك
هكذا رواه الإمام أحمد مختصرا
و قد أخرجاه في الصحيحن من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال : اختلف على و عثمان و هما بعسفان في المتعة فقال : على ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب هل بهما جميعا
و هكذا لفظ البخاري
و قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر عن شعبة عن الحكم عن علي بن الحسين عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان و عليا و عثمان ينهي عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى علي أهل بهما : لبيك بعمرة و حج قال : ما كنت لأدع ستة النبي صلى الله عليه و سلم لقول أحد
و رواه النسائي من حديث شعبة به و من حديث الأعمش عن مسلم البطين عن علي بن الحسين به
و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة قال : قال عبد الله بن شقيق : كان عثمان ينهي عن المتعة و علي يأمر بها فقال : عثمان لعلي : إنك لكذا وكذا ثم قال علي : لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أجل و لكنا كنا خائفين
و رواه مسلم من حديث شعبة
فهذا اعتراف عثمان رضي الله عنه بما رواه علي رضي الله عنهما و معلوم أن عليا رضي الله عنه أحرم عام حجة الوداع بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه و سلم و كان قد سلق الهدى و أمره عليه السلام أن يمكث حراما و أشركه النبي صلى الله عليه و سلم في هدية كما سيأتي بيانه
و روى مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا و هو ينجع بكرات له دقيقا و خبطا فقال : هذا عثمان ابن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج و العمرة فخرج علي و على يده أثر الدقيق و الخبط ـ ما أنسى أثر الدقيق و الخبط على ذراعيه ـ حتى دخل على عثمان فقال : أنت تنهى أن يقرن بين الحج و العمرة ؟ فقال عثمان : ذلك رأيي فخرج علي مغضبا وهو يقول لبيك اللهم بليك بحجة و عمرة معا
و قد قال أبو داود في سننه : حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج حدثنا يونس عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : كنت مع علي حين أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم على اليمن فذكره الحديث في قدوم علي قال علي : فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : كيف صنعت ؟ قال : قلت : إنما أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال : إني قد سقت الهدى و قرنت
و قد رواه النسائي من حديث يحيى بن معين بإسناده و هو على شرط الشيخين و علله الحافظ البيهقي بأنه لم يذكر هذا اللفظ في سياق حديث جابر الطويل
و هذا التعليل فيه نظر لأنه قد روى القران من دحيث بن عبد الله كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى
و روى ابن حبان في صحيحيه [ عن علي بن أبي طالب قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة و خرجت أنا من اليمن و قلت : لبيك بلإهلال كإهلال النبي فقال النبي صلى الله عليه و سلم : فإني أهللت بالحج و العمرة جميعا ] (4/253)
و قد رواه عنه جماعة من التابعين و نحن نوردهم مرتبين على حروف المعجم بكر بن عبد الله المزني عنه : قال الإمام أحمد : [ حدثنا هشيم حدثنا حميد الطويل أنبأنا بكر بن عبد الله المزني قال سمعت أنس بن مالك يحدث قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي بالحج و العمرة جميعا فحدثت بذلك فقال : لبي وحده فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر فقال : ما تعدونا إلا صبيانا ! سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لبيك عمرة و حجا ]
و رواه البخاري عن مسدد عن بشر بن الفضل عن حميد به و أخرجه مسلم عن شريح بن يونس عن هشيم به و عن أمية بن بسطام عن يزيد بن زريع عن حبيب بن الشهيد عن بكر بن عبد الله المزني به
ثابت البناني عن أنس
قال الإمام أحمد [ حدثنا و كيع عن ابن أبي ليلى عن ثابت عن أنس أن النبي رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لبيك بالحجة و العمرة معا ]
تفرد به هذ الوجه الحسن البصري عنه
قال الإمام أحمد : [ حدثنا روح حدثنا أشعث عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه قدموا و قد لبوا بحج و عمرة فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بعدما طافوا بالبيت و بالصفا و المروة أن يحلوا و أن يجعلوا عمرة فكأن القوم هابوا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لولا أني سقت هديا لأحللت فأحل القوم و تمتعوا ]
و قال الحافظ أبو بكر البزار : [ حدثنا الحسن بن قزعة حدثنا سفيان بن حبيب سفيان بن حبيب حدثنا الأشعث عن الحسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم أهل هو و أصحابه بالحج و العمرة فلما قدموا مكة طافوا بالبيت و بالصفا و المروة أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : أحلوا فلولا أن معي الهدى لأحللت فحلو احتى حلوا إلى النساء ]
ثم قال البزار : لا نعلم رواه عن الحسن إلا أشعث بن عبد الملك
حميد بن تيرويه الطويل عنه :
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن حميد سمعت أنسا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لبيك بجح و عمرة و حج
هذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخيين و لم يخرجاه و لا أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه لكن رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن هشيم عن يحيى بن أبي إسحاق و عبد العزيز بن صهيب و حميد أنهم سمعوا أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بهما جميعا : لبيك عمرة و حجا
و قال الإمام أحمد [ حدثنا يعمر بن يسر حدثنا عبد الله أنبأنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : ساق رسول الله صلى الله عليه و سلم بدنا كثيرة و قال : لبيك بعمرة و حج و إني لعند فخذ انقته اليسرى ]
تفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا
حميد بن هلال العدوي البصري عنه :
قال الحاقظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك ح و حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة و حميد بن هلال عن أنس قال : إني ردف أبي طلحة و إن ركبته لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يلبي بالحج و العمرة
و هذا إسناد جيد قوي على شرط الصحيح و لم يخرجوه
و قد تأوله البزار على أن الذي كان يلبي بالحج و العمرة أبو طلحة قال : ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه و سلم
و هذا التأويل فيه نظر و لا حاجة إليه لمجيء ذلك من طرق عن أنس كما مضى و كما سيأتي ثم عود الضمير إلى الأقرب المذكورين أولى و هو في هذه الصورة أقوى دلالة و الله أعلم
و سيأتي في رواية سالم بن أبي جعد عن أنس صريح الرد على هذا التأويل
زيد بن أسلم عنه :
قال الحافظ أبو بكر البزار : روى سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن زيد بن ألسم عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم أهل بحج و عمرة
حدثناه الحسن بن عبد العزيز الجروي و محمد بن مسكين قالا حدثنا بشر بن بكر عن سعيد بن عبد العزيز عن زيد بن أسلم عن أنس
قلت : و هذا إسناد صحيح على شرط الصحيح و لم يخرجوه من هذا الوجه
و قد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي بأبسط من هذا السياق فقال : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأنا العباس بن الوليد بن يزيد أخبرني أبي حدثنا شعيب بن عبد العزيز عن زيد ابن أسلم و غيره أن رجلا أتى ابن عمر فقال : بم أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال ابن عمر : أهل بالحج فانصرف
ثم أتاه من العام المقبل فقال : بم أهل رسول الله ؟ قال : ألم تأتني عام أول قال : بلى و لكن أنس بن مالك يزعم أنه قرن قال ابن عمر : إن أنس بن مالك كان يدخل على النساء و هن منكشفات الرءوس و إني كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج
سالم بن أبي الجعد الغطفاني الكوفي عنه :
قال الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم : أنه جمع بين الحج و العمرة فقال : لبيك بعمرة و جحة معا ]
حسن و لم يخرجوه
و قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة حدثنا عثمان بن المغيرة عن ساام بن أبي الجعد عن سعد مولى الحسن بن علي قال : خرجنا مع عليث فأتينا ذا الحليفة فقال علي : إني أريد أن أجمع بين الحج و العمرة فمن أراد ذلك فليقل كما أقول ثم لبي قال : لبيك بحجة وعمرة معا
قال : و قال سالم : و قد أخبرني أنس بن مالك قال : و الله إن رجلي لتمس رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم و إنه ليهل بهما جميعا
و هذا أيضا إسناد جيد من هذا الوجه و لم يخرجوه
و هذا السياق يرد على الحافظ البزار ما تأول به حديث حميد بن هلال عن أنس كما تقدم و الله أعلم
سليمان بن طرخان التيمي عنه :
قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن أنس بن مالك قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يلبي بهما جميعا
ثم قال البزار : لم يروه عن التيمي إلا ابنه المعتمر و لم يسمعه إلا من يحيى بن حبيب العربي عنه
قلت : وهو على شرط الصحيح و لم يخرجوه
سودي بن حجير عنه :
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي قزعة سويد بن حجير عن أنس بن مالك قال : كنت رديف أبي طلحة فكانت ركبة أبي طلحة تكاد أن تصيب ركبة رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل بهما
و هذا إسناد جيد تفرد به أحمد و لم يخرجوه و فيه رد على الحافظ البزار صريح
عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي عنه :
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال : كنت رديف أبي طلحة و هو يساير النبي صلى الله عليه و سلم قال : فإن رجلى لتمس غرز النبي صلى الله عليه و سلم فسمعته يلبي بالجح و العمرة معا
و قد رواه البخاري من طرق عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال : صلى النبي صلى الله عليه و سلم الظهر بالمدينة أربعا و العصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات
بها حتى أصبح ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء حمد الله و سبح و كبر و أهل بحج و عمرة و أهل الناس بهما جميعا
و في رواية له : كنت رديف أبي طلحة و إنهم ليصرخون بهما جميعا الحج و العمرة
و في رواية له عن أيوب عن رجل عن أنس قال : ثم بات حتى أصبح فصلى الصبح ثم ركب راحلته حتى إذا استوت به البيداء أهل بعمرة و حج عبد العزيز بن صهيب :
تقدمت روايته عنه مع رواية حميد الطويل عنه عند مسلم
علي بن زيد بن جدعان عنه :
قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا علي بن حكيم عن شربك عن علي بن زيد : عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لبي بهما جميعا
هذا غريب من هذا الوجه و لم يخرجه أحد من أصحاب السنن و هو على شرطهم
قتادة بن دعامة السدوسي عنه :
قال الإمام أحمد : حدثنا بهز و عبد الصممد المعني قالا : حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة قال : سألت أنس بن مالك قلت : كم حج النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قال : حجة واحدة و اعتمر أربعة مرات عمرته زمن الحديبية وعمرته في ذي القعدة من المدينة و عمرته من الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنيمة حنين و عمرته مع حجته
و أخرجاه في الصحيحين من حديث همام بن يحيى به
مصعب بن سليم الزبيري مولاهم عنه :
قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا مصعب بن سليم سمعت أنس بن مالك يقول : أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بحجة و عمرة
تفرد به أحمد
يحيى بن إسحاق الحضرمي عنه :
قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم أنبأنا يحيى بن إسحاق و عبد العزيز بن صهيب و حميد الطويل عن أنس أنهم سمعوه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي بالحج و العمرة جميعا يقول : لبيك عمرة و حجا لبيك عمرة و حجا
و قد تقدم أن مسلما رواه عن يحيى بن يحيى عن هشيم به
و قال الإمام أحمد أيضا : حدثنا عبد الأعلى عن يحيى عن أنس قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكة قال : فسمعته يقول : لبيك عمرة و حجا
أبو أسماء الصقيل عنه
قال الإمام أحمد : حدثنا حسن حدثنا زهير و حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن أبي أسماء الصيقل عن أنس بن مالك قال : خرجنا نصرخ بالجح فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نجعلها عمرة و قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة و لكني سقت الهدي و قرنت الحج بالعمرة
و وراه النسائي عن هناد عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي أسماء الصقيل عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي بهما
أبو قدامة الحنفي ويقال : إن اسمه محمد بن عبيد عن أنس :
قال الإمام أحمد : حدثنا روح بن عبادة و حدثنا شعبة عن يونس بن عبيد عن أبي قدامة الحنفي قال : قلت لأنس بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي ؟
فقال : سمعته سبع مرات يلبي بعمرة و حجة
تفرد به الإمام أحمد و هو إسنا الواقدي جيد قوي و لله الحمد و المنة و به التوفيق و العصمة
و روى ابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قرن بين الحج و العمرة و قرن القوم معه
و قد أورد الحافظ البيهقي بعض هذه الطرق عن أنس بن مالك ثم شرع يعلل ذلك بكلام فيه نظر
و حاصله أنه قال : و الاشتباه وقع لأنس لا لمن دونه و يحتمل أن يكون سمعه صلى الله عليه و سلم يعلم غيره كيف يهل بالقران لا أنه يهل بهما عن نفسه و الله أعلم
قال : و قد روى ذلك عن غير أنس بن مالك و في ثبوته نظر قلت : و لا يخفي ما في هذا لاكلام من النظر الظاهر لمن تأماه و ربما أنه كان ترك هذا الكلام أولى منه إذ فيه تطرق احتمال إلى حفظ الصحابي مع تواتره عنه كما رأيت آنفا و فتح هذا يفضي إلى محذور كبير و الله تعالى أعلم
حديث البراء بن عازب في القران
قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا علي بن محمد المصري حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة فقالت عائشة : لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها
قال البيهقي : ليس هذا بمحفوظ قلت : سيأتي بإسناد صحيح إلى عائشة نحوه (4/255)
قال الحافظ أبو الحسن الدراقطني : أخبرنا أبو بكر بن أبي داود ومحمد بن جعفر ابن رمس و القاسم بن إسماعيل أبو عبيد و عثمان بن جعفر اللبان و غيرهم قالوا : حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال : حج النبي صلى الله عليه و سلم ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر و حجة قرن معها عمرة
و قد روى هذا الحديث الترمذي و ابن ماجه من حديث سفيان بن سعيد الثوري به
أما الترمذي فرواه عن عبد الله بن أبي زياد عن زيد بن الحباب عن سفيان به ثم قال : غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب و رأيت عبد الرحمن بن عبد الرحمن يعني الدرامي روى هذا الحديث في كتبه عمن عبد الله أبي زياد و سألت محمدا عن هذا فلم يعرفه و رأيته لا يعده محفوظا قال : و إنما روى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسلا
و في السنن الكبير للبيهقي قال أبو عيسى الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال : هذا حديث خطأ و إنما روى عن الثوري مرسلا
قال البخاري : و كان زيد بن الحباب إذا روى خطأ ربما غلط في الشيء
و أما ابن ماجه فرواه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلي عن عبد الله بن داود الخريبي عن سفيان به و هذه طريق لم يقف عليها الترمذي و لا البيهقي و ربما و لا البخاري حيث تكلم في زيد بن الحباب ظانا أنه انفرد به و ليس كذلك الله أعلم
طريق أخرى عن جابر :
قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم قرن الحج و العمرة و طاف لهما طوافا واحدا
ثم قال : هذا حديث حسن و في نسخة صحيح
و رواه ابن حبان في صحيحه عن جابر قال : لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم إلا طوافا واحدا لحجه و لعمرته
قلت : حجاج هذا هو ابن أرطاة و قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة و لكن قد روى من وجه آخر عن الزبير عن جابر بن عبد الله أيضا
كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : [ حدثنا مقدم بن محمد حدثنى عمي القاسم ابن يحيى بن مقدم عن عبد الرحمن بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم فقرن بين الحج و العمرة و ساق الهدي و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم يقلد الهدى فليجعلها عمرة ]
ثم قال البزار : و هذا الكلام لا نعلمه يروي عن جابر إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد
انفرد بهذه الطريق البزار في مسنده و إسنادها غريب جدا و ليست في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه و الله أعلم (4/263)
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا حجاج ـ هو ابن أرطاة ـ عن الحسن ابن سعد عن ابن عباس قال : أخبرني أبو طلحة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع بين الحج و العمرة
و رواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن أبي معاوية بإسناده و لفظه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرن بين الحج و العمرة
الحجاج بن أرطاة فيه ضعف و الله أعلم (4/265)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا داود ـ يعني ابن سويد ـ سمعت عبد الملك الزراد يقول : سمعت النزال بن سبرة صاحب على يقول : سمعت سراقة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ]
قال : و قرن رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع (4/266)
قال الإمام مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه حدثه أنهة سمع سعد بن أبي وقاص و الضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكر التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي !
فقال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها قفال سعد : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه و سلم و صنعناها معه
و رواه الترمذي و النسائي جميعا عن قتيبة عن مالك و قال الترمذي : هذا حديث صحيح
و قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سليمان ـ يعني التيمي ـ حدثنى غنيم قال سألت ابن أبي وقاص عن المتعة فقال : فعلناها و هذا كافر بالعرش ـ يعني معاوية ـ
هكذا رواه مختصرا
و قد رواه مسلم في صحيحه من حديث سفيان بن سعيد الثوري و شعبة و مروان الفزاري و يحيى بن سعيد القطان أربعتهم عن سليمان بن طرخان التيمي سمعت غنيم بن قيس سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة فقال : قد فعلناها و هذا يومئذ كافر بالعشر قال يحيى بن سعيد في روايته ـ يعني معاوية ـ
و رواه عبد الزراق عن معتمر بن سليمان و عبد الله بن المبارك كلاهما عن سليمان التيمي عن غنيم بن قيس سألت سعدا عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال : فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا يومئذ كافر بالعرش ـ يعني مكة و يعني به معاوية ـ
و هذا الحديث الثاني أصح إسنادا و إنما ذكرناه اعتضادا لا اعتمادا و الأول صحيح لإسناد و هذا أصرح في المقصود من هذا و الله أعلم (4/266)
قال الطبراني : حدثنا سعيد محمد بن المغيرة المصري حدثنا سعيد بن سلمان حدثنا يزيد بن عطاء عن إسماعيل بن أبي خالد عبد الله بن أبي أوفي قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الحج و العمرة لأنه علم أنه لم يكن حاجا بعد ذلك العام (4/267)
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر حدثنا داود ـ يعني القطان ـ عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع عمر : عمرة الحديبية وعمرة القضاء و الثالثة من الجعرانة و الرابعة التي مع حجته
و قد رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجه من طرق عن داود بن عبد الرحمن العطار المكي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس به و قال الترمذي : حسن غريب و رواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلا
و رواه الحافظ البيهقي من طريق أبي الحسن علي بن عبد العزيز البغوي عن الحسن بن الربيع و شهاب بن عباد كلاهما عن داود بن عبد الرحمن العطار فذكره و قال : و الرابعة التي قرن مع الحجة
ثم قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز : ليس أحد يقول في هذا الحديث عن ابن عباس إلا داود بن عبد الرحمن ثم حكى البيهقي عن البخاري أنه قال : داود بن عبد الرحمن صدوق إلا أنه ربما يتهم في الشيء و قد تقدم ما رواه البخاري من طريق ابن عباس عن عمر أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بوادي العقيق : أتاني آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك و قل : وعمرة في حجة فلعل هذا مسنتد ابن عباس فيما حكاه و الله أعلم (4/267)
قد تقدم فيام رواه البخاري و مسلم من طريق الليث عن عقيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع و أهدى فساق الهدي من ذي الحليفة و بدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج و ذكر تمام الحديث في عند إحلاله بعد السعي
فعلم كما قررناه أولا أنه عليه السلام لم يكن متمتعا التمتع الخاص و إنما كان قارنا لأنه حكى أنه عليه السلام لم يكن متمتعا اكتفى بطواف واحد بين الصفا و المروة في حجته و عمرته
و هذا شأن القارن على مذهب الجمهور كما سيأتي بيانه و الله أعلم
و قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو خيثمة حدثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف طوافا واحدا لإقرانه لم يحل بينهما و اشترى من الطريق ـ يعني الهدي ـ
و هذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات إلا أن يحيى بن يمان و إن كان من رجال مسلم في أحاديثه عن الثوري نكارة شديدة و الله أعلم
و مما يرجح أن ابن عمر أراد بالإفراد الذي رواه إفراد أفعال الحج لا الإفراد الخاص الذي يشير إليه أصحاب الشافعي و هو الحج ثم الاعتمار بعده في بقية ذي الحجة قول الشافعي : أنبأنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال : لأن اعتمر قبل الحج و أهدى أحب إلى من أعتمر بعد الحج في ذلك الحجة (4/368)
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد ـ يعني الزبيري ـ حدثنا يونس بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما قرن خشية أن يصد عن البيت و قال : إن لم يكن حجة فعمرة
و هذا حديث غريب سندا و متنا تفرد به الإمام أحمد
و قد قال أحمد في يونس بن الحارث الثقفي هذا : كان مضطرب الحديث و ضعفه و كذا ضعفه يحيى بن معين في رواية عنه و النسائي
و أما من حيث المتن فقوله : [ إنما قرن رسول الله صلى الله عليه و سلم خشية أن يصد عن البيت ] فمن الذي كان يصده عليه السلام عن البيت و قد أطد الله له الإسلام و فتح البلد الحرام و قد نودي برحاب منى أيام الموسم في العام الماضي : أن لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوفن بالبيت عريان و قد كان معه عليه السلام في حجة الوداع قريب من أربعين ألفا فقوله : [ خشية أن يصد عن البيت ] عجيب
و ما هذا بأعجب من قول أمير المؤمنين عثمان لعلي بن أبي طالب حين قال له علي : لقد علمت أن تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أجل و لكنا كنا خائفين
و لست أدري علام يحمل هذا الخوف من أي جهة كان ! إلا أنه تضمن رواية الصحابي لما رواه و حمله على معنى ظنه فما رواه صحيح مقبول و ما اعتقده ليس بمعصوم فيه فهو موقوف عليه و ليس بحجة على غيره و لا يلزم منه رد الحديث الذي رواه و هكذا قول عبد الله بن عمرو لو صح السند إليه و الله أعلم (4/269)
قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر و حجاج قالا : حدثنا شعبة عن حميد بن هلال سمعت مطرفا قال : قال لي عمران بن حصين : إني محدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد جمع بن حجة و عمرة ثم لم ينه عنه حتى مات و لم ينزل قرآن فيه يحرمه و إنه كان يسلم علي فلما اكتويت أمسك عني فلما تركته عاد إلي
و قد رواه مسلم عن محمد بن المثنى و محمد بن بشار عن غندر و عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه و النسائي عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث ثلاثتهم عن شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف عن عمران به
و رواه مسلم من حديث شعبة و سعيد بن أبي عروبة عن عروبة عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع بين حج و عمرة الحديث
قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني : حديث شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف صحيح و أما حديثه عن قتادة عن مطرف فإنما رواه عن شعبة كذلك بقية بن الوليد و قد رواه غندر و غيره عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
قلت : و قد رواه أيضا النسائي في سننه عن عمرو بن علي الفلاس عن خالد بن الحارث عن شعبة و في نسخه عن سعيد بدل شعبة عن قتادة عن مطرف عن عمران ابن الحصين فذكره و الله أعلم
و ثبت في الصحيحين من حديث همام عن قتادة عن مطرف عن عمران بن الحصين قال : تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لم ينزل قرآن يحرمه و لم ينه عنها حتى مات صلى الله عليه و سسلم (4/270)
قال عبد الله بن الإمام أحمد : [ سحدثنا عبد الله بن عمران بن علي أبو محمد من أهل الري و كان أصله أصبهانيا حدثنا يحيى بن الضريس حدثنا عكرمة بن عمار عن الهرماس قال : كنت ردف أبي فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم و هو على بعير و هو يقول : لبيك بحجة و عمرة معا ]
و هذا على شرط السنن و لم يخرجوه (4/271)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الرحمن عن مالك عن نافع عن ابن عمرو عن حفصة أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم : ما لك لم تحل من عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي و قلدت هديي فلا أحل حتى أنحر ]
و قد أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك و عبيد الله بن عمر زاد البخاري و موسى بن عقبة زاد مسلم : و ابن جريج كلهم عن نافع عن ابن عمر به
و في لفظهما أنها قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة و لم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال : [ إني قلدت هديي و لبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر ]
و قال الإمام أحمد أيضا : [ حدثنا شعيب بن أبي حمزة قال : قال نافع : كان عبد الله ابن عمر يقول : أخبرتنا حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع فقالت له فلانة : ما يمنعك أن تحل ؟ قال : إني لبدت رأسي و قلدت هديي فلست أحل حتى أنحر هديي ]
و قال أحمد أيضا : [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن أبي إسحاق حدثني نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة بنت عمر أنها قالت : لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءه أن يحللن بعمرة قلن : فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ؟ قال : إني هديت و لبدت فلا أحل حتى أنحر هديي ]
ثم رواه أحمد عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن نافع عن ابن عمر عن حفصة فذكره
فهذا الحديث فيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان متلبسا بعمرة و لم يحل منها و قد علم بما تقدم من أحاديث الإفراد أنه كان قد أهل بحج أيضا فدل مجموع ذلك أنه قارن مع ما سلف من رواية من صرح بذلك و الله أعلم (4/271)
قال البخاري : حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا فقدمت مكة و أنا حائض فلم أطف بالبيت و لا بين الصفا و المروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : انقضى رأسك و امتشطى و أهلي بالحج و دعى العمرة ففعلت
فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال : هذه مكان عمرتك
فقالت : فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت و بين الصفا و المروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى و أما الذين جمعوا الحج و العمرة فإنما طافوا طوافا واحدا
و كذا رواه مسلم من حديث مالك عن الزهري فذكره
ثم رواه عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام حجة الوداع فأهللت بعمرة و لم أكن سقت الهدى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من كان معه هدى فليهلل بالحج مع عمرته لا يحل حتى يحل منهما جميعا و ذكر تمام الحديث كما تقدم
و المقصود من إيراد هذا الحديث ها هنا قوله صلى الله عليه و سلم : [ من كان معه هدى فليهل بحج و عمرة ]
و معلوم أنه عليه السلام قد كان معه هدى فهو أول و أولى من ائتمر بهذا لأن المخاطب داخل في عموم متعلق خطابه على الصحيح و أيضا فإنها قالت : [ و أما الذين جمعوا الحج و العمرة فإنما طافوا طوافا واحدا ] يعني بين الصفا والمروة و قد روى مسلم عنها : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما طاف بين الصفا و المروة طوافا واحدا فعلم من هذا أنه كان قد جمع بين الحج و العمرة و قد روى مسلم من حديث حماد بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : فكان الهدى مع النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر و ذوي اليسار
و أيضا فإنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يتحلل من النسكين فلم يكن متمعتا و ذكرت أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعمرها من التنعيم و قالت : يا رسول الله ينطلقون بحج و عمرة و أنطلق بحج و عمرة و أنطلق بحج ! فبعثها مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمرها من التنعيم
و لم يذكر أنه عليه السلام اعتمر بعد حجته فلم يكن مفردا فعلم أنه كان قارنا لأنه كان باتفاق الناس قد اعتمر في حجة الوداع و الله أعلم
و قد تقدم ما رواه الحافظ البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب أنه قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة فقالت عائشة لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها
و قال البيهقي في الخلافيات : أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنبأنا أبو محمد ابن حسان الأصبهاني أنبأنا إبراهيم بن شريك أنبأنا أحمد بن يونس : حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن مجاهد قال : سئل ابن عمر : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : مرتين فقالت عائشة : لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتمر ثلاثا سوى العمرة التي قرنها مع حجة الوداع
ثم قال البيهقي : و هذا إسناد لا بأس به لكن فيه إرسال مجاهد لم يسمع من عائشة في قول بعض المحدثين
قلت : كان شعبة ينكره و أما البخاري و مسلم فإنهما أثبتاه و الله أعلم
و قد روي من حديث القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر و عروة بن الزبير و غير واحد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان معه الهدى عام حجة الوداع وفي أعمارها من النتعيم و مصادفها له منهبطا على أهل مكة و بيوته بالمحصب حتى صلى الصبح بمكة ثم رجع إلى المدينة
و هذا كله مما يدل على أنه عليه السلام لم يعتمر بعد حجته تلك و لم أعلم أحدا من الصحابة نقله
و معلوم أنه لم يتحلل بين النسكين ولا روى أحد أنه عليه السلام بعد طوافه بالبيت و سعيه بين الصفا و المروة حلق و لا قصر و لا تحلل بل استمر على إحرامه باتفاق و لم ينقل أنه أهل بحج لما سار إلى منى فعلم أنه لم يكن متمتعا
و قد اتفقوا على أنه عليه السلام اعتمر عام حجة الوداع فلم يتحلل بين النسكين و لا أنشأ إحراما للحج و لا اعتمر بعد الحج فلزم القران و هذا مما يعسر الجواب عنه و الله أعلم
و أيضا فإن رواية القران مثبتة لما سكت عنه أو نفاه من روى الإفراد و التمتع فهي مقدمة عليها كما هو مقرر في علم الأصول
و عن أبي عمران أنه حج مع مواليه قال : فأتيت أم سلمة فقلت : يا أم المؤمنين إني لم أحج قط فأيهما أبدأ بالعمرة أم بالحج ؟ قالت : ابدأ بأيهما شئت
قال : ثم أتيت صفية أم المؤمنين فسألتها فقالت لي مثل ما قالت لي ثم جئت أم سلمة فأخبرتها بقول صفية فقالت لي أم سلمة : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول [ يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجة ]
رواه ابن حبان في صحيحه و قد رواه ابن حزم في حجة الوداع من حديث الليث ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم عن أبي عمران عن أم سلمة به (4/272)
إن قيل : قد رويتم عن جماعة من الصحابة أنه عليه السلام أفرد الحج ثم رويتم عن هؤلاء بأعيانهم و عن غيرهم أنه جمع بين الحج و العمرة فما الجمع من ذلك ؟
فالجوب : أن رواية من روى أنه أفرد الحج محمولة على أنه أفرد أفعال الحج و دخلت العمرة فيه النية و فعلا و وقتا
و هذا يدل على أنه اكتفى بطواف الحج و سعيه عنه و عنها كما هو مذهب الجمهور في القارن خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث ذهب إلى أن القارن يطوف طوافين و يسعى سعيين و اعتمد على ما روى في ذلك عن علي بن أبي طالب و في الإسناد إليه نظر
و أما من روى التمتع ثم روى القران فقد قدمنا الجواب عن ذلك بأن التمتع في كلام السلف أعم من التمتع الخاص و القران بل و يطلقونه على الاعتمار في أشهر الحج و إن لم يكن معه حج كما قال سعد بن أبي وقاص : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا ـ يعني معاوية ـ يومئذ كافر بالعرش ـ يعني بمكة
و إنما يريد بهذا إحدى العمرتين إما الحديبية أو القضاء فأما عمرة الجعدانة فقد كان معاوية قد أسلم لأنها كانت بعد الفتح و حجة الوداع بعد ذلك سنة عشر و هذا بين واضح و الله أعلم
فصل
إن قيل : فما جوابكم عن الذي رواه أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا هشام عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي و اسمه حيوان بن خالد أن معاوية قال لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن صفف النمور ؟ قالوا : اللهم نعم قال : و أنا أشهد قال : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا ؟ قالوا : اللهم نعم أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يقرن بين الحج و العمرة قالوا : اللهم لا قال : و الله إنها لمعهن
و قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي قال : كنت في ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عند معاوية فقال معاوية : أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله نهى عن جلود النمور أن يركب عليها ؟ قالوا : اللهم نعم قال : و تعلمون أنه نهى عن لباس الذهب إلا مقطعا ؟ قالوا : اللهم نعم قال : و تعلمون أن نهى عن الشرب في آنية الذهب و الفضة ؟ قالوا : اللهم نعم قال : و تعلمون أنه نهى عن المتعة ؟ ـ يعني متعة الحج ـ قالوا : اللهم لا
و قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي أنه شهد معاوية و عنده نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهم معاوية : أتعلمون أن رسول الله نهى عن ركوب جلود النمور ؟ قالوا : نعم قال : تعلمون أن رسول الله نهى عن لبس الحرير ؟ قالوا : اللهم نعم قال : أتعلمون أن رسول الله نهى أن يشرب في آنية الذهب و الفضة ؟ قالوا : اللهم نعم قال : أتعلمون أنه رسول الله نهى عن جمع بين حج و عمرة ؟ قالوا : اللهم لا قال : فو الله إنها لمعهن
و كذا رواه حماد بن سلمة عن قتادة و زاد و لكنكم نسيتم
و كذا رواه أشعث بن نزار و سعيد بن أبي عروبة و همام عن قتادة بأصله و رواه مطر الوراق و بهيس بن فهدان عن أبي شيخ في متعة الحج
فقد رواه أبو داود و النسائي من طرق عن أبي شيخ الهنائي به و هو حديث جيد الإسناد
و يستغرب منه رواية معاوية رضي الله عنه النهي عن الجمع بين الحج و العمرة و لعل أصل الحديث النهي عن المتعة فاعتقد الراوي أنها متعة الحج و إنما هي متعة النساء و لم يكن عند أولئك الصحابة في النهي عنها
أو لعل النهي عن الإقران في النمر كما في حديث ابن عمر اعتقد الراوي أن المراد القران في الحج و ليس كذلك أو لعل معاوية رضي الله عنه إنما قال : أتعلمون أنه نهى عن كذا فبناه بما لم يسم فاعله فصرح الراوي بالرفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم و و هم في ذلك فإن الذي كان ينهى عن متعة الحج إنما هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه و لم يكن نهيه عن ذلك على وجه التحريم و الحتم كما قدمنا و إنما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفرآخر لتكثر زيارة البيت
و قد كان الصحابة رضي الله عنهم يهابونه كثيرا فلا يتجاسرون علة مخالفته غالبا و كان ابنه عبد الله يخالفه فيقال له : إن أباك كان ينهى عنها فيقول : لقد خشيت أن تقع عليكم حجارة من السماء ! قد فعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم أفسنة رسول الله تتبع أو سنة عمر بن الخطاب ؟ !
و كذلك كان عثمان بن عفان رضي الله عنه ينهى عنها و خالفه علي بن أبي طالب كما تقدم و قال : لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم لقول أحد من الناس
و قال عمران بن حصين : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لم ينزل قرآن يحرمه و لم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مات
أخرجاه في الصحيحين
و في صحيح مسلم عن سعد أنه أنكر على معاوية إنكاره المتعة و قال : قد فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا يومئذ كافر بالعرش يعني معاوية حبن فعلوها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم كافرا بمكة يومئذ
قلت : و قد تقدم أنه عليه السلام حج قارنا بما ذكرناه من الأحاديث الواردة في ذلك و لم يكن بين حجة الوداع و بين وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أحد و ثمانون يوما
و قد شهد الحجة ما ينيف عن أربعين ألف صحابي قولا منه و فعلا فلو كان قد نهى عن القران في الحج الذي شهده منه الناس لم ينفرد به واحد من الصحابة و يرده عليه جماعة منهم ممن سمع منه و من لم يسمع
فهذا كله مما يدل على أن هذا هكذا ليس محفوظا عن معاوية رضي الله عنه و الله أعلم
و قال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني حيوة أخبرني أبو عيسى الخراساني عن عبد الله بن القاسم الخراساني عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أتى عمر بن الخطاب فشهد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج
و هذا الإسناد لا يخلو عن نظر ثم إن كان هذ الصحابي عن معاوية فقد تقدم الكلام على ذلك و لكن في هذا النهي عن المتعة لا القران و إن كان عن غيره مشكل في الجملة لكن لا على القران و الله أعلم (4/267)
و لم يعين حجا و لا عمرة أولا ثم بعد ذلك صرفه إلى معين
و قد حكى الشافعي أنه الأفضل إلا أنه قول ضعيف
قال الشافعي رحمه الله : [ أنبأنا سفيان أنبأنا ابن طاوس و إبراهيم بن ميسرة و هشام ابن حجير سمعوا طاوسا يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة لا يسمى حجا و لا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء و هو بين الصفا و المروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل بالحج و لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة و قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي و لكن لبدت رأسي و سفت هديي فليس لي محل إلا محل هديي
فقام إليه سراقة بن مالك فقال : يا رسول الله افض لنا قضاء كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بل للأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة
قال : فدخل علي من اليمن فسأله النبي صلى الله عليه و سلم : بم أهللت ؟ فقال أحدهما : لبيك إهلال النبي صلى الله عليه و سلم و قال الآخر : لبيك حجة النبي صلى الله عليه و سلم ]
و هذا مرسل عن طاوس و فيه غرابة
و قاعدة الشافعي رحمه الله أنه لا يقبل المرسل بمجرده حتى يعتضد بغيره اللهم إلا أن يكون عن كبار التابعين كما عول عليه كلامه في الرسالة لأن الغالب أنهم لا يرسلون إلا عن الصحابة و الله أعلم
و هذا المرسل ليس من هذا القبيل بل هو مخالف للأحاديث المتقدمة كلها أحاديث الإفراد و أحاديث التمتع و أحاديث القرآن و هي مسندة صحيحة كما تقدم فهي مقدمة عليه و لأنها مثبتة أمرا نفاه هذا المرسل و المثبت مقدم على النافي لو تكافآ فكيف و المسند صحيح و المرسل من حيث هو لا ينهض حجة لانقطاع سنده و الله تعالى أعلم
و قال الحافظ أبو بكر البيهقي : [ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو العباس الأصم حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا محاضر حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نذكر حجا و لا عمرة فلما قدمنا أمرنا أن نحل فلما كانت ليلة النفر حاضت صفية بن حيي فقال النبي صلى الله عليه و سلم : حلقي عقري ! ما أراها إلا حاسبتكم قال : هل كنت طفت يوم النحر ؟ قالت : نعم قال : فانفري قالت : قلت : يا رسول الله إني لم أكن أهللت قال : فاعتمري من التنعيم قال : فخرج مع أخوها قالت : فلقينا مدلجا فقال : موعدك كذا و كذا ]
هكذا رواه البيهقي
و قد رواه البخاري عن محمد قيل و ابن يحيى الذهلي عن محاضر بن المورع به و إلا أنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نذكر إلا الحج
و هذا أشبه بأحاديثها المتقدمة
لكن روى مسلم عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نذكر حجا و لا عمرة
و قد أخرجه البخاري و مسلم من حديث منصور عن إبراهيم عن الأسود عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا نرى إلا أنه الحج
و هذا أصح و أثبت و الله أعلم
و في رواية لها من هذا الوجه : خرجنا نلبي و لا نذكر حجا و لا عمرة و هو محمول على أنهم لا يذكرون ذلك مع التلبية و كانوا قد سموه حال الإحرام كما في حديث أنس : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لبيك اللهم حجا و عمرة ] و قال أنس : و سمعتهم يصرخون بهما جميعا
فأما الحديث الذي رواه مسلم من حديث داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن جابر و أبي سعيد الخدري قالا : قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن نصرخ بالحج صراخا فإنه حديث مشكل على هذا و الله أعلم (4/280)
قال الشافعي : [ أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لك لا شريك لك ]
و كان عبد الله بن عمر يزيد فيها : لبيك لك و سعديك و الخير في يديك لبيك الرغباء إليك و العمل
و رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف و مسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به
و قال مسلم : [ حدثنا محمد بن عباد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر و عن نافع مولى عبد الله بن عمر و حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لك لا شريك لك ]
قالوا : و كان عبد الله يقول : هذه تلبية رسول الله قال نافع : و كان عبد الله يزيد مع هذا : لبيك لبيك لبيك و سعد يك و الخير بيديك و الرغباء إليك و العمل
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر قال : تلقفت التلبية من في رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر بمثل حديثهم
[ حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب قال : فإن سالم بن عبد الله بن عمر أخبرني عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يهل ملبدا يقول : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ] لا يزيد على هؤلاء الكلمات
و إن عبد الله بن عمر كان يقول : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركع بذي الحليفة ركعتين فإذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات
و قال عبد الله بن عمر : كان عمر بن الخطاب يهل بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم من هؤلاء الكلمات و هو يقول : لبيك اللهم لبيك لبيك و سعديك و الخير في يديك لبيك و الرغباء إليك و العمل
هذا لفظ مسلم و في حديث جابر من التلبية كما في حديث ابن عمر و سيأتي مطولا قريبا رواه مسلم منفردا به
و قال البخاري بعد إيراده من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ما تقدم : [ حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن عمارة عن أبي عطية عن عائشة قالت : إني لأعلم كيف كان النبي صلى الله عليه و سلم يلبي : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك ]
تابعه أبو معاوية عن الأعمش و قال شعبة : أخبرنا سليمان سمعت خثيمة عن أبي عطية سمعت عائشة
تفرد به البخاري
و قد رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن سليمان ابن مهران الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية الوادي عن عائشة فذكر مثل مارواه البخاري سواء
و رواه أحمد عن أبي معاوية و عبد الله بن نمير عن الأعمش كما ذكره البخاري سواء و رواه أيضا عن محمد بن جعفر و روح بن عبادة عن شعبة عن سليمان بن مهران الأعمش به كما ذكره البخاري و كذلك رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة سواء
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية قال قالت عائشة : إني لأعلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي قال : ثم سمعتها تلبي فقالت : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ]
فزاد في هذا السياق وحده : و الملك لا شريك لك
و قال البيهقي : [ أخبرنا الحاكم أنبأنا الأصم حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأنا ابن وهب أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة أن عبد الله بن الفضل حدثه عن عبد الرحمن الأعوج عن أبي هريرة أنه قال : كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم : لبيك إله الحق ]
و قد رواه النسائي عن قتيبة عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد العزيز بن أبي سلمة و ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة و علي بن محمد كلاهما عن وكيع عن عبد العزيز به
قال النسائي : و لا أعلم أحدا أسنده عن عبد الله بن الفضل إلا عبد العزيز و رواه إسماعيل بن أمية مرسلا
و قال الشافعي : أنبأنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم من التلبية : لبيك اللهم لبيك فذكر التلبية
قال : حتى إذا كان ذات يوم و الناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها : لبيك إن العيش عيش الآخرة
قال ابن جريج : و حسبت أن ذلك يوم عرفة
هذا مرسل من هذا الوجه
و قد قال الحافظ أبو بكر البيهقي : [ أخبرنا عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد يوسف ابن محمد بن محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا محبوب بن الحسن حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب بعرفات فلما قال : لبيك اللهم لبيك قال : إنما الخير خير الآخرة ]
و هذا إسناد غريب و إسناده على شرط السنن و لم يخرجوه
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا روح حدثنا أسامة بن زيد حدثني عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمرني جبريل برفع الصوت في الإهلال فإنه من شعائر الحج ]
تفرد به أحمد
و قد رواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن وهب عن أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان و عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره
و قد قال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن ابن أبي لبيد عن المطلب بن حنطب عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج
و كذا رواه ابن ماجة عن علي بن محمد عن وكيع عن الثوري به و كذلك رواه شعبة و موسى بن عقبة عن عبد الله بن أبي لبيد به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : جاءني جبرائيل فقال : يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج ]
قال شيخنا أبو الحجاج المزي في كتابه الأطراف : و قد رواه معاوية عن هشام و قبيصة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب عن خلاد بن السائب عن أبيه عن زيد بن خالد به
و قال أحمد : [ حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك ابن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب بن خلاد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أتاني جبرائيل فقال : مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالإهلال ]
و قال أحمد : قرأت على عبد الرحمن بن مهدي [ عن مالك و حدثنا روح حدثنا مالك يعني ابن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك ابن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أتاني جبرائيل فأمرني أن آمر أصحابي ـ أو من معي ـ أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال ـ يريد أحدهما ]
و كذلك رواه الشافعي عن مالك و رواه أبو داود عن القعنبي عن مالك به و رواه الإمام أحمد أيضا من حديث ابن جريج و الترمذي و النسائي و ابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر به و قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح
و قال الحافظ البيهقي : و رواه ابن جريج قال : كتب إلي عبد الله بن أبي بكر فذكره و لم يذكر أبا خلاد في إسناده
قال : و الصحيح رواية مالك و سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك عن خلاد بن السائب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم كذلك
قاله البخاري و غيره كذا قال و قد قال الإمام أحمد في مسند السائب ابن خلاد بن سويد أبي سهلة الأنصاري : [ حدثنا محمد بن بكر أنبأنا ابن جريج و حدثنا روح حدثنا ابن جريج قال : كتب إلي عبد الله بن أبي بكر محمد بن عمرو ابن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد ابن السائب الأنصاري عن أبيه السائب بن خلاد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : أتاني جبرائيل فقال : إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية و الإهلال و قال روح : بالتلبية أو الإهلال ]
قال : لا أدري أينا و هل أنا أو عبد الله أو خلاد في الإهلال أو بالتلبية
هذا لفظ أحمد في مسنده و كذلك ذكره شيخنا في أطرافه عن ابن جريج كرواية مالك و سفيان بن عيينة فالله أعلم (4/283)
و هو وحده منسك مستقل رأينا أن إيراده ها هنا أنسب لتضمنه التلبية و غيرها كما سلف و ما سيأتي
فنورد طرقه و ألفاظه ثم نتبعه بشواهده من الأحاديث الواردة في معناه و بالله المستعان
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر بن محمد حدثني أبي قال : أتينا جابر بن عبد الله و هو في بني سلمة فسألناه عن حجة رسول الله صلى الله عليه و سلم
فحدثنا أن رسول الله رسول الله صلى الله عليه و سلم مكث في المدينة تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حاج في هذا العام
قال : فنزل المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه و سلم و يفعل ما يفعل
فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لخمس بقين من ذي القعدة و خرجنا معه حتى ذا أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي ثم استثفري بثوب ثم أهلي
فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد : [ لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ] و لبى الناس و الناس يزيدون : ذا المعارج و نحوه من الكلام و النبي صلى الله عليه و سلم يسمع فلم يقل لهم شيئا
فنظرت مد بصري بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم من راكب و ماش و من خلفه كذلك و عن يمينه مثل ذلك و عن شماله مثل ذلك
قال جابر : و رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن و هو يعرف تأويله و ما عمل به من شيء عملناه
فخرجنا لا ننوي إلا الحج حتى إذا أتينا الكعبة فاستلم نبي الله صلى الله عليه و سلم الحجر الأسود ثم رمل ثلاثة و مشى أربعة حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ثم قرأ : [ و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ]
قال أحمد : و قال أبو عبد الله ـ يعني جعفر ـ : فقرأ فيهما بالتوحيد و { قل يا أيها الكافرون }
ثم استلم الحجر و خرج إلى الصفا ثم قرأ : { إن الصفا و المروة من شعائر الله }
ثم قال : نبدأ بما بدأ الله به فرقى على الصفا حتى إذا نظر إلى البيت كبر ثم قال : [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده و صدق وعده و هزم ـ أو غلب ـ الأحزاب وحده ثم دعا ] ثم رجع إلى هذا الكلام
ثم نزل حتى إذا نصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا فلما كان السابع عند المروة قال : [ يا أيها الناس إني لو استقلبت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي و لجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحل و ليجعلها عمرة ] فحل الناس كلهم
فقال سراقة بن مالك بن جعشم و هو في أسفل الوادي : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه و سلم أصابعه فقال : [ للأبد ] ثلاث مرات ثم قال : [ دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة
]
قال و قدم علي من اليمن بهدي و ساق رسول الله صلى الله عليه و سلم معه من هدي المدينة هديا فإذا فاطمة قد حلت و لبست ثيابا صبيغا و اكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت : أمرني به أبي قال : علي بالكوفة : قال جعفر [ قال ] أي هذا الحرف لم يذكره جابر فذهبت محرشا أستفتي رسول الله صلى الله عليه و سلم في الذي ذكرت فاطمة قلت : إن فاطمة لبست ثيابا صبيغا و اكتحلت و قالت : أمرني أبي قال : [ صدقت صدقت أنا أمرتها به ]
و قال جابر : و قال لعلي : بم أهللت ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال : و معي الهدي قال : فلا تحل
قال : و كان جماعة الهدي الذي أتى به علي من اليمن و الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة فنحر رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده ثلاثا و ستين ثم أعطى عليا فنحر ما غبر و أشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكلا من لحمها و شربا من مرقها
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ قد نحرت هاهنا و منى كلها منحر و وقف بعرفة فقال : وقفت هاهنا و عرفة كلها موقف و وقف بالمزدلفة و قال : وقفت ها هنا و المزدلفة كلها موقف ]
هكذا أورد الإمام أحمد هذا الحديث و قد اختصر آخره جدا
و رواه الإمام مسلم بن الحجاج في المناسك من صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة و إسحاق بن إبراهيم كلاهما عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جابر بن عبد الله فذكره
و قد أعلمنا في الزيادات المتفاوتة من سياق أحمد و مسلم إلى قوله عليه السلام لعلي : [ صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه و سلم قال فإن معي الهدي قال : فلا تحل قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن و الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة
قال : فحل الناس كلهم و قصروا إلا النبي صلى الله عليه و سلم و من كان معه هدي
فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج و ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس و أمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة
فسار رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها
حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس و قال : إن دماءكم و أموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا
ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع و دماء الجاهلية موضوعة و إن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل و ربا الجاهلية موضوع و أول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله
و اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله و لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف
و قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله و أنتم تسألوني عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت و نصحت و أديت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء و ينكتها على الناس : اللهم أشهد اللهم أشهد ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر و لم يصل بينهما شيئا
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات و جعل جبل المشاة بين يديه و استقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس و ذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص و أردف أسامة بن زيد خلفه و دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها لتصيب مورك رحله و يقول بيده اليمنى : أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد
حتى أتى مزدلفة فصلى بها المغرب و العشاء بأذان و إقامتين و لم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان و إقامة ثم ركب القصواء حت أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا فحمد الله و كبره و هلله و وحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا
فدفع قبل أن تطلع الشمس و أردف الفضل بن العبس و كان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم مرت ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده على وجه الفضل فحول الفضل يده إلى الشق الآخر فحول رسول الله صلى الله عليه و سلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر
حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي
ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا و ستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر و أشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها و شربا من مرقها
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب و هم يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه ]
ثم رواه مسلم عن عمر بن حفص عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فذكر نحوه
و ذكر قصة أبي سيارة و أنه كان يدفع بأهل الجاهلية على حمار عري و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ نحرت ها هنا و منى كلها منحر فانحروا في رحالكم و وقفت ها هنا و عرفة كلها موقف و وقفت ها هنا و جمع كلها موقف ]
و قد رواه أبو داود بطوله عن النفيلي و عثمان بن أبي شيبة و هشام بن عمار و سليمان ابن عبد الرحمن و ربما زاد بعضهم على بعض الكلمة و الشيء أربعتهم عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بنحو من رواية مسلم و قد رمزنا لبعض زياداته عليه
و رواه أبو داود أيضا و النسائي عن يعقوب بن إبراهيم عن يحي بن سعيد القطان عن جعفر به و رواه النسائي أيضا عن محمد بن المثنى عن يحي بن سعيد ببعضه عن إبراهيم بن هارون البلخي عن حاتم بن إسماعيل ببعضه (4/289)
قال البخاري : باب المساجد التي على طريق المدينة و المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه و سلم
حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال : حدثنا فضيل بن سليمان قال : حدثنا موسى بن عقبة قال : رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها و يحدث أن أباه كان يصلي فيها و أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يصلي في تلك الأمكنة
و حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي في تلك الأمكنة و سألت سالما فلا أعلمه إلا وافق نافعا في الأمكنة كلها إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء
قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض قال : حدثنا موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر و في حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة و كان إذا رجع من غزو كان في تلك الطريق أو في حج أو عمرة هبط من بطن واد فإذا ظهر من بطن واد أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية فعرس ثم حتى يصبح ليس عند المسجد الذي بحجارة و لا على الأكمة التي عليها المسجد كان ثم خليج يصلي عبد الله عنده في بطنه كثب كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يصلي فدحا السيل فيه بالبطحاء حتى دفن ذلك المكان الذي كان عبد بن يصلي فيه
و أن عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد الذي بشرف الروحاء و قد كان عبد الله يعلم المكان الذي كان صلى فيه النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ثم عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلي و ذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى و أنت ذاهب إلى مكة بينه وبين المسجد الأكبر رمية بحجر أو نحو ذلك
و أن ابن عمر كان يصلي إلى العرق الذي عند منصرف الروحاء و ذلك العرق انتهاء طرفه على حافة الطريق دون المسجد الذي بينه و بين المنصرف و أنت ذاهب إلى مكة و قد ابتنى ثم مسجد فلم يكن عبد الله يصلي في ذلك المسجد كان يتركه عن يساره و وراءه و يصلي أمامه إلى العرق نفسه و كان عبد الله يروح من الروحاء فلا يصلي الظهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلي فيه الظهر و إذا أقبل من مكة فإن مر به قبل الصبح بساعة أو من آخر السحر عرس حتى يصلي بها الصبح
و أن عبد الله حدثه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ينزل تحت سرحة ضخمة دون الرويثة عن يمين الطريق و وجاه الطريق في مكان بطح سهل حتى يفضي من أكمة دوين بريد الرويثة بميلين و قد انكسر أعلاها فانثنى في جوفها و هي قائمة على ساق و في سوقها كثب كثيرة
و أن عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى في ترف تلعة من وراء العرج و أنت ذاهب إلى هضبة عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة على القبور رضم من حجارة عن يمين الطريق عند سلمات الطريق بين أولئك السلمات كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة فيصلي الظهر في ذلك المسجد
و أن عبد الله بن عمرحدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل عند سرحات عن يسار الطريق في مسيل دون هرشى ذلك المسيل لاصق بكراع هرشى بينه و بين الطريق قريب من غلوة و كان عبد الله يصلي إلى سرحة هي أقرب السرحات إلى الطريق و هي أطولهن
و أن عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينزل في المسيل الذي في أدنى مر الظهران قبل المدينة حين يهبط من الصفراوات ينزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق و أنت ذاهب إلى مكة ليس بين منزل رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين الطريق إلا رمية بحجر
و أن عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينزل بذي طوى و يبيت حتى يصبح يصلى الصبح حين يقدم مكة و مصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك على أكمة غليظة ليس في المسجد الذي بني ثم و لكن أسفل من ذلك على أكمة غليظة
و أن عبد الله حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه و بين الجبل الطويل نحو الكعبة فجعل المسجد الذي بني ثم يسار المسجد بطوف الأكمة مصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أسفل منه على الأكمة السوداء تدع من الأكمة عشرة أذرع أونحوها ثم تصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك و بين الكعبة
تفرد البخاري رحمه الله بهذا الحديث بطوله و ساقه إلا أن مسملا روى منه عند قوله في آخره : [ و أن عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كلن ينرل بذي طوى ] إلى لآخر الحديث عن محمد بن إسحاق المسيبي عن أنس عن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر فذكره و قد رواه الإمام أحمد بطوله عن أبي قرة موسى ابن طارق عن موسى ابن عقبة عن نافع عن ابن عمر به نحوه
و هذه الأماكن لا يعرف اليوم كثير منها أو أكثرها لأنه قد غير أسماء أكثرل هذه البقاع اليوم عند هؤلاء الأعراب الذين ههناك فإن الجهل دق غلب على أكثرهم و إنما أوردها البخاري رحمه الله في كتابه لعل أحدا يهتدي إليها بالتأمل و التفرس و الوتسم أو لعل أكثرها أو كثيرا منها كان معلوما في زمن البخاري و الله تعالى أعلم (4/296)
قال البخاري : حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن عبد الله حدثنى نافع عن ابن عمر قال : بات النبي صلى الله عليه و سلم بذي طوى حتى أصبح ثم دخل مكة و كان ابن عمر يفعله
و رواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به و زاد : [ حتى صلى الصبح أو قال : حتى الصبح ]
و قال مسلم : حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد عن أويب عن نافع عن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح و يغتسل ثم يدخل مكة نهارا و يذكر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه فعله
و رواه البخاري من حديث حماد بن زيد عن أيوب به
و لهما من طريق أخرى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى و ذكره
و تقدم آنفا ما آخرجاه من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبيت بذي طوى حتى يصبح فيصلي الصبح حين يقدم مكة و مصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عند أكمة غليظة و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه و بين الطويل نحو الكعبة فجعل المسدج الذي بني ثم يسار المسجد بطرف الأكمة و مصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أسفل منه على الأكمة السوداء يدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها ثم يصلي مستقبل الفرضتنين من الجبل الذي بينك و بين الكعبة
أخرجاه في الصحيحين
و حاصل هذا كله : أنه عليه السلام لما انتهى في مسيره إلى ذي طوى و هو قريب من مكة متاخم للحرم أمسك عن التلبية لأنه قد وصل إلى المقصود و بات بذلك المكان حتى أصبح فصلى هنالك الصبح في المكان الذي وصفوه بين فرضتي الجبل الطويل هنالك
و من تأمل هذه الأماكن المشار إليها بعين البصيرة عر فها معرفة جيدة و تعين له المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم اغتسل صلوات الله و سلامه عليه لأجل دخول مكة ثم ركب و دخلها نهارا جهرة علانية من الثنية العليا التي بالبطحاء و يقال كذاء ليراه الناس و يشرف عليهم و كذلك دخل منها يوم الفتح كما ذكرناه
قال مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة من الثنية العليا و خرج من الثنية السفلى
و أخرجاه في الصحيحين من حديثه
و لهما من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة من الثنية العليا التي في البطحاء و خرج من الثنية السفلى
و لهما أيضا من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مثل ذلك
و لما وقع بصره عليه السلام على البيت قال ما رواه الشافعي في مسدنه : [ أخبرنا سعيد بن ساام عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا رأى البيت رفع يده و قال : اللهم زد هذا البيت تشريفا و تعظيما و تكريما و مهابة و زد من شرفه و كرمه و من حجه و اعتمره تشريفا و تكريما و تعظيما و برا ]
قال الحافظ البيهقي : هذا منقطع و له شاهد مرسل عن سفيان الثوري عن أبي سعيد الشامي عن مكحول قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه و كبر و قال : [ اللهم أنت السلام و منك السلام فحينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تشريفا و تعظيما و تكريما و مهابة وبرا و زد من حجه أو اعتمره تكريما و تشريفا و تعظيما و برا ]
و قال الشافعي : أنبأنا سعيد عن ابن جريج قال : حدثت عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ترفع الأيدي في الصلاة و إذا رأى البيت وعلى الصفا و المروة و عيشة عرفة و بجمع و عند الجمرتين و على الميت ]
قال الحافظ البيهقي : و قد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس و عن نافع عن ابن عمر مرة موقوفا عليهما و مرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم دون ذكر البيت
قال : و ابن أبي ليلى هذا غير قوي
ثم إنه علايه السلام دخل المسجد من باب بني شيبة
قال الحافظ البيهقي : روينا عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : يدخل المحرم من حيث شاء
قال : و دخل النبي صلى الله عليه و سلم من باب شيبة و خرج من باب بني مخزوم إلى الصفا
ثم قال البيهقي : و هذا مرسل جيد
و قد استدلا البيهقي على استحاب دخول السمحد من باب بني شيبة بما رواه من طريق أبي داود الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة و قيس بن سلام كلهم عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي رضي الله عنه قال لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش فلما أرادوا و ضع الحجر تشاجروا من يضعه فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم من باب شيبة و فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بثوب فوضع الحجر في وسطه و أمر كل فخذ أن يأخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه و أخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعه
و قد ذكرنا هذا مبسوطا في باب بناء الكعبة قبل البعثة و في الاستدلال على استحباب الدخول من باب بني شيبة بهذا نظر و الله أعلم (4/300)
قال البخاري : حدثنا أصبغ عن ابن وهب أخبرني عمرو بن محمد عن محمد بن عبد الرحمن قال ذكرت لعروة : قال أخبرتني عائشة : أن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه و سلم أنه توضأ ثم طاف لم تكن عمرة ثم حج أبو بكر و عمر مثله ثم حججت مع أبي الزبير فأول شيء بدأ به الطواف ثم رأيت المهاجرين و الأنصار يفعلونه و قد أخبرتني أمي أنها أهلت هي و أختها و الزبير و فلان و فلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا
هذا لفظه و قد رواه في موضع آخر عن أحمد بن عيسى و مسلم عن هارون بن سعيد ثلاثتهم عن ابن وهب به
و قولها : ثم لم تكن عمرة يدل على أنه عليه السلام لم يتحلل بين النسكين
ثم كان أول ما ابتدأ به عليه السلام استلام الحجر الأسود قبل الطواف كما قال جابر : حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا و مشى أربعا
و قال البخاري : حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر أنه جاء إلى الحجلار فقبله و قال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك
و رواه مسلم عن يحيى بن يحيى و أبي بكر بن أبي شيبة و زهير بن حرب و ابن أبي نمير جميعا عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر يقبل الحجر و يقول : إنيى لأعلم أنك حجر لا تضر و لا نتفع و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك
و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيدة و أبو معاوية قالا : حدثنا الأعمش عن إبراهيم بن عابس بن ربيعة قال : رأيت عمر أتى الحجر فقال : أما و الله لأعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك
ثم دنا فقبله
فهذا السياق يقتضي أنه قال ما قال ثم قبله بعد ذلك بخلاف سياق صاحبي الصحيح فالله أعلم
و قال أحمد : حدثنا وكيع و اللفظ لوكيع عن هشام عن أبيه أن عمر بن الخطاب أتى الجحر فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر و لا نتفع و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك و قال : ثم قبله
و هذا منقطع بين عروة بن الزبير و بين عمر
و قال البخاري أيضا : حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرني زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال للركن : أما و الله إني لأعلم أنك حجر لا تضر و لا نتفع و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم استلمك ما استلمتك فاستلمه
ثم قال : و ما لنا و الرمل إنما كنا راءينا به المشركين و لقد أهلكهم الله ثم قال : شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا نحب أن نتركه و هذا يدل على أن الاستلام تأخر عن القول
و قال البخاري : حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد بن هارون حدثنا ورقاء حدثنا زيد بن أسلم عن أبيه قال : رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر و قال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك
و قال مسلم بن الجحاج : حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أخبرني يونس هو ابن يزيد الإيلي و عمرو وهو ابن دينار ح و حدثنا هارون بن سعيد الأيلي أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن سالم أن أباه حدثه أنه قال : قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال : أما و الله لقد علمت أنك حجر و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك
زاد هارون في روايته : قال عمرو : و حدثنى بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه أسلم ـ يعني عن عمر ـ به
و هذا صريح في أن التقبيل تقدم على القول فالله أعلم
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر ثم قال : لقد علمت أنك حجر و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك
هكذا رواه الإمام أحمد
و قد أخرجه مسلم في صحيحه عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن حماد بن زيد عن أيوب عن
نافع عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر و قال : إني لأقبلك و إني لأعلم أنك حجر و لكني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك
ثم قال مسلم : حدثنا خلف بن هشام و المقدمي و أبو كامل و قتيبة كلهم عن حماد قال خلف : حدثنا حماد بن زيد عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال : رأيت الأصلع ـ يعني عمر ـ يقبل الحجر و يقول : و الله إني لأقبلك و إني لأعلم أنك حجر و أنك لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك
و في رواية المقدمي و أبي كامل : رأيت الأصيلع
و هذا من إفراد مسلم دون البخاري
و قد رواه الإمام أحمد عن أبي معاوية عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس و رواه أحمد أيضا عن غندر عن شعبة عن عاصم الأحول به
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال : رأيت عمر يقبل الحجر و يقول : إني لأعلم أنك حجر لا تضر و لا نتفع و لكني رأيت أبا القاسم صلى الله عليه و سلم بك حفيا
ثم رواه أحمد عن وكيع عن سفيان الثوري به و ذاد : فقبله و التزمه
هكذا رواه مسلم من حديث عبد الرحمن بن مهدي بلا زيادة و من حديث وكيع بهذه الزيادة : قبل الحجر والتزمه و قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بك حفيا
و قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب أكب على الركن و قال : إني لأعلم أنك حجر و لو لم أرى حبيبي صلى الله عليه و سلم قبلك و استلمك ما استلمتك و لاقبلتك { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } 0
و هذا إسناد جيد قوي و لم يخرجوه
و قال أبو داود الطيالسي : حدثنا جعفر بن عثمان القرشي من أهل مكة قال : رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر و سجد عليه ثم قال : رأيت خالك ابن عباس قبله و سجد عليه و قال ابن عباس : رأيت عمر بن الخطاب قبله و سجد عليه ثم قال عمر لو لم أر النبي صلى الله عليه و سلم قبله ما قبله
و هذا أيضا إسناد حسن و لم يخرجه إلا النسائي عن عمرو بن عثمان عن الوليد بن مسلم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس
عن ابن عباس عن عمر فذكر نحوه
و قد روى هذا الحديث عن عمر الإمام أحمد أيضا من حديث يعلى بن أمية عنه و أبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق هشام بن حشيش بن الأشقر عن عمر
و قد أوردنا ذلك كله بطرقه و ألفاظه و عزوه و علله في الكتاب الذي جمعناه في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه و لله الحمد و المنة
و بالجملة فهذا الحديث مروى من طرق متعددة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه و هي تفيد القطع عند كثير من أئمة هذا الشأن
و ليس في هذه الرواية أنه عليه السلام سجد على الحجر إلا ما أشعر به رواية أبي داود الطيالسي عن جعفر بن عثمان و ليست صريحة في الرفع
و لكن رواه الحافظ البيهقي من طريق أبي عاصم النبيل حدثنا جعفر بن عبد الله قال : رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر و سجد عليه ثم قال : رأيت خالك ابن عباس قبله و سجد عليه و قال ابن عباس : رأيت عمر قبله و سجد عليه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل هكذا ففعلت
قال الحافظ البيهقي : [ أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا الطبراني أنبأنا أبو الزنباع حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثنا يحيى بن يمان حدثنا سفيان بن أبي حسين عن عكرمة عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم سجد على الحجر ]
قال الطبراني : لم يروه عن سفيان إلا يحيى بن يمان
و قال البخاري : [ حدثنا مسدد حدثنا حماد عن الزبير بن عربي قال : سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستمله و يقبله قال : أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت ؟ قال : اجعل أريت باليمن ! رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمه و يقبله ]
تفرد به دون مسلم
و قال البخاري : [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : ما تركت استلام هذين الركنين في شدة و لا رخاء منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمهما فقلت : لنافع : أكان ابن عمر يمشي بين الركنين ؟ قال : إنما كان ميشي ليكون أيسر لاستلامه ]
وروى أبو داود و النسائي من حديث يحيى بن سعيد القطان عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم [ كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني و الحجر في كل طوفة ]
و قال البخاري : [ حدثنا أبو الوليد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال : لم أر النبي صلى الله عليه و سلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين ]
و رواه مسلم عن يحيى بن يحيى و قتيبة عن الليث بن سعد به
و في رواية عنه أنه قال : [ ما أرى النبي صلى الله عليه و سلم ترك استلام الركنين الشاميين إلا أنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم ]
و قال البخاري : و قال محمد بن بكر أنبأنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه قال : و من يتقي شيئا من البيت !
و كان معاوية يستلم الأركان فقال له ابن عباس : إنه لا يستلم هذان الركنان فقال له : ليس من البيت شيء مهجور و كان ابن الزبير يستلمهن كلهن
انفرد في روايته البخاري رحمه الله تعالى
و قال مسلم في صحيحه [ حدثنى أبو الطاهر حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة بن دعامة حدثه أن أبا الطفيل البكري حدثه أنه سمع ابن عباس يقول : لم أر رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلم غير الركنين اليمانيين ]
انفرد به مسلم
فالذي رواه ابن عمر موافق لما قاله ابن عباس ؟ أنه لا يستلم الركنان الشاميان لأنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم لأن قريشا قصرت بهم النفقة فأخرجوا الحجر من البيت حين بنوه كما تقدم بيانه
و ود البني صلى الله عليه و سلم أن لو بناه فتممه على قواعد إبراهيم و لكن خشي من حداثه عهد الناس بالجاهلية فتنكره قلوبهم
فلما كانت إمراة عبد الله بن الزبير هدم الكعبة و بناها على ما أشار إليه صلى الله عليه و سلم كما أخبرته خالته أم المؤمنين عائشة بنت الصديق
فإن كان ابن الزبير استلم الأركان كلها بعد بنائه إياها على قواعد إبراهيم فحسن جدا و هو و الله المظنون به !
