وأسلم مع إسلام أبيه، وكان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا، ولد له ولده عبد الله فأتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحنكه ودعا له واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بعض عمالة مكة، واستعمله أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - أيضا وولي الحارث مكة، وانتقل من المدينة إلى البصرة وكان - رضي الله تعالى عنه - قد اصطلح عليه أهل البصرة حين توفي يزيد ابن أبي سفيان.
مات بالبصرة في خلافة عثمان - رضي الله تعالى عنه -.
وأما المغيرة فيكنى أبا يحيى، ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل الهجرة، وقيل: بعدها، ولم يدرك من حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير ست سنين، وهو الذي طرح على عبد الرحمن بن ملجم القطيفة حين ضرب عليا - رضي الله تعالى عنه - على هامته بسيفه، فصرعه، فلما هم الناس به حمل عليهم بسيفه فخرجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة، فرماها عليه واحتمله، وضرب به الارض وقعد على صدره وانتزع سيفه منه، وكان رضي الله تعالى عنه - أيدا أي قويا ثم حمل ابن ملجم وحبس حتى مات علي - رضي الله تعالى عنه - فقتل، وكان المغيرة هذا قاضيا في زمن معاوية، وشهد مع علي صفين وتزوج أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بعد علي - رضي الله تعالى عنه - روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل: إن حديثه مرسل، ولم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ولده عبد الملك بن المغيرة بن نوفل، وأما عبد الله بن نوفل بن الحارث فكان جميلا يشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رضي الله تعالى عنه أول من ولي القضاء بالمدينة في خلافة معاوية وأما أخواه عبيد وسعيد فقد روي عنهما العلم، وأما عبد الرحمن وربيعة ابنا نوفل بن الحارث فلا بقية لهما.(11/138)
الباب الخامس عشر في بعض مناقب بقية أولاد الحارث بن عبد المطلب
الأول: ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي - رضي الله تعالى عنه - وكنيته أبو أروي أثنى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكرمه.
روى الدارقطني في كتاب الاخوة والاخوات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " نعم الرجل ربيعة لو قصر من شعره، وشمر من ثوبه، وأطعمه النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة وسق من خيبر كل عام ".
روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان شريك عثمان بن عفان في التجارة توفي سنة ثلاث وعشرين في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنهما - وكان له بنون وبنات: العباس، وعبد المطلب، وعبد الله، والحارث، وأمية، وعبد شمس، وآدم بن ربيعة، وكان مسترضعا في بني هذيل، وكان العباس ذا قدر وأقطعه عثمان دارا بالبصرة وأعطاه مائة ألف درهم.
روى ابن حبان عن المطلب بن ربيعة.
الثاني: عبد شمس بن الحارث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، مات صغيرا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قميصه وقال في حقه: " أدركته السعادة ".
وقال الدارقطني: في كتاب " الاخوة والاخوات " والبغوي في المعجم: وليس له عقب، وقال ابن قتيبة: عقبه بالشام، يقال لهم الموزة، لقلتهم لانهم لا يكادون يزيدون على ثلاثة.
الثالث: المغيرة بن الحارث القرشي الهاشمي [ كان قاضيا بالمدينة في خلافة عثمان، وشهد مع علي صفين وأوصاه علي أن يتزوج أمامة بنت أبي العاص بعده، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
الرابع: هند بنت ربيعة، قيل: اسمها أسماء ولدت على عهد رسول الله - صلى الله عليه سلم - وتزوجها حبان بن منقذ، فولدت له [ واسع بن حبان ] ويحيى بن حبان.
الخامس: أروى بنت الحارث ذكرها ابن قتيبة، وأبو سعد، تزوجها أبو وداعة بن صبرة السهمي، فولدت له المطلب، وأبا سفيان بن أبي وداعة.(11/139)
الباب السادس عشر في معرفة أولاد الزبير بن عبد المطلب وأولاد حمزة - رضي الله تعالى عنهما - وأولاد أبي لهب
أولاد الأول ثلاثة: ذكر وانثيان، فالذكر عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، وأمه عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية أدرك الاسلام، وأسلم وثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فيمن ثبت.
وقتل يوم أجنادين في خلافة أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - شهيدا فوجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم، ثم أثخنته الجراحة، وذكر محمد بن عمر الاسلمي أنه أول قتيل قتل بطريق معلم، برز يدعو إلى المبارزة فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب فاختلفت ضربات، ثم قتله عبد الله ولم يتعرض لسلبه، ثم برز آخر يدعو إلى البراز فبرز إليه فاقتتلا بالرمحين ساعة ثم صار إلى السيفين فضربه عبد الله على عاتقه، وهو يقول: خذها وأنا ابن عبد المطلب فأثبته وقطع سيفه الدرع، وأشرع في منكبه ثم ولي الرومي [ منهزما ] فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز.
فقال: لا أصبر فلما اختلطت السيوف وأخذ بعضها بعضا وجد في ربضة من الروم عشرة حوله مثلا وهو مقتول بينهم.
كانت سنه نحوا من ثلاثين سنة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول له -: ابن عمي وحبي، ومنهم من يقول: كان أمي ولم يعقب، قاله ابن قتيبة.
والانثيان الاولى منهما: وهي ضباعة وهي التي أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بالاستمرار) (1) في الحج وكانت تحت المقداد بن الاسود.
والثانية: أم الحكم كانت تحت ربيعة بن الحارث.
وأولاد حمزة - رضي الله تعالى عنه -: عمارة، ويعلى ولم يعقب من ولد حمزة غيره
عقب خمسة رجال ولم يعقبوا لما سبق بيانه.
وأما أولاد أبي لهب فخمسة: عتبة: بعين مهملة مضمومة، ففوقية ساكنة فموحدة فتاء تأنيث.
ومعتب: بميم مضمومة، فعين مهملة مفتوحة ففوقية مكسورة مشددة أسلما - رضي الله عنهما - يوم الفتح وكانا قد هربا، فبعث الله العباس - رضي الله تعالى عنه - إليهما ودعا لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم - وشهدا معه حنينا، والطائف وفقئت عين معتب يوم حنين ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة، ولهما - رضي الله تعالى عنهما - عقب.
__________
(1) في ج: بالاشواط.
(*)(11/140)
ودرة: أسلمت وكانت عند الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنهما - وروت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنت مني وأنا منك " رواه الطبراني برجال الصحيح عنها.
وخالدة [ بنت أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمها أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس.
تزوجها أوفى بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الاوقص السلمي فولدت له عبيدة وسعيدا وإبراهيم بن أوفى ].
وعتيبة: بزيادة تحتية بين الموحدة والفوقية: مات كافرا وكان عقد على أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء الاسلام طلقها.
روى ابن خيثمة عن قتادة أن عتيبة لما فارق أم كلثوم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تجيئني ولا أجيئك، ثم سطا عليه فشق قميص النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خارج نحو الشام تاجرا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إني أسأل الله أن يسلط عليك كلبه.
فخرج مع نفر من قريش حتى نزلوا بمكان من الشام يقال له الزرقة ليلا فطاف بهم الاسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول: يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد.
أقاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام ؟ فعدا عليه السبع من بين القوم، فأخذ
برأسه فضمغه ضمغة فقتله بها.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أجنادين: بفتح الهمزة على لفظ تثنية (أجناد)، ذكره البكري، وقال أبو محمد بن قدامة: بكسر الهمزة وفتح الدال: موضع ببلاد الشام.
العصبة: [ الجماعة من الناس من العشرة إلى الاربعين ].
الربضة: [ الجماعة ].
يسلط: [...].
الزرقاء: بفتح الزاي فراء ساكنة فقاف فألف: تأنيث أزرق.(11/141)
الباب السابع عشر في ذكر أخواله - صلى الله عليه وسلم -
الاسود بن عبد يغوث قال البلاذري: وهو خال النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من المستهزئين ثم روى عن عكرمة.
قال: أخذ جبريل عليه السلام بعنق الاسود بن عبد يغوث فحنى ظهره، حتى احقوقف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خالي خالي "، فقال: يا محمد، دعه عنك.
وروى ابن الاعرابي، في معجمه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخاله الاسود بن وهب: إلا أعلمك كلمات ؟ من يرد الله به خيرا يعلمهن إياها ثم لا ينسيه أبدا، قال: بلى يا رسول الله، قال: قل: اللهم، إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الاسلام منتهى رضاى.
وروى ابن منده: عن الاسود بن وهب خال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ألا أنبئك بشئ عسى الله أن ينفعك به " قال: إن أربى الربا الباب منه عدل سبعين حوبا أدناها فجرة كاضطجاع الرجل مع أمه، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه بغير حق.
وروى ابن شاهين عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن الاسود بن وهب خال النبي - صلى الله عليه وسلم - استأذن عليه، فقال: " يا خال، ادخل "، فدخل، فبسط له رداءه فقال: اجلس على ردائك يا رسول الله ؟ قال: " نعم، فإنما الخال والد ".
روى الخرائطي في مكارم الاخلاق بسند ضعيف عن محمد بن عمير بن وهب خال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جاء يعني عمير النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد، فبسط له رداءه، فقال: أجلس على ردائك ؟ قال: نعم، فإنما الخال والد، وفي لفظ " وارث ".
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحنى ظهر الاسود ابن عبد يغوث حتى احقوقف صدره، فقال: - صلى الله عليه وسلم - خالي خالي، فقال جبريل: دعه عنك فقد كفيته فهو من المستهزئين.
وروى أبو يعلى عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى خالته غلاما، فقال: " لا تجعليه، قصابا، ولا حجاما ولا صائغا ".
تنبيه في بيان غريب ما سبق: احقوقف: استطال واعوج الناحية.
[...].
حوبا: [ الاثم والهلاك ] الفجرة الفجرة: [...].
الاستطالة: [ الاعتداء ].(11/142)
جماع أبواب ذكر أزواجه - صلى الله عليه وسلم -
الباب الأول في الكلام على أزواجه - صلى الله عليه وسلم - اللاتي دخل بهن على سبيل الاجمال، وترتيب تزويجهن - رضي الله تعالى عنهن
وفيه أنواع:
الأول: في أنه لم يتزوج إلا من أهل الجنة وعددهن.
روى أبو بكر بن أبي خيثمة عن عثمان بن زفر حدثنا سيف بن عمر عن عبد الله بن محمد عن هند بن هند بن أبي هالة عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تعالى أبي لي أن أزوج أو أتزوج إلا أهل الجنة.
الثاني: عددهن وترتيبهن: هن إحدى عشرة امرأة.
روى أبو طاهر المخلص عن طريق سيف بن عمر وهو ضعيف جدا عن قتادة: عن أنس وابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج خمس عشرة امرأة، دخل بثلاث عشرة واجتمع عنده إحدى عشرة، وتوفي عن تسع.
ورواه ابن عساكر عن طريق بحر بن كثير السقاء وهو ضعيف جدا عن أنس، ورواه أيضا من طريق عثمان بن مقسم، وهو متروك عن قتادة وهو موقوف عليه ورواه أيضا ابن بحر عن عائشة وسمى في هذا الطريق الثانية عشرة، والثالثة عشرة، فإن اللتين دخل بهما: أم شريك بنت جابر بن حكيم والنشاة بنت رفاعة، ولم أجد ذكرا في التجريد للذهبي ولا في الاصابة، واللتان تزوجهما ولم يدخل بهما عمرة بنت يزيد الغفارية والشنباء: بشين معجمة ونون.
لم أجد لها ذكرا (1).
ست قرشيات: خديجة بنت خويلد، بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر اللام، وبالدال المهملة، ابن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضير بن كنانة.
وعائشة بنت أبي بكر الصديق، واسمه عبد الله أو عتيق بن أبي قحاقة، بضم القاف وفتح الحاء المهملة، واسمه عثمان بن عامر بن عميرو بن وهب بن سعيد بن تميم بن مرة بن
__________
(1) ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية 5 / 255.
(*)(11/143)
كعب بن لؤي.
وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بضم النون ابن عبد العزى بن رياح - بكسر الراء، وبالتحتية المثناة - ابن عبد الله بن قرط - بضم القاف والراء المفتوحة والطاء المهملتين - ابن رزاح - بفتح الراء والزاي، ابن عدي بن كعب بن لؤي.
وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشية العدوية (1).
وأم سلمة هند بنت (أمية) (2) واسمه حذيفة أو زهير أو سهل ويعرف بزاد الراكب، وهو أحد أجواد العرب المشهورين بالكرم، وكان إذا سافر لم يحمل معه أحد من رفقته زادا بل كان يكفيهم.
ابن المغيرة بن عبد الله عمرو بن مخزوم، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وبالزاي ابن يقظة بفتح التحتية والقاف والظاء المشالة ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
القرشية المخزومية.
وسودة بنت زمعة بن قيس، بفتح القاف وسكون التحتية ابن عبد شمس بن عبد ود، بفتح الواو وبالدال المهملة المشددة واسمه حذيفة وزهير بن نفير بن مالك بن حسل، بكسر الحاء وسكون السين المهملتين وباللام، ابن عامر بن لؤي بن غالب.
وأربع عربيات من غير قريش.
فمن خلف قريش: زينب بنت جحش بن رياب (بكسر الراء) وتخفيف المثناة التحتية) ومد همزة وبعد الالف.
موحدة ابن يعمر، بفتح التحتية وسكون العين المهملة وضم الميم، ابن صبرة، بفتح الضاد المهملة وكسر الموحدة، ابن مرة بن كبير ضد صغير، ابن غنم، بفتح الغين المعجمة، وسكون النون، ابن دودان، بضم الدال المهملة، وسكون الواو فدال أخرى فألف فنون، ابن أسد بن خزيمة.
وميمونة بنت الحارث بن حزن بفتح الحاء المهملة، والزاي وبالنون، ابن بجير بضم الموحدة، وسكون التحتية، وبالراء - ابن الهزم بضم الهاء، وفتح الزاي - ابن رويبة بضم الراء بعدها همزة مفتوحة، وتبدل واو - ابن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة (بفتح الخاء المعجمة، والصاد المهملة والفاء) ابن قيس عيلان (بفتح المهملة، وسكون التحتية) الهلالية.
وزينت بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمر بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بفتح الموحدة ابن هوازن بفتح الهاء وكسر الزاي ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان الهلالية.
__________
(1) سقط في ج.
(2) في ج: أبي أمية.
(*)(11/144)
وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ (بهمزة بعد الالف فذال معجمة) آبن مالك بن حذيمة بفتح الحاء وكسر الذال المعجمة وهو المصطلق بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وكسر اللام وبالقاف، ابن سعد بن كعب بن عمرو (وهو خزاعة - بضم الخاء المعجمة وبالزاي - ابن ربيعة بن حارثة بن عمرو مرتقيا بن عامر ماء.
الخزاعية ثم المصطلقية وواحدة غير عربية وهي من بني إسرائيل وهي صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير).
هؤلاء المشهورات من نسائه - صلى الله عليه وسلم - اللائي دخل بهن متفق عليهن لم يختلف فيهن اثنان وذكر غيرهن وباقيهن يأتي في باب مفرد.
مات عنده - صلى الله عليه وسلم - منهن اثنتان - خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة وفي ريحانة خلاف وسيأتي ذكرها في السراري وقال أبو عبيد معمر بن المثنى رحمه الله تعالى: أول نسائه - صلى الله عليه وسلم - لحاقا به زينب ثم سودة ثم حفصة ثم أم حبيبة ثم أم سلمة آخرهن موتا.
ومات - صلى الله عليه وسلم - عن تسع، خمس منهن من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة.
وثلاث من العرب غير قريش: ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، ومن غير العرب: صفية بنت حيي ولا خلاف أن أول امرأة تزوج بها منهن خديجة رضي الله تعالى عنها، وأنه لم يتزوج عليها رضي الله تعالى عنها حتى ماتت، واختلف في ترتيب البواقي مع الاتفاق على نكاح جملتهن.
فقال عبد الله بن محمد بن عقيل: خديجة، وعائشة، وسودة، وأم حبيبة، وبنت أبي
سفيان، وحفصة بنت عمر، وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث، ثم زينب بنت خزيمة الكندية التي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطلقها، وقال قتادة: خديجة ثم سودة ثم عائشة ثم أم حبيبة، ثم أم سلمة، ثم حفصة، ثم زينب بنت جحش، ثم جويرية ثم ميمونة بنت الحارث، ثم صفية، ثم زينب بنت خزيمة.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج خديجة، ثم سودة بمكة، ثم عائشة قبل الهجرة بسنتين، ثم أم سلمة بعد وقعة بدر سنة اثنتين بالمدينة، ثم حفصة سنة اثنتين، ثم زينب بنت جحش سنة ثلاث، ثم جويرية سنة خمس، ثم أم حبيبة سنة ست ثم صفية سنة سبع، ثم ميمونة بنت الحارث، ثم فاطمة بنت سريح، ثم زينب بنت خزيمة، ثم هند بنت يزيد، ثم أسماء بنت النعمان، ثم قتيلة بنت الاشعث، ثم شتا بنت أسماء قلت: وسيأتي الكلام على ذكر فاطمة، وهند، وأسماء وشنباء، واختلف عقيل - بضم العين المهملة، وبفتح القاف وسكون التحتية - والزهري في وصف عددهن.
فقال عقيل رضي الله عنه: خديجة، ثم سودة، ثم عائشة، ثم حبيبة، ثم حفصة، ثم أم سلمة ثم زينب بنت جحش، ثم جويرية، ثم ميمونة، ثم صفية ثم امرأة من بني الجوث من كندة، ثم العمرية ثم العالية، وقال يونس عنه: خديجة، ثم عائشة، ثم(11/145)
سودة، ثم حفصة، ثم أم حبيبة، ثم أم سلمة ثم زينب بنت جحش، ثم ميمونة، ثم جويرية، ثم صفية، وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، وابن إسحاق: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خديجة ثم عائشة وأصدقها أربعمائة درهم زوجها منه - صلى الله عليه وسلم - أبوها، ثم سودة زوجها منه أباها وفدان بن قيس ابن عمها.
ويقال سليط بن عمرو ويقال أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس.
وتعقبه ابن هشام بأن ابن إسحاق خالف ذلك، وذكر أنهما كانا في هذا الوقت بالحبشة وأصدقها أربعمائة درهم، ثم حفصة وزوجها إياه أبوها عمر بن الخطاب، ثم زينب بنت خزيمة زوجه إياها بعقبة بن عمرو الهلالي ثم أم سلمة زوجه إياها ابنها سلمة بن أبي سلمة وهو صغير كما سيأتي وأصدقها فراشا
حشوه ليف وقدحا، [ المجش وهي الرحي ] ثم زينب بنت جحش زوجه إياها أخوها أحمد بن جحش، وأصدقها أربعمائة درهم، ثم جويرية زوجه إياها خالد بن سعيد بن العاص ثم ريحانة، أم حبيبة زوجه إياه خالد بن سعيد العاص بالحبشة وأصدقها النبي شيئا ثم صفية، ثم ميمونة زوجه إياها العباس بن عبد المطلب وأصدقها العباس - رضي الله تعالى عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقال: إنها وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال: إنها زوجه إياها خالد بن سعيد بن العاص، وأصدقها النجاشي عنه أربعمائة دينار، وهو الذي خطبها على النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: ما ذكر ابن إسحاق من أن صداقه - صلى الله عليه وسلم - لاكثر أزواجه أربعمائة درهم.
ورد ما يخالفه، روى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لازواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت: أتدري ما النش ؟ قلت: لا، قالت: النش نصف أوقية، فذلك خمسمائة، درهم، فذلك صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لازواجه، وهذا أولي بالصحة، لانه متفق عليه، ولانه فيه زيادة على ما ذكره ابن إسحاق، ومن ذكر الزيادة معه زيادة علم.
الثاني: في ذكر الايات التي نزلت في شأن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: (وأزواجه أمهاتهم) [ الاحزاب / 6 ] يعني أمهات المؤمنين ثم في تعظيم الحرمة وتحريم نكاحهن على التأبيد، فهن كالامهات لا في النظر إليهن، والخلوة بهن فإن ذلك حرام في حقهن كما في الاجانب، ولايقال لبناتهن أخوات المؤمنين، ولا لاخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم، فقد تزوج الزبير من أسماء بنت أبي بكر وهي أخت عائشة - رضي الله تعالى عنها - وتزوج العباس أم الفضل أخت ميمونة، ولم يقل: هما خالتا المؤمنين، ويقال: لازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين الرجال دون النساء بدليل ما روي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة - رضي الله تعالى عنها -: يا أمة، فقالت: لست لك بأم إنما أم رجالكم، فبان بذلك أن معنى الاية أن الامومة في الامة المراد بها تحريم نكاحهن على التأبيد كالامهات: وقال تعالى في سورة الاحزاب: (يأيها النبي قل لازواجك) [ الاحزاب / 28 ].(11/146)
روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن [ عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخبر أزواجه، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك "، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه.
قالت ثم قال: إن الله قال: (يا أيها النبي قل لازواجك) إلى تمام الايتين فقلت له: ففي أي هذا أستأمري أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الاخرة ].
الثالث: في حسن خلقه معهن ومداراته - صلى الله عليه وسلم - لهن، وحثه على برهن والصبر عليهن رضي الله تعالى عنهن: روى الطيالسي والامام أحمد وابن عساكر عن عبد الجدلي، قال: قلت لعائشة - رضي الله تعالى عنها - كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم - في أهله ؟ قالت: كان أحسن الناس خلقا لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الاسواق ولا يجازي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويغفر.
وروى الحارث بن أسامة والخرائطي وابن عساكر عن عمرة قالت: سئلت عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خلا مع نسائه، قالت: كان كالرجل من رجالكم إلا أنه كان أكرم الناس، وأحسن الناس خلقا، وألين الناس في قومه وأكرمهم، ضحاكا بساما.
ورى ابن سعد عن ميمونة رضي الله تعالى عنها قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب فجاء يستفتح الباب، فأبيت أن أفتح له، فقال: " أقسمت عليك أن تفتحي " فقلت له: تذهب إلى بعض نسائك في ليلتي ؟ قال: " ما فعلت، ولكن وجدت حقنا من بولي ".
وروى الامام أحمد وأبو داود، والنسائي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية، صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما، فبعث به فأخذت في الاكل فكسرت الاناء، فقلت: يا رسول الله، ما كفارة ما صنعت ؟ قال: إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام.
وروى الامام أحمد، وأبو داود عن أم كلثوم - رضي الله تعالى عنها - قالت: كانت زينب تفلي
رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده امرأة عثمان بن مظعون، ونساء من المهاجرات يشكون منازلهن وأنهن يخرجن منه ويضيق عليهن فيه، فتكلمت زينب وتركت رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنك لست تكلمين بعينك، تكلمي واعملي عملك (1) " الحديث.
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 363.
(*)(11/147)
وروى النسائي وأبو بكر الشافعي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: زارتنا سودة يوما فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينها إحدى رجليه في حجري، والاخرى في حجرها، فعملت له حريرة أوقال: خزيرة، قلت: كلي فأبت، فقلت: لتأكلين أولا لطخن وجهك فأبت، فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجله من حجرها، لتستقيد مني، وقال لها: لطخي وجهها، فأخذت من الصحفة شيئا فلطخت به وجهي، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك (1).
الحديث تقدم بتمامه في باب مزاحه ومداعبته - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الطبراني وابن مردويه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -، قالت: نزل عندي، وكادت الامة تهلك في سبي، فلما سري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرج الملك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابي: " اذهب إلى ابنتك، فأخبرها أن الله عز وجل، قد أنزل عذرها من السماء "، قالت: فأتاني وهو يغدوا ويكاد أن يتعثر، فقال: أبشري يا بنية، إن الله عز وجل أنزل عذرك من السماء، فقلت: نحمد الله ولا نحمدك ولا نحمد صاحبك الذي أرسلك، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتناول ذراعي، فقلت: بيده هكذا فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها فمنعته أمي، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الامام أحمد والشيخان وأبو الشيخ عن الاسود بن يزيد قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع في أهله قالت: بشرا من البشر يفلي
رأسه، ويحلب شاته، ويخيط ثوبه ويخدم نفسه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم، ويكون في مهنة أهله يعني خدمة أهله، فإذا سمع المؤذن خرج للصلاة وفي لفظ: فإذا حضرته الصلاة قام إلى الصلاة.
وروى ابن سعد عنها أيضا قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل عمل أهل البيت وأكثر ما يعمل للخياطة.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بيت لا تمر فيه جياع أهله، وبيت لا خل فيه فقار أهله، وبيت لا صبيان فيه لا خير فيه وخيركم خيركم لاهله وأنا خيركم لاهلي ".
وروى أبو بكر الشافعي عن القاسم، قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل في بيته ؟ قالت: كان بشرا من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويحزم نفسه - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى 5 / 291 (*)(11/148)
وروى الطبراني عن حبة وسواء ابني خالد، قال: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعالج شيئا فأعناه عليه، فقال: لا تيأسا من الرزق، ما تهزهزت رؤوسكما، فإن الانسان تلده أمه ليس عليه قشر ثم يرزقه الله (1).
وروى أبو بشر الدولابي عن عروة، قال: قلت لعائشة - رضي الله تعالى عنها - ما كان عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته ؟ قالت: كان يخصف النعل، ويرقع الثوب.
وروى ابن أبي شيبة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها سئلت ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته ؟ قالت: كان يخصف النعل، ويرقع الثوب ونحو هذا.
وروى عبد الرزاق عن عروة قال: سأل رجل عائشة - رضي الله تعالى عنها - هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل في بيته ؟ قالت: نعم، كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في
بيته كما يعمل أحدكم في بيته.
وروى ابن عدي عن [ علي بن زيد بن جدعان عن أنس ] قال: كان رسوالله - صلى الله عليه وسلم - يسلم على نسائه إذا دخل عليهن (2).
وروى النسائي عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنه - استأذن أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمع صوت عائشة - رضي الله تعالى عنها عاليا فأهوى بيده إليها ليلطمها وقال: يا بنية فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج أبو بكر مغضبا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عائشة، كيف رأيت أنقذتك من الرجل ثم استأذن أبو بكر بعد أن اصطلح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائشة فقال: ادخلا في السلم كما دخلتما في الحرب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فعلنا.
وروى الامام أحمد، والبخاري، وأبو داود وابن ماجة، والدارقطني، والترمذي، والنسائي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند بعض نسائه أظنها عائشة، وفي رواية النسائي: فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة فأرسلت وفي رواية الترمذي عائشة - من غير شك - فأرسلت إليه بعض أمهات المؤمنين وفي رواية النسائي أم سلمة - بصحفة فيها طعام فضربت التي هو في بيتها وفي رواية النسائي: فجاءت عائشة مؤتزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة فسقطت الصحفة فانفلقت نصفين فجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلق الصحفة وفي رواية فأخذ الكسرين فضم إحداهما إلى الاخرى ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: غارت أمكم، ثم حبس، وفي لفظ:
__________
(1) انظر كشف الخفاء 1 / 267 (2) أخرجه ابن عدي في الكامل 3 / 445.
(*)(11/149)
أمسك الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفعها إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها، وقال: طعام بطعام، وإناء بإناء.
وروى ابن أبي شيبة عن قيس بن وهب عن رجل من بني سراة، قال: قلت لعائشة - رضي الله تعالى عنها - أخبريني عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: أما تقرأ القرآن (وإنك لعلى خلق عظيم) (1).
قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه فصنعت له طعاما، وصنعت له حفصة طعاما، فسبقتني حفصة، فقلت للجارية: انطلقي، فأكفئي قصعتها، فلحقتها، وقد هوت أن تضعها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكفأتها فانكسرت القصعة فانتشر الطعام، فجمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فيها من الطعام على الارض فأكلها، ثم بعثت بقصعتي فرفعها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حفصة، فقال: خذوا ظرفا مكان ظرف، وكلوا ما فيها، فقالت: فما رأيته في وجه رسول الله.
وروى النسائي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها - أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فجاءت عائشة - رضي الله تعالى عنها - ومعها فهر ففلقت به الصحفة.
فجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين فلقتي الصحفة، ويقول: كلوا غارات أمكم، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحفة عائشة، فبعث بها إلى أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة رضي الله تعالى عنها -.
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع نساءه في مرضه فقال: " إن أمر كن مما يهمني من بعدي ولن يصبر عليكن إلا الصابرون ".
رواه أبو نعيم بلفظ: سيحفظني منكن الصابرون والصادقون.
الرابع: في محادثته - صلى الله عليه وسلم - لهن، وسمره معهن: روي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث نساءه حديث الذين خطبوا المرأة، وجعلوا ذكر صفاتهم إلى أحدهم ليصف لها كل واحد منهم من أحبت فتتزوجه، بعد أن سمعت صفته فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حديثه:.
خذي من أخي ذا البجل * إذا رعى القوم عقل وإذا سعى القوم يسل * وإذا عمل القوم اتكل
وإذا ترب الزاد أكل *...(2)
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (2333).
(2) في المخطوط كلام غير واضح.
(*)(11/150)
قالت المرأة: لا حاجة لي بهذا، هذا رغيب، قال: خذي من أخي ذا البجله * حانوته يخصف نعلي ونعله ويحمل ثقلي وثقله * ويرحل رحلي ورحله ويدرك نبلي ونبله * وإذا حل برمة تقدمت قبله قالت المرأة: هذا حمارك، لا حاجة لي به، قال: خذي من أخي هذا الاسد * أفتك منزل به اللص ملحد وركابه بحر مزبد * أقبل من رآنا به اللص ملحد وإذ رئي من رأينا لزند يزبد قالت: هذا لص، لا حاجة لي به، قال: خذي من أخي ذا الثمر * صبي خفر شجاع ظفر وهو خير من ذلك إذا سكر *...قالت: هذا سكير، لا حاجة لي به، قال: خذي من أخي الحممه * يهب المائة البكر السمنه والمائة البقرة الصرمه * والمائة الشاة الزغه أو قال: الذممة.
وإذا أتت على عاد ليلة مظلمة * وثبت وثوب الكعب ولا هم شرته وقال: اكفوني الميمنه * أكفيكم المشأمه
لست فيه لعتمه * ألا إنه ابن أمه قالت المرأة: هذا رغيب يسير قد اخترته، قال لها: كما أنت قد بقي.
خذي من أخي ذا الحقاق * صفاق أفاق يعمل الناقة والساق * عليه من الله إثم لا يطاق قالت: قد اخترته، قال: كما أنت فقد بقي خذي من أخي حرينا * أو لنا إذا غزونا وآخرنا إذا حمينا * وعصمة آبائنا إذا شتونا وصاحب خطبنا إذا التجينا * ولا يدع فضله علينا(11/151)
وفاصل خطبة أعتت علينا.
قالت: قد اخترته، قال: كما أنت فقد بقيت أنا، قالت: فحدثني عن نفسك، قال أنا لقمان بن عاد: لعاديه لا يعاد إذا اضطجعت أسبع لا أخاط ولا يملي ريقي جنبي ولا يماريني إزار مطمعا فحل مطمع وإن لا مطمعا فرقاع بصلع.
قالت: لا حاجة لي لك، أنت سارق وقد أحزنت حزينا.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما قال: خذي من أخي كذا، وكذا: يقول بعض نسائه وفي بعض الطرق أم حبيبة أخذت هذا يا رسول الله، فيقول: رويدك فإني لم أفرغ من حديثهم، وفي رواية: لا تعجلي، قد بقي، رواه الحافظ حميد زنجويه في كتابه " آداب النبي - صلى الله عليه وسلم - " قال: حدثني أنس حدثني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها وقال أبو محمد بن قتيبة في حديث الحرف: حدثنا يزيد بن عمرو بن البراء الغنوي، قال: حدثنا يونس بن إسماعيل، قال: حدثنا سعيد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لقمان بن عاد خطب امرأة قد خطبها إخوته قبله "، فقالوا: بئس ما صنعت، خطبت امرأة قد خطبناها قبلك، وكانوا سبعة، وهو ثامنهم، فصالحهم على أن ينعت
لهم نفسه، وإخوته بصدق، وتختار هي أيهم تشاء.
وذكر الحديث بنحوه، وقال في آخره.
قال عروة: بلغنا أنها قد تزوجت حزينا، وقال حميد بن زنجويه: حدثني ابن أبي أويس حدثني أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة وعن يزيد بن بكر الليثي عن داود بن حصين (1)، عن عبيد الله بن عتبة، وعن عيسى بن عيسى الخياط، عن عمرو بن شعيب، قالوا: كان من حديث بني عاد أنهم اجتمعوا جميعا لخطبة امرأة فقال أكبرهم: دعيني أصفهم لك، إخوتي ونفسي، فوالله لاخبرنك بعلمي فيهم وفي نفسي.
قالت المرأة: فخبرني فذكره.
حديث خرافة: روى ابن أبي شيبة والترمذي وأبو يعلى والبزار والطبراني، والامام أحمد - ورجال أحمد ثقات - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه بحديث، فقالت امرأة منهن: كان يحدث حديث خرافة، فقال: أتدرين ؟ ولفظ أحمد عن عائشة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أتدرون ما خرافة ؟ " كان رجلا من عذرة، أسرته الجن، فمكث دهرا، ثم رجع، فكان يحدث بما رأى منهم من الاعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة (2) وفي
__________
(1) في ج.
حصن.
(2) أخرجه أحمد 6 / 157 وذكره الهيثمي في المجمع 4 / 315 وقال: رواه أحمد وأبو يعلي والبزار والطبراني في الاوسط، ورجال أحمد ثقات، وفي بعضهم كلام لا يقدح، وفي إسناد الطبراني على بن أبي سارة وهو ضعيف.
(*)(11/152)
رواية: فإذا استرقوا السمع أخبروه، فيخبر به الناس، فيجدونه (1) كما قال.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب ذم البغي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله، فقالت إحداهن: كان هذا حديث خرافة.
فقال: أتدرين ما خرافة ؟ إن رجلا من بني عذرة أصابته الجن فكان فيهم حينا، فرجع إلى الانس، فجعل يحدث بأحاديث تكون في الجن، لا تكون في الانس.
فحدث أن رجلا من الجن كانت له أم، فأمرته أن يتزوج، فقال: إني أخشى، أن أدخل عليك من ذلك مشقة، أو بعض ما تكرهين، فلم تدعه
حتى زوجته فتزوج امرأة لها أم، فكان يقسم لامرأته ليلة، ولامه ليلة، ليلة عند هذه، وليلة عند هذه، وكانت ليلة امرأته وأمه وحدها فسلم عليها مسلم، فردت السلام، فقال: هل من مبيت ؟ قالت: نعم، قال: هل من عشاء ؟ قالت: نعم، قال: هل من يحدث بحديث الليلة، قالت: نعم، أرسل إلى ابني يأتيكم فيحدثكم، قالوا: فما هذه الخشفة التي نسمعها في دارك ؟ قالت: إبل وغنم، قال أحدهما لصاحبه: أعط مثمن ما تمني، وإن كان خيرا فأصبحت وقد ملئت دارها إبلا وغنما.
فرأت ابنها خبيث النفس.
قالت: ما شأنك ؟ لعل امرأتك أرادت أن تحولها إلى منزلي وتحولني إلى منزلها ؟ قال: نعم، قالت: فحولها إلى منزلي، وحولني إلى منزلها، فتحولت إلى منزل امرأته، وتحولت امرأته إلى منزل أمه.
فلبثا ثم إنهما عادا والفتى عند أمه، فسلما فلم ترد السلام، فقالا: هل من مبيت ؟ قالت: لا، قالا: فعشاء ؟ قالت: لا، قالا: فإنسان يحدثنا الليلة ؟ قالت: لا.
قالا: فما هذه الخشفة التي نسمعها في دارك، قالت: هذه السباع، فقال أحدهما لصاحبه: أعط مثمن ما تمنى، إن كان شرا، فامتلات عليها دارها سباعا، فأصبحت وقد أكلت.
وقال الحافظ: - رجاله ثقات - إلا الراوي له عن ثابت البناني، وهو سحيم بن مرسويه، يروي عن عاصم بن علي، فيحرر حاله.
وقال (المفضل) الضبي في كتاب الامثال، قال: ذكر إسماعيل الوراق، عن زياد البكائي، عن عبد الرحمن بن القاسم (ابن عبد الرحمن بن القاسم) عن أبيه القاسم بن عبد الرحمن قال: سألت أبي يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن حديث خرافة، قال: بلغني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حدثني بحديث خرافة، فقال: رحم الله خرافة إنه كان رجلا صالحا، وإنه أخبرني أنه خرج ليلة لبعض حاجته، فلقيه ثلاث من الجن فأسروه، فقال واحد: نستعبده، وقال آخر: نقتله، وقال آخر: نعتقه، فمر به رجل منهم.
الخامس: في اعتزاله - صلى الله عليه وسلم - نساءه - رضي الله تعالى عنهن -.
لما سألنه النفقة مما
__________
(1) في ب: فيحدثوا به.
(*)(11/153)
ليس عنده.
روى مسلم عن جابر بن عبد الله.
قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فوجد الناس جلوسا ببابه.
لم يؤذن لاحد منهم.
قال: فأذن لابي بكر فدخل.
ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا، حوله نساؤه.
واجما ساكتا.
قال فقال: لاقولن شيئا أضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ! لو رأيت بنت خارجة ! سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها.
فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: " هن حولي كما ترى.
يسألنني النفقة ".
فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها.
فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها.
كلاهما يقول: تسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده.
فقلن: والله ! لا نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا أبدا ليس عنده.
ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين.
ثم نزلت عليه هذه الاية: " يا أيها النبي قل لازواجك، حتى بلغ، للمحسنات منكن أجرا عظيما ".
قال: فبدأ بعائشة.
فقال: " يا عائشة ! إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك " قالت: وما هو ؟ يا رسول الله ! فتلا عليها الاية.
قالت: أفيك، يا رسول الله ! أستشير أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله والدار الاخرة.
وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت.
قال " لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها.
إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا.
ولكن بعثني معلما ميسرا " (1).
تنبيه في بيان غريب ما سبق: يفلي [ يبحث عن القمل ].
يخصف: يخرزها مهنة [...].
غفار: قبيلة.
البجل: [ عظم القدر والسن ].
الفهر: الحجر مل ء الكف كحيا [ تقبيحا ولعنا ].
المزبد: يدفع زبده حممه [ سواد اللون ] السمنة [...].
الصفاق: [ كثير الاسفار والتعرف ] الافاق [...] الناقة [...] العتاق [...] الاضطجاع
[...] الوقاع [...].
__________
(1) أخرجه مسلم 2 / 1104، 1105 (29 - 1478).
(*)(11/154)
الباب الثاني - في بعض فضائل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله تعالى عنها -
وفيه أنواع:
الأول: في نسبها: تقدم نسب أبيها في الباب الاول، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الاصم بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها العوقة، واسمها قلابة بنت سعيد بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي.
الثاني: فيمن تزوجها قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال الزبير بن بكار - رحمه الله تعالى -: كانت خديجة - رضي الله تعالى عنها - قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، فولدت له جارية اسمها هند، ثم خلف عليها أبو هالة مالك بن نباش بن زرارة بن واقد بن حبيب بن سلامة بن عدي بن أسد بن عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار بن قصي، فولدت له هند وهالة فهما أخوا ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه الطبراني والاكثر تقدم أبي هالة على عتيق.
الثالث: في كيفية زواجه - صلى الله عليه وسلم - إياها: روى الامام أحمد (1) برجال الصحيح عن ابن عباس، والبزار والطبراني برجال ثقات أكثرهم رجال الصحيح عن جابر بن سمرة أو رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والبزار والطبراني بسند ضعيف (عن عمار بن ياسر، والبزار والطبراني بسند ضعيف) (2)، عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنهم - قال جابر أو الرجل المبهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرعي
غنما فاستعلى الغنم فكان يرعى الابل هو وشريك له فأكريا أخت خديجة، فلما قضوا السفر بقي لهما عليها شئ، فجعل شريكه يأتيها، فيتقاضيا، ويقول لمحمد: انطلق، فيقول: اذهب أنت، فإني أستحي.
فقالت مرة وأتاهم شريكه، فقالت: أين محمد ؟ قال: قد قلت فزعم أنه يستحي، فقالت: ما رأيت رجلا أشد حياء، ولا أعف ولا ولا، فوقع في نفس أختها خديجة، فبعثت إليه، فقالت: ائت أبي فاخطبني، قال إن أباك رجل كثير المال، وهو لا يفعل.
وفي حديث عمار قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم حتى مررنا على أخت خديجة
__________
(1) في ج أحمد والطبراني.
(2) سقط في ب.
(*)(11/155)
وهي جالسة على أدم لها فنادتني، فانصرفت إليها، ووقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: أما لصاحبك في تزوج خديجة حاجة ؟ فأخبرته، فقال: بلى، لعمري، فرجعت إليها فأخبرتها، وفي حديث جابر والرجل المبهم، فقالت: انطلق إلى أبي فكلمه وأنا أكفيك وائت عندنا بكرة، ففعل، وفي حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر خديجة، وكان أبوها يرغب أن يزوجه إياها فصنعت طعاما وشرابا، وفي حديث عمار، فذبحت بقرة، قال ابن عباس: فدعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا حتى علو، فقالت خديجة: إن محمد بن عبد الله يخطبني، فزوجني إياه، وفي حديث جابر والرجل المبهم: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه.
قال ابن عباس: فخلفته وألبسته حلة، زاد عمار: وضربت عليه قبة، وقال ابن عباس: وكذلك كانوا يفعلون بالاباء، فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه قبة، فقال: ما شأني، ما هذا ؟ قالت: زوجني محمد بن عبد الله، وقال: جابر أو الرجل المبهم: فلما أصبح جلس في المجلس، فقيل له: أحسنت، زوجت محمدا، فقال: أو قد فعلت، قالوا: نعم، فقام، فدخل عليها، فقال: إن الناس يقولون إني قد زوجت محمدا ! وما فعلت، قالت: بلى، وروى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقال: أنا أزوج يتيم أبي طالب ؟ لا، لعمري، فقالت: خديجة:
ألا تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش، وتخبر الناس أنك كنت سكران، فإن محمدا كذا، فلم تزل به حتى رضي، وقال جابر أو الرجل المبهم: ثم بعثت إلى محمد، - صلى الله عليه وسلم - بوقيتين من فضة أو ذهب، وقالت: اشتر حلة وأهدها لي وكيسا وكذا وكذا ففعل.
وكانت رضي الله تعالى عنها تدعى في الجاهلية الطاهرة، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل المبعث بخمس عشرة سنة، وقيل: أكثر من ذلك، وهي بنت الاربعين سنة، وقيل: أكثر من ذلك.
الرابع: في أنها أول من أسلم: روى الطبراني برجال ثقات عن بريك - رضي الله تعالى عنه - قال: خديجة أول من أسلم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي بن أبي طالب.
وروى الطبراني بإسناد لا بأس به عن قتادة بن زعامة - رحمه الله تعالى - قال: توفيت خديجة - رضي الله تعالى عنها - قبل الهجرة بثلاث سنين، وهي أول من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من النساء والرجال،.
وقال عبد الله بن محمد بن عقيل - رحمه الله تعالى، قال: كانت خديجة أول الناس إيمانا بما أنزل الله.
وقال ابن شهاب - رحمه الله تعالى -: كانت خديجة أول من آمن بالله، وصدق رسول الله قبل أن تفرض الصلاة.(11/156)
رواهما أبو بكر بن أبي خيثمة.
وقال أبو عمر بن عبد البر: اتفقوا على أن خديجة - رضي الله تعالى عنها - أول من آمن.
وقال أبو الحسن بن الاثير: خديجة أول خلق الله إسلاما بإجماع المسلمين، لم يتقدمها رجل ولا امرأة، وأقره الحافظ الناقد أبو عبد الله الذهبي وحكى الامام الثعلبي اتفاق
العلماء على ذلك، وإنما اختلافهم في أول من أسلم بعدها بعد وقال الامام النووي - رحمه الله تعالى -: إنه الصواب عند جماعة من المحققين، قال: فخفف الله بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يسمع بشئ، يكرهه من الرد عليه، فيرجع إليها، فتثبته وتهون عليه.
الخامس: في سلام الله تعالى عليها - رضي الله تعالى عنها - على لسان جبريل - صلى الله عليه وسلم -: روى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتاني جبريل - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، هذه خديجة ومعها إناء فيه طعام أو إدام وشراب وإذا هي أتتك، فاقرأ عليها من ربها السلام ومني.
وروى النسائي والحاكم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله - عز وجل - يقرأ على خديجة السلام، فقالت: إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك السلام ورحمة الله.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا أن جبريل كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت خديجة - رضي الله تعالى عنها - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه خديجة، فقال جبريل: أقرئها السلام من ربها ومني.
قال في زاد المعاد: وهذه فضيلة لا تعرف لامرأة سواها.
السادس: في أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج عليها حتى ماتت وإطعامه إياها من عنب الجنة: روى الطبراني برجال الصحيح عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال: لم يتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خديجة - رضي الله تعالى عنها - حتى ماتت بعد أن مكثت عنده - صلى الله عليه وسلم - أربعا وعشرين سنة وأشهرا.
وروى الطبراني بسند فيه من لا يعرف عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعم خديجة - رضي الله تعالى عنها - من عنب الجنة.(11/157)
السابع: تبشير النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها ببيت في الجنة: روى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر خديجة - رضي الله تعالى عنها - ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وروى الامام أحمد وأبو يعلى والطبراني برجال ثقات وابن حبان والدولابي عن عبد الرحمن بن جعفر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن خديجة أنها ماتت قبل أن تنزل الفرائض والاحكام، قال: أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب، لا لغو فيه ولا نصب، وعند الطبراني في الاوسط من حديث عبد الله بن أبي أوفى - يعني قصب اللؤلؤ - وعنده في الكبير، من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بيت من لؤلؤة مجوفة.
الثامن: في كثرة ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها - رضي الله تعالى عنها -: روى الامام أحمد بسند جيد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر خديجة - رضي الله تعالى عنها - أثنى فأحسن الثناء عليها، قالت: فغرت يوما، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين، قد أبدلك الله خيرا منها، فقال: ما أبدلني الله - عز وجل - خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد النساء (1)، وفي رواية الشيخين: قد أبدلك الله خيرا منها.
وروى الطبراني بإسناد جيد والدولابي عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر خديجة - رضي الله تعالى عنها - لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها فذكرها ذات يوم فاحتملتني الغيرة، فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة، قالت: فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضب غضبا شديدا، وسقطت في جلدي، فقلت: اللهم إن ذهب غيظ رسولك، لم أعد أذكرها بسوء ما بقيت، قالت: فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لقيت، قال: كيف قلت والله، لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وواستني، إذ رفضني الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقت من الولد إذ حرمتموه، فغدا وراح علي شهرا.
التاسع: في بره - صلى الله عليه وسلم - أصدقاء خديجة - رضي الله تعالى عنها - بعد موتها: روي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بالشئ يقول: اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة لخديجة، رواه ابن حبان والدولابي وفيه: يأتيه اذهبوا به إلي بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة.
__________
(1) أخرجه الامام أحمد 6 / 117.
(2) أخرجه البخاري (3821).
(*)(11/158)
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كانت عجوز تأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهش لها ويكرمها، وفي لفظ " كانت عجوز تأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: " من أنت " ؟ فقالت: جثمامة المدينة قال: " بل أنت حسانة المدينة، كيف أنتم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتم بعدنا ؟ قالت: بخير، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وفي لفظ: كانت تأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة فقلت: يا رسول الله، من هذه ؟ وفي لفظ: بأبي أنت وأمي إنك لتصنع بهذه العجوز شيئا لم تصنعه بأحد، وفي لفظ: فلما خرجت، قلت: يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الاقبال: فقال: " يا عائشة، إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الايمان ".
وفي لفظ: " وإن كرم الود من الايمان ".
العاشر: في أنها - رضي الله تعالى عنها - من أفضل نساء أهل الجنة: روى الامام أحمد، وأبو يعلي، والطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الارض أربعة خطوط فقال: " تدرون ما هذا " ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ".
الحادي عشر: في أنها من خير نساء العالمين ومن سيداتهن.
روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
" خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد ".
الثاني عشر: في ذكر ولدها - رضي الله تعالى عنها - من غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
كان لها - رضي الله تعالى عنها - جارية اسمها هند من عتيق بن عائذ بن عبد الله أسلمت وتزوجت، وجارية أخرى يقال لها هالة من النباش، بن زرارة ورجل يقال له هند بن أبي هالة، قال ابن قتيبة وابن سعد وأبو عمر: عاش هند بن هند في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسلم مع أمه، وقتل مع علي - رضي الله تعالى عنهما - يوم الجمل ذكره الزبير، وقيل: مات بالبصرة في الطاعون، فإذدحم الناس على جنازته، وتركوا جنائزهم وقالوا: ربيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان رضي الله تعالى عنه - فصيحا بليغا وصافا فوصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسن وأتقن.
وكان رضي الله تعالى عنه - يقول أن أكرم الناس أبا وأما وأخا وأختا، أبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمي خديجة، وأخي القاسم، وأختي فاطمة.
الثالث عشر: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - توفيت قبل الهجرة قيل: بأربع، وقيل: بخمس، في رمضان لسبع عشرة ليلة خلت منه من قبل الاسراء بثلاث سنين على الصحيح.
ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حفرتها وكان لها حين توفيت خمس وستون(11/159)
سنة - رضي الله تعالى عنها - ولم يكن يومئذ شرعت الصلاة على الجنائز.
تنبيهات الأول: الحكمة في كون البيت من قصب وهو أنابيب الجوهر أنها حازت قصب السبق إلى الاسلام وهو شدة المسارعة إليه دون غيرها - رضي الله تعالى عنها - قال السهيلي: النكتة في قوله: " من قصب " ولم يقل: من لؤلؤ، أن في لفظ (القصب) مناسبة، لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الايمان دون غيرها، زاد غيره مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه، وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها، إذ كانت حريصة على رضاه بكل ما أمكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها، وقوله: (ببيت)، قال أبو بكر الاسكاف
" في فوائد الاخبار ": المراد بيت زائد على ما أعد الله - عز وجل - لها من ثواب عملها، ولهذا قال: (لا نصب) أي لم تتعب بسببه.
وقال السهيلي - رحمه الله تعالى -: لذكر البيت معنى لطيف، لانها كانت ربة بيت قبل المبعث فصارت ربة بيت في الاسلام منفردة به، لم يكن على وجه الارض في أول يوم بعث فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم بيت في الاسلام إلا بيتها، وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضا غيرها.
قال: وجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه، وإن كان أشرف منه، فلهذا جاء في الحديث بلفظ " البيت " دون لفظ القصر، زاد غيره معنى آخر، وهو أن مرجع أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها لما نبئت في تفسير قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) [ الاحزاب / 33 ]، قالت أم سلمة: " لما نزلت دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة، وعليا، والحسن، والحسين، فجللهم بكساء، فقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي " رواه الترمذي.
ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة - رضي الله تعالى عنها - لان الحسن، والحسين من فاطمة، وفاطمة ابنتها، وعلي نشأ في بيتها وهو صغير، ثم تزوج ابنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها - رضي الله تعالى عنها - وأصل (قصب السبق) أنهم كانوا ينصبون في حلبة السباق قصبة، لمن سبق اقتلعها وأخذها ليعلم أنه السابق من غير نزاع، ثم كثر حتى أطلق على المبرز والمشمر.
الثاني: اختلف هل الافضل خديجة أو عائشة ؟ وهل الافضل مريم بنت عمران أو فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ وهل الافضل فاطمة أو خديجة أو عائشة ؟.
اعلم - أعزك الله تعالى - أن النقل في ذلك عزيز جدا وقد تعرض لذلك شيخ الاسلام وقدوة العلماء الاعلام الشيخ أبو الحسن تقي الدين السبكي - رحمه الله تعالى - وشفى الغليل في فتاويه الحلبيات وهي المسائل التي سأله عنها علامة حلب وترسلها الشيخ والامام شهاب الدين الاذرعي، وهو في مجلد لطيف فيه نفائس لا تكاد توجد في غيره، وشيخنا الامام(11/160)
الحافظ شيخ الاسلام جلا الدين السيوطي - رحمهما الله تعالى - وقد اقتضب شيخنا من كلام السبكي ما هو المقصود هنا، فقال: قال النووي في روضته: من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - تفضيل زوجاته على سائر النساء، قال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن) [ الاحزاب 32 ].
قال السبكي: وعبارة القاضي الحسين: نساؤه أفضل نساء العالمين، وعبارة المقولي خير نساء هذه الامة، قال: وعبارة الروضة تحتملهما، ويلزم من كونهن خير نساء هذه الامة أن يكن خير نساء الامم، لان هذه الامة خير الامم، والتفضيل على الافضل تفضيل كل فرد على من هو دونه، قال: إلا أنه يلزم من تفضيل الجملة على الجملة تفضيل كل فرد على كل فرد، وقد قيل بنبوة مريم وآسية، وأم موسى فإن ثبت خصت من العموم.
قال في الروضة: أفضل الازواج خديجة وعائشة وفي التفضيل بينهما أوجه ثالثها: الوقف، كذا حكى الخلاف بلا ترجيح وقد رجح السبكي تفضيل خديجة كما سأذكره قال القمولي: وقد تكلم الناس في عائشة، وفاطمة أيها أفضل، على أقوال ثالثها - الوقف قال الصعلوكي: من أراد أن يعرف التفاوت بينهما فليتأمل في زوجته وابنته، قال شيخنا: الصواب القطع بتفضيل فاطمة، وصححه السبكي، قال في الحلبيات: قال بعض من يعتد به، بأن عشائة أفضل من فاطمة وهذا قول من يرى أن أفضل الصحابة زوجاته، لانهن معه في درجته في الجنة التي هي أعلى الدرجات وهو قول ساقط مردود وضعيف، لا سند له من نظر ولا نقل، والذي نختاره وندين الله تعالى به أن فاطمة أفضل، ثم خديجة، ثم عائشة، وبه جزم ابن المغربي في روضته، ثم قال السبكي: والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الامة "، وما رواه النسائي بسند صحيح من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد "، واستدل شيخنا في شرحه بما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة حين قالت له: قد رزقك الله خيرا منها، قال: " لا، والله ! ما رزقني الله خيرا منها ".
الحديث.
وسئل أبو داود، أيهما أفضل خديجة أم فاطمة ؟ فقال: خديجة أقرأها النبي - صلى الله عليه وسلم -
السلام من ربها، وعائشة أقرأها السلام من جبريل، فالاولى أفضل، فقيل له: من الافضل خديجة أم فاطمة ؟ فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فاطمة بضعة مني " ولا أعدل ببضعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا.
وأما خبر خير نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، ثم فاطمة ابنة محمد، ثم آسية امرأة فرعون فأجيب عنه بأن خديجة - رضي الله تعالى عنها - إنما فضلت على فاطمة باعتبار الامومة لا باعتبار السيادة، ثم قال السبكي: وهذا صريح في أنها وأمها أفضل(11/161)
نساء أهل الجنة.
والحديث الأول - يدل على تفضيلها على أمها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها "، وفي الصحيح من حديث علي - رضي الله تعالى عنه - مرفوعا خير نساء أهل زمانها مريم بنت عمران، خير نساء زمانها خديجة بنت خويلد، أي خير نساء الدنيا، فهذا يقتضي أن مريم وخديجة أفضل النساء مطلقا، فمريم أفضل نساء أهل زمانها وخديجة أفضل نساء زمانها، وليس فيه تعرض لفضل إحديهما على الاخرى.
وقد علمت أن مريم اختلف في نبوتها، فإن كانت نبية فهي أفضل، وإن لم تكن نبية فالاقرب أنها أفضل لذكرها في القرآن، وشهادته بصديقيتها.
وأما بقية الازواج فلا يبلغن هذه الرتبة وإن كن خير نساء الامة بعد هؤلاء الثلاث، وهن متقاربات في الفضل، لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله تعالى، لكنا نعلم لحفصة بنت عمر - رضي الله تعالى عنها - من الفضائل كثيرا، فما أشبه أن تكون هي بعد عائشة.
انتهى كلام السبكي والكلام في التفضيل صعب، فلا ينبغي التكلم إلا بما ورد، والسكوت عما سواه وحفظ الادب.
قال شيخنا: ولم يتعرض للتفضيل بين مريم، وفاطمة، والذي اختاره تفضيل فاطمة، ففي مسند الحارث بن أسامة بسند صحيح لكنه مرسل مريم خير نساء عالمها، وفاطمة خير نساء عالمها.
أخرجه الترمذي موصولا من حديث علي - رضي الله تعالى عنه - خير نسائها مريم، وخير نسائها فاطمة، قال الحافظ ابن حجر: والمرسل يعضد المتصل.
وروى النسائي عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " هذا ملك من الملائكة استأذن ربه ليسلم علي ويبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة، وأمهما سيدة نساء أهل الجنة.
انتهى كلام الشيخ - رحمه الله تعالى - في شرحه لنظم جمع الجوامع، وقال في كتابه: (إتمام الدراية): ونعتقد أن أفضل النساء مريم بنت عمران، وفاطمة بنت محمد، ثم أورد حديث علي، وحديث حذيفة السابقين، ثم قال: في ذلك دلالة على تفضيلها على مريم بنت عمران، خصوصا إذا قلنا بالاصح: إنها ليست نبية، وقد تقدر أن هذه الامة أفضل من غيرها.
قلت: وحاصل الكلام السابق أن السبكي اختار أن السيدة فاطمة أفضل من أمها، وأن أمها أفضل من عائشة، وأن مريم أفضل من خديجة، واختار شيخنا أن فاطمة أفضل من مريم، وقال القاضي قطب الدين الخضري - رحمه الله تعالى - في الخصائص - بعد أن ذكر في التفضيل بين خديجة ومريم، إذا علمت ذلك فينبغي أن يستثنى من إطلاق التفضيل سيدتنا فاطمة ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي أفضل نساء العالم، لقوله: - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بضعة مني ولا يعدل ببضعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد، وسئل الامام أبو بكر عمر ابن إمام أهل الظاهر داود: هل(11/162)
خديجة أفضل أم فاطمة ؟ فقال: الشارع قال [ فاطمة بضعة مني ] قال الشيخ تفي الدين المقريزي في الخصائص النبوية في كتابه (إمتاع الاسماع): إن قلنا بنبوة مريم كانت أفضل من فاطمة، وإن قلنا إنها ليست بنبية احتمل أنها أفضل للخلاف في نبوتها، واحتمل التسوية بينهما تخصيصا لهما بأدلتهما الخاصة من بين النساء، واحتمل تفضيل فاطمة عليها، وعلى غيرها من النساء، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " فاطمة بضعة مني "، وبضعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعدل بها شي وهو أظهر الاحتمالات لمن أنصف.
وقال الزركشي في الخادم عند قول الرافعي والنووي: " وتفضيل زوجاته - صلى الله عليه وسلم - على سائر النساء " ما نصه: هل المراد نساء هذه الامة أو النساء كلهن ؟ فيه خلاف، حكاه الروياني
ويستثنى من الخلاف سيدتنا فاطمة، فهي أفضل نساء العالم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " فاطمة ولا يعدل ببضعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد، وفي الصحيح: بضعة مني " أما ترضين أن تكوني خير نساء هذه الامة " انتهى.
الثالث: في بيان غريب ما سبق: الادام: [ ما يؤكل من الخبز وغيره ].
القصب: بفتح القاف والصاد [ لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف ].
الصخب: بفتح الصاد المهملة والخاء المعجمة، فموحدة: الصياح والمنازعة برفع الصوت.
النصب: بفتح النون والصاد المهملة فالموحدة: التعب.
قال السهيلي: مناسبة نفي هاتين الصفتين، أعني المنازعة والتعب أنه - صلى الله عليه وسلم - لما دعاها إلى الايمان أجابت طوعا ولم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة، ولا تعب في ذلك، بل أزالت عنه كل تعب، وأنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عسير فناسب أن تكون منزلتها التي بشرها بها ربها بالصفة المقابلة لفعلها.
اللغو [...].
الثناء [ الحمد ].
حمراء الشدقين: سقوط الاسنان من الكبر فلم يبق إلا حمرة اللسان.
المواساة [...].
الرفض [...].(11/163)
الباب الثالث في بعض مناقب أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنهما -
وفيه أنواع: الأول: في نسبها ومولدها.
تقدم نسب أبيها، وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر، روى أبو بكر بن أبي خيثمة عن علي بن (زيد) (1) عن القاسم بن محمد أن أم رومان زوج أبي بكر الصديق أم عائشة - رضي الله تعالى عنهم - لما أدليت في قبرها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظره إلى أم رومان " هذا الحديث بسطت الكلام عليه في شرح حديث الافك، وولدت بعد البعثة بأربع سنين أو خمس.
الثاني: في كنيتها: روى ابن الجوزي - في الصفوة - عنها - رضي الله تعالى عنها - قال: قلت: يا رسول الله، ألا تكنيني ؟ قال: تكنى بابنك، يعني عبد الله بن الزبير.
وروى ابن حبان عنها قالت: لما ولد عبد الله بن الزبير أتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتفل في فيه، فكان أول شئ دخل في جوفه، وقال: هو عبد الله، وأنت أم عبد الله.
وروي أبو بكر بن أبي خيثمة عنها قالت: قلت: يا رسول الله إن لكل صواحبي كنى، فلو كنيتني ! قال: اكتني بابنك عبد الله بن الزبير، فكانت تكنى بأم عبد الله حتى ماتت.
وقيل: إنها ولدت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدا مات طفلا، وهذا غير ثابت، والصحيح الاول، لانه ورد عنها من طرق كثيرة.
الثالث: في تسميتها - رضي الله تعالى عنها -.
روى الترمذي - في الشمائل - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (2) قال: قال رسوالله - صلى الله عليه وسلم -: " من كان له فرطان من أمتي أدخله الله الجنة ".
قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - فمن يكن له فرط من أمتك.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من كان له فرط يا موفقة " قالت: فمن لم يكن له قرط من أمتك ؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: " فأنا فرط أمتي لم يصابوا بمثلي لن يصابوا بمثلي ".
__________
(1) في ج: يزيد.
(2) سقط في أ، ج.
(*)(11/164)
الرابع: في هجرتها - رضي الله تعالى عنها - روى الطبراني بإسناد حسن عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قدمنا مهاجرين فسلكنا في مسالك صعبة، فنفر بي جمل كنت عليه نفورا منكرا، فوالله، ما أنسى قول أمي يا عربسة، فركب بي رأسه، فسمعت قائلا يقول: ألقي خطامه فألقيته، فقام يستدير كأنما إنسان يديره، كأنما إنسان قام تحته (1).
الخامس: في بيان إتيان جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - بصورتها وإخباره - عز وجل - أنها زوجته.
روى الامام أحمد والشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رأيتك في المنام قبل أن أتزوجك مرتين " وفي لفظ: " ثلاث ليال، جاءني بك ملك في خرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فيكشف عن وجهها، فإذا هي أنت، فأقول إن يك من عند الله يمضه.
وروى الترمذي وحسنه وابن عساكر عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: جاء بي جبريل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خرقة حرير خضراء، فقال: هذه زوجتك في الدنيا والاخرة وروى ابن عساكر عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتاه جبريل - صلى الله عليه وسلم - بصورتي فقال: هذه زوجتك في الدنيا والاخرة، تزوجني وإني لجارية على حرف فلما تزوجني أوقع الله علي الحياء.
روي الترمذي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " أتاني جبريل فقال إن الله - عز وجل - زوجك بابنة أبي بكر ومعه صورة عائشة ".
السادس: في خطبتها وتزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها.
روى الطبراني (2) برجال ثقات عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - والامام أحمد في المناقب والمسند والبيهقي، بإسناد حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن
حاطب - رحمهم الله تعالى - وبعضه صرح فيه بالاتصال عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وأكثره مرسل قالت: لما ماتت خديجة - رضي الله تعالى عنها - جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون - رضي الله تعالى عنها - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، ألا تتزوج ؟ فقال: من ؟ فقالت: إن شئت بكرا، وإن شئت ثيبا، فقال: ومن البكر ومن الثيب ؟
__________
(1) انظر المجمع 9 / 231.
(2) انظر المجمع 9 / 228 (*)(11/165)
فقالت: فأما البكر فابنة أحب الخلق إليك عائشة بنت أبي بكر، وأما الثيب فسودة بنت زمعة - رضي الله تعالى عنها - قد آمنت بك، واتبعتك، قال صلى الله عليه وسلم: فاذهبي، فاذكريهما علي، فأتيت أم رومان، فقلت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة ؟ قالت: وما ذاك ؟ قلت: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر عائشة، قالت: وددت، انتظري أبا بكر، فإن أبا بكر آت، قالت: فجاء أبو بكر، فذكرت ذلك له فقال: أو تصلح وهي، وفي لفظ: إنما هي ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ارجعي إليه وقولي له: " إنما أنا أخوه وهو أخي "، وفي لفظ: فقولي: أنت أخي وأنا أخوك في الاسلام وابنته وفي لفظ: وابنتك تصلح لي، قال: انتظري، قالت: وقام أبو بكر، فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، والله، وما أخلف أبو بكر وعدا قط، قالت: فأتى أبو بكر المطعم بن عدي وعنده امرأته أم أهني، فقال: ما تقول في أم هذه الجارية ؟ فأقبل على امرأته، فقال: ما تقولين ؟ قالت: فأقبلت على أبي بكر، فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الصبي إليك تصبئه، وتدخله في دينك والذي أنت عليه، فأقبل أبو بكر عليه، فقال: ما تقول أنت ؟ قال: إنه أقول ما تسمع.
فقام أبو بكر ليس في نفسه شئ من الوعد، فقال لخولة: قولي - وفي لفظ " ادعي " - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليأت، فدعته، قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فملكها، قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: فتزوجني ثم لبثت سنتين،
فلما قدمنا المدينة نزلنا بالسنح في دار بني الحارث بن الخزرج، قالت: فإني لارجح بين عزقتين وأنا ابنة تسع، فجاءت أمي من الارجوحة ولي جميمة، ثم أقبلت تقودني حتى وقفت عند الباب وإني لالهج فمسحت وجهي بشئ من ماء وفرقت جميمة كانت لي، ثم دخلت بي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت رجال ونساء، فأجلستني في حجرة، ثم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله فبارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك ! قالت: فقام الرجال والنساء وبني بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا والله ! ما نحرت علي من جزور ولا ذبحت من شاة ولكن جفنة كان يبعث بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عند سعد بن عبادة - رضي الله تعالى عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
روى الشيخان وابن حبان عنها قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث من الخزرج فوعكت فتمزق شعري فوقي جميمة، فأتتني أمي أم رومان وأنا لفي أرجوحة ومعي صواحب لي، لا أدري ما يريد منى حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لالهج وقلت: هه هه حتى ذهب بعض نفسي وأخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم دخلت بي الدار، فإذا نسوة من الانصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن فغسلن رأسي وأصلحن من شأني فلم يرعني(11/166)
إلا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على سرير في بيتنا فأسلمتني إليه، وبنى بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا ما نحرت علي جزور ولا نحرت علي شاة حتى أرسل سعد بن عبادة بجفنة، فكان يرسل فيها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين (1).
وروى مسلم عنها - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين، ولعب معها ومات عندها وهي بنت ثماني عشرة سنة.
وروى مسلم والنسائي عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنة سبع، وبنى بي وأنا ابنة تسع، وكنت ألعب بالبنات وكن جواري
يأتينني فإذا رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقمعن منه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسربهن إلى - وروى ابن سعد عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألعب بالبنات، فقال: ما هذا يا عائشة ؟ فقلت: خيل سليمان فضحك.
وروى ابن أبي خيثمة عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنة ست بمكة وتركني ثلاثا، ثم دخل بي وأنا ابنة تسع بالمدينة مع بناتي بعني اللعب، وصواحباتي جوار صغار، يأتينني، فيطلعن، فإذا رأين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجفن، فكان إذا رأى ذلك يجود ثم يسربهن علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الشيخان والامام أحمد وأبو داود، وعبد الرزاق، والبخاري في الادب عنها قالت: كنت ألعب بالبنات فيأتيني صواحباتي، وفي لفظ: عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصواحباتي، " وفي لفظ " كان لي صواحب يلعبن معي وكان يسربهن إلي فيلعبن معي بالبنات الصغار، " وفي لفظ فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل " وفي لفظ " إذا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلعبن فيه يسربهن، " وفي لفظ " فكان يسربهن إلي، فيلعبن معي، " وفي لفظ " فإذا دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فررن منه فيأخذهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيرد هن " (2).
وروى الامام أحمد في مسند أسماء بنت يزيد بن السكن عن أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - قالت: كنت صاحبة عائشة - رضي الله تعالى عنها - التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعي نسوة قالت: فوالله ما وجدن عنده قرى إلا قدح من لبن، قالت: فشرب منه، ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية، فقلت: لا تردي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذته على حياء فشربت ثم قال: ناولي صواحبك فقلن: لا نشتهيه فقال:
__________
(1) أخرجه البخاري (3894).
(2) أخرجه البخاري (6130) ومسلم 4 / 1891 (81 / 2440) وأبو داود (4931).
(*)(11/167)
لا تجمعن جوعا وكذبا، قالت فقلت: يا رسول الله، إن قالت إحدانا لشئ تشتهيه لا أشتهيه بعد
ذلك كذبا، قال: إن الكذب يكتب كذبا، حتى يكتب الكذيبة كذيبة.
(1).
وروي عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: أهديت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولي وفرة.
وروى الامام أحمد، (ومسلم) (2) والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأبو بكر بن أبي خيثمة عنها قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال، وبنى بي في شوال فأي نسائه كان أحظى عنده مني ! قال أبو عبيدة معمر بن المثنى - رحمه الله تعالى - تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة بسنتين في شوال وهي ابنة ست سنين، كانت العرب لا تستحب أن تبني بنسائها في شوال.
قال أبو عاصم: إنما كره الناس أن يدخل بالنساء في شوال لطاعون وقع في شوال في الزمن الاول.
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن الزهري قال: لم يتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكرا غير عائشة - رضي الله تعالى عنها -.
السابع: في مدة مقامها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى ابن حبان وأبو عمر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنة ست، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع، ومكث - صلى الله عليه وسلم - عندها تسعا.
وروى ابن أبي خيثمة عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثماني، عشرة.
وروي أيضا عنها قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنة سبع أو ست، وبني بي وأنا ابنة تسع سنين.
وروي أيضا عنها قالت: ملكني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنة سبع سنين وبنى بي وأنا ابنة تسع سنين، ولقد كنت ألعب في بيته بالبنات.
الثامن: في أنها زوجته في الدنيا والاخرة وأنها تحشر معه
روى ابن حبان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة - رضي الله تعالى عنها - أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والاخرة فأنت زوجتي في الدنيا والاخر (3).
__________
(1) انظر المجمع 4 / 54.
(2) سقط في ج.
(3) انظر الكنز (34363).
(*)(11/168)
وروى ابن أبي شيبة عن مسلم البطين، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " عائشة زوجتي في الجنة ".
وروى الترمذي وصححه عن عبد الله بن زياد الاسدي قال: سمعت عمارا يقول: هي زوجته في الدنيا والاخرة.
وروى ابن حبان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قلت: يا رسول الله، من أزواجك في الجنة ؟ قال: أما إنك منهن.
وروي أبو الحسن الخلعي عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عائشة، " إنه ليهون علي الموت أني قد رأيتك زوجتي في الجنة " ورواه ابن عساكر بلفظ " ما أبالي بالموت، وقد علمت أنك زوجتي في الجنة ".
ورواه السلفي بلفظ: " يهون علي الموت أني رأيت عائشة في الجنة ".
وروى الامام أحمد عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقد رأيت عائشة في الجنة كأني أنظر إلى بياض كفيها، لهون بذلك عند موتي ".
وروى أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي الحنبلي - رحمه الله تعالى - في كتاب " التبصرة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا عائشة، أنت تحشرين مع أهلك ".
التاسع: في أنها أحب نسائه إليه - صلى الله عليه وسلم -
روى الترمذي، وصححه عن عمرو بن غالب أن رجلا نال من عائشة - رضي الله تعالى عنها - عند عمار، فقال: اغرب مقبوحا منبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
روى أبو داود وابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: [...].
ذكر أن حاجب عائشة - رضي الله تعالى عنها - قال: جاء ابن عباس ليستأذن على عائشة فقالت: لا حاجة لي بتزكيته، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا أمتاه إن ابن عباس من صالح بيتك جاء يعودك، قالت: فاذن له فدخل عليها فقال: يا أمه أبشري فوالله ما بينك وبين أن تلقي محمدا والاحبة إلا أن يفارق روحك جسدك، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاطيبا، قالت أيضا ؟ قال: هلكت قلادتك بالابواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقطها فلم يجدوا ماء، فأنزل الله عز وجل (فتيمموا صعيدا طيبا) [ النساء / 43 ] فكان ذلك بسببك وبركتك ما أنزل الله تعالى لهذه الامة من الرخصة وكان من أمر مسطح ما كان فانزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سمواته فليس مسجد يذكر الله فيه إلا وشأنك يتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار.
فقالت: يا بن عباس دعني منك ومن تزكيتك فوالله
__________
(1) أخرجه الترمذي (3888) وأبو نعيم في الحلية 3 / 44.
(*)(11/169)
لوددت أني كنت نسيا منسيا.
العاشر: في أنها أحب الناس إليه - صلى الله عليه وسلم -.
روي عن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - أنه قيل لرسول الله: - صلى الله عليه وسلم - " أي الناس أحب إليك ؟ قال: " عائشة "، قيل: فمن الرجال ؟ قال: " أبوها ".
وروى الطبراني بإسناد حسن عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: من يا رسول الله أحب الناس إليك ؟ قال: ولم ؟ قالت: لاحب ما تحب، قال: " عائشة ".
وروى أيضا عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت يوم ماتت عائشة: اليوم ماتت أحب شخص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الدارقطني في غرائب مالك - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف حبك لي ؟ قال: " كعقدة الحبل "، قالت: كيف العقدة ؟ قال: على حالها " (1).
الحادي عشر: في أمره - صلى الله عليه وسلم - أن تسترقي من العين.
روى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أسترقي من العين.
الثاني عشر: في قسمه لعائشة - رضي الله تعالى عنها - ليلتين ولسائر نسائه ليلة.
روى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن سودة بنت زمعة لما كبرت [ وفرقت أن يفارقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله اجعل يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله منها قالت: نقول في ذلك أنزل الله - عز وجل - وفي أشباهها أراه قال (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) (2) [ النساء: 128 ].
الثالث عشر: في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدور على نسائه ويختم بعائشة - رضي الله تعالى عنها -.
روى عمر الملا عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى العصر دخل على نسائه واحدة، واحدة وكان - صلى الله عليه وسلم - يختم بي، وكان إذا دخل علي وضع ركبته على فخذي، ويديه على عاتقي، ثم ألب فأحنى علي.
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية 3 / 44.
(2) أخرجه أبو داود (2135).
(*)(11/170)
الرابع عشر: في حثه - صلى الله عليه وسلم - على حبها - رضي الله تعالى عنها -.
روى أبو يعلى والبزار بسند حسن قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي،
فقال: ما يبكيك ؟ قلت: سبتني فاطمة، فقال: يا فاطمة، أسببت عائشة ؟ قالت: نعم، يا رسول الله، قال: أليس تحبين ما أحب ؟ قالت بلى، قال: وتبغضين ما أبعض ؟ قالت بلى ! قال: فإني أحب عائشة: فأحبيها، قالت فاطمة: لا أقول لعائشة شيئا يؤذيها أبدا.
الخامس عشر: في حثه إياها على انتصارها لنفسها.
روى النسائي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما علمت حتى دخلت علي زينب وهي غضبى، ثم قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أحسبك إذا قبلت لك بنت أبي بكر ذريعتيها، ثم أقبلت علي فأعرضت عنها حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " دونك فانتصري " فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فمها ما ترد علي شيئا فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلل وجهه (1).
وروى البخاري في الادب عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: " أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنت والنبي - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة في مرطها فأذن لها، فدخلت، فقالت: إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في بنت أبي قحافة، قال: أي بنية: أتحبين ما أحب ؟ قالت: بلى ! قال: فأحبي هذه، فقامت فخرجت، فحدثتهن، فقلن: ما أغنيت عنا شيئا فارجعي إليه، قالت: والله لا أكلمه فيها أبدا ! فأرسلن زينب زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنت فأذن لها، فقالت له ذلك، ووقعت في زينب تسبني، فطفقت أنظر ! هل يأذن لي النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أزل حتى عرفت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكره أن أنتصر، فوقعت بزينب فلم أنشب أن أثخنها عليه فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أما إنها ابنة أبي بكر ؟ (2) وفي رواية عندها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " دونك فانتصري ".
السادس عشر: في تحدي الناس بهداياهم يوم عائشة - رضي الله تعالى عنها - وأنه لم ينزل قرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
[ روى البخاري ] عن عائشة رضي الله تعالى عنها [ أن الناس كانوا يتحدون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بها - أن يبتغون بذلك - مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (1981) وأحمد 6 / 93.
(2) أخرجه البخاري في الادب 164 حديث (559).
(*)(11/171)
وروى ابن أبي خيثمة عن رميثة بنت الحارث أن النساء قلن لام سلمة - رضي الله تعالى عنها - قولي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن النساء يقلن: إن الناس تأتيك بهداياهم يوم عائشة، فقل للناس يهدون إليك حيث ما كنت، فإنا نحب الخير كما تحبه عائشة، فلما جاءها رسول الله - صلى الله عليه وسلم قالت ذلك له، فأعرض عنها فلما ذهب جاءت النساء إلى أم سلمة، فقلن: ما قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقالت: قد قلت له ذلك فأعرض عني، فقلن، لها: عودي فقولي له أيضا، فلما دار إليها قالت له مثل ذلك، فقال لها: يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فوالله، ما منكن امرأة ينزل الوحي علي في لحافها إلا عائشة (1).
وروى أيضا بسند جيد قوي عن عوف بن الحرث عن [ رميثة عن أم سلمة ] قوله: فوالله يا أم سلمة، الحديث.
وروى أبو عمرو بن السماك عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: إني لافخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربع ابتكرني ولم يبتكر امرأة غيري، ولم ينزل عليه القرآن منذ دخل علي إلا في بيتي، ونزل في عذري قرآن يتلى، وأتاه جبريل بصورتي مرتين قبل أن يملك عقدي.
السابع عشر في دعائه - صلى الله عليه وسلم - لها.
روى الطبراني والبزار برجال ثقات وابن حبان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طيب النفس، فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي قال: اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت فضحكت عائشة - رضي الله تعالى عنها - حتى سقط رأسها في حجره من الضحك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسرك دعائي ؟ فقالت: مالي لا يسرني دعاؤك ؟ قال: فوالله إنها لدعوتي لامتي في كل صلاة.
الثامن عشر: في تقبيله - صلى الله عليه وسلم - إياها وهو صائم.
روي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم.
وروي أيضا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم، ويمص لسانها، رواه ابن عدي، وقال: قوله (يمص لسانها) في هذا [...].
التاسع عشر: في استرضائه - صلى الله عليه وسلم - عائشة واعتذاره منها في بعض الاحوال والعلامة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستدل بها على غضب عائشة - رضي الله تعالى عنها - ورضاها ومتابعته - صلى الله عليه وسلم - لهواها.
روى الامام أحمد عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء أبو بكر يستأذن
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 377 والترمذي (3879) وأحمد 6 / 293.
(*)(11/172)
على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن له فدخل فقال: يابنة أم رومان وتناولها، أترفعين صوتك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فحال النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينها، قال: فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم - يقول لها...يترضاها: ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك، قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها قال: فأذن له فدخل، فقال له أبو بكر: يا رسول الله أشر كاني سلمكما كما أشر كتماني في حربكما.
وروي ابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنه كان بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلام، فقال لها: من ترضين بيني وبينك ؟ أترضين بعمر بن الخطاب ؟ قالت: لا، عمر فظ غليظ، قال - صلى الله عليه وسلم -: " أترضين بأبيك بيني وبينك ؟ قالت: نعم، فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذه من أمرها كذا ومن أمرها كذا قالت: فقلت: اتق الله، ولا تقل إلا حقا ! قالت: فرفع أبو بكر يده فرشم أنفي، وقال: أنت لا أم لك يابنة أم رومان تقولين الحق أنت وأبوك ولا يقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فابتذر منخري كأنهما عزلاوان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن لم ندعك لهذا ! قالت: ثم قام إلى جريدة في البيت فجعل يضربني بها، فوليت هاربة منه فلزقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - أقسمت عليك لما خرجت فإنا لم ندعك لهذا، فلما خرج قمت فتنحيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ادني فأبيت أن أفعل فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لها: لقد كنت من قبل شديدة اللصوق لي بظهري.
وروى مسلم والنسائي والدارقطني عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لاعلم إذا كنت علي راضية، وإذا كنت علي غاضبة ! فقلت: بم تعلم يا رسول الله، قال: إذا كنت عني راضية، قلت: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى قلت: لا ورب إبراهيم، قلت: صدقت يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك.
العشرون: في مسابقته - صلى الله عليه وسلم - لها - رضي الله تعالى عنها - في سفر وتخصيصه إياها بالمسامرة (في البيت) وفي السفر وانتظاره إياها حتى انقضت عمرتها وقوله - صلى الله عليه وسلم - لما فقدها في السفر: واعويشاه ! روى الحميدي وابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي بأسانيد صحيح رجالها عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها كانت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفره فقال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فلما حملت اللحم، سابقته فسبقني فقال: يا عائشة، " هذه بتلك " (1).
__________
(1) أخرجه أبو داود (2578) وأحمد 3 / 253.
(*)(11/173)
وروى الامام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: مزح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: أقبلنا مهلين بالحج وأقبلت عائشة - رضي الله تعالى عنها - مهلة بعمرة حتى إذا كنا بسرف [ عركت حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحل منا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حل ماذا، قال: الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ؟ ثم أهللنا يوم التروية ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة فوجدها تبكي فقال: ما
شأنك، فقالت: شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الان فقال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي ثم أهلي بالحج، ففعلت، ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة، ثم قال: قد طللت من حجتك وعمرتك جميعا فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي، أني لم أطف بالبيت حتى حجيت قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة ] (1).
العشرون: في كونه - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكرا غيرها.
روى البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قلت: يا رسول الله، أرأيت [ لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرا لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ قال: في التي لم يرتع منها.
يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها ].
الحادي والعشرون: في إقراره - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة - رضي الله تعالى عنها - وقيامه لها حتى تنظر إلى لعب الحبشة.
روى الترمذي والنسائي وابن عدي والاسماعيلي، وغيرهم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا فسمعنا لغطا وصوت صبيان (2)، وفي رواية: خرج النساء والصبيان فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا صبيان الحبشة ترقص، وفي لفظ: يلعبون يحرابهم في المسجد، والصبيان حولها، فقال: يا عائشة، تعالي فانظري، وعند النسائي: يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم ؟ فقلت: نعم، فوضعت خدي على منكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسترني بردائه فجعلت انظر إليهم ما بين المنكب إلى الرأس، فقالت: فجعل يقول لي: يا عائشة، أما شبعت، أما شبعت، وفي لفظ حسبك ! قلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك ! قلت: لا تعجل، يا رسول الله، إني أحب النظر إليهم وفي لفظ: أحب النظر
__________
(1) أخرجه النسائي 5 / 164.
(2) أخرجه الترمذي (3691).
(*)(11/174)
إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني، منه، وفي لفظ فأقول: لا: لانظر منزلتي عنده، ولقد رأيته يراوح بين قدميه إذا طلع عمر فارفض الناس عنها والصبيان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لانظر إلى شياطين الانس والجن قد فروا من عمر، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تلبث أن تصرع فصرعت في الناس فاخبروا بذلك.
روى البرقاني عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر، فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان، عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دعها فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وقالت: كان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فلما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أتشتهين تنظرين ؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت قال: حسبك قلت: نعم.
الثاني والعشرون: في ابتدائه - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت عليه آية التخيير بها وحسن جوابها.
روى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن الله - عز وجل - أنزل الخيار فبدأ بعائشة، وقال: إني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تأتي أبويك، قالت: ما هو ؟ فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى (يأيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا) [ الاحزاب 28 ] الاية فقالت: أفيك أستأمر أبوي بل أختار الله ورسوله.
الحديث.
وقد ذكر مطولا في الخصائص.
الثالث والعشرون: في اختياره - صلى الله عليه وسلم - الاقامة عندها أيام مرضه - صلى الله عليه وسلم - واجتماع ريقه وريقها واختصاصها بمباشرة خدمته.
روى الامام أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة، فاستأذن نساءه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمدا على العباس، وعلى رجل آخر ورجلاه تخطان في الارض.
وقال عبيد الله فقال ابن عباس: أتدري من ذلك الرجل ؟ هو علي بن أبي طالب، ولكن عائشة لا تطيب لها نفسا، قال الزهري فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت ميمونة لعبد الله بن زمعة: مر الناس فليصلوا فلقي عمر بن الخطاب، فقال: يا عمر صل بالناس، فصلى بهم فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته فعرفه، وكان جهير الصوت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أليس هذا صوت عمر ؟ قالوا: بلى قال: يأبي الله - عز وجل - ذلك، والمؤمنون مروا أبا بكر، فليصل بالناس قالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمعه، وأنه إذا قرأ القرآن بكى(11/175)
قال: وما قلت ذلك إلا كراهية أن يتأثم الناس بأبي بكر، أن يكون أول من قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فراجعته فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فراجعته فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس إنكن صواحب يوسف.
الرابع والعشرون: في قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن دعاه إلى الطعام وهذه معي.
روى مسلم والبرقاني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا فارسيا كان جارا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فصنع طعاما ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائشة إلى جنبه، فأشار إليه أن تعال، فقال: وهذه معي، لعائشة ! فقال: لا، ثم أشار إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه معي ! فقال: لا، فأشار إليه الثالثة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشار إلى عائشة: وهذه معي ! قال: نعم.
الخامس والعشرون: في فضل عائشة - رضي الله تعالى عنها - على النساء، وشهادة أم سلمة وصفية - رضي الله تعالى عنهما - بتفضيل النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة عليهن.
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد والبخاري، ومسلم، والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن أنس، والامام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -، والطبراني برجال الصحيح عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - والطبراني بإسناد حسن عن فروة بن أبي إياس،
والطبراني برجال الصحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ".
وروى أبو طاهر المخلص عن الشعبي والطبراني بإسناد حسن عن عمرو بن الحارث ابن المصطلق قال: أرسل وفي لفظ: بعث زياد بن سمية مع عمرو بن الحارث بهدايا وأموال إلى أمهات المؤمنين، وأرسل إلى أم سلمة وصفية يعتذر إليهما لفضل عائشة فقالتا: لئن فضلها لقد كان أشد علينا تفضيلا من هذه تفضيلها وفي لفظ: ففضل عائشة ثم جعل الرسول يعتذر إلى أم سلمة، فقالت: يتعذر زياد، فقد كان يفضلها من هو كان أعظم علينا تفضيلا من زياد، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
السادس والعشرون: في رؤيتها - رضي الله تعالى عنها - جبريل - صلى الله عليه وسلم - وسلامه عليها.
وروى الامام أحمد وابن الجوزي في - الصفوة - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (خاصين) (1) عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي في
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/176)
بيت عائشة إذ قالت عائشة: رأيت رجلا عليه كذا وكذا، ولا أدري من هو، قالت: فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم فلبس النبي - صلى الله عليه وسلم - ثيابه وخرج إليه، فإذا هو جبريل - عليه الصلاة والسلام - فقال: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تماثيل، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الكلب فرمى به، ودخل عليه جبريل.
وروى ابن أبي خيثمة (1) عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: إن جبريل - عليه السلام - يقرأ عليك السلام، قالت عائشة: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.
وروى الطبراني عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخلت على عائشة - رضي الله تعالى عنها - فقلت: أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقلت: في البيت يوحى إليه
ثم مكثت ما شاء الله أن أمكث، ثم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد يقول: هذا جبريل يقرأ عليك السلام.
السابع والعشرون: فيما ظهر من بركتها - رضي الله تعالى عنها - بتوسعة الله عز وجل على الامة برخصة التيمم.
روي عن ابن أبي مليكة.
قال: استأذن ابن عباس على عائشة فقالت: لا حاجة لي بتزكيته، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا أمتاه إن ابن عباس من صالح بيتك جاء يعودك، قالت: فأذن له فدخل عليها فقال: يا أمه أبشري فوالله ما بينك وبين أن تلقي محمدا والاحبة إلا أن يفارق روحك جسدك ؟، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاطيبا، قالت أيضا ؟ قال: هلكت قلادتك بالابواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقطها فلم يجدوا ماء، فأنزل الله عز وجل (فتيمموا صعيدا طيبا) [ النساء / 43 ] فكان ذلك بسببك وبركتك ما أنزل الله تعالى لهذه الامة من الرخصة، وكان من أمر مسطح ما كان فانزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سمواته فليس مسجد يذكر الله فيه إلا وشأنك يتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار.
فقالت: يا بن عباس دعني منك ومن تزكيتك فوالله لوددت أني كنت نسيا منسيا.
الثامن والعشرون: في نزول براءتها من السماء وقد ذكرت ذلك مبسوطا في الحوادث، قال في (زاد المعاد): واتفقت الامة على كفر قاذفها.
التاسع والعشرون: في اختصاصها بعشر خصال لم يشاركها فيها امرأة من نسائه - صلى الله عليه وسلم - روى ابن سعد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت: فضلت على
__________
(1) في ج: ابن أبي شيبة (*)(11/177)
نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعشر، قيل: وما هن يا أم المؤمنين ؟ قالت: لم ينكح النبي بكرا قط غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مؤمنان مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاء جبريل
بصورتي من السماء في حريرة وقال: تزوجها، فإنها امرأتك، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي، ولم يكن ينزل عليه الوحي وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله تعالى نفسه وهو بين سحري ونحري، ومات في الليلة التي كان يدور علي فيها، ودفن في بيتي (1).
وروى أيضا عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: أعطيت خصالا ما أعطيتها امرأة: ملكني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت سبع سنين، وأتاه الملك بصورتي في كفه فنظر إليها، وبنى بي لتسع سنين، ورأيت جبريل ولم تره امرأة غيري، وكنت أحب نسائه إليه، وأبي أحب أصحابه إليه، ومرض صلى الله عليه وسلم فمرضته، وقبض ولم يشهده غيري والملائكة.
وروى الوزير نظام الملك - رحمه الله تعالى - في أماليه عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: أعطيت عشر خصال لم تعطهن ذات خمار قبلي: صورت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أصور في رحم أمي، وتزوجني بكرا، ولم يتزوج بكرا غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو بين سحري، ونحري، ونزلت براءتي من السماء، وكنت أحب الناس إليه، وخير وهو بين حاقنتي وذاقنتي، وتوفي في يومي، ودفن في بيتي، كذا في هذه الرواية عشرا ولم يذكر منها إلا ثماني خصال (2).
وروى أبو يعلى عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: لقد أعطيت سبقا لم تعطهن إلا مريم بنت عمران، لقد نزل جبريل بصورتي في راحته، ولقد تزوجني بكرا، ولم يتزوج بكرا غيري، ولقد قبض ورأسه في حجري، ولقد قبرته وهو في بيتي، ولقد صفت الملائكة بيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه، وهو في أهله فيتفرقون عنه، وإن كان الوحي ينزل عليه، وإني لمعه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما (3).
وروى الطبراني برجال الصحيح وابن أبي شيبة عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: خصال في سبع وفي لفظ: خصال في لم تكن في أحد من النساء إلا ما أتى الله مريم بنت
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 50.
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات 3 / 51.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 241 وقال: رواه أبو يعلي، وفي الصحيح وغيره بعضه، وفي إسناد أبي يعلى من لم أعرفهم.
(*)(11/178)
عمران، والله ما أقول هذا فخرا، وفي لفظ، إني لا أفتخر على أحد من صواحبي ! فقال لها عبد الله بن صفوان: وما هن يا أم المؤمنين ؟ قالت: نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسبع سنين، وأهديت إليه لتسع سنين، وتزوجني بكرا، ولم يشركه في أحد من الناس، وكان الوحي يأتيه وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت أحب الناس إليه وبنت أحب الناس إليه، ونزل آيات من القرآن، وقد كادت الامة تهلك في، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقبض في بيتي ولم يره أحد غيري وغير الملك.
الثلاثون: في سعة علمها - رضي الله تعالى عنها - وكونها أفقه الناس مطلقا: روى الترمذي وحسنه وصححه وابن أبي خيثمة عن أبي موسى الاشعري - رضي الله تعالى عنهم - ما أشكل علينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قط فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما (1).
وروى ابن أبي خيثمة والطبراني برجال ثقات عن الزهري - رحمه الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال -: " لو جمع علم نساء هذه الامة فيهن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان علم عائشة أكثر من علمهن ".
وروى سعيد بن منصور وابن أبي خيثمة والطبراني بسند حسن عن مسروق - رحمه الله تعالى - أنه كان يحلف بالله، لقد رأيت الاكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي لفظ مشيخة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألون عائشة عن الفرائض.
وروى ابن أبي خيثمة، والحاكم، والطبراني بسند حسن وأبو عمرو بن عساكر عن عروة بن الزبير قال: ما رأيت أحدا أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحلال ولا بحرام ولا بفقه، ولا بطب، ولا بشعر، ولا بحديث العرب ولا بنسب من عائشة - رضي الله تعالى عنها - (2).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن موسى بن طلحة، قال: ما رأيت أحدا كان أفصح من عائشة - رضي الله تعالى عنها - وروى الطبراني عن معاوية قال: والله، ما رأيت خطيبا قط أبلغ ولا أفصح، ولا أفطن من عائشة.
وروي عن عروة، وقد قيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله وكان أروي الناس للشعر ! فقال: ما روايتي في رواية عائشة، ما كان ينزل بها شئ إلا أنشدت فيه شعرا.
__________
(1) أخرجه الترمذي (3883).
(2) أخرجه الحاكم 4 / 11.
(*)(11/179)
وروى الامام أحمد عنه أنه كان يقول لعائشة: يا أمتاه لا أعجب من فهمك، أقول: زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر، وأيام الناس، أقول ابنة أبي بكر، وكان أعلم أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو ؟ وأين هو ؟ قال: فضربت على منكبه، وقالت: أي عرية، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسقم وفي لفظ كثرت أسقامه عند آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه وفي لفظ: فكانت أطباء العرب والعجم ينعتون له، وكنت أعالجها فمن ثم (1).
وروى الحاكم وأبو فرج بن الجوزي عن الزهري قال: لو جمع علم الناس كلهم وعلم أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكانت عائشة أوسعهم علما وفي لفظ: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع الناس وجميع أمهات المؤمنين، لكان علم عائشة أفضل.
وروى الامام أحمد في - الزهد - والحاكم عن الاحنف بن قيس قال: سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان، وعلي، والخلفاء وهلم جرا فما سمعت منهم كلام مخلوق أفحم ولا
أحسن منه من في عائشة.
وروى الحاكم، وابن أبي خيثمة والبلاذري عن عطاء بن رباح قال: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم، وأحسن الناس رأيا في العامة.
وروى ابن أبي خيثمة عن سفيان بن عيينة قال: قال معاوية بن أبي سفيان: يا زياد أي الناس أعلم ؟ قال: أنت يا أمير المؤمنين، قال: أعزم عليك.
قال: أما إذا عزمت علي فعائشة.
وروى البلاذري عن قبيصة بن ذؤيب، قال: كانت عائشة أعلم الناس من نسائها والاكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى أيضا عن القاسم بن محمد، قال: كانت عائشة - رضي الله تعالى عنها - قد اشتغلت بالفتوى زمن أبي بكر وعمر وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت.
وروى لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف حديث ومائتا حديث وعشرة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم بثمانية وسبعين، وروى عنها خلق كثير من الصحابة، والتابعين - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين -.
الحادي والثلاثون: في إنكارها على ابن عمر وإقراره إياها: [ روى مسلم عن ] عروة بن الزبير قال: كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة [ عائشة.
وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن.
قال فقلت: يا أبا عبد الرحمن ! اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب ؟
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية 2 / 50، 86، 87 (*)(11/180)
قال: نعم.
فقلت لعائشة: أي أمتاه ! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ قالت: وما يقول ؟ قلت: يقول: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب ] فقالت: يغفر الله لابي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب ].
[ وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه قال: وابن عمر يسمع.
فما قال: لا، ولا نعم.
سكت ].
الثاني والثلاثون: في زهدها، وكرمها، وصدقها، وعتقها، بريرة.
[ روى أبو نعيم عن
عروة ] عن ابن المنكدر عن أم ذرة [ وكانت تغشى عائشة - قالت: بعث إليها بمال في غرارتين، قالت: أراه ثمانين أو مائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة فجلست تقسم بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك درهم.
فلما أمست قالت: يا جارية هلمي فطري، فجاءتها بخبز وزيت فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا لحما بدرهم نفطر عليه.
قالت: لا تعنفيني لو كنت ذكرتيني لفعلت ] (1).
روى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق، وأراد مواليها أن يشترطوا ولاءها فذكرت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: اشتريها، فإنما الولاء لمن أعتق وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم، فقلت: هذا ما تصدق به على بريرة، فقال: هو لها صدقة ولنا هدية ] (2).
الثالث والثلاثون: في خوفها وورعها وتعبدها وحيائها - رضي الله تعالى عنها -.
روى أبو نعيم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابن أبي مليكة قال: استأذن ابن عباس على عائشة [ فقالت: لا حاجة لي بتزكيته، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا أمتاه إن ابن عباس من صالح بيتك جاء يعودك، قالت: فأذن له فدخل عليها فقال: يا أمه أبشري فوالله ما بينك وبين أن تلقي محمدا والاحبة إلا أن يفارق روحك جسدك ؟، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا، قالت أيضا ؟ قال: هلكت قلادتك بالابواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقطها فلم يجدوا ماء، فأنزل الله عز وجل (فتيمموا صعيدا طيبا) [ النساء 43 ] فكان ذلك بسببك وبر كتك ما أنزل الله تعالى لهذه الامة من الرخصة وكان من أمر مسطح ما كان فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سمواته فليس مسجد يذكر الله فيه إلا وشأنك يتلى في آناء الليل وأطراف النهار.
فقالت: يابن عباس دعني منك ومن تزكيتك فوالله لوددت أني كنت نسيا منسيا.
وروي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي، وأبي، فلما دفن عمر، والله ما
__________
(1) أخرجه أبو نعيم 2 / 47.
(2) أخرجه البخاري (493).
(*)(11/181)
دخلته إلا مشدودة على ثيابي حياء من عمر.
الرابع والثلاثون: في غيرتها.
روى أبو يعلى، وأبو الشيخ وابن حبان بسند جيد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان متاعي فيه خف، وكان على جمل ناج، وكان متاع صفية فيه ثقل، وكان على جمل ثقال بطئ يتبطأ بالركب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " حولوا متاع عائشة على جمل صفية، وحولوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضي الركب ".
قالت عائشة: فلما رأيت ذلك، قلت: يا لعباد الله، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أم عبد الله، إن متاعك فيه خف، وكان متاع صفية فيه ثقل فأبطأ، بالركب فحولنا متاعها على بعيرك، وحولنا متاعك على بعيرها " فقلت: ألست تزعم أنك رسول الله، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أو في هذا شك يا أم عبد الله ؟ قالت: فقلت: ألست تزعم أنك رسول الله ؟ فهلا عدلت.
فسمعني أبو بكر، وكان فيه غرب أي حدة فأقبل علي فلطم وجهي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " مهلا يا أبا بكر "، فقال: يا رسول الله أما سمعت ما قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الغيري لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه " (1).
الخامس والثلاثون: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - وأين دفنت.
كانت وفاتها في رمضان ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت منه على الصحيح عند الاكثرين سنة ثمان وخمسين، رواه ابن أبي خيثمة عن عيينة وجزم به المدائني.
وروى أيضا عن هشام بن عروة سنة سبع وخمسين.
وصلى عليها أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - خليفة مروان بالمدينة، وحج مروان واستخلفه ودفنت بالبقيع.
وروى ابن أبي خيثمة عن عروة بن الزبير عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت له: إذا أنا مت فادفني مع صواحبي بالبقيع، وكان في بيتها موضع، قالت: لا أراني به أبدا.
تنبيهان: الأول: في رواية من الصحيح " وبنى بي، وأنا بنت ست "، ويجمع بينهما بأنها كانت أكملت السادسة، ودخلت في السابعة تقريبا.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: الحرف: جلد يتشقق ويلبسه البنات الصغار كالازار وتسميه العرب اليوم الوتر والسدرة.
الارجوحة: [ حبل يشد طرفاه في موضع عال ثم يركبه الانسان ويحرك وهو فيه ].
__________
(1) أخرجه أبو يعلى 8 / 129 (314 - 4670) (*)(11/182)
جميمة: [ تصغير جمة من شعر الرأس وهي ما سقط على المنكبين ].
لالهج: [ لالهث ].
هه هه: [...].
ينضمعن: [ أي تغيبن ودخلن في بيت أي من وراء سر ].
يسربهن: [ أي يبعثهن أو يرسلهن فيلعبن معي ].
ما نحرت من جزور: [ ما ذبحت من ناقة ].
الوفرة: [ شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الاذن ].
نال منه: [...].
منبوحا: [ المشتوم ].
اغرب: [ ابعد ].
منبوحا: بميم فنون فموحدة فواو فحاء مهملة منسويا والمنبوح المشتوم وأصله من نباح الكلب وهو صياحه يقال: نبحتني كلابك أي لحقني سبابك إلا في صلاته لعلها أرادت من خديجة.
المنكب [...] أكب [...] فأحنى [...] ريقها [...] يتهلل: [ استنار وظهرت عليه علامات السرور ].
المرط: كساء النساء وهو من الصوف وخز وغيره.
طفقت [...].
أنشب: لم يلبث أن فعل كذا.
اللحاف: [...].
ابتدر في [...].
سحري: الرئة، وقيل ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن.
المزمارة: [...].
غمرتها: [ غفلتها ].
بني أرفده: [...].
مللت: [...].
التماثيل: [...].
لطم وجهي: [...].
بطئ: [...].
اللفظ: [...].
انتهرني: [...].(11/183)
الباب الرابع في بعض مناقب أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهما -
وفيه أنواع:
الأول: في مولدها ونسبها، ولدت وقريش تبني الكعبة قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين، وتقدم نسب أبيها، وأمها زينب بنت مظعون.
الثاني: فيمن كانت تحته وتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها - رضي الله تعالى عنها -.
كانت تحت خنيس بخاء معجمة مضمومة فنون مفتوحة، فتحيتة، ساكنه فسين مهملة ابن حذافة، بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة، وبعد الالف فاء، السهمي وكان ممن شهد بدرا فهاجر بها إلى المدينة فمات بها من جراحات أصابته ببدر، وقيل: بل أحد، ورجح كل مرجحون، والأول أشهر، فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من مهاجره على القول الاول، وبعد أحد على القول الثاني.
وروى الامام أحمد والشيخان والنسائي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: تألمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شهد بدرا فتوفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان فعرضت عليه حفصة، وقلت: إن شئت أنكحتك حفصة ابنة عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج في يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة ابنة عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إلي شيئا، فكنت أوجد على مني على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة، فلم أرجع إليك شيئا ؟، فقلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها فلم أكن لافشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقبلتها (1).
وروى ابن سعد عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: لما توفى خنيس بن حذافة عرضت حفصة على عثمان، فأعرض عني، فذكرت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، لا تعجب من عثمان، إني عرضت عليه حفصة، فأعرض عني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد زوج الله تعالى عثمان خيرا من ابنتك، وزوج ابنتك خيرا من عثمان، قال: وكان عمر قد عرض
__________
(1) أخرجه البخاري (5122).
(*)(11/184)
حفصة على عثمان في متوفى رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عثمان يريد يومئذ أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعرض عثمان عن عمر لذلك، فتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة، وزوج أم كلثوم من عثمان.
وروى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة اثنتين من الهجرة بالمدينة.
وروى أيضا عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال: أخبرني رجل من بني سهم من أهل المدينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها سنة ثلاث.
الثالث: في أمر الله - تبارك وتعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمراجعتها لما طلقها، وقال: إنها زوجتك في الجنة.
وروى أبو داود والنسائي، وابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة ثم راجعها.
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة، والطبراني برجال الصحيح عن قيس بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة بنت عمر - رضي الله تعالى عنهما - فدخل عليها خالاها (حذافة) (1) وعثمان ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله، ما طلقني عن شبع، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتجلببت فقال لي: قال لي جبريل: راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة.
وروى ابن أبي خيثمة أيضا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة تطليقة فأتاه جبريل - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، طلقت حفصة وهي صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة ! وروى [ أبو نعيم ] (1) عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه قال: طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة فبلغ ذلك عمر فحثا على رأسه التراب وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته
وبعدها نزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغد، وقال: إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمة بعمر ثم أراد أن يطلقها ثانية، فقال له جبريل.
لا تطلقها، فإنها صوامة قوامة.
الرابع: في استظهارها بتحريم مارية.
[ روى الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) [ التحريم 3 ] قال: دخلت حفصة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها، وهو يطأ مارية فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تخبري عائشة حتى أبشرك بشارة فإن أباك يلي الامر بعد أبي
__________
(1) سقط في ب.
(*)(11/185)
بكر إذا أنا مت، فذهب حفصة فأخبرت عائشة، فقالت عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: من أنبأك هذا قال: نبأني العليم الخبير فقالت عائشة: لا انظر إليك حتى تحرم مارية فحرمها فأنزل الله: (يا أيها النبي لم تحرم) [ التحريم 1 ].
الخامس: في قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - إنها ابنة أبيها تنبيها على فضلها.
[ روى أبو داود والبيهقي عن الزهري قال: بلغني أن عائشة وحفصة رضي الله تعالى عنهما أصبحتا صائمتين متطوعتين فاهدي لهما طعام فأفطرتا عليه فدخل عليهما النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت عائشة: فقالت حفصة فبدرتني بالكلام وكانت ابنة أبيها يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين وأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقضيا مكانه يوما آخر ].
السادس: فيمن شهد بدرا من أهلها.
شهد من أهلها بدرا: أبوها عمر - رضي الله تعالى عنه - وعمها زيد، وزوجها خنيس، وأخوالها عثمان، وعبد الله، وقدامة بنو مظعون والسائب بن عثمان بن مظعون ابن خالها.
السابع: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - توفيت في شعبان سنة خمس وأربعين
بالمدينة وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة وحمل سريرها بعض الطريق، ثم حمله أبو هريرة إلى قبرها، ونزل في قبرها عبد الله وعاصم ابنا عمر، وسالم، وعبد الله، وحمزة بنو عبد الله بن عمر، وقد بلغت ستين سنة، وقيل: ماتت سنة إحدى وأربعين.
رواه أبو بكر بن أبي خيثمة وقيل: ماتت لما بايع الحسن معاوية وذلك في جمادي الاولى سنة إحدى وأربعين فأوصت إلى عبد الله أخيها بما أوصى إليها عمر، وتصدقت بمال وقفته بالغابة، وروي لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستون حديثا.
بيان غريب ما سبق.
الغابة: [ موضع قريب من المدينة ].(11/186)
الباب الخامس في بعض فضائل أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -
وفيه أنواع: الأول: في نسبها واسمها.
تقدم نسب أبيها، وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة بن فراس ومن قال: عاتكة بنت عبد المطلب، فجعلها بنت عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أخطأ، وإنما هي بنت زوجها، وأخواها عبد الله، وزهير ابنا عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واسمها هند، وقيل: رملة، والأول أصح.
الثاني: في هجرتها مع زوجها أبي سلمة بن (عبد الاسد) - رضي الله تعالى عنهما - إلى الحبشة وهجرتها إلى المدينة.
هاجرت، هي وزوجها إلى الحبشة الهجرتين وهما أول من هاجر إلى الحبشة، قال ابن أبي خيثمة: حدثنا نصر بن المغيرة، قال: قال سفيان: أول مهاجرة من النساء أم سلمة.
وروي عن مصعب بن عبد الله قال: أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة أم سلمة.
ويقال: بل ليلي بنت خيثمة زوج عامر بن ربيعة.
الثالث: في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها.
كانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الاسد وأمه عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برة بنت عمة أبي طالب فولدت لابي سلمة، سلمة وعمر، ورقية، وزينب، ومات أبو سلمة - رضي الله تعالى عنه - سنة أربع وشهد بدرا وأحدا ورمي بها بسهم في عضده فمكث شهرا يداويه، ثم برأ الجرح، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجره، وبعث معه مائة وخمسين رجلا إلى قطن - وهو جبل - فغاب تسعا وعشرين ليلة ثم رجع إلى المدينة فانتقض جرحه، فمات منه لثمان خلون من جمادي الاخرة سنة أربع، فاعتدت ام سلمة، وحملت لعشرين بقين من شوال المذكور سنة أربع، فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليالي بقين من شوال المذكور، ولو لم يكن من فضلها إلا شورها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحلق في قصة الحديبية لما امتنع منه أكثر الصحابة لكفاها.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو عمر: تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وقعة بدر في شوال سنة اثنتين، وليس بشئ، لان أبا عمر قال في وفاة أبي سلمة: إنها في جمادي الاخرة سنة ثلاث وهو لم يتزوجها إلا بعد انقضاء عدتها من وفاة أبي سلمة.
وروي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(11/187)
" ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول: ما أمر الله تبارك وتعالى [ وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها ] (1).
وروى أحمد بن منيع وأبو يعلى برجال ثقات عن عمرو بن أبي سلمة (2)، والامام الشافعي - رحمه الله تعالى ورضي عنه - والامام أحمد ومسلم وابن أبي خيثمة عن أم سلمة والحارث من طريق آخر عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - رضي الله تعالى عنهم - أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فقالت: سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا هو أعجب إلي من كذا وكذا، لا أدري ما أعدل به، سمعت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك، ثم يقول: اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني بها خيرا منها، فلما مات أبو سلمة قلتها وأبدلني خيرا منها: أقول: ومن خير من أبي سلمة، فلم أزل حتى قلتها، فلما انقضت عدتها أرسل أبو بكر يخطبها فأبت، فأرسل إليها عمر يخطبها فأبت، قالت: فأرسل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبها، فقالت: مرحبا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن في خلالي ثلاثا أخافهن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني امرأة شديدة الغيرة وإني امرأة مصبية يعني: لها صبيان، وفي رواية: إني ذات عيال، وإني امرأة ليس هاهنا أحد من أوليائي شاهد يزوجني، وفي حديث أبي بكر بن عبد الرحمن، فقالت: ما مثلي ينكح، أما أنا، فلا ولد في، وأنا غيور، وذات عيال فسمع عمر بما ردت به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغضب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد ما غضب لنفسه حين ردته فلقيها فقال: أن التي تردين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: يابن الخطاب إن في كذا وكذا، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها فقال: أما ما ذكرت أنك غيري فسأدعو الله - عز وجل - يذهب غيرتك وأما ما ذكرت أنك مصبية فإن الله سيكفيك صبيانك، وفي رواية: وأما العيال فإلى الله ورسوله وأما أنه ليس ههنا أحد من أوليائك يزوجك فإنه ليس أحد شاهد ولا غائب من أوليائك يكرهني، وفي حديث أبي بكر في لفظ: " فإنه ليس أحد منهم شاهد ولا حاضر يسترضاني وأنا أكبر منه فقالت لابنها عمر: زوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فزوجه إياها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إني لم أنقصك مما أعطيت أختك فلانة، قال ثابت لابن أم سلمة: ما كان أعطى فلانة ؟ قال: أعطاها درهمين تجعل منهما صاحبتها ورحلتين ووسادة حشوها ليف ثم انصرف عنها ثم أتاها الثانية وهي ترضع زينب فلما رأته مقبلا جعلت الصبية في حجرها.
فسلم ثم رجع فأتاها أيضا الثالثة فلما رأته جعلت الصبية في حجرها قالت: وكان
__________
(1) أخرجه مسلم 2 / 631 (3 - 918).
(2) أخرجه أبو داود (3119) وأحمد 4 / 27 (*)(11/188)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حييا كريما، فرجع، قال عمر: فجاء عمار بن ياسر حتى انتزعها من حجرها وفي لفظ: " ففطن لذلك عمار بن ياسر وكان أخاها لامها فانتشط زينب من حجرها فقال: هاتي وفي لفظ: دعي عنك هذه المسقوحة التي منعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقلب بصره في البيت فلم يرالصبية في حجرها وكان اسمها زينب، فقال: أين زناب، فقالت: جاء عمار فأخذها وفي حديث أبي بكر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " تجداني أتيتكم الليلة "، قالت: فوضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرن، وأخذت شحما فعضدت به فبات ثم أصبح فقال حين أصبح: " إن لك على أهلك كرامة إن شئت أن أسبع لك سبعت للنساء ".
قال عمر: فكانت في النساء كأنها ليست منهن لا تجد من الغيرة شيئا.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاها فلف رادءها وجعله على أسكفة الباب واتكل عليه، وقال: هل لك يا أم سلمة ؟ قالت: إني امرأة شديدة الغيرة، وأخاف أن يبدو للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما يكره، فانصرف، ثم عاد فقال: هل يا أم سلمة ؟ إذا كان لك الزيادة في صداقك، زدناك، فعادت لقولها، فقالت: أم سلمة: يا أم عبد تدرين ما يتحدث به نساء قريش، يقلن: إنما ردت محمدا، لانها شابة من قريش أحدث منه سنا، وأكثر منه مالا، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتزوجها.
وروى ابن سعد عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: قلت لابي سلمة: ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة وهي من أهل الجنة، ثم لم تتزوج بعده إلا جمع الله تعالى بينهما في الجنة، وكذلك إذا ماتت المرأة وبقي الرجل بعدها، فتعال أعاهدك ألا تتزوج بعدي ولا أتزوج بعدك، قال: أتطيعيني، قلت: ما استأمرتك إلا وأنا أريد أن أطيعك قال: فإذا أنا مت فتزوجي، ثم قال: اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني حتى لا يحزنها ولا يؤذيها، قالت: فلما مات قلت: من هذا الذي هو خير لي من أبي سلمة، فلبثت ما لبثت، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام على الباب فذكر نحو ما سبق (1).
الرابع: في دخولها فيما سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاهل بيته.
روى الامام أحمد والدولابي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: أغدف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على علي وفاطمة والحسن، والحسين - رضي الله تعالى عنهم -: خميصة سوداء، ثم قال: اللهم إليك لا إلى النار، أنا وأهل بيتي قالت: قلت: وأنا يا رسول الله ؟ قال: وأنت (2)،
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 8 / 70.
(2) أخرجه أحمد 6 / 304.
(*)(11/189)
وروى أبو الحسين الخلعي عن عمير بو شعيب أنه دخل على زينب بنت أبي سلمة فحدثته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عند أم سلمة، فجعل حسنا وحسينا في شق وفاطمة في حجرها، وقال: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، وأنا وأم سلمة جالستان، فبكت أم سلمة، فقال: ما يبكيك ؟ قالت: يا رسول الله، خصصتهم، وتركتني وابنتي ! فقال رسو الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنك من أهل البيت ".
الخامس: في ابتدائه صلى الله عليه وسلم بها إذا دار على نسائه، وتخصيصه أم سلمة من دون غيرها في بعض الاحوال - رضي الله تعالى عنهن - روى عمر الملا، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى العصر دخل على نسائه واحدة، يبدأ بأم سلمة لانها أكبرهن، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يختم بي.
وروى الامام أحمد عن موسى بن عقبة عن أمه عن أم كلثوم، قالت: لما تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة، قال لها: يا أم سلمة، إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأوقية مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة فهي لك.
فكان كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وردت عليه هديته فأعطى كل واحدة من نسائه أوقية وأعطى أم سلمة المسك والحلة.
السادس: في مبايعتها، ومحافظتها على دينها وبرها - رضي الله تعالى عنها -.
روى مسلم عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما مات أبو سلمة قلت: غريب بأرض غربة لابكينه بكاء يتحدث عنه.
فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني فاستقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: " أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه " مرتين.
فكففت عن البكاء فلم أبك.
وروى أيضا عنها رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهري.
وروى الشيخان عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: قلت: يا رسول الله، هل لي أجر في بني أبي سلمة، أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هم بني فقال - صلى الله عليه وسلم -: نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم (1).
__________
(1) أخرجه البخاري (2731 - 2732) (*)(11/190)
السابع: في جزالة رأيها في قصة الحديبية.
روى الامام أحمد والشيخان عن المسور ابن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل مكة، وكتب كتاب الصلح بينه وبينهم فلما فرغ قال للناس: قوموا فانحروا، ثم احلقوا قالا: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قالها ثلاثا ! فلما لم يقم أحد، ولا تكلم أحد منهم قالت: لن يقوموا حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج ففعل ذلك، فلما رأوا ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا.
وتقدم مبسوطا في غزوة الحديبية.
الثامن: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها -.
قال ابن أبي خيثمة - رحمه الله تعالى - توفيت أم سلمة في ولاية يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين على الصحيح، واستخلف يزيد
سنة ستين بعدما جاء خبر الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - عليهم، ولها أربع وثمانون سنة على الصواب.
وروى الطبراني برجال ثقات عن الهيثم بن عدي - رحمه الله تعالى - قال: أول من مات من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش، وآخر من مات منهن أم سلمة زمن يزيد بن معاوية سنة اثنتين وستين.
التاسع: في ولدها - رضي الله تعالى عنها - كان لها ثلاثة أولاد: سلمة أكبرهم، وعمر، وزينب أصغرهم ربوا في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلف الرواة فيمن زوجها من النبي - صلى الله عليه وسلم - فروي الامام أحمد والنسائي أنه عمر، وقيل سلمة أبو عمر، وعليه الاكثر، وزوجه - صلى الله عليه وسلم - أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، عاش في خلافة عبد الملك بن مروان، ولم تحفظ له رواية، وأما عمر - رضي الله تعالى عنه - فله رواية وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله تسع سنين، وكان مولده بالحبشة، في السنة الثانية من الهجرة، واستعمله علي - رضي الله تعالى عنها - على فارس، والبحرين، وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وثمانين في خلافة عبد الملك.
وأما زينب فولدت بأرض الحبشة وكان اسمها (برة) فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب، دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يغتسل فنضح في وجهها الماء فلم يزل ماء الشباب في وجهها - رضي الله تعالى عنها - حتى كبرت وعجزت.
روى الطبراني عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: كانت أمي إذا دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل تقول أمي: اذهبي فادخلي، قالت: فدخلت: فنضح في وجهي بالماء، وقال: ارجعي، وقال العطاف: قالت أمي: فرأيت وجه زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شئ.
وتزوجها عبد الله بن زمعة بن الاسود الاسدي وولدت له، وكانت من أفقه أهل زمانها.(11/191)
تنبيه في بيان غريب ما سبق:
الظعينة: [...].
العضد: [ ما بين المرفق إلى الكتف ].
قطن: بفتح القاف والطاء المهملة، اسم جبل أو ماء.
المسقوحة: [ المكسورة المبعدة ].
كفة الباب [...].
أغدف: بغين فدال ففاء، أرسل وغطا، ومنه غداف المرأة، وهي ما تستر به وجهها.
الخميصة: ثوب أسود من صوف أوخز والله أعلم.(11/192)
الباب السادس في بعض فضائل أم المؤمنين أم حبيبة بفتح الحاء المهملة بنت أبي سفيان بن صخر بن حرب القرشية الأموية - رضي الله تعالى عنها -
وفيه أنواع: الأول: في نسبها واسمها.
تقدم نسب أبيها، وأمها صفية بنت أبي العاص عمة عثمان بن عفان، قال ابن أبي خيثمة: أخبرنا مصعب بن عبد الله أن اسمها رملة، بفتح الراء وهو المشهور، ويقال: هند.
الثاني: في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - لها.
ويوم هجرتها إلى الحبشة، كانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند عبيد الله بن جحش، وولدت له حبيبة وبها كانت تكنى، وهاجر بها إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم تنصر هناك، ومات عنها على النصرانية، وبقيت أم حببية - رضي الله تعالى عنها - على دين الاسلام وأبى الله عز وجل لام حبيبة ألا تتنصر، فأتم الله تعالى - الاسلام والهجرة وتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فزوجه إياها والذي عقد عليها خالد بن سعيد بن العاص وأصدقها النجاشي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعمائة دينار على
خلاف محكي في الصداق، والعاقد، وبعثها مع شرجيل بن حسنة وجهزها من عنده، كل ذلك في سنة تسع، وقيل: كان الصداق مائتي دينار، وقيل: أربعة آلاف درهم، والأول النسب، وروى ابن سعد عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد الاموي، قال: قالت أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها -: رأيت في النوم كأن زوجي عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة فأصبحت، فإذا به قد تنصر، فأخبرته بالمنام، فلم يحفل وأكب على الخمر حتى مات فأتاني آت في النوم، فقال: يا أم المؤمنين، ففزعت فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن، فذكر (1) لام حبيبة خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها من النجاشي وروى الطبراني بسند حسن عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة وأنكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقية رضي الله تعالى عنها عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - من أجل أن أم حبيبة، أمها صفية بنت أبي العاص، وصفية عمة عثمان أخت عفان لابيه وأمه، وقدم بأم حبيبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرحبيل بن حسنة (2).
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 8 / 77 (2) انظر المجمع 9 / 252 (*)(11/193)
وروى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة، زوجه إياها النجاشي، فقيل لابي سفيان يومئذ وهو مشرك (يحارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (1): إن محمدا قد نكح ابنتك، قال: ذاك الفحل لا يقرع أنفه، قال: ودخل أبو سفيان على ابنته أم حبيبة فسمع تمازح النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: ما هو إلا أن تركتك فتركتك به العرب، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك وهو يقول: أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة !.
وروي أيضا عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة ست.
وروي أيضا عن الزهري، قال: زعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى النجاشي، فزوجه
إياها وساق عنه أربعين أوقية (2).
وروي أيضا عنه، عن عروة، عن أم حبيبة أنها كانت عند عبيد الله بن جحش وكان رحل إلى النجاشي فمات، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج بأم حبيبة وهي بأرض الحبشة زوجها إياه النجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم، وبعث بها مع شرحبيل ومهرها من عنده، وما بعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا.
وروى ابن الجوزي في الصفوة عن سعيد بن العاص قال: قالت أم حبيبة: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهها.
ففزعت فقلت: تغيرت والله حاله.
فإذا هو يقول حين أصبح: يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر دينا خيرا من النصرانية، وكنت قد دنت بها ثم دخلت في دين محمد، ثم رجعت في النصرانية.
فقلت: والله ما خير لك.
وأخبرته بالرؤيا التي رأيتها فلم يحفل بها وأكب على الخمر حتى مات: فأرى في النوم كأن آتيا يقول: يا أم المؤمنين ففزعت فأولتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتزوجني.
قالت: فما هو إلا أن قد انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن: فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت: إن الملك يقول لك إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلي أن أزوجه فقالت: بشرك الله بخير.
قالت: يقول لك الملك وكلي من يزوجك.
فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين
__________
(1) سقط في ج (2) أخرجه الحاكم 4 / 20 (*)(11/194)
كانتا في رجليها وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها سرورا بما بشرتها.
فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا
فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم -.
أما بعد: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أصدقتها أربعمائة دينار.
ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله، وأحمده وأستعينه وأستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون - أما بعد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها.
ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإن سنة الانبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج.
فدعا بطعام وأكلوا ثم تفرقوا.
قالت أم حبيبة: فلما وصل إلي المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني فقلت: لها: إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي فهذه خمسون مثقالا فخذيها فاستعيني بها.
فأبت وأخرجت حقا فيه كل ما كنت أعطيتها فردته علي وقالت: عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئا وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت لله عز وجل وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر.
قالت: فلما كان الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير فقدمت بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يراه علي وعندي فلا ينكره.
ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرأي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه.
قالت: ثم لطفت بي وكانت التي جهزتني، وكانت كلما دخلت علي تقول: لا تنسي حاجتي إليك.
قالت: فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي
أبرهة فتبسم وأقرأته منها السلام فقال: وعليها السلام ورحمة الله وبركاته.
الثالث: في طيها فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئلا يجلس عليه أبوها، حال شركه.
روى (ابن الجوزي) (1) في صفة الصفوة عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب
__________
(1) سقط في ج (*)(11/195)
المدينة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ودخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم طوته دونه فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه، فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك.
فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر.
الرابع: فيما نزل بسبب زواج أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - من القرآن.
قال الله - سبحانه وتعالى -: (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) [ الممتحنة 7 ].
الخامس: في وفاة أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - روى أبو عمر وابن الجوزي [...] قال أبو بكر بن أبي خيثمة: توفيت أم حبيبة قبل موت معاوية بسنة، سنة أربع وأربعين، ويقال: سنة اثنتين وأربعين، وقيل: سنة خمس وخمسين، قال البلاذري: والأول أثبت.
تنبيهات: الأول: اختلف فيمن زوجها فروي عن سعيد بن العاص، وروي عن عثمان بن عفان وليس بصواب، لان عثمان كان مقدمه من الحبشة قبل وقعة بدر، وهي ابنة عمته، وقال البيهقي: إن الذي زوجها خالد بن سعيد بن العاص - رضي الله تعالى عنه - وهو ابن عم أبيها، لان العاص بن أمية عم أبي سفيان بن حرب بن أمية، وروى النجاشي ويحتمل أن يكون النجاشي، هو الخاطب، والعاقد إما عثمان أو خالد بن سعيد بن العاص على ما تضمنه الحديث
السابق، وقيل: عقد عليها النجاشي وكان قد أسلم، وقيل: إنما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند مرجعها من الحبشة، والأول أثبت من ذلك كله.
وروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عمر بن أمية الضمري إلى النجاشي ليخطبها عليه فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة دينار، وبعث بها مع شرحبيل ابن حسنة - رضي الله تعالى عنه - فجاءه - صلى الله عليه وسلم - بها، فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم بعث عمرا للخطبة، وشرحبيل لحملها إليه، وكان ذلك في سنة سبع من الهجرة، وكان أبوها حال نكاحها بمكة مشركا محاربا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.
الثاني: روى ابن حبان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبي سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة، فلما قدم أرض الحبشة مرض، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة،(11/196)
وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة - رضي الله تعالى عنه - وفي هذا إشكالان أحدهما: في الاسم، فإن المشهور أنه عبيد الله بالتصغير كما تقدم ذكره وأنه تنصر.
ثانيهما: أن عبيد الله ثبت على إسلامه حتى استشهد بأحد - رضي الله تعالى عنه -.
الثالث: روى مسلم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - [ قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه.
فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله ! ثلاث أعطنيهن.
قال " نعم " قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها.
قال " نعم " قال: ومعاوية، تجعله كاتبا بين يديك.
قال " نعم ".
قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين.
قال " نعم ".
قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، ما أعطاه ذلك.
لانه لم يكن يسأل شيئا إلا قال " نعم " ].
الرابع: في بيان غريب ما سبق: أكب: [ أقبل عليه وشغل به ].
ما شعرت [...].
لا يقرع أنفه [ أي أنه كف ء كريم لا يرد ].(11/197)
الباب السابع في بعض فضائل أم المؤمنين سودة بنت زمعة - رضي الله تعالى عنها -
وفيه أنواع: الأول: في نسبها: تقدم نسب أبيها، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أم عبد المطلب.
الثاني: في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها: أسلمت قديما وبايعت.
كانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخي سهيل بن عامر بن لؤي، وشمر وسهل، وسليط، وحاطب، ولكل صحبة، ابن عمرو، وأسلم معها - رضي الله تعالى عنهما - وهاجرا إلى الحبشة في الهجرة الثانية، فلما قدما مكة مات زوجها، وقيل مات بأرض الحبشة، فلما حلت خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد العقد على عائشة - رضي الله تعالى عنها - ثم تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة أو (الثامنة) (1) من النبوة، ودخل بها بمكة بعد موت خديجة - رضي الله تعالى عنها -، قال ابن كثير: والصحيح أن عائشة عقد عليها قبل سودة، ولم يدخل بعائشة إلا في السنة الثانية من الهجرة، وأما سودة فإنه دخل بها بمكة، وسبقه إلى ذلك أبو نعيم وجزم به الجمهور، ومنهم قتادة، وأبو عبيدة معمر بن المثنى والزهري في رواية عقيل، وقال عبد الله محمد بن عقيل: تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد عائشة.
وروي القولان عن ابن شهاب، وقال يونس بن يزيد عنه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج سودة بالمدينة، قلت: وهي رواية شاذة وقع فيها وهم، والصحيح: أنها عائشة لا سودة كما تقدم، وتقدم في مناقب عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون - رضي الله تعالى عنه وعنها - أشارت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بزواجها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم فإذ كريها علي فذهبت إلى سودة وأبيها فقلت: ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة، فقالت: وما ذاك ؟ قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم أرسلني إليك لاخطبك عليه، قالت: وددت ذلك ولكن ادخلي على أبي، واذكري له ذلك، وكان شيخا كبيرا قد أدركته السن، فحييته بتحية أهل الجاهلية، فقلت: أنعم صباحك، فقال: ومن أنت ؟ فقلت: خولة
__________
(1) في ج: الثانية.
(*)(11/198)
فرحب بي، وقال ما شاء الله أن يقول.
قالت: فقلت: إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر ابنتك، قال: هو كف ء كريم، فما تقول صاحبتك ؟ قلت: تحب ذاك، قال: قولي له فليأت، قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فملكها وقدم عبد الله بن زمعة فوجد أخته قد تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحثا التراب على رأسه، فلما أسلم، قال: إني لسفيه يوم أحثوا التراب على رأسي أن تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أختي.
رواه الطبراني برجال ثقات والامام أحمد عن عائشة بسند جيد وعمر الملا وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت سودة بنت زمعة تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو قرأت في المنام كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل يمشي حتى وطئ عنقها، فاخبرت زوجها بذلك، فقال لئن صدقت رؤياك لاموتن وليتزوجنك محمد ثم رأت في المنام ليلة أخرى أن قمرا انقض عليها، [ من السماء ] وهي مضطجعة فأخبرت زوجها فقال: إن صدقت رؤياك، لم ألبث إلا يسيرا حتى أموت وتتزوجين من بعدي فاشتكى السكران من يومه ذلك، فلم يلبث إلا قليلا حتى مات، وتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم (1).
(الثاني) (2): في هبتها يومها لعائشة - رضي الله تعالى عنهما - تلتمس رضا رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -.
روى أبو عمر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما أسنت سودة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطلاقها، فقالت: لا تطلقني وأنت في حل مني فأنا أريد أن أحشر في أزواجك، وإني قد وهبت يومي لعائشة، وإني لا أريد ما يريد النساء فأمسكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي عنها مع سائر من توفي عنهن من أزواجه - رضي الله تعالى عنهن -.
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة، وأبو يعلى عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما من الناس أحد وفي لفظ: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة إلا أن بها حدة.
الرابع: في أمره - صلى الله عليه وسلم - سودة بالانتصار من عائشة، لما لطخت وجهها.
تقدم الحديث في مناقب عائشة - رضي الله تعالى عنها -.
الخامس: في إذنه - صلى الله عليه وسلم - لها في الدفع قبل الناس.
روى [ الشيخان ] عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: استأذنت سودة بنت
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 8 / 45.
(2) في ج: الثالث.
(*)(11/199)
زمعة - رضي الله تعالى عنها - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة [ أن تدفع قبل حطمة الناس - وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة - فأذن لها.
السادس: في شدة اتباعها لامره - صلى الله عليه وسلم -.
روى الامام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنسائه عام حجة الوداع: " هذه ظهور (الحصر) " (1)، قالت: فكن كلهن يحججن إلا زينب وسودة بنت زمعة فكانتا تقولان: والله، لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -.
السابع: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها -.
ماتت بالمدينة في آخر خلافة عمر، هذا وهو المشهور في وفاتها، ونقل ابن سعد عن الواقدي أنها توفيت سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية.
تنبيه في بيان غريب ما سبق: أنعم صباحا رحب [...].
حثا التراب [...].
مسلاخها: بكسر الميم وسكون السين المهملة وتخفيف اللام وبالخاء المعجمة: هديها وطريقتها.
أعجاز الابل: [ أي مؤخراتها ].
__________
(1) في ج: الحيض.
(*)(11/200)
الباب الثامن في بعض فضائل أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله تعالى عنها -
وفيه أنواع: الأول: في اسمها ونسبها.
تقدم نسب أبيها، وأمها أميمة بالتصغير بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روي عن زينب بنت أم سلمة - رضي الله تعالى عنهما - قالت: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش واسمها برة فغيرت إلى زينب.
الثاني: في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها وأن الله تعالى - زوجها واستخار بها ربها حين خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل قوله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) [ الاحزاب 37 ] الايات.
روى ابن أبي خيثمة عن معمر بن المثنى قال: تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة ثلاث من
الهجرة بالمدينة، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة خمس وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة.
الثالث: في فخرها على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بتزويج الله - تبارك وتعالى - إياها رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
كانت تفتخر على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها بنت عمته، وبأن الله تعالى - زوجها له وهن زوجهن أولياؤهن.
[ روى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اتق الله وأمسك عليك زوجك " قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهلوكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات ] (1).
الرابع: في نزول آية الحجاب بسبب - زينب - رضي الله تعالى عنها - روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ابنة جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلس يتحدثون، وإذا هو يتأهب للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقي الحجاب بيني وبينه فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) [ الاحزاب / 53 ] الاية (2).
__________
(1) أخرجه البخاري (7420) (2) أخرجه البخاري (4791) (*)(11/201)
روى ابن سعد عن أنس قال: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة.
الخامس: في وليمته - صلى الله عليه وسلم - عليها وفي هدية أم سليم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم ليلة دخوله على زينب.
روى ابن سعد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل بأهله فصنعت أم سليم حيسا من عجوة في تور من فخار قدر ما يكفيه وصاحبته وقالت: اذهب به إليه.
فدخلت عليه وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب، فقال: " ضعه ".
فوضعته بينه وبين الجدار فقال لي: " ادع أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ".
وذكر ناسا من أصحابه سماهم.
فجعلت أعجب من كثرة من أمرني أن أدعوه وقلة الطعام، إنما هو طعام يسير وكرهت أن أعصيه، فدعوتهم فقال: " انظر من كان في المسجد فادعه ".
فجعلت آتي الرجل وهو يصلى أو هو نائم فأقول: أجب رسول الله فإنه أصبح اليوم عروسا، حتى امتلا البيت، فقال لي: " هل بقي في المسجد أحد " ؟ قلت: لا.
قال: " فانظر من كان في الطريق فأدعهم ".
قال: فدعوت حتى امتلات الحجرة، فقال: " هل بقي من أحد " ؟ قلت: لا يا رسول الله.
قال: " هلم التور ".
فوضعته بين يديه فوضع أصابعه الثلاث فيه وغمزه وقال للناس: " كلوا بسم الله ".
فجعلت أنظر إلى التمر يربو أو إلى السمن كأنه عيون تنبع حتى أكل كل من في البيت ومن في الحجرة وبقي في التور قدر ما جئت به، فوضعته عند زوجته ثم خرجت إلى أمي لاعجبها مما رأيت، فقالت: لا تعجب، لو شاء الله أن يأكل منه أهل المدينة كلهم لاكلوا.
فقلت لانس: كم تراهم بلغوا ؟ قال: أحدا وسبعين رجلا، وأنا أشك في اثنين وسبعين.
وروى ابن أبي شيبة وابن منيع بسند صحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: أولم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على زينب فأشبع المسلمين خبزا ولحما حتى امتد وخرج الناس وبقي رهط يتحدثون في البيت وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصنع كما كان يصنع إذا تزوج فأتى أمهات المؤمنين، فسلم عليهن وسلمن عليه ودعا لهن ثم رجع وأنا معه.
الحديث.
تنبيه: تقدم في باب وليمته - صلى الله عليه وسلم - على نسائه عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعمهم خبزا ولحما، فيحتمل أن يكون هذا بعد ذاك.
السادس: في مسامات زينب عائشة بنت الصديق - رضي الله تعالى عنهما - وثناء عائشة عليها بالدين والصدق والصدقة وصلة الرحم.
روى [ مسلم ] عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كانت زينب بنت الصديق هي التي تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما رأيت امرأة قط(11/202)
خيرا من زينب في الدين وأتقى لله، وأصدق حديثا وأوصل للرحم، وأعظم صدقة (1).
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة من طرق عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لم يكن أحد من نسائه - صلى الله عليه وسلم - يساميني في حسن المنزلة عنده غيرها يعني زينب بنت جحش.
السابع: في وصف زينب - رضي الله تعالى عنها - بطول اليد كناية عن الصدقة كانت صناع اليدين تدبغ وتجزر، وتتصدق به في سبيل الله تعالى - امرأة صناع بفتح الصاد المهملة، إذا كانت لها صنعة تعلمها بيدها.
روى مسلم، وابن الجوزي في - الصفوة - عن عائشة والطبراني في - الاوسط - عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو يعلى بسند حسن عن أبي برزة - رضي الله تعالى عنه - قال: وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع نسوة فقال يوما: خيركن أطولكن يدا، فقامت كل واحدة تضع يدها على الجدار، فقال: لست أعني هذا أصنعكن يدين (2).
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " أولكن لحاقا بي أطولكن يدا " قالت: فكن يتطاولن أيهن أطول يدا، قالت: وكانت أطولنا يدا زينب، إنها كانت تعمل بيدها، وتتصدق، وفي لفظ البخاري: فكن إذا اجتمعنا في بيت أحدنا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نمد أيدينا في الجدار، نتطاول، فلم، نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت المرأة امرأة قصيرة، ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنما أراد طول اليد بالصدقة (3).
الثامن - في وصفه - - صلى الله عليه وسلم - زينب بأنها أواهة وزهدها، وورعها - رضي الله تعالى عنها روى الطبراني عن راشد بن سعد، قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
منزله ومعه عمر بن الخطاب فإذا هو بزينب تصلي وهي تدعو في صلاتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنها لاواهة ".
وروى أبو عمر عن عبد الله بن شداد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب -: " إن زينب بنت جحش أواهة " فقال رجل: يا رسول الله، ما الاواه ؟ قال: الخاشع المتضرع، (وإن) (4) إبراهيم لحليم أواه، وروى ابن سعد عن ميمونة بنت الحارث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال -: إنها أواهة قالت عائشة: لقد ذهبت حميدة فقيدة مفرع اليتامي والارامل.
__________
(1) أخرجه مسلم (2422) (2) أخرجه مسلم (2453) انظر المجمع 9 / 251 (3) أخرجه البخاري 3 / 226 ومسلم 2453 (4) في ج: (وأرى) (*)(11/203)
وروى ابن الجوزي عن عبد الله بن رافع عن برزة بنت رافع قالت: لما جاءنا العطاء بعث عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فلما دخل عليها قالت: غفر الله لعمر، لغيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا ؟ قالوا: هذا كله لك، قالت: سبحان الله ! وأستترت منه بثوب، وقالت: صبوه وأطرحوا عليه ثوبا، ثم قالت لي: أدخلي يدك واقبضي منه قبضة، فآذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها وأيتامها ففرقته حتى ما بقي منه بقية تحت الثوب فقالت لها برزة بنت رافع: غفر الله لك يا أم المؤمنين ! والله، لقد كان لنا في هذا حظ، قالت: فلكم ما تحت الثوب، فوجدنا تحته خمسة وثمانين درهما، ثم رفعت يديها إلى السماء، وقالت: اللهم، لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا فماتت.
التاسع - في وفاتها - رضي الله تعالى عنها -.
روى الطبراني برجال الصحيح عن ابن المنكدر - رحمه الله تعالى قال -: " توفيت زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنهما -.
وروى الطبراني برجال ثقات عن محمد بن إسحاق - رحمه الله تعالى - قال: " توفيت زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة عشرين انتهى وقيل: عاشت ثلاثا وخمسين، وصلى عليها عمر بن الخطاب.
وروى الطبراني عن الشعبي - رحمه الله تعالى - ! وهو لم يدرك عمر أنه صلى مع عمر على زينب.
وكانت أول نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - موتا وكان يعجبه أن يدخلها قبرها فأرسل إلى أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يدخلها قبرها ؟ فقلن: من كان يراها في حياتها، فليدخلها قبرها قال: كانت زينب بنت جحش أول نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوقا به ".
وروى البزار برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبزي - رحمه الله تعالى - وابن أبي خيثمة عن القاسم بن محمد - رحمه الله تعالى - أن عمر - رضي الله تعالى عنه - كبر على زينت بنت جحش أربعا، ثم أرسل إلى أزواج رسول الله - صلى عليه وسلم - من يدخل هذه قبرها ؟ فقلن: من كان يدخل عليها في حياتها، ثم قال عمر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول -: " أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا فكن يتطاولن بأيديهن، وإنما كان ذلك، لانها كانت صناعا تعين بما تصنع في سبيل الله.
تنبيه في بيان غريب ما سبق: الجدار [...] الخاشع [...].
المتضرع [...].(11/204)
الباب التاسع - في بعض فضائل أم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية - رضي الله تعالى عنها -
وفيه أنواع: الأول - في نسبها - تقدم نسب أبيها.
الثاني - في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها.
قال الزهري: كانت قبله تحب عبد الله بن جحش، فقتل عنها يوم أحد، وقال قتادة بن (أمامة) (1): كانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الطفيل بن الحارث.
رواهما ابن أبي خيثمة ولما خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلت أمرها إليه، فتزوجها، وأشهد، وأصدقها اثنتي عشرة أوقية وكساء.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين كانت قبله عند الحصين أو عند الطفيل بن الحارث بالمدينة، وهي أول نسائه موتا.
وقال ابن الكلبي: كانت عند الطفيل بن الحارث، فطلقها، فتزوجها أخوه عبيدة، فقتل يوم بدر شهيدا، ثم حلف عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتزوج أختها لامها ميمونة كذا قال ابن الكلبي، في رمضان على رأس أحد ثلاثين شهرا بعد حفصة.
قال ابن سعد: ماتت قبل أن يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة وأسكن أم سلمة في بيتها.
الثالث - في تكنيتها بأم المساكين.
روى الطبراني برجال ثقات عن الزهري - رضي الله تعالى عنه قال -: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت خزيمة وهي أم المساكين سميت بذلك، لكثرة إطعامها المساكين، وتوفيت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي.
وقال محمد بن إسحاق - رحمه الله تعالى -: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت خزيمة الهلالية.
وقال ابن أبي خيثمة: كانت تسمى أم المساكين في الجاهلية، وأرادت أن تعتق جارية لها سوداء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تفدي أخاك أو أختك من رعاية الغنم ؟.
__________
(1) في ج: (دعامة) (*)(11/205)
الرابع: في وفاتها - رضي الله عنها - قال الزهري، وقتادة لم تلبث عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا يسيرا وتوفيت بالمدينة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي، وقد مكثت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية أشهر، وقيل: شهرين وقيل: ثلاثة.
والصحيح أنها ماتت في ربيع الاول، وقيل: الاخر سنة أربع، ودفنت بالبقيع - رضي الله تعالى عنها - وقد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها.
وأورد ابن منده في ترجمتها حديثا " أو لكن لحاقا بي أطولكن يدا "، وتعقبوه بأن المراد بذلك زينب بنت جحش، لانه المراد.
بلحوقهن به موتهن بعده، وهذه ماتت في حياته.(11/206)
الباب العاشر - في بعض فضائل أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث - رضي الله تعالى عنها -
وفيه أنواع: الأول - في اسمها ونسبها.
كان اسمها برة، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة، وهي خالة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - وروى ابن أبي خيثمة بسند صحيح عن مجاهد - رحمه الله تعالى قال -: كان اسم ميمونة برة، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة.
وتقدم نسب أبيها، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث حماطة بن جرش وأخواتها: أم الفضل لبابة الكبرى زوج العباس - رضي الله تعالى عنهم -، ولبابة الصغرى زوج الوليد بن المغيرة المخزومي أم خالد بن الوليد، وعصمة بنت الحارث وكانت تحت أبي بن خلف، فولدت له أبا أبي، وعزة بنت الحارث كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك الهلالي، فهؤلاء إخوتها لابيها وأمها، وإخوتها (لامها) (1) أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر - رضي الله تعالى عنهما -، فولدت له عبد الله، ومحمدا وعوفا ثم مات، فخلق عليها أبو بكر
الصديق - رضي الله تعالى عنه - فولدت له محمدا ثم مات فخلف عليها علي بن أبي طالب، فولدت له يحيى رضي الله تعالى عنه، وسلمة بنت عميس كانت تحت حمزة بن عبد المطلب، فولدت له أمة الله بنت حمزة، ثم خلف عليها شداد بن أسامة بن الهاد الليثي، فولدت له عبد الله، وعبد الرحمن، وسلافة بنت عميس كانت تحت عبد الله بن كعب بن منبه الخثعمي، وكان يقال: أكرم عجوز في الارض (أمها) (2) هند بنت عوف أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق، وحمزة، والعباس ابنا عبد المطلب وجعفر وعلي ابنا أبي طالب، وشداد بن الهاد.
الثاني: في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها.
روى ابن أبي خيثمة عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال: كانت ميمونة قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت أبي رهم بضم الراء، وسكون الهاء، ابن عبد العزي القرشي القامري من بني مالك بن حنبل، فوهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: كانت عند غيره.
وروي أيضا عن قتادة قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اعتمر بمكة ميمونة بنت الحارث وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها نزلت (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن
__________
(1) سقط في ج.
(2) في ج: أصهارا (*)(11/207)
أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) [ الاحزاب 50 ]، ثم سافرت معه إلى المدينة، وكانت قبله عند فروة بن عبد العزي بن أسد بن غنم بن دودان.
وروى أيضا عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر، توجه إلى مكة معتمرا سنة سبع وقدم عليه جعفر بن أبي طالب من الحبشة، فخطب عليه ميمونة بنت الحارث الهلالية، وكانت أختها لامها أسماء بنت عميس عند جعفر، فأجابت جعفرا إلى تزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم وجعل أمرها إلى العباس بن عبد المطلب فأنكحها العباس
النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم في عمرة القضية سنة ثمان فلما رجع بنى بها بسرف، وكانت قبله عند أبي رهم بن عبد العزي بن عامر بن لؤي، ويقال: عند سخبرة بن أبي رهم.
وروى الامام أحمد، والنسائي عن ابن عباس - (رضي الله تعالى عنه) - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب ميمونة بنت الحارث فجعلت أمرها إلى العباس، فزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن أبي خيثمة عنه قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحية بن جزء ورجلين آخرين يخطبها وهو بمكة، فردت أمرها إلى أختها أم الفضل فردت أم الفضل أمرها إلى العباس، فأنكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى أيضا عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة بنت الحارث في عمرة القضاء وأقام بمكة، وأقام ثلاثا فأتاه حويطب بن عبد العزى وأسلم بعد ذلك في نفر من قريش في اليوم الثالث، فقالوا له: انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال: وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما فحضرتموه، فقالوا: لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا، فخرج [...] ميمونة بنت الحارث حتى أعرس بها بسرف.
وروى [...] عن ابن عقبة عن ابن شهاب - رحمه الله تعالى - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام القابل إلى المدينة معتمرا في ذى القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام حتى إذا بلغ يأجج بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بن الحارث بن حزن العامرية، فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب.
وكانت [...].
وروى ابن أبي خيثمة عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلالان بسرف.
وروى الطبراني برجال ثقات عن الزهري - رحمه الله تعالى - أن ميمونة بنت الحارث هي التي وهبت نفسها.
وروى الستة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج(11/208)
ميمونة وهو محرم، وفي رواية عند البخاري: تزوج ميمونة في عمرة القضاء.
وروى الامام أحمد عنه قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو محرم.
وروى الترمذي وحسنه عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال وأنا كنت الرسول بينهما.
وروى مسلم عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها بالمدينة، وهو حلال.
وروى ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى - رحمه الله تعالى - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة سنة خمس، قال ابن سعد: هي آخر امرأة تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني ممن دخل بها.
الثالث: في وفاتها.
ماتت: - رضي الله تعالى عنها - بسرف موضع - بنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفنت في موضع بيتها التي ضرب لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين البناء بها وذلك سنة إحدى وستين.
وروى الطبراني في - الاوسط - برجال الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة بسرف وبنى بها بسرف، وماتت بسرف.
وروى الطبراني برجال ثقات عن محمد بن إسحاق - رحمهما الله تعالى - قال: ماتت ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحرة سنة ثلاث وستين.
شرح غريب ما سبق سرف - بفتح السين المهملة وكسر [ موضع على ستة أميال من مكة من طريق مرو، وقيل: سبعة وتسعة واثنا عشر ].
[ الحرة: يوم انتهب فيه المدينة عسكر الشام أيام يزيد بن معاوية وكان ذلك في حرة (واقم ].(11/209)
الباب الحادي عشر في بعض مناقب أم المؤمنين جويرية بنت الحارث الخزاعية ثم المصطلقية - رضي الله تعالى عنها -
وفيه أنواع: الأول: في اسمها ونسبها.
روى ابن أبي خيثمة، وأبو عمر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان اسم جويرية برة، فغيره رسو الله - صلى الله عليه وسلم - وسماها جويرية.
كره أن يقال خرج من عند برة، وهي جويرية، - بضم الجيم مصغر - بنت الحارث بن أبي ضرار - بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الراء - ابن الحارث بن المصطلق، وأمها [...].
الثاني: في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها.
قال ابن أبي خيثمة: كانت قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - عند مسافع - بميم مضمومة فسين مهملة وبعد الالف فاء مكسورة - قتل كافرا ابن صفوان، سبيت يوم المريسيع في غزوة بني المصطلق ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها على تسع أواق، فأدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها كتابتها وكان اسمها برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية وقيل: كان يطؤها بملك اليمين، والأول هو الراجح.
وروى الامام أحمد وأبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهتها وقلت: يرى منها ما قد رأيت، فلما دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فأعني على كتابتي قال: أو خير
من ذلك، أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك، فقالت: نعم، ففعل، فبلغ الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تزوجها، فاقالوا: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترقون فأعتقوا بأيديهم من بني المصطلق، فلقد أعتق - الله تعالى - لها مائة أهل بيت من بني المصطلق فلا أعلم امرأة أعظم منها على قومها بركة (1).
وروى ابن سعد عن أبي قلابة، بكسر القاف وبالموحدة، قال: جاء أبو جويرية، فقال: لا
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 277 (*)(11/210)
يسبى مثلها، فخل سبيلها، فقال: بل أخيرها، قال: قد أحسنت، فأتى أبوها، فقال: إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا، قالت: فإني أختار الله ورسوله (1).
وروى البيهقي عنها قالت: رأيت قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث ليال كأن قمرا يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبر بها أحدا من الناس حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما سبينا رجوت الرؤيا فاعتقني وتزوجني وأسلم أبوها بعد ذلك.
وروى الطبراني - مرسلا - برجال الصحيح عن الشعبي - رحمه الله تعالى - قال: كانت جويرية ملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقها، وجعل عتقها صداقها، وأعتق كل أسير من بني المصطلق.
وروى الطبراني - بسند حسن - عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال: سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار يوم واقع بني المصطلق وروى الطبراني مرسلا برجال الصحيح - عن مجاهد - رحمه الله تعالى - قال: قالت جويرية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أزواجك يفتخرن علي ويقلن لم يتزوجك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أولم أعظم صداقك، ألم أعتق أربعين من قومك ؟.
وتقدم في غزوة بني المصطلق بأبسط مما هنا.
الثالث: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - ماتت في ربيع الأول سنة خمسين وهو الصحيح، وقيل: سنة ست وخمسين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة وقد
بلغت سبعين سنة، لانه تزوجها سنة عشرين، وقيل: هي بنت عشرين سنة، وقيل: توفيت سنة خمسين وهي بنت ست وخمسين والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 8 / 93 (*)(11/211)
الباب الثاني عشر في بعض مناقب أم المؤمنين صفية بنت حيي - رضي الله تعالى عنها -
وفيه أنواع: الأول في نسبها.
هي صفية بنت حيي بضم الحاء المهملة، وكسر وبمثناتين تحتيتين الاخيرة مشددة ابن أخطب بخاء معجمة فطاء مهملة وزن أكبر ابن شعية بفتح الشين والعين المهملتين بعدهما تحتية ابن ثعلبة بن عامر بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير - بفتح النون وكسر الضاد المعجمة - ابن النحام بن ينحوم كما في الانساب أو يتحوم، وكان أبوها سيد بني النضير، وهو من سبط لؤي بن يعقوب ثم من ذرية نبي الله ورسوله هارون بن عمران أخي موسى - عليهما الصلاة والسلام - قال الحافظ: ولد صفية بنت حيي مائة نبي، ومائة ملك ثم سيرها - الله تعالى - أمة لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، وكان أبوها سيد بني النضير، فقتل مع بني قريظة، وأمها برة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل القرظي.
الثاني: في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها.
كانت عند سلام، بالتخفيف والتشديد، ابن مشكم، بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الكاف، ثم خلف عليها كنانة، بكسر الكاف ونونين، ابن الربيع بن أبي الحقيق، بحاء مهملة وقافين مصغر ولم تلد لاحد منهما شيئا، وكانت عند سلمة لم تبلغ سبع عشرة سنة.
وروى الطبراني برجال ثقات قال: سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي بن
أخطب من بني النضير، فقدم خيبر وهي عروس بكنانة بن أبي الحقيق.
وروى الطبراني بسند جيد عن حسن بن حرب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أفاء الله عليه صفية قال لاصحابه: ما تقولون في هذه الجارية ؟ قالوا: نقول: إنك أولى الناس بها وأحقهم، قال: فإني (أعتقها وأنكحها) (1)، وجعلت عتقها مهرها، فقال رجل: الوليمة يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الوليمة أول يوم حق، والثانية معروف، والثالثة: فخر ؟.
وروي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، فلما فتح - الله تعالى الحصن عليه صارت صفية بنت حيي لدحية في مقسمه، وكانت عروسا وقد قتل زوجها، وجعلوا يمدحونها، عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون: ما رأينا في السبي
__________
(1) في ج (قد أعتقتها واستنكحتها) (*)(11/212)
مثلها، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى دحية فاشتراها بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها في بيتها، وتعتد في بيتها فخرج بها أو جعلها خلف ظهره، فلما نزل ضرب عليها الحجاب، فتزوجها وجعل عتقها صداقها، وأقام ثلاثة أيام حتى أعرس بها، وكان قد ضرب عليها الحجاب، وفي رواية: حتى إذا بلغنا سدا الروحاء فبنى بها ثم صنح حيسا في نطع صغير ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ادن من حولك وفي رواية: فلما أصبح، قال: من كان عنده فضل زاد فليأتنا به فكان الرجل يأتي بفضل التمر وفضل السويق حتى جعلوا من ذلك حيسا في نطع صغير، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء، فكانت تلك وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية، وقال الناس: لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير، فعرفوا أنه قد تزوجها ثم رجعنا إلى المدينة، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحوي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيرها فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب، فانطلقنا حتى إذا رأينا جدار المدينة هششنا إليها ورفعنا مطينا ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم مطيته وصفية خلفه قد أردفها فعثرت مطية رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فصرع وصرعت، فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسترها فأتيناه فقال: " لم نضر " فقدم المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها.
وروى ابن أبي خيثمة عنه قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم تزوج صفية وجعل عتقها صداقها وروى أيضا عنه قال: أعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية وجعل عتقها صداقها.
وروى أيضا عن قتادة - رحمه الله تعالى - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بنات هارون - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي بن أخطب فكانت مما أفاء الله - تعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر، فكانت قبله عند كنانة بن أبي الحقيق فقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر وأخذ صفية فتزوجها وجعل عتقها مهرها.
وروى أيضا عن صفية - رضي الله تعالى عنها - قالت: أعتقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل عتقي صداقي.
وروى أيضا عن الزهري قال: سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير وكانت مما أفاء الله عليه فقسم لها وحجبها، وكانت من نساء أمهات المؤمنين.
وروى أبو يعلى عن رزينة مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبى صفية يوم قريظة والنضير حين فتح الله تعالى عليه - فجاء بها يقودها مسبية فلما رأت النساء، قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فأرسلها، وكان ذراعها في يده فأعتقها وتزوجها وأمهرها رزينة، قال الهيثمي: وهو مخالف لما في الصحيح.(11/213)
وروى أبو يعلى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام، وبسط نطعا جاءت به أم سليم، وألقى عليه أقطا وتمرا، وأطعم الناس ثلاثة أيام، وهو في الصحيح دون قوله: وجعل الوليمة ثلاثة أيام (1).
وروى ابن منيع والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى برجال ثقات، والامام أحمد برجال الصحيح عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: لما دخلت صفية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فسطاطه حضرنا وحضرت معهم ليكون فيها قسم، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " قوموا عن أمكم "، فلما كان العشي خرج إلينا وفي طرف ردائه من مد ونصف من تمر عجوة، فقال: " كلوا من وليمة أمكم " (2).
وروى البزار بسند جيد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يولم على أحد من نسائه إلا صفية.
وروى أبو بكر بن خيثمة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر اصطفى صفية ابنة حيي لنفسه، وخرج بها رسول الله - صلى الله عليه سلم - يردفها وراءه، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع رجله حتى تقوم عليها، فتركب فلما بلغ سد الصهباء عرس بها فصنع حيسا من نطع وأمرني فدعوت له من حوله، فكانت تلك وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال سنة سبع، وكانت مما أفاء الله - تعالى - على رسوله يوم خيبر، كان فتح خيبر في رمضان.
وروي (3) عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى صفية بنت حيي بسبعة أرؤس وخالفه عبد العزيز بن صهيب عن عميرة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - فقالوا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما جمع سبي خيبر جاء دحية بن خليفة الكلبي فقال: أعطني جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية.
الحديث.
الثالث: في رؤياها ما يدل على زواجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
روى الطبراني برجال الصحيح وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان بعين صفية خضرة، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بعينيك ؟، فقالت: قلت لزوجي إني رأيت فيما يرى النائم كأن قمرا وقع في حجري، فلطمني، وقال: أتريدين ملك
__________
(1) أخرجه مسلم 2 / 1046 (2) أخرجه أحمد 6 / 134
(3) في ج: تقدم (*)(11/214)
يثرب.
قلت: وما كان أبغض إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل أبي وزوجي فما زال يعتذر إلي، وقال: يا صفية، إن أباك ألب علي العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذاك من نفسي (1).
وروى الطبراني وابن أبي عاصم عن أبي برزة - رضي الله تعالى عنه - قال: لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر وصفية عروس فرأت في المنام أن الشمس وقعت على صدرها فقصتها على زوجها، وفي رواية: على أمها فقال: والله ما تمنين إلا هذا الملك الذي نزل، فافتتحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضرب عنق زوجها.
الحديث.
ولا مخالفة بينها وبين الرواية التي قبلها باعتبار التعدد فقصت ذلك على أبيها أولا ثم على زوجها ثانيا، ولهذا اختلفت العبارة في التعبير.
الرابع: في اعتذاره - صلى الله عليه وسلم - إليها.
روى أبو يعلى بأسانيد ورجال الاولى رجال الصحيح إلا جندب بن هلال، لم يدرك صفية، عن صفية - رضي الله تعالى عنها - قالت: انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما من الناس أحد أكره إلي منه، فقال: " إن قومك صنعوا كذا أو كذا " قالت: فما قمت من مقعدي، وما من الناس أحد أحب إلي منه، وفي رواية عنها: قالت: ما رأيت قط أحسن خلقا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته ركب من خيبر على عجز ناقته ليلا، فجعلت أنعس، فيضرب رأسي بمؤخر الرحل فيمسني بيده، ويقول يا هذه، مهلا يا بنت حيي، حتى إذا جاء الصهباء، قال: أما إني أعتذر إليك، يا صفية بما صنعت بقومك، إنهم قالوا لي كذا وكذا (2)...الخامس: في قوله - صلى الله عليه وسلم - إنك لابنة نبي وإن عمك نبي، وإنك تحت نبي.
روى ابن سعد عن صفية - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقال: يابنة حيي، ما يبكيك ؟ قالت: بلغني أن حفصة وعائشة ينالان مني، ويقولان: نحن خير منها، نحن بنات عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه، قال: ألا قلت لهن كيف تكن خيرا
مني وأبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد - صلى الله عليه وسلم - (3).
السادس: في رفقه - صلى الله عليه وسلم - ولطفه.
روى أبو عمر الملا عن صفية - رضي الله تعالى عنها - قالت: حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنسائه، فلما كان ببعض الطريق نزل جملي وكنت من أحسنهن ظهرا فبكيت، فجاء رسول
__________
(1) أخرجه الطبراني 9 / 254 (2) انظر المجمع 9 / 255 (3) أخرجه ابن سعد في الطبقات 8 / 100 (*)(11/215)
الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل يمسح دموعي بردائه ويده ويقول: وجعلت لا أزداد إلا بكاء، وهو - صلى الله عليه وسلم - ينهاني فلما أكثرت زبرني وانتهرني وأمر الناس بالنزول فنزلوا ولم يكن يريد أن ينزل قالت: فنزلوا وكان يومي فلما نزلوا ضرب خباء النبي صلى الله عليه وسلم ودخل فيه قالت: فلم أدر علام أهجم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم وخشيت أن يكون في نفسه شئ منى فانطلقت إلى عائشة فقلت لها: تعلمن أني لم أكن أبيع يومي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ أبدا وإني قد وهبت يومي لك على أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عني قالت: نعم، قال: فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران فرشته بالماء ليذكي ريحه ثم لبست ثيابها ثم انطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفعت طرف الخباء فقال لها: " مالك يا عائشة إن هذا ليس يومك " قالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فقال: مع أهله فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: يا زينب أفقري أختك صفية جملا وكانت من أكثرهن ظهرا فقالت: أنا أفقر يهوديتك فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سمع ذلك منها فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة والمحرم وصفر فلم يأتها ولم يقسم لها ويئست منه فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها فرأت ظله فقالت: إن هذا لظل رجل وما يدخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن هذا ؟ دخل النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأته قالت: يا رسول الله ما أدري ما أصنع حين دخلت علي قالت: وكانت لها جارية وكانت تخبؤها من
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سرير زينب وكان قد رفع فوضعه بيده ثم أصاب أهله ورضي عنهم.
السابع: في إرادة احتباسه - صلى الله عليه وسلم - وحمله الحجر مراعاة لصفية - رضي الله تعالى عنها -.
روي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كنا نتخوف أن تحيض صفية.
الثامن: في خروجه من معتكفه تكرمة لصفية - رضي الله تعالى عنها -.
[ روى ابن ماجه عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الاواخر من شهر رمضان - فتحدثت عنده ساعة من العشاء.
ثم قامت تنقلب.
فقام معها رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها.
حتى إذا بلغت باب المسجد الذي كان عند مسكن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فمر بها رجلان من الانصار.
فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نفذا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم " علي رسلكما إنها صفية بنت حيي " قالا: سبحان الله.
يا رسول الله ! وكبر عليهما ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ".(11/216)
التاسع: في حلم صفية - رضي الله تعال عنها - وروى أبو عمر بن عبد البر أن جارية لصفية قالت لعمر إن صفية - رضي الله تعالى عنها - تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله تعالى يوم الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت ؟ قالت: الشيطان، قالت: اذهبي فأنت حرة (1).
ا.
ه.
العاشر: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - ماتت - رضي الله تعالى عنها - سنة خمسين في رمضان وقيل سنة اثنين وخمسين، ودفنت بالبقيع.
قال ابن أبي خيثمة: بلغني أنها ماتت في زمن معاوية، وورثت مائة ألف درهم، بقيمة أرض وأعراض، وأوصت لابن أختها بالثلث وكان يهوديا (2).
تنبيهان الأول: في الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل وهن إحدى عشرة، وهو صريح في الجمع إحدى عشرة، في وقت واحد، فهن التسع اللاتي مات عنهن، واثنتان غيرهن، ولا يجوز أن تكون إحداهما زينب بنت خزيمة، لانه يجمع بينها وبين أختها لامها ميمونة، نعم، يجوز أن تكون من الثلاثة التي دخل بهن وفارقهن، إما أسماء، أو فاطمة، أو عمرة.
وقال ابن كثير: المراد بالاحدى عشرة: التسع المذكورات، والجاريتان ميمونة وريحانة.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: سد الروحاء...والحيس، والنطع:...تقدم الكلام عليهما.
يحوي: [ أي يتجمع بردائه ويستدير ].
بالعباءة: [...].
الركبة: [...].
هششنا: [ انشرح صدرنا هشوشا به ].
__________
(1) انظر السير 2 / 232.
(2) انظر الطبقات لابن سعد 8 / 102 (*)(11/217)
المطية: [...].
الصرع: [...].
الاقط: [ لبن محمض يجمد حتى يشجر ويطبخ به ].
الرداء: [...].
المد: [ مكيال قديم اختلف الفقهاء في تقديره بالكيل المصري ].
تمر: [...].
صد الصهباء: [ وهو موضع على روحة من خيبر ].
عجوة: [...].
عرس: [ نزل آخر الليل للراحة ].
لطمني: [...].
أحرسهن: [ أعياهن، يقال: حسرت دابتة أي أعيت ].
زبرني: [ انتهرني ] والله أعلم.(11/218)
الباب الثالث عشر في ذكر سراريه - صلى الله عليه وسلم -
روى ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع ولائد: مارية القبطية، وريحانة من بني قريظة أو من بني النضير على خلاف في ذلك، وكانت له جارية أخرى جميلة أصابها في السبي، فكاد بها نساءه وخفن أن تغلبهن عليه، وكانت له جارية أخرى نفيسة وهبتها له زينب بنت جحش وكان هجرها صفية بنت حيي ذا الحجة، والمحرم، وصفر، فلما كان في شهر ربيع الأول الذي قبض فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي عن زينب ودخل عليها، فقالت: ما أدري ما أخبرك به فوهبتها له.
انتهى كلام أبي عبيدة.
فأما مارية القبطية فهي بنت شمعون بفتح الشين المعجمة، أم ولده إبراهيم أهداها له المقوقس في سنة سبع من الهجرة، ومعها أختها سيرين، بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية، وكسر الراء، وبالنون وخصي يقال له مابور وألف مثقال ذهبا، وعشرين ثوبا لينا وبغلته الدلدل وغير ذلك فأسلمت، وأسلمت أختها، وكانت بيضاء جميلة، أنزلهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم
في العالية في المال الذي يقال له [ اليوم مشرية أم إبراهيم، وكان يختلف إليها هناك إلى أن ماتت في المحرم سنة ست عشرة.
وروى البزار، والضياء المقدسي في صحيحه عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال كثر على مارية أم إبراهيم في قبطي ابن عم لها كان يزورها ويختلف إليها، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذ هذا السيف وانطلق به، فإن وجدته عندها فاقتله، قال: قلت: يا رسول الله، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة، لا يثنيني شئ حتى أمضي لما أمرتني به أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ؟ قال: بل الشاهد يرى مالا يرى الغائب، فأقبلت متوشحا بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف، فلما رآني أقبلت نحوه، عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقي، ثم رمى بنفسه، قال قتادة: ثم شخر برجله فإذا هو أجب أمسح، ما له قليل، ولا كثير، فغمدت السيف، ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: " الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت " (1).
وروى البزار بسند جيد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: لما ولد إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مارية جاريته، وقع في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - منه شئ، حتى أتاه جبريل - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك أبا إبراهيم انتهى (2).
__________
(1) انظر المجمع 4 / 332 (2) انظر المجمع 4 / 332 (*)(11/219)
وأما ريحانة فهي بنت زيد بن عمرو بن خنافة بن شمعون بن زيد من بني النضير وبعضهم يقول: من بني قريظة، وكانت متزوجة فيهم رجلا يقال له الحكم، وكانت جميلة وسيمة، وقعت في سبي بني قريظة، وكانت صفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخيرها بين الاسلام ودينها فاختارت الاسلام، فأعتقها وتزوجها، وأصدقها اثنتي عشرة أوقية، وساروا وأعرس بها في المحرم سنة ست في بيت سلمى بنت قيس البخارية بعد أن حاضت حيضة، وضرب
عليها الحجاب، فغارت عليه غيرة شديدة، فطلقها تطليقة، فأكثرت البكاء، فدخل عليها وهي على تلك الحال، فراجعها، ولم تزل عنده حتى ماتت بعد مرجعه من حجة الوداع سنة عشر، وقيل: كانت موطوءة له بملك يمين وبهذا جزم خلائق.
تنبيهان: الأول: وقع في العيون أن ريحانة هذه ابنة شمعون مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال الحافظ أبو الخير شمس الدين السخاوي في كتابه - الفجر المتوالي - بمن انتسب للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الخدم والموالي: شمعون والد شترية النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره الدميري تبعا لغيره، وهو بالشين المعجمة.
انتهى، وهو وهم بلا شك، فإنها من بني قريظة أو من بني النضير كما تقدم، وأبوها: ريحانة الذي تقدم ذكره في جملة الخدام.
قيل فيه: الازدي أو الانصاري أو القرشي ويجمع بين الاقوال، بأن الانصار من الازد، ولعله خالف بعض قريش، وأما والد ريحانة سرية النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقل أحد إنه أزدي أو قرشي أو أنصاري وهو من بني إسرائيل، ولا قال أحد إنه أسلم، ولا إنه خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو غير الذي ذكروه قطعا، ثم إن أبا ريحانة سمعون بإهمال السين وبالعين، وقيل: بإعجامها، وقيل: بإعجام الشين وإهمال العين.
وجزم الحافظ ابن حجر بالثاني في كتابه تبصير المنتبه ولم يرجح شيئا في كتابه " الاصابة ".
الثاني: في بيان غريب ما سبق: كادجها: [...].
السكة: [ هي التي تحرث بها الارض ].
متوشحا: [ ملتفا بثيابه ].
يثنيني: [...].
رقي: [...].
شخر برجله: [ من شخر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول ].
اخترطت السيف: [ أي سللته من غمدة ].
الوسيم: [ الجميل ].(11/220)
الباب الرابع عشر في ذكر من عقد عليها ولم يدخل بها - صلى الله عليه وسلم - على خلاف في بعضهن، هل هي ممن عقد عليها أم لا ؟
والكلام في ذلك طويل الذيل، والخلاف فيه منتشر، حتى قال في زاد المعاد بعد أن ذكر النسوة اللاتي دخل بهن: وأما من خطبها ولم يتزوج بها فنحو أربع أو خمس.
قال الحافظ الدمياطي: هو ثلاثون امرأة، وأهل السير وأحواله لا يعرفون هذا بل ينكرونه، والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها، فدخل عليها ليخطبها، فاستعاذت منه، فأعاذها ولم يتزوجها، وكذلك الكلابية، وكذلك من رأي بكشحها بياضا، فلم يدخل بها، والتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن، هذا هو المحفوظ، وإذا علم ذلك فأذكر ما وقفت عليه منهن.
الاولى: هي خولة بنت الهزيل بن الهبيرة بن قبيصة بن الحارث بن حبيب حرفة بن ثعلبة بن بكر بن حبيب بن عمرو بن ثعلبة الثعلبية، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكره الجرجاني النسابة وهلكت في الطريق قبل أن تصل إليه، كما نقله أبو عمر بن عبد البر عن الجرجاني النسابة وذكرها أيضا المفضل بن غسان الغلائي بغين معجمة مفتوحة، فتحتية، فلام على الصحيح في تاريخه عن علي بن صالح عن علي بن مجاهد، فذكر مثل ما تقدم وزاد، فحملت إليه من الشام، فماتت في الطريق، وأمها خرنق بنت خليفة، أخت دحية الكلبي.
الثانية: عمرة بنت يزيد بن الجون الكلابية وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد بن أوس بن كلاب الكلابية، قال أبو عمر: وهذا أصح، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتعوذت منه حين دخلت عليه، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد عذت بمعاذ، فطلقها، ثم أمر أسامة بن زيد فمتعها بثلاثة أثواب قال أبو عمر: هكذا روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
قال قتادة: كان ذلك في امرأة من سليم، وقال عبيدة: كان ذلك لاسماء بنت النعمان
ابن الجون، وهكذا ذكره ابن قتيبة، وقال في عمرة هذه: إن أباها وضعها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: وأزيدك أنها لم ترمض قط، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لهذه عند الله من خير (1).
وروى الطبراني برجال ثقات غير شيخه القاسم بن عبد الله، وهو ضعيف، وقد وثق عن سهل بن حنيف - رضي الله تعالى عنه - قال: فارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخت بني عمرو بن كلاب وأخت بني جون الكندية من أجل بياض كان بها.
وروى الطبراني برجال ثقات عن عثمان بن أبي سليمان - رحمه الله تعالى - أن
__________
(1) انظر المجمع 9 / 257.
(*)(11/221)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح امرأة من كندة ولم يجامعها، فتزوجت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففرق عمر بينهما، وضرب زوجها، فقالت: اتق الله، يا عمر إن كنت من أمهات المؤمنين، فاضرب علي الحجاب، وأعطني مثل ما أعطيتهن، قال: أما هنالك فلا، قالت: فدعني أنكح، قال: لا، ولا نعمة ! ولا أطمع في ذلك أحد (1).
وروى ابن أبي خيثمة، والامام أحمد عن ابن أسيد - رضي الله تعالى عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهينا إلى حائط يقال له الشوط فجئنا حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجلسوا هاهنا ودخل هو فأتى بالجونية، فأنزلت في بيت أميمة بنت النعمام، ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هيئي نفسك لي، قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت: أعوذ بالله منك ! قال: عذت بمعاذ، ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، اكسها رازقين، وألحقها بأهلها.
رواه البخاري تعليقا (2).
وروي عن عروة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: إن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أدخلت عليه، قالت: إني أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بمعاذ، فطلقها، وأمر أسامة أو النساء بثلاثة أثواب وأوقية، وقيل: إنه بلغه أن بها بياضا، فطلقها
ولم يدخل بها.
وروى البخاري وأبو داود عنها أن ابنة الجون لما دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك ! فقال: " لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك ".
الثالثة: أسماء بنت الصلت جزم بها الحافظ مغلطاي في الاشارة.
وقال في الزهد وذكر الحاكم في الاكليل أنه تزوجها ولم يدخل بها، وقال الحافظ قطب الدين الحلبي في - المورد العذب -: ذكرها أحمد بن صالح من أزواجه - صلى الله عليه وسلم - قال القطب: وذكرها الحاكم، وقال: من بني حرام، بحاء مهملة مفتوحة فراء، من بني سليم، بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون التحتية، لم يدخل بها، وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر في القسم الرابع في - الاصابة - فيمن ذكر في الصحابة غلطا، انفرد قتادة بتسميتها أسماء وإنما اسمها سنا بنت أسماء، قلت: وفي ذلك نظر ! قال قتادة: وذكر أسماء وسنا كما رواه ابن عساكر عنه، وتابع قتادة الحافظ أحمد بن صالح المصري، وناهيك به اتفاق على الاولى.
__________
(1) انظر المجمع 9 / 257.
(2) أخرجه البخاري (5255) (*)(11/222)
الرابعة: أسماء بنت كعب الجونية فلم يدخل بها وجرى على ذلك في المورد والزهد، وقال الحافظ ابن حجر في الاصابة: أسماء بنت كعب تأتي في أسماء بنت النعمان، وكأنها عنده واحدة، ولم يذكر في ترجمة ابن النعمان أنه يقال لها: ابنة كعب، ولا ذكر ذلك في نسب أبيها في ترجمته والظاهر أن ابنة كعب غير ابنة النعمان، وإن كان كل منهما من بني الجون، والجون يأتي ضبطه.
الخامسة: أسماء بنت النعمان بن الجون، ويقال: ابن أبي الجون بن شرحبيل، قال الحافظ ابن حجر في - الاصابة -: وقيل: بنت النعمان بن الاسود إلى آخره، وجرى على ذلك
في العيون، فعلى ما في المورد فالاسود على القول الثاني أبوها، وعلى ما في الاصابة جدها، قال الحافظ أبو الفتح اليعمري في العيون: ولا أراها والتي قبلها إلا واحدة.
قال الحافظ أبو عمرو بن عبد البر: أجمعوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها، واختلفوا في قصة فراقها، فروي ابن أبي خيثمة عن قتادة - رحمة الله عليه - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل اليمن أسماء بنت النعمان من بني الجون، فلما دخلت عليه، دعاها فقالت: تعال أنت، وأبت أن تجئ.
وروى بعضهم أنها قالت: أعوذ بالله منك قال: لقد عذت بمعاذ، فقد أعاذك الله، فطلقها، وهذا بطل.
إنما قال هذا لامرأة من بني سليم سيأتي فيها، وأعرب صاحب الزهد فقال: إن آمنة بنت الضحاك الغفارية وجد بكشحها بياضا، ويقال: هي آمنة بنت الضحاك كلابية فزاد آمنة ثانية، ولا ذكر لهما في كتب الصحابة.
وقيل: كان لها وضح كوضح العامرية، ففعل بها كما فعل بالعامرية، أي كما سيأتي، ثم روي مثله عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، وزاد أبو عبيدة: فكانت تسمي نفسها الشقية.
وقال آخرون: إن هذه التي عاذت بالله من النبي - صلى الله عليه وسلم - من سبي بني النضير يوم ذات السقوف.
قال أبو عبيدة: كلتاهما عاذتا بالله.
السادسة: آمنة، ويقال لها: فاطمة بنت الضحاك بن سفيان، جزم بها في الاشارة، ونقل في الزاهر وصاحب المورد اللفظ الثاني، عن أحمد بن محمد بن النقيب التكريتي أنه قال في كتابه " العين ": كتاب في علم الانساب قال كعب بن يزيد الانصاري: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج امرأة من بني غفار، فلما أراد الدخول بها وجد بكشحها بياضا.
وروى الامام أحمد وابن أبي خيثمة عن زيد بن كعب بن عجرة أن امرأة من غفار تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد بكشحها بياضا، فقال: الحقي بأهلك، ولم يأخذ مما آتاها شيئا.(11/223)
وروى الطبراني بسند ضعيف عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج امرأة من أهل البادية فوجد بكشحها بياضا، ففارقها قبل أن يدخل بها، وكان يقال لها آمنة بنت الضحاك وقيل: بل هي أسماء بنت النعمان، من بني كلاب، قلت: هذا الكلام غير محرر، فإن بني كلاب وبني غفار غيران ولم أجد لامنة بنت الضحاك ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصحابة، والله أعلم.
السابعة: أميمة بنت شراحبيل.
روى البخاري عن أبي أسيد سهل بن سعد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أميمة بنت شراحبيل، فلما دخلت عليه بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يكسوها ثوبين رازقين قلت: ذكر أميمة بنت شراحبيل في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مغلطاي في الاشارة والزهد، والقطب الحلبي في المورد، وأبو الفتح بن سيد الناس في " العيون " وأغرب الحافظ ابن حجر في الاصابة فزعم أن أميمة بنت شراحبيل هي ابنة النعمان بن شراحبيل ولم يذكر لذلك مستندا، بل حديث أبي أسيد يرد عليه، فإنه فيه أنها نزلت في بيت في محل أميمة بنت النعمان بن شراحبيل إلى آخره، فكيف يكونان واحدة ؟ والظاهر أن ابنة شراحبيل عمة ابن النعمان، ولم أر من فيه على ذلك والحق أحق أن يتبع.
الثامنة: أم حرام كذا في حديث سهيل بن حنيف - رضي الله تعالى عنه - ولم يزد.
التاسعة: سلمى بنت نجدة - بالنون والجيم كما في الاشارة والزهد بخط مغلطاي وقال في المورد بنت عمرة بن الحارث اللبيبة.
ونقل عن أبي سعيد عبد الملك النيسابوري في كتابه " شرف المصطفى " أنه قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكحها فتوفي عنها، وأبت أن تتزوج بعده، قلت: ولم أر لها ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصحابة.
العاشرة: سبا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي سفيان بن أبي بكر بن كلاب، ذكرها ابن سعد عن نافع عن ابن عمر، ذكرها في المورد، ولم يزد.
قلت: وهي بالموحدة بعد السين المهملة، قال الحافظ في الاصابة: سبا بنت سفيان،
ويقال: بنت الصلت الكلابية تأتي في سنا بالنون الحادية عشرة: سنا بفتح السين المهملة، وتخفيف النون بنت أسماء بنت الصلت بن حبيب بن جابر بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك بن عفيف بن امرئ القيس بن سليم السلمية، ذكرها أبو عبيدة معمر بن المثنى فيما رواه أبو خيثمة عنه وابن حبيب فيمن تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم وطلقها قبل أن يدخل بها، وقال أبو عبيدة: وهي عمة عبد الله بن خازم بمعجمتين، ابن أسماء بن الصلت أمير خراسان ونقل أبو عبيدة أن بعضهم سماها وسنا بزيادة(11/224)
واو، ونسبها ابن حبيب إلى جدها فزعم أنها بنت الصلت، وأن أسماء أخوها لا أبوها وبالأول جزم ابن إسحاق وجماعة، رجحه ابن عبد البر وحكى الرشاطي عن بعضهم أن سبب موتها أنها لما بلغها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها سرت بذلك حتى ماتت من الفرح.
وروى ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: زعم حفص بن النضير السلمي وعبد القاهر بن السري السلمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج أسماء بنت سنان بن الصلت فماتت قبل أن يدخل بها، قال: كذا قالا، وخالفهما قتادة، فقال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسماء بالميم الصلت من بني حرام بن سليم، فلم يدخل بها قلت: إن صح ما قالاه، وما قاله، فالتي بالنون بنت أخي التي بالميم.
الثانية عشرة: الشاة روى المفضل بن غسان العلائي في تاريخه من طريق سيف بن عمر عن أبي عمر عثمان بن مقسم عن قتادة قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث عشرة ثم قال: وأما الثلاث عشرة اللاتي بنى بهن، فخديجة إلى أن قال: ميمونة بنت الحارث إلى آخره وأم شريك بنت جابر بن حكيم إحدى بني معيص، إلى أن قال: والشاة بنت رفاعة هؤلاء من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من بني رفاعة من بني قريظة، فأصيبوا معهم يوم أصيبوا فانقرضوا، ثم قال: وأما الشاة حين خير نساءه بين الدنيا والاخرة، فاختارت
بعد أن تتزوج بعد، فطلقها إلى آخره، وظاهر كلام قتادة أن هذه بنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم أقف لها على ذكر فيما وقفت عليه من كتب الصحابة حتى ولا في الاصابة - لشيخ الاسلام ابن حجر مع سعة اطلاعه، وعثمان بن مقسم متروك.
الثالثة عشرة: شراق، بفتح الشين المعجمة، وتخفيف الراء، وبالقاف بنت خليفة الكلبية أخت دحية، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فماتت في الطريق قبل وصولها إليه.
كما روى المفضل بن غسان العلائي عن علي بن مجاهد وابن سعد عن هشام وابن الكلبي عن شرقي بن قطامي بفتح القاف وتخفيف الطاء المهملة وبعد الالف ميم فتحتية مخففة، وجزم بذلك أبو عمر.
وروى الطبراني، وأبو نعيم، وأبو موسى المديني في ترجمتها من طريق جابر الجعفي عن أبي مليكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب امرأة من بني كلب، فبعث عائشة تنظر إليها، فذهبت ثم رجعت، فقال: ما رأيت ؟ قالت: ما رأيت طائلا، قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقد رأيت خالا بخدها اقشعرت كل شعرة منك " فقالت: ما دونك سر.
الرابعة عشرة: الشنبا في نسختي من المورد بشين معجمة، فنون فموحدة فألف تأنيث،(11/225)
وفي النسخة التي وقفت عليها من مقدمات ابن رشد، الشيبا.
بفتح الشين المعجمة، فتحتية، وفي نسخة أخرى كذلك، وفي نسخة ثالثة صحيحة كما في نسختي من المورد.
وروى ابن عساكر من طريق سيف بن التميمي، والفضل بن غسان العلائي في تاريخه من طريق عثمان بن مقسم عن قتادة، قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة، فدخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، فأما اللتان كملتا خمس عشرة فهما عمرة والشنبا، قال: وأما الشنبا فإنها لما أدخلت عليه لم تكن باليسيرة فانتظر اليسر، ومات إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إثر ذلك، فقالت: لو كان نبيا ما مات أحب الناس إليه وأعزه عليه، فطلقها، وأوجب لها المهر، وحرمت على الازواج.
ذكر ذلك بحروفه ابن رشد في السيرة
النبوية (في) (1) آخر كتابه - المقدمات - وقال أبو جعفر محمد بن جرير: قال بعضهم: تزوج الشنبا بنت عمرو الغفارية، وقيل كانت كتابية فحركت حين دخلت عليه، فذكر ما تقدم فأفاد ابن جرير أن اسم أبيها عمرو، وأنها غفارية وكتابية، وهي مما فات الحافظ ابن حجر في الاصابة.
الخامسة عشرة: العالية، بعين مهملة، وكسر اللام، وبالتحتية بنت ظبيان بظاء معجمة، فموحدة ساكنة، فتحتية فألف، فنون، ابن عمرو بن عوف بالفاء ابن عمرو بن كعب بن أبي بكر بن كلاب الكلابية، هكذا سماها الزهري ورواه عنه الطبراني برجال الصحيح، قال أبو عبيدة هند بنت يزيد بن القرطاب من بني بكر بن كلاب أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا أسد يخطبها عليه، فزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدم بها ولم يكن رآها، فلما اهتداها رأى بها بياضا فطلقها، وقال قتادة: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا أسيد الساعدي إلى امرأة من بني كلاب.
يخطبها عليه، ولم يكن رآها فأنكحها إياه أبو أسيد قبل أن يراها، ثم جهزها، فقدم بها عليه، فلما اهتداها رأى بها بياضا فطلقها.
رواها ابن أبي خيثمة فيمن رحل بها، وروى ابن أبي خيثمة هي العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب فيما بلغني.
وروى ابن أبي خيثمة عن أبي الوليد بن شجاع عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب الزهري، قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العالية امرأة من بني بكر بن كلاب، فخطبها ثم طلقها.
وروى أيضا عن يونس بن يزيد الايلي عن الزهري قال: فارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخت
__________
(1) في ج: (و).
(*)(11/226)
بني عمرو بن كلاب، فقال ابن أبي خيثمة كذا قال: بني عمرو، قال ابن سعد: أنبأنا هشام بن محمد بن السائب، حدثني رجل من بني أبي بكر بن كلاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج
العالية بنت ظبيان بن عمرو بن كعب بن عمرو بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب، فمكثت عنده دهرا ثم طلقها، قال أبو عمر: ومقتضى هذا أن تكون ممن دخل بها.
وروى الطبراني برجال ثقات إلا شيخه القاسم بن عبد الله الاخميمي، وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات عنه ورواه برجال ثقات عن يحيى بن أبي بكر عن سهل بن حنيف - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق العالية بنت ظبيان.
وروى أبو القاسم الطبراني عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف فذكر حديثا طويلا وفيه: وطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العالية بنت ظبيان وفارق أخت بني عمرو بن الجون الكندية من أجل بياض كان بها.
قال الزهري: وبلغنا أنها تزوجت قبل أن يحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنساءه ونكحت ابن عمها من قومها، وولدت فيهم.
ورواه ابن جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه، قال: أنبأنا المنجاب بن الحارث أنبأنا أبو عامر الاسدي حدثنا زمعة بن صالح عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب.
وزاد وسبى جويرية بنت الحارث وصفية بنت حيي، فكانتا مما أفاء الله عليه، فقسم لهما، وهما من زوجاته.
ورواه ابن منده قال: أنبأنا الحسن بن محمد بن حكيم المروزي أنبأنا أبو الموجه محمد بن عمر بن الموجه الفزاري، أنبأنا عبد الله بن عثمان، أنبأنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا ابن شريك عن ابن شهاب الزهري.
ورواه يعقوب بن سفيان عنه وزاد ودخل بها.
وروى البيهقي عنه أنه لم يدخل بها وهذه الرواية هي الموافقة لكلام غيره.
السادسة عشرة: عمرة بنت معاوية الكندية.
روى أبو نعيم عن علي بن الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها.
وقال أيضا عن الشعبي قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدها مات [...].
السابعة عشرة: عمرة بنت يزيد إحدى بنات بنى بكر بن كلاب من بني الوحيد وكانت تزوجت الفضل بن العباس بن عبد المطلب وطلقها ثم طلقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يدخل بها، ذكره ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير، وقيل في نسبها:(11/227)
عمرة بنت يزيد بن عبيد بن أوس، وقال أبو عمر بن عبد البر: تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغه أن بها بياضا، فطلقها ولم يدخل بها.
وقيل: إنها التي تزوجها فتعوذت منه فطلقها، وأمر أسامة أن يمتعها بثلاثة أثواب.
وذكرها الرشاطي وقال: إن أباها وصفها، وقال: وأزيدك أنها لم تمرض أبدا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما لهذه عند الله من خير، فطلقها "، ولم يبن بها.
الثامنة عشرة: عمرة بنت يزيد الغفارية روى ابن عساكر من طريق سيف بن عمر عن سعيد بن أبي عروة عن قتادة أنها لما دخلت عليه، وجردها للنساء، رأى بها وضحا فردها، وأوجب لها المهر، وحرمت على من بعده.
التاسعة عشرة: غزية، بضم الغين المعجمة وبفتح الزاي، وتشديد التحتية وغزيلة بالتصغير وباللام هي أم شريك.
العشرون: فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابية.
قال ابن إسحاق: تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاة ابنته زينب وخيرها حين أنزلت آية التخيير، فاختارت الدنيا ففارقها، فكانت بعد ذلك تلقط البعر، وتقول: أنا الشقية اخترت الدنيا، وتعقب أبو عمر بن عبد البر كلام ابن إسحاق بكلام تعقبه فيه الحافظ ابن حجر في كتابه الاصابة بما يراجع (1)، وتقدم الكلام عليها في أميمة.
__________
(1) قال الحافظ في الاصابة بعد ذكره ما قاله ابن إسحاق: قال أبو عمر: هذا عندنا غير صحيح لان ابن شهاب يروي عن أبي سلمة وعروة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خير أزواجه بدأ بها فاختارت الله ورسوله قال: وتتابع أزواج
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهن على ذلك وقال قتادة وعكرمة: كان عنده حين خيرهن تسع نسوة وهن اللاتي توفى عنهن وكذا قال جماعة أن التي كانت تقول: أنا الشقية هي التي استعاذت واختلف في المستعيذة اختلافا كثيرا ولا يصح فيها شئ وقد قيل: إن الضحاك بن سفيان عرض عليه ابنته فاطمة وقال إنها لم تصدع قط فقال: لا حاجة لي بها وقد قيل: إنه تزوجها سنة ثمان انتهى كلام ابن عبد البر ويحتاج كلامه إلى شرح وعليه في بعضه مؤاخذات.
أما حديث ابن شهاب بما ذكر فهو في الصحيح وأما الذي قال إن التي كانت تقول: أنا الشقية هي المستعيذة فهو قول حكاه الواقدي عن ابن مناح قال: استعاذت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا لا يبطل قول ابن إسحق أن الكلابية اختارت وكانت تقول: أنا الشقية لان الجمع ممكن وأما قوله اختلف في المستعيذة اختلافا كثيرا فهو حق فقال ابن سعد اختلف علينا في الكلابية اختلف علينا في اسمها فقيل فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل سنا بنت سفيان بن عوف ثم قيل هي واحدة اختلف في اسمها وقيل ثلاث ثم أسند عن الواقدي عن ابن أخي الزهري عن الزهري قال: هي فاطمة بنت الضحاك دخل عليها فاستعاذت منه فطلقها فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية وأسنده بالسند المذكور عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكلابية فلما دخلت عليه فدنا منها قالت: أعوذ بالله منك فقال: لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك ومن طريق عبد الواحد بن أبي عون عن أم مناح بتشديد النون وبالمهملة قالت كانت التي استعاذت قد ولهت وذهب عقلها وكانت تقول: إذا استأذنت على أمهات المؤمنين أنا الشقية وتقول إنما خدعت ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كان دخل بها ولكنه لما خير نساءه (*) =(11/228)
الحادية والعشرون: قتيلة، بضم القاف وفتح الفوقية، فياء ساكنة تحتية، وباللام بنت قيس بن معدى كرب الكندية أخت الاشعث بن قيس، قال الطبراني في المعجم الكبير: تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يدخل بها حتى فارقها.
وروى ابن أبي خيثمة عن عبيد وابن حبيب قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم عليه وفد كندة قتيلة أخت الاشعث بن قيس في سنة عشر، ثم اشتكى في النصف من صفر، ثم قبض يوم الاثنين ليومين مضيا من شهر ربيع الأول ولم تكن قدمت عليه ولا دخل بها، وفي لفظ: ولا رآها.
وروى أبو نعيم وابن عساكر من طرق قوية الاسناد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتيلة أخت الاشعث بن قيس، فمات قبل أن يخيرها فبرأها الله تعالى منه أي من التخيير.
وروى أيضا عن الشعبي أن عكرمة بن أبي جهل تزوج قتيلة بنت قيس، فأراد أبو بكر الصديق أن يضرب عنقه، فقال له عمر بن الخطاب: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفرض لها، ولم يدخل بها، وارتدت مع أخيها فبرأت من الله ورسوله، فلم يزل حتى لف منه، ومن الغريب ما رواه ابن سعد بسند ضعيف جدا عن عروة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تزوج قتيلة بنت قيس، ولا تزوج كندية إلا أخت بني الجون فملكها،، فلما أتى بها وقدمت عليه، نظر إليها، فطلقها، ولم يبن بها.
قلت: ويحتمل أنه أراد بعدم الزواج الدخول، وإلا فقد ورد من طرق كثيرة لا يمكن ردها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج قتيلة والله تعالى أعلم، ووقت بعضهم تزويجه إياها فزعم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه، وزعم آخرون أنه أوصى أن تخير قتيلة إن شاءت يضرب عليها الحجاب، وتحرم على المؤمنين، وإن شاءت تنكح من شاءت، فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت، فبلغ أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - فقال: لقد هممت أن أحرق عليها.
فقال عمر: ما هي من أمهات المؤمنين، ولا دخل بها
__________
= اختارت قومها ففارقها فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية وقيل إن المستعيذة سنا بنت النعمان بن أبي الجون أسنده ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن يعقوب بن عتبة عن عبد الواحد بن أبي عون وقيل: أسماء بنت النعمان بن أبي الجون أسنده عن الواقدي عن عمرو بن صالح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن هشام بن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس ومن طريق أبي أسيد الساعدي كالقصة التي في الصحيح وفي آخرها فكانت تقول ادعوني الشقية ومن وجه آخر عن أبي أسيد أن المستعيذة توفيت في خلافة عثمان وأما قوله: ولا يصح منها شئ فعجيب فقد نبت قصتها في الصحيح من حديث أبي أسيد الساعدي إلا أن كان مراده بنفي الصحة الجزم بالكلابية دون غيرها فهو ممكن على بعده وأما قوله إن الضحاك بن سفيان عرض عليه ابنته وقال إنها لم تصدع فأخرجه في الصحيح.
(*)(11/229)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ضرب عليها الحجاب، وزعم بعضهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوص فيها بشئ، وأنها ارتدت فاحتج عمر على أبي بكر بأنها ليست من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بارتدادها فلم تلد لعكرمة إلا مخيلا.
الثانية والعشرون: ليلى بنت الخطيم، بفتح الخاء المعجمة، وكسر الطاء المهملة ابن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بفتح الظاء المعجمة ابن الخزرج الانصارية الدوسية الطبرية، أخت قيس بن الخطيم.
روى ابن أبي خيثمة وابن سعد من طريق هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مول ظهره إلى الشمس فضربت على منكبه، فقال: من هذا أكلة الاسد ؟ وكان كثيرا ما يقولها فقالت: أنا بنت مطعم الطير، ومنادي الريح، أنا ليلى بنت الخطيم جئتك لاعرض عليك نفسي تزوجني قال: " قد فعلت " فرجعت إلى قومها، فقالت: قد تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: بئس ما صنعت ! أنت امرأة غيري والنبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب نساء تغارين عليه، فيدعو الله تعالى عليك فاستقيليه نفسك، فرجعت، فقالت: يا رسول الله، أقلني قال: " قد أقلت " فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر، فولدت له، فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل إذ وثب عليها الذئب، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكل بعضها، فأدركت فماتت.
الثالثة والعشرون: ليلى بنت حكيم الانصارية الاوسية، قال أبو عمر: ذكرها أحمد بن صالح المصري في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكرها غيره، وجوز ابن الاثير أن تكون هي التي قبلها لان الخطيم يشبه الحكيم وأقره في التجريد والاصابة.
الرابعة والعشرون: مليكة بنت داود ذكرها ابن حبيب في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللاتي لم يبن بهن، ونقله
ابن الاثير وصاحب المورد، وأقروه، قال الحافظ: ذكرها ابن بشكول ولم يصح، وسيأتي مليكة بنت كعب فيحرر ذلك.
الخامسة والعشرون: مليكة بنت كعب الكنانية.
روى ابن سعد عن محمد بن عمر عن أبي معشر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها، وكانت ذات جمال بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت لها: أما تستحيين أن تنكحي قاتل أبيك ؟ وكان أبوها قتل يوم فتح مكة، قتله خالد بن الوليد، فاستعاذت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلقها فجاء قومها فقالوا: يا رسول الله، إنها صغيرة وإنها(11/230)
لا رأى لها وإنها خدعت، فارتجعها فأبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنوه أن يتزوجها قريب لها من بني عذرة فأذن لهم فتزوجها العذري (1).
وروى ابن سعد بسند ضعيف عن عطاء بن يزيد الجندعي قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مليكة بنت كعب الليثي في شهر رمضان سنة ثمان، ودخل بها فماتت عنده.
قال محمد بن عمرو: وأصحابنا ينكرون ذلك، ويقولون: لم يتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنانية (2) قط.
السادسة والعشرون: هند بنت زيد المعروفة بابنة البرصاء سماها أبو عبيدة معمر بن المثنى في أزواجه - صلى الله عليه وسلم -.
وقال أحمد بن صالح: هي عمرة بنت يزيد المتقدمة.
تنبيهان: الأول: المراد بعدم الدخول، عدم الوطء، لان من هؤلاء من ماتت قبل الدخول وهي أخت دحية وبنت الهذيل باتفاق، واختلف في مليكة وسبا هل ماتتا ؟ أو طلقهما مع الاتفاق على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل بها وفارق عليه الصلاة والسلام عمرة بنت الضحاك، وبنت ظبيان وقبل الدخول بها باتفاق عمرة وأسماء والغفارية واختلف في أم شريك
هل دخل بها ؟ مع الاتفاق على الفرقة.
والمستقيلة التي جهل حالها فالمفارقات باتفاق سبع، واثنتان على خلاف، والمبانات باتفاق أربع، ومات - صلى الله عليه وسلم - عن عشر، واحدة منهن لم يدخل بها.
وروى الطبراني من طريق عاصم بن عمر العمري وقد ضعفه الجمهور ووثقة ابن حبان.
وقال الترمذي متروك عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - كانت التي اختار نفسها من بني هلال.
الثاني: في بيان غريب ما سبق.
وسوأتاه [...].
الجون: بفتح الجيم، وسكون الواو، والنون.
الهذيل: بذال معجمة ولام مصغرة -.
__________
(1) انظر طبقات ابن سعد 8 / 177 (2) انظر طبقات ابن سعد 8 / 177 (*)(11/231)
هبيرة: بالتصغير.
قبيصة: بفتح القاف وكسر الموحدة وبالصاد المهملة.
حبيب الأول: قال الدارقطني: بفتح الحاء، وقال صاحب المحبر: بضمها مصغر.
حرقة: بضم الحاء وسكون الراء.
ثعلبة: بفتح الثاء المثلثة.
حبيب الثاني: تغلب: بفتح المثناة الفوقية، وسكون الغين المعجمة، وكسر اللام.
خولة: بفتح الخاء المعجمة، وسكون الواو، وباللام وتاء التأنيث.
أبو أسيد: بضم أوله وفتح السين المهملة وسكون التحتية وبالدال المهملة اسمه [ مالك بن ربيعة ].
رازقين: براء فألف فزاي فقاف مكسورتين فتحتية مشددة ففوقية مفتوحتين وفي رواية رازقين بحذف الفوقية نسبة إلى الثياب الرازقية وهي ثياب كتان بيض.
الشوط: بفتح الشين المعجمة وسكون الواو وبالطاء المهملة (1).
الداية: [...].
الحاضنة: [ المرضع الاجنبية ].
أهوى: [...].
السوقة: [...].
الكشح: [ ما بين الحاضرة إلى الضلع الخلفي ].
البياض: [...].
ألحقها بأهلها: [...].
جردها: [...].
الشاة: [...].
__________
(1) شوطيل: ثبت في الاصل شوطيل بفتح الشين المعجمة وسكون الواو وبالطاء المهملة.
(*)(11/232)
الباب الخامس عشر في ذكر من خطبها - صلى الله عليه وسلم - ولم يعقد عليها أو عرضت نفسها أو عرضت عليه
خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسوة ولم يعقد عليهن لامر اقتضى ذلك وهن: جمرة، بضم الجيم وسكون الميم وبالراء، بنت الحارث بن عوف بن مرة بن كعب بن ذبيان.
روى ابن أبي خيثمة عن قتادة بن دعامة وأبو عبيدة معمر بن المثنى - رحمهما الله تعالى - قالا: خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبوها: إن بها سوادا، ولم يكن بها شئ فرجع إليها أبوها وقد برصت، وهي أم شبيب بن البرصاء، قال الحافظ ابن حجر في الاصابة: جمرة بنت الحارث بن عوف هي البرصاء، تقدمت، وقال في الباء الموحدة: البرصاء والدة شبيب بن البرصاء وذكر نحو ما تقدم، ثم قال: ويقال اسمها أمامة، وقيل: قرصافة.
وقال في القاف: قرصافة بنت الحارث بن عوف يقال: هو اسم البرصاء، وجدها في ترجمة والدها.
وقال في حرف الحاء: من الرجال الحارث بن عوف بن أبي حارثة المزني كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خطب إليه ابنته، فقال: لا أرضاهالك، إن بها سوادا، ولم يكن بها فرجع فوجدها قد برصت فتزوجها ابن عمها يزيد بن جمرة المزني، فولدت له شبيبا فعرف بابن البرصاء واسم البرصاء قرصافة، ذكر ذلك الرشاطي، قلت: فهذا كما ترى لا ذكر لجمرة في هذه المواضع.
جمرة بنت الحارث بن أبي حارثة المزنية، ذكرها عبد الملك النيسابوري عن قتادة، هكذا فرق الحارث قطب الدين الحلبي في المورد بينها، وبين التي قبلها، وليس بجيد، فإنهما واحدة بلا شك.
حبيبة بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الانصارية.
وروى ابن سعد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد هم أن يتزوج سهلة ثم تركها.
خولة بالخاء المعجمة المفتوحة فواو ساكنة فلام، فتاء تأنيث، وقيل: خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن مرة بن الارقص بن مرة بن هلال السلمية.
روى البخاري في صحيحه عن عروة، ووصله أبو نعيم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقال هشام بن الكلبي كانت ممن وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - زاد ابن الجوزي في التنقيح فأرجأها، فتزوجها عثمان بن مظعون.(11/233)
سودة القرشية، روى ابن مندة وغيره عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أراد
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج سودة القرشية، فقالت له: إنك أحب البرية إلي، وإن لي صبية أكره أن يتضاغوا عند رأسك بكرة وعشية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خير نساء ركبن الابل نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه لبعل في ذات يده، وأصله في صحيح مسلم من وجه آخر لكن يسمها ورواه الامام أحمد وأبو يعلى بسند لا بأس به.
يتضاغون: بضاد وغين معجمتين - يصيحون.
صفية بنت بشامة - بفتح الموحدة وتخفيف الشين المعجمة ابن نضلة، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة.
وروى ابن سعد من طريق محمد بن السائب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبها وكان أصابها سباء، فخيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين نفسه الكريمة وبين زوجها، فأرسلها فلعنتها بنو تميم (1)، ذكر ابن حبيب من المحبر في هذا الباب.
ضباعة، بضم الضاد المعجمة وتخفيف الموحدة وبالعين المهملة بنت عامر بن فرط ابن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أسلمت قديما - رضي الله تعالى عنها - بمكة بعد عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه الكريمة على بني عامر، وهاجرت، ذكرها ابن الجوزي، وابن عساكر في هذا الباب وكانت من أجمل نساء العرب، وأعظمهن خلقا، وكانت إذا جلست أقدت من الارض شيئا كثيرا، وكانت تغطي جسدها مع عظمه بشعرها وكانت تحت هوذة، بفتح الهاء وسكون الواو وبالذال المعجمة ابن علي الحنفي، فمات عنها، فتزوجها عبد الله بن جدعان فلم يلق بخاطرها، فسألته طلاقها، ففعل، فتزوجها هشام بن المغيرة، فولدت له سلمة، وكان من خيار عباد الله فلما هاجرت خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ابنها فقال: يا رسول الله، ما عنك مدفع فأستأمرها، قال: نعم فأتاها فأخبرها.
فقالت: إنا لله وفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستأمرني، ارجع إليه، فقل له: نعم.
قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذهاب ابنها إليها: إن ضباعة ليست كما تعهد، قد كثرت غضون وجهها (وسقطت) (2) أسنانها من فيها، فلما رجع سلمة وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما
قالت: فسكت عنه.
نعامة، عدها وما بعدها في الازواج إن أريد به الخطبة فواضح، وإلا فالانسب ذكرها في الباب قبل هذا فليحرر ولم يذكر اسم أبيها، وهي من سبي بني العنبر كانت امرأة جميلة عرض عليها
__________
(1) انظر طبقات ابن سعد 8 / 122.
(2) في ج: (وكسرت) (*)(11/234)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوجها فلم يلبث أن جاء زوجها الحريش الدباغ في ذيل الاستيعاب وأقروه.
أم شريك بنت جابر الغفارية، قال ابن عمر ذكر أحمد بن صالح في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللاتي لم يدخل بهن.
أم شريك الانصارية (1)، قيل: هي بنت أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد الانصارية من بني عبد الاشهل، وقيل: هي بنت خالد بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة الانصارية، وقيل: غيرهما، وقيل: أم شريك بنت أبي العسكر بن تيمي وفي صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس في قصة الجساسة: في حديث تميم الداري قال: وفيه وأم شريك امرأة غنية عظيمة النفقة في سبيل الله عز وجل - ينزل عليها الضيفان، فالله أعلم من هي ؟ وروي ابن أبي خيثمة عن قتادة - رضي الله تعالى عنه - قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم شريك الانصارية، وقال: إني أحب أن أتزوج من الانصار، ثم قال: إني أكره غيرة الانصار، فلم يدخل بها.
أم شريك الدوسية (2)، روى ابن سعد وابن شيبة وعبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر، والطبراني عن علي بن الحسين بن علي في قوله تعالى: (وامرأة مؤمنة) [ الاحزاب 50 ] إن أم شريك الازدية هي التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ورواه أيضا عن عكرمة وروي ابن سعد عن عكرمة في الاية قال: ها أم شريك الدوسية وروى أيضا عن منير بن عبد الله الدوسي أن أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية
عرضت نفسها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت جميلة، فقبلها، فقالت عائشة: ما من امرأة حين وهبت نفسها من خير، قالت أم شريك: فأنا تلك، فسماها الله تعالى - مؤمنة، فقال تعالى: (وامرة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) [ الاحزاب 50 ] أنا وهبت نفسي للنبي فلما نزلت هذه الاية قالت عائشة: إن الله ليسرع في هواك (3).
وروى النسائي برجال ثقات عن أم شريك - رضي الله تعالى عنها - أنها كانت ممن وهبت نفسها.
وروى البخاري وابن أبي خيثمة عن ثابت قال: كنت عند أنس - رضي الله تعالى عنه - وعنده بنت له، فقال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، ألك حاجة ؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واستوأتاه !، فقال أنس: هي خير منك رغبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرضت نفسها عليه.
__________
(1) انظر الاصابة 8 / 247.
(2) انظر الاصابة 8 / 247.
(3) انظر الطبقات لابن سعد 8 / 123.
(*)(11/235)
وروى برجال ثقات عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لم يكن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة وهبت نفسها.
أم شريك القرشية العامرية من بني عامر بن لؤي.
قال ابن سعد: كان محمد بن عمر يقول هي من بني معيص بن عامر بن لؤي.
وكان غيره، يقول: هي دوسية من الاسد ثم أسند عن الواقدي عن موسى عن محمد بن إبراهيم عن التيمي عن أبيه، قال: كانت أم شريك من بني عامر بن لؤي معيصية وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقبلها، فلم تتزوج حتى ماتت.
قال الحافظ ابن حجر في الاصابة: بعد كلام كثير على اختلاف الروايات والذي يظهر في الجمع أن أم شريك واحدة اختلف من نسبها عامرية من قريش أو أنصارية، أو أزدية من
دوس واجتماع هذه النسب الثلاث يمكن أن يقال: قرشية تزوجت في دوس فنسبت إليهم، ثم تزوجت من الانصار فنسبت إليهم أو لم تتزوج بل نسبت أنصارية بالمعنى الاعم.
أم هانئ فاخته بنت أبي طالب بن عبد المطلب خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عمه أبي طالب، وخطبها هبيرة بن عمرو المخزومي فزوجها أبو طالب هبيرة فعاتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو طالب: يا بن أخي، إنا قد صاهرنا إليهم، والكريم يكافئ الكريم، ثم فرق الاسلام بين أم هانئ وهبيرة فخطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كنت أحبك في الجاهلية فكيف في الاسلام ؟ وإني امرأة مصيبة.
فأكره أن يؤذوك فقال: خير نساء ركبن الابل صالح نساء قريش أحناه على ولد (1).
وروى الطبراني برجال ثقات عن أم هانئ قالت: خطبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ما لي عنك رغبة يا رسول الله ولكني لا أحب أن أتزوج وبني صغار - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خير نساء ركبن الابل نساء قريش، أحناه على طفل في صغره، وأرعاه على بعل في ذات يده وامرأة لم تسم، قيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب امرأة فقالت: حتى (استأذن من) (2) أبي، فأذن لها فعادت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قد التحفنا لحافا غيرك، وعرضت عليه - صلى الله عليه وسلم - امرأتان فردهما لمانع شرعي.
الاولى: أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هي ابنة أخي من الرضاعة.
الثانية: عزة بفتح العين المهملة والزاي المشددة بنت أبي سفيان بن حرب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تحل ما كان لي أختها أم حبيبة، وحديثهما في الصحيح وغيره.
انتهي والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) أخرجه الحاكم 4 / 53 والاصابة 8 / 287 (2) في ج: (استأمر) (*)(11/236)
جماع أبواب ذكر العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وبعض فضلهم
وقد ألف العلماء في هذا الباب كتبا كثيرة، وأجمعها كتاب الرياض النضرة للامام العلامة المحدث الفقيه شيخ الشافعية بالبلد الحرام.
الباب الأول في بعض فضائلهم على سبيل الاشتراك
وفيه أنواع: الأول: في ذكر أنسابهم.
تقدم في النسب النبوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن مضر بن مالك بن النضر بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
إذا علمت ذلك فأبو بكر اسمه عبد الله، قال الامام النووي في تهذيب الاسماء واللغات: وهو الصحيح المشهور وقيل عتيق، والصواب الذي عليه كافة العلماء أن عتيقا لقب لقب به لعتقه من النار.
وقيل: لعتاقة وجهه أي حسنه.
وقيل: لانه لم يكن في نسبه شئ يعاب واجتمعت الامة على تسميته بالصديق، لانه بادر إلى تصديق رسول الله عليه الصلاة والسلام ولازم الصدق فلم تقع منه هناة ما ولا وقفة في حال من الاحوال.
قال الشيخ في تاريخ الخلفاء: ذكر ابن مسدي أنه كان يلقب به في الجاهلية لما عرف عن الحسن البصري وقتادة: أول ما اشتهر به صبيحة الاسراء وروى الحاكم عن النزال بن سبرة منه من الصدق، قال ابن إسحاق قال: قلنا لعلي: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن أبي بكر، قال: ذاك امرؤ سماه الله تعالى الصديق على لسان جبريل، وعلى لسان محمد، كان خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصلاة رضية لديننا فنرضاه لدنيانا.
وقيل: سمي بعتيق أولا ثم بعبد الله.
وروى الطبراني عن القاسم بن محمد أنه سأل عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن اسم أبي بكر فقالت: عبد الله فقال: إن الناس يقولون: عتيق، قالت: إن أبا قحافة، كان له ثلاثة أولاد سمى عتيقا ومعتقا ومعيتقا.(11/237)
وروى ابن منده وابن عساكر عن موسى بن طلحة، قال: قلت لابي طلحة: لم سمي أبو بكر عتيقا قال: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، ثم قالت: اللهم، إن هذا عتيق من الموت.
فهبه لي.
وروى ابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: اسم أبي بكر الذي سماه أهله عبد الله، ولكن غلب عليه اسم عتيق، وفي لفظ: ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه عتيقا.
واختلف في أي وقت لقب فيه عتيقا.
فروي أبو يعلى في مسنده وابن سعد والحاكم وصححه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: والله إني لفي بيتي ذات يوم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفناء والستر بيني وبيهم، إذ أقبل أبو بكر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر "، وإن اسمه الذي سماه أهله عبد الله، فغلب عليه اسم عتيق.
وروى الترمذي والحاكم عنها أن أبا بكر دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنت عتيق الله من النار، فيومئذ سمي عتيقا.
وروى البزار، والطبراني بسند جيد عن عبد الله بن الزبير قال: كان اسم أبي بكر عبد الله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنت عتيق الله من النار.
[ هو عبد الله ] بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن كعب بن لؤي يلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في كعب بن لؤي بن غالب القرشي التميمي يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرة.
وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن
عدي بن كعب بن لؤي يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كعب بن لؤي، وأمه [...] وعثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عبد شمس بن عبد مناف بن عبد مناف وأمه (أروى) (1) بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أسلمت وهاجرت وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - توفيت في خلافة ولدها عثمان.
وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، يلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبد المطلب بن هاشم وأمه فاطمة بنت أسد [ بن هاشم بن ] عبد [ مناف الهاشمية ].
[ طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي يلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في [ مرة بن كعب بن لؤي ] وأمه الصعبة بنت أخت العلاء وأسلمت [ وتوفيت في عهده - صلى الله عليه وسلم - ].
__________
(1) في ج: (أزرى) (*)(11/238)
والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي الاسدي يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصي، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلمت وهاجرت إلى المدينة.
[ سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ] وكينته.
أبو إسحاق بن مالك وكنيته أبو وقاص بن وهب، ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عبد مناف، أسلم قديما وأمه، [ حمزة بنت سفيان بن أمية بنت عم أبي سفيان بن حرب بن أمية ].
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزي بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته - رضي الله تعالى عنهما -، يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كعب بن لؤي أسلم قديما، وكان سببا لاسلام عمر
وأمه [ فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية ].
عبد الرحمن بن عوف بن عبد بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كلاب بن مرة، وأمه [ الشناء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب ] أسلمت، وهاجرت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -: وأبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ابن فهر يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فهر بن مالك أمين هذه الامة، وأمه [ أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى بن عامرة بن عميرة ].
الثاني في بعض فضائلهم: روى ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم، وأبو نعيم في الحلية والضياء، والامام أحمد عن سعيد بن زيد، والامام أحمد وابن عساكر، والترمذي، وأبو نعيم في المعرفة عن عبد الرحمن بن حميد عن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة.
قال: أبو بكر في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وطلحة في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة.
وروى الامام أحمد وابن منيع وأبو داود وابن ماجه والضياء والترمذي وقال: حسن صحيح - والهيثم بن كليب الشامي، ولفظه عن سعيد بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: عشرة في الجنة النبي في الجنة، ورواية الترمذي: قال: " أنا في الجنة،(11/239)
وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة ".
وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عمر والترمذي وابن سعد والدارقطني في الافراد والحاكم وأبو نعيم في الحلية والمعرفة وابن عساكر عن سعيد بن زيد - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " عشرة من قريش في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ".
وروى الامام أحمد وأبو نعيم وابن عساكر عن رياح بن الحارث قال: كنا في مسجدنا الاكبر بالكوفة والمغيرة جالس على السرير فقال سعيد بن زيد: سمعت رسو الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وتابع المؤمنين، ولو شئت أن (أسميهم لسميتهم).
فقال إنسان: ناشدتك الله، من تابع المؤمنين ؟ فقال: فأما إذا ناشدتني، فأنا تابع المؤمنين، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن عساكر عنه، قال: أشهد أني سمعت أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - يقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليتني رأيت رجلا من أهل الجنة، قال: أنا من أهل الجنة قال: ليس عنك أسأل، قد عرفت أنك من أهل الجنة.
قال: " فأنا من أهل الجنة، وأنت من أهل الجنة، وعمر من أهل الجنة، وعثمان من أهل الجنة، وعلي - رضي الله تعالى عنه - من أهل الجنة، وطلحة من أهل الجنة، والزبير من أهل الجنة، وعبد الرحمن من أهل الجنة، وسعد من أهل الجنة، ولو شئت أن أسمي العاشر لسميته، قال: عرضت عليك لتسمينه قال: أنا ".
وروى ابن عساكر قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حراء، فذكر عشرة في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود.
وروى ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم وأبو نعيم في الحلية والضياء عنه، والامام أحمد
والترمذي، وأبو نعيم في المعرفة وعبد بن حميد عن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أبو بكر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة.
انتهي.(11/240)
الباب الثاني في بعض فضائل بعضهم
روى العقيلي وابن عساكر عن ابن عمر وابن النجار عن ابن عباس والطبراني والامام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي والضياء عن أنس، والعقيلي في الضعفاء، وابن الانباري في المصاحف وابن عساكر عن جابر وأبو الحسن بن عساكر عن إبراهيم أبي طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وابن عساكر عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أرأف " وفي لفظ أرحم أمتي بأمتي وفي لفظ " أرفق أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم " وفي لفظ " وأقواهم " في دين وفي لفظ " في أمر الله "، وفي لفظ أشدهم في الله عمر " وأصدقهم " وفي لفظ " أصدق أمتي " وفي لفظ " وأكرمهم " حياء عثمان، وفي لفظ " وأقضى أمتي علي وأفرضهم " وفي لفظ " وأفرضها " زيد بن ثابت.
وعند الطبراني وقد أوتي عويمر يعني أبا الدرداء عبادة، وأقرؤهم لكتاب الله وفي لفظ " أقرأ أمتي " أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام وفي لفظ " أعلمها بالحلال والحرام " معاذ بن جبل، يجئ أما العلماء يوم القيامة بربوة وفي لفظ " معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وفي حديث أبي سعيد " وأبو هريرة وعاء من العلم ".
وروى ابن عساكر عن ابن عامر عن السبكي مرسلا وفيه انقطاع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اللهم صلى على أبي بكر، فإنه يحبك، ويحب رسولك، اللهم صلى على عمر، فإنه يحبك
ويحب رسولك، اللهم صل على عثمان، فإنه يحبك ويحب رسولك، اللهم صل على علي، فإنه يحبك ويحب رسولك، الهم صل على بن عبيدة بن الجراح، فإنه يحبك ويحب رسولك، اللهم صل على عمرو بن العاص، فإنه يحبك ويحب رسولك ".
وروى ابن أبي شيبة والبخاري في - التاريخ - والترمذي بإسناد حسن والحاكم في الكنى وأبو نعيم في الحلية والحاكم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " وسلمان عالم لا يدرك، ولا أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ".
وروى الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وعاء العلم، وإن لكل أمة أمينا، وفي لفظ " لكل أمة أمين، وأمين هذه الامة "، وفي لفظ " وأحسنهم خلقا أبو عبيدة بن الجراح " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل عثمان، نعم الرجل علي، نعم الرجل أبو عبيدة، نعم الرجل أسيد بن الحضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم العبد معاذ بن عمرو بن الجموح، نعم العبد سهيل بن بيضاء.(11/241)
الباب الثالث في بعض فضائل الخلفاء الأربعة على سبيل الاشتراك
وفيه أنواع: الأول: فيما أمره الله تعالى - به من شأنهم.
روى أبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن علي وابن عساكر عن حذيفة - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله تعالى أمرني أن أتخذ أبا بكر والد، وعمر ميسرا، وعثمان سندا، وأنت يا علي ظهرا، فأنتم أربعة قد أخذ الله ميثاقكم في الكتاب، لا يحبكم إلا مؤمن ولا يبغضكم إلا فاجر، أنتم خلائق بيوتي وعقد ذمتي وحجتي على أمتي، لا تقاطعوا، ولا تدابروا، وتغافروا ".
روى الرافعي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " هبط جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: يأتي يوم القيامة كل أمتك عطاشا إلا من أحب أبا بكر وعمر وعثمان وعليا، وروى الرافعي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من فضل على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي " فقد رد ما قلته وكذب ما هم أهله ".
وروى عبد بن حميد أوبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يجتمع حب هؤلاء الاربعة إلا من قلب مؤمن، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ".
الثاني: في أنه: " لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق ".
روى الطبراني في الاوسط وابن عساكر عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يجتمع حب هؤلاء في قلب منافق أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ".