و قال أبو داود : [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يدع أن يستلم الركن اليماني و الحجر في كل طوفة ]
و رواه النسائي عن محمد بن المثنى عن يحيى
و قال النسائي : [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد عن أبيه عن عبد الله بن السائب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بين الركن اليماني و الحجر : ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ]
و رواه أبو داود عن مسدد عن عيسى بن يونس عن ابن جريج به
و قال الترمذي : [ حدثنا محمود بن غيلان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم مكة دخل المسجد فاستلم الحجر ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثا و مشى أربعا ثم أتى المقام فقال : و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين و المقام بينه و بين البيت ثم أتى الحجر بعد ركعتين فاستلمه ثم خرج إلى الصفا أظنه قال : إن الصفا و المروة من شعائر الله ]
هذا الحديث حسن صحيح و العمل على هذا عند أهل العلم
و هكذا رواه إسحاق بن راهويه عن يحيى بن آدم و رواه الطبراني عن النسائي و غيره عن عبد الأعلى بن واصل عن يحيى بن آدم به (4/304)
قال البخاري : حدثنا أصبغ بن الفرج أخبرني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يخب ثلاثة أشواط من السبع
و رواه مسلم عن أبي الطاهر بن السرح و حرملة كلاهما عن وهب به
و قال البخاري : حدثنا محمد بن سلام حدثنا شريح بن النعمان حدثنا فليح عن نافع عن ابن عمر قال : سعى النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثة أشواط و مشى أربعة في الحج و العمرة
تابعه الليث : حدثني كثير بن فرقد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم
انفرد به البخاري
و قد روى النسائي عن محمد و عبد الرحمن ابني عبد الله بن عبد الحكم كلاهما عن شعيب بن الليث عن أبيه الليث بن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع عن ابن عمر به
و قال البخاري : [ حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أشواط و مشى أربعة ثم سجد سجدتين ثم يطوف بين الصفا و المروة ]
و رواه مسلم من حديث موسى بن عقبة به
و قال البخاري : [ حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم : كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول يخب ثلاثة أطواف و يمشي أربعة و أنه كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا و المروة ]
و رواه مسلم من حديث عبيد الله بن عمر و قال مسلم : [ أنبأنا عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي أنبأنا ابن المبارك أنبأنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : رمل رسول الله صلى الله عليه و سلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا و مشى أربعا ]
ثم رواه من حديث سليم ابن أخضر عن عبيد الله بنحوه
و قال مسلم أيضا : حدثني أبو الطاهر حدثني عبد الله بن وهب أخبرني مالك و ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : رمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر و قال عمر بن الخطاب : فيم الرملان و الكشف عن المناكب و قد أطد الله الإسلام و نفى الكفر ؟ و مع ذلك لا نترك شيئا كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
رواه أحمد و أبو داود و ابن ماجة و البيهقي من حديث هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن أبيه عنه
و هذا كله رد على ابن عباس و من تابعه من أن الرمل ليس بسنة لأن رسول الله إنما فعله لما قدم هو و أصحابه صبيحة رابعة ـ يعني في عمرة القضاء ـ و قال المشركون : إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة و أن يمشوا ما بين الركنين و لم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم
و هذا ثابت في الصحيحين و تصريحه بعذر سببه في صحيح مسلم أظهر
فكأن ابن عباس ينكر وقوع الرمل في حجة الوداع
و قد صح بالنقل الثابت كما تقدم بل فيه زيادة تكميل الرمل من الحجر إلى الحجر و لم يمش ما بين الركنين اليمانيين لزوال تلك العلة المشار إليها و هي الضعف
و قد ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس أنهم رملوا في عمرة الجعرانة و اضطبعوا
و هو رد عليه فإن عمرة الجعرانة لم يبق في أيامها خوف لأنها بعد الفتح كما تقدم
رواه حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت و اضطبعوا و وضعوا أرديتهم تحت آباطهم و على عواتقهم
و رواه أبو داود من حديث حماد بنحوه و من حديث عبد الله بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس به
فأما الاضطباع في حجة الوداع فقد قال قبيصة و الفريابي [ عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن يعلى بن أمية عن أمية قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالبيت مضطبعا ]
رواه الترمذي من حديث الثوري و قال حسن صحيح
و قال أبو داود : [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن يعلى عن أبيه قال : طاف رسول الله مضطبعا ببرد أخضر ]
و هكذا رواه الإمام أحمد [ عن وكيع عن الثوري عن ابن جريج عن ابن يعلى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم طاف بالبيت و هو مضطبع ببرد له حضرمي
و قال جابر في حديثه المتقدم : حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا و مشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ : { و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه و بين البيت فذكر أنه صلى ركعتين قرأ فيهما : { قل هو الله أحد } و { قل يا أيها الكافرون } ]
فإن قيل : فهل كان عليه السلام في هذا الطواف راكبا أو ماشيا ؟
فالجواب : أنه قد ورد نقلان قد يظن أنهما متعارضان و نحن نذكرهما و نشير إلى التوفيق بينهما و رفع اللبس عند من يتوهم فيهما تعارضا و بالله التوفيق و عليه الاستعانة و هو حسبنا و نعم الوكيل
قال البخاري رحمه الله : حدثنا أحمد بن صالح و يحيى بن سليمان قالا : حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : طاف النبي صلى الله عليه و سلم على بعيره في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن
و أخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن ابن وهب
قال البخاري : تابعه الدراوردي عن ابن أخي الزهري عن عمه
و هذه المتابعة غريبة جدا
و قال البخاري : [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال : طاف النبي صلى الله عليه و سلم بالبيت على بعير كلما أتى الركن أشار إليه ]
و قد رواه الترمذي [ من حديث عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي و عبد الوارث كلاهما عن خالد بن مهران الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال : طاف النبي صلى الله عليه و سلم على راحلته فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه ]
و قال : حسن صحيح
ثم قال البخاري : [ حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال : طاف النبي صلى الله عليه و سلم بالبيت على بعير فلما أتى الركن أشار إليه بشيء كان عنده و كبر ]
تابعه إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء
و قد أسند هذا التعليق ها هنا في كتاب الطواف عن عبد الله بن محمد عن أبي عامر عن إبراهيم بن طهمان به
و روى مسلم [ عن الحكم بن موسى عن شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن كراهية أن يضرب عنه الناس ]
فهذا إثبات أنه عليه السلام طاف في حجة الوداع على بعير و لكن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف : الأول طواف القدوم و الثاني طواف الإفاضة و هو طواف الفرض و كان يوم النحر و الثالث طواف الوداع
فلعل ركوبه صلى الله عليه و سلم كان في أحد الآخرين أو في كليهما فأما الأول و هو طواف القدوم فكان ماشيا فيه و قد نص الشافعي على هذا كله و الله أعلم و أحكم
و الدليل على ذلك ما قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه السنن الكبير : [ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عيسى بن يونس عن محمد بن إسحاق هو ـ ابن يسار رحمه الله ـ عن أبي جعفر و هو محمد بن علي بن الحسين عن جابر بن عبد الله قال : دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى فأتى النبي صلى الله عليه و سلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه و فاضت عيناه بالبكاء ثم رمل ثلاثا و مشى أربعا حتى فرغ فلما فرغ قبل الحجر و وضع يده عليه و مسح بهما وجهه ]
و هذا إسناد جيد
فأما ما رواه أبو داود : [ حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم مكة و هو يشتكي فطاف على راحلته فلما أتى الركن استلمه بمحجن فلما فرغ من صلاته أناخ فصلى ركعتين ]
تفرد به يزيد بن أبي زياد و هو ضعيف
ثم لم يذكر أنه في حجة الوداع و لا ذكر أنه في الطواف الأول من حجة الوداع
و لم يذكر ابن عباس في الحديث الصحيح عنه عند مسلم و كذا جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم ركب في طوافه لضعفه و إنما ذكرا كثرة الناس و غشيانهم له و كان لا يحب أن يضربوا بين يديه كما سيأتي تقريره قريبا إن شاء الله
ثم هذا التقبيل الثاني الذي ذكره ابن إسحاق في روايته بعد الطواف و بعد ركعتيه أيضا ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر قال فيه بعد ذكر صلاة ركعتي الطواف ثم رجع إلى الركن فاستلمه
و قد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و ابن نمير جميعا عن أبي خالد قال أبو بكر : حدثنا أبو خالد الأحمر عن عبيد الله عن نافع قال : رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبل يده قال : و ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله
فهذا يحتمل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض الطوافات أو في آخر استلام فعل مثل هذا لما ذكرنا أو أن ابن عمر لم يصل إلى الحجر لضعف كان به أو لئلا يزاحم غيره فيحصل لغيره أذى به
و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لوالده ما رواه أحمد في مسنده : [ حدثنا وكيع : حدثنا سفيان عن أبي يغفور العبدي قال : سمعت شيخا بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه و إلا فاستقبله و كبر ]
و هذا إسناد جيد لكن راويه عن عمر مبهم لم يسم
و الظاهر أنه ثقة جليل فقد رواه الشافعي [ عن سفيان بن عيينة عن أبي يعفور العبدي و اسمه وقدان سمعت رجلا من خزاعة حين قتل ابن الزبير و كان أميرا على مكة يقول : قال رسول الله لعمر : يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم على الركن فإنك تؤذي الضعيف و لكن إن وجدت خلوة فاستلمه و إلا فكبر و امض ]
قال سفيان بن عيينة : هو عبد الرحمن بن الحارث كان الحجاج استعمله عليها منصرفه منها حين قتل ابن الزبير
قلت : و قد كان عبد الرحمن هذا جليلا نبيلا كبير القدر و كان أحد النفر الأربعة الذين ندبهم عثمان بن عفان في كتابة المصاحف التي نفذها إلى الآفاق و وقع على ما فعله الإجماع و الاتفاق (4/312)
ورى مسلم في صحيحه عن جابر في حديثه الطويل المتقدم بعد ذكره طوافه عليه السلام بالبيت سبعا و صلاته عند المقام ركعتين قال : ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ : { إن الصفا و المروة من شعائر الله } أبدأ بما بدأ الله به
فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله و كبره و قال : [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير لا إله إلا الله أنجز وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده ] ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات
ثم نزل حتى إذا نصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عمر بن هارون البلخي أبو حفص حدثنا ابن جريج عن بعض بني يعلى بن أمية عن أبيه قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم مضطبعا بين الصفا و المروة ببرد له نجراني ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الله بن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن حدثنا عطية عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت : دخلت دار حصين في نسوة من قريش و النبي صلى الله عليه و سلم يطوف بين الصفا و المروة قالت : و هو يسعى يدور به إزاره من شدة السعي و هو يقول لأصحابه اسعوا إن الله كتب عليكم السعي ]
و قال أحمد أيضا : [ حدثنا شريح حدثنا عبد الله بن المؤمل حدثنا عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يطوف بين الصفا و المروة و الناس بين يديه و هو وراءهم و هو يسعى حتى أرى ركبيته من شدة السعي يدور به إزاره و هو يقول : اسعوا إن الله كتب عليكم السعي ]
تفرد به أحمد
و قد رواه أحمد أيضا [ عن عبد الرزاق عن معمر عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه و سلم بين الصفا و المروة يقول : كتب عليكم السعي فاسعوا ]
و هذه المرأة هي حبيبة بنت أبي تجراة المصرح بذكرها في الإسنادين الأولين و عن أم ولد شيبة بن عثمان أنها أبصرت النبي صلى الله عليه و سلم و هو يسعى بين الصفا و المروة و هو يقول : [ لا يقطع الأبطح إلا شدا ]
رواه النسائي و المراد بالسعي ها هنا هو الذهاب من الصفا إلى المروة و منها إليها و ليس المراد بالسعي ها هنا الهرولة و الإسراع فإن الله لم يكتبه علينا حتما بل لو مشى الإنسان على هيئته في السبع الطوافات بينهما و لم يرمل في المسيل أجزأه ذلك عند جماعة العلماء لا نعرف بينهم اختلافا في ذلك
و قد نقله الترمذي رحمه الله عن أهل العلم ثم قال : حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن كثير بن جهمان قال : رأيت ابن عمرو يمشي في المسعى فقالت : أتمشي في السعي بين الصفا و المروة ؟ فقال : لئن سعيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يسعى و لئن مشيت لقد رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي و أنا شيخ كبير
ثم قال : هذا حديث حسن صحيح
و قد روى سعيد بن جيير عن ابن عباس نحو هذا و قد رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجه من حديث عطاء بن السائب عن كثير بن جهمان السلمي الكوفي عن ابن عمر
فقول ابن عمر : إنه شاهد الحالين منه صلى الله عليه و سلم يحتمل شيئين : أحدهما : أنه رآه يسعى في وقت ماشيا لم يمزجه برمل فيه بالكلية و الثاني : أنه رآه يسعى في بعض الطريق و يمشي في بعضه
و هذا له قوة لأنه قد روى البخاري و مسلم من حديث عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا و المروة
و تقدم في حديث جابر أنه عليه السلام : نزل من الصفا فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة
و هذا هو الذي تستحبه العلماء قاطبة أن الساعي بين الصفا و المروة ـ و تقدم في حديث جابر ـ يستحب له أن يرمل في بطن الوادي في كل طوفة في بطن المسيل الذي بينهما و حددوا ذلك بما بين الأميال الخضر فواحد مفرد من ناحية الصفا مما يلي المسجد و اثنان مجتمعان من ناحية المروة مما يلي المسجد أيضا
و قال بعض العلماء : ما بين هذه الأميال اليوم أوسع من بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم فالله أعلم
و أما قول محمد بن حزم في الكتاب الذي جمعه في حجة الوداع : ثم خرج عليه السلام إلى الصفا فقرأ { إن الصفا و المروة من شعائر الله } أبدأ بما بدأ الله به فطاف بين الصفا و المروة أيضا سبعا راكبا على بعير يخب ثلاثا و يمشي أربعا فإنه لم يتابع على هذا القول و لم يتفوه به أحد قبله من أنه عليه السلام خب ثلاثة أشواط بين الصفا و المروة و مشى أربعا
ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر عليه دليلا بالكلية بل لما انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال : و لم نجد عدد الرمل بين الصفا و المروة منصوصا و لكنه متفق عليه
هذا لفظه
فإن أراد بأن الرمل في الثلاث الطوفات الأول على ما ذكر متفق عليه فليس بصحيح بل لم يقله أحد
و إن أراد أن الرمل في الثلاث الأول في الجملة متفق عليه فلا يجدي له شيئا و لا يحصل له مقصودا فإنهم كما اتفقوا على الرمل في الثلاث الأول في بعضها على ما ذكرناه كذلك اتفقوا على استحبابه في الأربع الأخر أيضا
فتخصيص ابن حزم الثلاث الأول باستحباب الرمل فيها مخالف لما ذكره العلماء و الله أعلم
و أما قول ابن حزم إنه عليه السلام كان راكبا بين الصفا و المروة فقد تقدم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسعى بطن المسيل
أخرجاه
و للترمذي عنه : إن أسعى فقد رأيت رسول الله يسعى و إن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشي
و قال جابر : فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى
رواه مسلم
و قالت حبيبة بنت أبي تجراة : يسعى بدور به إزاره من شدة السعي
رواه أحمد
و في صحيح مسلم عن جابر كما تقدم أنه رقى على الصفا حتى رأى البيت و كذلك على المروة
و قد قدمنا من حديث محمد بن إسحاق عن أبي جعفر الباقر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أناخ بعيره على باب المسجد يعني حتى طاف ثم لم يذكر أنه ركبه حال ما خرج إلى الصفا
و هذا كله مما يقتضي أنه عليه السلام سعى بين الصفا و المروة ماشيا
و لكن قال مسلم : [ حدثنا عبد بن حميد حدثنا محمد ـ يعني ابن بكر ـ أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : طاف النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت و بين الصفا و المروة على بعير ليراه الناس و ليشرف و ليسألوه فإن الناس غشوه و لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم و لا أصحابه بين الصفا و المروة إلا طوافا واحدا ]
و رواه مسلم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن علي بن مسهر و عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس و عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد كلهم عن ابن جريج به و ليس في بعضها : و بين الصفا و المروة
و قد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : طاف النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت و بين الصفا و المروة
و رواه النسائي عن الفلاس عن يحيى وعن عمران بن يزيد عن سعيد بن إسحاق كلاهما عن ابن جريج به
فهذا محفوظ من حديث ابن جريج و هو مشكل جدا لأن بقية الروايات عن جابر و غيره تدل على أنه عليه السلام كان ماشيا بين الصفا و المروة
و قد تكون رواية أبي الزبير عن جابر لهذه الزيادة و هي قوله : و بين الصفا و المروة مقمحة أو مدرجة ممن بعد الصحابي و الله أعلم
أو أنه عليه السلام طاف بين الصفا و المروة بعض الطوفان على قدميه و شوهد منه ما ذكر فلما ازدحم الناس عليه و كثروا ركب كما يدل عليه حديث ابن عباس الأتي قريبا
و قد سلم ابن حزم أن طوافه الأول بالبيت كان ماشيا و حمل ركوبه في الطواف على ما بعد ذلك و ادعى أنه كان راكبا في السعي بين الصفا و المروة قال : لأنه لم يطف بينهما إلا مرة واحدة ثم تأول قول جابر : حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل بأنه يصدق ذلك و إن كان راكبا فإنه إذا انصب بعيره فقد انصب كله و انصبت قدماه مع سائر جسده قال : و كذلك ذكر الرمل يعني به رمل الدابة براكبها
و هذا التأويل بعيد جدا و الله أعلم
و قال أبو داود : حدثنا أبو سلمة موسى حدثنا حماد أنبأنا أبو عاصم الغنوي عن أبي الطفيل قال : قلت لابن عباس : يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد رمل بالبيت و أن ذلك من سنته قال : صدقوا و كذبوا فقلت : ما صدقوا و ما كذبوا ؟ قال : صدقوا رمل رسول الله و كذبوا ليس بسنة إن قريشا قالت زمن الحديبية : دعوا محمدا و أصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوه على أن يحجوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام فقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم و المشركون من قبل قيعقعان فقال رسول الله لأصحابه : ارملوا بالبيت ثلاثا و ليس بسنة
قلت : يزعم قومك أن رسول الله طاف بين الصفا و المروة على بعير و أن ذلك سنة قال : صدقوا و كذبوا قلت : ما صدقوا و كذبوا ؟ قال : صدقوا قد طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الصفا و المروة على بعير و كذبوا ليست بسنة كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا يصرفون عنه فطاف على بعير ليسمعوا كلامه و ليروا مكانه و لا تناله أيديهم
هكذا رواه أبو داود
و قد رواه مسلم عن أبي كامل عن عبد الواحد بن زياد عن الجريري عن أبي الطفيل عن ابن عباس فذكر فضل الطواف بالبيت كنحو ما تقدم ثم قال : قلت لابن عباس أخبرني عن الطواف بين الصفا و المروة راكبا أسنة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة قال : صدقوا و كذبوا قلت : فما قولك صدقوا و كذبوا ؟
قال : إن رسول الله كثر عليه الناس يقولون : هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت و كان رسول الله لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه الناس ركب قال ابن عباس : و المشي و السعي أفضل
هذا لفظ مسلم و هو يقتضي أنه إنما ركب في أثناء الحال و به يحصل الجمع بين الأحاديث و الله أعلم
و أما ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال : حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير عن عبد الملك بن سعيد عن أبي الطفيل قال : قلت لابن عباس : أراني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فصفه لي قلت : رأيته عند المروة على ناقة و قد كثر الناس عليه فقال ابن عباس : ذاك رسول الله صلى الله عليه و سلم إنهم كانوا لا يضربون عنه و لا يكرهون
فقد تفرد به مسلم و ليس فيه دلالة على أنه عليه السلام سعى بين الصفا و المروة راكبا إذ لم يقيد ذلك بحجة الوداع و لا غيرها و بتقدير أن يكون ذلك في حجة الوداع فمن الجائز أنه عليه السلام بعد فراغه من السع و جلوسه على المروة و خطبته الناس و أمره إياهم من لم يسق الهدى منهم أن يفسخ الحج إلى العمرة فحل الناس كلهم إلا من ساق الهدى كما تقدم في حديث جابر ثم بعد هذا كله أتى بناقته فركبها و سار إلى منزله بالأبطح كما سنذكره قريبا و حينئذ رآه أبو الطفيل عامر بن واثلة البكري و هو معدود في صفار الصحابة
قلت : قد ذهب طائفة من العراقيين كأبي حنيفة و أصحابه و الثوري إلى أن القارن يطوف طوافين و يسعى سعيين و هو مروي عن علي و ابن مسعود و مجاهد و الشعبي
و لهم أن يحتجوا بحديث جابر الطويل و دلالته على أنه سعى بين الصفا و المروة ماشيا و حديثه هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم سعى بينهما راكبا على تعداد الطواف بينهما مرة ماشيا و مرة راكبا
و قد روى سعيد بن منصور في سننه عن علي رضي الله عنه أنه أهل بحجة و عمرة فلما قدم مكة طاف بالبيت و بالصفا و المروة لعمرته ثم عاد فطاف بالبيت و بالصفا و المروة لحجته ثم أقام حراما إلى يوم النحر
هذا لفظه و رواه أبو ذر الهروي في مناسكه عن علي أنه جمع بين الحجة و العمرة فطاف لهما طوافين و سعى لهما سعيين و قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل
و كذلك رواه البيهقي و الدارقطني و النسائي في خصائص علي فقال البيهقي في سننه : أنبأنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنبأنا علي بن عمير الحافظ أنبأنا أبو محمد بن صاعد حدثنا محمد ابن زنبور حدثنا فييض بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن مالك ابن الحارث أو منصور عن مالك بن الحارث عن أبي نصر قال : لقيت عليا و قد أهللت بالحج و أهل هو بالحج و العمرة فقلت : هل أستطيع أن أفعل كما فعلت ؟ قال : ذلك لو كنت بدأت بالعمرة قلت : كيف أفعل إذا أردت ذلك ؟ قال : تأخذ إدواة من ماء فتفيضها عليك ثم تهل بهما جميعا ثم تطوف لهما طوافين و تسعى لهما سعيين و لا يحل لك حرام دون يوم النحر
قال منصور : فذكرت ذلك لمجاهد قال : ما كنا نبني إلا بطوف واحد فأما الآن فلا نفعل
قال الحافظ البيهقي : و قد رواه سفيان بن عيينة و سفيان الثوري و شعبة بن منصور فلم يذكر فيه السعي قال : و أبو نصر هذا مجهول و إن صح فيحتمل أنه أراد طوف القدوم و طواف الزيارة
قال : و قد روى بأسانيد أخر عن علي مرفوعا و موقوفا و مدارها عيل بن الحسين بن عمارة و حفص بن أبي داود و عيسى بن عبد الله و حماد بن عبد الرحمن و كلهم ضعيف لا يحتج بشيء مما رووه في ذلك و الله أعلم
قلت : والمنقول في الأحاديث الصحاح خلاف ذلك
فقد قدمناعن ابن عمر في صحيح البخاري أنه أهل بعمرة و أدخل عليها الحج فصار قارنا و طاف لهما طوافا واحدا بين الحج و العمرة و قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد روى الترمذي و ابن ماجه و البيهقي من حديث الدراوردي [ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من جمع بين الحج و العمرة طاف لهما طوافا واحدا و سعى لهما سعيا واحدا ]
قال الترمذي : و هذا حديث حسن غريب
قلت : إسناده على شرط مسلم
و هكذل جرى لعائشة أم المؤمنين فإنها كانت ممن أهل بعمرة لعدم سوق الهدي معها فلما حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تغتسل و تهل بحج مع عمرتها فصارت قارنة فلما رجعوا من منى طلبت أن يعمرها من بعد الحج فأعمرها تطييبا لقلبها كما جاء مصرحا به في الحديث
و قد قال الإمام أبو عبد الشافعي : [ أنبأنا مسلم ـ هو ابن خالد ـ الزنجي عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله قال لعائشة : طوافك بالبيت و بين الصفا و المروة يكفيك لحجك و عمرتك ] و هذا ظاهره الإرسال و هو مسند في المعنى بدليل ما قال الشافعي أيضا : أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال الشافعي : و ربما قال سفيان : عن عطاء عن عائشة و ربما قال : عن عطاء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعائشة فذكره
قال الحافظ البيهقي : و رواه ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة موصلا و قد رواه مسلم من حديث وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن عائشة بمثله
و روى مسلم [ من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول : دخل رسول الله على عائشة و هي تبكي فقال : ما لك تبكين ؟ قالت : أبكي أن الناس حلوا و لم أحل و طافوا بالبيت و لم أطف و هذا الحج قد حضر
قال : إن هذا أمر قد كتبه على بنات آدم فاغتسلى و أهلى بحج قالت : ففعلت ذلك فلما طهرت قال : طوفي بالبيت و بين الصفا و المروة ثم قد حللت من حجك و عمرتك قالت : يا رسول الله إني أجد في نفسي من عمرتي أني لم أكن طفت حتى حججت قال : اذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم ]
و له من حديث ابن جريج أيضا : أخبرني أبو الزبير سمعت جابرا قال : لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه بين الصفا و المروة إلا طوافا واحدا
و عند أصحاب أبي حنيفة رحمه الله أن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه الذين ساقوا الهدي كانوا قد قرنوا بين الحج و العمرة كما دل عليه الأحاديث المتقدمة و الله أعلم
و قال الشافعي : أنبأنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال في القارن : يطوف طوافين و يسعى سعيا
قال الشافعي : و قال بعض الناس : طوافان و سعيان و احتج فيه برواية ضعيفة عن علي قال جعفر : يروي عن على قولنا و روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم
لكن قال أبو داود : حدثنا هارون بن عبد الله و محمد بن رافع قالا : حدثنا أبو عاصم عن معورف ـ يعني ابن خربود المكي ـ حدثنا أبو الطفيل قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجن ثم يقبله
زاد محمد بن رافع : ثم خرج إلى الصفا و المروة فطاف سبعا على راحلته
و قد وراه مسلم في صحيحه من حديث أبي داود الطيالسي عن معروف بن خربود به بدون الزيادة التي ذكرها محمد بن رافع و كذلك رواه عبيد الله بن موسى عن معروف بدونها و رواه الحافظ البيهقي عن أبي سعيد بن أبي عمرو عن الأصم عن يحيى بن أبي طالب عن يزيد بن أبي حكيم عن يزيد بن مالك عن أبي الطفيل بدونها فالله أعلم
و قال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو بكر بن الحسن و أبو زكريا بن أبي إسحاق قالا : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم أنبأنا عبيد الله بن موسى و جعفر بن عون قالا : أنبأنا أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله بن عمار قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يسعى بين الصفا و المروة على بعير لا ضرب و لا طرد و لا إليك إليك
و قال البيهقي : كذا قالا و قد رواه جماعة غير أيمن فقالوا : يرمي الجمرة يوم النحر قال : و يحتمل أن يكونا صحيحين
قلت : رواه الإمام أحمد في مسنده [ عن وكيع و قران بن تمام وأبي قرة موسى ابن طارف قاضي أهل اليمن و أبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري و معتمر بن سليمان عن أيمن بن نابل الحبشي أبي عمران المكي نزيل عسقلان مولى أبي بكر الصديق و هو ثقة جليل من رجال البخاري عن قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يرمي الجمرة يوم النحر من بطن الوادي على ناقة صهباء لا ضرب و لا طرد و لا إليك إليك ]
و هكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع عن مروان بن معاوية و أخرجه النسائي عن إسحاق بن راهوية و ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن وكيع كلاهما عن أيمن بن نابل عن قدامة كما رواه الإمام أحمد و قال الترمذي : حسن صحيح
ـ فصل
قال جابر في حديثه : حتى إذا كان آخر طوافه عند المروة قال : [ إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى ]
رواه مسلم
ففيه دلالة على من ذهب إلى أن السعي بين الصفا و المروة أربعة عشر كل ذهاب و إياب يحسب مرة قاله جماعة من أكابر الشافعية
و هذا الحديث رد عليهم لأن آخر الطواف عن قولهم يكون عند الصفا لا عند المروة
و لذا قال أحمد في روايته في حديث جابر : فلما كان السابع عند المروة قال : [ أيها الناس إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي و جعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدى فليحل و ليجعلها عمرة ] فحل الناس كلهم
و قال مسلم : فحل الناس كلهم و قصروا إلا النبي صلى الله عليه و سلم و من كان معه هدى
ـ فصل
روى أمره عليه السلام لمن لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة خلق من الصحابة يطول ذكرنا لهم ها هنا و موضع سرد ذلك كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله
و قد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك و أبو حنيفة و الشافعي : كان ذلك من خصائص الصحابة ثم نسخ جواز الفسخ لغيرهم و تمسكوا بقول أبي ذر رضي الله عنه : لم يكن فسخ الحج إلى العمرة إلا لأصحاب محمد صلى الله عليه و سلم
رواه مسلم
و أما الإمام أحمد فرد ذلك و قال : قد رواه أحد عشر صحابيا فأين تقع هذه الرواية من ذلك ؟ و ذهب رحمه الله إلى جواز الفسخ لغير الصحابة
و قال ابن عباس رضي الله عنهما بوجوب الفسخ على كل من لم يسق الهدي بل عنده أنه يحل شرعا إذا طاف بالبيت ولم يكن ساق هديا حلالا بمجرد ذلك و ليس عنه إلا القران لمن ساق الهدي أو التمتع لمن لم يسق فالله أعلم
قال البخاري : حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن عبد الملك بن جريح عن عطاء عن جابر و عن طاوس عن ابن عباس قالا : قدم النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه صبح رابعة من ذي الحجة يهلون بالحج لا يخلطه شيء فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة و أن نحل إلى نسائنا ففشت في ذلك المقالة
قال عطاء : قال جابر : فيروح أحدنا إلى منى و ذكره يقطر منيا ! قال جابر ـ بكفه ـ فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ بلغني أن قوما يقولون كذا و كذا و الله لأنا أبر و أتقى لله منهم و لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت و لولا أن معي الهدي لأحللت
فقام سراقة بن جعشم فقال : يارسول الله هي لنا أو للأبد ؟ فقال : بل للأبد ]
و قال مسلم : حدثنا قتيبة حدثنا الليث هو ابن سعد عن أبي الزبير عن جابر أنه قال : أقبلنا مهلين مع رسول الله بحج مفرد و أقبلت عائشة بعمرة حتى إذاكنا بسرف عركت حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة و الصفا و المروة و أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي قال : فقلنا : حل ماذا ؟ قال : الحل كله فواقعنا النساء و تطيبنا بالطيب و لبسنا ثيابا وليس بيننا و بين عرفة إلا أربع ليال
فهذان الحديثان فيهما التصريح بأنه عليه السلام قدم مكة عام حجة الوداع لصبح رابعة ذي الحجة و ذلك يوم الأحد حين ارتفع النهار وقت الضحى لأن أول ذي الحجة تلك السنة كان يوم الجميس بلا خلاف لأن يوم عرفة منه كان الجمعة بنص حديث عمر بن الخطاب الثابت في الصحيحين كما سيأتي :
فلما قدم عليه السلام يوم الأحد رابع الشهر بدأ كما ذكرنا بالطواف بالبيت ثم بالسعي بين الصفا والمروة فلما انتهى طوافه بينهما عند المروة أمر من لم يكن معه هدي أن يحل من إحرامه حتما فوجب ذلك عليهم لا محالة ففعلوه و بعضهم متأسف لأجل أنه عليه السلام لم يحل من إحرامه لأجل سوقه الهدي و كانوا يحبون موافقته عليه السلام و التأسي به فلما رأى ما عندهم من ذلك ذلك قال لهم : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي و لجعلتها عمرة
أي لو أعلم أن هذا يشق عليكم لكنت تركت سوق الهدي حتى أحل كما أحللتم و من ها هنا تتضح الدلالة على أفضلية التمتع كما ذهب إليه الإمام أحمد أخذا من هذا فإنه قال : لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قارنا و لكن التمتع أفضل لتأسفه عليه
و جوابه : أنه عليه السلام لم يتأسف على التمتع لكونه أفضل من القران في حق من ساق الهدي و إنما تأسف عليه لئلا يشق على أصحابه في بقائه على إحرامه و أمره لهم بالإحلال
و لهذا ـ و الله أعلم ـ لما تأمل الإمام أحمد هذا السر نص في رواية أخرى عنه على أن التمتع أفضل في حق من لم يسق الهدي لأمره عليه السلام من لم يسق الهدي من أصحابه بالتمتع و أن القران أفضل في حق من ساق الهدي كما كما اختار الله عز و جل لنبيه صلوات الله و سلامه عليه في حجة الوداع و أمره له بذلك كما تقدم و الله أعلم (4/319)
ثم سار صلوات الله و سلامه عليه بعد فراغه من طوافه بين الصفا و المروة و أمره بالفسخ لمن لم يسق الهدي و الناس معه حتى نزل بالأبطح شرقي مكة فأقام هنالك بقية يوم الأحد و يوم الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء حتى صلى الصبح من يوم الخميس كل ذلك يصلي بأصحابه هنالك و لم يعد إلى الكعبة من تلك الأيام كلها
قال البخاري : باب من لم يقرب الكعبة و لم يطف حتى يخرج إلى عرفة و يرجع بعد الطواف الأول
حدثنا محمد بن أبي بكير حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة قال أخبرني كريب عن عبد الله بن عباس قال : : قدم النبي صلى الله عليه و سلم مكة فطاف سبعا و سعى بين الصفا والمروة و لم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة
انفرد به البخاري (4/334)
و قدم ـ في هذا الوقت و رسول الله صلى الله عليه و سلم منيخ بالبطحاء خارج مكة ـ علي من اليمن
و كان النبي صلى الله عليه و سلم قد بعثه ـ كما قدمنا ـ إلى اليمن أميرا بعد خالد بن الوليد رضي الله عنهما
[ فلما قدم وجد زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم قد حلت كما حل أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذين لم يسوقوا الهدي و اكتحلت و لبست ثيابا صبيغا فقال : من أمرك بهذا ؟ قالت : أبي
فذهب محرشا عليها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره أنها حلت و لبست ثيابا صبيغا و اكتحلت و زعمت أنك أمرتها بذلك يا رسول الله
فقال : صدقت صدقت صدقت ثم قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : بم أهللت حين أوجبت الحج ؟ بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه و سلم قال : فإن معي الهدي فلا تحل
فكان جماعة الهدي الذي جاء به علي من اليمن و الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة و اشتراه في الطريق مائة من الإبل و اشتركا في الهدي جميعا ]
و قد تقدم هذا كله في صحيح مسلم رحمه الله
و هذا التقرير يرد الرواية التي ذكرها الحافظ أبو القاسم الطبراني رحمه الله من حديث عكرمة عن ابن عباس أن عليا تلقى النبي صلى الله عليه و سلم إلى الجحفة و الله أعلم
و كان أبو موسى في جملة من قدم مع علي و لكنه لم يسق هديا فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن يحل بعد ما طاف للعمرة و سعى ففخ حجه إلى العمرة و صار متمتعا فكان يفتي بذلك في أثناء خلافة عمر بن الخطاب فلما رأى عمر بن الخطاب أن يفرد الحج عن العمرة ترك فتياه مهابة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه و أرضاه
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : رأيت بلالا يؤذن و يدور و يتبع فاه ها هنا ها هنا و إصبعاه في أذنيه قال : و رسول الله صلى الله عليه و سلم في قبة له حمراء أراها من أدم قال : فخرج بلال بين يديه بالعنرة فركزها فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال عبد الرزاق : و سمعته بمكة قال : بالبطحاء يمر بين يديه الكلب و المرأة و الحمار و عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بريق ساقيه قال : سفيان نراها حبرة
و قال أحمد : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم بالأبطح و هو قبة له حمراء فخرج بلال بفضل و ضوئه فمن ناضح و نائل قال : فأذن بلال فكنت أتتبع فاه هكذا و هكذا ـ يعني يمينا و شمالا ـ قال : ثم ركزت له عنزة فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و عليه جبة له حمراء أو حلة حمراء و كأني أنظر إلى بريق ساقيه فصلى بنا إلى عنزة الظهر أو العصر ركعتين تمر المرأة و الكلب و الحمار لا يمنع ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى أتى المدينة
و قال مرة : فصلى الظهر ركعتين و العصر ركعتين
و أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري
و قال أحمد أيضا : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة و حجاج عن الحكم سمعت أبا جحيفة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ و صلى الظهر ركعتين و بين يديه عنزة
و زاد فيه عون عن أبيه عن أبي جحيفة : و كان يمر من ورائنا الحمار و المرأة
قال حجاج في الحديث : ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم قال : فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج و أطيب ريحا من المسك
و قد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة بتمامه (4/334)
فأقام عليه السلام بالأبطح ـ كما قدمنا ـ يوم الأحد و يوم الاثنين و يوم الثلاثاء و يوم الأربعاء و قد حل الناس إلا من ساق الهدي
و قدم في هذه الأيام علي بن أبي طالب من اليمن بمن معه من المسلمين و ما معه من الأموال و لم يعد عليه السلام إلى الكعبة بعد ما طاف بها
فلما أصبح عليه السلام يوم الخميس صلى بالأبطح الصبح من يومئذ و هو يوم التروية و يقال له يوم منى لأنه يسار فيه إليها
و قد روى أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب قبل هذا اليوم و يقال للذي قبله فيما رأيته في بعض التعاليق يوم الزينة لأنه يزين فيه البدن بالجلال و نحوها فالله أعلم
قال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أحمد بن محمد بن جعفر الجلودي حدثنا محمد بن إسماعيل بن مهران حدثنا محمد بن يوسف حدثنا أبو قرة عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خطب يوم التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم
فركب عليه السلام قاصدا إلى منى قبل الزوال و قيل بعده و أحرم الذين كانوا قد حلوا بالحج من الأبطح حين توجهوا إلى منى و انبعثت رواحلهم نحوها
قال عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحللنا حتى كان يوم التروية و جعلنا مكة منا بظهر لبينا الحج
ذكره البخاري تعليقا مجزوما
و قال مسلم : حدثنا محمد بن حاتم حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى قال : و أهللنا من الأبطح
و قال عبيد بن جريج لابن عمر : رأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال و لم تهل أنت حتى يوم التروية ؟ فقال : لم أر النبي صلى الله عليه و سلم حتى تنبعث به راحلته
رواه البخاري في جملة حديث طويل
قال البخاري : و سئل عطاء عن المجاور منى يلبي بالحج فقال : طان ابن عمر يلبي يوم التروية إذا صلى الظهر و استوى على راحلته
قلت : هكذا كان ابن عمر يصنع إذا حج معتمرا يحل من العمرة فإذا كان يوم التروية لا يلبي حتى تنبعث به راحلته متوجها إلى منى كما أحرم رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذي الحليفة بعد ما صلى الظهر و انبعثت به راحلته
لكن يوم التروية لم يصل النبي صلى الله عليه و سلم الظهر بالأبطح و إنما صلاها يومئذ بمنى و هذا مما لا نزاع فيه (4/337)
قال البخاري : باب أين يصلي الظهر يوم التروية
حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا إسحاق الأزرق حدثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قالت : سألت أنس بن مالك قال : قلت : أخبرني بشيء عقلت من رسول الله صلى الله عليه و سلم أين صلى الظهر و العصر يوم التروية ؟ قال : بمنى قلت : فأين صلى العصر يوم النفر ؟ قال : بالأبطح ثم قال : افعل كما يفعل أمراؤك !
و قد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان الثوري به و كذلك رواه الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف الأزرق به و قال الترمذي : حسن صحيح يستغرب من حديث الأزرق عن الثوري
ثم قال البخاري : أنبأنا علي سمع أبا بكر بن عياش حدثنا عبد العزيز بن رفيع قال : لقيت أنس بن مالك و حدثني إسماعيل بن أبان حدثنا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز قال :
خرجت إلى منى يوم التروية فلقيت أنسا ذاهبا على حمار فقلت : أين صلى النبي صلى الله عليه و سلم هذا اليوم الظهر ؟ فقال : انظر حيث يصلي أمراؤك فصل
و قال أحمد : حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو كدينة عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى خمس صلوات بمنى و قال أحمد أيضا : حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو محياة يحيى بن يعلى التيمي عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر يوم التروية بمنى و صلى الغداة يوم عرفة بها
و قد رواه أبو داود عن زهير بن حرب عن أحوص عن جواب عن عمار بن رزيق عن سليمان بن مهران الأعمش به و لفظه : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر يوم التروية و الفجر يوم عرفة بمنى
و أخرجه الترمذي عن الأشج عن عبد الله بن الأجلح عن الأعمش بمعناه و قال : ليس هذا مما عده شعبة فيما سمعه الحكم عن مقسم
و قال الترمذي : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبد الله بن الأجلح عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس قال : صلى بنا رسول الله بمنى الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الفجر ثم غدا إلى عرفات ثم قال : و إسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه
و في الباب عن عبد الله بن الزبير و أنس بن مالك
و قال الإمام أحمد : حدثنا من رأى النبي صلى الله عليه و سلم أنه راح إلى منى يوم التروية و إلى جانبه بلال بيده عود عليه ثوب يظلل به رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ يعني من الحر ـ
تفرد به أحمد
و قد نص الشافعي على أنه عليه السلام ركب من الأبطح إلى منى بعد الزوال و لكنه لما صلى الظهر بمنى فقد يستدل له بهذا الحديث و الله أعلم
و تقدم في حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : فحل الناس كلهم و قصروا إلا النبي صلى الله عليه و سلم و من كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج و ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس و أمر بقية له من شعر فضربت له بنمرة
فسار رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية
فأجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس و قال : [ إن دماءكم و أموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي و دماء الجاهلية موضوعة و إن أول دم أضع من دمائنا دم بن ربيعة بن الحارث و كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل و ربا الجاهلية موضوع و أول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله و اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله و لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف و قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به كتاب الله و أنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ] ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت و أديت و نصحت فقال : بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء و ينكتها إلى الناس : [ اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ] ثلاث مرات
و قال أبو عبد الرحمن النسائي : أنبأنا علي بن حجر عن مغيرة عن موسى بن زياد بن حذيم بن عمرو السعدي عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع : [ اعلموا أن دماءكم و أموالكم و أعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا كحرمة شهركم هذا كحرمة بلدكم هذا ]
و قال أبو داود : باب الخطبة على المنبر بعرفة : حدثنا هناد عن ابن أبي زائدة حدثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عمه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو على المنبر بعرفة
و هذا الإسناد ضعيف لأن فيه رجلا مبهما ثم تقدم في حديث جابر الطويل أنه عليه السلام خطب على ناقته القصواء
ثم قال أبو داود : حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن سلمة بن نبيط عن رجل من الحي عن أبيه نبيط أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم واقفا بعرفة على بعير أحمر يخطب
و هذا فيه مبهم أيضا و لكن حديث جابر شاهد له
ثم قال أبو داود : حدثنا هناد بن السري و عثمان بن أبي شيبة قالا : حدثنا وكيع عن عبد المجيد بن أبي عمرو قال : حدثني العداء بن خالد بن هوذة و قال هناد : عن عبد المجيد حدثني خالد بن العداء بن هوذة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائما في الركابين
قال أبو داود : رواه ابن العلاء عن وكيع كما قال هناد و حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا عثمان بن عمر حدثنا عبد المجيد أبو عمرو عن العداء بن خالد بمعناه
و في الصحيحين عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب بعرفات : [ من لم يجد نعلين فليلبس الخفين و من لم يجد إزارا فليلبس السراويل للمحرم ]
و قال محمد بن إسحاق : [ حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال : كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله و هو بعرفة ربيعة بن أمية بن خلف قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قل أيها الناس إن رسول الله يقول : هل تدرون أي شهر هذا ؟ فيقولون : الشهر الحرام فيقول : قل لهم : إن الله قد حرم عليكم دماءكم و أموالكم كحرمة شهركم هذا ثم يقول : قل أيها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أي بلد هذا ] و ذكر تمام الحديث
و قال محمد بن إسحاق : حدثني ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة قال : بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو واقف بعرفة في حاجة فبلغته ثم وقفت تحت ناقته و إن لعابها ليقع على رأسي فسمعته يقول : [ أيها الناس إن الله أدى إلى كل ذي حق حقه و إنه لا تجوز وصية لوارث و الولد للفراش و للعاهر الحجر و من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل لله له صرفا و لا عدلا ]
و رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجه من حديث قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة به و قال الترمذي : حسن صحيح
قلت : و فيه اختلاف على قتادة و الله أعلم
و سنذكر الخطبة التي خطبها عليه السلام بعد هذه الخطبة يوم النحر و ما فيها من الحكم و المواعظ و التفاصيل و الآداب النبوية إن شاء الله (4/338)
قال البخاري : باب التلبية و التكبير إذا غدا من منى إلى عرفة :
[ حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك و هما غاديان من منى إلى عرفة : كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : كان يهل منا المهل فلا ينكر - عليه و يكبر المكبر منا فلا ينكر عليه ]
و أخرجه مسلم من حديث مالك و موسى بن عقبة كلاهما عن محمد بن أبي بكر بن عوف بن رباح الثقفي الحجازي عن أنس به
و قال البخاري : حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج بن يوسف أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج فلما كان يوم يوم عرفة جاء ابن عمر و أنا معه حين زاغت الشمس ـ أو زالت الشمس ـ فصاح عند فسطاطه : أين هذا ؟ فخرج إليه فقال ابن عمر : الرواح فقال : الآن ؟ قال : نعم فقال : أنظرني حتى أفيض علي ماء فنزل ابن عمر حتى خرج فسار بيني و بين أبي فقلت : إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة و عجل الوقوف فقال ابن عمر : صدق
و رواه البخاري أيضا عن القعنبي عن مالك و أخرجه النسائي من حديث أشهب و ابن وهب عن مالك
ثم قال البخاري بعد روايته هذا الحديث : و قال الليث : حدثني عقيل عن ابن شهاب عن سالم أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله : كيف تصنع في هذا الموقف ؟ فقال : إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة فقال ابن عمر : صدق إنهم كانوا يجمعون بين الظهر و العصر في السنة فقلت لسالم : أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : هل يبتغون بذلك إلا سنة ؟ !
و قال أبو داود : حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب حدثنا أبي عوف عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غدا من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة فنزل بنمرة و هي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه و سلم مهجرا فجمع بين الظهر و العصر
و هكذا ذكر جابر في حديثه بعد ما أورد الخطبة المتقدمة قال : ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر و لم يصل بينهما شيئا
و هذا يقتضي أنه عليه السلام خطب أولا ثم أقيمت الصلاة و لم يتعرض للخطبة الثانية
و قد قال الشافعي : [ أنبأنا إبراهيم بن محمد و غيره عن جعفر بن محمد عن أبيه و عن جابر في حجة الوداع قال : فراح النبي صلى الله عليه و سلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله عليه و سلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة و بلال من الآذان ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ]
قال البيهقي : تفرد به إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى
قال مسلم : عن جابر : ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات و حعل جبل المشاة بين يديه و استقبل القبلة
و قال البخاري : حدثنا يحيى بن سليمان عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير عن كريب عن ميمونة أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه و سلم فأرسلت إليه بحلاب و هو واقف في الموقف فشرب منه و الناس ينظرون و أخرجه مسلم عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب به
و قال البخاري : أنبأنا عبد الله بن يوسف انبأنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عمير مولى ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه و سلم فقال بعضهم : هو صائم و قال بعضهم : ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن و هو واقف على بعيره فشربه
و رواه مسلم من حديث مالك أيضا و أخرجاه من طرق أخر عن أبي النضر به
قلت : أم الفضل هي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين و قصتهما واحدة و الله أعلم و صح إسناد الإرسال إليها لأنه من عندها اللهم إلا أن يكون بعد ذلك أو تعدد الإرسال من هذه و من هذه و الله أعلم
و قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب قال : لا أدري أسمعته من سعيد ابن جبير أم عن بنيه عنه قال : أتيت على ابن عباس و هو بعرفة و هو يأكل رمانا و قال : أفطر رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرفة و بعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه
و قال أحمد : حدثنا وكيع حدثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس : أنهم تماروا في صوم النبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة فأرسلت أم فضل إلى رسول الله بلبن فشربه
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق و أبو بكر قالا : أنبأنا ابن جريج قال : قال عطاء : دعا عبد الله بن عباس إلى الطعام يوم عرفة فقال : إني صائم فقال عبد الله : لا تصم فإن رسول الله قرب إليه حلاب فيه لبن يوم عرفة فشرب منه فلا تصم فإن الناس مستنون بكم و قال ابن بكير و روح : إن الناس يستنون بكم و قال البخاري : [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : قال : بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه و سلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأوقصته فقال النبي صلى الله عليه و سلم : اغسلوه بماء و سدر و كفنوه في ثوبين و لا تمسوه طيبا و لا تخمروا رأسه و لا تحنطوه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا ]
و رواه مسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد
و قال النسائي : [ أنبأنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه أخبرنا وكيع أنبأنا سفيان الثوري عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرفة و أتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحج عرفة فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه ]
و قد رواه بقية أصحاب السنن من حديث سفيان الثوري زاد النسائي و شعبة عن بكير بن عطاء به
و قال النسائي : أنبأنا قتيبة أنبأنا سفيان عن عمرو بن دينار أخبرني عمرو بن عبد الله ابن صفوان أن يزيد بن شيبان قال : كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال : إنى رسول رسول الله إليكم يقول لكم : [ كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم ]
و قد رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به و قال الترمذي : هذا حدبث حسن و لا نعرفه إلا من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار
و ابن مربع اسمه زيد بن مربع الأنصاري و إنما يعرف له هذا الحديث الواحد
قال : و في الباب [ عن علي و عائشة و جبير بن مطعم و الشريد بن سويد و قد تقدم من رواية مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : وقفت هاهنا و عرفة كلها موقف ] زاد مالك في موطئه : و ارفعوا عن بطن عرفة (4/343)
قد تقدم أنه عليه السلام أفطر يوم عرفة فدل على أن الإفطار هناك أفضل من الصيام لما فيه من التقوى على الدعاء لأنه المقصود الأهم هناك
و لهذا وقف عليه السلام و هو راكب على الراحلة من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس
و قد ورى أبو داود الطيالسي في مسنده عن حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حوشب بن عقيل حدثنى مهدي المحاربي حدثنى عكرمة مولى ابن عباس قال : دخلت على أبي هريرة في بيته فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات فقال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صوم عرفة بعرفات و قال عبد الرحمن مرة : عن مهدي العبدي
و كذلك رواه أحمد عن وكيع عن حوشب عن مهدي العبدي فذكره و قد رواه أبو داود عن سليمان بن حرب عن حوشب و النسائي عن سليمان بن معبد عن سليمان بن حرب به و عن الفلاس عن ابن مهدي به و ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة و علي بن محمد كلاهما عن وكيع عن حوشب
و قال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ و أبو سعيد بن أبي عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو أسامة الكلبي حدثنا حسن بن الربيع حدثنا الحارث بن عبيد عن حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة عن ابن عباس قال : نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن صوم يوم عرفة بعرفة
قال البيهقي : كذا قال الحارث بن عبيد و المحفوظ : عن عكرمة عن أبي هريرة
و روى أبو حاتم بن حبان السبتي في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال : حججت مع رسول الله فلم يصمه و مع أبي بكر فلم يصمه و مع عمر فلم يصمه و أنا فلا أصومه و لا آمر به و لا أنهى عنه
قال الإمام مالك [ عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أفضل الدعاء يوم عرفة و أفضل ما قلت أنا و النبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ]
قال البيهقي : هذا مرسل و قد روى عن مالك بإسناد آخر موصولا و إسناده ضعيف
و قد روى الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أفضل الدعاء يوم عرفة و خير ما قلت أنا و النبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ]
و للإمام أحمد أيضا [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ]
و قال أبو عبد الله بن مندة [ أنبأنا أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري حدثنا أحمد بن داود بن جابر الأحمسي حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي حدثنا فرج ابن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعائي و دعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يزيد يعني ابن عبد ربه الجرجي حدثنا بقية بن الوليد حدثني جبير بن عمرو القرشي عن أبي سعيد الأنصاري عن أبي يحيى مولى آل الزبير ابن العوام عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو بعرفة يقرأ هذه الآية : { شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } و أنا على ذلك من الشاهدين يا رب ]
و قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في مناسكه : [ حدثنا الحسن بن مثنى بن معاذ العنبري حدثنا عفان بن مسلم حدثنا قيس بن ربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفضل ما قلت أنا و الأنبياء قبلي عشية عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ]
و قال الترمذي في الدعوات : [ حدثنا محمد بن حاتم المؤدب حدثنا علي بن ثابت حدثنا قيس بن الربيع و كان من بين أسد عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن علي رضي الله عنه قال : كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عرفة في الموقف : اللهم لك الحمد كالذي نقول و خيرا مما نقول و اللهم لك صلاتي و نسكي و محياي و مماتي و لك رب تراثي أعوذ بك من عذاب القبر و وسوسة الصدر و شتات الأمر اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح ]
ثم قال : غريب من هذا الوجه و ليس إسناده بالقوي
و قد رواه الحافظ البيهقي من [ طريق موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أكثر دعاء من كان قبلي و دعائي يوم عرفة أن أقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير اللهم اجعل في بصرى نورا و في سمعي نورا و في قلبي نوار اللهم اشرح لي صدري و يسر لي أمري اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر و شتات الأمر و شر فتنة القبر و شر ما يلج في الليل و شر ما يلج في النهار و شر ما تهب به الرياح و شر بوائق الدهر ]
ثم قال : تفرد به موسى بن عبيدة و هو ضعيف و أخوه عبد الله لم يدرك عليا
و قال الطبراني في مناسكه : [ حدثنا يحيى بن عثمان النصري حدثنا يحيى بن بكير حدثنا يحيى بن صالح الأيلي عن إسماعيل بن أمية عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : كان فيما دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع : اللهم إنك تسمع كلامي و ترى مكاني و تعلم سرى و علانيتي و لا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين و أبتهل إليك ابتهال الذليل و أدعوك دعاء الخائف الضرير من خضعت لك رقبته و فاضت لك عبرته و ذل لك جسده و رغم لك أنفه اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا و كن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين و يا خير المعطين ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا هشيم أنبأنا عبد الملك حدثنا عطاء قال : قال أسامة بن زيد : كنت رديف النبي صلى الله عليه و سلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها قال : فتناول الخطام بإحدى يديه و هو رافع يده الأخرى ]
و هكذا رواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم
و الحافظ البيهقي : [ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا علي بن الحسن حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز حدثنا ابن جريج عن حسين ابن عبد الله الهاشمي عن عكرمة عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين ]
و قال أبو داود الطيالسي في مسدنه : [ حدثنا عبد القاهر بن السري حدثنى ابن لكنانة بن العباس بن مرداس عن أبيه عن جده ابن عباس بن مرداس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة و الرحمة فأكثر الدعاء فأوحى الله إليه : إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا و أما ذنوبهم فيما بيني و بينهم فقد غفرتها
فقال : يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته و تغفر لهذا الظالم فلم يحبه تلك العشية
فلما كان غداة المزدلة أعاد الدعاء فأجابه الله تعالى : إني قد غفرت لهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له بعض أصحابه : يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها ؟ قال : تبسمت من عدو الله إبليس إنه لما علم أن الله عز و جل قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل و الثبور و بحثو التراب على رأسه ]
و رواه أبو داود السجستاني في سننه عن عيسى بن إبراهيم البركي و أبي الوليد الطيالسي كلاهما عن عبد القاهر بن السرى عن ابن لكنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه عن جده مختصرا
و رواه ابن ماجه عن أيوب بن محمد الهاشمي بن عبد القاهر بن السري عن عبد الله بن كنانة بن عباس عن أبيه عن جده به مطولا
و رواه ابن جرير في تفسيره عن إسماعيل بن سيف العجلي عن عبد القاهر ابن السري عن ابن لكنانة يقال له أبو لبابة عن أبيه عن جده العباس بن مرداس فذكره
و قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عمن سمع قتادة يقول : حدثنا جلاس بن عمرو عن عبادة ابن صامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عرفة : أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم و وهب مسيئكم لمحسنكم و أعطى محسنكم ما سأل فادفعوا باسم الله
فلما كانوا بجمع قال : إن الله قد غفر لصالحكم و شفع صالحيكم في طالحيكم تنزل الرحمة فتعمهم ثم تفرق الرحمة في الأرض فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه و يده و إبليس و جنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم فإذا نزلت الرحمة دعا هو و جنوده بالويل و الثبور كنت أستنفزهم حقبا من الدهر خوف من المغفرة فغشيتهم فيتفرقون يدعون بالويل و الثبور ] (4/347)
قال الإمام أحمد : حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو الغميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال : و أي آية هي ؟ قال : قوله تعالى : { اليوم أكلمت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا }
فقال عمر : و الله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم و الساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه و سلم عشية عرفة في يوم جمعة
و رواه البخاري عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون و أخرجه أيضا مسلم و الترمذي و النسائي من طرق عن قيس بن مسلم به (4/353)
قال جابر في حديثه الطويل : فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس و ذهبت الصفرة قليلا قليلا حين غاب القرص فأردف أسامة خلفه و دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد شنق لناقته القصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رجله و يقول يبده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب و العشاء بأذان و إقامتين و لم يسبح بينهما شيئا
رواه مسلم
و قال البخاري : باب السير إذا دفع من عرفة
حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن هشام عن عروة عن أبيه قال : سئل أسامة و أنا جالس : كيف كان النبي صلى الله عليه و سلم يسير في حجة الوداع حين دفع ؟ قال : كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص
قال هشام : ـ و النص ـ فوق العنق
و رواه الإمام أحمد و بقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسامة بن زيد به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسامة بن زيد قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم عشية عرفة قال : فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما سمع حطمة الناس خلفه قال : رويدا أيها الناس عليكم السكينة إن البر ليس بالإيضاع ]
قال : فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ التحم عليه الناس أعنق و إذا وجد فرجة نص حتى أتى المزدلفة فجمع فيها بين الصلاتين المغرب و العشاء الآخرة
ثم رواه الإمام أحمد من [ طريق محمد بن إسحاق حدثني إبراهيم بن عقبة عن كريب عن أسامة بن زيد فذكر مثله و قال الإمام أحمد : حدثنا إبو كامل حدثنا حماد عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس عن أسامة بن زيد قال : أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفة و أنا رديفة فجعل يكبح راحلته حتى إن ذفراها ليكاد يصيب قادمة الرحل ويقول : ياأيها النلس عليكم السكينة و الوقار فإن البر ليس في إيضاع الإبل ]
و كذا رواه عن عفان عن حماد بن سلمة به و رواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به
و رواه مسلم عن زهير بن حرب عن يزيد بن هارون عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس عن أسامة بنحوه قال : و قال أسامة : فما زال يسير على هيئته حتى أتى جمعا
و قال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن الحجاج حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن شعبة عن ابن عباس عن أسامة بن زيد أنه ردف رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عرفة حتى دخل الشعب ثم أهراق الماء و توضأ ثم ركب و لم يصل
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا همام عن قتادة عن عروة عن الشعبي عن أسامة بن زيد أنه حدثه قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أفاض من عرفات فلم ترفع راحلته رجلها غادية حتى بلغ جمعا
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس أخبرني أسامة بن زيد : أن النبي صلى الله عليه و سلم أردفه من عرفة فلما أتى الشعب نزل فبال و لم يقل أهراق الماء فصببت عليه فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت : الصلاة ؟ فقال : الصلاة أمامك
قال : ثم أتى المزدلفة فصلى المغرب ثم حلوا رحالهم و أعنته ثم صلى العشاء ]
كذا رواه الإمام أحمد عن كريب عن ابن عباس عن أسامة بن زيد فذكره
و رواه النسائي عن الحسين بن حريث عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة و محمد ابن أبي حرملة كلاهما عن كريب عن ابن عباس عن أسامة
قال شيخنا أبو الحجاج المزي في أطرافه : و الصحيح : كريب عن أسامة
و قال البخاري : [ حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن موسى بن عقبة عن كريب عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول : دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفة فنزل الشعب فبال ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء فقلت له : الصلاة ؟ فقال : الصلاة أمامك فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء و لم يصل بينهما ]
و هكذا رواه البخاري أيضا عن القعنبي و مسلم عن يحيى بن يحيى و النسائي عن قتيبة عن مالك عن موسى بن عقبة و أخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن موسى بن عقبة أيضا
و رواه مسلم من حديث إبراهيم بن عقبة و محمد بن عقبة عن كريب كنحو رواية أخيهما موسى بن عقبة عنه
و قال البخاري أيضا : [ حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن كرين عن أسامة بن زيد أنه قال : ردفت رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت الصلاة يا رسول الله ؟ قال : الصلاة أمامك فركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى المزدلفة فصلى ثم زدف الفضل رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة جمع قال كريب : فأخبرني عبد الله بن عباس عن الفضل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة ]
و رواه مسلم عن قتيبة و يحيى بن يحيى و يحيى بن أيوب و علي بن حجر ؟ أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا وكيع حدثنا عمر بن ذر عن مجاهد عن أسامة بن زيد أن رسول الله أردفه من عرفة قال : فقال الناس : سيخبرنا صاحبنا ما صنع قال : فقال أسامة : لما دفع من عرفة فوقف كف رأس راحلته حتى أصاب رأسها واسطة الرحل أو كاد يصيبه يشير إلى الناس بيده : السكينة السكينة السكينة حتى أتى جمعا ثم أردف الفضل بن عباس قال فقال الناس : سيخبرنا صاحبنا بما صنع رسول الله فقال الفضل : لم يزل يسير سيرا لينا كسيره بالأمس حتى أتى على وادي محسر فدفع فيه حتى استوت به الأرض ]
و قال البخاري : [ حدثنا سعيد بن ابي مريم حدثنا إبراهيم بن سويد حدثني عمرو بن أبي عمر و مولى المطلب أخبرني سعيد بن جبير مولى والبة الكوفي حدثني ابن عباس أنه دفع النبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه و سلم وراءه زجرا شديدا و ضربا للإبل فأشار بسوطه إليهم و قال : أيها الناس عليكم بالسلكينة فإن البر ليس بالإبضاع ]
تفرد به البخاري من هذا الوجه و قد تقدم رواية الإمام أحمد و مسلم و النسائي هذا من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس عن أسامة بن زيد فالله أعلم
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا إسماعيل بن عمر حدثنا المسعودي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : لما أفاض رسول الله من عرفات أوضع الناس فأمر رسول الله مناديا ينادي : أيها الناس ليس البر بإيضاع الخيل و لا الركاب قال : فما رأيت من رافعة يديها غادية حتى نزل جمعا ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا حسين و أبو نعيم قالا : حدثنا إسرائيل عن عبد العزيز ابن رفيع قال : حدثني من سمع ابن عباس يقول : لم ينزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفات و جمع إلا أريق الماء ]
و قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الملك عن أنس بن سيرين قال : كنت مع ابن عمر بعرفات فلما كان حين راح رحت معه حتى الإمام فصلى معه الأولى و العصر ثم وقف و أنا و أصحاب لي حتى أفاض الإمام فأفضنا معه حتى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين فأناخ و أنخنا و نحن نحسب أ نه يريد أن يصلي فقال غلامه الذي يمسك راحلته : إنه ليس يريد الصلاة و لكنه ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته فهو يحب أن يقضي حاجته
و قال البخاري : حدثنا موسى حدثنا جويرية عن نافع قال : كان عبد الله بن عمر يجمع بين المغرب و العشاء بجمع غير أنه يمر بالشعب الذي أخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم فيدخل فينتقض و يتوضأ و لا يصلي حتى يجيء جمعا
تفرد به البخاري رحمه الله من هذا الوجه
و قال البخاري : حدثنا آدم بن أبي ذئب عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال : جمع النبي صلى الله عليه و سلم المغرب و العشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة و لم يسبح بينهما و لا على إثر واحدة منهما
و رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى المغرب و العشاء بالمزدلفة جميعا
ثم قال مسلم : حدثني حرملة حدثني ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أخبره أن أباه قال : جمع رسول الله بين المغرب و العشاء بجمع ليس بينهما سجدة فصلى المغرب ثلاث ركعات و صلى العشاء ركعتين فكان عبد الله يصلي بجمع كذلك حتى لحق بالله
ثم روى مسلم من حديث شعبة عن الحكم و سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير أنه صلى المغرب بجمع و العشاء بإقامة واحدة ثم حدث عن عمر أنه صلى مثل ذلك و حدث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع مثل ذلك
ثم رواه من طريق الثوري [ عن سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال : جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين المغرب و العشاء يجمع صلى المغرب ثلاثا و العشاء ركعتين بإقامة واحدة ]
ثم قال مسلم : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن جبير حدثنا إسماعيل ابن أبي خالد عن ابن إسحاق قال : قال سعيد بن جبير : أفضنا مع ابن عمر حتى أتينا جمعا فصلى بنا المغرب و العشاء بإقامة واحدة ثم انصرف فقال : هكذا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا المكان
و قال البخاري : [ حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني يحيى بن سعيد حدثني عدي بن ثابت حدثني عبد الله بن يزيد الخطمي حدثني أبو يزيد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع في حجة الوداع بين المغرب و العشاء بالمزدلفة ]
رزاه البخاري أيضا في المغازي عن القعنبي عن مالك و مسلم من حديث سليمان ابن بلال و الليث بن سعد ثلاثتهم عن يحيى بن سعد الأنصاري عن عدي بن ثابت
و رواه النسائي أيضا عن الفلاس عن يحيى القطان عن شعبة عن عدي بن ثابت به
ثم قال البخاري : باب من أذن و أقام لكل واحدة منهما :
حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو إسحاق سمعت عبد الرحمن ابن يزيد يقول : حج عبد الله فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك فأمر رجلا فأذن و أقام ثم صلى المغرب و صلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر أرى رجلا فأذن و أقام قال عمرو : لا أعلم الشك إلا من زهير ثم صلى العشاء ركعتين فلما طلع الفجر قال : إن النبي كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم قال عبد الله : هما صلاتان تحولان عن وقتهما : صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة و الفجر حين يبزغ الفجر قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يفعله
و هذا اللفظ و هو قوله : [ و الفجر حين يبزع الفجر ] أبين و أظهر من الحديث الآخر الذي رواه البخاري عن [ حفص بن عمر بن غياث عن أبيه عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى صلاة بغير ميقاتها إلا صلايتن : جمع بين المغرب و العشاء و صلاة الفجر قبل ميقاتها ]
و رواه مسلم من حديث أبي معاوية و جرير عن الأعمش به
و قال جابر في حديثه : ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان و إقامة
و قد شهد معه هذه الصلاة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لأم الطائي
قال الإمام أحمد : [ حدثنا هشيم حدثنا ابن أبي خالد و زكريا عن الشعبي أخبرني عروة بن مضرس قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم و هو تجمع فقلت : يا رسول الله جئتك من جبلى طيئ أتعبت نفشي و أنضيت راحلتي و الله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من الحج ؟ فقال : من شهد معنا هذه الصلاة يعني صلاة الفجر يجمع و وقف معنا حتى يفيض منه و قد فاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه و قضى تفثه ]
و قد رواه الإمام أحمد أيضا أهل السنن الأربعة من طرق عن الشعبي عن عروة ابن مضرس و قال الترمذي : حسن صحيح (4/354)
و قد رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم طائفة من أهله بين يديه من الليل قبل خطبة الناس من المزدلفة إلى منى
قال البخاري : باب من قدم ضعغه أهله بالليل فيقفون بالمزدلفة و يدعون و يقدم إذا غاب القمر
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال : قال سالم : كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام و قبل أن يدفع فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر و منهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة و كان ابن عمر يقول : أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه و سلم
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم من جمع بليل
و قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان أخبرني عبد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول : أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه و سلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله
و روى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني عطاء عن ابن عباس قال : بعث بي رسول الله صلى الله عليه و سلم من جمع بسحر مع ثقله
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا روح حدثنا سفيان الثوري حدثنا سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال : قدمنا رسول الله أغيلمة بني عبد المطلب على حراثنا فجعل يلطح أفخاذنا بيده و يقول : أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس قال ابن عباس : ما أخال أحدا يرمي الجمرة حتى تطلع الشمس ]
و قد رواه أحمد أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري فذكره و قد رواه أبو دواود عن محمد بن كثير عن الثوري به و النسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري به و أخرجه بن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة و علي بن محمد كلاهما عن وكيع عن مسعر و سفيان الثوري كلاهما عن سلمة بن كهيل به
و قال أحمد : [ حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن الحكم ابن عيينة عن مقسم عن ابن عباس قال : مر بنا رسول الله ليلة النحر و علينا سواد من الليل فجعل يضرب أفخاذنا و يقول : أبني أفيضوا لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ]
ثم رواه الإمام أحمد من حديث المسعودي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس
قال : [ قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ضعفة أهله من المزدلفة بليل فجعل يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس ]
و قال أبو داود : [ حدثنا عثمان ابن أبي شيبة حدثنا الوليد بن عقبة حدثنا حمزة الزيات بن حبيب عن عطاء عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقدم ضعفة أهله بغلس و يأمرهم ـ يعني أن لايرموا الجمرة حتى تطلع الشمس ] ـ
و كذا رواه النسائي عن محمود بن غيلان عن بشر بن السري عن سفيان عن حبيب قال الطبراني : و هو ابن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس فخرج حمزة الزيات من عهدته و جاد إسناد الحديث و الله أعلم
و قد قال البخاري : [ حدثنا مسدد عن يحيى عن ابن جريج حدثني عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت : يا بني هل غاب القمر ؟ قلت : لا فصلت ساعة ثم قالت : هل غاب القمر ؟ قلت : نعم
قالت : فارتحلوا فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها : يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا فقالت : يا بني إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن للظعن ]
و رواه مسلم من حديث ابن جريج به
فإن كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس كما ذكرنا ها هنا عن توقيف فروايتها مقدمة على رواية ابن عباس لأن إسناد حديثها أصح من إسناد حديثه اللهم إلا أن يقال : إن الغلمان أخف حالا من النساء و أنشط فلهذا أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الشمس و أذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهم أثقل حالا و أبلغ في التستر و الله أعلم
و إن كانت أسماء لم تفعله عن توقيف فحديث ابن عباس مقدم على فعلها
لكن يقوى الأول قول أبي داود : حدثنا محمد بن خلاد الباهلي حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عطاء أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة بليل قلت : إنا رمينا الجمرة بليل قالت : إنا كنا نصنع هذا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم
و قال البخاري : [ حدثنا أبو نعيم حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن محمد عن عائشة قالت : نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه و سلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس و كانت امرأة بطيئة فأذن لها فدفعت قبل حطمة الناس و أقمنا نحن حتى أصبحنا ثم دفعنا بدفعه فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه و سلم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به ]
و أخرجه مسلم عن القعنبي عن أفلح بن حميد به و أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة به
و قال أبو داود : [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك ـ يعني ابن عثمان ـ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت و كان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم ] قال أبو داود ـ يعني عندها ـ انفرد به أبو داود
و هو إسناد جيد قوي رجاله ثقات (4/361)
قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص عن حصين عن كثير بن مدرك عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله و نحن بجمع : سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام : لبيك اللهم لبيك (4/364)
قال الله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } الآية و قال جابر في حديثه : فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان و إقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله عز و جل و كبره و هلله و وحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا و دفع قبل أن تطلع الشمس و أردف الفضل بن عباس و راءه
و قال البخاري : حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة عن ابن إسحاق قال : سمعت عمرو بن ميمون يقول : شهدت عمر صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال : إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس و يقولون أشرف ثبير و إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض قبل أن تطلع الشمس
و قال البخاري : حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرئيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال : خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا فصلى صلاتين كل صلاة و حدها بأذان و إقامة و العشاء بينهما ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول : طلع الفجر و قائل يقول : لم يطلع الفجر ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان : المغرب فلا تقدم الناس جمعا حتى يقيموا وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف حتى أسفر ثم قال : لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة فلا أدري : أقوله كان أسرع او دفع عثمان فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر
و قال الحافظ البيهقي : [ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني حدثنا يحي بن محمد بن يحي حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العبسي حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة عن المسور بن مخرمة قال : خطبنا رسول الله بعرفة فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : اما بعد فإن أهل الشرك و الأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشمس حتى تكون الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال على رءوسها هدينا مخالف لهديهم و كانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال على رءوسها هدينا مخالف لهديهم ]
قال : و رواه عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلا
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان سمعت الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض من المزدلفة قبل طلوع الشمس ]
و قال البخاري : [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن يونس الأيلي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه و سلم من عرفة إلى المزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى
قال : فكلاهما قال : لم يزل النبي صلى الله عليه و سلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة ]
و رواه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
و روى مسلم من [ حديث الليث بن سعد عن أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس عن الفضل بن عباس و كان رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في عشية عرفة و غداة جمع للناس حين دفعوا : عليكم بالسكينة و هو كاف ناقته حتى دخل محسرا و هو من منى قال : عليكم بحصى الخذف الذي يرمي به الجمرة قال : و لم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبي حتى رمي الجمرة ]
و قال الحافظ البيهقي : باب الإيضاع في وادي محسر أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عمرو المقري و أبو بكر الوراق أنبأنا الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن عمار و أبو بكر بن أبي شيبة قالا : حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في حج النبي صلى الله عليه و سلم قال : حتى إذا أتى محسرا حرك قليلا
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن شيبة
ثم روى البيهقي من [ حديث سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال : أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم و عليه السكينة و أمرهم بالسكينة و أوضع في وادي محسر و أمرهم أن يرموا الجمار بمثل حصى الخذف و قال : خذوا عني مناسككم لعلى لا أراكم بعد عامي هذا ]
ثم روى البيهقي من حديث الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض من جمع حتى أتى محسرا فقرع ناقته حتى جاوز الوادي فوقف ثم أردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها
هكذا رواه مختصرا
و قد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري حدثنا سفيان بن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال : وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرفة فقال : هذا موقف و عرفة كلها موقف و أفاض حين غابت الشمس و أردف أسامة فجعل يعنق على بعيره والناس يضربون يمينا و شمالا لا يلتفت إليهم و يقول : السكينة أيها الناس
ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين المغرب و العشاء ثم بات حتى أصبح ثم أتى قزح فوقف على قزح فقال : هذا الموقف و جمع كلها موقف ثم سار حتى أتى محسرا فوقف عليه فقرع دابته فخبت حتى جاز الوادي ثم حبسها ثم أردف الفضل و سار حتى أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال : هذا المنحر و منى كلها منحر قال : و استفتته جارية شابة من خثعم فقالت : إن أبي شيخ كبير قد أفند و قد أدركته فريضة الله في الحج فهل يجزيء عنه أن أؤدي عنه ؟ قال : نعم فأدي عن أبيك
قال : و لوى عنق الفضل قفال له العباس : يا رسول الله لويت عنق ابن عمك ؟ قال : [ رأيت شابا و شابة فلم آمن الشيطان عليهما ]
قال : ثم جاءه رجل فقال : يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر قال : [ انحر و لا حرج ] ثم أتاه آخر فقال : يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق قال : [ احلق أو قصر و لا حرج ]
ثم أتى البيت فطاف ثم أتى زمزم فقال : [ يا بني عبد المطلب سقايتكم و لولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت معكم ]
و قد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم عن سفيان الثوري و رواه الترمذي عن بندار عن أبي أحمد الزبيري و ابن ماجه عن علي بن محمد عن يحيى ابن آدم و قال الترمذي : حسن صحيح لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه
قلت : و له شواهد من وجوه صحيحة مخرجة في الصباح و غيرها
فمن ذلك : قصة الخثعمية وهو في الصحيحين من طريق الفضل و تقدمت في حديث جابر و سنذكر من ذلك ما تيسر
و قد حكى البيهقي بإسناده عن ابن عباس أنه أنكر الإسراع في وادي محسر و قال إنما كان ذلك من الأعراب قال : و المثبت مقدم على النافي
قلت : و في ثبوته عنه نظر و الله أعلم
و قد صح ذلك عن جماعة من الصحابة عن رسول الله و صح من صنيع الشيخين أبي بكر و عمر أنهما كانا يفعلان ذلك فروى البيهقي عن الحاكم عن النجاد و غيره عن أبي علي محمد بن معاذ بن المسهل المعروف بدارن عن القعنبي عن أبيه عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن عمر كان يوضع و يقول :
( إليك تعدو قلقا و ضينها ... مخالفا دين النصارى دينها ) (4/365)
قد تقدم من حديث أسامة و الفضل و غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أنه عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة
و قال البيهقي : أنبانا الإمام أبو عثمان أنبأنا أبو طاهر بن خزيمة أنبأنا جدي ـ يعني إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة ـ حدثنا علي بن حجر حدثنا شريك عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عبد الله قال : رمقت النبي صلى الله عليه و سلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة
و به عن ابن خزيمة : حدثنا عمر بن حفص الشيباني حدثنا حفص بن غياث حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال : أفضت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة
قال البيهقي : و هذه زيادة غريبة ليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس عن الفضل و إن كان ابن خزيمة قد اختارها
و قال محمد بن إسحاق : حدثني أبان بن صالح عن عكرمة قال : أفضت مع الحسين بن علي فما أزال أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة فلما قذفها أمسك فقلت : ما هذا ؟ فقال : رأيت أبي علي بن أبي طالب يلبي حتى رمى جمرة العقبة و أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك
و تقدم من [ حديث الليث عن أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس عن أخيه الفضل أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الناس في وادي محسر بحصى الخذف الذي يرمي به الجمرة ]
رواه مسلم
و قال أبو العالية : [ عن ابن عباس حدثني الفضل قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة يوم النحر : هات فالقط لي حصى فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف فوضعهن في يده فقال : بأمثال هؤلاء بأمثال هؤلاء و إياكم و الغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ]
رواه البيهقي
و قال جابر في حديثه : حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي
رواه مسلم
و قال البخاري : و قال جابر رضي الله عنه : رمى النبي صلى الله عليه و سلم يوم النحر ضحى و رمى بعد ذلك بعد الزوال
و هذا الحديث الذي علقه البخاري أسنده مسلم من حديث ابن جريج : أخبرني أبو الزبير سمع جابرا قال : رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمرة يوم النحر ضحى و أما بعد فإذا زالت الشمس
و في الصحيحين من حديث الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال : رمى عبد الله من بطن الوادي فقلت : يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يرمونها من فوقها فقال : و الذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة
لفظ البخاري
و في لفظ له من حديث شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود أنه أتى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره و منى عن يمينه و رمى بسبع و قال : هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة
ثم قال البخاري : باب من رمى الجمار بسبع يكبر مع كل حصاة : قاله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم
و هذا إنما يعرف في حديث جابر من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر كما تقدم أنه أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف و قد روى البخاري في هذه الترجمة من حدثي الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن ابن يزيد عن عبد الله بن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم قال : من ها هنا و الذي لا إله غيره قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة
و روى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمع جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله يرمي الجمرة بسبع مثل حصى الخذف
و قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا حجاج عن الحكم عن أبي القاسم ـ يعني مقسما ـ عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم رمى الجمرة جمرة العقبة يوم النحر راكبا
و رواه الترمذي عن أحمد منيع عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة و قال : حسن و أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن الحجاج بن أرطاة به
[ و قد روى أحمد و أبو داود و ابن ماجه و البيهقي من حديث يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمور بن الأحوص عن أمه أم جندب الأزدية قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرمي الجمار من بطن الوادي و هو راكب يكبر مع كل حصاة و رجل من خلفه يستره فسألت عن الرجل فقالوا : الفضل بن عباس فازدحم الناس فقال النبي صلى الله عليه و سلم : يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا و إذا رميتم الجمرة فارموه بمثل حصى الخذف ]
لفظ أبي داود
و في رواية له قالت : رأيته عند جمرة العقبة راكبا و رأيت بين أصابعه حجرا فرمى و رمى الناس و لم يقم عندها
و لابن ماجه قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النحر عند جمرة العقبة و هو راكب على بغلة و ذكر الحديث
و ذكر البغلة ها هنا غريب جدا
و قد روى مسلم في صحيحه من [ حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمعت جابر ابن عبد الله يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر و يقول : لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ]
و روى مسلم أيضا [ من حديث زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن جدته أم الحصين سمعتها تقول : حججت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة و انصرف و هو على راحلته يوم النحر و هو يقول : لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ]
و في رواية قالت : حججت مع رسول الله حجة الوداع فرأيت أسامة و بلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه و سلم و الآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة
و قال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري حدثنا أيمن بن نابل حدثنا قدامة بن عبد الله الكلابي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء لا ضرب و لا رد و لا إليك إليك !
و رواه أحمد أيضا عن وكيع و معتمر بن سليمان و أبي قرة موسى بن طارق الزبيدي ثلاثتهم عن أيمن بن نابل به و رواه أيضا عن أبي قرة عن سفيان الثوري عن أيمن و أخرجه النسائي و ابن ماجه من حديث وكيع به و رواه الترمذي عن أحمد بن منيع عن مروان بن معاوية عن أيمن بن نابل به و قال : هذا حديث حسن صحيح
و قال الإمام أحمد : حدثنا نوح بن ميمون حدثنا عبد الله ـ يعني العمري ـ عن نافع قال : كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر و كان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا و زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا و راجعا
و رواه أبو داود عن القعنبي عن عبد الله العمري به (4/370)
قال جابر : ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا و ستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر و أشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها و شربا من مرقها
و سنتكلم على هذا الحديث
و قال الإمام أحمد بن حنبل : [ حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن حميد الأعرج عن محمد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال : خطب النبي صلى الله عليه و سلم بمنى و نزلهم منازلهم فقال : لينزل المهاجرون ها هنا و أشار إلى ميمنة القبلة و الأنصار ها هنا و أشار إلى ميسرة القبلة ثم لينزل الناس حولهم
قال : و علمهم مناسكهم ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم قال : فسمعته يقول : ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف ]
و كذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل إلى قوله : ثم لينزل الناس حولهم
و قد رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه و أبو داود عن مسدد عن عبد الوارث و ابن ماجه من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث عن حميد بن قيس الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كأنا نسمع ما يقول الحديث
ذكر جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أشرك علي بن أبي طالب في الهدي و أن جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن و الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة من الإبل و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نحر بيده الكريمة ثلاثا و ستين بدنة
قال ابن حبان و غيره : و ذلك مناسب لعمره عليه السلام فإنه كان ثلاثا و ستين سنة !