وروى الامام أحمد والطبراني عن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " رأيت دلوا دليت من السماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقها فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيبها فشرب شربا حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيبها فشرب شربا حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيبها فانتشطت منه، وانتضح عليه منها " (1).
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 21 (*)(11/242)
الثالث: في أنهم - رضي الله تعالى عنهم - نظير جمع من الانبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: روى ابن عساكر عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من نبي إلا وله نظير في أمتي: أبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي نظيري، ومن سره أن ينظر إلى عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر الغفاري ".
الرابع: في تبشيرهم بالجنة - رضي الله تعالى عنهم: روى ابن عساكر عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " القائم بعدي في الجنة، والذي يقوم بعده في الجنة، والثالث والرابع في الجنة ".
وروى البخاري عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحمد الله، ثم جاء رجل آخر فاستفتح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " افتح له، وبشره بالجنة "، ففتحت له فإذا هو عمر فأخبرته بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله، ثم استفتح رجل آخر فقال: " افتح له، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه " ففتحت، فإذا هو عثمان، فأخبرته فحمد الله، ثم قال: " الله المستعان "، وفي لفظ: " أمرني بحفظ الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: " ائذن له، وبشره بالجنة " فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر ليستأذن، فإذن له، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة "، فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة، ثم قال: " ائذن له وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه " فإذا عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - انتهى.(11/243)
الباب الرابع في بعض فضائل أبي بكر وعمر على سبيل الاشتراك.
روى العقيلي وابن عساكر والبزار والضياء عن أنس والبزار والطبراني في الاوسط عن أبي سعيد والطبراني في الاوسط وابن عساكر عن جابر وابن عساكر عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الاولين والاخرين ما خلا الانبياء والمرسلين.
وروى ابن النجار عن ابن عباس والخطيب عن جابر وأبو يعلى والبيهقي والماوردي وأبو نعيم، وابن عساكر عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم - قال: أبو بكر وعمر من هذا الدين، وفي لفظ " مني " " كمنزلة " وفي لفظ بمنزلة السمع والبصر من الرأس.
وروى الديلمي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أبو بكر وعمر خير أهل السموات وأهل الارض، وخير من بقي إلى يوم القيامة.
وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة والطبراني ولفظه عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " رأيت البارحة كأني دخلت الجنة، فخرجت من إحدى أبوابها الثمانية فإذا أنا بأمتي عرضوا علي قياما رجلا رجلا، وإذا الميزان منصوب، فوضعت أمتي في كفة الميزان ووضعت في الكفة الاخرى فرجحتهم، ثم وضع جميع أمتي في كفة الميزان ووضع عمر في الكفة الاخرى فرجح بهم ".
ثم وضع جميع أمتي في كفة الميزان ووضع أبو بكر في الكفة الاخرى فرجح بهم (1) ثم رفع الميزان وفي لفظ غيره: أتيت بكفة ميزان فوضعت فيها، ثم جئ بأمتي فوضعت في الكفة الاخرى فرجحت بهم ثم رفعت فجئ بأبي، بكر فوضع في كفة الميزان، فجرح بأمتي ثم رفع أبو بكر وجئ بعمر بن الخطاب فرجح بأمتي، ثم رفع الميزان إلى السماء وأنا أنظر.
وروى مسلم عن أبي هريرة والامام أحمد وابن عساكر عن عثمان بن عفان، ويعقوب ابن سليمان في تاريخه - والحسن بن سفيان وابن منده والخطيب وابن عساكر عن عبد الله بن سرح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اسكن حراء فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد.
وروى الحكيم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أحشر
__________
(1) سقط في ج (*)(11/244)
أنا وأبو بكر وعمر يوم القيامة هكذا، وأخرج السبابة والوسطى، والبنصر ونحن مشرفون على الناس.
وروى ابن عساكر عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أحشر يوم القيامة بين أبي بكر وعمر
حتى أقف بين الحرمين فيأتني أهل المدينة وأهل مكة ".
وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف - وفيه الفضل بن جبير الوراق عن داود بن الزبير قال: وهما ضعيفان قال: إذا كان يوم القيامة، نادى مناد لا يرفعن كتاب قبل أبي بكر وعمر.
وروى الامام أحمد والترمذي، وقال: حسن، وابن ماجة، وأبو يعلى، والضياء عن حذيفة البغوي في الجعديات وابن عساكر وابن النجار عن أنس، وابن عساكر عن ابن مسعود وعن بكرة والترمذي، وقال: غريب ضعيف، والطبراني والحاكم وتعقب عن ابن مسعود والروياني والحاكم والبيهقي عن حذيفة، وابن عدي والطبراني عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اقتدوا بالذين من بعدي، وفي لفظ: من أصحابي أبو بكر وعمر، وفي لفظ: فإنهما حبل الله الممدود ومن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها، واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه، وفي لفظ: تمسكوا بعهد ابن مسعود "، وفي لفظ: " ابن أم عبد " (1).
وروى أبو داود الطيالسي، والامام أحمد وعبد بن حميد، وابن ماجه والطحاوي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابي بكر: أي " متى توتر " ؟ قال: أول الليل بعد العتمة، قال: " وأنت يا عمر "، قال: آخر الليل، قال: " أما أنت يا أبا بكر، فأخذت بالثقة، وأما أنت يا عمر، فأخذت بالقوة " (2).
وروى الامام أحمد وعبد بن حميد والترمذي وقال: حسن، وابن ماجه وأبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد والطبراني والبغوي وابن عساكر عن جابر بن سمرة، وابن النجار عن أنس، وابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - أن أهل الدرجات العلى يراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما.
وروى ابن عساكر عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم، كما ينظر أحد كم إلى الكوكب الدري الغائر
__________
(1) ذكره المصنف من قبل.
(2) أخرجه أحمد 6 / 309.
(*)(11/245)
في أفق من آفاق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما.
وروى أبو إسحاق المولى وابن عساكر عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أهل عليين ليشرف أحدهم على الجنة فيضئ وجهه لاهل الجنة كما يضئ القمر ليلة البدر لاهل الدنيا، وإن أبا بكر وعمر منهما وأنعما.
وروى الطبراني عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن لكل نبي خاصة من قومه، وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمر (1).
وروى ابن عساكر عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن لكل نبي وزيرين ووزيراي وصاحباي أبي بكر وعمر.
وروى الحاكم ولم يصححه وأبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن أبي سعيد والحكيم وابن عساكر عن ابن عباس وابن النجار عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الارض فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الارض فأبو بكر وعمر.
وروى الديلمي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال: " إني لارجو لامتي بحب أبي بكر وعمر، كما أرجو لهم بقول لا إله إلا الله ".
وروى أبو نعيم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مثل أبي بكر وعمر مثل نوح وإبراهيم في الانبياء، أحدهما أشد في الله من الحجارة وهو مصيب والاخر ألين في الله من اللبن، وهو مصيب ".
وروى الخطيب عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا علي، أتحب هذين الشيخين، يعني أبا بكر وعمر أحبهما تدخل الجنة ".
وروى ابن النجار عن أنس وابن عساكر والديلمي عن جابر وابن عدي وابن عساكر عن أنس - رضي الله تعالى عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " حب أبي بكر وعمر سنة وبغضهما كفر "، وفي لفظ " نفاق "، وحب الانصار إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان، وبغضهم كفر، وفي لفظ: من سب أصحابي فعليه لعنة الله، ومن حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة ".
وورى الديلمي عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة ".
__________
(1) انظر المجمع 9 / 55.
(*)(11/246)
وروى ابن عساكر عن علي، وقال: المحفوظ أنه موقوف إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " خير هذه الامة بعد نبيها أبو بكر وعمر ".
وروى أيضا عن علي والزبير معا، والحاكم في تاريخه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خير أمتي بعدي أبو بكر وعمر ".
وروى الطبراني عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: صالح المؤمنين أبو بكر وعمر.
وروى الترمذي وابن عساكر عن ابن عباس والترمذي وقال: حسن غريب عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله -: " لكل نبي خاصة من أصحابه، وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمر ".
وروى ابن عساكر عن ابن عباس والترمذي وقال: حسن غريب عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لكل نبي وفي لفظ ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء وأهل الارض، فوزيراي وفي لفظ: ووزيران من أهل الارض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، ووزيراي وفي لفظ: " أما وزيراي من أهل الارض فأبو بكر
وعمر ".
وروى ابن عساكر عن ابن عباس وأنس وأبي سعيد - رضي الله تعالى عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الارض أبو بكر وعمر ".
وروى أبو الحسن الصيقلي في " أماليه " والخطيب وابن عساكر عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يحب أبا بكر وعمر إلا مؤمن، ولا يبغضهما إلا منافق ".
وروي عن أبي مجلز قال: قال: علي - رضي الله تعالى عنه -: ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى عرفنا أن أفضلنا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، وما مات أبو بكر حتى عرفنا أن أفضلنا بعد أبي بكر عمر.(11/247)
الباب الخامس في بعض فضائل أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - على سبيل الاشتراك
روى أبو يعلى برجال الصحيح غير القابعي فإنه متهم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما أسس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه، وجاء أبو بكر بحجر فوضعه، وجاء عمر بحجر فوضعه، وجاء عثمان بحجر فوضعه، قالت: فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " هذا أمر الخلافة بعدي.
ورواه الطبراني عن جرير وذكر أن ذلك في مسجد قباء، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الثلاثة بوضع الحجر " (1).
وروى البزار برجال الصحيح والطبراني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: كنا نقول في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر وعثمان يعني في الخلافة، وهو في الصحيح خلا قوله " في الخلافة ".
وروى البزار من طريق نوفل بن إسماعيل وثقه ابن معين وابن حبان وضعفه البخاري، وحسنه الحافظ في زوائد البزار، عن سفينة، والامام أحمد وابن منده عن أعرابي، والطبراني في الكبير - عن أسامة بن شريك وابن منده وابن نافع عن جبير وابن عساكر عن ابن عمر وأبي أميمة والشيرازي في الالقاب - وابن منده وقال غريب وابن عساكر عن عرفجة الاشجعي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رأيت كأن ميزانا أدلي من السماء فوزنت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر "، وفي لفظ " وزنت في كفة " أو " وضعت في كفة " فرجحت بأمتي، ثم وضع أبو بكر وفي لفظ " ثم وزن " وفي لفظ ووضع أبو بكر مكاني فرجح بأمتي، ثم وضع عمر مكانه فرجح، ثم وضع عثمان مكانه فرجح، ثم وضع الميزان وفي لفظ " إن أناسا من أصحابي وزنو الليلة وفي لفظ " وزن أصحابي الليلة، فوزن أبو بكر ثم عمر ثم عثمان "، وفي لفظ " فوزن أبو بكر فوزن، ثم عمر فوزن، ثم عثمان فوزن "، وفي لفظ فخف وهو رجل صالح، وفي لفظ: " ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر، ثم وزن عمر بعثمان فرجح الميزان فاستهلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوة الخلافة ثم يؤتي الله الملك من يشاء.
روى ابن النجار عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أبو بكر وزيري يقوم مقامي، وعمر ينطق بلساني، وأنا من عثمان وعثمان مني، كأني بك يا أبا بكر تشفع لامتي " (1).
__________
(1) انظر المجمع 5 / 179.
(2) انظر كنز العمال (33063).
(*)(11/248)
وروى الامام والبخاري وأبو داود والترمذي عن أنس والامام أحمد وعبد بن حميد، والعقيلي، وابن حبان، والطبراني والضياء عن سهل بن سعد، والترمذي عن عثمان بن عفان، وأبو يعلى والترمذي وقال حسن والنسائي عن عثمان - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اثبت " وفي لفظ " اسكن " أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.
وروى ابن عدي في الكامل، والحاكم عن سفينة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء ولاة الامر بعدي يعني أبا بكر وعمر وعثمان.
وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا بلال، ناد في الناس بأن الخليفة بعدي أبو بكر، يا بلال، ناد في الناس بأن الخليفة بعدي أبو بكر وعمر، يا بلال، ناد في الناس أن الخليفة بعدي عمر وعثمان، يا بلال، امض أبي الله إلا ذلك ".
وروى الطبراني برجال وثقوا غير مطلب بن شقيب عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يكون من بعدي اثنا عشر خليفة منهم أبو بكر الصديق لا يلبث بعدي إلا قليلا، وصاحب رحى دارة العرب يعيش حميدا، ويموت شهيدا، فقال رجل: من هو يا رسول الله ؟ قال: عمر بن الخطاب، ثم ألتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن عفان، فقال: يا عثمان، إن ألبسك الله تعالى قميصا فأرادك الناس على خلعه فلا تخلعه، فوالله لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط.
وروى البزار والطبراني من طريق عتبة بن عمر عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل إلى البستان، فجاءآت يدق الباب، فقال: يا أنس قم فافتح له الباب وبشره بالجنة وبالخلافة من بعدي، قلت: يا رسول الله، أعلمه، قال: أعلمه، فإذا أبو بكر، فقلت له: أبشر بالجنة وبالخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ثم جاءآت، فدق الباب، فقال: يا أنس، قم فافتح له وبشره بالجنة والخلافة من بعد أبي بكر، قلت: يا رسول الله أعلمه، قال: أعلمه، فخرجت، فإذا عمر، فقلت له: أبشر بالجنة وبالخلافة من بعد أبي بكر، قال: ثم جاء آت فدق الباب، فقال: قم يا أنس، فافتح له وبشره بالجنة وبالخلافة من بعد عمر وأنه مقتول، قال: فخرجت فإذا عثمان، فقلت له: أبشر بالجنة وبالخلافة من بعد عمر وإنك مقتول، فاسترجع فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، لمه والله ما لقيت ولا تمنيت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعتك، قال: هو ذاك يا عثمان وأمره أن يكف.
ورواه أبو يعلى من طريق الصقر بن عبد الرحمن وهو تالف والطبراني من طريق [...].(11/249)
الباب السادس في بعض فضائل أبي بكر وعمر وعلي - رضي الله تعالى عنهم -
روى البزار بسند ضعيف عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: قالوا: يا رسول الله، ألا تستخلف علينا ؟ قال: إن أستخلف عليكم فتعصون خليفتي، عذبتم فقالوا: ألا تستخلف أبا بكر، قال: إن استخلفتموه تجدوه ضعيفا في بدنه قويا في أمر الله، فقالوا: ألا تسختلف عمر ؟ قال: " إن استخلفتموه تجدوه قويا في بدنه، قويا في أمر الله "، قالوا: ألا تستخلف عليا قال: " إن استخلفتموه يسلك بكم الطريق المستقيم، وتجدوه هاديا مهديا ".
وروى الامام أحمد والطبراني والبزار ورجال البزار ثقات عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قيل: يا رسول الله، من نؤمر بعدك قال: إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الاخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عليا - ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذكم الطريق المستقيم ".
وروى الحاكم وتعقب والطبراني في الكبير والخطيب وابن عساكر عن حذيفة عن علي - رضي الله تعالى عنه - وابن عساكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أستخلف عليكم خليفة فتعصوه، ينزل العذاب، قالوا: لو استخلفت علينا أبا بكر، قال: إن (أستخلفه) (1) عليكم تجدوه قويا في أمر الله ضعيفا في جسمه وفي لفظ: " إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا راغب في الاخرة وفي جسمة ضعف وفي لفظ: " إن تولوا أبا بكر، تولوا أمينا مسلما، قويا في أمر الله، ضعيفا في أمر نفسه ".
وفي لفظ: " إن تولوها أبا بكر تجدوه زاهدا في الدنيا راغبا في الاخرة، وإن وليتموها عمر فقوي أمين لا تأخذه في الله لومة لائم "، وفي لفظ " وإن تولوا عمر تولوها عمر تجدوه قويا أمينا، لا تأخذه في الله لومة لائم، قالوا: لو استخلفت علينا عليا، قال: إنكم لا تفعلوا، وإن تفعلوا تجدوه هاديا مهديا، يسلك بكم الطريق المستقيم، وفي لفظ " وإن
وليتموها عليا فهاديا مهديا يقيمكم على طريق مستقيم "، وفي لفظ " وإن تولوا عليا تولوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة، وفي لفظ " وإن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا، يسلك بك الطريق المستقيم ".
وروى الرافعي عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لكل نبي خليل، وإن خليلي وأخي علي، ولكل نبي وزيران، ووزيراي أبو بكر وعمر.
وروى ابن عساكر وابن النجار عن الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تسبوا أبا بكر وعمر، فإنهما سيدا كهول الجنة من الاولين والاخرين، إلا النبيين والمرسلين، ولا تسبوا الحسن والحسين، فإنهما سيدا شباب أهل الجنة من الاولين والاخرين، ولا تسبوا عليا، فإنه من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله فقد عذبه الله تعالى.
__________
(1) في ج: " استخلفتموه " (*)(11/250)
الباب السابع في بعض فضائل أمير المؤمنين أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - على سبيل الانفراد
وفيه أنواع: الأول: في مولده ومنشئه - رضي الله تعالى عنه - ولد - رضي الله تعالى عنه - بعد مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين وأشهر، فإنه مات وله ثلاث وستون سنة.
وروى خليفة بن خياط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: " أنا أكبر أو أنت ؟ قال: أنت أكبر وأنا أسن منك ".
قال الشيخ في تاريخ الخلفاء: غريب جدا، والمشهور خلافه، وإنما صح ذلك عن العباس، وكان منشؤه بمكة لا يخرج منها إلا لتجارة، وكان ذا مال جزيل في قومه، وثروة تامة وإحسان وتفضل فيهم، وكان من رؤساء قريش في الجاهلية، وأهل مشاورتهم، ومحببا فيهم وأعلم لمعالمهم، فلما جاء الاسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول، وكان من أعف الناس في الجاهلية.
قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: والله ما قال شعرا في
الجاهلية ولا في الاسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.
رواه ابن عساكر بسند صحيح، وكان نحيفا أبيض حسن القامة خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه معروق الوجه، غائر العينين.
ناتئ الجبهة، عاري الاشاجع.
رواه ابن سعد، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -.
وروى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وليس في أصحابه أشمط غير أبي فلفها بالحناء والكتم.
وقد تقدم الكلام على إسلامه أوائل الكتاب، ولد بمنى، وأمه أم الخير بنت صفر بن عامر، تزوج في الجاهلية قتيلة بنت عبد العزي فولدت له عبد الله وأسماء ذات النطاقين.
والثانية - أم رومان بنت عامر، ولدت له عبد الرحمن وعائشة، وتزوج في الاسلام أسماء بنت عميس، فولدت له محمدا، وكانت عند جعفر بن أبي طالب قبله، وفولدت له عبد الله، وقيل: مجهزا، وتزوجها بعده علي بن أبي طالب، فذكر أنها ولدت منه ولدا اسمه محمد، وكان يقال لها أم المحمدين، وزوجته الثانية في الاسلام حبيبة بنت خارجة بن زيد، فولدت له أم كلثوم بعد وفاته.
الثاني - في أمر الله تعالى - له بأن يستشيره وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله قدمه ".(11/251)
وروى الديلمي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أتاني جبريل، فقلت: من يهاجر معي ؟ قال: أبو بكر، وهو يلي - رضي الله تعالى عنه - أمر أمتك من بعدك.
وروى تمام عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أتاني جبريل، فقال: يا محمد، إن الله تعالى أمرك أن تستشير أبا بكر ".
وروى الطبراني عن سعيد بن يحيى بن قيس بن عيسى عن أبيه أن حفصة - رضي الله تعالى عنها - قالت: يا رسول الله، إذا اعتللت قدمت أبا بكر ؟ فقال: " ليس أنا الذي قدمته،
ولكن الله تعالى قدمه ".
وروى الديلمي والخطيب وابن عساكر عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا علي، سألت الله أن يقدمك ثلاثا، فأبي علي إلا أن يقدم أبا بكر ".
انتهى.
الثالث - في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مروا أبا بكر، فليصل بالناس ".
روى الشيخان والترمذي وابن ماجه عن عائشة، والشيخان عن أبي موسى والبخاري عن ابن عمر، والامام أحمد وابن ماجه عن ابن عباس، وعبد بن حميد وابن ماجه وابن جرير عن سالم بن عبيد - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مروا أبا بكر، فليصل بالناس.
وروى الحاكم عن سهل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لابي بكر: " إن أقمت فصل بالناس ".
وروى الطبراني عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال: كان كون في الانصار فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلح بينهم، ثم رجع، وقد أقيمت الصلاة، وأبو بكر يصلي بالناس فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف أبي بكر.
ورواه البخاري خلا قوله: " فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف أبي بكر " (1).
وروى البزار بسند جيد والامام أحمد واللفظ له عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نساء، فاستترن مني إلا ميمونة، فقال: لا يبقى أحد شهد أن لا إله إلا الله إلا أن يميني لم يصب العباس، ثم قال: مروا أبا بكر، فليصل بالناس، فقالت عائشة لحفصة: قولي له إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام ذلك المقام بكى قال: مروا أبا بكر
__________
(1) انظر المجمع 5 / 184.
(*)(11/252)
ليصل بالناس، فقام فصلى فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من نفسه خفة، فجاء فنكص أبو بكر فأراد أن
يتأخر فجلس، إلى جنبه ثم اقتدى (1).
وروى الامام أحمد عن ابن أبي حازم قال: " إني لجالس عند أبي بكر بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهر فذكر قصة الدجال فنودي في الناس، الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر، شيئا (صنع) (2) له كان يخطب عليه، وهي أول خطبة في الاسلام، قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " يا أيها الناس، ولوددت أن هذا كفانيه غيري ولئن أخذتموني سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ما أطيقها إن كان لمعصوما من الشيطان وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء ".
وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن أبي مليكة رحمه الله قال: قيل: لابي بكر يا خليفة الله، قال: أنا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا راض به.
وروى الامام عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفي فيه، أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال: بعد مرتين يا بلال، قد بلغت، فمن شاء أن يصلي فليصل ومن شاء أن يدع فليدع، مروا أبا بكر، فليصل بالناس.
وروى الامام أحمد - برجال الصحيح عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: يا رسول الله، إن أبي رجل رقيق، فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحبات يوسف ".
فأم أبو بكر بالناس ".
والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي.
وروى الامام أحمد برجال ثقات عن سالم بن عبيد - رضي الله تعالى عنه - وكان من أصحاب الصفة قال: أغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، فأفاق وقد حضرت الصلاة فقال: حضرت الصلاة ؟ فقلنا: نعم، فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر، فليصل بالناس، فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف، فلو أمرت غيره، فليصل بالناس، ثم أغمي عليه فأفاق، فقال: " أقيمت الصلاة " قلنا: نعم، ائتوني بإنسان أعتمد عليه، فجاء بريدة وإنسان آخر، فاعتمد عليهما فأتى المسجد، فدخل وأبو بكر يصلي بالناس، فذهب أبو بكر ليتنحى فمنعه
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس إلى حيث أبي بكر حتى فرغ من صلاته، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -...الحديث.
__________
(1) أخرجه 1 / 209 وانظر المجمع 5 / 184.
(2) في ج: (وقع).
(*)(11/253)
وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن أبي البختري - رحمه الله تعالى - قال: قال عمر لابي عبيدة: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أنت أمين هذه الامة "، فقال أبو عبيدة: ما كنت لاتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤمنا فأمنا حتى مات.
وأبو البختري لم يدرك عمر، وروى الامام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت الانصار: منا أمير، ومنكم أمير، فأتاهم عمر، فقال: يا معشر الانصار: ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم على أبي بكر (1).
وروى الترمذي، وقال غريب: عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره ".
الرابع - في تسميته - رضي الله تعالى عنه - بالصديق، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا "، وأنه أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
روى ابن سعد عن أبي وهب مولى أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت لجبريل ليلة أسري بي: إن قولي لا يصدقونني فيه، فقال: يصدقك أبو بكر، وهو الصديق ".
وروى الديلمي عن أم هانئ - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا أبا
بكر، إن الله سماك الصديق ".
وروى البخاري عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي..." (2).
وروى الخطيب والديلمي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " دعوا لي صويحبي فإني بعثت إلى الناس كافة، فلم يبق أحد إلا قال: كذبت إلا أبو بكر الصديق، فإنه قال لي " صدقت " (3).
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 21 (2) أخرجه البخاري (3661)، (4640) (3) أخرجه الخطيب في التاريخ 12 / 378 (*)(11/254)
وروى أبو نعيم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما كلمت في الاسلام أحدا إلا أبي علي وراجعني في الكلام إلا ابن أبي قحافة ".
وروى عبد الله بن الامام أحمد وابن مردويه والديلمي عن ابن عباس والطبراني عن أبي أمامة والبخاري والترمذي عن أبي سعيد والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر وابن السني في عمل اليوم والليلة عن ابن العلاء والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجه عن أنس، والترمذي، وقال: حسن غريب، عن أبي هريرة وأبو نعيم عن أبي هريرة والطبراني في الكبير عن كعب بن مرة وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن مسعود وابن عساكر عن جابر والامام أحمد والبخاري عن ابن الزبير والبخاري عن ابن عباس والشيرازي في الالقاب عن سعد ومسلم عن ابن مسعود والطبراني في الكبير عن ابن أبي واقد - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا له قدره ".
وفي لفظ: " إن آمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ".
وفي لفظ: " ما من الناس أحد أمن علي في يده من أبي
بكر زوجني ابنته وأخرجني إلى دار الهجرة ".
وفي لفظ: " ما من الناس أحد أمن علي في صحبته وذات يده من ابن أبي قحافة ".
وفي لفظ: " ما لا حد علينا يد إلا وقد كافأناه عليها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر "، فلو كنت وفي لفظ: " لو كنت " متخذا خليلا وفي لفظ: " من أهل الارض، وفي لفظ: " غير ربي لا تخذت أبا بكر "، وفي لفظ: " ابن أبي قحافة خليلا "، وفي لفظ: " ولكنه أخي وصاحبي قد اتخذ الله صاحبكم خليلا " وفي لفظ: " ولكن قولوا كما قال الله صاحبي "، وفي لفظ: " سدوا كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر "، وفي لفظ: " ألا وإن صاحبكم "، وفي لفظ: " ولكن حق الله فسدوا كل خوخة إلا خوخة ابن أبي قحافة " وفي لفظ: " لكل نبي خليل من أمته وإن خليلي أبو بكر وخليل صاحبكم الرحمن ".
وفي لفظ: " لم يكن من نبي إلا وله خليل وإن خليلي أبو بكر بن أبي قحافة، إن الله اتخذ صاحبكم خليلا "، وفي لفظ: " ولكن أخي في الاسلام، وصاحبي في الغار "، وفي لفظ: " ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا ".
وروى الشيخان والترمذي عن عمرو بن العاص والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب، وابن ماجه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أحب الناس إلي عائشة، ومن الرجال أبوها ".
الخامس - في أنه خير من طلعت عليه الشمس وغربت، وأنه أول من يدخل الجنة من هذه الامة وغير ذلك من بعض فضائله.
روى أبو داود وأبو نعيم في فضائل الصحابة والحاكم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى(11/255)
عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أتاني جبريل فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي، قال أبو بكر: وددت أني كنت معك حتى انظر قال: أما إنك يا أبا بكر، أول من يدخل الجنة من أمتي.
وروى ابن عساكر عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يمشي أمام أبي بكر فقال: أتمشي أمام من هو خير منك ؟ إن أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس وغربت.
وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أتمشي أمام من هو خير منك، ألم تعلم أن الشمس لم تشرق على أحد أو تغب خير من أبي بكر إلا النبيين والمرسلين.
وروى أيضا عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أتمشي أمام أبي بكر ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر ".
وروى الديلمي عن عرفجة بن صريح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أنا سيف الاسلام، وأبو بكر سيف الردة " (1).
وروى أبو نعيم في الحلية عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة ".
وروى الخطيب في المتفق والمفترق بسند لا بأس به عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر ".
وروى الديلمي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " تأتي الملائكة بأبي، بكر مع النبين والصديقين تزفه إلى الجنة زفا ".
وروى الامام أحمد وابن ماجه والنسائي عن أبي هريرة وأبو يعلى عن عائشة وحسنه ابن كثير والخطيب عن علي - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ".
وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما نفعني مال قط إلا مال أبي بكر ".
وروى الحاكم وابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أبا بكر، أنت عتيق الله من النار ".
__________
(1) انظر مسند الفردوس 1 / 75 (*)(11/256)
وروى الامام أحمد والشيخان والترمذي عن أنس عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في الغار: ولو أن أحدهم نظر تحت قدميه لا بصرنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
ورواه أبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
وروى الطبراني في الكبير عن معاوية - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا أبا بكر، إن أفضل الناس عندي في الصحبة، وذات يده ابن أبي قحافة (1).
وروى عبدان المروزي وابن قانع عن قهذاذ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يأيها الناس، احفظوني في أبي بكر، فإنه لم يسؤني منذ صحبتي ".
وروى ابن مردويه وأبو نعيم في فضائل الصحابة، والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للعباس: " يا عباس، يا عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه، فاسمعوا له تفلحوا، وأطيعوا ترشدوا ".
وروى ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: نزلت هذه الاية (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي) [ الاحقاف 15 ] إلى آخرها في أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - فاستجاب الله له، فأسلم والداه جميعا وإخوته وولده كلهم، ونزلت فيه أيضا (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) [ الليل 5 ] إلى آخر السورة.
وروى الطبراني عن عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ائتوني بدواة وكتب: أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، ثم ولانا قفاه، ثم أقبل علينا فقال: " يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر ".
وروى الطبراني برجال ثقات عن سالم بن عبيد - رضي الله تعالى عنه - قال: " لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عمر: لا أسمع أحدا، يقول مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ضربته بالسيف، فأخذا أبو بكر بذراعي علي، وقام يمشي حينا، فقال: أوسعوا، فأوسعوا له فأكب عليه، ومسه، قال " إنك ميت وإنهم ميتون " قالوا: يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: نعم.
فعلموا أنه كما قال: قالوا: يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: نعم، يدخل قوم، فيكبرون ويدعون ويصلون ثم ينصرفون، ويجئ آخرون حتى يفرغوا، قال: يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيدفن
__________
(1) انظر الكنز (32607) (*)(11/257)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: نعم، قالوا: أين يدفن ؟ قال: حيث قبض، فإنه الله تعالى لم يقبضه إلا ببقعة طيبة، فعلموا أنه كما قال، ثم قام، فقال: عندكم فاغسلوه، فأمرهم يغسلونه ثم خرج واجتمع المهاجرون يتشاورون فقالوا: انطلقوا إلى إخواننا من الانصار فإن لهم من هنا نصيبا، فانطلقوا، فقال: رجل من الانصار: منا أمير ومنكن أمير، فأخذ عمر - رضي الله تعالى عنه - بيد أبي بكر فقال أخبروني من له هذه الثلاثة (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) [ التوبة 40 ] من صاحبه ؟ فأخذ بيد أبي بكر فضرب عليها وقال للناس: با يعوه فبايعوه بيعة حسنة جميلة ".
وروى ابن الجوزي في المنتظم عن زيد بن أرقم قال: كان لابي بكر الصديق مملوك يغل عليه، فأتاه ليلة بطعام، فتناول منه لقمة، فقال له المملوك: ما لك كنت تسألني عن كل ليلة، ولم تسألني الليلة ؟ فقال: حملني على ذلك الجوع، من أين جئت بهذا ؟ قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني فلما كان من اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم فأعطوني فقال له: إن كدت تهلكني فأدخل يده في حلقه، وجعل يتقيأ، وجعلت لا تخرج، فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء، فدعا بطست من ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمي بها، فقيل له: يرحمك
الله كل هذا من أجل هذه اللقمة ؟ قال: لولا تخرج إلا مع نفسي لاخرجتها، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " كل جسد نبت من سحت " فالنار أولى به فخشيت أن ينبت شئ من جسدي من هذه اللقمة، وكان يسمى الاواه، لرأفته ورحمته، فصعد علي على المنبر، وقال: ألا إن أبا بكر أواه منيب القلب.
وقال قيس: رأيت أبا بكر آخذا بطرف لسانه، وهو يقول: هذا أورد في الموارد وقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: يا ليتني كنت شجرة تقطع ثم تؤكل ".
وقال عمران الجوني: قال أبو بكر: " لوددت أني شجرة في جنب عبد مؤمن " (1).
وروى الطبراني - ورجاله رجال الصحيح - عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث رجلا منكم قرنه برجل منا، فنحن نرى أن يلي هذا الامر رجلان، رجل منكم، ورجل منا، فقام زيد بن ثابت فقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من المهاجرين، وكنا أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنحن أنصار من يقوم مقامه، فقال: أبو بكر الصديق: جزاكم الله خيرا من حي، يا معشر الانصار، وثبت قائلكم والله لو قلتم غير ذلك ما صالحنا كم.
وروى الطبراني عن عيسى بن عطية، قال: قام أبو بكر الصديق حين بويع، فخطب الناس
__________
(1) انظر الحلية لابي نعيم 1 / 31 (*)(11/258)
فقال: أيها الناس إني قد أقلتكم رأيكم، إني لست بخيركم فبايعوا خير كم، فقاموا إليه فقالوا: يا خليفة رسول الله، أنت والله خير منا، فقال: يأيها الناس، إن الناس دخلوا في الاسلام طوعا وكرها فهم عواد الله وجيران الله فإن استطعتم أن لا يطلبنكم الله بشئ من ذمته فافعلوا إن لي شيطانا يحضرني فإذا رأيتموني فاجيبوني لا أمثل بأشعار كم وأيشادكم، يا أيها الناس، تفقدوا ضرائب علمائكم، إنه لا ينبغي للحم نبت من سحت أن يدخل الجنة إلا وراعوني بأنصاركم، فإن استقمت فاتبعوني [ وإن زغت فقوموني وإن أطعت الله فأطيعوني وإن عصيت الله
فأعصوني ] (1).
وروى الامام أحمد عن قيس بن أبي حازم رحمه الله تعالى قال: إني لجالس عند أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهر فذكر قصة فنودي في الناس: الصلاة جامعة، (وهي أول صلاة في المسلمين نودي بها أن الصلاة جامعة) (2) فاجتمع الناس وصعد المنبر شيئا صنع له كان يخطب عليه وهي أول خطبة في الاسلام، قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أيها الناس، لوددت أن هذا كفايته غيري، ولئن أخذتموني سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ما أطيقها، إنه كان لمعصوما من الشيطان، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء.
وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن ابن أبي مليكة، وابن أبي مليكة يدرك أبا بكر الصديق، قال: قيل لابي بكر: يا خليفة الله، قال: أنا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن قيس بن أبي حازم - رحمه الله تعالى - قال: رأيت عمرا وبيده عسيب وهو يقول: اسمعوا وأطيعوا لخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء مولى لابي بكر يقال له شديد بصحيفة، فقرأها على الناس، فقال: يقول أبو بكر: اسمعوا، وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة فوالله ما ألوتكم قال قيس: فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر (3).
وروى الترمذي وقال: حسن غريب عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أبا بكر، قل اللهم، فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت رب كل شئ ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم ".
وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول
__________
(1) انظر المجمع 5 / 186 (2) سقط في ج (3) أخرجه الامام أحمد 1 / 37 (*)(11/259)
الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا أبا بكر، إني رأيتني البارحة على قليب انزع فجئت أنت ففزعت وأنت ضعيف، والله يغفر لك، ثم جاء عمر، فاستحالت غربا وضرب الناس بعطن " (1).
وروى ابن مردوية عن أنس - رضي الله عنه - وتعقب عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا بكر، أعطاك الله الرضوان الاكبر، قال: وما الرضوان الاكبر ؟ قال: " إن الله يتجلي للخلق عامة ويتجلي لك خاصة ".
وروى أبو الشيخ وأبو نعيم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا بكر، ألا تحب قوما بلغهم أنك تحبني فأحبوك بحبك إياهم فأحبهم ؟.
السادس: في قدر عمره ومن صلى عليه ودفنه [ اختلف في قدر سنه يوم مات وأشهر الاقوال وأكثرها أنه توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر.
روى أحمد وابن الجوزي في الصفوة أنه أوحى أن يدفن إلى جانب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين القبر والمنبر ].
السابع: في مرضه ووفاته وذكر بعض ما رثي به: روى الحاكم عن الشعبي قال: ماذا يتوقع من هذه الدنيا الدنية وقد سم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسم أبو بكر (2).
وروى الواقدي والحاكم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادي الاخرة فكان يوما باردا فحم خمسة عشرة يوما لا يخرج إلى صلاة، وتوفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادي الاخرة سنة ثلاث عشرة، وله ثلاث وستون سنة، وكان يأمر عمر بالصلاة.
وروى ابن سعد وابن أبي الدنيا عن أبي السفر قال: لما دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك ؟، قال: قد نظر إلي، فقالوا: ما قال لك ؟ قال: إني فعال لما أريد (3).
وروى الامام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: إن أبا بكر، لما حضرته الوفاة، قال: أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم الاثنين، قال: فإن مت في ليلتي هذه فلا تنتظروا بي الغد، فإن أحب الايام إلي أقربها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 9 / 74 (2) أخرجه الحاكم 3 / 64 (3) أخرجه ابن سعد 3 / 148 (*)(11/260)
وروى الامام أحمد وابن جرير عن عبد الله بن اليمن مولى الزبير بن العوام، قال: لما حضر أبو بكر تمثلت عائشة - رضي الله تعالى عنها - بهذا البيت: أعوذك ما بقي العذار عن الفتي * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر ورواه ابن سعد وغيره عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما ثقل أبو بكر تمثلت بهذا البيت: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر وروى أبو يعلي برجال الصحيح عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخلت على أبي بكر فرأيت به وهو في الموت وفي لفظ: " فرأيت به الموت "، فقلت: هيج هيج من لا يزال دمعه مقنعا * فإنه في مرة مدفوق فقال: لا تقولي هذا، ولكن قولي: (وجاءت سكرة الموت بالحق، ذلك ما كنت منه تحيد) [ ق 19 ].
ثم قال: في أي يوم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: يوم الاثنين، قال أرجو فيما بيني وبين الليل، فمات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح (1).
وروى الامام أحمد عنها أنها تمثلت بهذا البيت وأبو بكر يقضي.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامي عصمة للارامل فقال: ذاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن عساكر في تاريخه بسنده عن الاصمعي قال خفاف بن ندبة السلمي يبكي أبا بكر - رضي الله تعالى عنه -: ليس لحي فاعلمنه بقا * وكل دنيا أمرها للفنا والملك في الاقوام مستودع * عارية فالشرط فيه الادا والمرء يسعى وله راصد * تندبه العين ونار الصدا يهرم أو يقتل أو يقهره * يشكوه سقم ليس فيه شفا إن أبا بكر هو الغيث إن * لم تزرع الجوزاء بقلا بما تالله لا يدرك أيامه * ذو مئزر ناش ولا ذو ردا من يسع كي يدرك أيامه * مجتهدا شذ بأرض فضا ومن مناقبه أنه قال لعائشة - رضي الله تعالى عنها - في مرضه: أنا مذ وليت أمر
__________
(1) أخرجه أبو يعلى 7 / 430 والبخاري (1387) والبيهقي 4 / 31 (*)(11/261)
المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا ألكنا خبز الشعير طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فئ المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي هذا البعير الناضح وهذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بها إلى عمر، قالت عائشة: فقلت، فلما جاء الرسول إلى عمر بكى، وجعلت دموعه تسيل، ويقول: رحم الله أبا بكر مرتين، لقد أتعب من بعده.
ومن مناقبه ما كان من إنقاذ جيش أسامة، ومخالفته الكافة في ترك إبعاده وقوله: كأن أخر من السماء فتخطفني الطير، وتنهشني السباع أحب إلي أن أكون حالا لعقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول عند موته: انقذوا جيش أسامة.
ومنها قتالة أهل الردة، وخروجه بنفسه.
قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: وقبل عمر رأيه - رضي الله تعالى عنهما - في قتال أهل الردة.
ومنها عهده إلى عمر - رضي الله تعالى عنهما - لما حضرته الوفاة، وقوله له: اتق الله، يا عمر ! واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي لها فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا، وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بابتاعهم الباطل، وحق الميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني أخاف أن لا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم، قلت: إني لارجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكن العبد راغبا وراهبا، ولا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمته، فإن أنت حفظت وصيتي فلا تكن الدنيا أحب الله إليك من الموت.(11/262)
الباب الثامن في بعض فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في مولده ولد - رضي الله تعالى عنه - بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وأمه حنتمة، بحاء مهملة مفتوحة فنون ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فميم، بنت هاشم.
(ويقال هشام ابن المغيرة بن عبد الله، والصحيح بنت هاشم، ومن قال بنت هشام فقد أخطأ، كذا قال الزبير ابن بكار، وقال ابن منده وأبو نعيم هي بنت هشام أخت أبي جهل، ونقله أبو نعيم عن ابن إسحاق، ومن قال: بنت هاشم كانت بنت عمه.
الثاني: فيما وجد في الكتب السابقة من صفته.
روى ابن سعد عن ابن مسعود وعبد الله ابن الامام أحمد في زوائد الزهد عن أبي عبيدة - رضي الله تعالى عنهما - قال ركب عمر بن الخطاب فرسا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانكشف ثوبه عن فخذه، فرأى أهل نجران بفخذه شامة سوداء فقالوا: هذا الذي نجد في كتابنا أن يخرجنا من أرضنا.
وروى أبو نعيم من طريق شهر بن حوشب عن كعب قال: قلت لعمر بن الخطاب بالشام إنه مكتوب في هذه الكتب أن هذه البلاد مفتوحة على رجل من الصالحين، رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين، سره مثل علانيته، وقوله لا يخالف فعله، القريب والغريب سواء في الحق عنده، أتباعه رهبان بالليل، وأسود بالنهار، متراحمون، متواصلون متبارزون.
قال عمر: أحق ما تقول إي والله، قال: الحمد لله الذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وروى ابن عساكر عن عبد الله بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطاب كان بالجابية، فقدم خالد بن الوليد إلى بيت المقدس، فقالوا له: ما اسمك ؟ قال: خالد بن الوليد: قالوا: وما اسم صاحبك ؟ قال: عمر بن الخطاب، قالوا: انعته لنا قال: فنعته، قالوا: أما أنت فلست تفتحها، ولكن عمر، فإنا نجد في الكتب كل مدينة تفتح قبل الاخرى وكل رجل يفتحها نعته، وإنا نجد في الكتب أن سارية تفتح قبل بيت المقدس، فاذهبوا فافتحوها، ثم تعالوا بصاحبكم.
وروى ابن عساكر عن ابن سرين، قال: قال كعب لعمر - رضي الله تعالى عنه -: يا أمير المؤمنين، هل ترى في منامك شيئا فانتهر، فقال: إنا نجد رجلا يرى أمر الامة في منامه.
وروى الطبراني وأبو نعيم عن مغيث الاوزاعي أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال لكعب: كيف تجد نعتي في التوراة ؟ قال: خليفة قرن من حديد، أمير شديد، لا(11/263)
يخاف في الله لومة لائم، ثم خليفة من بعدك، تقتله أمة ظالمون، ثم يقع البلاء بعده.
وروى ابن عساكر عن الاقرع مؤذن عمر أن عمر - رضي الله تعالى عنه - دعا الاسقف فقال: هل تجدون في شيئا من كتابكم ؟، قال: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماء كم، قال: كيف تجدوني ؟ قال: قرنا من حديد، قال: ما قرن من حديد ؟ قال: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر، قال: فما الذي من بعد ؟ قال: رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال (عمر) (1): يرحم الله ابن عفان
فما الذي من بعده ؟ قال: صداء حديد، قال عمر: وادفراه قال: مهلا، يا أمير المؤمنين، فإنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء، والسيف مسلول.
روى الدينوري في " المجالسة " وابن عساكر من طريق زيد بن أسلم قال: أخبرنا عمر بن الخطاب قال: خرجت مع ناس من قريش في تجارة إلى الشام في الجاهلية فلما خرجنا إلى مكة نسيت قضاء حاجة فرجعت فقلت لاصحابي: ألحقكم فوالله إني لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد جاء فأخذ بعنقي فذهبت أنازعه فأدخلني كنيسته فإذا تراب متراكب بعضه على بعض فدفع إلي مجرفة وفأسا وزنبيلا وقال: انقل هذا التراب فجلست أتفكر في أميري كيف أصنع فأتاني في الهاجرة فقال لي: لم أرك أخرجت شيئا ثم ضم أصابعه فضرب بها وسط رأسي فقمت بالمجرفة فضربت بها هامته فإذا دماغه قد انتثر ثم خرجت على وجهي ما أدري أين أسلك فمشيت بقية يومي وليتلي حتى أصبحت فانتهيت إلى دير فاستظللت في ظله فخرج إلي رجل فقال: يا عبد الله ما يجلسك هاهنا قلت: أضللت عن أصحابي فجاءني بطعام وشراب وصعد في النظر وخفضه ثم قال: يا هذا قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الارض أحد أعلم مني بالكتاب وإني أجد صفتك الذي تخرجنا من هذا الدير وتغلب على هذه البلدة فقلت له: أيها الرجل قد ذهبت في غير مذهب قال: ما اسمك قلت: عمر بن الخطاب قال: أنت والله صاحبنا وهو غير شك فاكتب لي علي ديري وما فيه قلت: أيها الرجل قد صنعت معروفا فلا تكدره ؟ فقال: اكتب لنا كتابا من رق ليس عليك فيه شئ، فإن تك صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الاخرى فليس يضرك، قلت: هات وكتبت له، ثم ختمت عليه فلما قدم عمر الشام في خلافته أتاه ذلك الراهب، وهو صاحب دير القدس بذلك الكتاب، فلما رآه عمر تعجب منه وأنشأ يحدثنا حديثه، فقال: أوف لي بشرطي، فقال: عمر: ليس لعمر ولا لابن عمر منه شئ.
الثالث: في قوله - صلى الله عليه وسلم - يا أخي أشر كنا في دعائك، وقوله: " اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب ".
__________
(1) سقط في ج (*)(11/264)
روى الامام أحمد وغيره وابن سعد وابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا أخي أشركنا في دعائك وفي لفظ " في صالح دعائك ولا تنسنا ".
رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة فإذن لي، وقال: لا تنسنا يا أخي من دعائك، فقال لي كلمة ما سرني أن لي بها الدنيا.
وروى الحاكم وابن عساكر والطبراني في الكبير - عن ثوبان، وابن عساكر عن علي والزبير، وأبو داود الطيالسي والنسائي والامام أحمد عن ابن مسعود وابن ماجه عدي في الكامل والحاكم والبيهقي عن عائشة، وابن عساكر عن الزبير بن العوام، والسدي عن ربيعة السعدي والحاكم والطبراني في الكبير عن ابن مسعود والامام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، وعبد بن حميد، وابن سعد وأبو يعلى وأبو نعيم في الحلية، والبغوي عن ربيعة السعدي وابن عساكر عن ابن عمر، والبزار عن أنس عن خباب وابن سعد عن سعيد بن المسيب مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اللهم أعز " وفي لفظ: " أيد الاسلام بعمر بن الخطاب، وفي لفظ: " خاصة "، وفي لفظ: " اللهم، أعز عمر بن الخطاب "، وفي لفظ: " بأبي جهل بن هشام، أو بعمر بن الخطاب "، وفي لفظ: " بأحب الرجلين "، وفي لفظ: هذين الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام ".
وروى أبو نعيم في الحلية - عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر - رضي الله تعالى عنه - كان يقول: والله، ما نعنى بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزي فتسمط لنا ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الاسعان حتى إذا صار مل ء عن اليعقوب، أكلنا هذا، وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا، لانا سمعنا الله تعالى يقول: (أذهبتم
طيباتكم في حياتكم الدنيا) [ الاحقاف 20 ] (1).
وروى عبد بن حميد عن قتادة، قال: ذكر لنا أن عمر لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله، فقال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير ؟ فقال خالد: لهم الجنة، فأزرفت عينا عمر.
فقال: لئن كان حظنا من هذا الطعام، وذهبوا بالجنة، فقد بانوا بوانا بعيدا.
وروى الحاكم والترمذي والطبراني والضياء عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية 1 / 49 (*)(11/265)
" أتاني جبريل، فقال: أقرئ عمر السلام وقل له إن رضاه حكم، وإن غضبه عز " (1).
وروى الحكيم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أتاني جبريل، فقال: أقرئ عمر السلام، وأخبره أن غضبه عز، ورضاه عدل.
وروى الحاكم في تاريخه، وأبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب، والديلمي، وابن النجار، عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب إذا غضب.
وروى أبو داود والطبراني والحاكم عن أبي رمثة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أصاب الله بك يابن الخطاب ".
وروى النسائي وابن منده وابن عساكر عن واصل مولى عيينة، قال: كانت امرأة عمر اسمها عاصية فأسلمت، فقالت لعمر: قد كرهت اسمي فسمني فقال: أنت جميلة، فغضبت وقالت ما وجدت اسما سميتني إلا اسم أمة، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني كرهت اسمي فسمني، فقال: أنت جميلة، فقالت: يا رسول الله، قلت لعمر: سمني: فقال: أنت جميلة فغضبت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما علمت أن الله عز وجل عند لسان عمر وقلبه.
ورواه ابن عساكر في التاريخ والنسائي عن بلال وابن عساكر عن أبي بكر الصديق بلفظ: " إن الله جعل الحق في قلب عمر، وعلى لسانه ".
وروى ابن (عساكر عن أبي ذر بلفظ: " إن الله جعل السكينة على لسان عمر وقلبه يقول بها ".
) ورواه ابن سعد عن أيوب بن موسى مرسلا " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقبله، وهو الفاروق، فرق الله به بين الحق والباطل ".
ورواه الامام أحمد وعبد بن بن حميد والترمذي، وقال: حسن صحيح، والطبراني عن ابن عمرو عن بلال والامام أحمد وأبو داود وأبو يعلى والروياني والحاكم والضياء عن أبي ذر، وتمام وابن عساكر عن أبي سعيد والامام أحمد وأبو يعلى وتمام والحاكم وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة، والطبراني عن معاوية بلفظ: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ".
وروى الطبراني عن سديسة عن مولاة حفصة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه " (2).
__________
(1) أخرجه الترمذي 9 / 72 (2) أخرجه الطبراني 9 / 73 (*)(11/266)
وروى ابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الشيطان يفر من عمر بن الخطاب ".
وروى ابن عدي وابن عساكر عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله عز وجل باهى الملائكة عشية يوم عرفة بعمر بن الخطاب ".
وروى ابن عساكر عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من (أغضب) (1) عمر فقد أغضبني، ومن أحب عمر فقد أحبني، وإن الله باهى عشية يوم عرفة بالناس عامة، وإن الله باهى بعمر خاصة، وإنه لم يبعث نبي قط إلا كان في أمته (من
يحدث) " (2).
وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر، وقيل: كيف يا رسول الله يحدث ؟ قال: يتحدث الملائكة على لسانه.
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنه عليه - الصلاة والسلام - قال: " لقد كان فيما قبلكم من الامم ناس محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر ".
قال ابن وهب: محدثون: أي ملهمون.
وقال ابن عيينة معناه: مفهمون.
وروى ابن عساكر عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " مه عن عمر، فوالله ما سلك عمر واديا قط، فسلكه الشيطان ".
وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نزل الحق على لسان عمر وقلبه ".
وروى الطبراني في الكبير - عن سلمة بن مالك الخطمي، وابن عدي في الكامل - عن أبي هريرة وابن عمر معا - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ويحك إذا مات عمر، فإن استطعت أن تموت فمت ".
وروى الديلمي عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - قال: " لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن ".
وروى الطبراني في " الكبير " عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال
__________
(1) في ج: " أبغض ".
(2) في ج " محدث " (*)(11/267)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يابن الخطاب، أتدري مما تبسمت إليك إذا الله عز وجل باهى ملائكته ليلة عرفة بأهل عرفة عامة وباهى بك خاصة ".
وروى أبو نعيم في الحلية وابن جرير عن سعيد بن جبير مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " عمر ارجع، فإن غضبك عز، ورضاك حكم، إن لله في السموات السبع ملائكة يصلون له غنى عن صلاة فلان " قال عمر: فما صلاتهم ؟ فلم يرد على شئ، فأتاه جبريل، فقال: يا نبي الله، يسألك عن صلاة أهل السماء، قال: نعم، فقال: اقرأ على عمر السلام، وأخبره أن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثانية ركوع يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت ".
وروى أبو نعيم وابن عساكر عن عقيل بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا عمر إن غضبك عز، ورضاك حكم ".
وروى الديلمي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا عائشة، ما من أصحابي أحد إلا وقد غلبه شيطانه إلا عمر، فإنه غلب الشيطان ".
وروى الامام أحمد والترمذي وقال: صحيح وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الاوسط والضياء وابن منيع والحارث عن أنس، والطيالسي والامام أحمد والشيخان وابن حبان وأبو عوانة عن جابر، والامام أحمد عن عبد الله بن بريرة عن أبيه، والامام أحمد وأبو يعلى والروياني وأبو بكر في الغيلانيات عن معاذ وابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب "، وفي لفظ: " فرأيت فيها دارا وقصرا " فقلت: لمن هذا القصر ؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب وفي لفظ: " لشاب من قريش فظننت أني أنا هو، فقلت: ومن هو ؟ قالوا: عمر بن الخطاب، فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته، وفي لفظ: " فأردت أن أدخله فذكرت غيرة أبي حفص، فقال عمر: أو عليك أغار يا رسول الله، هل هذا في الله إلا بك ؟ وهل رفعني الله إلا بك ؟ وهل من علي إلا بك " ؟.
وروى الامام أحمد والشيخان عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة أمامي فقلت: من
هذا يا جبريل ؟ قال: هذا بلال، ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا القصر ؟ قال: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله، فذكرت غيرتك " (1).
__________
(1) أخرجه البخاري (3679) (*)(11/268)
وروى الحاكم في تاريخه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " رضي الله تعالى عن عمر، ورضي عن من رضي عنه ".
وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر وابن عساكر والحاكم عن المصعب بن جثامة وأبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة ".
وروى ابن عدي والطبراني في الكبير وأبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن ابن عباس عن أخيه الفضل - رضي الله تعالى عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " عمر معي، وأنا مع عمر " وفي لفظ: " عمر مني وأنا من عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان ".
وروى ابن عدي عن سعيد بن جبير عن أنس، وابن شاهين وابن عساكر عن سعيد بن جبير مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " قال لي جبريل: اقرئ عمر السلام وأعلمه أن رضاه حكم، وغضبه عدل ".
وروى أبو بكر الاجري في الشريعة، والحاكم، وتعقبه وأبو نعيم في " فضائل الصحابة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما أسلم عمر أتاني جبريل، فقال: قد استبشر أهل السماء بإسلام عمر ".
وروى الامام أحمد والترمذي وقال: حسن غريب، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير والرياني والبيهقي والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عامر، والطبراني في الكبير عن عصمة بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ".
وروى الترمذي وضعفه والبزار والدارقطني في الافراد والحاكم وتعقب، وابن عساكر عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما طلعت الشمس على أحد، وفي لفظ: " على رجل خير " وفي لفظ: " أفضل من عمر ".
وروى ابن عدي وأبو نعيم في فضائل الصحابة والديلمي وابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر، ولا في الارض شيطان إلا وهو يفر من عمر ".
وروى الدارقطني في الافراد - وابن منده وابن عساكر عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما لقي الشيطان عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه ".(11/269)
وروى الحاكم عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما لقي الشيطان عمر في فج فسمع صوته إلا أخذ غير فجه ".
الرابع: في موافقاته، وهي آية الحجاب و (اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [ البقرة 125 ] و (عسى ربه إن طلقكن) [ التحريم 5 ] و (تبارك الله أحسن الخالقين [ المؤمنون 14 ] والاستئذان وأساري بدر (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) [ التوبة 84 ] ووصيته وكرامته ووفاته، وثناء الصحابة عليه، وأن موته ثلمة في الاسلام.
وروى أبو داود الطيالسي، وابن أبي حاتم وابن مردوية وابن عساكر وهو صحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: وافقت ربي في أربع، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [ البقرة 125 ] وقلت: يا رسول الله، لو ضربت على نسائك الحجاب، فإنه يدخل عليهن البر والفاجر، فأنزل الله تعالى (وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن متاعا فاسئلوهن من وراء حجاب) [ الاحزاب 53 ]، ونزلت هذه الاية (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين) إلى قوله: (ثم أنشأناه خلقا آخر) [ المؤمنون 14 ].
فلما نزلت قلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين فنزلت: (فتبارك اله أحسن
الخالقين) [ المؤمنون 14 ] ودخلت على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت لهن: لتنتهين أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن فنزلت هذه الاية (عسى ربه إن طلقكن) [ التحريم 5 ].
وروى سعيد بن منصور، والامام أحمد والدارقطني والدارمي والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن أبي عاصم وابن جرير والطحاوي وابن حبان والدارقطني في الافراد، وابن شاهين في السنة، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية - والبيهقي عنه - رضي الله تعالى عنه - قال: وافقت ربي في ثلاث قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [ البقرة 125 ]، وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساؤه من الغيرة فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك (الترحيم 5 ].
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: " ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر ".
ومن كراماته قصة سارية المشهورة حيث كان يخطب يوم الجمعة في السنة التي مات فيها، فقال في أثناء كلامه: يا سارية بن الحصين، الجبل الجبل، فنظر الناس بعضهم إلى بعض فلم يفهموا ما قال، فقال له علي لما نزل: ما هذا الكلام الذي قلته ؟ قال: وقد سمعتني قال:(11/270)
سمعتك أنا وكل من في المسجد، فقال: رأيت أصحابنا (بنهاوند) (1) وقد أحاط بهم العدو، وهناك جبل فإن اعتصموا إليه سلموا وظفروا، وإلا فيهلكوا فجاء البشير بعد شهر بخبر نصر المسلمين، وأنهم سمعوا في ذلك الوقت صوتا يشبه صوت عمر، يا سارية بن حصين، الجبل الجبل، فعدلوا إليه، فانتصروا وظفروا، فكشف له عن حال السرية حتى عاينهم ببصره وارتفع بصره وصوته إلى أن سمعوه في ذلك الوقت، فلما جاءه البشير أخبره بذلك.
وفتح على يديه فتوحات كثيرة منها بيت المقدس، ومن مناقبه قوله " لو أن جملا من
ولد الضأن، ضاع على شط الفرات لخفت أن يسألني الله تعالى عنه " ومنها: تواضعه مع رفعة قدره وجلالة منصبه ومنها أنه كان في عام الرمادة يصوم النهار، فإذا أمسى أتى بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد الخبز ثم قال: ويحك تأمرنا، ارفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت معترين فضعها بين أيديهم، وقد حلف في ذلك العام أن لا يأكل سمنا ولا سمينا حتى يأكل الناس، وما أثر عنه من كلماته وجدنا علينا الصبر، إن الطمع فقر واليأس عز.
جالس التوابين فإنهم أرق شئ أفئدة.
كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم، واسألوا رزق يوم بيوم.
وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ومهدوا لها قبل أن تعذبوا، وتزينوا للعرض الاكبر يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية.
لو أن مثل الارض ذهبا لا فتديت به من عذاب الله قبل أن أراه.
والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها - يعني الخلافة كما دخلت فيها لا أجرا ولا وزرا.
ولو نادي مناد من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو، ولو نادي مناد من السماء: أيها الناس، إنكم داخلوا النار كلكم إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا هو.
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم تر عيني إلا رجلا وقد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت، فإذا هو علي بن أبي طالب فترحم على عمر، وقال: ما خلق الله أحدا أحب إلي من أن ألقى الله بمثل عمله منك وايم الله، إن كنت لاظن أن يجعلك مع
__________
(1) سقط ج (*)(11/271)
صاحبيك وذلك أني كنت كثيرا أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ذهبت أنا وأبو بكر وعمر،
وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لاظن أن يجعلك الله معهما ".
رواه مسلم عن أبي بكر.
وروى مسلم في صحيحه والحافظ والبيهقي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن عمر - رضي الله تعالى عنه - أصاب أرضا بخيبر، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا، والله ما أصبت مالا قط هو أنفس عندي منها فما تأمرني يا رسول الله ؟ قال: إن شئت تصدقت بها وحبست أصلها، فقال: فجعلها عمر صدقة لا تباع، ولا توهب، ولا تورث فتصدق بها على الفقراء وذي القربى وفي سبيل الله، قال ابن عوف: احبسه قال: والضيف ولا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف، ويطعم صديقا غير متمول، قال ابن عوز: فذكرته لا بن سيرين فقال: " غير متأثل مالا ".
وروى [ البخاري ] أن عمر - رضي الله تعالى عنه - تصدق بماله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يقال له: ثمغ وكان نخلا فقال عمر: يا رسول الله، إني استنفدت مالا وهو عندي نفيس، فأردت أن أتصدق به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " تصدق بأصله لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، ولكن تنفق ثمرته فتصدق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله، وفي الرقاب، والمساكين، والضيف وابن السبيل، ولذوي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به " (1).
وروى البيهقي عن يحيى بن سعيد أن صدقة عمر - رضي الله تعالى عنه - نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب في ثمغ أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمرته حيث أراها الله، فإن توفيت فإنه إلى ذي الرأي من أهله، وفي لفظ: " من ولدي " لا يشرى أصله أبدا، ولا يوهب من وليه فلا حرج عليه في ثمره، إن أكل أو آكل صديقا غير متأثل مالا فما عفا عنه من ثمره، فهو للسائل والمحرم، والضيف، وذوي القربى، وابن سبيل وفي سبيل الله، تنفقه حيث أراها الله عز وجل من ذلك فإن توفيت فإلى ذي الرأي من ولدي والمائة الوسق الذي أطعمني محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوادي بيدي، لم أهلكها فإنه مع [ ثمغ ] على سنته
التي أمرت بها، وإن شاء لي ثمغ اشتري من ثمره رقيقا لعمله، وكتب معيقيب وشهد عبد الله ابن الارقم، بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصي به عبد الله عمر أمير المؤمنين: إن حدث به حدث إن ثمغا وصرمة بن الاكوع والعبد الذي فيه، والمائة سهم الذي بخيبر، ودقيقه الذي
__________
(1) أخرجه البخاري (2764) (*)(11/272)
فيه، والمائة يعني الوسق الذي أطعمه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذوو الرأي من أهلها، لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى في السائل والمحروم، وذوي القربى، ولا حرج على وليه إن أكل أو آكل أو اشتري له رقيقا منه " (1).
وروى الطبراني من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم - رحمه الله تعالى - أن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال للستة الذين خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف، فمن أبي فاضربوا عنقه ".
وروى أن سعيد بن زيد - رضي الله تعالى عنه - بكى عند موت عمر - رضي الله تعالى عنه - فقيل: ما يبكيك ؟ فقال: على الاسلام أبكي، إنه بموت عمر ثلم والاسلام ثلمة لا ترتق إلى يوم القيامة " (2).
وروى [ ابن سعد في الطبقات ] عن زيد بن وهب - رحمه الله تعالى - قال: أتينا عبد الله بن مسعود فذكر عمر فبكى حتى ابتل الحصي من دموعه، وقال: إن عمر كان حصنا حصينا للاسلام، يدخل الاسلام فيه ولا يخرج منه فلما مات أثلم الحصن فإذا الناس يخرجون عن الاسلام ولا يدخلون فيه.
وروى عن أبي وائل - رضي الله تعالى عنه - قال: قدم علينا عبد الله بن مسعود ينعي إلينا عمر، فلم أر يوما كان أكثر باكيا ولا حزينا منه، ثم قال: والله لو أعلم أن عمر كان يحب كلبا لاحببته، والله إني أحسب العضاة قد وجد فقد عمر (3).
وروى عنه قال: قال عبد الله: لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع
علم أهل الارض في كفه لرجح علم عمر ".
وروى عن إبراهيم عن عبد الله قال: إني لاحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم، قال: كان عمرا أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله، وكان إسلامه فتحا، وكانت هجرته نصرا، وكانت خلافته رحمة.
وروى عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال أبو طلحة الانصاري: والله ما أهل بيت من المسلمين إلا وقد دخله في موت عمر نقص في دينهم ودنيا هم ".
__________
(1) أخرجه البيهقي 6 / 159.
(2) انظر طبقات ابن سعد 3 / 284.
(3) انظر طبقات ابن سعد 3 / 284 (*)(11/273)
وروى أن حذيفة قال: " إنما كان مثل الاسلام أيام عمر مثل امرئ مقبل: لم يزل في قتال، فلما قتل أدبر فلم يزل في إدبار ".
وروى أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: من رأى ابن الخطاب علم أنه خلق عونا للاسلام، كان والله، أحوذيا، نسيج وحده، وقد أعد للامور أقرانها.
وروى عنه عنها " إذا ذكرتم عمر طال المجلس ".
وروى عن طارق بن شهاب قال: قالت أم أيمن - رضي الله تعالى عنها - يوم أصيب عمر - رضي الله تعالى عنه -: اليوم وهى الاسلام، قال الشعبي: إذا اختلف الناس في شئ فانظر كيف صنع عمر، فإن عمر لم يكن يصنع شيئا حتى يشاور.
قال قتيبة بن جابر: صحبت عمر فما رأيت أقرأمنه لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أحسن دراسة منه.
قال الحسن البصري: إذا أراد أحد أن يطيب المجلس، فأفيضوا في ذكر عمر.
وروى عنه أنه قال: أي أهل بيت لم يجدوا فقده فهم أهل بيت سوء، وقال طلحة بن
عبيد الله: كان عمر أزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الاخرة.
وقال سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه -: قد علمنا بأي شئ فضلنا عمر، كان أزهدنا في الدنيا، ودخل على ابنته حفصة - رضي الله تعالى عنها - فقدمت له مرقا وصبت عليه زيتا، فقال: إدامان في إناء واحد لاكله حتى ألقى الله عز وجل ".
وقال أنس - رضي الله تعالى عنه -: لقد رأيت في قميص عمر - رضي الله عنه - أربع رقاع بين كتفيه وعن أبي عثمان رأيت عمر - رضي الله تعالى عنه - يرمي الجمار وعليه إزار مرقوع بقطعة من أدم وعن غيره قميص عمر كان فيه أربع عشرة رقعة أحدها من أدم ".
الخامس: في وفاته، وأنه قتل فهو شهيد.
وقد روى البخاري عن حفصة قالت: قال عمر - رضي الله تعالى عنه -: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، وميتة في بلد رسولك - صلى الله عليه وسلم - وذكر قاتله كما ختم الله له بالشهادة حين طعنه العلج أبو لؤلؤة فيروز، غلام للمغيرة بن شعبة، وهو كامن له في زوايا المسجد، وعمر قام يصلي في صلاة الصبح عند إحرامه، بسكين مسمومة ذات طرفين في كتفه وخاصرته، قال: الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي على يد أحد يدعي الاسلام.
وطعن معه ثلاثة عشر رجلا فمات سبعة وعاش الباقون، فطرح عليه برنس، فلما أحس أنه مقتول قتل نفسه وفي رواية(11/274)
" فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبا فلما اعتم قتل نفسه وشرب عمر لبنا فخرج من جوفه فعلم أنه ميت فأشاروا عليه بالوصية فجعل الخلافة شورى بين علي، وطلحة والزبير، وسعد، وعبد الرحمن، وعثمان بن عفان وقال: لا أعلم أحدا أحق من هؤلاء الذين توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، وقال: يؤمر المسلمون أحد هؤلاء لا أعلم أحدا أحق من هؤلاء الستة وحسب الدين الذي كان عليه فوجده ستة وثمانين ألفا أو نحوه، فقال لابنه عبد الله: إن وفي مالي دين عمر، فأدوه منه، وإلا فسل من بني عدي، فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم، ثم بعث ابنه عبد الله إلى عائشة - رضي الله تعالى عنها -
فقال: قل: يقرأ عمر عليك السلام ولا تقل: أمير المؤمنين.
فلست اليوم أميرهم، وقل: ليستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فجاء وسلم واستأذن فدخل فوجدها تبكي، فقال لها: فقالت: كنت أراه لنفسي ولاوثرنه اليوم على نفسي، فلما أقبل عبد الله من عندها، قيل لعمر: هذا عبد الله، قال: ارفعوني فأسنده رجل، فقال: ما لديك ؟ قال: الذي تحب، قال: قد أذنت، قال: الحمد لله ما كان شئ أهم إلي من ذلك.
فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلم وقل: يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين، وأوصاهم أن يقتصدوا في كفنه ولا يتغالوا وطعن يوم الاربعاء لاربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وغسله ابنه عبد الله، وحمل على سرير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصلى بهم عليه صهيب وكبر أربعا، ودفن يوم الاحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين، وقيل: توفي لاربع بقين من ذي الحجة، وقيل: لثلاث، وقيل: لليلة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح المشهور، ثبت ذلك في الصحيح عن معاوية بن أبي سفيان وقال الجمهور: والصحيح أن سنه - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، وعلي، وعائشة ثلاث وستون، ونزل في قبره ابنه عبد الله وعثمان وسعيد بن زيد وهو أول من اتخذ الدرة، وفتح الله في ولايته بيت المقدس، و " دمشق "، وزنيم " قرقيسيا " والسوس واليرموك، ثم كانت وقعة الجابية و " الاهواز "، وكورها على يدي أبي موسى الاشعري " وجلولاء " سنة تسع عشرة، وأميرها سعد بن أبي وقاص وقيسارية، وأميرها معاوية، ثم وقعة باب النون وأميرها عمرو بن العاص، ثم وقعة " نهاوند " سنة إحدى وعشرين، وأميرها النعمان بن ميمون المزني، ثم فتح الله الاهواز سنة اثنتين وعشرين، وأميرها المغيرة بن شعبة، وكانت " إصطخر " الاولى وهمذان سنة ثماني عشرة، وحج بالناس عشر سنين متواليات.
تنبيهان: الأول: قوله إلا سلك فجا غير فجك، الفج، بالفاء والجيم: الطريق الواسع.(11/275)
قال الكرماني: إن قلت: يلزم أن يكون أفضل من أيوب ونحوه إذ قال: (مسني الشيطان بنصب وعذاب) [ ص 41 ] قلت: لا إذ التركيب لا يدل إلا على الزمن الماضي، وذلك أيضا مخصوص بحال الاسلام فليس على ظاهره، وأيضا هو مقيد بحال سلوك الطريق، فجاز أن يلقاه على غير تلك الحالة انتهى، وقال القاضي عياض: ويحتمل أنه ضرب مثلا لبعد الشيطان وأعوانه من عمر، وأنه لا سبيل له عليه أي إنك إذا سلكت في أمر بمعروف أو نهي عن منكر تنفذ فيه ولا تتركه، فليس للشيطان أن يوسوس فيه فيتركه، ويسلك غيره، وليس المراد والطريق على الحقيقة، لانه تعالى قال: (إنه يراكم وهو وقبيله من حيث لا ترونهم) [ الاعراف 27 ] فلا يخافه إذا لقيه في فج لانه لا يراه.
انتهى الثاني: في بيان غريب ما سبق (...)(11/276)
الباب التاسع في بعض فضائل أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في مولده.
ولد في السنة السادسة بعد الفيل، بويع له بالخلافة غرة المحرم سنة أربع وعشرين، وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا ليالي.
الثاني: في أنه أحد العشرة المبشرة بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى التي جعلها عمر - رضي الله تعالى عنه - بينهم، وقال: لا أحمل أمركم حيا وميتا وإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خير هؤلاء كما جمعكم على خير كم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ما أظن الناس يعدلون بعثمان وعلي أحدا إنهما كانا يكتبان الوحي بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، فلما مات
عمر - رضي الله تعالى عنه - وأحضرت جنازته تبادر إليه علي وعثمان أيهما يصلي عليه فقال لهما عبد الرحمن بن عوف: لستما من هذا في شئ، إنما هذا في صهيب الذي أمره أمير المؤمنين عمر يصلي بالناس فتقدم صهيب - وصلى عليه فلما فرغ شأن عمر - رضي الله تعالى عنه - جمعهم المقداد بن الاسود في بيت المسور بن مخرمة، وقيل: في حجرة عائشة، وقيل: في بيت المال، وقيل: في بيت فاطمة بنت قيس، والأول أشبه، وقام أبو طلحة يحجبهم، ثم صار الامر أن فوض الامر الزبير إلى علي وسعد إلى عبد الرحمن بن عوف، وطلحة لعثمان، ثم قال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه -: فإني أترك حقي من ذلك والله على أن أجتهد والاسلام، فأولي أولا كما بالحق، فقالا: نعم، ثم خاطب كل واحد منهما بما فيه من الفضل، وأخذ عليه العهد والميثاق إن ولاه ليعدلن، ولئن ولي عليه ليسمعن، فقال كل منهما: نعم، ثم نهض عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - يتشير الناس فيهما، ويجتمع برؤوس الناس وغيرهم مثنى وفرادي، وجمعا وأشتاتا، سرا وجهرا، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن، وحتى سأل الولدان في المكاتب، وحتى سأل من يرد من الركبان والاعراب إلى المدينة في مدة ثلاثة أيام بلياليهن، فلم يجد اثنين مختلفين في تقديم عثمان إلا ما ينقل عن عمار والمقداد، فإنهما أشارا لعلي بن أبي طالب، ثم بايعا مع الناس، فسعى عبد الرحمن في تلك الايام، واجتهد اجتهادا كثيرا، ثم صعد منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام على الدرجة التي يجلس عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووقف وقوفا طويلا ودعا دعاء طويلا، ثم قال: أيها الناس، قد سألتكم سرا، وجهرا، مثنى وفرادى، فلم أجد كم تعدلون بأحد هذين(11/277)
الرجلين، فقم إلي يا علي، فقام إليه فوقف تحت المنبر فأخذ عبد الرحمن بيده، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وفعل أبي بكر وعمر ؟ فقال: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، فأرسل يده، وقال: قم يا عثمان، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعل أبي بكر وعمر ؟ قال: اللهم نعم، قال: فرفع رأسه إلى سقف
المسجد ويده في يد عثمان فقال: اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم اسمع واشهد، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان، وازدحم الناس يبايعون عثمان وبايعه علي بن أبي طالب أولا، ويقال آخرا، هذا الذي يجب الاعتماد إليه، وأما ما هو مسطور في كتب المؤرخين وأرباب السير فلا يعرج عليه، ثم إن عثمان - رضي الله تعالى عنه - لما بويع رقي إلى منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر أو قبل الزوال يومئذ وعبد الرحمن جالس في رأس المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أيها الناس: إنكم في بقية آجالكم، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، واعتبروا بمن مضى من القرون وانقضى ثم جدوا ولا تغفلوا أين أبناء الدنيا واخوانها ؟ أين الذين شيدوها وعمروها وتمتعوا بها طويلا ؟ ألم تلفظهم ؟ ارموا بالدنيا حيث رمي الله عز وجل، واطلبوا الاخرة حيث رغب الله - عز وجل - فيها، فإن الله - سبحانه وتعالى - قد ضرب لكل مثلا، فقال سبحانه وتعالى: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا) [ الكهف 45 ].
وفي لفظ: لما بويع له خرج إلى الناس فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، اتقوا الله، فإن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وفي خطبة أخرى: قال ابن آدم اعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطاك إلى غيرك منذ أتيت في الدنيا، وكأنه قد تخطى غيرك إليك وقصدك فخذ حذرك واستعد له ولا تغفل، فإنه لا يغفل عنك، واعلم أنك إن غفلت عن نفسك ولم تستعد فلا بد من لقاء الله، فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك، والسلام.
وفي أخرى: إن الله أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الاخرة، ولم يعطيكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى والاخرة تبقى، لا تشتغلوا بالفانية عن الباقية وآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله، واتقوا الله فإن تقواه جنة من عذابه ووسيلة عنده، واذكروا نعمة
الله عليكم إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا.
الثالث: في استحياء النبي - صلى الله عليه وسلم - منه.
روى الامام أحمد يحيى بن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة - رضي الله تعالى(11/278)
عنهما - أخبراه أن أبا بكر استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على مرط عائشة فأذن لابي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته.
ثم انصرف، فاستأذن عمر فأذن له، وهو على تلك الحالة، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال: اجمعي عليك ثيابك، فقضيت إلي حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله، ما لي أراك لم تفزع لابي بكر وعمر كما فزعت لعثمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة أن لا يبلغ إلى حاجته " (1).
وروى مسلم من حديث الليث بن سعد وصالح بن كيسان عن الزهري ومن حديث محمد بن أبي حرملة عن عطاء وسليمان بن يسار وأبي سلمة عن عائشة وأبو يعلى من حديث سهيل عنها، والطبراني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - وهو غريب - قالوا: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وعائشة وراءه استأذن أبو بكر فدخل، ثم استأذن عمر فدخل، ثم استأذن سعد بن أبي وقاص فدخل، ثم استأذن عثمان بن عفان ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحدث كاشفا عن ركبتيه فغطاهما حين استأذن عثمان، وقال لعائشة: استأخري فتحدثوا ساعة ثم خرجوا، قالت عائشة: يا رسول الله، دخل أبي وأصحابه فلم تصلح ثوبك على ركبتيك ولم تؤخرني عنك، فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، والذي نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، إن الملائكة تستحي من عثمان كما تستحي منه دخل وأنت قريبة مني لم يتحدث ولم يرفع رأسه حتى يخرج " (2).
وروى أبو نعيم في الحلية - عن ابن عمر - - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أشد الناس حياء عثمان بن عفان، وفي لفظ: " عثمان أحيى أمتي
وأكرمها ".
وروى الامام أحمد عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن عثمان رجل حيي ".
وروى أبو يعلى عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن عثمان حيي ستير ".
وروى ابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عثمان حيى تستحي منه الملائكة.
وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 71.
(2) أخرجه مسلم 4 / 1866 (36 - 2401) (*)(11/279)
" مر بي عثمان بن عفان، وعندي جيل من الملائكة، فقالوا: شهيد من الاميين يقتله قومه إنا لنستحي منه ".
الرابع: في دعائه - صلى الله عليه وسلم - له وتجهيزه جيش العسرة وغير ذلك روي ابن عساكر عن عائشة وأبو نعيم وابن عساكر عن علي وأبي سعيد، وابن عساكر عن يوسف بن سهل بن يوسف الانصاري عن أبيه عن جده وابن عساكر عن ليث بن أبي سليم مرسلا، وابن عساكر عن زيد بن أسلم والطبراني في الاوسط - وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنهم - وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اللهم ارض عن عثمان " وفي لفظ " رضيت عن عثمان فارض عنه ثلاثا "، وفي لفظ " إن عثمان يترضاك فارض عنه " وفي لفظ " بعث عثمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناقة هيباء، فقال: " اللهم، جوزه على الصراط " وفي لفظ " اللهم، اغفر لعثمان ما أقبل وما أدبر وما أخفى وما أعلن، وما أسر وما أجهر "، وفي لفظ " غفر الله لك يا عثمان ما
قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أخفيت، وما أبديت، وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة ".
وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش العسرة جاء عثمان بألف دينار فصبها في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم لا تنس لعثمان ما عمل بعد هذا " (1).
وروى الطبراني عن أم سلمة عن بشر بن بشير الاسلمي عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: لما قدم المهاجرون المدينة اشتكوا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: بعنيها بعين من الجنة فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها لا أستطيع ذلك، فبلغ ذلك عثمان - رضي الله تعالى عنه - فاشتراها منه بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أتجعل لي الذي جعلته له عينا في الجنة ؟ قال: نعم، قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين.
وروى الامام أحمد واللفظ له وابن ماجه مختصرا عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: جاء عثمان، فاستأذن، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فناجاه طويلا، ثم قال: يا عثمان إن الله عز وجل - يقمصك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة يقولها مرتين أو ثلاثا (2).
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية 1 / 59 (2) أخرجه أحمد 1 / 75 (*)(11/280)
وروى ابن عدي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعثمان: " يا عثمان، إنك ستبوء بالخلافة من بعدي، وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها وصم في ذلك تفطر عندي ".
وروى الحاكم عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
إن عثمان ليتحول من منزل إلى منزل فتبرق له الجنة (1).
وروى الخطيب في المتفق وابن عساكر عن طلحة بن عبيد الله وابن عساكر عن أبي هريرة وابن عساكر عن عائشة والطبراني في الكبير عن ابن عمر، والامام أحمد والترمذي، وقال: حسن غريب، والطبراني والامام أحمد عن النعمان بن بشير وعائشة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعثمان: " يا عثمان، إن الله يقمصك قميصا " وفي لفظ " إن كساك الله قميصا يريدك " وفي لفظ " فأرادك الناس على خلعه " وفي لفظ " فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني "، وفي لفظ " فإن أنت خلعته لم تر رائحة الجنة " وفي لفظ " فوالله لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ".
وروى الامام أحمد عن النعمان بن بشير عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن عفان، فأقبل على عثمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقبلت إحدانا على أخرى فكان في آخر كلامه أن ضرب منكبيه، وقال: يا عثمان، عسى أن يلبسك الله قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتى تلقاني، وفي لفظ: كان من آخر كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ضرب منكب عثمان، وقال: يا عثمان، عسى أن يلبسك الله قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني.
وروى الخطيب في المتفق والمفترق وابن عساكر عن طلحة بن عبيد الله والترمذي وضعفه وأبو يعلي وابن عساكر عن طلحة بن عبيد الله وابن ماجه وابن عدي وابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لكل نبي " وفي لفظ " لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها " وفي لفظ " وإن رفيقي في الجنة " عثمان بن عفان " (2).
وروى ابن عدي في الكامل والعقيلي في الضعفاء وابن عساكر والديلمي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنا لنشبه عثمان بأبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ".
__________
(1) أخرجه ابن عدي 3 / 27
(2) أخرجه الترمذي (3698) وابن ماجه (109) والكنز (32855) (*)(11/281)
وروى ابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليشفعن عثمان بن عفان في سبعين ألفا من أمتي قد استوجبوا النار حتى يدخلهم الله الجنة ".
وروى الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن عفان الدوسي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان، فقال: يا بنية، أحسني إلى أبي عبد الله، فإنه أشبه أصحابي بي خلقا.
وروى الطبراني في الكبير عن عصمة بن مالك الخطمي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " زوجوا عثمان، ولو كانت لي ثالثة لزوجته، وما زوجته إلا بوجي من الله تعالى ".
وروى أبو يعلى والبيهقي والطبراني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن عثمان هاجر إلى الحبشة ومعه زوجته فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: صحبهما الله عز وجل إن عثمان أول من هاجر بعد لوط.
وروى أبو يعلى وابن عساكر عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " عثمان وليي في الدنيا وولي في الاخرة ".
وروى ابن عساكر عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: ما صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبنر قط إلا قال: " عثمان في الجنة ".
وروى ابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " لكل نبي خليل في أمته، وإن خليلي عثمان بن عفان ".
وروى الامام أحمد والحاكم وأبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن بن سمرة والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين والامام أحمد عن عبد الرحمن بن خباب السلمي، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن ابن خباب السلمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم أبدا وفي
لفظ " ما عمل عثمان بعد اليوم ".
وروى إسحاق بن راهويه بسند حسن عن أفلح عن أبي أيوب الانصاري - رضي الله تعالى عنه - قال: كان عبد الله بن سلام قبل أن يأتي أهل مصر يدخل على رؤوس قريش، فيقول لها: لا تقتلوا هذا الرجل يعني عثمان، فيقولون: والله ما نريد قتله، فيخرج وهو يقول: والله لتقتلنه، ثم قال لهم: لا تقتلوه، فوالله ليموتن إلى أربعين يوما فخرج عليهم بعد أيام فقال لهم: لا تقتلوه فوالله ليموتن إلى (1) خمس عشرة ليلة.
__________
(1) سقط في ج (*)(11/282)
وروى ابن سعد وابن عساكر عن طاوس قال: سئل عبد الله بن سلام حين قتل عثمان كيف تجدون صفة عثمان في كتبكم ؟ قال: " نجده يوم القيامة أميرا على القاتل والخاذل ".
وروى أبو القاسم البغوي عن سعيد بن عبد العزيز، قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل لذي قربات الحميري وكان من أعلم يهود: يا ذا قربا ت، من بعده ؟ قال: الامين يعني أبا بكر، قيل: فمن بعده، قال: قرن من حديد يعني: عمر، قيل: فمن بعده قال: الازهر يعني عثمان، قيل: فمن بعده قال: الوضاح المنصور يعني معاوية.
وروى إسحاق بن راهوية والطبراني عن عبد الله بن مغفل قال: قال لي ابن سلام: لما قتل علي هذا رأس الاربعين، وسيكون بعده صلح.
وروى ابن سعد عن أبي صالح - رضي الله تعالى عنه - قال: كان الحادي يحدو بعثمان وهو يقول: إن الامير بعده علي * وفي الزبير خلف موضي فقال كعب: " بل هو معاوية " فأخبر معاوية بذلك، فقال: يا أبا إسحاق، أنى يكون هذا وهاهنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - علي والزبير، قال: أنت صاحبها.
وروى الطبراني، والبيهقي عن محمد بن يزيد الثقفي قال: اصطحب قيس بن حرشة
وكعب الاحبار حتى إذا بلغا صفين وقف كعب، ثم نظر ساعة، ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شئ لا يهراق ببقعة من الارض مثله.
فقال: قيس: ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به، فقال: كعب: " ما من الارض شبر إلا مكتوب في التوراة الذي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة ".
الخامس: في وفاته ومن قتله وشئ من آثاره وما فتح في زمنه.
توفي والنبي - صلى الله عليه وسلم - راض عنه وأبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهم - وقتل شهيدا يوم الجمعة لثمان خلون من ذي الحجة، وقيل: لثماني عشرة خلت منه بعد العصر، ودفن، بالبقيع سنة خمس وثلاثين، وقيل: يوم الاربعاء، وهو ابن تسعين سنة، وقيل: ثمان وثمانين، وهو الصحيح.
وقيل: وعشرين، وصلى عليه جبير بن مطعم ودفن ليلا بالبقيع، وأخفى قبره ذلك الوقت وإنما دفن ليلا للعجز عن إظهار دفنه، لغلبة قاتليه، وقيل: لم يصل عليه، ودفن بثيابه في دمائه ولم يغسل وقيل: حكيم بن حزام، وقيل: المسور بن مخرمة، وقيل: مروان ونائلة وأم البنين زوجتاه وهما اللتان دللتاه في حفرته على الرجال الذين نزلوا في قبره، ولحدوا له، وغيبوا(11/283)
قبره، وتفرقوا، وكانت نائلة مليحة الثغر، فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، وخطبها معاوية بالشام فأبت ".
وروى الترمذي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنة فقال يقتل فيها هذا مظلوما، لعثمان.
وروى أيضا عن أبي سهلة مولى عثمان، قال: قال عثمان - رضي الله تعالى عنه - يوم الدار: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلي عهدا فأنا صابر عليه ولم يلبس السراويل في جاهلية ولا إسلام إلا يوم قتل.
وروى البخاري عن عثمان بن موهب - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء رجل من أهل
مصر وحج البيت، فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء القوم ؟ قالوا: هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ فيهم ؟ قالو: عبد الله (1) بن عمر، قال: يا بن عمر إني سائلك عن شئ فحدثني عنه، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد قال: نعم، قال: تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ولم يشهدها ؟ قال: نعم، قال: الله أكبر، فقال ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: تعال، أبين لك، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله تعالى عفا عنه وغفر له، قال تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) إلى قوله (عفا الله عنهم) [ آل عمران 155 ]، وأما تغيبه عن بدر، فإنه كانت تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان - رضي الله تعالى عنه - إلى مكة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى هذه يد عثمان، فضرب بها على يده، فقال: هذه لعثمان، فقال له ابن عمر: اذهب بها الان معك ".
وروى أبو يعلى عن الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - أن الحسن قام خطيبا، فقال: أيها الناس، إني رأيت البارحة في منامي عجبا، رأيت رب العزة جل جلاله فوق عرشه فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند قائمة من قوائم العرش، ثم جاء أبو بكر وعمر، ثم جاء عثمان فقال: يا رب سل عبادك، فيم قتلوني، فانبعث من السماء ميزابان من دم الارض قال: فقيل لعلي: ألا ترى إلى ما تحدث به الحسن ؟ ! فقال: يحدث بما رأى ؟ ! وقالت عائشة - رضي الله عنها -: قتل عثمان مظلوما بالطعن لعن الله قتلته ! وحج بالناس عشر سنين متوالية، فتح من
__________
(1) في ج: (عبيد) (*)(11/284)
العام الذي بويع سنة أربع وعشرين بلاد الري بكما لها، وفي سنة خمس وعشرين فتحت بلاد أرمينية، وفي سنة ست وعشرين فتحت اسكندرية ثاني مرة، والقيروان وغيرها، وفي سنة سبع
وعشرين فتحت أفريقية وبلاد المغرب، وفي سنة ثمان وعشرين فتحت أصطخر وما والاها، وفي تسع وعشرين فتحت بلاد فارس ثاني مرة، وفي سنة ثلاثين كانت غزوة البحر وفتحت بلاد كثيرة بالغرب، وفي سنة إحدى وثلاثين فتحت صقلية وغيرها، وفي اثنتين وثلاثين فتحت قبرص، وفي ثلاث وثلاثين فتحت بعض بلاد الاندلس، وفي أربع وثلاثين كانت غزوة ذي حسب وفتحت أطراف خراسان وما والاها، وفي سنة خمس وثلاثين فتحت بلاد كثيرة من بلاد الهند وغيرها من بلاد الغرب والاندلس، وكان يعتق في كل جمعة عتيقا، فإن تعذر عليه أعتق في الجمة الاخرى عتيقين، وقال مولاه حمدان: كان يغتسل كل يوم منذ أسلم، ولم يمس فرجه بيمينه منذ بايع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان نقش خاتمة " آمنت بالذي خلق فسوى "، وفي رواية أخرى " آمن عثمان بالله العظيم ".
وروى ابن سعد أن امرأة كانت تدخل على عثمان - رضي الله تعالى عنه - وهو محصور، فولدت، ففقدها يوما، فقيل: إنها قد ولدت غلاما، فأرسل إليها بخمسين درهما سنبلانية، وقال: هذا غطاء ابنك وكسوته، فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مائة، وكان يصلي بالقرآن العظيم في (ركعة) (1) عند الحجر الاسود أيام الحج، وكان هذا دأبه، وقال ابن عمر في قوله تعالى: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) [ الزمر 9 ].
هو عثمان، وقال ابن عباس في قوله تعالى (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) [ النحل 76 ] وقال حسان - رحمه الله تعالى -: ضحوا بأشمط عنوان السجود له * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقال الحسين: قال عثمان - رضي الله تعالى عنه -: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا سبحانه وتعالى، وإني لاكره أن يأتي يوم لا أنظر في المصحف، وكان إذا قام من الليل لا يوقظ أحدا من أهله ليعينه على وضوئه، وكان يصوم الدهر، وكان لا يرفع المئزر عنه وهو في بيت مغلق عليه، ولا يرفع صلبه مستويا من شدة حيائه.
ومن مناقبه الكبار: جمع المصحف، وحرق ما سواه.
وروى أبو بكر بن داود في كتاب المصاحف بسنده عن سويد بن غفلة قال: قال علي - رضي الله تعالى عنه - حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته، وهكذا
__________
(1) في ج: (زلفة) (*)(11/285)
رواه أبو داود الطيالسي وعمر بن مسروق عن شعبة، وسبب ذلك خشية الاختلاف في القرآن العظيم، فإن حذيفة كان في بعض الغزوات وقد اجتمع فيها خلق عظيم من أهل الشام فكان بعضهم يقرأ على قراءة المقداد بن الاسود، وأبي الدرداء، وجماعة من أهل العراق يقرؤون على قراءة، ابن مسعود، وأبي، فجعل من لم يعلم أن القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره، وربما يجاوز ذلك إلى تخطئته وكفره، فأدى ذلك إلى اختلاف شديد، فركب حذيفة إلى عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الامة قبل أن تختلف كاختلاف اليهود والنصاري في كتبهم، فعند ذلك جمع عثمان الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وشاورهم في ذلك، واتفقوا على كتابة المصحف وأن يجتمع الناس في سائر الاقاليم على القراءة به دون ما سواه فاستدعى بالصحف التي كان الصديق - رضي الله تعالى عنه - قد أمر زيد بن ثابت بكتابته وجمعه، فكان عند الصديق أيام حياته، ثم كان عند عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فلما توفي صار إلى حفصة، فاستدعى به عثمان، وأمر زيد بن ثابت الانصاري أن يكتب وأن يملي عليه سعيد بن العاص الاموي، يحضره عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام المخزومي، وأمرهم إذا اختلفوا في شئ أن يكتبوه بلغة قريش، فكتبوا لاهل الشام مصحفا ولاهل مصر آخر وبعث إلى البصرة مصحفا، وإلى الكوفة آخر، وآخر إلى مكة، وآخر إلى المدينة، وأقر بالمدينة مصحفا، وليست كلها بخط عثمان، بل ولا واحد منها، وإنما هي بخط زيد بن ثابت، وإنما يقال لها المصاحف العثمانية نسبة إلى أمره وزمانه وخلافته.
وروى البيهقي وغيره بسنده عن سويد بن غفلة قال: قال علي: أيها الناس، يقولون: عثمان حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا عن ملا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولو وليت
مثل ما ولي لفعلت مثل الذي فعل، وكان ذلك بإجماع الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - أجمعين.(11/286)
الباب العاشر في بعض فضائل أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي
يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عبد المطلب الجد الادنى، فهو أقرب العشرة نسبا وينسب إلى هاشم، فيقال: القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابويه.
الأول: كنيته أبو الحسن، وكناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا تراب، وكانت أحب ما ينادي به إليه، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
قال أبو عمر: هاشمية ولدت هاشميا أسلمت وتوفيت بالمدينة، وشهدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتولى دفنها وأشعرها قميصة واضطجع في قبرها.
روى الطبراني في الكبير والاوسط برجال الصحيح غير روح بن صلاح - وثقه ابن حبان وفيه ضعف عن أنس بن مالك والطبراني في الاوسط برجال ثقات غير سعدان بن الوليد فيحرر رجاله عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قالا: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما - دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس عند رأسها، فقال: يرحمك الله يا أمي، كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيبا، وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله تعالى والدار الاخرة، ثم أمر أن تغسل ثلاثا وثلاثا، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، ثم خلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصه فألبسها إياه وكفنها ببرد فوقه، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد، وأبا أيوب الانصاري، وعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهم -، وغلاما أسود يحفرون فحفروا قبرها فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وأخرج ترابه، فلما فرغ دخل
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبرها فاضطجع فيه، ثم قال: الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لامي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والانبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين، وكبر عليها أربعا، وأدخلوا اللحد هو العباس وأبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -: فلما سوى عليها التراب، قال بعضهم: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه بأحد فقال: إني ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة واضطجعت في قبرها لاخفف عنها من طغطة القبر، إنها كانت أحسن خلق الله إلي صنيعا بعد أبي طالب.
ولد وأبوه غائب فسمته أمه حيدرة الاسد الشجاع، فلما قدم أبوه كره هذا الاسم، وسماه عليا، وكان ضخم البطن شاسع المنكب، ضخم الذراعين مستدقهما ضخم عضد الساق، فوق الربعة، ضخم المنكبين، طويل اللحية عظيمها،(11/287)
قد ملات صدره، أبيض الرأس واللحية، إن عينته من قريب قلت: أسمر، أصلع، شديد الصلع، بويع له بالخلافة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد قتل عثمان - رضي الله تعالى عنهما - بخمسة أيام، ولم يقبلها حتى تكرر قولهم له مرارا يوم السبت التاسع عشر، وقيل: يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وقيل: أول من بايعه طلحة بيده اليمنى، وكانت شلاء من يوم أحد حيث رمي بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومكث فيها خمس سنين وقيل إلا شهرا.
الثاني: في ولده - رضي الله تعالى عنهم -.
له من الولد الحسن والحسين ومحسن وزينب الكبرى من فاطمة - رضي الله تعالى عنهم - وله أولاد من غيرها كثيرون، محمد وعمر الاكبر، والعباس الاكبر، كلهم أعقبوا، وكذا الحسن والحسين ومحمد الاصغر قتل بالطائف والعباس الاصغر، وعمر الاصغر قتل بالطائف وعثمان وجعفر قتل بالطائف، وجعفر مات طفلا وعبد الله الاكبر قتل بالطائف، وعبد الله مات طفلا، وأبو علي يقال: مات بالطائف، وعبد الرحمن وحمزة وأبو بكر عتيق، يقال: قتل
بالطائف، وعن درج ويحيى مات طفلا، وبناته زينب الصغري، وأم كلثوم (1) الكبرى وأم كلثوم الصغرى، ورقية الكبرى، ورقية، وفاطمة، وفاطمة الصغرى وفاختة وأمة الله، وحمانة، ورملة، وأم سلمة وأم الحسن، وأم الكرام وهي نفيسة وميمونة، وخديجة وأمامة، فالجميع سبعة وثلاثون.
الثالث: في فضائله وغزارة علمه، ودعائه له وهو أخو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمؤاخاة، وصهره وأبو السبطين وأول هاشمي ولد بين هاشميين، وأول خليفة من بني هاشم، وأحد العشرة المبشرة بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد (القلائل) (1) الربانيين، والشجعان المشهورين، والزهاد المذكورين، وأحد السابقين إلى الاسلام، ولم يسجد لصنم قط، وبات ليلة على فراشه - صلى الله عليه وسلم - يقيه بنفسه، وخلفه بمكة ليرد الودائع التي كانت عنده، وكان يحمل راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العظمى في القتال، فيقدم بها في بحر العدو وشهد معه مشاهده كلها وأبلى فيها بلاء حسنا، وشهد وقعة أحد وبايعه على الموت، وكان من أشجع الناس، لم يبارز أحدا قط إلا قتله، وسار لما ولي الخلافة بسيرة أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهم - في القسم والتسوية بين الناس، وكان إذا ورد عليه مال يترك منه شيئا حتى يقسمه، وكان يكنس بيت المال ويصلي فيه، ويقول: يا دنيا غري غيري، ولم يخص بالولايات إلا أهل الديانات.
__________
(1) في ج: (العلماء) (*)(11/288)
وروي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا.
اتفق البخاري ومسلم منها على عشرين، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة عشر، قال ابن المسيب: ما كان أحد يقول: سلوني غير علي، قال ابن عباس: أعطي علي تسعة أعشار العلم، ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي.
فإذا ثبت لنا الشئ الباقي عن علي لم نعدل عنه إلى غيره، ولي الخلافة خمس سنين،
وقيل إلا شهرا، بويع له على الخلافة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ا.
ه.
وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن بعجة بن عبد الله الجهني - رضي الله تعالى عنه - قال: تزوج رجل امرأة من جهينة، فولدت له غلاما لستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر برجمها، فبلغ ذلك عليا فأتاه فقال: ما تصنع ؟ قال: ولدت غلاما لستة أشهر، وهل يكون ذلك ؟ قال علي أما سمعت الله تعالى يقول: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) [ الاحقاف 15 ] وقال (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) [ البقرة 233 ] فكم تجد بقي إلا ستة أشهر ؟ فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا، علي بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها، وكان من قولها لاختها: يا أخية، لا تحزني فوالله، ما كشف فرجي أحد قط غيره قال: فشب الغلام بعد فاعترف به الرجل، وكان أشبه الناس به قال: فرأيت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا على فراشه.
وروى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الاسود الدؤلي، قال: رفع إلي عمر امرأة ولدت لستة أشهر، فسأل عنها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال علي: لا رجم عليها ألا ترى أنه يقول: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) [ الاحقاف 15 ] وقال: (وفصاله في عامين) [ لقمان 14 ] وكان الحمل ههنا ستة أشهر، فتركها عمر قال: ثم بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر.
وروى سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول وسعيد بن منصور وابن مردويه وأبو نعيم في - الحلية - عنه عن علي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن بريدة وأبو نعيم من طريق آخر عن علي في قوله تعالى: (وتعيها أذن واعية) [ الحاقة 12 ] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد بريدة " يا علي، إن الله تعالى أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي وحق لك أن تعي، سألت ربي أن يجعلها أذنك، قال مكحول: وكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فنسيته زاد بريدة فنزلت هذه الاية (وتعيها أذن واعية) [ الحاقة 12 ].(11/289)
وروى ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - في قوله تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول) [ محمد / 30 ] قال ببغضهم: علي بن أبي طالب.
وروى ابن مردويه عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إلا ببغضهم علي بن أبي طالب ".
وروى الطبراني عن علي بن الاقمر عن أبيه قال: رأيت عليا - رضي الله تعالى عنه - يعرض سيفا له في رحبة الكوفة وهو يقول: " من يشتري مني سيفي هذا، فوالله، لقد جلوت به غير كربة عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو أن عندي ثمن إزار ما بعته ".
وروى الطبراني في الاوسط وفيه ضعفاء وثقوا عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " علي بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة ".
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، ولكنه خاصف النعل، وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها ".
وروى أبو يعلى برجال ثقات عدا الربيع بن سهل فيحرر رجاله عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليا - رضي الله تعالى عنه - يقول على منبر كم هذا: عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.
وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله تعالى " يحب من أصحابك ثلاثة فأحبهم: علي بن أبي طالب، وأبو ذر، والمقداد بن الاسود ".
وروى البزار بسند حسن والترمذي وقال حسن غريب، وأبو يعلى والحاكم والطبراني عن أنس رفعه قال: " الجنة تشتاق إلى ثلاثة، علي وعمار أحسبه قال: وأبو ذر ".
ورواه الطبراني بسند حسن أيضا بلفظ " ثلاثة تشتاق لهم الجنة والحور العين: علي وعمار وسلمان ".
وروى ابن عساكر عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - والطبراني عن أنس والطبراني في الكبير على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اشتاقت الجنة) (1) وفي لفظ الجنة قد اشتاقت إلى أربعة: علي وسلمان وأبي وعمار بن ياسر ".
__________
(1) في ج: الجنة تشتاق (*)(11/290)
وروى الديلمي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أعلم الناس بعدي علي بن أبي طالب ".
وروى الامام أحمد والطبراني عن معقل بن يسار - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: " أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتي إسلاما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما ".
وروى الطبراني عن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: " أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما، وأعلمهم علما، فإنك سيدة نساء أمتي، كما أن مريم سيدة نساء قومها ".
وروى ابن ماجه والحاكم وأبو نعيم في الحلية، والترمذي، وقال: حسن غريب والروياني والحاكم في المستدرك والضياء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله - عز وجل - وأمرني بحب أربعة " وفي لفظ " إن الله - عز وجل - يحب من أصحابي أربعة: وأخبرني أنه يحبهم علي منهم، وأبو ذر منهم، ومقداد وسلمان ".
وروى أبو داود الطيالسي والحسن بن سفيان أبو نعيم في فضائل الصحابة عن عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ".
وروى الطبراني عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال
للعباس: " إن عليا سبقك بالهجرة ".
وروى الطبراني في الكبير - عن أبي سعيد وسلمان - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن وصيي، وموضع سري، وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب ".
وروى الخطيب عن البراء، وأبو بكر والمطيري في جزئه عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " علي مني بمنزلة هارون من موسى، وفي لفظ: إنما علي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
وروى العقيلي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا أم سلمة إن عليا لحمه من لحمي، ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ".
وروى الحاكم أن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: كفوا عن علي فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " في علي ثلاث خصال لا يكون لي واحدة منهن: أحب إلي مما طلعت(11/291)
عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة نفد والنبي - صلى الله عليه وسلم - متكئ على علي حتى ضرب بيده على منكبه، ثم قال: يا علي، أنت أول المؤمنين إيمانا، وأولهم إسلاما ثم قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
وروى الشيخان عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
تنبيه: هو حديث متواتر عن نيف وعشرين صحابيا واستوعبها الحافظ ابن عساكر عن نحو عشرين ورقة (1).
وروى الترمذي وقال: غريب، وأبو نعيم في الحلية، وفي المعرفة عن علي والحاكم وتعقب والخطيب والطبراني في الكبير عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أنا دار الحكمة " وفي لفظ " مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب " وفي لفظ " فليأته من بابه ".
وروى الخطيب عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى عليا فقال: " أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة ".
وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم، والبراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن، من كنت مولاه فعلي مولاه ".
وروى الامام أحمد وأبو داود الطيالسي والضياء والحاكم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أيها الناس لا تشكوا عليا، فوالله، إنه لاخشن في ذات الله - عز وجل - وفي سبيل الله ".
وروى الطبراني في الكبير عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عليا مبعثا، فلما قدم، قال: الله ورسوله وجبريل عنك راضون.
وروى ابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " النظر إلى وجه علي عبادة ".
وروى الطبراني في الكبير والرافعي عن عمران بن خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين عن أبيه عن عمران بن حصين والحاكم وتعقب عن قتادة عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري عن عمران بن حصين والشيرازي في الالقاب، والطبراني في الكبير والحاكم وتعقب أن - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " النظر إلى علي عبادة ".
__________
(1) سقط في ج (*)(11/292)
وروى الخطيب والديلمي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ذكر علي عبادة ".
وروى الديلمي عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " علي
باب علمي ومبين لامتي ما أرسلت به من بعدي، حبه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة ومودته عبادة ".
وروى الطبراني في الكبير - عن سلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا علي محبك محبي، ومبغضك مبغضي ".
وروى أبو نعيم في الحلية - عن علي - - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " مرحبا بسيد المسلمين، وإمام المتقين ".
وروى الصدفي وأبو يعلى والضياء عن سعد بن أبي وقاص، والامام أحمد والبخاري في تاريخه - وابن سعد والطبراني والحاكم عن عمرو بن شاش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من آذي عليا فقد آذاني ".
وروى الطبراني في الكبير عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده، والطبراني في الكبير عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أحب عليا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله ".
وروي الطبراني في الكبير عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن أم سلمة والحاكم عن سلمان - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أحب عليا فقد أحبني " وفي لفظ " ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني " وفي لفظ " ومن أبغضني فقد أبغض الله ".
وروى الديلمي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا علي، من أحب فبحبي أحبك، فإن العبد لا ينال (ولايتي) (1) إلا بحبك ".
وروى الطبراني في الكبير - عن سلمان - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال لعلي: محبك محبي، ومبغضك مبغضي ".
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول
__________
(1) في ج: ولا يبقي (*)(11/293)
الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من فارق عليا فارقني، ومن فارقني فارق الله ".
وروى الحاكم وتعقب عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا علي، من فارقك فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني ".
وروى الامام أحمد والطيالسي وابن عساكر عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله ".
وروى الامام أحمد والحاكم عن ابن عباس وابن أبي شيبة والامام أحمد عن ابن عباس عن بريدة، والامام أحمد وابن ماجه عن البراء، والطبراني في الكبير عن جرير، وأبو نعيم عن جندع، وابن قانع عن حبشي بن جنادة، والترمذي - وقال حسن غريب - والنسائي والطبراني في الكبير والضياء عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم والطبراني عن حذيفة بن أسيد الغفاري، والطبراني والضياء عن أبي أيوب وجمع من الصحابة، وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم والضياء عن سعد بن أبي وقاص، والشيرازي في الالقاب عن عمر، والطبراني في الكبير عن مالك بن الحويرث، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم، وابن عتبة في كتاب الموالاة - عن حبيب بن بديل بن ورقاء، وقيس بن ثابت، وزيد بن شراحيل الانصاري، والامام أحمد عن علي وثلاثة عشر رجلا، وابن أبي شيبة عن جابر والحاكم وابن عساكر عن علي وطلحة، والامام أحمد والطبراني في " الكبير " والضياء عن علي وزيد بن الارقم وثلاثين رجلا من الصحابة، وأبو نعيم في " فضائل الصحابة " عن سعد، والخطيب عن أنس، والطبراني في الكبير - عن عمرو بن مرة وزيد بن أرقم معا، وحبشي بن جنادة، وابن أبي شيبة والامام أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم والضياء عن بريدة والنسائي عن سعيد بن وهب عن عمرو ابن مرة وعبد الله ابن الامام أحمد عن القواريري عن يونس بن أرقم من طرق صحيحة عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم، عن ابن عباس وعائشة [...] بنت سعد، وعن البراء وأبو أسيد والبجلي وسعد والطبراني في الكبير عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم، والطبراني في الكبير عن ابن
عمر، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة، واثنى عشر رجلا من الصحابة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لعلي فقال: " من كنت مولاه " وفي لفظ " اللهم من كنت مولاه " وفي لفظ: " وليه، فعلي " وفي لفظ " فهذا " وفي لفظ " فإن هذا مولاه " وفي لفظ " فهذا وليه " وفي لفظ " إن الله ولي المؤمنين، ومن كنت وليه " وفي لفظ: " إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، من كنت وليه فهذا وليه " وفي لفظ " إني وليكم وهذا وليي " والمؤدي عني، وإن الله موال من والاه، ومعاد من عاداه " وفي لفظ " اللهم " وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه " وفي لفظ " واخذل من خذله، وانصر من نصره، وأعن من أعانه ".(11/294)
وروى الطبراني في الكبير عن عمرو بن شراحيل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم، انصر من نصر عليا، اللهم اكرم من أكرم عليا، اللهم، اخذل من خذل عليا " وفي لفظ " اللهم، أعنه، وأعن به، وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به ".
وروى الامام أحمد وابن حبان سمويه والحاكم والضياء عن ابن عباس عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من كنت مولاه، فعلي مولاه ".
وروى الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية - عن كعب بن عجرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تسبوا عليا فإنه كان ممسوسا في ذات الله ".
وروى مسلم عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق ".
وروى الترمذي وقال: حسن غريب، والطبراني في الكبير - عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يحب عليا منافق، ولا يبغضه مؤمن ".
وروى الطبراني في الكبير عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: " لا يحب عليا إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق ".
وروى أبو نعيم في الحلية - عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يأيها الناس، لا تشكوا عليا فإنه لاخيشن في ذات الله عز وجل ".
وورى الديلمي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبريدة " يا بريدة، إن عليا وليكم بعدي، فأحب عليا، فإنه يفعل ما يؤمر ".
وروى الامام أحمد عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا علي، إن وليت الامر بعدي، فاخرج أهل نجران من جزيرة العرب ".
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد والحاكم وأبو نعيم في المعرفة عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا علي، إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها فلا تتبعن النظرة النظرة، فإن لك الاولى وليست لك الاخرة - وفي لفظ " الثانية ".
وروى الديلمي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: أنت نبين للناس ما اختلفوا فيه من بعدي ".
وروى الديلمي عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا علي، أنت تغسل جثتي وتؤدي ديني في حضرتي، وتفي بذمتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والاخرة ".(11/295)
وروى أبو نعيم في الحلية عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش.
وفي لفظ: سبع خصالا يحاجك فيهن أحد، أنت أولهم إيمانا بالله.
وفي لفظ: أول المؤمنين إيمانا بالله.
وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله وأرأفهم - وفي لفظ: وأعدلهم بالرعية وأقسمهم بالسوية وأبصرهم - وفي لفظ وأعلمهم بالقضية وأعظمهم مزية يوم القيامة - وفي لفظ " عند الله مزية ".
وروى أبو نعيم في الحلية - عن عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا علي إن الله قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هي زينة الابرار عند الله عز وجل.
الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا ترزأ الدنيا منك شيئا، ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماما ".
وروى الحاكم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا علي، الناس من شجر شتى، وأنا وأنت من شجرة واحدة ".
وروى ابن عساكر عن عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا علي ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني ".
وروى الطبراني في الكبير عن البراء وزيد بن أرقم مع والطيالسي والامام أحمد والشيخان والترمذي، وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص والطبراني في الكبير - عن أم سلمة، والطبراني في الكبير عن أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا علي، أنت مني " وفي لفظ " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
وروى الخطيب والرافعي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " سألت الله فيك خمسا فأعطاني أربعا ومنعني واحدة سألته فأعطاني فيك أنك أول من تنشق الارض عنه يوم القيامة وأنت معي معك لواء الحمد وأنت تحمله وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي ".
وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن الارقم والبراء بن عازب معا - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن، ومن كنت مولاه، فعلي مولاه ".
وروى ابن أبي شيبة وهو صحيح عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " علي مني وأنا منه، وعلي ولي كل مؤمن من بعدي ".(11/296)
وروى الامام أحمد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم من بعدي ".
وروى الترمذي وقال: حسن غريب - والطبراني في الكبير والحاكم عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ إن عليا مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن ".
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد والترمذي وقال: حسن (صحيح) (1) غريب والنسائي وابن ماجه وابن أبي عامر في السنة والبغوي والباوردي وابن قانع والطبراني في - الكبير والضياء - عن حبشي بن جنادة السلولي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أنا من علي، وعلي مني، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي ".
وروى ابن مردويه والديلمي عن سلمان - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " علي بن أبي طالب ينجز بوعدي ويقضي ديني ".
وروى الطبراني في الكبير وابن عساكر والضياء عن عبد الله - بن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " علي أصلي وجعفر فرعي ".
وروى الخطيب عن البراء وابن مردويه والديلمي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " علي مني بمنزلة رأسي من بدني ".
وروى الطبراني - في الكبير - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " علي أخي في الدنيا والاخرة ".
وروى الحاكم عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " علي مع القرآن، والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا على الحوض ".
وروى ابن عدي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " علي عتبة علمي ".
وروى أيضا عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " علي يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين ".
وروى الدارقطني في - الافراد - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " علي بن أبي طالب باب حطة من دخل منه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا ".
__________
(1) سقط في ج (*)(11/297)
وروى أبو نعيم عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " علي بن أبي طالب أعلم الناس بالله وأكثر الناس حبا وتعظيما لاهل لا إله إلا الله ".
وروى أبو نعيم - في فضائل الصحابة عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " قم يا علي، فقد برئت وما سألت الله شيئا إلا سألت لك مثله ".
وروى الطبراني في الكبير عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا ينبغي لاحد أن يجنب في المسجد إلا أنا وعلي ".
وروى عبد الله بن الامام أحمد وأبو نعيم في - فضائل الصحابة - والحاكم وتعقب عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا علي، إن فيك من عيسى مثلا أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها ".
وروى الامام أحمد والحاكم عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا علي، ألا أعلمك كلمات، إذا قلتهن غفر لك على أنه مغفور لك.
لا إله إلا الله العي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العاليمن ".
وروى ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا علي، كن سخيا، فإن الله تعالى يحب السخي، وكن شجاعا، فإن الله تعالى يحب الشجاع، وكن غيورا
فإن الله تعالى يحب الغيور، وإن امرؤ سألك حاجة فاقضها فإن لم يكن لها أهلا كنت أنت لها أهلا ".
وروى أبو نعيم في - الحلية - عن علي والبزار عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا علي، إذا تقرب الناس إلى خالقهم في أبواب البر فتقرب إليه بأنواع العقل، تسبقهم بالدرجات والزلفى عند الناس في الدنيا وعند الله في الاخرة ".
وروى عبد الرزاق والترمذي بسند ضعيف عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا علي، إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقرأ وأنت راكع ولا وأنت ساجد، ولا تصلي وأنت عاقص شعرك، فإنه كيد الشيطان، ولا تقع بين السجدتين، ولا تعبث بالحصباء في الصلاة، ولا تفترش ذراعيك ولا تفتح على الامام، ولا تتختم بالذهب ولا تلبس القسي ولا المعصفر، ولا تركب على المياثر الحمر، فإنها مراكب الشيطان ".
الرابع: فيما أثر عنه من حكمه وكلماته وأشعاره - رضي الله تعالى عنه -.
كان - رضي الله تعالى عنه -: أنصح الناس وأعظمهم بالله وأشدهم للناس حبا وتعظيما(11/298)
(لخدمة) (1) لا إله إلا الله، وقيل له: ألا نحرسك ؟ فقال: حارس كل إنسان أجله، وإن الاجل جنة حصينة، وقال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل، فإنه، لن يقل عمل مع التقوى، وكيف يقل عمل متقبل ؟ وقال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر علمك وحلمك، وتكون مشغولا بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله تعالى - وإن أسأت استغفرت الله، فلا خير في الدنيا إلا لاحد رجلين رجل أذنب ذنوبا فهو (يتدارك) (2) ذلك بتوبة، ورجل يسارع بالخيرات وقال: احفظوا عني خمسا فلو ركبتم الابل في طلبهن لا تصيبوهن، لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحي جاهل أن يسأل عما لا يعلم ولا يستحي عالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، الله أعلم، والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، وقال: إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى
وطول الامل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الامل فينسي الاخرة، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الاخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الاخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، وإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، ألا إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤمنهم من عذاب الله، ولا يرخص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، ولا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فهم فيه، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها، وقال: كونوا ينابيع العلم، مصابيح الليل، خلقي الثياب، جدد القلوب، تعرفون في ملكوت السموات، وتذكرون في الارض، وقال: أيها الناس، إنكم والله إن حننتم حنين الوالد الثكلان، وجأرتم جؤار مبتلى الرهبان، ثم خرجتم من الاموال والاولاد في التماس القرب إلى الله - عز وجل -، وابتغاء رضوانه، وارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة، كان ذلك قليلا فيما يطلبون من جزيل ثوابه، والخوف من عقابه، والله لو سألتم إصلاح عيوبكم رغبة ورهبة إليه - سبحانه وتعالى - ثم عمرتم عمر الدنيا مجدين في الاعمال الصالحة - ولم تبقوا شيئا من جهد كم لما دخلتم الجنة بأعمالكم، ولكن برحمته - سبحانه وتعالى -، جعلنا الله وإياكم من التائبين أو العابدين، أو كما قال.
وقال لكميل بن زياد: القلوب أوعية وخيرها أوعاها، فاحفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة، فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، مع كل ريح يميلون لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، العلم خيرك لك من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة، العلم حاكم، والمال محكوم
__________
(1) سقط في ج (2) في ج: " يتداول " (*)(11/299)
عليه، ومحبة العالم دين يدان بها العلم، يكتسب العالم الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد موته، ومنفعة المال تزول بزواله، مات خزان الاموال وهم أحياء، والعلما باقون ما بقي الدهر
أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه هاه، وأشار بيده إلى صدره، إن هاهنا علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لفتى غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدينا للدين، فيستظهر لحجج - الله تعالى - على كتابه، وبنعمه على عباده، وينقاد لاهل الحق ولا بصيرة له في إخبائه، يقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لاذا ولا ذاك أو منهوما للذات، سلس القياد للشهوات، أو مغري لجمع الاموال والادخار لهما في دعاة الدين، أقرب شبها بالانعام السائحة، كذاك يموت هذا العلم بموت حامليه، اللهم لا تخلوا الارض من قائم الله - عز وجل - بحجة الله لكيلا تبطل حجج الله وبيانه أولئك هم الاقلون عددا، الاعظم عند الله قدرا، بهم يدفع الله - عز وجل - عن حججه، حتى يؤديها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الامر فاستلابوا ما استوعد منه المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالنظر إلى الاعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، ودعاته إلى دينه، هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم، أستغفر الله لي ولك، إذا شئت فقم، ودخل ضرار بن صخرة الصدائي على معاوية - رضي الله تعالى عنه - فقال: صف لي عليا، فقال: كان والله بعيد المدي، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس إلى الليل وظلمته، وكان والله غزير الدمعة، كثير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، ويعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا تكلمه هيبة له، فإن تبسم يضئ مثل اللؤلؤ المكنون المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدوله وغارت نجومه يتمثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه الان وهو يقول: يا دنيا يا دنيا، غري غيري ثم يقول للدنيا: إلى تعرضت، أم إلي تشوقت ؟ غري غيري قد بنتك ثلاثا فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطؤك كثير، آه آه، من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق،
فوكفت دموع معاوية على لحيته ما تملكها، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال هذا أبو الحسن، كيف وجدك عليه يا ضرار ؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا يرق دمعها، ولا يسكن حزنها، ثم قام فخرج، ولما امتلا بيت المال من صفراء وبيضاء، قال: الله أكبر، وأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين، وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء غري غيري، حتى ما بقي منها دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه، وصلى فيه ركعتين رجاء أن تشهد له يوم(11/300)
القيامة، وقيل له: لم ترفع قميصك ؟ قال: لانه يخشع القلب ويقتدي به المؤمن، ويبعد من الكبر، وأتي بفالوذج فوضع بين يديه، فقال: إنك طيب الريح، حسن اللون طيب الطعام، ولكن أكره أن أعود نفسي ما لم تتعود وكان بالخورنق يرعد تحت قطيفة، فقيل له: إن الله قد جعل لك، ولاهل بيتك في هذا المال حظا وأنت تصنع بنفسك ما تصنع، فقال: والله، ما أرزاكم من مالكم شيئا إنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة.
ورئي وهو يبيع سيفا له في السوق، ويقول: من يشتري هذا السيف، فوالذي خلق الحبة وبرأ النسمة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عندي ثمن إزار ما بعته قط، وأنشد يقول: وقد تجوح الحاجات يا أم مالك * كرائم من رب يهين صنين ومن كلامه في المناجاة: كفاني عزا أن تكون لي ربا، وكفاني فخرا أن أكون لك عبدا، أنت لي كما أحب فوفقني إلى ما تحب، وفي العلم: المرء مخبوء تحت لسانه، تكلموا تعرفوا، ما ضاع امرؤ عرف قدره، وفي الارب: أنعم على من شئت تكن أميره، واستغن عن من شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن اسيره، وقال: من وسع عليه في دنياه، فلم يعلم أنه مكربه فهو مخدوع عن غفلة، وقال: الدنيا جيفة فمن أراد شيئا منها، فليصبر على مخالطة الكلاب، ومما يروى من شعره: حقيق بالتواضع من يموت * ويكفي المرء من دنياه قوت
فما للمرء يصبح ذا هموم * وحرص ليس يدركه النعوت صنيع مليكنا حسن جميل * وما أرزاقه عنا تفوت وقال محمد النبي أخي وصهري * وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفرنا الذي يمسي ويضحي * يطير مع الملائكة ابن أمي وبنت محمد سكنى وعرسي * توسط لحمها بدمي ولحمي وسبطا أحمد ولدي منها * فأيكم له قسم كقسمي سبقتكم إلى الاسلام طرا * صغيرا ما بلغت أوان حكمي وأوجب لي الولاء معا عليكم * رسول الله يوم (غدير خم) قال أبو عمر الزاهد سمعت عليا يقول: اجتمعت رواة الشعر من الكوفيين والبصريين فلم يزيدوا على عشرة أبيات صحيحة لامير المؤمنين، وأجمعوا على أن ما كان زائدا على العشرة فهو منحول ومن الصحيح قوله:(11/301)
أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالكيل السندره وروى ابن عساكر عن نبيط الاشجعي قال: قال علي - رضي الله تعالى عنه -: إذا اشتملت على اليأس القلوب * وضاق بما به الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت * وأرست في أماكنها الخطوب ولم ير لانكشاف العسر وجه * ولا أغنى بحيلته الاريب أتاك على قنوط منك غوث * يجئ به القريب المستجيب وكل الحادثات إذا تناهت * فموصول بها الفرج القريب وروي أيضا عن الشعبي - رحمه الله تعالى - قال: قال علي بن أبي طالب - رضي الله
تعالى عنه - لرجل كره صحبة رجل: لا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه * فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ما شاه * وللشئ على الشئ مقاييس وأشباه وللقلب على القلب دليل حين يلقاه وروي أيضا عن المبرد - رحمه الله تعالى - قال: كان مكتوبا على سيف علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -: للناس حرص على الدنيا بتدبير * وصفوها لك ممزوج بتكدير لم يرزقوها بفعل إنما قسمت * لكنهم رزقوها بالمقادير كم من أديب لبيب لا تساعده * (وسابق) (1) نال دنياه بتقصير لو كان عن قوة أو عن مغالبة * طار البزاة بأرزاق العصافير وروي عن حمزة بن حبيب الزيات - رحمه الله تعالى - قال: كان علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - وكرم الله وجهه يقول: لا تفش سرك إلا إليك * فإن لكل نصيح نصيحا فإني رأيت غواة الرجال * لا يدعون أديما صحيحا وروى ابن عبد البر في العلم عن الحارث الاعور - رحمه الله تعالى - قال: سئل علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - عن مسألة فدخل مبادرا ثم خرج في جداد رداء وهو متبسم
__________
(1) في ج: (دمائق) (*)(11/302)
فقيل له: يا أمير المؤمين، إنك كنت إذا سئلت عن المسألة تكون فيها كالسكة المحماة ؟ قال: إني كنت حاقنا ولا رأي لحاقن ثم أنشد يقول: إذا المشكلات تصدين لي * كشفت حقائقها بالنظر وإن برقت في مجئ الصواب * عجب لا يجتليها البصر
مقنعة بغيوب الامور * وضعت عليها صحيح الفكر لسان كشقشقة الارحبي * أو كالحمام اليماني الذكر وقلب إذا استنطقته الهموم * أربي عليها بواهي الذرر ولست بإمعة في الرجا * ل أسائل هذا وذا ما الخبر ولكنني مذرب الاصغر ي * - ن أبين مع ما مضى ما غبر وقال ابن النجار: أخبرني يوسف بن المبارك بن كامل الخطاب قال: أنشدنا أبو الفتح مفلح بن أحمد الرومي، قال: أنشدنا أبو الحسين بن أبي القاسم التنوخي عن أبيه عن جده عن أجداده إلى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -: أصم عن الكلم المحفظات * واحلم الحلم بي أشبه وإني لاترك حلو الكلام * لئلا أجاب بما أكره إذا ما اجتروت سفاه السفيه * علي فإني أنا الاسفه فكم من فتى يعجب الناظرين * له ألسن وله أوجه ينام إذا حضر المكرمات * وعند الدناءة يستنبه وروى ابن أبي الدنيا في الصمت عن حمزة الزيات - رحمه الله تعالى - قال: قال علي ابن أبي طالب: - رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه -: لا تفش سرك إلا إليك * فإن لكل نصيح نصيحا فإني رأيت غواة الرجال * لا يدعون اديما صحيحا وبلغه أن ابن السوداء يبغض أبا بكر فدعا به ودعا بالسيف وهم بقتله فكلم فيه، فقال: لا يسألني.
وسيره إلى المدائن وحدثه رجل بحديث فقال له: ما أراك إلا كذبتني، قال: لم أفعل ؟ قال: أدعو عليك إن كنت كذبت، قال: ادع، فدعا فما (برح) (1) حتى أجيب، ومر على مزيلة، فلما رأى ما فيها، قال: هذا ما بخل به الباخلون، أو كما قال.
__________
(1) في ح خرج.
(*)(11/303)
وكان (بفص) (1) خاتمه: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتختم في يساره، وكان ممن جمع القرآن في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وركب مرة حمارا، ودلى رجليه إلى موضع واهد، ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا، وكان يقول: تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنما أهله الذين يعملون به، وسيأتي من بعد كم زمان ينكر فيه من الحق تسعة أعشاره، وصعد يوما المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الموت، فقال: عباد الله، الموت ليس فيه، فوت، ثم قال: فالنجاء النجاء، والرجاء الرجاء، وراءكم طالب، حثيث القبر فاحذروا ضمته ووحشته، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، ألا أنه يتكلم في ذلك اليوم ثلاث مرات، فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الدود، أنا بيت الوحشة، ألا وإن وراء ذلك يوما يشيب فيه الصغير، ويسكر فيه الكبير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، ألا وإن وراء ذلك ما هو أشد منه، نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وخازنها مالك، ثم بكى وبكى المسلمون حوله، ثم قال: ألا وإن وراء ذلك جنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين، أحلنا الله وإياكم دار النعيم، وأجارنا وإياكم من العذاب الاليم، وقال لرجل ذم الدنيا: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غناء لمن يتزود منها، ومهبط وحي الله - عز وجل -، ومصلى ملائكته، ومسجد أنبيائه - عليهم الصلاة والسلام - ومنجز أوليائه، فيأيها الذام للدنيا المعلل نفسه حتى خدعتك الدنيا، لا تغتر بها ولا يغرنكم بالله الغرور، أو كما قال.
وقال: إن الزهد في كلمتين من القرآن (لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم) [ الحديد 23 ] وقال: عجبت لمن يدعو ويستبطئ الاجابة، وقد سد طرقها بالمعاصي والذنوب.
الخامس: فيما حصل له من المشاق، ووصيته وسبب وفاته - رضي الله تعالى عنه - وأخبره - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا يرزأ من الدنيا شيئا، ولا ترزأ منه الدنيا فلم يصف الامر مدة
الخلافة، واستنجد أهل الشام وصالوا وجالوا، وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف أمر أهل العراق (فتخلوا) (2) عنه، ونكلوا عن القيام معه وكان يكثر أن يقول: ما يحسب أشقاها، أو ما ينتظر، ثم يقول: لتخضبن هذه، ويشير إلى لحيته الكريمة، من هذه، ويشير إلى هامته، كما رواه البيهقي من طرق.
وروى الخطيب عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول
__________
(1) في ح (نقش).
(2) في ج: (فبخلوا) (*)(11/304)
الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي: من أشقى الناس من الاولين ؟ قال: عاقر الناقة، قال: فمن أشقى الاخرين ؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: قاتلك ".
وروى أبو داود في كتاب القدر أنه لما كان أيام الخوارج كان أصحاب علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - يحرسه كل ليلة عشرة يبيتون في المسجد بالسلاح فرآهم، فقال: ما يجلسكم (1) ؟ قالوا: نحرسك، فقال: من أهل السماء ؟ ثم قال: إنه لا يكون في الارض شئ حتى يقضى في السموات، وإن علي من الله جنة حصينة، وفي رواية: وإن الاجل جنة حصينة، وإنه ليس من الناس أحد إلا وقد وكل به ملك، فلا تريده دابة ولا شئ إلا قال: اتقه اتقه، فإذا جاء القدر خليا عنه، وإنه لا يجد عبد حلاوة الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وكان يدخل المسجد كل ليلة فيصلي فيه، فلما كانت الليلة التي قتل في صبحتها قلق تلك الليلة، وجمع أهله.
وفي رواية: قال الحسن: دخلت على أبي ليلة قتل صباحها فوجدته يصلي، فلما انصرف، قال: يا بني، إني بت البارحة أوقظ أهلها لانها ليلة الجمعة، صبيحة قدر لسبع عشرة من رمضان فملكتني عيناي، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من
أمتك من اللاواء واللد ؟ !.
فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم من هو شر مني، قال الحسن: فبينما هو يحدثني إذا جاء مؤذنه ابن التياح فأذنه بالصلاة، فلما خرج المؤذن بين يديه، ونادى بالصلاة اعترضه ابن ملجم وفي رواية: فلما خرج إلى المسجد ضربه ابن ملجم قبحه - الله تعالى - على دماغه فانتبه وكان سيفه مسموما وضربه شبيب فلم يصبه لان ضربته جاءت في الطاق ونادى علي: لا يفوتنكم الرجل، فشد الناس عليهما في كل ناحية فهرب شبيب، وقبض ابن ملجم، فقال علي - رضي الله تعالى عنه -: أطعموه واسقوه، فإن عشت فأنا ولي دمي فإن شئت أن أعفو أو أقتص، قال تعالى: (والجروح قصاص) [ المائدة 45 ].
وإن مت فاقتلوه كما قتلني ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين، قال أهل السير: انتدب ثلاثة من الخوراج عبد الله بن ملجم المرادي، وهو من حمير، وعداد من بني مراد، وهو حليف ابن جبلة من كندة، المبارك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة وتعاقدوا ليقتلن علي بن أبي طالب، ومعاوية وعمرو بن العاص، فقال: ابن ملجم: أنا لعلي، وقال ابن المبارك: أنا لمعاوية، وقال الاخر: أنا لعمرو، وتعاهدوا أن
__________
(1) في ج: (يحبسكم) (*)(11/305)
لا يرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه، وتواعدوا ليلة عشرة من رمضان، فتوجه كل واحد إلى المصير الذي فيه صاحبه الذي يريد قتله، فضرب ابن ملجم عليا بسيف مسموم في جبهته، فأوصله إلى دماغه في الليلة المذكورة الجمعة، ولما ضربه ابن ملجم قال: فزت، ورب الكعبة، وأوصى سيدانا الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - بتقوى الله - عز وجل - والصلاة والزكاة وغفر الذنوب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه في الدين، والتشبث في الامر، وتلاوة القرآن، وحسن الجوار، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش، ووصاهما بأخيهما محمد بن الحنفية، ووصاه بما وصاهما
وأن يعظمهما، ولا يقطع أمرا دونهما، وكتب ذلك كله في كتاب وصيته، وصورة الوصية " بسم الله الرحمن الرحيم ".
هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا، عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، قل: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين " أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم، وطاعته، وحسن عبادته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام وانظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم ولا تبغوا الدنيا، ولا تبكوا على ما زوي عنكم منها، وقولوا الحق وارحموا اليتيم، وكونوا للظالم خصما، وللمظلوم نصرا، واعملوا بما في كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا يأخذكم في الله لومة لائم، ثم ليهون عليكم الحساب، الله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم، والله الله في الجهاد في سبيل الله - عز وجل - بأموالكم وأنفسكم، الله الله في الزكاة، فإنها تطفى غضب الرب، والله الله في ذرية نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يظلمن بين ظهرانيكم، والله الله في أصحاب نبيكم - صلى الله عليه وسلم - فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بأهل بيته وأصحابه، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم، والله الله، فيما ملكت أيمانكم ولا تخافن في الله لومة لائم، يكفكم الله - عز وجل - من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، كما أمركم الله - عز وجل -، ولا تتركوا الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فيولى الامر شرار كم، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، واتقوا الله، إن الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم بيتكم (أستودعكم) (1) الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله، ولما احتضر جعل يكثر من قول رسول الله - صلى الله -: صلى الله عليه وسلم - لا إله إلا الله لا يقول غيرها حتى قبض، وهو ابن ثلاث وستين سنة على(11/306)
الصحيح المشهور، وقيل: إن آخر كلامه " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " ثم توفي بالكوفة ليلة الاحد السابع والعشرين وقيل: التاسع والعشرين من رمضان وقيل: التاسع عشر من رمضان سنة أربعين - رضي الله تعالى عنه - وغسله ابناه الحسن والحسين، وعبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنهم - وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها فميص ولا عمامة، وكان عنده شئ من حنوط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى أن يحنط به فحنطوه به - وصلى عليه الحسن، ودفن في الكوفة عند قصر الامارة، وغمي قبره، وقيل: إن عليا صبر في صندوق وكثروا عليه من الكافور، وحمل على بعير يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيئ أضلوا البعير ليلا، فأخذته طيئ ودفنوه، ونحروا البعير وقال المبرد عن محمد بن حبيب: أول من حول من قبر إلى قبر علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه ورضي عنا به ورزقنا محبته وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدام ذلك لنا إلى يوم نلقاه.
السادس: فيما رثي به رضي الله تعالى عنه.
روى سعيد بن منصور لابي الاسود الدؤلي يرثي عليا رضي الله تعالى عنه: ألا يا عين ويحك أسعدينا * ألا تبكي أمير المؤمنينا وتبكى أم كلثوم عليه * بعبرتها وقد رأت اليقينا ألا قل للخوارج حيث كانوا * فلا قرت عيون الحاسدينا أفي شهر الصيام فجعتمونا ؟ * بخير الناس طرا أجمعينا قتلتم خير من ركب المطايا * وذللها، ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمبينا وكل مناقب الخيرات فيه * وحب رسول رب العالمينا إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر فوق الناظرينا وكنا قبل مقتله بخير * نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الحق لا يرتاب فيه * ويعدل في العدى والاقربينا وليس بكاتم علما لديه * ولم يخلق من المتكبرينا كأن الناس إذ فقدوا عليا * نعام حار في بلد سنينا فلا تشمت معاوية بن صخر * فإن بقية الخلفاء فينا
__________
(1) في ج: (استودعتكم) (*)(11/307)
الباب الحادي عشر في بعض فضائل طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه
وفيه أنواع: الأول: - في نسبه وأولاده - رضي الله تعالى عنه - فهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي المكي المدني يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرة، وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت - رضي الله تعالى عنها - [ قال بعضهم ]: كان آدم وقيل أبيض حسن الوجه كثير الشعر إلى القصر أقرب رحب الصدر بعيد ما بين المنكبين، ضخم القدمين، إذا مشى أسرع وإذا التفت التفت جيمعا، ولا يغير شيبه وكان في الشدة والقلة لنفسه بذولا، وفي السعة والرضا وصولا وكان له عشرة أولاد محمد السجاد، وعمران أمهما حمنة بنت جحش.
وموسى، ويعقوب، وإسحاق، وأمهم إبان بنت عتبة بن ربيعة.
وزكريا، ويوسف، وعائشة وأمهم أم كلثوم بنت الصديق.
وعيسى ويحيى وأمهما سعدى بنت عوف بن خارجة، وأم إسحاق والصعبة، ومريم، وصالح، وأسلم أخواه عثمان وعبد الرحمن وله عدة موالي.
الثاني: - في جمل من فضائله.
فهو أحد العشرة المبشرة بالجنة والثمانية الذين سبقوا إلى الاسلام، والستة أصحاب
الشورى والخمسة الذين أسلموا على يد الصديق - رضي الله تعالى عنه - شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بدرا، فإنه بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى طريق الشام يتجسس الاخبار، فقدم بعد رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بدر، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سهم له، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لك سهمك، قال: وأجري يا رسول الله ؟ قال: وأجرك، وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفياض، لكثرة جوده (1).
روى ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن الحرث وأبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة: " ما أنت يا طلحة إلا فياض " باع أرضا بسبعمائة ألف، فبات تلك الليلة كلها ورسله تختلف إلى فقراء أهل المدينة فما أصبح وعنده منها درهم، وفي رواية: " فبات عنده ليلة، فبات أرقا من ذلك المال حتى أصبح ففرقه، وفدى عشرة من أساري
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 368 والطبري في الكبير (189) (*)(11/308)
بدر بماله، جاءه أعرابي، وتقرب إليه برحم، فقال: إن هذه الرحم ما سألني بها أحد قبلك، ولي أرض قد أعطاني فيها عثمان (بن عفان) (1) ثلثمائة ألف، فإن شئت الارض وإن شئت الثمن فقال: الثمن فأعطاه، وكان يكفي ضعفاء بني تميم، ويقضي ديونهم يرسل إلى عائشة كل سنة عشرة آلاف درهم.
وسماه أيضا طلحة الطلحات، وليس هو طلحة الطلحات الذي قيل فيه: رحم الله أعظما دفنوها * بسجستان طلحة الطلحات لانه خزاعي مدفون بسجستان، وكان الصديق إذا ذكر يوم أحد قال: ذاك يوم كله لطلحة، وجعل يومئذ نفسه وقاية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الامام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح غريب وأبو يعلى وابن حبان، والحاكم والضحاك عن يحيى بن عباد بن الزبير عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أوجب طلحة حين صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صنع ".
وروى أبو بكر الشافعي في " الغيلانيات " " والديلمي " وابن عساكر عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة: يا طلحة، هذا جبريل يقرؤك السلام، ويقول لك: أنا معك في أهوال القيامة حتى أنجيك منها.
وروى ابن منده وابن عساكر والحاكم والترمذي وقال: غريب وابن ماجه والطبراني في الكبير عن معاوية، وابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة: " يا طلحة، أنت ممن قضى نحبه، وفي لفظ: " طلحة ممن قضى نحبه ".
روى الترمذي وحسنه عن طلحة أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لاعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألة يوقرونه ويهابونه، فسأله الاعرابي، فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال: أنا يا رسول الله، قال " هذا ممن قضى نحبه " (2).
وروى أبو نعيم في الحلية - عن طلحة بن عبيد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا على المنبر: " ومنهم من قضى نحبه "، فسأله رجل من هم ؟ فأقبل على طلحة بن عبد الله، فقال: أيها السائل، هذا منهم " (3).
__________
(1) سقط في ج (2) أخرجه الترمذي (3203) (3) أخرجه أبو نعيم في الحلية 1 / 87 (*)(11/309)
وروى [ الطبراني ] عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: طلحة ممن قضى نحبه.
وفي تفسير ابن أبي حاتم أن عمارا منهم، وفي تفسير يحيى بن سلام: حمزة وأصحابه.
وروى الطبراني في - الكبير - وأبو نعيم والضياء والبارودي والبغوي عن حصين بن وحوح قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللهم الق طلحة تضحك إليه ويضحك إليك (1).
وروى الترمذي وقال: غريب وأبو يعلى والحاكم وتعقب وأبو نعيم في المعرفة عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " طلحة والزبير جاراي في الجنة ".
وروى الحاكم وابن ماجه وابن عساكر عن جابر، وابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " طلحة خير شهيد يمشي على وجه الارض ".
وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة - عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة: لك الجنة علي يا طلحة غدا.
وهو أعظم الطلحات السبعة المعدودين في الجود، فقد باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف، فحملها إليه، فلما جاء بها، قال: إن رجلا ثبت هذه عنده، لا يدري ما يطرقه من أمر الله، لغرير بالله، فبات، ورسله تختلف في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم.
وقد تصدق يوما بثمانمائة ألف ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه.
والثاني: طلحة بن (عمر التميمي) طلحة الجود.
والثالث: طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ويسمى طلحة الدراهم.
والرابع: طلحة بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ويسمى طلحة الخير.
والخامس: طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري ويسمى طلحة الدوسي.
السادس: طلحة بن عبد الله بن خلف، ويسمى طلحة الندى.
__________
(1) انظر المجمع 1 / 40 (*)(11/310)
السابع: طلحة بن عبد الله الخزاعي، ويسمى طلحة الطلحات.
الثالث: في وفاته - رضي الله تعالى عنه -.
قتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين، وهو ابن أربع وستين، وقيل: اعتزل يوم الجمل في بعض الصفوف، فرمي بسهم فقطع من رجله عرق النسا، فلم يزل دمه ينزف منه حتى مات، وأقر مروان بن الحكم أنه رماه، ودفن بقنطرة القرة، قد رأى بعد موته بثلاثين سنة في المنام أنه يشكو إليها الغلاوة فأمر به فاستخرج طريا ودفن في دار الهجرتين بالبصرة، وقبره مشهور.
[ شرح غريب ما سبق ].
نحب: بنون فحاء فموحدة، النذر كأنه أكرم نفسه أن يصدق الله في قتل أعدائه في الحرب، وقيل: هو الموت، فكأنه ألزمها أن يقاتل حتى الموت.(11/311)
الباب الثاني عشر في بعض فضائل الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في نسبه وصفته وولده وإسلامه وهجرته.
هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن (خويلد) بن أسد بن عبد العزي بن قصي القرشي الاسدي، يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصي، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلمت وهاجرت إلى المدينة، أسلم قديما، وعمره خمس عشرة سنة، قال الحافظ أبو نعيم: كان عم الزبير يعلق الزبير في حصير، ويدخن عليه بالنار، وهو يقول: ارجع إلى الكفر، فيقول: الزبير: لا أكفر أبدا.
وكان أسمر ربعة من الرجال، معتدل اللحم، خفيف اللحية، قيل: كان طويلا إذا ركب تخط رجلاه الارض.
وأولاده من أسماء بنت الصديق - رضي الله تعالى عنهم -: عبد الله، وعروة، والمنذر وعاصم، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة، وله أولاد من غيرها - رضي الله
تعالى عنهم -.
الثاني: في بعض فضائله - رضي الله تعالى عنه -.
أسلم قديما وهو ابن ثماني سنين، وقيل: ابن ست عشرة سنة، فعذبه عمه بالدخان لكي يترك الاسلام فلم يفعل، وهاجر إلى الحبشة مرتين وإلى المدينة، وآخي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين ابن مسعود، وكان أول من سل سيفا في سبيل الله حين سمع ما ألقاه الشيطان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ، فخرج الزبير يستبق الناس بسيفه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بأعلى مكة فلقيه، فقال: ما لك يا زبير ؟ فقال: أخبرت أنك أخذت، قال: فصلى عليه ودعا له ولسيفه.
وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهد اليرموك وفتح مصر، وكان يتجر ويأخذ عطاء.
روى الامام أحمد والشيخان وعبد بن حميد والترمذي والخطيب وابن عساكر في تاريخه وابن أبي شيبة وأبو نعيم في المعرفة - والامام أحمد والبيهقي عن جابر وابن عساكر عن الزبير والامام أحمد وأبو يعلى وابن أبي شيبة والترمذي وقال: حسن صحيح، والطبراني والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن علي والدارقطني في الافراد عن أبي موسى والزبير ابن بكار وابن عدي وابن عساكر عن عمرو أبو يعلى وابن سعد والزبير بن بكار وابن عساكر(11/312)
عن أبي عمر، والامام أحمد وابن كثير والطبراني في الكبير، وأيضا عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لكل نبي حواري وإن حواري - وفي لفظ: " وابن عمتي " الزبير وفي لفظ: " وأنتما حواري " قاله لطلحة والزبير، وفي لفظ: " الزبير ابن عمتي حواري من أمتي ".
روى الشيخان عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال لي أبي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم "، فانلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه فقال: " ارم فداك أبي وأمي ".
الثالث: في كرمه ووصيته ووفاته وعمره.
كان من الشجعان المعدودين هو وعلي وحمزة، كان له ألف مملوك يؤدون إليه الضريبة ما دخل في بيت ماله درهم واحد يتصدق بها - وفي رواية - " كان يقسمها كل ليلة وما يقوم إلى منزله بشئ منه ".
روى البخاري (1) عنه قال: لم وقف على يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بني، ما أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما وإن من أكبر همي لديني، أفترى ديننا بقي من مالنا شيئا ؟ ثم قال: يا بني، بع مالنا واقض ديني، وأوصى بالثلث، قال عبد الله: " فجعل يوصيني بدينه "، ويقول: يا بني، إن عجزت عن شئ منه فاستعن بمولاك، فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبة من مولاك ؟ قال: الله، فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير، اقض عنه دينه فيقضيه، قال: فقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر، قال: وما كان دينه إلا أن الرجل يأتيه بالمال فيستودعه فيقول الزبير: لا، ولكنه، سلف، إني أخشى عليه الضيعة، وما ولى إمارة قط ولا جباية، ولا خراج ولا شيئا إلا أن يكون غزوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو مع أبي بكر وعمر وعثمان قال عبد الله: فحسبت ما كان عليه من الدين فكان ألفي ألف ومائتي ألف، وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، ثم قال: من كان له عندنا شئ فليوافنا بالغابة، فلما فرغ عبد الله من قضاء دينه، قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا، قال: لا، والله، لا أقسم بينكم حتى أنادي بالمواسم أربع سنين، ألا من كان له دين على الزبير فليأتنا فلنقضيه، فجعل ينادي كل سنة بالموسم فلما قضى أربع سنين قسم بيهم ودفع الثلث، وكان الثلث، وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجمع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف كما رواه البخاري.
__________
(1) أخرجه البخاري (3129) (*)(11/313)
قيل: وجدوا عليه من الدين ألفي ألف ومائتي ألف فوفاه عنه وأخرجوا بعد ذلك ثلث ماله الذي أوصى به، ثم قسمت التركة، فأصاب كل واحد من الزوجات ألف ألف ومائتا ألف فعلى هذا يكون جميع ما خلفه من الدين والوصية والميراث تسعة وخمسين ألف ألف وثمانمائة ألف، وهذا هو الصحيح، وما في البخاري قال في مجمع الاحباب: وفيه نظر، وكان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فيتصدق به في مجلسه، ولا يقوم بدرهم منه وكان له مال جزيل وصدقات كثيرة، قيل: سبعة من الصحابة أوصوا إليه، منهم عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، فكان ينفق على عيالهم من ماله، ويوفر أموالهم، وترك القتال يوم الجمل، وانصرف، فلحقه جماعة من القوم فقتلوه بوادي السباع ناحية البصرة في جمادى الاولى سنة ست وثلاثين، وكان عمره سبعا (وستين) (1) سنة، وقيل أربعا وستين، وقبره مشهور، وقال فيه حسان بن ثابت - رضي الله تعالى عنه -: فكم كربة ذب الزبير بسيفه * عن المصطفى والله يعطي ويجزل فما مثله فيهم ولا كان قبله * وليس يكون الدهر ما كان يزبل ثناؤك خير من فعال معاشر * وفعلك يا بن الهاشمية أفضل
__________
(1) في أ: وسبعين (2) انظر ديوان حسان 199 - 200 والاصابة 3 / 6 والحلية 1 / 90 (*)(11/314)
الباب الثالث عشر في بعض فضائل سعد بن مالك - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في اسمه ونسبه وكنيته.
هو فارس الاسلام سعد وكنيته أبو إسحاق بن مالك وكنيته أبو وقاص بن وهب، ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن عبد مناف، يلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبد مناف.
الثاني: في فضائله.
أسلم قديما وهو ابن تسع عشرة سنة وكان ثالثا في الاسلام، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وأول من أراق دما في سبيل الله شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها وكان من أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مجاب الدعوة، مسدد الرمية، بقوله -: " اللهم سدد رميته، وأجب دعوته "، رمى يوم أحد ألف سهم، ولاه أمير المؤمنين عمر العراق، وهو الذي كان أمير الجيوش في القادسية والمدائن وغير ذلك.
وروي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائتان وسبعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة عشر وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بثمانية عشر، اعتزل الفتن فلم يقاتل في شئ من الحروب.
وروى أبو الفرج عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: أقبل سعد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، فقال رسول الله -: هذا خالي فليرني امرؤ خاله.
ومرض بمكة، وهو يكره أن يموت بالارض التي هاجر منها، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده، ولم يكن له يومئذ إلا ابنة واحدة، فقال: يا رسول الله، أوصي بمالي كله ؟ قال: الثلث والثلث كثير، ولعل الله أن يرفعك فينتفع بك ناس، ويضر بك آخرون، ودعا، فقال: يا رب، إن لي بنين صغارا، فأخر عني الموت فأخر عنه الموت عشر سنين، وكان لا يجد في قلبه لاحد من المسلمين شيئا لا يقوله، وهو أحد الستة الذين نزل فيهم: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم) [ الانعام 52 ] كما رواه مسلم في رواية: لما أسلم سعد امتنعت أمه عن الطعام والشراب أياما، فقال لها: لنعلمن أنه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا، إن شئت كلي وإن شئت فلا تأكلي فلما(11/315)
رأت ذلك نزل: (وإن جاهداك لتشرك بي) [ العنكبوت 8 ].
من كلامه أنه قال لا بنه مصعب: يا بني، إذا طلبت شيئا فاطلبه بالقناعة، فإنه من لا قناعة له لم يغنه لمال (1).
الرابع في وفاته - رضي الله تعالى عنه - كان أوصى أن يكفن في جبة صوف، لقي المشركين فيها يوم بدر وهي عليه، فقال: إنما كنت أخبؤها لهذا فكفن فيها، وذلك سنة خمس وخمسين، وهو ابن تسع وسبعين، وقيل: ابن اثنتين وثمانين، وهو آخر من مات من المهاجرين - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وتوفي في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، وحمل إليها وصلى عليه مروان بن الحكم، وهو يومئذ والي المدينة، وصلى عليه أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرهن ودفن بالبقيع.
__________
(1) انظر الصفوة 1 / 188 والترمذي (3753) (*)(11/316)
الباب الرابع عشر في فضائل سعيد بن زيد - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في نسبه وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن العزي بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كعب بن لؤي.
الثاني: في بعض فضائله - رضي الله تعالى عنه - أسلم قديما قبل دخول دار الارقم ابن أبي الارقم، وشهد المشاهد كلها ما خلا بدرا، وذكره البخاري في مشهدها وهو ابن عم عمر وزوج أخته أسلمت أيضا قديما وكانت سبب إسلام عمر، وهو من المهاجرين الاولين، وأحد العشرة، وشهد اليرموك، وحصار دمشق وكان مجاب الدعوة.
روى الشيخان عن سعيد بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أنه خاصمته أروى بنت أويس إلى مروان، وادعت عليه أنه أخذ شيئا من أرضها، فقال سعيد بن زيد: ما كنت لاخذ من أرضها من بعد أن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من أخذ شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين، فقال مروان: لا أسألك بعد هذا ثم قال سعيد: اللهم، إن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في أرضها، فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت، وفي رواية لمسلم أنها قالت: أصابتني دعوة سعيد، وفي رواية: أن أروى بنت أويس جاءت إلى مروان بن الحكم تستعدي على سعيد، وقالت: ظلمني وغلبني على أرضي، وكان جارها بالعقيق فركب إليه عاصم بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - فقال: أنا أظلم أروى حقها، فوالله، لقد ألقيت لها ستمائة ذراع من أرضي من أجل حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أخذ من حق امرئ من المسلمين شيئا بغير حق طوقة يوم القيامة من سبع أرضين، قومي، يا أروى، فخذي الذي تزعمين أنه حقك، فقامت فأخذت، فقال سعيد: اللهم إن كانت ظالمة، فاعم بصرها واقتلها بشرها فعميت، فوقعت فيه بشرها فماتت.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية وأربعون حديثا اتفقا على حديث وانفرد البخاري بحديث.
وروى عنه جماعة الصحابة وخلائق من التابعين - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
الثالث: في وفاته - رضي الله تعالى عنه - توفي سنة خمسين أو إحدى وخمسين وكان ابن بضع وسبعين سنة بالعقيق، وحمل إلى المدينة، ودفن بها، وغسله ابن عمر، وقيل: سعد بن أبي وقاص، وصلى عليه ابن عمر ونزل في قبره سعد وابن عمر - رضي الله تعالى عليهم أجمعين -.(11/317)
الباب الخامس عشر في بعض فضائل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في نسبه - رضي الله تعالى عنه -
هو أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة، يلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في كلاب وأمه الشفاء بنت عوف أسلمت وهاجرت، وولد بعد الفيل بعشر سنين.
الثاني: في بعض فضائله أسلم قديما وهو أحد الثمانية السابقين إلى الاسلام وأحد العشرة، وأحد الثلاثة الذين انتهت إليهم الخلافة من الستة، وكان هو الذي اجتهد في تقديم عثمان، شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، وهو أحد الخمسة الذين أسلموا على يدي الصديق، وهاجروا الهجرتين إلى الحشبة ثم إلى المدينة، وآخي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى دومة الجندل إلى بني كليب وعممه - صلى الله عليه وسلم - بيده الشريفة، أسدلها بين كتفيه وقال: إن فتح الله عليك فتزوج ابنة ملكهم، أو قال: شريفهم، ففتح الله تعالى عليه وتزوج بنت شريفهم الاصبع، فولدت له أبا سلمة وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أدركه، وقد صلى بالناس ركعة كما في صحيح مسلم وغيره، وجرح يوم أحد إحدى وعشرين جراحة، وجرح في رجله وسقطت ثناياه وكان كثير الاعتاق في سبيل الله، أعتق في يوم واحد واحدا وثلاثين عبدا.
ووري له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة وستون حديثا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بخمسة.
روى عنه ابن عمر وابن عباس وجابر وخلائق غيرهم من الصحابة والتابعين - رضي الله تعالى عنهم -، وكان كثير المال محظوظ في التجارة، قيل: إنه دخل على أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فقال: يا أماه، خفت أن يهلكني كثرة مالي، فقالت: يا بني، أنفق.
تصدق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشطر ماله، أربعة آلاف دينار ثم تصدق بأربعين ألف دينار، وتصدق بخمسمائة فرس في سبيل الله تعالى ثم بخمسمائة راحلة، وكان عامة ماله من التجارة.
انتهى.(11/318)
روى الترمذي وقال: حديث حسن، أنه أوصى لامهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف، وقال عروة: أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله تعالى.
وروى أبو الفرج بن الجوزي عن المسور بن مخرمة قال: باع عبد الرحمن بن عوف أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار فقسم ذلك المال في بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين، وبعث إلى عائشة معي بمال من ذلك المال، فقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لن يحنو عليك بعدي إلا الصحالحون "، سقى الله تعالى ابن عوف من سلسبيل الجنة.
وقال الزهري: أوصى لمن بقي ممن شهد بدرا لكل رجل أربعمائة، وكانوا مائة، وأوصى بألف فرس في سبيل الله - عز وجل -.
قال ابن القيم: وكان من تواضعه - رضي الله تعالى عنه - لا يعرف من عبيده وكان يلبس الحلة تساوي خمسمائة درهم، وأكثر، ويلبس غلمانه مثلها.
وقال في الاكتفاء: وكان أهل المدينة عيالا عليه ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضى ديونهم من ماله، وثلث يصلهم، وبينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا رجت له المدينة، فقالت: ما هذا ؟ قالوا: عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام، وكانت سبعمائة راحلة، فقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأتاها يسألها عما بلغه، فوثقته، فقال: فإني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها في سبيل الله.
وباع أرضا من عثمان - رضي الله تعالى عنه - بأربعين ألفا، فقسم ذلك في بني زهرة وفقراء المسلمين، وأمهات المؤمنين وبعث إلى عائشة - رضي الله تعالى عنها - بمال من ذلك، فقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لن يحنو عليكم بعدي إلا الصالحون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
وروي أنه أعتق ثلاثين ألف، بنت، كان له من الولد ثمانية وعشرون ولدا ذكورا، وإناثا، مات بعضهم في حياته، وفتح الله تعالى - عليه بدعائه - صلى الله عليه وسلم - بالبركة حتى حضر الذهب الذي جعله بالقوس حتى تجلت أيديهم، وأخذت كل زوجة من زوجاته الاربع ثماين ألفا، وقيل: مائة ألف، وقيل: بل صولحت إحداهن لانه طلقها على نصف وثمانين ألفا، وأوصى بخمسين ألف بعد صدقاته الفاشية وعوارفه العظيمة أعتق يوما واحدا ثلاثين عبدا وتصدق مرة بعير منها سبعمائة بعير بأحمالها وأقتابها وأحلاسها، وردت عليه تحمل كل شئ.(11/319)
وروى ابن سعد وابن عوف والطيالسي والحاكم والبيهقي في الشعب عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أتاني جبريل " وفي لفظ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: لن تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض الله - عز وجل - يطلق لك قدميك، قال ابن عوف - رضي الله تعالى عنه -: وما الذي أقرض الله - عز وجل - يا رسول الله ؟ قال: " تبدأ بما أمسيت فيه ": قال: أمن كله أجمع يا رسول الله ؟ قال: نعم، قال: فخرج ابن عوف، وهو يهم بذلك، فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن جبريل قال: مر عبد الرحمن بن عوف فليضيف الضيف، وليطعم المسكين، وليعط السائل، ويبدأ بمن يعول، فإنه إذا فعل ذلك كان تزكية ما هو فيه.
وروى ابن عدي وابن عساكر عن عبد الرحمن بن حميد عن ابن عم أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط عن يسرة بنت صفوان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أنكحوا عبد الرحمن بن عوف، فإنه من خيار المسلمين، ومن خيارهم من هو مثله " (1).
روى أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي قال: قرأ رجل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لين الصوت فما بقي أحد من القوم إلا فاضت عيناه إلا عبد الرحمن بن عوف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن لم يكن عبد الرحمن بن عوف فاضت عيناه، فقد فاض قلبه.
وروى الديلمي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: يا عبد الرحمن، كفاك الله أمر دنياك، فأما آخرتك فإنه لها ضامن.
وروى الامام أحمد والطبراني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا ".
وروى الديلمي عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن عبد الرحمن بن عوف يسمى الامين في السموات، والامين في الارض ".
وروى الدارقطني في الافراد عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: يابن عوف، إني أعلمك كلمات تقولهن حين تدخل المسجد وحين تخرج، إنه ليس عبد إلا ومعه شيطان، فإذا وقف على باب المسجد، فقال حين يدخل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم، افتح لي أبواب رحمتك مرة، ويقول: أعني
__________
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل 3 / 27 (*)(11/320)
على حسن عبادتك، وهون علي طاعتك ثلاثا، وحين تخرج تقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم، اعصمني من الشيطان الرجيم ومن شر ما خلقت واحدة.
ألا أعلمك كلمات تقولها إذا دخلت بيتك: بسم الله، ثم تسلم على نفسك وأهلك، وتسلم على ما أتاك الله من رزق، وتحمده حين تفرغ.
الثاني: في وفاته - رضي الله تعالى عنه - توفي سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان - رضي الله تعالى عنه - فصلى عليه علي وقيل الزبير - رضي الله تعالى عنهما - دفن بالبقيع وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، أو خمس وسبعين سنة.
شرح غريب ما سبق الفؤس: بهمزة مضمونة بعد الفاء: جمع فأس بسكون همزته.
مجلت: بفتح الميم والجيم وكسرها: تعبت من كثرة العمل.
النيف: بالتشديد وقد تخفف.
العوارف: جمع عارفة بمعنى معروفة.
الفاشية: بفاء فألف فمعجمة فمثناة تحتية فتاء التأنيث: [...].
القافلة: بقاف القتب، فمثناة فوقية فموحدة للبعير، كاللحاف لغيره.
الحلس: بحاء مهملة مكسورة فلام ساكنة فمهملة: ما يلي ظهر البعير تحت القتب.(11/321)
الباب السادس عشر في بعض فضائل أبي عبيدة بن الجرح - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في نسبه وصفته - رضي الله تعالى عنه - هو أبو عبيدة بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن وهيب وفي لفظ: أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك الملقب بأمين هذه الامة يلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مالك.
قال الحافظ ابن عساكر: وكان طويلا نحيفا أجنأ معروق الوجه خفيف اللحية أهتم.
الثاني: في بعض فضائله - رضي الله تعالى عنه - فهو أحد العشرة، وأحد الرجلين اللذين عينهما، أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - وأحد الخمسة الذين أسلموا في يوم واحد على يد الصديق، والاربعة عثمان بن مظعون وعيينة بن الحارث، وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الاسد، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن معاذ، وقيل: محمد بن سلمة، وقد شهد بدرا والمشاهد كلها، وثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، ونزع يومئذ بفيه الحلقتين اللتين دخلتا في وجنتي النبي - صلى الله عليه وسلم - من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه فكان من أحسن الناس هتما.
قال الحافظ ابن عساكر: وهو أول من سمي أمير الامراء، وأنزل الله تعالى فيه لما قتل أباه يوم بدر، حيث تصدى له وحاد عنه مرارا (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون
من حاد الله ورسوله) [ الاية ] ومما قاله: ألا رب مبيض لثيابه * ومديس ليدينه ألا رب مكرم لنفسه * وهو لها مهين با دروا السيئات القديمات * بالحسنات الحديثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن، وقال: مثل المؤمن مثل العصفور يتقلب كل يوم كذا وكذا مرة، وله مع المشركين غزوات كبيرة، ووقعات كثيرة، منها وقعة حمص الاولى.
وورى الطبراني برجال ثقات إلا مالك، فيحرر رجاله عن مالك الدار أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرة فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم ابق في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجاتك، فقال: وصله الله ورحمه ثم(11/322)
قال: تعالي أنت جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك (1).
وروى البخاري عن أنس وابن عساكر عن أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - وابن أبي شيبة عن أبي قلابة، والامام أحمد عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الامة " وفي لفظ: " وإن أمينك أيتها الامة " - وفي لفظ: " لكل نبي أمين وأميني " أبو عبيدة بن الجراح.
وروى ابن عساكر عن أبي بكر الصديق وابن عساكر عن محمد بن المنكدر (مرسلا) (2) وعن داود بن شابور أبي سليمان وابن عساكر.
وتمام عن سعيد بن عبد العزيز مرسلا، وابن أبي شيبة والحاكم عن الحسن مرسلا وابن عساكر عن زياد بن الاعلم عن الحسن مرسلا وابن عساكر عن مبارك بن فضالة عن الحسن مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: " ما من أصحابي " وفي لفظ: " أحد " إلا كنت قائلا فيه، وفي لفظ، " وفي خلقه "، " وفي لفظ: " في بعض خلقه "، وفي لفظ: " أن أقول في خلقه "، وفي لفظ: " إلا وقد وجدت فيه "، ولو شئت أن أقول فيه، وفي لفظ: " ألا ولو شئت لاخذت عليه " إلا أبا عبيدة، وفي لفظ: " إلا ما كان من أبي عبيدة بن الجراح "، وفي لفظ: " غير أبي عبيدة بن الجراح ".
وروى الحاكم عن أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أبا عبيدة، لا تأمن على أحد بعدي ".
وروى الشيخان عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله ابعث إلينا رجلا أمينا، فقال: لابعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين، قال: فاستشرق لها الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح.
الثالث: في وفاته - رضي الله تعالى عنه -.
توفي بالطاعون عام عمواس هو ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان وغيرهم من أشراف الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - ووقع ذلك الطاعون مرتين وطال مكثه وفني فيه خلق كثير من الناس، وطمع العدو، وتخوف المسلمون بذلك، وقبره بغور بيسان عند قرية تسمى عمتا.
قال الشيخ محي الدين النووي: وعلى قبره من الجلالة ما هو لائق به، وقد زرته فرأيت عنده عجبا، وصلى عليه معاذ بن جبل، ونزل في قبره هو، وعمرو بن العاص، والضحاك ابن مزاحم.
__________
(1) انظر المجمع 3 / 127 (2) سقط في ج (*)(11/323)
وعمواس بلدة صغيرة بن الرملة وبيت المقدس، ونسب [ الطاعون ] إليها، لانه أول ما نجم من هذا الدار ثم انتشر إلى الشام.
ومن مناقبه ما روي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى
عنه - أنه قال لاصحابه ذات يوم: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو كانت مملوءة لؤلؤا وزبرجدا وجوهرا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به، ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح.
[ عن عروة بن الزبير قال ]: لما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الارض، وهو راكب فقال: أين أخي وقرة عيني، قالوا: من تعني ؟ قال: أبا عبيدة بن الجراح، قالوا: الان يأتيك، فلما أتاه، نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم يرى فيه إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك ؟ قال: يا أمير المؤمنين، هذا يبلغني المقيل.(11/324)
جماع أبواب القضاة والفقهاء والمفتين وحفاظ القرآن من أصحابه في أيامه - صلى الله عليه وسلم - وذكر وزرائه وأمرائه وعماله على البلاد وخلفائه على المدينة إذا سافر
الباب الأول في ذكر قضاته - صلى الله عليه وسلم -
روى الامام أحمد وعبد بن حميد والترمذي وأبو يعلى وابن حبان عن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء وبالموحدة - رحمه الله تعالى - أن عثمان - رضي الله تعالى عنه - قال لابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: اقض بين الناس، قال: لا أقضي بين رجلين، لا أرى منهما، قال: فإن أباك كان يقضي، قال: إن أبي كان يقضي فإن أشكل عليه شئ، سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن أشكل على النبي - صلى الله عليه وسلم - شئ سأل عنه جبريل، وأنا لا أجد من أسأله وإني لست مثل أبي.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن مسروق قال: كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الاشعري.
وروى الامام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى والدارقطني بسند حسن صحيح عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء خصمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يختصمان، فقال: قم يا عقبة، اقض بينهما، فقلت: بأبي وأمي أنت، يا رسول الله، أنت أولى بذلك مني، قال: وإن كان فاقض بينهما، قلت: فإذا قضيت بينهما فما لي، وفي لفظ: " أقضي بينهما على ماذا " ؟ قال: " اجتهد فإن أصبت فلك عشرة أجور " وفي لفظ: " عشر حسنات "، وإن اجتهدت فأخطأت فلك أجر واحد ".
انتهى.
وروى الامام أحمد وأبو يعلى والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والامام أحمد والطبراني عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء خصمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لعمر: اقض بينهما، فقال: أنت أولى بذلك مني يا رسول الله قال: وإن كان.
قال: أقضي وأنت حاضر ؟ قال: نعم، قال: فإذا قضيت بينهما فمالي ؟ قال: إن أنت قضيت بينهما فأصبت القضاء فلك عشر حسنات وفي لفظ: " عشرة أجور، وإن أنت اجتهدت فأخطأت فلك حسنة " وفي لفظ: " " أجر ".(11/325)
وروى الامام الطبراني والحاكم عن معقل، بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وباللام، ابن يسار بفتح المثناة التحتية وبالسين المهملة المزني بضم الميم، وفتح الزاي وبالنون - رضي الله تعالى عنه - قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقضي بين قوم فقلت: ما أحسن أن أقضي يا رسول الله ! قال: إن الله مع القاضي ما لم يحف عمدا.
وروى الامام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عنه قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اليمن قاضيا، وأنا حديث السن، قال: قلت يا رسول الله، أتبعثني وأنا الشاب أقضى ولا أدري ما القضاء ! وفي لفظ " تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث "، فضرب بيده على صدري،
وقال: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه وقال: إن الله تعالى سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين.
وروى الحارث بن عمر عن معاذ - رضي الله تعالى عنه -.
وروى سعد بن عمر بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: وجدنا في كتب سعد بن عبادة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عمارة بن حزم أن يقضي باليمن مع الشاهد.
وروى الدارقطني عن جارية - بالجيم - ابن ظفر بالظاء المعجمة المشالة أن قوما اختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خص كان بينهم فبعث حذيفة - رضي الله تعالى عنه - يقضي بينهم، فقضى للذي يليهم القمط، ثم رجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: أصبت أو أحسنت.
تنبيه: قول عثمان - رضي الله تعالى عنه - " فإن أباك كان يقضي بين الناس " يريد أنه كان يقضي في بعض الامور في أوقات مختلفات لا أنه كان يقضي دائما، كما دل عليه قول عمر، وإنما استقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جماعة في أشياء خاصة، ولم يستقض شخصا معينا في القضاء بين الناس، والدليل على ذلك حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - " ما اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاضيا، ولا أبو بكر، ولا عمر حتى كان في آخر زمانه، قال ليزيد بن أخت نمير: اكفني بعض الامور.
رواه أبو يعلى الموصلي ورجاله رجال الصحيح.
وروى الطبراني بسند جيد عن السائب بن يزيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر لم يتخذا قاضيا وأول من استقضى عمر، قال: رد عني الناس في الدرهم والدرهمين.(11/326)
والجواب عن ذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستقض جماعة في أشياء خاصة.
[ شرح غريب ما سبق ] القمط: وروي بضم القاف والميم وبالطاء المهملة، جمع قماط بكسر القاف وهي الشرط بضم الشين المعجمة والراء جمع شريط، وهو ما يشد به الخص ويوثق به من ليف أو خوص أو غيرهما، وقيل: القمط: الخشب الذي يكون على ظاهر الخص، أو باطنه ومعاقد القمط تلي صاحب الخص وهو البيت الذي يعمل من القصب.
الحرادي: بفتح الحاء والدال المهملتين، جمع حردي بضم أوله وسكون ثانيه وهي حزمة من قصب يلقى على حسب السقف.(11/327)
الباب الثاني في ذكر المفتين من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - في أيامه - صلى الله عليه وسلم -
روى عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنه سئل: من كان يفتي الناس في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: أبو بكر وعمر.
وروي أيضا عن القاسم بن محمد - رحمه الله تعالى - قال: كان أبو بكر وعمر عثمان وعلي - رضي الله تعالى عنهم - يفتون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروي أيضا عن كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: كان معاذ بن جبل يفتي الناس في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروي أيضا عن علي بن عبد الله بن دينار الاسلمي قال: كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروي عن سهل بن أبي خيثمة قال: كان الذين يفتون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة من المهاجرين، وثلاثة من الانصار، وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وقد تحصل من هذه الاثار ثمانية وكانوا يفتون والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي جمعهم
شيخنا - رحمه الله تعالى - في بيتين فقال: وقد كان في عصر النبي جماعة * يقومون بالافتاء قومة قانت فأربعة أهل الخلافة معهم * معاذ وأبي وابن عوف وابن ثابت
تنبيه: قال السيد النساب في شرحه لمنظومة ابن العماد في الانكحة، قال ابن الجوزي في المدهش: إن الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وأبو موسى الاشعري، فيحصل من كلامهما اثنا عشر اتفقا على سبعة وانفرد الشيخ بأبي، وابن الجوزي بحذيفة وعمار وأبي الدرداء وأبي موسى الاشعري - رضي الله تعالى عنهم - وقد نظم جميع ذلك صاحبنا ولي الله تعالى - شمس الدين بن عبد الله محمد ابن ولي الله الشيخ العلامة شهاب الدين بن الشلبي الحنفي فقال: متمما لنظمه: حذيفة أبو موسى إلى أشعر أنتما * وعمار أبو الدردا حبوا بالسعادة(11/328)
وجمع من الاصحاب أفتوا بعصره * معاذ وزين النظم بالخلفاء حذيفة عمار وزيد بن ثابت * أبو الاشعري موسى أبو الدرداء أبي ابن عوف وهو ختم نظامهم * فأعظم بصحف، قادة شعراء وله فيهم أيضا مع تغيير النظم والقافية لما في بعض ذلك النظم من الابهام والله ولي الفضل والانعام.
وجمع من الاصحاب أفتوا بعصره * أبو بكر الفاروق عثمان مع علي حذيفة عمار وزيد بن ثابت * معاذ أبو الدرداء أقدرهم علي أبي أبو موسى إلى أشعر انتما * وفاهم رضي مع نجل عوف من العلى وله فيهم أيضا:
وفي زمن المختار أفتى بعصره * أبو بكر الفاروق عثمان حيدر حذيفة عمار وزيد بن ثابت * معاذ أبو الدرداء وهو عويمر أبي أبو موسى إلى أشعر أنتما * وختم نظامي بابن عوف معطر(11/329)
الباب الثالث في حفاظ القرآن من أصحابه - رضي الله تعالى عنهم - في حياته - صلى الله عليه وسلم -
روى الشيخان عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " خذوا القرآن من أربع عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب " - رضي الله تعالى عنهم - قال الشيخ في الاتقان: أي تعلموا منهم والاربعة المذكورون اثنان من المهاجرين، وهما المبدأ بهما، واثنان من الانصار سالم بن معقل مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.
وروى البخاري عن قتادة - رضي الله تعالى عنه - قال: سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: أربعة كلهم من الانصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قلت: من أبو زيد ؟ قال: أحد عمومتي.
وروى أيضا من طريق ثابت عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
وروى مسدد عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: أربعة رهط لا أزال أحبهم منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل.
وروى البزار برجال ثقات عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اتسقرئوا القرآن من أربعة: من أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل،
وسالم مولى أبي حذيفة ".
وروى الطبراني برجال ثقات غير إبراهيم بن محمد بن عثمان الحضرمي فيحرر حاله والبيهقي وأبو داود عن عامر الشعبي - رحمه الله تعالى - قال: جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة من الانصار: زيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء، وسعد بن عبادة، وأبي بن كعب، وقد كان جارية بن مجمع قد قرأه إلا سورة أو سورتين (1).
وروى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - قال: كان سعيد بن عبيد يسمى القارئ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) انظر المجمع 9 / 315 (*)(11/330)
وروى أبو يعلى والبزار والطبراني برجال ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: افتخر الحيان من الانصار الاوس والخزرج، فقالت الاوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنا من اهتز له عرش الرحمن: سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدير عاصم بن ثابت بن أبي الافلج ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، وقال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل (1).
وروى الطبراني ولم يعد غير خمسة من الستة عن داود أبي هند وإسماعيل بن أبي خالد وزكريا بن أبي زائدة - رحمهم الله تعالى - قالوا: " جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم من الانصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وسعد بن عبيد ".
وروى الطبراني بسند حسن عن عيسى السعدي - رحمه الله تعالى - قال: رأيت أبي بن كعب أبيض الرأس واللحية ما خضب.
روى الامام أحمد والطبراني بسند حسن عن أبي حبة البدري - رضي الله تعالى عنه -
قال: لما نزلت (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) [ البينة / 1 ] إلى آخرها قال جبريل: يا رسول الله، إن الله يأمرك أن تقرئها أبيا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابي: إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة قال أبي: إني قد ذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال: نعم، فبكى أبي.
وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي بضم الهمزة، وتشديد التحتية، ابن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أبا المنذر، أمرت أن أعرض عليك القرآن "، فقال: بالله آمنت، وعلي يديك أسلمت، ومنك تعلمت، قال: فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القول، فقال: يا رسول الله، ذكرت، هناك ؟ قال: نعم باسمك ونسبك في الملا الاعلى قال: فاقرأ إذا يا رسول الله.
وفي رواية: إني عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فقال: أمرني جبريل أن أعرض عليك - وفي رواية: قال أبي: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرت أن أقرئك القرآن.
وروى الحاكم عن ابن عمرو، وابن عساكر عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب " زاد ابن عمر: لقد هممت أن أبعثهم إلى اليمن كما
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 10 / 41 وقال: في الصحيح بعضه رواه أبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح وذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (4023) وعزاه إلى أبي يعلى.
(*)(11/331)
بعث عيسى ابن مريم الحواريين، قالوا: يا رسول الله، أفلا تبعث أبا بكر وعمر فهما أعلم وأفضل، فقال: إني لاغنى لي عنهما، إنهما مني بمنزلة السمع والبصر، وبمنزلة العينين من الرأس.
روى الامام أحمد والنسائي بسند صحيح والبيهقي عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " اقرأه في شهر " انتهى.
وروى ابن أبي داود وبسند حسن عن محمد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة من الانصار معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي بن
كعب، وأبو الدرداء وأبو أيوب الانصاري.
وروى البيهقي في المدخل عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من ثلاثة: أبي الدرداء، وعثمان، وقيل: عثمان وتميم الداري.
وروى ابن سعد في الطبقات والامام أحمد، وأبو داود وأبو يعلى والحاكم عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزروها ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين غزا بدرا، قالت له: أتأذن لي أن أخرج معك، الحديث، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزروها في بيتها، وجعل لها مؤذنا يؤذن لها في بيتها، وأمرها أن تؤم أهل دارها.
ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات أنه ذكر القراء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعد من المهاجرين الخلفاء الاربعة، وطلحة، وسعدا وابن مسعود، وحذيفة وسالما وأبا هريرة، وعبد الله بن السائب، والعبادلة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة.
ومن الانصار: عبادة بن الصامت، ومعاذ بن جبل الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن جارية وفضالة بن عبيد، ومسلمة بن مخلد، وصرح بأن بعضهم أكمله بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس، وعد ابن أبي داود منهم تميما الداري وعقبة بن عامر، وممن جمعه أيضا أبو موسى الاشعري، وذكره أبو عمرو الداني.
وروى أبو أحمد العسكري: لم يجمع القرآن من الاوس غير سعد بن عبيد.
وروى محمد بن حبيب في " المخبر " سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: " كان(11/332)
يعرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل سنة مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عرض عليه
مرتين.
كذا في نسختين من مجمع الزوائد، ظاهره أن أبا هريرة حفظ القرآن، في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
تنبيهات الأول: قيل: إن سعدا هذا هو أبو زيد المذكور في حديث أنس، وقد اختلف في اسمه فقيل: هو سعد بن عبيد بن النعمان، أحد ابني عمر بن عوف، ورد بأنه أوسي، وأنس خزرجي، وقد قال: إنه أحد عمومته وبأن الشعبي عده هو وأبو زيد جميعا فيمن جمع القرآن كما تقدم فدل على أنه غيره وقال ابن حجر: قد ذكر ابن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة وهو خزرجي يكنى أبا زيد فلعله هو.
وذكر أيضا سعد بن المنذر بن أوس بن زهير وهو خزرجي أيضا، ولكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد قال: ثم وجدت عند أبي داود ما يرفع الاشكال، فإنه روى بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس " أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن وكان رجلا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا، ونحن ورثناه ".
قال ابن أبي داود: حدثنا أنس بن خالد الانصاري قال: هو قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النجار، قال ابن أبي داود: ومات قريبا من وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب علمه ولم يؤخذ عنه، وكان عقيبا بدريا، ومن الاقوال في اسمه: ثابت وأوس ومعاذ.
الثاني: المشهور بقراءة القرآن من الصحابة سبعة: عثمان، وعلي، وأبي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود وأبو الدرداء، وأبو موسى الاشعري كذا ذكرهم الذهبي في طبقات القراء، قال: وقد قرأ على أبي جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة وابن عباس، وعبد الله بن السائب، وأخذ ابن عباس عن زيد أيضا.
الثالث: قال الكرماني في حديث " خذوا القرآن عن أربعة ": يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد الاعلام بما يكون بعده أي أن هؤلاء الاربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك، وتعقب بأنهم لم
ينفردوا بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة في وقعة اليمامة، ومات معاذ في خلافة عمر، ومات أبي، وابن مسعود في
__________
(1) في ج: من الذي حفظوه (*)(11/333)
خلافة عثمان، وقد تأخر زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه -، وانتهت إليه الرئاسة في القراءة، وعاش بعدهم زمنا طويلا، فالظاهر أنه أمر بالاخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد من ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن الكريم، بل كان الذين يحفظون (مثل الذين حفظوه) وأزيد جماعة من الصحابة.
وفي الصحيح في غزوة بئر معونة " أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القراء، وكانوا سبعين رجلا ".
الرابع: في حديث ثابت عن أنس مخالفة لحديث قتادة من وجهين.
أحدهما: التصريح بصيغة الحصر في الاربعة.
والاخر: ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب وقد استنكر جماعة من الائمة الحصر في الاربعة قال الامام المازري: لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الامر كذلك، لان التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك، وقال القرطبي: إنما خص أنس الاربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم، أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: الجواب عن حديث أنس من أوجه.
أحدها: أنه لا مفهوم له.
الثاني: المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك.
الثالث: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك.
الرابع: المراد بجمعه تلقيه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بواسطة.
الخامس: أنهم تصدوا لالقائه وتعليمه فاشتهروا به.
السادس: المراد بالجمع الكتابة.
السابع: المراد بالجمع أنه لم يفصح بأن أحدا جمعه بمعنى إكمال حفظه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أولئك.
الثامن: المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه، وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال: إن ابني جمع القرآن فقال: اللهم غفرا ! إنما جمع القرآن من سمع وأطاع.(11/334)
قال الحافظ ابن حجر: في غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الاخير، وقد ظهر لي احتمال آخر، وهو أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الاوس فلا ينفى ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين، لانه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الاوس والخزرج، قال: والذي يظهر من كثير من الاحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ففي الصحيح: أنه بني مسجدا أيضا بفناء داره، فكان يقرأ فيه القرآن، وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك، وقد صح حديث: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله "، وقد قدمه - صلى الله عليه وسلم - في مرضه إماما للمهاجرين والانصار، فدل على أنه كان أقرأهم.
انتهى.
قال الشيخ في الاتقان: وقد سبقه إلى نحو ذلك ابن كثير.
قلت: لكن أخرج ابن أشتة في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال: مات أبو بكر ولم يجمع القرآن له وقتل عمر، ولم يجمع القرآن له، قال ابن أشتة: قال: بعضهم: يعني لم يقرأ جميع القرآن حفظا، وقال بعضهم: هو جمع المصاحف، قال ابن حجر: وقد ورد عن علي أنه جمع على ترتيب النزول عقب موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه ابن أبي داود.(11/335)
الباب الرابع في ذكر وزرائه - صلى الله عليه وسلم -
الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الامارة
روى ابن أبي شيبة عن خيثمة مرسلا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الامارة باب عنت إلا من رحمه الله تعالى (1).
روى الطبراني عن عوف بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الامارة أمانة وهي يوم القيامة خزي وندامة إلا لمن أخذها بحقها، وأدي الذي عليه فيها " فردد ذلك يا أبا ذر ؟ وفي رواية: أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الامارة، فقال: " أولها سلامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة ".
وروى أبو داود الطيالسي والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الامارة أولها ملامة، وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة.
وروى الامام أحمد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: جاء حمزة بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، اجعلني على شئ أعيش به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا حمزة نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها ؟ قال: نفس أحييها قال: عليك نفسك.
وروى الطبراني عن عصمة بن مالك - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا على الصدقة فقال: يا رسول الله، خير لي فقال: اجلس في بيتك (2).
وروى الطبراني برجال ثقات غير شيخه أبي عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم فيحرر رجاله عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لن يفلح قوم تملك أمرهم امرأة.
ا.ه.
وروى الطبراني عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: وذكر بلقيس صاحبة سبأ فقال: لا يقدس الله أمة قادتهم امرأة.
__________
(1) انظر الكنز (14706) (2) انظر المجمع 5 / 204 (*)(11/336)
وروى الامام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الامارة، فقال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها.
وروى مسلم وأبو داود عنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني، فضرب بيده على منكبي وقال: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأتمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم، وفي رواية: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه منها.
وروى [ أبو داود ] عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل ابن اللتبية على صدقات بني سليم (1).
__________
(1) أخرجه أبو داود (2946) (*)(11/337)
الباب السادس في تأميره - صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه -
على إقامة الحج سنة تسع، وبعث في أثره عليا يقرأ على الناس سورة براءة فقيل: لان أولها نزل بعد أن خرج أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - إلى الحج، وقيل: بل لان عادة العرب كانت أنه لا تحل العقود ويعقدها إلا المطاع أو رجل من أهل بيته، وقيل: أردفه به عونا له ومساعدا، ولهذا قال له الصديق: أأميرا ومأمورا ؟ قال: بل مأمورا، وأما أعداء الله الرافضة،
فيقولون: عزله بعلي وليس هذا ببدع من بهتهم واتفرائهم.
قال في زاد المعاد: واختلف الناس هل كانت هذه حجة وقعت في شهر ذي الحجة، أو كانت في ذي العقدة من أجل النسئ على قولين والله تعالى أعلم.
الباب السابع في تأميره - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - الاخماس باليمن، والقضاء بها
قال في زاد المعاد: وولي الصدقات جماعة كثيرة، لانه كان على كل قبيلة وال يقبض صدقاتها بها، فمن هنا كثر عمال الصدقات.
الباب الثامن في تأميره - صلى الله عليه وسلم - باذان بن ساسان - رضي الله تعالى عنه - من ولد بهرام جود
أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اليمن كلها بعد موت كسرى، فهو أول أمير في الاسلام على أهل اليمن، وهو أول من أسلم من ملوك العجم، كما قاله الثعالبي - رحمه الله تعالى -.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب دلائل النبوة عن ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن حذافة إلى كسرى بكتابه يدعوه إلى الاسلام فلما قرأه شق كتابه، ثم بعث عامله على اليمن باذان أن ابعث إلى هذا الرجل رجلين جلدين، فليأتياني به فبعث باذان.(11/338)
الباب التاسع في تأميره - صلى الله عليه وسلم - شهر بن باذان - رضي الله تعالى عنهما - على صنعاء وأعمالها
لما مات باذان أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولده شهرا على صنعاء وأعمالها.
الباب العاشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - خالد بن سعيد بن العاص - رضي الله تعالى عنه - على صنعاء وأعمالها بعد قتل شهر
قال: في زاد المعاد: [ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صنعاء خالد بن سعيد ].
الباب الحادي عشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين أبي أمية المخزومي - رضي الله تعالى عنه - على كندة والصدف، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسر إليها، فبعثه أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - إلى قتال أناس من المرتدين.
الباب الثاني عشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - زياد بن لبيد الانصاري على حضرموت
الباب الثالث عشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى الاشعري - رضي الله تعالى عنه - على زبيد وعدن وزمع والساحل(11/339)
الباب الرابع عشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه - على الجند
الباب الخامس عشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب - رضي الله تعالى عنه - على نجران
الباب السادس عشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - يزيد بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنهما - على تيماء
الباب السابع عشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - عتاب بفتح المهملة وتشديد المثناة الفوقية بن أسيد بفتح الهمزة والسين المهملة على مكة، وإقامة موسم الحج بالمسلمين سنة ثمان.
قال في زاد المعاد: وله دون العشرين سنة.
الباب الثمان عشر في تأميره - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - على عمان
الباب التاسع عشر في ذكر خلفائه - صلى الله عليه وسلم - على المدينة إذا سافر
روى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استختلف ابن أم مكتوم على الصلاة، وغيرها من أمر المدينة.(11/340)
الباب العشرون في بعض تراجم أمرائه على السرايا
منهم أسامة بن زيد بن شرحبيل الكلبي أبو زيد أو أبو محمد وأبو حارثة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن حبه، وابن مولاه، وابن حاضنته.
ومولاته أم أيمن - رضي الله تعالى عنها - أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جيش عظيم فيهم أبو بكر وعمر، وكان عمره يومئذ عشرين سنة، وقيل: ثماني عشرة سنة، وقيل: سبع عشرة سنة، فلم يزل حتى مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما توفي أبو بكر فأغار على ناحية البلقان قد شهد مع أبيه مؤتة وسكن المرة من أرض دمشق مدة ثم تحول إلى [...] وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - إذا رآه، قال: السلام عليك أيها الامير فيقول: غفر الله لك يا أمير المؤمنين ! تقول لي هذا، فكان يقول: لا أراك إلا أعوك الامير ما عشت ومات - صلى الله عليه وسلم - وأنت علي أمير.
روى الطبراني برجال الصحيح عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال: كان أسامة بن زيد يدعي الامير حتى مات، يقولون: بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزعه حتى مات وفرض له عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لا بنه ثلاثة آلاف فقال عبد الله لابيه عمر: لم فضلته علي ؟ فوالله ما سبقني مشهد، قال: لان أباه زيدا كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك، وهو أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك، فآثرت حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حبي.
رواه الترمذي.
وكان نقش خاتمة: أسامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه الطبراني برجال الصحيح عن أبي بكر بن شعيب عن أشياخه.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وثمانية أحاديث اتفق الشيخان منها على خمسة عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديثين.
ومات - رضي الله تعالى عنه - بوادي القرى، وقيل: بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن خمس وخمسين، وقيل: ست وأربعين.
والأول أصح، وتكلم جماعة من أشراف الصحابة في إمرته عليهم، فروى أبو يعلى برجال الصحيح عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد، قال الناس فيه: فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، أو شئ من ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد بلغني ما قلتم في أسامة، ولقد قلتم ذلك في أبيه قبله، وإنه لخليق للامارة، وإنه لخليق للامارة وإنه لخليق للامارة، وإنه لاحب الناس إلي، قال: فما استثنى فاطمة ولا غيرها، وفي رواية - وإنه لاحب الناس إلي كلهم.
وكان ابن عمر يقول: حاشا فاطمة.(11/341)
ورواه البخاري مختصرا (1).
وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من كان يحب الله ورسوله، فليحب أسامة بن زيد ".
ومنهم خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر أبو سليمان القرشي المخزومي سيف الله تعالى - سماه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة مؤته لما حضرها، وشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمله بالمدينة فمن يومئذ سماه سيف الله، وقد تقدم في السرايا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره على جيش سرية.
وروى الامام أحمد والطبراني برجال ثقات عن وحشي بن حرب - رضي الله تعالى عنه - أن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - عقد لخالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - على قتال أهل الردة، وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله - عز وجل - على الكفار والمنافقين.
وروى الامام أحمد برجال الصحيح إلا أن عبد الملك بن عمير لم يدرك القصة عن عبد الملك بن عمير - رحمه الله تعالى - قال: استعمل عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أبا عبيدة على الشام وعزل خالد بن الوليد، فقال خالد: بعث عليكم أمين هذه الامة سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح، فقال: أبو عبيدة بن الجراح: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " خالد سيف من سيوف الله، ونعم فتى العشيرة " (2).
وروى الطبراني في الصغير بطوله - وفي الكبير والبزار - برجال ثقات عن عبد الله بن أبي أوفي قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا خالد، لا تؤذ رجلا من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أحد ذهبا لم تدرك عمله "
فقال له: يا رسول الله، يقعون في فأرد عليهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تؤذوا خالدا، فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار " (3).
وروى الطبراني وأبو يعلى برجال الصحيح عن جعفر بن عبد الله بن الحكم - رحمه الله تعالى - أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك فقال: اطلبوها فلم يجدوها، فقال:
__________
(1) أخرجه البخاري (4468) (2) أخرجه أحمد 4 / 90 (3) أخرجه ابن سعد 7 / 2 / 120، وذكره الهيثمي في المجمع 9 / 349 وقال: رواه أبو يعلى ولم يسم الصحابي ورجاله رجال الصحيح.
(*)(11/342)
اطلبوها فوجدوها، فإذا هي قلنسوة خلقة، فقال خالد: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره، فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر (1).
وروى الطبراني برجال ثقات عن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - قال: ما عدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بي وبخالد بن الوليد منذ أسلمنا في حربه (2).
وروى أبو يعلى والطبراني ورجاله رجال الصحيح عن أبي السفر - رحمه الله تعالى - قال: نزل خالد بن الوليد الحيرة على أم بني المرازبة فقالوا له: احذر السم ولا تسقك الاعاجم، فقال: ائتوني به، فأخذه فاقتحمه، وقال: بسم الله فلم يضره شيئا (3).
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - قال: ما ليلة تهدى إلى بيتي فيها عروس أنا لها محب أو أبشر فيها بغلام بأحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بها العدو (4).
وروى الطبراني وبسند حسن عن أبي وائل - رحمه الله تعالى - قال: لما حضرت خالد ابن الوليد الوفاة قال: لقد طلبت القتل فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي
أرجى من لا إله إلا الله وأنا مترس بها ثم قال: إذا أنا مت، فانظروا سلاحي وفرسي، فاجعلوه عدة في سبيل الله (5).
__________
(1) انظر السير 1 / 375 (2) أخرجه ابن عساكر 13 / 253 (3) ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 350 وقال: رواه أبو يعلي، والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، وهو مرسل، ورجالهما ثقات، إلا أن أبا السفر، وأبا بردة بن أبي موسى لم يسمعا من خالد.
وذكره ابن حجر في المطالب العالية 4 / 90 (4043).
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 350 وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.
وذكره ابن حجر في المطالب العالية 4 / 89 (4042).
(5) انظر المجمع 9 / 353 (*)(11/343)
جماع أبواب ذكر رسله - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك ونحوهم وذكر بعض مكاتباته وما وقع في ذلك من الايات
الباب الأول في أي وقت يعلن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
روى ابن سعد عن ابن عباس وجماعة وابن أبي شيبة عن جعفر عن عمرو دخل حديث بعضهم في بعض أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الاسلام، وكتب إليهم كتبا فقيل له: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الملوك لا يقرؤون كتابا إلا مختوما فاتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ خاتما من فضة نقشه ثلاثة أسطر، محمد رسول الله، فختم به الكتب، فخرج ستة نفر في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع، وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم (1).
وروى ابن سعد عن بريدة والزهري ويزيد بن رومان والشعبي قالوا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدة إلى عدة، وأمرهم بنصح عباد الله تعالى - فذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " هذا أعظم ما كان من حق تعالى عليهم في أمر عباده ".
وقال في زاد المعاد: " لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية سنة ست، كتب إلى ملوك الارض وأرسل إليهم رسله، فكتب إلى الروم فقيل: إنهم لا يقرؤون كتابا إلا أن يكون مختوما، فاتخذ خاتما من فضة ونقش عليه ثلاثة أسطر محمد، سطر، ورسول سطر، والله سطر، وختم به الكتب إلى ملوك الارض، وبعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع، فأولهم عمرو بن أمية الضمري بعثه إلى النجاشي واسمه أصحمة بن أبجر.
وتفسير " أصحمة بالعربية: عطية "، فعظم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسلم وشهد شهادة الحق، وكان من أعلم الناس بالانجيل، وصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة، هكذا قال جماعة: منهم الواقدي وغيرهم وليس كما قال هؤلاء، فإن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس هو الذي كتب إليه.
الثاني: لا يعرف إسلامه) (2) بخلاف الاول، فإنه مات مسلما، وقد روى مسلم في
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 198 (2) سقط في ج (*)(11/344)
صحيحه من حديث قتادة عن أنس - رضي الله تعالى عنه -: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس هو أصحمة الذي أسلم على يد جعفر، وأكرم أصحابه كما سبق في حديث أنس.
واختلف في إسلام هذا فاختار ابن سعد وغيره أنه أسلم وخالفهم ابن حزم، قال ابن القيم: قال أبو محمد بن حزم: إن هذا النجاشي الذي بعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية لم يسلم، والأول اختيار ابن سعد وغيره، والظاهر قول ابن حزم.
وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار، يدعوهم إلى الله تعالى، وليس بالنجاشي الذي صلي عليه.
وروى الامام أحمد والطبراني بسند جيد عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت إلى كسرى وقيصر، وإلى كل جبار.
وروى ابن عبد الحكم في الفتوح والبيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري قال: حدثنا أسقف من النصاري قد أدرك ذلك الزمان قال: لما قدم دحية الكلبي بن خليفة على هرقل بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاسلم تسلم واسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن أبيت فإن إثم الاكارين عليك فلما انتهى إليه كتابه وقرأه أخذه فجعله بين فخذه وخاصرته ثم كتب إلى رجل من أهل روميه كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ يخبره مما جاءه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم فكتب إليه أنه النبي المنتظر لا شك فيه فاتبعه فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه ثم أمر بها فاشرجت عليهم واطلع عليهم من علية له وهو منهم خائف فقال: يا معشر الروم إنه جاءني كتاب أحمد وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته وزمانه فاسلموا واتبعوه تسلم لكم دنيا كم وآخرتكم فنخروا نخرة رجل واحد وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فخافهم فقال: ردوهم علي فكرهم عليه فقال لهم: يا معشر الروم إنما قلت لكم هذه المقالة أغمز لانظر كيف صلابتكم في دينكم فلقد رأيت منكم ما سرني فوقعوا له سجدا ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا.
وقال الامام أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في فتوح مصر: لما كانت سنة ست من الهجرة ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية، بعث إلى الملوك، قام ذات يوم على المنبر، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه وتشهد ثم قال: أما بعد، فإني أبعث(11/345)
بعضكم إلى ملوك العجم، فلا تختلفوا علي كما اختلف بنو إسرائيل على عيسى ابن مريم، وذلك أن الله تعالى أوصى إلى عيسى أن ابعث إلى ملوك الارض فبعث الحواريين، فأما القريب مكانا فرضي، وأما البعيد مكانا فكره وقال: لا أحسن كلام من تبعثني إليه، فقال عيسى: اللهم، أمرت الحواريين بالذي أمرت فاختلفوا علي فأوحى الله تعالى إليه أن سأكفيك فأصبح كل إنسان يتكلم بلسان الذي أرسل إليه، فقال المهاجرون: يا رسول الله، تالله، لا نختلف عليك أبدا في شئ فمرنا وابعثنا.
تنبيه: اعلم أن محمد بن عمر الاسلمي، ذكر أن إرسال الرسل كان سنة ست، وذكر البيهقي أن إرسال الرسل كان بعد غزوة مؤتة.
قال ابن كثير: ولا خلاف بينهم، لان بدء ذلك كان قبل فتح مكة وبعد الحديبية لقول أبي سفيان لهرقل حين سأله هل يغدر ؟ فقال: لا، ونحن منه مدة ما ندري ما هو صانع فيها، وفي لفظ البخاري: " وذلك في المدة التي ماد فيها أبو سفيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن إسحاق: كان ذلك ما بين الحديبية ووفاته - صلى الله عليه وسلم -.
ونحن نذكر ذلك هنا على ترتيب أسماء الرسل.(11/346)
الباب الثاني في إرساله - صلى الله عليه وسلم - الأقرع بن عبد الله الحميري - رضي الله تعالى عنه - إلى ذي مران [ قال الحافظ: بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذي مران ].
الباب الثالث في إرساله - صلى الله عليه وسلم - أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - إلى سعد هذيم
روى الامام أحمد وأبو داود، وأبو يعلى، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقا فمررت برجل فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيها إلا ابنة مخاض، فقلت له: أد ابنة مخاض، فإنها صدقتك فقال: ذاك، ما لا لبن فيه ولا ظهر عظيمة سمينة، فخذها فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك قريب، فأن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل، فإن قبله منك قبلته، وإن رده عليك رددته فقال: فإني فاعل فخرج معي، وخرج بالناقة التي عرضت علي حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وايم الله، ما قام في مالي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي فزعم أنه ما علي فيه إلا ابنة مخاض، وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة عظيمة فتية يأخذها، فأبي علي، وها هي هذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك " قال: فها هي هذه يا رسول الله، قد جئتك بها فخذها يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبضها ودعا له بالبركة والله سبحانه وتعالى أعلم.
الباب الرابع في إرساله - صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله تعالى عنه - إلى ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع وإلى ذي عمرو
يدعوهما إلى الاسلام، فأسلما، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجرير عندهم ذكره الحاكم، وذكره في زاد المعاد، قال ابن سعد: وأسلمت ضريبة بنت أبرهة بن الصباح امرأة ذي الكلاع، فخرج جرير إلى المدينة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -.(11/347)
الباب الخامس في إرساله - صلى الله عليه وسلم - حاطباً - رضي الله تعالى عنه - ابن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير أبا عبد الله، وقيل: أبا محمد شهد بدرا والحديبية، إلى المقوقس.
قال في زاد المعاد: واسمه جريح بن ميناء ملك الاسكندرية عظيم القبط، فقال خيرا، وقارب الامس، ولم يسلم، فلما حضر عنده، قال حاطب له: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الاعلى، فأخذه الله نكال الاخرة والاولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر به، وإلا يعتبر بك، فقال المقوقس: هات، قال: إن لك دينا لن تدعه إلا لمن هو خير منه، وهو دين الاسلام، الكافي به الله، إن هذا النبي دعا الناس، فكان أشدهم عليه قريش، وأعداؤهم له يهود، وأقربهم منه النصاري، وما بشارة موسى لعيسى إلا كبشارة عيسى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وما دعاؤنا إياك إلى القرآن، إلا كدعاء أهل التوراة إلى الانجيل وكل نبي أدرك قوما فيهم أمتي، فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي، قال المقوقس: إني نظرت في أمر هذا الرجل، فوجدته لا يأمر بمرهوب منه، ولا ينهي عن مرغوب عنه، ولم أجده بالساحر الضلال، ولا الكاهن الكذاب، وقال المقوقس لحاطب: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبيا ؟ قال حاطب: بل هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما باله لم يدع على قومه حيث أخرجوه من مكة قال حاطب: فقلت له: أفتشهد أن عيسى ابن مريم رسول الله حيث أراد قومه قتله ؟ لم يدع عليهم حتى رفعه الله تعالى إليه، فقال له: أحسنت، إنك حكيم جئت من عند حكيم.
وروى البيهقي عن حاطب بن أبي بلتعة قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس ملك الاسكندرية، فأتيته فحييته بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزلني في منزله وأقمت عنده ثم بعث إلى وقد جمع بطارقته، وقال: أني سأكلمك بكلام وأحب أن يفهمه مني، قلت: هلم قال: أخبرني عن صاحبك، أليس هو نبيا ؟ قلت: بلى، هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فماله حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها قال: قلت: عيسى ابن مريم أليس تشهد أنه رسول الله، فماله حيث أخذه قومه، فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله - عز وجل - حتى رفعه الله إليه في السماء الدنيا قال: أنت حكيم جئت من حكيم.
وذكر ابن الربيع أن المقوقس لما قرأ كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى لحاطب مائة دينار، وخمسة أثواب، وأكرمه في الضيافة، وأقام عنده خمسة أيام، وقال له الرجل: لا يسمع(11/348)
منك القبط حرفا واحدا أو واحدا، وأخذ الكتاب فجعله في حق عاج، ختم عليه، ودفعه إلى جاريته، وكتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابا، وبعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهدية منها مارية القبطية، وأختها سيرين - بالسين المهملة - وهبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن.
قال في زاد المعاد: وأختها سيرين وقيسري، وأهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا، يقال له: اللزاز، وبغلته دلدل، وحمارا، وغلاما خصيا ممسوحا اسمه مايور قال في زاد المعاد: فقيل: هو ابن عم مارية، وقدحا من قوارير، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب فيه، وشابا من قباطي مصر وطرفا من طروفهم، قال في زاد المعاد: عشرين ثوبا، وألف مثقال ذهبا، وعسلا من عسل بنها فأعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعسل ودعا في عسل بنها، وغير ذلك، وكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب فيه " قد علمت أن نبيا قد بقي، وكنت أظن أنه يخرج من الشام، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، ووصلت الهدايا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة سبع وقيل: سنة ثمان ولم يسلم.
قال في زاد المعاد: مات على كفره في ولاية عمرو بن العاص،: قال النبي النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ضن الخبيث بملكه، ولا بقاء لملكه بل مات على كفره في ولاية عمرو بن العاص ".(11/349)
الباب السادس في إرساله - صلى الله عليه وسلم - حسان بن سلمة - رضي الله تعالى عنه - إلى قيصر مع دحية [...].
الباب السابع في إرساله - صلى الله عليه وسلم - الحارث بن عمير الازدي أحد بني المهلب - بفتح الميم وسكون الهاء - رضي الله تعالى عنه - إلى ملك الروم، وقيل إلى صاحب بصرى، فقتله شرحبيل بن عمرو الغساني، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثة إلى مؤتة بسببه.
الباب الثامن في إرساله - صلى الله عليه وسلم - حريث بن زيد الخيل - رضي الله تعالى عنهما - إلى يحنة بن رؤبة الايلي
ذكره ابن سعد في رسله - إلى يحنة بن رؤبة الايلي - وقال ابن عبد البر: اسمه حريث زيد بن الخيل - وسمى أباه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أسلم زيد الخير - بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي، أسلم هو وأبوه وأخوه مكنف، وشهد قتال الردة مع خالد بن الوليد.
قال: وذكره الدارقطني.
الباب التاسع في إرساله - صلى الله عليه وسلم - حرملة بن حريث - رضي الله تعالى عنه - إلى يحنة [ ذكره ابن سعد أيضا مع حريث رسولا إلى الايلي ولم ينسبه ].(11/350)
الباب العاشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - إلى نجران وغيرها
أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أكيدر صاحب دومة، فأسره وأحضره إلى رسول الله، فصالحه على الجزية ورده إلى بلده وأرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بن مرجح فقدم معه رجال منهم، فأسلموا ورجعوا إلى قومهم.
توفي في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنهما - سنة إحدى وعشرين، وكانت وفاته بحمص، وقبره مشهور، وعلى نحو ميل من حمص، وقيل: توفي بالمدينة [ ولكن الاكثر على أنه مات بحمص ].(11/351)
الباب الحادي عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - دحية بن خليفة الكلبي - رضي الله تعالى عنه - إلى قيصر
هو دحية بن خليفة بن فروة الكلبي أسلم قديما، ولم يشهد بدرا شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد بدر، وكان يتشبه بجبريل - صلى الله عليه وسلم -، كان جبريل ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصورته، وكان من أجمل الناس، يروى أنه كان إذا قدم من الشام لم يبق امرأة إلا خرجت تنظر إليه، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قيصر في الهدنة سنة خمس قاله خليفة: وقال محمد بن عمر: لقيه بحمص سنة سبع، وقال في المنهل: وظاهر الخبر يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسله إليه مرتين: الاولى في الهدنة، والثانية في تبوك، قلت: أرسله من تبوك.
رواه أبو يعلى وعبد الله بن الامام أحمد في زوائد المسند، وأبو نعيم، وابن عساكر عن سعيد مولى راشد عن التنوخي رسول هرقل فأرسله الهدنة - رواه البخاري عن ابن عباس عن أبي سفيان كما سيأتي.
روى الشيخان عن أبي سفيان والبيهقي عن موسى بن عقبة وأبو نعيم عن عبد الله بن شداد عن أبي سفيان والبيهقي عن الزهر والبزار وأبو نعيم وابن عساكر عن دحية، وأبو نعيم وابن إسحاق عن ابن عباس عن أبي سفيان قال: حدثني أسقف من النصاري، وقد أدرك ذلك الزمان أنه لما كانت الهدنة، هدنة الحديبية بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكفار قريش ورد أبو سفيان تاجرا إلى الشام، مع رهط من قريش، وكان متجرهم من الشام عدة من أرض فلسطين فخرجوا حتى قدموها، وذلك حين ظهر قيصر صاحب الروم على من كان في بلاده من الفرس، فأخرجهم منها ورد عليه صليبه الاعظم، وقد كان استلبه إياه فلما بلغه ذلك وقد كان منزله بحمص من أرض الشام فخرج منها يمشي شاكرا إلى بيت المقدس ليصلي به فبسط له البسط، وطرح له عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيليا فصلى فيها، فأصبح ذات غداة وهو مهموم يقلب طرفه إلى السماء، فقالت له بطارقته: أيها الملك، لقد أصبحت مهموما، وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم - فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان، وقد ظهر فيمن يختن من هذه الامة، فقالوا: والله، ما نعلم أمة من الامم تختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود وتستريح من هذا الغم، فبينما هم على أمرهم إذ أتاهم صاحب ملك غسان صاحب بصرى برجل من العرب وقد وقع إليهم قال: أيها الملك، هذا رجل من العرب من أهل الشام، لا بد أن يحدثك عن حديث كان ببلاده، فلما أن انتهى إليه قال لترجمانه: اسأله ما كان الخبر الذي ببلاده، فسأله،(11/352)
فقال: هو رجل من قريش يخرج، يزعم أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد اتبعه أقوام وخالفه آخرون، وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن فخرجت من بلادي وهم على ذلك فلما أخبره، الخبر، قال: جردوه هو مختون، فقال: هذا والله الذي رأيت أعطوه ثوبه، انطلق لشأنك، وفي رواية: " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث دحيه إلى قيصر صاحب الروم بكتاب، فاستأذن، فقال: استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى قيصر فقيل: إن على الباب رجلا يزعم أنه رسول رسول الله ففزعوا لذلك، وقال: أدخلوه، فأدخل عليه وعنده بطارقته، فأعطاه الكتاب وقرأ عليه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل عظيم الروم، وفي رواية " صاحب الروم وعنده ابن أخ له أحمر أرزق سبط الشعر فقال: لا تقرأ الكتاب، لانه بدأ بنفسه، وكتب
(صاحب الروم " ولم يكتب " ملك الروم ".
فقال: إن يكن بدأ بنفسه فهو الذي كتب إلي.
وإن كان سماني صاحب الروم، فأنا صاحب الروم ليس لهم صاحب غيري، فجعل يقرأ الكتاب وهو يعرق جبينه من كرب الكتاب " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم " سلام على من اتبع الهدى: أما بعد فإن أدعوك بدعاية الاسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الاريسيين وفي رواية " الاكارين " قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا: اشهدوا بأنا مسلمون " فلما قرئ الكتاب قال قيصر: هذا كتاب لم أسمع بمثله بعد سليمان بن داود، ثم أمرهم فخرجوا من عنده فبعث إلى الاسقف، فدخلت عليه فسألني فأخبرته وكان صاحب أمرهم، يصدرون عن قوله ورأيه، فلما قرأ الكتاب قال الاسقف: هو والله الذي لا إله إلا هو الذي بشرنا به عيسى ابن مريم، وموسى، والذي ننتظره، فقال قيصر: فما تأمرني ؟ قال الاسقف: أما أنا فمصدقه ومتبعه، فقال قيصر لصاحب شرطته: قلت لي الشام ظهر البطن حتى يؤتى برجل من قدم هذا فاسأله عن شأنه، قال أبو سفيان: فوالله، إني وأصحابي كبعرة إذ هجم علينا، فسأل ممن أنتم ؟ فأخبرناه، فساقنا إليه جميعا، وكان أبو سفيان وكفار قريش فأتوهم وهم بإيليا فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم، ودعا بترجمانه، فقال: أيكم أقرب نسبا لهذا الرجل ؟ الذي يزعم - أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسبا، فقال: ادنوه، مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم خلف ظهره ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا الرجل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، قال أبو سفيان: فوالله، لولا أن يؤثر عني الكذب لكذبت عليه ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم ؟ قلت: هو فينا ذو نسب.
قال: فهل قال هذا القول منكم(11/353)
أحد قبله ؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه ملك قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم
ضعفاؤهم ؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منكم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر قلت: لا، ونحن الان معه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها قال: فما كلمني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه قلت: نعم، قال: فيكف كان قتالكم إياه ؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم ؟ قلت: يقول: اعبدو الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما كان يعبد آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف، والصلة، فقال لترجمانه: قل له: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول قبله ؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل تأسى بقول قيل قبله، وسألتك: هل من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك، قلت: رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله، وسألتك: أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الايمان حتى يتم، وسألتك: أيرتد أحد منكم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا، وكذلك الايمان حين تخلط بشاشته القلوب، وسألتك: هل يغدر ؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون وسألتك: بم يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الاوثان، ويأمر كم بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة، فإن كان ما تقول حقا، فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه، ثم قال: الحق بشأنك، قال: فقمت أضرب بإحدى يدي على الاخرى وأقول: يا عباد الله، لقد أمر أمرا ابن أبي كبشة أصبح ملوك بني الاصفر يخافونه في سلطانهم، فما زلت موقنا أنه سيظهر ثم أخذ كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فوضعه فوق رأسه ثم قبله وطواه في الديباج، والحرير، وجعله في سقط صاحب له برومية، كان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص ولم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل بخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه النبي الذي ينتظر لا شك فيه فاتبعه، فأمر بعظماء الروم، فجمعوا له في دسكرة ملكه، ثم أمر بها فأغلقت عليهم، ثم اطلع عليهم من علية له، وهو منهم خائف فقال: يا معشر الروم، إنه جاءني كتاب أحمد وإنه والله النبي الذي ينتظر لا شك فيه الذي بشر به عيسى، وإنه والله النبي الذي ننتظره ونجد ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته(11/354)
وزمانه، فأسلموا واتبعوه، تسلم لكم آخرتكم ودنياكم فنخروا نخرة رجل واحد، وحاصوا حيصة حمير الوحش، وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فلما رأى هرقل نفرتهم يئس من الايمان وخافهم، قال: ردوهم علي فردوهم عليه، فقال: يا معشر الروم، إنما قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، وقد رأيت ما يسرني، فوقعوا له سجدا ورضوا عنه، فقال الاسقف قاضية: أشهد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذوه فما زالوا يضربونه ويعضونه حتى قتلوه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: إنه يبعث أمة وحده، ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا، فقال دحية: ثم بعث إلي من الغد سرا فأدخلني بيتا عظيما فيه ثلثمائة وثلاثة وعشرون صورة، فإذا هي صور الانبياء والمرسلين قال: انظر أين صاحبك من هؤلاء، فرأيت صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه ينطق، قلت: هذا، قال: صدقت، فقال: صورة من هذا عن يمينه ؟، قلت: رجل من قومه، يقال له أبو بكر، قال: فمن ذا الذي عن يساره ؟ قلت: رجل من قومه، يقال له عمر، قال: إنا نجد في الكتاب أن بصاحبيه هذين، يتم الله هذا الدين، فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته، فقال: صدق بأبي بكر وعمر، يتم الله هذا الدين بعدي.
الثانية - روى أبو يعلى وعبد الله ابن الامام أحمد في زوائد المسند وابن عساكر عن سعيد ابن أبي راشد قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل ؟ قال: بلى، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك، فبعث دحية إلى هرقل، فلما جاء كتاب
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا قسيس الروم وبطارقتهم، ثم أغلق عليه وعليهم الدار، فقال: إن هذا الرجل أرسل يدعوني، ووالله لقد قرأتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي، فهلم إلي أن نتبعه فنخروا نخرة رجل واحد، فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا الروم، قال: إنما قلت لاعلم صلابتكم على أمر كم بينكم، ثم إنه دعاني فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما ضيعت من حديثه فاحفظ لي ثلاث خصال انظر هل تذكر الصحيفة التي كتبت إلي بشئ انظر إذا قرأ كتابي هل يذكر الليل وانظر في ظهره ؟ هل به شئ يريبك، فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فناولت كتابي فقال: يا أخا تنوخ، إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه، والله ممزقه وملكه وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فحرقها، والله محرقه، ومحرق ملكه، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها ولن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش، قلت: هذه إحدى الثلاث الذي أوصاني ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره فقرأها فإذا فيها يدعوني إلى جنة عرضها السموات والارض، فأين النار ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أين الليل إذا جاء النهار ؟ ثم قال: فقال: يا أخا تنوخ، فهل حبوته عن ظهره ثم قال: هاهنا امض لما أمرت فجلت في ظهره، فإذا النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة، وفي رواية فكتبه في جفن (سيفي) فلما أن فرغ من قراءة كتابي قال: إن لك حقا، وإنك رسول الله فلو(11/355)
وجدت عندنا جائزة جوزناك بها، إنا سفراء مرسلون قال: فناداه رجل من طائفة الناس، أنا أجوزه ففتح رحله فإذا هو يجمله بجائزة صفورية فوضعها في حجري، فقلت: من صاحب الجائزة ؟ قيل لي: عثمان، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيكم ينزل هذا الرجل ؟: فقال فتى من الانصار: أنا، فقام الانصاري، وقمت معه، حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا أخا تنوخ، تعال تعال، يا أخا تنوخ، فأقبلت أهوي حتى كنت قائما في المجلس الذي كنت بين يديه، فحل حبوته عن ظهره، وقال: هنها امض لما أمرت، له فجلت في ظهره فإذا خاتم النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة.
قال
محمد بن عمر: فانصرف الرجل إلى هرقل، فذكر ذلك له فدعا قومه إلى التصديق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فأبوا حتى خالفهم عن ملكه، وهو في موضعه بحمص ثم لم يتحرك، ولم يزحف وكان الذي خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه ودنوه إلى أرض الشام بالجلاء، ولم يرد ذلك ولاهم به.
وذكر السهيلي - رحمه الله تعالى - أن هرقل أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدية وفرقها على المسلمين، وأن هرقل أمر مناديا: ألا إن هرقل قد آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - واتبعه فدخلت الاجناد في سلاحها، وطافت بقصره تريد قتله، فأرسل إليهم: إني أردت أن أختبر صلابتكم في دينكم، فقد رضيت عنكم فرضوا عنه، ثم كتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا مع دحية يقول فيه -: إني مسلم ولكني مغلوب على أمري، فلما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابه، قال: كذب عدوالله، ليس بمسلم بل هو على النصرانية.(11/356)
الباب الثاني عشر في إرساله صلى الله عليه وسلم - رفاعة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - إلى قومه
[ قال ابن عبد البر رفاعة بن زيد بن وهب الضبيبي، من بني الضبيب - هذا قول أهل الحديث.
وقال أهل النسب: الضبيني - بالنون قبل الياء الاخيرة من بني ضبينة من جذام.
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية في جماعة من قومه فأسلموا، وعقد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم لواء، وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما، وكتب له كتابا إلى قومه فأسلموا.
يقال: إنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام الاسود المسمى مدغما المقتول بخيبر ].
الباب الثالث عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - زياد بن حنظلة - رضي الله تعالى عنه - إلى قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر [ زياد بن حنظلة التميمي ثم العمري.
قال ابن عبد البر: له صحبة، ولا أعلم له رواية،
وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر ليتعاونوا على مسيلمة وطليحة والاسود، وقد عمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان منقطعا إلى علي - رضي الله تعالى عنه - وشهد معه مشاهده كلها وذكره سيف بن عمر في كتاب الردة ]
الباب الرابع عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - سليط بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - إلى هوذة
وثمامة بن أثال هو سليط بن عمرو العامري، هاجر الهجرتين قال ابن سعد: وشهد بدرا، قتل باليمامة سنة اثنتي عشرة وقيل: أربع عشر، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هوذة بن علي الحنفي، فلما قدم سليط على هوذة أكرمه وأنزله، وقرأ كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي: سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فأسلم تسلم واجعل لك ما تحت يديك، فلما قرأه رد ردا دون رد وأجاز سليطا بجائزة، وكساه ثوبا من نسج هجر، وكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي(11/357)
بعض الامر أتبعك، فقدم سليط إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بمال قال، وقرأ كتابه، وقال: " لو سألني سيابة من الارض ما فعلت.
باد وباد ما في يديه " فلما انصرف من عام الفتح جاءه جبريل فأخبره أنه قد مات.
الباب الخامس عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - السائب بن العوام - رضي الله تعالى عنه - إلى مسيلمة الكذاب
قال ابن سعد: قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مسيلمة الكذاب يدعوه إلى الاسلام، وبعث به مع عمرو بن أمية الضمري، فكتب إليه مسيلمة جواب كتابه ويذكر فيه أنه نبي مثله ويسأله أن يقاسمه الارض ويذكر أن قريشا قوم لا يعدلون، فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: العنوه لعنه الله، وكتب إليه بلغني كتابك الكذب والافك والافتراء على الله، وإن الارض لله يورثها من يشاء من عباده، والعافية للمتقين، والسلام على من اتبع الهدى.
قال: وبعث به مع السائب بن العوام أخي الزبير بن العوام.
الباب السادس عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - شجاع بن وهب - رضي الله تعالى عنه - إلى الحارث ابن أبي شمر الغساني ملك البلقاء
قاله ابن إسحاق والواقدي.
قال في زاد المعاد: وقيل إنما توجه لجبلة بن الايهم: هو ابن وهب شجاع بن ربيعة بن أسد الاسدي.
قال في زاد المعاد: وقيل: توجه لهما معا، وقيل: لهرقل مع دحية بن خليفة والله أعلم.
أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وعاد إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا والمشاهد كلها، استشهد باليمامة وهو ابن بضع وأربعين سنة بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحارث بن أبي شمر ذكره الواقدي وابن إسحاق وابن حزم، وقال ابن هشام.
توجه لجبلة بن الايهم، وقال أبو عمر لهما معا قال محمد بن عمر الاسلمي: قال الواقدي وابن إسحاق وغيرهما إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث شجاع بن وهب إلى الحارث بن(11/358)
أبي شمر، وكتب معه: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى وآمن به، وصدقه، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبق لك ملكك، وختم الكتاب، وخرج به، قال شجاع: فأتيته به وهو بغوطة دمشق مشغول بتهيئة الاموال والالطاف لقيصر، وقد جاء من حمص إلى إيلياء، فأقمت
على بابه يومين أو ثلاثة، فقلت لحاجبه: إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صاحبك، فقال: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا كذا، وجعل حاجبه وكان روميا اسمه مري يسألني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يدعو إليه، فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء، ويقول: إني قد قرأت الانجيل فأجد صفة هذا النبي فأنا أو من به وأصدقه، وأخاف من الحارث أن يقتلني.
وكان الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني عن الحارث باليأس منه الحاجب ويقول: هو يخاف قيصر فخرج الحارث يوما وجلس للناس، ووضع التاج على رأسه، فأذن لي، فدخلت عليه، ودفعت إليه الكتاب فقرأه، ثم رمى به، وقال: من ينتزع مني ملكي ! أنا سائر إليه، ولو كان باليمن جئته، علي بالناس، فلم يزل يفرض حتى قام، ثم أمر بالخيل أن تنعل، وقال: أخبر صاحبك ما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر ألا تسير إليه واله عنه، ووافني بإيلياء، فلما جاءه جواب كتابه دعاني، فقال: متى تريد أن تخرج لصاحبك ؟ فقلت: غدا، فأمر لي بمائة مثقال ذهبا، ووصلني مري، وأمر لي بكسوة ونفقة، وقال: أقرئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام - وأخبره أني متبع دينه قال شجاع: فقدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: " باد ملكه " وأقرأته من مري السلام، وأخبرته بما قال، فقال: صدق، ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح (1).
الباب السابع عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - صدي بن عجلان إلى جبلة بن الايهم [...]
__________
(1) انظر طبقات ابن سعد 1 / 200، زاد المعاد 1 / 122.
(*)(11/359)
الباب الثامن عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - الصلصل بن شرحبيل - رضي الله تعالى عنه - إلى صفوان بن أمية
[ قال ابن عبد البر: لا أقف على نسبه له صحبة، ولا أعلم له رواية، وخبره مشهور في إرساله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية وسبرة العنبري ووكيع وعمرو بن المحجوب العامري وعمرو بن الخفاجي من بني عامر، وهو أحد رسله صلى الله عليه وسلم.
وذكره سيف في كتاب الردة ].
الباب التاسع عشر في إرساله - صلى الله عليه وسلم - ضرار بن الازور - رضي الله تعالى عنه - إلى الاسود وطليحة
قال ابن عبد البر: ضرار بن الازور بن مرداس بن حبيب بن عمرو بن كثير بن عمرو بن شيبان الاسدي، يكنى أبا الازور، ويقال: أبو بلال.
كان فارسا شجاعا مطبوعا، استشهد يوم اليمامة.
ولما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:
تركت الخمور وضرب القدا * ح واللهو تعللة وانتهالا
فيارب لا تغبن صفقتي * فقد بعت أهلي ومالي بدالا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما غبنت صفقتك يا ضرار ! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني الصيداء وبعض بني الدئل.
وذكره سيف بن عمر التميمي فقال في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم - أهل الردة، قال: حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسل والكتب.
قال: قال ابن عباس: قاتل النبي صلى الله عليه وسلم الاسود ومسيلمة وطليحة وأشياعهم بالرسل، ولم يشغله ما كان فيه من وجع عن أمر الله عز وجل والذب عن دينه، فبعث وبر بن يحنس إلى فيروز جشيش الديلمي في جماعة، ذكرته وذكرت كلا منهم في بابه من حروف المعجم في الرسل.
ثم قال: يعني سيف بن عمر: وبعث ضرار بن الازور الاسدي إلى عوف الزرقاني من بني الصيداء وسنان الاسدي ثم الغنمي وقضاعي الديلمي ].(11/360)
الباب العشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - ظبيان بن مرثد - رضي الله تعالى عنه - إلى بني بكر بن وائل
أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل.
ذكره ابن سعد في الطبقات.
الباب الحادي والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن حذافة - رضي الله تعالى عنه - إلى كسرى واسمه: أبرويز.
هو عبد الله بن حذافة - رضي الله تعالى عنه - أبو حذافة السهمي القرشي أسلم قديما، وكان من المهاجرين الاولين، وهاجر إلى الحبشة [ قال ] (1) ابن يونس: شهد بدرا، وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، من أبي ؟ قال: أبوك حذافة فعاتبته أمه على سؤاله فقال لها: (لو) ألحقني بعبد أسود للحقته.
وعن أبي رافع قال: وجه عمر جيشا إلى الروم، فأسروا عبد الله بن حذافة فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد فقال: هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي ؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ملك العرب ما رجعت عن دين محمد طرفة عين.
قال: إذن أقتلك فأمر به فصلب وقال للرماة: ارموه قريبا من بدنه وهو يعرض عليه ويأبي، فأنزله ودعا بقدر فصب فيها ماء حتى احترقت.
ودعا برجل من أسارى المسلمين، فعرض عليه النصرانية فأبي، فألقاه فيها، فإذا عظامه تلوح، فقال لعبد الله: تنصر وإلا ألقيتك فيها، قال لا أفعل، فقرب إليها فبكى، فقالوا: جزع، فقال: ما بكيت جزعا مما يصنع بي، ولكني بكيت حيث ليس لي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في الله ؟ كنت أحب أن يكون لي من الانفس عدد كل شعرة في، ثم يفعل بي هذا فأعجب به، وأحب أن يطلقه، قال: تنصر وأزوجك ابنتي وأقاسمك ملكي، قال: ما أفعل، قال: قبل رأسي وأطلقك وأطلق معك ثمانين أسيرا من المسلمين، قال: أما هذه فنعم، فقبل رأسه وأطلقه وأطلق معه ثمانين أسيرا من المسلمين، فلما قدموا على عمر قال إليه فقبل رأسه، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قبلت رأس الطاغية فقال: أطلق الله بتلك القبلة ثمانين رجلا من المسلمين (2).
__________
(1) سقط في أ.
(2) انظر طبقات ابن سعد 1 / 199، السير 2 / 14، أسد الغابة 3 / 212.
(*)(11/361)
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين المنذر ابن ساوى نائب كسرى على البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تمزقوا كل ممزق (1).
قال محمد بن عمر الاسلمي: وكان مكتوبا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم - من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله أرسلت إلى الناس كافة لانذر من كان حيا وأحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، وإن أبيت فإنما عليك إثم المجوس وفي رواية: فلما قرأ كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مزقه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مزق الله ملكه وأهلك قومه وسير كسرى إلى عامله باليمن، باذان أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتنا بخبره، فبعث باذان قهرمانة، ورجلا آخر معه، وكتب معه، وكتب معه كتاب فقدما المدينة بكتاب باذان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا هما إلى الاسلام وفرائضهما ترعد، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني غدا فجاءاه من الغد، فقال لهما: أبلغا صاحبكما باذان أن ربي قتل ربه الليلة لسبع ساعات مضت منها ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الاولى سنة سبع، وأن الله تعالى سلط عليه ابنه شهرويه فقتله، فرجعا إلى باذان فأخبراه بذلك فأسلم باليمن.
قال أبو الربيع: ويقال إن الخبر أتاه بموت كسرى وهو مريض، فاجتمعت إليه أساورته فقالوا: من تؤمر علينا ؟ فقال: اتبعوا هذا الرجل واخلصوا في دينه، وأسلموا وكان باذان أسلم في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما مات باذان، ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه شهرويه بن باذان صنعاء وأعمالها، قال ابن كنانة [ في كتاب ] (2) أخبار العرب والعجم: ولما قرأ كسرى كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مزقه، وبعث إليه بتراب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مزق كتابي، أما إنه سيمزق وأمته، وبعث إلي بتراب أما إنكم ستملكون أرضه.
__________
(1) أخرجه البخاري (4424).
(2) سقط في ج.
(*)(11/362)
الباب الثاني والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن بديل - رضي الله تعالى عنه - إلى اليمن
[ قال ابن عبد البر: عبد الرحمن بن بديل بن ورقاء الخزاعي، قال الكلبي: هو وأخوه عبد الله رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وشهدا صفين جميعا.
وقتل عبد الله بصفين، وكان سيد خزاعة، أسلم مع أبيه قبل الفتح، وشهد حنينا والطائف وتبوك.
وكان له قدر وجلالة، وكان عليه في صفين درعان وسيفان، وكان له بها موقف عظيم.
وقتل هو وأخوه عبد الرحمن بها ].
الباب الثالث والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عبيد الله بن عبد الخالق - رضي الله تعالى عنه - إلى الروم
قال عبد الكريم في شرح السيرة لعبد الغني: وذكره أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن الامين الطليطلي في كتاب الاستدراك على أبي عمر بن عبد البر في أسماء الصحابة من حديث أيوب بن نهيك عن عطاء قال: سمعت ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من يذهب بكتابي هذا إلى طاغية الروم ؟ فعرض ذلك ثلاث مرات، فقال عند ذلك: من يذهب به فله الجنة ! فقام رجل من الانصار يدعى عبيد الله بن عبد الخالق فقال: أنا أذهب به ولي الجنة وإن هلكت دون ذلك ؟ فقال: لك الجنة إن بلغت، وإن قتلت، وإن هلكت، فقد أوجب الله لك الجنة ! فانطلق بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم حتى بلغ باب الطاغية، فقال: أنا رسول رسول رب العالمين فأذن له، فدخل عليه، فعرف طاغية الروم أنه جاء بالحق من عند نبي مرسل، ثم عرض كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع الروم عنده، ثم عرض عليهم فكرهوا ما جاء به فآمن به رجل منهم، فقتل عند إيمانه.
ثم إن الرجل رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي كان منه وما كان من قتل الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك الرجل يبعث أمة وحده - لذلك المقتول ].(11/363)
الباب الرابع والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عوسجة - رضي الله تعالى عنه - إلى سمعان
[ قال ابن سعد: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سمعان بن عمرو بن قريط بن عبيد بن أبي بكر مع عبد الله بن عوسجة العرني فرقع بكتابه دلوه، فقيل لهم بنو الراقع، ثم أسلم سمعان ].
الباب الخامس والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - العلاء بن الحضرمي - رضي الله تعالى عنه - إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين قبل منصرفه من الجعرانة، وقيل: قبل الفتح، يدعوه إلى الاسلام، وكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلامه وتصديقه، وإني قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم من أحب الاسلام وأعجبه، ودخل فيه ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود فأحدث إلي في ذلك أمرك، فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على
يهودية أو مجوسية فعليه الجزية، وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مجوس هجر يعرض عليهم الاسلام، فإن أبوا أخذت منهم الجزية، وبأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي وأوصاه به خيرا، وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعلاء فرائض الابل والبقر والغنم والثمار والاموال، فقرأ العلاء كتابه على الناس، وأخذ صدقاتهم قال ابن سعد وكان - صلى الله عليه وسلم - يكتب كما تكتب [ قريش باسمك اللهم حتى نزلت عليه (اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها) ] [ هود 41 ] (1) فكتب بسم الله حتى نزلت عليه (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) [ الاسراء 11 ]، فكتب بسم الله الرحمن الرحيم حتى نزلت (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) [ النحل 30 ] فكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وكتب عليه الصلاة والسلام إلى المنذر بن ساوي أما بعد: فإن رسلي قد حمدوك وإنك مهما، تصلح أصلح إليك وأثبتك على عملك، وتنصح لله ولرسوله و [ السلام عليك ] (2) وبعث بها مع العلاء بن الحضرمي.
__________
(1) سقط في أ.
(2) سقط في أ.
(*)(11/364)
الباب السادس والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - إلى ملكي عمان
ويقال: العاص وائل بن هاشم، ويكنى أبا عبد الله كما تقدم، وكان أحد رماة العرب وأبطالهم، توفي بمصر سنة ثلاث وأربعين، وله نحو من مائة سنة، وقيل: تسعين.
بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ملكي عمان - بضم العين المهملة، وتخفيف الميم - جيفر بجيم فمثناة تحتية وفاء مفتوحة وعبد ابني الجلندي بضم الجيم وهما من الازد والملك منهما جيفر، فأسلما وصدقا، وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم فلم يزل عندهم حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عندهم.
الباب السابع والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري - رضي الله تعالى عنه - إلى النجاشي
هو عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس الضمري أبو أمية، أسلم ثم هاجر إلى المدينة، وأول مشهد شهده بئر معونة أسلم حين انصرف المشركون من أحد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه في أموره، وكان من أجياد العرب ورجالها، مات في أيام معاوية قال ابن سعد: وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي بكتابين يدعوه في أحدهما إلى الاسلام ويتلو عليه القرآن، فأخذ كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه على عينيه، ونزل من سريره، فجلس على الارض تواضعا، ثم أسلم وشهد شهادة الحق وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لاتيته، وكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإجابته وتصديقه، وإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب، وفي الكتاب الاخر يأمره أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأمره أن يبعث إليه بمن قبله من أصحابه ويحملهم فجهزهم في سفينتين مع عمرو بن أمية ودعا بحق عاج فجعل فيه كتابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين [ أظهرها ] (1).
وروى البيهقي عن ابن إسحاق رحمه الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) في أ: أظهرنا.
(*)(11/365)
عمرو بن أمية الضمري في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وكتب معه كتابا [ فيه ] (1): " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الاصحم ملك الحبشة، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخته كما خلق آدم بيده، ونفخته وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على
طاعاته، وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفر ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤوك فأقرهم، ودع التجبر فإني أدعوك وجنودك إلى الله تعالى، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى.
فكتب النجاشي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النجاشي الاصحم بن أبجر، سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته، لا إله إلا هو الذي هداني إلى الاسلام، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والارض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صادقا ومصدقا، وقد بايعتك.
وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك يا رسول الله بأريحان بن الاصحم بن أبجر، فإني لا أملك إلا نفسي، وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق.
وروى أيضا عن ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - قال: هذا كتاب من النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الاصحم عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك، له، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسوله، فأسلم تسلم (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) [ آل عمران 64 ] فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك.
تنبيه: قال ابن كثير: وفي ذكره هاهنا نظر، فإن الظاهر أن هذا الكتاب إنما هو إلى النجاشي، وذلك حين كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الارض يدعوهم إلى الله عز وجل قبيل الفتح، قال الزهري: كانت كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم واحدة - يعني نسخة واحدة، وكلها فيها هذه الاية [ وهي سورة آل عمران ] وهي مدنية بلا خلاف، وقوله فيه إلى النجاشي الاصحم، لعله مقحم من الراوي بحسب ما فهم.
وأنسب من هذا ما رواه البيهقي عن محمد بن إسحاق قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) سقط في أ.
(*)(11/366)
عمرو بن أمية الضمري، وذكر الحديث المتقدم، قال في زاد المعاد، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى مسيلمة الكذاب بكتاب، وكتب إليه بكتاب آخر مع السائب بن العوام أخي الزبير فلم يسلم.
الباب الثامن والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن حزم - رضي الله تعالى عنه - إلى اليمن
[ قال محمد بن سعد في الطبقات: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن عهدا يعلمه فيه شرائع الاسلام وفرائضه وحدوده، وكتب أبي.
قال ابن عبد البر: عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الخزرجي من بني مالك بن النجار، وذكر في نسبه خلافا.
يكنى أبا الضحاك، ولم يشهد بدرا، وأول مشاهده الخندق.
واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على نجران، وهم بلحارث بن كعب، وهو ابن سبع عشرة سنة، ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن على نجران ويأخذ صدقاتهم، وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا، وكتب له كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات.
ومات بالمدينة سنة إحدى وخمسين، وقيل: إن عمرو بن حزم توفي في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنه - وفي ذلك خلاف ذكره ابن عبد البر، وقال: روى عنه ابنه محمد والنضر بن عبد الله السلمي وزياد بن نعيم الحضرمي ].
الباب التاسع والعشرون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة - رضي الله تعالى عنه - إلى هجر مع العلاء بن الحضرمي
قال ابن عبد البر: أبو هريرة هو عمير بن عامر بن عبد ذي الشري بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس.
ذكر ابن عبد البر في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، حاصله أنه كان اسمه في الجاهلية: عبد شمس، وفي الاسلام: عبد الله أو عبد الرحمن، وغلبت عليه كنيته فعرف بها.
روي عنه أنه قال: كنت أحمل هرة في كمي، فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: ما هذا ؟ فقلت: هرة، فقال: يا أبا هريرة.
أسلم - رضي الله تعالى عنه - عام خيبر وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيث(11/367)
دار، وكان من أحفظ الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حريص على العلم والحديث.
وقال: يا رسول الله ! إني سمعت منك حديثا كثيرا، وإني أخشى أن أنسي، فقال: ابسط رداءك ! قال: فبسطته فغرف بيده فيه ثم قال: ضمه ! فما نسيت شيئا بعد.
قال البخاري: روى عنه أكثر من ثمانمائة ما بين صاحب وتابع.
استعمله عمر على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل فأبي، ولم يزل بالمدينة حتى توفي بها سنة سبع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
وقيل: مات بالعقيق، وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان أمير المدينة، ومروان معزول.
قال ابن سعد: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الاسلام، فإن أبوا أخذت منهم الجزية، وبعث أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي وأوصاه به خيرا.
الباب الثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن ورقاء مع أخيه - رضي الله تعالى عنهما - إلى اليمن [ تقدم ذكره مع أخيه عبد الله بن ورقاء ].
الباب الحادي والثلاثون في أرساله صلى الله عليه وسلم عقبة بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - إلى صنعاء
[...].(11/368)
الباب الثاني والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - [ عياش ] (1) بن أبي ربيعة - رضي الله تعالى عنه - إلى اليمن [ واسم أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، يكني أبا عبد الرحمن، وقيل: أبا عبد الله.
هو أخو أبي جهل بن هشام لامه، أمهما أم الجلاس، واسمها أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم، وهو أخو عبد الله بن أبي ربيعة لابيه وأمه.
كان إسلامه قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم، وهاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته ].
الباب الثالث والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - فرات بن حيان إلى ثمامة بن أثال - رضي الله تعالى عنه -
[ هو ابن ثعلبة العجلي من بني عجل من بكر بن وائل بن قاسط حليف لبني سهم، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عنه حارثة بن مضرب وحنظلة بن الربيع قاله ابن عبد البر.
وروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ثمامة بن أثال في قتل مسيلمة وقتاله.
الباب الرابع والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - قدامة بن مظعون - رضي الله تعالى عنه - إلى المنذر بن ساوي
[ قال ابن عبد البر: قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي، يكنى أبا عمر، وقيل: أبا عمرو، والأول أشهر.
أمه امرأة من بني جمح، وهو خال عبد الله وحفصة ابني عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهم - وكان تحته صفية بنت الخطاب
أخت عمر، هاجر إلى أرض الحبشة مع أخويه: عثمان وعبد الله.
وشهد بدرا وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
استعمله عمر على البحرين، ثم عزله وجلده على الخمر لسبب يطول.
ذكره ابن عبد البر، وغاضبه عمر ثم صالحه لرؤيا رآها عمر، لما قفل من الحج ونزل بالسقيا
__________
(1) في أ: عياض.
(*)(11/369)
نام، فلما استيقظ قال: عجلوا علي بقدامة، فوالله لقد أتاني آت في منامي فقال: سالم قدامة فإنه أخوك، فعجلوا علي به، فلما أتوه أبى أن يأتي، ثم جاء فكلمه عمر واستغفر له.
قال ابن عبد البر: ولم يحد في الخمر من أهل بدر إلا قدامة بن مظعون - رضي الله عنه.
توفي سنة ست وثلاثين، وهو ابن ثمان وستين سنة، ذكره ابن سعد في رسله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي هو وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما ].
الباب الخامس والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - قيس بن نمط - رضي الله تعالى عنه - إلى أبي زيد قيس بن عمرو
[ قال عبد الكريم في الوفود.
وذكر الرشاطي أن قيس بن نمط بن قيس بن مالك - وقيل: قيس بن مالك بن نمط - الارحبي خرج حاجا في الجاهلية، وفوافق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى الاسلام فأسلم، فقال: هل عند قومك من منعة ؟ قال: نحن أمنع العرب، وقد خلفت في الحي فارسا مطاعا يكنى أبا زيد قيس بن عمر - وقيل: أبو زيد عمرو بن مالك - فاكتب إليه حتى أوافيك به، فكتب إليه.
فأتى قيس بن نمط أبا زيد بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وأسلم بعض أرحب، وأقبلا في جماعة إلى مكة ليقبلا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وذلك بعد عامين أو ثلاثة، وأقبلت الانصار في تلك المدة فعاقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم، فمضى قيس ابن نمط وخلف أصحابه بمكة، فلما نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم قال: وفي الرجل وأخبر بقومه ! فقال: سأكتب لك كتابا وأجعلك على قومك.
فكتب له في قطعة أديم، وأسلم جميع همدان، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة من تبوك، وهو مائة وعشرون راكبا ].
الباب السادس والثلاثون في ارساله - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل وأبا موسى الاشعري - رضي الله تعالى عنهما - إلى اليمن
قال في زاد المعاد (1): وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى الاشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن، عند انصرافه من تبوك، وقيل: بل سنة عشر من ربيع الأول داعيين إلى الاسلام، فأسلم عامة أهلها طوعا من غير قتال، ثم بعث بعد ذلك علي بن أبي طالب إليهم ووافاه بمكة من حجة الوداع.
__________
(1) 1 / 123.
(*)(11/370)
الباب السابع والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن مرارة مع معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنهما - إلى اليمن
قال ابن سعد: (قالوا): وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا يخبرهم فيه بشرائع الاسلام وفرائض الصدقة من المواشي والاموال ويوصيهم بأصحابه ورسله خيرا، وكان رسوله إليهم معاذ ابن جبل ومالك بن مرارة، ويخبرهم بوصول رسوله إليهم وما بلغ عنهم، قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عدة من أهل اليمن سماهم، منهم الحارث بن عبد كلال، وشريح بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال ونعمان، قيل: ذي يزن ومعافر وهمذان وزرعة ذي رعين، وكان قد أسلم من أول حمير، وأمرهم أن يجمعوا الصدقة والجزية فيدفعوها إلى معاذ بن جبل ومالك [ بن مرارة، وأمرهم بهما خيرا، وكان مالك بن مرارة رسول أهل اليمن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلامهم وطاعتهم، وكتب إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مالك بن مرارة ] (1) قد بلغ الخبر وحفظ الغيب قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني معاوية من كندة بمثل ذلك.
الباب الثامن والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن عبد الله إلى اليمن
[ قال ابن عبد البر: ويقال: مالك بن فزارة، والصحيح: ابن مرارة، وقال بعضهم: الرهاوي.
وروي عطاء بن ميسرة عن الثقة عنده عن مالك بن مرارة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر.
قال ابن عبد البر: وليس مالك بن مرارة مشهورا في الصحابة.
قال ابن سعد: وكان مالك بن مرارة رسول أهل اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم وطاعتهم، وكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مالك بن مرارة قد بلغ الخبر وحفظ الغيب ].
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ، ب.
(*)(11/371)
الباب التاسع والثلاثون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن عقبة أو عقبة بن مالك مع معاذ - رضي الله تعالى عنه - إلى اليمن
[ قال ابن عبد البر: مالك بن عقبة أو عقبة بن مالك، هكذا جرى ذكره على الشك، وذكره ابن إسحاق في الوفود مع معاذ بن حبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة ومالك بن عقبة وأصحابهم، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية، وأبلغوها رسلي، وأن أميرهم معاذ بن جبل، فلا ينقلبن إلا راضيا ].
الباب الاربعون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - المهاجر بن أمية - رضي الله تعالى عنه - إلى الحارث بن عبد كلال الحميري
هو المهاجر بن أبي أمية حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي، شقيق أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - له في قتال الردة أسر كبير بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحارث بن عبد كلال الاصغر ابن سعد بن غريب بن عبد كلال الاوسط الحميري وأمره أن يقرأ عليه [ البينة 1 ] (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) فلما قدم عليه قرأها عليه، قال له: يا حارث، إنك أنت أعظم الملوك، قد أفاد أسرك، فخف غدك، وقد كان قبلك ملوك ذهبت أثارها وبقيت أخبارها، عاشوا طويلا وأملوا بعيدا، وتزودوا قليلا، منهم من أدركه الموت، ومنهم من أكلته النقم، وإني أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك، وإن أرادك لم يمنعك منه أحد، أدعوك إلى النبي الامي، الذي ليس شئ أحسن، مما يأمر به، ولا أقبح مما ينهى عنه، واعلم أن لك ربا يميت الحي ويحيي الميت، وما تخفي الصدور، فأجابه الحارث بأنه سينظر في أمره، وتقدم في الوفود مقدمه وقومه مسلمين.
قال أبو الربيع: وتوجيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك إنما كان بعد انصرافه من الحديبية، آخر سنة ست، وأول سنة سبع، فلعل المهاجر - والله تعالى أعلم - توجه إلى الحارث ابن عبد كلال فصادف منه يومئذ ترددا ثم جلال الله عنه العمي، فعند ذلك أرسل هو وأصحابه بإسلامهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبذلك يجتمع الخيران.(11/372)
الباب الحادي والاربعون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - نمير بن خرشة إلى ثقيف
[ قال ابن سعد في الطبقات: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لثقيف كتابا أن لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم على ما كتب لهم -، وكتب خالد بن بن سعيد وشهد الحسن والحسين، ودفع الكتاب إلى نمير بن خرشة ].
الباب الثاني والاربعون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - نعيم بن مسعود الاشجعي - رضي الله تعالى عنه - إلى ابن ذي اللحية
[ قال ابن عبد البر: جده عامر، هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، وهو الذي خذل المشركين وبني قريظة حتى صرف الله المشركين بعد أن أرسل الله عليهم ريحا وجنودا لم يروها، وخبره في تخذيل بني قريظة والمشركين في السير خبر عجيب، ونزلت فيه: (الذين قال لهم الناس)، كني عنه وحده بالناس.
سكن نعيم المدينة، ومات في خلافة عثمان، وقيل: قتل في الجمل قبل قدوم علي - رضي الله تعالى عنه.
وذكر سيف بن عمر في كتاب الردة: أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن ذي اللحية وابن مشيمصة الجبيري ].
الباب الثالث والاربعون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - واثلة بن الاسقع مع خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنهما - إلى أكيدر
قال عبد الكريم الحلبي في الوفود: وفد واثلة بن الاسقع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك، فأسلم وبايع ورجع إلى أهله فأخبرهم، فقال له أبوه: لا أكلمك كلمة أبدا ! وسمعت أخته كلامه فأسلمت وجهزته، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده قد سار إلى تبوك، فقال: من يحملني عقبه وله سهمي ؟ فحمله كعب بن عجرة حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه تبوك.
وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى أكيدر فغنم، فجاء بسهمه إلى كعب بن عجرة فأبي أن يقبله وقال: إنما حملتك لله ].(11/373)
الباب الرابع والاربعون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - وبرة، وقيل: وبر بن بحيس إلى داذويه
[ وقيل: وبر بن يحنس.
قال ابن عبد البر: ويقال: ابن محصن الخزاعي، له صحبة، وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داذويه وفيروز الديلمي وجشيش الديلمي باليمن، ليقتلوا الاسود الكذاب العنسي الذي ادعى النبوة.
روى سيف بن عمر في كتاب الردة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قاتل النبي صلى الله عليه وسلم مسيلمة والاسود وطليحة بالرسل، ولم يشغله ما كان فيه من الوجع عن أمر الله تعالى، فبعث وبر بن يحنس الازدي إلى فيروز وجشيش الديلميين وداذويه الاصطخري، وكانت هذه الحكاية في مرضه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم ]
الباب الخامس والاربعون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - الوليد بن بحر الجرهمي - رضي الله تعالى عنه - إلى أقيال اليمن
[ بعثه إلى الاقيال من أهل حضرموت - قاله القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي في عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف ].
الباب السادس والاربعون في إرساله - صلى الله عليه وسلم - أبا أمامة صدي بن عجلان - رضي الله تعالى عنه - إلى قومه باهلة
[ هو صدي - بالتصغير - ابن عجلان بن الحارث، ويقال: ابن وهب، ويقال: ابن عمرو بن وهب بن عريب بن وهب بن رياح الباهلي، أبو أمامة.
مشهور بكنيته، كان مع علي بصفين، مات سنة ست وثمانين، قال ابن عبد البر: بغير خلاف.
روى أبو يعلى من طريق أبي غالب عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومي، فانتهيت إليهم وأنا طاو، وهم يأكلوا الدم، فقالوا: هلم قلت: إنما جئت أنها كم عن هذا، فنمت وأنا مغلوب، فأتاني آت بإناء فيه شراب، فأخذته وشربته، فكظني بطني، فشبعت ورويت، ثم قال رجل منهم: أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تتحفوه، فأتوني بلبن، فقلت: لا حاجة لي به، ورأيتهم بطني، فأسلموا عن آخرهم.
ورواه البيهقي في الدلائل، وزاد فيه أنه أرسله إلى قومه باهلة ].(11/374)
جماع أبواب ذكر كتابه - صلى الله عليه وسلم - وأن منهم الخلفاء الاربعة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وتقدمت تراجمهم في تراجم العشرة، وأبو سفيان بن حرب وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وخالد بن الوليد وتقدمت تراجمهم في الامراء - رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
الباب الأول في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - أبان بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الاموي
أسلم بعد الحديبية على الصحيح، مات سنة ثلاث عشرة.
الباب الثاني في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه
هو أبي بن كعب بن المنذر بن قيس الحراري الانصاري أبو المنذر، وأبو الطفيل، سيد القراء، شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها، وهو أحد فقهاء الصحابة، وأقرؤهم لكتاب الله - عز وجل - وقرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) [ البينة 1 ] وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله أمرني أن أقرأ عليك " لم يكن "، قال: الله سماني ؟ قال: نعم، فبكي.
والحكمة في قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لم يكن " لان فيها (رسول من الله يتلو صحفا مطهرة. فيها كتب قيمة) [ البينة 2 ] قال ابن أبي شيبة وابن أبي خيثمة: وهو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي: بالمدينة.
وقال في الاصابة: وأول من كتب في آخر الكتاب: وكتب فلان بن فلان، قال ابن سعد: هو أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة، وكان هو وزيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنهما - يكتبان الوحي، وكتبه للناس وما يقطع به، وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المنذر.
وكناه عمر بن الخطاب أبا الطفيل، بولده الطفيل بن أبي، مات سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: اثنتين وعشرين وقيل: سنة ثلاثين في خلافة عثمان.(11/375)
قال أبو نعيم الاصبهاني: وهذا هو الصحيح، قال ابن سعد: قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالد بن ضماد الازدي، أن له ما أسلم عليه من أرضه، على أن يؤمن بالله وحده لا شريك له، ويشهد أن محمدا عبده ورسوله، وعلى أن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم شهر رمضان، ويحج البيت، ولا يأوي محدثا، ولا يرتاب وعلى أن ينصح لله ولرسوله وعلى أن يحب أحباء الله، ويبغض أعداء الله، وعلى محمد النبي أن يمنعه ما يمنع منه نفسه وماله وأهله، وأن لخالد الازدي ذمة الله وذمة محمد النبي، إن وفي بهذا.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - كتابا لجنادة الازدي وقومه ومن تبعه، ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعو الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وفارقوا المشركين، وأن لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبد الله.
وكتب أبي.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - إلى المنذر بن ساوى كتابا آخر: " أما بعد " فإني قد بعثت إليك قدامة وأبا هريرة فادفع إليهما ما اجتمع عندك من جزية أرضك والسلام.
وكتب أبي.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - إلى العلاء بن الحضرمي: " أما بعد فإني قد بعثت إلى المنذر بن ساوى من يقبض منه ما اجمتع عنده من الجزية فعجله بها، وابعث (معها) ما اجتمع عندك من الصدقة والعشور، والسلام.
وكتب أبي.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لبارق من الازد: " هذا كتاب من محمد رسول الله لبارق أن لا تجذ ثمارهم، وأن لا تدعي بلادهم في مربع ولا مصيف إلا [ بمسألة ] (1) من بارق ومن مربهم من المسلمين من عرك أوجدب فله ضيافة ثلاثة أيام، فإذا أينعت ثمارهم فلابن السبيل اللقاط يوسع بطنه، من غير أن يقتثم، شهد أبو عبيدة بن الجراح وحذيفة بن اليمان [ وكتب أبي بن كعب ] (2).
__________
(1) في ب بمثله.
(2) سقط في أ.
(*)(11/376)
الباب الثالث في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - الأرقم بن أبي الأرقم (1) - رضي الله تعالى عنه - هو الأرقم بن أبي الأرقم واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن [ عبد الله بن عمر ] (2) المخزومي، وكان من السابقين إلى الاسلام، هاجر وشهد بدرا، وما بعدها، توفي سنة ثلاث وخسمين وله ثلاث وثمانون سنة [ وقيل: سنة خمس وخمسين وهو ابن بضع وثمانين ] روى ابن سعد: وكتب - عليه الصلاة والسلام - لعبد يغوث بن وعلة الحارثي، أن له ما أسلم عليه من أرضها وأشيائها، يعني نخلها، ما أقام الصلاة وآتى الزكاة، وأعطى خمس المغانم من الغزو ولا عشر ولا حشر ومن تبعه من قومه (3).
وكتب الارقم بن أبي الارقم المخزومي.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لعاصم بن الحارث الحارثي، أن له نجمة من راكس لا يحاقه فيها أحد، وكتب الارقم.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - للاجب، رجل من بني سليم أنه أعطاه فالسا، وكتب الارقم (4).
الباب الرابع في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - بريدة بن الحصيب - رضي الله تعالى عنه -
[ قال ابن عبد البر: هو بريدة بن الحصيب بن عبد الله الحارث بن الاعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثه بن عمرو بن عامر، يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا سهل، وقيل: أبا الحصيب، وقيل: أبا ساسان.
والمشهور: أبا عبد الله.
أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وشهد الحديبية، وبايع بيعة الرضوان تحت الشجرة.
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فانتهى إلى الغميم أتاه بريدة بن الحصيب فأسلم هو ومن معه ].
(2) سقط في أ.
(1) سقط في أ.
(2) سقط في أ.
(3) انظر ابن سعد 1 / 205.
(*)(11/377)
الباب الخامس في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - ثابت بن قيس - رضي الله تعالى عنه -
هو ثابت بن قيس بن شماس بن مالك الانصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو محمد خطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد له بالجنة، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد، قتل يوم اليمامة شهيدا في أيام أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - سنة إحدى عشرة، وكان يخرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب، فلما التقوا انكشفوا، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة، وثبتا وقاتلا حتى قتلا.
وعلى ثابت درع له نفيس فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينما رجل
من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه، فقال له: إني أوصيك بوصية، فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعها.
إني قتلت أمس، فمر بي رجل من المسلمين، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفأ على الدرع يرمه، وفوقها رحل، فأت خالدا فمره فليبعث فليأخذها، وإذا قدمت المدينة فقل لابي بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي وفلان عتيق فاستيقظ الرجل، فأتى الرجل خالدا، فأخبره فعبث إلى الدرع، فأتى بها وحدث أبا بكر برؤياه، فأجاز وصيته، ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت.
قال ابن سعد: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوفد ثمالة والحدان: هذا كتاب من محمد رسول الله لبادية الاسياف، ونازلة الاجواف، مما حازت (صحار)، وليس عليهم في النخل خراص، ولا مكيال، مطبق حتى يوضع في الفداء عليهم من كل عشرة أوساق وسق.
وكاتب الصحيفة ثابت بن قيس بن شماس.
شهد سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة - رضي الله تعالى عنهما -.
الباب السادس في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - جهيم بن الصلت - رضي الله تعالى عنه -
هو جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي.
أسلم عام خيبر، وأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر ثلاثين وسقال قال ابن سعد: وكتب - عليه الصلاة والسلام - ليزيد بن الطفيل الحارثي أن له المضة كلها، لا يحاقه فيها أحد، ما أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحارب المشركين، وكتب جهيم بن الصلت.(11/378)
الباب السابع في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - جهم بن سعد - رضي الله تعالى عنه -
قال عبد الكريم في المورد العذب الهني في شرح السيرة لعبد الغني: جهم بن سعد، ذكره أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي في كتاب الاعلام في مولد النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الكريم: ونقلته من خطه.
وقال: وذكر القضاعي، وكان الزبير بن العوام وجهم بن سعد يكتبان أموال الصدقة.
قال ابن منير الحلبي: روى هلال بن سراج بن مجاعة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه أرضا باليمن، فكتب له عنه بريدة: من محمد رسول الله لمجاعة بن مرارة من بني سليم، إني أعطيتك الغورة فمن حاجه فيها فليأتي - وكتب بريدة.
الباب الثامن في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - حنظلة بن الربيع - رضي الله تعالى عنه - الاسيدي التميمي، يكنى أبا ربعي، ومن بني أسيد بن عمرو بن تميم، من بطن يقال لهم بنو شريف، وبنو أسيد بن عمرو بن تميم من أشراف بني تميم.
أسيد - بكسر الياء وتشديدها.
قال نافع بن الاسود التميمي يفخر بقومه شعرا: قومي أسيد إن سألت ومنصبي * ولقد علمت معادن الاحساب وهو ابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب، أدرك مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن مائة وتسعين سنة - ولم يسلم، وكان قد كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسر بجوابه وجمع إليه قومه وندبهم إلى إتيان النبي صلى الله عليه وسلم والايمان به، وخبره في ذلك عجيب، فاعترضه مالك بن نويرة اليربوعي وفرق جمع القوم، فبعث أكثم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه فيمن أطاعه.
من قومه، فاختلفوا في الطريق فلم يصلوا.
وحنظلة أحد الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف بالكاتب.
شهد القادسية، وتخلف عن علي - رضي الله تعالى عنه - يوم الجمل.(11/379)
الباب التاسع في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - حويطب بن عبد العزي - رضي الله تعالى عنه -
ابن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل - الحسل: فرخ الضب حين يخرج من بيضته - ابن عامر بن لؤي القرشي العامري.
كان من مسلمة الفتح من المؤلفة قلوبهم ! أدرك الاسلام وهو ابن ستين سنة، وأعطي من غنائم حنين مائة بعير، وأمره عمر بتجديد الحرم.
وكان ممن دفن عثمان، وباع من معاوية دارا بالمدينة بأربعين ألف دينار، فاستشرف الناس لذلك، فقال معاوية: وما أربعون ألف دينار لرجل له خمسة من العيال.
يكنى أبا محمد، وقيل: أبا الاصبع.
وشهد مع سهيل بن عمرو صلح الحديبية وقصة الكتاب وهما من جهة المشركين.
وآمنه أبو ذر يوم الفتح ومشى معه، وجمع بينه وبين عياله حتى نودي بالامان ثم أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا والطائف مسلما.
واستقرضه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين ألف درهم فأقرضه إياها.
مات بالمدينة في آخر إمارة معاوية رضي الله تعالى عنه، وقيل: سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة.
قال عبد الكريم الحلبي: ذكره في كتابه صلى الله عليه وسلم ابن مسكويه - رضي الله تعالى عنه.
الباب العاشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - الحصين بن عمير - رضي الله تعالى عنه - ذكره عبد الكريم الحلبي في شرح السيرة لعبد الغني، وذكره القضاعي ولم يرفع له نسبا.
قال الحلبي: ذكره أبو عبد الله القرطبي في كتابه - عليه السلام -، ونقلته من خطه.
وقال: وكان المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير يكتبان المداينات والمعاملات، والظاهر أنه نقله من كتاب القضاعي ونحو ذلك.
وذكره أبو الحسن بن عبد البر وأبو علي بن مسكويه.
قلت: ووجدته أنا في كتاب عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف للقضاعي كما أورده عنه - فلله الحمد والمنة.(11/380)
الباب الحادي عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - حاطب بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - [ ابن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، أخو سهيل بن عمرو.
شهد بدرا، وأسلم قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الارقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين جميعا.
وأول من قدم أرض الحبشة في الهجرة الاولى - قاله ابن عبد البر وقال عبد الكريم الحلبي: ذكره ابن مسكويه هو وأبو سفيان بن حرب في كتابه صلى الله عليه وسلم ].
الباب الثاني عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - حذيفة بن اليمان - رضي الله تعالى عنه - ذكره أبو الحسن بن البراء والثعالبي في لطائفه وكان يكتب خرص النخل.
الباب الثالث عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - خالد بن زيد [ أبا أيوب ] (1) - رضي الله تعالى عنه -
ذكره ابن دحية في كتاب علم النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين.
قال ابن سعد: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني عذرة بن حمير يدعوهم إلى الاسلام، وفي الكتاب: وكتب خالد بن زيد.
الباب الرابع عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - خالد بن سعيد - رضي الله تعالى عنه - هو خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، أبو سعيد القرشي الاموي، أسلم قديما، وقيل: إنه أول من كتب، بسم الله الرحمن الرحيم قيل: إنه أسلم بعد أبي بكر، فكان ثلث الاسلام، وقيل
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/381)
غير ذلك، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وأقام بها بضع عشرة سنة، وتقدم سبب إسلامه في باب منامات رويت تدل على بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يلزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهدى لرسول - صلى الله عليه وسلم - الخاتم الذي نقش عليه: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووقع بئر أريس قال ابن سعد: وكتب - عليه الصلاة والسلام - لراشد بن عبد السلمي أنه أعطاه غلوتين بسهم وغلوة بحجر برهاط لا يحاقه فيها أحد، ومن حاقه فلا حق له، وحقه حق، وكتب خالد بن سعيد.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لحرام بن عبد عوف من بني سليم، أنه أعطاه إداما وما كان له من شواق، لا يحل لاحد أن يظلمهم ولا يظلمون أحدا، وكتب خالد بن سعيد.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لما سأله [ وفد ثقيف ] (1) أن يحرم لهم وجا: هذا كتاب من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المؤمنين إن عضاة وج، وصيده لا يعضد، فمن وجد يفعل ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ النبي، وهذا أمر النبي محمد بن عبد الله، رسول الله، وكتب خالد بن سعيد بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يتعدي منه أحد، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لسعيد بن سفيان أبي علي، هذا ما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعيد بن سفيان أبي علي، أعطاه نخل السوارقية وقصدها لا يحاقه فيها أحد ومن حاقه فلا حق له، وحقه حق، وكتب خالد بن سعيد.
الباب الخامس عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد
- رضي الله تعالى عنه -
هو خالد بن الوليد أبو سليمان المخزومي، سيف الله، وسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره ابن عبد البر وابن الاثير - رحمهما الله تعالى وغيرهما.
الباب السادس عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه -
هو زيد بن ثابت الانصاري البخاري، كان هو ومعاوية ألزمهم بذلك.
__________
(1) سقط في أ.
(*)(11/382)
روى البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يتعلم كتاب اليهود ليقرأه على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كتبوا إليه، فتعلمه في خمسة عشر يوما.
وروى ابن أبي حاتم عنه قال: كنت أكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإني لو أضع القلم على أذني إذا أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر ما ينزل عليه إذ جاءه أعمى، فقال: كيف أتابعك يا رسول الله وأنا أعمى، فنزلت عليه (ليس على الاعمى حرج) [ النور 61 ] قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعمره إحدى عشرة سنة.
شهد أحدا وما بعدها، وقيل: أول مشاهده الخندق، وهو أحد فقهاء الصحابة، وأحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من أفكه الناس إذا خلا في منزله، وأذمتهم إذا جلس مع القوم، ومات سنة ست وخمسين.
وروى الامام أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ذهب بي إليه، فأعجب بي، فقيل: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فأعجب ذلك رسول لله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا زيد تعلم كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي، فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته، وحذقته، فكنت أكتب له إليهم، وأقرأ له كتبهم، وكان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي،
ويكتب له أيضا المراسلات وكان يكتب لابي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - في خلافتهما، وقد قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: أفرضكم زيد، وكان عمر يستخلفه إذا حج، وكان معه حين قدم الشام، وهو الذي تولى قسم غنائم اليرموك، وكان عثمان يستخلفه أيضا إذا حج، وكان على بيت المال لعثمان، توفي بالمدينة سنة أربع، وقيل: ست وقيل: ثلاث، وقيل: خمس وخمسين، وقيل: سنة أربعين وقيل: سنة خمس، وقيل: إحدى، وقيل: ثلاث وأربعين.
الباب السابع عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - سعيد بن العاص - رضي الله تعالى عنه -
أخو خالد وأبان استشهد سعيد بن سعيد بن العاص يوم الطائف، وكان إسلامه قبل فتح مكة بيسير، واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على سوق مكة.
وكان لابيه سعيد بن العاص بن أمية ثمانية بنين ذكور منهم ثلاثة ماتوا على الكفر: أحيحة، وبه كان يكنى أبوه سعيد بن العاص، قتل يوم الفجار، والعاص وعبيدة قتلا جميعا ببدر كافرين، قتل العاص علي، وقتل عبيدة الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنه - قال لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج في الحديد لا يرى منه إلا عيناه، وكان يكنى أبا ذات(11/383)
الكرش، فطعنته بالعنزة في عينه فمات، فلقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت، فكان الجهد أن نزعتها ولقد انثنى طرفاها.
توفي في خلافة معاوية سنة تسع وخمسين، قاله ابن عبد البر.
وهو ابن أخي سعيد بن العاص بن أمية وأحد كتابه صلى الله عليه وسلم.
الباب الثامن عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - السجل - رضي الله تعالى عنه -
روى أبو داود والنسائي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه كان يقول في هذه الاية (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) [ الانبياء 104 ] الاية
قال: السجل كاتب للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن مردويه وابن منده، من طريق حمدان بن سعيد عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - كاتب يقال له: السجل فأنزل الله تعالى (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) [ الانبياء 104 ] والسجل هو الرجل بلغة الحبشة، ورواه أبو نعيم لكن قال: حمدان بن علي ووهم ابن منده في قوله: ابن سعيد.
قال ابن منده: تفرد به حمدان.
قال الحافظ: فإن كان هو ابن علي فهو ثقة، وهو معروف، واسمه محمد بن علي بن مهران، وكان من أصحاب أحمد، ولكن قد رواه الخطيب في ترجمة حمدان بن سعيد البغدادي فترجحت رواية ابن منده، ونقل الخطيب عن البرقاني أن الازدي قال: تفرد به ابن نمير، وابن نمير من كبار الثقات فهذا الحديث صحيح بهذه الطرق، وغفل من زعم أنه موضوع نعم ورد ما يخالفه، فروى الرافعي والعوفي عن ابن عباس قال في هذه الاية: كطي الصحيفة على الكتاب، وكذلك قال مجاهد وغيره.
قال الحافظ ابن كثير: وعرضت هذا الحديث، أي حديث ابن عباس السابق، على المزي فأنكره جدا، وأخبرته أن ابن تيمية كان يقول: هو حديث موضوع، وإن كان في سنن أبي داود، فقال المزي: وأنا أقوله.
انتهي، قال الحافظ - رحمه الله -: وهذه مكابرة.(11/384)
الباب التاسع عشر في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - شرحبيل ابن حسنة - رضي الله تعالى عنه -
[ وهي أمه، وأبوه عبد الله بن المطاع بن عبيد الله، من كندة حليف لنبي زهرة، يكنى أبا عبد الرحمن، نسب إلى أمه حسنة، وقيل: تبنته، وليست أمه.
وهو أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان من مهاجرة الحبشة، معدود في وجوه قريش،
وكان أميرا على ربع من أرباع الشام ].
الباب العشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عامر بن فهيرة -
رضي الله تعالى عنه - (1) عامر بن فهيرة التيمي مولى أبي بكر الصديق، أسلم قديما، وكان يعذب مع جملة المستضعفين، فاشتراه أبو بكر فأعتقه، وهاجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة.
روى الامام أحمد عن عبد الملك بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة بن مالك، أن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول: فذكر خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه: فقلت له: إن قومك جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد المتاع فلم يرزؤني منه شيئا، ولم يسألوني إلا أن أخف عنا، فسألته أن يكتب لي موادعة آمن به، فأمره عامر بن فهيرة، فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى ].
الباب الحادي والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن الارقم - رضي الله تعالى عنه -
هو عبد الله بن الارقم عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، أسلم عام الفتح، وكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما -.
__________
(1) سقط في أ.
(*)(11/385)
قال مالك: بلغني أنه ورد على النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب [ فقال: من يجيب فقال عبد الله بن الارقم: أنا، فأجاب وأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - ] (1) فأحبه، وكان عمر حاضرا فأعجبه ذلك، حيث أصاب ما أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما أن استكتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثق به، فكان إذا كتب
لبعض الملوك يأمر أن يكتب ويختم ولا يقرأه لامانته عنده واستعمله عمر وعثمان على بيت المال، ثم استعفى عثمان من ذلك فأعفاه، قال مالك: وبلغني أن عثمان أجازه من بيت المال بثلاثين ألفا فأبي أن يقبلها، وقال: عملت لله، وإنما أجري على الله، وعن عمرو بن دينار: أن عثمان أعطى عبد الله بن الارقم ثلثمائة ألف درهم فأبي أن يقبلها وقال: عملت لله وإن أجري على الله.
الباب الثاني والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول - رضي الله تعالى عنه - هو عبد الله بن أبي مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الانصاري وهو ابن أبي ابن سلول شهد بدرا وأحدا وغيرها من المشاهد، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه، فقال: بل أحسن صحبته.
واستشهد عبد الله باليمامة في قتال الردة، سنة اثنتي عشرة.
وذكره ابن عبد البر فيمن كتب الله للنبي - صلى الله عليه وسلم.
الباب الثالث والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة - رضي الله تعالى عنه - هو عبد الله بن رواحة الخزرجي الانصاري شهد بدرا واستشهد بمؤتة.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(11/386)
الباب الرابع والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه -
قال ابن سعد: قالوا: وكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن أسلم، من حدس من لخم، وأقام الصلاة، وآتي الزكاة، وأعطى حظ الله وحظ رسوله، وفارق المشركين، فإنه آمن بذمة الله تعالى وذمة محمد ومن رجع عن دينه فإن ذمة الله وذمة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم منه بريئة، ومن شهد له مسلم بإسلامه فإنه آمن بذمة محمد وإنه من المسلمين وكتب عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه.
الباب الخامس والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن سعد بن أبي سرح - رضي الله تعالى عنه -
هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري، أسلم وكتب الوحي ثم ارتد عن الاسلام، ولحق بالمشركين بمكة، فلما فتحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدر دمه فيمن أهدر من الدماء، فجاء إلى عثمان بن عفان فاستأمن له، ثم أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما اطمأن أهل مكة، استأمن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصمت طويلا ثم قال: نعم، فلما انصرف عثمان قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن حوله: ما صمت إلا لتقتلوه، فقال رجل: هلا أومأت إلينا يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما كان لنبي أن تكون له خائنة الاعين "، ثم أسلم ذلك اليوم وحسن إسلامه، ولم يظهر منه بعد ذلك ما ينكر، وهو أحد العقلاء الكرماء من قريش، ثم ولاه عثمان مصر سنة خمس وعشرين، ففتح الله على يديه إفريقيا وكان فتحا عظيما، بلغ سهم الفارس منه ثلاثة آلاف مثقال وكان معه عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير، وغزا بعد أفريقيا الاساود من أرض النوبة سنة إحدى وثلاثين، ثم غزا غزوة الصواري في البحر إلى الروم، واعتزل الفتنة حين قتل عثمان، فأقام بعسقلان، وقيل: بالرملة وكان دعا أن يختم عمره بالصلاة، فسلم من صلاة الصبح التسليمة الاولى، ثم هم بالتسليمة الثانية عن يساره فتوفي وذلك سنة ست وثلاثين وهو الصحيح، وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة تسع وخمسين، قال خليفة بن خياط: وقد هم من عد [ والده ] (1) سرح في كتابه - صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) في أ (ولده).
(*)(11/387)
الباب السادس والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أسد - رضي الله تعالى عنه - [...]
الباب السابع والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - العلاء بن الحضرمي - رضي الله تعالى عنه -
قال ابن سعد: قالوا: وكتب عليه الصلاة والسلام - لبني معن الطائيين الثعلبيين أن لهم ما أسلموا عليه من بلادهم ومياهم وغدوة الغنم من ورائها مبيتة ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله وفارقوا المشركين وأشهدوا على إسلامهم، وأمنوا السبيل، وكتب العلاء وشهد، وكتب - عليه الصلاة والسلام - لبني شنخ من جهينة: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - من شنخ من جهينة، أعطاهم ما خطوا من جفينة وما حرثوا ومن حاقهم فلا حق له، وحقهم حق، وكتب العلاء بن عقبة قال ابن سعد: قالوا: وكتب - عليه الصلاة والسلام - لاسلم من خزاعة، لمن آمن منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وناصح في دين الله، أن لهم النصر على من دهمهم بظلم، وعليهم نصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دعاهم، ولاهل باديتهم ما لاهل حاضرتهم، وأنهم مهاجرون حيث كانوا، وكتب العلاء بن الحضرمي وشهد.
الباب الثامن والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - العلاء بن عقبة - رضي الله تعالى عنه -
قال ابن سعد: وكتب - عليه الصلاة والسلام - لنبي معن الطائيين، أن لهم ما أسلموا عليه، من بلادهم ومياهم وغدوة الغنم من ورائها مبيتة، ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله، وفارقوا المشركين، وأشهدوا على إسلامهم وأمنوا السبيل، وكتب العلاء وشهد.(11/388)
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لبني شنخ من جهينة: " بسم الله الرحمن الرحيم "، هذا ما أعطى محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - بني شنخ من جهينة: أعطاهم ما خطوا من صفينة وما حرثوا، ومن حاقهم فلا حق له وحقهم حق، وكتب العلاء بن عقبة وشهد، وكتب - صلى الله عليه وسلم - للعباس بن مرداس السلمي أنه أعطاه مدفوا لا يحاقه فيه أحد، ومن حاقه فلا حق له، وحقه حق، وكتب العلاء بن عقبة وشهد.
الباب التاسع والعشرون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - عبد العزي بن خطل قبل ارتداده [ وقيل: اسمه هلال.
أسلم وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا، وبعث معه رجلا من الانصار، وكان معه مولى له يخدمه مسلما، فنزل منزلا، وأمر المولى أن يذبح له تيسا، فيصنع له طعاما فنام، فاستيقظ ابن خطل ولم يصنع له شيئا، فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركا.
وكان يكتب قدام النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا نزل (غفور رحيم) كتب: رحيم غفور، وإذا نزل (سميع عليم) كتب: عليم سميع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: اعرض علي ما كنت أملي عليك، فلما عرضه عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كذا أمليت عليك (5) غفور رحيم ورحيم غفور واحد ؟ وسميع عليم وعليم سميع واحد ؟ قال: فقال ابن خطل: إن كان محمد ما كنت أكتب له إلا ما أريد ! ثم كفر ولحق بمكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل ابن خطل فهو في الجنة ! فقتل يوم فتح مكة ؟ وهو متعلق بأستار الكعبة - قاله عبد الكريم الحلبي في شرح السيرة لعبد الغني.
وقيل: قتله سعد بن حريث المخزومي وأبو برزة الاسلمي، وهو آخذ بأستار الكعبة، وقيل: بين المقام وزمزم ].
الباب الثلاثون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة - رضي الله تعالى عنه - هو محمد بن مسلمة الانصاري الخزرجي
قال ابن سعد: قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا كتاب من محمد رسول الله لمهري بن الابيض، على من آمن من مهرة أنهم لا يؤكلون ولا يغار عليهم، ولا يعركون، وعليهم إقامة شرائع الاسلام، فمن بدل فقد حارب الله، ومن آمن به فله ذمة الله وذمة رسوله، اللقطة مؤداة، والسارحة منداة والتفث: السيئة، والرفث الفسوق، وكتب محمد بن مسلمة الانصاري.(11/389)
الباب الحادي والثلاثون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - معاوية بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنه -
روى الامام أحمد مرسلا، ووصله أبو يعلى فقال: عن معاوية والطبراني ورجال أحسد ؟ وأبي يعلى رجال الصحيح، عن سعيد بن عمرو بن العاص أن أبا هريرة اشتكى، وأن معاوية أخذ الاداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينا هو يوصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع رأسه إليه مرة، أو مرتين، وهو يتوضأ، فقال: يا معاوية: إن وليت أمرا فاتق الله واعدل.
ولفظ الطبراني في الصغير: اقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم، قال: فما زلت أظن أني مبتل بعمل، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ابتليت.
وروى الطبراني عن عبد الله بن بشر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استأذن أبا بكر وعمر في أمر فقال: أشيروا علي فقالوا: الله ورسوله أعلم فقال: أشيروا علي: فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال: ادعوا لي معاوية فقال أبو بكر وعمر: أما كان في رسول الله ورجلين من قريش ما ينفذون أمرهم حتى بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غلام من غلمان قريش، فلما وقف بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: احضروه أمركم وأشهدوه أمركم، فإنه قوي أمين.
رواه البزار باختصار اعتراض أبي بكر وعمر.
قال أبو الحسن الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف، وشيخ البزار ثقة وشيخ الطبراني لم يوثقه إلا الذهبي في الميزان، وليس فيه جرح مفسر، ومع ذلك فهو حديث منكر.
قلت: ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وأعله بمروان بن جناح، وهو من رجال أبي داود وابن ماجة، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الدراقطني: لا بأس به، وروى الطبراني برجال وثقوا، فيهم خلاف، وفي سنده انقطاع عن مسلمة بن مخلد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب ومكن له في البلاد.
وروى الطبراني برجال الصحيح، عن قيس بن الحرث المذحجي وهو ثقة عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: ما رأيت أحدا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أميركم هذا، يعني: معاوية، وروى الطبراني برجال وثقوا وتكلم فيهم.
عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: ما رأيت أحدا من الناس بعد(11/390)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية.
وروى الطبراني من طريق محمد بن فطر فليحرر رجاله وعلي بن سعيد فيه لين، وبقية رجاله ثقات، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد: استوص بمعاوية، فإنه أمين على كتاب الله تعالى، ونعم الامين هو.
وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن سهل ابن الحنظلية الانصاري - رضي الله تعالى عنه - أن عيينة بن حصن والاقرع بن حابس سألا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فأمر معاوية أن يكتب به لهما وختمهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمره أن يدفعه إليهما، فقال: فأما عيينة فقال ما
فيه، فقال: فيه الذي أمرت به، فقبله، وعقده في عمامته، وكان أحلم الرجلين، وأما الاقرع فقال: أحمل صحيفة لا أدري ما فيها كصحيفة المتلمس.
فأخبر معاوية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقولهما - ورواه أبو داود عنده أن الذي قال: أحمل صحيفة هو عيينة.
وروى الطبراني بسند لا بأس به عن الضحاك بن النعمان بن سعد أن مسروق بن وائل قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بالعقيق، فأسلم وحسن إسلامه، ثم قال: يا رسول الله إني أحب أن تبعث إلى قومي فتدعوهم إلى الاسلام وأن تكتب لي كتابا إلى قومي عسى الله أن يهديهم، فقال لمعاوية: اكتب له فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى الاقيال من حضرموت، بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والصدقة على التيعة والسائمة وفي السوق الخمس، وفي البعل العشر لا خلاط ولا وراط ولا شغار ولا شناق، ولا جنب ولا خلب به، ولا يجمع بين بعيرين في عقال من أجبأ فقد أربى، وكل مسكر حرام، وبعث إليهم زياد بن لبيد الانصاري أما الخلاط: فلا يجمع بين الماشية، وأما الوراط فلا يقومهما بالقيمة.
وأما الشغار فيزوج الرجل ابنته، وينكح الاخر ابنته بلا مهر، والشناق أن يعقلها في مباركها.
والاجباء أن يباع الثمرة قبل أن تؤمن عليها العاهة.
وروى الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن معاوية - رضي الله تعالى عنه - كان يكتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وروى الطبراني من طريق السري بن عاصم كذبه ابن خراش وبهذا يصفه الناس بالوضع عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما كان يوم أم حبيبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دق الباب داق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: انظروا من هذا ؟ قالوا: معاوية قال: ائذنوا له، ودخل على إذنه فلم(11/391)
يحظ به، وكتب - عليه الصلاة والسلام - لبني قرة بن عبد الله بن أبي نجيح النبهانيين، أنه
أعطاهم المظلة كلها، أرضها وماءها، وسهلها وجبلها، حتى يرعون مواشيهم.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لبلال بن الحارث المزني أن له النخل وجزعه وشطره ذا المزارع والنخل وأن له ما أصلح به الزرع من قدس، وأن له المضة والجزع والغيلة إن كان صادقا وكتب معاوية.
قال ابن سعد: جزعه فإنه يعني قرية، وأما شطره فإنه يعني تجاهه، وهو في كتاب الله عز وجل (فول وجهك شطر المسجد الحرام) يعني تجاهه، فالقدس: الخرج وما أشبهه من آلة السفر، وأما المضة فاسم الارض.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لعتبة بن فرقد: هذا ما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - عتبة بن فرقد، أعطاه موضع دار بمكة يبنيها مما يلي المروة، فلا يحاقه فيها أحد ومن حاقه فإنه لا حق له وحقه حق " وكتب معاوية قال الليث بن سعد: توفي معاوية لاربع ليال خلون سنة ستين وسنة بضع وسبعون إلى الثمانين، رواه الطبراني.
الباب الثاني والثلاثون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - معيقيب
بقاف وآخره موحدة، مصغر، ابن أبي فاطمة الدوسي من السابقين الاولين، مولى سعيد ابن العاص، ويزعمون أنه دوسي حليف لال سعيد بن العاص، أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في السفينتين.
وكان على خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم، واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال.
ونزل به داء الجذام فعولج منه بأمر عمر بالحنظل فتوقف أمره.
وهو قليل الحديث - قاله ابن عبد البر قلت: روينا عنه في الصحيحين حديثا واحدا، ليس له فيهما غيره عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن معيقيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: إن كنت فاعلا فواحدة.
قال ابن عبد البر: عن أبي راشد مولى معيقيب قال: قلت لمعيقيب: ما لي لا أسمعك تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يحدث
غيرك ؟ فقال: أما والله إني لمن أقدمهم صحبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن كثرة الصمت خير من كثرة الكلام.
توفي في آخر خلافة عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه -، وقيل: بل توفي سنة(11/392)
أربعين في آخر خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -.
قال السهيلي: ذكره عمر بن شبة في كتاب " الكتاب " له.
وقال عبد الكريم الحلبي: معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، ذكره ابن عساكر وابن الاثير وشيخنا الدمياطي - والله سبحانه أعلم ].
الباب الثالث والثلاثون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه -
قال ابن سعد: قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم، ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شئ مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم، ولا ظالمين وكتب المغيرة.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لبني الضباب من بني الحارث بن كعب، أن لهم سارية ورافعهم لا يحاقهم فيها أحد، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله، وفارقوا المشركين، وكتب المغيرة.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لبني قنان بن ثعلبة من بني الحارث أن لهم مجلسا، وأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم.
وكتب المغيرة.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - ليزيد بن المحجل الحارث أن لهم نمرة ومساقيها، ووادي الرحمن من بين غابتها، وأنه على قومه من بني مالك وعقبة، لا يغزون ولا يحشرون،
وكتب المغيرة بن شعبة.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لعامر بن الاسود عامر بن جوين الطائي أن له ولقومه طئ ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وفارقوا المشركين، وكتب المغيرة.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لبني جوين الطائيين، لمن آمن منهم بالله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وفارق المشركين، وأطاع الله ورسوله، وأعطى من المغانم خمس الله وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشهد على إسلامه، فإن له أمان الله ومحمد بن عبد الله، وأن لهم أرضهم ومياههم وما أسلموا عليه وغدوة الغنم، من ورائها مبيتة وكتب الميغرة.(11/393)
قال ابن سعد: يعني بغدوة الغنم قال: تغدو الغنم بالغداة فتمشي إلى الليل فما خلفت من الاض وراءها فهو لهم، وقوله: مبيتة، حيث باتت.
وكتب - عليه الصلاة والسلام - لبني الجرمز بن ربيعة - وهم من جهينة -، أنهم آمنون ببلادهم، ولهم ما أسلموا عليه، وكتب المغيرة، وكتب - عليه الصلاة والسلام - لحصين بن نضلة الاسدي أن له أراما وكسه، لا يحاقه فيها أحد، وكتب المغيرة بن شعبة.
الباب الرابع والثلاثون في استكتابه - صلى الله عليه وسلم - رجلا من بني النجار ارتد فهلك فالقته الارض ولم تقبله
روى مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان هنا رجل من بني النجار، وقد قرأ البقرة وآل عمران، كان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه، قالوا: هذا كان يكتب لمحد، فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه، فأصبحت الارض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصحبت الارض قد نبذته وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصحبت الارض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذا.
وروى البخاري عن أنس قال: كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فعاد نصرانيا، وكان يقول: ما أرى محمدا يحسن إلا ما كنت أكتب له فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الارض، قالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الارض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا، لما هرب منهم، فألقوه خارج القبر فحفروا له، وأعمقوا له في الارض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الارض، فعلموا أنه من الله، ليس من الناس فألقوه.(11/394)
جماع أبواب ذكر خطبائه وشعرائه وحداته وحراسه وسيافه، ومن كان يضرب الاعناق بن يديه ومن كان يلي نفقاته وخاتمه وسواكه ونعله، وترجله ومن كان يقود به في الاسفار ورعاة إبله وشياهه ونعله والاذن عليه - صلى الله عليه وسلم
الباب الأول في ذكر خطيبه - صلى الله عليه وسلم - ثابت بن قيس - رضي الله تعالى عنه -
هو ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث الانصاري الخزرجي أمه هند، يقال له: خطيب الانصاري، وخطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وأخبره أنه من أهلها.
رواه مسلم.
وروى الترمذي - بسند صحيح - أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " نعم الرجل ثابت عن قيس بن شماس، استشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - سنة إحدى عشرة، فلم يعلم أحد وصى بعد موته فنفذت وصيته غيره.
[ فقد نقل الامام النووي في تهذيب الاسماء واللغات من كتب المغازي، أنه لما استشهد كان عليه درع نفيس، فأخذها رجل، فرأى رجل ثابتا في منامه، فقال له ثابت: إني أريد أن أوصيك وصية، فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه، إني قتلت أمس، فمر بن رجل، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفأ على الدرع، برمة، وفوق البرمة رحل، فأت خالدا فمره، فليبعث فليأخذها، فإذا قدمت المدينة فقل لابي بكر: علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي حر وفلان عتيق، فأتى الرجل خالدا فبعث إلى الدرع فأتى بها على ما وصف، وأخبر أبا بكر يرؤياه فأجاز وصيته ] (1).
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(11/395)
الباب الثاني في ذكر شعرائه - صلى الله عليه وسلم -
مدحه بالشعر جماعة من الصحابة ونسائهم، جمعهم الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس في قصيدة ميمية، ثم شرحها في مجلدة سماه " منح المدح " ورتبهم على حرف المعجم، وقارب بهم المائتين، أما شعراؤه الذين كانوا بسبب المفاضلة عنه والهجاء لكفار قريش فإنهم ثلاثة: حسان بن ثابت، وكانت يقبل بالهجو على أنسابهم.
وعبد الله بن رواحة، وكان يعيرهم بالكفر.
وكعب بن مالك وكان يخوفهم بالحرب.
وكانوا لا يبالون قبل الاسلام بأهاجي ابن رواحة.
[ وبالمؤمن من أهاجي حسان، فلما دخل من دخل منهم في الاسلام وجد ألم هجاء ] (1) ابن رواحة أشد وأشق.
قال في زاد المعاد: وكان أشدهم على الكفار حسان بن ثابت، وكعب بن مالك
يعيرهم بالشرك والكفر.
الباب الثالث في ذكر حداته - صلى الله عليه وسلم -
أنجشة: بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم وبالشين المعجمة - كان عبدا أسود حسن الصوت بالحداء فحدا بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فأسرعت الابل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يا أنجشة رفقا بالقوارير " رواه الشيخان.
وفي زاد المعاد وفي صحيح مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاد حسن الصوت، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رويدا يا أنجشة لا تكسر القوارير " يعني: ضعفة النساء.
البراء بن مالك، كان يحدو بالرجال عبد الله بن رواحة، وعامر بن الاكوع بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو وبالعين المهملة - وهو عم سلمة بن الاكوع، استشهد بخيبر.
وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: كان
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(11/396)
معنا ليلة، نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس حاديان.
وروى ابن سعد عن مجاهد وعن طاووس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فبينا هو يسير بالليل ومعه رجل يسايره إذ سمع حاديا يحدو، وقوم أمامه فقال لصاحبه: لو أتينا حادى هؤلاء القوم، فقربنا حتى غشينا القوم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ممن القوم فقالوا: من مضر فقال: وأنا من مضر ونعى حادينا فسمعنا حاديكم فأتيناكم.
زاد طاووس: فقالوا: يا رسول الله أما إن أول من حدا بينما رجل في سفر فضرب غلاما له على يده بعصا، فانكسرت يده، فجعل الغلام يقول: وهو يسير الابل، وأيداه وأيداه: وقال:
هيبا هيبا، فسارت الابل.
عامر بن الاكوع عم سلمة بن الاكوع [...].
الباب الرابع في ذكر حراسه - صلى الله عليه وسلم
أبو قتادة الانصاري، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في اسمه أقوال أشهرها الحارث بن ربعي بن دومة بن خناس - بخاء معجمة فنون مفتوحة مخففة - ابن يلدمة بن خناس بخاء معجمة فنون مفتوحة مخففة كما قال ابن الاثير في الجامع، وقال العلاء بن العطار في شرح العمدة: إنها مشددة فألف فسين مهملة - ابن سنان بن عبيد بن عدي بن تميم بن كعب بن سلمة - بكسر اللام - السلمي بكسر اللام عند المحدثين وبفتحها عند النحويين، شهد أحدا والمشاهد كلها.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وسبعون حديثا اتفق الشيخان منها على أحد عشر، وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثمانية، قيل: إنه شهد بدرا ولم يصح.
وروى الطبراني في الصغير: حدثتنا عبدة بنت عبد الرحمن بن مصعب عن أبيه ثابت عن أبيه عبد الله عن أبيه عن أبى قتادة - رضي الله تعالى عنه - أنه حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بدر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم احفظ أبا قتادة كما حفظ نبيك هذه الليلة " قال الحافظ في الاصابة: وقوله في رواية عبدة: ليلة بدر غلط فإنه لم يشهد بدرا.
روى الامام أحمد برجال الصحيح عنه قال: كنت أحرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج ذات ليلة لحاجة فرآني فأخذ بيدي فانطلقنا " الحديث ".
الادرع الاسلمي - رضي الله تعالى عنه - وروى ابن ماجه عن الادرع الاسلمي قال:(11/397)
جئت ليلة أحرس النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا رجل ميت فقيل: هذا عبد الله ذو البجادين وتوفي بالمدينة، وفرغوا من جهازه وحملوه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ارفقوا به رفق الله بكم فإنه كان يحب الله ورسوله ".
أبو ريحانة ورجل من الانصار - رضي الله تعالى عنه - وروى الامام أحمد برجال ثقات والطبراني عنه - رضي الله تعالى عنه - قال: قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فأتينا ذات يوم وليلة على سرف فبتنا عليه، فأصابنا برد شديد، حتى رأيت من يحفر في الارض حفرة يدخل فيها ويلقي عليها الجحفة يعني الترس، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك من الناس قال: من يحرسنا الليلة وأدعو الله له بدعاء يكون فيه فضل فقال رجل من الانصار: أنا يا رسول الله قال: ادنه فدنا فقال: من أنت ؟ فتسمى له الانصاري ففتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء فأكثر منه.
قال أبو ريحانة: فلما سمعت ما دعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قمت فقلت: أنا رجل أخر قال: ادنه، فدنوت فقال: من أنت ؟ فقلت: أنا أبو ريحانة، فدعا لي بدعاء، هو دون دعائه للانصاري.
الحديث.
أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - حرسه يوم بدر في العريش شاهرا سيفه على رأسه - صلى الله عليه وسلم - لئلا يصل إليه أحد من المشركين.
رواه ابن السماك في الموافقة.
وحرسه أيضا سعد بن معاذ - رضي الله تعالى عنه - حرسه يوم بدر حين نام في العريش.
ذكوان بن عبد قيس أبو أيوب: وقت دخوله على صفية بخيبر أو بعض الطريق فدعا له النبي - صلى الله عليه وسلم.
سعد بن أبي وقاص: بوادي القرى روى أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: بات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة أرقا قال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة، فبينما أنا على ذلك إذ سمعت: السلام عليكم فقال: من هذا ؟ قال: أنا سعد بن أبي وقاص، أنا أحرسك يا رسول الله قالت: فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سمعت غطيطه.
عباد بن بشر: وهو الذي كان على حرسه فلما نزلت (والله يعصمك من الناس) خرج على الناس فأخبرهم، وصرف الحرس.
محمد بن مسلمة: حرسه يوم أحد.
بلال: حرسه بوادي القرى.(11/398)
عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه -.
المغيرة بن شعبة حرسه حين وقف على رأسه بالسيف يوم الحديبية.
الزبير بن العوام: [ حرسه ] (1) يوم الخندق.
مرثد بن أبي مرثد الغنوي.
ذكوان بن عبد قيس حرسه بوادي القرى.
الباب الخامس في ذكر سيافه، ومن كان يضرب الاعناق بين يديه - صلى الله عليه وسلم -
كان قيس بن سعد بن عبادة بين يديه - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرطة من الامير.
روى الطبراني برجال الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كانت منزلة قيس بن سعد، منزلة صاحب الشرطة من الامير، وكان الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر بن كلاب الكلابي سياف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو سعيد، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام والمقداد بن الاسود ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن ثابت بن [ أبي ] (2) الاقلح - بالقاف - وقيس بن سعد والمغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنهم - يضربون الاعناق بين يديه - صلى الله عليه وسلم - قال القطب في المنهل: كان الضحاك يقوم على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف، وكان يعد بمائة فارس، وذكر الزبير بن بكار في كتاب المزاح، عن عبد الله بن حسن - رضي الله تعالى عنه - قال: أتى الضحاك الكلابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعه، ثم قال له: إني عندي امرأتان أحسن من هذه الحميراء أفلا أنزل لك عن إحداهما وعائشة جالسة، قبل أن يضرب الحجاب، فقالت: أهي أحسن، أم أنت ؟ قال: بل أنا أحسن منها وأكرم، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسألة عائشة إياه، وكان ذميما قبيحا.
__________
(1) سقط في أ.
(2) سقط في أ.
(*)(11/399)
الباب السادس في ذكر من كان على نفقته وخاتمه وسواكه ونعله والاذن عليه - صلى الله عليه وسلم -
كان بلال على نفقاته، ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي على خاتمه وابن مسعود على سواكه ونعله وأبو رافع على ثقله، والاذن عليه رباح الاسود وأسد مولياه، وأنس بن مالك وأبو موسى الاشعري.
روى الطبراني برجال الصحيح غير محمد بن عبادة بن زكريا، وهو ثقة عن أبي ميسرة قال: كان أيمن على مطهرة رسول الله - صلى الله - صلى الله عليه وسلم - وثعلبة يعاطيه حاجته، وكان صاحب نعله وسواكه عبد الله بن مسعود بن غافل بالغين المعجمة وفاء - ابن حبيب بن شمخ - بالشين والخاء المعجمتين - ابن مخزوم، وقيل: ابن فارس بن مخزوم بن صاهلة بن الحارث بن تيم ابن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو عبد الرحمن الهذلي صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد السابقين الاولين، حليف بني زهرة، كان أبوه قد حالف عبد الحارث بن زهرة، شهد بدرا والمشاهد كلها كان يلي نعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبسه إياها، فإذا جلس أدخلهما في ذراعه، وكان يلزم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدخل عليه [ وينقض شعر ] (1) وكان لطيفا قصيرا جدا أسمر شديدا نحيفا أحمش الساقين ذا بطن حسن النبرة، نظيف الثوب، طيب الريح وافر العقل سديد الرأي كثير العلم فقيه النفس كبير القدر، وقال ابن إسحاق: أسلم بعد اثنتين وعشرين نفسا، توفي أيام عثمان سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة على الاصح، عن ثلاث وستين سنة.
قال أبو نعيم: كان ابن مسعود يوقظ رسول الله - صلى الله عليه سلم - إذا نام، ويستره إذا اغتسل، ويماشيه في الارض.
وروى الطبراني عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: لقد رأيتني وإني لسادس ستة، ما على الارض مسلم غيرنا.
وروى عن أبي موسى قال: مكثت حينا وما أحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الامام أحمد وأبو يعلى عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد.
__________
(1) سقط في أ.
(*)(11/400)
وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان ابن مسعود صاحب سرار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني سره وصاحب وساده يعني فراشه وصاحب سواكه ونعليه وطهوره.
وروى البزار والطبراني برجال ثقات عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: لقد رأيتني وأنا لسادس ستة ما على الارض مسلم غيرنا.
وروى أبو داود الطيالسي والامام أحمد، وابن منيع، وأبو يعلى - برجال ثقات - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يجتنى سواكا من أراك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلت الريح تكفؤه، وكان في ساقيه دقة، فضحك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما يضحككم ؟ فقالوا: دقة ساقيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لهما أثقل في الميزان من أحد ".
وروى الامام أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود أن يصعد شجرة، فيأتيه بشئ منها، فنظر أصحابه إلى حموشة ساقيه، فضحكوا منها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما تضحكون ؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد ".
وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن القاسم - رحمه الله تعالى - قال: كان أول من أفشى القرآن زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عبد الله بن مسعود.
وروى أحمد بن منيع - برجال ثقات - عن عتبة بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - قال: ما أرى رجلا أعلم بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - من عبد الله، يعني ابن مسعود، فقال أبو موسى - رضي الله تعالى عنه -: لئن قلت ذلك، لقد كان يسمع حين لا نسمع ويدخل حيث لا ندخل.
وروى أحمد بن منيع، والامام أحمد - برجال الصحيح - عن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - قال: أشهد على رجلين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم وهو يحبهما: ابن سمية، يعني عمار بن ياسر وابن مسعود.
وروى الحارث وابن أبي عمر عن القاسم بن عبد الرحمن - رحمه الله تعالى - قال: كان ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - يلبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعليه، ثم يأخذ العصا فيمشي بها بين يديه، فإذا بلغ مجلسه خلع نعليه من رجليه، فأدخلهما ذراعيه، وأعطاه العصا، فإذا قام ألبسه نعليه، ثم يمشي أمامه حتى يدخل الحجرة قبله.
وروى الحارث عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أستر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل، وأوقظه إذا نام، وأمشي معه في الارض الوحشاء.
وروى أبو يعلى والطبراني بسند ضعيف، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: ما(11/401)
كذبت منذ أسلمت إلا كذبة كنت أرحل لرسول - صلى الله عليه وسلم - فأتى رجل من الطائف فقال: أي الرحلة أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: الطائفية المتكأة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرهها قال: فلما أتى بها قال من رحل لنا هذه ؟ قالوا: رحل لك الذي أتيت به من الطائف قال: " ردوا الرحلة إلى ابن مسعود ".
وروى الطبراني برجال الصحيح عن قيس بن أبي حازم - رحمه الله تعالى - قال: رأيت ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - لطيفا.
وروى الطبراني - برجال ثقات عن حارثة بن مضرب - رضي الله تعالى عنه - قال
كتب عمر - رضي الله تعالى عنه - إلى أهل الكوفة: قد بعثت عمارا أميرا، وعبد الله وزيدا وهما من النجباء، من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر، فاقتدوا بهما، واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن زيد بن وهب قال: إنا لجلوس مع عمر، فجاء عبد الله يكاد الجلوس يوازنه من قصره، فضحك عمر حين رآه، فجعل يكلم عمر ويضاحكه وهو قائم عليه، ثم ولى فأتبعه عمر بصره حتى توارى فقال: كيف ملئ فقها.
انتهى.
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: ما بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد إلا أربعة، أحدهم: عبد الله بن مسعود.
وروى البزار - بإسناد رجاله ثقات - غير محمد بن حميد الرازي، وهو ثقة تكلم فيه، والطبراني - وسنده منقطع - عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رضيت لامتي ما رضي لها ابن أم عبد، وكرهت لامتي ما كره لها ابن أم عبد ".
وروى الطبراني - برجال ثقات - إلا أن عبيد الله بن عثمان بن خثيم، لم يدرك أبا الدرداء، - عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال لابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قم فاخطب، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إن الله عز وجل ربنا، وإن الاسلام ديننا، وإن القرآن إمامنا وإن البيت قبلتنا وإن هذا نبينا، وأومأ بيده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رضينا ما رضي الله ورسوله لنا، وكرهنا ما كره الله لنا ورسوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أصاب ابن أم عبد وصدق، رضيت بم رضي الله لي ولامتي وابن أم عبد، وكرهت ما كره الله تعالى لي ولامتي وابن أم عبد (1).
__________
(1) انظر المجمع 9 / 293.
(*)(11/402)
وروى أبو يعلى - برجال الصحيح - عن قيس بن مروان، وهو ثقة قال: جاء رجل إلى
عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وهو بعرفة فقال: يا أمير المؤمنين، جئت من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه، قال: فغضب عمرو وانتفح حتى كاد يملا نا ؟ بين شعبتي الرحل فقال: ويحك، من هو ؟ قال: فقال: عبد الله بن مسعود، فما زال عمر يطفي ويسري عنه الغضب حتى عاد إلى حالته التي كان عليها.
فقال: ويحك والله ما أعلم أحدا بقي من الناس هو أحق بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزال يسمر عند أبي الليلة، كذلك في أمير من أمر المسلمين، وإنه سمر عند ذات ليلة وأنا معه، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي، ونحن نمشي معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع قراءته، فلما كدنا أن نعرف الرجل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد، قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " سل تعطه " فقال عمر: فقلت: والله لاغدون إليه فلا بشرنه قال: فغدوت عليه لابشره، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره فقلت: " والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه " (1) وفي رواية: " فوجدت أبا بكر خارجا من عنده، فقلت: إن فعلت إنك لسباق بالخير.
وروى الطبراني والبزار ورجاله ثقات، عن عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد.
وروى الطبراني بسند ضعيف، عن أبي الطفيل - رضي الله تعالى عنه - قال: ذهب ابن مسعود وناس معه إلى كبات، فصعد ابن مسعود شجرة ليجتني منها، فنظروا إلى ساقيه، فضحكوا من حموشتها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنهم لاثقل في الميزان من أحد، ثم ذهب كل إنسان فاجتنى فحلا يأكله، وجاء عبد الله بن مسعود بجنائه قد جعله في حجره، فوضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الطبراني بسند جيد، والشطر الأول في الصحيح عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة، وختمت القرآن على خير الناس علي بن أبي طالب.
__________
(1) أخرجه أبو يعلى 1 / 173، والبيهقي 1 / 452، وأبو نعيم في الحلية 1 / 124، وذكره الهيثمي في المجمع 9 / 287، (*)(11/403)
وروى الطبراني عن يحيى بن بكير - رحمه الله تعالى - قال: توفي ابن مسعود بالمدينة، ودفن بالبقيع، وأوصى إلى الزبير بن العوام.
الباب السابع في ذكر رعاة إبله وشياهه - صلى الله عليه وسلم - [...]
الباب الثامن في ذكر من كان على ثقله ورحله ومن يقود به في الأسفار زاده الله فضلا وشرفا لديه
روى الطبراني عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أقود برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمار يسوق به أو عمار يقود وأنا أسوق، الحديث.
وروى الطبراني عن الاسلع بن شريك - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرحل له ناقته.
الحديث.
وروى الامام أحمد والطبراني عن معمر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أرحل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فقال لي ليلة من الليالي: يا معمر لقد وجدت الليلة في أنساعي اضطرابا قال: فقلت: أما والذي بعثك بالحق نبيا، لقد شددتها كما كنت أشدها ولكن أرخاها من قد كان نفس علي مكاني منك لتستبدل بي، غيري، فقال: أما إني غير فاعل..الحديث) (1).
وروى أبو يعلى عن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وسط أيام التشريق في حجة الوداع..الحديث.
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 40.
(*)(11/404)
جماع أبواب ذكر عبيده وإمائه وخدمه من غير مواليه - صلى الله عليه وسلم -
الباب الأول في ذكر عبيده - صلى الله عليه وسلم -
قال النووي - رحمه الله تعالى: اعلم أن هؤلاء الموالي لم يكونوا موجودين في وقت واحد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بل كان كل شخص منهم في وقت، وهم زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أبو أسامة.
ومنهم: أسلم، وقيل: إبراهيم وقيل هرمز وقيل: إبراهيم أبو رافع، مشهور بكنيته، وقيل: غير ذلك القبطي أسلم قبل بدر، وكان للعباس فوهبه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقه، وكان على ثقل رسول - صلى الله عليه وسلم - شهد أحدا والخندق وباقي المشاهد [ توفي بالمدينة ] قيل: في خلافة عثمان، وقيل: في خلافة علي.
أحمر آخره راء - ابن جزء - بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة، وقيل: بفتح الجيم وكسر الزاي بعدها مثناة تحتية - ابن ثعلبة السدوسي.
أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن مولاه، وابن مولاته، وحبه وابن حبه، مات سنة أربع وخمسين على الصحيح.
أسلم بن عبيد الله، ذكره الحافظ الدمياطي في موالي النبي - صلى الله عليه وسلم.
أسيد: ذكره العباس بن محمد الاندلسي.
أفلح: مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره ابن عبد البر وغير واحد في الموالي.
أنجشة الاسود الحادي، كان حسن الصوت بالحداء.
أسد: ذكره العباس بن محمد الاندلسي.
أسود: ذكره النووي في تهذيب الاسماء وأسود وهو الذي قتل بوادي القري، ولا أدري أهما اثنان أم واحد، والذي يظهر من سياقه أنهما اثنان.
أوس: جزم ابن حبان بأن اسمه أبو كبشة، مات يوم استخلف عمر بن الخطاب.
أنسة: بفتح الهمزة والنون.
يكنى أبا مسرح - بضم الميم وفتح السين المهملة وبتشديد الراء - وقيل: أبو مسروح بزيادة واو ومن مولدة السراة كان يأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحيح أنه توفي في خلافة أبي بكر.(11/405)
أيمن بن عبيد بن زيد: وهو ابن أم أيمن أخو أسامة لامه، قال ابن إسحاق: وكان على مطهرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ممن ثبت مع رسول الله عليه وسلم - يوم حنين، والجهور أنه قتل يومئذ.
باذام: ذكره النووي، قال القطب الحلبي: وهو غير طهمان الاتي، باذام يأتي في طهمان بدر: أبو عبد الله.
ذكره ابن الاثير وغيره.
ابن يزيد: وذكره ابن (1) إسحاق إبراهيم بن محمد الصيرفي في الموالي.
ثوبان بن بجدد - بضم الموحدة وسكون الجيم ودالين مهملتين، أولهما مضمومة - وقيل: ابن جحدر من أهل السراة، موضع بين مكة واليمن وقيل: إنه من حمير وقيل: إنه من ألهان أصابه سباء فاشتراه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعتقه، وخيره إن شاء يرجع إلى قومه، وإن شاء يثبت، فإنه منا أهل البيت، فأقام على ولاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفارقه حضرا ولا سفرا، حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات بحمص سنة أربع وخمسين.
حاتم: غير منسوب، اختلقه بعض الكذابين، فروى أبو إسحاق المستملي، وأبو موسى من طريقه أنه سمع نصر بن سفيان بن أحمد بن بن نصر يقول: سمعت حاتما يقول: اشتراني
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثمانية عشر دينارا فأعتقني، فكنت معه أربعين سنة، قال المستملي: كان نصر يقول: إنه أتى عليه مائة وخمس وستون.
قال الحافظ: فعلى زعمه يكون حاتم المذكور عاش إلى رأس المائتين، وهذا هو المحال بعينه.
حنين بنون آخره مصغرا.
روى البخاري في تاريخه وسمويه أنه كان غلاما للنبي - صلى الله عليه وسلم - فوهبه للعباس عمه فأعتقه، وكان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان إذا توضأ خرج بوضوئه لاصحابه، فحبسه حنين فشكوه للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: حبسته لاشربه دوس: ذكره ابن مندة وأبو نعيم في موالي رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ذكوان: يأتي في طهمان.
رافع: ويقال: أبو رافع ويقال له: أبو البهي - بفتح الموحدة وكسر الهاء الخفيفة، وهبه خالد بن سعيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبله وأعتقه.
رويفع: عده النووي في " تهذيب الاسماء " فيهم رياح الاسود: كان يأذن على
__________
(1) في أ: أبو.
(*)(11/406)
النبي - صلى الله عليه وسلم - أحيانا، قال الطبراني: كان أسود.
رويفع اليماني: ذكره مصعب الزبيدي، وابن أبي خيثمة في موالي النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة - بحاء مهملة ومثلثة - الكلبي، يقال له: حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، استشهد بمؤتة سنة ثمان من الهجرة.
زيد أبو يسار.
زيد جد هلال بن يسار بن زيد.
زيد بن بولا، بموحدة، ذكره أبو نعيم وابن الجوزي والنووي في موالي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
سابق: ذكره ابن الجوزي في موالي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونص على صحبته الطبراني
وابن قانع والباوردي.
وقال أبو عمر: لا تصح له صحبة.
سالم: غير منسوب، ذكره أبو نعيم وأبو موسى في موالي النبي صلى الله عليه وسلم.
سعد: ذكره ابن عبد البرفي موالي النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الامام أحمد وأبو يعلى - برجال الصحيح - عن سعد مولى أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - وكان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يعجبه خدمته فقال: يا أبا بكر أعتق سعدا أتتك الرجال، أعتق سعدا أتتك الرجال، أعتق سعدا أتتك الرجال.
سعيد بن زيد، ذكره الدمياطي ومغلطاي في موالي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
سعيد بن حيوة: والد كندير، ذكره ابن الجوزي في مواليه - صلى الله عليه وسلم -.
سفينة، بفتح السين المهملة وكسر الفاء، مختلف في اسمه.
فقيل: مهران، قال الامام النووي في " تهذيب الاسماء واللغات ": هذا قول الاكثرين، وقيل: أحمر، قاله أبو نعيم الفضل بن دكين وغيره، وقيل: رومان، وقيل: بحران، وقيل: عبس، وقيل: قيس، وقيل: شنبة - بعد الشين نون ساكنة ثم موحدة، وقيل: عمير، حكاه الحاكم أبو أحمد، وكنيته أبو عبد الرحمن.
هذا قول الاكثرين، وقيل: أبو البختري، ولقبه النبي - صلى الله عليه وسلم - سفينة، فروى الامام أحمد عنه قال: كنا في سفر فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه وترسا أو سيفا، حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: احمل، فإنما أنت سفينة، فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو ستة أو سبعة، ما ثقل علي، إلا أن يجفو.
كان من مولدي العرب، وقيل: من أبناء فارس، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: اشتراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقه، وقال آخرون: أعتقته أم سلمة.
فيقال له: مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولى أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قال ابن كثير: هذا هو المشهور في سبب تسميته(11/407)
سفينة، قال الطبري: كان أسود من مولدي العرب، وأصله من أبناء فارس، بقي إلى زمن الحجاج.
سلمان الفارسي: أبو عبد الله.
سندر:...شقران - بضم الشين المعجمة - الحبشي واسمه صالح بن عدي، شهد بدرا، وأعتق بعدها، وكان فيمن غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان عبدا حبشيا لعبد الرحمن بن عوف.
فأهداه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: بل اشتراه.
شمعون - بشين معجمة وعين مهلمة - وقيل: بإهمال الشين - والأول أكثر - ابن زيد بن خنافة - بخاء معجمة ونون وفاء.
أبو ريحانة الازدي: وذكره ابن سيد الناس ومغلطاي في الموالى.
صالح: عده النووي في تهذيب الاسماء منهم.
ضميرة بن أبي ضميرة الحميري: طهمان، أو باذام، أو ذكوان، أو كيسان، أو مهران، أو هرمز، هذه الاسماء مسماة على شخص واحد.
عبيد الله بن أسلم، ذكره ابن الجوزي والنووي وابن سيد الناس، ومغلطاي في الموالي.
عبيد بن عبد الغفار [...].
عمرون: ذكره العراقي في الدرر.
فزارة: ذكره العراقي في سيرته.
فضالة اليماني: نزل الشام.
قفيز: بقاف وفاء وآخره زاي.
قصير: عده النووي في تهذيب الاسماء فيهم.
كركرة: قال ابن قرقول: بكسر الكافين وفتحهما، وهو الاكثر، وقال النووي: بفتح الاولى وكسرها، وأما الثانية فمكسورة، وقيل: بفتحهما كان علي ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته.
كريب: ذكره ابن الاثير في موالي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على ثقله.
كيسان: [...].
مأبور: - بالباء الموحدة - القبطي، أهدا المقوقس للنبي - صلى الله عليه وسلم -.(11/408)
محمد بن عبد الرحمن: ذكره ابن الاثير في مواليه عليه الصلاة والسلام.
محمد آخر، قيل: كان اسمه ماياهية: فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمدا، ذكره ابن الاثير في الموالي.
مدعم: - بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين -، وكان أسود من مولدي حسما: - بالحاء المكسورة والسين المهلتين -، اسم مقصور، أهداه رفاعة بن زيد الخزامي.
قال الزركشي: وقيل: اسمه كركرة، اختلف هل أعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو مات عبدا ؟.
مكحول: ذكره ابن الاثير في موالي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
مهران: [...].
ميمون: كذلك وكذا ذكره النووي في تهذيب الاسماء.
نافع أبو السائب: ذكره ابن عساكر وغيره قال ابن سيد الناس: وهو أخو نفيع.
نبيل: ذكره النووي وابن سيد الناس في الموالي.
نبيه: من مولدي السراة.
نفيع: ويقال: (مسروح) ويقال: نافع بن مسروح، والصحيح نافع بن الحارث بن كلدة بفتحتين، أبو بكرة - بفتح الموحدة - نزل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من سور الطائف في بكرة، فسماه أبا بكر: مات سنة إحدى وخمسين.
نهيك: [...].
هرمز أبو كيسان، ذكره النووي، وجعله غير طهمان، الذي قيل هرمز.
هشام: ذكره ابن سعد في موالي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
هلال بن الحارث: أو ابن ظفر أبو الحمراء، نزل حمص.
واقد أو أبو واقد: ذكره ابن عساكر والنووي في الموالي.
وردان: ذكره النووي وأبو سعيد النيسابوري.
يسار: يقال: إنه الذي قتله العرنيون ومثلوا به.
روي عن سلمة بن الاكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام، يقال له: يسار، فنظر إليه يحسن الصلاة فأعتقه.
أبو أثيلة: ذكره النووي في الموالي: قال النووي في تهذيب الاسماء: اسمه أسلم وقيل: غير ذلك.
أبو أسامة: عده النووي في تهذيب الاسماء فيهم.(11/409)
أبو البشر: ذكره أبو موسى في الموالي.
أبو بكرة: عده النووي في تهذيب الاسماء فيهم.
أبو الحمراء السلمي: يختلف في اسمه.
أبو رافع: قال النووي في تهذيب الاسماء: اسمه أسلم، وقيل غير ذلك، والد البهاء بن أبي رافع، ذكره ابن عساكر في الموالي، وقال: راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
أو ريحانة.
أبو سلمي، ويقال: أبو سلام راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
[ أبو السمح: قيل: اسمه أبو اياد، فلا يدري أين مات ] (1).
أبو صفية: ذكره ابن عساكر وابن الاثير والنووي في تهذيب الاسماء في موالي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أبو ضميرة: قال البخاري: اسمه سعد الحميري، من آل ذي يزن.
أبو عبيد: [...].
أبو عسيب: - بالياء على الصحيح - وقيل: - بالميم -، وفرق بعضهم بينهما، اسمه أحمد ويقال: مرة.
أبو قيلة: [...].
أبو كبشة الانماري من أنمار مذحج على المشهور، في اسمه أقوال، أشهرها سليم - بالتصغير - شهد بدرا ويقال: أوس، شهد بدرا وأحدا، وما بعدهما من المشاهد، وتوفي يوم استخلف عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -.
أبو لبابة: ذكره محمد بن حبيب.
قال ابن الاثير: كان حبشيا وقيل: نوبيا، وأبو سعيد النيسابوري في مواليه - صلى الله عليه وسلم -.
أبو لفيظ: ذكره ابن حبيب.
قال ابن الاثير: كان حبشيا وقيل: نوبيا.
أبو مويهبة: من مولدي مزينة، لا يعرف اسمه.
أبو هند الحجام: ابتاعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصرفه من الحديبية، وأعتقه، ذكره أبو سعد النيسابوري وغيره.
أبو واقد: ذكره ابن سيد الناس ومغلطاي.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(11/410)
أبو اليسر: ذكره أبو سعيد النيسابوري في الموالي.
وروى الطبراني - برجال ثقات -، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليان: حبشي وقبطي فاستبا يوما فقال أحدهما: يا حبشي وقال الاخر: يا قبطي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهما: لا تقولا هكذا، إنما أنتما رجلان لال محمد، قال في زاد المعاد: واستحسن - صلى الله عليه وسلم - الرقيق في الاماء والعبيد، وكان مواليه وعتقاؤه من العبيد أكثر من الاماء.
روى الترمذي عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما امرئ مسلم أعتق امرءا مسلما
كان فكاكه من النار يجزي كل عضو منه عضوا من النار، وأيما امرئ مسلم، أعتق امرأتين مسلمتين، كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضو منهما عضوا منه فكان أكثر عتقائه - صلى الله عليه وسلم - من العبيد، وهذا أحد المواضع الخمسة، التي يكون الانثى منها على النصف من الذكر، والثاني: العقيقة، فإنها عن الذكر بشاتين، وعن الانثى بشاة، والثالث: الشهادة، والرابع: الميراث.
والخامس: الدية، - والله سبحانه أعلم.(11/411)
الباب الثاني في ذكر إمائه - صلى الله عليه وسلم -
وهن: أمة الله بنت رزينة: والصحيح أن الصحبة لامها رزينة.
أميمة: كانت توضئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها ابن السكن في الموالي.
وأم أسامة بن زيد بن حارثة.
بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين الحبشية.
[ بركة - بفتح الموحدة والراء - أم أيمن حاضنة ] (1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمنت قديما، وهاجرت الهجرتين، كذا قاله أبو عمر.
وقال الحافظ: إنها لم تهاجر إلى الحبشة، ماتت في أول خلافة عثمان وهي غير بركة أم أيمن الحبشية، التي كانت مع أم حبيبة بالحبشة.
(بريرة) روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن بريدة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ من الليل، دعا جارية له يقال لها: بريرة، قال الحافظ: ويحتمل أنها مولاة عائشة، وتنسب إلى ولاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجازا.
حضرة: ذكرها ابن سعد والبلاذري وابن منده.
خليسة: بالخاء المعجمة، جارية حفصة بنت عمر، ذكرها ابن كثير في موالي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
خولة: جدة حفص بن سعيد، ذكرها أبو عمر.
ربيحة: براء ثم موحدة ثم مثناة تحتية، ثم حاء مهملة -.
القرظية: ذكرها الديماطي في أماليه.
رزينة - بفتح الراء وبعدها زاي - وقيل: بالعكس وقيل: بالتصغير، مولاة صفية، ذكرها بعضهم في موالي النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن عساكر: والصحيح أنها كانت لصفية، وكانت تخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن روى أبو يعلى وابن أبي عاصم، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبى صفية يوم قريظة، فأعتقها وأمهرها رزينة، فعلى هذا يكون أصلها للنبي - صلى الله عليه وسلم - لكن الحق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.
روضة: ذكرت في حديث عمرو بن سعيد الثقفي، في الرجل الذي استأذن، وفيه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لامة يقال لها: روضة، الحديث رواه ابن جرير.
__________
(1) ما بين المعكوفين ورد في خ بعد قوله: " ذكرها ابن السكن في الموالي " السابق ذكره.
(*)(11/412)
رضوى: ذكرها ابن سعد وغيره.
ريحانة [ بنت شمعون: تقدم ] (1) ذكرت في أزواجه - صلى الله عليه وسلم -.
ركانة: ذكرها أبو الحسن علي بن الفضل المقدسي في طبقاته.
سائبة: ذكرها أبو موسى المدني.
سديسة: - بفتح السين عن الاكثرين - ووقع بخط بعضهم بالتصغير، الانصارية، ويقال: مولاة حفصة بنت عمر، ذكرها ابن كثير في الاماء.
سلامة: حاضنة إبراهيم بن سيد الخلائق، ذكرها ابن الاثير.
سلمي: - بفتح السين - أم رافع مولاة أبي رافع ذكرها أبو موسى في الاماء.
سلمى أخرى: ذكرها ابن سعد في طبقاته، في ترجمة زينب بنت جحش، قال الحافظ: وأظنها التي قبلها.
سيرين: أخت مارية القبطية خالة إبراهيم، وهبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت
- رضي الله تعالى عنه -.
صفية: خادمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
عنقودة: أم صبيح الحبشية جارية عائشة، يقال: كان اسمها هدية، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنقودة، رواه أبو نعيم ويقال: اسمها غفيرة - بمعجمة وفاء مصغرة -، ذكرها ابن كثير في الموالي.
قلت: والحديث الذي ذكرت فيه باطل.
فضية: جارية فاطمة ذكرها ابن كثير في الاماء، وفيه نظر.
ليلى: مولاة عائشة ذكرها ابن كثير في الاماء، وفيه نظر.
مارية القبطية: أم إبراهيم تقدم ذكرها مع ذكر أمهات المؤمنين.
مارية بنت مرضية: مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكنى أم الرباب، ولامها صحبة.
ميمونة بنت سعد، ويقال: سعيد، ذكرها أبو عمر وابن عساكر في الموالي.
ميمونة بنت أبي عسيب، ويقال: أبي عنبسة، قال أبو نعيم: والصواب الاول.
أم ضميرة: والدة ضميرة.
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/413)
أم عياش - بمثناة ومعجمة -، وقيل: بموحدة ومهملة، بعثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ابنته رقية حين زوجها لعثمان.
الباب الثالث في ذكر خدمه - صلى الله عليه وسلم - من غير مواليه
وهم أنس بن مالك بن النضر، الانصاري، النجاري، أبو حمزة نزيل البصرة، خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، شهد الحديبية وما بعدها، عامش مائة سنة إلا ستة، وقيل: غير ذلك، ومات سنة تسعين هجرية، وقيل: إحدى، وقيل اثنتين وقيل: ثلاث
وتسعين والله أعلم.
أربد: ذكره أبو موسى المديني (1).
أسلع - بهمزة مفتوحة، فسين مهملة مهملة ساكنة، فلام مفتوحة - ابن شريك بن عوف الاشجعي (2)، ويقال: الاسلع بن الاسلع الاعرابي، ويقال: إن اسمه ميمون بن يسار، قاله في تهذيب الاسماء واللغات، كان صاحب راحلة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أسماء بن حارثة بن سعيد الاسلمي (3)، وكان من أهل الصفة.
روى ابن سعد عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: ما كنت أظن إلا أن هندا وأسماء ابني حارثة مملوكان.
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، توفي أسماء سنة ست وستين بالبصرة عن ثمانين سنة.
الاسود بن مالك الاسدي اليماني البراء بن مالك بن النضر كان يحدو له (4).
أيمن بن عبيد: المعروف بابن أم أيمن حاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان على مطهرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعاطيه حاجته، وثبت معه يوم حنين.
__________
(1) اختلف في اسمه قال ابن سعد في الطبقات: حمير، وقال ابن هشام: حميره بالحاء، ويقال: جميرة بالجيم، وبالأول جزم ابن ما كولا.
وفرق الذهبي بين أربد بن حمير.
الذي هاجر إلى الحبشة، وشهد بدرا، وبين أربد خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال في الثاني: استدركه أبو موسى من حديث منكر.
انظر طبقات ابن سعد 3 / 66 تجريد أسماء الصحابة 1 / 11 عيون الاثر 2 / 391.
(2) انظر تهذيب الاسماء واللغات 1 / 117 الاصابة 1 / 35 البداية والنهاية 5 / 332 زاد المعاد 1 / 117 المواهب اللدنية 1 / 217.
(3) انظر تهذيب الاسماء واللغات 1 / 29 تجريد أسماء الصحابة 1 / 17.
البداية والنهاية 5 / 332، تلقيح فهوم أهل الاثر (38).
(4) انظر عيون الاثر 2 / 391، تلقيح فهوم أهل الاثر ص (38).
(*)(11/414)
بكير بن الشداخ الليثي ذكره ابن منده، والنووي في تهذيب الاسماء، ويقال: بكر (1).
بلال بن رباح الحبشي (2)، ويعرف بابن حمامة، وهي أمه.
قال الحافظ: [...].
والمزي وابن كثير وغيرهم: وكان من أفصح الناس، لا كما يعتقده بعض الناس، أن سينه كانت شينا، حتى أن بعضهم يروي في ذلك حديثا لا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (سين) بلال عند الله كانت شينا وهو أحد المؤذنين الاربعة، وأول من أذن، وقد كان يلي أمر النفقة على العيال، ولما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فيمن خرج إلى الشام في الغزو، ومات بدمشق، وقيل: بالمدينة، قال النووي: وهو غلط، والذي عليه الجمهور أنه بباب الصغير.
وقيل: بحلب، والصحيح أن الذي مات بحلب أخوه خالد.
ثعلبة بن عبد الرحمن الانصاري، مات خوفا من الله تعالى في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3).
جندب: بضم الجيم والدال وفتحها - ابن جنادة - بضم الجيم -، أبو ذر الغفاري.
جديع بن نذير - بالتصغير فيهما - قاله المزادي ثم الكعبي، قال ابن يونس: له صحبة، وخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
حبة بن خالد بن حدرجان بن عبد الرحمن بن الحدرجان بن مالك.
حسان الاسلمي: ذكر الطبري أنه كان يسوق بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
حنين (4) - بنون آخره - كان غلاما للنبي - صلى الله عليه وسلم - فوهبه للعباس فأعتقه، فكان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
خالد بن سيار الغفاري (5).
ذومخمر (6) بالميم ويقال: بالموحدة وهو ابن أخي النجاشي أو ابن أخته، كان بعثه ليخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نيابة عنه.
__________
(1) انظر تهذيب الاسماء واللغات 1 / 29 البداية والنهاية 5 / 333 عيون الاثر 2 / 391.
(2) انظر تهذيب الاسماء واللغات 1 / 136 تلقيح فهوم أهل الاثر (38) البداية والنهاية 5 / 333 عيون الاثر.
(3) انظر عيون الاثر 2 / 391 تلقيح فهوم أهل الاثر (38) تجريد أسماء الصحابة 1 / 68.
(4) انظر تهذيب الاسماء واللغات 1 / 28 المواهب اللدنية 1 / 217 البداية النهاية 5 / 314.
(5) انظر الاصابة 2 / 92.
(6) انظر تهذيب الاسماء واللغات 1 / 29 تلقيح فهوم أهل الاثر (38).
(*)(11/415)
ربيعة بن كعب الاسلمي (1) أبو فراس صاحب وضوئه - صلى الله عليه وسلم -، مات سنة ثلاث وعشرين.
سابق، ذكره ابن عبد البر، وقيل: هو أبو سلام الهاشمي (2).
سالم الهاشمي: ذكره العسكري (3).
سعد أو سعيد والأول أكثر، مولى أبي بكر الصديق (4).
سلمي: وقيل: سالم، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
عبد الله بن رواحة دخل يوم عمرة القضاء مكة، وهو يقود بناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قتل يوم مؤتة.
عبد الله بن مسعود: صاحب نعليه - صلى الله عليه وسلم -، إذا قام ألبسه إياهما، وإذا جلس جعلها في ذراعيه حتى يقوم.
عقبة بن عامر (5): كان صاحب بغلته، يقود به في الاسفار، وكان عالما بكتاب الله والفرائض، فصيحا كبير الشأن شاعرا، ولي مصر لمعاوية سنة أربعين، وتوفي سنة ثمان وخمسين.
قيس بن سعد بن عبادة الانصاري الخزرجي (6) روى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان قيس بن عبادة - رضي الله تعالى عنه - من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب
الشرطة من الامير، توفي بالمدينة آخر أيام معاوية.
المغيرة بن شعبة الثقفي - رضي الله تعالى عنه - كان بمنزلة السلحدار بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وكان داهية من دهاة العرب، مات سنة خمسين، على الاصح.
المقداد بن الاسود الكندي.
معيقيب بن أبي فاطمة (7) كان على خاتمه ونفقته.
نعيم بن ربيعة بن كعب الاسلمي (8).
مهاجر: مولى أم سلمة.
__________
(1) انظر تهذيب الاسماء 1 / 29 المواهب اللدنية 1 / 217 تجريد أسماء الصحابة 1 / 181 البداية والنهاية 5 / 334.
(2) انظر عيون الاثر 2 / 393 الوفا 2 / 581 تهذيب الاسماء واللغات 1 / 28 تلقيح فهوم أهل الاثر (35).
(3) انظر تهذيب الاسماء واللغات 1 / 29 المواهب اللدنية (35).
(4) انظر تهذيب الاسماء واللغات 1 / 29 المواهب اللدنية 1 / 217 عيون الاثر 2 / 390.
(5) انظر زاد المعاد 1 / 117 المواهب اللدنية 1 / 216 السيرة الحلبية 3 / 325 البداية والنهاية 5 / 337.
(6) انظر البداية والنهاية 5 / 337.
(7) انظر الاصابة 6 / 130.
(8) انظر تجريد أسماء الصحابة 1 / 181.
(*)(11/416)
هلال بن الحارث (1): أبو الحمراء، ذكره ابن عساكر.
هند بن حارثة - بالحاء المهملة - الاسلمي، أخو أسماء (2).
أبو بكر الصديق: تولى خدمته بنفسه في سفر الهجرة.
أبو الحمراء: هلال، تقدم.
أبو ذر: جندب بن جنادة الغفاري (3).
أسلم قديما، وتوفي بالربذة، سنة إحدى وثلاثين، أو اثنتين وثلاثين.
أبو السمح: تقدم في الموالي.
أبو سلام الهاشمي: اسمه سالم، تقدم.
غلام من الانصار أصغر من أنس.
وخدمه - صلى الله عليه وسلم - من النساء أمة الله بنت رزينة (4)، ذكرها في الاصابة من محلة الخدام.
رزينة بنت [...].
سلمي: أم رافع (5).
صفية: ذكرها الحافظ (6).
ميمونة: (7) وأم عياش، تقدموا في الاماء.
خولة: خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أم حفصة: لها ذكر عند الطبراني.
بركة: أم أيمن الحبشية: كانت مع أم حبيبة بنت أبي سفيان تخدمها هناك وهي التي شربت بوله - صلى الله عليه وسلم - وهي غير بركة أم أيمن مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافا لابي، عمر، وقال ابن السكن: اتفقا في الاسم والكنية، قال الحافظ: وهو محتمل على بعد مارية أم الرباب (8): ذكرها أبو عمير وغيره من الخدام التي طأطأت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد حائطا ليلة فر من المشركين.