و قد قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : نحر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحج مائة بدنة نحر منها بيده ستين و أمر ببقيتها فنحرت و أخذ من كل بدنة بضعة فجمعت في قدر فأكل منها و حسا من مرقها
قال : و نحر يوم الحديبية سبعين فيها جمل أبي جهل فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها
و قد روى ابن ماجه بعضه عن أبي بكر بن أبي شيبة و علي بن محمد عن وكيع عن سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني رجل عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس قال : أهدى رسول الله في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدنة بيده ثم أمر عليا فنحر ما بقي منها و قال : اقسم لحومها و جلودها و جلالها بين الناس و لا تعطين جزارا منها شيئا و خذ لنا من كل بعير جدية من لحم و اجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها و نحسو من مرقها ففعل ]
و ثبت في الصحيحين من [ حديث مجاهد عن ابن أبي ليلى عن علي قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقوم على بدنة و أن أتصدق بلحومها و جلودها و أجلتها و أن لا أعطي الجزار منها شيئا و قال : نحن نعطيه من عندنا ]
و قال أبو داود : [ حدثنا محمد بن حاتم حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عبد الله بن المبارك عن حرملة بن عمران عن عبد الله بن الحارث الأزدي سمعت عرفة بن الحارث قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه و سلم و أتى بالبدن فقال : ادع لي أبا حسن فدعى له علي فقال : خذ بأسفل الحربة و أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بأعلاها ثم طعنا بها البدن فلما فرغ ركب بغلته و أردف عليا ]
و تفرد به أبو داود و في إسناده و متنه غرابة و الله أعلم
و قال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن الحجاج أنبأنا عبد الله أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن أبي القاسم ـ يعني مقسما ـ عن ابن عباس قال : رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم جمرة العقبة ثم ذبح ثم حلق
و قد ادعى ابن حزم أنه ضحى عن نسائه بالبقر و أهدى بمنى بقرة و ضحى هو بكبشين أملحين (4/374)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حلق في حجته ]
و رواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم ـ هو ابن راهويه ـ عن عبد الرزاق
و قال البخاري : [ حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب قال : قال نافع : كان عبد الله بن عمر يقول : حلق رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجته ]
و رواه مسلم من حديث موسى بن عقبة عن نافع به
و قال البخاري : [ حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية بن أسماء عن نافع أن عبد الله بن عمر قال : حلق رسول الله صلى الله عليه و سلم و طائفة من أصحابه و قصر بعضهم ]
[ و رواه مسلم من حديث الليث عن نافع به و زاد : قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يرحم الله المحلقين مرة أو مرتين قالوا : يا رسول الله و المقصرين ؟ قال : و المقصرين ]
و قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا و كيع و أبو داود الطيالسي عن يحيى بن الحصين عن جدته أنها سمعت رسول الله في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثا و للمقصرين مرة و لم يقل وكيع : في حجة الوداع
و هكذا روى هذا الحديث مسلم من حديث مالك و عبيد الله عن نافع عن ابن عمر و عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة و العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
و قال مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا حفص بن غياث عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى و نحر ثم قال للحلاق : خذ و أشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس
و في رواية له أنه حلق شقه الأيمن فقسمه بين الناس من شعرة و شعرتين و أعطى شقه الأيسر لأبي طلحة و في رواية له أنه أعطى الأيمن لأبي طلحة و أعطاه الأيسر و أمره أن أن يقسمه بين الناس
و قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و الحلاق يحلقه و قد أطاف به و أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل
انفرد به أحمد (4/377)
ثم لبس عليه السلام ثيابه و تطيب بعد ما رمى جمرة العقبة و نحر هديه و قبل أن يطوف بالبيت طيبته عائشة أم المؤمنين
قال البخاري : [ حدثنا علي بن عبد الله بن المديني حدثنا سفيان ـ هو ابن عيينة ـ حدثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد و كان أفضل أهل زمانه أنه سمع أباه و كان أفضل أهل زمانه يقول : إنه سمع عائشة تقول : طيبت رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي هاتين حين أحرم و لحله حين أحل قبل أن يطوف و بسطت يديها ]
و قال مسلم : [ حدثنا يعقوب الدورقي و أحمد بن منيع قالا : حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة قالت : كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يحرم و يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك ]
و روى النسائي من [ حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : طيبت رسول الله لحرمه حين أحرم و لحله بعد ما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف باليبت ]
و قال الشافعي : [ أنبأنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم قال قالت عائشة : أنا طيبت رسول الله لحله و إحرامه ]
و رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن عائشة فذكره
و في الصحيحين [ من حديث ابن جريج : أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة و القاسم يخبران عن عائشة أنها قالت : طيبت رسول الله بيدي بذيرة في حجة الوداع للحل و الإحرام ]
و رواه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان عن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة به
و قال سفيان الثوري : [ عن سلمة بن كهيل عن الحسن العوفي عن ابن عباس أنه قال : إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شيء كان عليكم حراما إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت فقال رجل : و الطيب يا أبا العباس ؟ فقال له : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب هو أم لا ! ]
و قال محمد بن إسحاق : [ حدثني أبو عبيدة عن عبد الله بن زمعة عن أبيه و أمه زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت : كانت الليلة التي يدور فيها رسول الله ليلة النحر فكان رسول الله عندي فدخل وهب بن زمعة و رجل من آل أبي أمية متقمصين فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضتما ؟ قالا : لا قال : فانزعا قميصيكما فنرعاهما فقال له وهب : و لم يا رسول الله فقال : هذا يوم أرخص لكم فيه إذا رميم الجمرة و نحرتم هديا إن كان لكم فقد حللتم من كل شيء حرمتم منه إلا النساء حتى يطوفوا بالبيت فإذا رميتم و لم تفيضوا صرتم حرما كما كنتم أول مرة حتى تطوفوا بالبيت ]
و هكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل و يحيى بن معين كلاهما عن ابن أبي عدي عن ابن إسحاق فذكره
و أخرجه البيهقي عن الحاكم عن أبي بكر بن أبي إسحاق عن المثنى العنبري عن يحيى بن معين و زاد في آخره :
قال أبو عبيدة : و حدثتني أم قيس بنت محصن قالت : خرج من عندي عكاشة ابن محصن في نفر من بني أسد متقمصين عشية يوم النحر ثم رجعوا إلينا عشيا و قمصهم على أيديهم يحملونها فسألتهم فأخبروها بمثل ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لوهب بن زمعة و صاحبه
و هذا الحديث غريب جدا لا أعلم أحدا من العلماء قال به (4/378)
قال جابر : ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب و هم يسقون على زمزم فقال : [ انزعوا بني عبد المطلب فلول أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه ]
رواه مسلم
ففي هذا السياق ما يدل على أنه عليه السلام ركب إلى مكة قبل الزوال فطاف بالبيت ثم لما فرغ صلى الظهر هناك
و قال مسلم أيضا : [ أخبرنا محمد بن رافع أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى ]
و هذا خلاف حديث جابر وكلاهما عند مسلم
فإن عللنا بهما أمكن أن يقال : إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة ثم رجع إلى منى فوجد الناس ينتظرونه فصلى بهم و الله أعلم
و رجوعه عليه السلام إلى منى في وقت الظهر ممكن لأن ذلك الوقت كان صيفا و النهار طويل و إن كان قد صدر منه عليه السلام أفعال كثيرة في صدر هذا النهار فإنه دفع فيه من المزدلفة بعد ما أسفر الفجر جدا و لكنه قبل طلوع الشمس ثم قدم منى فبدأ برمي جمرة العقبة بسبع حصيات ثم جاء فنحر بيده ثلاثا و ستين بدنة و نحر علي بقية المائة ثم أخذت من كل بدنة بضعة و وضعت في قدر و طبخت حتى نضجت فأكل من ذلك اللحم و شرب من ذلك المرق و في غضون ذلك حلق رأسه عليه السلام و تطيب فلما فرغ من هذا كله ركب إلى البيت
و قد خطب عليه السلام في هذا اليوم خطبة عظيمة و لست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت أوبعد رجوعه منه إلى منى فالله أعلم
و القصد أنه ركب إلى البيت فطاف به سبعة أطواف راكبا و لم يطف بين الصفا و المروة كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر و عائشة رضي الله عنهما ثم شرب من ماء زمزم و من نبيذ تمر من ماء زمزم
فهذا كله مما يقوي قول من قال : إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة كما رواه جابر و يحتمل أنه رجع إلى منى في آخر وقت الظهر فصلى بأصحابه بمنى الظهر أيضا
و هذا هو الذي أشكل على ابن حزم فلم يدر ما يقول فيه و هو معذور لتعاوض الرويات الصحيحة فيه و الله أعلم
و قال أبو داود : [ حدثنا علي بن بحر و عبد الله بن سعيد المعني قالا : حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ]
قال ابن حزم : فهذا جابر و عائشة قد اتفقا على أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر بمكة و هما و الله أعلم أضبط لذلك من ابن عمر
كذا قال : و ليس بشيء فإن رواية عائشة هذه ليست ناصة أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة بل محتملة إن كان المحفوظ في الرواية : [ حتى صلى الظهر ] و إن كانت الرواية [ حين صلى الظهر ] و هو الأشبه فإن ذلك دليل على أنه عليه السلام صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت و هو محتمل و الله سبحانه و تعالى أعلم
و على هذا فبيقي مخالفا لحديث جابر فإن هذا يقتضي أنه صلى الظهر بمنى قبل أن يركب إلى البيت و حديث جابر يقتضي أنه ركب إلى البيت قبل أن يصلي الظهر و صلاها بمكة
و قد قال البخاري : و قال أبو الزبير عن عائشة و ابن عباس أخر النبي صلى الله عليه و سلم ـ يعني طواف الزيارة إلى الليل ـ
و هذا الذي علقه البخاري قد رواه الناس من حديث يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن مهدي و فرج بن ميمون عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن عائشة و ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل و رواه أهل السنن الأربعة من حديث سفيان به و قال الترمذي حسن
و قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن عائشة و ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زار ليلا
فإن حمل هذا على أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول إلى العشي صح ذلك و أما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا و مخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طاف يوم النحر نهارا و شرب من سقاية زمزم
و أما الطواف الذي ذهب في الليل إلى البيت بسببه فهو طواف الوداع ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة كما سنذكره إ ن شاء الله أو طوف زيارة محضة قبل طواف الوداع و بعد طواف الصدر الذي هو طواف الفرض و قد ورد حديث سنذكره في موضعه : أن رسول الله كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى و هذا بعيد أيضا و الله أعلم
و قد روى الحافظ البيهقي من حديث عمرو بن قيس عن عبد الرحمن عن القاسم عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله أذن لأصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهيرة و زار رسول الله صلى الله عليه و سلم مع نسائه ليلا
و هذا حديث غريب جدا أيضا و هذا قول طاوس و عروة بن الزيبر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل
و الصحيح من الرويات و عليه الجمهور : أنه عليه السلام طاف يوم النحر بالنهار والأشبه أنه كان قب زوال و يحتمل أن يكون بعده و الله أعلم
و المقصود أنه عليه السلام لما قدم مكة طاف بالبيت سبعا و هو راكب ثم جاء زمزم و بنو عبد المطلب يستقون منها و يسقون الناس فتناول منها دلوا فشرب منه و أفرغ عليه منه
كما قال مسلم : أخبرنا محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني سمع ابن عباس يقول و هو جالس معه عند الكعبة : قدم النبي صلى الله عليه و سلم على راحلته و خلفه أسامة فأتيناه بإناء فيه نبيذ فشرب و سقى فضله أسامة و قال : [ أحسنتم و أجملتم هكذا فاصعنوا ]
قال ابن عباس : فنحن لا نريد أن نغير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم
و في رواية عن بكر أن أعرابيا قال لابن عباس : ما لي أرى بني عمكم يسقون اللبن و العسل و أنتم تسقون النبيذ أمن حاجة بكم أم من بخل ؟ فذكر له ابن عباس هذا الحديث
و قال أحمد : حدثنا روح حدثنا حماد عن حميد عن بكر عن عبد الله أن أعرابيا قال لابن عباس : ما شأن آل معاوية يسقون الماء و العسل و آل فلان يسقون اللبن و أنتم تسقون النبيذ أمن بخل بكم أم حاجة ؟
فقال ابن عباس : ما بنا بخل و لا حاجة ولكن رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءنا و رديفه أسامة بن زيد فاستسقى فسقيناه من هذا ـ يعني نبيذ السقاية ـ فشرب منه و قال : [ أحسنتم هكذا فاصنعوا ]
و رواه أحمد عن روح و محمد بن بكر عن ابن جريج عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس و داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس فذكره
و روى البخاري [ عن إسحاق بن سليمان حدثنا خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس : يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله بشراب من عندها فقال : اسقني فقال : يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه قال : اسقني فشرب منه
ثم أتى زمزم وهم يسقون و يعملون فيها فقال : اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال : لولا أن تغلبوا لنزعت حتى أضع الحبل على هذه ـ يعني عاتقه ـ و أشار إلى عاتقه ]
و عنده من حديث عاصم عن الشعبي أن ابن عباس قال : سقيت النبي صلى الله عليه و سلم من زمزم فشرب و هو قائم قال عاصم : فحلف عكرمة : ما كان يومئذ إلا على بعير و في رواية : ناقته
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا هشيم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف بالبيت و هو على بعير و استلم الحجر بمحجن كان معه قال : و أتى السقاية فقال : اسقوني فقالوا : إن هذا يخوضه الناس و لكنا نأتيك به من البيت فقال لا حاجة لي فيه اسقوني مما يشرب الناس ]
و قد روى أبو داود عن مسدد عن خالد الطحان عن يزيد أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قدم رسول الله مكة و نحن نستقي فطاف على راحلته الحديث
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا روح و عفان قالا : حدثنا حماد عن قيس و قال عفان في حديثه : أنبأنا قيس عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال : جاء النبي صلى الله عليه و سلم إلى زمزم فنزعنا له دلوا فشرب ثم مج فيها ثم أفرغناها في زمزم ثم قال : لولا أن تغلبوا عليها لنزعت بيدي ]
انفرد به أحمد و إسناده على شرط مسلم (4/381)
ثم إنه صلى الله عليه و سلم لم يعد الطواف بين الصفا و المروة مرة ثانية بل اكتفى بطوافه الأول كما روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله يقول : لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه بين الصفا و المروة إلا طوافا واحدا
قلت : و المراد بأصحابه ها هنا الذين ساقوا الهدي و كانوا قارنين
كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعائشة : ـ و كانت أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة ـ : [ يكفيك طوافك بالبيت و بين الصفا و المروة لحجك و عمرتك ]
و عند أصحاب الإمام أحمد أن قول جابر و أصحابه عام في القارنين و المتمتعين و لهذا نص الإمام أحمد على أن المتمتع يكفيه طواف واحد عن حجه و عمرته و إن تحلل بينهما تحلل
و هو قول غريب مأخذه ظاهر عموم الحديث و الله أعلم
و قال أصحاب أبي حنيفة في المتمتع كما قال المالكية و الشافعية : أنه يجب عليه طوافان و سعيان حتى طردت الحنيفة ذلك في القارن و هو من أفراد مذههم أنه يطوف طوافين و يسعى سعيين و نقلوا ذلك عن علي موقوفا و روي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم
و قد قدمنا الكلام على ذلك كله عند الطواف و بينا أن أسانيد ذلك ضعيفة مخالفة للأحاديث الصحيحة و الله أعلم (4/386)
ثم رجع عليه السلام إلى منى بعد ما صلى الظهر بمكة كما دل عليه حديث جابر و قال ابن عمر : رجع فصلى الظهر بمنى
رواهما مسلم كما تقدم قريبا و يمكن الجمع بينهما بوقوع ذلك بمكة و بمنى و الله أعلم و توقف ابن حزم في هذا المقام فلم يجزم فيه بشيء و هو معذور لتعارض النقلين الصحيحين فيه فالله أعلم
و قال محمد بن إسحاق [ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشؤيق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ]
رواه أبو داود منفردا به
و هذا يدل على أن ذهابه عليه السلام إلى مكة يوم النحر كان بعد الزوال و هذا ينافي حديث ابن عمر قطعا و في منافاته لحديث جابر نظر و الله أعلم
ـ فصل ـ
و قد خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا اليوم الشريف خطبة عظيمة تواترت بها الأحاديث و نحن نذكر منها ما يسره الله عز و جل (4/387)
قال البخاري : باب الخطبة أيام منى :
[ حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا فضيل بن غزوان حدثنا عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب الناس يوم النحر فقال : يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا : يوم حرام قال : فأي بلد هذا ؟ قالوا : بلد حرام قال : فأي شهر هذا ! قالوا : شهر حرام قال : فإن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا قال : فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال : اللهم هل بلغت ! اللهم قد بلغت ]
قال ابن عباس : فو الذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته : فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
و رواه الترمذي عن الفلاس عن يحيى القطان به و قال : حسن صحيح
و قال البخاري أيضا : [ حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا قرة عن محمد بن سيرين أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه و رجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : خطبنا النبي صلى الله عليه و سلم يوم النحر فقال : أتدرون أي يوم هذا ؟ قلنا : الله و رسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس هذا يوم النحر ؟ قلنا بلى ؟ قال : أي شهر هذا ؟ قلنا : الله و رسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس ذا الحجة ؟ قلنا بلى قال : أي بلد هذا ؟ قلنا : الله و رسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس بالبلد الحرام ؟ قلنا : بلى
قال : فإن دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال : اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ]
و رواه البخاري و مسلم من طرق عن محمد بن سيرين به و رواه مسلم من حديث عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه فذكره و زاد في آخره : ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما و إلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا إسماعيل أنبأنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب في حجته فقال : ألا إن الزمان قد استدار كهيئيته يوم خلق السموات و الأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مضر الذي بين جمادى و شعبان
ثم قال : ألا أي يوم هذا ؟ قلنل : الله و رسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى ثم قال : أي شهر هذا ؟ قلنا : الله و رسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس ذا الحجة ؟ قلنا بلى ثم قال : أي بلد هذا ؟ قلنا الله و رسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليست البلدة الحرام قلنا : بلى قال : فإن دماءكم و أموالكم ـ لأحسبه قال : و أعرضكم ـ عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا و ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا هل بلغت ؟ ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه ]
هكذا و قع في مسند الإمام أحمد عن محمد بن سيرين عن أبي بكرة و هكذا رواه أبو داود عن مسدد و النسائي عن عمرو بن زرارة كلاهما عن إسماعيل ـ و هو ابن علية ـ عن أيوب ابن سيرين عن أبي بكرة به
و هو منقطع لأن صاحبا الصحيح أخرجاه من غير وجه عن أيوب و غيره عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه به
و قال البخاري أيضا : [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم بمنى : أتدرون أي يوم هذا ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم قال : فإن هذا يوم حرام أفتدرون أي بلد هذا ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم قال : بلد حرام قال : أفتدرون أي شهر هذا ؟ قالوا الله و رسوله أعلم قال : شهر حرام قال : فإن الله حرم عليكم دماءكم و أموالكم و أعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ]
و قد أخرجه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه و بقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده عبد الله بن عمر فذكره
قال البخاري : [ و قال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر قال وقف النبي صلى الله عليه و سلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا و قال : هذا يوم الحج الأكبر فطفق النبي صلى الله عليه و سلم بقول : اللهم اشهد و ودع الناس فقالوا : هذه حجة الوداع ]
و قد أسند هذا الحديث أبو داود عن مؤمل بن الفضل عن الوليد بن مسلم و أخرجه ابن ماجة عن هشام بن عمار عن صدقة بن خالد كلاهما عن هشام بن الغاز ابن ربيعة الجرشي أبي العباس الدمشقي به
و قيامه عليه السلام بهذه الخطبة عند الجمرات يحتمل أنه بعد رميه الجمرة يوم النحر و قبل طوافه و يحتمل أنه بعد طوافه و رجوعه إلى منى و رميه بالحجرات
لكن يقوي الأول ما رواه النسائي حيث قال : حدثنا عمرو بن هشام الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يحي بن حصين الأحمسي عن جدته أم حصين قالت : حججت في حجة النبي صلى الله عليه و سلم فرأيت بلالا آخذا بقود راحلته و أسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يظله من الحر و هو محرم حتى رمى جمرة العقبة ثم خطب الناس فحمد الله و أثنى عليه و ذكر قولا كثيرا
و قد رواه مسلم من [ حديث زيد بن أبي أنيسة عن يحي بن الحصين عن جدته أم الحصين قالت : حججت مع رسول الله حجة الوداع فرأيت أسامة و بلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله و الآ خر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة قالت : فقال رسول الله قولا كثيرا ثم سمعته يقول : إن أمر عليكم عبد مجدع ـ حسبتها فالت أسود ـ يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له و أطيعوا ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا محمد بن عبيد الله حدثنا الأعمش عن أبي صالح ـ و هو ذكوان السمان ـ عن جابر قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النحر فقال : أي يوم أعظم حرمة ؟ قالوا : يومنا هذا قال : أي شهر أعظم حرمة ؟ قالوا : شهرنا هذا قال : أي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا : بلدنا هذا قال : فإن دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال اللهم اشهد ]
انفرد به أحمد من هذا الوجه و هو على شرط الصحيحين و رواه أبو بكر أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش به
و قد تقدم حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في خطبته عليه السلام يوم عرفة فالله أعلم
قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن بحر حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فذكر معناه
و قد رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس به و إسناده على شرط الصحيحين فالله أعلم
و قال اللحافط أبو بكر البزار : [ حدثنا أبو هشام حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة و أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب فقال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم حرام قال : فإن دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ]
ثم قال البزار : رواه أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة و أبي سعيد و جمعهما لنا أبو هشام عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة و أبي سعيد
قلت : و تقدم رواية أحمد له عن محمد بن عبيد الطنافسي عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله فلعله عند أبي صالح عن الثلاثة و الله أعلم
و قال [ هلال بن يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع : إنما هن أربع لا تشركوا بالله شيئا و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا تزنوا و لا تسرقوا ]
قال : فما أنا بأشح عليهن مني حين سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد رواه أحمد و النسائي من حديث منصور عن هلال بن يساف و كذلك رواه سفيان بن عيينة و الثوري عن منصور
و قال ابن حزم في حجة الوداع : [ حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري حدثنا أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي الأنصاري حدثنا أحمد بن عبدان الحافظ بالأهواز حدثنا سهل بن موسى بن شيرزاد حدثنا موسى عمرو بن عاصم حدثنا أبو العوام حدثنا محمد بن جحادة عن زيادة بن علاقة عن أسامة بن شريك قال : شهدت رسول الله في حجة الوداع و هو يخطب و هو يقول : أمك و أباك و أختك و أخاك ثم أدناك أدناك قال : فجاء قوم فقالوا : يا رسول الله قتلنا بنو يربوع فقال : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تجني نفس على أخرى ثم سأله رجل نسي أن يرمي الجمار فقال : ارم و لا حرج ثم أتاه آخر فقال : يا رسول الله نسيت الطواف فقال : طف و لا حرج ثم أتاه آخر حلق قبل أن يذبح قال : اذبح و لا حرج فما سألوه يومئذ عن شيء إلا قال : لا حرج لا حرج
ثم قال : قد أذهب الله الحرج إلا رجلا اقترض امرءا مسلما فذلك الذي حرج و هلك و قال ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء إلا الهرم ]
و قد روى الإمام أحمد و أهل السنن بعض هذا السياق من الطريق و قال الترمذي : حسن صحيح
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا حجاج حدثني شعبة عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة يحدث عن جرير ـ و هو جده ـ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : في حجة الوداع : يا جرير استنصت الناس ثم قال : خطبته : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ]
ثم رواه أحمد عن غندر و عن ابن مهدي كل منهما عن شعبة به و أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به
و قال أحمد : [ حدثنا ابن نمير حدثنا إسماعيل عن قيس قال بلغنا أن جريرا قال : قال رسول الله : استنصت الناس ثم قال عند ذلك : لا أعرفن بعد ما أرى ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ]
و رواه النسائي من حديث عبد الله بن نمير به
و قال النسائي : [ حدثنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن ابن غردقة عن سليمان بن عمرو عن أبيه قال : شهدت رسول الله في حجة الوداع يقول : أيها الناس ثلاث مرات أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم الحج الأكبر
قال : فإن دماءكم و أموالكم و أعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا و لا يجني جان على ولده ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا و لكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى ألا و إن كل ربا من ربا الجاهلية يوضع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون و لا نظلمون ]
و ذكر تمام الحديث
و قال أبو داود : باب من قال يخطب يوم النحر : حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا عكرمة ـ هو ابن عمار ـ حدثنا الهرماس بن زياد الباهلي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى
و رواه أحمد و النسائي من غير وجه عن عكرمة بن عمار عن الهرماس قال : كان أبي مردفي فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس بمنى يوم النحر على ناقته العضباء
لفظ أحمد و هو من ثلاثيات المسند و لله الحمد
ثم قال أبو داود : حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر حدثنا سليم بن عامر الكلاعي سمعت أبا أمامة يقول : سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنى يوم النحر
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الرحمن عن معاوية بن صالح عن سليم بن عامر الكلاعي سمعت أبا أمامة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يومئذ على الجدعاء ولضع رجليه في الغرز يتطاول ليسمع الناس فقال بأعلى صوته : ألا تسمعون ؟ فقال رجل من طوائف الناس : يا رسول الله ماذا تعهد إلينا ؟ فقال : اعبدوا ربكم و صلوا خمسكم و صوموا شهركم و أطيعوا إذا أمرتم تدخلوا جنة ربكم ]
فقلت : يا أبا أمامة مثل من أنت يومئذ ؟ قال : أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة أزاحم البعير أزحزحه قدما لرسول الله صلى الله عليه و سلم
و رواه أحمد أيضا عن زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح و أخرجه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكوفي عن زيد بن الحباب و قال : حسن صحيح
قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو المغيرة حدثنا إسماعيل بن عباس حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في خطبته عام حجة الوداع : إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث و الولد للفراش و للعاهر الحجر و حسابهم على الله و من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة لا تنفق امرأة من بيتها إلا بإذن زوجها ]
فقيل يا رسول الله و لا الطعام ؟ قال : ذاك أفضل أموالنا ثم قال رسول الله : [ العارية مؤداة و المنحة مردودة و الدين مقضي و الزعيم غارم ]
و رواه أهل السنن الأربعة من حديث إسماعيل بن عياش و قال الترمذي : حسن
ثم قال أبو داود رحمه الله : باب من يخطر يوم النحر : حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي حدثنا مروان عن هلال بن عامر المزني حدثني رافع بن عمرو المزني قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء و علي يعبر عنه و الناس بين قائم و قاعد
و رواه النسائي عن دحيم عن مروان الفزاري به
و قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا هلال بن عامر المزني عن أبيه قال : رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى غلى بغلة و عليه برد أحمر قال : و رجل من أهل بدر بين يديه يعبر عنه
قال : فجئت حتى أدخلت يدي بين قدمه و شراكه قال : فجعلت أعجب من بردها
حدثنا محمد بن عبيد حدثنا شيخ من بني فزارة عن هلال بن عامر المزني عن أبيه قال : رأيت رسول الله على بغلة شهباء و علي يعبر عنه
و رواه أبو داود من حديث أبي معاوية عن هلال بن عامر
ثم قال أبو داود : باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى : حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن حميد الأعرج عم محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى منا نسمع ما يقول و نحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع السبابتين ثم قال بحصى الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد و أمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك
و قد رواه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه و أخرجه النسائي من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث كذلك
و تقدم رواية الإمام أحمد له عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من الصحابة فالله أعلم
و ثبت في الصحيحين من [ حديث ابن جريج عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بينا هو يخطب يوم النحر فقام إليه رجل فقال : كنت أحسب أن كذا و كذا قبل كذا و كذا ثم قام آخر فقال : كنت أحسب أن كذا و كذا قبل كذا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : افعل و لا حرج ]
و أخرجاه من حديث مالك زاد مسلم : و يونس عن الزهري به و له ألفاظ كثيرة ليس هذا موضع استقصائها و محله كتب الأحكام و بالله المستعان
و في لفظ الصحيحين قال : فما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك اليوم عن شيء قدم و لا أخر إلا قال : افعل و لا حرج
فصل
ثم نزل عليه السلام بمنى حيث المسجد اليوم فيما يقال و أنزل المهاجرين يمنته و الأنصار يسرته و الناس حولهم من بعدهم
و قال الحافظ البيهقي أبو عبد الحافظ : [ أنبأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة حدثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أم مسيسكة عن عائشة قالت : قيل يا رسول الله : ألا نبني لك بمنى بناء يظلك ؟ قال : لا منى مناخ من سبق ]
و هذا إسناد لا بأس به و ليس هو في المسند و لا في الكتب الستة من هذا الوجه
و قال أبو داود [ حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي حدثنا يحي عن ابن جريج حدثني حريز أو أبو حريز الشك من يحي أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر قال : إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال فقال : أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فبات بمنى و ظل ]
انفرد به أبو داود
ثم قال أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير و أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له
و هكذا رواه البخاري و مسلم من حديث عبد الله بن نمير زاد البخاري : و أبي ضمرة أنس بن عياض زاد مسلم : و أبي أسامة حماد بن أسامة
و قد علقه البخاري عن أبي أسامة و عقبة بن خالد كلهم عن عبيد الله بن عمر به
و قد كان صلى الله عليه و سلم يصلي بأصحابه بمنى ركعتين كما ثبت عنه ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود و حارثة بن وهب رضي الله عنهما
و لهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن سبب هذا القصر النسك كما هو قول طائفة من المالكية و غيرهم قالوا : و من قال : إنه عليه السلام كان يقول بمنى لأهل مكة : أتموا فإنا قوم سفر : فقد غلط إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح و هو نازل بالأبطح كما تقدم و الله أعلم
و كان صلى الله عليه و سلم يرمي الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى بعد الزوال كما قال جابر فيما تقدم ماشيا كما قال ابن عمر فيما سلف كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة و يقف عند الأولى و عند الثانية يدعو الله عز و جل و لا يقف عند الثالثة
قال أبو داود : [ حدثنا علي بن بحر و عبد الله بن سعيد المعني قالا حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحيم بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث فيها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات و يكبر مع كل حصاة و يقف عند الأولى و الثانية فيطيل المقام و يتضرع و يرمي الثالثة لا يقف عندها ]
انفرد به أبو داود
و روى البخاري من غير وجه عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم ثم يسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلا و يدعو و يرفع يديه ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة ويدعو و يرجع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي و لا يقف عندها ثم ينصرف فيقول : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله
و قال وبرة بن عبد الرحمن : قام ابن عمر عند العقبة بقدر قراءة سورة البقرة و قال أبو مجلز : حزرت قيامه بقدر قراءة سورة يوسف
ذكرهما البيهقي
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أبي القداح عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص للرعاء أن يرموا يوما ويرعوا يوما ]
و قال أحمد : [ حدثنا محمد بن أبي بكر و أنبأنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني محمد ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو عن أبيه عن أبي القداح بن عاصم بن عدي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أرخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ثم يدعوا يوما و ليلة ثم يرموا الغد ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الرحمن حدثنا مالك عن عبد الله بن بكر عن أبيه عن أبي القداح بن عاصم بن عدي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة بمنى حتى يرموا يوم النحر ثم يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر ]
و كذا رواه عن عبد الرزاق عن مالك بنحوه و قد رواه أهل السنن الأربعة من حديث مالك و من حديث سفيان بن عيينة به قال الترمذي : و رواية مالك أصح و هو حديث حسن صحيح (4/388)
قال أبو داود : باب أي يوم يخطب : حدثنا محمد بن العلاء أنبأنا ابن المبارك عن إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر قالا : رأينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب بين أوسط أيام التشريق و نحن عند راحلته و هي خطبة رسول الله صلى الله عليه و سلم التي خطب بمنى
انفرد به أبو داود
ثم قال أبو داود : [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن ابن حصين حدثتني جدتي سراء بنت نبهان ـ و كانت ربة بيت في الجاهلية ـ قالت : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الرءوس فقال : أي يوم هذا ؟ قلنا : الله و رسوله أعلم قال : أليس أوسط أيام التشريق ؟ ]
انفرد به أبو داود
قال أبو داود : و كذلك قال عم أبي حرة الرقاشي أنه خطب أوسط أيام التشريق
و هذا الحديث قد رواه الإمام أحمد متصلا مطولا فقال : [ حدثنا عثمان حدثنا حماد ابن سلمة أنبأنا علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال : كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال : يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم و في أي يوم أنتم و في أي بلد أنتم ؟ قالوا : في يوم حرام و شهر حرام و بلد حرام قال : فإن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقوه
ثم قال : اسمعوا مني تعيشوا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ألا إن كل دم و مال و مأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة و إن أول دم يوضع دم بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع و إن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب لكم رءوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون
إلا و إن الزمان قد استدار كهئيته يوم خلق الله السموات و الأرض ثم قرأ : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم } ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون و لكنه في التحريش بينكم
و اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا و إن لهن عليكم حقا و لكم عليهن حق ألا يوطئن فرشكم أحدا غيركم و لا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه فإن خفتم نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن ضربا غير مبرح و لهن رزقهن و كسوتهن بالمعروف و إنما أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله ألا و من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها
و بسط يده و قال : ألا هل بلغت ؟ ألا هل بلغت ؟ ثم قال : ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع ]
قال حميد : قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة : قد و الله بلغوا أقواما كانوا أسعد به
و قد روى أبو داود في كتاب النكاح من سننه عن موسى بن إسماعيل عن حماد ابن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي حرة الرقاشي ـ و اسمه حنيفة ـ عن عمه ببعضه في النشوز
قال ابن حزم : جاء أنه خطب يوم الرءوس و هو اليوم الثاني من يوم النحر بلا خلاف عند أهل مكة و جاء أنه أوسط أيام التشريق فتحمل على أن أوسط بمعنى أشرف كما قال تعالى : { و كذلك جعلناكم أمة وسطا }
و هذا المسك الذي أخذه ابن حزم بعيد و الله أعلم
و قال الحافظ أبو بكر البزار : [ حدثنا الوليد بن عمرو بن مسكين حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان حدثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار و صدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر قال : نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنى و هو في أواسط أيام التشريق في حجة الوداع : { إذا جاء نصر الله و الفتح } فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت له ثم ركب فوقف للناس بالعقبة فاجتمع إليه ما شاء الله من المسلمين فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال : أما بعد أيها الناس فإن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر و إن أول دمائكم أهدر دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل و كل ربا في الجاهلية فهو موضوع و إن أول رباكم أضع ربا العباس بن عبد المطلب
أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات و الأرض و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر منها أربعة حرم رجب ـ مضر ـ الذي بين جمادى و شعبان و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم { ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم } الآية { إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما و يحرمونه عاما ليوطئوا عدة ما حرم الله } كانوا يحلون صفر عاما و يحرمون المحرم عاما و يحرمون صفر عاما و يحلون المحرم عاما فذلك النسئ
يا أيها الناس من كان عنده وديعة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان و قد يرضى عنكم بمحقرات الأعمال فاحذروه على دينكم بمحقرات الأعمال أيها الناس إن النساء عندكم عوان أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله لكم عليهن حقا و لهن عليكم حق و من حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم و لا يعصينكم في معروف فإن فعلن ذلك فليس لكم عليهن سبيل و لهن رزقهن و كسوتهن بالمعروف فإن ضربتم فاضربوا ضربا غير مبرح و لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله فاعملوا به
أيها الناس أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم حرام قال : فأي بلد هذا ؟ قالوا بلد حرام قال : أي شهر هذا ؟ قالوا : شهر حرام قال : فإن الله حرم دماءكم و أموالكم و أعراضكم كحرمة هذا اليوم في هذا البلد و هذا الشهر ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم لا نبي بعدي و لا أمة بعدكم ثم رفع يديه فقال : اللهم اشهد ] (4/400)
قال البخاري : يذكر عن أبي حسان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يزور البيت في أيام منى
هكذا ذكره معلقا بصيغة التمريض
و قد قال الحافظ البيهقي : [ أخبرناه أبو الحسن بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا العمري أنبأنا ابن عرعرة فقال : دفع إلينا معاذ بن هشام كتابا قال : سمعته من أبي و لم يقرأه قال : فكان فيه : عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى قال : و ما رأيت أحدا واطأه عليه ]
قال البيهقي : و روى الثوري في الجامع عن ابن طاوس عن طاوس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفيض كل ليلة ـ يعني ليالي منى
و هذا مرسل (4/404)
اليوم السادس من ذي الحجة قال بعضهم : يقال له يوم الزينة لأنه يزين فيه البدن بالجلال و غيرها
و اليوم السابع يقال له يوم التروية لأنهم يترون فيه من الماء و يحملون منه ما يحتاجون إليه حال الوقوف و ما بعده
و اليوم الثامن يقال له يوم منى لأنهم يرحلون فيه من الأبطح إلى منى
و اليوم التاسع يقال له يوم عرفة لوقوفهم فيه بها
و اليوم العاشر يقال له يوم النحر و يوم الأضحى و يوم الحج الأكبر
و اليوم الذي يليه يقال له يوم القر لأنهم يقرون فيه و يقال له يوم الرءوس لأنهم يأكلون فيه رءوس الأضاحي و هو أول أيام التشريق
و ثاني أيام التشريق يقال له يوم النفر الأول لجواز النفر فيه و قيل هو اليوم الذي يقال له يوم الرءوس و اليوم الثالث من أيام التشريق يقال له يوم النفر الآخر قال الله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه و من تأخر فلا إثم عليه } الآية (4/405)
فلما كان يوم النفر الآخر و هو اليوم الثالث من أيام التشريق و كان يوم الثلاثاء ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون معه فنفر بهم من منى فنزل المحصب و هو واد بين مكة و منى فصلى به العصر
كما قال البخاري : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع قال سألت أنس بن مالك : أخبرني عن شيء عقلته عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أين صلى الظهر يوم التروية ؟ قال : بمنى قلت : فأين صلى العصر يوم النفر ؟ قال : بالأبطح افعل كما يفعل أمراؤك
و قد روى أنه صلى الله عليه و سلم صلى الظهر يوم النفر بالأبطح و هو المحصب فالله أعلم
قال البخاري : حدثنا عبد المتعال بن طالب حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة حدثه أن أنس بن مالك حدثه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه صلى الظهر و العصر و المغرب و العشاء و رقد رقدة في المحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به
قلت : يعني طواف الوداع
و قال البخاري : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا خالد بن الحارث قال : سئل عبد الله عن المحصب فحدثنا عبيد الله بن نافع قال : نزل بها رسول الله صلى الله عليه و سلم و عمر و ابن عمر
و عن نافع : أن ابن عمر كان يصلي بها ـ يعني المحصب ـ الظهر و العصر أحسبه قال : و المغرب قال خالد : لا أشك في العشاء ثم يهجع هجعة و يذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم
و قال الإمام أحمد : حدثنا نوح بن ميمون أنبأنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر و عمر و عثمان نزلوا المحصب
هكذا رأيته في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله العمري عن نافع
و قد روى الترمذي هذا الحديث عن إسحاق بن منصور و أخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى كلاهما عن عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و عمر و عثمان ينزلون الأبطح
قال الترمذي : و في الباب عن عائشة و أبي رافع و ابن عباس و حديث ابن عمر حسن غريب و إنما نعرفه من حديث عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر به
و قد رواه مسلم عن محمد بن مهران الرازي عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر و عمر كانوا ينزلون الأبطح
و رواه مسلم أيضا من حديث صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينزل المحصب و كان يصلي الظهر يوم النفر بالحصبة
قال نافع : قد حصب رسول الله صلى الله عليه و سلم و الخلفاء بعده
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يونس حدثنا حماد ـ يعني ابن سلمة ـ عن أيوب و حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الظهر و العصر و المغرب و العشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة ثم دخل ـ يعني مكة ـ فطاف بالبيت ]
و رواه أحمد أيضا عن عفان عن حماد عن حميد عن بكر عن ابن عمر فذكره و زاد في آخره : و كان ابن عمر يفعله و كذلك رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل
وقال البخاري : [ حدثنا الحميدي حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من الغد يوم النحر بمنى : نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر ] ـ يعني بذلك المحصب ـ الحديث
و رواه مسلم عن زهير بن حرب عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي فذكر مثله سواء
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال : قلت يا رسول الله أين تنزل غدا ـ في حجته ـ ؟ قال : و هل ترك لنا عقيل منزلا ! ثم قال : نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة ـ يعني المحصب ـ حيث قاسمت قريشا على الكفر
و ذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم و لا يبايعوهم و لا يؤوهم ـ يعني حتى يسلموا إليهم رسول الله
ثم قال عند ذلك : لا يرث المسلم الكافر و لا الكافر المسلم ] قال الزهري : و الخيف : الوادي
أخرجاه من حديث عبد الرزاق (4/405)
و هذان الحديثان فيهما دلالة على أنه عليه السلام قصد النزول في المحصب مراغمة لما كان تمالأ عليه كفار قريش لما كتبوا الصحيفة في مصارمة بني هاشم و بني المطلب حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قدمنا بيان ذلك في موضعه
و كذلك نزله عام الفتح فعلى هذا يكون نزوله سنة مرغبا فيها و هو أحد قولي العلماء
و قد قال البخاري : حدثنا أبو نعيم ـ أنبأنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : إنما كان منزلا ينزله النبي صلى الله عليه و سلم ليكون أسمح لخروجه ـ يعني الأبطح ـ
و أخرجه مسلم من حديث هشام به و رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة : إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه و ليس بسنة فمن شاء نزله و من شاء لم ينزله
و قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال : قال عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال : ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه و سلم
و رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة و غيره عن سفيان ـ و هو ابن عيينة ـ به
و قال أبو داود : حدثنا أحمد بن حنبل و عثمان بن أبي شيبة المعني و مسدد قالوا : حدثنا سفيان حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان عن سلمان بن يسار قال : قال أبو رافع : لم يأمرني يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أنزله و لكن ضربت قبته فنزله
قال مسدد : و كان على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم و قال عثمان ـ يعني في الأبطح ـ
و رواه مسلم عن قتيبة و أبي بكر و زهير بن حرب عن سفيان بن عيينة به
و المقصود أن هؤلاء كلهم اتفقوا على نزول النبي صلى الله عليه و سلم في المحصب لما نفر من منى و لكن اختلفوا : فمنهم من قال : لم يقصد نزوله و إنما نزله اتفاقا ليكون أسمح لخروجه و منهم من أشعر كلامه بقصده عليه السلام نزوله و هذا هو الأشبه
و ذلك أنه عليه السلام أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت و كانوا قبل ذلك ينصرفون من كل وجه كما قال ابن عباس فأمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت يعني طواف الوداع ـ فأراد عليه السلام أن يطوف هو و من معه من المسلمين بالبيت طواف الوداع و قد نفر من منى قريب الزوال فلم يكن يمكنه أن يجيء البيت في بقية يومه و يطوف به و يرحل إلى ظاهر مكة من جانب المدينة لأن ذلك قد يتعذر على هذا الجم الغفير فاحتاج أن يبيت قبل مكة
و لم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصب الذي كانت قريش قد عاقدت بني كنانة على بني هاشم و بني المطلب فيه فلم يبرم الله لقريش أمرا بل كبتهم و ردهم خائبين و أظهر الله دينه و نصر نبيه كلمته و أتم له الدين القويم و أوضح به الصراط المستقيم
فحج بالناس و بين لهم شرائع الله و شعائره و قد نفر بعد إكمال المناسك فنزل في الموضع الذي تقاسمت قريش فيه على الظلم و العدوان و القطيعة فصلى به الظهر و العصر و المغرب و العشاء و هجع هجعة
و قد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليعمرها من التنعيم فإإذا فرغت أتته فلما قضت عمرتها و رجعت أذن في المسلمين بالرحيل إلى البيت العتيق
كما قال أبو داود : [ حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن أفلح عن القاسم عن عائشة قالت : أحرمت من التنعيم بعمرة فدخلت فقضيت عمرتي و اتنظرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأبطح حتى فرغت و أمر الناس بالرحيل قالت : و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم البيت فطاف به ثم خرج ]
و أخرجاه في الصحيحين من حديث أفلح بن حميد
ثم قال أبو داود : حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر ـ يعني الحنفي ـ حدثنا أفلح عن القاسم عن القاسم عن عائشة قالت : خرجت معه تعني رسول الله صلى الله عليه و سلم في النفر الآخر فنزل المحصب
قال أبو داود : فذكر ابن بشار بعثها إلى التنعيم قالت : ثم جئت سحرا فأذن في أصحابه بالرحيل فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج ثم انصرف متوجها إلى المدينة
و رواه البخاري عن محمد بن بشار به
قلت : و الظاهر أهن عليه السلام صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه و قرأ في صلاته تلك بسورة { و الطور و كتاب مسطور في رق منشور و البيت المعمور و السقف المرفوع و البحر المسجور } السورة بكمالها
و ذلك لما رواه البخاري حيث قال : [ حدثنا إسماعيل حدثنى مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : شكوت إلى رسول الله أني أشتكي قال طوفي من وراء الناس و أنت راكبة فطفت و رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي حينئذ إلى جنب البيت و هو يقرأ : { و الطور و كتاب مسطور } ]
و أخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث مالك بإسناد نحوه
و قد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله قال و هو بمكة و أراد الخروج و لم تكن أم سلمة طافت و أرادت الخروج فقال لها : [ إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك و الناس يصلون ] فذكر الحديث
فأما ما رواه الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة ]
فهو إسناد كما ترى على شرط الصحيحين و لم يخرجه أدح من هذا الوجه بهذا اللفظ و لعل قوله : [ يوم النحر ] غلط من الرواي أو من الناسخ و إمنا هو يوم النفر و يؤيده ما ذكرناه من وراية البخاري و الله أعلم
و المقصود أنه عليه السلام لما فرغ من صلاة الصبح طاف بالبيت سبعا في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجرالأسود و بين باب الكعبة فدعا الله عز و جل و ألزق جسده بجدار الكعبة
قال الثوري عن المثنى بن المصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلزق و صدره بالملتزم
المثنى ضعيف (4/408)
ثم خرج عليه السلام من أسفل مكة كما قالت عائشة : [ إن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة من أعلاها و خرج من أسفلها ] أخرجاه
و قال ابن عمر : [ دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم من الثنية العليا التي بالبطحاء و خرج من الثنية السفلى ]
رواه البخاري و مسلم
و في لفظ : دخلؤ من كداء و خرج من كدى
و قد قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل حدثنا أجلح بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة عند غروب الشمس فلم يصل حتى أتى سفر و هي على تسعة أميال من مكة
و هذا غريب جدا و أجلح فيه نظر و لعل هذا في غير حجة الوداع فإنه عليه السلام كما قدمنا طاف بالبيت بعد صلاة الصبح فماذا أخره إلى وقت الغروب ؟ هذا غريب جدا
اللهم إلا أن يكون ما ادعاه ابن حزم صحيحا من أنه عليه السلام رجع إلى المحصب من مكة بعد طوافه بالبيت طواف الوداع و لم يذكر دليلا على ذلك إلا قول عائشة حين رجعت من اعتمارها من التنعيم فلقيته بصعدة و هو منهبط على أهل مكة أو منهبطة و هو مصعد
قال ابن حزم : الذي لا شك فيه أنها كانت مصعدة من مكة و هو منهبط لأنها تقدمت إلى العمرة و انتظرها حتى جاءت ثم نهض عليه السلام إلى طواف الوداع فلقيها منصرفة إلى المحصب من مكة
و قال البخاري : باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة
و قال محمد بن عيسى : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أقبل بات بذي طوى حتى إذا أصبح دخل و إذا نفر مر بذي طوى و بات بها حتى يصبح و كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك
هكذا ذكر هذا معلقا بصيغة الجزم و قد أسنده هو و مسلم من حديث حماد بن زيد به لكن ليس فيه ذكر المبيت بذي طوى في الرجعة فالله أعلم (4/412)
فائدة عزيزة : فيها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استصحب من ماء زمزم شيئا
قال الحافظ أبو عيسى الترمذي : حدثنا أبو كريب حدثنا خلاد بن يزيد الجعفي حدثنا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم و تخبر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحمله
ثم قال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
و قال البخاري : [ حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله ـ هو ابن المبارك ـ حدثنا موسى بن عقبة عن سالم و نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قفل من الغزو أو من الحج أو من العمرة يبدأ فيكبر ثلاث مرات ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد و هو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده و نصر عبده وهزم الأحزاب وحده ]
و الأحاديث في هذا كثيرة و لله الحمد و المنة (4/413)
فبين فيها فضل علي بن أبي طالب و براءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا و تضييقا و بخلا و الصواب كان معه في ذلك
و لهذا لما تفرغ عليه السلام من بيان المناسك و رجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ و كان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك فبين فيها أشياء و ذكر من فضل علي و أمانته و عدله و قربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه
و نحن نورد عيون الأحاديث الواردة في ذلك و نبين ما فيها من صحيح و ضعيف بحول الله و قوته و عونه
و قد اعتنى بأمر هذ الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير و التاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه و ألفاظه و ساق الغث و السمين و الصحيح و السقيم على ما جرت به عادة كثير من المحدثين يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه و ضعيفه و كذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة
و نحن نورد عيون ما روى في ذلك مع إعلامنا أنه لاحظ للشيعة فيه و لامتمسك لهم و لا دليل لما سنبينه و ننبه عليه فنقول و بالله المستعان :
قال محمد بن إسحاق ـ في سياق حجة الوداع ـ : حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال : لما أقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة تجعل إلى رسول الله و استخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البزك الذي كان مع علي
فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحبلل قال : ويلك ! ما هذا ؟ قال : كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس قال : و يلك ! انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فانتزع الحلل نم الناس فردها في البز قال : و أظهر الجيش شكواه لمل صنع بهم
قال ابن إسحاق : فحدثنى عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان ابن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب وكانت عند أبي سعيد الدخري ـ عن أبي سعيد قال : اشتكى الناس عليا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا خطيبا فسمعته يقول : [ أيها الناس لا تشكو عليا فو الله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى ]
و رواه الإمام أحمد من حديث محمد بن إسحاق به و قال : [ إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا الفضل بن دكين حدثنا ابن أبي غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة قال : غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال : يا بريدة ألست أولى المؤمنين من أنفسهم ؟ قلت : بلى يا رسول الله قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ]
و كذا رواه النسائي عن أبي داود الحراني عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن عبد الملك بن أبي غنية بإسناده نحوه
و هذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات
و قد روى النسائي في سننه عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول الله من حجة الوداع و نزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال : [ كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين : كتاب الله و عترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ]
ثم قال : [ الله مولاي و أنا ولي كل مؤمن ] ثم أخذ بيد علي فقال : [ من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ]
فقلت لزيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه و سمعه بأذنيه
تفرد به النسائي من هذا الوجه
قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : و هذا حديث صحيح
و قال ابن ماجه : [ حدثنا علي بن محمد أخبرنا أبو الحسين أنبأنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع التي حج فنزل في الطريق فأمر الصلاة جامعة
فأخذ بيد علي فقال : ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى قال : ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى قال : فهذا ولي من أنا مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ]
و كذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن علي زيد بن جدعان عن عدي بن البراء
و قال الحافظ أبو يعلى الموصلي و الحسن بن سفيان : [ حدثنا هدبة حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد و أبي هارون عن عدي بن ثابت عن البراء قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فلما أتينا على غدير خم كسح لرسول الله صلى الله عليه و سلم تحت شجرتين ونودي في الناس الصلاة جامعة و دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا و أخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال : ألست أولى بكل امرئ من نفسه ؟ قالوا : بلى قال : فإن هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه
فلقيه عمر بن الخطاب فقال : هنيئا لك ! أصبحت وز أمسيت مولى كل مؤمن و مؤمنة ! ]
و رواه اين جرير عن أبي زرعة عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد و أبي هارون العبدي ـ و كلاهما ضعيف ـ عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب به
و روى ابن جرير من حديث موسى بن عثمان الحضرمي ـ و هو ضعيف جدا ـ عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء و زيد بن أرقم فالله أعلم
و قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير حدثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكندي عن زادان أبي عمر قال سمعت عليا بالرحبة و هو ينشد الناس من شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غدير خم و هو يقول ما قال ؟
قال : فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يقول : [ من كنت مولاه فعلي مولاه ]
تفرد به أحمد و أبو عبد الرحيم هذا لا يعرف
و قال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه : حديث علي بن حكيم الأزدي أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب و عن زيد بن يثيع قال علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم غديرخم إلا قام
قال : فقام من قبل سعيد ستة و من قبل زيد ستة فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعلى يوم غدير خم : [ أليس الله أولى بالمؤمنين من أنفسمه ؟ قالوا : بلى قال : اللهم من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ]
قال عبد الله : و حدثني علي بن حكيم أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن عمرو ذي أمر مثل حديث أبي إسحاق يعني عن سعيد و زيد و زاد فيه : [ و انصر من نصره و اخذل من خذله ]
قال عبد الله : و حدثنا علي حدثنا شريك عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله
و قال النسائي في كتاب خصائص علي : حدثنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن الأعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال : قال علي في الرحبة : أنشد بالله رجلا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غدير خم يقول : [ إن الله ولي المؤمنين و من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره ]
و كذلك رواه شعبة عن أبي إسحاق و هذا إسناد جيد
و رواه النسائي أيضا من حديث إسرائيل [ عن أبي إسحاق عن عمرو ذي أمر قال نشد علي الناس بالرحبة فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول يوم غدير خم : من كنت وملاه فإن عليا مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و أحب من أحبه و أبغض من أبغضه و انصر من نصره ]
و رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور عن عبد الرزاق عن اسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن وهب و عبد خير عن علي
و قد رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور عن عبيد الله بن موسى و هو شيعي ثقة عن مطر بن خليفة عن أبي سحاق عن زيد بن وهب و زيد بن يثيع و عمرو ذي أمر أن عليا نشد الناس بالكوفة و ذكر الحديث
و قال عبد الله بن أحمد : حدثنى عبد الله بن عمر القواريري حدثنا يونس بن أرقم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى شهدت عليا في الرحبة ينشد الناس فقال : أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غدير خم يقول [ من كنت مولاه فعلى مولاه ] لما قام فشهد
قال عبد الرحمن : فقام اثنا عشر رجلا بدريا كأني أنظر إلى أحدهم قفالوا : نشهد أن سمعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غدير خم : ألست أولى من المؤمنين من أنفسهم و أزواجي أمهاتهم ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله قال : [ من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وا لمن والاه و عاد من من عاداه ]
إسناده ضعيف غريب
و قال عبد الله بن أحمد : حدثنا أحمد بن نمير الوكيعي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي أنبأنا سماك عن عبيد بن الوليد القيسي قال : دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثنى أنه شهد عليا في الرحبة قال : أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم و شهده يوم غدير خم إلا قام و لا يقوم إلا من قد رآه فقام اثنا عشر رجلا فقالوا : قد رأيناه و سمعناه حيث أخذ بيده يقول : [ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله ] فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته
و روى أيضا عن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي و غيره عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به
و قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن منصور حدثنا أ بو عامر العقدي و روى ابن أبي عاصم عن سليمان الغلابي عن أبي عامر العقدي حدثنا كثير بن زيد حدثنى محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي أن رسول الله حضر الشجرة بخم فذكر الحديث و فيه : من كنت مولاه فإن عليا مولاه
و قد رواه بعضهم عن أبي عامر عن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن علي منقطعا
و قال إسماعيل بن عمرو البجلي و هو ضعيف عن مسعر عن طلحة بن مصرف عن عميرة بن سعد : أنه شهد عليا على المنبر يناشد أصحاب رسول الله من سمع رسول الله يوم غدير خم فقام اثنا عشر رجلا منهم أبو هريرة و أبو سعيد و أنس بن مالك فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول : [ من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ]
و قد رواه عبيد الله بن موسى عن هانئ بن أيوب و هو ثقة عن طلحة ابن مصرف به
و قال عبد الله بن أحمد : حدثنى حجاج بن الشاعر حدثنا شبابة حدثنا نعيم بن حكيم حدثنى أبو مريم و رجل من جلساء علي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم غدير خم : [ من كنت مولاه فعلي مولاه ] قال : فزاد الناس بعد : [ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ]
روى أبو داود بهذا السند حديث المخدج
و قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد و أبو نعيم المعني قالا : حدثنا قطن عن أبي الطفيل قال : جمع علي الناس في الرحبة ـ يعني رحبة مسجد الكوفة ـ فقال : أنشد الله كل من سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام
فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس : [ أتعلمون أني أولى بالمؤمنني من أنفسهم ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ]
قال : فخرجت كأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقم فقلت له : إني سمعت عليا يقول : كذا و كذا قال : فما تنكر ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ذلك له
هكذا ذكره الإمام أحمد في مسند زيد بن أرقم رضي الله عنه
و رواه النسائي من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم به و قد تقدم
و أخرجه الترمذي عن بندار عن غندر عن شعبة عن سلمة بن كهيل
سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة ـ أو زيد أرقم شك شعبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من كنت مولاه فعلى مولاه ]
و رواه ابن جرير عن أحمد بن حازم عن أبي نعيم عن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي عبيد عن ميمون أبي عبد الله قال زيد بن أرقم و أنا أسمع : نزلنا مع رسول الله منزلا يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير
قال : فخطبنا و أظل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس فقال : ألستم تعلمون ـ أو ألستم تشهدون ـ أني أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا : بلى قال : فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه اللهم وال من ولاه و عاد من عاداه ]
[ ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم إلى قوله : من كنت مولاه فعلى مولاه قال ميمون : حدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : اللهم وال من ولاه و عاد من عاداه ]
و هذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن و قد صحح الترمذي بهذا السند حديثا في الريث
و قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حنش بن الحارث بن لقيط الأشجعي عن رباح بن الحارث قال : جاء رهط إلى على بالرحبة فقالوا : السلام عليك يا مولانا قال كيف أكون مولاكم و أنتم قوم عرب قالوا : سمعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم غدير خم يقول : من كنت مولاه فهذا مولاه قال رباح : فلما مضوا تبعتهم فسألت : من هؤلاء ؟ قالوا : نفر من الأنصار منهم أبو أيوب الأنصاري
و قال الإمام أحمد : حدثنا حنش عن رباح بن الحارث قال : رأيت قوما من الأنصار قدموا على علي في الرحبة فقال : من القوم ؟ فقالوا : مواليك يا أمير المؤمنين فذكر معناه
و هذا لفظه و هو من أفراده
و قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء حدثنا محمد بن خالد بن عثمة حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي و هو صدوق حدثنى مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم الجحفة و أخذ بيد علي فخطب ثم قال : أيها الناس إني وليكم قالوا : صدقت فرفع يد علي فقال : هذا وليي و المؤدي عني وإن الله موالي من والاه و معادي من عاداه
قال شيخنا الذهبي : و هذا حديث حسن غريب
ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن أبي كبير عن مهاجر بن مسمار فذكر الحديث و أنه عليه السلام وقف حتى لحقه من بعده و أمر برد من كان تقدم فخطبهم الحديث
و قال أبو جعفر بن جرير الطبري في الجزء الأول من كتاب غدير خم قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وجدته في نسخة مكتوبة عن ابن جرير : حدثنا محمود بن عوف الطائي حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا إسماعيل بن كشيط عن جميل بن عمارة عن سالم بن عبد الله بن عمر ـ قال ابن جرير : أحسبه قال : عن عمر و ليس في كتابي ـ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو آخذ بيد علي يقول [ من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ]
و هذا حديث غربي بل منكر و إسناده ضعيف قال البخاري في جميل بن عمارة هذا فيه نظر
و قال المطلب بن زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل سمع جابر بن عبد الله يقول : كنا بلجحفة بغدير خم فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم من خباء أو فسطاط فأخذ بيد علي فقال : [ من كنت مولاه فعلى مولاه ]
قال شيخنا الذهبي : هذا حديث حسن و قد رواه ابن لهيعة عن بكر بن سوادة و غيره عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بنحوه
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى بن آدم و ابن أبي بكير قالا : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة قال يحيى بن آدم : و كان قد شهد حجة الوداع قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم علي مني و أنا منه و لا يؤدي عني إلا أنا أو علي
و قال ابن أبي بكير : لا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي ]
و كذا رواه أحمد أيضا عن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل
قال الإمام أحمد : و حدثناه الزبيري حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن حبشي ابن جنادة مثله قال : فقلت لأبي إسحاق : أين سمعت منه ؟ قال : و قف علينا على فرس في مجلسنا في جبانة السبيع
و كذا وراه أحمد عن أسود بن عامر و يحيى بن آدم عن شريك و رواه الترمذي عن إسماعيل بن موسى عن شريك و ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة و سويد بن سعيد و إسماعيل بن موسى ثلاثتهم عن شريك به و رواه النسائي عن أحمد بن سليمان عن يحيى بن آدم عن إسرائيل به و قال الترمذي : حسن صحيح غريب
[ و رواه سليمان بن قرم ـ و هو متروك عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم غذير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ] و ذكر الحديث
و قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أنبأنا شريك عن أبي يزيد الأزدي عن أبيه قال : دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع الناس إليه فقام إليه شاب فقال : أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ] قال : نعم
و رواه ابن جرير عن أبي كريب عن شاذان عن شريك به تابعه إدريس الأزدي عن أخيه أبي يزيد و اسمه داود بن يزيد به و رواه ابن جرير أيضا من حديث إدريس و داود عن أبيهما عن أبي هريرة فذكره
فأما الحديث الذي رواه [ ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيد علي قال : من كنت مولاه فعلي مولاه فأنزل الله عز و جل : { اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي } قال أبو هريرة : و هو يوم غدير خم من صام يوم ثمان عشرة يوم من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا ]
فإنه حديث منكر جدا بل كذب لمخالفته لما ثبت في الصحيحن عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة و رسول الله صلى الله عليه و سلم واقف بها كما قدمنا
و كذا قوله : [ إن صيام يوم الثامن عشرة من ذي الحجة و هو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهرا ] لا يصح لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا ؟ ! هذا باطل
و قد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراده هذا الحديث : هذا حديث منكر جدا
و رواه حبشون الخلال و أحمد بن عبد الله بن أحمد النيري و هما صدوقان عن علي ابن سعيد الرملي عن ضمرة قال : و يروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب و مالك بن الحويرث و أنس بن مالك و أبي سعيد و غيرهم بأسانيد واهية
قال : و صدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله و أما : [ اللهم وال من والاه ] فزيادة قوية الإسناد و أما هذا الصوم فليس بصحيح و لا و الله ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام و الله تعالى أعلم
و قال الطبراني : [ حدثنا علي بن إسحاق الوزير الأصبهاني حدثنا علي بن محمد المقدمي حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي حدثنا علي بن محمد بن يوسف بن شبان بن مالك بن مسمع حدثنا سهل بن حنيف بن سهل بن مالك أخي كعب بن مالك عن أبيه عن جده قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن أبا بكر لم يسوني قط فاعرفوا ذلك له
أيها الناس إني عن أبي بكر و عمر و عثمان و علي و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و المهاجرين الأولين راض فاعرفوا ذلك لهم
أيها الناس احفظوني في أصحابي و أصهاري و أحبابي لا يطلبكم الله بمظلمة أحد منهم أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين و إذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيرا ] (4/414)
استهلت هذه السنة و قد استقر الركاب الشريف النبوي بالمدينة النبوية المطهرة مرجعه من حجة الوداع
و قد وقعت في هذه السنة أمور عظام من أعظمها خطبا وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكنه عليه السلام نقله الله عز و جل من هذه الدار الفانية إلى النعيم الأبدي في محلة عالية رفيعة و درجة في الجنة لا أعلى منها و لا أسنى كما قال تعالى : { و للآخرة خير لك من الأولى و لسوف يعطيك ربك فترضى }
و ذلك بعد ما أكمل أكمل أداء الرسالة التي أمره الله تعالى بإبلاغها و نصح أمته و دلهم على خير ما يعلمه لهم و حذرهم و نهاهم عما فيه مضرة عليهم في دنياهم و أخراهم
و قد قدمنا ما رواه صاحبا الصحيح من حديث عمر بن الخطاب أنه قال : نزل قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا } يوم الجمعة و رسول الله صلى الله عليه و سلم واقف بعرفة (4/427)
و روينا من طريق جيد : أن عمر بن الخطاب حين نزلت هذه الآية بكى فقيل : ما يبكيك ؟ فقال : إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان و كأنه استشعر وفاة النبي صلى الله عليه و سلم
و قد أشار عليه السلام إلى ذلك فيما رواه مسلم من [ حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف عند جمرة العقبة و قال لنا : خدوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا ]
و قدمنا ما رواه الحافظان أبو بكر البزار و البيهقي من حديث موسى بن عبيدة الربذي عن صدقة بن يسار عن ابن عمر قال : نزلت هذه السورة : { إذا جاء نصر الله و الفتح } في أوسط أيام التشريق فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم ذكر خطبته في ذلك اليوم كما تقدم
و هكذا قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لعمر بن الخطاب حين سأله عن تفسير هذه السورة بمحضر كثير من الصحابة ليريهم فضل ابن عباس و تقدمه و علمه حين لامه بعضهم على تقديمه و إجلاسه له مع مشايخ بدر فقال : إنه من حيث تعلمون ثم سألهم و ابن عباس حاضر عن تفسير هذه السورة : { إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفو اجا فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا } فقالوا : أمرنا إذا فتح لنا أن نذكر الله و نحمده و نستغفره
فقال : ما تقول يا بن عباس ؟ فقال هو أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم نعي إليه فقال عمر : لا أعلم منها إلا ما تعلم
و قد ذكرنا في تفسير هذه السورة ما يدل على قول ابن عباس من وجوه و إن كان لا ينافي ما فسر به الصحابة رضي الله عنهم
و كذلك ما رواه الإمام أحمد [ حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حج بنسائه قال : إنما هي هذه الحجة ثم الزمن ظهور الحصر ]
تفرد به أحمد من هذا الوجه و قد رواه أبو داود في سننه من وجه آخر جيد
و المقصود أن النفوس استشعرت بوفاته عليه السلام في هذه السنة
و نحن نذكر ذلك و نورد ما روي فيما يتعلق به من الأحاديث و الآثار و بالله المستعان
و لنقدم على ذلك ما ذكره الأئمة محمد بن إسحاق بن يسار و أبو جعفر بن جرير و أبو بكر البيهقي في هذا الموضع قبل الوفاة من تعداد حججه و غزواته و سراياه و كتبه و رسله إلى الملوك فلنذكر ذلك ملخصا ثم نتبعه بالوفاة (4/427)
ففي الصحيحين من حديث أبي إسحاق السبيعي عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا تسع عشرة غزوة و حج بعد ما هاجر حجة الوداع و لم يحج بعدها :
قال أبو إسحاق : و واحدة بمكة
كذا قال أبو إسحاق السبيعي و قد قال زيد بن الحباب عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حج ثلاث حجات : حجتين قبل أن يهاجر و واحدة بعد ما هاجر معها عمرة و ساق ستا و ثلاثين بدنة و جاء علي بتمامها من اليمن
و قد قدمنا عن غير واحد من الصحابة منهم أنس بن مالك في الصحيحين أنه عليه السلام : اعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية و عمرة القضاء و عمرة الجعرانة و العمرة التي مع حجة الوداع
و أما الغزوات فروى البخاري عن أبي عاصم النبيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع غزوات و مع زيد ابن حارثة تسع غزوات يؤمره علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم
و في الصحيحين عن قتيبة عن حاتم بن إسماعيل عن زيد عن سلمة قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع غزوات و فيما يبعث من البعوث تسع غزوات مرة علينا أبو بكر و مرة علينا أسامة بن زيد
و في صحيح البخاري من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : غزا رسول الله خمس عشرة غزوة
و في الصحيحين من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا تسع عشرة غزوة و شهد معه منها سبع عشرة أولها العشير أو العسير
و روى مسلم عن أحمد بن حنبل عن معتمر عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ست عشرة غزوة
و في رواية لمسلم من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم تسع عشرة غزوة قاتل منها في ثمان
و في رواية عنه بهذا الإسناد : و بعث أربعا و عشرين سرية قاتل يوم بدر و أحد و الأحزاب و المريسيع و خيبر و مكة و حنين
و في صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا إحدى و عشرين غزوة غزوت معه منها تسع عشرة غزوة و لم أشهد بدرا و لا أحدا منعني أبي فلما قتل أبي يوم أحد لم أتخلف عن غزاة غزاها
و قال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن الزهري قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : غزا رسول الله ثماني عشرة غزوة قال : و سمعته مرة يقول : أربعا و عشرين غزوة فلا أدري أكان ذلك وهما أو شيئا سمعته بعد ذلك
و قال قتادة : غزا رسول الله تسع عشرة قاتل في ثمان منها و بعث من البعوث أربعا و عشرين فجميع غزواته و سراياه ثلاث و أربعون
و قد ذكره عروة بن الزبير و الزهري و موسى بن عقبة و محمد إسحاق بن يسار و غير واحد من أئمة هذا الشأن أنه عليه السلام قاتل يوم بدر في رمضان من سنة اثنتين ثم في أحد في شوال سنة ثلاث ثم الخندق و بني قريظة في شوال أيضا من سنة أربع و قيل : خمس ثم في بني المصطلق بالمريسيع في شعبان سنة خمس ثم في خيبر في صفر سنة سبع و منهم من يقول سنة ست و التحقيق أنه في أول سنة سبع و آخر سنة ست ثم قاتل أهل مكة في رمضان سنة ثمان و قاتل هوازن و حاصر أهل الطائف في شوال و بعض ذي الحجة سنة ثمان كما تقدم تفصيله و حج في سنة ثمان بالناس عتاب بن أسيد نائب مكة ثم في سنة تسع أبو بكر الصديق ثم حج رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمسلمين سنة عشر
و قال محمد بن إسحاق : و كان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه الكريمة سبعا و عشرين عزوة : غزوة ودان و هي غزوة الأبواء ثم غزوة بواط من ناحية رضوى ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع ثم غزوة بدر الأولى يطلب كرز بن جابر ثم غزوة بدر العظمى التي قتل الله فيها صناديد قريش ثم غزوة بني سليم حتى بلغ الكدر ثم غزوة السويق يطلب أبا سفيان بن حرب ثم غزوة غطفان و هي غزوة ذي أمر ثم غزوة بحران معدن بالحجاز ثم غزوة أحد ثم حمراء الأسد ثم غزوة بني النضير ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ثم غزوة بدر الآخرة ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة الخندق ثم غزوة بني قريظة ثم غزوة بني لحيان من هذيل ثم غزوة ذي قرد ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصده المشركون ثم غزوة خيبر ثم عمرة القضاء ثم غزوة الفتح ثم غزوة حنين ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوك
قال ابن إسحاق : قاتل منها في تسع غزوات : غزوة بدر و أحد و الخندق و قريظة و المصطلق و خيبر و الفتح و حنين و الطائف
قلت : و قد تقدم ذلك كله مبسوطا في أماكنه بشواهده و أدلته و لله الحمد (4/429)
قال ابن إسحاق و كانت بعوثه عليه السلام و سراياه ثمانيا و ثلاثين من بين بعث و سرية ثم شرع رحمه الله في ذكر تفصيل ذلك
و قد قدمنا ذلك كله أو أكثره مفصلا في مواضعه و لله الحمد و المنة
و لنذكر ملخص ما ذكره ابن إسحاق : بعث عبيدة بن الحارث إلى أسفل ثنية ذي المروة ثم بعث حمزة بن عبد المطلب إلى الساحل من ناحية العيص و من الناس من يقدم هذا على بعث عبيدة كما تقدم فالله أعلم
بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخرار بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة بعث زيد ابن حارثة إلى القردة بعث محمد بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف بعث مرثد بن أبي مرثد إلى الرجيع بعث المنذر بن عمرو إلى بئر معونة بعث أبي عبيدة إلى ذي القصة بعث عمر بن الخطاب إلى تربة في أرض بني عامر بعث علي إلى اليمن
بعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى الكديد فأصاب بني الملوح و أغار عليهم في الليل فقتل طائفة منهم فاستاق نعمهم فجاء نفرهم في طلب النعم فلما اقتربوا حال بينهم واد من السيل و أسروا في مسيرهم هذا الحارث بن مالك بن البرصاء و قد حرر ابن إسحاق هذا ها هنا و قد تقدم بيانه
بعث علي بن أبي طالب إلى أرض فدك بعث أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم أصيب هو و أصحابه بعث عكاشة إلى الغمرة بعث أبي سلمة بن عبد الأسد إلى قطن و هو ماء بنجد لبني أسد بعث محمد بن مسلمة إلى القرطاء من هوازن بعث بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك و بعثه أيضا إلى ناحية حنين بعث زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سليم
بعث زيد بن حارثة إلى جذام من أرض بني خشين قال ابن هشام : و هي من أرض حسمى و كان سببها فيما ذكره ابن إسحاق و غيره : أن دحية بن خليفة لما رجع من عند قيصر و قد أبلغه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعوه إلى الله فأعطاه من عنده تحفا و هدايا فلما بلغ واديا في أرض بني جذام يقال له شنار أغار عليه الهنيد بن عوص و ابنه عوص بن الهنيد الضليعيان و الضليع بطن من جذام فأخذا ما معه فنفر حي منهم قد أسلموا فاستنقذوا ما كان أخذ لدحية فردوه عليه
فلما رجع دحية إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبره الخبر و استسقاه دم الهنيد و ابنه عوص فبعث حينئذ زيد بن حارثة في جيش إليهم فساروا إليهم من ناحية الأولاج فأغار بالماقص من ناحية الحرة فجمعوا ما وجدوا من مال و ناس و قتلوا الهنيد و ابنه و رجلين من بني الأحنف و رجلا من بني خصيب
فلما احتاز زيد أموالهم و ذراريهم اجتمع نفر منهم برفاعة بن زيد و كان قد جاءه كتاب من رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعوهم إلى الله فقرأه عليهم رفاعة فاستجاب له طائفة منهم و لم يكن زيد بن حارثة يعلم ذلك فركبوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة في ثلاثة أيام فأعطوه الكتاب فأمر بقراءته جهرة على الناس ثم قال : رسول الله : كيف أصنع بالقتلى ؟ ثلاث مرات فقال رجل منهم يقال له أبو زيد بن عمرو : أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا و من قتل فهو تحت قدمي هذه
فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب فقال علي : إن زيدا لا يطيعني فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه علامة فسار معهم على جمل لهم فلقوا زيدا و جيشه و معهم الأموال و الذراري بفيفاء الفحلتين فسلمهم علي جميع ما كان أخذ لهم لم يفقدوا منه شيئا
بعث زيد بن حارثة أيضا إلى بني فزارة بوادي القرى فقتل طائفة من أصحابه و ارتث هو من بين القتلى فلما رجع آلى ألا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزوهم أيضا فلما استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثانيا في جيش فقتلهم بوادي القرى و أسر أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر و كانت عند مالك بن حذيفة بن بدر و معها ابنة لها فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر اليعمري فقتل أم قرفة و استبقى ابنتها و كانت من بيت شرف يضرب بأم قرفة المثل في عزها و كانت بنتها مع سلمة بن الأكوع فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه إياها فوهبها رسول الله لخاله حزن بن أبي و هب فولدت له ابنة عبد الرحمن
بعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر مرتين : إحداهما التي أصاب فيها اليسر بن رزام و كان يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث رسول الله عبد الله بن رواحة في نفر منهم عبد الله بن أنيس فقدموا عليه فلم يزالوا يرغيونه ليقدموه على رسول الله صلى الله عليه و سلم فسار معهم فلما كانوا بالقرقرة على ستة أميال من خيبر ندم اليسير على مسيره ففطن له عبد الله بن أنيس ـ و هو يريد السيف ـ فضربه بالسيف فأطن قدمه و ضربه اليسير بمخرش من شوحط في رأسه فأمه و مال كل رجل من المسلمين على صاحبه من اليهود فقتله إلا رجلا واحدا أفلت على قدميه
فلما قدم ابن أنيس تفل في رأسه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يقح جرحه و لم يؤذه
قلت : و أظن البعث الآخر إلى خيبر لما بعثه عليه السلام خارصا على نخيل خيبر و الله أعلم
بعث عبد الله بن عتيك و أصحابه إلى خيبر فقتلوا أبا رافع اليهودي بعث عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان بن نبيح فقتله بعرنة و قد روى ابن إسحاق قصته ها هنا مطولة و قد تقدم ذكرها في سنة خمس و الله أعلم بعث زيد بن حارثة و جعفر و عبد الله بن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام فأصيبوا كما تقدم بعث كعب بن عمير إلى ذات أطلاح من أرض الشام فأصيبوا جميعا أيضا بعث عيينة بن حصن بن حذيقة بن بدر إلى بني العنبر من تميم فأغار عليهم فأصاب منهم أناسا ثم ركب و فدهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في أسراهم فأعتق بعضا و فدي بعضا
بعث غالب بن عبد الله أيضا إلى أرض بني مرة فأصيب بها مرداس بن نهيك حليف لهم من الحرقة من جهينة قتله أسامة بن زيد و رجل من الأنصار أدركاه فلما شهرا السلاح قال : لا إله إلا الله فلما رجعا لا مهما رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد اللوم فاعتذر بأنه ما قال ذلك إلا تعوذا من القتل فقال لأسامة : هلا شققت عن قلبه ؟ ! و جعل يقول لأسامة : من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ! قال أسامة : فما زال يكررها حتى لوددت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك و قد تقدم الحديث بذلك
بعث عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل من أرض بني عذرة يستنفر العرب إلى الشام و ذلك أن أم العاص بن و ائل كانت من بلى فلذلك بعث عمرا يستنفرهم ليكون أنجع فيهم
فلما وصل إلى ماء لهم يقال له السلسل خافهم فبعث يستمد رسول الله فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية فيهم أبو بكر و عمر و عليها أبو عبيدة بن الجراح فلما انتهوا إليه تأمر عليهم كلهم عمرو و قال : إنما بعثتم مددا لي فلم يمانعه أبو عبيدة لأنه كان رجلا سهلا لينا هينا عند أمر الدنيا فسلم له وانقاد معه فكان عمرو يصلي بهم كلهم و لهذا لما رجع قال : [ يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة قال : فمن الرجال ؟ قال : أبوها ]
بعث عبد الله بن أبي حدرد إلى بطن إضم و ذلك قبل فتح مكة و فيها قصة محلم بن حثامة و قد تقدم مطولا في سنة سبع بعث ابن أبي حدرد أيضا إلى الغابة
بعث عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
قال محمد بن إسحاق : [ حدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح قال : سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله بن عمر بن الخطاب عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم قال : فقال عبد الله : أخبرك إن شاء الله عن ذلك تعلم أني كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في مسجده أبو بكر و عمر و عثمان و علي و عبد الرحمن بن عوف و ابن مسعود و معاذ بن جبل و حذيفة بن اليمان و أبو سعيد الخدري و أنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أقبل فتى من الأنصار فسلم على رسول الله ثم جلس فقال : يا رسول الله أي المؤمنين أفضل ؟ قال : أحسنهم خلقا قال : فأي المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم ذكرا للموت و أحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل به أولئك الأكياس ثم سكت الفتى
و أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا نزلن بكم ـ و أعوذ بالله أن تدركوهن ـ إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يغلبوا عليها إلا ظهر فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جور السلطان و لم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم ما مطروا و ما نقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما كان في أيديهم و ما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله و يجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم
قال : ثم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها فأصبح و قد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء فأدناه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نقضها ثم عممه بها و أرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ثم قال : هكذا يا بن عوف فاعتم فإنه أحسن و أعرف
ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه فحمد الله و صلى على نفسه ثم قال :
خذه يا بن عوف اغزوا جميعا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا و لا تغدروا و لا تمثلوا و لا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله و سيرة نبيكم فيكم
فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء قال : ابن هشام : فخرج إلى دومة الجندل ]
بعث أبي عبيدة بن الجراح و كانوا قريبا من ثلاثمائة راكب إلى سيف البحر و زوده عليه السلام جرابا من تمر و فيها قصة العنبر و هي الحوت العظيم الذي دسره البحر و أكلهم كلهم منه قريبا من شهر حتى سمنوا و تزودوا منه وشائق أي شرائح حتى رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطعموه منه فأكل منه كما تقدم بذلك الحديث
قال ابن هشام : و مما لم يذكر ابن إسحاق من البعوث ـ يعني ها هنا ـ بعث عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان صخر بن حرب بعد مقتل خبيب بن عدي و أصحابه فكان من أمره ما قدمناه
و كان مع عمرو بن أمية جبار بن صخر و لم يتفق لهما قتل أبي سفيان بل قتلا رجلا غيره و أنزلا خبيبا عن جذعه
و بعثه سالم بن عمير أحد البكائين إلى أبي عفك أحد بني عمرو بن عوف و كان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله الحارث بن سويد بن الصامت كما تقدم فقال يرثيه و يذم ـ قبحه الله ـ الدخول في الدين :
( لقد عشت دهرا و ما إن أرى ... من الناس دارا و لا مجمعا )
( أبر عهودا و أوفي لمن ... يعاقد فيهم إذ ما دعا )
( من أولاد قيلة في جمعهم ... يهد الجبال و لم يخضعا )
( فصدعهم راكب جاءهم ... حلال حرام لشتى معا )
( فلو أن بالعز صندقتم ... أو الملك تابعتم تبعا )
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من لي بهذا الخبيث ؟ فانتدب له سالم بن عمير هذا فقتله فقالت أمامة المريدية في ذلك :
( تكذب دين الله و المرء أحمدا ... لعمرو الذي أمناك بئس الذي يمني )
( حباك حنيف آخر الليل طعنة ... أبا عفك خذها على كبر السن )
و بعث عمير بن عدي الخطمي لقتل العصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد كانت تهجو الإسلام و أهله و لما قتل أبو عفك المذكور أظهرت النفاق و قالت في ذلك :
( باست بني مالك و النبيت ... و عوف و باست بني الخزرج )
( أطعتم أتاوي من غيركم ... فلا من مراد و لا مذحج )
( ترجونه بعد قتل الرءوس ... كما يرتجي ورق المنضج )
( ألا أنف يبتغي غرة ... فيقطع من أمل المرتجي )
قال : فأجابها حسان بن ثابت فقال :
( بنو وائل و بنو واقف ... و خطمة دون بني الخزرج )
( متى ما دعت سفها ويحها ... بعولتها و المنايا تجي )
( فهزت فتى ماجدا عرقه ... كريم المداخل و المخرج )
( فضرجها من نجيع الدما ... ء بعيد الهدو فلم يحرج )
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بلغه ذلك : [ ألا آخذ لي من ابنة مروان ؟ ] فسمع ذلك عمير بن عدي فلما أمسى من تلك الليلة سرى عليها فقتلها ثم أصبح فقال : يا رسول الله قتلها فقال : [ نصرت الله و رسوله يا عمير ] قال : يا رسول الله هل علي من شأنها ؟ قال : [ لا تنتطح فيها عنزان ]
فرجع عمير إلى قومه و هم يختلفون في قتلها و كان لها خمسة بنون فقال : أنا قتلتها فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون فذلك أول يوم عز الإسلام في بني خطمة فأسلم منهم بشر كثير لما رأوا من عز الإسلام
ثم ذكر البعث الذين أسروا ثمامة بن أثال الحنفي و ما كان من أمره في إسلامه و قد تقدم ذلك في الأحاديث الصحاح
و ذكر ابن هشام أنه هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ المؤمن يأكل في معي واحد و الكافر يأكل في سبعة أمعاء ] لما كان من قلة أكله بعد إسلامه و أنه لما انفصل عن المدينة دخل مكة معتمرا و هو يلبي فنهاه أهل مكة عن ذلك فأبى عليهم و توعدهم بقطع الميرة عنهم من اليمامة فلما عاد إلى اليمامة منعهم الميرة حتى كتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعادها إليهم و قال بعض بني حنيفة :
( و منا الذي لبي بمكة محرما ... برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم )
و بعث علقمة بن مجزز المدلجي ليأخذ بثأر أخيه وقاص بن مجزز يوم قتل بذي قرد فاستأذن رسول الله ليرجع في آثار القوم فأذن له و أمره على طائفة من الناس فلما قفلوا أذن لطائفة منهم في التقدم و استعمل عليهم عبد الله بن حذافة و كانت فيه دعابة فاستوقد نارا و أمرهم أن يدخلوها فلما عزم بعضهم على الدخول قال إنما كنت أضحك فلما بلغ النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه ]
و الحديث في هذا ذكره ابن هشام عن الداوردي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن عمرو بن الحكم بن ثوبان عن أبي سعيد الخدري
و بعث كرز بن جابر لقتل أولئك النفر الذين قدموا المدينة و كانوا من قيس من بجيلة فاستوخموا المدينة و استوبؤوها فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يخرجوا إلى أبله فيشربوا من أبوالها و ألبانها فلما صحوا قتلوا راعيها و هو يسار مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذبحوه و غرزوا الشوك في عينيه و استاقوا اللقاح فبعث في آثارهم كرز بن جابر في نفر من الصحابة فجاءوا بأولئك النفر من بجيلة مرجعه عليه السلام من غزوة ذي قرد فأمر فقطعت أيديهم و أرجلهم و سملت أعينهم
و هؤلاء النفر إن كانوا هم المذكورين في حديث أنس المتفق عليه أن نفرا ثمانية من عكل أو عرينة قدموا المدينة الحديث و الظاهر أنهم هم فقد تقدم قصتهم مطولة و إن كانوا غيرهم فها قد أوردنا عيون ما ذكره ابن هشام و الله أعلم
قال ابن هشام : و غزوة علي بن أبي طالب التي غزاها مرتين قال أبو عمرو المدني : بعث رسول الله عليا إلى اليمن و خالدا في جند آخر و قال إن اجتمعتم فالأمير علي بن أبي طالب
قال : و قد ذكر ابن إسحاق بعث خالد و لم يذكره في عدد البعوث و السرايا فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعا و ثلاثين
قال ابن إسحاق : و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام و أمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء و الداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس و أوعب مع أسامة المهاجرون الأولون
قال ابن هشام : و هو آخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قال البخاري : [ حدثنا إسماعيل حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث بعثا و أمر عليهم أسامة بن زيد فطعن الناس في إمارته فقام النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل و ايم الله إن كان لخليقا للإمارة و إن كان لمن أحب الناس إلي و إن هذا لمن أحب الناس إلي بعده ]
و رواه الترمذي من حديث مالك و قال حديث صحيح حسن
و قد انتدب كثير من الكبار من المهاجرين الأولين و الأنصار في جيشه فكان من أكبرهم عمر بن الخطاب و من قال إن أبا بكر كان فيهم فقد غلط فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم اشتد به المرض و جيش أسامة مخيم بالجرف و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر أن يصلي بالناس كما سيأتي فكيف يكون في الجيش و هو إمام المسلمين بإذن الرسول من رب العالمين و لو فرض أنه كان قد انتدب معهم فقد استثناه الشارع من بينهم بالنص عليه للإمامة في الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام ثم لما توفي عليه الصلاة و السلام استطلق الصديق من أسامة عمر بن الخطاب فأذن له في المقام عند الصديق و نفذ الصديق جيش أسامة (4/432)
قال الله تعالى : { إنك ميت و إنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } و قال تعالى : { و ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } و قال تعالى : { كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }
و قال تعالى : { و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين } و هذه الآية هي التي تلاها الصديق يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما سمعها الناس كأنهم لم يسمعوها قبل
و قال تعالى : { إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا }
قال عمر بن الخطاب و ابن عباس : هو أجل رسول الله نعي إليه
و قال ابن عمر : نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف رسول الله أنه الوداع فخطب الناس خطبة أمرهم فيها و نهاهم الخطبة المشهورة كما تقدم
و قال جابر رأيت رسول الله يرمي الجمار فوقف و قال : [ لتأخذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا ]
و قال عليه السلام لابنته فاطمة كما سيأتي : [ إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة و إنه عارضني به العام مرتين و ما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي ]
و في صحيح البخاري [ من حديث أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : كان رسول الله يعتكف في كل شهر رمضان عشرة أيام فلما كان من العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما و كان يعرض عليه القرآن في كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين ] (4/442)
و قال محمد بن إسحاق رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من حجة الوداع في ذي الحجة فأقام بالمدينة بقيته و المحرم و صفرا و بعث أسامة بن زيد
فبينا الناس على ذلك ابتدئ رسول الله صلى الله عليه و سلم بشكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراده من رحمته و كرامته في ليال بقين من صفر أو في أول شهر ربيع الأول
فكان أول ما ابتدئ به رسول الله من ذلك فيما ذكر لي أنه خرج إلى بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله فلما أصبح ابتدى بوجعه من يومه ذلك
قال ابن إسحاق : [ و حدثني عبد الله بن جعفر عن عبيد بن جبير مولى الحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : بعثني رسول الله من جوف الليل فقال يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي
فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال : السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شرمن الأولى ثم أقبل علي فقال : يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا و الخلد فيها ثم الجنة فخيرت بين ذلك و بين لقاء ربي و الجنة
قال : قلت : بأبي أنت و أمي ! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا و الخلد فيها ثم الجنة
قال لا و الله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي و الجنة
ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف فبدئ برسول الله و جعه الذي قبضه الله فيه ]
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب و إنما رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن إسحاق به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو النضر حدثنا الحكم بن فضيل حدثنا يعلى بن عطاء عن عبيد بن جبير عن أبي مويهبة قال : أمر رسول الله أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات فلما كانت الثالثة قال : يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي قال : فركب و مشيت حتى انتهى إليهم فنزل عن دابته و أمسكت الدابة فوقف أو قال ـ قام عليهم ـ فقال : ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا الآخرة أشد من الأولى فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس
ثم رجع فقال : يا أبا مويهبة إني أعطيت أو قال : خيرت بين مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي و الجنة أو لقاء ربي
قال فقلت : بأبي أنت و أمي فاخترنا قال : لأن ترد على عقبها ما شاء الله فاخترت لقاء ربي ]
فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض
[ و قال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : قال رسول الله نصرت بالرعب و أعطيت الخزائن بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي و بين التعجيل فاخترت التعجيل ]
قال البيهقي : و هذا مرسل و هو شاهد لحديث أبي مويهبة
قال ابن إسحاق : [ و حدثني يعقوب بن عتبة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود عن عائشة قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقيع فوجدني و أنا أجد صداعا في رأسي و أنا أقول : وا رأساه فقال : بل أنا و الله ياعائشة وا رأساه قالت : ثم قال : و ما ضرك لو مت فقمت عليك و كفنتك و صليت عليك و دفنتك ؟ قالت : قلت : و الله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك !
قالت : فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم و نام به وجعه و هو يدور على نسائه حتى استعز به في بيت ميمونة فدعا نسائه فاستأذن أن يمرض في بيتي فأذن له
قالت : فخرج رسول الله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس و رجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتي
قال عبيد الله : فحدثت به ابن عباس فقال : أتدري من الرجل الآخر ؟ هو علي بن أبي طالب ]
و هذا الحديث له شواهد ستأتي قريبا
و قال البيهقي : [ أنبأنا الحاكم أنبأنا الأصم أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني يعقوب بن عتبة عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله و هو يصدع و أنا أشتكي رأسي فقلت : وا رأساه فقال : بل أنا و الله يا عائشة وا رأساه !
ثم قال : و ما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك و صليت عليك و واريتك ؟ فقلت : و الله إني لأحسب لو كان ذلك لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي من آخر النهار ! فضحك رسول الله
ثم تمادى به وجعه فاستعز به و هو يدور على نسائه في بيت ميمونة فاجتمع إليه أهله فقال العباس : إنا لنرى برسول الله ذات الجنب فهلموا فلنلده فلدوه فأفاق رسول الله فقال : من فعل هذا ؟ فقالوا : عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب فقال رسول الله : إنها من الشيطان و ما كان الله ليسلطه علي لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس فلد أهل البيت كلهم حتى ميمونة و إنها لصائمة و ذلك بعين رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج و هو بين العباس و رجل آخر ـ لم تسمه ـ تخط قدماه باالأرض قال عبيد الله : قال ابن عباس : الرجل الآخر هو علي بن أبي طالب ]
قال البخاري : [ حدثنا سعيد بن عفير حدثنا عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : لما ثقل رسول الله و اشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج و هو بين الرجلين تخط رجلاه الأرض بين العباس قال ابن عبد المطلب : و بين رجل آخر
قال عبيد الله : فأخبرت عبد الله ـ يعني ابن عباس ـ بالذي قالت عائشة فقال لي عبد الله بن عباس : هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمه عائشة ؟ قال : قلت : لا قال ابن عباس : هو علي
فكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم تحدث أن رسول الله لما دخل بيتي و اشتد به وجعه قال : هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن
قالت عائشة : ثم خرج إلى الناس فصلى بهم و خطبهم ]
و قد رواه البخاري أيضا في مواضع أخرى من صحيحه و مسلم من طرق عن الزهري به
و قال البخاري : [ حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن بلال قال هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه : أين أنا غدا ؟ أين أنا غدا ؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها
قالت عائشة رضي الله عنها : فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي و قبضه الله و إن رأسه لبين سحري و نحري و خالط ريقه ريقي
قالت : و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر و معه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت له : أعطني هذل السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستن به و هو مسند إلى صدري ]
انفرد به البخاري من هذا الوجه
و قال البخاري : [ أخبرنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : مات النبي صلى الله عليه و سلم و إنه لبين حاقنتي و ذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه و سلم ]
و قال البخاري : [ حدثنا حبان أنبأنا عبد الله أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات و مسح عن بيده فلما اشتكى و جعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث و أمسح بيد النبي صلى الله عليه و سلم عنه ]
و رواه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري به و الفلاس و مسلم عن محمد بن حاتم كلهم
و ثبت في الصحيحين من [ حديث أبو عوانة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم عنده لم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ مشيتها مشية أبيها فقال : مرحبا بابنتي فأقعدها على يمينه أو شماله ثم سارها بشيء فبكت ثم سارها فضحكت فقلت لها : خصك رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسرار و أنت تبكين !
فلما أن قامت قلت : أخبريني ما سارك فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما توفي قلت لها : أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني
قالت : أما الآن فنعم قالت : سارني في الأول قال لي : إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة و قد عارضني في هذا العام مرتين و لا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي فاتقي الله و اصبري فنعم السلف أنا لك فبكيت ثم سارني فقال : أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة ؟ فضحكت ]
و له طرق عن عائشة
و قد روى البخاري [ عن علي بن عبد الله و الغلاس و مسلم بن محمد بن حاتم كلهم عن يحي بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله ابن عبد الله عن عائشة قالت : لددنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني قلنا : كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال : ألم أنهكم ألا تلدوني ؟ قلنا : كراهية المريض للدواء فقال : لا يبقى أحد في البيت إلا لد و أنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم ]
قال البخاري : و رواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم
و قال البخاري : [ و قال يونس عن الزهري قال عروة : قالت عائشة : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ]
هكذا ذكره البخاري معلقا
و قد أسنده الحافظ البيهقي عن الحاكم عن أبي بكر بن محمد أحمد بن يحيى الأشقر عن بوسف بن موسى عن أحمد بن صالح عن عنبسة عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري به
و قال البيهقي : أنبأنا الحاكم أنبأنا الأصم أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : لئن أحلف تسعا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل و ذلك أن الله اتخذه نبيا و اتخذه شهيدا و قال البخاري : حدثنا إسحاق أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة حدثني أبي عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري و كان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم أن عبد الله بن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس : يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : أصبح بحمد الله بارئا
فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له : أنت و الله بعد ثلاث عبد العصا ! و إني و الله لأرى رسول الله صلى الله عليه و سلم سوف يتوفى من وجعه هذا إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت اذهب إلى رسول الله فلنسأله فيمن هذا الأمر ؟ إن كان فينا علمنا ذلك و إن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا
فقال علي : إنا و الله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده و إني و الله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه و سلم
انفرد به البخاري (4/443)
و قال البخاري : [ حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : يوم الخميس و ما يوم الخميس ! اشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم وجعه فقال : ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا
فتنازعوا ـ و لا ينبغي عند نبي تنازع ـ فقالوا : ما شأنه أهجر ؟ استفهموه فذهبوا يردون عنه فقال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه فأوصاهم بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم و سكت عن الثالثة أو قال فنسيتها ]
و رواه البخاري في موضع آخر و مسلم من حديث سفيان بن عيينة به
ثم قال البخاري : [ حدثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم و في البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فقال بعضهم : إن رسول الله قد غلبه الوجع و عندكم القرآن حسبنا كتاب الله
فاختلف أهل البيت و اختصموا فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم كتابا لا نضلوا بعده و منهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغو و الاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قوموا
قال عبيد الله : قال ابن عباس : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم و لغطهم ]
و رواه مسلم عن محمد بن رافع و عبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه و قد أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه من حديث معمر و يونس عن الزهري به (4/450)
و هذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من أهل البدع من الشيعة و غيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون إليه من مقالاتهم و هذا هو التمسك بالمتشابه و ترك المحكم
و أهل السنة يأخذون بالمحكم و يردون ما تشابه إليه و هذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز و جل في كتابه
و هذا الموضع مما زل فيه أقدام كثير من أهل الضلالات و أما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار
و هذا الذي كان يريد عليه الصلاة و السلام أن يكتبه قد جاء في الأحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه
فإنه قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا مؤمل حدثنا نافع عن ابن عمرو حدثنا ابن أبي مليكة عن عائشة قالت : لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي قبض فيه قال : ادعوا لي أبا بكر و ابنه لكي لا يطمع في أمر أبي بكر طامع و لا يتمناه متمن ثم قال : يأبى الله ذلك و المؤمنون مرتين ]
قالت عائشة : فأبى الله ذلك و المؤمنون !
انفرد به أحمد من هذا الوجه (4/451)
و قال أحمد : [ حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي ملكية عن عائشة قالت : لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبي بكر : ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال : يأبى الله و المؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر ]
انفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا
و لروى البخاري [ عن يحيى بن يحي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال رسول الله : لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر و ابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى متمنون فقال : يأبى الله أو يدفع المؤمنون أو يدفع الله و يأبى المؤمنون ]
و في صحيح البخاري و مسلم [ من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه قال : أنت : أنت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمرها أن ترجع إليه فقالت : أرأيت إن جئت و لم أجدك ؟ كأنها تقةل الموت ـ قال : إن لم تجديني فأت أبا بكر ]
و الظاهر و الله أعلم أنها إنما قالت ذلك له عليه السلام في مرضه الذي مات فيه صلوات الله و سلامه عليه (4/452)
و قد خطب عليه الصلاة و السلام في يوم الخميس قبل أن يقبض عليه السلام بخمسة أيام خطبة عظيمة بين فيها فضل الصديق من بين سائر أصحاب مع ما كان قد نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين كما سيأتي بيانه مع حضورهم كلهم
و لعل خطبته هذه كانت عوضا عما أراد أن يكتبه في الكتاب
و قد اغتسل عليه السلام بين يدي هذه الخطبة الكريمة فصبوا عليه من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن و هذا من باب الاستشفاء بالسبع كما وردت بها الأحاديث في غير هذا الموضع
و المقصود أنه عليه السلام اغتسل ثم خرج فصلى بالناس ثم خطبهم كما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك
قال البيهقي : [ أنبأنا الحاكم أنبأنا الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن أيوب بن بشير أن رسول الله قال في مرضه : أفيضوا على من سبع قرب من سبع آبار شتى حتى أخرج فأعهد إلى الناس ففعلوا فخرج فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد الله و الثناء عليه ذكر أصحاب أحد فاستغفر لهم و دعا لهم ثم قال : يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون و الأنصار على هيئتها لا تزيد و إنهم عيبتي التي أويت إليها فأكرموا كريمهم و تجاوزوا عن مسيئهم
ثم قال عليه السلام : أيها الناس إن عبدا من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا و بين ما عند الله فاختار ما عند الله
ففهمها أبو بكر رضي الله عنه من بين الناس فبكى و قال : بل نحن نفديك بأنفسنا و أبنائنا و أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : على رسلك يا أبا بكر ! انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدوها إلا ما كان من بيت أبي بكر فإني لا أعلم أحدا عندي أفضل في الصحبة منه ]
هذا مرسل له شواهد كثيرة و قال الواقدي : [ حدثني فروة بن زبيد بن طوسا عن عائشة بنت سعد عن أم ذر عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : خرج رسول الله عاصبا رأسه بخرقة فلما استوى على المنبر تحدق الناس بالمنبر و استكفوا فقال : و الذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة ثم تشهد فلما قضي تشهده كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد ثم قال : إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا و بين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله
فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه و قال : بأبى و أمي ! نفديك بآبائنا و أمهاتنا و أنفسنا و أموالنا فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو المخير و كان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه و سلم و جعل رسول الله يقول له : على رسلك ! ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو عامر حدثنا فليح عن سالم أبي النضر عن بشر ابن سعيد عن أبي سعيد قال : خطب رسول الله فقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا و بين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله
قال فبكى أبو بكر قال : فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد فكان رسول الله هو المخير و كان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله : إن أمن الناس علي في صحبته و ماله أبو بكر لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا و لكن خلة الإسلام و مودته لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر ]
و هكذا رواه البخاري من حديث أبي عامر العقدي به
ثم رواه الإمام أحمد عن يونس عن فليح عن سالم أبي النضر عن عبيد بن حنين و بشر بن سعيد عن أبي سعيد به
و هكذا رواه البخاري و مسلم من حديث فليح و مالك بن أنس عن سالم عن بشر ابن سعيد و عبيد بن حنين كلاهما عن أبي سعيد بنحوه
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو الوليد حدثنا هشام حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك عن ابن أبي المعلى عن أبيه أن رسول الله خطب يوما فقال : إن رجلا خيره ربه بين أن يعيش في الدنيا ماشاء أن يعيش فيها يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها و بين لقاء ربه فاختار لقاء ربه
فبكى أبو بكر فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا تعجبون من هذا الشيخ أن ذكر رسول الله رجلا صالحا خيره ربه بين البقاء في الدنيا و بين لقاء ربه فاختار لقاء ربه ! فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله فقال أبو بكر : بل نفديك بأموالنا و أبنأنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مامن اناس أحد أمن علينا في صحبته و ذات يده من ابن أبي قحافة و لو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة و لكن ود و إخاء و إيمان و لكن ود و إخاء و إيمان مرتين و إن صاحبكم خليل الله عز و جل ]
تفرد به أحمد قالوا : و صوابه ابن سعيد بن المعلى فالله أعلم
و قد روى الحافظ البيهقي [ من طريق إسحاق بن إبراهيم ـ هو ابن راهويه ـ حدثنا زكريا بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث حدثنا جندب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يتوفى بخمس و هو يقول : قد كان لي منكم إخوة و أصدقاء و إني أبرأ إلى كل خليل من خلته ولو كنت منخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و إن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا و إن قوما ممن كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم و صلحائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ]
و قد رواه مسلم في صحيحه عن إسحاق بن راهويه بنحوه
و هذا اليوم الذي كان قبل وفاته عليه السلام بخمسة أيام هو الخميس الذي ذكره ابن عباس فيما تقدم
و قد روينا هذه الخطبة من طريق ابن عباس قال الحافظ البيهقي : [ أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا بن يعقوب ـ هو ابن عوانة الإسفراييني ـ قال : حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا و هب بن جرير حدثنا أبي سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة عن ابن عباس قال : خرج النبي صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه و ماله من أبي بكر و لو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و لكن خلة الإسلام أفضل شدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر ]
رواه البخاري [ عن عبيد الله بن محمد الجعفي عن مهب بن جرير بن حازم عن أبيه به و في قوله عليه السلام : سدوا عني كل خوخة ـ يعني الأبواب الصغار ـ إلى المسجد غير خوخة أبي بكر إشارة إلى الخلافة أي ليخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين ]
و قد رواه البخاري أيضا من [ حديث عبد الحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر فذكر الخطبة و ذكر فيها الوصاة بالأنصار إلى أن قال : فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قبض ـ يعني آخر خطبة خطبها عليه السلام ]
و قد روي من وجه آخر عن ابن عباس بإسناد غريب و لفظ غريب (4/453)
فقال البيهقي : [ أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد الصغار حدثنا ابن أبي قماش و هو محمد بن عيسى حدثنا موسى بن إسماعيل أبو عمران الجبلي حدثنا معن بن عيسى الفزاز عن الحارث بن عبد الملك بن عبد الله بن أناس الليثي عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبيه عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يوعك و عكا شديدا و قد عصب رأسه فقال : خذ بيدي يا فضل قال : فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال : ناد في الناس يا فضل فناديت : الصلاة جامعة
قال فاجتمعوا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم خطيبا فقال : أما بعد أيها الناس إنه قد دنا مني خلوف من بين أظهركم و لن تروني في هذا المقام فيكم و قد كنت أرى أن غيره مغن عني حتى أقومه فيكم ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد و من كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه و من كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد و لن يقولن قائل : أخاف الشحناء من قبل رسول الله ألا و إن الشحناء ليست من شأني و لا من خلقي و إن أحبكم إلي من أخذ حقا إن كان له علي أو حللني فلقيت الله عز و جل و ليس لأحد عندي مظلمة
قال : فقام منهم رجل فقال : يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم فقال : أما أنا فلا أكذب قائلا و لا مستحلفه على يمين فيم كانت لك عندي ؟ قال : أما تذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم قال : أعطه يا فضل قال و أمر به فجلس
قال : ثم عاد رسول الله صلى الله عليه و سلم في مقالته الأولى ثم قال : يا أيها الناس من عنده من الغلول شيئ فليرده فقام رجل فقال : يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله قال : فلم غللتها ؟ قال : كنت إليها محتاجا قال : خذها منه يا فضل
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه و سلم في مقالته الأولى و قال : يا أيها الناس من أحس من نفسه فليقم أدعوا الله له
فقام إليه رجل فقال يا رسول الله إني لمنافق و إني لكذوب و إني لنئوم فقال عمر بن الخطاب : و يحك أيها الرجل ! لقد سترك الله لو سترت على نفسك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مه يابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللهم ارزقه صدقا و إيمانا و أذهب عنه النوم إذا شاء
0ث - م قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : عمر معي و أنا مع عمر و الحق بعدي مع عمر ]
و في إسناده و متنه غرابة شديدة (4/457)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال : و قال ابن شهاب الزهري : حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال : لما استعز برسول الله و أنا عنده في نفر من المسلمين دعا بلال للصلاة فقال : مروا من يصلي بالناس
قال : فخرجت فإذا عمر في الناس و كان أبو بكر غائبا فقلت : قم يا عمر فصل بالناس قال : فلما كبر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم صوته و كان عمر رجلا مجهرا فقال رسول الله : فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك و المسلمون يأبى الله ذلك و المسلمون
قال : فبعث إلى أبي بكر فجاء بعدما صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس
و قال عبد الله بن زمعة : قال لي عمر : و يحك ماذا صنعت يابن زمعة ! و الله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرني بذلك و لولا ذلك ما صليت قال : قلت : و الله ما أمرني رسول الله و لكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة ]
و هكذا رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق حدثني الزهري و رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني يعقوب بن عتبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عبد الله بن زمعة فذكره
و قال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك حدثنا موسى بن يعقوب عن عبد الرحمن بن إسحاق عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر قال : لما سمع النبي صلى الله عليه و سلم صوت عمر قال ابن زمعة : خرج النبي صلى الله عليه و سلم حتى أطلع رأسه من حجرته ثم قال : لا لا لا يصلي للناس إلا ابن قحافة يقول ذلك مغضبا
و قال البخاري : [ حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال الأسود : كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة و المواظبة لها قالت : لما مرض النبي صلى الله عليه و سلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن بلال فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس و أعاد فعادوا له فأعاد الثالثة فقال : إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس
فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه و سلم في نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين كأني أنظر إلى رجليه تخطفان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه و سلم أن مكانك ثم أتى به حتى جلس إلى جنبه ]
قيل للأعمش : فكان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي و أبو بكر يصلي بصلاته و الناس يصلون بصلاة أبي بكر ؟ فقال برأسه : نعم
ثم قال البخاري : رواه أبو داود عن شعبة بعضه و زاد أبو معاوية عن الأعمش : جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما و قد رواه البخاري في غير ما موضع من كتابه و مسلم و النسائي و ابن ماجه من طرق متعددة عن الأعمش به منها ما رواة البخاري عن قتيبة و مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة و يحيى بن يحيى عن أبي معاوية به
و قال البخاري : [ حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في مرضه : مروا أبا بكر فليصل بالناس ]
قال ابن شهاب : فأخبرني عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنها قالت : لقد عاودت رسول الله في ذلك و ما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشأءم الناس بأبي بكر و إلا أني علمت أنه لن يقوم مقامه أحد الا تشاءم الناس به فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر إلى غيره
و في صحيح مسلم [ من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : و أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن عائشة قالت : لما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيتي قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت قلت : يا رسول الله : إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غير أبي بكر قالت : و الله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : فراجعته مرتين أو ثلاثا فقال : ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف ]
و في الصحيحين [ من حديث عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه قال : مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة : يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع يصلي بالناس قال : فقال : مروا أبا بكر يصل بالناس فإنكن صواحب يوسف قال فصلى أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي أنبأنا زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال دخلت على عائشة فقلت : ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقالت : بلى ثقل برسول الله صلى الله عليه و سلم وجعه فقال : أصلى الناس ؟ قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله فقال : ضعوا لي ماء في في المخضب ففعلنا قالت : فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال : ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال : ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا هم ينتظرونك يا رسول الله
قالت : و الناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه و سلم لصلاة العشاء فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبا بكر بأن يصلي بالناس و كان أبو بكر رجلا رقيقا فقال : يا عمر صل بالناس فقال : أنت أحق بذلك فصلى بهم تلك الأيام
ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجد خفة بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر و أمرهما فأجلساه إلى جنبه فجعل أبو بكر يصلي قائما و رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي قاعدا ]
قال عبيد الله : فدخلت على ابن عباس فقلت : ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله ؟ قال : هات فحدثته فما أنكر منه شيئا غير أنه قال : سمت لك الرجل الذي كان مع العباس ؟ قلت : لا قال : هو علي
و قد رواه البخاري و مسلم جميعا عن أحمد بن يونس عن زائدة به و في رواية : فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله و هو قائم و الناس يصلون بصلاة أبي بكر و رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد
قال البيهقي : ففي هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم تقدم في هذه الصلاة و علق أبو بكر صلاته بصلاته
قال : و كذلك رواه الأسود و عروة عن عائشة و كذلك رواه الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس
يعني بذلك ما رواه الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني أبي عن أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس قال : لما مرض النبي صلى الله عليه و سلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس ثم وجد خفة فخرج فلما أحس به أبو بكر أراد أن ينكص فأومأ إليه النبي صلى الله عليه و سلم فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره و استفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر رضي الله عنه ]
ثم رواه أيضا عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أرقم عن ابن عباس بأطول من هذا
و قال وكيع مرة : فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه و سلم و الناس يأتمون بأبي بكر
و رواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس بنحوه
و قد قال الإمام أحمد [ حدثنا شبابة بن سوار حدثنا شعبة عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خلف أبي بكر قاعدا في مرضه الذي مات فيه ]
و قد رواه الترمذي و النسائي من حديث شعبة و قال الترمذي : حسن صحيح
و قال أحمد : [ حدثنا بكر بن عيسى سمعت شعبة بن الحجاج عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس و رسول الله صلى الله عليه و سلم في الصف ]
و قال البيهقي : [ أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنبأنا عبد الله بن جعفر أنبأنا يعقوب بن سفيان حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سليمان الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى خلف أبا بكر ]
و هذا إسناد جيد و لم يخرجوه
قال البيهقي : و كذلك رواه حميد عن أنس بن مالك و يونس عن الحسن مرسلا ثم أسند ذلك من طريق هشيم أخبرنا يونس عن الحسن
قال هشيم : [ و أنبأنا حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج و أبو بكر يصلي بالناس فجلس إلى جنبه و هو في بردة قد خالف بين طرفيها فصلى بصلاته ]
قال البيهقي : [ و أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا عبيد بن شريك أنبأنا ابن أبي مريم أنبأنا محمد بن جعفر أخبرني حميد أنه سمع أنسا يقول : آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم مع القوم في ثوب واحد ملتحفا به خلف أبي بكر ]
قلت : و هذا إسناد جيد على شرط الصحيح و لم يخرجوه
و هذا التقييد جيد بأنها آخر صلاة صلاها مع الناس صلوات الله و سلامه عليه
و قد ذكر البيهقي [ من طريق سليمان بن بلال و يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد مخالفا بين طرفيه فلما أراد أن يقوم قال : ادع لي أسامة بن زبد فجاء فأسند ظهره إلى نحره فكانت آخر صلاة صلاها ]
قال البيهقي : ففي هذا دلالة أن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة لأنها آخر صلاة صلاها لما ثبت أنه توفي ضحى يوم الأثنين
و هذا الذي قاله البيهقي أخذه مسلما من مغازي موسى بن عقبة فإنه كذلك ذكر و كذا روى أبو الأسود عن عروة
و ذلك ضعيف بل هذه آخر صلاة صلاها مع القوم كما تقدم تقييده في الرواية الأخرى و الحديث واحد فيحمل مطلقه على مقيده
ثم لا يجوز أن تكون هذه صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة لأن تلك لم يصلها مع الجماعة بل في بيته لما به من الضعف صلوات الله و سلامه عليه
و الدليل على ذلك ما قال البخاري في صحيحه : [ حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني أنس بن مالك و كان تبع النبي صلى الله عليه و سلم و خدمه و صحبه أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه و سلم الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين و هم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه و سلم ستر الحجرة ينظر إلينا و هو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه و سلم و نكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف و ظن أن النبي صلى الله عليه و سلم خارج إلى الصلاة فأشار إلينا صلى الله عليه و سلم أن أتموا صلاتكم و أرخى الستر و توفي من يومه صلى الله عليه و سلم ]
و قد وراه مسلم من حديث سفيان بن عيينة و صبيح بن كيسان و معمر عن الزهري عن أنس
ثم قال البخاري : [ حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال : لم يخرج النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثا فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم بالحجاب فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه و سلم ما نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه و سلم حين وضح لنا فأومأ النبي صلى الله عليه و سلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم و أرخى النبي صلى الله عليه و سلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات صلى الله عليه و سلم ]
و رواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به
فهذا أوضح دليل علي أنه عليه السلام لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح مع الناس و أنه كان قد انقطع عنهم لم يخرج إليهم ثلاثا
قلنا : فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر كما جاء مصرحا به في حديث عائشة المتقدم و يكون يوم الخميس لا يوم السبت و لا يوم الأحد كما حكاه البيهقي عن مغازي موسى بن عقبة و هو ضعيف و لما قدمنا من خطبته بعدها و لأنه انقطع عنهم يوم الجمعة و السبت و الأحد و هذه ثلاثة أيام كوامل
و قال الزهري عن أبي بكر بن أبي سبرة أن أبا بكر صلى بهم سبع عشرة صلاة و قال غيره : عشرين صلاة فالله أعلم
ثم بدا لهم وجهه الكريم صبيحة يوم الاثنين فودعهم بنظرة كادوا يفتنون بها ثم كان ذلك آخر عهد جمهورهم به و لسان حالهم يقول كما قال بعضهم :
( و كنت أرى كالموت من بين ساعة ... فكيف ببين كان موعده الحشر ! )
و العجب أن الحافظ البيهقي أورد هذا الحديث من هاتين الطريقين ثم قال ما حاصله : فلعله عليه السلام احتجب عنهم في أول ركعة ثم خرج في الركعة الثانية فصلى خلف أبي بكر كما قاله عروة و موسى بن عقبة و خفي ذلك على أنس بن مالك أو أنه ذكر بعض الخبر و سكت عن آخره
و هذا الذي ذكره أيضا بعيد جدا لأن أنسا قال : فلم يقدر عليه حتى مات و في رواية قال : فكان آخر العهد به و قول الصحابي مقدم على قول التابعي و الله أعلم (4/459)
و المقصود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم أبا بكر الصديق إماما للصحابة كلهم في الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام العملية
قال الشيخ أبو الحسن الأشعري : و تقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام
قال : و تقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة و أقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأكبرهم سنا فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم مسلما ]
قلت : و هذا من كلام الأشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق رضي الله عنه و أرضاه
و صلاة الرسول صلى الله عليه و سلم خلفه في بعض الصلوات كما قدمنا بذلك الروايات الصحيحة لا ينافي ما روي في الصحيح أن أبا بكر ائتم به عليه السلام لأن ذلك في صلاة أخرى كما نص على ذلك الشافعي و غيره من الأئمة رحمهم الله عز و جل (4/467)
فائدة : استدل مالك و الشافعي و جماعة من العلماء و منهم البخاري بصلاته عليه السلام قاعدا و أبو بكر مقتديا به قائما و الناس بأبي بكر على نسخ قوله عليه السلام في الحديث المتفق عليه حين صلى ببعض أصحابه قاعدا و قد وقع عن فرس فجحش شقه فصلوا وراءه قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال : [ كذلك و الذي نفسي بيده تفعلون كفعل فارس و الروم يقومون على عظمائهم و هم جلوس ] و قال : [ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا و إذا ركع فاركعوا و إذا رفع فارفعوا و إذا سجد فاسجدوا و إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون ]
قالوا : ثم إنه عليه السلام أمهم قاعدا و هم قيام في مرض الموت فدل على نسخ ما تقدم و الله أعلم
و قد تنوعت مسالك الناس في الجواب عن هذا الاستدلال على وجوه كثيرة موضع ذكرها كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله و به الثقة و عليه التكلان
و ملخص ذلك : أن من الناس من زعم أن الصحابة جلسوا لأمره المتقدم و إنما استمر أبو بكر قائما لأجل التبليغ عنه صلى الله عليه و سلم
و من الناس من قال : بل كان أبو بكر هو الإمام في نفس الأمر كما صرح به بعض الرواة كما تقدم و كان أبو بكر لشدة أدبه مع الرسول صلى الله عليه و سلم لا يبادره بل يقتدي به فكأنه عليه السلام صار إمام الإمام فلهذا لم يجلسوا لاقتدائهم بأبي بكر و هو قائم و لم يجلس الصديق لأجل أنه إمام و لأنه يبلغهم عن النبي صلى الله عليه و سلم الحركات و السكنات و الانتقالات و الله أعلم
و من الناس من قال : فرق بين أن يبتدئ الصلاة خلف الإمام في حال القيام فيستمر فيها قائما و إن طرأ جلوس الإمام في أثنائها كما في هذه الحال و بين أن يبتدئ الصلاة خلف إمام جالس فيجب الجلوس للحديث المتقدم و الله أعلم
و من الناس من قال : هذا الصنيع و الحديث المتقدم دليل على جواز القيام و الجلوس و أن كل منهما سائغ جائز : الجلوس لما تقدم و القيام للفعل المتأخر و الله أعلم (4/468)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله هو ابن مسعود قال : دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم و هو يوعك فمسسته فقلت : يا رسول الله إنك لتوعك و عكا شديدا قال أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم قلت : إن لك أجرين قال : نعم و الذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها ]
و قد أخرجه البخاري و مسلم من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الأعمش به
و قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده : [ حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن رجل عن أبي سعيد الخدري وضع يده على النبي صلى الله عليه و سلم فقال : و الله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر إن كان النبي من الأنبياء ليبتلي بالقمل حتى يقتله و إن كان الرجل ليبتلي بالعرى حتى يأخذ العباءة فيجوبها و إن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء ]
فيه رجل مبهم لا يعرف بالكلية فالله أعلم
و قد روى البخاري و مسلم من حديث سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج زاد مسلم : و جرير ثلاثتهم عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عن عائشة قالت : ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه و سلم
و في صحيح البخاري من حديث يزيد بن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : مات رسول الله صلى الله عليه و سلم بين حاقنتي و ذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم
و في الحديث الآخر الذي رواه البخاري في صحيحه قال : قال رسول الله : [ أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يعقوب حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحاق حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه أسامة بن زيد قال : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم هبطت و هبط الناس معي إلى المدينة فدخلت على رسول الله و قد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصيبها علي أعرف أنه يدعو لي ]
و رواه الترمذي عن أبي كريب عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حسن غريب
و قال الإمام مالك في موطأه [ عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول : كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قال : قاتل الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب ]
هكذا رواه مرسلا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله
و قد روى البخاري و مسلم [ من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة و ابن عباس قالا : لما نزل برسول الله صلى الله عليه و سلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال و هو كذلك : لعنة الله على اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ] يحذر ما صنعوا
و قال الحافظ البيهقي : [ أنبأنا أبو بكر بن أبي رجاء الأديب أنبأنا أبو العباس الأصم حدثنا عبد الجبار حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قبل موته بثلاث : أحسنوا الظن بالله ]
و في بعض الأحاديث كما رواه مسلم [ من حديث الأعمش عن أبي سفيان طلحة ابن نافع عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يموتن أحدكم إلا و هو حسن الظن بالله تعالى ]
و في الحديث الآخر يقول الله تعالى : [ أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا ]
و قال البيهقي : [ أنبأنا الحاكم حدثنا الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا جرير عن سليمان التيمي عن قتادة عن أنس قال : كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم حين حضره الوفاة : الصلاة و ما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغر بها و ما يفصح بها لسانه ]
و قد رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه عن جابر بن عبد الحميد به و ابن ماجه عن أبي الأشعث عن معتمر بن سليمان عن أبيه به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أسباط بن محمد حدثنا التيمي عن قتادة عن أنس بن مالك قال : كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم حين حضره الموت : الصلاة و ما ملكت أيمانكم حتى جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرغر بها صدره و ما يكاد يفيض بها لسانه ]
و قد رواه النسائي و ابن ماجه من حديث سليمان بن طرخان و هو التيمي عن قتادة عن أنس به
و في رواية للنسائي عن قتادة عن صاحب له عن أنس به
و قال أحمد : [ حدثنا بكر بن عيسى الراسبي حدثنا عمر بن الفضل عن نعيم بن يزيد عن علي بن أبي طالب قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده قال : فخشيت أن تفوتني نفسه قال : قلت : إني أحفظ و أعي قال : أوصي بالصلاة و الزكاة و ما ملكت أيمانكم ]
تفرد به أحمد من هذا الوجه
و قال يعقوب بن سفيان : حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضيل حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن سفينة عن أم سلمة قالت : كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم عند موته الصلاة و ما ملكت إيمانكم حتى جعل يلججها في صدره و ما يفيض بها لسانه
و هكذا رواه النسائي عن حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سفينة عن أم سلمة به
قال البيهقي : و الصحيح ما رواه عفان عن همام عن قتادة عن أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة به
و هكذا رواه النسائي أيضا و ابن ماجه من حديث يزيد بن هارون عن همام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة به
و قد رواه النسائي أيضا عن قتيبة عن أبي عوانة عن قتادة عن سفينة عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره ثم رواه عن محمد بن عبد الله بن المبارك عن يونس بن محمد قال : حدثنا عن سفينة فذكر نحوه
و قال أحمد : [ حدثنا يونس حدثنا الليث عن زيد بن الهاد عن موسى بن سرجس عن القاسم عن عائشة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يموت و عنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول : اللهم أعني على سكرات الموت ]
و رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجه من حديث الليث به و قال الترمذي : غريب
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا وكيع عن إسماعيل عن مصعب بن إسحاق بن طلحة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ليهون علي أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة ]
تفرد به أحمد و إسناده لا بأس به
و هذا دليل على شدة محبته عليه السلام لعائشة رضي الله عنها
و قد ذكر الناس معاني كثيرة في كثرة المحبة و لم يبلغ أحدهم هذا المبلغ و ما ذاك إلا لأنهم يبالغون كلاما لا حقيقة له و هذا كلام حق لا محالة و لا شك فيه
و قال حماد بن زيد [ عن أيوب عن ابن أبي ملكية قال : قالت عائشة : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي و توفي بين سحري و نحري و كان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض فذهبت أعوذه فرفع بصره إلى السماء و قال : في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى ]
و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر و بيده جريدة رطبة فنظر إليها فظننت أن له بها حاجة قالت فنفضتها فدفعتها إليه فاستن بها أحسن ما كان مستنا ثم ذهب يناولنيها فسقطت من يده قالت : فجمع الله بين ريقي و ريقه في آخر يوم من الدنيا و أول يوم من الآخرة
و رواه البخاري عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد به
و قال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخاري حدثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي حدثنا داود عن عمرو بن زهير الضبي حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبقي حسين أنبأنا ابن أبي ملكية أن أبا عمرو ذكونا مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول : إن من نعمة الله علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توفي في يومي و في بيتي و بين سحري و نحري و أن الله جمع بين ريقي و ريقه عند الموت
قالت : دخل على أخي بسواك معه و أنا مسندة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى صدري فرأيته ينظر إليه و قد عرفت أنه يحب السواك و يألفه فقلت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه : أن نعم فلينته له فأمره على فيه قالت : و بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ثم يقول : لا إله إلا الله إن الموت لسكرات ثم نصب إصبعه اليسرى و جعل يقول : في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى حتى قبض و مالت يده في الماء
و رواه البخاري عن محمد عن عيسى بن يونس
و قال أبو أبو داود الطيالسي : [ حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم سمعت عروة يحدث عن عائشة قالت : كنا نحدث أن النبي لا يموت حتى يخير بين الدنيا و الآخرة
قالت : فلما كان مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي مات فيه عرضت له بحة فسعمته يقول : مع الذين أنعم الله عليهم من النبين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا
قالت عائشة : فظننا أنه كان يخبر ]
و أخرجاه من حديث شعبة به
و قال الزهري : [ أخبرني سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول و هو صحيح : إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة : فلما نزل برسول الله صلى الله عليه و سلم و رأسه على فخذي غشي عليه الساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت
و قال اللهم الرفيق الأعلى فعرفت أنه الحديث الذي حدثناه و هو صحيح أنمه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة : فقلت : إذا لا يخيارنا و قالت عائشة : كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه و سلم : الرفيق الأعلى ]
أخرجاه من غير وجه الزهري به و قال سفيان ـ هو الثوري ـ [ عن إسماعيل ابن أبي خالد عن أبي بردة عن عائشة قالت : أغمي على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو في حجري فجعلت أمسح وجهه و أدعو له بالشفاء فقال : لا بل أسأل الله الرفيق الأعلى الأسدع مع جبريل و ميكائيل و إسرافيل ]
رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به
و قال البيهقي : [ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ و غيره قالوا : حدثنا أوب العباس الأصم حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصغت إليه قبل أن يموت و هو مستند إلى صدرها يقول : اللهم اغفر لي و ارحمني و ألحقني بالرفيق الأعلى ]
أخرجاه من حديث هشام بن عروة
و قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثنى يحيى ابن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد سمعت عائشة يقول : مات رسول الله صلى الله عليه و سلم بين سحري و نحري و في دولتي و لم أظلم فيه أحدا فمن سفهي و حداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبض و هو في حجري ثم وضعت رأسه على وسادة و قمت ألتدم مع النساء و أضرب وجهي
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير حدثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من نبي إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم ترد إليه فيخير بين أن ترد إليه و بين أن يلحق فكنت قد حفظت ذلك منه فإني لمسندته إلى صدري فنظرت إليه حين مالت عنقه فقلت : قد قضى فعرفت الذي قال فنظرت إليه حين ارتفع فنظر قالت : قلت : إذا و الله لا يختارنا فقال : مع الرفيق الأعلى في الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا ]
تفرد به أحمد و لم يخرجوه
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان أنبأنا همام أنبأنا همام أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و رأسه بين سحري و نحري
قالت : فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها ]
و هذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين و لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة
و رواه البيهقي من حديث حنبل بن إسحاق عن عفان و قال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو العباس الأصم حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس عن أبي معشر عن محمد بن قيس عن أبي عروة عن أم سلمة قالت : وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم مات فمرت لي جمع آكل و أتوضأ و ما يذهب ريح المسك من يدي
و قال أحمد : [ حدثنا عفان و بهز قالا : حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن أبي بردة قال : دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا باليمن و كساء من التي يدعون المبلدة قفالت : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبض في هذين الثوبين ]
و قد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق عن حميد بن هلال به و قال الترمذي : حسن صحيح
و قال الإمام أحمد : حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا أبو معران الجوني عن يزيد بن بابنوس قال : ذهبت أنا و صاحب لي إلى عائشة فاستأذنا عليها فألقت لنا و سادة و جذبتن إليها الحجاب فقال : يا أم المؤمنين ما تقولين في العراك ؟ قالت و ما العراك ؟ فضربت منكب صاحبي : قالت : مه آذيت أخاك ثم قالت : ما العراك المحيض ؟ قولوا ما قال الله عز و جل في المحيض ثم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوشحني و ينال من رأسي و بيني و بينه ثوب و أنا حائض
ثم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا مر ببابي مما يلقي الكلمة ينفعني الله بها فمر ذات يوم فلم يقال شيئا ثم مر فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا فقلت : يا جارية ضعي لي وسادة على الباب و عصبت رأسي فمر بي فقال : يا عائشة ما شأنك ؟ فقلت : أشتكي رأسي فقال : أنا وارأساه
فذهب فلم يثبت إلا يسيرا حتى جيء به محمولا في كساء فدخل علي و بعث إلى النساء فقال : إني قد اشتكيت و إني لا أستطيع أن أدور بينكن فأذن لي فلأكن عند عائشة فكنت أمرضه و لم أمرض أحدا قبله فينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي فظننت أنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نطفة باردة فوقعت على ثغرة نحوي فاقشعر لها جلدي فظننت أنه غشي عليه فسجتيه ثوبا (4/470)
فجاء عمر و المغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما و جذبت إلى الحجاب فنظر عمر إليه فقال : واغشياه ما أشد غشى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة : يا عمر مات رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين
قالت : ثم جاء أبو بكر فرفعت الجحاب فنظر إليه فقال : إنا لله و إنا إليه راجعون ! مات رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أتاه من قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال : وانبياه ! ثم رفع رأسه فحدر فاه و قبل جبهته ثم قال : واصفياه ثم رفع رأسه و حدر فاه و قبل جبهته و قال : واخليلاه مات رسول الله صلى الله عليه و سلم
و خرج إلى المسجد و عمر يخطب الناس و يتكلم و يقول : إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين
فتكلم أبو بكر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : إن الله يقول : { إنك ميت و إنهم ميتون } حتى فرغ من الآية { و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه } حتى فرغ من الآية
ثم قال : فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت و من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات
فقال عمر : أو إنها في كتاب الله ؟ ما شعرت أنها في كتاب الله ثم قال عمر : يا أيها الناس هذا أبو بكر و هو ذو شيبة المسملين فبايعوه فبايعوه و قد روى أبو داود و الترمذي في الشمائل من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار عن أبي عمران الجوني به ببعضه
و قال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن أن عائشة أخبرته : أنا أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فيمم رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو مسجي ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى ثم قال : بأبي أنت و أمي يا رسول الله ! و الله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها
قال الزهري : و حدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج و عمر يكلم الناس فقال : اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فقال : اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فتشهد أبو بكر فأقبل الناس إليه فقال : أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى : { و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } الآية
قال : فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما سمع بشر من الناس إلا يتلوها
قال الزهري : و أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال : و الله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق فعقرت حتى ما تقلني رجلاي و حتى هويت إلى الأرض و عرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مات
و رواه البخاري عن يحيى بن بكير به
و روى الحافظ البيهقي من طريق ابن لهيعة حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : و قام عمر بن الخطاب يخطب الناس و يتوعد من قال مات بالقتل و القطع و يقول : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غشية لو قد قام قتل و قطع : و عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن أم مكتوم في مؤخر المسجد يقرأ : { و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية و الناس في المسجد يبكون و يموجون لا يسمعون
فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس فقال : يا أيها الناس هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفاته فليحدثنا ؟ قالوا : لا قال : هل عندك يا عمر من علم ؟ قال : لا فقال العباس : اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهده إليه في وفاته و الله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه و سلم الموت
قال : و أقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد و أقبل مكروبا حزينا فاستأذن في بيت ابنته عائشة فأذنت له فدخل و رسول الله صلى الله عليه و سلم قد توفي على الفراش و النسوة حوله فخمرن وجوههن و استترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة فكشف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فجئنا عليه يقبله و يبكي و يقول : ليس ما يقول ابن الخطاب شيئا توفي رسول الله و الذي نفسي بيده ! رحمة الله عليك يا رسول الله ما أطيبك حيا و ميتا ! ثم غشاه بالثوب
ثم خرج سريعا إلى المسجد يتخطى رقاب الناس حتى أتى المنبر و جلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه و قام أبو بكر إلى جانب المنبر و نادى الناس فجلسوا و أنصتوا فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد و قال : إن الله عز و جل نعى نبيه إلى نفسه و هو حي بين أظهركم و نعاكم إلى أنفسكم و هو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله عز و جل قال تعالى : { و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية
فقال عمر : هذه الآية في القرآن ؟ و الله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم و قد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه و سلم { إنك ميت و إنهم ميتون } و قال الله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم و إليه ترجعون } و قال : { كل من عليها فان و يبقى و جه ربك ذو الجلال و الإكرام } و قال : { كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة }
و قال : إن الله عمر محمدا صلى الله عليه و سلم و أبقاه حتى أقام دين الله و أظهر أمر الله و بلغ رسالة و جاهد في سبيل الله ثم توفاه الله على ذلك و قد ترككم على الطريقة فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة و الشقاء فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت و من كان يعبد محمدا و ينزله إلها فقد هلك إلهه فاتقوا الله أيها الناس و اعتصموا بدينكم و توكلوا على ربكم فإن دين الله قائم و إن كلمة الله تامة و إن الله ناصر من نصره و معز دينه و إن كتاب الله بين أظهرنا و هو النور و الشفاء و به هدى الله محمدا صلى الله عليه و سلم و فيه حلال الله و حرامه و الله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله إن سيوف الله لمسلولة ما و ضعناها بعد و لنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يبغين أحد إلا على نفسه
ثم انصرف معه المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث في غسله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه
قلت : كما سنذكره مفصلا بدلالة و شواهده إن شاء الله تعالى
و ذكر الواقدي عن شيوخه قالوا : و لما شك في موت النبي صلى الله عليه و سلم فقال بعضهم : مات و قال بعضهم : لم يمت و ضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت قد توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد رفع الخاتم من بين كتفيه فكان هذا الذي قد عرف به موته
هكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النبوة من طريق الواقدي و هو ضعيف و شيوخه لم يسمون ثم هو منقطع بكل حال و مخالف لما صح و فيه غرابة شديدة و هو رفع الخاتم فالله أعلم بالصواب
و قد ذكر الواقدي و غيره في الوفاة أخبارا كثيرة فيها نكارات و غرابة شديدة أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها و نكارة متونها و لا سيما ما يورد كثير من القصاص المتأخرين و غيرهم فكثير منه موضوع لا محالة
و في الأحاديث الصحيحة و الحسنة المروية في الكتب المشهورة غنية عن الأكاذيب و ما لا يعرف سنده و الله أعلم (4/479)
و ذلك لأنه عليه الصلاة و السلام لما مات كان الصديق رضي الله عنه قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح و كان إذ ذاك قد أفاق رسول الله صلى الله عليه و سلم إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع و كشف ستر الحجرة و نظر إلى المسلمين و هم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر فأعجبه ذلك و تبسم صلوات الله و سلامه عليه حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة لفرحهم به حتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصل الصف فأشار إليهم أن يمكثوا كما هم و أرخى الستارة و كان آخر العهد به عليه السلام
فلما انصرف أبو بكر رضي الله عنه من الصلاة دخل عليه و قال لعائشة : ما أرى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا قد أقلع عنه من الوجع و هذا يوم بنت خارجة يعني إحدى زوجتيه و كان ساكنة بالسنح شرقي المدينة فركب على فرس له و ذهب إلى منزله
و توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم و قيل عند زوال الشمس و الله أعلم
فلما مات و اختلف الصحابة فيما بينهم فمن قائل يقول : مات رسول الله صلى الله عليه و سلم و من قائل : لم يمت فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق إلى السنح فأعلمه بموت رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء الصديق من منزله حين بلغه الخبر فدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم منزله و كشف الغطاء عن و جهه و قبله و تحقق أنه قد مات
ثم خرج إلى الناس فخطبهم إلى جانب المنبر و بين لهم وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قدمنا وأزاح الجدل و أزال الإشكال و رجع الناس كلهم إليه و بايعه في المسجد جماعة من الصحابة
و وقعت شهبة لبعض الأنصار و قام في أذهان بعضهم جواز استخلاف خليفة من الأنصار و توسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين و أمير من الأنصار حتى بين لهم الصديق أن الخلافة لا تكون إلا في قريش فرجعوا إليه و أجمعوا عليه كما سنبنيه و ننبه عليه (4/484)
قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع حدثنا مالك بن أنس حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى رحله قال ابن عباس : و كنت أقرئ عبد الرحمن ابن عوف فوجدني و أنا أنتظره و ذلك بمنى في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب
فقال عبد الرحمن بن عوف : إن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال : إن فلانا يقول : لو قد مات عمر بايعت فلانا فقال عمر : إني قائم العشية إن شاء الله في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم
قال عبد الرحمن : فقلت : يا أمير المرمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس و غوغاءهم و إنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس فأخشى أن تقول مقالة يطير بها أولئك فلا يعوها و لا يضعوها مواضعها و لكن حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة و السنة و تخلص بعلماء الناس و أشرافهم فتقول ما قلت متمكنا فيعوا مقالتك و يضعوا مواضعها
قال عمر : لئن قدمت المدينة صالحا لأكلمن بها الناس في أول مقام أقومه
فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة و كان يوم الجمعة عجلت الرواح صكة الأعمى قلت لمالك : و ما صكة الأعمى ؟ قال : إنه لا يبالي أي ساعة خرج لا يعرف الحر و البرد أو نحو هذا
فوجدت سعيد بن زيد عند ركن المنبر الأيمن قد سبقني فجلست حذاءه تحك ركبتي ركبته فلم أنشب أن طلع عمر فلما رأيته قلت ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله
قال : فأنكر سعيد بن زيد ذلك و قال : ما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد ؟
فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد أيها الناس فإني قائل مقالة و قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن وعاها و عقلها فليحدث بها حيث انتهى به راحلته و من لم يعها فلا أحل له أن يكذب علي
إن الله بعث محمدا بالحق و أنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها و وعيناها و عقلناها و رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم و رجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله عز و جل فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال و النساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف
ألا و إنا قد كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا و إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا تطروني كما أطرى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله و رسوله ]
و قد بلغني أن قائلا منكم يقول : لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ألا و إنها كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها و ليس فيكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر و إنه كان من خيرنا حين توفي رسول صلى الله عليه و سلم
إن عليا و الزبير و من كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و تخلف عنها الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة و اجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له : يا أبا بكر انطلق بنا إلى أخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلت : نريد إخواننا من الأنصار فقالا : لا عليكم أن لا تقربوهم و اقضوا أمركم يا معشر المهاجرين فقلت : و الله لنأتينهم
فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون و إذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت : من هذا ؟ قالوا : سعد بن عبادة فقلت ماله ؟ قالوا : وجع
فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله و قال : أما بعد فنحن أنصار الله و كتيبة الإسلام و أنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا و قد دفت دافة منكم يريدون أن يختزلونا من أصلنا و يحصونا من الأمر
فلما سكت أردت أن أتكلم و كنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر و كنت أداري منه بعض الحد و هو كان أحكم مني و أوقر و الله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته و أفضل حين سكت
فقال : أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله و ما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا و دارا و قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم و أخذ بيدي و يد أبي عبيدة بن الجراح فلم أكره مما قال غيرها كان و الله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تغر نفسي عند الموت
فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب منا أمير و منكم أمير يا معشر قريش
فقلت لمالك : ما يعني : أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب ؟ قال : كأنه يقول : أنا داهيتها
قال فكثر اللغط و ارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته و بايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار و نزونا على سعد بن عبادة
فقال قائل منهم : قتلتم سعدا فقلت : قتل الله سعدا ! قال عمر : أما و الله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أوفق من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم و لم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما نتابعهم على ما لا نرضى و إما أن نخالفهم فيكون فساد فمن بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له و لا بيعة الذي بايعه تغرة أن يقتلا
قال مالك : فأخبرني ابن شهاب عن عروة : أن الرجلين اللذين نقياهما عويم بن ساعدة و معن بن عدي
قال ابن شهاب : و أخبرني سعيد بن المسيب أن الذي قال : أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب هو الحباب بن المنذر
و قد أخرج هذا الحديث الجماعة في كتبهم من طرق عن مالك و غيره عن الزهري به
و قال الإمام أحمد : حدثنا معاوية عن عمرو حدثنا زائدة حدثنا عاصم ح و حدثني حسين بن علي عن زائدة عن عاصم بن زر عن عبد الله ـ هو ابن مسعود ـ قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت الأنصار : منا أمير و منكم أمير فأتاهم عمر فقال : يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر
فقالت الأنصار : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر ؟
و رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه و هناد بن السري عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة به
و رواه علي بن المديني عن حسين بن علي و قال : صحيح لا أحفظه إلا من حديث زائدة عن عاصم
و قد رواه النسائي أيضا من حديث سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند عن نبيط ابن شريط عن سالم بن عبيد عن عمر بن الخطاب نحوه من طريق آخر
و جاء من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر أنه قال : قلت : يا معشر المسلمين إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار و أبو بكر السباق المسن
ثم أخذت بيده و بدرني رجل من الأنصار فضرب على يده قبل أن أضرب على يده ثم ضربت على يده و تبايع الناس
و قد روى محمد بن سعد عن عارم بن الفضل عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد فذكر نحوا من هذه القصة و سمى هذا الرجل الذي بايع الصديق قبل عمر بن الخطاب فقال : هو بشير بن سعد والد النعمان بن بشير (4/486)
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأزدي عن حميد بن عبد الرحمن قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر رضي الله عنه في صائفة من المدينة
قال : فجاء فكشف عن وجهه فقبله و قال : فداك أبي و أمي ما أطيبك حيا و ميتا مات محمد و رب الكعبة فذكر الحديث
قال : فانطلق أبو بكر و عمر يتعادلان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا أنزل في الأنصار و لا ذكره رسول الله من شأنهم إلا ذكره و قال : لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لو سلك الناس واديا و سلكت الأنصار واديا سلكت وادي الأنصار لقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ـ و أنت قاعد ـ قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم و فاجرهم تبع لفاجرهم فقال له سعد : صدقت نحن الوزراء و أنتم الأمراء ]
و قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عباس حدثنا الوليد بن مسلم أخبرني يزيد بن سعيد بن ذي عضوان العبسي عن عبد الملك بن عمير اللخمي عن رافع الطائي رفيق أبي بكر الصديق في غزوة ذات السلاسل قال و سألته عما قيل في بيعتهم فقال : و هو يحدثه عما تقاولت به الأنصار و ما كلمهم به و ما كلم به عمر بن الخطاب الأنصار و ما ذكرهم به من إمامتي إياهم بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه فبايعوني لذلك و قبلتها منهم و تخوفت أن تكون فتنة بعدها ردة
و هذا إسناد جيد قوي
و معنى هذا أنه رضي الله عنه إنما قبل الإمامة تخوفا أن تقع فتنة أربى من تركه قبولها رضي الله عنه و أرضاه
قلت : كان هذا في بقية يوم الاثنين فلما كان الغد صبيحة يوم الثلاثاء اجتمع الناس في المسجد فتمت البيعة من الهماجرين و الأنصار قاطبة و كان ذلك قبل تجهيز رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن معمر عن الزهري أخبرني أنس بن مالك أنه سمع خطبة عمر الأخيرة حين جلس على المنبر و ذلك الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر صامت لا يتكلم قال : كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يدبرنا ـ يريد بذلك أن يكون آخرهم ـ فإن يك محمد قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به هدي الله محمدا صلى الله عليه و سلم و إن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم و ثاني اثنين و إنه أولى المسلمين بأموركم فقدموا فبايعوه
و كانت طائفة قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة و كانت بيعة العامة على المنبر
قال الزهري عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول يومئذ لأبي بكر : اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة
و قال محمد بن إسحاق : حدثني الزهري حدثني أنس بن مالك قال : لما بويع أبو بكر في السقيفة و كان الغد جلس أبو بكر على المنبر و قام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال : أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت و ما وجدتها في كتاب الله و لا كانت عهدا عهده إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكني كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا ـ يقول : يكون آخرنا ـ و إن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هو به هدى رسول الله فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله له و إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم و ثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه
فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة
ثم تكلم أبو بكر فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قلت : أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم و لست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني الصدق أمانة و الكذب خيانة و الضعيف فيكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله و القوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل و لا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله و رسوله فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله
و هذا إسناد صحيح
فقوله رضي الله عنه : [ وليتكم و لست بخيركم ] من باب الهضم و التواضع فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم و خيرهم رضي الله عنهم
و قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحافظ الإسفراييني حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة و إبراهيم بن أبي طالب قالا : حدثنا بندار بن بشار و حدثنا أبو هاشم المخزومي حدثنا وهيب حدثنا داود بن أبي هند حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و اجتمع الناس في دار سعد بن عبادة و فيهم أبو بكر و عمر
قال : فقام خطيب الأنصار فقال : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من المهاجرين و خليفة من المهاجرين و نحن كنا أنصار رسول الله و نحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره
قال : فقام عمر بن الخطاب فقال : صدق قائلكم أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم و أخذ بيد أبي بكر و قال : هذا صاحبكم فبايعوه فبايعه عمر و بايعه المهاجرون و الأنصار
قال : فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير قال : فدعا بالزبير فجاء فقال : قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم و حواريه أردت أن تشق عصا المسلمين ؟ فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام فبايعه
ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء فقال : قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم و ختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين ؟ قال : لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعه هذا أو معناه
قال أبو علي الحافظ : سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة و قرأته عليه
و هذا حديث يسوى بدنة فقلت : يسوى بدنه بل يسوى بدرة !
ثم قد رواه البيهقي عن الحاكم و أبي محمد المقبري كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم عن جعفر بن محمد بن شاكر عن عفان بن سلم عن وهيب به و لكن ذكر أن الصديق هو القائل لخطيب الأنصار بدل عمر و فيه : أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال : هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فسأل عنه فقام ناس من الأنصار فأتوا به : فذكر نحو ما تقدم ثم ذكر قصة الزبير بعد علي فالله أعلم
و قد رواه الإمام أحمد بن حنبل عن الثقة عن وهيب مختصرا و قد رواه علي بن عاصم عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري فذكر نحو ما تقدم
و هذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن نطعة عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري
و فيه فائدة جليلة و هي مبايعة علي بن أبي طالب إما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة و هذا حق فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات و لم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه كما سنذكره و خرج معه إلى ذي القصة لما خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة
و لكن لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم تعلم بما أخبرها به أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : [ لا نورث ما تركنا صدقة ] فحجبها و غيرها من أزواجه و عمه عن الميراث بهذا النص الصريح كما سنبينه في موضعه فسألته أن ينظر علي في صدقة الأرض التي بخيبر و فدك فلم يجبها إلى ذلك لأنه رأى أن حقا عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو الصادق البار الراشد التابع للحق رضي الله عنه فحصل لها ـ و هي امرأة من البشر ليست براجية العصمة عتب و تغضب و لم تكلم الصديق حتى ماتت و احتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه و سلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه و سلم
و يزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر و إن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير
ثم خطب أبو بكر و اعتذر إلى الناس و قال : ما كنت حريصا على الإمارة يوما و لا ليلة و لا سألتها في سر و لا علانية فقبل المهاجرون مقالته
و قال علي و الزبير : ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة و إنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار و إنا لنعرف شرفه و خيره و لقد أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصلي بالناس و هو حي
إسناد جيد و لله الحمد و المنة (4/491)
و من تأمل ما ذكرناه ظهر له إجماع الصحابة المهاجرين منهم و الأنصار على تقديم أبي بكر و ظهر برهان قوله عليه السلام : [ يأبى الله و المؤمنون إلا أبى بكر ]
و ظهر له أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينص على الخلافة عينا لأحد من الناس لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة و لا لعلي كما تقوله طائفة من الرافضة
و لكن أشار إشارة قوية يفهمها كل ذي لب و عقل إلى الصديق كما قدمنا و سنذكره و لله الحمد
كما ثبت في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له : ألا تستخلف يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني ـ أبا بكرـ و إن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ
قال ابن عمر : فعرفت حين ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه غير مستخلف
و قال سفيان الثوري عن عمرو بن قيس عن عمرو بن سفيان قال : لما ظهر علي على الناس قال : يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر فأقام و استقام حتى مضى لسبيله ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر فأقام و استقام حتى مضى إلى سبيله ـ أو قال حتى ضرب الدين بجرانه ـ إلى آخره
و قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم حدثنا شريك عن الأسود بن قيس عن عمرو بن سفيان قال : خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي فقال علي : هذا الخطيب السجسج ـ سبق رسول الله صلى الله عليه و سلم و صلى أبو بكر و ثلث عمر ثم خبطتنا فتنة بعدهم يصنع الله فيها ما يشاء
و قال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد الزكي بمرو حدثنا عبد الله بن روح المدائني حدثنا شبابة بن سوار حدثنا شعيب بن ميمون عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن أبي وائل قال : قيل لعلي بن أبي طالب : ألا تستخلف علينا ؟ فقال : ما استخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فأستخلف و لكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم
إسناد جيد و لم يخرجوه
و قد قدمن ما ذكره البخاري من حديث الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن ابن عباس : أن عباسا و عليا لما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رجل : كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال علي : أصبح بحمد الله بارئا فقال العباس : إنك و الله عبد العصا بعد ثلاث ! إني لأعرف في وجوه بني هاشم الموت و إني لأرى في وجه رسول الله الموت فاذهب بنا إليه فنسأله فيمن هذا الأمر ؟ فإن كان فينا عرفناه و إن كان في غيرنا أمرناه فوصاه بنا فقال علي : إني لا أسأله ذلك و الله إن منعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدا
و قد رواه محمد بن إسحاق عن الزهري به فذكره و قال فيه : فدخلا عليه يوم قبض صلى الله عليه و سلم فذكره و قال في آخره : فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم
قلت : فهذا يكون في يوم الإثنين يوم الوفاة فدل على أنه عليه السلام توفي عن غير وصية في االإمارة و في الصحيحين عن ابن عباس : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين أن يكتب ذلك الكتاب
و قد قدمنا أنه عليه السلام كان طلب أن يكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده فلما أكثروا اللغط و الاختلاف عنده قال : [ قوموا عني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه ]
و قد قدمنا أنه قال بعد ذلك : [ يأبى الله و المؤمنون إلا أبا بكر ] (4/496)
و في الصحيحين من حديث عبد الله بن عون عن إبراهيم التيمي عن الأسود قال : قيل لعائشة إنهم يقولون : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصى إلى علي فقالت : بم أوصى إلى علي ؟ لقد دعا بطست ليبول فيها و أنا مسندته إلى صدري فانخنث فمات و ما شعرت فيم يقول هؤلاء إنه أوصى إلى علي ؟
و في الصحيحين من حديث مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى هل أوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : لا قلت : فلم أمرنا بالوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله عز و جل
قال طلحة بن مصرف : و قال هذيل بن شرحبيل : أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه و سلم ! ود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرم أنفه بخرامة !