__________
(1) انظر تلقيح فهوم أهل الاثر (38) المواهب اللدنية 1 / 217.
(2) انظر تهذيب الاسماء واللغات 1 / 28.
عيون الاثر 2 / 390.
(3) انظر زاد المعاد 1 / 117 المواهب اللدنية 1 / 217 تلقيح فهوم أهل الاثر (38) عيون الاثر 2 / 391.
(4) انظر البداية والنهاية 5 / 325.
(5) انظر الاصابة 4 / 333 البداية والنهاية 5 / 321 زاد المعاد 1 / 116 تهذيب الاسماء 1 / 28.
(6) انظر الاصابة 4 / 350 تجريد أسماء الصحابة 2 / 282.
(7) إما أن تكون ميمونة ابنة سعد أو سعيد وإما أن تكون ميمونة ابنة " أبي عسيب أو عسيبة ".
انظر في الاولى أنساب الاشراف 1 / 485 البداية والنهاية 5 / 330 وفي الثانية تجريد أسماء الصحابة 2 / 307 البداية والنهاية 5 / 331.
(8) انظر الاستيعاب 4 / 415.
(*)(11/417)
جماع أبواب ذكر دوابه ونعمه وغير ذلك مما يذكر
باب يذكر فيه خيله وبغاله وحمره - صلى الله عليه وسلم -
كان له صلى الله عليه وسلم سبعة أفراس.
وكان له بغال ست وكان له من الحمر اثنان.
وكان له من الابل المعدة للركوب ثلاثة.
فأما أفراسه صلى الله عليه وسلم، ففرسه يقال له السكب: شبه بسكب الماء وانصبابه، لشدة جريه، وهو أول فرس ملكه صلى الله عليه وسلم، اشتراه من أعرابي بعشرة أواق، وكان اسمه عند الاعرابي الضرس: أي بفتح الضاد وكسر الراء وبالسين المهملة: الصعب السئ الخلق، وكان أغر: أي له غرة، وهي بياض في وجهه، محجلا طلق اليمين، كميتا: أي بين السواد والحمرة.
وقال ابن الاثير: كان أسود أدهم، وفرس يقال له المرتجز: أي سمي به لحسن صهيله، مأخوذ من الرجز الذي هو ضرب من الشعر، وكان أبيض، وهو الذي شهد له فيه خزيمة بأنه صلى الله عليه وسلم - اشتراه من صاحبه بعد أنكر بيعه له، وقال له: ائت بمن يشهد لك، فجعل شهادة خزيمة بشهاتين، بعد أن قال له صلى الله عليه وسلم: كيف شهدت ولم تحضر ؟ فقال: لتصديقي إياك يا رسول الله، وإن قولك كالمعاينة فقال له صلى الله عليه وسلم: أنت ذو الشهادتين، فسمي ذا الشهادتين، ثم قال صلى الله عليه وسلم: " من شهد له، خزيمة أو شهد عليه فهو حسيبه " لكن جاء أنه صلى الله عليه وسلم رد الفرس على الاعرابي وقال: " لا بارك الله لك فيها " فأصبحت من الغد شائلة برجلها.
وفرس يقال له اللحيف بالحاء المهملة واللام المضمومة فعيل بمعنى فاعل، لانه كان يلحف الارض بذنبه لطوله: أي يغطيها: وقيل لانه كان يلتحف معرفته.
وقيل: هو بضم اللام مصغرا، وقيل: بالخاء المعجمة مع فتح اللام وهو
الاكثر.
وهذا الفرس أهداه له صلى الله عليه وسلم فروة بن عمرو من أرض البلقاء بالشام.
وفرس يقال له اللزاز، أي أهداه له المقوقس كما تقدم، مأخوذ من قولهم: لاززته: أي لا صقته، فكان يلحق بالمطلوب لسرعته، وقيل غير ذلك.
وفرس يقال له الطرف أي بكسر الطاء المهملة وسكون الراء وبالفاء: الكريم الجيد من الخيل.
وفرس يقال له الورد، وهو بين الكميت والاشقر، أهداه له صلى الله عليه وسلم تميم الداري رضي الله تعالى عنه، وأهداه صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه.
وفرس يقال له سبحة: أي بفتح السين وإسكان الموحدة وفتح الحاء المهملة: أي سريع الجري، هذا هو المشهور.
وعد بعضهم في خيله صلى الله عليه وسلم غير ذلك، فأوصل جملتها إلى خمسة عشر بل إلى العشرين.
وقد ذكر الحافظ الدمياطي أسماء الخمسة عشر في سيرته وقال فيها: وقد ذكرناها وشرحناها في كتابنا: كتاب الخيل.(11/418)
وكان سرجه صلى الله عليه وسلم دفتين من ليف.
قال: لم يكن شئ أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل.
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم مسح وجه فرسه ومنخريه وعينيه بكم قميصه فقيل له: يا رسول الله تمسح بكم قميصك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن جبريل عليه السلام عاتبني في الخيل ".
وفي رواية: " في الفرس " أي في امتهانها.
وفي رواية: " في سياستها " وقال: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها فخذوا بنواصيها، وادعوا بالبركة " ا ه.
أي وقد ذكر " أنه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قام إلى فرسه الطرف فعلق عليه شعيره، وجعل صلى الله عليه وسلم يمسح ظهره بردائه، فقيل له: يا رسول الله تمسح ظهره بردائك ؟ فقال: " نعم، وما يدريك لعل جبريل عليه الصلاة والسلام أمرني بذلك " ؟.
وعن بعضهم قال: دخلت على تميم الداري رضي الله تعالى عنه وهو أمير بيت المقدس، فوجدته ينقي لفرسه شعيرا، فقلت: أيها الامير ما كان لهذا غيرك ؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نقي لفرسه شعيرا ثم جاء به حتى يعلقه عليه كتب الله له بكل شعيرة حسنة " وكان صلى الله عليه وسلم يضمر الخيل للسباق، فيأمر بإضمارها بالحشيش اليابس شيئا بعد شئ، ويأمر بسقيها غدوة وعشيا، ويأمر أن يقودها كل يوم مرتين، ويؤخذ منها من الجري الشوط والشوطان.
وأما بغاله صلى الله عليه وسلم، فبغلة شهباء يقال لها دلدل، أهداها له المقوقس كما تقدم.
والدلدل في الاصل: القنفذ، وقيل: ذكر القنافذ، وقيل: عظيمها، وهذه أول بغلة ركبت في الاسلام.
وفي لفظ: رئيت في الاسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يركبها في المدينة وفي الاسفار.
وعاشت حتى ذهبت أسنانها، فكان يدق لها الشعير، وعميت.
وقاتل عليها علي كرم الله وجهه الخوارج بعد أن ركبها عثمان رضي الله تعالى عنه، وركبها بعد علي ابنه الحسن ثم الحسين رضي الله تعالى عنهما، ثم محمد بن الحنفية رحمه الله.
وسئل ابن الصلاح رحمه الله: هل كانت أنثى أو ذكرا والتاء للوحدة، فأجاب بالاول.
قال بعضهم: وإجماع أهل الحديث على أنها كانت ذكرا، ورماها رجل بسهم فقتلها.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم بعثني إلى زوجته أم سلمة، فأتيته بصوف وليف، ثم فتلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لدلدل رسنا وعذارا، ثم دخل البيت فأخرج عباءة فثناها ثم ربعها على ظهرها، ثم سمى وركب، ثم أردفني خلفه ".
وبغلة يقال لها فضة، أهداها له عمرو بن عمرو الجذامي كما تقدم.
ووهبها صلى الله عليه وسلم لابي بكر رضي الله تعالى عنه، أي وأوصلها بعضهم إلى سبعة.(11/419)
وفي [ مزيل الخفاء ] وفي [ سيرة مغلطاي ]: كان له صلى الله عليه وسلم من البغال دلدل وفضة، والتي أهداها له ابن العلماء: أي بفتح العين المهملة وإسكال اللام وبالمد في غزوة تبوك، والايلية: وبغلة أهداها له كسرى، وأخرى من دومة الجندل، وأخرى من عند النجاشي هذا كلامه.
وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه كان صاحب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقود به في الاسفار، وتوفي بمصر ودفن بقرافتها، وقبره معروف بها، وكان واليها من قبل معاوية بعد عتبة
ابن أبي سفيان، ثم صرف عنها بمسلمة بن مخلد.
وعن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: قدت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته مدة من الدليل، فقال: أنخ، فأنخت فنزل عن راحلته، ثم قال: اركب فقلت: سبحان الله أعلى مركبك يا رسول الله وعلى راحلتك ؟ فأمرني، فقال: اركب، فقلت له مثل ذلك، ورددت ذلك مرارا حتى خفت أن أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فركبت راحلته.
ذكره في الامتاع.
وأما حمره صلى الله عليه وسلم، فحمار يقال له يعفور.
وحمار يقال له عفير بالعين المهملة، وقيل: بالمعجمة وغلط قائله وكان أشهب، ومات في حجة الوداع.
والأول أهداه له فروة بن عمرو الجذامي، وقيل: المقوقس.
والثاني أهداه له المقوقس، وقيل: فروة بن عمرو كذا في سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله، والعفرة هي الغبرة، أي وأوصل بعضهم حمره صلى الله عليه وسلم إلى أربعة.
وتقدم أن يعفورا وجده صلى الله عليه وسلم في خيبر، وأنه يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم طرح نفسه في بئر جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات، وتقدمت قصته وما فيها.
وأما إبله صلى الله عليه وسلم التي كان يركبها.
فناقة يقال لها القصواء.
وناقة يقال لها الجدعاء، وناقة يقال لها العضباء، وهي التي كانت لا تسبق فسبقت، فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه ".
وفي رواية: " إن الناس لم يرفعوا شيئا من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل " ويقال إن هذه العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تشرب حتى ماتت، وقيل إن التي كانت لا تسبق ثم سبقت هي القصواء، وكانت العضباء يسبق بها صاحبها الذي كانت عنده، الحاج، ومن ثم قيل لها: سابقة الحاج.
وقيل إن هذه الثلاث اسم لناقة واحدة وهو المفهوم من الاصل، وهو موافق في ذلك لابن الجوزي رحمه الله حيث قال إن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء.
وقيل: القصواء واحدة والعضباء والجدعاء واحدة.
وفي كلام بعضهم: وأما البقر فلم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم ملك شيئا منها: أي للقنية فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر.
وأما غنمه صلى الله عليه وسلم، فقيل مائة، وقيل سبعة أعنز كانت ترعاها أم أيمن رضي الله تعالى عنها،
وجاء " اتخذوا الغنم فإنها بركة " وكان له صلى الله عليه وسلم شياه يختص بشرب لبنها، وماتت له صلى الله عليه وسلم شاة،(11/420)
فقال: ما فعلتم بإهابها ؟ قالوا: إنها ميتة، قال: دباغها طهورها.
واقتنى صلى الله عليه وسلم الديك الابيض، وكان يبيت معه في البيت وقال: " الديك الابيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي، والله يحرس دار صاحبه وعشرا عن يمينها، وعشرا عن يسارها، وعشرا من بين يديها، وعشرا من خلفها " وقد جاء " اتخذوا الديك الابيض فإن دارا فيها ديك أبيض لا يقربها شيطان ولا ساحر ولا الدويرات حولها، واتخذوا هذا الحمام المقاصيص في بيوتكم فإنها تلهي الجن عن صبيانكم ".
وفي العرائس: " إن آدم قال: يا رب شغلت بطلب الرزق لا أعرف ساعات التسبيح من أيام الدنيا فأهبط الله ديكا وأسمعه أصوات الملائكة بالتسبيح، فهو أول داجن اتخذه آدم عليه السلام من الخلق، فكان الديك إذا سمع التسبيح ممن في السماء سبح في الارض، فيسبح آدم بتسبيحه ".
وأما دوابه صلى الله عليه وسلم من البغال والحمير والابل
عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كانت دلدل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أول بغلة ركبت في الاسلام أهداها المقوقس، وأهدى معها حمارا يقال له عفير.
وكانت قد بقيت حتى كان زمان معاوية.
عن محمد بن إسحاق، عن رجل قال: رأيت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل عبد الله بن جعفر يجش أو يدق لها الشعير، وقد ذهبت أسنانها.
وعن زامل بن عمرو قال: أهدى فروة بن عمرو الجذامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة يقال لها فضة، فوهبها لابي بكر الصديق، وحماره يعفور نفق منصرفه من حجة الوداع.
قال: وقال معمر عن الزهري قال: دلدل أهداها فروة بن عمرو الجذامي، وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها القتال يوم حنين.
قال محمد بن عمر: وأخبرنا أصحابنا جميعا قالوا: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء من نعم بن قشير.
قال محمد بن عمر: وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: كانت من نعم بني قشير ابتاعها أبو بكر الصديق، وأخرى معها بثمانمائة درهم، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي هاجر عليها، وكانت حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم رباعية، فلم تزل عنده حتى نفقت، وكان اسمها القصواء والجدعاء والعضباء كل هذا كان يقال لها، القصواء قطع في أذنها يسير، والعضباء مثلها، والجدعاء النصف من الاذن.(11/421)
وقال قتادة: سألت سعيد بن المسيب عن العضب في الاذن ؟ قال: النصف فما فوقه.
وعن أنس بن مالك قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على ناقة فسابقها فسبقها فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من قدرة الله عز وجل أن لا يرفع شئ إلا وضعه.(11/422)
جماع أبواب بعض ما يجب على الانام من حقوقه عليه الصلاة والسلام
الباب الأول في فرض الايمان به - صلى الله عليه وسلم -
قال تعالى: (آمنوا بالله ورسوله) [ النساء 136 ] وقال عز من قائل: (لتؤمنوا بالله ورسوله) [ الفتح 9 ] وقال عز وجل (فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه) [ الاعراف 158 ] وقال تعالى: (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا) [ الفتح 13 ].
وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ".
وروى الشيخان عن عمر بن الخطاب أن جبريل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أخبرني عن الاسلام فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ثم سأله عن الايمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.
فالايمان به - صلى الله عليه وسلم - واجب، قال القاضي: هو تصديق نبوته ورسالة الله تعالى له، وتصديقه في جميع ما جاء به، وما قاله، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بذلك، ثم الايمان به والتصديق له، فقد قرر أن الايمان به يحتاج إلى العقد بالجنان أي: جزم القلب، والاسلام به مضطر إلى النطق باللسان وهذه الحالة المحمودة، التامة، [ وأما الحال المذمومة ] فالشهادة باللسان دون التصديق بالقلب، وهذا هو النفاق فلما لم يصدق القلب اللسان خرجوا عن الايمان ولم يكن لهم حكمه في الاخرة، وألحقوا بالفكار في الدرك الاسفل من النار، وبقي عليهم حكم الاسلام بإظهار شهادة اللسان في أحكام الدنيا المتعلقة بالائمة وحكام المسلمين الذين أحكامهم جارية على الظواهر بما أظهروه من علامة الاسلام، إذا لم يجعل الله لبشر سبيلا إلى السرائر، ولا أمروا بالبحث عنها، بل نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التحكم عليها، فقال لاسامة بن زيد لما قتل من(11/423)
اضطره فأسلم: " أقتلته بعد أن أسلم هلا شققت عن قلبه " رواه الشيخان، أي: ليعلم أقالها خالصا من قلبه أم لا.
الباب الثاني في وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم
قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه) [ الانفال 20 ] وقال عز وجل: (قال أطيعوا الله والرسول) [ آل عمران 32 ] (وأطيعوا والرسول لعلكم ترحمون) [ آل عمران 132 ] (وإن تطيعوه تهتدوا) [ النور 54 ] وقال تبارك وتعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) [ النساء 80 ].
وقال عز وجل: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [ الحشر 7 ] وقال تعالى: (من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) [ النساء 69 ] وقال عز وجل: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) [ النساء 64 ] وقال تعالى: (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) [ الاحزاب 66 ].
وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر - أي مأمور إيجابا أو ندبا - فأتوا منه ما استطعتم - أي: من غير ترك الواجب - " رواه البخاري.
وروى الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبي قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبي " وقال - عليه الصلاة والسلام -: " مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم: إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان والنجاء النجاء، فأطاعته طائفة منهم فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا من عدوهم، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فاجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما جئت به [ من الحق ] " (1) رواه البخاري وعن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - قال - صلى الله عليه وسلم -: " مثلي كمن بنى دارا وجعل فيها مأدبة فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة رواه الشيخان، فالدار الجنة، والداعي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله، ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس.
__________
(1) سقط في ج (*)(11/424)
رواه الشيخان، عن جابر - رضي الله تعالى عنه -، قال القاضي: فجعل طاعة رسوله طاعته، وقرن طاعته على ذلك بجزيل الثواب، وأوعد على مخالفته بسوء العقاب، وأوجب امتثال أمره واجتناب نهيه، قال المفسرون والائمة: طاعة الرسول في التزام سنته بأن يعمل ما أمر به ويجتنب ما نهى عنه، وما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليهم، أي: بأن يأتمروا بما أمرهم به، وينتهوا عما نهاهم عنه، ومن يطع الرسول في سنته يطع الله في فرائضه، وقيل: أطيعوا الله فيما حرم عليكم، والرسول فيما بلغكم عن ربه عز وجل، وقيل: أطيعوا الله مخلصين مرغبين بالشهادة له بالربوبية، وأطيعوا الرسول بالشهادة له بالرسالة، فطاعة الرسول من طاعة الله، إذ الله أمر بطاعته، فطاعته - صلى الله عليه وسلم - امتثال لما أمر الله تعالى.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أدلجوا - بفتح الهمزة وسكون الدال المهملة فلام مفتوحة فجيم - ساروا أول الليل، وبفتح الدال وتشديدها السير آخر الليل، والاسم منهما الدلجة بضم الدال وفتحها.
على مهلهم: بفتح أوله وكسر ثانيه - (أي بتؤدة وتأن) والاسم المهلمة بضم الميم وكسرها، وفي حديث علي - رضي الله تعالى عنه -: إذا سرتم إلى العدو فمهلا مهلا - أي - - بفتح الهاء - وإذا وقعت العين في العين فمهلا مهلا أي - بفتح الهاء - قال الازهري: الساكن للرفق، والمتحرك: للتقدم، أي: إذا سرتم فتأنوا وإذا التقيتم فاحملوا.
اجتاحهم - بجيم، فمثناة فوقية فألف فحاء مهملة - استأصلهم بذراريهم وأموالهم، وفي الحديث " أعاذ كم الله من جوح الدهر ".
المأدبة - بميم مفتوحة، فهمزة ساكنة، فدال مضمونة، وقد تفتح - طعام بناء الدار، عند أهل اللغة لا يصنع لما لا سبب له.
الباب الثالث: في وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه - صلى الله عليه وسلم -
قال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) [ آل عمران 31 ] وقال: (فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) [ الاعراف 158 ] وقال عز وجل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [ النساء 56 ] وقال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) [ آل عمران 31 ].(11/425)
روى الاجري عن العرباص بن سارية - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الامور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " رواه مسلم بمعناه، وزاد " وكل ضلالة في النار ".
وروى الشافعي في الام، وأبو داود والترمذي وابن ماجه " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ".
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا يرخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغه ذلك فحمد الله ثم قال: " ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أصنعه، فوالله إني لاعلمهم بالله وأشدهم له خشية ".
وروى أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي أنه - عليه الصلاة والسلام - قال " القرآن صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم لمن تمسك بحديثي وفهمه وحفظه جاء مع القرآن ومن تهاون بالقرآن وحديثي فقد خسر الدنيا والاخرة، أمرت أمتي أن يأخذوا بقولي وأن يطيعوا أمري ويتبعوا سنتي فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن " قال تعالى (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [ الحشر 7 ].
وروى عبد الرزاق في مصنفه مرسلا عن الحسن " من اقتدى بي فهو مني، ومن رغب عن سنتي فليس مني ".
وروى الطبراني في الاوسط عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد ".
وروى الاصبهاني في ترغيبه اللالكائي في السنة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة ".
وروى الترمذي، وحسنه، وابن ماجه عن عمرو بن عوف المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال بن الحارث " من أحياء سنة من سنني قد أميتت بعدي فإنه له من الاجر مثل أجور من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا ".
وروى النسائي وابن ماجه عن رجل قال لا بن عمر: يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة السفر، فقال ابن عمر: يا بن أخي، - أي في الاسلام - إن الله تعالى بعث إلينا محمدا، ولا نعلم شيئا، وقد رأيناه يقصر في السفر فقصرنا معه، اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - وذكر اللالكائي في السنة قال عمر بن عبد العزيز: سن(11/426)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الامر بعده سننا الاخذ بها تصديق بكتاب الله واستعمال بطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لاحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، من اقتدى بها فهو مهتد ومن انتصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا، وذكر فيها أيضا عن ابن شهاب الزهري أنه قال: بلغنا عن رجال من أهل العلم، قالوا: الاعتصام بالسنة نجاة.
وروي مسلم حين صلى عمر - رضي الله تعالى عنه - بذي الحليفة ركعتين فقال: أصنع كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع.
وروى البخاري والنسائي، عن علي - رضي الله تعالى عنه - حين قرن فقال له عثمان:
ترى أني أنهى الناس عنه وتفعله، قال لم أكن أدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول أحد من الناس.
وروى الدارمي والطبراني واللالكائي في سننه، عن ابن مسعود وأبي الدرداء - رضي الله تعالى عنهما -: القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة.
وروى عبد بن حميد في مسنده بسند صحيح عن ابن عمر قال: صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر.
وروى الاصبهاني في ترغيبه واللالكائي في " السنة " عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: وعليكم بالسبيل والسنة، فإنه ما على الارض من عبد على السبيل والسنة، ذكر الله تعالى في نفسه ففاضت عيناه من خشيته تعالى فيعذبه الله تعالى أبدا، وما على الارض من عبد على السبيل والسنة ذكر ربه في نفسه فاقشعر من خشية الله تعالى إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها، فهي كذلك إذ أصابتها ريح شديدة فتحات ورقها إلا حط عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها، فإن اقتصادا في سبيل الله وسنته خير من اجتهاد في خلاف سبيل الله تعالى وسنته، وانظروا عملكم إن كان اجتهادا واقصتادا أن يكون على منهاج الانبياء وسنتهم.
وروى الشيخان أن عمر - رضي الله تعالى عنه - نظر إلى الحجر الاسود وقال: إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك.
وروى الامام أحمد والبزار - بسند صحيح - أن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - رئي يدير ناقته في مكان، فسئل عن إدارتها، لاي شئ ؟ فقال: لا أدري إلا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله ففعلته، وقال أبو عثمان الحيري - بموحدة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة -، قرأ شيخ الصوفية بنيسابور: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن(11/427)
أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة، وقال سهل بن عبد الله التستري: أصول مذهبنا: أي:
الصوفية عنى الله تعالى بقولهم: ثلاثة الاقتداء بالنبي - صلى اله عليه وسلم - في الاقوال والافعال، والاكل من الحلال وإخلاص النية في جميع الاعمال.
وجاء في تفسير قوله تعالى (والعمل الصالح يرفعه) [ فاطر 10 ] إنه الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - وقال محمد بن علي الترمذي في تفسير قوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [ الاحزاب 21 ] الاسوة: في الرسول الاقتداء به والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قول أو فعل.
وقال سهل بن عبد الله التستري في تفسير قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم) [ الفاتحة 7 ] قال: بمتابعة سنته - صلى الله عليه وسلم -.
الباب الرابع في التحذير عن مخالفة أمره، وتبديل سنته - صلى الله عليه وسلم -
قال تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [ النور 63 ] وقال تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) [ النساء 115 ].
وروى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المقبرة فذكر الحديث في صفة أمية إلى أن قال: " فليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال فأناديهم ألا هلم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: فسحقا فسحقا ".
وروى البخاري حديثا طويلا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - وفيه " من رغب عن سنتي فليس مني ".
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أحدث في أمرنا هذا ليس منه فهو رد ".
روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي رافع قال: " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه " رواه الترمذي والحاكم عن المقداد وزاد " ألا وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما حرم الله ".
وروى أبو داود في مراسيله والدارمي والفريابي، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بكتاب في كتف فقال: " كفى بقوم حمقا أو ضلالا، أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم أو إلى كتاب غير كتابهم " فنزلت(11/428)
(أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) [ العنكبوت 51 ].
وروى مسلم عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - عنه أن قال: " ألا هلك المتنطعون ".
وروى البخاري، وأبو داود أن أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - قال: لست تاركا شيئا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.
تنبيه في بيان غريب ما سبق: (شجر بينهم) أي اختلف واختلط، ولذا سمي الشجر شجرا لتداخل أغصانه.
الاسوة: الخصلة الحميدة التي من حقها أن يؤتي بها أي تقتدي، وخصاله - صلى الله عليه وسلم - كلها كذلك، بل هو نفسه أسوة يقتدى به.
النواجذ: - بنون فواو فألف فجيم فذال معجمتين - أواخر الاسنان [ أي التي بعد الانياب، ضرب مثلا لشدة التمسك بالدين، لان العض بها يكون بجميع الفم والاسنان ] (1).
يذاد: - بمثناة تحتية مضمومة، فذال معجمة، فألف فدال مهملة - يصد ويطرد.
سحقا: - بسين مضمومة فحاء ساكنة مهملتين فكاف - أي: ألزمهم الله بعدا.
الاريكة: - بهمزة مفتوحة، فراء، فتحتية ساكنة، فكاف السرير المزين في حجلة من دونه سند، فلا يسمي أريكة بدونها، وقيل: هي كل ما أتكى عليه.
المنتطعون: - بميم فمثناة فوقية فنون فطاء مهملة فعين - المتعمقون الغالون في أفعالهم وأقوالهم مأخوذ من النطع وهو الغار الاعلى في أقصى الحلق.
الباب الخامس في لزوم محبته وثوابها وبعض ما ورد عن السلف في ذلك صلى الله عليه وسلم -
قال تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكين ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) [ التوبة 24 ].
روى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاث
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(11/429)
من كن فيه وجد حلاوة الايمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " الحديث.
وروى الشيخان عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ".
وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يؤمن أحد كم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ".
وروى أحمد عن عبد الله بن هشام، عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لانت أحب إلي من كل شئ إلا من نفسي التي هي بين جنبي، فقال له: " لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه " فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لانت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي فقال: " الان يا عمر ".
وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: متى الساعة ؟ قال: " ما أعددت لها " ؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، فقال: " أنت مع من أحببت ".
وروى الترمذي والنسائي عن صفوان بن عسال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " المرء مع من أحب " وروى الترمذي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد حسن
وحسين - رضي الله تعالى عنهما - فقال: " من أحبني وأحب هذين وأمهما وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة ".
وروى الطبراني، وابن مردويه، عن عائشة وابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لانت أحب إلي من أهلي ومالي، وإني لاذكرك فما أصبر عنك حتى أنظر إليك، وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإن دخلتها لا أراك، فأنزل الله تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) [ النساء 69 ].
وروى الاصبهاني في الترغيب عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أحبني كان معي في الجنة ".
وروى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله ".
وقال سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله تعالى -: من لم ير ولاية الرسول - عليه الصلاة والسلام - في جميع أحواله، ويرى نفسه في ملكه - صلى الله عليه وسلم - لا يذوق حلاوة سنته، لانه عليه الصلاة والسلام قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه " الحديث.(11/430)
وروى ابن عساكر عن ابن عمر: أن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - قال: للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " والذي بعثك بالحق لاسلام أبي طالب أقر لعيني من إسلامه - يعني أبا قحافة، وذلك من أجل أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك.
وروى البيهقي والبزار عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن عمر قال للعباس - رضي الله تعالى عنه -: أن تسلم أحب إلي من إسلام الخطاب، لان ذلك أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن إسحاق والبيهقي عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن امرأة من
الانصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: خيرا هو بحمد الله تعالى كما تحبين، قالت: أرونيه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل، وروى ابن المبارك في الزهد، عن زيد بن أسلم أن عمر - رضي الله تعالى عنه - خرج ليلة يحرس الناس فرأى مصباحا في بيت، وإذا عجوز تنفش صوفا، وهي تقول: على محمد صلاة الابرار * صلى عليه الطيبون الاخيار قد كنت قواما بكا بالاسحار * ياليت شعري والمنايا أطوار هل تجمعني وحبيبي الدار تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - فجلس عمر - رضي الله تعالى عنه - يبكي.
وروى ابن السني في " عمل يوم والليلة " أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - خدرت رجله فقيل له: اذكر أحب الناس إليك يزل عنك فصاح: يا محمداه، فانتشرت.
روى البيهقي عن عروة - رضي الله تعالى عنه - أن أهل مكة أخرجوا زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه، فقال له أبو سفيان: أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدا عندنا بمقامك تضرب عنقه، وأنت في أهلك، فقال زيد - رضي الله تعالى عنه -: والله ما أحب أن محمدا الان في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنا جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.
وروى ابن جرير والبزار عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كانت المرأة إذا أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - حلفها بالله، ما خرجت من بغض زوج، ولا رغبة بأرض عن أرض، وما خرجت إلا حبا لله ورسوله.
وروى ابن سعد أن ابن عمر وقف على ابن الزبير - رضي الله تعالى عنهم - بعد قتله وقال: كنت والله فيما علمت صواما قواما تحب الله ورسوله.(11/431)
تنبيهات
الأول: قال القاضي: من علامة حبه - صلى الله عليه وسلم - إيثار حبه، وإلا كان مدعيا، فالصادق في حبه عليه الصلاة والسلام من تظهر علامات ذلك عليه، وأولها: الاقتداء به، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، شاهد هذا قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) [ آل عمران 31 ] وإيثار ما شرعه وحض عليه على هوى نفسه.
وروى الترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال لي رسول الله -: " يا بني إن قدرت على أن تمسي وتصبح ليس في قلبك غش لاحد فافعل ثم قال لي: وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة ".
فمن اتصف بهذه الصفات فهو كامل المحبة لله ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الامور فهو ناقص المحبة، ولا يخرج عن اسمها.
ومن علامة محبته - صلى الله عليه وسلم - كثرة ذكره، فمن أحب شيئا أكثر ذكره.
ومنها كثرة الشوق إلى لقائه - صلى الله عليه وسلم - فكل حبيب يحب لقاء حبيبه، وقد قال أنس - رضي الله تعالى عنه -: وحين رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حوالي القصعة: فما زلت أحب الدباء من يومئذ.
وقد أتى الحسن بن علي وابن عباس وابن جعفر إلى سلمي، خادمته ومولاة عمته صفية، وسألوها أن تصنع لهما طعاما مما كان يعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - يلبس النعال السبتية، ويصبغ بالصفرة إزاره، يفعل نحو ذلك.
ومن علامة حبه بغض من أبغض الله ورسوله ومجانبة من خالف سنته وابتدع في دينه واستثقاله كل أمر يخالف شريعته قال تعالى: (لا نجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله) [ المجادلة 22 ] وهؤلاء الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - قد قتلوا أحباءهم، وقاتلوا أبناءهم وآباءهم في مرضاته، روى البخاري عن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول قال: يا رسول الله لو شئت لاتيتك برأسه يعني: أباه.
الثاني: حقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الانسان إما باستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والاصوات الحسنة، والاطعمة والاشربة اللذيدة وأشبهاها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو استلذاذه بإدراك بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف المأثور عنهم السير الجميلة والافعال الحسنة، فإن طبع الانسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ ذلك ما يؤدي إلى الجلاء عن الاوطان وهتك الحرم واحترام النفوس أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه، فقد جبلت(11/432)
النفوس على حب من أحسن إليها.
قال القاضي: فقد استبان لك أنه - صلى الله عليه وسلم - مستوجب للمحبة الحقيقية شرعا بما قدمناه من صحيح الاثار، لافاضته الاحسان علينا، من رأفته بنا ورحمته لنا وهدايته إيانا وشفقته علينا، وإنقاذنا من ورطة الجهالة، وإنه بنا رؤوف رحيم، ورحمة للعالمين وقد جمع الله تعالى فيه جميع أسباب المحبة المتقدمة، فإن الله تعالى جمله بجمال الصور الظريفة وبكمال الاخلاق والباطن وبمكارم الاحسان، وكرائم الانعام.
قال القاضي - رحمه الله تعالى -: فإذا كان الانسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفا.
أو أنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع فمن منحه ما لا يبيد من النعيم ووقاه ما لا يفنى من عذاب الجحيم فهو أولى بالحب، وإذا كان يحب بالطبع ملك لحسن سيرته، أو حاكم لما يؤثر عنه من قوام طريقته، أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه، أو كرم شيمته، فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب وأولى بالميل، وقد قال علي - رضي الله تعالى عنه - في صفته - صلى الله عليه وسلم -: من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه.
الثالث في بيان غريب ما تقدم: جلل: - بجيم فلام مفتوحتين فلام أخرى - أي هين حقير.
بكا: بضم الموحدة - قصر لضرورة الوزن.
الاسحار: - بهمزة مفتوحة، فسين ساكنة، فحاء مفتوحة مهملتين، فألف، فراء - خصتها بالبكاء لانها أوقات خلوة وابتهال إلى الله تعالى، قال لقمان لابنه: " يا بني لا يكن الديك أكيس منك ينادي بالاسحار وأنت نائم ".
المنايا: بميم فنون مفتوحتين فألف فتحتية فألف - جمع منية: وهي الموت من منى الله عليك بمعنى قدر، لانه مقدر بوقت مخصوص.
أطوار: - بهمزة مفتوحة، فطاء مهملة ساكنة، فواو فألف فراء - حالات شتى مختلفة.
الدثنة: - بدال مهملة مفتوحة، فمثلثة مكسورة، فنون مشددة مفتوحة -.(11/433)
الباب السادس في وجوب مناصحته صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى: (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا الله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) [ التوبة 91 ].
قال أهل التفسير: معناه: إذا كانوا مخلصين في أفعالهم وأقوالهم، مسلمين في السر والعلانية.
روى مسلم وأبو داود عن تميم الداري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة.
قيل: لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم ".
[ قال القاضي: قال أئمتنا أي: من المالكية: النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم واجبة ] (1)، وقال الامام أبو سليمان البستي حمد الخطابي: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر عنها بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غيرها، ومعناها في اللغة: الاخلاص من قولهم نصحت العسل إذا خلصته من شمعه بنار لطيفة، وقال أبو بكر بن أبي إسحاق الخفاف: - بخاء معجمة، بفاءين، أولاهما مشددة بيهما ألف - النصح فعل الشئ الذي به الصلاح والملاءمة، مأخوذ من النصاح - بنون مكسورة وصاد مهملة مفتوحة وألف وحاء مهملة -، وهو الخيط الذي يخاط به الثوب، فنصيحة الله تعالى الايمان به، وصحة الاعتقاد له بالوحدانية، ووصفه بما هو أهله، بدون إلحاد في صفاته، وتنزيهه عما لا يجوز عليه ولا يليق به مما يوهم نقصا والبعد من جميع ما يستخطه ولا يرضاه، والاخلاص في عبادته، بأن تفرده بالقصد من غير شرك ولا رياء.
والنصيحة لكتابه الايمان به: أي التصديق بأن كلام الله تعالى بما اشتمل عليه من أحكام ومواعظ وأمثال (وعموم)، والعمل بما فيه من المحكم والتسليم للمتشابه، والتخشع عند تحسين تلاوته والتعظيم له، والتفقه في معانيه، والذب عنه من تأويل الغالين وطعن الملحدين.
والنصيحة لرسوله التصديق بنبوته، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه وقال الخفاف: نصيحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤازرته ونصرته وحمايته حيا وميتا، وإحياء سنته بالعمل بها والذب عنها، ونشرها، والتخلق بأخلاقه الكريمة وآدابه الجميلة، وقال أبو إبراهيم إسحاق التجيبي
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(11/434)
- بضم المثناة الفوقية وفتحها، ثم جيم مفتوحة، فمثناة وتحتية ساكنة فموحدة - نسبة إلى تجيبة بطن من كندة - نصيحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التصديق بما جاء به والاعتصام بسنته ونشرها والحض (عليها)، والدعوة إلى الله تعالى وإلى كتابه وإلى رسوله، والعمل بها.
وقال أحمد بن محمد: من مفروضات القلوب اعتقاد النصيحة له - صلى الله عليه وسلم -، وقال أبو بكر الاجري - بهمزة ممدوة فجيم مضمومة فراء مشددة -: النصح له - صلى الله عليه وسلم - يقتضي، نصحين نصحا في حياته ونصحا بعد مماته، ففي حياته نصح أصحابه له بالنصر والمحاماة عنه ومعاداة من عاداه والسمع والطاعة له وبذل النفس والاموال دونه كما قال تعالى (وينصرون الله
ورسوله أولئك هم الصادقون) [ الحشر 8 ]، وأما نصيحة (1) المسلمين بعد وفاته فالتزام التوقير والاجلال والرغبة له والمواظبة على تعليم سنته، والتفقه في شريعته ومحبته لال بيته وأصحابه، ومجانبة من رغب عن سنته وانحرف عنها وبغضه والتحذير منه، والشفقة على أمته، والبحث عن تعرف أخلاقه وسيرته وآدابه والصبر على ذلك، وحكى أبو القاسم القشيري: أن (عمرو) بن الليث أحد ملوك خراسان رئي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك ؟ فقال: غفر لي، فقيل له: بماذا ؟ فقال: صعدت - بكسر العين - ذروة جبل - بكسر المعجمة وضمها - أعلاه فأشرفت على جنودي، فأعجبتني كثرتهم، فتمنيت أني حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعنته ونصرته، فشكر الله تعالى لي ذلك وغفر لي، وأما النصح لائمة المسلمين فطاعتهم [ في الحق ومعونتهم فيه، وأمرهم به وتذكيرهم إياه على أحسن وجه وتنبيههم على ما غفلوا عنه وكتم عنهم من أمور المسلمين، وترك الخروج عليهم ] (2) وأما النصح لعامة المسلمين بإرشادهم إلى مصالحهم ومعاونتهم في أمور دينهم ودنياهم بالقول والفعل، وتنبيه غافلهم، وتبصير جاهلهم، ورفد محتاجهم وستر عوراتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع إليهم.
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، كلهم عيال الله تعالى، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.
__________
(1) في ج: نصيحته.
(2) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(11/435)
الباب السابع في وجوب تعظيم أمره وتوقيره وبره، وبعض ما ورد عن السلف في ذلك
قال الله تعالى: (إنا أرسلنا شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) [ الفتح 9 ] وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم، يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ألئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) [ الحجرات 1، 2، 3 ] وقال عز وجل: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) [ النور 63 ].
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) [ البقرة 104 ].
وروى مسلم عن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: ما كان أحد أحب إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملا عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، فإني لم أكن أملا عيني منه.
وروى الترمذي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان - صلى الله عليه وسلم - يخرج على أصحابه [ من المهاجرين والانصار وهم جلوس ]، وفيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، ويبتسمان إليه ويبتسم إليهما.
وروى النسائي وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وصححه: أن أسامة بن شريك قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حوله كأن على رؤوسهم الطير.
وروى البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، أن قريشا لما وجهوا عروة ابن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية، فرأى تعظيم أصحابه - رضي الله تعالى عنهم - ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، فكادوا يقتتلون عليه، ولايبصق بصاقا، ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم، فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له، فقال لهم حين رجع إليهم: يا معشر قريش إني جئت كسرى وقيصر، والنجاشي في ملكهم، وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه وفي رواية: إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم محمدا أصحابه وقد رأيت قوما لا يسلمونه أبدا.
وروى مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه -: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحلاق يعلقه وقد أطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل، وقد قال عثمان - رضي(11/436)
الله تعالى عنه -: لما أذنت له قريش أن يطوف بالبيت، حين وجهه - صلى الله عليه وسلم - إليهم في القضية أبي وقال: ما كنت لافعل حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الترمذي وحسنه، في حديث طلحة أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لاعرابي جاهل نتله - صلى الله عليه وسلم - عمن قضى نحبه وكانوا يهابونه.
فسأله، فأعرض عنه، إذ طلع طلحة فقال: هذا ممن قضى نحبه.
وروى أبو داود في الادب، والترمذي في الشمائل، في حديث قيلة - بقاف مفتوحة، وتحتية ساكنة - بنت مخرمة، العنبرية، فلما رأته جالسا القرفصاء أرعدت من الفرق هيبة له وتعظيما.
وروى الحاكم في علوم الحديث، والبيهقي في المدخل في حديث المغيرة: " كان أصحابه - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالاظافير ".
وروى أبو يعلى أن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه -، قال: لقد كنت أريد أن أسأله - صلى الله عليه وسلم - عن الامر فأؤخره سنين من هيبته.
تنبيهات الأول: قوله تعالى: (يعزروه) بعين مهملة، فزاي، فراء، أي: يقووه ويعينونه على على دينه، وقرئ بزايين من العز، وهي الشدة والقوة، قال القاضي: ونهى عن التقدم بين يديه، بآية (لا تقدموا) السابقة، وقد اختلف في تفسيرها، فقال ابن عباس، واختاره ثعلب: نهوا عن التقدم بين يديه بالقول وسوء الادب، بسبقه بالكلام، وقال سهل بن عبد الله التستري: لا تقولوا قبل أن يقول، وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا.
الثاني: اختلف في سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله رسوله) الايات، وقوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم).
وقيل: نزلت هي و (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) في محاورة كانت بين أبي بكر وعمر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلاف جرى بينهما حتى ارتفعت أصواتهما عنده - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مفاخرة بني تميم، وكان في أذنيه صمم فكان يرفع صوته فلما نزلت أقام في منزله، وخشي أن يكون قد حبط عمله، ثم تفقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبر بشأنه، فدعاه، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، خشيت أن أكون هلكت، نهانا الله - تعالى - أن نجهر بالقول، وأنا امرؤ جهير الصوت.
فقال(11/437)
النبي - صلى الله عليه وسلم - يا ثابت، أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة ! فقتل يوم اليمامة، سنة اثنتي عشرة، في ربيع الأول في خلافة الصديق.
وروى البزار، من طريق طارق بن شهاب: أن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - لما نزلت هذه الاية قال: والله يا رسول الله لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار.
في البخاري، كان عمر - رضي الله تعالى عنه - إذا حدثه - صلى الله عليه وسلم - حدثه كأخي السرار، أي كصاحب المبارزة ما كان - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الاية يسمعه حتى يستفهمه، فأنزل الله عز وجل (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) [ الحجرات 3 ] وقيل: نزلت (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) [ الحجرات 4 ] في غير بني تميم.
الثالث: اختلف في سبب نزول قوله تعالى (يأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) [ البقرة 104 ] قال بعض المفسرين: هي لغة كانت في الانصار، فنهوا عن قولها تعظيما للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتبجيلا، لان معناها: ارعنا نرعك، من المراعاة، وهي الحفظ والرفق، فنهوا عن قولها، إذ مقتضاها كأنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم، بل حقه الذي يجب على كل أحد أن يرعاه على كل حال.
وقيل: كانت اليهود تعرض بها للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمعوا المسلمين يقولونها انتهازا للفرصة، فخاطبوه - صلى الله عليه وسلم - بها، مريدين بها كلمة يتسابون بها، لانها عندهم من الرعونة وهي الحمق، فنهي عن قولها قطعا للذريعة، ومنعا للتشبه في قولها.(11/438)
الباب الثامن في كون حرمته - صلى الله عليه وسلم - بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازما (1) كما كان في حال حياته
قال القاضي: قال أبو إبراهيم التجيبي: " واجب على كل مؤمن متى ذكر - صلى الله عليه وسلم - أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقر، ويسكن من حركته، ويأخذ من هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه، ويتأدب بما أدبنا الله تعالى به من قوله تعالى: (لا تقدموا بين يدي الله) [ الحجرات 1 ] (لا ترفعوا أصواتكم) [ الحجرات 2 ] (لا تقولوا راعنا [ البقرة 104 ] (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) [ النور 63 ].
ولما ناظر أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن عباس ثاني خلفاء بني العباس مالكا في مسجده - عليه الصلاة والسلام - قال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما فقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) [ الحجرات 2 ].
وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر، وقال لمالك: يا أبا عبيد الله أأستقبل القبلة وادعوا أم استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال له: لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله - تعالى - يوم القيامة بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله، فإنه تقبل به شفاعتك لنفسك قال الله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) [ النساء 64 ] أي بتحاكمهم إلى الطاغوت وهو كعب بن الاشرف، سمي طاغوتا لعتوه وفرط طغيانه، وعداوته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (جاؤوك) تائبين من نفاقهم (فاستغفروا الله) [ النساء 64 ] مما تقدم منهم (واستغفروا لهم الرسول) [ النساء 64 ] التفت تفخيما لشأنه - صلى الله عليه وسلم - وإيذانا بأن شفاعة من اسمه الرسول من الله تحل من القبول (لوجدوا الله توابا رحيما) [ النساء 64 ].
أي لتاب عليهم ورحمهم، فلا يؤاخذهم بسوء صنيعهم.
وقال مالك - رحمه الله تعالى -: وقد سئل عن أبي أيوب السختياني - بسين مفتوحة فمعجمة ساكنة فتاء مكسورة، لبيع السختيان أي: الجلد المدبوغ - ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه.
وقال: وحج أيوب حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه غير أنه إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى أرحمه فلما رأيت منه ما رأيت، [ وإجلاله للنبي - صلى الله عليه وسلم - ]، كتبت عنه.
وقال مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري: كان مالك - إمام دار الهجرة إذا
__________
(1) في أ: لازم.
(*)(11/439)
ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - يتغير لونه، وينحني حتى يصعب على جلسائه لما يراه من هيبته، وعظيم قدره، ورفعة محله عند ربه، فقيل له يوما في ذلك: أي لم تتغير إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون مني، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي وكان سيد القراء لا يكاد نسأله عن حديث ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بكى حتى نرحمه، لما يأخذه من لوعة الاحتراق بألم الفراق.
ولقد كنت رأى جعفر الصادق ابن محمد الصادق ابن زين العابدين وكان كثير الدعابة - بضم أوله، أي: المزاح والتبسم أي: الضحك بلا صوت - إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - اصفر لونه مهابة منه وإجلالا له، وما رأيته يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا على طهارة تعظيما لحديثه (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) [ النجم 3، 4 ] ولقد اختلفت مترددا إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال، إما مصليا، وإما صامتا، وإما يقرأ القرآن، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله تعالى.
ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم بن أبي بكر الصديق يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر إلى لونه كأنه نزف - أي سال منه الدم - وقد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد كنت آتي عمار بن عبد الله بن الزبير بن العوام، فإذا ذكر عنده الرسول صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقي في عينيه دموع.
ولقد رأيت محمد بن شهاب الزهري وكان من أهنأ الناس وأقررهم فإذا ذكر عنده
النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه ما عرفك ولا عرفته.
ولقد كنت آتي صفوان بن سليم - أي: بضم أوله وفتح ثانيه - الزهري مولاهم وكان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى يقوم الناس عنه، ويتركوه رحمة به، وحذرا من رؤيته على تلك الحالة المحزنة.
روي عن قتادة - رضي الله تعالى عنه - أنه كان إذا سمع حديثا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذه العويل - أي: صوت الصدر بالبكاء، والزويل أي القلق - والانزعاج بحيث لا يستقر بمكان.
ولما كثر على مالك الناس، قيل له: لو جعلت مستمليا يسمعهم ما تمليه لكثرتهم وبعد بعضهم عنك فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) [ الحجرات 2 ] وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرئ حديثه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالسكوت وقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) [ الحجرات 2 ] ويتأول أنه يجب له من الانصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله.(11/440)
الباب التاسع في سيرة السلف - رحمهم الله تعالى - في تعظيم رواة حديثه - صلى الله عليه وسلم -
وروى الدارمي عن عمرو بن ميمون قال: كنت اختلف إلى ابن مسعود: رضي الله تعالى عنه - فما سمعته يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه حدث يوما فجرى على لسانه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثم علاه كرب فرأيت العرق ينحدر عن جبهته ثم قال هكذا إن شاء الله، أو فوق، أو قريب من ذا، أو ما دون ذا.
وفي رواية: فتزبد وجهه - بباء موحدة مشددة وبالزاي - أي تغير إلى الغبرة - بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة ساكنة فراء -: سواد مشرب ببياض.
وفي رواية: وقد تغر غرت عيناه أو انتفخت أوداجه وقال إبراهيم بن عبد الله بن قريم وهو المقدام في المعرفة، المجرب في الامور الانصاري، قاضي المدينة: مر مالك بن أنس على أبي حازم - رضي الله تعالى عنهما -: وهو يحدث فحاذاه وقال: إني لم أجد موضعا أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قائم.
وقال مالك: جاء رجل إلى ابن المسيب - رضي الله تعالى عنه - فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس فحدثه، فقال الرجل: وددت أنك لم تتعن فقال: إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مضطجع.
وروى ابن سيرين أنه قد يكون يضحك، فإذا ذكر عنده حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خشع.
وقال أبو مصعب: كان مالك بن أنس لا يحدث إلا وهو على وضوء إجلالا لحديثه - صلى الله عليه وسلم -.
وحكى ذلك مالك عن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهم -.
وقال مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري: كان مالك إذا حدث توضأ ولبس ثيابه، ثم يحدث من أراد منه أن يحدثه.
قال مصعب: فسئل عن ذلك، فقال: لانه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا أحدثه إلا على وضوء.(11/441)
قال مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار: كان الناس إذا أتى الناس مالكا خرجت إليهم الجارية فتقول لهم: يقول لكم سيدي تريدون الحديث أو المسائل ؟ فإن قالوا المسائل، خرج إليهم، وإن قالوا الحديث، دخل مغتسله فاغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا ولبس ساجة - بسين مهملة فألف فجيم فهاء - طيلسان أخضر.
وقال الازهري: وهو القور الذي ينسج مستديرا، وتعمم ووضع على رأسه رداءه وتلقى له منصة - بكسر الميم - أي شيئا مرفتعا يجلس عليه فيجلس عليها وعليه الخشوع، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديثه.
قال غيره: ولم يكن يجلس عليها إلا إذا حدث عنه - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن أبي أويس إسماعيل ابن أخت مالك: فقيل لمالك في ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديثه صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا، وكان يكره أن يحدث في الطريق أو وهو قائم أو مستعجل.
وقال: أحب أن أفهم من أحدثه حديثه - صلى الله عليه وسلم -.
قال ضرار بن مرة - أبو سنان الشيباني الكوفي -: كانوا - أي: من لقيتهم من التابعين كعبد الله بن شداد وأبو الاحوص بن سعيد بن جبير - يكرهون أن يحدثوا عنه - صلى الله عليه وسلم - على غير وضوء.
وكان سليمان بن مهران الاعمش إذا حدث - أي: أراد أن يحدث على غير وضوء تيمم.
وكان قتادة بن دعامة لا يحدث إلا على طهارة، ولا يقرأ إلا على وضوء.
قال عبد الله بن المبارك: كنت عند مالك وهو يحدثنا، فلدغته عقرب ست عشرة مرة، ولونه يتغير ويصفر، ولا يقطع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ من المجلس وتفرق عنه الناس قلت له: رأيت منك اليوم عجبا، قال: نعم، لدغتني عقرب ست عشرة مرة، [ وأنا صابر في جميع ذلك ]، وإنما صبرت إجلالا لحديثه - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن مهدي: مشيت يوما مع مالك إلى " العقيق " فسألته عن حديث فانتهرني، وقال لي: كنت في عيني أجل من أن تسألني عن حديث من حديثه - صلى الله عليه وسلم - ونحن نمشي، وسأله جرير بن عبد الحميد عن حديث وهو قائم، فأمر بحبسه، فقيل له: إنه قاض فقال: القاضي أحق بالادب.(11/442)
وذكر أن هشام بن هشام بن الغازي قيل صوابه هشام بن عمار خطيب جامع دمشق.
وأما ابن الغازي فتابعي لم يرو عن مالك، لموته قبل مالك سنة ست وخمسين ومائة سأل مالكا عن حديث من حديثه - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف فضربه عشرين سوطا ثم أشفق عليه، فحدثه عشرين حديثا، فقال هشام: وددت لو زادني سياطا ويزيدني حديثا.
وقال عبد الله بن صالح الجهني: كان مالك والليث لا يكتبان الحديث إلا وهما طاهران.
وكان قتادة، يستحب أن لا يقرأ إلا على وضوء، ولا يحدث إلا على طهارة.
وكان الاعمش إذا أراد أن يحدث وهو علي غير وضوء تيمم.(11/443)
الباب العاشر من بره وتوقيره - صلى الله عليه وسلم - بر آله وذريته وزوجاته ومواليه
قال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا) [ الاحزاب 33 ] وقال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) [ الشورى 23 ] وقال تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) [ الاحزاب 6 ].
روى مسلم عن زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اذكر كم الله في أهل بيتي فقلنا لزيد: ومن أهل بيته ؟ قال: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس (1).
وروى الترمذي وحسنه عن زيد بن أرقم وجابر - رضي الله تعالى عنهما - أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وأهل بيتي ".
لن تضلوا: أي: إن ائتمرتم بأوامر كتاب الله وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي أهل البيت واقتديتم بسيرهم " فانظروا كيف تخلفوني فيهما " (2).
وروى الترمذي عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن أخيه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة أمة أبي لهب لما نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا) [ الاحزاب 33 ] وذلك في بيت أم سلمة، دعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكسائه ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " (3).
وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - قال: دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، قال: " اللهم هؤلاء أهلي " (4).
وروى الشيخان عن المسور بن مخرمة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني " (5).
__________
(1) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (36) والبيهقي في السنن الكبرى 2 / 148، 7 / 31، 10 / 114، والبغوي في التفسير 1 / 300، وابن أبي عاصم 2 / 643 وانظر الدر المنثور 5 / 199، 6 / 7.
(2) أخرجه الدارمي 2 / 342 وأحمد 3 / 17، والترمذي (3788).
(3) أخرجه الترمذي (2992، 3205، 3724، 3787، 3871) وأحمد 4 / 107، 6 / 292، والبيهقي 2 / 152، وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2245) والطبري في التفسير 22 / 6 والطبراني في الكبير 3 / 47، والطحاوي في المشكل 1 / 332.
(4) مسلم في الفضائل 32، وأحمد 1 / 185.
(5) البخاري 7 / 105 (3767) وليس في صحيح مسلم بل عزوه لمسلم وهم.
(*)(11/444)
وقال صلى الله عليه وسلم: " من كنت مولاه " أي: وليه وناصره " فعلي مولاه " (1).
قال الامام الشافعي - رحمه الله تعالى -: " يعني به ولاء الاسلام ".
وروى الامام أحمد عن أبي أيوب الانصاري أنه - عليه الصلاة والسلام - قال في علي - رضي الله تعالى عنه -: " اللهم وال من والاه " (2).
وروي مسلم عنه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال له: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك
إلا منافق " (3).
وروى ابن ماجه والترمذي وصححه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال للعباس - رضي الله تعالى عنه -: " والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبكم لله ورسوله "، " ومن آذي عمي " يعني العباس " فقد آذاني، وإنما عم الرجل صنو أبيه ".
وروى البيهقي عن أبي أسيد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس: " اغد علي يا عم مع ولدك من ذكور وإناث فجمعهم وجللهم بملاءته وقال: " اللهم هذا عمي صنوا أبي وهؤلاء أهل بيتي، فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه، فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين، آمين، آمين.
وقال أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - " ارقبوا محمدا " أي: احفظوه " في أهل بيته ".
وروى البخاري عنه أنه قال: " والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أن أصل من قرابتي ".
وروى الترمذي وحسنه وابن ماجه عن يعلي بن مرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا "، وفي رواية: " حسنا " وقال - صلى الله عليه وسلم -: " من أحبني، وأحب هذين - وأشار إلى حسن وحسين - وأحب أباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة ".
وروى البخاري عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تؤذوني في عائشة ".
__________
(1) الترمذي (3713) وأحمد 1 / 84 وغيره، وابن حبان الموارد (2202) والطبراني 3 / 199 وابن سعد 5 / 335، وابن أبي عاصم 2 / 604 والحاكم 3 / 110 وابن ماجه 121، والطحاوي في المشكل 2 / 307 وابن أبي شيبة 12 / 59، وأبو نعيم في الحلية 4 / 23.
(2) أخرجه أحمد 1 / 219، 4 / 281، 368، 370، 373، وابن ماجه (116)، والمجمع 9 / 107 والذهبي في الميزان
(7671) والطبراني في الكبير 5 / 241، 12 / 122 والعقيلي في الضعفاء 1 / 249.
(3) أخرجه الترمذي (3736)، والنسائي 8 / 116، والحميدي 58، والخطيب في التاريخ 8 / 417، 14 / 426، وانظر المجمع 9 / 133.
(*)(11/445)
وروى البخاري عن عقبة بن الحارث قال: " رأت أبا بكر، وحمل الحسن على عنقه وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي، وعلي يضحك " (1).
وروى عن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال: " أتيت عمر بن عبد العزيز بن مروان في حاجة فقال: إذا كان لك حاجة فأرسل إلي، [ أو اكتب ] فإني أستحيي من الله تعالى أن أراك على بابي ".
وروى الحاكم وصححه البيهقي في المدخل والطبراني عن الشعبي قال: إن زيد بن ثابت بن غنم بن مالك بن النجار الانصاري كبر على جنازة أمه أربعا ثم قربت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله، فقال: هكذا نفعل بالعلماء [ الكبراء ]، فقبل زيد يد ابن عباس، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله.
ورأى ابن عمر محمد بن أسامة بن زيد بن حارثة فقال: ليت هذا عبدي.
رواه البيهقي - بفتح العين المهملة وسكون الموحدة -.
ورواه الحافظ - بكسر العين وسكون النون - فقيل له: هو محمد بن أسامة فطأطأ ابن عمر رأسه، ونفر بيده الارض حياء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: لو رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاحبه كحب أبيه أسامة.
وحكى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " عن الاوزاعي: أنه قال: دخلت بنت أسامة بن زيد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عمر بن عبد العزيز حين ولايته على المدينة للوليد بن عبد الملك بن مروان أو في خلافته، ومعها مولى لها يمسك بيدها، فقام إليها عمر ومشى إليها
حتى جعل يديها بين يديه، ويداه في ثيابه، ومشى بها حتى أجلسها على مجلسه [ وجلس بين يديها ] وما ترك لها حاجة إلا قضاها.
وروى الترمذي وحسنه لما فرض عمر - رضي الله تعالى عنه - لابنه عبد الله في ثلاثة آلاف ولاسامة في ثلاث آلاف وخمس مائة، فقال عبد الله لابيه: لم فضلت أسامة علي فوالله ما سبقني إلى مشهد، فقال له: لان زيدا كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك وأسامة أحب إليه منك، فآثرت حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حبي.
وروى أن مالك بن أنس لما ضربه جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس يقول بعضهم: إنه لا يرى الايمان ببيعتكم شيئا: لان يمين المكره لا تلزم، فغضب جعفر ودعاه وجرده وضربه ونال منه ما نال، وحمل إلى بيته مغشيا عليه، دخل عليه الناس فأفاق فقال:
__________
(1) أخرجه البخاري (3750).
(*)(11/446)
أشهدكم على أني جعلت ضاربي في حل.
فسئل بعد ذلك فقال: خفت أن أموت فألقى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأستحي منه أنه يدخل بعض آله النار بسببي والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا جعلته في حل لقرابته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو بكر بن عياش - بمثناة تحتية وشين معجمة -، ابن سالم (المقري) (1) أحد الاعلام - الاسدي: لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي لبدأت بحاجة علي قبلهما، لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولان أخر من السماء إلى الارض أحب إلي من أن أقدمه عليهما، ولولا قرباه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدمته عليهما، لافضليتهما عليه.
وروى أبو داود والترمذي وحسنه أنه قيل لابن عباس: ماتت فلانة لبعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فسجد فقيل له: أتسجد في هذه الساعة ؟ فقال: أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتم آية فاسجدوا، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفوات بركتهن، لانهن كما قال الله تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن) [ الاحزاب
32 ] وقد اتقين الله تعالى.
وروى مسلم أن أبا بكر وعمر كانا يزوران أم أيمن مولاته - صلى الله عليه وسلم - تبركا بها وتأسيابه - صلى الله عليه وسلم - ويقولان: إنه - عليه الصلاة والسلام - كان يزورها.
وروى ابن سعد عن عمر بن سعد بن أبي وقاص مرسلا لما وردت حليمة السعدية - وفي سيرة " الدمياطي ": ابنتها الشيماء - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبسط لها رداءه، وقضى حاجتها، فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفدت على أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - فصنعا بها مثل ذلك.
__________
(1) في أ: البصري.
(*)(11/447)
الباب الحادي عشر من بره وتوقيره صلى الله عليه وسلم توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقوقهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والامساك عما شجر بينهم
قال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه (الفتح 29 ] وقوله (فاستغلظ) [ الفتح 29 ] أي: صار بعد قوته غليظا (فاستوى على سوقه) [ الفتح 29 ] أي: قام على قضيبه (يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) [ الفتح 29 ] وقال عز وجل: (والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) [ التوبة 100 ] وقال عز من قائل: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) [ الفتح 18 ] وقال تعالى: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [ الاحزاب 23 ].
وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا - بغين وضاد معجمتين بينهما مفتوحات - بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن أذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله، فيوشك أن يأخذه.
وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آية الايمان حب الانصار وآية النفاق بغض الانصار " (1).
وروى الطبراني والحارث بن أبي أسامة عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا " (2).
وروى الطبراني وابن ماجه عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " (2).
وروى البزار وأبو يعلى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أصحابي " وزاد البغوي في " المصابيح " و " شرح السنة " " مثل أصحابي في أمتي كمثل الملح
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 113 (3784) ومسلم 1 / 85 (128 / 74).
(2) أخرجه الطبراني في الكبير وانظر المجمع 7 / 202، 223.
(*)(11/448)
في الطعام لا يصلح الطعام إلا به " (1).
وروى مسلم عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه " (2) لغة في النصف.
وروى الديلمي عن عويم بن ساعدة، وأبو نعيم في " الحلية "، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منهم صرفا " - أي توبة - أو نافلة - " ولا عدلا " أي: فدية أو فريضة (3).
وروى الديلمي والبزار عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعليا، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير " (4).
وروى الطبراني في " الاوسط " بسند حسن، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أحب عمر فقد أحبني، ومن أبغض عمر فقد أبغضني " (5).
وروى الطبراني وابن منده عن خالد بن عمرو عن سهيل بن يوسف بن سهل ابن أخي كعب بن مالك عن أبيه عن جده قال ابن منده: غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه أنه - عليه الصلاة والسلام - لما قدم المدينة من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أيها الناس إني راض عن أبي بكر لم يسؤني قط فاعرفوا ذلك له [ وقال ]: يأيها الناس إني راض عن عمر وعن عثمان وعن علي وعن طلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين والانصار فاعرفوا لهم ذلك، أيها الناس إن الله غفر لاهل بدر والحديبية وقال: أيها الناس احفظوني في أصحابي وفي أصهاري وأختاني لا يطلبنكم أحد منهم بمظلمة، فإنها مظلمة لا توهب في القيامة غدا ".
وروى الترمذي وضعفه عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بجنازة رجل يصلي عليه فلم يصل عليه فقيل: يا رسول الله ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا
__________
(1) أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 200 (572) والبزار كما في الكشف 3 / 291 (2771) وأبو يعلى 5 / 151 (7 / 2762) والبغوي في المصابيح 4 / 147 (4707).
(2) البخاري 7 / 21 (3673) ومسلم 4 / 1967 (222 / 2541).
(3) أخرجه الطبراني في الكبير 12 / 142، وأبو نعيم في الحلية 7 / 103، وابن عدي في الكامل 5 / 1855.
(4) الكنز (33094).
(5) وابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق 4 / 487.
(*)(11/449)
قال: إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله.
وروى الشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال في الانصار " اعفوا عن مسيئهم، واقبلوا من محسنهم " وللبخاري " أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين والانصار أن يقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم ".
وروى أبو نعيم والديلمي عن عياض الانصاري، وابن منيع عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أنه - عليه الصلاة والسلام - قال " احفظوني في أصحابي وأصهاري، فإنه من حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والاخرة، ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله عنه، - أي: أعرض عنه - (وترك في غيه) يتردد ومن تخلى الله عنه يوشك أن يأخذه ".
وروى سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رباح مرسلا، أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " من حفظني فيهم كنت له حافظا يوم القيامة [ وقال: ومن حفظني في أصحابي ورد علي الحوض ] ومن لم يحفظني فيهم لم يرد علي الحوض، ولم يرني يوم القيامة إلا من بعيد ".
وقال رجل للمعافي بن عمران: أين عمر بن عبد العزيز من معاوية فغضب وقال: لا يقاس على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد، أي: لحديث الشيخين " خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله تعالى.
قال مالك - رحمه الله تعالى - وغيره: من أبغض الصحابة وسبهم فليس له في المسلمين شئ، ونزع من الايمان بقوله تعالى (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.
ربنا إنك رؤوف رحيم) [ الحشر 10 ].
وقال: من غاظ أصحاب محمد فهو كافر، قال الله تعالى: (ليغيظ بهم الكفار).
وقال عبد الله بن المبارك: خصلتان من كانتا فيه نجا، [ الصدق وحب أصحاب محمد ] وقال أيوب السختياني: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل،
ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله، ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقي ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد فقد برئ من النفاق، ومن أنتقص أحدا منهم فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح، وأخاف أن لا يصعد له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه سليما.(11/450)
الباب الثاني عشر من إعظامه وإجلاله صلى الله عليه وسلم إعظام جميع أصحابه وأشباهه وهي ما وصل به - صلى الله عليه وسلم - بالزواج لقوله - عليه الصلاة والسلام -: " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري " ومعاهده وإكرام مشاهده وأمكنته وما لمسه وما عرف به - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن عساكر أنه بلغ معاوية بن أبي سفيان أن حابس بن ربيعة بن مالك الشامي من بني سامة بن لؤي بصري يشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوجه إليه معاوية فلما دخل عليه قام فتلقاه، وقبله بين عينيه وأقطعه المرغاب بميم مكسورة وإسكانه فمعجمة لشبههه برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى عن صفية بنت نجدة، قالت: كان لابي محذورة: " قصة " بقاف مضمومة فمهملة مشددة - ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس.
قال ابن دريد: هي كل خصلة من شعر الرأس وقال الجوهري: هي شعر الناصية في مقدم رأسه إذا قعد وأرسلها أصابت الارض، فقيل له: ألا تحلقها فقال: لم أكن بالذي أحلقها وقد مسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده.
وروى أبو يعلى أنه كان في قلنسوة خالد بن الوليد - بفتح القاف واللام وسكون النون وضم السين المهملة - وهي ما تسمى الان تبعا - شعرات من شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسقطت قلنسوته في بعض حروبه فشد عليها - أي على القلنسوة شدة أنكر عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثرة من قتل فيها، فقال: لم أفعلها بسبب القلنسوة -، بل لم تضمنته من شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئلا أسلب بركتها، وتقع في أيدي المشركين.
وروى ابن سعد عن إبراهيم أن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: رئي ابن عمر واضعا يده على مقعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنبر ثم وضعها على وجهه.
ولهذا كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة وكان يقول: أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة وطأ فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحافر دابة.
وروي أنه وهب للشافعي كراعا - بكاف مضمومة فراء مخففة، أي: خيلا - كثيرا كان عنده فقال له الشافعي: أمسك منها دابة، فأجابه بمثل هذا الجواب.
وحكي الامام الجليل أبو عبد الرحمن السلمي عن أحمد بن فضلويه الزاهد وكان من الغزاة الرماة أنه قال: ما مسست - بكسر المهملة وقد تفتح - القوس بيدي إلا على طهارة منذ بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ القوس بيده.(11/451)
وقد أفتى مالك - رحمه الله تعالى - فيمن قال: تربة المدينة رديئة - بالهمزة، وقد لا تهمز تخفيفا - بضربه ثلاثين درة، وأمر بحبسه وكان المضروب له قدر فقال الامام: ما أحوجه إلى ضرب عنقه تربة دفن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزعم أنها غير طيبة.
وفي الصحيحين عن علي وأنس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في المدينة: " من أحدث فيها حدثا أي: منكرا مبتدعا غير مرضي ولا معروف، أو آوي محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ".
وروى مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: " من حلف على منبري كاذبا فليتبوأ مقعده من النار ".
وحكي أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة [ زائرا وقرب من بيوتها ] ترجل ومشى باكيا منشدا: ولما رأينا رسم من لم يدع لنا * فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا
نزلنا عن الاكوار نمشي كرامة * لمن بان عنه أن نلم به ركبا (1) وأنشأ يقول: رفع الحجاب لنا فلاح لناظر * قمر تقطع دونه الاوهام وإذا المطي بنا بلغن محمدا * فظهورهن على الرجال حرام قربننا من خير من وطئ الثرى * ولها علينا حرمة وذمام (2) وحكي أن بعض المشايخ حج ما شيا فقيل له في ذلك فقال: العبد الابق لا يأتي إلى بيت مولاه راكبا لو قدرت أن أمشي على رأسي ما ميشت على قدمي.
قال القاضي - رحمه الله تعالى -: وجدير - أي حقيق - لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل وتردد بها جبريل وميكائيل وعرجت منها الملائكة والروح، وضجت - أي صوتت - عرصاتها (3) - جمع عرصة ما وسع من المكان - بالتقديس والتسبيح، واشتملت تربتها على سيد البشر، وانتشر عنها من كتاب الله تعالى ودينه وسنة رسوله ما انتشر مدارس آيات، ومساجد، وصلوات، ومشاهد الفضائل والخيرات، ومعاهد البراهين من الايات والمعجزات،
__________
(1) البيتان للمتنبي انظر ديوانه 1 / 56 وقوله الرسم: آثار الديار الدراسة، والمراد به آثار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في معاهده ومساكنه، والفواد القلب، والعرفان: المعرفة، واللب العقل.
والاكوار جمع كور، وهو للابل بمنزلة السرج للفرس.
(2) الابيات لابي نواس في مدح محمد الامين انظر ديوانه: (408) والمراد من قوله برفع الحجاب في الشعر، رفع ستائر أبواب الملوك العظام، وهو هنا بمعنى انقضاء المسافة والقرب من المدينة.
(3) جمع عرصة، وهي الارض، والساحة من غير بناء وهنا المراد بها الارض مطلقا.
(*)(11/452)
ومناسك الدين ومشاعر المسلمين، ومواقف سيد المرسلين، ومتبوأ خاتم النبيين، حيث انفجرت النبوة وأين فاض عبابها ومواطن مهبط الرسالة، وأول موطن مس جلد المصطفى ترابها أن تعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها، وتقبل ربوعها وجدرانها: يا دار خير المرسلين ومن به * هدي الانام وخص بالايات
عندي لاجلك لوعة وصبابة * وتشوق متوقد الجمرات وعلي عهد إن ملات محاجري * من تلكم الجدران والعرصات لاعفرن مصون شيبي بينها * من كثرة التقبيل والرشفات لولا العوادي والاعادي زرتها * أبدا ولو سحبا على الوجنات لكن سأهدي من حفيل تحيتي * لقطين تلك الدار والحجرات أزكى من المسك المفتق نفحة * تغشاه بالاصال والبكرات (1) وتخصه بزواكي الصلوات * ونوامي التسليم والبركات
__________
(1) الابيات للقاضي عياض كما في نسيم الرياض 3 / 488 وقوله: ملات محاجري: يريد عيني، والمحاجر جمع محجر وهو جوانب العين.
(*)(11/453)
جماع أبواب الكلام على النبي والرسول والملك وعصمتهم وبما يعرف به كون النبي نبيا - صلى الله عليه وسلم -
الباب الأول في الكلام على النبي والرسول غير ما تقدم [...]
الباب الثاني فيما يعرف به كون النبي نبيا
وهو تثبيته بالعصمة وتأييده بالحكمة الاتي بها الملك من الله تعالى إلى أحد أنبيائه - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - بحيث لا يشك بأنه من رسل الله تعالى إليه بالوحي، لعدم صحة تصور السلطان من صورة الملك بعلم ضروري يخلقه الله تعالى فيه، أو بدليل قاطع مظهر لديه لتتم كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته.
الباب الثالث في عصمته - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة وبعدها كغيره من الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
قال القاضي - رحمه الله تعالى -: الصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله تعالى وصفاته والتشكك في شئ من ذلك، وقد تعاضدت الاخبار والاثار عن الانبياء - عليهم الصلاة والسلام - بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ونشأتهم على التوحيد والايمان، بل على إشراق أنوار المعارف ونفحات ألطاف السعادة كما نبهنا عليه في الباب الثاني من القسم الاول.
قلت: وقد أوردت في باب [...] ما فيه كفاية.
ولم ينقل عن أحد من أهل الاخبار أن أحدا نبي واصطفي ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك، ومستند هذا الباب النقل، وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله.
قال القاضي: وأنا أقول: قد رمت قريش نبينا - صلى الله عليه وسلم - بكل ما افترته وعير(11/454)
كفار الامم وأنبيائها بكل ما أمكنها، واختلقته مما نص الله تعالى عليه أو نقلته إلينا الرواة، ولم نجد في شئ من ذلك تعييرا لواحد منهم برفضه آلهته وتقريعه بذمه بترك ما كان قد جامعهم عليه.
ولو كان هذا لكانوا بذلك مبادرين، وبتلونه في معبوده محتجين، ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم من قبل، ففي إطباقهم على الاعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه، إذ لو كان لنقل وما سكتوا عنه، كما لم يسكتوا عن تحويل القبلة، وقالوا: (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) [ البقرة 142 ] كما حكاه الله تعالى عنهم، وقد استدل القاضي القشيري على تنزيههم عن هذا بقوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) [ الاحزاب 7 ] وبقوله (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) إلى
قوله: (لتؤمنن به ولتنصرنه) [ آل عمران 81 ] قال: فطهره الله تعالي في الميثاق وبعيد أن يأخذ منه الميثاق قبل خلقه، ثم أخذ ميثاق النبيين بالايمان به ونصره قبل مولده بدهور، ويجوز عليه الشرك أو غيره من الذنوب هذا ما لا يجوزه إلا ملحد.
هذا معنى كلامه.
وكيف يكون ذلك وقد أتاه جبرائيل - عليه السلام - وشق قلبه صغيرا واستخرج منه علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله وملاه حكمة وإيمانا [ كما تظاهر أخبار المبدأ ] وكيف يكون نبيا وآدم بين الروح والجسد، ثم يجوز عليه شئ من النقائص التي نزه الله تعالى عنها أنبياءه، وهذا ما لا يقوله إلا جاهل أو معاند.
فصل قال القاضي: واختلف في عصمتهم من المعاصي قبل النبوة، فمنعها قوم، وجوزها قوم آخرون.
والصحيح إن شاء الله تعالى تنزيههم من كل عيب، وعصمتهم من كل ما يوجب الريب، فكيف والمسألة تصورها كالممتنع، فإن المعاصي والنواهي إنما تكون بعد تقرر الشرع، ثم ذكر اختلاف الناس في حال النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يوحى إليه هل كان متبعا لشرع قبله أم لا ؟ وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في أبواب عبادته - صلى الله عليه وسلم -.
ثم قال: هذا حكم ما يكون المخالفة فيه من الاعمال عن قصد، وهو ما يسمى معصية، ويدخل تحت التكليف، ثم ذكر الكلام على عصمتهم من السهو والنسيان.(11/455)
تنبيهات
الأول: قال ابن سيده عصمه يعصمه عصما وقاه، وفي التنزيل (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) [ هود 43 ] أي: لا معصوم إلا المرحوم انتهى.
والمراد بالعصمة هنا: منع الانبياء من المعاصي.
الثاني: قال القاضي: ولا يشبه عليك بقول إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - في الكوكب والقمر والشمس (هذا ربي) فإنه قد قيل: هذا في سن الطفولية وابتداء النظر والاستدلال [ وقبل لزوم التكليف ].
قلت: قال أبو محمد بن حزم: هذا القول خرافة موضوعة ظاهرة الافتعال، ومن المحال الممتنع، وقد أكذب الله تعالى هذا بقوله الصادق (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين) [ الانبياء 51 ] فكيف يدخل في عقله أن الكوكب والشمس والقمر ربه من أجل أنها أكبر قرصا من القمر، هذا ما لا يظنه إلا سخيف العقل [...].
الثالث: قال القاضي: فإن قلت ما معنى قوله (لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين) [ الانعام 77 ] قيل: إنه إن لم يؤيدني الله بمعونته أكن مثلكم في ضلالتكم وعبادتكم على معنى الاشفاق والحذر وإلا فهو معصوم في الازل من الضلال.
الرابع: قال القاضي: فإن قلت: ما معنى قوله تعالى (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) [ إبراهيم 13 ] ثم قال تعالى بعد ذلك عن الرسل (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها) [ الاعراف 89 ] فلا يشكل عليك لفظة العود وأنها تقتضي أنهم إنما يعودون إلى ما كانوا فيه من ملتهم، فقد تأتي هذه اللفظة في كلام العرب لغير ما ليس ابتداء بمعنى الصيروة، كما جاء في حديث الجهنميين عادوا حمما ولم يكونوا قبل كذلك.
ومثله قول الشاعر: تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا (1) وما كان قبل ذلك.
وقال أبو حيان: [...].
الخامس: الحديث الذي يرويه عثمان بن أبي شيبة، وعن جابر رضي الله عنه أن
__________
(1) البيت لابي الصلت والد أمية في الشعر والشعراء ص 469 والعقد الفريد 2 / 23، ولامية في ديوانه ص 52 وللنابغة.
الجعدي كما في ديوانه ص 112.
(*)(11/456)
النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم فسمع ملكين خلفه، أحدهما يقول لصاحبه: اذهب حتى تقوم خلفه فقال الاخر: كيف أقوم خلفه وعهده باستلام الاصنام ؟ فلم يشهدهم بعد.
[ فهذا حديث ] أنكره الامام أحمد جدا، وقال: هو موضوع أو شبيه بالموضوع.
وأما عصمتهم بعد النبوة، فقد قال القاضي: اعلم أن الطوارئ من التغيرات والافات على آحاد البشر لا يخلو أن تطرأ على جسمه أو حواسه بغير قصد واختيار، كالامراض والاسقام، أو بقصد واختيار، وكله في الحقيقة عمل وفعل، ولكن جرى رسم المشايخ بتفصيله إلى ثلاثة أنواع: [ عمل بالجوارح، وعقد بالقلب، وقول باللسان ].
الأول: عمل بالجوارح وجميع البشر تطرأ عليهم الافات والتغيرات بالاحتيار وبغير الاختيار في هذه الوجوه كلها.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان من البشر، ويجوز على جبلته، ما يجوز على جبلة البشر، فقد قال: قامت البراهين القاطعة، وتمت كلمة الاجماع على خروجه عنهم وتنزيهه عن كثير من الافات التي تقع على الاختيار وعلى غير الاختيار، كما سنبينه - إن شاء الله تعالى - فيما يأتي من التفاصيل.
والكلام على ذلك يتضمن ثلاثة فصول: الفصل الأول في حكم عقد قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - [ من وقت نبوته ] قال القاضي: اعلم أن ما تعلق منه بطريق التوحيد والعلم بالله وصفاته، والايمان به، وبما أوحي إليه، فعلى غاية المعرفة، ووضوح العلم واليقين والانتفاء عن الجهل بشئ من ذلك، أو الشك، أو الريب فيه، والعصمة من كل ما يضاد المعرفة بذلك اليقين.
هذا ما وقع إجماع المسلمين عليه، ولا يصح بالبراهين الواضحة أن يكون في عقود الانبياء سواه، ولا يعترض على هذا بقول إبراهيم عليه السلام (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي).
قال القاضي: وذهب معظم الحذاق من العلماء المفسرين إلى أنه إنما قال وذلك تبكيتا لقومه، ومستدلا عليهم.
قيل: معناه الاستفهام الوارد مورد الانكار، والمراد: فهذا ربي.
قال الزجاج: قوله (هذا ربي) [ الانعام 76 ] على قولكم: كما قال تعالى (أين شركائي) [ النحل 27 ] أي: عندكم ويدل على أنه لم يعبد شيئا من ذلك ولا أشرك قط بالله(11/457)
طرفة عين، قول الله تعالى عنه (إذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون) [ الصافات 85 ] ثم قال: (أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الاقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) [ الشعراء 75، 76، 77 ] وقال تعالى (جاء ربه بقلب سليم) [ الصافات 84 ] أي: من الشرك وقوله: [ (واجنبني وبني أن نعبد الاصنام) [ إبراهيم 35 ].
قال أبو محمد بن حزم: الصحيح من ذلك أنه - عليه الصلاة والسلام - إنما قال ذلك توبيخا لقومه كما قال ذلك لهم في الكبير من الاصنام ولا فرق أنهم كانوا على دين الصابئين ] (1) يعبدون الكواكب ويصورون الاوثان على صورها وأسمائها في هياكلهم ويعيدون لها الاعياد ويذبحون لها الذبائح ويقربون لها القرابين، ويقولون: إنها تقبل وتدبر، وتضر وتنفع، ويقيمون لكل كوكب منها شريعة محدودة، فوبخهم الخليل - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وسخر منهم وجعل يريهم تعظيم الشمس، لكبر جرمها كما قال تعالى: (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون) [ المطففين 34 ] فأراهم ضعف عقولهم في تعظيمهم لهذه الاجرام الجمادية، وبين لهم أنها مدبرة تنتقل في الاماكن، ومعاذ الله أن يكون الخليل أشرك قط أو شك أن الفلك بما فيه غير مخلوق، ويؤيد قولنا هذا أن الله تعالى لم يعاتبه على شئ ركونا ولا عنفه على
ذلك، بل وافق مراد الله تعالى بما قال من ذلك وبما فعل، قاله الطوفي (2).
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(2) لم يذكر بقية الفصول التي أشار إليها.
(*)(11/458)
الباب الرابع في فوائد كالمقدمة للأبواب الاتية [...].
الباب الخامس في عصمته صلى الله عليه وسلم من الشيطان
أجمعت الامة على عصمته - عليه الصلاة والسلام - من الشيطان.
روى البخاري عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما منكم من أحد إلا وكل الله به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا: وإياك يا رسول الله قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ".
وفي رواية: " فلا يأمرني إلا بخير " (1).
وروى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: إن الشيطان عرض لي.
زاد عبد الرزاق " في صورة هر فشد علي، يقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه فذعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية ".
وفي رواية: " بسارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه فذكرت قول أخي سليمان: (رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) فرده الله خاسئا).
وروى مسلم عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن عدوالله إبليس جاءني بشهاب من نار ليجعله في وجهي والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، وذكر
تعوذه بالله منه ولعنه له ثم أردت أن آخذه " وذكر نحوه وقال: " لاصبح موثقا يتلاعب به ولدان أهل المدينة " انتهى.
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت حين لد من مرضه - صلى الله عليه وسلم - وقيل له: خشينا أن يكون بك ذات الجنب فقال: إنها من الشيطان ولم يكن الله ليسلطه علي.
__________
(1) مسلم في صفات المنافقين (69 / 2814) وأحمد 1 / 385، أبو نعيم في الدلائل 1 / 58.
(*)(11/459)
تنبيهات
الأول: لا يرد على عصمته قوله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) [ الاعراف 200 ] قال القاضي: قيل: إنها راجعة لقوله: (خذ العفو) [ الاعراف 199 ] أي: ما سهل من أخلاق الناس وأفعالهم، وما يسهل فيكم فلاطفه ولا تطلب الجهد، وما يشق عليهم حذرا من أن ينفروا عنك.
(وأمر بالعرف) أي المعروف والجميل من الافعال.
(وأعرض عن الجاهلين) ولا تجادل السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، واحلم عنهم، فهذه الاية أجمع لمكارم الاخلاق، وقد سئل جبريل - عليه الصلاة والسلام - عنها فقال: " لا أدري حتى أسأل ربي، ثم رجع فقال: يا محمد إن الله أمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ثم قال (وإما ينزغنك) [ الاعراف 200 ] أي: يحملك على خلاف ما أمرت به.
وقيل: النزغ الفساد وقيل: أدنى الوسوسة، فأمره الله تعالى، متى تحرك عليه غضب على عدوه أو رام الشيطان من إغرائه به أن يستعيذ بالله منه، فيكفيه أمره ويكون سبب تمام [ عصمته ]، إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له، ولم يجعل له قدرة عليه، فيرجع خائبا خاسرا زائدا في نكاله انتهى.
الثاني: لا يرد أيضا على عصمته من قوله - عليه الصلاة والسلام - حين نام عن الصلاة
في الوادي " إن هذا واد به شيطان "، كما رواه مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم أن الشيطان أتى بلال فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ".
[ وتسلط الشيطان في ذلك الوادي الذي عرس به ] إنما كان على بلال الموكل بصلاة الفجر فلا اعتراض من هذا الباب [ لبيانه وارتفاع اشكاله ] ولم يقدر عدوالله على أذاه - صلى الله عليه وسلم - بسبب التسلط إلى غيره - صلى الله عليه وسلم - وقد كفاه الله تعالى أمره وعصمه.
الثالث: في بيان غريب ما سبق.
قوله: فأسلم.
روي فأسلم - بفتح الميم - أي آمن.
وروي: فأسلم [ بضم الميم، أي فأسلم أنا منه ].(11/460)
الباب السادس في حكم عقد قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من وقت نبوته كغيره من الانبياء - عليهم الصلاة والسلام -
" مكث بمكة خمس عشرة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا، وثمان سنين يوحى إليه، وهذا على أنه عاش خمسا وستين سنة، والصحيح أنه عاش ثلاثا وستين سنة.
وروى البيهقي عن عمرو بن شراحبيل أنه - عليه الصلاة والسلام - قال لخديجة: " إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء [ وقد خشيت - والله - أن يكون هذا الامر ] ".
تنبيهات
الأول: قال القاضي: هذا ما وقع إجماع المسلمين عليه، ولا يصح بالبراهين الواضحة أن يكون في عقود الانبياء سواه، ولا يعترض على هذا بقول إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - (ولكن ليطمئن قلبي) [ البقرة 26 ] وقول نبينا - صلى الله عليه وسلم - " نحن أحق بالشك من إبراهيم " - صلى الله عليه وسلم - ليس اعترافا منه بالشك لهما - صلى الله عليه وسلم - بل هو نفي له لان يكون إبراهيم شك وإبعاد
للخواطر الضعيفة أن تظن هذا بإبراهيم، أي: نحن موقنون بالبعث وإحياء الله الموتى، فلو شك إبراهيم لكنا أولى بالشك منه.
الثاني: فإن قلت فما معنى قوله تعالى: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك) [ يونس 94 ] الاية قال القاضي: واختلفوا في معنى الاية، فقيل: المراد قل: يا محمد للشاك.
قالوا: وفي السورة نفسها ما دل على هذا التأويل، وهو قوله تعالى: (قل يا أيها الناس) أي أهل مكة (إن كنتم في شك من ديني) [ يونس 104 ] الاية.
وقيل: الخطاب للعرب وغير ذلك، والمراد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) [ الزمر 65 ] الخطاب له والمراد غيره.
ومثله (فلاتك في مرية مما يعبد هؤلاء) [ هود 109 ] أي: لا يشك في أن عبادتهم عند الله ضلال، ونظيره كثير قال بكر بن العلاء: (ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله) [ يونس 95 ] وهو - صلى الله عليه وسلم - كان المكذب - بفتح الذال - فيما يدعو إليه، فكيف يكون هو المكذب - بكسرها - أي: فكيف يكذب نفسه المذكور.
وقيل: مثل هذه الاية قول تعالى (الرحمن فاسأل به خبيرا) [ الفرقان 59 ] الخبير المسؤول، لا المستخبر السائل.
الثالث: فإن قيل: فما معنى ما رواه مسلم عن الاغر المزني أنه - عليه الصلاة والسلام -(11/461)
قال: " إنه ليغان على قلبي وإني لاستغفره الله كل يوم مائة مرة ".
وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: فأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة.
قال القاضي: فاحذر أن يكون هذا الغين وسوسة أو ربيا وقع في قلبه - صلى الله عليه وسلم - أي: لنزاهته عن قبول الوسوسة: لان قابلها وهي العلقة السوداء التي هي حظ الشيطان من ابن آدم استخرجها جبريل من قبله حين شق صدره الشريف، بل المراد أصل الغين ما يتغشى القلب ويغطيه، قاله أبو عبيد.
وقال غيره: الغين شئ يغشي القلب ولا يغطيه كل التغطية.
" كالشفاف " و " الغيم " الرقيق الذي لا يمنع ضوء الشمس، فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه، وفترات نفسه، وسهوها عن مداومة الذكر، ومشاهدة الحق بما كان - صلى الله عليه وسلم - دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الامة، ومعاناة الاهل، ومقاومة الولي والعدو، ومصلحة النفس وكلفة من أعباء - أي: ثقل - أداء الرسالة وحمل الامانة، وهو في كل هذا في طاعة ربه وعبادة خالقه، ولكن لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الله أرفع الخلق مكانة وأعلاهم درجة وأتمهم به معرفة، وكانت حاله عند خلوص قلبه، وخلو همته وتفرده بربه وإقباله بكليته عليه، ومقامه هنالك أرفع لديه رأى - صلى الله عليه وسلم - حال فترته عنها، وشغله بسواها غضا من علي حاله، وخفضا من رفيع مقامه، فاستغفر من ذلك.
واحذر أن تفهم من الحديث أنه يغان على قبله - صلى الله عليه وسلم - مائة مرة، وإنما هو عدد للاستغفار، وقد يكون الغين هنا هو السكينة التي تتغشاه لقوله تعالى (فأنزل الله سكينته عليه) [ التوبة 40 ] ويكون استغفاره صلى الله عليه وسلم عندها، إظهارا للعبودية والاستغفار وقال ابن عطاء: استغفاره وفعله هذا تعريف للامة بحملهم على الاستغفار.
ويحتمل أن هذه الاغانة حالة خشية وإعظام تغشى قلبه فيطمئن لها، فيستغفر حينئذ شكرا لله تعالى وملازمة لعبوديته كما قال - صلى الله عليه وسلم - [ في ملازمة العبادة ] " أفلا أكون عبدا شكورا ".(11/462)
الباب السابع في عصمته صلى الله عليه وسلم في أقواله البلاغية
[ قال القاضي عياض ] أما أقواله صلى الله عليه وسلم فقامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة على صدقه، وأجمعت الامة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الاخبار عن شئ منها بخلاف ما هو به، لا قصدا وعمدا، ولا سهوا وغلطا.
أما تعمد الخلف في ذلك فمنتف، بدليل المعجزة القائمة مقام قول الله فيما قال اتفاقا، وبإطباق أهل الملة إجماعا.
وأما وقوعه على جهة الغلط في ذلك فبهذه السبيل عند الاستاذ أبي إسحاق الاسفرايني ومن قال بقوله، ومن جهة الاجماع فقط، وورود الشرع بانتفاء ذلك، وعصمة النبي صلى الله عليه وسلم لا من مقتضى المعجزة نفسها عند القاضي أبي بكر الباقلاني ومن وافقه لا ختلاف بينهم في مقتضى دليل المعجزة لا نطول بذكره، فنخرج عن غرض الكتاب، فلنعتمد على ما وقع عليه إجماع المسلمين - أنه لا يجوز عليه خلف في القول في إبلاغ الشريعة، والاعلام بما أخبر به عن ربه، وما أوحاه إليه من وحيه، لا على وجه العمد، ولا على غير عمد، ولا في حالي الرضا والسخط، والصحة والمرض.
وفي حديث عبد الله بن عمرو: قلت يا رسول الله: أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال: نعم.
قلت: في الرضا والغضب ؟ قال: نعم، فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا.
إذا قامت المعجزة على صدقه، وأنه لا يقول إلا حقا، ولا يبلغ عن الله إلا صدقا، وأن المعجزة قائمة مقام قول الله له: صدقت فيما تذكره عني، وهو يقول: إني رسول الله إليكم لابلغكم ما أرسلت به إليكم، وأبين لكم ما نزل عليكم، (وما ينطق عن الهوى.إن هو إلا وحي يوحى) [ النجم 3، 4، ].
و (وقد جاءكم الرسول بالحق من ربكم) [ النساء 170 ].
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [ الحشر 7 ]، فلا يصح أن يوجد منه في هذا الباب خبر بخلاف مخبره على أي وجه كان.
ولو جوزنا عليه الغلط والسهو لما تميز لنا من غيره، ولاختلط الحق بالباطل، فالمعجزة مشتملة على تصديقه جملة واحدة من غير خصوص، فتنزيه النبي عن ذلك كله واجب براهانا وإجماعا كما قاله أبو إسحاق.(11/463)
الباب الثامن في عصمته صلى الله عليه وسلم في جوارحه
قال القاضي عياض: وأما ما يتعلق بالجوارح من الاعمال، ولا يخرج من جملتها القول باللسان فيما عدا الخبر الذي وقع فيه الكلام والاعتقاد بالقلب فيما عدا التوحيد، ما قدمناه من معارفه المختصة به - فأجمع المسلمون على عصمة الانبياء من الفواحش والكبائر الموبقات.
ومستند الجمهور في ذلك الاجماع الذي ذكرناه.
وهو مذهب القاضي أبي بكر، ومنعها غيره بدليل العقل مع الاجماع، وهو قول الكافة.
واختاره الاستاذ أبو إسحاق.
وكذلك لا خلاف أنهم معصومون من كتمان الرسالة والتقصير في التبليغ، لان كل ذلك تقتضي العصمة منه المعجزة، مع الاجماع على ذلك من الكافة.
[ والجمهور قائلون بأنهم معصومون من ذلك من قبل الله، معتصمون باختيارهم وكسبهم، إلا حسينا النجار، فإنه قال: لا قدرة لهم على المعاصي أصلا.
وأما الصغائر فجوزها جماعة من السلف وغيرهم على الانبياء، وهو مذهب أبي جعفر الطبري وغيره من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين.
وذهبت طائفة أخرى إلى الوقف، وقالوا: العقل لا يحيل وقوعها منهم، ولم يأت في الشرع قاطع بأحد الوجهين.
وذهبت طائفة أخرى من المحققين والمتكلمين إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر، قالوا: لاختلاف الناس في الصغائر وتعيينها من الكبائر وإشكال ذلك، وقول ابن عباس وغيره: إن كل ما عصي الله به فهو كبيرة، وإنه إنما سمي منها الصغير بالاضافة إلى ما هو أكبر منه، ومخالفة الباري في أي أمر كان يجب كونه كبيرة.
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: لا يمكن أن يقال: إن في معاصي الله صغيرة إلا على معنى أنها تغتفر باجتناب الكبائر، ولا يكون لها حكم مع ذلك، بخلاف الكبائر إذا لم يتب منها فلا يحبطها شئ.
والمشيئة في العفو عنها إلى الله تعالى، وهو قول القاضي أبي بكر وجماعة أئمة الاشعرية وكثير من أئمة الفقهاء.
قال القاضي رحمه الله وقال بعض أئمتنا: ولا يجب على القولين أن يختلف أنهم معصومون عن تكرار الصغائر وكثرتها، إذ يلحقها ذلك بالكبائر، ولا في صغيرة أدت إلى إزالة الحشمة، وأسقطت المروءة، وأوجبت الازراء والخساسة، فهذا أيضا مما يعصم عنه الانبياء(11/464)
إجماعا، لان مثل هذا يحط منصبه المتسم به، ويزري بصاحبه، وينفر القلوب عنه، والانبياء منزهون عن ذلك.
بل يلحق بهذا ما كان من قبل المباح، فأدى إلى مثله، لخروجه بما أدى إليه عن اسم المباح إلى الحظر.
وقد ذهب بعضهم إلى عصمتهم من مواقعة المكروه قصدا.
وقد استدل بعض الائمة على عصمتهم من الصغائر بالمصير إلى امتثال أفعالهم، واتباع آثارهم وسيرهم مطلقا.
وجمهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة من غير التزام قرينة، بل مطلقا عند بعضهم، وإن اختلفوا في حكم ذلك.
وحكى ابن خويز منداد وأبو الفرج، عن مالك، التزام ذلك وجوبا، وهو قول الابهري وابن القصار وأكثر أصحابنا.
وقول أكثر أهل العراق وابن سريج، والاصطخري، وابن خيران من الشافعية.
وأكثر الشافعية على أن ذلك ندب.
وذهبت طائفة إلى الاباحة.
وقيد بعضهم الاتباع فيما كان من الامور الدينية وعلم به مقصد القربة.
ومن قال بالاباحة في أفعاله لم يقيد.
قال: فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم في أفعالهم، إذ ليس كل فعل من أفعاله يتميز مقصده من القربة أو الاباحة، أو الحظر، أو المعصية.
ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية، لا سيما على من يرى من الاصوليين
تقديم الفعل على القول إذا تعارضا.(11/465)
جماع أبواب الكلام على السهو والنسيان هل يصدر منه أم لا
قال القاضي عياض: حدثنا حاتم بن محمد، حدثنا أبو عبد الله بن الفخار، حدثنا أبو عيسى، حدثنا عبيد الله، حدثنا يحيى، عن مالك، عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولي ابن أبي أحمد أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل ذلك لم يكن.
وفي الرواية الاخرى: ما قصرت وما نسيت...الحديث بقصته، فأخبره بنفي الحالتين، وأنها لم تكن، وقد كان أحد ذلك كما قال ذو اليدين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله...قال القاضي: فاعلم - وفقنا الله وإياك - أن للعلماء في ذلك أجوبة، بعضها بصدد الانصاف، ومنها ما هو بنية التعسف والاعتساف، وهأنا أقول: أما على القول بتجويز الوهم والغلط فيما ليس طريقه من القول البلاغ وهو الذي زيفناه من القولين - فلا اعتراض بهذا الحديث وشبهه.
وأما على مذهب من يمنع السهو والنسيان في أفعاله جملة، ويرى أنه في مثل هذا عامد لصورة النسيان ليسن، فهو صادق في خبره، لانه لم ينس ولا قصرت، ولكنه على هذا القول تعمد هذا الفعل في هذه الصورة لمن اعتراه مثله، وهو قول مرغوب عنه ونذكره في موضعه.
وأما على إحالة السهو عليه في الاقوال وتجويز السهو عليه فيما ليس طريقه القول - كما سنذكره - ففيه أجوبة، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن اعتقاده وضميره، أما إنكار القصر فحق وصدق باطنا وظاهرا.
وأما النسيان فأخبر - صلى الله عليه وسلم - عن اعتقاده، وأنه لم ينس في ظنه، فكأنه قصد الخبر بهذا عن ظنه
وإن لم ينطق به، وهذا صدق أيضا.
ووجه ثان: أن قوله: ولم أنس - راجع إلى السلام، أي إني سلمت قصدا، وسهوت عن العدد، أي لم أنسه في نفس السلام، وهذا محتمل، وفيه بعد.
وجه ثالث - وهو أبعد هما - ما ذهب إليه بعضهم، وإن احتمله اللفظ من قوله: كل ذلك لم يكن: أي لم يجتمع القصر والنسيان، بل كان أحدهما.
ومفهوم اللفظ خلافه مع الرواية الاخرى الصحيحة، وهو قوله: ما قصرت الصلاة وما نسيت.(11/466)
هذا ما رأيت فيه لائمتنا، وكل من هذه الوجوه محتمل للفظ على بعد بعضها وتعسف الاخر منها.
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله: والذي أقول - ويظهر لي أنه أقرب من هذه الوجوه كلها - أن قوله صلى الله عليه وسلم: لم أنس إنكار للفظ الذي نفاه عن نفسه، وأنكره على غيره بقوله: بئس ما لاحدكم أن يقول: نسيت آية كذا وكذا، ولكنه نسي.
وبقوله في بعض روايات الحديث الاخر: لست أنسى، ولكن أنسى.
فلما قال له السائل: أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ أنكر قصرها كما كان، ونسيانه هو من قبل نفسه، وإنه إن كان جرى شئ من ذلك فقد نسي حتى سأل غيره، فتحقق أنه نسي، وأجري عليه ذلك ليسن، فقوله على هذا: لم أنس ولم تقصر، وكل ذلك لم يكن - صدق وحق، لم تقصر، ولم ينس حقيقة، ولكنه نسي.
ووجه آخر استثرته من كلام بعض المشايخ، وذلك أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسهو ولا ينسي، ولذلك نفى عن نفسه النسيان، قال: لان النسيان غفلة وآفة، والسهو إنما هو شغل بال، قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته ولا يغفل عنها، وكان يشغله عن حركات الصلاة ما في الصلاة، شغلا بها لا غفلة عنها.
فهذا إن تحقق على هذا المعنى لم يكن في قوله: ما قصرت ولا نسيت خلف في قول.
وعندي أن قوله: ما قصرت الصلاة وما نسيت بمعنى الترك الذي هو أحد وجهي النسيان، أراد - والله أعلم - لم أسلم من ركعتين تاركا لاكمال الصلاة، ولكني نسيت، ولم يكن من تلقاء نفسي.
والدليل على ذلك قوله في الحديث الصحيح: إني لانسي أو أنسى لاسن.
قال القاضي: وهذه الاحاديث مبنية على السهو في الفعل الذي قررناه، وحكمة الله فيه ليستن به، إذ البلاغ بالفعل أجلي منه بالقول، وأرفع للاحتمال، وشرطه ألا يقر على السهو، بل يشعر به ليرتفع الالتباس، وتظهر فائدة الحكمة فيه كما قدمناه، فإن النسيان والسهو في الفعل في حقه صلى الله عليه وسلم غير مضاد للمعجزة، ولا قادح في التصديق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إنما بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " رحم الله فلانا، لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطهن " - ويروي: أنسيتهن.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إني لانسى، أو أنسى، لاسن ".(11/467)
قيل: هذا اللفظ شك من الراوي.
وقد روى: " إني لا أنسى، ولكن لاسن ".
وذهب ابن نافع، وعيسى بن دينار أنه ليس بشك، فإن معناه التقسيم، أي أنسى أنا، أو ينسيني الله.
قال القاضي أبو الوليد الباجي: يحتمل ما قالاه أن يريد: أني أنسى في اليقظة، وأنسى في النوم، أو أنسى على سبيل عادة البشر من الذهول عن الشئ والسهو، وأنسى مع إقبالي عليه وتفرغي له، فأضاف أحد النسيانين إلى نفسه، إذ كان له بعض السبب فيه، ونفى الاخر عن نفسه، إذ هو فيه كالمضطر.
وذهبت طائفة من أصحاب المعاني والكلام على الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسهو في الصلاة ولا ينسى، لان النسيان ذهول وغفلة وآفة، قال: والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عنها،
والسهو شغل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته، ويشغله عن حركات الصلاة ما في الصلاة، شغلا بها لا غفلة عنها.
واحتج بقوله في الرواية الاخرى: إني لا أنسى.
وذهبت طائفة إلى منع هذا كله عنه، وقالوا: إن سهوه عليه السلام كان عمدا وقصدا ليسن.
وهذا قول مرغوب عنه، متناقض المقاصد، لا يحلى منه بطائل، لانه كيف يكون متعمدا ساهيا في حال.
ولا حجة لهم في قولهم: إنه أمر بتعمد صورة النسيان ليسن، لقوله: إني لانسى أو أنسى.
وقد أثبت أحد الوصفين، ونفى مناقضة التعمد والقصد، وقال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى تنسون، [ فإذا نسيت فذكروني ].
وقد مال إلى هذا عظيم من المحققين من أئمتنا، وهو أبو المظفر الاسفرايني، ولم يرتضه غيره منهم، ولا أرتضيه، ولا حجة لهاتين الطائفتين في قوله: إني لا أنسى، ولكن أنسى، إذ ليس فيه نفي حكم النسيان بالجملة، وإنما فيه نفي لفظه وكراهة لقبه، كقوله: بئس ما لاحدكم أن يقول: نسيت آية كذا، ولكنه نسي، أو نفي الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الصلاة عن قلبه، ولكن شغل بها عنها، ونسي بعضها ببعضها، كما ترك الصلاة يوم الخندق حتى خرج وقتها، وشغل بالتحرز من العدو عنها، فشغل بطاعة عن طاعة.
وقيل: إن الذي ترك يوم الخندق أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وبه احتج من ذهب إلى جواز تأخير الصلاة في الخوف، إذا لم يتمكن من أدائها إلى وقت الامن، وهو مذهب الشاميين.(11/468)
والصحيح أن حكم صلاة الخوف كان بعد هذا، فهو ناسخ له.
فإن قلت: فما تقول في نومه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة يوم الوادي، قال: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي.
فاعلم أن للعلماء في ذلك أجوبة، منها: أن المراد بأن هذا حكم قلبه عند نومه وعينيه في غالب الاوقات، وقد يندر منه غير ذلك، كما يندر من نومه خلاف عادته.
ويصحح هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: إن الله قبض أرواحنا.
وقول بلال فيه: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، ولكن مثل هذا إنما يكون منه لامر يريده الله من إثبات حكم، وتأسيس سنة، وإظهار شرع، كما قال في الحديث الاخر: لو شاء الله لا يقظنا، ولكن أراد أن يكون لمن بعد كم.
الثاني - أن قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيه، لما روي أنه كان محروسا، وأنه كان ينام حتى ينفخ، وحتى يسمع غطيطه، ثم يصلي ولا يتوضأ.
وحديث ابن عباس المذكور فيه وضوؤه عند قيامه من النوم، فيه نومه مع أهله، فلا يمكن الاحتجاج به على وضوئه بمجرد النوم، إذ لعل ذلك لملامسته الاهل أو لحدث آخر، فكيف وفي آخر الحديث نفسه: ثم نام حتى سمعت غطيطه، ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ.
وقيل: لا ينام قلبه من أجل أنه يوحى إليه في النوم، وليس في قصة الوادي إلا نوم عينيه عن رؤية الشمس.
وليس هذا من فعل القلب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا...(11/469)
الباب الأول في الرد على من أجاز على الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -
الصغائر قال القاضي: [ اعلم أن المجوزين للصغائر على الانبياء من الفقهاء والمحدثين ومن شايعهم على ذلك من المتكلمين احتجوا على ذلك بظواهر كثيرة من القرآن والحديث إن التزموا ظواهرها أفضت بهم إلى تجويز الكبائر وخرق الاجماع، وهو ما لا يقول به مسلم، فيكف وكل ما احتجوا به مما اختلف المفسرون في معناه، وتقابلت الاحتمالات في مقتضاه،
وجاءت أقاويل فيها للسلف بخلاف ما التزموه من ذلك، فإذا لم يكن مذهبهم إجماعا، وكان الخلاف فيما احتجوا به قديما، وقامت الدلالة على خطأ قولهم، وصحة غيره، وجب تركه، والمصير إلى ما صح.
فمن ذلك قوله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) [ الفتح 2 ].
وقوله: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) [ محمد 19 ].
وقوله: (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) [ الشرح 2 ].
وقوله: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) [ التوبة 43 ].
وقوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) [ الانفال 68 ].
وقوله: (عبس وتولى أن جاءه الاعمى...) [ عبس 1 ].
وما قص من قصص غيره من الانبياء، كقوله: (وعصى آدم ربه فغوى) [ طه 121 ].
وقوله: (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون) [ الاعراف 190 ].
وقوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) [ الاعراف 23 ].
وقوله - عن يونس: (سبحانك إني كنت من الظالمين) [ الانبياء 87 ].
وما ذكر من قصته وقصة داود، وقوله: (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب.
فغفر نا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) [ ص 24، 25 ].
وقوله: (ولقد همت به وهم بها) [ يوسف: 24 ] وما قص من قصته مع إخوته.(11/470)
وقوله - عن موسى: (فوكزه موسى فقضى عليه قال: هذا من عمل الشيطان)
[ القصص 15 ].
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم في دعائه: اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت.
ونحوه من أدعيته صلى الله عليه وسلم.
وذكر الانبياء في الموقف ذنوبهم في حديث الشفاعة.
وقوله: إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله.
وفي حديث أبي هريرة: " إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ".
وقوله تعالى - عن نوح: (وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) [ هود 47 ].
وقد كان قال الله له: (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) [ هود 37 ].
وقال - عن إبراهيم: (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) [ الشعراء 82 ].
وقوله - عن موسى: (تبت إليك) [ الاعراف 143 ].
وقوله: (ولقد فتنا سليمان) [ ص 34 ]...إلى ما أشبه هذه الظواهر.
قال القاضي رحمه الله: فأما احتجاجهم بقوله: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) [ الفتح 2 ]: فهذا قد اختلف فيه المفسرون، فقيل: المراد ما كان قبل النبوة وبعدها.
وقيل: المراد ما وقع لك من ذنب وما لم يقع - أعلمه أنه مغفور له.
وقيل: المتقدم ما كان قبل النبوة، والمتأخر عصمتك بعدها، حكاه أحمد بن نصر.
وقيل: المراد بذلك أمته.
وقيل: المراد ما كان عن سهو وغفلة، وتأويل، حكاه الطبري، واختاره القشيري.
وقيل: ما تقدم لابيك آدم، وما تأخر من ذنوب أمتك، حكاه السمر قندي والسلمي عن ابن عطاء.
وبمثله والذي قبله يتأول قوله: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) [ محمد 19 ]، قال مكي: مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم هاهنا هي مخاطبة لامته.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن يقول: (وما أدري ما يفعل بي ولابكم) [ الاحقاف
9 ] - سر بذلك الكفار، فأنزل الله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر..) [ الفتح: 2 ] الاية، وبمال المؤمنين في الاية الاخرى بعدها، قاله ابن عباس، فمقصد الاية: أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب إن لو كان.
قال بعضهم: المغفرة هاهنا تبرئة من العيوب.(11/471)
وأما قوله: (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) [ الشرح 2، 3 ]، فقيل: ما سلف من ذنبك قبل النبوة، وهو قول ابن زيد، والحسن، ومعنى قول قتادة.
وقيل: معناه أنه حفظ قبل نبوته منها، وعصم، ولولا ذلك لاثقلت ظهره، حكى معناه السمر قندي.
وقيل: المراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حتى بلغها، حكاه الماوردي، والسلمي.
وقيل: حططنا عنك ثقل أيام الجاهلية، حكاه مكي.
وقيل: ثقل شغل سرك وحيرتك وطلب شريعتك حتى شرعنا ذلك لك، حكى معناه القشيري.
وقيل المعنى: خففنا عليك، ما حملت بحفظنا لما استحفظت، وحفظ عليك.
ومعنى أنقض ظهرك، أي كاد ينقضه، فيكون المعنى على من جعل ذلك لما قبل النبوة - اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمور فعلها قبل نبوته، وحرمت عليه بعد النبوة، فعدها أوزارا، وثقلت عليه، وأشفق منها.
أو يكون الوضع عصمة الله له وكفايته من ذنوب لو كانت لانقضت ظهره.
أو يكون من ثقل الرسالة، أو ما ثقل عليه وشغل قلبه من أمور الجاهلية، وإعلام الله تعالى له بحفظ ما استحفظه من وحيه.
وأما قوله: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) [ التوبة 43 ] - فأمر لم يتقدم للنبي صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نهي فيعد معصية، ولا عده الله تعالى عليه معصية، لم يعده أهل العلم معاتبة.