و في الصحيحين أيضا من حديث الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : من زعم أن عندنا شيئا نقرأه ليس في كتاب الله و هذه الصحيفة ـ لصحيفة معلقة في سيفه فيها أسنان الإبل و أشياء من الجراحات فقد كذب
و فيها قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أمدينة حرم ما بين عير إلى ثور من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا و من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا و ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا ]
و هذا الحديث الثابت في الصحيحين و غيرهما عن علي رضي الله عنه يرد على فرقة الرافضة في زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصى إليه بالخلافة و لو كان الأمر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فإنهم كانوا أطوع لله و لرسوله في حياته و بعد وفاته من أن يفتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه و يؤخروا من قدمه بنصه حاشا و كلا و لم ؟ (4/499)
و من ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم إلى الفجور و التواطؤ على معاندة الرسول صلى الله عليه و سلم و مضادته في حكمه و نصه و من وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام و كفر بإجماع الإئمة الأعلام و كان إراقة دمه أحل من إراقة المدام !
ثم لو مع كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه نص فلم لا كان يحتج به على الصحابة على إثبات إمارته عليهم و إمامته لهم ؟
فإن لم يقدر على تنفيذ مامعه من النص فهو عاجز و العاجز لا يصلح للإمارة و إن كان يقدر و لم يفعله فهو خائن و الخائن الفاسق مسلوب معزول عن الإمارة و إن لم يعلم بوجود النص فهو جاهل
ثم و قد عرفه و علمه من بعده ! هذا محال و افتراء و جهل و ضلال
و إنما يحسن هذا في أذهان الجهلة الطغام و المغترين من الأنام يزينه لهم الشيطان بلا دليل و لا برهان بل بمجرد التحكم و الهذيان و الإفك و البهتان
عياذا بالله مما هم فيه من التخليط و الخذلان و التخبيط و الكفران و ملاذا بالله بالتمسك بالسنة و القرآن و الوفاة على الإسلام و الإيمان و الموافاة على الثبات و الإيقان و تثقيل الميزان و النجاة من النيران و الفوز بالجنان إنه كريم منان رحيم رحمن (4/500)
و في هذا الحديث الثابت في الصحيحين عن علي الذي قدمناه رد على متقولة كثير من الطرقية و القصاص الجهلة في دعواهم أن النبي صلى الله عليه و سلم أوصى إلى علي بأشياء كثيرة يسوقونها مطولة : يا علي افعل كذا يا علي لا تفعل كذا يا علي من فعل كذا كان كذا و كذا بألفاظ ركيكة و معان أكثرها سخيفة و كثير منها صحفية لا تسوي تسويد الصحيفة و الله أعلم
و قد أورد الحافظ البيهقي [ من طريق حماد بن عمرو النصيبي ـ و هو أحد الكذابين الصواغين ـ عن السري بن خلاد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال : يا علي أوصيك بوصية احفظها فإنك لا تزال بخير ما حفظتها يا علي إن للمؤمن ثلاث علامات : الصلاة و الصيام و الزكاة ]
قال البيهقي : فذكر حديثا طويلا في الرغائب و الآداب و هو حديث موضوع و قد شرطت في أول الكتاب ألا أخرج فيه حديثا أعلمه موضوعا
ثم روى من طريق حماد بن عمر و هذا عن زيد بن رفيع عن مكحول الشامي قال : هذا ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي بن أبي طالب حين رجع من غزوة حنين و أنزلت عليه سورة النصر
قال البيهقي : فذكر حديثا طويلا في الفتنة و هو أيضا حديث منكر ليس له أصل و في الأحاديث الصحيحة كفاية و بالله التوفيق
و لنذكر ها هنا ترجمة حماد بن عمرو بن أبي إسماعيل النصيبي : روي عن الأعمش و غيره و عنه إبراهيم بن موسى و محمد بن مهران و موسى بن أيوب و غيرهم
قال يحي بن معين : هو ممن يكذب و يضع الحديث و قال عمرو بن علي الفلاس و أبو حاتم : منكر الحديث ضعيف جدا و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني : كان يكذب و قال البخاري : منكر الحديث و قال أبو زرعة : واهي الحديث و قال النسائي : متروك و قال ابن حبان : يضع الحديث وضعا و قال ابن عدي عامة حديثه مما لا يتابعه أحد من الثقات عليه و قال الدارقطني : ضعيف و قال الحاكم أبو عبد الله : يروي عن الثقات أحاديث موضوعة و هو ساقط بمرة (4/501)
فأما الحديث الذي قال الحافظ البيهقي : [ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنبأنا حمزة بن العباس العقبي ببغداد حدثنا عبد الله بن روح المدائني حدثنا سلام بن سليمان المدائني حدثنا سلام بن سليم الطويل عن عبد الملك بن عبد الرحمن عن الحسن المقبري عن الأشعث بن طليق عن مرة بن شراحيل عن عبد الله بن مسعود قال : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم اجتمعنا في بيت عائشة فنطر إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فدمعت عيناه ثم قال لنا : قد دنا الفراق و نعى إلينا نفسه ثم قال : مرحبا بكم حياكم الله هداكم الله نصركم الله نفعكم الله وفقكم الله سددكم الله وقاكم الله أعانكم الله قبلكم الله أوصيكم بتقوى الله و أوصي الله بكم و أستخلفه عليكم إني لكم منه نذير مبين ألا تعلوا على الله في عباده و بلاده فإن الله قال لي و لكم : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين } و قال : { أليس في جهنم مثوى للمتكبرين }
قلنا : فمتى أجلك يا رسول الله ؟ قال : قد دنا الأجل و المنقلب إلى الله و السدرة المنتهى و الكأس الأوفى و الفرش الأعلى قلنا : فمن يغسلك يا رسول الله ؟ قال : رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثيرون يرونكم من حيث لا ترونهم قلنا : ففيم نكفنك يا رسول الله ؟ قال : في ثيابي هذه إن شئتم او في يمنية أو في بياض مصر
قلنا : فمن يصلي عليك يا رسول الله ؟ فبكى و بكينا و قال : مهلا غفر الله لكم و جزاكم عن نبيكم خيرا إذا غسلتموني و حنطتموني و كفنتموني فضعوني على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة فإن أول من يصلي علي خليلاي و جليساي جبريل و ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة عليهم السلام و ليدأبالصلاة علي رجال أهل بيتي ثم نساؤهم ثم ادخلوا علي أفواجا و فرادى و لا تؤذوني بباكية و لا برنة و لا بصيحة و من كان غائبا من أصحابي فأبلغوه عني السلام و أشهدكم بأني قد سلمت على من دخل في الإسلام و من تابعني في ديني هذا منذ اليوم إلى يوم القيامة
قلنا : فمن يدخلك قبرك يا رسول الله ؟ قال : رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم ]
ثم قال البيهقي : تابعه أحمد بن يونس عن سلام الطويل و تفرد به سلام الطويل
قلت : و هو سلام بن سلم و يقال ابن سليم و يقال ابن سليمان و الأول أصح التميمي السعدي الطويل يروي عن جعفر الصادق و حميد الطويل و زيد العمي و جماعة و عنه جماعة منهم : أحمد بن عبد الله بن يونس و أسد بن موسى و خلف بن هشام البزار و علي بن الجعد و قبيضة بن عقبة
و قد ضعفه علي بن المديني و أحمد بن حنبل و يحيى بن معين و البخاري و أبو حاتم و ابو زرعة و الجوزجاني و النسائي و غير واحد وكذبه بعض الأئمة و تركه آخرون
لكن روى هذا الحديث بهذا السياق بطوله الحافظ أبو بكر البزار من غير طريق سلام هذا فقال أبو بكر حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ابن الأصبهاني أنه أخبره عن مرة عن عبد الله فذكر الحديث بطوله
ثم قال البزار : و قد روي هذا عن مرة من غير وجه بأسانيد متقاربة و عبد الرحمن بن الأصبهاني لم يسمع هذا من مرة و إنما هو عمن أخبره عن مرة و لا أعلم أحدا رواه عن عبد الله بن مرة (4/502)
لا خلاف أنه عليه السلام توفي يوم الأثنين
قال ابن عباس : ولد نبيكم صلى الله عليه و سلم يوم الأثنين و نبئ يوم الأثنين و خرج من مكة مهاجرا يوم الأثنين و مات يوم الأثنين
رواه الإمام أحمد ة البيهقي
و قال سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال لي أبو بكر : أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قلت : يوم الأثنين فقال : إني لأرجو أن أموت فيه فمات فيه
رواه البيهقي من حديث الثوري به
و قال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر حدثنا هريم حدثني ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأثنين و دفن ليلة الأربعاء
تفرد به أحمد
و قال عروة بن الزبير في مغازيه و موسى بن عقبة عن ابن شهاب : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم و جعه أرسلت عائشة إلى أبي بكر و أرسلت حفصة إلى عمر و أرسلت فاطمة إلى علي فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو في صدر عائشة و في يومها يوم الأثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الأول
و قد قال أبو يعلى : [ حدثنا أبو خيثمة حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن أنس قال : آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله يوم الأثنين كشف الستارة و الناس خلف الستارة و الناس خلف أبي بكر فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف فأراد الناس أن ينحرفوا فأشار إليهم أن امكثوا : و ألقى السجف و توفي من آخر ذلك اليوم ]
و هذا الحديث في الصحيح و هو يدل على أن الوفاة و قعت بعد الزوال و الله أعلم
و روى يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار عن محمد بن شعيب و عن صفوان عن عمر بن عبد الواحد جميعا عن الأوزاعي أنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأثنين قبل أن ينتصف النهار
و قال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أحمد بن كامل حدثنا الحسين بن علي البزار حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه و هو سليمان ابن طرخان التيمي في كتاب المغازي قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم مرض لاثنتين و عشرين ليلة من صفر و بدأه وجعه عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود و كان أول يوم مرض يوم السبت و كانت وفاته عليه السلام يوم الأثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه عليه السلام المدينة
و قال الواقدي : حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة فاجتمع عنده نساؤه كلهن فاشتكى ثلاثة عشر يوما و توفي يوم الأثنين لليلتين خلتا من ربيع لأول سنة إحدى عشرة
و قال الواقدي : قالوا : بدئ رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر و توفي يوم الأثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول
و هذا جزم به محمد بن سعد كاتبه و زاد : و دفن يوم الثلاثاء
قال الواقدي : و حدثني سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض عن المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بدئ في بيت ميمونة
و قال يعقوب بن سفيان : حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة عشر يوما فكان إذا وجد خفة صلى و إذا ثقل صلى أبو بكر رضي الله عنه
و قال محمد بن إسحاق : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا و استكمل رسول الله صلى الله عليه و سلم في هجرته عشر سنين كوامل
قال الواقدي : و هو المثبت عندنا و جزم به محمد بن سعد كاتبه
و قال يعقوب بن سفيان عن يحيى بن بكير عن الليث أنه قال : توفي رسول الله يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول و فيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه
و قال سعد بن إبراهيم الزهري : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة
رواه ابن عساكر و رواه الواقدي عن أبي معشر عن محمد بن قيس مثله سواء و قاله خليفة بن خياط أيضا
و قال أبو نعيم الفضل بن دكين : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأثنين مستهل ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة و رواه ابن عساكر أيضا
و قد تقدم قريبا عن عروة و موسى بن عقبة و الزهري مثله فيما نقلناه عن مغازيهما فالله أعلم
و المشهور قول ابن إسحاق و الواقدي
و رواه الواقدي عن ابن عباس و عائشة رضي الله عنها فقال : حدثني إبراهيم بن يزيد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس و حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قالا : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول
و رواه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه مثله و زاد : و دفن ليلة الأربعاء
و روى سيف بن عمرو عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : لما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع ارتحل فأتى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة و المحرم و صفرا و مات يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول
و روى أيضا عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة و في حديث فاطمة عن عروة عن عائشة مثله إلا أن ابن عباس قال في أوله : لأيام مضين منه و قالت عائشة : بعد ما مضى أيام منه (4/505)
قال أبو القاسم السهيلي في الروض ما مضمونه : لا يتصور وقوع وفاته عليه السلام يوم الأثنين ثاني عشر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة و ذلك لأنه عليه السلام وقف في حجة الوداع سنة عشر يوم الجمعة فكان أول ذي الحجة يوم الخميس فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة أو بعضها تام و بعضها ناقص لا يتصور أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول
و قد اشتهر هذا الإيراد على هذا القول
و قد حاول جماعة الجواب عنه و لا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد و هو اختلاف المطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس و أما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة
و يؤيد هذا قول عائشة و غيرها : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لخمس بقين من ذي القعدة ـ يعني من المدينة ـ إلى حجة الوداع
و يتعين كما ذكرنا أنه خرج يوم السبت و ليس كما زعم ابن حزم أنه خرج يوم الخميس لأنه قد بقى أكثر من خمس بلا شك و لا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة لأن أنسا قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر بالمدينة أربعا و العصر بذي الحليفة ركعتين فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين
فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة و إذا كان أول ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة و حسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الأول يوم الخميس فيكون ثاني عشره يوم الاثنين و الله أعلم
و ثبت في الصحيحين من حديث مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بالطويل البائن و لا بالقصير و ليس بالأبيض الأمهق و لا بالآدم و لا بالجعد القطط و لا السبط بعثه الله عز و جل على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين و بالمدينة عشر سنين و توفاه الله على رأس ستين سنة و ليس في رأسه و لحيته عشرون شعرة بيضاء
و هكذا رواه ابن وهب عن عروة عن الزهري عن أنس و عن قرة بن ربيعة عن أنس مثل ذلك
قال الحافظ ابن عساكر : حديث قرة عن الزهري غريب و أما من رواية ربيعة عن أنس فرواها عنه جماعة كذلك
ثم أسند من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد و ربيعة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توفي و هو ابن ثلاث و ستين
و كذلك رواه ابن البربري و نافع بن أبي نعيم عن ربيعة عن أنس به قال : و المحفوظ عن ربيعة عن أنس ستون
ثم أورده ابن عساكر من طريق مالك و الأوزاعي و مسعر و إبراهيم بن طهمان و عبد الله بن عمر و سليمان بن بلال و أنس بن بلال و أنس بن عياض و الدراوردي و محمد بن قيس المدني كلهم عن ربيعة عن أنس قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن ستين سنة
و قال البيهقي : أنبأنا أبو الحسين بن بشران حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن إسحاق حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا أبو غالب الباهلي قال : قلت لأنس بن مالك : ابن أي الرجال رسول الله إذا بعث ؟ قال : كان ابن أربعين سنة قال : ثم كان ماذا ؟ قال : كان بمكة عشر سنين و بالمدينة عشر سنين فتمت له ستون سنة يوم قبضه الله عز و جل و هو كأشد الرجال و أحسنه و أجمله و ألحمه
و رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به
و قد روى مسلم عن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي الملقب بربيح عن حكام بن سلم عن عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال : قبض النبي صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثلاث و ستين و أبو بكر و هو ابن ثلاث و ستين و قبض عمر و هو ابن ثلاث و ستين
انفرد به مسلم
و هذا لا ينافي ما تقدم عن أنس لأن العرب كثيرا ما تحذف الكسر
و ثبت في الصحيحين من حديث الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثلاث و ستين سنة
قال الزهري : و أخبرني سعيد بن المسيب مثله و روى موسى بن عقبة و عقيل و يونس بن يزيد و ابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثلاث و ستين قال الزهري : و أخبرني سعيد بن المسيب مثل ذلك
و قال البخاري : حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن سلمة عن عائشة و ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مكث بمكة عشر سنين يتنزل عليه القرآن و بالمدينة عشرا
لم يخرجه مسلم
و قال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير بن عبد الله عن معاوية بن أبي سفيان قال : قبض النبي صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثلاث و ستين و أبو بكر و هو ابن ثلاث و ستين و عمر و هو ابن ثلاث و ستين
و هكذا رواه مسلم من حديث غندر عن شعبة و هو من أفراده دون البخاري
و منهم من يقول عن عامر بن سعد عن معاوية و الصواب ما ذكرناه عن عامر بن سعد عن جرير عن معاوية
و روايناه من طريق عامر بن شراحيل عن الشعبي عن جرير بن عبد الله البجلي عن معاوية فذكره
و روى الحافظ ابن عساكر من طريق القاضي أبي يوسف عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثلاث و ستين و توفي أبو بكر و هو ابن ثلاث و ستين و توفي عمر و هو ابن ثلاث و ستين
و قال ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت : تذاكر رسول الله و أبو بكر ميلادهما عندي فكان رسول الله أكبر من أبي بكر فتوفي رسول الله و هو ابن ثلاث و ستين و توفي أبو بكر بعده و هو ابن ثلاث و ستين
و قال الثوري عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن قال : توفي رسول الله و أبو بكر و عمر و هم بنو ثلاث و ستين
و قال ابن حنبل : حدثنا الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثلاث و أربعين فأقام بمكة عشرا و بالمدينة عشرا
و هذا غريب عنه و صحيح إليه
و قال أحمد : حدثنا هشيم قال داود بن أبي هند عن الشعبي قال : نبي رسول الله و هو ابن أربعين سنة فمكث ثلاث سنين ثم بعث إليه جبريل بالرسالة ثم مكث بعد ذلك عشر سنين ثم هاجر إلى المدينة فقبض و هو ابن ثلاث و ستين سنة
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل : الثابت عندنا ثلاث و ستون
قلت : و هكذا روى مجاهد عن الشعبي و روى من حديث إسماعيل بن أبي خالد عنه
و في الصحيحين من حديث روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مكث بمكة ثلاث عشرة و توفي و هو ابن ثلاث و ستين سنة
و في صحيح البخاري من حديث روح بن عبادة أيضا عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ثم مات و هو ابن ثلاث و ستين
و كذا رواه الإمام أحمد عن روح بن عبادة و يحيى بن سعيد و يزيد بن هارون كلهم عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس به
و قد رواه أبو يعلى الموصلي عن الحسن بن عمر بن سفيان عن جعفر بن سليمان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن ابن عباس فذكر مثله
ثم أورده من طرق عن ابن عباس مثل ذلك
و رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن أبي جمرة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقام بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه و بالمدينة عشرا و مات و هو ابن ثلاث و ستين سنة
و قد أسند الحافظ ابن عساكر من طريق مسلم بن جنادة عن عبد الله بن عمر عن كريب عن ابن عباس قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثلاث و ستين و من حديث أبي نضرة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس مثله
و هذا القول هو الأشهر و عليه الأكثر
و قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل عن خالد الحذاء حدثني عمار مولى بني هاشم سمعت ابن عباس يقول : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن خمس و ستين سنة
و رواه مسلم من حديث خالد الحذاء به
و قال أحمد : حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن عمارة بن أبي عمار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقام بمكة خمس عشرة سنة ثماني سنين أو سبعا يرى الضوء و يسمع الصوت و ثمانية أو سبعا يوحى إليه و أقام بالمدينة عشرا
و رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به
و قال أحمد أيضا : حدثنا عفان حدثنا يزيد بن زريع حدثنا يونس عن عمار مولى بني هاشم قال : سألت ابن عباس كم أتى لرسول الله صلى الله عليه و سلم يوم مات ؟
قال : ما كنت أرى مثلك في قومه يخفي عليك ذلك قال : قلت : إني قد سألت فاختلف علي فأحببت أن أعلم قولك فيه قال : أتحسب ؟ قلت : نعم قال : أمسك أربعين بعث لها و خمس عشرة أقام بمكة يأمن و يخاف و عشرا مهاجره بالمدينة
و هكذا رواه مسلم من حديث يزيد بن زريع و شعبة بن الحجاج كلاهما عن يونس ابن عبيد عن عمار عن ابن عباس بنحوه
و قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير حدثنا العلاء بن صالح حدثنا المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير أن رجلا أتى ابن عباس فقال : أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم عشرا بمكة و عشرا بالمدينة ؟ فقال : من يقول ذلك ؟ لقد أنزل عليه بمكة خمس عشرة و بالمدينة عشرا خمسا وستين و أكثر
و هذا من أفرد أحمد إسنادا و متنا
و قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : قبض النبي صلى الله عليه و سلم و هو ابن خمس و ستين سنة
تفرد به أحمد
و قد روى الترمذي في كتاب الشمائل و أبو يعلى الموصلي و البيهقي من حديث قتادة عن الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة أن النبي صلى الله عليه و سلم قبض و هو ابن خمس و ستين
ثم قال الترمذي : دغفل لا نعرف له سماعا عن النبي صلى الله عليه و سلم و قد كان في زمانه رجلا
و قال البيهقي : و هذا يوافق رواية عمار و من تابعه عن ابن عباس
و رواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث و ستين أصح فهم أوثق و أكثر و روايتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة عن عائشة و إحدى الروايتين عن أنس و الرواية الصحيحة عن معاوية و هو قول سعيد بن المسيب و عامر الشعبي و أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم
قلت : و عبد الله بن عقبة و القاسم بن عبد الرحمن و الحسن البصري و علي بن الحسين و غير واحد
و من الأقوال الغربية ما رواه خليفة بن خياط عن معاذ بن هشام حدثنى أبي عن قتادة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن اثنتين و ستين سنة
و رواه يعقوب بن سفيان عن محمد بن المثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة مثله و رواه زيد العمي عن يزيد عن أنس
و من ذلك ما وراه محمد بن عامر عن القاسم بن حميد عن النعمان بن المنذر الغساني عن مكحول قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن اثنتين و ستين سنة و أشهر
و رواه يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار عن محمد بن شعيب عن النعمان بن المنذر عن المكحول قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن اثتنين و ستين سنة و نصف
و أغرب من ذلك كله ما رواه الإمام أحمد عن روح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال : نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه و سلم ثماني سنين بمكة و عشرا بعد ما هاجر
فإن كان الحسن ممن يقول بقول الجمهور و هو أنه عليه السلام أنزل عليه القرآن و عمره أربعون سنة فقد ذهب إلى أنه عليه السلام عاش ثمانيا و خمسين سنة
و هذا غريب جدا
و لكن روينا من طريق مسدد عن هشام بن حسانه عن الحسن أنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن ستين سنة
و قال خليفة بن خياط : حدثنا أبو عاصم عن الأشعث عن الحسن قال : بعث رسول الله و هو ابن خمس و أربعين فأقام بمكة و بالمدينة ثمانيا و توفي و هو ابن ثلاث و ستين
و هذا بهذا الصفة غريب جدا و الله أعلم (4/509)
قد قدمنا أنهم رضي الله عنهم اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين و بعض يوم الثلاثاء فلما تمهدت و توطدت و تمت شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه و سلم مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق رضي الله عنه
قال ابن إسحاق : فلم بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الثلاثاء
و قد تقدم من حديث ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أيبه عن عائشة أن رسول الله توفي يوم الاثنين و دفن ليلة الأربعاء
و قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا أبو معاوية حدثنا أبو بردة عن علقمة بن يزيد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم ناداهم مناد من الداخل : ألا تجردوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قميصه
و رواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن أبي بردة ـ و اسمه عمرو بن يزيد التميمي كوفي ـ
و قال محمد بن إسحاق : حدثنى يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه سمعت عائشة تقول : لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه و سلم قالوا : ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه و سلم من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله و عليه ثيابه
فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم أحد إلا و ذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو : أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و عليه ثيابه
فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فغسلوه و عليه قميص يصبون الماء فوق القميص فيدلكونه بالقميص دون أيديهم
فكانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا نساؤه
وراه أبو داود من حديث ابن إسحاق
و قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثنى حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال : اجتمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه و سلم و ليس في البيت إلا أهله عنه العباس بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب و الفضل بن عباس و قثم بن العباس و أسامة بن زيد بن حارثة و صالح مولاه
فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناس أوس بن خولي الأنصاري أحد بني عوف بن الخزرج ـ و كان بدريا ـ علي بن أبي طالب فقال : يا علي ننشدك الله و حظنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له علي : ادخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يل من غسله شيئا
فأسنده علي إلى صدره و عليه قميصه و كان العباس و فضل و قثم يقلبونه مع علي و كان أسامة بن زيد و صالح ومولاه هما يصبان الماء و جعل علي يغسله و لم ير من رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا مما يرى من الميت و هو يقول : بأبي و أمي ! ما أطيبك حيا و ميتا
حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله ـ و كان يغسل بالماء و السدر ـ جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت ثم أدرج في ثلاثة أثواب : ثوبين أبيضين و برد حبرة
قال : ثم دعا العباس رجلين فقال : ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح ـ و كان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة و ليذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الأنصاري ـ و كان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة
قال : ثم قال العباس حين سرحهما : اللهم خر لرسولك !
قال : فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة و وجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه و سلم
انفرد به أحمد
و قال يونس بن بكير عن المنذر بن ثعلبة عن الصلت عن العلباء بن أحمر قال : كان علي و الفضل يغسلان رسول الله فنودي علي : ارفع طرفك إلى السماء
و هذا منقطع
قلت : و قد روى بعض أهل السنن عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : [ يا علي لا تبد فخذك و لا تنتظر إلى فخذ حي و لا ميت ]
و هذا فيه إشعار بأمره له في حق نفسه و الله أعلم
و قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا محمد بن يعقوب حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا ضمرة حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : قال علي : غسلت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا و كان طيبا حيا و ميتا صلى الله عليه و سلم
و قد رواه أبو داود في المراسيل و ابن ماجه من حديث معمر
زاد البيهقي في روايته : قال سعيد بن المسيب : و قد ولي دفنه عليه السلام أربعة : علي و العباس و الفضل و صالح مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم لحدوا له لحدا و نصبوا عليه اللبن نصبا
و قد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين منهم عامر الشعبي و محمد بن قيس و عبد الله بن الحارث و غيرهم بألفاظ مختلفة يطول بسطها ها هنا
قال البيهقي : و روى أبو عمر كيسان عن يزيد بن بلال سمعت عليا يقول : أوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا يغسله أحد غيري فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه
قال علي : فكان العباس و أسامة يناولاني الماء من وراء من الستر قال علي : فما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله
و قد أسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في مسنده فقال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا عبد الصمد بن النعمان حدثنا كيسان أبو عمرو عن يزيد بن بلال قال : قال علي بن أبي طالب : أوصاني النبي صلى الله عليه و سلم أن لا يغسله أحد غيري فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه
قال علي : فكان العباس و أسامة يناولني الماء من وراء الستر
قلت : و هذا غريب جدا
و قال البيهقي : أنبأنا محمد بن موسى بن الفضل حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا أسيد بن عاصم حدثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن عبد الملك بن جريج سمعت محمد بن علي أبا جعفر قال : غسل النبي صلى الله عليه و سلم بالسدر ثلاثا و غسل و عليه قميص و غسل من بئر كان يقال لها الغرس بقباء كانت لسعد بن خيثمة و كان رسول الله يشرب منها و ولي غسله علي و الفضل يحتضنه و العباس يصب الماء فجعل الفضل يقول : أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئا يترطل علي
و قال الواقدي : حدثنا عاصم بن عبد الله الحكمي عن عمر بن عبد الحكم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة و ماؤها أطيب المياه ]
و كان رسول الله يستعذب له منها و غسل من بئر غرس
و قال سيف بن عمر عن محمد بن عدي عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما فرغ من القبر و صلى الناس الظهر أخذ العباس في غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم فضرب عليه كلة من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت فدخل الكلة و دعا عليا و الفضل فكان إذا ذهب إلى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله و رجال من بني هاشم من وراء الكلة و من أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي و سألوه منهم أوس بن خولي رضي الله عنهم أجمعين
ثم قال سيف عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي عن ابن عباس فذكر ضرب الكلة و أن العباس أدخل فيها عليا و الفضل و أبا سفيان و أسامة و رجال من بني هاشم من وراء الكلة في البيت فذكر أنهم ألقي عليهم النعاس فسمعوا قائلا يقول : لا تغسلوا رسول الله فإنه كان طاهرا فقال العباس : ألا بلى و قال أهل البيت : صدق فلا تغسلوه فقال العباس : لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو
و غشيهم النعاس ثانية فناداهم : أن غسلوه و عليه ثيابه فقال أهل البيت : ألا لا و قال العباس : ألا نعم فشرعوا في غسله و عليه قميص و مجول مفتوح فغسلوه بالماء القراح و طيبوه بالكافور في مواضع سجوده و مفاصله و اعتصر قميصه و مجوله ثم أدرج في أكفانه و جمروه عودا و ندا ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره و سجوه
و هذا السياق فيه غرابة جدا (4/517)
قال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري عن القاسم عن عائشة قالت : أدرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوب حبرة ثم أخر عنه
قال القاسم : إن بقايا ذلك الثوب لعندنا بعد
و هذا الإسناد على شرط الشيخين و إنما رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل و النسائي عن محمد بن مثنى و مجاهد بن موسى فرقهما كلهم عن الوليد بن مسلم به
و قال الإمام أبو عبد الله بن إدريس الشافعي : حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص و لا عمامة
و كذا رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك
و قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض
و أخرجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة و أخرجه البخاري عن أبي نعيم عن سفيان الثوري كلاهما عن هشام بن عروة به
و قال أبو داود : حدثنا قتيبة حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية من كرسف ليس ليس فيها قميص و لا عمامة
قال : فذكر لعائشة قولهم : في ثوبين و برد حبرة فقالت : قد أتى بالبرد و لكنهم ردوه و لم يكفنوه فيه
و هكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث به
و قال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحوليه من كرسف ليس فيها قميص و لا عمامة فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها إنما اشتريت له حلة ليكفن فيها فتركت و أخذها عبد الله بن أبي بكر فقال : لأحبسنها لنفسي حتى أكفن فيها ثم قال : لو رضيها الله لنبيه صلى الله عليه و سلم لكفنه فيها فباعها و تصدق بثمنها
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى و غيره عن أبي معاوية
ثم رواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت : كفن رسول الله في برد حبرة كانت لعبد الله بن أبي بكر و لف فيها ثم نزعت عنه فكان عبد الله بن أبي بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه حتى يكفن فيها إذا مات ثم قال بعد أن أمسكها : ما كنت أمسك لنفسي منع الله و رسوله صلى الله عليه و سلم أن يكفن فيه فتصدق بثمنها عبد الله
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاث أثواب سحولية بيض
و رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق
و قال الإمام أحمد : حدثنا مسكين بن بكر عن سعيد يعني ابن عبد العزيز قال مكحول : حدثني عروة عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كفن في ثلاثة أثواب رياط يمانية
انفرد به أحمد
و قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا سهل بن حبيب الأنصاري حدثنا عاصم بن هلال إمام مسجد أيوب حدثنا أيوب بن نافع عن ابن عمر قال : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاث أثواب بيض سحولية
و قال سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كفن في ثلاثة أثواب
و وقع في بعض الروايات ثوبين صحاريين و برد حبرة
و قال الإمام أحمد : حدثنا ابن إدريس حدثنا يزيد عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كفن في ثلاثة أثواب : في قميصه الذي مات فيه و حلة نجرانية ـ الحلة ثوبان ـ
و رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل و عثمان بن أبي شيبة و ابن ماجه عن علي ابن محمد ثلاثتهم عن عبد الله بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نحوه
و هذا غريب جدا
و قال الإمام أحمد : أيضا : حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوبين أبيضين و برد أحمر
انفرد به أحمد من هذا الوجه
و قال أبو بكر الشافعي : حدثنا علي بن الحسن حدثنا حميد بن الربيع حدثنا بكر ـ يعني ابن عبد الرحمن ـ حدثنا عيسى ـ يعني ابن المختار ـ عن محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال : كفن رسول الله في ثوبين أبيضين و برد أحمر
و قال أبو يعلى : حدثنا سليمان الشاذكوني حدثنا يحيى بن أبي الهيثم حدثنا عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس عن الفضل قال : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوبين أبيضين سحوليين
زاد فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى : و برد أحمر
و قد رواه غير واحد عن إسماعيل المؤدب عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس عن الفضل قال : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوبين أبيضين و في رواية : و سحولية فالله أعلم
و روى الحافظ أبو عساكر من طريق أبي طاهر المخلص حدثنا أحمد بن إسحاق عن البهلول حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا شريك عن أبي إسحاق قال : وقعت على مجلس بني عبد المطلب و هم متوافرون فقلت لهم : في كم كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالوا : في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص و لا قباء و لا عمامة
قلت : كم أسر منكم يوم بدر ؟ قالوا : العباس و نوفل و عقيل
و قد روى البيهقي من طريق الزهري عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة أثواب أحدها برد حبرة
و قد ساقه الحافظ ابن عساكر من طريق في صحتها نظر عن علي بن أبي طالب قال : كفنت رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثوبين سحوليين و برد حبرة
و قد قال أبو سعيد ابن الأعرابي : حدثنا إبراهيم بن الوليد حدثنا محمد بن كثير حدثنا هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ريطتين و برد نجراني
و كذا رواه أبو داود الطيالسي عن هشام و عمران القطان عن قتادة عن سعيد عن أبي هريرة به
و قد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى حدثنا نصر بن طريف عن قتادة حدثنا ابن المسيب عن أم سلمة : أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب أحدها برد نجراني
قال البيهقي : و فيما روينا عن عائشة بيان سبب الاشتباه على الناس و أن الحبرة أخرت عنه و الله أعلم
ثم رواه الحافظ البيهقي من طريق محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا يعقوب ابن إبراهيم الدورقي عن حميد بن عبد الرحمن الرواسي عن حسن بن صالح عن هارون بن سعيد قال : كان عند علي مسك فأوصى أن يحنط به و قال : هو من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه و سلم
و رواه من طريق إبراهيم بن موسى عن حميد عن حسن عن هارون عن أبي وائل عن علي فذكره (4/522)
و قد تقدم الحديث الذي رواه البيهقي من حديث الأشعث بن طليق و البزار من حديث الأصبهاني كلاهما عن مرة عن ابن مسعود : في وصية النبي صلى الله عليه و سلم أن يغسله رجال أهل بيته و أنه قال : كفنوني في ثيابي هذه أو في يمانية أو بياض مصر و أنه إذا كفنوه يضعونه على شفير قبره ثم يخرجون عنه حتى تصلي عليه الملائكة ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه ثم الناس بعدهم فرادى
الحديث بتمامه و في صحته نظر كما قدمنا و الله أعلم
و قال محمد بن إسحاق : حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا ثم أدخل النساء فصلين عليه ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا لم يؤمهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد
و قال الواقدي : حدثني أبي بن عياش بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال : لما أدرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في أكفانه وضع على سريره ثم وضع على شفير حفرته ثم كان الناس يدخلون عليه رفقا رفقا لا يؤمهم أحد
قال الواقدي : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال وجدت كتابا بخط أبي فيه أنه لما كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم و وضع على سريره دخل أبو بكر و عمر رضي الله عنهما و معهما نفر من المهاجرين و الأنصار بقدر ما يسع البيت فقالا : السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته و سلم المهاجرين و الأنصار كما سلم أبو بكر و عمر ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد
فقال أبو بكر و عمر ـ و هما في الصف الأول حيال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه و نصح لأمته و جاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه و تمت كلمته و أومن به وحده لا شريك له فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه و اجمع بيننا و بينه حتى تعرفه بنا و تعرفنا به فإذا كان بالمؤمنين روءفا رحيما لا نبتغي بالإيمان به بدلا و لا نشتري به ثمنا أبدا
فيقول الناس : آمين آمين و يخرجون و يدخل آخرون حتى صلى الرجال ثم النساء ثم الصبيان
و قد قيل : إنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء و قيل إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه كما سيأتي بيان ذلك قريبا و الله أعلم
و هذا الصنيع و هو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه
و قد اختلف في تعليله فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك و يكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه و ليس لأحد أن يقول : لأنه لم يكن لهم إمام لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه عليه السلام بعد تمام بيعة أبي بكر رضي الله عنه و أرضاه
و قد قال بعض العلماء : إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه و لتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم و نسائهم و صبيانهم حتى العبيد و الإماء
و أما السهيلي فقال ما حاصله : إن الله قد أخبر أنه و ملائكته يصلون عليه و أمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه و الصلاة عليه بعد موته من هذا القيبل قال : و أيضا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة فالله أعلم
و قد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة فقيل : نعم لأن جسده عليه السلام طري في قبره لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما ورد بذلك الحديث في السنن و غيرها فهو كالميت اليوم و قال آخرون : لا يفعل لأن السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه و لو كان مشروعا لبادروا إليه و لثابروا عليه و الله أعلم (4/527)
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج أخبرني أبي ـ و هو عبد العزيز بن جريج : أن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم لم يدروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه و سلم حتى قال أبو بكر : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : لم يقبر نبي إلا حيث يموت فأخروا فراشه و حفروا تحت فراشه صلى الله عليه و سلم
و هذا فيه انقطاع بين عبد العزيز بن جريج و بين الصديق فإنه لم يدركه لكن رواه الحافظ أبو يعلى من حديث ابن عباس و عائشة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم فقال : حدثنا أبو موسى الهروي حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي ملكية عن عائشة قالت : اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه و سلم حين قبلض فقال أبو بكر : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا يقبض النبي إلا في أحب الأمكنة إليه ] فقال : ادفنوه حيث قبض
و هكذا رواه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي عن ابن أبي ملكية عن عائشة قالت : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم اختلفو في دفنه فقال أبو بكر : سمعت من رسول الله شيئا ما نسيته قال : [ ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه ] ادفنوه في موضع فراشه
ثم أن الترمذي ضعف المليكي ثم قال : و قد ورى هذا الحديث من غير هذا الوجه رواه ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه و سلم
و قال الأموي عن أبيه عن ابن إسحاق عن رجل حدثه عن عروة عن عائشة أن أبا بكر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إنه لم يدفن نبي قط إلا حيث قبض
قال : أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن سهل التميمي حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان بالمدينة حفاران فلما مات النبي صلى الله عليه و سلم قالوا : أين ندفنه ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : في المكان الذي مات فيه و كان أحدهما يلحد و الآخر يشق فجاء الذي يلحد فلحد النبي صلى الله عليه و سلم
و قد رواه مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه منقطعا
و قال أبو يعلى : حدثنا جعفر بن مهران حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق حدثنى حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما أرادوا أن يحفروا للنبي صلى الله عليه و سلم و كان أبو عبيدة الجراح يضرح كحفر أهل مكة و كان أبو طلحة زيد ابن سهل هو الذي كان يحفر لأهل المدينة و كان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة و قال للآخر : اذهب إلى أبي طلحة اللهم خره لرسولك
قال : فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه و سلم
فلم فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته و قد كان المسلمون اختلفوا في دفنه فقال قائل : ندفنه في مسجده و قال قائل : ندفنه مع أصحابه فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض ]
فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي توفي فيه فحفروا له تحته ثم أدخل الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلون عليه أرسالا الرجال حتى إذا فرغ منهم أدخل النساء حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان و لم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد فدفن رسول الله صلى الله عليه و سلم من أوسط الليل ليلة الأربعاء
و هكذا رواه ابن ماجه عن نصر بن علي الجهضمي عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن إسحاق فذكر بإسناده مثله و زاد في آخره : و نزل في حفرته علي بن أبي طالب و الفضل و قثم ابنا عباس و شقران مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال أوس بن خولي ـ و هو أبو ليلى ـ لعلي بن أبي طالب : أنشدك الله و حظنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له علي : انزل
و كان شقران مولاه أخذ قطيفة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبسها فدفنها في القبر و قال : و الله لا يلبسها أحد بعدك فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد رواه الإمام أحمد عن حسين بن محمد عن جرير بن حازم عن ابن إسحاق مختصرا و كذلك رواه يونس بن بكير و غيره عن إسحاق به
و روى الواقدي [ عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما قبض الله نبيا إلا و دفن حيث قبض ]
و ورى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين أو محمد بن جعفر بن الزبير ؟ قال : لما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم اختلفوا في دفنه فقالوا : كيف ندفنه ؟ مع الناس أو في بيوته
فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ ما قبض الله نبيا إلا و دفن حيث قبض ] فدفن حيث كان فراشه رفع الفراش و حفر تحته
و قال الواقدي : حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عثمان بن محمد الأخنسي عن عبد الرحمن بن سعيد ـ يعني ابن يربوع ـ قال : لما توفي النبي صلى الله عليه و سلم اختلفوا في موضع قبره فقال قائل : في البقيع فقد كان يكثر الاستغفار لهم و قال قائل : عند منبره و قال قائل : في مصلاه
فجاء أبو بكر فقال : إن عندي من هذا خبرا و علما سمعت رسول الله يقول : [ ما قبض الله نبيا إلا و دفن حيث قبض ]
قال الحافظ البيهقي : وهو حديث يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد و في حديث ابن جريج عن أبيه كلاهما عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا
و قال البيهقي : عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن سلمة بن نبيط شريط عن أبيه عن سالم بن عبيد ـ و كان من أصحاب الصفة ـ قال : دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مات ثم خرج فقيل له : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم فعلموا أنه كما قال
و قيل له : أنصلى عليه ؟ و كيف نصلي عليه ؟ قال : تجيئون عصبا عصبا فتصلون فعلموا أنه كما قال
قالوا : هل يدفن و أين ؟ قال : حيث قبض الله روحه فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب فعلموا أنه كما قال
و روى البيهقي من حديث سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال : عرضت عائشة على أبيها رؤيا و كان من أعبر الناس قالت : رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجري فقال لها : إن صدقت رؤياك دفن في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يا عائشة هذا خير أقمارك !
و رواه مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة منقطعا
و في الصحيحين عنها أنها قالت : توفي النبي صلى الله عليه و سلم في بيتي و في يومي و بين سحري و نحري وجمع الله بين يرقي و ريقه في آخر ساعة من الدنيا و أول ساعة من الآخرة
و في صحيح البخاري من حديث أبي عوانة عن هلال الوراق عن عروة عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي مات فيه يقول : [ لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ]
قالت عائشة : و لولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا
و قال ابن ماجه : حدثنا محمود بن غيلان حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا مبارك بن فضلاة حدثنى حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان بالمدينة رجل يلحد و الآخر يضرح فقالوا : نستخير الله و نبعث إليهما فأيهما سبق تركناه فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا النبي صلى الله عليه و سلم
تفرد به ابن ماجه و قد رواه الإمام أحمد عن أبي النضر بن القاسم به
و قال ابن ماجه أيضا : حدثنا عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد حدثنا عبيد بن طفيل حدثنا عبد الرحمن بن أبي ملكية حدثنى ابن أبي ملكية عن عائشة قالت : لما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم اختلفوا في اللحد و الشق حتى تكملوا في ذلك و ارتفعت أصواتهم فقال عمر : لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حيا و لا ميتا ـ أو كلمة نحوها ـ فأرسلوا إلى الشقاق و اللاحد جميعا فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثم دفن
تفرد به ابن ماجه
و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا العمري عن نافع عن ابن عمر و عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ألحد له لحد
تفرد به أحمد من هذين الوجهين
و قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن شعبة و ابن جعفر حدثنا شعبة حدثنى أبو جمرة عن ابن عباس قال : جعل في قبر النبي صلى الله عليه و سلم قطيفة حمراء
و قد رواه مسلم و الترمذي و النسائي من طرق عن شعبة به و قد رواه وكيع عن شعبة
و قال وكيع : كان هذا خاصا برسول الله صلى الله عليه و سلم
رواه ابن عساكر
و قال ابن سعد : أنبأنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا أشعث بن عبد الملك الخمراني عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بسط تحته قطيفة حمراء كان يلبسها قال : و كانت أرضا ندية و قال هشيم بن منصور عن الحسن قال : جعل في قبر النبي صلى الله عليه و سلم قطيفة حمراء كان أصابها يوم حنين
قال الحسن : جعلها لأن المدينة أرض سبخة
و قال محمد بن سعد : [ حدثنا حماد بن خالد بن الخيلط عن عقبة بن أبي الصبهاء سمعت الحسن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : افرشوا لي قطيفة في لحدي فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء ]
و روى الحافظ البيهقي من حديث مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : قال علي : غسلت النبي صلى الله عليه و سلم فذهبت أنظر إلى ما يكون من الميت فلم أر شيئا و كان طيبا حيا و ميتا
قال : و ولي دفنه عليه الصلاة و السلام و إجنانه دون الناس أربعة علي و العباس و الفضل و صالح مولى النبي صلى الله عليه و سلم و لحد للنبي صلى الله عليه و سلم لحد و نصب عليه اللبن نصبا
و ذكر البيهقي عن بعضهم أنه نصب على لحده عليه السلام تسع لبنات
و روى الواقدي عن ابن سبرة عن عبد الله بن معبد عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء يصلي الناس عليه و سريره على شفير قبره فلما أرادوا أن يقبروه عليه السلام نحوا السرير قبل رجيله فأدخل من هناك و دخل في حفرته العباس و علي و قثم و الفضل و شقران
و روى البيهقي من حديث إسماعيل السدي عن عكرمة عن ابن عباس قال دخل قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم العباس و علي و الفضل و سوى لحده رجل من الأنصار و هو الذي سوى لحود قبور الشهداء يوم بدر
قال ابن عساكر : صوابه يوم أحد
و قد تقدم رواية ابن إسحاق عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان الذين نزلوا في قبر رسول الله علي و الفضل و قثم و شقران و ذكر الخامس و هو أوس بن خولي و ذكر قصة القطيفة التي وضعها في القبر شقران
و قال الحافظ البيهقي : أخبرنا أبو طاهر الخداباذي حدثنا أبو قلابة حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان بن سعيد هو الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : حدثني أبو مرحب قال : كأني أنظر إليهم في قبر النبي صلى الله عليه و سلم أربعة : أحدهم عبد الرحمن بن عوف
و هكذا رواه أبو داود عن محمد بن الصباح عن سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد به
ثم رواه عن أحمد بن يونس عن زهير عن إسماعيل عن الشعبي حدثني مرحب أو ابن عمي مرحب : أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف فلما فرغ علي قال : إنما يلي الرجل أهله
و هذا حديث غريب جدا و إسناده جيد قوي و لا نعرفه إلا من هذا الوجه و قد قال أبو عمر بن عبد البر في اسيتعابه : أبو مرحب اسمه سويد بن قيس و ذكر أبا مرحب آخر و قال : لا أعرف خبره
قال ابن الأثير في الغابة :
فيحتمل أن يكون راوي هذا الحديث أحدهما أو ثالثا غيرهما و لله الحمد (4/529)
قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني أبي إسحاق ابن يسار عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل عن مولاه عبد الله بن الحارث قال : اعتمرت مع علي في زمان عمر أو زمان عثمان فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب فلما فرغ من عمرته رجع فسكبت له غسلا فاغتسل
فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا : يا أبا حسن جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه قال : أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : أجل عن ذلك جئنا نسألك قال : أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه و سلم قثم بن عباس
تفرد به أحمد من هذا الوجه
و قد رواه يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق به مثله سواء إلا أنه قال قبله عن ابن إسحاق قال : و كان المغيرة بن شعبة يقول : أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و قلت حين خرج القوم : إن خاتمي قد سقط في القبر و إنما طرحته عمدا لأمس رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكون آخر الناس عهدا به
قال ابن إسحاق : فحدثني و الدي إسحاق بن يسار عن مقسم عن مولاه عبد الله بن الحارث قال : اعتمرت مع علي فذكر ما تقدم
و هذا الذي ذكر عن المغيرة بن شعبة لا يقتضي أنه حصل له ما أمله فإنه قد يكون علي رضي الله عنه لم يمكنه من النزول في القبر بل أمر غيره فناوله إياه و على ما تقدم يكون الذي أمره بمناولته له قثم بن عباس
و قد قال الواقدي : حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقال علي : إنما لقيته لتقول : نزلت في قبر النبي صلى الله عليه و سلم فنزل فأعطاه أو أمر رجلا فأعطاه
و قد قال الإمام أحمد حدثنا بهز و أبو كامل قالا : حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن أبي عسيب أو أبي عسيم قال بهز : إنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم قالوا : كيف نصلي قال : ادخلوا أرسالا أرسالا فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر
قال : فلما مضى في لحده قال المغيرة : قد بقى من رجليه شيء لم تصلحوه قالوا : فادخل فأصلحه فدخل و أدخل يده فمس قدميه عليه السلام فقال : أهيلوا علي التراب فأهالوا عليه حتى بلغ إلى أنصاف ساقيه ثم خرج فكان يقول : أنا أحدثكم عهدا برسول الله صلى الله عليه و سلم ! (4/537)
و قال يونس عن ابن إسحاق : حدثتني فاطمة بنت محمد امرأة عبد الله بن أبي بكر و أدخلني عليها حتى سمعته منها عن عمرة عن عائشة أنها قالت : ما علمنا بدفن النبي صلى الله عليه و سلم حتى سمعنا صوت المساحي في جوف ليلة الأربعاء
و قال الواقدي : حدثنا ابن أبي سبرة عن الحليس بن هشام عن عبد الله بن وهب عن أم سلمة قالت : بينا نحن مجتمعون نبكي لم ننم و رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيوتنا و نحن نتسلى برؤيته على السرير إذا سمعنا صوت الكرازين في السحر قالت أم سلمة : فصحنا و صاح أهل المسجد فارتجت المدينة صيحة واحدة و أذن بلال بالفجر فلما ذكر النبي صلى الله عليه و سلم بكى و انتحب فزادنا حزنا و عالج الناس الدخول إلى قبره فغلق دونهم فيالها من مصيبة ما أصبنا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه و سلم
و قد روى الإمام أحمد من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن الرسول صلى الله عليه و سلم توفي يوم الاثنين و دفن ليلة الأربعاء
و قد تقدم مثله في غير ما حديث و هو الذي نص عليه غير واحد من الأئمة سلفا و خلفا منهم سليمان بن طرخان التيمي و جعفر بن محمد بن الصادق و ابن إسحاق و موسى ابن عقبة و غيرهم
و قد روى يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد عن بكار عن محمد بن شعيب عن الأوزاعي أنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار و دفن يوم الثلاثاء
هكذا روى الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مات في الضحى يوم الاثنين و دفن من الغد في الضحى
و قال يعقوب : حدثنا سفيان حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن جعفر ابن محمد عن أبيه و عن ابن جريج عن أبي جعفر أن رسول الله توفي يوم الاثنين فلبث ذلك اليوم و تلك ليلة و يوم الثلاثاء إلى آخر النهار
فهو قول غريب و المشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين و دفن ليلة الأربعاء
و من الأقوال الغريبة في هذا أيضا ما رواه يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار عن محمد بن شعيب عن أبي النعمان عن مكحول قال : ولد رسول الله يوم الاثنين و أوحي إليه يوم الاثنين و هاجر يوم الاثنين و توفي يوم الاثنين لثنتي و ستين سنة و نصف و مكث ثلاثة أيام لا يدفن يدخل عليه الناس أرسالا أرسالا يصلون لا يصفون و لا يؤمهم عليه أحد
فقوله : إنه مكث ثلاثة أيام لا يدفن غريب و الصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين و يوم الثلاثاء بكماله و دفن ليلة الأربعاء كما قدمنا و الله أعلم
و صده ما رواه سيف عن هشام عن أبيه قال : توفي رسول الله يوم الاثنين و غسل يوم الاثنين و دفن ليلة الثلاثاء
قال سيف : و حدثنا يحيى بن سعيد مرة بجميعه عن عائشة به
و هذا غريب جدا
و قال الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون عن أبي عتيق عن جابر بن عبد الله قال : رش على قبر النبي صلى الله عليه و سلم الماء رشا و كان الذي رشه بلال بن رباح بقربة بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه ثم ضرب بالماء إلى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار
و قال سعيد بن منصور عن الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن أبي يمن عن أم سلمة قالت : توفي رسول الله يوم الاثنين و دفن يوم الثلاثاء
و قال ابن خزيمة : حدثنا مسلم بن حماد عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن كريب عن ابن عباس قال : توفي رسول الله يوم الاثنين و دفن يوم الثلاثاء
و قال الواقدي : حدثنا أبي بن عياش بن سهل بن سعد عن أبيه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين و دفن ليلة الثلاثاء
و قال أبو بكر بن أبي الدنيا عن محمد بن سعد : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول و دفن يوم الثلاثاء
و قال عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا : حدثنا الحسن بن إسرائيل أبو محمد النهريتري حدثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول : مات رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين فلم يدفن إلا يوم الثلاثاء
و هكذا قال سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن و أبو جعفر الباقر (4/538)
قد علم بالتواتر أنه عليه الصلاة و السلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة ثم دفن بعده فيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما
و قد قال البخاري : حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا أبو بكر بن عياش عن سفيان التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه و سلم مسنما
تفرد به البخاري
و قال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ عن القاسم قال : دخلت على عائشة و قلت لها : يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة و لا طئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء
النبي صلى الله عليه و سلم
أبو بكر رضي الله عنه
عمر رضي الله عنه
تفرد به أبو داود
و قد رواه الحاكم و البيهقي من حديث ابن أبي فديك عن عمرو بن عثمان عن القاسم قال فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم مقدما و أبو بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه و سلم و عمر رأسه عند رجل النبي صلى الله عليه و سلم
قال البيهقي : و هذه الرواية تدل على أن قبورهم مسطحة لأن الحصباء لا تثبت إلا على المسطح
و هذا عجيب من البيهقي رحمه الله فإنه ليس في الرواية ذكر الحصباء بالكلية و بتقدير ذلك فيمكن ان يكون مسنما و عليه الحصباء مغزورة بالطين و نحوه
و قد روى الواقدي عن الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : جعل قبر النبي صلى الله عليه و سلم مسطحا
و قال البخاري : حدثنا فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن عروة عن أبيه قال : لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه فبدت لهم قدم ففزعوا فظنوا أنها قدم النبي صلى الله عليه و سلم فما وجد واحد يعلم ذلك حتى قال لهم عروة : لا و الله ما هي قدم النبي صلى الله عليه و سلم ما هي إلا قدم عمر
و عن هشام عن أبيه عن عائشة : أنها أوصت عبد الله بن الزبير : لا تدفني معهم و ادفني مع صواحبي بالبقيع لا أزكى به أبدا
قال : كان الوليد بن عبد الملك حين ولى الإمارة في سنة ست و ثمانين قد شرع في بناء جامع دمشق و كتب إلى نائبه بالمدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز أن يوسع في مسجد المدينة فوسعه حتى من ناحية الشرق فدخلت الحجرة النبوية فيه
و قد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن زادان مولى الفرافصة و هو الذي بنى المسجد النبوي أيام عمر بن عبد العزيز على المدينة فذكر عن سالم بن عبد الله نحو ما ذكره البخاري و حكى صفة القبور كما رواه أبو داود (4/541)
قال البخاري : [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد حدثنا ثابت عن أنس قال : لما ثقل النبي صلى الله عليه و سلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة : وا كرب أبتاه فقال لها : ليس على أبيك كرب بعد اليوم ]
فلما مات قالت : و أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة : يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم التراب ؟ !
تفرد به البخاري رحمه الله
و قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا ثابت البناني قال أنس : فلما دفن النبي صلى الله عليه و سلم قالت فاطمة : يا أنس أطابت أنفسكم أن دفنتم رسول الله صلى الله عليه و سلم في التراب و رجعتم ؟
و هكذا رواه ابن ماجه مختصرا من حديث حماد بن زيد به و عنده قال حماد : فكان ثابت إذا حدث بهذا الحديث بكى حتى تختلف أضلاعه
و هذا لا يعد نياحة بل هو من باب ذكر فضائله الحق عليه أفضل الصلاة و السلام و إنما قلنا هذا لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن النياحة
و قد روى الإمام أحمد و النسائي من حديث شعبة سمعت قتادة سمعت مطرفا يحدث عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه ـ فيما أوصى به إلى بنيه ـ أنه قال : و لا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينح عليه
و قد رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في النوادر عن عمرو بن ميمون عن شعبة به
ثم رواه عن علي بن المديني عن المغيرة بن سلمة عن الصعق بن حزن عن القاسم بن مطيب عن الحسن البصري عن قيس بن عاصم به قال : لا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينح عليه و قد سمعته ينهى عن النياحة
ثم رواه عن علي عن محمد بن الفضل عن الصعق عن القاسم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عاصم به
و قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عقبة بن سنان حدثنا عثمان بن عثمان حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينح عليه
و قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا ثابت عن أنس قال : لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء
قال : و ما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا
و هكذا رواه الترمذي و ابن ماجه جميعا عن بشر بن هلال الصواف عن جعفر بن سليمان الضبعي به
و قال الترمذي : هذا حديث صحيح غريب
قلت و إسناده على شرط الصحيحين و محفوظ من حديث جعفر بن سليمان و قد أخرج له الجماعة و رواه الناس عنه كذلك
و قد أغرب الكديمي و هو محمد بن يونس رحمه الله في روايته له حيث قال : حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض و كان أحدنا يبسط يده فلا يراها ـ أو لا يبصرها و ما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا
رواه البيهقي من طريقه كذلك
و قد رواه من طريق غيره من الحفاظ عن أبي الوليد الطيالسي كما قدمنا و هو المحفوظ و الله أعلم
و قد روى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر من طريق أبي حفص بن شاهين حدثنا حسين ابن أحمد بن بسطام بالأبله حدثنا محمد بن يزيد الرؤاسي حدثنا مسلمة ابن علقمة عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : لما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء
و قال ابن ماجه : حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الوهاب ابن عطاء العجلي عن ابن عون عن الحسن عن أبي بن كعب قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و إنما وجهنا واحد فلما قبض نظرنا هكذا و هكذا
و قال أيضا : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا خالي محمد بن إبراهيم بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة السهمي حدثني موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي حدثني مصعب بن عبد الله عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت : كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام المصلى يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان أبو بكر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه فتوفي أبو بكر و كان عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة فتوفي عمر و كان عثمان و كانت الفتنة فتلفت الناس يمينا و شمالا
و قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن ثابت عن أنس أن أم أيمن بكت لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل لها ما يبكيك على النبي صلى الله عليه و سلم ؟ فقالت : إني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سيموت و لكني إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا
هكذا رواه مختصرا
و قد قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن نعيم و محمد بن النضر الجارودي قالا : حدثنا الحسن بن علي الخولاني حدثنا عمرو بن عاصم الكلابي حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال : ذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أم أيمن زائرا و ذهبت معه فقربت إليه شرابا فإما كان صائما و إما كان لا يريده فرده فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم تضاحكه
فقال أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم لعمر : انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها
فلما انتهينا إليها بكت فقالا لها : ما يبكيك ؟ ما عند الله خير لرسوله قالت : و الله ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله و لكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء
فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان
و رواه مسلم منفردا به عن زهير بن حرب عن عمرو بن عاصم به
و قال موسى بن عقبة في قصة وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و خطبة أبي بكر فيها : قال : و رجع الناس حين فرغ أبو بكر من الخطبة و أم أيمن قاعدة تبكي فقيل لها : ما يبكيك ؟ قد أكرم الله نبيه صلى الله عليه و سلم فأدخله جنته و أراحه من نصب الدنيا
فقالت : إنما أبكي على خبر السماء كان يأتينا غضا جديدا كل يوم و ليلة فقد انقطع و رفع فعليه أبكي
فعجب الناس من قولها
و قد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه : [ و حدثت عن أبي أسامة و ممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا و سلفا يشهد لها و إذا أراد هلكة أمة عذبها و نبيها حي فأهلكها و هو ينظر إليها فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه و عصوا أمره ]
تفرد به مسلم إسنادا و متنا
و قد قال الحافظ أبو بكر البزار : [ حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله ـ هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله ملائكته سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ]
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ حياتي خير لكم تحدثون و يحدث لكم و وفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه و ما رأيت من شر استغفرت الله لكم ] ثم قال البزار : لا نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه
قلت : و أما أوله و هو قوله عليه السلام : [ إن لله ملائكته سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ] فقد رواه النسائي من طرق متعددة عن سفيان الثوري و عن الأعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب عن أبيه به
و قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا حسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم و فيه قبض و فيه النفخة و فيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي
قالوا : يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك و قد أرمت ؟ ـ يعني قد بليت ـ قال : إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام ]
و هكذا رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله و عن الحسن بن علي و النسائي عن إسحاق بن منصور ثلاثتهم عن حسين بن علي به و رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حسين بن علي عن ابن جابر عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس فذكره
قال شيخنا أبو الحجاج المزي : و ذلك وهم من ابن ماجه و الصحيح أوس بن أوس و هو الثقفي رضي الله عنه
قلت : و هو عندي في نسخة جيدة مشهورة على الصواب كما رواه أحمد و أبو داود و النسائي عن أوس بن أوس
ثم قال ابن ماجه : [ حدثنا عمرو بن سواد المصري حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة و إن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها قال قلت : و بعد الموت ؟ قال : إن الله حرم على الأرض أن تأكله أجساد الأنبياء عليهم السلام ـ نبي الله حي و يرزق ]
و هذا من أفراد ابن ماجه رحمه الله
و قد عقد الحافظ ابن عساكر ها هنا بابا في إيراد الأحاديث المروية في زيارة قبره الشريف صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين و موضع استقصاء ذلك في كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله تعالى (4/543)
و قال ابن ماجه : [ حدثنا الوليد بن عمرو بن السكين حدثنا أبو همام و هو محمد بن الزبرقان الأهوازي حدثنا موسى بن عبيدة حدثنا مصعب بن محمد عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن عائشة قالت : فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم بابا بينه و بين الناس ـ أو كشف سترا ـ فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم رجاء أن يخلفه فيهم بالذي رآهم فقال : يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي ]
تفرد به ابن ماجه
و قال الحافظ البيهقي : [ أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه حدثنا شافع بن محمد حدثنا أبو جعفر بن سلامة الطحاوي حدثنا المزي حدثنا الشافعي عن القاسم بن عبد الله ابن عمر بن حفص عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه علي بن الحسين فقال : ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالوا : بلى فحدثنا عن أبي القاسم قال : لما أن مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه جبريل فقال : يا محمد إن الله أرسلني إليك تكريما لك و تشريفا لك و خاصة لك أسألك عما هو أعلم به منك يقول : كيف تجدك ؟ قال : أجدني يا جبريل مغموما و أجدني يا جبريل مكوربا
ثم جاءه اليوم الثاني فقال له ذلك فرد عليه النبي صلى الله عليه و سلم كما رد أول يوم ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم و رد عليه كما رد و جاء معه ملك يقال له إسماعيل على مائة ألف ملك كل ملك على مائة ألف ملك فاستأذن عليه فسأل عنه ثم قال : جبريل : هذا ملك الموت يستأذن عليك ما استأذن على آدمي قبلك و لا يستأذن على آدمي بعدك فقال عليه السلام : إيذن له فأذن له
فدخل فسلم عليه ثم قال : يا محمد إن الله أرسلني إليك فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضت و إن أمرتني أن أتركه تركته فقال رسول الله : أو تفعل ياملك الموت ؟ قال : نعم و بذلك أمرت و أمرت أن أطيعك
قال : فنظر النبي صلى الله عليه و سلم إلى جبريل فقال له جبريل : يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لملك الموت : امض لما أمرت به فقبض روحه ]
فلما توفي النبي صلى الله عليه و سلم و جاءت التعزية سمعوا صوتا من ناحية البيت السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته إن في الله عزاء من كل مصيبة و خلفا من كل هالك و دركا من كل فائت فبالله فثقوا و إياه فارجعوا فإنما المصاب من حرم الثواب
فقال علي رضي الله عنه : أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام
و هذا الحديث مرسل و في إسناده ضعف بحال القاسم العمري هذا فإنه قد ضعفه غير واحد من الأئمة و تركه بالكلية آخرون و قد رواه الربيع عن الشافعي عن القاسم عن جعفر عن أبيه عن جده ـ فذكر منه قصة التعزية فقط موصولا ـ و في الإسناد العمري المذكور قد نبهنا على أمره لئلا يغتر به
على أنه قد رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن أبي جعفر البغدادي حدثنا عبد الله بن الحارث أو عبد الرحمن بن المرتعد الصغاني حدثنا أبو الوليد المخزومي حدثنا أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن جابر بن عبد الله قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ناداهم مناد يسمعون الحس و لا يرون الشخص فقال : السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته إن في الله عزاء من كل مصيبة و خلفا من كل فائت و دركا من كل هلك فبالله فثقوا و إياه فارجوا فإنما المحروم من حرم الثواب و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثم قال البيهقي : هذان الإسنادان و إن كانا ضعفين فأحدهما يتأكد بالآخر و يدل على أن له أصلا من حديث جعفر و الله أعلم
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر أحمد بن بالويه حدثنا محمد بن بشر بن مطر حدثنا كامل بن طلحة حدثنا عباد بن عبد الصمد عن أنس بن مالك قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدق به أصحابه فبكوا حوله و اجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية حسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن في الله عزاء من كل مصيبة و عوضا من كل فائت و خلفا من كل هالك فإلى الله فأنيبوا و إليه فارغبوا و نظره إليكم في البلايا فانظروا فإن المصاب من لم يجبر فانصرف
فقال بعضهم لبعض : تعرفون الرجل ؟ فقال أبو بكر و علي : نعم هذا أخو رسول الله صلى الله عليه و سلم الخضر
ثم قال البيهقي : عباد بن عبد الصمد ضعيف و هذا منكر بمرة
و قد روى الحارث بن أبي أسامة عن محمد بن سعد أنبأنا هاشم بن القاسم حدثنا صالح المزني عن أبي حازم المدني أن رسول الله حين قبضه الله عز و جل دخل المهاجرون فوجا فوجا يصلون عليه و يخرجون ثم دخلت الأنصار على مثل ذلك ثم دخل أهل المدينة حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء فكان منهن صوت و جزع كبعض ما يكون منهن فسمعن هدة في البيت فعرفن فسكتن فإذا قائل يقول : إن في الله عزاء من كل هالك و عوضا من كل مصيبة و خلفا من كل فائت و المجبور من جبره الثواب و المصاب من لم يجبره الثواب (4/549)
قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال : كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع و ذا عمرو فجعلت أحدثهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فقالا لي : إن كان ما تقول حقا فقد مضى صاحبك على أجله منذ ثلاث
قال فأقبلت و أقبلا حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من المدينة فسألهم فقالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و استخلف أبو بكر و الناس صالحون قال : فقالا لي : أخبر صاحبك أنا قد جئنا و لعلنا سنعود إن شاء الله عز و جل
قال : و رجعا إلى اليمن فلما أتيت أخبرت أبا بكر بحديثهم قال : أفلا جئت بهم ؟ فلما كان بعد قال لي ذو عمرو : يا جرير إن لك علي كرامة و إني مخبرك خبرا إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر أما إذا كانت بالسيف كنتم ملوكا تغضبون غضب الملوك و ترضون رضا الملوك
و هكذا رواه الإمام أحمد و البخاري عن أبي بكر بن أبي شيبة و هكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان عنه
و قال البيهقي : أنبأنا الحاكم أنبأنا علي بن المتوكل حدثنا محمد بن يونس حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا زائدة عن زياد بن علاقة عن جرير قال : لقيني حبر باليمن و قال لي : إن كان صاحبكم نبيا فقد مات يوم الأثنين
هكذا رواه البيهقي
و قد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد حدثنا زائدة حدثنا زياد بن علاقة عن جرير قال لي حبر باليمن : إن كان صاحبكم نبيا فقد مات اليوم قال جرير : فمات يوم الأثنين
و قال البيهقي : أنبأنا أبو الحسين بن بشران المعدل ببغداد أنبأنا أبو جعفر محمد بن عمرو حدثنا محمد بن الهيثم حدثنا سعيد بن كثير بن عفير حدثني عبد الحميد بن كعب بن علقمة بن كعب بن عدي التنوخي عن عمرو بن الحارث عن ناعم بن أجبل عن كعب بن عدي قال : أقبلت في وفد من أهل الحيرة إلى النبي صلى الله عليه و سلم : فعرض علينا الإسلام فأسلمنا ثم انصرفنا إلى الحيرة
فلم نلبث أن جاءتنا وفاة النبي صلى الله عليه و سلم فارتاب أصحابي و قالوا : لو كان نبيا لم يمت فقلت : قد مات الأنبياء قبله و ثبت على إسلامي ثم خرجت أريد المدينة فمررت براهب كنا لا نقطع أمرا دونه فقلت له : أخبرني عن أمر أردته نفخ في صدري منه شيء فقال : إئت باسم من الأسماء فأتيته بكعب فقال : ألقه في هذا السفر لسفر أخرجه فألقيت فيه فصفح فيه فإذا بصفة النبي صلى الله عليه و سلم كما رأيته و إذا هو يموت في الحين الذي مات فيه
قال : فاشتدت بصيرتي في إيماني و قدمت على أبي بكر رضي الله عنه فأعلمته و أقمت عنده فوجهني إلى المقوقس فرجعت و وجهني أيضا عمر بن الخطاب فقدمت عليه بكتابه فأتيته و كانت وقعة اليرموك و لم أعلم بها فقال لي : أعلمت أن الروم قتلت العرب و هزمتهم ؟ فقلت كلا قال : و لم ؟ قلت إن الله و عد نبيه أن يظهره على الدين كله و ليس بمخلف الميعاد قال : فإن نبيكم قد صدقكم قتلت الروم و الله قتل عاد
قال : ثم سألني عن و جوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته و أهدي إلى عمر و إليهم و كان ممن أهدي إليه علي و عبد الرحمن و الزبير ـ و أحسبه ذكر العباس ـ
قال كعب : و كنت شريكا لعمر في البز في الجاهلية فلما أن فرض الديوان فرض لي في بني عدي بن كعب
و هذا أثر غريب و فيه نبأعجيب و هو صحيح (4/552)
قال محمد بن إسحاق : و لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتدت العرب و اشرأبت اليهودية و النصرانية و نجم النفاق و صار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبي بكر رضي الله عنه
قال ابن هشام : و حدثني أبو عبيدة و غيره من أهل العلم أنت أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم هموا بالرجوع عن الإسلام و أرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد رضي الله عنه فتوارى فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه فحمد الله و أثنى عليه ثم ذكر و فاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة فمن رابنا ضربنا عنقه فتراجع الناس و كفوا عما هموا به فظهر عتاب بن أسيد
فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله لعمر الخطاب ـ يعني حين أشار بقلع ثنيته حين قع في الأسارى يوم بدر ـ : إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمنه !
قلت : و قد ذكرنا ما وقع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من الردة في أحياء كثيرة من العرب و ما كان من أمر مسيلمة بن حبيب المتنبي باليمامة و الأسود العنسي باليمن و ما كان من أمر الناس حتى فاءوا و رجعوا إلى الله تائبين نازعين عما كانوا عليه في حال ردتهم من السفاهة و الجهل العظيم الذي استفزهم الشيطان به حتى نصرهم الله و ثبتهم و ردهم إلى دينه الحق على يدي الخليفة الصديق أبي بكر رضي الله عنه و أرضاه (4/554)
و قد ذكر ابن إسحاق و غيره قصائد لحسان بن ثابت رضي الله عنه في وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و من أجل ذلك و أفصحه و أعظمه ما رواه عبد الملك بن هشام رحمه الله عن أبي زيد الأنصاري أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال يبكي رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( بطيبة رسم للرسول و معهد ... منير و قد تعفو الرسوم و تهمد )
( و لا تمتحي الآيات من دار حرمة بها منبر الهادي الذي كان يصعد )
( و واضح آيات و باقي معالم و ربع له فيه مصلى و مسجد )
( بها حجرات كان ينزل وسطها من الله نور يستضاء و يوقد )
( معارف لم تطمس على العهد آيها أتاها البلى فالآى منها تجدد )
( عرفت بها رسم الرسول و عهده و قبرا بها واراه في الترب ملحد )
( ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت عيون و مثلاها من الجن تسعد )
( يذكرون آلاء الرسول و لا أرى لها محصيا نفسي فنفسي تبلد )
( مفجعة قد شفها مفد أحمد فظلت لآلاء الرسول تعدد )
( و ما بلغت من كل أمر عشيره و لكن لنفسي بعد ما قد توجد )
( أطالت وقوفا تذرف العين جهدها على طلل القبر الذي فيه أحمد )
( فبوركت يا قبر الرسول و بوركت بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد )
( و بورك لحد منك ضمن طيبا عليه بناء من صفيح منضد )
( تهيل عليه الترب أيد و أعين عليه ـ و قد غارت بذلك أسعد )
( لقد غيبوا حلما و علما و رحمة عشية علوه الثرى لا يوسد )
( و رواحوا بحزن ليس فيهم نبيهم و قد وهنت منهم ظهور و أعضد )
( و يبكون من تبكي السموات يومه و من قد بكته الأرض فالناس أكمد )
( و هل عدلت يوما رزية هالك رزية يوم مات فيه محمد )
( تقطع فيه منزل الوحي عنهم و قد كان ذا نور يغور و ينجد )
( يدل على الرحمن من يقتدي به و ينقد من هول الخزايا و يرشد )
( إمام لهم يهديهم الحق جاهدا معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا )
( عفو عن الزلات يقبل عذرهم و إن يحسنوا فالله بالخير أجود )
( و إن ناب أمر لم يقوموا بحمله فمن عنده تيسير ما يتشدد )
( فبيناهم في نعمة الله وسطهم دليل به نهج الطريقة يقصد )
( عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى حريص على أن يستقيموا و يهتدوا )
( عطوف عليهم لا يثني جناحه إلى كنف يحنو عليهم و يمهد )
( فبيناهم في ذلك النور إذ غدا إلى نورهم سهم من الموت مقصد )
( فأصبح محمودا إلى الله راجعا يبكيه حق المرسلات و يحمد )
( و أمست بلاد الحرم وحشا بقاعها لغيبة ما كانت من الوحي تعهد )
( قفارا سوى معمورة اللحد ضافها فقيد يبكيه بلاط و غرقد )
( و مسجده فالموحشات لفقده ... خلاء له فيه مقام و مقعد )
( و بالجمرة الكبرى له ثم أوحشت ديار و عرصات و ربع و مولد )
( فبكى رسول الله يا عين عبرة و لا أعرفنك للدهر دمعك يجمد )
( و ما لك لا تبكين ذا النعمة التي على الناس منها سابغ يتغمد )
( فجودي عليه بالدموع و أعولي لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد )
( و ما فقد الماضون مثل محمدو لا مثله حتى القيامة يفقد )
( أعف و أوفى ذمة بعد ذمة و أقرب منه نائلا لا ينكد )
( و أبذل منه للطريف و تالد إذا ضن معطاء بما كان يتلد )
( و أكرم حيا في البيوت إذا انتمى و أكرم جدا أبطحيا يسود )
( و أمنع ذروات و أثبت في العلا دعائم عز شاهقات تشيد )
( و أثبت فرعا في الفروع و منبتاو عودا غذاه ... المزن فالعود أغيد )
( رباه وليدا فاستتم تمامه ... على أكرم الخيرات رب ممجد )
( تناهت وصاة المسلمين بكفه فلا العلم محبوس و لا الرأي يفند )
( أقول و لا يلفي لما قلت عائبمن الناس إلا عازب العقل مبعد )
( و ليس هوائي نازعا عن ثنائه لعلي به في جنة الخلد أخلد )
( مع المصطفى أرجو بذاك جوارهو في نيل ذاك اليوم أسعى و أجهد )
و قال الحافظ أبو القاسم السهيلي في آخر كتابه الروض : و قال أبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب يبكي رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( أرقت فبات ليلى لا يزول و ليل أخي المصيبة فيه طول )
( و أسعدني البكاء و ذاك فيما أصيب المسلمون به قليل )
( لقد عظمت مصيبتنا و جلت عشية قيل قد قبض الرسول )
( و أضحت أرضنا مما عراها تكاد بنا جوانبها تميل )
( فقدنا الوحي و التنزيل فينا يروح به و يندو جبرئيل )
( و ذاك أحق ما سألت عليه نفوس الناس أو كادت تسيل )
( نبي كان يجلو الشك عنا ... بما يوحي إليه و ما يقول )
( و يهدينا فلا نخشى ضلالا علينا و الرسول لنا دليل )
( أفاطم إن جزعت فذاك عذرو إن لم تجزعي ذاك السبيل )
( فقبر أبيك سيد كل قبر ... و فيه سيد الناس الرسول ) (4/556)
فإن الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده ـ كما هي عند الله ـ من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا صلوات الله و سلامه عليه و على إخوانه من النبيين و المرسلين و سلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين
قال البخاري : حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو ابن الحارث قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا و لا درهما و لا عبدا و لا أمة إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها و سلاحه و أرضا جعلها لابن السبيل صدقة
انفرد به البخاري دون مسلم فرواه في أماكن من صحيحه من طرق متعددة عن أبي الأحوص و سفيان الثوري و زهير بن معاوية
و رواه الترمذي من حديث إسرائيل و النسائي أيضا من حديث يونس بن أبي إسحاق كلهم عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن عمرو بن الحارث بن المصطلق بن أبي ضرار أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما به
و قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش و ابن نمير عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا و لا درهما و لا شاة و لا بعيرا و لا أوصى بشيء
و هكذا رواه مسلم منفردا به عن البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجه من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الأعمش عن شقيق بن سلمة أبي وائل عن مسروق بن الأجدع عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات رضي الله عنها و أرضاها
و قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف عن سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش عن عائشة قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا و لا درهما و لا أمة و لا عبدا و لا شاة و لا بعيرا
و حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عاصم عن زر عن عائشة : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا و لا درهما و لا شاة و لا بعيرا
قال سفيان : و أكثر علمي و أشك في العهد و الأمة
و هكذا رواه الترمذي في الشمائل عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي به
قال الإمام أحمد : و حدثنا وكيع حدثنا مسعر عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عائشة قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا و لا درهما و لا عبدا و لا أمة و لا شاة و لا بعيرا
هكذا رواه الإمام أحمد من غير شك
و قد رواه البيهقي عن أبي زكريا بن أبي إسحاق المزكي عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا بن عبد الوهاب أنبأنا جعفر بن عون أنبأنا مسعر عن عاصم عن زر قال : عائشة : تسألوني عن ميراث رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا و لا درهما و لا عبدا و لا وليدة
قال مسعر : أراه قال : و لا شاة و لا بعيرا
قال و أنبأنا مسعر عن عدي بن ثابت عن علي بن الحسين قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا و لا درهما و لا عبدا و لا وليدة و قد ثبت في الصحيحين من حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل و رهنه درعا من حديد
و في لفظ للبخاري رواه عن قبيصة عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : توفي النبي صلى الله عليه و سلم و درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين
و رواه البيهقي من حديث يزيد بن هارون عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم الأسود عنها قالت : توفي النبي صلى الله عليه و سلم و درعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير
ثم قال رواه البخاري عن محمد بن كثير عن سفيان
ثم قال البيهقي : [ أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أبو بكر محمد بن حموية العسكري حدثنا جعفر بن محمد القلانسي حدثنا آدم حدثنا شيبان عن قتادة عن أنس قال : لقد دعي رسول الله صلى الله عليه و سلم على خبز شعير و إهالة سنخة قال أنس : و لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول و الذي نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاع بر و لا صاع تمر ] و إن له يومئذ تسع نسوة و لقد رهن درعا له عند يهودي بالمدينة و أخذ منه طعاما فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى الله عليه و سلم
و قد روى ابن ماجه بعضه من حديث شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة به
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الصمد حدثنا ثابت حدثنا هلال عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم نظر إلى أحد فقال : و الذي نفسي بيده ما يسرني أن أحدا لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت و عندي منه ديناران إلا أن أرصدهما لدين ]
قال : فمات فما ترك دينارا و لا درهما و لا عبدا و لا وليدة فترك درعه رهنا عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير
و قد روى آخره ابن ماجه عن عبد الله بن معاوية الجمحي عن ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب العبدي الكوفي به و لأوله شاهد في الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه
و قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الصمد و أبو سعيد و عفان قالوا : حدثنا ثابت ـ هو ابن يزيد ـ حدثنا هلال ـ هو ابن خباب ـ عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليه عمر و هو على حصير قد أثر في جنبه فقال : يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا ؟ فقال : ما لي و للدنيا ما مثلي و مثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح و تركها ]
تفرد به أحمد و إسناده جيد
و له شاهد من حديث ابن عباس عن عمر في المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه و سلم و قصة الإيلاء و سيأتي الحديث مع غيره مما شاكله في بيان زهده عليه السلام و تركه الدنيا و إعراضه عنها و إطراحه لها و هو مما يدل على ما قلناه من أنه عليه السلام لم تكن الدنيا عنده ببال
و قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان حدثنا عبد العزيز بن رفيع قال : دخلت أنا و شداد بن معقل على ابن عباس فقال ابن عباس : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا ما بين هذين اللوحين قال : و دخلنا على محمد بن علي فقال مثل ذلك
و هكذا رواه البخاري عن قتيبة عن سفيان بن عيينة به
و قال البخاري : حدثنا أبو نعيم حدثنا مالك بن مغول عن طلحة قال سألت عبد الله بن أبي أوفى : أأوصى النبي صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : لا فقال : كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بها ؟ قال : أوصى بكتاب الله عز و جل
و قد رواه البخاري أيضا و مسلم و أهل السنن إلا أبا داود من طرق عن مالك ابن مغول به و قال الترمذي : حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك ابن مغول
تنبيه
قد ورد أحاديث كثيرة سنوردها قريبا بعد هذا الفصل في ذكر أشياء كان يختص بها صلوات الله و سلامه عليه في حياته من دور و مساكن نسائه و إماء و عبيد و خيول و إبل و غنم و سلاح و بغلة و حمار و ثياب و خاتم و غير ذلك مما سنوضحه بطرقه و دلائله
فلعله عليه السلام تصدق بكثير منها في حياته منجزا و أعتق من أعتق من إمائه و عبيده و أرصدا ما أرصده من أمتعته مع ما خصه الله به من الأرضين من بني النضير و خيبر و فدك في مصالح المسلمين على ما سنبينه إن شاء الله إلا أنه لم يخلف من ذلك شيئا يورث عنه قطعا لما سنذكره قريبا و بالله المستعان (4/560)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به و قال مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يقتسم ورثتي دينارا و لا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي و مؤنة عاملي فهو صدقة ]
و قد رواه البخاري و مسلم و أبو داود من طرق [ عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي و مؤنة عاملي فهو صدقة ]
لفظ البخاري
ثم قال البخاري : [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر ليسألهن ميراثهن فقالت عائشة : أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نورث ما تركنا صدقة ؟ ]
و هكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى و أبو داود عن القعنبي و النسائي عن قتيبة كلهم عن مالك به
فهذه إحدى النساء الوارثات ـ إن لو قدر ميراث ـ قد اعترفت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل ما تركه صدقة لا ميراثا و الظاهر أن بقية أمهات المؤمنين وافقنها على ما روت و تذكرن ما قالت لهن من ذلك فإن عبارتها تؤذن بأن هذا أمر مقرر عندهن و الله أعلم
و قال البخاري : [ حدثنا إسماعيل بن أبان حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ]
و قال البخاري : باب قول رسول الله : لا نورث ما تركنا صدقة : حدثنا عبد الله ابن محمد حدثنا هشام أنبأنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة و العباس أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هما حينئذ يطلبان أرضه من فدك و سهمه من خيبر فقال لهما أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول [ لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال ]
قال أبو بكر : و الله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنعه فيه إلا صنعته
قال : فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت
و هكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر
ثم رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها مما ترك مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا نورث ما تركنا صدقة ] فغضبت فاطمة و هجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت
قال : و عاشت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ستة أشهر و ذكر تمام الحديث
و هكذا قال الإمام أحمد و قد روى البخاري هذ االحديث في كتاب المغازي من صحيحه عن ابن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة كما تقدم و زاد : فلما توفيت دفنها علي ليلا و لم يؤذن أبا بكر و صلى عليها
و كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر و مبايعته و لم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر : إيتنا و لا يأتنا معك أحد و يكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر فقال عمر : و الله لا تدخل عليهم وحدك قال أبو بكر : و ما عسى أن يصنعوا بي ؟ و الله لآتينهم
فانطلق أبو بكر رضي الله عنه [ فتشهد علي ] و قال : إنا قد عرفنا فضلك و ما أعطاك الله و لم تنفس عليك خيرا ساقه الله إليك و لكنكم استبددتم بالأمر و كنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لنا في هذا الأمر نصيبا فلم يزل علي يذكر حتى بكى أبو بكر رضي الله عنه و قال : و الذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب إلي أن أصل من قرابتي و أما الذي شجر بينكم في هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الخير و لم أترك أمرا صنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا صنعته
فلما صلى أبو بكر رضي الله عنه الظهر رقى على المنبر فتشهد و ذكر شأن علي و تخلفه عن البيعة و عذره بالذي اعتذر به و تشهد علي رضي الله عنه فعظم حق أبي بكر و ذكر فضيلته و سابقته و حدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ثم قام إلى أبي بكر رضي الله عنهما فبايعه فأقبل الناس على علي فقالوا : أحسنت و كان الناس إلى علي قريبا حين راجع الأمر المعروف
و قد رواه البخاري أيضا و مسلم و أبو داود و النسائي من طرق متعددة عن الزهري عن عروة عن عائشة بنحوه
فهذه البيعة التي وقعت من علي رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها بيعة مؤكدة للصلح الذي وقع بينهما و هي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولا يوم السقيفة كما رواه ابن خزيمة و صححه مسلم بن الحجاج و لم يكن علي مجانبا لأبي بكر هذه الستة الأشهر بل كان يصلي وراءه و يحضر عنده للمشورة و ركب معه إلى ذي القصة
و في صحيح البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بليال ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان فاحتمله على كاهله و جعل يقول :
[ يا بأبي شبه النبي ليس شبيها بعلي ]
و علي يضحك و لكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن شيئا لم يبايع قبلها فنفي ذلك و المثبت مقدم على النافي كما تقدم و كما تقرر و الله أعلم
و أما تغضب فاطمة رضي الله عنها و أرضاها على أبي بكر رضي الله عنه و أرضاه فما أدري ما وجهه
فإن كان لمنعه إياها سألته من الميراث فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله و هو ما رواه عن أبيها رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا نورث ما تركنا صدقة ] و هي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث كما خفي على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم حتى أخبرتهن عائشة بذلك و وافقنها عليها
و ليس يظن بفاطمة رضي الله عنها أنها اتهمت الصديق رضي الله عنه فيما أخبرها به حاشاها و حاشاه من ذلك كيف و قد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب و العباس بن عبد المطلب و عبد الرحمن بن عوف و طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص و أبو هريرة و عائشة رضي الله عنهم أجمعين كما سنبنيه قريبا
و لو تفرد ذلك بروايته الصديق رضي الله عنه لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته و الانقياد له في ذلك
و إن كان غضبها لأجل ما سألت الصديق إذا كانت هذه الأراضي صدقة لا ميراثا أن يكون زوجها ينظر فيها فقد اعتذر بما حاصله : أنه لما كان خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو يرى أن فرضا عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم و بلى ما كان يليه رسول الله و لهذا قال : و إني و الله لا أدع أمرا كان يصنعه فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا صنعته قال : فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت
و هذا الهجران و الحالة هذه فتح على فرقة الرافضة شرا عريضا و جهلا طويلا و أدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم
و لو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله منه عذره الذي يجب على كل أحد قبله
و لكنهم طائفة مخذولة و فرقة مرذولة يتمسكون بالمتشابه و يتركون الأمور المحكمة المقدرة عند أئمة الإسلام من الصحابة و التابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار و الأمصار رضي الله عنهم و أرضاهم أجمعين (4/566)
قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال : أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان و كان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك فانطلقت حتى دخلت عليه فسألته فقال : انطلقت حتى أدخل على عمر فأتاه حاجبه يرفأ فقال : هل لك في عثمان و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و سعد ؟ قال : نعم فأذن لهم ثم قال : هل لك في علي و عباس ؟ قال : نعم : قال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني و يبن هذا
قال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء و الأرض : هل تعلمون رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا نورث ما تركنا صدقة ؟ ] يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه ؟ قال الرهط : قد قال ذلك فأقبل على علي و عباس فقال : هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال ذلك ؟ قالا : قد قال ذلك
قال عمر بن الخطاب ؟ : فإني أحدثكم عن هذا الأمر : إن الله كان قد خص لرسول الله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره قال : { ما أفاء الله على رسوله } إلى قوله { قدير } فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه و سلم و الله ما احتازها دونكم و لا استأثر بها عليكم لقد أعطاكموها و بثها فيكم حتى بقى منها هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينفق على أهل من هذا المال نفقة سنته ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم ثم قال لعلي و عباس : أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم
فتوفي الله نبيه قفال أبو بكر رضي الله عنه : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبضها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم توفى الله أبا بكر فقلت : أنا ولي ولي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبضها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر ثم جئتماني و كلمتكما واحدة و أمركما جميع حتى جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك و جاءني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت : إن شئتما دفعتها إليكما بذلك فتلتمسان مني قضاء غير ذلك ؟ فو الله الذي بإذنه تقوم السماء و الأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما فادفعاها إلى أكفيكماها
و قد رواه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه و مسلم و أهل السنن من طرق عن الزهري به
و في رواية في الصحيحين فقال عمر : فوليها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق ثم وليتها فعملت فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و الله يعلم أني صادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني فدفعنها إليكما لتعملا فيها بما عمل رسول الله و أبو بكر و عملت فيها أنا أنشدكم بالله أدفعتها إليهما بذلك ؟ قالوا : نعم ثم قال لهما أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك ؟ قالا : نعم قال : أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك ؟ لا و الذي بإذنه تقوم السماء و الأرض
و قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن عمرو عن الزهري عن مالك بن أوس قال سمعت عمر يقول لعبد الرحمن و طلحة و الزبير و سعد : نشدتكم بالله الذي تقوم السماء و الأرض بأمره أعلمتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا نورث ما تركنا صدقة ] قالوا : نعم
على شرط الصحيحين
قلت : و كان الذي سألاه بعد تفويض النظر إليهما و الله أعلم هو أن يقسم بينهما النظر فيجعل لكل واحد منهما نظر ما كان يستحقه بالأرض لو قدر أنه كان وارثا
و كأنما قدما بين أيديهما جماعة من الصحابة منهم عثمان و ابن عوف و طلحة و الزبير و سعد و كان قد وقع بينهما خصومة شديدة بسبب إشاعة النظر بينهما فقال الصحابة الذين قدموهم بين أيديهما : يا أمير المؤمنين اقض بينهما أو أرح أحدهما من الآخر
فكأن عمر رضي الله عنه تحرج من قسمة النظر بينهما بما يشبه قسمة الميراث و لو في الصورة الظاهرة محافظة على امتثال قوله صلى الله عليه و سلم : [ لا نورث ما تركنا صدقة ] فامتنع عليهم كلهم و أبي من ذلك أشد بلاء رضي الله عنه و أرضاه
ثم إن عليا و العباس استمرا على ما كانا عليه ينظران فيها جميعا إلى زمان عثمان بن عفان فغلبه عليها علي و تركها له العباس بإشارة ابنه عبد الله رضي الله عنهما بين يدي عثمان كما رواه أحمد في مسنده فاستمرت في أيدي العلويين
و قد تقصيت طرق هذا الحديث و ألفاظه في مسندي الشيخين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما فإني و لله الحمد جمعت لكل واحد منهما مجلدا ضخما مما رواه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و رآه من النفقة النافع الصحيح و رتبه على أبواب الفقه المصطلح عليها اليوم
و قد روينا أن فاطمة رضي الله عنها احتجت أولا بالقياس و بالعموم في الآية الكريمة فأجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي و أنها سلمت له ما قال و هذا هو للمظنون بها رضي الله عنها
فقال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمور عن أبي سلمة أ ن فاطمة قالت لأبي بكر : من يرثك إذا مت ؟ قال : ولدي و أهلي قالت : فما لنا لا نرث رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إن النبي لا يورث ] ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعول و أنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينفق
و قد وراه الترمذي في جامعه عن محمد بن المثنى عن أبي الوليد الطيالسي عن محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره فوصل الحديث و قال الترمذي : حسن صحيح غريب
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أأنت ورثت رسول الله أم أهله ؟ فقال : لا بل أهله فقالت : فأين سهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله الذي يقوم من بعده ] فرأيت أن أرده على المسلمين قالت : فأنت و ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم
و هكذا رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل به
ففي لفظ هذا الحديث غرابة و نكارة و لعله روى بمعنى ما فهمه بعض الرواة و فيهم من فيه تشيع فليعلم ذلك
و أحسن ما فيه قولها : أنت و ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا هو الصواب و المظنون بها و اللائق بأمرها و سيادتها و علمها و دينها رضي الله عنها
و كأنها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظرا على هذه الصدقة فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه فتعتبت عليه بسبب ذلك و هي امرأة من بنات آدم تأسف كما يأسفن و ليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله صلى الله عليه و سلم و مخالفة أبي بكر الصديق رضي الله عنها
و قد روينا عن أبي بكر رضي الله عنه : أنه ترضى فاطمة و تلاينها قبل موتها فرضيت رضي الله عنها
قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الوهاب حدثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور أنبأنا أبو جمرة عن إسماعيل بن ابن أبي خالد عن الشعبي قال : لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي : يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ؟ فقال أتحب أن آذن له ؟ قال : نعم
فأذنت له فدخل عليها يترضاها فقال : و الله ما تركت الدار و المال و الأهل و العشيرة إلا ابتغاه مرضاة الله و مرضاة رسوله و مرضاتكم أهل البيت ثم ترضاها حتى رضيت
و هذا إسناد جيد قوي و الظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي
و قد اعترف علماء أهل البيت بصحة ما حكم به أبو بكر في ذلك :
قال الحافظ البيهقي : أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله الصفار حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا نصر بن علي حدثنا ابن داود عن فضيل بن مرزوق قال : قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك (4/570)
و قد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل و تكلفوا ما لا علم لهم به و كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله و أدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم
و حاول بعضهم أن يرد خبر أبي بكر رضي الله عنه فيما ذكرناه بأنه مخالف للقرآن حيث يقول الله تعالى : { و ورث سليمان داود } الآية و حيث قال تعالى إخبارا عن زكريا أنه قال : { فهب لي من لديك وليا يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله رب رضيا }
و استدلالهم بهذا باطل من وجوه
أحدها أن قوله : { و ورث سليمان داود } إنما يعني بذلك في الملك و النبوة أي جعلناه قائما بعده فيما كان يليه من الملك و تدبير الرعايا و الحكم بين بني إسرائيل و جعلناه نبيا كريما كأبيه و كما جمع لأبيه الملك و النبوة كذلك جعل ولده بعده
و ليس المراد بهذا وراثة المال لأن داود كما ذكرناه كثير من المفسرين كان له أولاد كثيرون يقال مائة فلم اقتصر على ذكر سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال ؟ إنما المراد وراثة القيام بعده في النبوة و الملك و لهذا قال : { و ورث سليمان داود } و قال : { يا أيها الناس علمنا منطق الطير و أوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين } و ما بعدها من الآيات
و قد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا التفسير بما فيه كفاية و لله الحمد و المنة كثيرا
و أما قصة زكريا فإنه عليه السلام من الأنبياء الكرام و الدنيا كانت عنده أحقر من أن يسأل الله ولدا ليرثه في ماله كيف و إنما كان نجارا يأكل من كسب يده كما رواه البخاري و لم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولدا يرث عنه ماله أن لو كان له مال و إنما سأل ولدا صالحا يرثه في النبوة و القيام بمصالح بني إسرائيل و حملهم على السداد و لهذا قال تعالى : { كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيبا و لم أكن بدعائك رب شقيا و إني خفت الموالي من ورائي و كانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله رب رضيا } القصة بتمامها فقال : { وليا يرثني و يرث من آل يعقوب } يعني النبوة كما قررنا ذلك في التفسير و لله الحمد و المنة
و قد تقدم في رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ و النبي لا يورث ] و هذا اسم جنس يعم كل الأنبياء و قد حسنه الترمذي و في الحديث الآخر : [ نحن معشر الأنبياء لا نورث ]
و الوجه الثاني : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد خص من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فيها كما سنعقد له بابا مفردا في آخر السيرة إن شاء الله فلو قدر أن غيره من الأنبياء يورثون ـ و ليس الأمر كذلك ـ لكان ما رواه من ذكرنا من الصحابة الذين منهم الأئمة الأربعة أبو بكر و عمر و عثمان و علي مبينا لتخصيصه بهذا الحكم دون سواه
و الثالث : أنه يجب العمل بهذا الحديث و الحكم بمقتضاه كما حكم به الخلفاء و اعترف بصحته العلماء سواء كان من خصائصه أم لا فإنه قال : [ لا نورث ما تركناه صدقة ]
إذ يحتمل من حيث اللفظ أن يكون قوله عليه السلام : [ ما تركناه صدقة ] أن يكون خبرا عن حكمه أو حكم سائر الأنبياء معه على ما تقدم و هو الظاهر و يحتمل أن يكون إنشاء وصية كأنه يقول : [ لا نورث لأن جميع ما تركناه صدقة ] و يكون تخصيصه من حيث جواز جعله ماله كله صدقة
و الاحتمال الأول أظهر و هو الذي سلكه الجمهور و قد يقوى المعنى الثاني بما تقدم [ من حديث مالك و غيره عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي و مؤنة عاملي فهو صدقة ]
و هذا اللفظ مخرج في الصحيحين و هو يرد تحريف من قال من الجهلة من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث : ما تركنا صدقة بالنصب جعل ما نافية فكيف يصنع بأول الحديث و هو يقول : لا نورث ؟ و بهذه الرواية : [ ما تركت بعد نفقة نسائي و مؤنة عاملي فهو صدقة ]
و ما شأن هذا إلا كما حكى عن بعض المعتزلة أنه قرأ على شيخ من أهل السنة : { و كلم الله موسى تكليما } بنصب الجلالة فقال له الشيخ : و يحك كيف تصنع بقوله تعالى : { فلما جاء موسى لميقاتنا و كلمه ربه } !
و المقصود أنه يجب العمل بقوله صلى الله عليه و سلم : [ لا نورث ما تركنا صدقة ] على كل تقدير احتمله اللفظ و المعنى فإنه مخصص لعموم آية الميراث و مخرج له عليه السلام منها إما وحده أو مع غيره من إخوانه الأنبياء عليه و عليهم الصلاة و السلام (4/575)
قال الله تعالى : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض و قلن قولا معروفا و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى و أقمن الصلاة و آتين الزكاة و أطعن الله و رسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا }
لا خلاف أنه عليه السلام توفي عن تسع و هن : عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية و حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية و أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب ابن أمية الأموية و زينب بنت جحش الأسدية و أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية و ميمونة بنت الحارث الهلالية و سودة بنت زمعة العامرية و جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار المصطلقية و صفية بنت حيي بن أخطب النضرية الإسرائيلية الهارونية رضي الله عنهن و أرضاهن
و كان له سريتان و هما مارية بنت شمعون القبطية المصرية من كورة أنصناء و هي أم ولده إبراهيم عليه السلام و ريحانة بنت شمعون القرظية أسلمت ثم أعتقها فلحقت بأهلها و من الناس من يزعم أنها احتجبت عندهم و الله أعلم
و أما الكلام على ذلك مفصلا و مرتبا من حيث ما وقع أولا فأولا مجموعا من كلام الأئمة رحمهم الله فنقول و بالله المستعان :
روى الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بخمس عشرة امرأة دخل منهن بثلاث عشرة و اجتمع عنده إحدى عشرة و مات عن تسع
ثم ذكره هؤلاء التسع اللاتي ذكرناهن رضي الله عنهن
و رواه سيف بن عمر عن سعيد عن قتادة عن أنس و الأول أصح و رواه سيف بن عمر التميمي عن سعيد عن قتادة عن أنس و ابن عباس مثله
و روى سيف بن سعيد بن عبد الله عن عبد الله بن أبي ملكية عن عائشة مثله قالت فالمرأتان اللتان لم يدخل بهما فهما عمرة بنت يزيد الغفارية و الشنباء فأما عمرة فإنه خلا بها و جردها فرأى بها وضحا فردها و أوجب لها الصداق و حرمت على غيره و أما الشنباء فلما أدخلت عليه لم تكن يسيرة فتركها ينتظر بها اليسر فلما مات ابنه إبراهيم على بغتة ذلك قالت : لو كان نبيا لم يمت ابنه فطلقها و أوجب لها الصداق و حرمت على غيره
قالت : فاللاتي اجتمعن عنده عائشة و سودة و حفصة و أم سلمة و أم حبيبة و زينب بنت جحش و زينب بنت خزيمة و جويرية و صفية و ميمونة و أم شريك
قلت : و في صحيح البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يطوف على نسائه و هن إحدى عشرة امرأة
و المشهور أن أم شريك لم يدخل بها كما سيأتي بيانه و لكن المراد بالإحدى عشرة اللاتي كان يطوف عليهن التسع المذكورات و الجاريتان مارية و ريحانة
و رواه يعقوب بن سفيان الفسوى عن الحجاج بن أبي منيع عن جده عبيد الله ابن أبي زياد الرصافي عن الزهري
و قد علقه البخاري في صحيحه عن الحجاج هذا
و أورد له الحافظ ابن عساكر طرفا عنه أن أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي زوجه إياها أبوها قبل البعثة
و في رواية قال الزهري : و كان عمر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم تزوج خديجة إحدى و عشرين سنة و قيل خمس و عشرين سنة زمان بنيت الكعبة و قال الواقدي و زاد : و لها خمس و أربعون سنة
و قال آخرون من أهل العلم : كان عمره عليه السلام يومئذ ثلاثين سنة و عن حكيم ابن حزام قال : كان عمر رسول الله يوم تزوج خديجة خمسا و عشرين سنة و عمرها أربعون سنة
و عن ابن عباس كان عمرها ثمانيا و عشرين سنة رواهما ابن عساكر
و قال ابن جرير : كان عليه السلام ابن سبع وثلاثين سنة فولدت له القاسم و به كان يكنى و الطيب و الطاهر و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة
قلت : و هي أم أولاده كلهم سوى إبراهيم فمن مارية كما سيأتي بيانه
ثم تكلم على كل بنت من بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم و من تزوجها و حاصله : أن زينب تزوجها العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف و هو ابن أخت خديجة أمه هالة بنت خويلد فولدت له ابنا اسمه علي و بنتا اسمها أمامة بنت زينب و قد تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة و مات و هي عنده ثم تزوجت بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
و أما رقية فتزوجها عثمان بن عفان فولدت له ابنه عبد الله و به كان يكنى أولا ثم اكتنى بابنه عمرو و ماتت رقية و رسول الله صلى الله عليه و سلم ببدر و لما قدم زيد ابن حارثة بالبشارة و جدهم قد ساووا التراب عليها و كان عثمان قد أقام عندها بمرضها فضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه و أجره ثم زوجه بأختها أم كلثوم و لهذا كان يقال له ذو النورين فتوفيت عنده أيضا في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أما فاطمة فتزوجها ابن عمه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فدخل بها بعد و قعة بدر كما قدمنا فولدت له حسنا و به كان يكنى و حسينا و هو المقتول شهيدا بأرض العراق
قلت : و يقال و محسنا قال : و زينب و أم كلثوم و قد تزوج زينب هذه ابن عمها عبد الله بن جعفر فولدت له عليا و عونا و ماتت عنده و أما أم كلثوم فتزوجها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فولدت له زيدا و مات عنها فتزوجت بعده ببني عمها جعفر واحدا بعد واحد تزوجت بعون بن جعفر فمات عنها فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها فخلف عليها أخوهما عبد الله بن جعفر فماتت عنده
قال الزهري : و قد كانت خديجة بنت خويلد تزوجت قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم برجلين الأول منهما عتيق بن عائذ بن مخزوم فولدت منه جارية و هي أم محمد بن صيفي و الثاني أبو هالة التميمي فولدت له هند بن هند و قد سماه ابن إسحاق فقال : ثم خلف عليها بعد هلاك عائذ أبو هالة النباش بن زرارة أحد بني عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار فولدت له رجلا و امرأة ثم هلك عنها فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فولدت له بناته الأربع ثم بعدهن القاسم و الطيب و الطاهر فذهب الغلمة جمعيا و هم يرضعون
قلت : و لم يتزوج عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم مدة حياتها امرأة
كذلك رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت ذلك
و قد قدمنا تزويجها في موضعه و ذكرنا شيئا من فضائلها بدلائلها
قال الزهري : ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد خديجة بعائشة بنت أبي بكر بن عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة و لم يتزوج بكرا غيرها
قلت : و لم يولد له منها ولد و قيل : بل أسقطت منه ولدا سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله و لهذا كانت تكنى بأم عبد الله و قيل إنما كانت تكنى بعبد الله ابن اختها أسماء من الزبير بن العوام رضي الله عنهم
قلت : و قد قيل إنه تزوج سودة قبل عائشة قاله ابن إسحاق و غيره كما قدمنا ذكر الخلاف في ذلك فالله أعلم
و قد قدمنا صفة تزويجه عليه السلام بهما قبل الهجرة و تأخر دخوله بعائشة إلى ما بعد الهجرة
قال : و تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب و كانت قبله تحت خنيس بن حذافة ابن قيس بن عدي بن حذافة بن سهم بن عمور بن هصيص بن كعب بن لؤي مات عنها مؤمنا
قال : و تزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و كانت قبله تحت ابن عمها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم
قال : و تزوج سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤي و كانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو ابن عبد شمس مات عنها مسلما بعد رجوعه و إياها من أرض الحبشة إلى مكة رضي الله عنهما
قال : و تزوج أم حبيية رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي و كانت قبله تحت عبيد الله بن جحش بن رئاب من بني أسد ابن خزيمة مات بأرض الحبشة نصرانيا بعث إليها رسول الله يعني عمرو بن أمية الضمري إلى أرض الحبشة فخطبها عليه فزوجها منه عثمان بن عفان كذا قال و الصواب عثمان بن أبي العاص و أصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار و بعث بها مع شرحبيل بن حسنة و قد قدمنا ذلك كله مطولا و لله الحمد
قال : و تزوج زينب بنت جحش بن رئاب بن أسد بن خزيمة و أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانت قبله تحت زيد بن حارثة مولاه عليه الصلاة و السلام و هي أول نسائه لحوقا به و أول من عمل عليها النعش صنعته أسماء بنت عميس عليها كما رأت ذلك بأرض الحبشة
قال : و تزوج زينب بنت خزيمة و هي من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة و يقال لها أم المساكين و كانت قبله تحت عبد الله بن حجش بن رئاب قتل يوم أحد فلم تلبث عنده عليه السلام إلا يسيرا حتى توفيت رضي الله عنها
و قال يونس عن محمد بن إسحاق : كانت قبله عند الحصين بن الحارث بن عبد المطلب ابن عبد المناف أو عند أخيه الطفيل بن الحارث
قال الزهري : و تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة بنت الحارث بن حزن ابن بحير بن الهزم بن رؤية بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة قال : و هي التي وهبت نفسها
قلت : الصحيح أنه خطبها و كان السفير بينهما أبو رافع مولاه كما بسطنا ذلك في عمرة القضاء
قال الزهري : و قد تزوجت قبله رجلين أولهما ابن عبد ياليل
و قال سيف بن عمر في روايته : كانت تحت عمير بن عمرو أحد بني عقدة بن ثقيف ابن عمرو الثقفي مات عنها ثم خلف عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي
قال : و سبى رسول الله صلى الله عليه و سلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحارث بن عامر بن مالك بن المصطلق من خزاعة يوم المريسيع فأعتقها و تزوجها و يقال بل قدم أبوها الحارث و كان ملك خزاعة فأسلم ثم تزوجها منه وكانت قبله عند ابن عمها صفوان بن أبي الشفر
قال قتادة : عن سعيد بن المسيب و الشعبي و محمد بن إسحاق و غيرهم قالوا : و كان هذا البطن من خزاعة حلفاء لأبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه و سلم و لهذا يقول حسان :
( و حلف الحارث بن أبي ضرار ... و حلف قريظه فيكم سواء )
و قال سفيان بن عمر في روايته عن سعيد بن عبد الله عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت : و كانت جويرية تحت ابن عمها مالك بن صفوان بن تولب ذي الشفر بن أبي السرح ابن مالك بن المصطلق
قال : و سبى صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير يوم خيبر و هي عروس بكنانة أبي الحقيق
و قد زعم سيف بن عمر في روايته أنها كانت قبل كنانة عند سلام بن مشكم فالله أعلم
قال : فهذه إحدى عشرة امرأة دخل بهن
قال : و قد قسم عمر بن الخطاب في خلافته لكل امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم اثني عشر ألفا و أعطى جويرية و صفية ستة آلاف ستة آلاف بسبب أنهما سبيتا
قال الزهري : و قد حجبهما رسول الله صلى الله عليه و سلم و قسم لهما
قلت : و قد بسطنا الكلام فيما تقدم في تزويجه عليه السلام كل واحدة من هذه النسوة رضي الله عنهن في موضعه
قال الزهري : و قد تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو من بني بكر بن كلاب و دخل بها و طلقها
قال البيهقي : كذا في كتابي و في رواية غيره : و لم يدخل بها فطلقها
و قد قال محمد بن سعد عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي : حدثني رجل من بني أبي بكر بن كلاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو ابن عوف بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب فمكثت عنده دهرا ثم طلقها
و قد روى يعقوب بن سفيان عن حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري عن عروة عن عائشة : أن الضحاك بن سفيان الكلابي هو الذي دل رسول الله صلى الله عليه و سلم عليها و أنا أسمع من وراء الحجاب قال يا رسول الله هل لك في أخت أم شبيب ؟ و أم شبيب امرأة الضحاك
و به قال الزهري : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة من بني عمرو بن كلاب فأنبئ أن بها بياضا فطلقها و لم يدخل بها
قلت : الظاهر أن هذه هي التي قبلها و الله أعلم
قال : و تزوج أخت بني الجون الكندي و هم حلفاء بني فزارة فاستعاذت منه فقال : [ لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك ] فطلقها و لم يدخل بها
قال : وكانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم سرية يقال لها مارية فولدت له غلاما اسمه إبراهيم فتوفي و قد ملأ المهد و كانت له وليدة يقال لها ريحانة بنت شمعون من أهل الكتاب من خنافة و هم بطن من بني قريظة أعتقها رسول الله صلى الله عليه و سلم و يزعمون أنها قد احتجبت
و قد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن علي بن مجاهد أن رسول الله تزوج خولة بنت الهذيل بن هبيرة التغلبي و أمها خرنق بنت خليفة أخت دحية بن خليفة فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق فتزوج خالتها شراف بنت فضالة بن خليفة فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق أيضا (4/579)
و قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق : و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج أسماء بنت كعب الجونية فلم يدخل بها حتى طلقها و تزوج عمرة بنت ظيد إحدى نساء بني كلاب ثم من بني الوحيد و كانت قبله عند الفضل بن عباس بن عبد المطلب فطلقها و لم يدخل بها
و قال البيهقي : فهاتان هما اللتان ذكرهما الزهري و لم يسمهما إلا أن ابن إسحاق لم يذكر العالية
و قال البيهقي : أنبأنا الحاكم عن الأصم أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس ابن بكير عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قال : وهبن لرسول الله صلى الله عليه و سلم نساء أنفسهن فدخل ببعضهن و أرجى بعضهن فلم يقربهن حتى توفي و لم ينكحن بعده منهن أم شريك فذلك قوله تعالى : { ترجى من تشاء منهن و تؤوي إليك من تشاء و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك }
قال البيهقي : و قد روينا عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كانت خولة ـ يعني بنت حكيم ـ ممن وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه و سلم
و قال البيهقي : و روينا في حديث أبي رشيد الساعدي في قصة الجونية التي استعاذت فألحقها بأهلها إن اسمها أميمة بنت النعمان بن شرحبيل كذا قال
و قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه و عباس بن سهل عن أبيه قالا : مر بنا النبي صلى الله عليه و سلم و أصحاب له فخرجنا معه حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائكين فجلسنا بينهما فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اجلسوا و دخل هو وقد أتى بالجونية فعزلت في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل و معها داية لها فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : هبي لي نفسك قالت : و هل تهب الملكة نفسها للسوقة ! و قالت : إني أعوذ بالله منك قال : لقد عذت بمعاذ
ثم خرج علينا فقال يا أبا أسيد اكسها دراعتين و ألحقها بأهلها ]
و قال غير أبي أحمد امرأة من بني الجون يقال لها أمينة
و قال البخاري : [ حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبي أسيد قال : خرجنا مع رسول الله حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما فقال : اجسلوا ها هنا فدخل و قد أتى بالجونية فأنزلت في محل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل و معها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : هبي لي نفسك قالت : و هل تهب الملكة نفسها لسوقة ؟ ! قال : فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت : أعوذ بالله منك قال : لقد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال : يا أبا أسيد اكسها رازقيين و ألحقها بأهلها ]
قال البخاري : [ و قال الحسين بن الوليد عن عبد الرحمن بن الغسيل عن عباس ابن سهل بن سعد عن أبيه و أبي أسيد قالا : تزوج النبي صلى الله عليه و سلم أميمة بنت شرحبيل فلما أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن يجهزها و يكسوها ثوبين رازقيين ]
ثم قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا إبراهيم بن الوزير حدثنا عبد الرحمن بن حمزة عن أبيه و عن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه بهذا
انفرد البخاري بهذه الروايات من بين أصحاب الكتب
و قال البخاري : [ حدثنا الحميدي حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي سألت الزهري : أي أزواج النبي صلى الله عليه و سلم استعاذت منه ؟ فقال : أخبرني عروة عن عائشة أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله قالت : أعوذ بالله منك فقال : لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك ]
قال : و رواه حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت الحديث
انفرد به دون مسلم
قال البيهقي : و رأيت في كتاب المعرفة لابن مندة أن اسم التي استعاذت منه أميمة بنت النعمان بن شراحيل و يقال فاطمة بنت الضحاك و الصحيح أنها أميمة و الله أعلم و زعموا أن الكلابية اسمها عمرة و هي التي وصفها أبوها بأنها لم تمرض قط فرغب عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد روى محمد بن سعد عن محمد بن عبد الله عن الزهري قال : هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان استعاذت منه فطلقها فكانت تلقط البعر و تقول : أنا الشقية قال : و تزوجها في ذي القعدة سنة ثمان و ماتت سنة ستين
و ذكر يونس عن ابن إسحاق فيمن تزوجها عليه السلام و لم يدخل بها أسماء بنت كعب الجونية و عمرة بنت يزيد الكلابية و قال ابن عباس و قتادة : أسماء بنت النعمان ابن أبي الجون فالله أعلم
قال ابن عباس : لما استعاذت منه خرج من عندها مغضبا فقال له الأشعث : لا يسؤك ذلك يا رسول الله فعندي أجمل منها فزوجه أخته قتيلة
و قال غيره : كان ذلك في ربيع سنة تسع
و قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس عشرة امرأة فذكر منهن أم شريك الأنصارية النجارية
قال : و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إني لأحب أن أتزوج من الألنصار و لكني أكره غيرتهن ] و لم يدخل بها قال : و تزوج أسماء بنت الصلت من بني حرام ثم من بني سليم و لم يدخل بها و خطب حمزة بنت الحارث المزنية
و قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : و قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : تزوج رسول الله ثماني عشرة امرأة فذكر منهن قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس فزعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين و زعم آخرون أنه تزوجها في مرضه قال و لم تكن قدمت عليه و لا رآها و لم يدخل بها
قال : و زعم آخرون أنه عليه السلام أوصى أن تخير قتيلة فإن شاءت يضرب عليها الحجاب و تحرم على المؤمنين و إن شاءت فلتنكح من شاءت فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت فبلغ ذلك أبا بكر فقال : لقد هممت أن أحرق عليهما فقال عمر بن الخطاب : ما هي من أمهات المؤمنين و لا دخل بها و لا ضرب عليها الحجاب
قال أبو عبيدة : و زعم بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يوص فيها بشيء و أنها ارتدت بعده فاحتج عمر على أبي بكر بارتدادها أنها ليست من أمهات المؤمنين
و ذكر ابن منده أن التي ارتدت هي البرصاء من بني عوف بن سعد بن ذبيان
و قد روى الحافظ ابن عساكر من طرق عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله تزوج قتيلة أخت الأشعث بن قيس فمات قبل أن يخيرها فبرأها الله منه
و روى حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي أن عكرمة بن أبي جهل لما تزوج قتيلة أراد أبو بكر أن يضرب عنقه فراجعه عمر بن الخطاب فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يدخل بها و أنها ارتدت مع أخيها فبرئت من الله و رسوله فلم يزل به حتى كف عنه
قال الحاكم : و زاد أبو عبيدة في العدد فاطمة بنت شريح و سبأ بنت أسماء بن الصلت السلمية
هكذا روى ذلك ابن عساكر من طريق ابن منده بسنده عن قتادة فذكره و قال محمد بن سعد عن ابن الكلبي مثل ذلك قال ابن سعد : و هي سبأ
قال ابن عساكر : و يقال : سبأ بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام ابن سماك بن عوف السلمي
قال ابن سعد : و أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي حدثني العرزمي عن نافع عن ابن عمر قال : كان في نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم سبأ بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب
و قال ابن عمر : إن رسول الله بعث أبا أسيد يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها عمرة بنت يزيد بن عبيد بن كلاب فتزوجها فبلغه أن بها بياضا فطلقها
و قال محمد بن سعد عن الواقدي : حدثني أبو معشر قال : تزوج رسول الله مليكة بنت كعب و كانت تذكر بجمال بارع فدخلت عليها عائشة فقالت : ألا تستحين أن تنكحي قاتل أبيك ؟ فاستعاذت منه فطلقها
فجاء قومها فقالوا يا رسول الله إنها صغيرة و لا رأي لها و إنها خدعت فارتجعها فأبى فاستأذنوه أن يزوجوها بقريب لها من بني عذرة فأذن لهم
قال : و كان أبوها قد قتله خالد بن الوليد يوم الفتح
قال الواقدي : و حدثني عبد العزيز الجندعي عن أبيه عن عطاء بن يزيد قال : دخا بها رسول الله في رمضان سنة ثمان و ماتت عنده
قال الواقدي : و أصحابنا ينكرون ذلك
و قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر : أنبأنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد الماهاني أنبأنا شجاع بن علي بن شجاع أنبأنا أبو عبد الله بن منده أنبأنا الحسن بن محمد بن حكيم المروزي حدثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري أنبأنا عبد الله بن عثمان أنبأنا عبد الله بن المبرك أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة و كانت قبله تحت عتيق بن عائذ المخزومي ثم تزوج بمكة عائشة بنت أبي بكر ثم تزوج بالمدينة حفصة بنت عمر و كانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي ثم تزوج سودة بنت زمعة و كانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي بني عامر بن لؤي ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان و كانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي أحد بني خزيمة ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية و كان اسمها هند و كانت قبله تحت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد ابن عبد العزى ثم تزوج زينب بنت خزيمة الهلالية و تزوج العالية بنت ظبيان من بني بكر بن عمرو بن كلاب و تزوج امرأة من بني الجون من كندة و سبى جويرية ـ في الغزوة التي هدم فيها مناة غزوة المريسيع ـ ابنة الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق من خزاعة و سبى صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير و كانتا مما أفاء الله عليه فقسمهما له واستسر مارية القبطية فولدت له إبراهيم و استسر ريحانة من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها و احتجبت و هي عند أهلها
و طلق رسول الله صلى الله عليه و سلم العالية بنت ظبيان و فارق أخت بني عمرو بن كلاب و فارق أخت بني الجون الكندية من أجل بياض كان بها و توفيت زينب بنت خزيمة الهلالية و رسول الله صلى الله عليه و سلم حي و بلغنا أن العالية بنت ظبيان التي طلقت تزوجت قبل أن يحرم الله النساء فنكحت ابن عم لها من قومها و ولدت فيهم
سقناه بالسند لغرابة ما فيه من ذكره تزويج سودة بالمدينة و الصحيح أنه كان بمكة قبل الهجرة كما قدمناه و الله أعلم
قال يونس بن بكير : عن محمد بن إسحاق قال : فماتت خديجة بنت خويلد قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم بثلاث سنين لم يتزوج عليها امرأة حتى ماتت هي و أبو طالب في سنة فتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد خديجة سودة بنت زمعة ثم تزوج بعد سودة عائشة بنت أبي بكر لم يتزوج بكرا غيرها و لم يصب منها ولدا حتى مات ثم تزوج بعد عائشة حفصة بنت عمر ثم تزوج بعد حفصة زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين ثم تزوج بعدها أم حبيبة بنت أبي سفيان ثم تزوج بعدها أم سلمة هند بنت أبي أمية ثم تزوج بعدها زينب بنت جحش ثم تزوج بعدها جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار قال : ثم تزوج بعد جويرية صفية بنت حيي بن أخطب ثم تزوج بعدها ميمونة بنت الحارث الهلالية
فهذا الترتيب أحسن و أقرب مما رتبه الزهري و الله أعلم
[ و قال يونس بن بكير عن أبي يحيى عن حميل بن زيد الطائي عن سهل بن زيد الأنصاري قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة من بني غفار فدخل بها فأمرها فنزعت ثوبها فرأى بها بياضا من برص عند ثدييها فانماز رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : خذي ثوبك و أصبح فقال لها : الحقي أهلك فأكمل لها صداقها ]
و قد رواه أبو نعيم من حديث حميل بن زيد عن سهل بن زيد الأنصاري و كان مما رأى النبي صلى الله عليه و سلم قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة من غفار فذكر مثله
قلت : و ممن تزوجها صلى الله عليه و سلم و لم يدخل بها أم شريك الأزدية
قال الواقدي : و المثبت أنها دوسية و قيل الأنصارية و يقال عامرية و أنها خولة بنت حكيم السلمي
و قال الواقدي : اسمها غزية بنت جابر بن حكيم
قال محمد بن إسحاق : عن حكيم بن حكيم عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه قال : كان جميع ما تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس عشرة امرأة منهن أم شريك الأنصارية وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم
[ و قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : و تزوج أم شريك الأنصارية من بني النجار و قال : إني أحب أن أتزوج من الأنصار لكني أكره غيرتهن و لم يدخل بها ]
و قال ابن إسحاق عن حكيم عن محمد بن علي عن أبيه قال : تزوج صلى الله عليه و سلم ليلى بنت الخطيم الأنصارية و كانت غيورا فخافت نفسها عليه فاستقالته فأقالها (4/587)
[ قال إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبها فذكرت أن لها صبية صغارا فتركها و قال : خير النساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد طفل صغير في صغره و أرعاه على زوج في ذات يده ]
و قال عبد الرزاق : عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت : يا رسول الله إني قد كبرت و لي عيال
و قال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن السدي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله { إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن و ما ملكت يمينك مما أفاه الله عليك و بنات عمك و بنات عماتك و بنات خالك و بنات خالاتك اللاتي هاجرن معك } الآية قالت : فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر كنت من الطلقاء
ثم قال : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث السدي
فهذا يقتضي أن من لم تكن من المهاجرات لا تحل له صلى الله عليه و سلم و قد نقل هذا المذهب مطلقا القاضي الماوردي في تفسيره عن بعض العلماء و قيل : المراد بقوله { اللاتي هاجرن معك } أي من القرابات المذكورات
و قال قتادة : { اللاتي هاجرن معك } أي أسلمن معك فعلى هذا لا يحرم عليه إلا الكفار و تحل له جميع المسلمات فلا ينافي تزويجه من نساء الأنصار إن ثبت ذلك و لكن لم يدخل بواحدة منهن أصلا
و أما حكاية الماوردي عن الشعبي أن زينب بنت خزيمة أم المساكين أنصارية فليس بجيد فإنها هلالية بلا خلاف كما تقدم بيانه و الله أعلم
[ و روى محمد بن سعد عن هشام بن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال : أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو مول ظهره إلى الشمس فضربت منكبه فقال : من هذا ؟ أكله الأسود ! فقالت : أنا بنت مطعم الطير و مباري الريح أنا ليلى بنت الخطيم جئتك لأعرض عليك نفسي تزوجني ؟ قال : قد فعلت فرجعت إلى قومها فقال : قد تزوجت النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا : بئس ما صنعت أنت امرأة غيرى و رسول الله صاحب نساء تغارين عليه فيدعو الله عليك فاستقيليه
فرجعت فقالت : أقلني يا رسول الله فأقالها فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له فبينما هي يوما تغتسل في بعض حيطان المدينة إذ وثب عليها ذئب أسود فأكل بعضها فماتت ]
و به عن ابن عباس أن ضباعة بنت عامر بن قرط كانت تحت عبد الله بن جدعان فطلقها فتزوجها بعده هشام بن المغيرة فولدت له سلمة و كانت امراة ضخمة جميلة لها شعر غزير يجلل جسمها فخطبها رسول الله من ابنها سلمة فقال : حتى أستأمرها ؟ فاستأذنها فقالت : يا بني أفي رسول الله صلى الله عليه و سلم تستأذن ؟ فرجع ابنها فسكت و لم يرد جوابا و كأنه رأى أنها قد طعنت في السن و سكت النبي صلى الله عليه و سلم عنها
و به عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية بنت شامة بن نضلة العنبري و كان أصابها سبي فخيرها رسول الله فقال : [ إن شئت أنا و إن شئت زوجك ] فقالت : بل زوجي فأرسلها فلعنتها بنو تميم
قال محمد بن سعد : أنبأنا الواقدي حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كانت أم شريك امرأة من بني عامر بن لؤي قد وهبت نفسها من رسول الله فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت
قال محمد بن سعد : و أنبأنا وكيع عن شريك عن جابر عن الحكم عن علي ابن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج أم شريك الدوسية
قال الواقدي : الثبت عندنا أنها من دوس من الأزد قال محمد بن سعد : و اسمها غزية بنت جابر بن حكيم
و قال الليث بن سعد : عن هشام بن محمد عن أبيه قال متحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم و كانت امرأة صالحة
و ممن خطبها و لم يعقد عليها حمرة بنت الحارث بن عون بن أبي حارثة المري فقال أبوها : إن بها سوءا ـ و لم يكن بها ـ فرجع إليها و قد تبرصت و هي أم شبيب بن البرصاء الشاعر
هكذا ذكره سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
قال : و خطب حبيبة بنت العباس بن عبد المطلب فوجد أباها أخاه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب
فهؤلاء نساؤه و هن ثلاثة أصناف صنف دخل بهن و مات عنهن و هن التسع المبتدأ بذكرهن
و هن حرام على الناس بعد موته عليه السلام بالإجماع المحقق المعلوم من الدين ضرورة و عدتهن بانقضاء أعمارهن قال الله تعالى : { و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما }
و صنف دخل بهن و طلقهن في حياته فهل يحل لأحد أن يتزوجهن بعد انقضاء عدتهن منه عليه السلام ؟ فيه قولان للعلماء أحدهما : لا لعموم الآية التي ذكرناها و الثاني : نعم بدليل أية التخيير و هي قوله : { يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحا جميلا و إن كنتن تردن الله و رسوله و الدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما }
قالوا : فلولا أنها تحل لغيره أن يتزوجها بعد فراقه إياها لم يكن في تخييرها بين الدنيا و الآخرة فائدة إذ لو كان فراقه لها لا يبيحها لغيره لم يكن فيه فائدة لها و هذا قوي و الله تعالى أعلم
و أما الصنف الثالث و هي من تزوجها و طلقها قبل أن يدخل بها فهذه يحل أن يتزوجها و لا أعلم في هذا القسم نزاعا
و أما من خطبها و لم يعقد عقده عليها فأولى لها أن تتزوج و أولى و سيجيء في كتاب الخصائص يتعلق بهذا المقام و الله أعلم (4/596)
كانت له عليه السلام سريتان إحداهما مارية بنت شمعون القبطية أهداها له صاحب إسكندرية و اسمه جريج بن مينا و أهدى معها أختها شيرين
و ذكر أبو نعيم أنه أهداها في أربع جوار و الله أعلم
و غلاما خصيا اسمه مابور و بغلة يقال لها الدلدل فقبل هديته و اختار لنفسه مارية و كانت من قرية ببلاد مصر يقال لها حفن من كورة أنصنا و قد وضع عن أهل هذه البلدة معاوية بن أبي سفيان في أيام إمارته الخراج إكراما لها من أجل أنها حملت من رسول الله صلى الله عليه و سلم بولد ذكر و هو إبراهيم عليه السلام
قالوا : و كانت مارية جميلة بيضاء أعجب بها رسول الله صلى الله عليه و سلم و أحبها و حظيت عنده و لا سيما بعدما وضعت إبراهيم ولده
و أما أختها شيرين فوهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان
و أما الغلام الخصي و هو مابور فقد كان يدخل على مارية و شيرين بلا إذن كما جرت به عادته بمصر فتكلم بعض الناس فيها بسبب ذلك و لم يشعروا أنه خصي حتى انكشف الحال على ما سنبينه قريبا إن شاء الله
و أما البغلة فكان عليه السلام يركبها و الظاهر و الله أعلم أنها التي كان راكبها يوم حنين و قد تأخرت هذه البغلة و طالت مدتها حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام إمارته و مات فصارت إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و كبرت حتى كان يجش لها الشعير لتأكله
قال أبو بكر بن خزيمة : حدثنا محمد بن زياد بن عبيد الله أنبأنا سفيان بن عيينة عن بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن أبيه قال : أهدى أمير القبط إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم جاريتين أختين و بغلة فكان يركب البغلة بالمدينة و اتخذ إحدى الجاريتين فولدت له إبراهيم ابنه و وهب الأخرى
و قال الواقدي : حدثنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة قال : فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجب بمارية القبطية و كانت بيضاء جعدة جميلة فأنزلها و أختها على أم سليم بنت ملحان فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلمتا هناك فوطئ مارية بالملك و خولها إلى مال له بالعالية كان من أموال بني النضير فكانت فيه في الصيف و في خرافة النخل فكان يأتيها هناك و كانت حسنة الدين و وهب أختها شيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن
و ولدت مارية لرسول الله صلى الله عليه و سلم غلاما سماه إبراهيم و عق عنه بشاة يوم سابعه و حلق رأسه و تصدق بزنة شعره فضة على المساكين و أمر بشعره فدفن في الأرض و سماه إبراهيم و كانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته بأنها قد ولدت غلاما فجاء أبو رافع إلى رسول الله فبشره فوهب له عقدا و غار نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم و اشتد عليهن حين رزق منها الولد
و روى الحافظ أبو الحسن الدارقطني [ عن أبي عبيد القاسم بن إسماعيل عن زياد ابن أيوب عن سعيد بن زكريا المدائني عن ابن أبي سارة عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما ولدت مارية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أعتقها ولدها ]
ثم قال الدارقطني : تفرد به زياد بن أيوب و هو ثقة
و قد رواه ابن ماجه من حديث حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس بمثله و رويناه من وجه آخر
و قد أفردنا لهذه المسألة و هي بيع أمهات الأولاد مصنفا مفردا على حدته و حكينا فيه أقوال العلماء بما حاصله يرجع إلى ثمانية أقوال و ذكرنا مستند كل قول و لله الحمد و المنة
و قال يونس بن بكير [ عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال : أكثروا على مارية أم إبراهيم في قبطي ابن عم لها يزورها و يختلف إليها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : خذ هذا السيف فانطلق فإن وجدته عندها فاقتله قال : قلت يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أمرتني به أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب
فأقبلت متوشحا السيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما رآني عرف أني أريده فأتى نخلة فرقى فيها ثم رمى بنفسه على قفاه ثم شال رجليه فإذا به أجب أمسج ماله مما للرجال لا قليل و لا كثير فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته فقال : الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان حدثني محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي قال : قلت يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالسكة المحماة ؟ أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ؟ قال الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ]
هكذا رواه مختصرا و هو أصل الحديث الذي أوردناه و إسناده رجال ثقات
و قال الطبراني : [ حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الجراني حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب و عقيل عن الزهري عن أنس قال : لما ولدت مارية إبراهيم كاد أن يقع في النبي صلى الله عليه و سلم منه شيء حتى أنزل جبريل عليه السلام فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم ]
و قال أبو نعيم : [ حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم حدثنا محمد ابن يحيى الباهلي حدثنا يعقوب بن محمد عن رجل سماه عن الليث بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : أهدى ملك من بطارقة الروم يقال له المقوقس جارية قبطية من بنات الملوك يقال لها مارية و أهدى معها ابن عم لها شابا فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم منها ذات يوم يدخل خلوته فأصابها حملت بإبراهيم
قالت عائشة : فلما استبان حملها جزعت من ذلك فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يكن لها لبن فاشترى لها ضأنة لبونا تغذي منها الصبي فصلح إليه جسمه و حسن لونه و صفا لونه فجاءته ذات يوم تحمله على عاتقها فقال : يا عائشة كيف ترين الشبه ؟ فقالت : أنا و غيري ما أرى شبها فقال : و لا اللحم ؟ فقلت : لعمري من تغذى بألبان الضأن ليحسنن لحمه ]
قال الواقدي : ماتت مارية في المحرم سنة خمس عشرة فصلى عليها عمر و دفنها في البقيع و كذا قال المفضل بن غسان الغربي و قال خليفة و أبو عبيدة و يعقوب بن سفيان : ماتت سنة ست عشرة رحمها الله
منهن ريحانة بنت زيد من بني النضير و يقال من بني قريظة
قال الواقدي : كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير و يقال من بني قريظة
قال الواقدي : كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير و كانت مزوجة فيهم و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أخذها لنفسه صفيا و كانت جميلة فعرض عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تسلم فأبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله صلى الله عليه و سلم و وجد في نفسه فأرسل إلى ابن سعية فذكر له ذلك فقال ابن سعية : فداك أبي و أمي هي تسلم فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها : لا تتبعي قومك فقد رأيت ما أدخل عليهم حيي بن أخطب فأسلمي يصطفيك رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه
فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال : [ إن هاتين لنعلا ابن سعية يبشرين بإسلام ريحانة ] فجاء يقول : يا رسول الله قد أسملت ريحانة فسر بذلك
و قال محمد بن إسحاق : لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم قريظة اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة فكانت عنده حتى توفي عنها و هي في ملكه و كان عرض عليها الإسلام و يتزوجها فأبت إلا اليهودية ثم ذكر من إسلامها ما تقدم
قال الواقدي : [ فحدثني عبد الملك بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أيوب بن بشير المعاوي قال : فأرسل بها رسول الله إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول الله فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها : إن أحببت أن أعتقك و أتزوجك فعلت و إن أحببت أ ن تكوني في ملكي أطاك بالملك فعلت فقالت : يا رسول الله إن أخف عليك و علي أن أكون في ملكك فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه و سلم يطأها حتى ماتت ]
قال الواقدي : و حدثني ابن أبي ذئب قال : سألت الزهري عن ريحانة فقال : كانت أمة رسول الله فأعتقهاة و تزوجها فكانت تحتجب في أهلها و تقول : لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال الواقدي : و هذا أثبت الحديثين عندنا و كان زوجها قبله عليه السلام الحكم و قال الواقدي : حدثنا عاصم بن عبد الله بن الحكم عن عمر بن الحكم قال : أعتق رسول الله صلى الله عليه و سلم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة و كانت عند زوج لها و كان محبا لها مكرما فقالت : لا أستخلف بعده أحدا أبدا و كانت ذات مجال فلمل سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : فكنت فيمن عرض عليه فأمر بي فعزلت و كان يكون له صفي في كل غنيمة فلما عزلت خار الله لي فأرسل بي إلى منزل أم المنذر بنت قيس أياما حتى قتل الأسرى و فرق السبي فدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فتجنبت منه حياء فدعاني فأجلسني بين يديه فقال : إن اخترت الله و رسوله اختارك رسول الله لنفسه فقلت : إني أختار الله و رسوله فلما أسلمت أعتقني رسول الله صلى الله عليه و سلم و تزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية و نشا كما كان يصدق نساءه و أعرس بي في بيت أم المنذر وكان يقسم لي كما يقسم لنسائه و ضرب على الحجاب
قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم معجبا بها و كانت لا تسأله شيئا إلا أعطاها فقيل لها : لو كنت سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم بني قريظة لأعتقهم فكانت تقول : لم يخل بي حتى فرق السي و لقد كان يخلو بها و يستكثر منها فلم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع فدفنها بالبقيع
و كان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة
و قال ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري قال : و استسر رسول الله ريحانة من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها
و قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : كانت ريحانة بنت ميمونة بنت زيد بن شمعون من بني النضير و قال بعضهم : من بني قريظة و كانت تكون في نخل من نخل الصدقة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقيل عندها أحيانا
و كان سباها في شوال سنة أربع
و قال أبو بكر بن أبي خيثمة : حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا زهير عن سعيد عن قتادة قال : كانت لرسول الله وليدتان مارية القبطية و ريحة أو يحانة بنمت شمعون بن زيد خنافة من بني عمرو بن قريظة كانت عند ابن عم لها يقال له عبد الحكم فيما بلغني و ماتت قبل وفاة النبي صلى الله عليه و سلم
و قال أبو عبيدة معمر بن المثنى كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم أربع ولائد مارية القبطية و يحانة القرظية و كانت له جارية أخرى جميلة فكادها نساؤه و خفن أن تغلبهن عليه و كانت له جارية نفيسة وهبتها له زينب و كان هجرها في شأن صفية بنت حيي ذا الحجة و المحرم و صفر فلما كان شهر ربيع الأول الذي قبض فيه رضى عن زينب و دخل عليها فقالت : ما أدري ما أجزيك ؟ فوهبتها له صلى الله عليه و سلم
و قد روى سيف بن عمر عن سعيد بن عبد الله عن ابن مليكة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقسم لمارية و ريحانة مرة و يتركها مرة
و قال أبو نعيم : قال أبو محمد بن عمر الواقدي : توفيت ريحانة سنة عشرة و صلى عليها عمر بن الخطاب و دفنها بالبقيع و لله الحمد (4/600)
لا خلاف أن جميع أولاده من خديجة بنت خويلد سوى إبراهيم فمن مارية بنت شمعون القبطية
قال محمد بن سعد : أنبأنا هشام بن الكلبي أخبرني أبي صالح عن ابن عباس قال : كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية فمات القاسم و هو أول ميت من ولده بمكة ثم مات عبد الله فقال العاص بن وائل السهمي : قد انقطع نسله فهو أبتر فأنزل الله عز و جل : { إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك و انحر إن شانئك هو الأبتر }
قال : ثم ولدت له مارية بالمدينة إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة فمات ابن ثمانية عشر شهرا
و قال أبو الفرج المعافي بن زكريا الجريري : حدثنا عبد الباقي بن نافع حدثنا محمد ابن زكريا حدثنا العباس بن بكار حدثنى محمد بن زياد و الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : ولدت خديجة من النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله ابن محمد ثم أبطأ عليه الولد من بعده فبينا رسول الله يكلم رجلا و العاص بن وائل ينظر إذ قال له رجل : من هذا ؟ قال له هذا الأبتر و كانت قريش إذا ولد للرجل ثم أبطأ عليه الولد من بعده قالوا إليه الأيتر فأنزل الله : { إن شانئك هو الأبتر } أي مبغضك هو الأبتر من كل خير
قال : ثم ولدت له زينب ثم ولدت له رقية ثم ولدت له القاسم ثم ولدت الطاهر ثم ولدت المطهر ثم ولدت الطيب ثم ولدت المطيب ثم ولدت أم كلثوم ثم ولدت فاطمة و كانت أصغرهم
و كانت خديجة إذا ولدت ولدا دفعته إلى من يرضعه فلما ولدت فاطمة لم يرضعها غيرها
و قال الهيثم بن عدي : حدثنا هشام بن عروة عن سعيد بن المسيب عن أبيه
قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم ابنان طاهر و الطيب و كان يسمى أحدهما شمس و الآخر عبد العزى
و هذا فيه نكارة و الله أعلم
و قال محمد بن عائذ : أخبرني الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن خديجة ولدت القاسم و الطيب و الطاهر و مطهرا و زينب و رقية و فاطمة و أم كلثوم
و قال الزبير بن بكار : أخبرني عمي مصعب بن عبد الله قال : ولدت خديجة القاسم و الطاهر و كان يقال له الطيب و ولد الطاهر بعد النبوة و مات صغيرا و اسمه عبد الله و فاطمة و زينب و رقية و أم كلثوم
قال الزبير : و حدثني إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود أن خديجة ولدت القاسم و الطاهر و الطيب و عبد الله و زينب و رقية و فاطمة و أم كلثوم
و حدثني محمد بن فضالة عن بعض من أدرك من المشيخة قال : ولدت خديجة القاسم و عبد الله فأما القاسم فعاش حتى مشى و أما عبد الله فمات و هو صغير
و قال الزبير بن بكار : كاتن خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة بنت خويلد وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه و سلم القاسم و هو أكبر ولده به كان يكنى ثم زينب ثم عبد الله و كان يقال له الطيب و يقال له الطاهر ولد بعد النبوة و مات صغيرا ثم ابنته أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية هكذا الأول فالأول
ثم مات القاسم بمكة و هو أول ميت من ولده ثم مات عبد الله
ثم ولدت له مارية بنت شمعون إبراهيم و هي القبطية التي أهدها المقوقس صاحب إسكندرية و أهدى معها أختها شيرين و خصيا يقال له مابور فوهب شيرين لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن و قد انقرض نسل حسان بن ثابت
و قال أبو بكر بن البرقي : يقال إن الطاهر هو الطيب و هو عبد الله و يقال إن الطيب و المطيب ولدا في بطن و الطاهر و المطهر ولدا في بطن
و قال المفضل بن غسان عن أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج عن مجاهد قال : مكث القاسم ابن النبي صلى الله عليه و سلم سبع ليال ثم مات
قال المفضل : و هذا خطأ و الصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا
و قال الحافظ أبو نعيم قال مجاهد
: مات القاسم و له سبعة أيام و قال الزهري : و هو ابن سنتين و قال قتادة : عاش حتى مشى
و قال هشام بن عروة : وضع أهل العراق ذكر الطيب و الطاهر فأما مشايخنا فقالوا : عبد العزى و عبد المناف و القاسم و من النساء رقية و أم كلثوم و فاطمة
هكذا رواه ابن عساكر و هو منكر و الذي أنكره و هو المعروف و سقط ذكر زينب و لا بد منها و الله أعلم
فأما زينب فقال عبد الرزاق عن ابن جريج : قال لي غير واحد : كانت زينب أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانت فاطمة أصغرهن و أحبهن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و تزوج زينب أبو العاص بن الربيع فولدت منه عليا و أمامة و هي التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحملها في الصلاة فإذا سجد وضعها و إذا قام حملها
و لعل ذلك كان بعد موت أمها سنة ثمان من الهجرة على ما ذكره الواقدي و قتادة و عبد الله بن أبي بكر بن حزم و غيرهم و كأنها كانت طفلة صغيرة فالله أعلم
و قد تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موت فاطمة
و كانت وفاة زينب رضي الله عنها في سنة ثمان قاله قتادة عن عبد الله بن أبي بكر ابن حزم و خليفة بن خياط و أبو بكر بن أبي خثيمة و غير واحد و قال قتادة عن ابن حزم في أول سنة ثمان
و ذكر حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أنها لما هاجرت دفعها رجل فوقعت على صخرة فأسقطت حملها ثم لم تزل وجعة حتى ماتت فكانوا يرونها ماتت شهيدة
و أما رقية فكان قد تزوجها أولا ابن عمها عتبة بن أبي لهب كما تزوج أختها أم كلثوم أخوه عتيبة بن أبي لهب ثم طلقاهما قبل الدخول بهما بغضة في رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أنزل الله : { تبت يدا أبي لهب و تب ما أغنى عنه ماله و ما كسب سيصلى نارا ذات لهب و امرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد }
فتزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه رقية و هاجرت معه إلى الحبشة و يقال إنه أول من هاجر إليها ثم رجعا إلى مكة كما قدمنا و هاجرا إلى المدينة و ولدت له ابنه عبد الله فبلغ ست سنين فنقره ديك في عينيه فمات و به كان يكنى أولا ثم اكتنى بابنه عمرو
و توفيت و قد انتصر رسول الله صلى الله عليه و سلم ببدر يوم الفرقان يوم التقي الجمعان و لما أن جاء البشير بالنصر إلى المدينة ـ و هو زيد بن حارثة ـ وجدهم قد ساووا على قبرها التراب و كان عثمان قد أقام عليها يمرضها بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم و ضرب له بسهمه و أجره و لما رجع زوجه بأختها أم كلثوم أيضا و لهذا كان يقال له ذو النورين ثم ماتت عنده في شعبان سنة تسع و لم تلد له شيئا و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان ] و في رواية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لو كن عشرا لزوجتهن عثمان ]
و أما فاطمة فتزوجها ابن عمها علي بن أبي طالب في صفر سنة اثنتين فولدت له الحسن و الحسين يقال و محسن و ولدت له أم كلثوم و زينب
و قد تزوج عمر بن الخطاب في أيام ولايته بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة و أكرمها إكراما زائدا أصدقها أربعين ألف درهم لأجل نسبها من رسول الله صلى الله عليه و سلم فولدت له زيدا بن عمر بن الخطاب
و لما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر فمات عنها فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها فتزوجها أخوهما عبد الله بن جعفر فماتت عنده و قد كان عبد الله بن جعفر تزوج بأختها زينب بنت علي و ماتت عنده أيضا و قد توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم بستة أشهر على أشهر الأقوال
و هذا الثابت عن عائشة في الصحيح و قاله الزهري أيضا و أبو جعفر الباقر
و عن الزهري بثلاثة أشهر و قال أبو الزبير بشهرين و قال أبو بريدة : عاشت بعده سبعين من بين يوم و ليلة و قال عمرو بن دينار : مكثت بعده ثمانية أشهر و كذا قال عبد الله بن الحارث و في رواية عن عمرو دينار بأربعة أشهر
و أما إبراهيم فمن مارية القبطية كما قدمنا و كان ميلاده في ذي الحجة سنة ثمان و قد روى عن ابن لهيعة و غيره عن عبد الرحمن بن زياد قال : لما حبل بإبراهيم أتى جبريل فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم إن الله قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية و أمرك أن تسميه إبراهيم فبارك الله لك فيه و جعله قرة عين لك في الدنيا و الآخرة
و روى الحافظ أبو بكر البزار عن محمد بن مسكين عن عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن عقيل و يزيد بن أبي حبيب عن الزهري عن أنس قال : لما ولد النبي صلى الله عليه و سلم ابنه إبراهيم وقع في نفسه منه شيء فأتاه جبريل فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم و قال أسباط عن السدي و هو إسماعيل بن عبد الرحمن قال سألت أنس بن مالك قلت : كم بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و سلم من العمر ؟ قال : قد كان ملأ مهده و لو بقي لكان نبيا و لكن لم يكن ليبقي لأن نبيكم صلى الله عليه و سلم آخر الأنبياء
و قد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن السدي عن أنس بن مالك قال : لو عاش إبراهيم بن النبي صلى الله عليه و سلم لكان صديقا نبيا
و قال أبو عبد الله بن مندة : [ حدثنا محمد بن سعد و محمد بن إبراهيم حدثنا محمد ابن عثمان العبسي حدثنا منجاب حدثنا أبو عامر الأسدي حدثنا سفيان عن السدي عن أنس قال : توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه و سلم وهو ابن ستة عشر شهرا فقال رسول الله : ادفنوه في البقيع فإن له مرضعا يتم رضاعه في الجنة ]
و قال أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس قال : ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله كان ابراهيم مسترضعا في عوالي المدينة و كان ينطلق و نحن معه فيدخل إلى البيت و إنه ليدجن و كان ظئره فينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع
قال عمرو : فلما توفي إبراهيم قال رسول الله : [ إن إبراهيم ابني و إنه مات في الثدي و إن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة ]
و قد روى جرير و أبو عوانة عن الأعمش عن مسلم بن ضبيح أبي الضحى عن البراء قال : توفي إبراهيم بن رسول الله و هو ابن ستة عشر شهرا فقال : [ ادفنوه في البقيع فإن له مرضعا في الجنة ]
و رواه أحمد من حديث جابر عن عامر عن البراء و هكذا رواه سفيان الثوري عن فراس عن الشعبي عن البراء بن عازب بمثله
و كذا رواه الثوري أيضا عن أبي إسحاق عن البراء و أورد له ابن عساكر من طريق عتاب بن محمد بن شوذب [ عن عبد الله بن أبي أوفى قال : توفي إبراهيم فقال رسول الله : يرضع بقية رضاعه في الجنة ]
و قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا زكريا بن يحيى الواسطي حدثنا هشيم عن إسماعيل قال سألت ابن أبي أوفى ـ أو سمعته يسأل ـ عن إبراهيم بن النبي صلى الله عليه و سلم فقال : مات و هو صغير و لو قضى أن يكون بعد النبي صلى الله عليه و سلم نبي لعاش
و روى ابن عساكر [ من حديث أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ حدثنا عبيد بن إبراهيم الجعفي حدثنا الحسن بن أبي عبد الله الفراء حدثنا مصعب بن سلام عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو عاش إبراهيم لكان نبيا ]
و روى ابن عساكر [ من حديث محمد بن إسماعيل بن سمرة عن محمد بن الحسن الأسدي عن أبي شيبة عن أنس قال : لما مات إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه
فجاء فانكب عليه و بكى حتى اضطرب لحياه و جنباه صلى الله عليه و سلم ]
قلت : أبو شيبة هذا لا يتعامل بروايته
[ ثم روى من حديث مسلم بن خالد الزنجي عن ابن خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : لما توفي إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر و عمر : أنت أحق من علم لله حقه فقال : تدمع العين و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب لولا أنه وعد صادق و موعد جامع و أن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم وجدا أشد مما وجدنا و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل عن جابر عن الشعبي عن البراء قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنه إبراهيم و مات و هو ابن ستة عشر شهرا و قال : إن له في الجنة من يتم رضاعه و هو صديق ]
و قد روى من حديث الحكم بن عيينة عن الشعبي عن البراء
و قال أبو يعلى : حدثنا القواريري حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن ابن أبي أوفى قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنه و صليت خلفه و كبر عليه أربعا
و قد روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال : مات إبراهيم ابن رسول الله و هو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه
و روى ابن عساكر [ من حديث إسحاق ابن محمد الفروي عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن أبي جده عن علي قال : لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث علي بن أبي طالب إلى أمه مارية القبطية و هي في مشربة فحمله علي في سفط و جعله بين يديه على الفرس ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فغسله و كفنه و خرج به و خرج الناس معه فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد فدخل علي في قبره حتى سوى عليه و دفنه ثم خرج و رش على قبره و أدخل رسول الله يده في قبره فقال أما و الله إنه لنبي ابن نبي و بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم و بكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تدمع العين و يحزن القلب و لا نقول ما يغضب الرب و إنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ]
و قال الواقدي : مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر و هو ابن ثمانية عشر شهرا في بني مازن بن النجار في دار أم برزة بنت المنذر و دفن بالبقيع
قلت : و قد قدمنا أن الشمس كسفت يوم موته فقال الناس : كسفت لموت إبراهيم فخطب رسول الله فقال في خطبته : [ إن الشمس و القمر آيتان من آيات الله عز و جل لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته ]
قال الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر (4/605)
و لنذكر ما أورده مع الزيادة و النقصان و بالله المستعان
فمنهم أسامة بن زيد بن حارثة أبو زيد الكلبي و يقال أبو يزيد و يقال أبو محمد
مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم و ابن مولاه و حبه و ابن حبه و أمه أم أيمن و اسمها بركة كانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه و سلم في صغره و ممن آمن به قديما بعد بعثته
و قد أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر أيام حياته و كان عمره إذ ذاك ثماني عشرة أو تسع عشرة و توفي و هو أمير علي جيش كثيف منهم عمر بن الخطاب و يقال و أبو بكر الصديق و هو ضعيف لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم نصبه للإمامة
فلما توفي عليه السلام و جيش أسامة مخيم بالجرف كما قدمناه استطلق أبو بكر من أسامة عمر بن الخطاب في الإقامة عنده ليستضيء برأيه فأطلقه له و أنفذ أبو بكر جيش أسامة بعد مراجعه كثيرة من الصحابة له في ذلك و كل ذلك يأبى عليهم و يقول : و الله لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم
فساروا حتى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد و جعفر بن أبي طالب و عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم فأغار على تلك البلاد و غنم و سبى و كر راجعا سالما مؤيدا
فلهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يلقى أسامة إلا قال له : السلام عليك أيها الأمير
و لما عقد له رسول الله صلى الله عليه و سلم راية الإمرة طعن بعض الناس في إمارته فخطب رسول الله فقال فيها : [ إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل و أيم الله إن كان لخليقا للإمارة و إن كان لمن أحب الخلق من بعده ]
و هو في الصحيح من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه
و ثبت في صحيح البخاري [ عن أسامة رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأخذني و الحسن فيقول : اللهم إني أحبهما فأحبهما ]
و روى عن الشعبي [ عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أحب الله و رسوله فليحب أسامة بن زيد ]
و لهذا لما فرض عمر بن الخطاب للناس في الديوان فرض لأسامة في خمسة آلاف و أعطى ابنه عبد الله بن عمر في أربعة آلاف فقيل له في ذلك فقال : إنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم منك و أبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك
و قد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن أسامة أن رسول الله أردفه خلفه على حمار عليه قطيفة حين ذهب يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر
قلت : و هكذا أردفه وراءه على ناقته حين دفع من عرفات إلى المزدلفة كما قدمنا في حجة الوداع
و قد ذكر غير واحد أنه رضي الله عنه لم يشهد مع علي شيئا من مشاهده و اعتذر إليه بما قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قتل ذلك الرجل و قد قال لا إله إلا الله فقال : [ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ؟ أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ] الحديث
و ذكر فضائله كثيرة رضي الله عنه و قد كان أسود كالليل أفطس حلوا حسنا كبيرا فصيحا عالما ربانيا رضي الله عنه
و كان أبوه كذلك إلا أنه كان أبيض شديد البياض و لهذا طعن بعض من لا يعلم في نسبه منه و لما مر مجزز المدلجي عليهما و هما نائمان في قطيفة و قد بدت أقدامهما أسامة بسواده و أبوه زيد ببياضه قال : سبحان الله : إن بعض هذه الأقدام لمن بعض
أعجب بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم و دخل على عائشة مسرورا تبرق في أسارير وجهه فقال : [ ألم ترى أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة و أسامة بن زيد فقال : إن بعض هذه الأقدام لمن بعض ؟ ! ]
و لهذا أخذ فقهاء الحديث كالشافعي و أحمد من هذا الحديث من حيث التقرير عليه و الاستبشار به العمل بقول القافة في اختلاط الأنساب و اشتباهها كما هو مقرر في موضعه
و المقصود أنه رضي الله عنه توفي سنة أربع و خمسين مما صححه أبو عمر و قال غيره سنة ثمان أو تسع و خمسين و قيل مات بعد مقتل عثمان فالله أعلم و روى له الجماعة في كتبهم الستة
و منهم أسلم و قيل إبراهيم و قيل ثابت و قيل هرمز أبو رافع القبطي أسلم قبل بدر و لم يشهدها لأنه كان بمكة مع سادته آل العباس و كان ينحت القداح و قصته مع الخبيث أبي لهب حين جاء خبر وقعة بدر تقدمت و لله الحمد
ثم هاجر و شهد أحدا و ما بعدها و كان كاتبا و قد كتب بين يدي علي بن أبي طالب بالكوفة قاله المفضل بن غسان الغلابي و شهد فتح مصر في أيام عمر
و قد كان أولا للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه و سلم و عتقه و زوجه مولاته سلمى فولدت له أولادا و كان يكون على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا محمد بن جعفر و بهز قالا : حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي رافع عن أبي رافع أن رسول الله بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع : اصحبني كيما تصيب منها فقال : لا حتى آتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسأله فأتى رسول الله فسأله فقال : الصدقة لا تحل لنا و إن مولى القوم منهم ]
و قد رواه الثوري [ عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم به و روى أبو يعلى في مسنده عنه أنه أصابهم برد شديد و هم بخيبر فقال رسول الله : من كان له لحاف فليلحف من لا لحاف له
قال أبو رافع : فلم أجد من يلحفني معه فأتيت رسول الله فألقى علي لحافه فنمنا حتى أصبحنا فوجد رسول الله صلى الله عليه و سلم عند رجليه حية فقال : يا أبا رافع اقتلها اقتلها ]
و روى له الجماعة في كتبهم و مات في أيام علي رضي الله عنه
و منهم أنسة بن زياد أبو مشرح و يقال أبو مسرح من مولدي السراة مهاجري شهد بدرا فيما : و كان ممن يأذن على النبي صلى الله عليه و سلم إذا جلس
و ذكر خليفة بن خياط في كتابه قال : قال علي بن محمد عن عبد العزيز بن أبي ثابت عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : استشهد يوم بدر أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال الواقدي : و ليس هذا يثبت عندنا و رأيت أهل العلم يثبتون أنه شهد أحدا أيضا و بقي زمانا و أنه توفي في حياة أبي بكر رضي الله عنه أيام خلافته
و منهم أيمن بن عبيد بن زيد الحبشي و نسبه ابن مندة إلى عوف بن الخزرج و فيه نظر
و هو ابن أم أيمن بركة أخو أسامة لأمه
قال ابن إسحاق : و كان على مطهرة النبي صلى الله عليه و سلم و كان ممن ثبت يوم حنين و يقال : إن فيه و في أصحابه نزل قوله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا }
قال الشافعي : قتل أيمن مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم حنين
قال : فرواية مجاهد عنه منقطعة يعني بذلك ما رواه الثوري عن منصور عن مجاهد عن عطاء عن أيمن الحبشي قال : لم يقطع النبي صلى الله عليه و سلم السارق إلا في المجن و كان ثمن المجن يومئذ دينارا
و قد رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة عن هارون بن عبد الله عن أسود ابن عامر عن الحسن بن صالح عن منصور عن الحكم عن مجاهد و عطاء عن أيمن عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه
و هذا يقتضي تأخر موته عن النبي صلى الله عليه و سلم إن لم يكن الحديث مدلسا عنه و يحتمل أن يكون أريد غيره
و الجمهور كابن إسحاق و غيره ذكروه فيمن قتل من الصحابة يوم حنين فالله أعلم
و لابنه الحجاج بن أيمن مع عبد الله بن عمر قصة
و منهم باذام و سيأتي ذكره في ترجمة طهمان
و منهم ثوبان بن بجدد و يقال ابن جحدر أبو عبد الله و يقال أبو عبد الكريم و يقال أبو عبد الرحمن
أصله من أهل السراة مكان بين مكة و اليمن و قيل من حمير من أهل اليمن و قيل من الهان و قيل من حكم بن سعد العشيرة من مذحج أصابه سبي في الجاهلية فاشتراه رسول الله فأعتقه و خيره إن شاء أن يرجع إلى قومه و إن شاء يثبت فإن منهم أهل البيت
فأقام على ولاء رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يفارقه حضرا و لا سفرا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم
و شهد فتح مصر أيام عمر و نزل حمص بعد ذلك و ابتنى بها دارا و أقام بها إلى أن مات سنة أربع و خمسين و قيل سنة أربع و أربعين ـ و هو خطأ ـ و قيل إنه مات بمصر و الصحيح بحمص كما قدمنا و الله أعلم
روى له البخاري في كتاب الأدب و مسلم في صحيحه و أهل السنن الأربعة
و منهم حنين مولى النبي صلى الله عليه و سلم و هو جد إبراهيم بن عبد الله بن حنين
و روينا أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه و سلم و يوضئه فإذا فرغ النبي صلى الله عليه و سلم خرج بفضلة الوضوء إلى أصحابه فمنهم من يشرب منه و منهم من يتمسح به فاحتبسه حنين فخبأه عنده في جرة حتى شكوه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال له : [ ما تصنع به ؟ ] فقال : أدخره عندي أشربه يا رسول الله فقال عليه السلام : [ هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا ؟ ]
ثم إن النبي صلى الله عليه و سلم وهبه لعمه العباس فأعتقه رضي الله عنهما
و منهم زكوان يأتي ذكره في ترجمة طهمان
و منهم رافع أو أبو رافع و يقال له أبو البهي
قال أبو بكر بن أبي خيثمة : كان لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر فورثه بنوه و أعتق ثلاثة منهم أنصباءهم و شهد معهم يوم بدر فقتلوا ثلاثتهم ثم اشترى أبو رافع بقية أنصباء بني سعيد مولاه إلا نصيب خالد بن سعيد فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقبله و أعتقه فكان يقول أنا مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك كان بنوه يقولون من بعده
و منهم رباح الأسود و كان يأذن على النبي صلى الله عليه و سلم و هو الذي أخذ الإذن لعمر بن الخطاب حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم في تلك المشربة يوم آلى من نسائه و اعتزلهن في تلك المشربة وحده عليه السلام
هكذا جاء مصرحا باسمه في حديث عكرمة بن عمار عن سماك بن الوليد عن ابن عباس عن عمر
و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : كان للنبي صلى الله عليه و سلم غلاما يسمى رباح
و منهم رويفع مولاه عليه الصلاة و السلام
هكذا عده في الموالي مصعب بن عبد الله الزبيري و أبو بكر بن أبي خيثمة قالا : و قد وفد ابنه على عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته ففرض له قالا : و لا عقب له
قلت : كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديد الاعتناء بموالي رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب أن يعرفهم و يحسن إليهم و قد كتب في أيام خلافته إلى أبي بكر بن حزم عالم أهل المدينة في زمانه : أن يفحص له عن موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم الرجال و النساء و خدمه
رواه الواقدي و قد ذكره أبو عمر مختصرا و قال : لا أعلم له رواية حكاه ابن الأثير في الغابة
و منهم زيد بن حارثة الكلبي
و قد قدمنا طرفا من ذكره عند ذكر مقتله بغزوة مؤتة رضي الله عنه و ذلك في جمادى من سنة ثمان قبل الفتح بأشهر
و قد كان هو الأمير المقدم ثم بعده جعفر ثم بعدهما عبد الله بن رواحة
و عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم و لو بقي بعده لاستخلفه
رواه أحمد
و منهم زيد أبو يسار
قال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة : سكن المدينة روى حديثا واحدا لا أعلم له غيره : [ حدثنا محمد بن علي الجوزجاني حدثنا أبو سلمة ـ هو التبوذكي ـ حدثنا حفص ابن عمر الطائي حدثنا أبو عمر بن مرة سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه و سلم سمعت أبي حدثني بن جدي أن سمع رسول الله يقول : من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه غفر له و إن كان فر من الزحف ]
و هكذا رواه أبو داود عن أبي سلمة و أخرجه الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل به و قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
و منهم سفينة أبو عبد الرحمن و يقال أبو البختري كان اسمه مهران و قيل عبس و قيل أحمر و قيل رومان فلقبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لسبب سنذكره فغلب عليه
و كان مولى لأم سلمة فأعتقته و اشترطت عليه أن يخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يموت فقبل ذلك و قال : لو لم تشرطي علي ما فارقته
و هذا الحديث في السنن
و هو من مولدي العرب و أصله من أبناء فارس و هو سقيفة بن مافنه
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو النضر حدثنا جشرج بن نباتة العبسي كوفي حدثنا سعيد بن جمهان حدثني سفينة قال : قال رسول الله : الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملكا بعد ذلك ]
ثم قال لي سفينة : أمسك خلافة أبي بكر و خلافة عمر و خلافة عثمان و أمسك خلافة علي ثم قال : فوجدناها ثلاثين سنة ثم نظرت بعد ذلك في الخلفاء فلم أجده يتفق لهم ثلاثون
قلت لسعيد : أين لقيت سفينة ؟ قال : ببطن نخلة في زمن الحجاج فأقمت عنده ثلاث ليال أسأله عن أحاديث رسول الله قلت له : ما اسمك ؟ قال : ما أنا بمخبرك سماني رسول الله سفينة قلت : و لم سماك سفينة ؟ قال : خرج رسول الله و معه أصحابه فثقل عليهم متاعهم فقال لي : [ ابسط كساءك ] فبسطته فجعلوا فيه متاعهم ثم حملوه علي فقال لي رسول الله : [ احمل فإنما أنت سفينة ] فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي إلا أن يحفوا
و هذا الحديث عن أبو داود و الترمذي و النسائي و لفظه عندهم : [ خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تكون ملكا ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال : كنا في سفر فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه ترسا أو سيفا حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أنت سفينة ]
هذا هو المشهور في تسميته سفينة
و قد قال أبو القاسم البغوي : [ حدثنا الربيع سليمان بن داود الزهراني و محمد بن جعفر الوركاني قالا : حدثنا شريك بن عبد الله النخعي عن عمران البجلي عن مولى لأم سلمة قال : كنا مع رسول الله فمررنا بواد ـ أو نهر ـ فكنت أعبر الناس فقال لي رسول الله : ما كنت منذ اليوم إلا سفينة ]
و هكذا رواه الإمام أحمد عن أسود بن عامر عن شريك
و قال أبو عبد الله بن منده : حدثنا الحسن بن مكرم حدثنا عثمان بن عمر حدثنا أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر عن سفينة قال : ركبت البحر في سفينة فكسرت بنا فركبت لوحا منها فطرحني في جزيرة فيها أسد فلم يرعني إلا به فقلت : يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يغمرني بمنكبه حتى أقامني على الطريق ثم همهم فظننت أنه السلام
و قد رواه أبو القاسم البغوي عن إبراهيم بن هانئ عن عبيد الله بن موسى عن رجل عن محمد بن المنكدر عنه
و رواه أيضا عن محمد بن عبد الله المخرمي عن حسين بن محمد قال : قال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر عن سفينة فذكره
و رواه أيضا : حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا علي بن عاصم حدثني أبو ريحانة عن سفينة مولى رسول الله قال : لقيني الأسد فقلت : أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فضرب بذنبه الأرض و قعد
و روى له مسلم و أهل السنن و قد تقدم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد أنه كان يسكن بطن نخلة و أنه تأخر إلى أيام الحجاج
و منهم سلمان الفارسي أبو عبد الله مولى الإسلام
أصله من فارس و تنقلت به الأحوال إلى أن صار لرجل من يهود المدينة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة أسلم سلمان و أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم فكاتب سيده اليهودي و أعانه رسول الله صلى الله عليه و سلم على أداء ما عليه فنسب إليه و قال : [ سلمان منا أهل البيت ]
و قد قدمنا صفة هجرته من بلده و صحبته لأولئك الرهبان واحدا بعد واحد حتى آل به الحال إلى المدينة النبوية و ذكرنا صفة إسلامه رضي الله عنه في أوائل الهجرة النبوية إلى المدينة و كانت وفاته في سنة خمس و ثلاثين في آخر أيام عثمان ـ أو في أول سنة ست و ثلاثين ـ و قيل : إنه توفي في أيام عمر بن الخطاب و الأول أكثر
قال العباس بن يزيد البحراني : و كان أهل العلم لا يشكون أنه عاش مائتين و خمسين سنة و اختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة و خمسين
و قد ادعى بعض الحفاظ المتأخرين أنه لم يجاوز المائة فالله أعلم بالصواب
و منهم شقران الحبشي و اسمه صالح بن عدي ورثه عليه السلام من أبيه
و قال مصعب الزبيري و محمد بن سعد : كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي صلى الله عليه و سلم
و قد روى أحمد بن حنبل عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر أنه ذكره فيمن شهد بدرا قال : و لم يقسم له رسول الله صلى الله عليه و سلم
و هكذا ذكره محمد بن سعد فيمن شهد بدرا و هو مملوك فلهذا لم يسهم له بل استعمله على الأسرى فحذاه كل رجل له أسير شيئا فحصل له أكثر من نصيب كامل
قال : و قد كان ببدر ثلاثة غلمان غيره : غلام لعبد الرحمن بن عوف و غلام لحاطب ابن أبي بلتعة و غلام لسعد بن معاذ فرضخ لهم و لم يقسم
قال أبو القاسم البغوي : و ليس له ذكر فيمن شهد بدرا في كتاب الزهري و لا في كتاب ابن إسحاق
و ذكر الواقدي عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال : استعمل رسول الله شقران مولاه على جميع ما وجد في رحال المريسيع من رثة المتاع و السلاح و النعم و الشاء و جمع الذرية ناحية
و قال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر حدثنا مسلم بن خالد عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه ن عن شقران مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : رأيته ـ يعني النبي صلى الله عليه و سلم ـ متوجها إلى خيبر على حمار يصلي عليه يومئ إيماء
و في هذه الأحاديث شواهد أنه رضي الله عنه شهد هذه المشاهد
و روى الترمذي عن زيد بن أخزم عن عثمان بن فرقد عن جعفر بن محمد أخبرني ابن أبي رافع قال : سمعت شقران يقول : أنا و الله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه و سلم في القبر
و عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : الذى اتخذ قبر النبي صلى الله عليه و سلم أبو طلحة و الذي ألقى القطيفة شقران
ثم قال الترمذي حسن غريب
و قد تقدم أنه شهد غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم و نزل في قبره و أنه وضع تحته القطيفة التي كان يصلي عليها و قال : و الله لا يلبسها أحد بعدك
و ذكر الحافظ أبو الحسن بن الأثير في الغابة أنه انقرض نسله فكان آخرهم موتا بالمدينة في أيام الرشيد
و منهم ضميرة بن أبي ضميرة الحميري أصابه سبي في الجاهلية فاشتراه النبي صلى الله عليه و سلم فأعتقه ذكره مصعب الزبيري قال : و كانت له دار بالبقيع و ولد
قال عبد الله بن وهب : [ عن ابن أبي ذئب عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده ضميرة أن رسول الله مر بأم ضميرة و هي تبكي فقال لها : ما يبكيك ؟ أجائعة أنت أعارية أنت ؟
قالت : يا رسول الله فرق بيني و بين ابني فقال رسول الله : لا يفرق بين الوالدة و ولدها ]
ثم أرسل إلى الذي عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر
قال ابن أبي ذئب : ثم أقرأني كتابا عنده : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة و أهل بيته أن رسول الله أعتقهم و أنهم أهل بيت من العرب إن أحبوا أقاموا عند رسول الله و إن أحبوا رجعوا إلى قومهم فلا يعرض لهم إلا بحق و من لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا و كتب أبي بن كعب
و منهم طهمان و يقال ذكوان و يقال مهران و يقال ميمون و قيل كيسان و قيل باذام روى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إن الصدقة لا تحل لي و لا لأهل بيتي و إن مولى القوم من أنفسهم ]
رواه البغوي عن منجاب بن الحارث و غيره عن شريك عن عطاء بن السائب عن إحدى بنات علي بن أبي طالب و هي أم كلثوم بنت علي قالت : حدثني مولى للنبي صلى الله عليه و سلم يقال له طهمان أو ذكوان قال قال رسول الله فذكره
و منهم عبيد مولى النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو داود الطيالسي : عن شعبة عن سليمان التيمي عن شيخ عن عبيد مولى للنبي صلى الله عليه و سلم قال : قلت : هل كان النبي صلى الله عليه و سلم يأمر بصلاة سوى المكتوبة ؟ قال : صلاة بين المغرب و العشاء
قال أبو القاسم البغوي : لا أعلم روى غيره
قال ابن عساكر : و ليس كما قال ثم ساق [ من طريق أبي يعلى الموصلي : حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن عبيد مولى رسول الله أن امرأتين كانتا صائمتين و كانتا تغتابان الناس فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقدح فقال لهما : قيئا فقاء قيحا و دما و لحما عبيطا ثم قال : إن هاتين صامتا عن الحلال و أفطرتا على الحرام ]
و قد رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون و ابن أبي عدي عن سليمان التيمي عن رجل حدثهم في مجلس أبي عثمان عن عبيد مولى رسول الله فذكره
و رواه أحمد أيضاعن غندر عن عثمان بن غياث قال : كنت مع أبي عثمان فقال رجل : حدثني سعيد ـ أو عبيد ـ يشك عثمان مولى النبي صلى الله عليه و سلم فذكره
و منهم فضالة مولى النبي صلى الله عليه و سلم
قال محمد بن سعد : أنبأنا الواقدي حدثني عتبة بن خيرة الأشهلي قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن افحص لي عن خدم رسول الله من الرجال و النساء و مواليه
فكتب إليه قال : و كان فضالة مولى له يماني نزل الشام بعد و كان أبو مويهبة مولدا من مولدى مزينة فأعتقه
قال ابن عساكر : لم أجد لفضالة ذكرا في الموالي إلا من هذا الوجه
و منهم قفيز أوله قاف و آخره زاي
قال أبو عبد الله بن منده : أنبأنا سهل بن السري حدثنا أحمد بن محمد بن المنكدر حدثنا محمد بن يحيى عن محمد بن سليمان الحراني عن زهير بن محمد عن أبي بكر بن عبد الله بن أنيس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم غلام يقال له قفيز
تفرد به محمد بن سليمان
و منهم كركرة كان على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم في بعض غزواته
و قد ذكره أبو بكر بن حزم فيما كتب به إلى عمر بن عبد العزيز
قال الإمام أحمد : [ حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله ابن عمرو قال : كان على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم رجل يقال له كركرة فمات فقال : هو في النار فنظروا فإذا عليه عباءة قد غلها أو كساء قد غله ]
رواه البخاري عن علي بن المديني عن سفيان
قلت : و قصته شبيهة بقصة مدعم الذي أهداه رفاعة من بني النصيب كما سيأتي و منهم كيسان
قال البغوي : [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال : أتيت أم كلثوم بنت علي فقالت : حدثني مولى للنبي صلى الله عليه و سلم يقال له كيسان قال له النبي صلى الله عليه و سلم في شيئ من أمر الصدقة : إنا أهل بيت نهينا أن نأكل الصدقة و إن مولانا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة ]
و منهم مابور القبطي الخصبي أهداه له صاحب إسكندرية مع مارية و شيرين و البغلة
و قد قدمنا من خبره في ترجمة مارية رضي الله عنهما ما فيه كفاية
و منهم مدعم و كان أسود من مولدي حسمى أهداه رفاعة بن زيد الجذامي قتل في حياة النبي صلى الله عليه و سلم و ذلك مرجعهم من خيبر فلما وصلوا إلى وادي القرى فبينما مدعم يحط عن ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم رحلها إذ جاءه سهم عائر فقتله فقال الناس : هنيئا له الشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كلا و الذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر ـ لم تصبها المقاسم ـ لتشتعل عليه نارا ] فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك ـ أو شراكين ـ فقال النبي صلى الله عليه و سلم [ شراك من نار أو شراكان من نار ]
أخرجاه من حديث مالك عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة و منهم مهران و يقال طهمان و هو الذي روت عنه أم كلثوم بنت علي في تحريم الصدقة على بني هاشم و مواليهم كما تقدم
و منهم ميمون و هو الذي قبله
و منهم نافع مولاه
قال الحافظ ابن عساكر : [ أنبأنا أبو الفتح الماهاني أنبأنا شجاع الصوفي أنبأنا محمد ابن إسحاق أنبأنا أحمد بن محمد بن زياد حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا أبو مالك الأشجعي عن يوسف بن ميمون عن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا يدخل الجنة شيخ زان و لا مسكين متكبر و لا منان بعمله على الله عز و جل ] و منهم نفيع و يقال مسروح و يقال نافع بن مسروح و الصحيح نافع بن الحارث ابن كلدة بن عمرو بن علاج بن سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن قيس و هو ثقيف أبو بكرة الثقفي و أمه سمية أم زياد
تدلى هو و جماعة من العبيد من سور الطائف فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان نزوله في بكرة فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكرة
قال أبو نعيم : و كان رجلا صالحا آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه و بين أبي برزة الأسلمي
قلت : و هو الذي صلى عليه بوصيته إليه و لم يشهد أبو بكرة وقعة الجمل و لا أيام صفين و كانت وفاته سنة إحدى و خمسين و قيل سنة اثنتين و خمسين
و منهم واقد أو أبو واقد مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : [ حدثنا أبو عمرو بن حمدان حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم حدثنا الحسين بن محمد حدثنا الهيثم بن حماد عن الحارث بن غسان عن رجل من قريش من أهل المدينة عن زاذان عن واقد مولى النبي صلى الله عليه و سلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أطاع الله فقد ذكر الله و إن قلت صلاته و صيامه و تلاوته القرآن و من عصى الله فلم يذكره و إن كثرت صلاته و صيامه و تلاوته القرآن ]
و منهم هرمز أبو كيسان و يقال هرمز أو كيسان و هو الذي يقال فيه طهمان كما تقدم
و قد قال ابن وهب : [ حدثنا علي بن عابس عن عطاء بن السائب عن فاطمة بنت علي أو أم كلثوم بنت علي قالت : سمعت مولى لنا يقال له هرمز يكنى أبا كيسان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة و إن موالينا من أنفسنا فلا تأكلوا الصدقة ]
[ و قد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى عن ورقاء عن عطاء بن السائب قال : دخلت على أم كلثوم فقالت : إن هرمز أو كيسان حدثنا أن رسول الله قال : إنا لا نأكل الصدقة ]
و قال أبو القاسم البغوي : [ حدثنا منصور بن أبي مزاحم حدثنا أبو حفص الأبار عن ابن أبي زياد عن معاوية قال : شهد بدرا عشرون مملوكا منهم مملوك للنبي صلى الله عليه و سلم يقال له هرمز فأعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : إن الله قد أعتقك و إن مولى القوم من أنفسهم و إنا أهل بيت لا نأكل الصدقة فلا تأكلها ]
و منهم هشام مولى النبي صلى الله عليه و سلم قال محمد بن سعد : [ أنبأنا سليمان بن عبيد الله الرقي أنبأنا محمد بن أيوب الرقي عن سفيان عن عبد الكريم عن أبي الزبير عن هشام مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : جاء رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس قال طلقها قال : إنها تعجبني قال : فتمتع بها ]
قال ابن مندة : و قد رواه جماعة عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن مولى بني هاشم عن النبي صلى الله عليه و سلم و لم يسمه و رواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن أبي الزبير عن جابر
و منهم يسار و يقال إنه الذي قتله العرنيون و قد مثلوا به
و قد ذكر الواقدي بسنده عن يعقوب بن عتبة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذه يوم قرقرة الكدر مع نعم بني غطفان و سليم فوهبه الناس لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقبله منهم لأنه رآه يحسن الصلاة فأعتقه ثم قسم في الناس النعم فأصاب كل إنسان منهم سبعة أبعرة و كانوا مائتين
و منهم أبو الحمراء مولى صلى الله عليه و سلم و خادمه و هو الذي يقال إن اسمه هلال بن الحارث و قيل ابن مظفر و قيل هلال بن الحارث بن ظفر السلمي أصابه سباء في الجاهلية
و قال أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم : [ حدثنا أحمد بن حازم أنبأنا عبد الله بن موسى و الفضل بن دكين عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي داود القاص عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر كيوم فكان النبي صلى الله عليه و سلم يأتي باب علي و فاطمة كل غداة فيقول : الصلاة الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ]
قال أحمد بن حازم : [ و أنبأنا عبيد الله بن موسى و الفضل بن دكين ـ و اللفظ له ـ عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي داود عن أبي الحمراء قال : مر النبي صلى الله عليه و سلم برجل عنده طعام في وعاء فادخل يده فقال : غششته من غشنا فليس منا ]
و قد رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم به و ليس عنده سواه
و أبو داود هذا هو نفيع بن الحارث الأعمى أحد المتروكين الضعفاء
قال عباس الدوري عن ابن معين : أبو الحمراء صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم اسمه هلال بن الحارث كان يكون بحمص و قد رأيت بها غلاما من ولده و قال غيره : كان منزله خارج باب حمص و قال أبو الوازع عن سمرة : كان أبو الحمراء في الموالي (4/616)
و منهم أبو سلمة راعي النبي صلى الله عليه و سلم و يقال أبو سلام و اسمه حريث
قال أبو القاسم البغوي : [ حدثنا كامل بن طلحة حدثنا عباد بن عبد الصمد حدثني أبو سلمة راعي النبي صلى الله عليه و سلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من لقى الله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله و آمن بالبعث و الحساب دخل الجنة ] قلنا أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فادخل إصبعيه في أذنيه ثم قال : أنا سمعت هذا منه غير مرة و لا مرتين و لا ثلاث و لا أربع
لم يورد له ابن عساكر سوى هذا الحديث و قد روى له النسائي في اليوم و الليلة آخر و أخرج له ابن ماجه ثالثا
و منهم أبو صفية مولى النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو القاسم البغوي : حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا معتمر حدثنا أبو كعب عن جده بقية عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يوضع له نطع و يجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى الأولى سبح حتى يمسي
و منهم أبو ضميرة مولى النبي صلى الله عليه و سلم والد ضميرة المتقدم و زوج أم ضميرة و قد تقدم في ترجمة ابنه طرف من ذكرهم و خبرهم في كتابهم
و قال محمد بن سعد في الطبقات : [ أنبأنا إسماعيل بن عبد الله بن أويس المدني حدثني حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة أن الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي ضميرة : بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة و أهل بيته إنهم كانوا أهل بيت من العرب و كانوا ممن أفاء الله على رسوله فأعتقهم ثم خير أبا ضميرة إن أحب أن يلحق بقومه فقد أذن له و إن أحب أن يمكث مع رسول الله فيكونوا من أهل بيته فاختار الله و رسوله و دخل في الإسلام فلا يعرض لهم أحد إلا بخير و من لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا و كتب أبي بن كعب ]
قال إسماعيل بن أبي أويس : فهو مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو أحد حمير
و خرج قوم منهم في سفر و معهم هذا الكتاب فعرض لهم اللصوص فأخذوا ما معهم فأخرجوا هذا الكتاب إليهم فأعلموهم بما فيه فقرءوه فردوا عليهم ما أخذوه منهم و لم يعرضوا لهم
قال : و وفد حسين بن عبد الله بن أبي ضمرة إلى المهدي أمير المؤمنين و جاء معه بكتابهم هذا فأخذه المهدي فوضعه على بصره و أعطى حسينا ثلاثمائة دينار
و منهم أبو عبيد مولاه عليه الصلاة و السلام
قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا أبان العطار حدثنا قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي عبيد أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه و سلم قدرا فيها لحم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ناولني ذراعها فناولته فقال : ناولني ذراعها فناولته فقال : ناولني ذراعها فقلت : يا نبي الله كم للشاة من ذراع ؟ قال : و الذي نفسي بيده لو سكت لأعطيتني ذراعها ما دعوت به ]
و رواه الترمذي في الشمائل عن بندار عن مسلم بن إبراهيم عن أبان بن يزيد العطار به
و منهم أبو عسيب و منهم من يقول أبو عسيم و الصحيح الأول و من الناس من فرق بينهم
و قد تقدم أنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و 0حضر دفنه و روى قصة المغيرة بن شعبة
و قال الحارث بن أبي أسامة : [ حدثنا يزيد بن هارون حدثنا مسلم بن عبيد أبو نضرة قال سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أتاني جبريل بالحمى و الطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة و أرسلت الطاعون إلى الشام فالطاعون شهادة لأمتي و رحمة لهم و رجس على الكافر ]
و كذا رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون
و قال أبو عبد الله بن منده : [ أنبأنا محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا يونس بن محمد حدثنا حشرج بن نباتة حدثني أبو نضرة البصري عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلا فمر بي فدعاني ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه ثم انطلق يمشي حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فقال رسول الله لصاحب الحائط : أطعمنا بسرا فجاء به فوضعه فأكل رسول الله و أكلوا جميعا ثم دعا بماء فشرب منه ثم قال : إن هذا النعيم لتسألن يوم القيامة عن هذا فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر ثم قال : يا نبي الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال : نعم إلا ثلاثة خرقة يستر بها الرجل عورته أو كسرة يسد بها جوعته أو حجر يدخل فيه ـ يعني من الحر و القر ـ ]
و رواه الإمام أحمد عن شريج عن حشرج
و روى محمد بن سعد في الطبقات عن موسى بن إسماعيل حدثتنا مسلمة بنت أبان الفريعية قالت : سمعت ميمونة بنت أبي عسيب قالت : كان أبو عسيب يواصل بين ثلاث في الصيام و كان يصلي الضحى قائما فعجز و كان يصوم أيام البيض قالت : و كان في سريره جلجل فيعجز صوته حين يناديها به فإذا حركه جاءت
و منهم أبو كبشة الأنماري من أنمار مذحج على المشهود مولى النبي صلى الله عليه و سلم
في اسمه أقوال أشهرها أن اسمه سليم و قيل عمرو بن سعد و قيل عكسه و أصله من مولدي أرض دوس و كان ممن شهد بدرا
قاله موسى بن عقبة عن الزهري و ذكره ابن إسحاق و البخاري و الواقدي و مصعب الزبيري و أبو بكر بن أبي خيثمة زاد الواقدي : و شهد أحدا و ما بعدها من المشاهد
و توفي يوم استخلف عمر بن الخطاب و ذلك في يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة
و قال خليفة بن خياط : و في سنة ثلاث و عشرين توفي أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد تقدم عن أبي كبشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما مر في ذهابه إلى تبوك بالحجر جعل الناس يدخلون بيوتهم فنودي أن الصلاة جامعة فاجتمع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما يدخلكم على هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم ؟ ] فقال رجل : نعجب منهم يا رسول الله
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ألا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفصكم بينكم قبلكم و ما هو كائن بعدكم ] الحديث
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن أزهر ابن سعيد الحواري سمعت أبا كبشة الأنماري قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا في أصحابه فدخل ثم خرج و قد اغتسل فقلنا : يا رسول الله قد كان شيء ؟ قال : أجل مرت بي فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها فكذلك فافعلوا فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال ]
و قال أحمد : [ حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي كبشة الأنماري قال : قال رسول الله : مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر
رجل أتاه الله مالا و علما فهو يعمل به في ماله و ينفقه في حقه و رجل آتاه الله علما و لم يؤته مالا فهو يقول : لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فهما في الأجر سواء
و رجل آتاه الله مالا و لم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه و رجل لم يؤته الله مالا و لا علما فهو يقول : لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فهما في الوزر سواء ]
و هكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة و علي بن محمد كلاهما عن وكيع و رواه ابن ماجه أيضا من وجه آخر من حديث منصور عن سالم بن أبي الجعد عن ابن أبي كبشة عن أبيه و سماه بعضهم عبد الله بن أبي كبشة
و قال أحمد [ حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن أبي كبشة الأنماري أنه أتاه فقال : أطرقني من فرسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أطرق مسلما فعقب له الفرس كان كأجر سبعين حمل عليه في سبيل الله عز و جل ]
و قد روى الترمذي [ عن محمد بن إسماعيل عن أبي نعيم عن عبادة بن مسلم عن يونس بن خباب عن سعيد أبي البختري الطائي حدثني أبو كبشة أنه قال : ثلاث أقسم عليهن و أحدثكم حديثا فاحفظوه ما نقص مال عبد صدقة و ما ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا و لا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ] الحديث
و قال : حسن صحيح
و قد رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عنه
و روى أبو داود و ابن ماجه [ من حديث الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان عن أبيه عن أبي كبشة الأنماري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يحتجم على هامته و بين كتفيه ]
و روى الترمذي حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا محمد بن حمران عن أبي سعيد ـ هو عبد الله بن بسر ـ قال : سمعت أبا كبشة الأنماري يقول : كانت كمام أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بطحا
و منهم أبو مويهبة مولاه عليه السلام كان من مولدي مزينة اشتراه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعتقه و لا يعرف اسمه رضي الله عنه
و قال أبو مصعب الزبيري : شهد أبو مويهبة المريسيع و هو الذي كان يقود لعائشة رضي الله عنها بعيرها
و قد تقدم ما رواه الإمام أحمد بسنده عنه في ذهابه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الليل إلى البقيع فوقف عليه السلام فدعا لهم و استغفر لهم ثم قال : [ ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه بعض الناس أتت الفتن كقطع الليل المظلم يركب بعضها بعضا الآخرة أشد من الأولى فليهنكم أنتم فيه ]
ثم رجع فقال : [ يا أبا مويهبة إني خيرت مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي و الجنة أو لقاء ربي فاخترت لقاء ربي ] قال : فما لبث بعد ذلك إلا سبعا ـ أو ثمانيا ـ حتى قبض فهؤلاء عبيده عليه السلام (4/634)
فمنهن أمة الله بنت رزينة
الصحيح أن الصحبة لأمها رزينة كما سيأتي و لكن وقع في رواية ابن أبي عاصم : حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا محمد بن موسى حدثتنا عليكة بنت الكميت العتكية قالت حدثني أبي عن أمة الله خادم النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله سبى صفية يوم قريظة و النضير فأعتقها و أمهرها رزينة أم أمة الله
و هذا حديث غريب جدا
و منهن أميمة قال ابن الأثير و هي مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم
روى حديثها أهل الشام روى عنها جبير بن نفير أنها كانت توضئ رسول الله فأتاه رجل يوما فقال له : أوصني فقال : [ لا تشرك الله شيئا و إن قطعت أو حرقت بالنار و لا تدع صلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه ذمة الله و ذمة رسوله و لا تشربن مسكرا فإنه رأس كل خطيئة و لا تعصين والديك و إن أمراك أن تختلي من أهلك و دنياك ]
و منهن بركة أم أيمن و أم أسامة بن زيد بن حارثة
و هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان الحبشية
غلب عليها كنيتها أم أيمن و هو ابنها من زوجها الأول عبيد بن زيد الحبشي ثم تزوجها بعده زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد و تعرف بأم الظباء
و قد هاجرت الهجرتين رضي الله عنه و هي حاضنة رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أمه آمنة بنت وهب و قد كانت ممن ورثها رسول الله صلى الله عليه و سلم من أبيه قاله الواقدي
و قال غيره : بل ورثها من أمه و قيل : بل كانت لأخت خديجة فوهبتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم و آمنت قديما و هاجرت و تأخرت بعد النبي صلى الله عليه و سلم
و تقدم ما ذكرناه من زيارة أبي بكر و عمر رضي الله عنهما إياها بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم و أنها بكت فقالا لها : أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقالت : بلى و لكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء فجعلا يبكيان معها
و قال البخاري في التاريخ : و قال عبد الله بن يوسف عن ابن وهب عن يونس ابن يزيد عن الزهري قال : كانت أم أيمن تحضن النبي صلى الله عليه و سلم حتى كبر فأعتقها ثم زوجها زيد بن حارثة
و توفيت بعد النبي صلى الله عليه و سلم بخمسة أشهر و قيل ستة أشهر و قيل : إنها بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب
و قد رواه مسلم عن أبي الطاهر و حرملة كلاهما عن ابن وهب عن يونس عن الزهري قال : كانت أم أيمن الحبشية فذكره
و قال محمد بن سعد عن الواقدي : توفيت أم أيمن في أول خلافة عثمان بن عفان
قال الواقدي : [ و أنبأنا يحيى بن سعيد بن دينار عن شيخ من بني سعد بن بكر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لأم أيمن : يا أمه و كان إذا نظر إليها قال : هذه بقية أهل بيتي ]
و قال أبو بكر بن أبي خيثمة : [ أخبرني سليمان بن أبي شيخ قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول : أم أيمن أمي بعد أمي ]
و قال الواقدي [ عن أصحابه المدنيين قالوا : نظرت أم أيمن إلى النبي صلى الله عليه و سلم و هو يشرب فقالت : اسقني فقالت عائشة : أتقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ ! فقالت : ما خدمته أطول فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صدقت فجاء بالماء فسقاها ]
و قال المفضل بن غسان : حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال : سمعت عثمان ابن القاسم قال : لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء و هي صائمة فأصابها عطش شديد حتى جهدها قال : فدلي عليها دلو من السماء برشاء أبيض فيه ماء قالت : فشربت فما أصابني عطش بعد و قد تعرضت العطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد !
و قال الحافظ أبو يعلى : [ حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا سالم بن قتيبة عن الحسين بن حريث عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن أم أيمن قالت : كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم فخارة يبول فيها فكان إذا أصبح يقول : يا أم أيمن صبي ما في الفخارة فقمت ليلة و أنا عطشى فشربت ما فيها فقال رسول الله : يا أم أيمن صبي ما في الفخارة فقالت : يا رسول الله قمت و أنا عطشى فشربت ما فيها فقال : إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبدا ]
قال ابن الأثير في الغابة : [ و روى حجاج بن محمد عن ابن جريج عن حكيمة بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة قالت : كان النبي صلى الله عليه و سلم قدح من عيدان يبول فيه يضعه تحت السرير فجاءت امرأة اسمها بركة فشربته فطلبه فلم يجده فقيل : شربته بركة فقال : لقد احتظرت من النار بحظار ]
قال الحافظ أبو الحسن بن الأثير : و قيل إن التي شربت بوله عليه السلام إنما هي بركة الحبشية التي قدمت مع أم حبيبة من الحبشة و فرق بينهما فالله أعلم
قلت : فأما بريرة فإنها كانت لآل أبي أحمد بن جحش فكاتبوها فاشترتها عائشة منهم فأعتقتها فثبت ولاؤها كما ورد الحديث بذلك في الصحيحين و لم يذكرها ابن عساكر
و منهن خضرة ذكرها ابن مندة فقال : روى معاوية عن هشام عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : كان للنبي صلى الله عليه و سلم خادم يقال لها خضرة
و قال محمد بن سعد عن الواقدي : حدثنا فائد مولى عبيد الله عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى قالت : كان خدم رسول الله : أنا و خضرة و رضوى و ميمونة بنت سعد أعتقهن رسول الله صلى الله عليه و سلم كلهن
و منهن خليسة مولاة حفصة بنت عمر
قال ابن الأثير في الغابة : [ روت حديثها عليكة بنت الكميت عن جدتها عن خليسة مولاة حفصة في قصة حفصة و عائشة مع سودة بنت زمعة و مزحهما معها بأن الدجال قد خرج فاختبأت في بيت كانوا يوقدون فيه و استضحكتا و جاء رسول الله فقال : ما شأنكما ؟ فأخبرتاه بما كان من أمر سودة فذهب إليها فقالت : يا رسول الله أخرج الدجال ؟ فقال : لا و كأن قد خرج فخرجت و جعلت تنفض عنها بيض العنكبوت ]
و ذكر ابن الأثير خليسة مولاة سلمان الفارسي و قال : لها ذكر في إسلام سلمان و إعتاقها إياه و تعويضه عليه السلام لها بأن غرس لها ثلاثمائة فسيلة ذكرتها تمييزا
و منهن خولة خادم النبي صلى الله عليه و سلم كذا قال ابن الأثير
و قد روى حديثها الحافظ أبو نعيم من طريق حفص بن سعيد القرشي عن أمه عن أمها خولة و كانت خادم النبي صلى الله عليه و سلم فذكر حديثا في تأخر الوحي بسبب جرو كلب مات تحت سريره عليه السلام و لم يشعروا به فلما أخرجه جاء الوحي فنزل قوله تعالى : { و الضحى و الليل إذا سجى }
و هذا غريب و المشهور في سبب نزولها غير ذلك و الله أعلم
و منهن رزينة قال ابن عساكر : و الصحيح أنها كانت لصفية بنت حيي و كانت تخدم النبي صلى الله عليه و سلم
قلت : و قد تقدم في ترجمة ابنتها أمة الله أنه عليه السلام أمهر صفية بنت حيي أمها رزينة فعلى هذا يكون أصلها له عليه السلام
و قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو سعيد الجشمي حدثتنا عليكة بنت الكميت قالت سمعت أمي أمينة قالت حدثتني أمة الله بنت رزينة مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سبى صفية يوم قريظة و النضير حين فتح الله عليه فجاء يقودها سبية فلما رأت النساء قالت : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فأرسلها و كان ذراعها في يده فأعتقها ثم خطبها و تزوجها و أمهرها رزينة
هكذا وقع في هذا السياق و هو أجود مما سبق من رواية ابن أبي عاصم
و لكن الحق أنه عليه السلام اصطفى صفية من غنائم خيبر و أنه أعتقها و جعل عتقها صداقها و ما وقع في هذه الرواية يوم قريظة و النضير تخبيط فإنهما يومان بينهما سنتان و الله أعلم
و قال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل : أخبرنا ابن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا علي بن الحسن السكري حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثتنا عليكة بنت الكميت العتكية عن أمها أمينة قالت قلت لأمة الله بنت رزينة مولاة رسول الله : يا أمة الله أسمعت أمك تذكر أنها سمعت رسول الله يذكر صوم عاشوراء ؟ قالت : نعم كان يعظمه و يدعو برضعائه و رضعاء ابنته فاطمة فيتفل في أفواههم و يقول لأمهاتهم : [ لا ترضيعهم إلى الليل ]
له شاهد في الصحيح
و منهن رضوى قال ابن الأثير : [ روى سعيد بن بشير عن قتادة عن رضوى بنت كعب أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الحائض تخضب فقال ما بذلك بأس ]
رواه أبو موسى المديني
و منهن ريحانة بنت شمعون القرظية و قيل النضرية و قد تقدم ذكرها بعد أزواجه رضي الله عنهن
و منهن زرينة و الصحيح رزينة كما تقدم
و منهن سائبة مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم
روت عنه حديثا في اللقطة و عنها طارق بن عبد الرحمن روى حديثها أبو موسى المديني هكذا ذكر ابن الأثير في الغابة
و منهن سديسة النصارية و قيل مولاة حفصة بنت عمر
روت عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه ]
قال ابن الأثير : رواه عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق عن أبيه عن إسرائيل عن الأوزاعي عن سالم عن سديسة و رواه إسحاق بن يسار عن الفضل فقال عن سديسة عن حفصة عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره
رواه أبو نعيم و ابن مندة
و منهن سلامة حاضنة إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم
روت عنه حديثا في فضل الحمل و الطلق و الرضاع و السهر فيه غرابة و نكارة من جهة إسناده و متنه
رواه أبو نعيم و ابن مندة من حديث هشام بن عمار بن نصير خطيب دمشق عن أبيه عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس عنها
ذكرها ابن الأثير
و منهن سلمى و هي أم رافع أبي رافع كما رواه الواقدي عنها أنها قالت : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا و خضرة و رضوى و ميمونة بنت سعد فأعتقنا رسول الله صلى الله عليه و سلم كلنا
قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو عامر و أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عبد الرحمن ابن أبي الموالي عن فائد مولى ابن أبي رافع عن جدته سلمى خادم النبي صلى الله عليه و سلم قالت : ما سمعت قط أحدا يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وجعا في رأسه إلا قال : احتجم و في رجليه إلا قال : اخضبهما بالحناء ]
و هكذا رواه أبو داود من حديث ابن أبي الموالي و الترمذي و ابن ماجه من حديث زيد بن الحباب كلاهما عن فائد عن مولاه عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى به
و قال الترمذي : غريب إنما نعرفه من حديث فائد
و قال روت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم يطول ذكرها و استقصاؤها
قال مصعب الزبيري : و قد شهدت سلمى وقعة حنين
قلت : و قد ورد أنها كانت تطبخ للنبي صلى الله عليه و سلم الحريرة فتعجبه
و قد تأخرت إلى بعد موته عليه السلام و شهدت وفاة فاطمة رضي الله عنها و قد كانت أول لصفية بنت عبد المطلب عمته عليه السلام ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه و سلم و كانت قابلة أولاد فاطمة و هي التي قبلت إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد شهدت غسل فاطمة و غسلتها مع زوجها علي بن أبي طالب و أسماء بنت عميس امرأة الصديق
و قد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه عن سلمى قالت : اشتكت فاطمة عليها السلام شكواها الذي قبضت فيه فكنت أمرضها
فأصبحت يوما كمثل ما يأتيها في شكواها ذلك قالت : و خرج علي لبعض حاجته فقالت : يا أمه اسكبي لي غسلا فسكبت لها غسلها فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ثم قالت : يا أمه أعطيني ثيابي الجدد فلبستها ثم قالت : يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت ففعلت و اضطجعت فاستقبلت القبلة و جعلت يدها تحت خدها ثم قالت : يا أمه إني مقبوضة الآن و قد تطهرت فلا يكشفني أحد فقبضت مكانها قالت : فجاء علي فأخبرته
و هو غريب جدا
و منهن شيرين و يقال سيرين أخت مارية القبطية خالة إبراهيم عليه السلام و قدمنا أن المقوقس صاحب اسكندرية و اسمه جريج بن مينا أهداهما مع غلام اسمه مابور و بغلة يقال لها الدلدل فوهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان
و منهن عنقودة أم مليح الحبشية جارية عائشة كان اسمها عنبة فسماها رسول الله صلى الله عليه و سلم عنقودة
رواه أبو نعيم و يقال اسمها غفيرة
فروه ظئر النبي صلى الله عليه و سلم ـ يعني مرضعة
قالت قال لي رسول الله : إذا أويت إلى فراشك فاقرئي : { قل يا أيها الكافرون } فإنها براءة من الشرك
ذكرها أبو أحمد العسكري قا له ابن الأثير في الغابة
فأما فضة النوبية فقد ذكر ابن الأثير في الغابة أنها كانت مولاة لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أورد بإسناد مظلم عن محبوب بن حميد البصري عن القاسم بن بهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى : { و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا }
ثم ذكر ما مضمونه : أن الحسن و الحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه و سلم و عادهما عامة العرب فقالوا لعلي : لو نذرت ؟ فقال علي : إن برئا مما بهما صمت لله ثلاثة أيام و قالت فاطمة كذلك و قالت فضة كذلك
فألبسهما الله العافية فصاموا و ذهب علي فاستقرض من شمعون الخيبري ثلاثة آصع من شعير فهيأوا منه تلك الليلة صاعا فلما وضعوه بين أيديهم للعشاء وقف على الباب سائل فقال : أطعموا المسكين أطعمكم الله على موائد الجنة فأمرهم علي فأعطوه ذلك الطعام و طووا فلما كانت الليلة الثانية صنعوا لهم الصاع الآخر فلما وضعوه بين أيديهم وقف سائل فقال : أطعموا اليتيم فأعطوه ذلك و طووا فلما كانت الليلة الثالثة قال : أطعموا الأسير فأعطوه و طووا ثلاثة أيام و ثلاث ليال
فأنزل الله في حقهم : { هل أتى على الإنسان } إلى قوله { لا نريد منكم جزاء و لا شكورا }
و هذا الحديث منكر و من الأئمة من يجعله موضوعا و يسند ذلك إلى ركة ألفاظه و أن هذه السورة مكية و الحسن و الحسين إنما ولدا بالمدينة و الله أعلم
ليلى مولاة عائشة قالت : يا رسول الله إنك تخرج من الخلاء فأدخل في أثرك فلم أر شيئا إلا أني أجد ريح المسك ؟ فقال : [ إنا معشر الأنبياء تنبت أجسادنا على أرواح أهل الجنة فما خرج منا من نتن ابتعلته الأرض ]
رواه أبو نعيم من حديث أبي عبد الله المدني ـ و هو أحد المجاهيل ـ عنها
مارية القبطية أم إبراهيم تقدم ذكرها مع أمهات المؤمنين
و قد فرق ابن الأثير بينها و بين مارية أم الرباب قال : و هي جارية للنبي صلى الله عليه و سلم أيضا
حديثها عند أهل البصرة رواه عبد الله بن حبيب عن أم سلمى عن أمها عن جدتها مارية قالت : تطأطأت للنبي صلى الله عليه و سلم حتى صعد حائطا ليلة فر من المشركين
ثم قال : و مارية خادم النبي صلى الله عليه و سلم روى أبو بكر عن ابن عباس عن المثنى بن صالح عن جدته مارية ـ و كانت خادم النبي صلى الله عليه و سلم ـ أنها قالت : ما مسست بيدي شيئا قط ألين من كف رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب : لا أدري أهي التي قبلها أم لا
و منهن ميمونة بنت سعد قال الإمام أحمد : [ حدثنا علي بن بحر حدثنا عيسى ـ هو ابن يونس حدثنا ثور هو ابن يزيد عن زياد بن أبي سودة عن أخيه أن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه و سلم قالت : يا رسول الله أفنتا في بيت المقدس ؟
قال : أرض المنشر و المحشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة
قال : أريت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه ؟ قال : فليهد إليه زيتا يسرج فيه فإنه من أهدى له كان كمن صلى فيه ]
و هكذا رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن عبد الله الرقي عن عيسى بن يونس عن ثور عن زياد عن أخيه عثمان بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه و سلم
وقد رواه أبو داود عن الفضل بن مسكين بن بكير عن سعيد بن عبد العزيز عن ثور عن زياد عن ميمونة لم يذكر أخاه فالله أعلم
و قال أحمد : حدثنا حسين و أبو نعيم قالا : [ حدثنا إسرائيل عن زيد بن جبير ـ عن أبي يزيد الضبي عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه و سلم قالت : سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن ولد الزنا قال : لا خير فيه نعلان أجاهد بهما في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا ]
و هكذا رواه النسائي عن عباس الدوري و ابن ماجه من حديث أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن أبي نعيم الفضل بن دكين به
و قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا المحاربي حدثنا موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن ميمونة ـ و كانت تخدم النبي صلى الله عليه و سلم ـ قالت : قال رسول الله : الرافلة في الزينة في غير أهلها كالظلمة يوم القيامة لا نور لها ]
و رواه الترمذي من حديث موسى بن عبيدة و قال : لا نعرفه إلا من حديثه و هو يضعفه في الحديث و قد رواه بعضهم عنه فلم يرفعه
و منهن ميمونة بنت أبي عنيسة أو عنبسة قاله أبو عمرو بن منده
قال أبو نعيم : و هو تصحيف و الصواب ميمونة بنت أبي عسيب كذلك روى حديثها المنجع بن مصعب أبو عبد الله العبدي [ عن ربيعة بنت مرثد و كانت تنزل في بني قريع عن منبه عن ميمونة بنت أبي عسيب و قيل بنت أبي عنبسة مولاة النبي صلى الله عليه و سلم أن امرأة من حريش أتت النبي صلى الله عليه و سلم فنادت : يا عائشة أغيثيني بدعوة من رسول الله تسكنيني بها و تطمنيني بها و أنه قال لها : ضعى يدك اليمنى على فؤادك فامسحيه و قولي : بسم الله اللهم داوني بدوائك و اشفني بشفائك و أغنني بفضلك عمن سواك ]
قالت ربيعة : فدعوت به فوجدته جيدا
و منهن أم ضميرة زوج أبي ضميرة و قد تقدم الكلام عليهم رضي الله عنهم
و منهن أم عياش بعثها رسول الله صلى الله عليه و سلم مع ابنته تخدمها حين زوجها عثمان بن عفان
قال أبو القاسم البغوي : حدثنا عكرمة حدثنا عبد الواحد بن صفوان حدثنا أبي صفوان عن أبيه عن جدته أم عياش ـ و كانت خادم النبي صلى الله عليه و سلم ـ بعث بها مع ابنته إلى عثمان قالت : كنت أمغث لعثمان التمر غدوة فيشربه عشية و أنبذه عشية فيشربه غدوة فسألني ذات يوم فقال : تخلطين فيه شيئا ؟ فقلت : أجل قال : فلا تعودي
فهؤلاء إماؤه رضي الله عنهن
و قد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا القاسم بن الفضل حدثنى ثمامة بن حزن قال : سألت عائشة عن النبيذ فقالت : هذه خادم رسول الله فسلها لجارية حبشية فقالت : كنت أنبذ لرسول الله صلى الله عليه و سلم في سقاء عشاء فأوكيه فإذا أصبح شرب منه و رواه مسلم و النسائي من حديث القاسم بن الفضل به
هكذا ذكره أصحاب الأطراف في مسند عائشة و الأليق ذكره في مسند جارية حبشية كانت تخدم النبي و هي إما أن تكون واحدة ممن قدمنا ذكرهن أو زائدة عليهن و الله أعلم (4/641)
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عاصم بن غنم ابن عدي بن النجار الأنصاري النجاري أبو حمزة المدني نزيل البصرة
خدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مدة مقامه بالمدينة عشر سنين فما عاتبه على شيء أبدا و لا قال لشيء فعله : لم فعلته ؟ و لا لشيء لم يفعله ألا فعلته
و أمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام هي التي أعطته رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبله و سألته أن يدعو له فقال : [ اللهم أكثر ماله و ولده و أطل عمره و أدخله الجنة ]
قال أنس : فقد رأيت اثنتين و أنا أنتظر الثالثة و الله إن مالي لكثير و إن ولدي و ولد ولدي ليتعادون على نحو من مائة
و في رواية : و إن كرمي ليحمل في السنة مرتين و إن ولدي لصلبي مائة و ستة أولاد
و قد اختلف في شهوده بدرا و قد روى الأنصاري عن أبيه عن ثمامة قال قيل لأنس : أشهدت بدرا ؟ فقال : و أين أغيب عن بدر لا أم لك !
و المشهور أنه لم يشهد بدرا لصغره و لم يشهد أحدا أيضا لذلك و شهد الحديبية و خيبر و عمرة القضاء و الفتح و حنينا و الطائف و ما بعد ذلك
قال : أبو هريرة : ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم من ابن أم سليم ـ يعني أنس بن مالك ـ
و قال ابن سيرين كان أحسن الناس صلاة في سفره و حضره
و كانت وفاته بالبصرة و هو آخر من كان قد بقي فيها من الصحابة فيما قاله علي بن المديني و ذلك في سنة تسعين و قيل إحدى و قيل : ثنتين و قيل ثلاث و تسعين و هو الأشهر و عليه الأكثر
و أما عمره يوم مات فقد روى الإمام أحمد في مسنده : حدثنا معتمر بن سليمان عن حميد أن أنسا عمر مائة سنة غير سنة
و أقل ما قيل : ست و تسعون و أكثر ما قيل مائة و سبع سنين و قيل ست و قيل مائة و ثلاث سنين فالله أعلم (4/653)
و منهم رضي الله عنهم الأسلع بن شريك بن عوف الأعرجي
قال محمد بن سعد : كان اسمه ميمون بن سنباذ قال الربيع بن بدر الأعرجي [ عن أبيه عن جده عن الأسلع قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه و سلم و أرحل معه فقال ذات ليلة : يا أسلع قم فارحل قال : أصابتني جنابة يا رسول الله قال : فسكت ساعة و أتاه جبريل بآية الصعيد فقال : قم يا أسلع فتيمم قال : فتمسحت و صليت فلما انتهيت إلى الماء قال : يا أسلع قم فاغتسل قال : فأراني التيمم فضرب رسول الله يديه إلى الأرض ثم نفضهما ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بيديه الأرض ثم نفضهما فمسح بهما ذراعيه باليمنى على اليسرى و باليسرى على اليمنى ظاهرهما و باطنهما
قال الربيع : و أراني أبي كما أراه أبوه كما أراه الأسلع كما أراه رسول الله ]
قال الربيع فحدثت بهذا الحديث عوف بن أبي جميلة فقال : هكذا و الله رأيت الحسن يصنع
رواه ابن مندة و البغوي في كتابيهما معجم الصحابة من حديث الربيع بن بدر هذا قال البغوي : و لا أعلمه روى غيره
قال ابن عساكر : و قد روى ـ يعني هذا الحديث ـ الهيثم بن رزيق المالكي المدلجي عن أبيه عن الأسلع بن شريك (4/654)
و منهم رضي الله عنهم أسماء بن حارثة بن سعد بن عبد الله بن عباد بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أقصى الأسلمي
و كان من أهل الصفة قاله محمد بن سعد
و هو أخو هند بن حارثة و كانا يخدمان النبي صلى الله عليه و سلم
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند بن حارثة و كان هند من أصحاب الحديبية و كان أخوه الذي بعثه رسول الله يأمر قومه بالصيام يوم العاشوراء و هو أسماء بن حارثة
فحدثنى يحيى بن هند عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه فقال : [ مر قومك بصيام هذا اليوم قال : أرأيت إن وجدتهم قد طعموا ؟ قال : فليتموا آخر يومهم ]
و قد رواه أحمد بن خالد الذهبي عن محمد بن إسحاق حدثنى عبد الله بن أبي بكر عن حبيب بن هند بن أسماء الأسلمي عن أبيه هند قال : بعثني رسول الله إلى قوم من أسلم فقال : [ مر قومك فليصوموا هذا اليوم و من وجدت منهم أكل في أول يومه فليصم آخره ]
قال محمد بن سعد عن الواقدي : أنبأنا محمد بن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبيه قال : سمعت أبا هريرة يقول : ما كنت أظن أن هنذا و أسماء ابني حارثة إلا مملوكين لرسول الله صلى الله عليه و سلم
قال الواقدي : كانا يخدمانه لا يبرحان بابه وهما و أنس بن مالك
قال محمد بن سعد : و قد توفي أسماء بن حارثة في سنة ست و ستين بالبصرة عن ثمانين سنة
و منهم بكير بن الشداخ الليثي
ذكر ابن مندة [ من طريق أبي بكر الهذلي عن عبد الملك بن يعلى الليثي أن بكير بن شداخ الليثي كان يخدم النبي صلى الله عليه و سلم فاحتلم فأعلم بذلك رسول الله و قال : إني كنت أدخل على أهلك و قد احتلمت الآن يا رسول الله فقال : اللهم صدق قوله و لقه الظفر ]
فلما كان في زمان عمر قتل رجل من اليهود فقام عمر خطيبا فقال : أنشد الله رجلا عنده من ذلك علم ؟ فقام بكير فقال : أنا قتلته يا أمير المؤمنين فقال عمر : بؤت بدمه فأين المخرج ؟
فقال : يا أمير المؤمنين إن رجلا من الغزاة استخلفني على أهله فجئت فإذا هذا اليهودي عند امرأته وهو يقول :
( و أشعث غره الإسلام منى ... خلوت بعرسه ليل التمام )
( أبيت على ترائبها و يمسى ... على جرد الأعنة و الحزام )
( كأن مجامع الربلات منها ... فئام ينهضون إلى فئام )
قال : فصدق عمر قوله و طل دم اليهودي بدعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم لبكير بما تقدم (4/655)
و منهم رضي الله عنهم بلال بن رباح الحبشي
ولد بمكة و كان مولى لأمية بن خلف فاشتراه أبو بكر منه بمال جزيل لأن أمية كان يعذبه عذابا شديدا ليرتد عن الإسلام فيأبى إلا الإسلام رضي الله عنه فلما اشتراه أبو بكر أعتقه ابتغاء وجه الله
و هاجر حين هاجر الناس وشهد بدرا و أحدا و ما بعدهما من المشاهد رضي الله عنه
و كان يعرف ببلال بن حمامة و هي أمه
و كان من أفصح الناس لا كما يعتقده بعض الناس أن سينه كانت شينا حتى أن بعض الناس يروى حديثا في ذلك لا أصل له عن رسول الله أنه قال : [ إن سين بلال شين ]
و هو أحد المؤذنين الأربعة كما سيأتي و هو أول من أذن كما قدمنا و كان يلي أمر النفقة على العيال و معه حاصل ما يكون من المال
و لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم كان فيمن خرج إلى الشام للغزو و يقال : إنه أقام يؤذن لأبي بكر أيام خلافته و الأول أصح و أشهر
قال الواقدي : مات بدمشق سنة عشرين و له بعض و ستون سنة
و قال الفلاس : قبره بدمشق و يقال بداريا و قيل إنه مات بحلب و الصحيح أن الذي مات بحلب أخوه خالد
قال مكحول : حدثنى من رأى بلالا قال : كان شديد نحيفا أجنأ له شعر كثير و كان لا يغير شيبه رضي الله عنه
و منهم رضي الله عنهم حبة و سواء ابنا خالد رضي الله عنهما
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية قال حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن سلام ابن شرحبيل عن حبة و سواء ابنا خالد قالا : دخلنا على النبي صلى الله عليه و سلم و هو يصلح شيئا فأعناه فقال : [ لا تيئسا من الرزق ما تهزهزت رؤسكما فإن الإنسان تلده أمه أحيمر ليس عليه قشرة ثم يرزقه الله عز و جل ]
ومنهم رضي الله عنهم ذو مخمر ويقال ذو مخبر و هو ابن أخي النجاشي ملك الحبشة و يقال ابن أخته و الصحيح الأول كان بعثه ليخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم نيابة عنه
قال الإمام أحمد : [ حدثنا أبو النضر حدثنا جرير عن يزيد بن صليح عن ذي مخمر ـ و كان رجلا من الحبشة يخدم البني صلى الله عليه و سلم ـ قال : كنا معه في سفر فأسرع السير حتى انصرف و كان يفعل ذلك لقلة الزاد فقال : له قائل : يا رسول الله قد انقطع الناس قال : فحبس و حبس الناس معه حتى تكاملوا إليه فقال لهم : هل لكم أن نهجع هجعة ؟ أو قال له قائل فنزل و نزلوا فقالوا : من يكلؤنا الليلة ؟ فقلت : أنا جعلني الله فداك : فأعطاني خطام ناقته فقال : هاك لا تكونن لكعا
قال : فأخذت بخطام ناقة رسول الله و خطام ناقتي فتنحيت غير بعيد فخليت سبيلهما ترعيان فإني كذلك أنظر إليهما إذا أخذني النوم فلم أشعر بشيء حتى وجدت حر الشمس على وجهي فاستيقظت فنظرت يمينا و شمالا فإذا أنا بالراحلتين مني غير بعيد فأخذت بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم و بخطام ناقتي فأتيت أدنى القوم فأيقظته فقلت : أصليت ؟ قال : لا
فأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا بلال هل في الميضأة ماء يعني الإداوة فقال : نعم جعلني الله فداك فأتاه بوضوء لم يلت منه التراب فأمر بلالا فأذن ثم قام النبي صلى الله عليه و سلم فصلى الركعتين قبل الصبح و هو غير عجل ثم أمره فأقام الصلاة فصلى و هو غير عجل فقال له قائل : يا رسول الله أفرطنا ؟ قال : لا قبض الله أرواحنا و ردها إلينا و قد صلينا ] (4/657)
و منهم رضي الله عنهم ربيعة بن كعب الأسلمي أبو فراس
قال الأوزاعي : [ حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن ربيعة بن كعب قال : كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فآتيه بو ضوئه و حاجته فكان يقوم من الليل فيقول : [ سبحان ربي و بحمده ] الهوى [ سبحان رب العالمين ] الهوى فقال رسول الله : هل لك حاجة ؟ قلت : يا رسول الله مرافقتك في الجنة قال : فأعني على نفسك بكثرة السجود ]
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إبراهيم حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحاق حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن نعيم بن محمد عن ربيعة بن كعب قال : كنت أخدم رسول الله نهاري أجمع حتى يصلي عشاء الآخرة فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول : لعلها أن تحدث لرسول الله حاجة فما أزال أسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : سبحان الله بحمده حتى أمل فأرجع أو تغلبني عيناي فأرقد
فقال لي يوما ـ لما يرى من حقي له و خدمته إياه ـ : يا ربيعة بن كعب سلني أعطك قال : فقلت : أنظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك
قال : ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة و زائلة و أن لي فيها رزقا سيكفيني و يأتيني قال : فقلت : أسأل رسول الله لآخرتي فإنه من الله بالمنزل الذي هو به
قال : فجئته فقال : ما فعلت يا ربيعة ؟ قال : فقلت : نعم يا رسول الله أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار قال : فقال : من أمرك بهذا يا ربيعة ؟ قال فقلت : لا و الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد و لكنك لما قلت : سلني أعطك و كنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري فعرفت أن الدنيا منقطعة و زائلة و أن لي فيها رزقا سيأتيني فقلت : أسأل رسول الله لآخرتي
قال : فصمت رسول الله صلى الله عليه و سلم طويلا قال لي : إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود ]
و قال الحافظ أبو يعلى : [ حدثنا أبو خيثمة أنبأنا يزيد بن هارون حدثنا مبارك بن فضالة حدثنا أبو عمران الجوني عن ربيعة الأسلمي ـ و كان يخدم النبي صلى الله عليه و سلم ـ قال فقال لي ذات يوم : يا ربيعة ألا تزوج ؟ قال قلت : يا رسول الله ما أحب أن يشغلني عن خدمتك شيء و ما عندي ما أعطي المرأة
قال : فقلت بعد ذلك : يا رسول الله أعلم بما عندي مني يدعوني إلى التزويج لئن دعاني هذه المرة لأجيبنه قال : فقال لي : يا ربيعة ألا تزوج ؟ فقلت : يا رسول الله و من يزوجني ما عندي ما أعطي المرأة فقال لي : انطلق إلى بني فلان فقل لهم إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني فتاتكم فلانة
قال : فأتيتهم فقلت : إن رسول الله أرسلني إليكم لتزوجوني فتاتكم فلانة قالوا فلانة ؟ قال : نعم قالوا : مرحبا برسول الله و مرحبا برسوله فزوجوني
فأتيت رسول الله فقلت : يا رسول الله أتيتك من خير أهل بيت صدقوني و زوجوني فمن أين لي ما أعطي صداقي ؟ فقال رسول الله لبريدة الأسلمي : اجمعوا لربيعة في صداقه في وزن نواة من ذهب ؟ فجمعوها فأعطوني فأتيتهم فقبلوها فأتيت رسول الله فقلت : يا رسول الله قد قبلوا فمن أين لي ما أولم ؟ قال : فقال رسول الله لبريدة : اجمعوا لربيعة في ثمن كبش قال : فجمعوا و قال لي : انطلق إلى عائشة فقل لها فلتدفع إليك ما عندها من الشعير قال : فأتيتها فدفعت إلي فانطلقت بالكبش و الشعير فقالوا : أما الشعير فنحن نكفيك و أما الكبش فمر أصحابك فليذبحوه و عملوا الشعير فأصبح و الله عندنا خبز و لحم ]
ثم إن رسول الله أقطع أبو بكر أرضا له فاختلفنا في عذق فقلت : هو في أرضي و قال أبو بكر : هو في أرضي فتنازعنا فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها فندم فأحضرني فقال لي : قل لي كما قلت قال : فقلت : لا و الله لا أقول لك كما قلت لي قال : إذا آتي رسول الله
قال : فأتى رسول الله و تبعته فجاءني قومي يتبعونني فقالوا : هو الذي قال لك و هو يأتي رسول الله فيشكو ! قال : فالتفت إليهم فقلت : تدرون من هذا ؟ هذا الصديق و ذو شيبة المسلمين ارجعوا لا يلتفت فيراكم فيظن أنكم إنما جئتم لتعينوني عليه فيغضب فيأتي رسول الله فيخبره فيهلك ربيعة !
قال : فأتى رسول الله فقال : إني قلت لربيعة كلمة كرهتها فقلت له يقول لي مثل ما قلت له فأبى
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يا ربيعة و مالك و للصديق ؟ ] قال : فقلت : يا رسول الله و الله لا أقول له كما قال لي فقال رسول الله : [ لا تقل له كما قال لك و لكن قل : غفر الله لك يا أبا بكر ] (4/659)
و منهم رضي الله عنه سعد مولى أبي بكر رضي الله عنه و يقال مولى النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو داود الطيالسي : [ حدثنا أبو عامر عن الحسن عن سعد مولى أبي بكر الصديق أن رسول الله قال لأبي بكر ـ و كان سعد مملوكا لأبي بكر و كان رسول الله يعجبه خدمته ـ : أعتق سعدا فقال : يا رسول الله ما لنا خادم ها هنا غيره فقال : أعتق سعدا أتتك الرجال أتتك الرجال ]
و هكذا رواه أحمد عن أبو داود الطيالسي
و قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو عامر عن الحسن عن سعد قال : قربت بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم تمرا فجعلوا يقرنون فنهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن القران
و رواه ابن ماجه عن بندار عن أبي داود به (4/661)
و منهم رضي الله عنه عبد الله بن رواحة دخل يوم عمرة القضاء مكة و هو يقود بناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يقول :
( خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله )
( كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله )
( و يذهل الخليل عن خليله )
كما قدمنا ذلك بطوله
و قد قتل عبد الله بن رواحة بعد هذا بأشهر في يوم مؤتة كما تقدم أيضا
و منهم رضي الله عنه عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ أبو عبد الرحمن الهذلي
أحد أئمة الصحابة هاجر الهجرتين وشهد بدرا و ما بعدها كان يلي حمل نعل النبي صلى الله عليه و سلم و يلي طهوره و يرحل دابته إذا أراد الركوب
و كانت له اليد الطولى في تفسير كلام الله و له العلم الجم و الفضل و الحلم و في الحديث
أن رسول الله قال لأصحابه ـ و قد جعلوا يعجبون من دقة ساقيه ـ فقال : [ و الذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد ]
و قال عمر بن الخطاب في ابن مسعود : هو كنيف مليء علما و ذكروا أنه كان نحيف الخلق حسن الخلق يقال إنه كان إذا مشى يسامت الجلوس و كان يشبه رسول الله صلى الله عليه و سلم في هديه و دله و سمته
يعني أنه يشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم في حركاته و سكناته و كلامه و يتشبه بما استطاع من عبادته
توفي رضي الله عنه في أيام عثمان سنة اثنتين ـ أو ثلاث ـ و ثلاثين بالمدينة عن ثلاث و ستين سنة و قيل إنه توفي بالكوفة و الأول أصح (4/662)
و منهم رضي الله عنه عقبة بن عامر الجهني
قال الإمام أحمد : [ حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن جابر عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال : بينما أقود برسول الله صلى الله عليه و سلم في نقب من تلك النقاب إذا قال لي : يا عقبة ألا تركب ؟ قال : فأشفقت أن تكون معصية قال : فنزل رسول الله و ركبت هنيهة ثم ركب ثم قال : يا عقب ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس ؟ قلت : بلى يا رسول الله فاقرأني : { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس }
ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ بهما ثم مر بي فقال : اقرأ بهما كلما نمت و كلما قمت ]
و هكذا رواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم و عبد الله بن المبارك عن ابن جابر و رواه أبو داود و النسائي أيضا من حديث ابن وهب عن معاوية بن صالح عن العلاء ابن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة به (4/663)
و منهم رضي الله عنهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي
روى البخاري عن أنس قال : كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي صلى الله عليه و سلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير
و قد كان قيس هذا رضي الله عنه من أطول الرجال و كان كوسجا و يقال إن سراويله كان يضعه على أنفه من يكون من أطول الرجال فتصل رجلاه الأرض
و قد بعث سراويله معاوية إلى ملك الروم يقول له : هل عندكم رجل تجيء هذه السراويل على طوله ؟ فتعجب صاحب الروم من ذلك
و ذكروا أنه كان كريما ممدحا ذا رأي و دهاء و كان مع علي بن أبي طالب أيام صفين
و قال مسعر عن معبد بن خالد : كان قيس بن سعد لا يزال رافعا إصبعه المسبحة يدعو رضي الله عنه و أرضاه
و قال الواقدي و خليفة بن خياط و غيرهما : توفي بالمدينة في آخر أيام معاوية
و قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني حدثنا علي بن يزيد الحنفي حدثنا سعيد بن الصلت عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال : كان عشرون شابا من الأنصار يلزمون رسول الله صلى الله عليه و سلم لحوائجه فإذا أراد أمرا بعثهم فيه (4/664)
و منهم رضي الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه كان بمنزلة السلحدار بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم كما كان رافعا السيف في يده و هو واقف على رأس النبي صلى الله عليه و سلم في الخيمة يوم الحديبية فجعل كلما أهوى عمه عروة بن مسعود الثقفي حين قدم في الرسيلة إلى لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ على ما جرت به عاد العرب في مخاطباتها ـ يقرع يده بقائمة السيف و يقول : أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل ألا تصل إليك الحديث كما قدمنا
قال محمد بن سعد و غيره : شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و ولاه مع أبي سفيان الإمرة حين ذهبا فخربا طاغوت أهل الطائف و هي المدعوة بالربة و هي اللات
و كان داهية من دهاة العرب قال الشعبي : سمعته يقول : ما غلبني أحد قط
و قال الشعبي : سمعت قبيصة بن جابر يقول : صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها
و قال الشعبي : القضاة أربعة : أبو بكر و عمر و ابن مسعود و أبو موسى و الدهاة أربعة : معاوية و عمرو بن العاص و المغيرة و زياد
و قال الزهري : الدهاة خمسة معاوية و عمرو و المغيرة و اثنان مع علي و هما قيس ابن سعد بن عبادة و عبد الله بن بديل بن ورقاء
و قال الإمام مالك : كان المغيرة بن شعبة رجلا نكاحا للنساء و كان يقول : صاحب الواحدة إن صاحب الواحدة إن حاضت حاض معها و إن مرضت مرض معها و صاحب الثنتين بين نارين يشتعلان
قال : فكان ينكح أربعا و يطلقهن جميعا !