وغلطوا من ذهب إلى ذلك، قال نفطويه وقد حاشاه الله تعالى من ذلك، بل كان مخيرا في أمرين، قالوا: وقد كان له أن يفعل ما شاء فيما لم ينزل عليه فيه وحي، فكيف وقد قال الله تعالى: (فأذن لمن شئت منهم) [ النور 62 ].
فلما أذن لهم أعلمه الله بما لم يطلع عليه من سرهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا وأنه لا حرج عليه فيما فعل، وليس " عفا " هنا بمعنى غفر، بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق.
ولم تجب عليهم قط، أي لم يلزمكم ذلك.
ونحوه للقشيري، قال: وإنما يقول العفو: لا يكون إلا عن ذنب - من لم يعرف كلام العرب، قال: ومعنى عفا الله عنك - أي لم يلزمك ذنبا.
قال الداودي: روي أنها تكرمة.
وقال مكي: هو استفتاح كلام، مثل أصلحك الله وأعزك.(11/472)
وحكى السمر قندي أن معناه عافاك الله.
وأما قوله في أساري بدر: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة والله عزيز حكيم.
لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) [ الانفال 67، 68 ] فليس فيه إلزام ذنب للنبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه بيان ما خص به وفضل من بين سائر الانبياء، فكأنه قال: ما كان هذا لنبي غيرك، كما قال صلى الله عليه وسلم: أحلت لي الغنائم، ولم تحل لنبي قبلي.
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: (تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة والله عزيز حكيم) [ الانفال 67 ].
قيل: المعنى بالخطاب لمن أراد ذلك منهم، وتجرد غرضه لعرض الدنيا وحده، والاستكثار منها، وليس المراد بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا علية أصحابه، بل قد روي عن الضحاك أنها نزلت حين انهزم المشركون يوم بدر، واشتغل الناس بالسلب وجمع الغنائم عن القتال،
حتى خشي عمر أن يعطف عليهم العدو.
ثم قال تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) [ الانفال 68 ]، فاختلف المفسرون في معنى الاية، فقيل: معناها لولا أنه سبق مني أن لا أعذب أحدا إلا بعد النهي لعذبتكم.
فهذا ينفي أن يكون أمر الاسرى معصية.
وقيل: المعنى لولا إيمانكم بالقرآن، وهو الكتاب السابق فاستوجبتم به الصفح - لعوقبتم على الغنائم.
ويزاد هذا القول تفسيرا وبيانا بأن يقال: لولا ما كنتم مؤمنين بالقرآن، وكنتم ممن أحلت لهم الغنائم لعوقبتم، كما عوقب من تعدى.
وقيل: لولا أنه سبق في اللوح المحفوظ أنها حلال لكم لعوقبتم.
فهذا كله ينفي الذنب والمعصية، لان من فعل ما أحل له لم يعص، قال الله تعالى: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) [ الانفال 69 ].
وقيل: بل كان صلى الله عليه وسلم قد خير في ذلك، وقد روي عن علي رضي الله عنه، قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقال: خير أصحابك في الاسارى، إن شاؤوا القتل، وإن شاؤوا الفداء، على أن يقتل منهم في العام المقبل مثلهم.
فقالوا: الفداء ويقتل منا.
وهذا دليل على صحة ما قلناه، وأنهم لم يفعلوا إلا ما أذن لهم فيه، لكن بعضهم مال(11/473)
إلى أضعف الوجهين مما كان الاصلح غيره من الاثخان، والقتل، فعوتبوا على ذلك، وبين لهم ضعف اختيارهم وتصويب اختيار غيرهم، وكلهم غير عصاة ولا منذنبين، وإلى نحو هذا أشار الطبري.
وقوله - صلى الله عليه وسلم في هذه القضية: لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه إلا عمر - إشارة إلى هذا من تصويب رأيه ورأي من أخذ بمأخذه، في إعزاز الدين، وإظهار كلمته، وإبادة عدوه،
وأن هذه القضية لو استوجبت عذابا نجا منه عمر ومثله: وعين عمر لانه أول من أشار بقتلهم، ولكن الله لم يقدر عليهم في ذلك عذابا لحله لهم فيما سبق.
وقال الداودي: والخبر بهذا لا يثبت، ولو ثبت لما جاز أن يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بما لا نص فيه ولا دليل من نص، ولا جعل الامر فيه إليه، وقد نزهه الله تعالى عن ذلك.
وقال القاضي بكر بن العلاء: أخبر الله تعالى نبيه في هذه الاية أن تأويله وافق ما كتبه له من إحلال الغنائم والفداء، وقد كانوا قبل هذا فادوا في سرية عبد الله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرمي بالحكم بن كيسان وصاحبه، فما عتب الله ذلك عليهم، وذلك قبل بدر بأزيد من عام.
فهذا كله يدل على أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الاسرى كان على تأويل وبصيرة، وعلى ما تقدم قبل مثله، فلم ينكره الله تعالى عليهم، لكن الله تعالى أراد - لعظم أمر بدر وكثرة أسراها، والله أعلم - إظهار نعمته، وتأكيد منته بتعريفهم ما كتبه في اللوح المحفوظ من حل ذلك لهم، لا على وجه عتاب وإنكار وتذبيب.
هذا معنى كلامه.
وأما قوله: (عبس وتولى أن جاءه الاعمى..) [ عبس 1 ].
فليس فيه إثبات ذنب له صلى الله عليه وسلم، بل إعلام الله أن ذلك المتصدي له ممن لا يتزكي، وأن الصواب والاولى - لو كشف لك حال الرجلين - الاقبال على الاعمى.
وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل، وتصديه لذاك الكافر، كان طاعة لله وتبليغا عنه، واستئلافا له، كما شرعه الله له، لا معصية، ولا مخالفة له.
وما قصه الله عليه من ذلك إعلام بحال الرجلين وتوهين أمر الكافر عنده، والاشارة إلى الاعراض عنه، بقوله: (وما عليك ألا يزكي) [ عبس: 7 ].
وقيل: أراد ب " عبس "، و " تولى " - الكافر الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، قاله أبو تمام.
وأما قصة آدم عليه السلام، وقوله تعالى: (فأكلا منها) - بعد قوله: (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) [ البقرة 35 ].
وقوله (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة)(11/474)
[ الاعراف 22 ]، وتصريحه تعالى عليه المعصية بقوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى) [ طه 121 ]، أي جهل.
وقيل: أخطأ، فإن الله تعالى قد أخبر بعذره بقوله: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) [ طه 115 ]، قال ابن زيد: نسي عداوة إبليس له، وما عهد الله إليه من ذلك بقوله: (إن هذا عدو لك ولزوجك..) [ طه 117 ] الاية.
وقيل: نسي ذلك بما أظهر لهما.
وقال ابن عباس: إنما سمي الانسان إنسانا لانه عهد إليه فنسي.
وقيل: لم يقصد المخالفة استحلالا لها، ولكنهما اغترا بحلف إبليس لهما: (إني لكما لمن الناصحين) [ الاعراف 21 ]، وتوهما أن أحدا لا يحلف بالله حانثا.
وقد روي عذر آدم بمثل هذا في بعض الاثار.
وقال ابن جبير: حلف بالله لهما حتى غرهما، والمؤمن يخدع.
وقد قيل نسي، ولم ينو المخالفة، فلذلك قال: (ولم نجد له عزما)، أي قصدا للمخالفة.
وأكثر المفسرين على أن العزم هنا الجزم والصبر.
وقيل: كان عند أكله سكرانا، وهذا فيه ضعف، لان الله تعالى وصف خمر الجنة أنها لا تشكر، فإذا كان ناسيا لم تكن معصية، وكذلك إن كان ملبسا عليه غالطا، إذ الاتفاق على خروج الناسي والساهي عن حكم التكليف.
وقال الشيخ أبو بكر بن فورك وغيره: إنه يمكن أن يكون ذلك قبل النبوة، ودليل ذلك قوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى.
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)، فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان.
وقيل: بل أكلها متأولا، وهو لا يعلم أنها الشجرة التي نهي عنها، لانه تأول نهي الله عن
شجرة مخصوصة لا على الجنس، ولهذا قيل: إنما كانت التوبة من ترك التحفظ، لا من المخالفة.
وقيل: تأول أن الله لم ينهه عنها نهي تحريم.
فإن قيل: فعلى كل حال فقد قال الله تعالى: (وعصى آدم ربه)، وقال: (فتاب عليه وهدى).
وقوله في حديث الشفاعة: ويذكر ذنبه، وقال: إني نهيت عن أكل الشجرة فعصيت، فسيأتي الجواب عنه وعن أشباهه مجملا آخر الفصل إن شاء الله.(11/475)
وأما قصة يونس فقد مضى الكلام على بعضها آنفا، وليس في قصة يونس نص على ذنب، وإنما فيها: أبق وذهب مغاضبا وقد تكلمنا عليه.
وقيل: إنما نقم الله عليه خروجه عن قومه فارا من نزول العذاب.
وقيل: بل لما وعدهم العذاب ثم عفا الله عنهم قال: والله لا ألقاهم بوجه كذاب أبدا.
وقيل: بل كانوا يقتلون من كذب فخاف ذلك...وقيل: ضعف عن حمل أعباء الرسالة.
وقد يقدم الكلام أنه لم يكذبهم.
وهذا كله ليس فيه نص على معصية إلا على قول مرغوب عنه.
وقوله: (إذ أبق إلى الفلك المشحون) [ الصافات 14 ] - قال المفسرون تباعد.
وأما قوله: (إني كنت من الظالمين) [ الانبياء 87 ]، فالظلم وضع الشئ في غير موضعه، فهذا اعتراف منه عند بعضهم بذنبه، فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربه، أو لضعفه عما حمله، أو لدعائه بالعذاب على قومه.
وقد دعا نوح بهلاك قومه فلم يؤاخذ.
وقال الواسطي في معناه: نزه ربه عن الظلم، وأضاف الظلم إلى نفسه اعترافا واستحقاقا.
ومثل هذا قول آدم وحواء: (ربنا ظلمنا أنفسنا) [ الاعراف 23 ]، إذ كانا السبب في وضعهما غير الموضع الذي أنزلا فيه، وإخراجهما من الجنة، وإنزالهما إلى الارض.
وأما قصة داود عليه السلام فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطره فيه الاخباريون من أهل
الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض المفسرين.
ولم ينص الله على شئ من ذلك، ولا ورد في حديث صحيح.
والذي نص الله عليه قوله: (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب.
فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) [ ص 24، 25 ].
وقوله فيه: (أواب).
فمعنى فتناه: اختبرناه.
وأواب: قال قتادة: مطيع.
وهذا التفسير أولى.
وقال ابن عباس، وابن مسعود: ما زاد داود على أن قال للرجل: انزل لي عن امرأتك وأكفلنيها، فعاتبه الله على ذلك، ونبهه عليه، وأنكر عليه شغله بالدنيا، وهذا الذي ينبغي أن يعول عليه من آمره.
وقيل: خطبها على خطبته.
وقيل: بل أحب بقلبه أن يستشهد.(11/476)
وحكى السمر قندي أن ذنبه الذي استغفر منه قوله لاحد الخصمين: (لقد ظلمك)، فظلمه بقول خصمه.
وقيل: بل لما خشي على نفسه، وظن من الفتنة بما بسط له من الملك والدنيا.
وإلى نفي ما أضيف في الاخبار إلى داود من ذلك - ذهب أحمد بن نصر، وأبو تمام، وغيرهما من المحققين.
وقال الداودي: ليس في قصة داود وأوريا خبر يثبت، ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم.
وقيل: إن الخصمين اللذين اختصما إليه رجلان، في نعاج غنم، على ظاهر الاية.
وأما قصة يوسف وإخوته فليس على يوسف فيها تعقب، وأما إخواته فلم تثبت نبوتهم فيلزم الكلام على أفعالهم.
وذكر الاسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الانبياء ليس صريحا في كونهم من أهل الانبياء.
قال المفسرون يريد من نبئ من أبناء الاسباط.
وقد قيل: إنهم كانوا حين فعلوا بيوسف ما فعلوه صغار الاسنان، ولهذا لم يميزوا يوسف حين اجتمعوا به، ولهذا قالوا: أرسله معنا غدا نرتع ونلعب، وإن ثبتت لهم نبوة فبعد هذا، والله أعلم.
وأما قول الله تعالى فيه: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) [ يوسف 24 ] فعلى طريق كثير من الفقهاء والمحدثين أن هم النفس لا يؤاخذ به، وليس سيئة، لقوله صلى الله عليه وسلم - عن ربه: " إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة "، فلا معصية في همه إذا.
وأما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فإن الهم إذا وطنت عليه النفس سيئة.
وأما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه.
وهذا هو الحق، فيكون - إن شاء الله - هم يوسف من هذا، ويكون قوله: (وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم) [ يوسف 53 ].
أي ما أبرئها من هذا الهم، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف بمخالفة النفس لما زكي قبل وبرئ، فكيف وقد حكى أبو حاتم عن أبي عبيدة - أن يوسف لم يهم، وأن الكلام فيه تقديم وتأخير، أي: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها، وقد قال الله تعالى - عن المرأة (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) [ يوسف 32 ].
وقال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) [ يوسف 24 ].
وقال تعالى: (وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) [ يوسف 23 ] الاية.(11/477)
قيل في " ربي ": الله تعالى.
وقيل: الملك.
وقيل: هم بها، أي بزجرها ووعظها.
وقيل: هم بها، أي غمها امتناعه عنها.
وقيل: هم بها: نظر إليها.
وقيل: هم بضربها ودفعها.
وقيل: هذا كله كان قبل نبوته.
وقد ذكر بعضهم: ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل شهوة حتى نبأه الله، فألقى عليه هيبة النبوة، فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه.
وأما خبر موسى صلى الله عليه وسلم مع قتيله الذي وكزه فقد نص الله تعالى أنه من عدوه، قال: كان من القبط الذين على دين فرعون.
ودليل السورة في هذا كله أنه قبل نبوة موسى.
وقال قتادة: وكزه بالعصا، ولم يتعمد قتله، فعلى هذا لا معصية في ذلك.
وقوله: (هذا من عمل الشيطان) [ القصص 15 ].
وقوله: (ظلمت نفسي فاغفر لي) [ القصص 16 ] - قال ابن جريج: قال ذلك من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر.
وقال النقاش: لم يقتله عن عمد مريدا للقتل، وإنما وكزه وكزة يريد بها رفع ظلمه، قال: وقد قيل: إن هذا كان قبل النبوة، وهو مقتضى التلاوة.
وقوله تعالى - في قصته: (وفتناك فتونا) [ طه 40 ]، أي ابتليناك ابتلاء بعد ابتلاء.
قيل في هذه القصة وما جرى له مع فرعون.
وقيل إلقاؤه في التابوت واليم، وغير ذلك.
وقل: معناه أخلصناك إخلاصا، قاله ابن جبير ومجاهد، من قولهم: فتنت الفضة في النار إذا خلصتها.
وأصل الفتنة معنى الاختبار، وإظهار ما بطن، إلا أنه استعمل في عرف الشرع في اختبار أدى إلى ما يكره.
وكذلك ما روي في الخبر الصحيح، من أن ملك الموت جاءه فلطم عينه ففقأها...الحديث...ليس فيه ما يحكم به على موسى بالتعدي وفعل ما لا يجب له، إذ هو ظاهر الامر، بين(11/478)
الوجه، جائز الفعل، لان موسى دافع عن نفسه من أتاه لاتلافها، وقد تصور له في صورة آدمي،
ولا يمكن أنه علم حينئذ أنه ملك الموت، فدافعه عن نفسه مدافعة أدت إلى ذهاب عين تلك الصورة التي تصور له فيها الملك امتحانا من الله له، فلما جاءه بعد، وأعلمه الله تعالى أنه رسوله إليه استسلم.
وللمتقدمين والمتأخرين على هذا الحديث أجوبة هذا أشدها عندي، وهو تأويل شيخنا الامام أبي عبد الله المازري.
وقد تأوله قديما ابن عائشة وغيره على صكه ولطمه بالحجة، وفق ء عين حجته، هو كلام مستعمل في هذا الباب في اللغة معروف.
وأما قصة سليمان وما حكى فيها أهل التفاسير من ذنبه وقوله: (ولقد فتنا سليمان) [ ص 34 ]، فمعناه ابتلينا، وابتلاؤه: ما حكي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لاطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتين بفارس يجاهد في سبيل الله.
فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل.
فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله.
قال أصحاب المعاني: والشق هو الجسد الذي ألقي على كرسيه حين عرض عليه، وهي عقوبته ومحنته.
وقيل: بل مات فألقي على كرسيه ميتا.
وقيل: ذنبه حرصه على ذلك وتمنيه.
وقيل: لانه لم يستثن لما استغرقه من الحرص، وغلب عليه من التمني.
وقيل: عقوبته أن سلب ملكه، وذنبه أن أحب بقلبه أن يكون الحق لاختانه على خصمهم.
وقيل: أوخذ بذنب قارفه بعض نسائه.
ولا يصح ما نقله الاخباريون من تشبه الشيطان به، وتسلطه على ملكه، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه، لان الشياطين لا يسلطون على مثل هذا، وقد عصم الانبياء من مثله.
وإن سئل: لم يقل سليمان في القصة المذكورة: إن شاء الله ؟ - فعنه أجوبة: أحدها - ما روي في الحديث الصحيح أنه نسي أن يقولها، وذلك لينفذ مراد الله تعالى.(11/479)
والثاني - أنه لم يسمع صاحبه وشغل عنه.
وقوله: (وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) [ ص 35 ].
لم يفعل هذا سليمان غيره على الدنيا ولا نفاسة بها، ولكن مقصده في ذلك - على ما ذكره المفسرون - ألا يسلط عليه أحد كما سلط عليه الشيطان الذي سلبه إياه مدة امتحانه على قول من قال ذلك.
وقيل: بل أراد أن يكون له من الله فضيلة وخاصة يختص بها كاختصاص غيره من أنبياء الله ورسله بخواص منه.
وقيل: ليكون ذلك دليلا وحجة على نبوته، كإلانة الحديد لابيه، وإحياء الموتى لعيسى، واختصاص محمد صلى الله عليه وسلم بالشفاعة، ونحو هذا.
وأما قصة نوح عليه السلام فظاهرة العذر، وإنه أخذ فيها بالتأويل وظاهر اللفظ، لقوله تعالى: (وأهلك)، فطلب مقتضى هذا اللفظ، وأراد علم ما طوي عليه من ذلك، لا أنه شك في وعد الله تعالى، فبين الله عليه أنه ليس من أهل الذين وعده بنجاتهم لكفره وعمله الذي هو غير صالح، وقد أعلمه أنه مغرق الذين ظلموا، ونهاه عن مخاطبته فيهم، فووخذ بهذا التأويل، وعتب عليه، وأشفق هو من إقدامه على ربه لسؤاله ما لم يؤذن له في السؤال فيه، وكان نوح - فيما حكاه النقاش - لا يعلم بكفر ابنه.
وقيل في الاية غير هذا، وكل هذا لا يقضي على نوح بمعصية سوى ما ذكرنا من تأويله وإقدامه بالسؤال فيما لم يؤذن له فيه، ولا نهي عنه.
وما روي في الصحيح من أن نبيا قرصته نملة فحرق قرية النمل، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الامم تسبح...فليس في هذا الحديث أن هذا الذي أتى معصية، بل فعل ما رآه مصلحة وصوابا بقتل من يؤذي جنسه، ويمنع المنفعة مما أباح الله.
ألا ترى أن هذا النبي كان نازلا تحت الشجرة، فلما آذته النملة تحول برجله عنها مخافة تكرار الاذى عليه وليس فيما أوحى الله إليه ما يوجب معصية، بل ندبة إلى احتمال الصبر وترك التشفي، كما قال تعالى: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)، إذ ظاهر فعله إنما كان لاجل أنها آذته هو في خاصته، فكان انتقاما لنفسه، وقطع مضرة يتوقعها من بقية النمل هناك، ولم يأت في كل هذا أمرا نهي عنه، فيعصى به، ولا نص فيما أوحى الله إليه بذلك، ولا بالتوبة والاستغفار منه.
والله أعلم.
فإنه قيل: فما معنى قوله عليه السلام: ما من أحد إلا ألم بذنب أو كاد إلا يحيى بن زكريا، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.(11/480)
فالجواب عنه - كما تقدم من ذنوب الانبياء التي وقعت عن غير قصد وعن سهو وغفلة.
فصل معقود لدفع شبه نشأت مما قدمه فإن قلت: فإذا نفيت عنهم صلوات الله عليهم الذنوب والمعاصي بما ذكرته من اختلاف المفسرين وتأويل المحققين - فما معنى قوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى) [ طه 121 ]، وما تكرر في القرآن والحديث الصحيح من اعتراف الانبياء بذنوبهم وتوبتهم واستغفارهم، وبكائهم على ما سلف منهم، وإشفاقهم.
وهل يشفق ويتاب ويستغفر من لا شئ ؟ فاعلم - وفقنا الله وإياك أن درجة الانبياء في الرفعة والعلو والمعرفة بالله، وسنته في عباده، وعظم سلطانه، وقوة بطشه، مما يحملهم على الخوف منه جل جلاله، والاشفاق من المؤاخذة بما لا يؤاخذ به غيرهم، وأنهم - في تصرفهم بأمور لم ينهوا عنها، ولا أمروا بها، ثم أوخذوا عليها، وعوتبوا بسببها، أو حذروا من المؤاخذة بها، وأتوها على وجه التأويل أو السهو، أو تزيد من أمور الدنيا المباحة - خائفون وجلون، وهي ذنوب بالاضافة إلى علي منصبهم ومعاص بالنسبة إلى كمال طاعتهم، لا أنها كذنوب غيرهم ومعاصيهم، فإن الذنب مأخوذ من
الشئ الدني الرذل، ومنه ذنب كل شئ، أي آخره.
وأذناب الناس رذالهم، فكأن هذه أدنى أفعالهم، وأسوأ ما يجري من أحوالهم لتطهيرهم وتنزيههم وعمارة بواطنهم وظواهرهم بالعمل الصالح، والكلم الطيب، والذكر الظاهر والخفي، والخشية لله، وإعظامه في السر والعلانية، وغيرهم يتلوث من الكبائر والقبائح والفواحش ما تكون بالاضافة إليه هذه الهنات في حقه كالحسنات، كما قيل: حسنات الابرار سيئات المقربين، أي يرونها بالاضافة إلى علي أحوالهم كالسيئات.
وكذلك العصيان الترك والمخالفة، فعلى مقتضى اللفظة كيفما كانت من سهو أو تأويل فهي مخالفة وترك.
وقوله تعالى: (غوى)، أي جهل أن تلك الشجرة هي التي نهي عنها، والغي: الجهل.
وقيل: أخطأ ما طلب من الخلود، إذ أكلها وخابت أمنيته.
وهذا يوسف عليه السلام قد أوخذ بقوله لاحد صاحبي السجن: (اذكرني عند ربك، فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين) [ يوسف 42 ].
قيل: أنسي يوسف ذكر الله.
وقيل: أنسي صاحبه أن يذكره لسيده الملك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لا كلمة يوسف ما لبث في السجن ما لبث.(11/481)
قال ابن دينار: لما قال ذلك يوسف قيل له: اتخذت من دوني وكيلا، لاطيلن حبسك.
فقال: يا رب، أنسى قلبي كثرة البلوى.
وقال بعضهم: يؤاخذ الانبياء بمثاقيل الذر، لمكانتهم عنده، ويجاوز عن سائر الخلق لقلة مبالاته بهم في أضعاف ما أتوا به من سوء الادب.
وقد قال المحتج للفرقة الاولى على سياق ما قلناه: إذا كان الانبياء يؤاخذون بهذا مما لا يؤاخذ به غيرهم من السهو والنسيان، وما ذكرته، وحالهم أرفع فحالهم إذا في هذا أسوأ حالا
من غيرهم.
فاعلم - أكرمك الله - أنا لا نثبت لك المؤاخذة في هذا على حد مؤاخذة غيرهم، بل نقول: إنهم يؤاخذون بذلك في الدنيا، ليكون ذلك زيادة في درجاتهم، ويبتلون بذلك، ليكون استشعارهم له سببا لمنماة رتبهم، كما قال: (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى).
وقال لداود.
(فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) [ ص 40 ].
وقال - بعد قول موسى: (تبت إليك) [ الاعراف 143 ]: (إني اصطفيتك على الناس) [ الاعراف 144 ].
وقال - بعد ذكر فتنة سليمان وإنابته: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب.
والشياطين كل بناء وغواص.
وآخرين مقرنين في الاصفاد.
هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب.
وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) [ ص 36 - 40 ].
وقال بعض المتكلمين: زلات الانبياء في الظاهر زلات، وفي الحقيقة كرامات وزلف، وأشار إلى نحو مما قدمناه.
وأيضا فلينبه غيرهم من البشر منهم أو ممن ليس في درجتهم بمؤاخذتهم بذلك، فيستشعروا الحذر ويعتقدوا المحاسبة ليلتزموا الشكر على النعم، ويعدوا الصبر على المحن بملاحظة ما وقع بأهل هذا النصاب الرفيع المعصوم، فكيف بمن سواهم، ولهذا قال صالح المري: ذكر داود بسطة للتوابين.
قال ابن عطاء: لم يكن ما نص الله تعالى عليه من قضية صاحب الحوت نقصا له، ولكن استزادة من نبينا صلى الله عليه وسلم.
وأيضا فيقال لهم: فإنكم ومن وفقكم تقولون بغفران الصغائر باجتناب الكبائر.
ولا خلاف في عصمة الانبياء من الكبائر، فما جوزتم من وقوع الصغائر عليهم هي مغفورة على هذا، فما معنى المؤاخذة بها إذا عندكم وخوف الانبياء وتوبتهم منها، وهي مغفورة لو كانت ؟(11/482)
فما أجابوا به فهو جوابنا عن المؤاخذة بأفعال السهو والتأويل.
وقد قيل: إن كثرة استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وتوبته وغيره من الانبياء على وجه ملازمة الخضوع والعبودية، والاعتراف بالتقصير، شكراً لله على نعمه، كما قال - صلى الله عليه وسلم - وقد أمن من المؤاخذة مما تقدم وتأخر: " أفلا أكون عبدا شكورا " ! وقال: " إني أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي ".
قال الحارث بن أسد: خوف الملائكة والانبياء خوف إعظام وتعبد لله، لانهم آمنون.
وقيل: فعلوا ذلك ليقتدي بهم، وتستن بهم أممهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ".
وأيضا فإن في التوبة والاستغفار معنى آخر لطيفا أشار إليه بعض العلماء، وهو استدعاء محبة الله، قال الله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) [ البقرة 222 ].
فإحدث الرسل والانبياء الاستغفار والتوبة والانابة والاوبة في كل حين - استدعاء لمحبة الله ! والاستغفار فيه معنى التوبة، وقد قال الله لنبيه - بعد أن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار) [ التوبة 117 ].
وقال تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) [ النصر 3 ].(11/483)
الباب الثاني في الكلام على الملائكة - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع: الأول: في اشتقاق لفظ الملك وكيفية تصريفه.
فقيل: هو مشتق من الالوكة وهي الرسالة وكذلك المألكة (ومنه قولهم: ألكني إليه) (1) قال الشاعر: أبلغ النعمان عني مألكا * أنه قد طال حبسي وانتظاري (2)
أي: رسالة، ويقال فيها: ألوك أيضا قال لبيد: وغلام أرسلته أمه * بألوك فبذلنا ما سأل (3) وقيل في الملك: إنه جمع مألكة، لما كانت الملائكة رسلا سميت لذلك.
قال الخليل بن أحمد - رحمه الله تعالى -: إنما سميت الرسالة مألكة، لانها تلوك في الفم من قولهم: فرس مألك اللجام أي: يعلكه، وعلى هذا أصله مألك لكنهم، قالوا في جمع مألك: ملائكة فأتوا بالهمزة في موضع عين الكلمة فيكون واحده مألكا، وقد جاء ذلك في الشعر أنشد أبو وجزة: فلست لانسي ولكن لملاك * ينزل من جو السماء يصوب (4) ووجه اشتقاقه من الالوكة يقتضي أن يكون مقلوبا، قلبت فاؤه إلى موضع عينه، ووزن ملاك معفل وإنما قلبت ليخفف بنقل حركة همزته فلما نقلت حركة همزته إلى الساكن قبلها حذفت تخفيفا لها، قلبت فقيل: ملك، ولهذا ردت همزة في جمعه فقيل: ملائكة وزنه: معافلة على هذا القول.
وقال ابن كيسان: هو الملاك فيكون فعالا، وأصله ملاك أيضا، لو ورد الهمزة في الجمع، لكن لا قلب فيه على هذا القول.
__________
(1) سقط في أ.
(2) البيت لعدي بن زيد وهو في ديوانه 93، والمحتسب لابن جني 1 / 44 والاشتقاق ص 26، الاغاني 2 / 94، خزانة الادب 8 / 513، شرح شواهد المغني 2 / 658، الشعر والشعراء 1 / 235، المنصف 2 / 104، جمهرة اللغة 982، الممتع في التصريف 1 / 79.
(3) البيت للبيد كما قال انظر ديوانه 178، الخصائص 3 / 275 املاء العكبري 1 / 27، اللسان [ ألك ].
(4) البيت لعلقمة كما في ملحق ديوانه 118 وقال ابن منظور: هو لرجل من عبد القيس م [ صوب ] والكتاب 2 / 379 وإملاء العكبري 1 / 28، أمالي الشجري 2 / 20، المفضليات 394.
(*)(11/484)
وقال أبو عبيدة: أصله ملاك أيضا، لكن من لاك إذا أرسل، وقال أبو عمرو بن الحاجب - رحمه الله تعالى - الوجه هو القول الأول إذ ليس فيه إلا ارتكاب القلب، ولا بد فيه من إرادة الهمزة في مفرده لورودها في جمعه، قال ابن كيسان: فعال بعيد، لان مثل ذلك نادر، ويفعل كثيرا وحمله على الكثير أولى من حمله على النادر، لا سيما مع مناسبته للرسالة بخلاف الملك.
وأما قول أبي عبيد الله: إنه مفعل من لاك إذا أرسل فبعيد، لانه يكون مرسلا لا مرشدا، وإذا كان من الالوكة كان مرسلا فترجح الاول.
الثاني: في حقيقة معناه: ذهب أكثر المسلمين إلى أن الملائكة أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، مسكنها السموات، وهذا المذهب الذي يقوم عليه الدلالة، وقد دلت الادلة السمعية على وجود الملائكة وأثبتها أهل الاسلام على الوجه الذي بيناه، واتفقت على وجودها الانبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -، والملل كلها مجتمعة على ذلك وإن كان المرجع والاعتماد في إثباتها ووجودها على الادلة السمعية، وما قاله الانبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - واجب المصير في معرفة حقائقهم إلى مادلت عليه الادلة السمعية من الكتب الالهية وقول الانبياء.
الثالث: في وجوب الايمان بهم.
قال الله سبحانه وتعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل لما سأله عن الايمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله قال الحافظ أبو بكر البيهقي - رحمه الله تعالى - في " شعب الايمان "، والايمان بالملائكة ينتظم معاني: أحدها: التصديق بوجودهم.
والثاني: إنزالهم منازلهم، وإثبات أنهم عباد الله وخلقه، كالانس، والجن، مأمورون مكلفون، لا يقدرون إلا على ما يقدرهم الله تعالى عليه، والموت عليهم جائز، ولكن الله تعالى
جعل لهم أمدا بعيدا، فلا يتوفاهم حتى يبلغوه، ولا يوصفون بشئ يؤدي وصفهم به إلى إشراكهم بالله تعالى جده ولا يدعون آلهة كما دعتهم الاوائل.
والثالث: الاعتراف بأن منهم رسلا يرسلهم الله إلى من يشاء من البشر، وقد يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض ويتبع ذلك الاعتراف بأن منهم حملة العرش، ومنهم الصافون، ومنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار، ومنهم كتبة الاعمال، ومنهم الذين يسوقون السحاب، فقد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره.(11/485)
وروينا عن ابن عمر عن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن الايمان، فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وقال الامام كمال الدين ابن الزملكاني - رحمه الله تعالى -: وبهذا الترتيب المذكور في الاية سر لطيف، وذلك لان الفوز والكمال والرحمة والخير كله مضاف إلى الله سبحانه وتعالى ومنه والوسائط في ذلك الملائكة، والقابل لتلك الرحمة هم الانبياء والرسل، فلا بد أولا، من أصل، وثانيا: من وسائط، وثالثا: من حصول تلك الرحمة، ورابعا: من وصولها إلى القابل لها بالاصل المفيض للخيرات والرحمة من الله تعالى، ومن أعظم رحمة رحم بها عباده إنزال كتبه إليهم، والموصل لها هم الملائكة، والقابل لها المنزل عليهم هم الانبياء، فجاء الترتيب كذلك بحسب الواقع.
الرابع: في مبدأ خلقهم والدلاة على أنهم أجسام خلافا للفلاسفة روى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم.
وروى أبو الشيخ في كتاب " العظمة " عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: " خلق الله تعالى الملائكة من نور العزة ".
وروى أبو الشيخ عن يزيد بن رومان، أنه بلغه أن الملائكة خلقت من روح الله تعالى.
الخامس: في فضلهم وشرفهم.
لا نزاع بين العقلاء المثبتين للملائكة في فضلهم وشرفهم، وعلو مرتبتهم وطهارتهم، منهم الكرام البررة المطهرون، العباد المكرمون، وقد اشتمل القرآن الكريم من فضائلهم وذكر شرفهم عن مقامهم على ما لا يخفى، وجعل الله تعالى الايمان بهم تاليا للايمان به كما تقدم تقريره، ومن شرفهم أن الله سبحانه وتعالى جعل شرفهم شهادتهم بالقسط تلو شهادته، فقد قال تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط) [ آل عمران 18 ] ومن شرفهم قوله تعالى: (وله من في السموات والارض ومن عنده) [ الانبياء 19 ] فخصهم بالتعبدية المقتضية لقرب التكريم والتشريف.
وقوله تعالى: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [ الانبياء 20 ] وقوله عز وجل: (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون).
وقوه تعالى: (بأيدي سفرة كرام بررة) [ عبس 15، 16 ].
وقوله عز وجل: (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين) [ الانفطار 10، 11 ] إلى غير ذلك من الايات.(11/486)
السادس: في كثرتهم قال الله سبحانه وتعالى: (وما يعلم جنود ربك إلا هو) [ المدثر 31 ].
روى البزار، وأبو الشيخ وابن منده في كتاب " الرد على الجهمية "، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: خلق الله تعالى الملائكة من نور، وينفخ في ذلك، ثم يقول: ليكن منكم ألف، ألفان، فإن الملائكة لخلق أصغر من الذباب، وليس شئ أكثر من الملائكة.
وروى البيهقي في " الشعب " عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: إن من السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليها جبهة ملك أو قدماه ثم قرأ (وإنا لنحن الصافون) [ الصافات 165 ].
قال: روى أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: ما في السماء موضع إلا عليه ملك، إما ساجد وإما قائم حتى تقوم الساعة.
وروى أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك واضع جبهته [ ساجداً لله، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، لوددت أني كنت شجرة تعضد ].
وروى أبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من السماء موضع إلا عليه ملك ساجد أو قائم " فذلك قوله تعالى (وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون) [ الصافات 164 - 165 ].
وروى ابن أبي حاتم والطبراني والضياء في " المختارة " وأبو الشيخ عن حكيم بن حزام - رضي الله تعالى عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه فقال لهم " هل تسمعون ما أسمع ؟ قالوا ما نسمع من شئ، قال: إني لاسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا وعليه ملك ساجد أو قائم أو ملك راكع ".
وروى الطبراني عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم، أو ملك ساجد فإذا كان يوم القيامة قالوا: جميعا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لم نشرك بك شيئا ".
وروى الدينوري في " المجالسة " عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: ليس من خلق(11/487)
الله أكثر من الملائكة، ليس من بني آدم أحد إلا ومعه ملكان سائق يسوقه، وشاهد يشهد عليه، فهذا ضعف بني آدم، ثم بعد ذلك السموات والارض مكبوسات، ومن فوق السموات بعد
الذين حول العرش أكثر مما في السموات.
وروى أبو الشيخ عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن في الجنة نهرا ما يدخله جبريل ممن دخله فيخرج فينتفض إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه ملكا ".
وروى أبو الشيخ عن وهب بن منبه: إن لله نهرا في الهواء سعة الارضين كلها سبع مرات ينزل على ذلك النهر مالك من السماء فيملؤه ويسد ما بين أطرافه، ثم يغتسل منه، فإذا خرج قطرت منه قطرات من نور، فيخلق من كل قطرة منها ملك، يسبح الله تعالى بجميع تسبيح الخلائق كلهم.
وروى أبو الشيخ عن الاوزاعي قال: قال موسى - عليه الصلاة السلام - يا رب من معك في السماء قال: ملائكتي، قال: وكم هم يا رب قال: اثني عشر سبطا قال: وكم عدد كل سبط قال: عدد التراب.
وروى أبو الشيخ عن كعب قال: لا تقطر عين ملك منهم إلا كانت ملكا، يطير من خشية الله تعالى.
وروى أبو الشيخ عن العلاء بن هارون قال: " لجبريل في كل يوم اغتماسة في الكوثر ثم ينتفض، فكل قطرة يخلق منها ملك ".
وروى أبو الشيخ عن الحكم بن عتيبة قال: بلغني أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من ولد آدم وولد إبليس يحصون كل قطرة، وأين تقع ومن يرزق ذلك النبات.
وروى أبو الشيخ عن وهب قال: ان السموات السبع محشوة من الملائكة، لو قيست شعرة ما انقاست، منهم الذاكر والراكع والساجد، ترعد فرائضهم وتضطرب اجنحتهم فرقا من الله تعالى، ولم يعصوه طرفة عين وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخه مسيرة خمس مائة عام.
وروى ابن المنذر في تفسيره عن عبد الله بن عمر يرفعه قال: الملائكة عشرة أجزاء
تسعة أجزاء الكروبيون الذي يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وجزء قد وكلوا بخزانة كل شئ وما من السماء موضع إهاب إلا وفيه ملك ساجد وملك راكع وإن الحرم بحيال العرش وإن البيت المعمور لبحيال العكبة، لو سقط لسقط عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه ".(11/488)
وروى ابن المنذر عن عمر البكالي قال: إن الله جزأ الملائكة عشرة أجزاء، منهم الكروبيون وهم الملائكة الذين يحملون العرش، ومنهم أيضا الذي يسبحون الليل والنهار لا يفترون، قال ومن بقي من الملائكة لامر الله ورسالات الله.
وروى ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن عبد الرحمن بن سلمان أبي الاعيس عن أبيه قال: الانس والجن عشرة أجزاء، فالانس من ذلك جزء، والجن تسعة أجزاء والجن والملائكة عشرة أجزاء، فالجن جزء والملائكة تسعة أجزاء، والملائكة والروح عشرة أجزاء، فالملائكة جزء، والروح تسعة أجزاء (1)، فالروح والكربيون عشرة أجزاء، فالروح من ذلك جزء، والكربيون تسعة أجزاء.
وروى أبو الشيخ والبيهقي في شعب الايمان، والخطيب وابن عساكر من طريق عباد من ابن منصور عن عدي بن أرطأة عن رجل من الصحابة سماه، قال عباد: فنسيت اسمه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لله ملائكة ترعد فرائصهم من مخافته، ما منهم ملك يقطر من عينيه دمعة إلا وقعت ملكا قائما يسبح، وملائكة سجودا منذ خلق الله السموات والارض لم يرفعوا رؤوسهم، ولا يرفعونها إلى يوم القيامة، وركوعا لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة، وصفوفا لم ينصرفوا عن مصافهم، ولا ينصرفون عنها إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة تجلى لهم ربهم عز وجل فنظروا إليه، وقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ".
السابع: في رؤسائهم الاربعة الذين يدبرون أمر الدنيا روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، والبيهقي في الشعب عن ابن سابط قال:
يدبر أمر الدنيا أربعة جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات، وأما ملك الموت فموكل بقبض الارواح وأما إسرافيل فهو ينزل بالامر عليهم وروى أبو الشيخ عن ابن سابط قال: في أم الكتاب كل شئ هو كائن إلى يوم القيامة، ووكل ثلاثة من الملائكة أن يحفظوه، فوكل جبريل بالكتاب أن ينزل به إلى الرسل ووكله أيضا بالهلكات، إذا أراد الله أن يهلك قوما، ووكله بالنصر عند القتال، ووكل ميكائيل بالحفظ وبالقطر ونبات الارض، ووكل ملك الموت بقبض الانفس فإذا ذهبت الدنيا جمع من حفظهم وقابل أم الكتاب فيجدونه سواء.
وروى البيهقي والطبراني وأبو الشيخ عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال بينا
__________
(1) في أ: عشرة.
(*)(11/489)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه جبريل بناحية إذ انشق أفق السماء فأقبل جبريل يتضاءل، ويدخل بعضه في بعض ويدنو من الارض، فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويخيرك بين أن تكون نبيا ملكا، أو نبيا عبدا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار إلي جبريل بيده أن تواضع، فعرفت أنه ناصح، فقلت له: نبيا عبدا، فعرج ذلك الملك إلى السماء، فقلت: يا جبريل قد كنت أردت أن أسالك عن هذا، فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة، فمن هذا يا جبريل ؟ قال: هذا إسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافا قدميه، لا يرفع طرفه بينه وبين الرب سبعون نورا، ما منها نور يدنو منه إلا احترق، بين يديه اللوح المحفوظ، فإذا أذن الله بشئ في السماء أو في الارض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه، فإذا كان من عملي أمرني به، وإذا كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به، قلت: يا جبريل على أي شئ أنت قال: على الرياح والجنود، قلت: على أي شئ ميكائيل قال على النبات والقطر، قلت: على أي شئ ملك الموت قال:
على قبض الانفس.
وما ظننت أنه هبط إلا بقيام الساعة، وما ذاك الذي رأيت مني إلا خوفا من قيام الساعة.
وروى أبو الشيخ في العظمة عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أقرب الخلق من الله جبريل وميكائيل وإسرافيل، وإنهم من الله لمسيرة خمسين ألف سنة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن الاخرى، وإسرافيل بينهما.
وروى أبو الشيخ عن وهب قال: هؤلاء الاربعة أملاك جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، أول من خلقهم الله تعالى من الخلق، وآخر من يميتهم، وأول من يحييهم هم المدبرات أمرا والمقسمات أمرا.
وروى أبو الشيخ عن خالد بن أبي عمران.
قال: جبريل أمين الله إلى رسله، وميكائيل يتلقى الكتب التي ترفع من أعمال الناس، وإسرافيل بمنزلة الحاجب.
وروى أبو الشيخ عن عكرمة بن خالد أن رجلا قال: يا رسول الله أي الملائكة أكرم على الله تعالى ؟ قال: لا أدري فجاءه جبريل فقال: يا جبريل أي الخلق أكرم على الله قال: لا أدري فعرج جبريل ثم هبط، فقال: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين، وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تسقط وكل حبة تنبت، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض روح كل عبد في بر أو بحر، وأما إسرافيل فأمين الله تعالى بينه وبينهم.
وروى الطبراني والحاكم عن أبي المليح عن أبيه أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتي(11/490)
الفجر فصلي قريبا منه، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين خفيفتين، فسمعته يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد أعوذ بك من النار ثلاث مرات.
وروى أحمد في الزهد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغمي عليه ورأسه في حجرها، فجعلت تسمح وجهه وتدعو له بالشفاء، فلما أفاق قال: لا.
بل اسألي الله
الرفيق الاعلى مع جبريل وميكائيل وإسرافيل - عليهم الصلاة والسلام -.
[ الثامن: في تفرقة أسماء من سمي منهم في الكتاب والسنة وكلام السلف وفيه فرعان.
الأول: أن جميع أسمائهم غير عربية، رضوان ومالكا ونكرا ونكيرا، ولا ينصرف من أسمائهم إلا مالك ومن بعده ] (1).
الفرع الثاني (2): ورد في القرآن الكريم ذكر جبريل وميكائيل، وفي اسمهما لغات تقدمت في أبواب المعراج.
التاسع: قال الشيخ في " الحبائك " سئلت قديما أيهما أفضل جبريل، أم إسرافيل، والجواب لم أقف على نقل في ذلك لاحد من العلماء، والاثار المتقدمة متعارضة، فحديث الطبراني مرفوعا " ألا أخبركم بأفضل الملائكة، جبريل " وأثر وهب " إن أدنى الملائكة من الله جبريل ثم ميكائيل يدل على تفضيل جبريل ".
وحديث ابن مسعود مرفوعا " إن أقرب الخلق إلى الله إسرافيل " وحديث أبي هريرة مرفوعا " إن الملك الذي يليه إسرافيل، ثم جبريل، ثم ميكائيل، ثم ملك الموت " وحديث ابن مسعود مرفوعا إسرافيل صاحب الصور، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره ".
وحديث عائشة مرفوعا " إسرافيل ملك الله، ليس دونه شئ، وأثر كعب " إن أقرب الملائكة إلى الله إسرافيل ".
إلى آخره.
وأثر أبي بكر الهذلي: " ليس شئ من الخلق أقرب إلى الله من إسرافيل " إلى آخره.
وحديث ابن أبي جبلة " أول من يدعي يوم القيامة إسرافيل " إلى آخره.
وأثر ابن سابط: " يدبر أمر الدنيا أربعة جبريل وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل " إلى أن قال: " وأما إسرافيل فهو ينزل بالامر عليهم ".
وحديث عكرمة بن خالد مرفوعا " وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم " أي: بين الله وبين جبريل وميكائيل وملك الموت.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(2) في أ: الثامن.
(*)(11/491)
وأثر خالد بن أبي عمران " وإسرافيل بمنزلة الحاجب ".
وما شا كل ذلك يدل على تفضيل إسرافيل.
العاشر: ذكر الامام الحليمي في شبعه، وتبعه البيهقي والقاضي عياض والقونوي أن من الملائكة رسلا، وغير رسل، وأطلق الامام الرازي القول أن الملائكة رسل الله، واحتج عليه بقوله تعالى (جاعل الملائكة رسلا) [ فاطر 1 ] واعترض عليه بقوله تعالى (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) [ الحج 75 ] وأجاب بأن " من " للتبيين أو للتبعيض، وأطلق ذكر الخلاف في عصمتهم، والجمهور الاعظم من علماء الدين على عصمة كل من الملائكة عن جميع الذنوب ومن الحشوية من خالف في ذلك، وفي كلام غيره نظر من العلماء، منهم القاضي عياض وغيره ما يدل على أن منهم الرسل، ومنهم من ليس برسول، وجعل القاضي عياض الخلاف مبينا على ذلك، وسيأتي نقل كلامه بحروفه.
الحادي عشر: في عصمتهم قال القاضي - رحمه الله تعالى -: اتفق أئمة المسلمين أن حكم المرسلين من الملائكة حكم النبيين، سواء في العصمة مما ذكرنا عصمتهم منه، وأنهم في حقوق الانبياء والتبليغ إليهم كالانبياء مع الامم، واختلفوا في غير المرسلين منهم، فذهبت طائفة إلى عصمة جميعهم عن المعاصي، واحتجوا بقوله تعالى (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [ التحريم 6 ].
قال الامام الرازي - رحمه الله تعالى - هذه الاية تتناول جميع الملائكة في فعل جميع المأمورات وترك جميع المنهيات، لان كل ما أمر بفعله فقد نهى عن ضده، والديل على العموم صحة الاستثنا وبقوله تعالى (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [ الانبياء 20 ] ومن هذه صفته لا يتصور منه صدور الذنب، وإذ لو صدر منه الذنب لفتر عن التسبيح، وللمنع في
هذا الوجه والذي قبله مجال واضح لقوله تعالى (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) [ الانبياء 27 ] وهذا يقتضي توقفهم في كل الامور على أمر الله تعالى، ومن كان كذلك لم يصدر منه الذنب، وقرره الامدي بأن قال المعصية إما بمخالفة الامر والنهي، لا جائز أن يقع مخالفة الامر، إذ هو خلاف الاية، ولا جائز أن يقع لمخالفة النهي، لان النهي عن الشئ أمر بأحد أضداده، ومخالفة النهي إنما تكون بارتكاب المنهى عنه وارتكاب المنهى يقتضي عدم التلبس، وهذا بناء على أن النهي عن الشئ أمر بضده، وهي مسألة مشهورة.
واحتج الامام مع من ذكر بوجهين آخرين: أحدهما: أنهم طعنوا في البشر بالعصمة، فلو كانوا عصاة لما حسن منهم هذا الطعن، ولا يخفي ما فيه.(11/492)
الثاني: أنهم رسل الله تعالى بقوله تعالى (جاعل الملائكة رسلا) [ فاطر 1 ] والرسول معصوم لقوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) وهو بناء على أن الكل رسل، وقد تقدم الكلام فيه، وعلى أن قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) من أدلة العصمة غير الانبياء ولمانع أن يمنع ذلك.
قال القاضي - رحمه الله تعالى -: وذهبت طائفة إلى أن هذا خصوص للمرسلين منهم والمقربين.
واحتجوا بأشياء ذكرها أهل الاخبار والتفاسير نحن نذكرها إن شاء الله تعالى بعد، ونبين الوجه فيها إن شاء الله تعالى، والصواب عصمة جميعهم وتنزيه جانبهم الرفيع عن جميع ما يحط من رتبتهم ومنزلتهم عن جليل مقدارهم، واحتج من لم يوجب عصمة الملائكة جميعهم بأمور.
أحدهما: قصة هاروت وماروت، وهي قصة مشهورة، وخلاصتها أن هاروت وماروت كانا ملكين، وعجبا من عصيان بني آدم، وقالا: لو ركبت فينا شهوة بني آدم لما عصينا، فأنزلهما الله تعالى إلى الارض، وركب فيهما الشهوة وقيض الله لهما الزهرة - وكانت من أجمل
نساء وقتها - وأعجبتهما، وحملتهما على السجود للصنم وقتل النفس وشرب الخمر، وتعلمت منهما الاسم الاعظم وصعدت به إلى السماء، فمسخت إما كوكبا، وإما سحابا، وإنهما استشفعا بإدريس، فخيرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الاخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فلبسا الحديد ومكثا في بيوتهما ببابل، بينهما وبين الماء أربعة أصابع، ويوجد في هذه القصة زيادة ونقصان واختلاف كثير.
قال الشيخ كمال الدين: وأئمة النقل لم يصححوا هذه القصة، ولا أثبتوا روايتها عن علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال القاضي رحمه الله تعالى: إن هذه الاخبار لم يرو منها شئ لا صحيح ولا سقيم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال وهذه الاخبار من كتب اليهود وافترائهم.
فإن قيل: ففي كتاب الله تعالى (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) [ البقرة: 102 ].
قلت: للناس في ذلك أقوال كثيرة، والمحققون ذهبوا في معناها إلى غير ما ذكر أولا في قصة هاروت وماروت، وقالوا في الاية قراءتان في (ملكين) إحداهما بكسر اللام وهي شاذة، والمشهورة بفتح اللام، ولكن ذكروا في تأويل ذلك أن الله تعالى كان قد امتحن الناس بالملكين، فإن السحر كان قد ظهر، وظهر قول أهله، فأنزل الله تعالى ملكين يعلمان الناس(11/493)
حقيقة السحر، ويوضحان أمره ليعلم الناس ذلك، ويميزوا بينه وبين المعجزة والكرامة، فمن جاء يطلب ذلك منهما ابتدراه وعلماه، إنا إنما أنزلنا فتنة لتعليم السحر، فمن تعلمه ليجتنبه ويعلم الفرق بينه وبين المعجزات والكرامات وما يظهره الله تعالى على أيدي عباده المؤمنين فذلك هو المرضي، ومن تعلمه لغير ذلك أدى به إلى الكفر، فلهذا كان الملكان يقدمان للملكين هذه المقالة، ثم يقولان له: إن فعل الساحر كذا فرق بين المرء وزوجه، فلا تتحيل
بهذه الحيلة ولا تقل هذا القول، فإنه من قول السحرة ويودى إلى الكفر، ثم على هذا يكون فعل الملكين طاعة لامر الله تعالى، ومن الناس من ذكر وجها آخر، وهو أن الله تعالى لما بين أن الكفار واليهود ادعوا على سليمان أنه ساحر، وقالوا: إن الجن دفنت جمع كتب السحر تحت مصلاه، ثم أظهرتها بعد موته ليقول الناس كان ساحرا، وأن سليمان قد جمع كتب السحر ودفنها لتضيع على الناس، وأخرجها الجن واليهود بعد موته وصارت في أيديهم وفشا السحر فيما بينهم، ولهذا كثر ما يؤخذ من السحر عند اليهود، وكان اليهود يعزون ذلك إلى سليمان، فقال تعالى (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) ثم إن اليهود ادعت بعد ذلك أن السحر الذي في أيديهم من ميراث سليمان، وأن جبريل وميكائيل نزلا به، فأكذبهم الله تعالى في الامرين، فقال (وما أنزل على الملكين) فتكون ما نافية على هذا القول عطفا على قوله تعالى (وما كفر سليمان) ويكون قوله (ببابل) متعلق بقوله (يعلمون الناس السحر) وعلى هذا فقيل: هاروت وماروت رجلا تعلما السحر.
وروى الحسن أنه قال: هاروت وماروت علجان من أهل بابل، وما أنزل على الملكين بكسر اللام، لكن ما على هذه القراءة اسمية، ويكون الانزال من الشياطين، ويجوز أن تكون نافية وقرأ كذلك عبد الرحمن بن أبزى وفسر الملكين بداود وسليمان، ولا تكون ما على هذا القول إلا نافية.
وقال الامام الرازي: ويدل على بطلان هذه القصة التي تروي في حديث هاروت وماروت أنهم ذكروا فيها أن الله تعالى قال لهما: لو ابتليتما مما ابتلي بنو آدم لعصيتماني، فقالا: لو فعلت ذلك يا رب ما عصيناك وهذا لا يجوز نسبته إلى ملكين، فإنه رد على الله تعالى، ويدل على بطلانها أيضا أن التخيير وقع بين عذاب الدنيا وعذاب الاخرة، والله تعالى خير العصاة بل الكفار بين التوبة والعذاب، ولذلك رووا أنهما يعلمان الناس السحر حال كونهما معذبين، وهذا من أعجب العجب ثم إنهم يروون أن المرأة التي فجرت صعدت إلى السماء ومسخت كوكبا مضيئا من السبعة السيارة، وهذا مخالف للاقسام بالخنس الجوار
الكنس.(11/494)
قال الشيخ في الحبائك: وقال الصفوي الاموي في رسالته بعد أن ذكر عصمتهم واستدل عليها واحتج المخالف بقصة هاروت وماروت، وبقصة إبليس مع آدم، وباعتراضهم على الله تعالى في خلق آدم بقولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها) وجوابه على سبيل الاجمال: إن جميع ما ذكرتم محتمل احتمالا بعيدا أو قريبا، وعلى التقديرين لا يعارض ما دل على عصمتهم زمن الصرايح والظواهر، قال الشيخ: وهذا الجواب في قصة هاروت وماروت أعقد من الجواب الذي قبله لما تقدم عند ذكرهما من الاحاديث الصحيحة.
وقال القرافي من أئمة المالكية: ومن اعتقد في هاروت وماروت إنما يعذبان بأرض الهند على خطيئتهما مع الزهرة فهو كافر، بل هم رسل الله وخاصته يجب تعظيمهم وتوقيرهم تنزيههم عن كل ما يخل بعظيم قدرهم، ومن لم يفعل ذلك وجب إراقة دمه.
وقال البلقيني في منهج الاصلين: العصمة واجبة لصفة النبوة والملائكة، وجائزة لغيرهما، ومن وجبت له العصمة فلا يقع منه كبيرة ولا صغيرة، ولذلك نعتقد عصمة الملائكة المرسلن منهم وغير المرسلين، [ قال الله تعالى: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرن) والايات في هذا المعنى كثيرة ] وإبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان من الجن ففسق عن أمر ربه، وأما هاروت وماروت [ فلا يصح فيهما خبر، وفي كتاب الجامع من المحلى لابن حزم أن هاروت وماروت ] (1) من الجن، وليسا ملكين.
قال الشيخ: قلت: فإن صح هذا لم يحتج إلى الجواب عن قصتهما، كما أن إبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان بينهم وهو من الجن.
وقال الامام أبو منصور الماتريدي إمام الحنفية في الاعتقاديات: كما أن الشيخ أبا الحسن الاشعري إمام الشافعية في ذلك ما نصه: " ثم إن الملائكة كلهم معصومون، خلقوا للطاعة إلا هاروت وماروت ".
وقال القرافي: اعلم أنه يجب على كل مكلف تعظيم الانبياء
بأسرهم، وكذلك الملائكة ومن نال من أعراضهم شيئا فقد كفر، سواء كان بالتعريض أو بالتصريح، فمن قال في رجل يراه شديد البطش هذا أقسى قلبا من مالك خازن النار، وقال في رجل يراه مشوه الخلق هذا أوحش من منكر ونكير، فهو كافر، إذ قال ذلك في معرض النقص بالوحاشة والقساوة.
الثاني: من الادلة التي استدل بها من قال بعدم عصمتهم في قصة آدم وأمرهم بالسجود له ما قالوا عند خلقه والاحتجاج بها من وجوه:
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(11/495)
أحدها: اعتراضهم بقولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها).
الثاني: غيبتهم لبني آدم بذلك.
والثالث: إعجابهم وافتخارهم على بني آدم بقولهم (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك).
والرابع: مخالفة إبليس في الامر بالسجود مع أنه كان من الملائكة.
فهذه الوجوه الاربعة أشبه ما احتج به المخالف من هذه الاية، وإن كان فيها وجوه أخر من الاحتجاج، لكن أعرضنا عنها لضعفها ووضوح الجواب عنها، والجواب عن هذه الوجوه.
أما الأول: وهو أنهم اعترضوا على الله تعالى، فقد أجاب عنه أهل السنة بوجوه ثلاثة.
أحدها: أن هذا ليس على سبيل الاعتراض، وإنما هو على سبيل التعلم لامر الله تعالى، ومعناه أنهم قالوا ذلك ليظهروا عظمة حكمة الله تعالى، وأنه جعل في الارض من هذه صنعته، وهذا الذي ظهر من حاله بحكمه عليها ومصلحة قدرها هو أعلم بها، فكأنهم قالوا: سبحانك ربنا وتعاليت ما أعظم شأنك وحكمتك، فعلمك بخفايا الامور حيث تجعل في الارض من يفسد فيها ويسفك الدماء، وأنت أعلم بموضع المصلحة في ذلك، ولهذا أجابهم بقوله (إني أعلم ما لا تعلمون) فإنه تقرير لهم على ما اعتقدوه من خفي حكمة الله تعالى وعلمه.
والثاني: أنهم لشدة محبتهم لله تعالى وحرصهم على الطاعة كرهوا المعصية، فسألوا أعلامهم بما خفي من الحكمة في ذلك، ليطمئنوا ويسكنوا إليه، وهو قول الاخفش.
والثالث: وهو الذي اختاره القفال، أن ذلك على سبيل الاثبات والايجاب، فهو استفهام تقرير وإيجاب، وليس المراد به الاستعلام ولا الانكار، فكأنهم قالوا يفعل ذلك، وهو كقول الشاعر: ألستم خير من ركب المطايا * وأندي العالمين بطون راح (1) أي: أنتم كذلك وقد قيل غير هذه الاجوبة لكن هذه أقواها.
فإن قيل: فكيف علم الملائكة أن بني آدم يسفكون الدماء ويفسدون في الارض وكيف أضافوا ذلك إلى جيمعهم مع أنه مضاف إلى البعض.
قلنا: لعلهم كانوا قد اطلعوا على ذلك من اللوح المحفوظ، وأن الله تعالى أعلمهم
__________
(1) البيت لجرير ديوانه ص 85، شرح شواهد المغني 1 / 42 اللسان [ نقص ] مغني اللبيب 1 / 17.
رصف المباني 46، شرح المفصل لابن يعيش 8 / 123، المقتضب 3 / 292، شرح شواهد المغني 1 / 42، الجنى الداني 32.
(*)(11/496)
بذلك أو علموه من جهة أنهم رأوا خلقه مركبا على الغضب والشهوة، ومن كان كذلك فالظاهر أنه يفسد ويسفك الدماء، أو علموه لانهم لما رأوا ما خلق للانسان من العذاب في النار، أو لتسمية الله تعالى آدم خليفة فإنه قيم بفصل الخصومات، فعلموا أحواله من جهة خلافته، وكل هذه الوجوه منقولة.
وأما إضافتهم ذلك إلى جميع بني آدم فليس في الكلام صريح إضافة إلى الجميع، ولو صدر هذا من واحد صح أن يقال: جعل في الارض من يفسد فيها ويسفك الدماء، لان من تقع على الواحد والجمع.
والجواب عن هذا الوجه الثاني: وهو أن قولهم: إن هذه غيبة لبني آدم، أن الغيبة قد تباح
للمصلحة في مواضع، منها نصيحة المسلم في عبد يشتريه، أو زوجة يتزوجها، أو ما ناسب ذلك، لحديث فاطمة بنت قيس، لما خطبها معاوية وأبو جهم، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها: " أما معاوية فصعلوك، وأما أبو جهم فلا يضع العصى عن عاتقه "، ومنها إعلامه بما يقال فيه ليتجنبه، ومنها الاعلام بحال من لا يصلح لامر مهم من أمور المسلمين، مثل ولي أمر يريد أن يولي رجلا ما لا يصلح له، ومثل رجل يريد أن يستفتي أو يتعلم منه، ومنها أن يكون ذلك للتعريف، كالالقاب، ومنها ما يقع في الفتوى والتعلم، فيجوز للمتعلم والمستفتي أن يوضح الحال فيما أريد السؤال عنه، كقول المرأة للمفتي: زوجي كذا فما أفعل، وقد صح في هذا حديث هند امرأة أبي سفيان وأنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن أبا سفيان رجل شحيح، وجاز ذلك لحاجتها إلى علم ما يجوز لها أن تتناول من ماله، وقصة الملائكة من هذا الباب، لان قصدهم إنما كان معرفة الحكم وإزالة الاشكال في ذلك والتعلم، فكان ذلك من الغيبة الجائزة.
والجواب عن الوجه الثالث، وهو أن قولهم: (ونحن نسبح بحمدك) إلى آخره جار مجرى الاعجاب من وجهين.
أحدهما: أنا لا نسلم أن ذلك من باب مدح النفس، بل هو من التحدث بنعم الله عز وجل، والتحدث بنعم الله شكر، وقد قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - (وأما بنعمة ربك فحدث).
والثاني: أن ذلك جار مجرى الاعتذار عما ذكروه، لان قولهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها) في صورة الاعتراض، فأراد الملائكة نفي توهم ذلك عنهم، فأتبعوا سؤالهم بقولهم (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) يعنون الله تعالى أعلم، أنا لسنا نعترض عليك في أمرك، فإنا عبيدك المسبحون المقدسون.
والجواب عن الرابع هو أن إبليس كان من الملائكة وعصى، وأن الناس اختلفوا فيه.
قال الامام النووي: روي عن طاوس ومجاهد وابن عباس - رضي الله عنهما - أنه(11/497)
كان من الملائكة، واسمه عزرائيل فلما عصى الله تعالى لعنه وجعله شيطانا مريدا وسماه إبليس
بقولهم (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) يعنون الله تعالى أعلم، أنا لسنا نعترض عليك في أمرك، فإنا عبيدك المسبحون المقدسون.
والجواب عن الرابع هو أن إبليس كان من الملائكة وعصى، وأن الناس اختلفوا فيه.
قال الامام النووي: روي عن طاوس ومجاهد وابن عباس - رضي الله عنهما - أنه(11/498)
كان من الملائكة، واسمه عزرائيل فلما عصى الله تعالى لعنه وجعله شيطانا مريدا وسماه إبليس لان الله أبلسه من الخير كله أي: أيس من رحمة الله تعالى، والمبلس المكتئب الحزين.
قال الواحدي: والاختيار أنه ليس بمشتق لاجماع النحويين على أنه منع من الصرف للعجمة والمعرفة، ثم قال وبهذا أي: بالقول إنه كان من الملائكة.
قال ابن مسعود وابن المسيب وقتادة وابن جرير واختاره الرازي وابن الانباري قالوا: وهو مستثنى من المستثنى منه، قالوا وقول الله تعالى (كان من الجن) أي: طائفة من الملائكة يقال له الجن.
وقال الحسن، وعبد الله بن يزيد، وشهر بن حوشب: ما كان من الملائكة قط، والاستثناء منقطع، والمعنى عندهم أن الملائكة وإبليس أمروا بالسجود فأطاعت الملائكة كلهم وعصى إبليس، والصحيح أنه من الملائكة، لانه لم ينقل أن غير الملائكة أمر بالسجود والاصل في الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه، والله تعالى أعلم.
وأما إنظاره إلى يوم الدين فزيادة في عقوبته وتكفير معاصيه وغوايته.
انتهى.
وقال القاضي: الاكثرون ينفون أنه ليس من الملائكة، ويقولون: إنه أبو الجن، كما أن آدم أبو الانس.(11/498)
فهرس الجزء الحادي عشر من سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد(11/499)
سبل الهدى والرشاد
الصالحي الشامي
ج 12(12/)
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
للامام محمد بن يوسف الصالحي الشامي
المتوفي سنة 942 هـ
تحقيق وتعليق
الشيخ عادل أحمد عبد الموجود
الشيخ علي محمد معوض
الجزء الثاني عشر
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان(12/1)
جميع الحقوق محفوظة
لدار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
الطبعة الاولى
1414 هـ - 1993 م
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان(12/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
في جماع أبواب ما يخصه - صلى الله عليه وسلم - من الأمور الدنيوية وما يطرأ عليه من العوارض البشرية وكذا سائر الأنبياء
الباب الأول في حاله في جسمه صلى الله عليه وسلم
قال القاضي: فيما يخصهم في الأمور الدنيوية ويطرأ عليهم من العوارض البشرية قد قدمنا أنه - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء والرسل من البشر، وأن جسمه وظاهره خالص للبشر، يجوز عليه من الآفات والتغييرات، والآلام والأسقام، وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر، وهذا كله ليس بنقيصة فيه، لأن الشئ، إنما يسمى ناقصا بالاضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه، وقد كتب الله تعالى على أهل هذه الدار: فيها تحيون، وفيها تموتون، ومنها تخرجون، وخلق جميع البشر بمدرجة الغير، فقد مرض صلى الله عليه وسلم، واشتكى، وأصابه الحر والقر، وأدركه الجوع والعطش، ولحقه الغضب والضجر، وناله الإعياء والتعب، ومسه الضعف والكبر، وسقط فجحش شقه، وشجه الكفار، وكسروا رباعيته، وسقي السم، وسحر، تداوى، واحتجم، وتنشر وتعوذ، ثم قضى نحبه فتوفي صلى الله عليه وسلم - ولحق بالرفيق الأعلى، وتخلص من دار الامتحان والبلوى، وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها، وأصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منه، فقتلوا قتلا.
ورموا في النار، ووشروا بالمياشير.
ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض الأوقات.
ومنهم من عصمه كما عصم بعد نبينا من الناس، فلئن لم يكف نبينا ربه يد ابن قميئة يوم أحد، ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوته أهل الطائف، فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور، وأمسك عنه سيف غورث، وحجر أبي جهل، وفرس سراقة، ولئن لم يقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم، من سم اليهودية.
وهكذا سائر أنبيائه مبتلى ومعافى، وذلك من حكمته، ليظهر شرفهم في هذه المقامات، ويبين أمرهم، ويتم كلمته فيهم، وليحقق بامتحانهم بشريتهم، ويرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أديهم ضلال النصارى بعيسى ابن مريم، وليكون في محنهم تسلية لأممهم، ووفور لأجورهم عند ربهم تماما على الذي أحسن إليهم.(12/3)
قال بعض المحققين: وهذه الطوارئ والتغييرات المذكورة إنما تختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر، ومعاناة بني آدم لمشاكلة الجنس.
وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك معصومة منه، متعلقة بالملأ الأعلى والملائكة لأخذها عنهم، وتلقيها الوحي منهم.
قال: وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي.
وقال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني.
وقال: لست أنسي، ولكن أنسى، ليستن بي.
فأخبر أن سره وباطنه وروحه بخلاف جسمه وظاهره، وأن الآفات التي تحل ظاهره من ضعف وجوع، وسهر ونوم، لا يحل منها شئ باطنه، بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن، لأن غيره إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه، وهو صلى الله عليه وسلم في نومه حاضر القلب كما هو في يقظته حتى قد جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه.
وكذلك غيره إذا جاع ضعف لذلك جسمه، وخارت قوته، فبطلت بالكلية جملته، وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبره أنه لا يعتريه ذلك، وأنه بخلافهم، لقوله: لست كهيئتكم: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني.
وكذلك أقوال: إنه في هذه الأحوال كلها، من وصب ومرض، وسحر وغضب، لم يجز على باطنه ما يخل به، ولا فاض منه على لسانه وجوارحه ما لا يليق به، كما يعتري غيره من البشر مم نأخذ بعد في بيانه.
فإن قلت: فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم سحر كما حدثنا الشيخ أبو محمد العتابي بقراءتي عليه، قال: حدثنا حاتم بن محمد، حدثنا أبو الحسن علي بن خلف، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا البخاري، حدثنا عبيد بن إسماعيل، قال:
حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعله.
وفي رواية أخرى: حتى كان يخيل إليه أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن...الحديث.
وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور فكيف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ؟ وكيف جاز عليه - وهو معصوم ؟(12/4)
فاعلم - وفقنا الله وإياك - أن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وقد طعنت فيه الملحدة، وتدرعت به لسحف عقولها وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك في الشرع، وقد نزه الله الشرع والنبي عما يدخل في أمره لبسا وإنما السحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته.
وأم ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشئ ولا يفعله فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شئ من تبليغه أو شريعته، أو يقدح في صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طروءه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها، ولا فضل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه، كما كان.
وأيضا فقد فسر هذا الفصل الحديث الآخر من قوله: حتى يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن.
وقد قال سفيان - وهذا أشد من السحر، ولم يأت في خبر منها أنه نقل عنه في ذلك قول بخلاف ما كان أخبر أنه فعله ولم يفعله، وإنما كانت خواطر وتخيلات.
وقد قيل: إن المراد بالحديث أنه كان يتخيل الشئ أنه فعله، وما فعله، لكنه تخييل لا يعتقد صحته، فتكون اعتقاداته كلها على السداد، وأقواله على الصحة.
هذا ما وقفت عليه لأئمتنا من الأجوبة عن هذا الحديث مع ما أوضحناه من معنى
كلامهم، وزدناه بيانا من تلويحاتهم.
وكل وجه منها مقنع، لكنه قد ظهر لي في الحديث تأويل أجلي وأبعد من مطاعن ذوي الأضاليل يستفاد من نفس الحديث، وهو أن عبد الرزاق قد روى هذا الحديث عن ابن المسيب، وعروة بن الزبير، وقال فيه عنهما: سحر يهود بني زريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوه في بئر حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكر بصره، ثم دله الله على ما صنعوا فاستخرجه من البئر.
وروي نحوه، عن الواقدي، وعن عبد الرحمن بن كعب، وعمر بن الحكم.
وذكر عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر: حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة، فبينا هو نائم أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه..الحديث.
قال عبد الرزاق: حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة خاصة سنة حتى أنكر بصره.
وروى محمد بن سعد، عن ابن عباس: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبس عن النساء والطعام والشراب، فهبط عليه ملكان...وذكر القصة.(12/5)
فقد استبان لك من مضمون هذه الروايات أن السحر إنما تسلط على ظاهره وجوارحه، لا على قلبه واعتقاده وعقله، وأنه إنما أثر في بصره، وحبسه عن وطء نسائه [ وطعامه وأضععف جسمه وأمرضه ]، ويكون معنى قوله: يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن، أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة على الإيتاء، فإذا دنا منهن أصابته أخذة السحر، فلم يقدر على إتيانهن، كما يعتري من أخذ واعترض.
ولعله لمثل هذا أشار سفيان بقوله: وهذا أشد ما يكون من السحر.
ويكون قول عائشة في الرواية الأخرى: إنه ليخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعله، من باب اختل من بصره، كما ذكر في الحديث، فيظن أنه رأى شخصا من بعض أزواجه، أو شاهد فعلا من غيره، ولم يكن على ما يخيل إليه لما أصابه في بصره وضعف نظره، لا لشئ طرأ عليه في ميزه.
وإذا كان هذا لم يكن فيما ذكر من إصابة السحر له وتأثيره فيه ما يدخل لبسا ولا يجد
به الملحد المعترض أنسا...].(12/6)
الباب الثاني في حكم عقد قلبه - صلى الله عليه وسلم - في الأمور الدنيوية
أما العقد منها فقد يعتقد في أمور الدنيا الشئ على وجه ويظهر خلافه، أو يكون منه على شك أو ظن بخلاف أمور الشرع، كما حدثنا أبو بحر سفيان بن العاصي وغير واحد سماعا وقراءة، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن عمر، قال: حدثنا أبو العباس الرازي، حدثنا أبو أحمد بن عمرويه، حدثنا ابن سفيان، حدثنا مسلم، حدثنا عبد الله بن الرومي، وعباس العنبري، وأحمد المعقري، قالوا: حدثنا النضر بن محمد، قال: حدثني عكرمة، حدثنا أبو النجاشي، قال: حدثنا رافع بن خديج قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل، فقال: ما تصنعون ؟ قالوا: كنا نصنعه.
قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا، فتركوه، فنقصت، فذكروا ذلك له، فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر.
وفي رواية أنس: أنتم أعلم بأمر دنياكم.
وفي حديث آخر: إنما ظننت ظنا: فلا تؤاخذوني بالظن.
وفي حديث ابن عباس في قصة الخرص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب.
وهذا على ما قررناه فيما قاله من قبل نفسه في أمور الدنيا وظنه من أحوالها، لا ما قاله من قبل نفسه واجتهاده في شرع شرعه، وسنة سنها.
وكما حكى ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل بأدنى مياه بدر قال له الحباب بن المنذر: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال: لا، بل هو الرأي والحرب والمكيدة.
قال: فإنه ليس بمنزل، انهض حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم
نعور ما وراءه من القلب، فنشرب ولا يشربون.
فقال: أشرت بالرأي، وفعل ما قاله.
وقد قال له الله تعالى: (وشاورهم في الأمر).
وأراد مصالحة بعض عدوه على ثلث ثمر المدينة، فاستشار الأنصار، فلما أخبروه برأيهم رجع عنه.
فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها لعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها، يجوز عليه فيه ما ذكرناه، إذ ليس في هذا كله نقيصة ولا محطة، وإنما هي أمور(12/7)
اعتيادية يعرفها من جربها، وجعلها همه، وشغل نفسه بها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مشحون القلب بمعرفة الربوبية ملآن الجوانح بعلوم الشريعة، مقيد البال بمصالح الأمة الدينية والدنيوية، ولكن هذا إنما يكون في بعض الأمور، ويجوز في النادر فيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها، لا في الكثير المؤذن بالبله والغفلة.
وقد تواتر بالنقل عنه صلى الله عليه وسلم من المعرفة بأمور الدنيا ودقائق مصالحها، وسياسة فرق أهلها ما هو معجز في البشر.(12/8)
الباب الثالث في حكم عقد قلبه - صلى الله عليه وسلم - في أمور البشر الجارية علي يديه ومعرفة المحق من المبطل وعلم المصلح من المفسد
وأما من يعتقد في أمور أحكام البشر الجارية على يديه وقضاياهم، ومعرفة المحق من المبطل، وعلم المصلح من المفسد، فبهذه السبيل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار).
حدثنا الفقيه أبو الوليد رحمه الله، حدثنا الحسين بن محمد الحافظ، حدثنا أبو عمر،
حدثنا أبو محمد، حدثنا أبو بكر، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم...الحديث.
وفي رواية الزهري، عن عروة: (فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق فأقضي له).
وتجرى أحكامه صلى الله عليه وسلم على الظاهر وموجب غلبات الظن بشهادة الشاهد، ويمين الحالف، ومراعاة الأشبه، ومعرفة العفاص والوكاء، مع مقتضى حكمة الله في ذلك، فإنه تعالى لو شاء لأطلعه على سرائر عباده، ومخبآت ضمائر أمته، فتولى الحكم بينهم بمجرد يقينه وعلمه دون حاجة إلى اعتراف أو بينة أو يمين أو شبهة، ولكن لما أمر الله أمته باتباعه والاقتداء به في أفعاله وأحواله وقضاياه وسيره، وكان هذا لو كان مما يختص بعلمه ويؤثره الله به، لم يكن للأمة سبيل إلى الاقتداء به في شئ من ذلك، ولا قامت حجة بقضية من قضاياه لأحد في شريعته، لأنا لا نعلم ما أطلع عليه هو في تلك القضية لحكمه هو إذا في ذلك بالمكنون من إعلام الله له بما أطلعه عليه من سرائرهم، وهذا ما لا تعلمه الأمة، فأجرى الله تعالى أحكامه على ظواهرهم التي يستوي في ذلك هو وغيره من البشر، ليتم اقتداء أمته به في تعيين قضاياه، وتنزيل أحكامه، ويأتون ما أتوا من ذلك على علم ويقين من سنته، إذا البيان بالفعل أوقع منه بالقول، وأدفع لاحتمال اللفظ وتأويل المتأول، وكان حكمه على الظاهر أجلى في البيان، وأوضح في وجوه الأحكام، وأكثر فائدة لموجبات التشاجر والخصام، وليقتدي بذلك كله حكام أمته، ويستوثق بما يؤثر عنه، وينضبط قانون شريعته، وطي ذلك عنه من علم الغيب الذي استأثر به عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول، فيعلمه منه بما شاء، ويستأثر بما شاء، ولا يقدح هذا في نبوته، ولا يفصم عروة من عصمته.(12/9)
الباب الرابع في حكم أقواله الدنيوية من إخباره عن أحواله وأحوال غيره وما يفعله أو فعله - صلى الله عليه وسلم -
قال القاضي: وأما أقواله الدنيوية من إخباره عن أحوال غيره وما يفعله أو فعله الخلف فيها ممتنع عليه في كل حال، وعلى أي وجه، من عمد أو سهو، أو صحة أو مرض، أو رضا أو غضب، وأنه معصوم منه صلى الله عليه وسلم.
هذا فيما طريقه الخبر المحض مما يدخله الصدق والكذب، فأما المعاريض الموهم ظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الأمور الدنيوية لا سيما لقصد المصلحة، كتوريته عن وجه مغازيه لئلا يأخذ العدو حذره.
وكما روي من ممازحته ودعابته لبسط أمته وتطييب قلوب المؤمنين من صحابته، وتأكيدا في تحببهم ومسرة نفوسهم، كقوله: لأحملنك على ابن الناقة.
وقوله للمرأة التي سألته عن زوجها: أهو الذي بعينه بياض.
وهذا كله صدق، لأن كل جمل ابن ناقة، وكل إنسان بعينه بياض وقد قال صلى الله عليه وسلم: إني لأمزح ولا أقول إلا حقا.
هذا كله فيما بابه الخبر، فأما ما بابه غير الخبر مما صورته صورة الأمر والنهي في الأمور الدنيوية فلا يصح منه أيضا، ولا يجوز عليه أن يأمر أحدا بشئ أو ينهى أحدا عن شئ وهو يبطن خلافه.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين، فكيف أن تكون له خيانة قلب.
فإن قلت: فما معنى إذا قوله تعالى في قصة زيد: (وإذا تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله، ونخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه...) فاعلم - أكرمك الله، ولا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر وأن يامر زيدا بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها.
وأصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير عن علي بن حسين - أن الله تعالى كان أعلم
نبيه أن زينب ستكون من أزواجه، فلما شكاها إليه زيد قال له: أمسك عليك زوجك، واتق الله.
وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه ومظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها.(12/10)
وروى نحوه عمرو بن فائد، عن الزهري، قال: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أن الله يزوجه زينب بنت جحش، فذلك الذي أخفي في نفسه.
ويصحح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا: (وكان أمر الله مفعولا) أي لا بد لك أن تتزوجها.
ويوضح هذا أن الله لم يبد من أمره معها غير زواجه لها، فدل أنه الذي أخفاه صلى الله عليه وسلم مما كان أعلمه به تعالى.
وقوله تعالى في القصة: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله مفعولا).
فدل أنه لم يكن عليه حرج في الأمر.
قال الطبري: ما كان الله ليؤثم نبيه فيما أحل مثال فعله لمن قبله من الرسل، قال الله تعالى: (سنة الله في الذين خلوا من قبل)، أي: من النبيين فيما أحل لهم، ولو كان على ما روي في حديث قتادة من وقوعها من قلب النبي صلى الله عليه وسلم عندما أعجبته، ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج وما لا يليق به من مد عينيه لما نهي عنه من زهرة الحياة الدنيا، ولكان هذا نفس الحسد المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء، فكيف سيد الأنبياء ؟.
قال القشيري: وهذا إقدام عظيم من قائله، وقلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه وسلم وبفضله.
وكيف يقال: رآها فأعجبته وهي بنت عمته، ولم يزل يراها منذ ولدت، ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم، وهو زوجها لزيد، وإنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها، لإزالة حرمة التبني، وإبطال سنته، كما قال: (ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم).
وقال:
(لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم).
ونحوه لابن فورك.
وقال أبو الليث السمرقندي: فإن قيل: فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بإمساكها ؟ فهو أن الله أعلم نبيه أنها زوجته، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن طلاقها، إذ لم تكن بينهما ألفة، وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به، فلما طلقها زيد خشي قول الناس: يتزوج امرأة ابنه، فأمره الله بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته، كما قال تعالى: (لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا).
وقد قيل: كان أمره لزيد بإمساكها قمعا للشهوة، وردا للنفس عن هواها.
وهذا إذا جوزنا عليه أنه رآها فجأة واستحسنها.
ومثل هذا لا نكرة فيه، لما طبع عليه ابن آدم من استحسانه(12/11)
للحسن، ونظرة الفجاءة معفو عنها، ثم قمع نفسه عنها، وأمر زيدا بإمساكها، وإنما تنكر تلك الزيادات التي في القصة.
والتعويل والأولى ما ذكرناه عن علي بن حسين، وحكاه السمرقندي، وهو قول ابن عطاء وصححه واستحسنه القاضي القشيري، وعليه عول أبو بكر بن فورك، وقال: إنه معنى ذلك عقد المحققين من أهل التفسير، قال: والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن استعمال النفاق في ذلك، وإظهار خلاف ما في نفسه، وقد نزهه الله عن ذلك بقوله تعالى: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له)، قال: ومن ظن ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ.
قال: وليس معنى الخشية هنا الخوف، وإنما معناه الاستحياء، أي يستحي منهم أن يقولوا: تزوج زوجة ابنه.
وأن خشيته صلى الله عليه وسلم من الناس كانت من إرجاف المنافقين واليهود وتشغيبهم على المسلمين بقولهم: تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء، كما كان، فعاتبه الله على هذا، ونزهه عن الالتفات إليهم فيما أحله له، كما عتبه على مراعاة رضا أزواجه في سورة التحريم بقوله: (لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك، والله غفور رحيم).
وكذلك قوله له ها هنا: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه).
وقد روي عن الحسن وعائشة: لو كتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا كتم هذه الآية، لما فيه من عتبه وإبداء ما أخفاه.(12/12)
الباب الخامس في حكم أفعاله الدنيوية - صلى الله عليه وسلم -
قال القاضي: وأما أفعاله صلى الله عليه وسلم الدنيوية فحكمه فيها من توقي المعاصي والمكروهات ما قد قدمناه، ومن جواز السهو والغلط في بعضها ما ذكرناه.
وكله غير قادح في النبوة، بلى، إن هذا فيها على الندور، إذ عامة أفعاله على السداد والصواب، بل أكثرها أو كلها جارية مجرى العبادات والقرب على ما بينا، إذ كان صلى الله عليه وسلم لا يأخذ منها لنفسه إلا ضرورته، وما يقيم رمق جسمه، وفيه مصلحة ذاته التي بها يعبد ربه، ويقيم شريعته، ويسوس أمته، وما كان فيما بينه وبين الناس من ذلك فبين معروف يصنعه، أو بر يوسعه، أو كلام حسن يقوله أو يسمعه، أو تألف شارد، أو قهر معاند، أو مداراة حاسد، وكل هذا لاحق بصالح أعماله، منتظم في زاكي وظائف عباداته، وقد كان يخالف في أفعاله الدنيوية بحسب اختلاف الأحوال، ويعد للأمور أشباهها، فيركب - في تصرفه لما قرب - الحمار، وفي أسفاره الراحلة، ويركب البغلة في معارك الحرب دليلا على الثبات، ويركب الخيل ويعدها ليوم الفزع وإجابة الصارخ.
وكذلك في لباسه وسائر أحواله بحسب اعتبار مصالحه ومصالح أمته.
وكذلك يفعل الفعل من أمور الدنيا مساعدة لأمته وسياسة وكراهية لخلافها وإن كان قد يري غيره خيرا منه، كما يترك الفعل لهذا، وقد يرى فعله خيرا منه.
وقد يفعل هذا في الأمور الدينية مما له الخيرة في أحد وجهيه، كخروجه من المدينة لأحد، وكان مذهبه التحصن بها، وتركه قتل المنافقين، وهو على يقين من أمرهم مؤالفة لغيرهم، ورعاية للمؤمنين من قرابتهم،
وكراهة لأن يقول الناس: إن محمدا يقتل أصحابه، كما جاء في الحديث، وتركه بناء الكعبة على قواعد إبراهيم مراعاة لقلوب قريش وتعظيمهم لتغييرها، وحذرا من نفار قلوبهم لذلك، وتحريك متقدم عداوتهم للدين وأهله، فقال لعائشة في الحديث الصحيح: لولا حدثان قومك بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم.
ويفعل الفعل ثم يتركه، لكون غيره خيرا منه، كانتقاله من أدنى مياه بدر إلى أقربها للعدو من قريش، وقوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي.
ويبسط وجهه للكافر والعدو رجاء استئلافه.
ويصبر للجاهل، ويقول: إن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره، ويبذل له الرغائب ليحبب إليه شريعته ودين ربه.(12/13)
ويتولى في منزله ما يتولي الخادم من مهنته، ويتسمت في ملئه، حتى لا يبدو شئ من أطرافه، وحتى كأن على رؤوس جلسائه الطير، ويتحدث مع جلسائه بحديث أولهم، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويضحك مما يضحكون منه، قد وسع الناس بشره وعدله، لا يستفزه الغضب، ولا يقصر عن الحق، ولا يبطن على جلسائه، يقول: ما كان أن تكون له خائنة الأعين.
فإن قلت: فما معنى قوله لعائشة رضي الله عنها في الداخل عليه: بئس ابن العشيرة.
فلما دخل ألان له القول وضحك معه، فلما سألته عن ذلك قال: إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره.
وكيف جاز أن يظهر له خلاف ما يبطن، ويقول في ظهره ما قال ؟ فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم كان استئلافا لمثله، وتطييبا لنفسه، ليتمكن إيمانه، ويدخل في الإسلام بسببه أتباعه، ويراه مثله فينجذب بذلك إلى الإسلام.
ومثل هذا على هذا الوجه قد خرج من حد مداراة الدنيا إلى السياسة الدينية.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستألفهم بأموال الله العريضة فكيف بالكلمة اللينة ؟
قال صفوان: لقد أعطاني وهو أبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى صار أحب الخلق إلي.
وقوله فيه: بئس ابن العشيرة - هو غير غيبة، بل هو تعريف ما علمه منه لمن لم يعلم، ليحذر حاله، ويحترز منه، ولا يوثق بجانبه كل الثقة، ولا سيما وكان مطاعا متبوعا.
ومثل هذا إذا كان لضرورة ودفع مضرة لم يكن بغيبه، بل كان جائزا، بل واجبا في بعض الأحيان كعادة المحدثين في تجريح الرواة والمزكين في الشهود.
فإن قيل: فما معنى المعضل الوارد في حديث بريرة من قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة، وقد أخبرته أن موالي بريرة أبوا بيعها إلا أن يكون لهم الولاء، فقال لها صلى الله عليه وسلم: اشتريها واشترطي لهم الولاء.
ففعلت، ثم قام خطيبا، فقال: ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمرها بالشرط لهم وعليه باعوها، ولولاه - والله أعلم - لما باعوها من عائشة، كما لم يبيعوها قبل حتى شرطوا ذلك عليها، ثم أبطله صلى الله عليه وسلم، وهو قد حرم الغش والخديعة.
فاعلم - أكرمك الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم منزه عما يقع في بال الجاهل من هذا، ولتنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ما قد أنكر قوم هذه الزيادة: قوله: اشترلهم الولاء، إذ ليست في أكثر طرق.(12/14)
الحديث مع ثباتها فلا اعتراض بها، إذ يقع (لهم) بمعنى (عليهم)، قال الله تعالى: (أولئك لهم اللعنة).
وقال: (وإن أسأتم فلها).
فعلي هذا اشترطي عليهم الولاء لك، ويكون قيام النبي صلى الله عليه وسلم ووعظه لما سلف من شرط الولاء لأنفسهم قبل ذلك.
ووجه ثان: أن قوله صلى الله عليه وسلم: اشترطي لهم الولاء، ليس على معنى الأمر، لكن على معنى التسوية والإعلام بأن شرطه لهم لا ينفعهم بعد بيان النبي صلى الله عليه وسلم لهم قبل أن الولاء لمن أعتق، فكأنه قال: اشترطي أو لا تشترطي، فإنه شرط غير نافع.
وإلى هذا ذهب الداودي وغيره، وتوبيخ النبي صلى الله عليه وسلم، وتقريعهم على ذلك يدل على علمهم به قبل هذا.
الوجه الثالث: أن معنى قوله: اشترطي الولاء، أي أظهري لهم حكمه، وبيني سنته بأن الولأ إنما هو لمن أعتق.
ثم بعد هذا قام هو صلى الله عليه وسلم مبينا ذلك وموبخا على مخالفة ما تقدم منه فيه.
فإن قيل: فما معنى فعل يوسف عليه السلام بأخيه، إذ جعل السقاية في رحله وأخذه باسم سرقتها، وما جرى على إخوته في ذلك، وقوله تعالى: (إنكم لسارقون)، ولم يسرقوا.
فاعلم - أكرمك الله - أن الآية تدل على أن فعل يوسف كان عن أمر الله، لقوله تعالى: (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم).
فإذا كان كذلك فلا اعتراض به، كان فيه ما فيه.
وأيضا فإن يوسف كان أعلم أخاه بأني أنا أخوك فلا تبتئس، فكان ما جرى عليه بعد هذا من وفقه ورغبته، وعلى يقين من عقبى الخير له به، وإزاحة السوء والمضرة عنه بذلك.
وأما قوله: (أيتها العير إنكم لسارقون)، فليس من قول يوسف.
فيلزم عليه جواب لحل شبهه.
ولعل قائله إن حسن له التأويل كائنا من كان ظن على صورة الحال ذلك.
وقد قيل: قال ذلك لفعلهم قبل بيوسف وبيعهم له.
وقيل غير هذا.
ولا يلزم أن نقول الأنبياء ما لم يأت أنهم قالوه، حتى يطلب الخلاص منه، ولا يلزم الاعتذار عن زلات غيرهم.(12/15)
الباب السادس في الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه وكذا سائر الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -
قال القاضي: [ فإن قيل: فما الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه وعلى غيره من الأنبياء على جميعهم السلام ؟ وما الوجه فيما ابتلاهم الله به من البلاء، وامتحانهم بما امتحنوا به، كأيوب، ويعقوب، ودانيال، ويحيى، وزكريا، وعيسى، وإبراهيم، ويوسف، وغيرهم.
صلوات الله عليهم، وهم خيرته من خلقه وأحباؤه وأصفياؤه.
فاعلم - وفقنا الله وإياك - أن أفعال الله تعالى كلها عدل، وكلماته جميعها صدق، لا مبدل لكلماته، يبتلي عباده كما قال تعالى لهم (لننظر كيف تعلمون).
(وليبلو كم أيكم أحسن عملا - وليعلم الله الذين آمنوا - ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).
(ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم).
فامتحانه إياهم بضروب المحن زيادة في مكانتهم والتوكل، والتفويض، والدعاء، والتضرع منهم، وتأكيد لبصائرهم في رحمة، ورفعة في درجاتهم، وأسباب لاستخراج حالات الصبر والرضا، والشكر والتسليم، الممتحنين، والشفقة على المبتلين، وتذكرة لغيرهم، وموعظة لسواهم ليتأسوا في البلاء بهم، فيتسلوا في المحن بما جرى عليهم، ويقتدوا بهم في الصبر، ومحو لهنات فرطت منهم، أو غفلات سلفت لهم، ليلقوا الله طيبين مهذبين، وليكون أجرهم أكمل، وثوابهم أوفر وأجزل.
حدثنا القاضي أبو علي الحافظ، حدثنا أبو الحسين الصيرفي وأبو الفضل بن خيرون قالا: حدثنا أبو يعلي البغدادي، حدثنا أبو علي السنجي، حدثنا محمد بن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا قتيبة، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء ؟ قال: الأنبياء ثم الأمثال فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فلما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة.
وكما قال تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين.
وما كان قولهم إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدمنا وانصرنا على القوم الكافرين. فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين).
وعن أبي هريرة: ما يزال البلاء بالمؤمن [ والمؤمنة ] في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.(12/16)
وعن أنس، عنه صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة.
وفي حديث آخر: إذا أحب الله عبدا ابتلاه ليسمع تضرعه.
وحكى السمرقندي أن كل من كان أكرم على الله تعالى كان بلاؤه أشد كي يتبين فضله، ويستوجب الثواب، كما روي عن لقمان أنه قال: يا بني، الذهب والفضة يختبران بالنار، والمؤمن يختبر بالبلاء.
وقد حكي أن ابتلا يعقوب بيوسف كان سببه التفاته في صلواته إليه، ويوسف نائم محبة له.
وقيل: بل اجتمع يوما هو وابنه يوسف على أكل حمل مشوي، وهما يضحكان، وكان لهم جار يتيم، فشم ريحه واشتهاه وبكى، وبكت جدة له عجوز لبكائه، وبينهما جدار، ولا علم عند يعقوب وابنه، فعوقب يعقوب بالبكاء أسفا على يوسف إلى أن سألت حدقتاه، وابيضت عيناه من الحزن.
فلما علم بذلك كان بقية حياته يأمر مناديا ينادي على سطحه: ألا من كان مفطرا فليتغد عند آل يعقوب.
وعوقب يوسف بالمحنة التي نص الله عليها.
وروي عن الليث أن سبب بلاء أيوب أنه دخل مع أهل قريته على ملكهم، فكلموه في ظلمه، وأغلظوا له إلا أيوب، فإنه رفق به مخافة على زرعه، فعاقبة الله ببلائه.
ومحنة سليمان لما ذكرناه من نيته في كون الحق في جنبه أصهاره، أو للعمل
بالمعصية في داره، ولا علم عنده.
وهذه فائدة شدة المرض والوجع بالنبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عبد الله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، يوعك وعكا شديدا، فقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا ! قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم.
قلت: ذلك أن الأجر مرتين، قال: أجل، ذلك كذلك.
وفي حديث أبي سعيد أن رجلا وضع يده على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال: والله ما أطيق أضع يدي عليك من شدة حماك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء، إن كان النبي ليبتلي بالقمل حتى يقتله، وإن كان النبي ليبتلى بالفقر، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء.(12/17)
وعن أنس، عنه صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
وقد قال المفسرون في قوله تعالى: (من يعمل سوءا يجز به)، إن المسلم يجزى بمصائب الدنيا، فتكون له كفارة.
وروي هذا عن عائشة، وأبي، ومجاهد.
وقال أبو هريرة، عنه صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يصب منه).
وقال في رواية عائشة: (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا يكفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها).
وقال في رواية أبي سعيد: (ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
وفي حديث ابن مسعود: (ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه كل تحات ورق الشجر).
وحكمة أخرى أودعها الله في الأمراض لأجسامهم، وتعاقب الأوجاع عليها وشدتها عند مماتهم، لتضعف قوى نفوسهم، فيسهل خروجها عند قبضهم، وتخف عليهم مؤنة النزع، وشدة السكرات بتقدم المرض، وضعف الجسم والنفس لذلك.
وهذا خلاف موت الفجاءة وأخذه، كما يشاهد من اختلاف أحوال الموتى في الشدة واللين، والصعوبة والسهولة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن مثل خامة الزرع تفيؤها الريح هكذا وهكذا.
وفي رواية أبي هريرة عنه: (من حيث أتتها الريح تكفؤها، فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء.
ومثل الكافر كمثل الأرزة صماء معتدلة حتى يقصمه الله).
معناه أن المؤمن مرزأ، مصاب بالبلاء والأمراض، راض بتصريفه بين أقدار الله تعالى، منصاع لذلك، لين الجانب برضاه وقلة سخطه، كطاعة خامة الزرع وانقيادها للرياح، وتمايلها لهبوبها وترنحها من حيث ما أتتها، فإذا أزاح الله عن المؤمن رياح البلايا، واعتدل صحيحا كما اعتدلت خامة الزرع عند سكون رياح الجو إلى شكر ربه ومعرفة نعمته عليه برفع بلائة، منتظرا رحمته وثوابه عليه.
فإذا كان بهذه السبيل لم يصعب عليه مرض الموت، ولا نزوله ولا اشتدت عليه سكراته ونزعه، لعادته بما تقدم من الآلام ومعرفة ما له فيها من الأجر، وتوطينه نفسه على المصائب ورقتها وضعفها بتوالي المرض أو شدته، والكافر بخلاف هذا: معافي في غالب(12/18)
حاله ممتع بصحة جسمه، كالأرزة الصماء، حتى إذا أراد الله هلاكه قصمه لحينه على غرة، وأخذه بغتة من غير لطف ولا رفق، فكان موته أشد عليه حسرة، ومقاساة نزعه مع قوة نفسه وصحة جسمه أشد ألما عذابا، ولعذاب الآخرة أشد، كانجعاف الأرزة.
وكما قال تعالى: (فأخدناهم بغتة وهم لا يشعرون).
وكذلك عادة الله تعالى في أعدائه كما قال تعالى: (فكلا أخذنا بذنبه، فمنهم من
أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا...)، ففاجأ جميعهم بالموت على حال عتو وغفلة، وصبحهم به على غير استعداد بغتة، ولهذا ما كره السلف موت الفجاءة.
ومنه في حديث إبراهيم: كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف: أي الغضب، يريد موت الفجاءة.
وحكمة ثالثة أن الأمراض نذير الممات، وبقدر شدتها شدة الخوف من نزول الموت، فيستعد من أصابته وعلم تعاهدها له، للقاء ربه، ويعرض عن دار الدنيا الكثيرة الأنكاد، ويكون قلبه معلقا بالمعاد، فيتنصل من كل ما يخشى تباعته من قبل الله، وقبل العباد، ويؤدي الحقوق إلى أهلها، وينظر فيما يحتاج إليه من وصية فيمن يخلفه أو أمر يعهده.
وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم المغفور له ما تقدم وما تأخر، قد طلب التنصل في مرضه ممن كان له عليه مال أو حق في بدن، وأفاد من نفسه وماله، وأمكن من القصاص منه، على ما ورد في حديث الفضل، وحديث الوفاة، وأوصى بالثقلين بعده: كتاب الله، وعترته، وبالأنصار عيبته، ودعا إلى كتب كتاب لئلا تضل أمته بعده، إما في النص على الخلافة، أو الله أعلم بمراده.
ثم رأى الإمساك عنه أفضل وخيرا.
وهكذا سيرة عباد الله المؤمنين وأوليائه المتقين.
وهذا كله يحرمه غالبا الكفار، لإ ملاء الله لهم، ليزدادوا إثما، وليستدرجهم من حيث لا يعلمون، قال الله تعالى: (ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون.
فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون).
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في رجل مات فجأة: (سبحان الله ! كأنه على غضب، المحروم من حرم وصيته).
وقال: (موت الفجاءة راحة للمؤمن، وأخذة أسف للكافر والفاجر)، وذلك لأن الموت يأتي المؤمن، وهو غالبا مستعد له منتظر لحوله، فهان أمره عليه كيفما جاء، وأفضى إلى راحته
من نصب الدنيا وأذاها، كما قال صلى الله عليه وسلم: مستريح ومستراح منه.
وتأتي الكافر والفاجر منيته على(12/19)
غير استعداد ولا أهبة ولا مقدمات منذرة مزعجة، بل تأتيهم بغتة فتبهتهم، فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون، فكان الموت أشد شئ عليه.
وفراق الدنيا أفظع أمر صدمه، وأكره شئ له، وإلى هذا المعنى أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) ].(12/20)
جماع أبواب حكم من سبه أو انتقصه وكذا سائر الأنبياء - صلوات الله سلامه عليهم أجمعين -
الباب الأول في ذكر فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية
[ قال القاضي أبو الفضل رضي الله عنه: قد تقدم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنبي صلى الله عليه وسلم، وما يتعين له من بر وتوقير، وتعظيم وإكرام، وبحسب هذا حرم الله تعالى أذاه في كتابه، وأجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه، قال الله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا).
وقال تعالى: (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم).
وقال الله تعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، إن ذلكم كان عند الله عظيما).
وقال تعالى في تحريم التعريض به: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم).
وذلك أن اليهود كانوا يقولون: راعنا يا محمد، أي أرعنا سمعك، واسمع منا، ويعرضون بالكلمة، يريدون الرعونة، فنهي الله المؤمنين عن التشبه بهم، وقطع الذريعة بنهي المؤمنين عنها، لئلا يتوصل بها الكافر والمنافق إلى سبه والاستهزاء به.
وقيل: بل لما فيها من مشاركة اللفظ، لأنها عند اليهود بمعنى اسمع لا سمعت.
وقيل: بل لما فيها من قلة الأدب، وعدم توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، لأنها في لغة الأنصار بمعني: ارعنا نرعك، فنهوا عن ذلك، إذ مضمنه أنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم، وهو - صلى الله عليه وسلم - واجب الرعاية بكل حال، وهذا هو صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التكني بكنيته، فقال: تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، صيانة لنفسه، وحماية عن أذاه، إذ كان صلى الله عليه وسلم استجاب لرجل نادى: يا أبا القاسم، فقال: لم أعنك، إنما دعوت هذا، فنهى حينئذ عن التكني بكنيته لئلا يتأذى بإجابة دعوة غيره لمن لم يدعه، ويجد بذلك المنافقون والمستهزئون ذريعة إلى أذاه والإزراء به، فينادونه، فإذا التفت قالوا: إنما أردنا هذا - لسواه - تعنيتا له، واستخفافا بحقه على عادة المجان والمستهزئين، فحمى صلى الله عليه وسلم حمى أذاه بكل وجه، فحمل محققو العلماء نهيه عن هذا على مدة حياته، وأجازوه بعد وفاته لارتفاع العلة.(12/21)
وللناس في هذا الحديث مذاهب ليس هذا موضعها، وما ذكرناه هو مذهب الجمهور، والصواب إن شاء الله.
وإن ذلك على طريق تعظيمه وتوقيره، وعلى سبيل الندب والاستحباب، لا على التحريم، ولذلك لم ينه عن اسمه، لأنه قد كان الله منع من ندائه به بقوله: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا)، وإنما كان المسلمون يدعونه برسول الله، وبنبي الله، وقد يدعوه - بكنيته أبا القاسم - بعضهم في بعض الأحوال.
وقد روى أنس رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم، ما يدل على كراهة التسمي باسمه، وتنزيهه عن ذلك، إذا لم يوقر، فقال: تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم.
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: لا يسمى أحد باسم النبي صلى الله عليه وسلم، حكاه أبو جعفر الطبري.
[ وحكى محمد بن سعد أنه نظر إلى رجل اسمه محمد، ورجل يسبه ويقول له: فعل الله
بك يا محمد وصنع.
فقال عمر لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب: لا أرى محمدا صلى الله عليه وسلم يسب بك، والله لا تدعى محمدا ما دمت حيا، وسماه عبد الرحمن، وأراد أن يمنع أن يسمى أحد بأسماء الأنبياء إكراما لهم بذلك، وغير أسماء جماعة تسموا بأسماء الأنبياء، ثم أمسك ].
والصواب جواز هذا كله بعده صلى الله عليه وسلم، بدليل إطباق الصحابة على ذلك.
وقد سمى جماعة منهم ابنه محمدا، وكناه بأبي القاسم.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في ذلك لعلي رضي الله عنه.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك اسم المهدي وكنيته.
[ وقد سمى به النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن طلحة، ومحمد بن عمرو بن حزم، ومحمد بن ثابت بن قيس، وغير واحد، وقال: ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمد ومحمدان وثلاثة ].(12/22)
الباب الثاني في بيان ما هو في حقه - صلى الله عليه وسلم - سب من المسلم
[ اعلم - وفقنا الله وإياك - أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرض به، أو شبهه بشئ على طريق السب له، أو الازراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، يقتل كما نبينه، ولا نستثني فصلا من فصول هذا الباب على هذا المقصد، ولا نمتري فيه تصريحا كان أو تلويحا.
وكذلك من لعنه أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر، ومنكر من القول وزور، أو عيره بشئ مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه.
وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا.
وقال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل، وممن قال ذلك مالك بن أنس، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي.
قال القاضي أبو الفضل: وهو مقتضى قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولا تقبل توبته عند هؤلاء المذكورين.
وبمثله قال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري وأهل الكوفة، والأوزاعي في المسلم، لكنهم قالوا: هي ردة.
روى مثله الوليد بن مسلم عن مالك.
وحكي الطبري مثله عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن تنقصه صلى الله عليه وسلم، أو برئ منه أو كذبه.
وقال سحنون فيمن سبه: ذلك ردة كالزندقة.
وعلى هذا وقع الخلاف في استتابته وتكفيره، وهل قتله حد أو كفر، كما سنبينه في الباب الثالث إن شاء الله تعالى، ولا نعلم خلافا في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره، وأشار بعض الظاهرية - وهو أبو محمد علي بن أحمد الفارسي إلى الخلاف في تكفير المستخف به.(12/23)
والمعروف ما قدمناه، قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر.
والوعيد جار عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر.
واحتج إبراهيم بن حسين بن خالد الفقيه في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله - عن النبي صلى الله عليه وسلم: صاحبكم.
وقال أبو سليمان الخطابي: لا أعلم أحدا من المسليمن اختلف في وجوب قتله إذا كان مسلما.
وقال ابن القاسم - عن مالك في كتاب ابن سحنون، والمبسوط، والعتبية، وحكاه مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين قتل، ولم يستتب.
قال ابن القاسم في العتبية: من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإن يقتل، وحكمه عند الأمة القتل كالزنديق.
وقد فرض الله تعالى توقيره وبره.
وفي المبسوط - عن عثمان بن كنانة: من شتم النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين قتل أو صلب حيا ولم يستتب والإمام مخير في صلبه حيا أو قتله.
ومن رواية أبي المصعب، وابن أبي أويس: سمعنا مالكا يقول: من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه - قتل مسلما كان أو كافرا، ولا يستتاب.
وفي كتاب محمدا: أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب.
وقال أصبغ: يقتل على كل حال أسر ذلك أو أظهره، ولا يستتاب، لأن توبته لا تعرف.
وقال عبد الله بن الحكم: من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب.
وحكى الطبري مثله عن أشهب، عن مالك.
وروى ابن وهب، عن مالك: من قال: إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم -.
ويروي زر النبي صلى الله عليه وسلم - وسخ، أراد عيبه - قتل.
وقال بعض علمائنا: أجمع العلماء على أن من دعا على نبي من الأنبياء بالويل، أو بشئ من المكروه - أنه يقتل بلا استتابة..أفتي أبو الحسن القابسي فيمن قال في النبي صلى الله عليه وسلم: الحمال يتيم أبي طالب بالقتل.(12/24)
وأفتي أبو محمد بن أبي زيد بقتل رجل سمع قوما يتذاكرون صفة النبي صلى الله عليه وسلم إذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية، فقال لهم: تريدون تعرفون صفته، هي في صفة هذا المار في خلقه ولحيته.
قال: ولا تقبل توبته.
وقد كذب - لعنه الله، وليس يخرج من قلب سليم الإيمان.
وقال أحمد بن أبي سليمان صاحب سحنون: من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسود يقتل.
وقال في رجل قيل له: لا، وحق رسول الله.
فقال: فعل الله برسول الله كذا وكذا وذكر كلاما قبيحا، فقيل له: ما تقول يا عدو الله ؟ فقال أشد من كلامه الأول، ثم قال: إنما أردت برسول الله العقرب.
فقال ابن أبي سليمان الذي سأله: اشهد عليه وأنا شريكك - يريد في قتله وثواب ذلك.
قال حبيب بن الربيع: لأن ادعاءه التأويل في لفظ صراح لا يقبل، لأنه امتهان، وهو غير معزز لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا موقر له، فوجب إباحة دمه.
وأفتى أبو عبد الله بن عتاب في عشار قال لرجل: أد واشك إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وقال إن سألت أو جعلت فقد جهل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم - بالقتل.
وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقه الطليطلي وصلبه بما شهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه وسلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وختن حيدرة، وزعمه أن زهد لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها، إلى أشباه لهذا.
وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعرا متفننا في كثير من العلوم، وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبي العباس بن طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا صلى الله عليه وسلم، فأخضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء، وأمر بقتله وصلبه، فطعن بالسكين، وصلب منكسا، ثم أنزل وأحرق بالنار.
وحكى بعض المؤرخين أنه لما رفعت خشبته، وزالت عنها الأيدي استدارت، وحولته عن القبلة، فكان آية للجميع، وكبر الناس، وجاء كلب فولغ في دمه، فقال يحيى بن عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يلغ الكلب في دم مسلم.
وقال القاضي أبو عبد الله بن المرابط: من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم هزم يستتاب، فإن تاب
وإلا قتل، لأنه تنقص، إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصته، إذ هو على بصيرة من أمر، ويقين من عصمته.(12/25)
وقال حبيب بن ربيع القروي: مذهب مالك وأصحابه أن من قال فيه صلى الله عليه وسلم: ما فيه نقص قتل دون استتابة.
وقال ابن عتاب: الكتاب والسنة موجبان أن من قصد النبي صلى الله عليه وسلم بأذى أو نقص، معرضا أو مصرحا، وإن قل - فقتله واجب، فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا أو تنقصا يجب قتل قائله، لم يختلف في ذلك متقدمهم ولا متأخرهم، وإن اختلفوا في حكم قتله على ما أشرنا إليه ونبينه بعد.
وكذلك أقول: حكم من غمصه أو عيره برعاية الغنم أو السهو أو النسيان أو السحر، أو ما أصابه من جرح أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه، وشدة من زمنه، أو بالميل إلى نسائه، فحكم هذا كله لمن قصد به نقصه القتل.