و قال غيره : تزوج ثمانين امرأة و قيل ثلاثمائة امرأة و قيل : أحصن ألف امرأة
و قد اختلف في وفاته على أقوال أشهرها و أصحها و هو الذي حكى عليه الخطيب البغدادي الإجماع : أنه توفي سنة خمسين (4/664)
و منهم رضي الله عنهم المقداد بن الأسود أبو معبد الكندي حليف بني زهرة
قال الإمام أحمد : [ حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن المقداد بن الأسود قال : قدمت المدينة أنا و صاحبان فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فأتينا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذكرنا له فذهب بنا إلى منزله و عنده أربعة أعنز فقال : احلبهن يا مقداد و جزئهن أربعة أجزاء و أعط كل إنسان جزءا فكنت أفعل ذلك
فرفعت إلى النبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة فاحتبس و اضطجعت على فراشي فقالت لي نفسي : إن النبي صلى الله عليه و سلم قد أتى أهل بيت من الأنصار فلو قمت فشربت هذه الشربة فلم تزل بي حتى قمت فشربت جزأه فلما دخل في بطني و تقار أخذني ما قدم و ما حدث فقلت : يجيء الآن النبي صلى الله عليه و سلم جائعا ظمآنا فلا يرى في القدح شيئا فسجيت ثوبا على وجهي
و جاء النبي صلى الله عليه و سلم فسلم تسليمة تسمع اليقظان و لا توقظ النائم فكشف عنه فلم ير شيئا فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم اسق من سقاني و أطعم من أطعمني
فاغتنمت دعوته و قمت فأخذت الشفرة فدنوت إلى الأعنز فجعلت أجسهن أيتهن أسمن لأذبحها فوقعت يدي على ضرع إحداهن فإذا هي حافل و نظرت إلى الأخرى فإذا هي حافل فنظرت فإذا هي كلهن حفل فحلبت في إناء فأتيته به فقلت : اشرب فقال : ما الخبر يا مقداد ؟ فقلت : اشرب ثم الخبر فقال : بعض سوأتك يا مقداد فشرب ثم قال : اشرب فقلت : اشرب يا نبي الله فشرب حتى تضلع ثم أخذته فشربته ثم أخبرته الخبر فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هيه فقلت : كان كذا و كذا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هذه بركة منزلة من السماء أفلا أخبرتني حتى أسقي صاحبيك ؟ فقلت : إذا شربت البركة أنا و أنت فلا أبالي من أخطأت ]
و قد رواه الإمام أحمد أيضا [ عن أبي النضر عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد فذكر ما تقدم و فيه أنه حلب في الإناء الذي كانوا لا يطعمون أن يحلبوا فيه فحلب حتى علته الرغوة و لما جاء به قال له رسول الله : أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد ؟ فقلت : اشرب يا رسول الله فشرب ثم ناولني فقلت : اشرب يا رسول الله فشرب ثم ناولني فأخذت ما بقي ثم شربت
فلما عرفت أن رسول الله قد روى فأصابتني دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض فقال رسول الله : إحدى سوآتك يا مقداد !
فقلت : يا رسول الله كان من أمري كذا صنعت كذا فقال : ما كانت هذه إلا رحمة الله ألا كنت آذنتي توقظ صاحبيك هذين فيصيبان منها قال : فقلت : و الذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها و أصبتها معك من أصابها من الناس ]
و قد رواه مسلم و الترمذي و النسائي من حديث سليمان بن المغيرة به (4/666)
و منهم رضي الله عنهم مهاجر مولى أبو سلمة
قال الطبراني : حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني إبراهيم بن عبد الله سمعت بكيرا يقول : سمعت مهاجرا مولى أم سلمة قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم سنين فلم يقل لي لشيء صنعته لم صنعته و لا لشيء تركته لم تركته
و في رواية : خدمته عشر سنين أو خمس سنة (4/667)
و منهم رضي الله عنهم أبو السمح قال أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي : [ حدثنا مجاهد بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا يحيى بن الوليد حدثني محل ابن خليفة حدثني أبو السمح قال : كنت أخدم رسول الله قال كان إذا أراد أن يغتسل قال : ناولني إدواتي قال : فأناوله و أستره فأتى بحسن أو حسين فبال على صدره فجئت لأغسله فقال : يغسل من بول الجارية و يرش من بول الغلام ]
و هكذا رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجه عن مجاهد بن موسى
و منهم رضي الله عنهم أفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر الصديق رضي الله عنه تولى خدمته بنفسه في سفرة الهجرة لا سيما في الغار و بعد خروجهم منه حتى وصلوا إلى المدينة كما تقدم ذلك مبسوطا و لله الحمد و المنة (4/667)
فمنهم الخلفاء الأربعة أبو بكر و عمر و عثمان و علي بن أبي طالب رضي الله عنهم (4/669)
و منهم رضي الله عنهم أبان بن سعيد بن العاص بن أمية عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي
أسلم بعد أخويه خالد و عمرو و كان إسلامه بعد الحديبية لأنه هو الذي أجاز عثمان حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أهل مكة يوم الحديبية وقيل خيبر لأن له ذكرا في الصحيح من حديث أبي هريرة في قسمة غنائم خيبر
و كان سبب إسلامه أنه اجتمع براهب و هو في تجارة الشام فذكر له أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له الراهب : ما اسمه ؟ قال : محمد قال : فأنا أنعته لك فوصفه بصفته سواء و قال : إذا رجعت إلى أهلك فأقرئه السلام فأسلم بعد مرجعه و هو
أخو عمرو بن سعيد الأشدق الذي قتله عبد الملك ابن مروان
قال أبو بكر بن أبي شيبة : كان أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم أبي بن كعب فإذا لم يحضر كتب زيد ثابت و كتب له عثمان و خالد ابن سعيد و أبان بن سعيد
هكذا قال : يعني بالمدينة و إلا فالسور المكية لم يكن أبي بن كعب حال نزولها و قد كتبها الصحابة بمكة رضي الله عنهم
و قد اختلف في وفاة أبان بن سعيد هذا فقال موسى بن عقبة و مصعب بن الزبير و الزبير ابن بكار و أكثر أهل النسب : قتل يوم أجنادين يعني في جمادى الأولى سنة ثنتى عشرة
قال آخرون : قتل يوم مرج الصفر سنة أربع عشرة
و قال محمد بن إسحاق : قتل هو و أخوه عمرو يوم اليرموك لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة و قيل إنه تأخر إلى أيام عثمان و إنه أمره عثمان أن يملي المصحف الإمام على زيد بن ثابت ثم توفي سنة تسع و عشرين فالله أعلم (4/669)
و منهم أبي بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي الأنصاري أبو المنذر و يقال أبو الطفيل سيد القراء شهد العقبة الثانية و بدرا و ما بعدها و كان ربعة نحيفا أبيض الرأس و اللحية لا يغير شيبه
قال أنس : جمع القرآن أربعة ـ يعني من الأنصار ـ أبي بن كعب و معاذ بن جبل و زيد بن ثابت و رجل من الأنصار يقال له أبو زيد
اخرجاه و في الصحيحين [ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن
قال : و سماني لك يا رسول الله ؟ قال : نعم قال فذرفت عيناه ]
و معنى أن أقرأ عليك القرآن قراءة إبلاغ و إسماع لا قراءة تعلم منه هذا لا يفهمه أحد من أهل العلم و إنما نبهنا على هذا لئلا يعتقد خلافه
و قد ذكرنا في موضع آخر سبب القراءة عليه و أنه قرأ عليه سورة : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة }
و ذلك أن أبي بن كعب كان قد أنكر على رجل قراءة سورة على خلاف ما كان يقرأ أبي فرفعه أبي إلى رسول الله فقال : [ اقرأ يا أبي ] فقرأ فقال : [ هكذا أنزلت ] ثم قال لذلك الرجل [ اقرأ ] فقرأ فقال : [ هكذا أنزلت ]
قال أبي : فأخذني من الشك و لا إذ كنت في الجاهلية قال : فضرب رسول الله في صدري ففضت عرقا و كأنما أنظر إلى الله فرقا فبعد ذلك تلا عليه رسول الله هذه السورة كالتثبيت له و البيان له أن هذا القرآن حق و صدق و إنه أنزل على أحرف كثيرة رحمة و لطفا بالعباد
و قال ابن أبي خيثمة : هو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد اختلف في وفاته فقيل : في سنة تسع عشرة و قيل سنة عشرين و قيل ثلاث و عشرون و قيل قبل مقتل عثمان بجمعة فالله أعلم (4/670)
و منهم رضي الله عنهم أرقم بن أبي الأرقم و اسمه عبد مناف بن أسد بن جندب ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي
أسلم قديما و هو الذي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مستخفيا في داره عند الصفا و تعرف تلك الدار بعد ذلك بالخيزران و هاجر وشهد بدرا و ما بعدها
و قد آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه و بين عبد الله بن أنيس
و هو الذي كتب إقطاع عظيم بن الحارث المحاربي بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بفخ و غيره و ذلك فيما رواه الحافظ ابن عساكر من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عمرو ابن حزم
و قد توفي في سنة ثلاث و قيل خمس و خمسين و له خمس و ثمانون سنة
و قد روى الإمام أحمد له حديثين الأول قال أحمد و الحسن بن عرفة ـ و اللفظ لأحمد ـ : [ حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن هشام بن زياد عن عمار بن سعد عن عثمان بن أرقم بن أبي الأرقم عن أبيه ـ و كان من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة و يفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار ]
و الثاني قال أحمد : [ حدثنا عصام بن خالد حدثنا العطاف بن خالد حدثنا يحيى بن عمران عن عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن جده الأرقم أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أين تريد ؟ قال أردت يا رسول الله ها هنا و أومأ بيده إلى حيز بيت المقدس قال ما يخرجك إليه أتجارة ؟ قال : لا و لكن أردت الصلاة فيه قال : الصلاة ها هنا ـ و أمأ بيده إلى مكة ـ خير من ألف صلاة ] و أومأ بيده إلى الشام تفرد بهما أحمد (4/671)
و منهم رضي الله عنهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن و يقال أبو محمد المدني خطيب الأنصار و يقال خطيب النبي صلى الله عليه و سلم
قال محمد بن سعد : أنبأنا علي بن محمد المدائني بأسانيده عن شيوخه في وفود العرب على رسول الله قالوا : قدم عبد الله بن عبس التمالي و مسلمة بن هزان الحداني على رسول الله في رهط من قربهما بعد فتح مكة فأسلموا و بايعوا على قومهم و كتب لهم كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم كتبه ثابت بن قيس بن شماس و شهد فيه سعد بن معاذ و محمد بن مسلمة رضي الله عنهم
و هذا الرجل ممن ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بشره بالجنة
و روى الترمذي في جامعه بإسناد على شرط مسلم [ عن أبي هريرة أن رسول الله قال : نعم الرجل أبو بكر نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح نعم الرجل أسيد بن حضير نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس نعم الرجل معاذ بن عمرو ابن الجموح ]
و قد قتل رضي الله عنه شهيدا يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة في أيام أبي بكر الصديق (4/672)
و منهم رضي الله عنهم حنظلة بن الربيع بن صيفي بن رباح بن الحارث بن مخاشن ابن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم التميمي الأسيدي الكاتب و أخوه رباح صحابي أيضا و عمه أكثم بن صيفي كان حكيم العرب
قال الواقدي : كتب النبي صلى الله عليه و سلم كتابا و قال غيره : بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أهل الطائف في الصلح و شهد مع خالد حروبه بالعراق و غيرها و قد أدرك أيام علي و تخلف عن القتال معه في الجمل و غيره ثم انتقل عن الكوفة لما شتم بها عثمان و مات بعد أيام علي
و قد ذكر ابن الأثير في الغابة أن امرأته لما مات جزعت فلامها جاراتها في ذلك فقالت :
( تعجبت دعد لمحزونة ... تبكي على ذي شيبة شاحب )
( إن تسأليني اليوم ما شفني ... أخبرك قولا ليس بالكاذب )
( إن سواد العين أودى به ... حزن على حنظلة الكاتب )
قال أحمد بن عبد الله بن الرقي : كان معتزلا للفتنة حتى مات بعد علي جاء عنه حديثان
قلت : بل ثلاثة
قال الإمام أحمد : [ حدثنا عبد الصمد و عفان قالا : حدثنا همام حدثنا قتادة عن حنظلة الكاتب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من حافظ على الصلوات الخمس بركوعهن و سجودهن و وضوئهن و مواقيتهن و علم أنهن حق من عند الله دخل الجنة أو قال : وجبت له الجنة ]
تفرد به أحمد هو منقطع بين قتادة و حنظلة و الله أعلم
و الحديث الثاني : [ رواه أحمد و مسلم و الترمذي و ابن ماجه من حديث سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة : لو تدومون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم و في طرقكم و على فرشكم و لكن ساعة و ساعة ]
و قد رواه أحمد و الترمذي أيضا من حديث عمران بن داود القطان عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن حنظلة
و الثالث : رواه أحمد و النسائي و ابن ماجه من حديث سفيان الثوري عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي بن حنظلة عن جده في النهي عن قتل النساء في الحرب
لكن رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرت عن أبي الزناد عن مرقع بن صيفي بن رباح بن ربيع عن جده رباح بن ربيع أخي حنظلة الكاتب فذكره
و كذلك رواه أحمد أيضا عن حسين بن محمد و إبراهيم بن أبي العباس كلاهما عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه و عن سعيد بن منصور و أبي عامر العقدي كلاهما عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن مرقع عن جده رباح و من طريق المغيرة رواه النسائي و ابن ماجه كذلك و روى أبو داود و النسائي من حديث عمر بن مرقع عن أبيه عن جده رباح فذكره
فالحديث عن رباح لا عن حنظلة و لذا قال أبو بكر بن أبي شيبة : كان سفيان الثوري يخطئ في هذا الحديث
قلت : و صح قول ابن الرقي أنه لم يرو سوى حديثين و الله أعلم (4/673)
و منهم رضي الله عنهم خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سعيد الأموي
أسلم قديما يقال بعد الصديق بثلاثة أو أربعة و أكثر ما قيل خمسة
و ذكروا أن سبب إسلامه أنه رأى في النوم كأنه واقف على شفير جهنم فذكر من سعتها ما الله به عليم
قال : و كأن أباه يدفعه فيها و كأن رسول الله صلى الله عليه و سلم آخذ بيده ليمنعه من الوقوع فقص هذه الرؤيا على أبي بكر الصديق فقال له : لقد أريد بك خير هذا رسول الله فاتبعه تنج مما خفته : فجاء رسول الله فأسلم
فلما بلغ إسلامه غضب عليه و ضربه بعصا في يده حتى كسرها على رأسه و أخرجه من منزله و منعه القوت و نهى بقية إخوته أن يكلموه فلزم خالد رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلا و نهارا ثم أسلم أخوه عمرو
فلما هاجر الناس إلى أرض الحبشة هاجرا معهم ثم كان هو الذي ولي العقد في تزويج أم حبيبة من رسول الله كما قدمنا ثم هاجرا من أرض الحبشة صحبة جعفر فقدما على رسول الله بخيبر و قد افتتحها فأسهم لهما عن مشورة المسلمين و جاء أخوهما أبان بن سعيد فشهد فتح خيبر كما قدمنا ثم كان رسول الله يوليهم الأعمال
فلما كانت خلافة الصديق خرجوا إلى الشام للغزو فقتل خالد بأجنادين و يقال بمرج الصفر و الله أعلم
قال عتيق بن يعقوب : [ حدثني عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن جده عن عمرو ابن حزم يعني أن خالد بن سعيد كتب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله راشد بن عبد رب السلمي أعطاه غلوتين و غلوة بحجر برهاط فمن خافه فلا حق له و حقه حق و كتب خالد بن سعيد ]
و قال محمد بن سعد عن الواقدي : حدثني جعفر بن محمد بن خالد عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان قال : أقام خالد بن سعيد بعد أن قدم من أرض الحبشة بالمدينة و كان يكتب لرسول الله و هو الذي كتب كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف و سعى في الصلح بينهم و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/675)
و منهم رضي الله عنهم خالد بن الوليد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو سليمان المخزومي
و هو أمير الجيوش المنصورة الإسلامية و العساكر المحمدية و المواقف المشهودة و الأيام المحمودة ذو الرأي السديد و البأس الشديد و الطريق الحميد أبو سليمان خالد بن الوليد
و يقال إنه لم يكن في جيش فكسر لا في جاهلية و لا إسلام
قال الزبير بن بكار : كانت إليه في قريش القبة و أعنة الخيل
أسلم هو و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بعد الحديبية و قبل خيبر ولم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعثه أميرا ثم كان المقدم على العساكر كلها في أيام الصديق
فلما ولي عمر بن الخطاب عزله و ولى أبا عبيدة أمين الأمة على ألا يخرج عن رأي أبي سليمان
ثم مات خالد في أيام عمر و ذلك في سنة إحدى و عشرين و قيل اثنتين و عشرين ـ و الأول أصح ـ بقربة على ميل من حمص قال الواقدي : سألت عنها فقيل لي دثرت
و قال دحيم : مات بالمدينة و الأول أصح
و قد روى أحاديث كثيرة يطول ذكرها
قال عتيق بن يعقوب : [ حدثني عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن جده عن عمرو ابن حزم أن هذه قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه و سلم : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المؤمنين أن صيدوح و صيده لا يعضد صيده و لا يقتل فمن و جد يفعل من ذلك شيئا فإنه يجلد و ينزع ثيابه و إن تعدى ذلك أحد فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي صلى الله عليه و سلم و أن هذا من محمد النبي ] و كتب خالد بن الوليد بأمر رسول الله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمره به محمد (4/676)
و منهم رضي الله عنهم الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي أبو عبد الله الأسدي
أحد العشرة و أحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله و هو عنهم راض [ و حوارى رسول الله صلى الله عليه و سلم و ابن عمته صفية بنت عبد المطلب و زوج أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه ]
روى عتيق بن يعقوب بسنده المتقدم أن الزبير بن العوام هو الذي كتب لبني معاوية بن جرول الكتاب الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكتبه لهم
رواه ابن عساكر بإسناده عن عتيق به
أسلم الزبير قديما رضي الله عنه و هو ابن ست عشرة سنة و يقال ابن ثماني سنين و هاجر الهجرتين و شهد المشاهد كلها و هو أول من سل سيفا في سبيل الله
و قد شهد اليرموك و كان أفضل من شهدها و اخترق يومئذ صفوف الروم و من أولهم إلى آخرهم مرتين و يخرج من الجانب الآخر سالما لكن جرح في قفاه بضربتين رضي الله عنه
و قد جمع له رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الخندق أبويه و قال : [ إن لكل نبي حواريا و حوارى الزبير ]
وله فضائل و مناقب كثيرة و كانت و فاته يوم الجمل و ذلك أنه كر راجعا عن القتال فلحقه عمرو بن جرموز و فضالة بن حابس و رجل ثالث يقال له النعر التميميون بمكان يقال له وادي السباع فبدر إليه عمرو بن جرموز و هو نائم فقتله و ذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست و ثلاثين و له من العمر يومئذ سبع و ستون سنة
و قد خلف رضي الله عنه بعده تركة عظيمة فأوصى من ذلك بالثلث بعد إخراج ألفي ألف و مائتي ألف دينار فلما قضى دينه و أخرج ثلث ماله قسم الباقي على ورثته فنال كل امرأة من نسائه ـ و كن أربعة ـ ألف ألف و مائتا ألف فمجموع ما ذكرناه مما تركه رضي الله عنه تسعة و خمسة ألف ألف و ثمانمائة ألف
و هذا كله من وجوه حل نالها في حياته مما كان يصيبه من الفئ و المغانم و وجوه متاجر الحلال و ذلك كله بعد إخراج الزكاة في أوقاتها و الصلات البارعة الكثيرة لآربابها في أوقات حاجاتها
رضي الله عنه و أرضاه و جعل جنات الفردوس مثواه و قد فعل ! فإنه قد شهد له سيد الأولين و الآخرين و رسول رب العالمين بالجنة و لله الحمد و المنة
و ذكر ابن الأثير في الغابة أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج و أنه كان يتصدق بذلك كله
و قال فيه حسان بن ثابت يمدحه و يفضله بذلك :
( أقام على عهد النبي و هديه ... حواريه و القول بالفضل يعدل )
( أقام على منهاجه و طريقه ... يوالي ولي الحق و الحق أعدل )
( هو الفارس المشهور و البطل الذي ... يصول إذا ما كان يوم محجل )
( و إن امرءا كانت صفية أمه ... و من أسد في بيته لمرفل )
( له من رسول الله قربى قريبة ... و من نصرة الإسلام مجد مؤثل )
( فكم كربة ذب الزبير بسيفه ... عن المصطفى و الله يعطي ويجزل )
( إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها ... بأبيض سباق إلى الموت يرفل )
( فما مثله فيهم و لا كان قبله ... و ليس يكون الدهر ما دام يذبل )
قد تقدم أنه قتله عمرو بن جرموز التميمي بوادي السباع و هو نائم و يقال بل قام من آثار النوم و هو دهش فركب و بارزه ابن جرموز فلما صمم عليه الزبير أنجده صاحباه فضالة و النعر فقتلوه و أخذ عمرو بن جرموز رأسه و سيفه فلما دخل بهما على علي قال علي رضي الله عنه لما رأى سيف الزبير : إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قال علي فيما قال : بشر قاتل بن صفية بالنار
فيقال إن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه
و الصحيح أنه عمر بعد علي حتى كانت أيام بن الزبير فاستناب أخاه مصعبا على العراق فاختفى عمر بن جرموز خوفا من سطوته أن يقتله بأبيه فقال فقال مصعب : أبلغوه أنه آمن أيحسب أني أقتله بأبي عبد الله ؟ كلا و الله ليسا سواء
و هذا من حلم مصعب و عقله و رياسته
و قد روى الزبير عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أحاديث كثيرة يطول ذكرها
و لما قتل الزبير بن العوام بوادي السباع كما تقدم قالت امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثيه رضي الله عنها و عنه :
( غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء و كان غير معرد )
( ياعمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعش الجنان و لا اليد )
( كم غمرة خاضها لم يثنه ... عنها طراد يا ابن فقع القردد )
( ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله ... فيمن مضى فيمن يومح و يغتدي )
( و الله ربك إن قتلت لمسلما ... خلت عليك عقوبة المتعمد ) (4/677)
و منهم رضي الله عنهم زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبيد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري أبو سعيد و يقال أبو خارجة و يقال لأبو عبد الرحمن المدني
قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة و هو ابن إحدى عشرة سنة فلهذا لم يشهد بدرا لصغره قيل ولا أحدا و أول مشاهده الخندق ثم شهد ما بعدها
و كان حافظا لبيبا عالما عاقلا ثبت عنه في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ليقرأه على النبي صلى الله عليه و سلم إذا كتبوا إليه فتعلمه في خمسة عشر يوما
و قد قال الإمام أحمد : [ حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الرحمن عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد أن أباه زيدا أخبره أنه لما قدم رسول الله المدينة قال زيد : ذهب بي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعجب بي فقالوا : يا رسول الله هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فأعجب ذلك رسول الله و قال : يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني و الله ما آمن يهود على كتابي ]
قال زيد : فتعلمت لهم كتابهم ما مرت خمس عشرة ليلة حتى حذقته و كنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه و أجيب عنه إذا كتب
ثم رواه أحمد عن شريح بن النعمان عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة عن أبيه فذكر نحوه
و قد علقه البخاري في الأحكام عن خارجة بن زيد بن ثابت بصيغة الجزم فقال : و قال خارجة بن زيد فذكره
و رواه أبو داود عن أحمد بن يونس و الترمذي عن علي بن حجر كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة عن أبيه به نحوه
و قال الترمذي : حسن صحيح و هذا ذكاء مفرط جدا و قد كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم من القراء كما ثبت في الصحيحين عن أنس
و روى أحمد و النسائي من حديث أبي قلابة [ عن أنس عن رسول الله أنه قال : أرحم أمتي بأمتي أبو بكر و أشدها في دين الله عمر و أصدقها حياء عثمان و أقضاهم علي بن أبي طالب و أعلمهم بالحلال و الحرام معاذ بن جبل و أعلمهم بالفرائض زيد بن ثابت و لكل أمة أمين و أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ]
و من الحفاظ من يجعله مرسلا إلا ما يتعلق بأبي عبيدة ففي صحيح البخاري من هذا الوجه
و قد كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير ما موطن
و من أوضح ذلك ما ثبت في الصحيح عنه أنه قال : لما نزل قوله تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين و المجاهدون في سبيل الله } الآية دعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ اكتب { لا يستوي القاعدون من المؤمنين و المجاهدون في سبيل الله } ]
فجاء ابن أم مكتوم فجعل يشكو ضرارته فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه و سلم فثقلت فخذه على فخذي حتى كادت ترضها فنزل : { غير أولي الضرر } فأمرني فألحقتها فقال زيد : فإني لا أعرف موضع ملحقها عند صدع في ذلك اللوح ـ يعني من عظام ـ الحديث
و قد شهد زيد اليمامة و أصابه سهم فلم يضره و هو الذي أمره الصديق بعد هذا بأن يتتبع القرآن فيجمعه و قال له : إنك شاب عاقل لا نتهمك و قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فتتبع القرآن فاجمعه ففعل ما أمره به الصديق فكان في ذلك خير كثير و لله الحمد و المنة
و قد استنابه عمر مرتين في حجتين على المدينة و استنابه لما خرج إلى الشام و كذلك كان عثمان يستنيبه على المدينة أيضا
و كان علي يحبه و كان يعظم عليا و يعرف له قدره و لم يشهد معه شيئا من حروبه
وتأخر بعده حتى توفي سنة خمس و أربعين و قيل سنة إحدى و قيل خمس و خمسين
و هو ممن كان يكتب المصاحف الأئمة التي نفذ بها عثمان بن عفان إلى سائر الآفاق اللائي وقع على التلاوة طبق رسمهن الإجماع و الاتفاق كما قررنا ذلك في كتاب فضائل القرآن الذي كتبناه في أول كتابنا التفسير و لله الحمد و المنة (4/680)
و منم السجل كما ورد به الحديث المروي عن ابن عباس ـ إن صح ـ و فيه نظر
قال أبو داود : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا نوح بن قيس عن يزيد بن كعب عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبي صلى الله عليه و سلم
و هكذا رواه النسائي عن قتيبة به عن ابن عباس أنه كان يقول : في هذه الآية { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب } السجل : الرجل
هذا لفظه
و رواه أبو جعفر بن جرير في تفسيره عند قوله تعالى : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب } عن نصر بن علي عن نوح بن قيس و هو ثقة من رجال مسلم و قد ضعفه ابن معين في رواية عنه و أما شيخه يزيد بن كعب العوذي البصري فلم يرو عنه سوى نوح بن قيس و قد ذكره مع ذلك ابن حبان في الثقات
و قد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي فأنكره جدا و أخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول : هو حديث موضوع و إن كان في سنن أبي داود فقال شيخنا المزي : و أنا أقوله
قلت : و قد رواه الحافظ بن عدي في كامله من حديث محمد بن سليمان الملقب ببومة عن يحيى بن عمرو عن مالك البكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم كاتب يقال له السجل و هو قوله تعالى : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب } قال : كما يطوي السجل للكناب كذلك تطوى السماء
و هكذا رواه البيهقي عن أبي نصر بن قتادة عن أبي علي الرفاء عن علي بن عبد العزيز عن مسلم بن إبراهيم عن يحيى بن عمرو بن مالك به و يحيى هذا ضعيف جدا فلا يصلح للمتابعة و الله أعلم
و أغرب من ذلك أيضا ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب و ابن مندة من حديث أحمد ابن سعيد البغدادي المعروف بحمدان عن ابن بهز عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : كان للنبي صلى الله عليه و سلم كاتب يقال له سجل فأنزل الله : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب } قال ابن مندة غريب تفرد به حمدان و قال
البرقاني : قال أبو الفتح الأزدي تفرد به ابن نمير إن صح
قلت : و هذا أيضا منكر عن ابن عمر كما هو منكر عن ابن عباس و قد ورد عن ابن عباس و ابن عمر خلاف ذلك فقد روى الوالبي و العوفي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية قال : كطي الصحيفة على الكتاب و كذلك قال مجاهد
و قال ابن جرير : هذا هو المعروف في اللغة أن السجل هو الصحيفة
قال : و لا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل و أنكر أن يكون السجل اسم ملك من الملائكة كما رواه عن أبي كريب عن ابن يمان حدثنا أبو الوفاء الأشجعي عن أبيه عن ابن عمر في قوله : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب } قال : السجل ملك فإذا صعد بالإستغفار قال الله : اكتبها نورا
و حدثنا بندار عن مؤمل عن سفيان سمعت السدي يقول فذكر مثله
و هكذا قال أبو جعفر الباقر فيما رواه أبو كريب عن المبارك ن عن معروف بن خربوذ عمن سمع أبا جعفر يقول : السجل الملك
و هذا الذي أنكره ابن جرير من كون السجل اسم صحابي أو ملك قوي جدا و الحديث في ذلك منكر جدا و من ذكره في أسماء الصحابة كابن مندة و أبي نعيم الأصبهاني و ابن الأثير في الغابة إنما ذكره إحسانا للظن بهذا الحديث أو تعليقا على صحته و الله أعلم (4/683)
و منهم سعد بن أبي سرح فيما قاله خليفة بن خياط
و قد وهم إنما هو ابنه عبد الله بن أبي سرح كما سيأتي قريبا إن شاء الله (4/685)
و منهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال : قال الزهري : أخبرني عبد الملك ابن مالك المدلجي و هو ابن أخي سراقة بن مالك أن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول فذكر خبر هجرة النبي صلى الله عليه و سلم و قال فيه : فقلت له إن قومك جعلوا فيك الدية و أخبرتهم من أخبار سفرهم و ما يريد الناس بهم و عرضت عليهم الزاد و المتاع فلم يرزؤوني منه شيئا و لم يسألوني إلا أن أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم ثم مضى
قلت : و قد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة و قد روى أن أبا بكر هو الذي كتب لسراقة هذا الكتاب فالله أعلم
و قد كان عامر بن فهيرة ـ و يكنى أبا عمرو ـ من مولدي الأزد أسود اللون و كان أولا مولى للطفيل بن الحارث أخي عائشة لأمها أم رومان فأسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم بن أبي الأرقم التي عند الصفا مستخفيا فكان عمر يعذب مع جملة المستضعفين بمكة ليرجع عن دينه فيأبى فاشتراه أبو بكر الصديق فأعتقه فكان يرعى له غنما بظاهر مكة
و لما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه أبو بكر كان معهما رديفا لأبي بكر و معهم الدليل الدبلي فقط كما تقدم مبسوطا
و لما وردوا المدينة نزل عامر بن فهيرة على سعد بن خيثمة و آخى رسول الله بينه و بين أوس بن معاذ و شهد بدرا و أحدا
و قتل يوم بئر معونة كما تقدم و ذلك سنة أربع من الهجرة و كان عمره إذ ذاك أربعين سنة فالله أعلم
و قد ذكر عروة و ابن إسحاق الواقدي و غير واحد أن عامرا قتله يوم بئر معونة رجل يقال له جبار بن سلمى من بني كلاب فلما طعنه بالرمح قال : فزت و رب الكعبة
و رفع عامر حتى غاب عن الأبصار حتى قال عامر بن الطفيل : لقد رفع حتى رأيت للسماء دونه
و سئل عمرو بن أمية عنه فقال : كان من أفضلنا و من أول أهل بيت نبينا صلى الله عليه و سلم
قال جبار : فسألت الضحاك بن سفيان عما قال ما يعني به ؟ فقال : يعني الجنة
و دعاني الضحاك إلى الإسلام فأسلمت لما رأيت من قتل عامر بن فهيرة فكتب الضحاك إلى رسول الله يخبره بإسلامي و ما كان من أمر عامر فقال : [ وارته الملائكة و أنزل عليه عليين ]
و في الصحيحين عن أنس أنه قال : قرأنا فيهم قرآنا : أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضى عنا و أرضانا
و قد تقدم ذلك و بيانه في موضعه عند غزوة بئر معونة
و قال محمد بن إسحاق : حدثني هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول : من رجل منكم لما قتل رأيته بين السماء و الأرض حتى رأيت السماء دونه ؟ قالوا : عامر بن فهيرة
و قال الواقدي : حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : رفع عامر بن فهيرة إلى السماء فلم توجد جثته
يرون أن الملائكة وارته (4/685)
و منهم رضي الله عنهم عبد الله بن أرقم بن أبي الأرقم المخزومي
أسلم عام الفتح و كتب للنبي صلى الله عليه و سلم
قال الإمام مالك : و كان ينفذ ما يفعله و يشكره و يستجيده
و قال سلمة عن محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله استكتب عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث و كان يجيب عنه الملوك و بلغ من أمانته أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب و يختم على ما يقرأه لأمانته عنده
و كتب لأبي بكر وجعل إليه بيت المال و أقره عليهما عمر بن الخطاب
عثمان عزله عنهما
قلت : و ذلك بعدما استعفاه عبد الله بن أرقم و يقال إن عثمان عرض عليه ثلاثمائة ألف درهم عن أجرة عمالته فأبى أن يقبلها و قال : إنما عملت لله فأجري على الله عز و جل
قال ابن إسحاق : و كتب لرسول الله زيد بن ثابت فإذا لم يحضر ابن الأرقم و زيد بن ثابت كتب من حضر من الناس
و قد كتب عمر و علي و زيد و المغيرة بن شعبة و معاوية و خالد بن سعيد بن العباس و غيرهم ممن سمي من العرب و قال الأعمش : قلت لشقيق بن سلمة : من كان كاتب ابنبي صلى الله عليه و سلم ؟ قال : عبد الله بن الأرقم و قد جاء عمر بكتاب أبي بكر بالقادسية و في أسفله : و كتب عبد الله بن الأرقم
و قال البيهقي : [ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا الفصل بن محمد البيهقي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا عبد العزيز أبي سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم كتاب رجل فقال لعبد الله بن الأرقم : أجب عني فكتب جوابه ثم قرأه عليه فقال : أصبت و أحسنت اللهم وفقه ]
قال : فلما ولى عمر كان يشاوره و قد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال : ما رأيت أخشى لله منه ـ يعني في العمال ـ
أضر رضي الله عنه قبل وفاته (4/687)
و منهم رضي الله عنهم عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي صاحب الأذان
أسلم قديما فشهد عقبه السبعين و حضر بدرا و ما بعدها
و من أكبر مناقبه رؤيته الأذان و الإقامة في النوم و عرضه ذلك على رسول الله و تقريره عليه و قوله له : [ إنها لرؤيا حق فألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك ]
و قد قدمنا الحديث بذلك في موضعه
و قد روى الواقدي بأسانيده عن ابن عباس أنه كتب متابا لمن أسلم من جرش فيه الأمر لهم بإقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و إعطاء خمس المغنم
و قد توفي رضي الله عنه سنة اثنتين و ثلاثين عن أربع و ستين سنة و صلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه (4/688)
و منهم رضي الله عنهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري أخو عثمان لأمه من الرضاعة أرضعته أم عثمان و كتب الوحى ثم ارتد عن الإسلام و لحق بالمشركين بمكة فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و كان قد أهدر دمه فيمن أهدر من الدماء ـ فجاء إلى عثمان بن عفان فاستأمن له فأمنه رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قدمنا في غزوة الفتح
ثم حسن إسلام عبد الله بن سعد جدا
قال أبو داود : حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان عبد الله بن سعد ابن أبي سرح يكتب للنبي صلى الله عليه و سلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به رسول الله أن يقتل فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله صلى الله عليه و سلم
و رواه النسائي من حديث علي بن الحسين بن واقد به
قلت : وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح عمرو مصر سنة عشرين في الدولة العمرية فاستناب عمر بن الخطاب عمرا عليها فلما صارت الخلافة إلى عثمان عزل عنها عمرو بن العاص و ولى عليها عبد الله بن سعد سنة خمس و عشرين
و أمره بغزو بلاد أفريقية فغزاها ففتحها و حصل للجيش منها مال عظيم كان قسم الغنيمة لكل فارس من الجيش ثلاثة آلاف مثقال من ذهب و للراجل ألف مثقال و كان معه في جيشه هذا ثلاثة من العبادلة عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو
ثم غزا غزوة الصواري في البحر إلى الروم و هي غزوة عظيمة
فلما اختلف الناس على عثمان خرج من مصر و استناب عليها ليذهب إلى عثمان لينصره فلما قتل عثمان أقام بعسقلان ـ و قيل بالرملة ـ و دعا الله أن يقبضه في الصلاة فصلى يوما الفجر و قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب و العاديات و في الثانية بفاتحة الكتاب و سورة و لما فرغ من التشهد سلم التسليمة الأولى ثم أراد أن يسلم الثانية فمات بينهما رضي الله عنه و ذلك في سنة ست و ثلاثين و قيل سنة سبع و قيل إنه تأخر إلى سنة تسع و خمسين و الصحيح الأول قلت : و لم يقع له رواية في الكتب الستة و لا في المسند الإمام أحمد (4/689)
و منهم رضي الله عنهم عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق و قد ذكرت ترجمته في خلافته و قد جمعت مجلدا في سيرته و ما رواه من الأحاديث و ما روى عنه من الآثار
و الدليل على كتابته ما ذكره موسى بن عقبة عن الزهري عن عبد الرحمن ابن مالك بن جعشم عن أبيه عن سراقة بن مالك في حديثه حين اتبع رسول الله حين خرج هو و أبو بكر من الغار فمرواعلى أرضهم فلما غشيهم ـ و كان من أمر فرسه ما كان ـ سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكتب له كتاب أمان فأمر أبا بكر فكتب له كتابا ثم ألقاه إليه
و قد روى الإمام أحمد من طريق الزهري بهذا السند أن عامر بن فهيرة كتبه فيحتمل أن أبا بكر كتب بعضه ثم أمر مولاه عامرا فكتب باقية و الله أعلم (4/690)
و منهم رضي الله عنهم عثمان بن عفان أمير المؤمنين و قد ذكرت ترجمته في أيام خلافته و كتابته بين يديه عليه السلام مشهورة و قد روى الواقدي بأسانيده أن نهشل بن مالك الوائلي لما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان بن عفان فكتب له كتابا فيه شرائع الإسلام
و منهم رضي الله عنهم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين و قد ذكرت ترجمته في خلافته و قد تقدم انه كتب الصلح بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين قريش يوم الحديبية أن يأمن الناس و أنه لا إسلال و لاإغلال و على وضع الحرب عشر سنين و قد كتب غير ذلك من الكتب بين يديه صلى الله عليه و سلم
و أما ما يدعيه طائفة من يهود خيبر أن بأيديهم كتابا من النبي صلى الله عليه و سلم بوضع الجزية عنهم و في آخره : و كتب علي بن أبي طالب و فيه شهادة جماعة من الصحابة منهم سعد بن معاذ و معاوية بن أبي سفيان فهو كذب و بهتان مختلق موضوع مصنوع
و قد بين جماعة من العلماء بطلانه و اغتر بعض الفقهاء المتقدمين فقالوا بوضع الجزية عنهم و هذا ضعيف جدا
و قد جمعت في ذلك جزءا مفردا بينت فيه بطلانه و أنه موضوع اختلقوه و صنعوه و هم أهل لذلك و بينته و جمعت مفرق كلام الأئمة فيه و لله الحمد و المنة
و من الكتاب بين يديه رسول الله صلى الله عليه و سلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و قد ذكر ترجمتها في موضعها و قد أفردت له مجلدا على حدة و مجلدا ضخما في الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و الآثار و الأحكام المروية عنه رضي الله عنه و قد تقدم بيان كتابته في ترجمة عبد الله بن الأرقم (4/691)
و منهم رضي الله عنهم العلاء بن الحضرمي و اسم الحضرمي عباد و يقال عبد الله ابن عباد بن أكبر بن ربيعة بن عريف بن مالك بن الخزرج بن إياد بن الصدف بن زيد ابن منقع بن حضرموت بن قحطان و قيل غير ذلك في نسبه
و هو من حلفاء بني أمية و قد تقدم بيان كتابته في ترجمة أبان بن سعد ابن العاص
و كان له من الإخوة عشرة غير فمنهم : عمرو بن الحضرمي أول قتيل من المشركين قتله المسلمون في سرية عبد الله بن جحش و هي أول سرية كما تقدم
و منهم عامر بن الحضرمي الذي أمره أبو جهل لعنه الله فكشف عن عورته و نادى : واعمراه حين اصطف المسلمون و المشركون يوم بدر فهاجت الحرب و قامت على ساق و كان ما كان مما قدمناه مبسوطا في موضعه
و منهم شريح بن الحضرمي و كان من خيار الصحابة قال فيه رسول الله : [ ذاك رجل لا يتوسد القرآن ] يعني لا ينام و يتركه بل يقوم به آناء الليل و النهار
و لهم كلهم أخت واحدة و هي الصعبة بنت الحضرمي أم طلحة بن عبيد الله
و قد بعث النبي صلى الله عليه و سلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين ثم ولاه عليها أميرا حين افتتحها و أقره عليها الصديق ثم عمر بن الخطاب و لم يزل بها حتى عزله منها عمر بن الخطاب و ولاه البصرة فلما كان في أثناء الطريق توفي و ذلك في سنة إحدى و عشرين
و قد روى البيهقي و غيره عنه كرامات كثيرة منها أنه سار بجيشه على وجه البحر ما يصل إلى ركب خيولهم و قيل إنه ما بل أسافل نعال خيولهم و أمرهم كلهم فجعلوا يقولون : يا حليم يا عظيم و أنه كان في جيشه فاحتاجوا إلى ماء فدعا الله فأمطرهم قدر كفايتهم و أنه لما دفن لم ير له أثر بالكلية و كان قد سأل الله ذلك
و سيأتي هذا في كتاب دلائل النبوة قريبا إن شاء الله عز و جل
و له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة أحاديث : الأول : قال الإمام أحمد : [ حدثنا سفيان بن عيينة حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن السائب بن يزيد عن العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا ]
و قد أخرجه الجماعة من حديثه
و الثاني قال أحمد : حدثنا هشيم حدثنا منصور عن ابن سيرين عن ابن العلاء بن الحضرمي أن أباه كتب إلى النبي صلى الله عليه و سلم فبدأ بنفسه
و كذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل
و الحديث الثالث رواه أحمد و ابن ماجه من طريق محمد بن زيد عن حبان الأعرج عنه أنه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من البحرين في الحائط ـ يعني البستان ـ يكون بين الأخوة فيسلم أحدهم ؟ فأمره أن يأخذ العشر ممن أسلم و الخراج ـ يعني ممن لم يسلم ـ (4/692)
و منهم العلاء بن عقبة قال الحافظ ابن عساكر : كان كاتبا للنبي صلى الله عليه و سلم و لم أجد أحدا ذكره إلا فيما أخبرنا
ثم ذكر إسناده إلى عتيق بن يعقوب [ حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم عن أبيه عن جده عن عمرو بن حزم أن هذه قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرها و ذكر فيها : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى النبي محمد عباس بن مرداس السلمي أعطاه مدمورا فمن خافه فيها فلا حق له و حقه حق و كتب العلاء بن عقبة و شهد ]
ثم قال : [ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله عوسجة بن حرملة الجهني من ذي المروة و ما بين بلكثة إلى الظبية إلى الجعلات إلى جبل القبلية فمن خافه فلا حق له و حقه حق و كتبه العلاء بن عقبة ]
و روى الواقدي بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقطع لبني سيح بن جهينة و كتب كتابهم بذلك العلاء بن عقبة و شهد
و قد ذكر ابن الأثير في الغابة هذا الرجل مختصرا فقال : العلاء بن عقبة كتب للنبي صلى الله عليه و سلم ذكره في حديث عمرو بن حزم ذكره جعفر أخرجه أبو موسى ـ يعني المديني ـ في كتابه
و منهم رضي الله عنهم محمد بن مسلمة بن حريش بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة ابن الحارث بن الخزرج الأنصاري الحارثي الخزرجي أبو عبد الله و يقال أبو عبد الرحمن و يقال أبو سعد المدني حليف بني عبد الأشهل
أسلم على يدي مصعب بن عمير و قيل سعد بن معاذ و أسيد بن حضير و آخى رسول الله حين قدم المدينة بينه و بين أبي عبيدة بن الجراح
و شهد بدرا و المشاهد بعدها و استخلفه رسول الله على المدينة عام تبوك
قال ابن عبد البر في الاستيعاب : كان شديد السمرة طويلا أصلع ذا جثة و كان من فضلاء الصحابة و كان ممن اعتزل الفتنة و اتخذ سيفا من خشب
و مات بالمدينة سنة ثلاث و أربعين على المشهور عند الجمهور و صلى عليه مروان بن الحكم و قد روى حديثا كثيرا عن النبي صلى الله عليه و سلم
و ذكر محمد بن سعد عن علي بن محمد المدائني بأسانيده أن محمد بن مسلمة هو الذي كتب لوفد مرة كتابا عن أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم (4/694)
و منهم رضي الله عنهم معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي وفد ذكرنا ترجمته في أيام إمارته
و قد ذكره مسلم بن الحجاج في كتابه عليه السلام [ و قد روى مسلم في صحيحه من حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك بن الوليد عن ابن عباس أن أبا سفيان قال : يا رسول الله ثلاث أعطنيهن ؟ قال : نعم قال : تؤمرني حتى أقاتل الكفار كنا كنت أقاتل المسلمين قال : نعم : و معاوية تجعله كاتبا بين يديك قال : نعم ] الحديث
و قد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة بسبب ما وقع فيه من ذكر طلبه تزويج أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكن فيه من المحفوظ تأمير أبي سفيان و تولية معاوية منصب الكتابة بين يديه صلوات الله و سلامه عليه
و هذا قدر متفق عليه بين الناس قاطبة
فأما الحديث الذي قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه في ترجمة معاوية ها هنا : أخبرنا أبو غالب بن البنا أنبأنا أبو محمد الجوهري أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الله العطشي حدثنا أحمد بن محمد البوراني حدثنا السري بن عاصم حدثنا الحسن ابن زياد عن القاسم بن بهرام عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استشار جبريل في استكتاب معاوية فقال : استكتبه فإنه أمين
فإنه حديث غريب بل منكر و السري بن عاصم هذا هو أبو عاصم الهمذاني و كان يؤدب المعتز بالله كذبه في الحديث ابن خراش
و قال ابن حبان و ابن عدي : كان يسرق الحديث زاد ابن حبان : و يرفع الموقوفات لا يحل الاحتجاج به و قال الدارقطني : كان ضعيف الحديث
و شيخه الحسن بن زياد : إن كان اللؤلؤي فقد تركه غير واحد من الأئمة و صرح كثير منهم بكذبه و إن كان غيره فهو مجهول العين و الحال
و أما القاسم بن بهران فاثنان : أحدهما يقال له القاسم بن بهرام الأسدي الواسطي الأعرج أصله من أصبهان روى النسائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديث القنوت بطوله و قد وثقه ابن معين و أبو حاتم و أبو داود و ابن حبان و الثاني القاسم ابن بهرام أبو همدان قاضي هيت قال ابن معين : كان كذابا
و بالجملة فهذا الحديث من هذا الوجه ليس بثابت و لا يغتر به
و العجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره و إطلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره ـ بل و من تقدمه بدهر ـ كيف يورد في تاريخه هذا و أحاديث كثيرة من هذا النمط ثم لا يبين حالها و لا يشير إلى شيء من ذلك إشارة لا ظاهرة و لا خفية و مثل هذا الصنيع فيه نظر و الله أعلم
ومنهم رضي الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفي و قد تقدمت ترجمته فيمن كان يخدمه عليه السلام من أصحابه من غير مواليه و أنه كان سيافا على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد روى ابن عساكر بسنده عن عتيق بن يعقوب بإسناده المتقدم غير مرة أن المغيرة بن شعبة هو الذي كتب إقطاع حصين بن نضلة الأسدي الذي أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمره
فهؤلاء كتابة الذين كانوا يكتبون بأمره بين يديه صلوات الله و سلامه عليه (4/695)
و قد ذكر ابن عساكر من أمنائه أبا عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري أحد العشرة رضي الله عنه و عبد الرحمن بن عوف الزهري
و أما أبو عبيدة فقد روى البخاري [ من حديث أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لكل أمة أمين و أمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح ]
و في لفظ : أن رسول الله قال لوفد عبد القيس نجران : [ لأبعثن معكم أمينا حق أمين ] فبعث معهم أبا عبيدة
قال : و منهم معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي مولى بني عبد شمس كان على خاتمه و يقال كان خادمه و قال غيره : أسلم قديما و هاجر إلى الحبشة في الناس ثم إلى المدينة و شهد بدرا و ما بعدها و كان على الخاتم و استعمله الشيخان على بيت المال
قالوا : و كان قد أصابه الجذام فأمر عمر بن الخطاب فدووى بالحنظل فتوقف المرض و كانت وفاته في خلافة عثمان و قيل سنة أربعين فالله أعلم
قال الإمام أحمد : [ حدثنا يحيى بن بكير حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة حدثني معيقيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال : إن كنت لا بد فاعلا فواحدة ]
و أخرجاه في الصحيحين من حديث شيبان النحوي زاد مسلم : و هشام الدستوائي
زاد الترمذي و النسائي و ابن ماجه : و الأوزاعي ثلاثتهم عن يحيى بن أبي كثير به قال الترمذي : حسن صحيح
و قال الإمام أحمد : [ حدثنا خلف بن الوليد حدثنا أيوب عن عتبة عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن معيقيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ويل للأعقاب في النار ]
و تفرد به الإمام أحمد
و قد روى أبو داود و النسائي من حديث أبي عتاب سهل بن حماد الدلال عن أبي مكين نوح بن ربيعة عن إياس بن الحارث بن المعيقيب عن جده ـ و كان على خاتم النبي صلى الله عليه و سلم ـ قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم من حديد ملوي عليه فضة قال : فربما كان في يدي
قلت : أما خاتم النبي صلى الله عليه و سلم فالصحيح أنه كان من فضة فصه منه كمت سيأتي في الصحيحين و كان قد اتخذ قبله خاتم ذهب فلبسه حينا ثم رمى به و قال : [ و الله لا ألبسه ]
ثم اتخذ هذا الخاتم من فضة فصه منه و نقشه : محمد رسول الله محمد سطر و رسول سطر و الله سطر
فكان في يده عليه السلام ثم كان في يد أبي بكر من بعده ثم في يد عمر ثم كان في يد عثمان فلبث في يده ست سنين ثم سقط منه في بئر أريس فاجتهد في تحصيله فلم يقدر عليه
و قد صنف أبو داود رحمة الله عليه كتابا مستقلا في سننه في الخاتم وحده و سنورد منه إن شاء الله قريبا ما نحتاج إليه و بالله المستعان
و أما لبس معيقيب لهذا الخاتم فيدل على ضعف ما نقل أنه أصاب الجذام كما ذكره ابن عبد البر و غيره لكنه مشهور فلعله أصابه ذلك بعد النبي صلى الله عليه و سلم و كان به و كان مما لا يعدي منه أو كان ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم لقوة توكله كما قال لذلك المجذوم ـ و وضع يده في القصعة ـ [ كل ثقة الله و توكلا عليه ]
رواه أبو داود و قد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ فر من المجذوم فرارك من الأسد ] و الله أعلم
و أما أمراؤه عليه السلام فقد ذكرناهم عند بعث السرايا منصوصا على أسمائهم و لله الحمد و المنة (4/698)
و أما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم فنقل عن أبي زرعة أنه قال : يبلغون مائة ألف و عشرين ألفا
و عن الشافعي رحمه الله أنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون ممن سمع و رآه زهاء ستين ألفا
و قال الحاكم أبو عبد الله : يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي
قلت : و الذين روى عنهم الإمام أحمد مع كثرة روايته و اطلاعه و اتساع رحلته و إمامته من الصحابة تسعمائة و سبعة و ثمانون نفسا
و وضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمائة صحابي أيضا
و قد اعتنى جماعة من الحفاظ رحمهم الله بضبط أسمائهم و ذكر أيامهم و وفياتهم من أجلهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري في كتابه الاستيعاب و أبو عبد الله محمد إسحاق بن مندة و أبو موسى المديني
ثم نظم جميع ذلك الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الصحابة صنف كتابه الغابة في ذلك فأجاد و أفاد و جمع و حصل و نال ما رام و أمل فC و أثابه و جمعه و الصحابة آمين يا رب العالمين (4/700)
و قد أفرد له أبو داود في كتابه السنن كتابا على حدة و لنذكر عيون ما ذكره في ذلك مع ما نضيفه إليه و المعول في أصل ما نذكره عليه
قال أبو داود : حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي حدثنا عيسى عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال : أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكتب إلى بعض الأعاجم فقيل له : إنهم لا يقرءون كتابا إلا بخاتم فاتخذ خاتما من فضة و نقش فيه : محمد رسول الله
و هكذا رواه البخاري عن عبد الأعلى بن حماد عن يزيد بن زريع عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة به
ثم قال أبو داود : حدثنا وهب ابن بقية عن خالد عن سعيد عن قتادة عن أنس بمعنى حديث عيسى بن يونس زاد : فكان في يده حتى قبض و في يد أبي بكر حتى قبض و في يد عمر حتى قبض و في يد عثمان فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر فأمر بها فنزحت فلم يقدر عليه
تفرد به أبو داود من هذا الوجه
ثم قال أبو داود رحمه الله : حدثنا قتيبة بن سعيد و أحمد بن صالح قالا : أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : حدثني أنس قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم من ورق فصه حبشي
و قد روى هذا الحديث البخاري من حديث الليث و مسلم من حديث ابن وهب و طلحة عن يحيى الأنصاري و سليمان بن بلال زاد النسائي و ابن ماجه و عثمان عن عمر خمستهم عن يونس بن يزيد الأيلي به و قال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه
ثم قال أبو داود : حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا حميد الطويل عن أنس قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم من فضة كله فصه منه
و قد رواه الترمذي و النسائي من حديث زهير بن معاوية الجعفي أبي خيثمة الكوفي به و قال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه
و قال البخاري : حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال : اصطنع رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتما فقال : إنا اتخذنا خاتما و نقشنا فيه نقشا فلا ينقش عليه أحد
قال : فإني أرى بريقه في خنصره
ثم قال أبو داود : [ حدثنا نصر بن الفرج حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال اتخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتما من ذهب و جعل فصه مما يلي بطن كفه و نقش فيه : محمد رسول الله
فاتخذ الناس خواتم الذهب فلما رآهم قد اتخذوها رمى به و قال : لا ألبسه أبدا ثم اتخذ خاتما من فضة نقش فيه : محمد رسول الله ]
ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر ثم لبسه بعد أبي بكر عمر ثم لبسه بعده عثمان حتى وقع في بئر أريس
و قد رواه البخاري عن يوسف بن موسى عن أبي أسامة حماد بن أسامة به
ثم قال أبو داود : [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب ابن موسى عن نافع عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم : فنقش فيه محمد رسول الله و قال : لا ينقش أحد على خاتمي هذا ] و ساق الحديث
و قد رواه مسلم و أهل السنن الأربعة من حديث سفيان بن عيينة به نحوه
ثم قال أبو داود : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو عاصم عن المغيرة بن زياد عن نافع عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : فالتمسوه فلم يجدوه فاتخذ عثمان خاتما و نقش فيه : محمد رسول الله قال : فكان يختم به أو يتختم به
و رواه النسائي عن محمد بن معمر عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل به
ثم قال أبو داود : (4/701)
حدثنا محمد بن سليمان لوين عن إبراهيم بن سعد عن ابن شراب عن أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه و سلم خاتما من ورق يوما واحدا فصنع الناس فلبسوا و طرح النبي صلى الله عليه و سلم فطرح الناس
ثم قال : رواه عن الزهري زياد بن سعد و شعيب و ابن مسافر كلهم قال : من ورق
قلت : و قد رواه البخاري : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال : حدثني أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه و سلم خاتما من ورق يوما واحدا ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق و لبسوها فطرح رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتمه فطرح الناس خواتيمهم
ثم علقه البخاري عن إبراهيم بن سعد الزهري المدني و شعيب بن أبي جمرة و زياد ابن سعد الخراساني و أخرجه مسلم من حديثه و انفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد ابن مسافر كلهم عن الزهري كما قال أبو داود : خاتما من ورق
و الصحيح أن الذي لبسه يوما واحدا ثم رمى به إنما هو خاتم الذهب لا خاتم الورق لما ثبت في الصحيحين عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : كان رسول الله يلبس خاتما من ذهب فنبذه و قال : لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم
و قد كان خاتم الفضة يلبسه كثيرا و لم يزل في يده حتى توفي صلوات الله و سلامه عليه و كان فصه منه يعني ليس فيه فص منفصل عنه و من روى أنه كان فيه صورة شخص فقد أبعد و أخطأ بل كان فضة منه و نقشه : محمد رسول الله ثلاثة أسطر : محمد سطر رسول سطر الله سطر
و كأنه و الله أعلم كان منقوشا و كتابته مقلوبة ليطبع على الاستقامة كما جرت العادة بهذا و قيل : إن كتابته كانت مستقيمة و تطبع كذلك و في صحة هذا نظر و لست أعرف لذلك إسنادا لا صحيحا و لا ضعيفا
و هذه الأحاديث التي أوردناها أنه عليه السلام كان له خاتم من فضة ترد الأحاديث التي قدمناها في سنني أبي داود و النسائي من طريق أبي عتاب سهل بن حماد الدلال عن أبي مكين نوح بن ربيعة عن إياس بن الحارث بن معيقيب بن أبي فاطمة عن جده قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم من حديد ملوي عليه فضة
و مما يزيد ضعفا الحديث الذي رواه أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي من حديث أبي طنبة عبد الله بن مسلم السلمي المروزي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و عليه خامت من شبه فقال : مالي أجد منك ريح الأصنام ؟ فطرحه ثم جاء و عليه خاتم من حديد فقال : مالي أرى عليك حلية أهل النار ؟ فطرحه ثم قال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ؟ قال : اتخذه من ورق و لا تتمه مثقالا
و قد كان عليه السلام يلبسه في يده اليمنى كما رواه أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي من حديث شريك : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن القاضي عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسن عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن رسول الله قال شريك : و أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله كان يتختم في يمينه
و روى في اليسرى رواه أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتختم في يساره و كان فصه في باطن كفه
قال أبو داود : رواه أبو إسحاق و أسامة بن زيد عن نافع : أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى
ثم قال أبو داود : حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال : رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتما في خنصره اليمنى فقلت : ما هذا ؟ فقال : رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا و جعل فصه على ظهرها
قال : و لا يخال ابن عباس إلا قد كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يلبس خاتمه كذلك
و هكذا رواه الترمذي من حديث محمد بن إسحاق به
ثم قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري : حديث ابن إسحاق عن الصلت حديث حسن و قد روى الترمذي في الشمائل عن أنس و جابر و عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتختم في اليمين
و قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا أبي عن ثمامة عن أنس قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم في يده و في يد أبي بكر و في يد عمر بعد أبي بكر
قال : فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخذ الخاتم فجعل يعبث به فسقط قال : فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم يجده
فأما الحديث الذي رواه الترمذي في الشمائل : حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي يسر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اتخذ خاتما من فضة فكان يختم به و لا يلبسه
فإنه حديث غريب جدا و في السنن من حديث ابن جريج عن الزهري [ عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه ] (4/703)
قال الإمام أحمد : [ حدثنا شريح حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال : تنفل رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه ذا الفقار يوم بدر و هو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد قال : رأيت في سيفي ذا الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم و رأيت أني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة و رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة و رأيت بقرا تذبح فبقر و الله خيرفبقر و الله خير ]
فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
و قد رواه الترمذي و ابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه به
و قد ذكر أهل السنن أنه سمع قائل يقول : لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي
و ورى الترمذي من حديث هود بن عبد الله بن سعد عن جده مزيدة بن جابر العبدي العصري رضي الله عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة و على سيفه ذهب و فضة الحديث
ثم قال : هذا حديث غريب
و قال الترمذي في الشمائل : [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن قال : كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم من فضة ]
و روى أيضا من حديث عثمان بن سعد عن ابن سيرين قال : صنعت سيفي علىسيف سمرة و زعم سمرة أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان حنفيا و قد صار إلى آل علي سيف من سيوف رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكر بلاء عند الطف كان معه فأخذه علي بن الحسين ابن زين العابدين فقدم معه دمشق حين دخل على يزيد بن معاوية ثم رجع معه إلى المدينة
فثبت في الصحيحين عن المسور بن مخرمة أنه تلقاه إلى الطريق فقال له : هل لك إلي من حاجة تأمرني بها ؟ قال : فقال : لا فقال : هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني أخشى أن يغلبك عليه القوم و إيم الله إن أعطيتنه لا يخلص إليه أحد حتى يبلغ نفسي (4/707)
و قد ذكر للبني صلى الله عليه و سلم غير ذلك من السلاح
من ذلك : الدروع كما روى غير واحد منهم السائب بن يزيد و عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ظاهر يوم أحد بين درعين
و في الصحيحن من حديث مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل يوم الفتح و على رأسه المغفر فلما نزعه قيل له : هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال : اقتلوه
و عند مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل يوم الفتح و عليه عمامة سوداء
و قال وكيع عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس و عليه عمامة دسماء
ذكرهما الترمذي في الشمائل و له من حديث الدراوردي عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اعتم سدلها بين كفيه
و قد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن محمد حدثنا مخول بن إبراهيم حدثنا إسرائيل عن عاصم عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أنه كانت عنده عصية لرسول الله صلى الله عليه و سلم فمات فدفنت معه بين جنبه و بين قميصه
ثم قال البزار : لا نعلم رواه إلا مخول بن راشد و هو صدوق فيه شيعية و احتمل على ذلك
و قال الحافظ البيهقي بعد روايته هذا الحديث من طرق مخول هذا قال : و هو من الشيعة يأتي بأفراد عن إسرائيل لا يأتي بها غيره و الضعف على روايته بين ظاهر (4/708)
ثبت في الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يلبس النعال السبتية و هي التي لا شعر عليها
و قد قال البخاري في صحيحه : حدثنا محمد هو ابن مقاتل حدثنا عبد الله يعني ابن مبارك أنبأنا عيسى بن طهمان قال : أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين لهما قبالان فقال يا ثابت : هذه نعل النبي صلى الله عليه و سلم
و قد رواه في كتاب الخمس عن عبد الله بن محمد عن أبي أحمد الزبيري عن عيسى ابن طهمان عن أنس قال : أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان فحدثنى ثابت البناني بعد عن أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه و سلم
و قد رواه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع عن أبي أحمد الزبيري به
و قال الترمذي في الشمائل : حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال : كان لنعل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبالان مثنى شراكهما
و قال أيضا : حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي الذئب عن صالح مولى التوامة عن أبي هريرة قال : كان لنعل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبالان
و قال الترمذي : حدثنا محمد بن مرزوق أبو عبد الله حدثنا عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية حدثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة قال : كان لنعل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبالان و أبي بكر و عمر و أول من عقد عقدا واحدا عثمان
قال الجوهري : قبال النعل بالكسر : الزمام الذي يكون بين الإصبع الوسطى و التي تليها
قلت : و اشتهر في حدود سنة ستمائة و ما بعدها عند رجل من التجار يقال له : ابن أبي الحدرد نعل مفردة ذكر أنها نعل النبي صلى الله عليه و سلم فسامها الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب منه بمال جزيل فأبى أن يبيعها فاتفق موته بعد حين فصارت إلى الملك الأشرف المذكور فأخذها إليه و عظمها ثم لما بني دار الحديث الأشرفية إلى جانب القلعة جعلها في خزانة منها و جعل لها خادما و قرر له من المعلوم كل شهر أربعون درهما و هي موجودة إلى الآن في الدار المذكورة
و قال الترمذي في الشمائل : حدثنا محمد بن رافع و غير واحد قالوا : حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا شيبان عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس عن أبيه قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم سلة يتطيب منها (4/709)
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن عاصم قال : رأيت عند أنس قدح النبي صلى الله عليه و سلم فيه ضبة من فضة
و قال الحافظ البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله أخبرني أحمد بن محمد النسوي حدثنا حماد بن شاكر حدثنا محمد بن إسماعيل هو البخاري حدثنا الحسن ابن مدرك حدثني يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة عن عاصم الأحوال قال : رأيت قدح النبي صلى الله عليه و سلم عند أنس بن مالك و كان قد انصدع فسلسله بفضة
قال : و هو قدح جيد عريض من نضار
قال أنس : لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا القدح أكثر من كذا و كذا قال : و قال ابن سيرين : إنه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة : لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فتركه
و قال الإمام أحمد : حدثنا روح بن عبادة حدثنا حجاج بن حسان قال : كنا عند أنس فدعا بإناء فيه ثلاث ضبات حديد و حلقة من حديد فأخرج من غلاف أسود و هو دون الربع و فوق نصف الربع و أمر أنس بن مالك فجعل لنا فيه ماء فأتينا به فشربنا و صببنا على رءوسنا و وجوهنا و صلينا على النبي صلى الله عليه و سلم
انفرد به أحمد (4/711)
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد أخبرنا عبد الله بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثا في كل عين
و قد رواه الترمذي و ابن ماجه من حديث يزيد بن هارون قال علي بن المديني : سمعت يحيى بن سعيد يقول : قلت لعباد بن منصور : سمعت هذا الحديث من عكرمة ؟ فقال : أخبرنيه ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عنه
قلت : و قد بلغني أن بالديار المصرية مزارا فيه أشياء كثيرة من آثار النبي صلى الله عليه و سلم اعتنى بجمعها بعض الوزراء المتأخرين فمن ذلك مكحلة و قيل : و مشط و غير ذلك فالله أعلم (4/711)
قال الحافظ البيهقي : و أما البرد الذي عند الخلفاء فقد روينا عن محمد بن إسحاق بن يسار في قصة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار ـ يعني بذلك أول خلفاء بني العباس و هو السفاح رحمه الله
و قد توارث بنو العباس هذه البردة خلفا عن سلف كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه و يأخذ القضيب المنسوب إليه صلوات الله و سلامه عليه في إحدى يديه فيخرج و عليه من السكينة و الوقار ما يصدع به القلوب و يبهر به الأبصار و يلبسون السواد في أيام الجمع و الأعياد و ذلك اقتداء منهم بسيد أهل البدو و الحضر ممن يسكن الوبر و المدر
لما أخرجه البخاري و مسلم إماما أهل الأثر من حديث مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة و على رأسه المغفر و في رواية : و عليه عمامة سوداء و في رواية : قد أرخى طرفها بين كتفيه صلوات الله و سلامه عليه
و قد قال البخاري : حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن محمد عن أبي بردة قال : أخرجت إلينا عائشة كساء و إزارا غليظا فقالت : قبض روح النبي صلى الله عليه و سلم في هذين
و للبخاري من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة و ابن عباس قالا : لما نزل برسول الله صلى الله عليه و سلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال و هو كذلك : لعنة الله على اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا
قلت : و هذه الأثواب الثلاثة لا يدري ما كان من أمرها بعد هذا
و قد تقدم أنه عليه السلام طرحت تحته في قبره الكريم قطيفة حمراء كان يصلي عليها و لو تقصينا ما كان يلبسه في أيام حياته لطال الفصل و موضعه كتاب اللباس من كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله و به الثقة و عليه التكلان (4/712)
قال ابن إسحاق عن يزيد بن حبيب عن مرثد بن عبد الله المزني عن عبد الله ابن رزين عن علي قال : كان للنبي صلى الله عليه و سلم فرس يقال له المرتجز و حمار يقال له عفير و بغلة يقال لها دلدل و سيفه ذو الفقار و درعه ذو الفضول
و رواه البيهقي من حديث الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي نحوه
قال البيهقي : و روينا في كتاب السنن أسماء أفراسه التي كانت عند الساعدتين لزاز و اللحيف و قيل اللخيف و الظرب و الذي ركبه لأبي طلحة يقال له المندوب و ناقته القصواء و العضباء و الجدعاء و بغلته الشهباء و البيضاء
قال البيهقي : و ليس في شيء من الروايات أنه مات عنهن إلا ما روينا في بغلته البيضاء و سلاحه و أرض جعلها صدقة و من ثيابه و بغلته و خاتمه ما روينا في هذا الباب
و قال أبو داود الطيالسي : حدثنا زمعة بن صالح عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و له جبة صوف في الحياكة
و هذا إسناد جيد
و قد روى الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا مجاهد عن موسى حدثنا علي بن ثابت حدثنا غالب الجزري عن أنس قال : لقد قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و إنه لينسج له كساء من صوف
و هذا شاهد لما تقدم
و قال أبو سعيد بن الأعرابي : حدثنا سعدان بن نصير حدثنا سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير عن حسين عن فاطمة بنت الحسين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبض و له بردان في الجف يعملان
و هذا مرسل
و قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا الحسن بن إسحاق التستري حدثنا أبو أمية عمرو بن هشام الحراني حدثنا عثمان بن عبد الرحمن بن علي بن عروة عن عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء و عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم سيف قائمته من فضة و قبيعته و كان يسمى ذا الفقار و كان له قوس تسمى السداد و كانت له كنانة تسمع الجمع و كانت له درع موشحة بالنحاس تسمى ذات الفضول و كانت له حربة تسمى السغاء و كان له مجن يسمى الذقن و كان له ترس أبيض يسمى الموجز و كان له فرس أدهم يسمى السكب و كان له سرج يسمى الداج و كان له بغلة شهباء يقال لها دلدل و كانت له ناقة تسمى القصواء و كان له حمار يقال له : يعفور و كان له بساط يسمى الكر و كان له نمرة تسمى النمر و كانت له ركوة تسمى الصادر و كانت له مرآة تسمى المرآة و كان له مقراض يسمى الجاح و كان له قضيب شوحط يسمى الممشوق
قلت : قد تقدم عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يترك دينارا و لا درهما و لا عبدا و لا أمة سوى بغلة و أرض جعلها صدقة و هذا يقتضي أنه عليه السلام نجز العتق في جميع ما ذكرناه من العبيد و الإماء و الصدقة في جميع ما ذكر من السلاح و الحيوانات و الأثاث و المتاع مما أوردناه و ما لم نورده
و أما بغلته و هي الشهباء و هي البيضاء أيضا و الله أعلم و هي التي أهداها له المقوقس صاحب الاسكندرية و اسمه جريج بن ميناء فيما أهدى من التحف و هي التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم راكبها يوم حنين و هو في نحور العدو ينوه باسمه الكريم شجاعة و توكلا على الله عز و جل فقد قبل : إنها عمرت بعده حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام خلافته و تأخرت أيامها حتى كانت بعد علي عند عبد الله بن جعفر فكان يجش لها الشعير حتى تأكله من ضعفها بعد ذلك
و أما حماره يعفور و يصغر فيقال له عفير فقد كان عليه السلام يركبه في بعض الأحايين
و قد روى أحمد من حديث محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن يزيد ابن عبد الله العوفي عن عبد الله بن رزين عن علي قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركب حمارا يقال له عفير
و رواه أبو يعلى من حديث عون بن عبد الله عن ابن مسعود
و قد ورد في أحاديث عدة أنه عليه السلام ركب الحمار
و في الصحيحين أنه عليه السلام مر و هو راكب حمارا بمجلس فيه عبد الله بن أبي سلول و أخلاط من المسلمين و المشركين عبدة الأوثان و اليهود فنزل و دعاهم إلى الله عز و جل و ذلك قبل وقعة بدر و كان قد عزم على عيادة سعد بن عبادة فقال له عبد الله : لا أحسن مما تقول أيها المرء فإن كان حقا فلا تغشنا به في مجالسنا و ذلك قبل أن يظهر الإسلام و يقال إنه خمر أنفه لما غشيتهم عجاجة الدابة و قال : لا تؤذنا بنتن حمارك
فقال له عبيد الله بن رواحة : و الله لريح حمار رسول الله صلى الله عليه و سلم أطيب من ريحك و قال عبد الله : بل يا رسول الله اغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فتثاور الحيان و هموا أن يقتتلوا فسكنهم رسول الله
ثم ذهب إلى سعد بن عبادة فشكا إليه عبد الله بن أبي فقال : ارفق به يا رسول الله فو الذي أكرمك بالحق لقد بعثك الله بالحق و إنا لننظم له الخرز لنملكه علينا فلما جاء الله بالحق شرق بريقه
و قد قدمنا أنه ركب الحمار في بعض أيام خيبر و جاء أنه أردف معاذا على حمار و لو أوردناها بألفاظها و أسانيدها لطال الفصل و الله أعلم
فأما ما ذكره القاضي عياض بن موسى السبتي في كتابه الشفا و ذكره قبل الإمام الحرمين في كتابه الكبير في أصول الدين و غيرهما أنه كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم حمار يسمى زياد بن شهاب و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه فيجيء إلى باب أحدهم فيقعقعه فيعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يطلبه و أنه ذكر للنبي صلى الله عليه و سلم أنه سلالة سبعين حمارا كل منها ركبه نبي و أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب فتردى في بئر فمات فهو حديث لا يعرف له إسناد بالكلية و قد أنكره غير واحد من الحفاظ منهم عبد الرحمن بن أبي حاتم و أبوه رحمهما الله و قد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ينكره غير مرة إنكارا شديدا
و قال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف حدثنا إبراهيم بن سويد الجذوعي حدثني عبد الله بن أذين الطائي عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبيل قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم و هو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه فقال : من أنت ؟ قال : أنا عمرو بن فلان كنا سبعة إخوة كلنا ركبنا الأنبياء و أنا أصغرهم و كنت لك فملكني رجل من اليهود فكنت إذا ذكرتك كبوت به فيوجعني ضربا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فأنت يعفور
هذا حديث غريب جدا
* * * * * *
و إلى هنا تنتهي السيرة النبوية للإمام ابن كثير و الحمد لله الذي أعان عليه و يتلوها جزء مفرد في شمائل الرسول و خصائصه و فضائله و دلائل نبوته (4/713)