وقد مضى من مذاهب العلماء في ذلك، ويأتي ما يدل عليه ]..(12/26)
الباب الثالث في بيان ما هو حقه - صلى الله عليه وسلم - سب من الكافر
قال القاضي: [ فأما الذمي إذا صرح بسبه أو عرض، أو استخف بقدره، أو وصفه بغير الوجه الذي كفر به - فلا خلاف عندنا في قتله إن لم يسلم، لأنا لم نعطه الذمة أو العهد على هذا، وهو قول عامة الفقهاء، إلا أبا حنيفة والثوري وأتباعهما من أهل الكوفة، فإنهم قالوا: لا يقتل، ما هو عليه من الشرك أعظم،، ولكن يؤدب ويعزر.
واستدل بعض شيوخنا على قتله بقوله تعالى: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر، إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون).
ويستدل عليه أيضا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم - لابن الأشرف وأشباهه، ولأنا لم نعاهدهم، ولم نعطعم الذمة على هذا، ولا يجوز لنا أن نفعل ذلك معهم، فإذا أتوا ما لم يعطوا عليه العهد ولا الذمة فقد نقضوا ذمتهم، وصاروا كفارا يقتلون لكفرهم.
وأيضا فإن ذمتهم لا تسقط حدود الإسلام عنهم، من القطع في سرقه أموالهم، والقتل لمن قتلوه منهم، وإن كان ذلك حلالا عندهم فكذلك سبهم للنبي صلى الله عليه وسلم يقتلون به.
ووردت لأصحابنا ظواهر تقتضي الخلاف إذا ذكره الذمي بالوجه الذى كفر به، ستقف عليها من الكلام ابن القاسم وابن سحنون بعد.
وحكى أبو المصعب الخلاف فيها عن أصحابه المدنيين.
واختلفوا إذا سبه ثم أسلم، فقيل: يسقط إسلامه قتله، لأن الإسلام يجب ما قبله، بخلاف المسلم إذا سبه ثم تاب، لأنا نعلم باطنة الكافر في بغضه له، وتنقصه بقلبه، لكنا منعناه من إظهاره، فلم يزدنا ما أظهره إلا مخالفة للأمر، ونقضا للعهد، فإذا رجع عن دينه الأول إلى الإسلام سقط ما قبله، قال الله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف).
والمسلم بخلافه، إذ كان ظننا بباطنه حكم ظاهره، وخلاف ما بدا منه الآن، فلم نقبل بعد رجوعه، ولا استنمنا إلى باطنه، إذ قد بدت سرائره، وما ثبت عليه من الأحكام باقية عليه لا يسقطها شئ.
وقيل: لا يسقط إسلام الذمي الساب قتله، لأنه حق للنبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه، لانتهاكه حرمته، وقصده إلحاق النقيصة والمعرة به، فلم يكن رجوعه إلى الإسلام بالذي يسقطه، كما وجب عليه من حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل وقذف، وإذا كنا لا نقبل توبة المسلم فإنا لا نقبل توبة الكافر أولى.(12/27)
وقال مالك في كتاب ابن حبيب، والمبسوط، وابن القاسم، وابن الماجشون، وابن
عبد الحكم، وأصبغ - فيمن شتم نبينا من أهل الذمة أو أحدا من الأنبياء عليهم السلام قتل إلا أن يسلم، وقاله ابن القاسم في العتبية، وعند محمد، وابن سحنون.
وقال سحنون وأصبغ: لا يقال له: أسلم، ولا لا تسلم، ولكن إن أسلم فذلك له توبة وفي كتاب محمد: أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب.
وروي لنا عن مالك: إلا أن يسلم الكافر.
وقد روى ابن وهب، عن ابن عمر - أن راهبا تناول النبي صلى الله عليه وسلم ! فقال ابن عمر: فهلا قتلتموه ! وروى عيسى عن ابن القاسم في ذمي قال: إن محمدا لم يرسل إلينا، إنما أرسل إليكم، وإنما نبينا موسى أو عيسى، ونحو هذا: لا شئ عليهم، لأن الله تعالى أقرهم على مثله.
وأما إن سبه فقال: ليس بنبي، أو لم يرسل، أو لم ينزل عليه قرآن، إنما هو شئ تقوله أو نحو هذا فيقتل.
وقال ابن القاسم: وإذا قال النصراني: ديننا خير من دينكم، وإنما دينكم دين الحمير، ونحو هذا من القبيح، أو سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، فقال: كذلك يعطيكم الله، ففي هذا الأدب الموجع والسجن الطويل.
قال: وأما إن شتم النبي صلى الله عليه وسلم شتما يعرف فإنه يقتل إلا أن يسلم، قاله مالك غير مرة، ولم يقل: يستتاب.
قال ابن القاسم: ومحمل قوله عندي إن أسلم طائعا.
وقال ابن سحنون في سؤالات سليمان بن سالم في اليهودي يقول للمؤذن إذا تشهد: كذبت - يعاقب العقوبة الموجعة مع السجن الطويل.
وفي النوادر من رواية سحنون عنه: من شتم الأنبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كفروا ضربت عنقه إلا أن يسلم.
قال محمد بن سحنون: فإن قيل: لم قتلته في سب النبي صلى الله عليه وسلم ومن دينه سبه وتكذيبه ؟ قيل: لأنا لم نعطهم العهد على ذلك، ولا على قتلنا، وأخذ أموالنا، فإذا قتل واحدا منا قتلناه، وإن كان من دينه استحلاله، فكذلك إظهاره لسب نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال سحنون: كما لو بذل هنا أهل الحرب الجزية على إقرارهم على سبه لم يجز لنا ذلك في قول قائل.(12/28)
الباب الرابع في بيان قتل الساب إذا ممن يدعي الإسلام ولم يتب
قال القاضي: [ الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه صلى الله عليه وسلم فمن القرآن لعنه تعالى لمؤذيه في الدنيا والآخرة، وقرانه تعالى أذاه بأذاه، ولا خلاف في قتل من سب الله، وأن اللعن إنما يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل، فقال: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاب مهينا).
وقال - في قاتل المؤمن مثل ذلك، فمن لعنته في الدنيا القتل، قال الله تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا.ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا).
وقال - في المحاربين، وذكر عقوبتهم: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض.ذلك لهم خزي في الدنيا).
وقد يقع القتل بمعنى اللعن، قال الله تعالى: (قتل الخراصون).
و (قاتلهم الله أنى يؤفكون)، أي لعنهم الله، ولأنه فرق بين أذاهما وأذى المؤمنين، وفي أذى المؤمنين ما دون القتل، من الضرب والنكال، فكان حكم مؤذي الله ونبيه أشد من ذلك، وهو القتل.
وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في
أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
فسلب اسم الإيمان عمن وجد في صدره حرجا من قضائه، ولم يسلم له، ومن تنقصه فقد ناقض هذا.
وقال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون).
ولا يحبط العمل إلا الكفر، الكافر يقتل.
وقال تعالى: (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله..) ثم قال: (حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير).
وقال تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون: هو أذن).
ثم قال: (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم).(12/29)
وقال تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته رسوله كنتم تستهزئون.
لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين).
قال أهل التفسير: كفرتم بقولكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الإجماع فقد ذكرناه.
وأما الآثار فحدثنا الشيخ أبو عبد الله أحمد بن غلبون، عن الشيخ أبي ذر الهروي إجازة، قال: حدثنا أبو الحسن الدارقطني، وأبو عمر بن حيوة، حدثنا محمد بن نوح، حدثنا عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة، حدثنا عبد الله بن موسى بن جعفر، عن علي بن، موسى، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن أبيه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سب نبيا فاقتلوه، ومن سب أصحابي فاضربوه.
وفي الحديث الصحيح: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف.
وقوله: من لكعب بن
الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله.
توجه إليه من قتله غيلة دون دعوة، بخلاف غيره من المشركين، وعلل قتله بأذاه له، فدل أن قتله إياه لغير الاشراك، بل للأذى.
وكذلك قتل أبا رافع، قال البراء: وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعين عليه.
وكذلك أمره يوم الفتح بقتل ابن خطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان بسبه صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث آخر أن رجلا كان يسبه - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يكفيني عدوي ؟ فقال خالد: أنا.
فبعثه صلى الله عليه وسلم فقتله.
وكذلك لم يقل جماعة ممن كان يؤذيه من الكفار ويسبه، كالنضر بن الحارث، وعقبة ابن أبي معيط.
وعهد بقتل جماعة منهم قبل الفتح وبعده، فقتلوا إلا من بادر بإسلامه قبل القدرة عليه.
وقد روى البزار، عن ابن عباس - أن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معشر قريش، مالي أقتل من بينكم صبرا ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بكفرك وافترائك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم سبه رجل، فقال: من يكفيني عدوي ؟ فقال الزبير: أنا فبارزه فقتله الزبير.
وروى أيضا أن امرأة كانت تسبه صلى الله عليه وسلم فقال: من يكفيني عدوتي ؟ فخرج إليها خالد ابن الوليد فقتلها.
وروى أن رجلا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث عليا والزبير إليه ليقتلاه.(12/30)
وروى ابن قانع أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، سمعت أبي يقول فيك قولا قبيحا فقتلته ! فلم يشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم.
وبلغ المهاجر بن أبي أمية أمير اليمن لأبي بكر رضي الله عنه أن امرأة هناك في الردة غنت بسب النبي صلى الله عليه وسلم، فقطع يدها، ونزع ثنيتها، فبلغ أبا بكر رضي الله عنه ذلك، فقال له: لولا ما فعلت لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس بشبه الحدود.
وعن ابن عباس: هجت امرأة من خطمة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من لى بها ؟ فقال رجل من قومها: أنا يا رسول الله.
فنهض فقتلها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا ينتطح فيها عنزان.
وعن ابن عباس أن أعمي كانت له أم ولد تسب النبي صلى الله عليه وسلم فيزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فقتلها، وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأهدر دمها.
وفي حديث أبي برزة الأسلمي: كنت يوما جالسا عند أبي بكر الصديق، فغضب على رجل من المسلمين - وحكى القاضي إسماعيل وغير واحد من الأئمة في هذا الحديث أنه سب أبا بكر.
ورواه النسائي: أتيت أبا بكر، وقد أغلظ لرجل فرد عليه، قال: فقلت: يا خليفة رسول الله دعني أضرب عنقه.
فقال: اجلس، فليس ذلك لاحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد بن نصر: ولم يخالف عليه أحد، فاستدل الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما أغضبه أو آذاه أو سبه.
ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالكوفة، وقد استشاره في قتل رجل سب عمر رضي الله عنه، فكتب إليه عمر: إنه لا يحل قتل امرئ مسلم بسب أحد من الناس إلا رجلا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن سبه فقد حل دمه.
وسأل الرشيد مالكا في رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك، وقال: يا أمير المؤمنين، ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها ! من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلد.
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى: كذا وقع في هذه الحكاية، ورواها غير واحد من أصحاب مناقب مالك ومؤلفي أخباره وغيرهم، ولا أدري من هؤلاء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد بما ذكر ! وقد ذكرنا مذهب العراقيين بقتله، ولعلهم ممن لم يشهر بعلم، أو من لا يوثق بفتواه، أو يميل به هواه بقتله أو يكون ما قاله يحمل على غير السب، فيكون الخلاف: هل(12/31)
هو سب أو غير سب ؟ أو يكون رجع وتاب من سبه، فلم يقله لمالك على أصله، وإلا فالإجماع على قتل من سبه كما قدمناه.
ويدل على قتله من جهة النظر والاعتبار أن من سبه أو تنقصه صلى الله عليه وسلم فقد ظهرت علامة مرض قلبه، وبرهان سر طويته وكفره، ولهذا ما حكم له كثير من العلماء بالردة، وهي رواية الشاميين عن مالك والأوزاعي، وقول الثوري، وأبو حنيفة، والكوفيين.
والقول الآخر أنه دليل على الكفر، فيقتل حدا، وإن لم يحكم له بالكفر إلا أن يكون متماديا على قوله، غير منكر له، ولا مقلع عنه، فهذا كافر، وقوله: إما صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو من كلمات الاستهزاء والذم، فاعترافه بها وترك توبته عنها دليل استحلاله لذلك، وهو كفر أيضا، فهذا كافر بلا خلاف، قال الله تعالى في مثله (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم).
قال أهل التفسير: هي قولهم: إن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير.
وقيل: قول بعضهم: ما مثلنا ومثل محمد إلا قول القائل: سمن كلبك يأكلك، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
وقد قيل: إن قائل مثل هذا إن كان مستترا به إن حكمه حكم الزنديق يقتل، ولأنه قد غير دينه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من غير دينه فاضربوا عنقه)، ولأن لحكم النبي صلى الله عليه وسلم في الحرمة مزية على أمته، وساب الحر من أمته يحد، فكانت العقوبة لمن سبه صلى الله عليه وسلم القتل، لعظيم قدره، وشفوف منزلته على غيره..].(12/32)
الباب الخامس في الكلام على توبة المسلم واستابته
[ إذا قلنا بالاستتابة حيث تصح فالاختلاف فيها على الاختلاف في توبة المرتد، إذ لا فرق.
وقد اختلف السلف في وجوبها وصورتها ومدتها، فذهب جمهور أهل العلم إلى أن المرتد يستتاب.
وحكى ابن القصار أنه إجماع من الصحابة على تصويب قول عمر في الاستتابة، ولم ينكره واحد منهم، وهو قول عثمان، وعلي، وابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح، والنخعي، والثوري، ومالك، وأصحابه، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وذهب طاوس، ومحمد بن الحسن، وعبيد بن عمير، والحسن في إحدى الروايتين عنه - أنه لا يستتاب، وقاله عبد العزيز بي أبي سلمة، وذكره عن معاذ، وأنكره سحنون عن معاذ، وحكاه الطحاوي عن أبي يوسف، وهو قول أهل الظاهر، قالوا: وتنفعه توبته عند الله، ولكن لا تدرأ القتل عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم، [ من بدل دينه ] فاقتلوه.
وحكي إيضا عن عطاء: إن كان ممن ولد في الإسلام لم يستتب، ويستتاب الإسلامي.
وجمهور العلماء على أن كان ممن ولد في الإسلام لم يستتب، ويستتاب الإسلامي.
وجمهور العماء على أن المرتد والمرتدة في ذلك سواء.
وروى عن على رضى الله عنه: لا تقتل المرتدة، وتسترق، وقاله عطاءة وقتادة.
وروي عن ابن عباس: لا تقتل النساء في الردة، وبه قال أبو حنيفة.
قال مالك: والحر والعبد والذكر والأنثى في ذلك سواء ].(12/33)
الباب السادس في انتقاض عهد الذمي إذا ذم المقام الشريف ووجوب قتله
والنص على ذلك [ كذلك ينتقض عهد من سب منهم، ويحل لنا دمه، فكما لم يحصن الإسلام من سبه من القتل كذلك لا تحصنه الذمة.
قال القاضي أبو الفضل: ما ذكره ابن سحنون عن نفسه وعن أبيه مخالف لقول ابن القاسم فيما خفف عقوبتهم فيه مما به كفروا، فتأمله.
ويدل على أنه خلاف ما روي عن المدنيين في كذلك، فحكى أبو المصعب الزهري، قال: أتيت بنصراني قال: والذي اصطفى عيسى على محمد، فاختلف على فيه، فضربته حتى قتلته، أو عاش يوما وليلة، وأمرت من جر برجله، وطرح على مزبلة، فأكلته الكلاب.
وسئل أبو المصعب عن نصراني قال: عيسى خلق محمدا.
فقال: يقتل.
وقال ابن القاسم: سألنا مالكا عن نصراني بمصر شهد عليه أنه قال: مسكين محمد، يخبركم أنه في الجنة، ما له ينفع نفسه ! إذ كانت الكلاب تأكل ساقيه، لو قتلوه استراح منه الناس.
قال مالك: أرى أن تضرب عنقه ].
الباب السابع في عدم قبول توبته إذا سب مع بقائه على كفره [...]
[ قلت وهو مذكور في ثنايا البابين السابقين ].
الباب الثامن في أن توبته بالإسلام هل هي صحيحة مسقطة للقتل أم لا وهل يستتاب بالإسلام ويدعي الندم
قال القاضي: [ إن تاب على القول بقبول توبته فهذا يدرأ عنه القتل، ويتسلط عليه اجتهاد الإمام بقدر شهرة حاله، وقوة الشهادة عليه، وضعفها، وكثرة السماع عنه، وصورة حاله من التهمة في الدين والنبز بالسفه والمجون، فمن قوي أمره أذاقه من شديد النكال من التضييق في السجن، والشد في القيود إلى الغاية التي هي منتهى طاقته بما لا يمنعه القيام لضرورته، ولا(12/34)
يقعده عن صلاته، وهو حكم كل من وجب عليه القتل، لكن وقف عن قتله لمعنى أوجبه،
وتربص به لإشكال وعائق اقتضاه أمره، وحالات الشدة في نكاله تختلف بحسب اختلاف حاله.
وقد روى الوليد عن مالك والأوزاعي أنها ردة، فإذا تاب نكل.
ولمالك في العتبية وكتاب محمد، من رواية أشهب: إذا تاب المرتد فلا عقوبة عليه.
وقاله سحنون.
وأقتى أبو عبد الله بن عتاب فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، فشهد عليه شاهدان عدل أحدهما بالأدب الموجع والتنكيل والسجن الطويل حتى تظهر توبته.
وقال القابسي في مثل هذا: ومن كان أقصى أمره القتل فعاق عائق أشكل في القتل لم ينبغ أن يطلق من السجن، ويستطال سجنه، ولو كان فيه من المدة ما عسى أن يقيم، ويحمل عليه من القيد ما يطيق.
وقال في مثله ممن أشكل أمره: يشد في القيود شدا، ويضيق عليه في السجن حتى ينظر فيما يجب عليه.
وقال في مسألة أخرى مثلها: ولا تهراق الدماء إلا بالأمر الواضح، وفي الأدب بالسوط والسجن نكال للسفهاء، ويعاقب عقوبة شديدة، فأما إن لم يشهد عليه سوى شاهدين، وأثبت من عدواتهما أو جرحتهما ما أسقطهما عنه، ولم يسمع ذلك من غيرها فأمره أخف لسقوط الحكم عنه، وكأنه لم يشهد عليه، إلا أن يكون ما لا يليق به ذلك، ويكون الشاهدان من أهل التبريز فأسقطهما بعدواة، فهو وإن لم ينفذ الحكم عليه بشهادتهما فلا يدفع الظن صدقهما، وللحاكم هنا في تنكيله موضع اجتهاد.
والله ولي الإرشاد ].
الباب التاسع في الخلاف في أن حكم الحاكم بسقوط القتل عن الساب مع بقائه على الكفر صحيح أم لا ؟ [...].(12/35)
جماع أبواب بعض الحوادث الكائنة بالمدينة الشريفة في سني الهجرة غير ما تقدم
باب مبدأ التاريخ الإسلامي وأسقطت ذكر بقية الأبواب لكثرتها
وفيه أنواع
الأول: في بيان من ابتدأ بالتاريخ.
روى الحاكم في (الإكليل) عن ابن شهاب الزهري - رحمه الله تعالى -، قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول (1).
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - هذا معضل (2)، والمشهور خلافه.
قلت: وهذا القول قدمه في الإشارة، ورواه يعقوب بن سفيان - بلفظ - (التاريخ من يوم قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة مهاجرا) قال الحافظ، وابن عساكر: وهذا أصوب، والمحفوظ أن الآمر بالتاريخ عمر بن الخطاب (3).
قال الشيخ - رحمه الله تعالى - في كتاب (التاريخ): ويعضد الأول ما رأيته بخط ابن القماح في مجموع له، قال ابن الصلاح: وقفت على كتاب في (الشروط) لأبي طاهر محمش الزيادي ذكر فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارخ بالهجرة حين كتب لنصارى نجران، وأمر عليا - رضي الله تعالى عنه - أن يكتب فيه لخمس من الهجرة، فالمؤرخ إذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر تبعه في ذلك.
وقد يقال: إن هذا صريح في أنه أرخ سنة خمس، والحديث الأول فيه أنه أرخ يوم
__________
(1) وأخرجه الطبري في التاريخ 2 / 388.
(2) والمعضل ما سقط من اثنان فصاعدا مع التوالي، قال السمني وخصه التبريزي هو والمنقطع بما ليس في أول الإسناد وقال شيخ الإسلام ابن حجر: إن الموقوف على التابعي يعتبر معضلا بشرطين.
أحدهما: أن يكون مما يجوز نسبته إلى غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن فمرسلا أي إن كان لا يقال من قبل الرأي، ولا
يروي عن أهل الكتاب، فيتعين أن يكون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيكون الساقط منه الصحابي فقط، فيكون مرسلا لأنه في هذه الحالة يكون في حكم المرفوع.
ثانيهما: أن يروى مسندا من طريق ذلك الذي وقف عليه، فإن لم يكن موقوفه لا معضل لاحتمال أنه قاله من عنده، ولم يتحقق شرط التسمية من سقوط اثنين أ ه.
قال العراقي: والمعضل الساقط منه اثنان * فصاعدا، ومنه قسم ثان حذف النبي والصحابى معا * ووقف متنه على من تبعا انظر غيث المستغيث ص 74.
(3) الطبري 2 / 388.
(*)(12/36)
قدومه المدينة، [ ويجاب بأنه لا منافاة فإن الظرف، وهو قوله: يوم قدم المدينة ] (1) ليس متعلقا بالفعل، وهو أمر بالمصدر، وهو التاريخ أي أمر أن يؤرخ بذلك اليوم، لأنه الآمر في ذلك اليوم فتأمله، فإنه نفيس جدا انتهى كلام الشيخ - رحمه الله تعالى -.
وروى البخاري في تاريخه (الصغير) عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة.
وروى البخاري في (صحيحة) ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - زاد ابن أبي شيبة قال: أخطأ الناس العدد انتهى، أي: لم يعدوا من مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من متوفاه، إنما عدوا من مقدمة المدينة.
قال مصعب الزبيري: وكان تاريخ قريش من متوفى هاشم بن المغيرة يعني آخر تاريخهم.
قوله: (أخطأ الناس العدد) أي: أغفلوه وتركوه، ثم استدركوه ولم يرد أن الصواب خلاف ما عملوا، ويحتمل أن يريده، وأنه كان يرى أن البداءة بالمبعث أو الوفاة أولى، وله اتجاه.
لكن الراجح خلافه.
وقوله: (مقدمه) أي: زمن قدومه، ولم يرد شهر قدومه، لأن التاريخ إنما وقع من أول السنة.
قاله الحافظ - رحمه الله -.
وقال عمرو بن دينار: إن أول من أرخ في الكتب يعلى بن أمية وهو باليمين.
رواه الامام أحمد بسند صحيح لكن فيه انقطاع بين عمرو ويعلى.
الثاني: ذكروا في سبب عمل التاريخ أشياء.
منها: ما رواه أبو نعيم - الفضل بن دكين بضم الدال المهملة وفتح الكاف وسكون التحتية وبالنون شيخ البخاري في (تاريخه) من طريق الشعبي أن أبا موسى - رضي الله تعالى عنه - كتب إلى عمر - رضي الله تعالى عنه -: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرخ بالمبعث: وبعضهم: أرخ بالهجرة.
فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا.
قال بعضهم: ابدأوا برمضان، فقال بعضهم: بل المحرم فإنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(12/37)
ومنها: ما رواه الإمام أحمد، والبخاري في (الأدب) وأبو عروبة الحراني في (الأوائل) والحاكم من طريق ميمون بن مهران - رحمه الله تعالى - قال: رفع لعمر صك محله شعبان فقال: أي شعبان: الماضي، أو الذي نحن فيه أو الآتي ؟ ضعوا للناس شيئا يعرفونه من التاريخ فقال بعضهم اكتبوا على تاريخ الروم، فقيل: إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول، وقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الفرس، فقيل: إن الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا: كم أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فوجده عشر سنين، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن عساكر عن سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى - قال: أول من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لسنة عشر من المحرم بمشورة علي.
وروى ابن أبي خيثمة عن ابن سيرين قال: قدم رجل من اليمن فقال: رأيت شيئا يسمونه التاريخ يكتبون من عام كذا وبشهر كذا، فقال عمر: هذا حسن فأرخوا، فلما أجمع على ذلك قال قوم: أرخوا للمولد، وقال قائل: للمبعث، وقال قائل: من حين خرج مهاجرا، وقال آخرون: من حين توفي، فقال عمر: (أرخوا من خروجه من مكة إلى المدينة).
ثم قال: بأي شهر نبدأ ؟ فقال قوم: برجب، وقال قوم: برمضان فقال عثمان: أرخوا من المحرم، فإنه شهر حرام، وهو أول السنة، ومنصرف الناس من الحج، قال: فكان ذلك سنة سبع عشرة في ربيع الأول من الهجرة.
وروى الحاكم عن سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى - لما جمع عمر الناس سألهم من أي يوم نكتب التاريخ، فقال علي - رضي الله تعالى عنه - من يوم هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك أرض الشرك ففعله عمر.
قال الحافظ - رحمه الله تعالى: واستفدنا من مجموع هذه الآثار أن الذي أشار بالمحرم عمر، وعثمان وعلي - رضي الله تعالى عنهم.
الثالث: وقد أبدى بعضهم بالبداءة بالهجرة مناسبة فقال: كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربع: مولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته فرجح عندهم جعلها من الهجرة، لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين سنته.
وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما يوقع تذكره من الأسف عليه فانحصر في الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم، لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة، والعزم على الهجرة هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ.(12/38)
قال الحافظ: (وهذا أقوى ما وقفت عليه في مناسبة الابتداء بالمحرم).
قال الشيخ - رحمه الله تعالى - وقفت على نكتة في جعل المحرم أول السنة.
وروى سعيد بن منصور في (سننه) والبيهقي في (الشعب) بإسناده حسن، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال في قوله تعالى: (والفجر) [ الفجر 1 ] قال: الفجر شهر المحرم وهو فجر السنة) (1).
قال الحافظ في أماليه: بهذا يحصل الجواب عن الحكمة في تأخير التاريخ من ربيع الأول إلى المحرم.
بعد أن اتفقوا على جعل التأريخ من الهجرة وإن كانت في ربيع الأول.
روى البخاري في (تاريخه) عن عبيد بن عمير - رحمه الله تعالى قال: المحرم شهر الله، وهو رأس السنة، فيه يؤرخ التاريخ، وفيه يكسى البيت، ويضرب فيه الورق.
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر - رحمه الله تعالى: - ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد الوراق المعروف ب ابن...] أن أول المحرم سنة الهجرة كان يوم الخميس اليوم الثاني من أيام سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة لذي القرنين قلت: أي اليوناني، لا الذي ذكر في القرآن، انتهى.
تنبيهات
الأول (2): قال السهيلي - - رحمه الله تعالى -: أخذ الصحابة التأريخ من الهجرة من قوله تبارك وتعالى (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم) [ التوبة 108 ] لأنه معلوم أنه ليس أول الأيام مطلقا، فتعين أنه أضيف إلى شئ مضمر، وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام، وعبد النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه تبارك وتعالى آمنا، وابتدأ بناء المسجد فوافق رأي الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - ابتداء التأريخ من ذلك اليوم، وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى: (من أول يوم) أنه أول أيام التأريخ.
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - كذا قال، والمتبادر أن معنى قوله: (من أول يوم) أي: يوم دخل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة.
الثاني: إنما يؤرخ بالأشهر الهلالية التي قد تكون ثلاثين، وقد تكون تسعا وعشرين
كما ثبت في الحديث دون الشمسية الحسبية وهي ابتداء ثلاثون فتزيد عليها.
قال الله سبحانه وتعالى في قصة أصحاب الكهف (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا [ الكهف 25 ].
__________
(1) ابن كثير 3 / 205.
(2) في أ: النوع الثالث.
(*)(12/39)
قال المفسرون: زيادة التسعة باعتبار الهلالية، وهي ثلاثمائة فقط هلالية، وإنما كان التأريخ بالهلالية للحديث الصحيح: (إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا، وهكذا).
والحديث الصحيح: (إذا رأيتموه يعني الهلال - فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).
وآلى (1) النبي - صلى الله عليه وسلم - من نسائه شهرا، ودخل عليهن في التاسع والعشرين، فقيل له: لقد آليت فقال: الشهر تسع وعشرون قال الامام البلقيني في (التدريب): كل شهر في الشرع فالمراد به الهلال، إلا شهر المستحاضة وتخليق الحمل.
الثالث: قال الصلاح الصفدي - رحمه الله تعالى -: رأيت بعض الفضلاء قد كتبوا بعض الشهور بشهر كذا، وبعضها لم يكتبوا فيه شهرا، وطلبت الحكمة في ذلك فلم أجدهم أتوا بشهر إلا مع شهر يكون أوله حرف راء وهو شهر ربيع، وشهر رجب، ورمضان ولم أدرالعلة في ذلك ما هي ولا وجه المناسبة، لأنه كان ينبغي أن يحذف لفظ شهر من هذه، لأنه يجتمع في ذلك راءان.
قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب (نظم العقيان في أعيان الأعيان): قد تعرض للمسألة من المتقدمين ابن درستويه فقال في كتابه المتمم: الشهور سجلها مذكرة الا جمادى، وليس شئ منها يضاف إليه شهر إلا شهر ربيع وشهر رمضان قلت وقال ابن خطيب الدهشة - رحمه الله تعالى - في (المصباح): (2) الربيع عند العرب ربيعان ربيع شهور وربيع زمان فربيع الشهور اثنان قالوا: لا يقال فيهما إلا شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر بزيادة شهر وتنوين ربيع وجعل الأول والآخر وصفا تابعا من الإعراب ويجوز فيه الاضافة...].
قال الشيخ - رحمه الله تعالى - في كتابه (التاريخ): قال المتأخرون: ويذكر شهر فيما أوله راء فيقال شهر ربيع مثلا دون غيره، فلا يقال: شهر صفر، والمنقول عن سيبويه جواز إضافة شهر إلى كل الشهور وهو المختار.
انتهى.
وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى [ وجاء من الشهور ثلاثة مضافة إلى شهر رمضان وشهرا ربيع..] الرابع: إنما يؤرخ بالليالي، لأن الليلة سابقة على يومها إلا يوم عرفة شرعا، قال الله تعالى: (كانتا رتقا ففتقناهما) [ الأنبياء 30 ].
قالوا: ولا يكون مع الارتفاق إلا الظلام فهو سابق على النور.
__________
(1) والايلاء الحلف.
(2) والمصباح ليس لابن خطيب الدهشة بل هو لولده.
(*)(12/40)
روي أن أول ما خلق الله تعالى النور والظلمة، ثم ميز بينهما، فجعل الظلمة ليلا، والنور نهارا.
وقد ثبت أن القيامة لا تقوم إلا نهارا، فدل على أن ليلة اليوم سابقة عليه، إذ كل يوم له ليلة، وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا أول المعراج.
الخامس: قال في (المصباح) أرخت الكتاب بالتثقيل في الأشهر، والتخفيف لغة حكاها ابن القطاع، إذ جعلت له تاريخا [ وهو معرب، وقيل عربي ] وهو بيان انتهاء وقته ويقال: ورخت على البدل والتوريخ قليل الاستعمال.
السادس: اختلفوا في لفظ التاريخ هل هو عربي أو معرب.
قال صاحب نور المقاييس، وهو مختصر كتاب (مقاييس اللغة) لابن فارس (تاريخ الكتاب): ليس عربيا ولا سمع من فصيح.
وقال ابن فارس في (المجمل): التواريخ والتاريخ فما تحسبهما عربية.
وقال: [ غيره ] التاريخ لفظ معرب أصله: ماه روز، وسبب تعريبه أن أبا موسى كتب إلى عمر - رضي الله تعالى عنهما - فذكر ما تقدم فجمع عمر الصحابة واستشارهم في ذلك فقال الهرمزان: إن للعجم حسابا يسمونه ماه روز ينسبونه إلى ما غلب عليهم من الأكاسرة، فعربوه وقالوا: مؤرخ وجعلوا مصدره التاريخ.
واستعملوه في وجوه التصريف، ثم بين لهم الهرمزان أن كيفية استعماله، فقال عمر - رضي الله تعالى عنه - ضعوا تاريخا يتعاملون عليه، فذكر نحو ما سبق أول الباب.
وقال جماعة: هو عربي مشتق من الأرخ بفتح الهمزة وكسرها وهو ولد البقرة الوحشية، إلا إذا كانت أنثى كانت فتى، وقال القزاز: الأرخ البقرة التي لم ينز عليها الثيران، والعرب تشبه بها النساء الخفرات.
وقال أبو منصور الجواليقي يقال: إن الأرخ الوقت، والتأريخ: التوقيت (1).
قال ابن بري: لم يذهب أحد إلى هذا، وإنما قال ابن درستوية: اشتقاق [ الإرخ من بقر الوحش، واشتقاق التأريخ واحد، لأن الفتى وقت من السن، والتاريخ ] (2) وقت من الزمن.
وقال ابن بري: وقد أحسن كل الإحسان وجمع الأرخ والتاريخ.
__________
(1) وقال إن التاريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض، وإنما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب وتاريخ المسلمين أرخ من سنة الهجرة كتب في خلافة عمر رضي الله عنه فصار تاريخا إلى اليوم.
(2) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(12/41)
السابع: التاريخ: تعريف الوقت، وفي الاصطلاح: تعيين وقت ينسب إليه زمان وما بعده.
وقيل: هو يوم معلوم ينسب إليه زمان يأتي بعده.
وقيل: تعريف الوقت بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع من ظهور جولة، أو وقوع حادثة
من طوفان، أو زلزلة، أو نحو ذلك من الأبيات.
النوع الرابع: في حوادث السنة الأولى غير المغازي والسرايا.
فيها صلى الجمعة في طريق بني سالم بن عوف، وهي أول جمعة صلاها في الإسلام وأول خطبة خطبها في الإسلام كما جزم به غير واحد وصاحب العيون.
وروى ابن إسحاق والبيهقي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: كانت أول خطبة خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، أنه قام فيهم، فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد: أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه ليس له ترجمان ولا حاجب، يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك، فما قدمت لنفسك فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها يجزى الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسلام على رسول الله ورحمه الله وبركاته).
ثم خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة أخرى.
فقال: (إن الحمدلله، أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يظلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى قد أفلح من زينه الله تعالى في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس أنه أحسن الحديث وأبلغه أحبوا من أحب الله، أحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملوا كلام الله تعالى وذكره، ولا تقس عنه قلوبكم، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي فقد سماه الله خيرته من الأعمال.
ومصطفاه من العباد، والصالح الحديث ومن كل ما أوتي الناس الحلال والحرام، (1) فاعبدوالله ولا تشركوا به شيئا، واتقوا الله حق تقاته، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، فإن الله يغضب أن ينكث عهده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته انتهى (2).
__________
(1) في أ: وإن كل أتى الناس فإنه أحسن الحديث من الحلال والحرام.
(2) الدر المنثور 3 / 66: وقال ابن كثير في البداية 3 / 212: وهذه الطريقة مرسلة إلا أنها قوية وإن اختلفت الألفاظ قلت: ومقصد ابن كثير رحمه الله على رواية ابن جرير الآتية.
(*)(12/42)
وروى ابن جرير عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، أنه بلغه عن خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عمرو بن عوف: (الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به، ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله 1 إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا، وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، - عزوجل - فاحذروا ما حذركم الله عز وجل من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكرى وإنه تقوى لمن عمل به على وجل مخافة، وعون صدق على ما تبتغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله تعالى من أمر السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله تعالى يكن له ذكروا، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم، ولا تفرطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتبابكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ولا قوة الا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لها بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله تعالى يكفه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس، ولا يقضون عليه، ويملك من الناس
ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بإلله العلي العظيم) (1).
تنبيهات
الأول: قال في (الروض) قوله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته (أحبوا الله من كل قلوبكم) يريد أن يستغرق حب الله جميع أجزاء القلب، فيكون ذكره وعمله خارجا من قلبه خالصاً لله، وتقدم الكلام على محبة الله تعالى لعبده، ومحبة العبد لربه في اسمه - صلى الله عليه وسلم - (حبيب الله).
وقوله: - صلى الله عليه وسلم - (لا تملوا كلام الله تعالى وذكره، فإنه من كل يخلق الله يختار ويصطفي).
قال السهيلي: الهاء في قوله: (فإنه) لا يجوز أن تكون عائدة على كلام الله تعالى،
__________
(1) قال الحافظ ابن كثير في البداية 3 / 212 وفي السند إرسال.
(*)(12/43)
ولكنها ضمير الأمر والحديث فكأنه قال: إن الحديث من كل ما يخلق الله يختار، فالأعمال إذا كلها من خلق الله تعالى، وقد اختار منها ما شاء قال الله تعالى: (يخلق ما يشاء ويختار) [ القمص 68 ].
قوله: (قد سماه خيرته من الأعمال) يعني الذكر وتلاوة القرآن.
وقوله: والمصطفى من عباده أي وسمى المصطفى من عباده بقوله تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) [ الحج 75 ] ويجوز أن يكون معناه المصطفى من عباده، أي العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم، فلا تكون (من) على هذا للتبعيض، إنما تكون لابتداء الغاية، لأنه عمل استخرجه منهم بتوفيقه إياهم، والتأويل الأول أقرب مأخذا، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: في أول الخطبة: (إن الحمد لله أحمده) هكذا يرفع الدال من قوله الحمد لله وجدته مقيدا مصححا عليه، وإعرابه ليس على الحكاية ولكنه على إضمار الأمر كأنه قال: إن الأمر الذي أذكر وحذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم (1) شيئا في اللفظ من الأسماء
على قوله: الحمد لله وليس تقديم (إن) في اللفظ من باب تقديم الأسماء، لأنها حرف مؤكد لما بعده مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به.
الثاني: اختلف في تسمية اليوم بذلك مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة - بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة -.
قلت: قال ابن النحاس في كتاب (صناعة الكتاب): لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا، ومعناه اليوم البين المعظم من أعرب (إذا) بين [...] فقيل: سمي بذلك لأن كمال الخلائق جمع فيه، ذكره أبو حذيفة النجاري، في (المبتدأ) عن ابن عباس وهو ضعيف.
وقيل: لأنه خلق آدم جمع فيه.
روى الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن أبي حاتم عن سليمان - رضي الله تعالى عنه - [ قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتدري ما يوم الجمعة ؟ قلت: الله ورسوله أعلم قالها ثلاث مرات ثم قال في الثلاثة: هو اليوم الذي جمع فيه أباكم آدم قال: لكني أدري ما يوم الجمعة لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم ياتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام إلا كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة (2).
__________
(1) في أ: كي يقدم.
(2) أحمد 5 / 439، والحاكم 1 / 277، السيوطي في الدر 6 / 216، ابن كثير في التفسير 2 / 236، الكنز (21196).
(*)(12/44)
وله شاهد عن أبي هريرة رواه ابن أبي حاتم موقوفا بإسناد قوي في الفتح ما رواه عبد بن حميد عن ابن سيرين والحديث في المصنف أيضا والإمام أحمد مرفوعا بإسناد ضعيف.
قال الحافظ: وهذا أصح الأقوال، ويليه ما رواه عبد الرزاق عن ابن سيرين بسند صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة، فصلى بهم وذكرهم، فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه.
وقيل: سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم، فقال: إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية، [ وإنما كان يسمي العروبة، وفيه نظر، فقد قال أهل اللغة: إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية ] فاظاهر أنهم غيروا أسماء الأيام السبعة بعد أن كانت تسمى أول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شبار.
وقال الجوهري: كانت العرب تسمي يوم الاثنين أهون في أسمائهم القديمة، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء، وهي هذه المتعارفة [ الآن كالسبت، والأحد ] إلى آخرها.
وقيل إن أول من سمى العروبة الجمعة كعب بن لؤي [ وبه جزم الفراء وغيره ] فيحتاج من قال إنهم غيروها إلا الجمعة فأبقوه على تسمية العروبة إلى نقل خاص.
الثالث: تقدم أن صلاة الجمعة صلتها الصحابة بالمدينة، قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فقيل ذلك بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما رواه الدارقطني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة قبل أن يهاجر، ولم يستطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع ولا يبدي لهم، فكتب إلى مصعب بن عمير، أما بعد: فانظر اليوم الذي تجتهد فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله تعالى بركعتين، قال: فأول من جمع مصعب حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع عند الزوال من الظهر، وأظهر ذلك، وفي سنده أحمد بن محمد بن غالب الباهلي، وهو متهم بالوضع.
قال في (الزهر): والمعروف في هذا المتن الإرسال، رويناه في كتاب (الأوائل) لأبي عروبة الحراني، قال: حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا ابن وهب (أنبأنا ابن جريح) (1) عن سليمان بن موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى مصعب به.
وقيل: باجتهاد الصحابة.
وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمع أهل المدينة قيل أن
__________
(1) في أ: عن ابن جرير.
(*)(12/45)
يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى أيضا مثل ذلك، فهلم فلنجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك (إذا نودي للصلاة) [ الجمعة 1 ] الآية.
وقال الحافظ: وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة، وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أسعد بن زرارة...الحديث، وتقدم، فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه بالوحي وهو ب (مكة) فلم يتمكن من إقامتها كما في حديث ابن عباس، والمرسل بعده.
ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق.
وقيل: في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه، والإنسان إنما خلق للعبادة، فناسب أن يشتغل بالعبادة [ فيه، ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات، وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها، فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه ] (1).
ولهذا تتمة تقدمت في الخصائص.
وفيها جعلت صلاة الحضر أربع ركعات، وكانت ركعتين بعد مقدمه بشهر لاثنتي عشرة من ربيع الآخر.
قال الدولابي: يوم الثلاثاء قال السهيلي: بعد الهجرة بعام رواه الدولابي.
وروى عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وأكثر الفقهاء أن الصلاة نزلت بتمامها.
قال ابن جرير: وزعم الواقدي أنه لا خلاف بين أهل الحجاز فيه.
وفيها بني رسول الله صلى الله عليه وسلم - مسجده ومساكنه، ومسجد قباء.
وسيأتي في التاسعة.
لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبني مسجده، وكان مربده اليتيمين سهل وسهيل.
قال البلاذري، ويحيى بن الحسن، وغيرهما: إنهما ابني رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وبه صرح ابن حزم وابن عبد البر، والسهيلي ورجحه السيد وغيره.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(12/46)
وقال ابن إسحاق: إنهما ابني عمر.
وقال في (العيون): إنه أشهر.
قال السهيلي فيما نقله عنه الذهبي: ما يحصل به الجمع إلا أن فيه بعض مخالفة لما تقدم.
قال: (سهل بن عمرو الأنصاري النجاري أخو سهيل صاحبا المربد)، ينسبان إلى جدهما وهما ابنا رافع بن عمرو بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن النجار انتهى.
فعلى هذا يكون سقط من الرواية المتقدمة ابن عمرو بن رافع وأبي عمرو تصحف وعمرو بعائذ، كانا في حجر أسعد بن زرارة كما في الصحيح عند أكثر الرواة.
وقال أبو ذر الهروي: سعد بإسقاط الألف والأول هو الوجه كما قال: إذا كان أسعد من السابقين إلى الإسلام، وهو المكنى بأبي أمامة، وأما أخوه سعد فتأخر إسلامه - ولفظ - يحيى بن الحسن: كانا في حجر أبي أمامة أسعد بن زرارة.
وذكر ابن زبالة ويحيى: أنهما كانا في حجر أبي أيوب وأنه قال: يا رسول الله أنا أرضيهما.
وذكر ابن عقبة: أن أسعد بن زرارة عوضهما عنه نخلا له في بني بياضة.
قال: وقيل: ابتاعه منهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وذكر ابن إسحاق [ أن المربد كان لغلامين يتيمين، وأنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء.
قال: [...] والسيد، وقد يجمع باشتراك من ذكر كونهما كانا في حجورهم، أو بانتقال
ذلك بعد أسعد إلى من ذكر واحدا بعد واحد سيما وقد روى ابن زبالة عن ابن أبي فديك قال: سمعت بعض أهل العلم، يقولون: إن أسعد توفي قبل أن يبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، فباعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ولي سهل وسهيل.
وفي (الصحيح) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى ملأ من بني النجار بسبب موضع المسجد فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله.
وفي رواية: فدعى بالغلامين فساومهما بالمربد، يتخذه مسجدا فقالا: بلى نهبه لك يا رسول الله، فأبي أن يقبله منهما بهبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا.
ووقع في رواية ابن عيينة فكلم عمهما أي الذي كانا في حجره أن يبتاعه منهما، فطلبه منهما معا، فقالا: ما تصنع به ؟ فلم يجد بدا من أن يصدقهما، فأخبرهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراده فقالا: نحن نعطيه إياه فأعطياه.(12/47)
وطريق الجمع بين ذلك كما أشار إليه الحافظ: أنهم لما قالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله سأل عمن يختص بملكه منهم، فعينوا له الغلامين، فابتاعه منهما أو من وليهما، فهما غير بالغين، وحينئذ فيحتمل أن يكون الذين قالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تحملوا عنه للغلامين اليتيمين، فقد نقل عن ابن عقبة أن أسعد عوض الغلامين ثمنه نخلا له في بني بياضة.
وتقدم أن أبا أيوب قال: (أنا أرضيهما فأرضاهما، وكذلك معاذ بن عفراء فيكون بعد الشراء، ويحتمل أن كلا من أسعد وأبي أيوب وابن عفراء أرضى اليتيمين بشئ فنسب ذلك لكل منهم.
وقد روى أن اليتيمين امتنعا عن قبول عوض، فيحتمل ذلك على بدء الأمر، لكن يشكل على هذا ما ذكره ابن سعد أن الواقدي، قال: إنه - صلى الله عليه وسلم - اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا، دفعها أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه -، وقد يقال إن الشراء وقع من ابني عفراء، لأنهم كانا وليين لليتيمين، ورغب أبو بكر في الخير كما رغب فيه أسعد وأبو أمامة،
ومعاذ بن عفراء، فدفع لهم أبو بكر العشرة ودفع لهم من كل أولئك ما تقدم، ولم يقبله - صلى الله عليه وسلم - أولا لكونه لليتيمين.
وذكر البلاذري: أن أسعد بن زرارة عرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذه ويدفع لليتيمين ثمنه فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك وابتاعه منه بعشرة دنانير، أداها من مال أبي بكر، فيحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أخد أولا بعض المربد، ثم أخذ بعضا وقد ورد ما يقتضي أن أسعد بن زرارة كان قد بنى بهذا المربد مسجدا [ آخر لما سيأتي من أنه زاد فيه مرة أخرى، فليست القصة متحدة ] (1).
فروى يحيى بن الحسن عن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قيل أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس الصلوات الخمس، ويجمع لهم في مسجد بناه في مربد سهل وسهيل ابني رافع بن عمرو بن عائذ بن مالك بن النجار قالت: فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة صلى بهم في ذلك المسجد، وبناه فهو مسجده وذكر البلاذري نحوه.
انتهى.
وروى الشيخان والبيهقي أن المسجد كان جدادا مجددا، ليس عليه سقف، وقبلته القدس، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنخل وبالفرقد الذي فيه أن يقطع، وكان فيه قبور جاهلية، فأمر بها فنبشت، وأمر بالعظام أن تغيب، وكان بالمربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب وكان
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(12/48)
فيه حزب فأمر بها فسويت فصفوا النخل قبلة - أي: جعلت سواري في جهة القبلة - ليسقف عليها، وجعلوا عضادتيه حجارة.
وروى ابن عائد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فيه وهو عريش اثني عشر يوما ثم سقف.
وروى ابن زبالة ويحيى عن الحسن عن شهر بن حوشب قال: لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبني مسجدا قال: ابنوا لي عريشا كعريش موسى ثمام وخشيبات وظلة
كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك، وقيل: وما ظلة موسى ؟ قال: كان إذا قام أصاب رأسه السقف.
وروى البيهقي عن الحسن قال: لما بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد أعانه عليه أصحابه، وهو معهم يتناول اللبن، حتى اغبر صدره، فقال ابنوه عريشا كعريش موسى، فقيل للحسن: ما عريش موسى ؟ قال: كان إذا رفع يده بلغ العريش، يعني السقف.
وقد روى في الصحيح أنه طفق ينقل معهم اللبن ترغيبا لهم، ويقول وهو ينقل اللبن: هذا الحمال لا حمال خيبر * هذا أبر ربنا وأطهر ويقول: لاهم، إن الأجر أجر الآخره * فارحم الأنصار والمهاجره قال ابن شهاب: فتمثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشعر رجل من المسلمين وجعل الصحابة ينقلون الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول معهم: لاهم، لا خير إلا خير الآخره * فانصر الأنصار والمهاجره ويذكر أن هذا البيت لعبد الله بن رواحة.
وعن الزهري - رحمه الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: لاهم، لا خير إلا خير الآخره * فارحم المهاجرين والانصار وكان لا يقيم الشعر وعمل المسلمون في ذلك ودأبوا فيه فقال قائل منهم: لئن قعدنا والنبي يعمل * لذاك منا العمل المضلل وكان عثمان رجلا متنظفا، وكان يحمل اللبنة، فيجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كمه ونظر.
[ وروى ابن زبالة وغيره عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده ] (1).
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(12/49)
ونقل ابن الجوزي عن محمد بن عمر الأسلمي قال: كانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد وحوله، وكلما أحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخلا ونزل له حارثة عن منزل - أي: محل حجرة - حتى صارت منازله كلها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه.
وروى ابن سعد ويحيى بن الحسن من طريق محمد بن عمر: حدثنا عبد الله بن زيد الهذلي قال: رأيت بيوت أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين هدمها عمر بن عبد العزيز بأمر الوليد بن عبد الملك، كانت بيوتا باللبن ولها حجر من جريد مطرورة بالطين، عددت تسعة أبيات بحجرها، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى منزل أسماء بنت حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، ورأيت بيت أم سلمة وحجرتها من لبن، فسألت ابن ابنها فقال: لما غزا رسول الله غزوة دومة الجندل بنت أم سلمة حجرتها بلبن، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى اللبن، فدخل عليها أول نسائه، فقال: ما هذا البناء ؟ فقالت: أردت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أكف أبصار الناس فقال: يا أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان.
قال محمد بن عمر: فحدثت هذا الحديث معاذ بن محمد الأنصاري فقال: سمعت عطاء الخرساني في مجلس فيه عمر بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر الشريف والمنبر: أدركت حجر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من جريد النخل على أبوابها المسوح، شعر أسود فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ، يأمر بإدخال حجر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم فقال عطاء: فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ: والله لوددت أنهم (1) تركوها على حالها ينشأ ناشئ من أهل المدينة، ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر.
قال معاذ: فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمر بن أبي أنس: كان منها أربعة أبيات بلبن، لها حجر من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها، على أبوابها مسوح الشعر ذرعت الستر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع والعظم أو أدنى من العظم، فأما ما ذكرت من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وخارجة بن زيد بن ثابت، وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع.
__________
(1) في أ: لو.
(*)(12/50)
وقال يومئذ أبو أمامة: ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويروا ما رضي الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ومفاتيح خزائن الدنيا بيده.
وروى ابن سعد والبخاري في (الأدب) وابن أبي الدنيا والبيهقي في (الشعب) عن الحسن البصري قال: كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلافة عثمان فأتناول سقفها بيدي.
وروى البخاري في (الأدب) وابن أبي الدنيا والبيهقي عن داود بن قيس قال: رأيت الحجر من جريد النخل مغشى من الخارج بمسوح الشعر، وأظن عرض البيت الداخل عشرة أذرع، وأظن مسكنه بين الثمان والسبعة.
وروى محمد بن الحسن المخزومي عن محمد بن هلال قال: أدركت بيوت أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت من جريد مستورة بمسوح الشعر مستطيرة في القبلة، وفي المشرق وفي الشام ليس في غربي المسجد شئ منها، وكان باب عائشة يواجه الشام، وكان مصراع، واحد من عرعر أو ساج.
وروى ابن منده عن بشر بن صحار العبدي قال: كنت أدخل بيوت أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنال سقفها.
وروى ابن سعد عن عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي مرثد قال: لم يكن على عهد
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حائط وكان أول من بني عليه جدارا عمر ابن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -.
قال عبيدالله: كان جداره قصيرا ثم بناه عبد الله بن الزبير.
وفي (تاريخ البخاري) أن بابه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرع بالأظافر.
قال السهيلي: فدل على أنه لم يكن لأبوابه خلق تنبيه: قال في (الروض) كانت بيوته - صلى الله عليه وسلم - تسعة، بعضها من جريد مطين بالطين.
وسقفها من جريد وبعضها من حجارة مرصوصة بعضها على بعض وسقفها من جريد النخل.
قال: السيد: ظاهر ما نقله ابن الجوزي عن محمد بن عمر يخالف ما تقدم من أنه - صلى الله عليه وسلم - بني أولا بيتين لزوجتيه، وأنه لما تزوج نساءه بنى لهن حجرا، فظاهره أن كان كلما أحدث زوجة أحدث لها بناء حجرة، فيحمل ما هنا على أن حارثة كان ينزل له عن مواضع المساكن وكان - صلى الله عليه وسلم - يبنيها.
ونقل الزركشي عن الحافظ الذهبي أنه قال في تكميل الروض: لم يبلغنا أنه - صلى الله عليه وسلم - بنى(12/51)
له تسعة أبيات حين بنى المسجد، ولا أحسبه فعل ذلك، إنما كان يريد بيتا واحدا لسودة أم المؤمنين ثم لم يحتج لبيت آخر حتى بنى لعائشة في شوال سنة اثنتين، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - بناها في أوقات مختلفة.
قال السيد: وهو مقتضى ما قدمناه، غير أنه مخالف لما تقدم في بيت عائشة أنه بناه هو وبيت سودة في بيت المسجد مع بناء المسجد وهو الظاهر، لأنها كانت حينئذ زوجة غير أنه لم يكن بنى بها، فتأهب لذلك بأن بنى حجرتها، وفيها بدأ الأذان.
وقيل: في الثانية.
روى ابن إسحاق وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة كان يجتمع الناس للصلاة لحين وقتها بغير دعوة، فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن
يجعل بوقا كبوق اليهود الذي يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، فبينما هم على ذلك إذ رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه أحد بني الحارث بن الخزرج النداء الحديث.
وفيها ولد محمد بن مسلمة - رضي الله تعالى عنه -.
وفيها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وورث بعضهم بين بعض حتى نزلت (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) [ الأحزاب ] بعد مقدمة بثمانية أشهر كذا في العيون.
ونقل القطب الحلبي عن أبي عمر أنها بعد خمسة أشهر، ونقل في الإشارة عنه ما في العيون.
وفيها رمي سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - بسهم في غزوة ودان، وكان أول سهم رمي به في سبيل الله.
وفيها: مات أسعد بن زرارة - رضي الله تعالى عنه - والمسجد يبني.
وقال ابن الجوزي في الثانية: فكان أول من مات من المسلمين ودفن بالبقيع، وكان أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة على قومه من بني النجار، وقد شهد العقبات الثلاث، وكان أول من بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة الثانية في قول، وكان شابا، وهو أول من جمع بالمدينة في بقيع الخصاب في حرم البيت، ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه بن إسحاق: بئس الميت أبى أمامة، ليهود ومنافقي العرب ! يقولون: لو كان محمد نبيا لم يمت صاحبه، ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا.
قال ابن كثير: وهذا يقتضي أنه أول من مات بعد مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد زعم أبو الحسن بن الأثير: أنه مات في شوال بعد مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبعة أشهر والله أعلم.(12/52)
وقال ابن جرير في (التاريخ): كان أول من توفي بعد مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة من المسلمين فيما ذكر صاحب منزله كلثوم بن الهدم، لم يلبث بعد مقدم إلا يسيرا حتى مات.
ثم توفي بعده أسعد بن زرارة، وكانت وفاته في سنة مقدمه قبل أن يفرغ من بناء
المسجد بالذبحة والشهقة.
وروى ابن جرير عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كوى أسعد بن زرارة من الشوكة، رجاله ثقات.
وروى ابن إسحاق عن عامر بن عمر بن قتادة أن بني النجار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم لهم نقيبا بعد أبي أمامة أسعد بن زرارة فقال: (أنتم أخوالي وأنا بما فيكم وأنا نقيبكم) وكره أن يختص بها بعضهم دون بعض فكان من فضيلة بني النجار الذي يعتدون به على قومهم أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم.
قال ابن الأثير وصدقهم ابن كثير، وهذا يرد قول أبي نعيم وابن مندة في قولهما إن أسعد ابن زرارة كان نقيبا لبني ساعدة، إنما كان لبني النجار.
وفيها: مات عثمان بن مظعون - رضي الله تعالى عنه -.
وقيل: في الثانية بعد مشهده بدرا، فكان أول من دفن في البقيع من المهاجرين كلثوم ابن الهدم - رضي الله تعالى عنه - والبراء بن معرور قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم - وأوصى أن يوجه إلى الكعبة، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبره، والوليد بن المغيرة بمكة، والعاص بن وائل بمكة، وأبو أحيحة بالطائف، الثلاثة ماتوا على شركهم.
وفيها: ولد عبد الله بن الزبير في شوال سنة الهجرة، وصححه ابن كثير.
قال الذهبي: إنه ولد في الثانية، وعلى الأول فهو أول مولود ولد بالاسلام بالمدينة بعد الهجرة، وكان أول شئ دخل جوفه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنكه بتمرة، ثم دعا له.
كما قالت أمه أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنها - وفيه أي الحديث أنها حملت بعبد الله بن الزبير، أي بمكة قالت: فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة.
فنزلت بقباء، فولدته ثم أتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه فكان أول شئ دخل جوفه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم حنكه بتمرة، ثم دعا له وبرك عليه، فكان أول مولود ولد في الإسلام عبد الله بن الزبير.
رواه البخاري، وقالت أختها عائشة - رضي
الله تعالى عنها -: أول مولود في الإسلام عبد الله بن الزبير.(12/53)
وذكر الواقدي وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مع عبد الله بن أريقط لما رجع إلى مكة زيد بن حارثة وأبا رافع ليأتوا بعياله وعيال أبي بكر فقدموا بهم أثر هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسماء حامل متم.
أي: مقرب قد دنا وضعها لولدها، فلما ولدته كبر المسلمون تكبيرة عظيمة فرحا بمولده، لأنهم كانوا قد بلغهم عن اليهود أنهم سحروهم حتى لا يولد لهم بعد هجرتهم ولد، فأكذب الله اليهود مع هذا، فزعم الأسود أنه ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا.
ورواه الواقدي عن محمد بن يحيى بن سهل أبي حثمة عن أبيه عن جده وزعموا أن النعمان ولد قبل ابن الزبير بستة أشهر على رأس أربعة عشر شهرا، وما تقدم من الأحاديث الصحيحة يرد ذلك.
وفيها جاءت أم سليم بأنس ليخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الأنصار كانوا يتقربون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهدايا رجالهم ونساؤهم فكانات أم سليم تتأسف على ذلك، وما كان لها شئ فجاءت بابنها أنس وقالت: يخدمك يا رسول الله، قاله رزين.
وفي الصحيح عن أنس قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك، قال: فخدمته...الحديث.
وقد يجمع بأنها جاءت به أولا فانطلق به أبو طلحة ثانية، لأنه وليه وعصبته، وهذا غير مجيئه به لخدمته - صلى الله عليه وسلم - في غزوة خيبر كما يفهمه لفظ الحديث.
وفيها: فرضت الزكاة وفيها عرس بعائشة، وقيل في الثانية.
وفيها أسلم عبد الله بن سلام - رضي الله تعالى عنه - [ ومكث عند ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع إلى اهل بيته فأسلموا وكتم إسلامه، ثم خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني، فأجب أن
تدخلني بعض بيوتك، فأدخله بعض بيوته فجائت اليهود إليه فقال: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله ؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك.
فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا 1 إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأومن به وأصدقه وأعرفه، قالوا: كذبت، أنت شرنا وابن شرنا، وانتقصوا.
قال هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت، أهل غدر، وكذب وفجور، قال: فأظهرت إسلامي، وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي [ خالدة ] ابنة الحارث فحسن إسلامها.
وفيها: ولد عمرو بن عبسة الأسلمي.(12/54)
روى ابن سعد عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة السلمي - رضي الله تعالى عنه - قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية.
وذلك أنها باطل، فلقيت رجلا من أهل الكتاب من أهل تيماء فقلت: إني امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحي ليس معهم إله، فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة، لقدره ويجعل أحسنها إلها 1 يعبده، ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره إذا نزل منزلا سواه، فرأيت أنه إله باطل لا ينفع ولا يضر، فدلني على خير من هذا فقال: يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه، ويدعوا إلى غيرها، فإذا رأيت ذلك فاتبعه، فإنه يأتي بأفضل الدين فلم تكن لي همة منذ قال لي ذلك إلا مكة، فآتي فأسأل هل حدث فيها حدث ؟ فيقال: لا، ثم قدمت مرة فسألت فقالوا: حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه ويدعوا إلى غيرها، فشددت راحلتي برحلها، ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزل بمكة فسألت عنه، فوجدته مستخفيا، ووجدت قريشا عليه أشداء، فتلطفت له حتى دخلت عليه، فسألته فقلت: أي شئ أنت ؟ قال: نبي قلت: ومن أرسلك ؟ قال: الله قلت: وبما أرسلك قال: بعبادة الله وحده لا شريك له، وبحقن الدماء، وبكسر الأوثان، وصلة الرحم، وأمان السبيل.
فقلت: نعم ما أرسلت به، قد آمنت بك وصدقتك أتأمرني أن أمكث معك، أو
أنصرف ؟ فقال: ألا ترى إلى كراهة الناس ما جئت به فلا تستطيع أن تمكث، كن في أهلك فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا فاتبعني، فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه، فقدمت المدينة فقلت: يا نبي الله أتعرفني ؟ قال: نعم أنت السلمي الذي أتيتني بمكة.
[ فسألتني عن كذا وكذا فقلت لك كذا وكذا، فاغتنمت ذلك المجلس وعلمت أن لا يكون الدهر أفرغ قلبا لي منه في ذلك المجلس، فقلت: يا نبي الله أي الساعات أسمع قال: الثلث الآخر فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تطلع الشمس، فإذا رأيتها طلعت حمراء كأنها الجحفة، فأقصر عنها، فإنها تطلع بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار، فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فإن الصلاة مشهودة مقبولة، حتى يساوي الرجل ظله فأقصر عنها، فإنها حينئذ تسجر جهنم فإذا فاء الفئ فصل، فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تغرب الشمس، فإذا رأيتها غربت حمراء كأنها الجحفة فأقصر، ثم ذكر الوضوء فقال: إذا توضأت فغسلت يديك ووجهك ورجليك، فإن جلست كان ذلك لك طهورا، وإن قمت فصليت وذكرت ربك بما هو أهله انصرفت من صلاتك كهيئتك يوم ولدتك أمك من الخطايا ].
النوع الخامس: في حوادث السنة الثانية وفيها وفاة رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجة عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه -.
قال النووي: في ذي الحجة، لكن ذكر أهل السير ما يقتضي أن وفاتها كانت في رمضان منها.(12/55)
وفيها تحويل القبلة.
روى ابن إسحاق وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والستة وأبو داود في (ناسخه) وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني وابن حبان والبيهقي عن البراء بن عازب وابن إسحاق وابن أبي شيبة وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في (ناسخه) والطبراني وابن المنذر عن ابن عباس وأبو داود في (سننه) عن أبي العالية، ويحيى
ابن الحسين بن جعفر العبيدي في أخبار المدينة، عن رافع بن خديج عن ابن عمر ويحيى عن عثمان بن محمد بن الأخفش، والبيهقي عن الزهري والإمام مالك وأبو داود في ناسخه والإمام مالك والشيخان وأبو داود في سننه والنسائي، وابن جرير عن سعيد بن المسيب وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة - رضي الله تعالى عنه - أن أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، ولما هاجر إلى المدينة كان أكثر أهلها اليهود أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي نحو بيت المقدس، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى بالمدينة إلى بيت المقدس ستة عشر، وعند الزهري: تسعة عشر، وعند معاذ على رأس ثلاثة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا كذا بالشك في حديث البراء، وقال لجبريل: وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها فقال جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك لك شيئا إلا ما أمرت به فادع ربك وسله، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو الله ويكثر النظر إلى السماء فينظر أمر الله وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرا أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة، فصنعت له طعاما، وحانت صلاة الظهر، فلما صلى ركعتين نزل جبريل، فأشار إليه أن صل إلى البيت، وصلى جبريل إلى البيت فاستدار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة، واستقبل الميزاب فهي القبلة التي أنزل الله تعالى فيها (قد نر تقلب وجهك في السماء فلنو لينك قبلة ترضاها) [ البقرة 144 ] فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين، وكان الظهر يومئذ أربعا فصلى منها ثنتان إلى بيت المقدس وثنتان إلى الكعبة.
وفي رواية: فصرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا في صلاة الظهر في الركعتين الأخيرتين، فنزل جبريل فأشار إليه أن صل إلى البيت، وصلى جبريل إلى البيت فاستدار.
وفي رواية: أن أول صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه.
قال الحافظ: هو عباد بن بشر، فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله(12/56)
لقد صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل البيت فاستداروا.
قال رافع بن خديج: وأتاني آت ونحن نصلي في بني عبد الأشهل فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أن يوجه إلى الكعبة فأدارنا إمامنا إلى الكعبة، ودرنا معه.
وقال ابن عمر: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك، فقال المنافقون: حن محمد إلى أرضه، وقال المشركون: أراد محمد أن يجعلنا قبلة له ووسيلة، وعرف أن ديننا أهدى من دينه، وقالت اليهود للمؤمنين: ما صرفكم عن قبلة موسى ويعقوب والأنبياء إن انتم إلا تفتنون، وقال المؤمنون: [ فيمن مضي من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت ].
وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو وحليف كعب بن الأشرف، والربيع بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، فارجع إلى فبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك، وإنما يريدون فتنة فأنزل الله تعالى (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) إلى قوله: (فلا تكونن من الممترين [ البقرة 142 ].
تنبيهات الأول: اختلف أي صلاة كانت ذلك ؟ ففي الصحيح عن [ البراء ] أن أول صلاة صلاها -
أي متوجها - صلاة العصر.
والأكثر على أنها صلاة الظهر.
قال: الحافظ: والتحقيق أن أول صلاة صلاها في بني سلمة الظهر، وأول صلاة صلاها بالمسجد النبوي العصر.
الثاني: قال الحافظ: طريق الجمع بين رواية ستة عشر وسبعة عشر شهرا ورواية الشك في ذلك، أن من جزم ستة عشر لفق من شهر التحويل وشهر القدوم شهرا وألغى الأيام الزائدة، ومن جزم بسبعة عشرة شهرا عدهما معا، ومن شك تردد في ذلك، وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان التحويل في نصف رجب من السنة الثانية على الصحيح،(12/57)
وبه جزم الجمهور ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس، وقول ابن حبان: سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام مبني على أن القدوم كان في ثاني عشر ربيع الأول.
قال الحافظ: وأسانيد رواية ثلاثة عشر وتسعة عشر ونحوها شاذة.
الثالث: فرض صوم رمضان على رأس سبعة عشر شهرا، وزكاة الفطر قبل العيد بيومين، وصلى العيد بالمصلى وضحى ضحوه في ذي الحجة صلى وضحى بكبشين أحدهما عن أمته، والآخر عنه وعن آله.
روى ابن سعد عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وعائشة - رضي الله تعالى عنهم - قالوا: نزل فرض شهر رمضان بعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه السنة بزكاة الفطر قبل أن تفرض الزكاة في الأموال، وأن تخرج عن الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب أو مدان من بر، وكان يخطب قبل الفطر بيومين، فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى، وقال: اغنوهم يعني المساكين عن طواف هذا اليوم، وكان يقسمها إذا رجع، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيد يوم الفطر بالمصلى قبل
الخطبة، وصلى العيد الأضحى، وأمر بالأضحية، وأقام بالمدينة عشر سنين يضحي كل عام.
وروى ابن سعد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة عشر سنين لا يدع الأضحى، انتهى.
قالوا: وكان يصلي العيدين قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، وكان بلال يحمل العنزة بين يديه، وكانت العنزة للزبير بن العوام قدم بها من أرض الحبشة، فأخذها منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى ابن سعد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تحمل له عنزة يوم العيد يصلي إليها، انتهى.
قالوا: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بيده بالمدينة، ثم يقول: اللهم هذا عن أمتى جميعا من شهد لك بالتوحيد ولي بالبلاغ، ثم يؤتي بالآخر فيذبحه بيده، ثم يقول: هذا عن محمد وآل محمد، فيأكل هو وأهله منه ويطعم المساكين، وكان يذبح عند طرف الزقاق عند دار معاوية.
قال محمد بن عمر الأسلمي: وكذلك تصنع الأئمة عندنا بالمدينة.(12/58)
وفيها قدم عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - من الحبشة فسلم عليه - فسلم يرد عليه [ الصلاة ] (1) والسلام - وفيها: كانت أول غنيمة وقعت في الإسلام في سرية عبد الله بن جحش - رضي الله تعالى عنه - إلى نخلة.
وفيها: أعرس علي بفاطمة - رضي الله تعالى عنها - قاله مغلطاي، وغيره.
قال المحب الطبري: تزوجها في صفر، وبني بها في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من التاريخ.
قال: أبو عمر: بعد وقعة أحد.
وقال غيره: بعد بنائه بعائشة بأربعة أشهر ونصف.
وروى الإمام أحمد في (المناقب) وابن حبان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء أبو بكر ثم عمر يخطبان فاطمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسكت، ولم يرجع إليهما شيئا...، وقد تقدم في أبواب أولاده - صلى الله عليه وسلم -.
وفيها ولد النعمان بن بشير والمسور بن مخرمة.
النوع السادس: في حوادث السنة الثالثة.
فيها: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفصة بنت عمر في شعبان على الأصح، وزينب بنت خزيمة أم المساكين في رمضان، فمكثت عنده شهرين.
وقيل: ثلاثة.
وقيل: ثمانية، وماتت.
وفيها: مات عبد الله بن عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنهما - ابن رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ست سنين.
وقيل: في الرابعة.
وفيها تزوج عثمان - رضي الله تعالى عنه - بأم كلثوم بنت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفيها: ولد الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - في منتصف رمضان، وعلقت أمة بالحسين بعد خمسين ليلة.
وفيها: كان تحريم الخمر.
وقيل: في الرابعة كما سيأتي.
قال الحافظ: والذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان.
__________
(1) سقط في أ.
(*)(12/59)
قال السيد: واستدل بشئ فيه نظر.
وفيها: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود، وقال: لا آمن أن يبدلوا كتابي.
وفيها: صلى صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع قاله القطب.
وقيل: في الرابعة، ونزول آية التيمم، وبراءة الله تعالى لأم المؤمنين عائشة مما رميت به، وضياع العقد.
تنبيهات الأول: قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - في بعض أسفاره: روى ابن سعد وابن حبان وأبو عمر في (الاستذ كار) والنووي وابن دقيق العيد: كان ذلك في غزوة بني المصطلق، وهي المريسيع.
قال الحافظ: فإن كان ما جزموا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لاختلاف القصتين.
أي: قصة سقوط العقد، وحديث الإفك، وقصة سقوط العقد في حديث التيمم كما هو بين في سياقهما استبعد بعض شيوخنا ذلك، قال: لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث: حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، وهما بين المدينة وخيبر، كما جزم به النووي.
قال الحافظ: وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين، فإنه قال: البيداء أدني شئ إلى مكة من ذي الحليفة، ثم ساق حديث عائشة هذا ثم ساق حديث ابن عمر، قال: بيداؤكم هذا الذي تكذبون فيها من أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد...الحديث.
قال: والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة.
وقال أيضا: ذات الجيش من المدينة على بريد وبينها وبين العقيق سبعة أميال.
وقال الحافظ: العقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر، فاستقام ما قاله ابن التين، ويؤيده ما رواه الحميدي في (مسنده) عن سفيان قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه في هذا
الحديث، فقال فيه: (إن القلادة سقطت ليلة الأبواء) والأبواء بين مكة والمدينة.
وفي رواية على بن مسهر في الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (وكان ذلك المكان يقال له: الصلصل) رواه جعفر الفريابي في كتاب (الطهارة).
(والصلصل) بصادين مهملتين مضمومتين، وبعد كل منهما لام، الأولى ساكنة.
قال البكري: هو جبل عند ذي الحليفة فعرف من تضافر هذه الروايات تصويب ما قاله ابن التين.(12/60)
قلت: جزم محمد بن حبيب الأخباري في تعدد سقوط العقد، سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق انتهى.
الثاني: ورد ما يدل على تأخر سقوط العقد، فروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع...الحديث، فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق، لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة وهي بعدها بلا خلاف كما تقدم في غزوة ذات الرقاع.
ومما يدل على تأخر القصة عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه سلم - في غزوة أخرى، فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على الماء، فقال أبو بكر: يا بنية في كل سفر تكونين عناء وبلاء على الناس، فأنزل الله تعالى الرخصة في التيمم فقال أبو بكر: إنك لمباركة.
في إسناده محمد بن حميد الرازي في إسناده مقال.
الثالث: النكتة في قول عائشة - رضي الله تعالى عنها -: فعاتبني أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - ولم تقل: أبي لان قضية الأبوة الحنو، وما وقع من العتاب بالقول، والتأنيب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي فلم تقل: أبي.
الرابع: استدل بهذا الحديث على أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آيته، ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء.
ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع.
قال أبو عمر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند قال: وفي قوله [ في هذا الحديث (آية التيمم) إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء.
قال: والحكمة في نزول آية الوضوء - مع تقدم العمل به - ليكون فرضه متلوا بالتنزيل ].
الخامس: إنما قال أسيد بن الحضير ما قاله، لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع، قوله: ما هي بأول بركتكم، يعني أنها مسبوقة بغيرها من البركات، والمراد بآل أبي بكر نفسه وأهله وأتباعه.
وفي رواية عمرو بن الحارث عند [ البخاري ]: (لقد بارك الله للناس فيكم).
وفي تفسير [ إسحاق البستي ] من طريق عائشة عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ما كان كان أعظم بركة قلادتك.(12/61)
السادس: في رواية عند الشيخين: فبعث ناسا في طلب العقد.
وفي أخرى عند أبي داود (فبعث أسيد بن الحضير وناسا معه.
وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيد كان رأس من بعث فلذلك، سمي في بعض الروايات دون غيره، وكذا أسند الفعل إلى واحد مبهم، وهو المراد به، كأنهم لم يجدوا العقد أولا، فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير، فعلى هذا فقوله في رواية عروة: (فوجدها) أي: بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره.
السابع: في لفظ عن عائشة: (انقطع عقدي).
وفي لفظ: (سقطت قلادة لي).
وفي لفظ: أنها (استعارت قلادة من أسماء) - يعني أختها - فهلكت: يعني ضاعت.
والجمع بينهما أن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها، وإلى أسماء لكونها ملكها وجنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد حديث الباب - التيمم - في تفسير المائدة وحديث عروة - أي بلفظ الاستعارة - في تفسير سورة النساء.
النوع السابع: في حوادث السنة الرابعة.
فيها: تحريم الخمر.
روى أبو داود عن [ عائشة ] قالت: لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأهن علينا، وقال: حرمت التجارة في الخمر.
قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون هذا متصلا بعد تحريم الخمر.
وفيها نهي أو أوحى إليه بمنع بيع الخمر بظاهر الحديث، لأن سورة المائدة التي فيها تحريم الخمر من آخر ما نزل من القرآن، وآية الربا آخر ما نزل، ويحتمل أن يكون هذا بعد بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - تحريم الخمر، فلما نزلت آية الربا اشتملت على تحريم ما عدا البيع الصحيح (1) أكد تحريم ذلك.
واعلم - صلى الله عليه وسلم - أن التجارة في الخمر من جملة ذلك، ثم كرر تحريمه والإعلام بذلك عام الفتح بالنداء.
قال شيخنا - رحمه الله تعالى -: قد وقفت في بعض طرق الحديث على ما يزيل الإشكال، ما خرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) من طريق الحسن بن عرفة عن داود بن الزبير
__________
(1) سقط في أ.
(*)(12/62)
قال: عن عبد الأعلى بن الحجاج عن أبي الضحى، عن مسروق عن عائشة قالت: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، يدل على أنه كان في الآيات المذكورة تحريم الخمر، وكأنه نسخت تلاوته.
وفيها: فرضت صلاة الخوف.
وقيل: في السابعة.
وفيها: رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية.
وفيها: ولد الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما.
وفيها: وفاة زينب بنت خزيمة - رضي الله تعالى عنها -.
وفيها: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -.
وفيها: تزوج زينب بنت جحش - رضي الله تعالى عنها -.
وقيل: في الخامسة.
وفيها: نزل الحجاب.
وفيها: نزل قصر الصلاة في السفر.
وفيها أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - أن يتعلم كتاب يهود.
النوع الثامن: في حوادث السنة الخامسة.
فيها: تزوج ريحانة بنت يزيد النصرانية، وجويرية بنت الحارث.
وفيها: حديث الإفك، وصححه الذهبي.
وقيل: في السادسة سابق - صلى الله عليه وسلم - بين الخيل.
وفيها: زلزلت المدينة فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يستعتبكم فاعتبوه).
وفيها: وفاة سعد بن معاذ - رضي الله تعالى عنه - في ذي الحجة.
وقال ابن كثير: وكانت بعد منصرف الأحزاب بخمس وعشرين ليلة، وكان قدوم الأحزاب في شوال سنة خمس.
وروى الإمام أحمد من طريق علقمة بن وقاص، والشيخان من طريق عروة عن عائشة، والإمام أحمد والترمذي وصححه عن جابر، وفي حديث كل ما ليس في الآخر، أن سعدا أصيب يوم الخندق رماه حبان بن العرقة - لعنه الله - رماه في الأكحل فقطعه، فضرب(12/63)
النبي - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد ليعوده من قريب، وحسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنار فانتفخت يده، فتركه فنزفه الدم، فحسمه أخرى فانتفخت يده، فلما رأى ذلك سعد قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستمسك عرقه فما قطر منه قطرة حتى نزلوا على حكمه، فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحكم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم، يستعين بهم المسلمون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد: أصبت حكم الله فيهم، ثم دعا سعد فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي من أن أجاهد فيك، من قوم كذبوا رسولك، وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شئ فابقني لهم حي أجاهدهم فيك، وإن كنت قد وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها، فانفجرت من ليلته فلم ترعهم ومعهم في المسجد أهل خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم، فقال: يا أهل الخيمة: ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد جرحه يغذو فمات منها - رحمه الله تعالى ورضي عنه -.
وروى الطبراني - برجال الصحيح - عن أسماء بنت يزيد قالت: لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليرقأ دمعك، وليذهب حزنك، فإن ابنك أول من ضحك الله له، واهتزله عرش الرحمن).
وروى الطبراني بسند جيد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما مات سعد بن معاذ بكى أبو بكر وبكى عمر حتى عرفت بكاء أبي بكر من بكاء عمر وبكاء عمر من بكاء أبي بكر فقلت لعائشة: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبكي ؟ قالت: لا، ولكنه كان يقبض دمعه على لحيته.
وروى الطبراني بسند حسن عنها قالت: رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جنازة سعد بن معاذ ودموعه تحادر على لحيته.
وروى البيهقي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات، ففتحت له أبواب السماء، وتحرك له العرش، فخرج فإذا سعد قد مات.
وروى أيضا عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سعد بن معاذ (تحرك له العرش وتبع جنازته سبعون ألف ملك).
وروى أيضا عن معاذ بن رفاعة الزرقي - رضي الله تعالى عنه - قال: أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في جوف الليل معتجرا بعمامة من إستبرق فقال(12/64)
له: من الميت الذي فتحت له أبواب السماء، واهتزله العرش ؟ فقام مبادرا إلى سعد بن معاذ فوجده قد قبض.
وروى أيضا عن الحسن قال: (اهتز له عرش الرحمن فرحا بروحه).
وروى أبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص أن سعد بن معاذ لما مات بعد الخندق خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرعا فإنه ينقطع بسبعة رجال فما يرجع ويسقط رداؤه فلا يلوي عليه، وما نفح أحد على أحدا، فقالوا: يا رسول الله إن كدت لتقطعنا، قال خشيت أن تسبقنا الملائكة إلى غسله، كما سبقتنا إلى غسل حنظلة.
وروى البزار - برجال الصحيح - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك، ما وطئوا الأرض قبلها) وقال حين دفن: (سبحان الله لو انفلت أحد من ضغطة القبر لا نفلت سعد بن معاذ).
وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني - برجال الصحيح - والإمام أحمد والطبراني - برجال ثقات -، عن أبي رمثة والإمام أحمد عن أسيد بن حضير، والطبراني - برجال الصحيح - عن أسامة بن زيد وابن السكن والطبراني عن معيقب - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ).
وروى البيهقي عن سلمة بن أسلم بن حريش قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما
بالبيت أحد إلا سعد مسجى، فرأيته يتخطاه، وأومأ أقف فوقفت ورددت من ورائي، وجلس ساعة ثم خرج، فقلت: يارسول الله ما رأيت أحدا وقد رأيتك تتخطاه، فقال: (ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحية).
وروى أبو نعيم عن الأشعث بن قيس بن سعد بن أبي وقاص قال: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ركبتيه وقال: دخل ملك فلم يجد مجلسا، فأوسعت فلما حملوا جنازته وكان من أعظم الناس وأطولهم قال قائل من المنافقين: ما حملنا نعشا أخف من اليوم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد شيعه سبعون ألفا من الملائكة، ما وطئوا الأرض قط).
وروى ابن سعد عن محمود بن لبيد قال: قال القوم: يا رسول الله ما حملنا ميتا أخف علينا من سعد قال: (ما منعكم أن يخف عليكم وقد شيعته من الملائكة كذا وكذا، لم يهبطوا قط قبل يومهم، قد حملوه معكم).
وروى ابن سعد وأبو نعيم عن محمد بن شرحبيل بن حسنة قال: قبض إنسان يومئذ بيده من تراب قبره قبضة فذهب بها نظر إليها بعد ذلك، فإذا هي مسك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سبحان الله) حتى عرف ذلك في وجهه فقال: (الحمد لله، لو كان أحد(12/65)
ناج من ضمة القبر لنجا منها سعد، ضمه ضمة ثم فرج الله عنه).
وروى ابن سعد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال كنت ممن يحفر لسعد قبره، فكان يفوح علينا المسك، كلما حفرنا قترة من تراب حتى انتهينا إلى اللحد.
وروى الشيخان عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ).
وروى ابن إسحاق: ولسعد يقول الرجل من الأنصار: وما اهتز عرش الله من موت هالك * سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو وروى عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قالت أمه كبيشة بنت رافع [ بن
معاوية ] (1) حين احتمل على نعشه وهي تبكيه: ويل ام سعد سعدا صرامة وجدا وسؤددا ومجدا وفارسا معدا سد به مسدا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد).
وفي لفظ: قال: - صلى الله عليه وسلم - (لا تزيدون على هذا وكان والله ما علمت حازما في أمر الله قويا في أمر الله، كل النوائح تكذب [ إلا أم سعد ] (2).
وروى ابن إسحاق عنه قال: لما دفن سعد ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبح الناس معه، ثم كبر فكبر الناس معه، فقالوا: يا رسول الله مما سبحت ؟ فقال: (لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرج عنه).
وروى ابن أبي الدنيا والطبراني - برجال ثقات - عن أسماء بنت زيد بن السكن قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأم سعد: (لا يرقأ دمعك ويذهب حزنك، فإن ابنك لأول من ضحك الله عز وجل له واهتز له العرش).
وروى البيهقي عن أمية بن عبد الله أنه سأل سعد: ما بلغكم من قول
__________
(1) سقط في أ.
(2) سقط في أ.
(*)(12/66)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا ؟ فقالوا: ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذلك فقال: (كان يقصر في بعض الطهور من البول).
وروى الطبراني - برجال ثقات - عن عطارد رحمه الله تعالى أنه أهدى إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوب ديباج كساه إياه كسرى، فدخل أصحابه فقالوا: أنزلت عليك من السماء ؟ فقال: ما تعجبون من ذا لمنديل من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا ثم قال: يا غلام اذهب به إلى أبي جهم بن حذيفة، وقل له يبعث إلي بالخميصة.
وروى البزار - برجال الصحيح - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن أكيدر الدومة أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبة من سندس، فلبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتعجب الناس منها، فقال: أتعجبون من هذه، فوالله الذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها، ثم أهداها إلى عمر، فقال: يا رسول الله تكرهها وألبسها، قال: يا عمر إنما أرسلت بها إليك لتبعث بها وجها، فتصيب بها مالا، وذلك قبل أن ينهي عن الحرير.
وروى أبو يعلي - برجال ثقات - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ثلاثة من الأنصار كلهم من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا، سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر، وفيها ماتت أم سعد بن معاذ - رضي الله تعالى عنهما -.
وفيها: كسف القمر في جمادى الآخرة، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم صلاة الكسوف، وجعلت اليهود يضربون بالسوط، ويقولون: سحر القمر.
وفيها: أصابت قريش شدة، فبعث إليهم حذيفة بفضة يتألفهم بها.
وفيها: وفد بلال بن الحارث المزني، وهو أول وافد مسلم.
ثم قدم ضمام بن ثعلبة قيل: وفيها إسلام خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص.
وقيل: في الثالثة.
النوع التاسع: في أحوال السنة السادسة فيها: قحط الناس فاستسقى لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسقوا في رمضان.
وفيها: إسلام أبي العاص بن الربيع - رضي الله تعالى عنه - وفيها: نزول سورة الفتح.
وفيها: فرض الحج على الصحيح.
وفيها: خسفت الشمس.
وفيها: ظاهر أوس بن الصامت امرأته خولة.(12/67)
وفيها: قال - صلى الله عليه وسلم - (من كنت مولاه فعلي مولاه).
النوع العاشر: في أحوال السنة السابعة فيها: تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وصفية بنت حيي، وميمونة بنت الحارث - رضي الله تعالى عنهم -.
وفيها قدم جعفر بن أبي طالب، وأبو موسى ومن معه من الحبشة.
وفيها: أسلم أبو هريرة وعمران بن الحصين - رضي الله تعالى عنهما -.
وفيها: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك، واتخذ الخاتم يختم الكتب.
وفيها: حرمت الحمر الأهلية.
وفيها: نهى عن متعة النساء.
وفيها: اتخذ المنبر كما جزم به ابن سعد وقيل في السنة الثامنة.
قال الحافظ: وفيه نظر، لذكر العباس وتميم الداري فيه، وكان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان، وقدوم تميم سنة تسع.
وفيها كانت قصة أبي سفيان مع هرقل في الشام.
وفيها: جاءته مارية القبطية - رضي الله تعالى عنها - هدية وبغلته دلدل.
وفيها: أكل من الشاة المسمومة.
وفيها: استشهد غلامه مدعم.
وفيها: في المحرم سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وفيها: عمرة القضية.
وفيها: مطر الناس: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أصبح الناس بين مؤمن بالله وكافر
بالكوكب، ومؤمن بالكواكب وكافر بالله.
وفيها: رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع، وقدم حاطب بن أبي بلتعة من عند المقوقس.
النوع الحادي عشر: في حوادث السنة الثامنة فيها: قدم خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وعمرو بن العاص، فأسلموا.
قال ابن أبي خيثمة: كان ذلك سنة خمس.
وقال الحاكم: سنة سبع.(12/68)
وفيها: اتخذ المنبر وحنين الجذع، وهو أول منبر عمل في الإسلام، كما جزم به ابن النجار وغير واحد.
قال الحافظ: وفيه نظر لما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: فثار الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فنزل يخفضهم حتى سكنوا، فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى.
روى الشيخان والبيهقي عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى علاثة امرأة قد سماها سهل أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواد المنبر أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة.
وفي رواية: فعمل هذه الثلاث درجات، ثم جاء بها فأرسلته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بها فوضعت ها هنا.
وروى الإمام الشافعي والإمام أحمد وابن ماجه عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هل لك أن تجعل لك منبرا تقوم عليه
يوم الجمعة حتى يراك وتسمع الناس خطبتك، قال: نعم، فصنع له ثلاث درجات، هي التي أعلى المنبر، فلما صنع وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضعه الذي هو فيه، فكان إذا بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يخطب عليه تجاوز الجذع الذي كان يخطب إليه أولا ثم أن الجذع خار حتى تصدق وانشق، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما سمع صوت الجذع مسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر، وكان إذا صلى صلى إليه، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان عنده حتى بلي [ فأكلته الأرض وعاد رفاتا ].
وروى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد، فخطب الناس، فجاءه رومي فقال: ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم، فصنع له منبرا له درجان ومقعد على الثالثة، فما قعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر خارالجذع.
وفيها: مولد إبراهيم ابن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفيها: وفاة زينب بنت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفيها: أقام عتاب بن أسيد - رضي الله تعالى عنه - للناس الحج، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة استعمله عليها للصلاة والحج، كما ذكره الإمام أبو الحسن(12/69)
الماوردي في (حاويه) في (السير) و (الحج) فحج بالناس تلك السنة على ما كان عليه الناس في الجاهلية.
وفيها: أخذ الجزية من مجوس هجر وفيها: وهبت سودة يومها لعائشة حين أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلاقها.
وفيها: إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى بضم السين، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح - براء مكسورة وياء -.
روى البيهقي وأبو بكر محمد بن القاسم بن بشار وأبو البركات عن عبد الرحمن بن
محمد بن أبي الأسعد الأنباريان قال: خرج كعب وبجير ابنا زهير حتى أتيا أبرق العراف فقال بجير لكعب: أثبت في عجل هذا المكان حتى آتي هذا الرجل يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسمع ما يقول، فثبت كعب وخرج بجير فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمع كلامه فآمن به، وذلك أن زهير فيما يزعمون كان يجالس أهل الكتاب فسمع منهم أنه قد آن مبعث نبي.
ورأى زهير في منامه أنه قد مد سببا من السماء، وأنه قد مد يده ليتناوله ففاته، فأوله بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث، وأنه في آخر الزمان لا يدركه، وخبر بنيه بذلك وأوصاهم أن أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسلموا ولما اتصل خبر إسلام بجير ولأخيه أغضبه ذلك فقال: ألا أبلغن عني بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا فبين لنا إن كنت لست بفاعل * على أي شئ غير ذلك دلكا على خلق لم تلق أما ولا أبا * عليه ولم تدرك عليه أخا لكا فإن أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعا لكا سقاك بها لمأمون كأسا روية * فانهلك المأمون منها وعلكا وبعث بها إلى بجير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنشده إياها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سقاك بها المأمون، صدق وإنه لكذوب وأنا المأمون وأهدر دمه وقال: من لقي كعبا فليقتله فكتب بجير إلى أخيه يذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أهدر دمه وقال: من لقي كعبا فليقتله، وليقول له النجاء وما أراك تنفلت ثم كتب إليه بعد ذلك: اعلم أن رسول الله لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا قبل ذلك منه، وأسقط ما كان قبل ذلك، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل.
وذكر ابن إسحاق أن بجيرا كتب إليه: من مبلغ كعبا فهل لك في التي * تلوم عليها باطلا وهي أحزم إلى الله لا العزى ولا اللات وحده * فتنجو إذا كان النجاء وتسلم(12/70)
لدى يوم لا تنجو ولست بمفلت * من الناس إلا طاهر القلب مسلم فدين زهير وهو لا شئ دينه * ودين أبي سلمى علي محرم فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه، فقالوا: هو مقتول، فلما لم يجد من شئ بدا قال قصيدته التي مطلعها: بانت سعاد...*...(1) يمدح بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النوع الثاني عشر: في حوادث السنة التاسعة.
فيها توفي النجاشي - رضي الله تعالى عنه - في رجب.
روى البخاري عن جابر والشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهما - أن
__________
(1) ومن تلك القصيدة قوله: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول يسعى الغواة جنابيها وقولهم * إنك يا بن أبي سلمى لمقتول وقال كل صديق كنت آمله * لا ألهينك إني عنك مشغول فقلت: خلوا طريقي لا أبا لكم * فكل ما قدر الرحمن مفعول كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول نبئت أن رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال * قرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب ولو كثرت في الأقاويل لقد أقوم مقاما لو يقوم به * أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لظل ترعد من خوف بوادره * إن لم يكن من رسول الله تنويل حتى وضعت يميني وما أنازعها * في كف ذي نقمات قوله القيل فلهو أخوف عندي إذ أكلمه * وقيل: إنك منسوب ومسؤول
من ضيغم بضراء الأرض مخدره * في بطن عثر غيل دونه غيل يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما * لحم من الناس، معفور خراديل إذا يساور قرنا لا يحل له * أن يترك القرن إلا وهو مفلول منه تظل سباع الجو نافرة * ولا تمشي بواديه الأراجيل ولا يزال بواديه أخو ثقة * مضرج البز والدرسان مأكول إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا زالوا فما زال أنكاس ولا كشف * عند اللقاء ولا ميل معازيل يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم * ضرب إذا عرد السود التنابيل شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل بيض سوابغ قد شكت لها حلق * كأنها حلق القفعاء مجدول ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم * قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا لا يقع الطعن إلا في نحورهم * وما لهم عن حياض الموت تهليل (*)(12/71)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وقال: توفي اليوم رجل من الحبشة اسمه أصحمة فهلم فصفوا.
فصففنا، فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وكبر عليه أربع تكبيرات، وقال: استغفروا لأخيكم.
وفيها تتابع الوفود، وكانت تسمى سنة الوفود.
وفيها آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يدخل على نسائه شهرا.
قال ابن حبيب: يقال إنه ذبح ذبحا فقسمته عائشة بين أزواجه، فأرسلت إلى زينب بنت جحش بنصيبها فردته، فقال: زيديها فزادت ثلاثا فقال: لا أدخل عليكن شهرا.
وفيها: بيع المسلمين أسلحتهم، وقالوا: انقطع الجهاد فقال - صلى الله عليه وسلم - لا ينقطع الجهاد
حتى ينزل عيسى ابن مريم.
وفيها: جاء جبريل يعلم الناس دينهم.
فقيل: وفيها فرض الحج.
وفيها: أمر - صلى الله عليه وسلم - بهدم المسجد الضرار بعد عوده من تبوك.
روى بسند صحيح - عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن جبير أن موضع مسجد قباء كان لامرأة يقال لها: لية، كانت تربط حمارا لها فيه، فابتني بها سعد بن أبي خيثمة، وبنو عمرو بن عوف مسجدا، وأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوه ليصلي فيه، فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم أخوالهم بنو عمرو بن عوف، فقالوا: نحن نصلي في مربط حمار لية لا، لعمر الله، ولكنا نبني مسجدا فنصلي فيه، ويجئ أبو عامر فيؤمنا فيه، وكان أبو عامر فر من الله ورسوله فلحق بمكة، ثم لحق بعد ذلك بالشام، فتنصر فمات بها فبنوا مسجدا وأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة، والليلة المطيرة وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
إني لعلى جناح سفر وحال وشغل، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما قفل ونزل بذي أوان أنزل عليه فيه القرآن (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) [ التوبة ].
فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وأخاه عاصم بن عدي، فقال: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه، فانطلقوا مسرعين حتى أتوا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك: انظروا حتى أخرج إليهم بنار من أهلي، فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل، فأشعل فيه نارا ثم خرجوا يشتدون حتى أتوا [ المسجد وفيه أهله فحرقوه، وهدموه، وتفرق أهله عنه، ونزل فيه من القرآن ما نزل (والذين(12/72)
اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) ].
وفيها: موت عدو الله عبد الله بن أبي ابن سلول في ذي القعدة، بعد أن مرض عشرين
يوما.
روى البخاري عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه...الحديث.
وروى (1) أيضا عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر عبد الله بن أبي بعدما دفن، فأخرجه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه.
تنبيه: ظاهر قوله في (حديث جابر) (2) أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي بعدما دفن فأخرجه إلى آخره مخالف لقول ابن عمر: لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه الخ...، وقد جمع بينهما بأن معنى قول ابن عمر: فأعطاه أي أنعم له بذلك فأطلق على العدة اسم العطية مجازا لتحقق وقوعها، وكذا قوله في حديث جابر بعد ما دفن أي: ولي في حفرته، وكان أهل عبد الله بن أبي خشوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - المشقة في حضوره، فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما وصل وجدهم قد ولوه حفرته، فأمر بإخراجه إنجازا لوعده في تكفينه في القميص والصلاة عليه، والله تعالى أعلم.
وقيل: أعطاهم - صلى الله عليه وسلم - أحد قميصيه أولا، ثم لما حضر أعطاهم الثاني بسؤال ولده، وفي (الإكليل) للحاكم ما يؤيد ذلك.
وفيها لاعن - صلى الله عليه وسلم - بين عويمر العجلاني وبين امرأته في ذي القعدة في مسجد بعد صلاة العصر، وكان عويمر قدم من تبوك فوجدها حبلى.
وفيها: حج أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - بالناس في ذي القعدة، فخرج من المدينة في ثلاثمائة رجل، وبعث معه عشرين بدنة قلدها وأشعرها بيده، وعليها ناجية بن جندب الأسلمي، وساق أبو بكر خمس بدنات، وحج عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - وساق هديا وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا على أثره ليقرأ على الناس سورة براءة، فأدركه ب (العرج) [ قال ابن سعد: فلما كان بالعرج - وابن عائذ يقول: بضجنان - لحقه علي بن أبي
__________
(1) في أ: فيه.
(2) في أ: حديث ابن عمر.
(*)(12/73)
طالب - رضي الله تعالى عنه - على العضباء، فلما رآه أبو بكر قال: أمير أو مأمور ؟ قال: لا بل مأمور، ثم مضيا ].
تنبيهات الأول: روى ابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - في قوله تبارك وتعالى (براءة من الله ورسوله) [ التوبة 1 ] قال: لما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر في ذلك الحجة.
قال الإمام محب الدين الطبري - رحمه الله تعالى -: وهذا مغاير لما تقدم، أن الذي حج بالناس تلك السنة عتاب بن أسيد، وهي سنة ثمان وأن تأمير أبي بكر كان سنة تسع وهو الأظهر.
الثاني: قال في (زاد المعاد): وهل حجة الصديق هذه أسقطت الفرض ؟، أو المسقطة هي حجة الوداع معه - صلى الله عليه وسلم - على قولين أصحهما الثاني، والقولان مبنيان على أصلين: أحدهما: هل كان فرض الحج قبل عام حجة الوداع أو لا ؟ والثاني: هل كانت حجة أبي بكر في ذي الحجة ! أم وقعت في ذي القعدة من أجل النسئ الذي كان في الجاهلية يؤخرون له الأشهر ويقدمونها ؟ على قولين.
روى البزار في (جامعه) في الحج والتفسير وقال: حسن، زاد في بعض النسخ صحيح، عن زيد بن يثيع، قال: سألنا عليا بأي شئ بعثت في ذي الحجة ؟ قال: بعثت بأربع...الحديث.
فهذا نص صريح في ذلك كون تلك الحجة وقعت في ذي الحجة.
وذكر المحب الطبري في (الأحكام) أن حج أبي بكر وقع في ذي القعدة، وعزى ذلك
الماوردي في (نكته) والثعلبي والرماني وغيرهم.
قلت: وجزم به في الإشارة ثم قال: وجزم الأزرقي أن حج أبي بكر كان في السنة التاسعة.
قال: وذكر بعض المفسرين والروايتين.
قال في النور: وأنا أستبعد كونه - عليه الصلاة والسلام - أمره عليها وأمره بها، وهي تقع في ذي العقدة على القول بأنها فرض، فهذا ما لا يدخل فهمي أما على القول بأنه فرض فهذا قريب انتهي.(12/74)
الثالث: الحكمة في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عليا ليقرأ سورة براءة على الناس في حجة أبي بكر، ولم يكتف بغير علي أن العرب كان من عادتها أن الرجل المتبوع منهم إذا عقد عقدا أو عهد عهدا لا يحله إلا هو أو أحد من أهل بيته، ولهذا بعث عليا - رضي الله تعالى عنه -.
وقيل: كان فيه سورة براءة الثناء على الصديق رضي الله تعالى عنه فأحب أن يكون على لسان غيره قال في (الهدي): لأن السورة نزلت بعد ذهاب أبي بكر إلى الحج.
النوع الثالث عشر: في حوادث السنة العاشرة فيها: حجة الوداع.
وفيها: نزول: (يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) [ النور 58 ] وكانوا لا يفعلونه قبل ذلك.
وفيها: قدم جرير بن عبد الله بن جابر بن الشليل بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن خزيمة بن حرب بن علي بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر وهو مالك بن عقبربن إراش بن عمرو بن الغوث مسلما في شهر رمضان.
وفيها: أسلم فيروز بن الديلمي بأذان وهب بن منبه ب (اليمن).
تنبيه في بيان غريب ما سبق:
[ المربد: الموضع الذي يجفف فيه التمر.
الحجر:...ثأمنوني: أي اجعلوا لها ثمنا.
الغرقد:...العضادة:...العريش:...الثمام...الظلمة:...الحمال:...] (1) المسوح: جمع مسح وهو البلاس.
مستطيرة في القبلة، منتشرة.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(12/75)
المصراع من الباب الشطر وهما مصراعان.
(العرعر): بفتح العينين وبرائين مهملات قال في الصحاح: السرو.
والساج - بالسين المهملة والجيم -: ضرب من خشب أسود عظيم من الشجر، يجلب من الهند وجمعها ساجات.
قال الزمخشري: خشب أسود رزين يجلب من الهند، ولا تكاد الأرض تبليه، والجمع سيجان، مثل: نار ونيران مطروزة بالطين، بالطاء المهملة المشالة، أي: مطينة به دونه أي بضم الدال المهملة.
الجندل: بالجيم والنون والدال المهملة.
ينشأ: يتجدد.
الأفق بضمتين، الناحية.
اخضل لحيته بخاء فضاد معجمتين فلام يليها.
مراهق: مقارب الاحتلام.
أنال: أدرك وأبلغ.
المغشى: المغطى المستور.
[ البوق:...بقيع الخصاب:...الصرم:...الذبحة: وجع في الحلق يخنق.
الشهقة: الصيحة.
الإستبرق:...يلوي عليه:...ضغطة القبر:...النعش:..الاشعار:..الصرامة:...ناجية:...(12/76)
جندب:...] (1).
العرج: بفتح العين وسكون الراء المهملتين وبالجيم: قرية جامعة على نحو من ثمانية وسبعين ميلا من المدينة.
ابن عائذ بتحتية وذال معجمة.
ضجنان: بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم وبنونين بينهما ألف: جبل على بريد من مكة من جهة الشام.
قافلين: راجعين.
الحج الأكبر: يوم النحر هذا هو الصواب.
كما روى الترمذي أن عليا - رضي الله تعالى عنه - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن يوم الحج الأكبر فقال: يوم النحر.
وروى أبو داود بإسناد صحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها فقال: (أي يوم هذا) قالوا: يوم النحر فقال: هذا يوم الحج الأكبر.
وروى البخاري (تعليقا) عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم النحر في الحجة التي حج فيها: هذا يوم الحج الأكبر (2).
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(2) رغب الله المشركين: بغين معجمة من الرغبة، لا من الرعب الذي هو الفزع، لأنه يقال: منه أرعبه ولا يقال: رغبه ورغبه مخففا ومشددا.
عامة: بتشديد الميم.
لا يخاف: بالبناء للمفعول.
ولم نذكرها في الصلب لعدم وجود إشارة تدل عليهما.
وهما في أ، ب.
(*)(12/77)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الرقى والتمائم
الباب الأول في إذنه صلى الله عليه وسلم في الرقى المفهومة المعنى
روى الحاكم عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (استرقوا لها، فإن بها النظرة)
الباب الثاني في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التمائم
روى أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - مرفوعا (أن الرقى والتمائم والترلة شرك).
التمائم: بمثناة فوقية فميمين بينهما ألف فهمزة: خرزة أو قلادة تعلق في الرأس، كانت الجاهلية تعتقد أن ذلك يدفع الآفات والترلة: بمثناة فوقية مكسورة فراء ولام مفتوحتين مخففا شئ كانت المرأة تجلب به محبة زوجها، وهو نوع من السحر، وإنما كان من الشرك، لأنهم كانوا يرون أنها تجلب المنافع وتدفع المضار بنفسها، وذلك شرك مع الله تعالى في ألوهيته، ولا يدخل في ذلك ما كان بأسماء الله وصفاته، ولا خلاف في شرعية الفزع إلى الله تعالى واللجوء إليه في كل ما وقع وما يتوقع، والرقي المنهي عنها هي ما أضيف فيها إلى الله أسماء الله تعالى شئ من ذكر الشياطين، والاستعانة بهم، والتعوذ بمردتهم، وما كان بالعجز الذي لا يفهم معناه.
وقال القرطبي: ما كان يرقى به في الجاهلية معا لا يعقل معناه يجب اجتنابه، وما كان بكلام الله تعالى أو بأسمائه فيجوز فإن كان مأثورا فيستحب، وما كان بغير أسماء الله تعالى من ملك أو صالح أو معظم من المخلوقات كالعرش فليس من الواجب اجتنابه ولا المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى الله تعالى، والتبرك بأسمائه فيكون تركه أولى، ونقل النووي عن القاضي عياض أن قول مالك اختلف في رقية اليهودي والنصراني المسلم وبالجواز قال الشافعي.
وروى ابن وهب عن مالك كراهة الرقية بالحديدة والملح، وعقد الخيط، والذي يكتب خاتم سليمان، وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم.(12/78)
الباب الثالث في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في لدغة العقرب بالرقية
روى أبو نعيم في الطب عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: كان في المدينة رجل يكنى أبا مذكر، كان يرقي من العقرب، وينفع الله تعالى بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا مذكر، ما رقيتك هذه ؟ اعرضها علي، فقال أبو مذكر: شجنة قرنية ملحة بحر قفطا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه لا بأس بها، إنما هي مواثيق أخذها سليمان بن داود على الهوام (1).
قال ابن إسحاق: زادني رجل في هذه الرقية: شجنة قرنية ملحة بحر قفطا وقطيفة موسى معها والمسيح يلبسها، ما لنا أن لا نتوكل على الله، وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون، وقال محمد بن إسحاق: قرأت ما لا أحصي من هذه الرقى: الرقية على العقرب، فوقعت لي فيه أن رجلا من الأنصار قال: أفي العقرب رقية ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: لدغ رجل من الأنصار على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكروه للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ما نام فلان من لدغة أصابته من عقرب، فقال: أما إنه لو قال حين أمسى: أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق لم يضره لدغة عقرب حتى يصبح.
الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في رقية النملة
بفتح النون وإسكان الميم وهي قروح تخرج من الساق والجنب أو غيره
روى أبو نعيم في الطب وأبو داود عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للشفاء: (علمي حفصة رقيتك)، قال إسماعيل: قلت لمحمد بن المنكدر: وما رقيتها ؟ قال: رقية النملة.
وروى مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرقية من العين والنملة والحمة، وفي رواية: والأذن الخلال أن الشفاء بنت عبد الله كانت ترقي في الجاهلية من النملة فلما هاجرت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت قد بايعته بمكة، قالت: يا رسول الله، إني كنت أرقي في الجاهلية من النملة، فأريد أن أعرضها عليك فعرضتها، فقالت:
باسم الله صلو صلب خير يعود من أفواهما ولا تضر أحدا، اللهم، اكشف الناس رب الناس،
__________
(1) ذكرها الحافظ في الإصابة 7 / 173 وعزاه للحكيم الترمذي في نوادر الأصوال وضعفه.
(*)(12/79)
كانت ترقي بها على عود سبع مرات، وتضعه مكانا وتدلكه على حجر بخل خمر مصفى وتطليه على النملة.
الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في رقية الحية
روى أبو نعيم في الطب عن علقمة عن عبد الله قال: ذكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقية الحمة قال: اعرضوها علي فعرضوها عليه، بسم الله قرنية شجنة ملحة بحر قفطا، فقال: هذه مواثيق، أخذها سليمان بن داود على الهوام لا أرى بها بأسا قال: فلدغ رجل وهو مع علقمة فرقاه بها، فكأنما نشط من عقال.
الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في رقية القرحة والجرح
روى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى الإنسان الشئ أو كانت به قرحة أو جرح، قال بأصبعه يعني سبابته بالأرض، ثم رفعها وقال: بسم الله تربة أرضنا، بريقة بعضنا يشفى سقيمنا، بإذن ربنا) (1).
وروى الحاكم في تاريخه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تربة أرضنا شفاء لقرحنا).
وروى: (تربة أرضنا بريقة بعضنا تشفي سقيمنا بإذن ربنا).
قال النووي: معنى الحديث أنه أخذ من ريق نفسه، على أصبعه السبابة وضعها على التراب فعلق به شئ منه ثم مسح به الموضع العليل، أو الجرح قائلا الكلام المذكور في حالة المسح.
قال القرطبي: زعم بعض علمائنا أن السر فيه أن تراب الأرض لبرودته ويبسه يبرئ الموضع الذي به الألم، ويمنع انصباب المواد إليه ليبسه مع منفعته في تجفيف الجروح واندمالها.
__________
(1) أخرجه البخاري (5745) ومسلم (54 / 2194).
(*)(12/80)
وقال في الريق: لأنه يختص بالتحليل والإنضاح وإبراء الجراح والورم، ولا سيما في الصائم الجائع، وتعقبه بأن ذلك إنما يتم إذا وقعت المعالجة على قوانينها مع مراعاة مقدار التراب في الريق وملازمة ذلك في أوقاته وإلا فالنفث ووضع السبابة على الأرض إنما يعلق بها ما ليس له بال ولا أثر، وإنما هذا من باب التبرك بأسماء الله تعالى وآثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما وضع بالأرض فلعله لخاصية في ذلك، وقال البيضاوي: قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلا في النضج، وتعديل المزاج، وتراب الوطن له تأثير في حفظ المزاج ودفع الضرر، فقد ذكروا أنه ينبغي للمسافر أن يستصحب تراب أرضه، إن عجز عن استصحاب مائها، حتى إذا ورد المياه المختلفة جعل شيئا منه في سقائه، ليأمن من مضرة ذلك، ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتعاقد العقول عن الوصول إلى معرفتها.
وقال التوربشتي: كأن المراد بالتربة الإشارة إلى فطرة آدم وبالريقة الأشارة إلى النطفة، كأنه تضرع بلسان الحال، إنك اخترعت الأصل الأول من التراب ثم أبدعته من ماء مهين، فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته.
وقال النووي: وقيل: المراد ب (أرضنا) أرض المدينة لبركتها و (بعضنا) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشرف ريقه يشفى سقيمنا: بضم أوله على البناء للمجهول، وسقيمنا بالرفع وبفتح أوله على أن الفاعل مقدر وسقيمنا بالنصب على المفعولية.
الباب السابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في رقى عامة ورقى جامعة
روى الطبراني في الكبير برجال الصحيح عن رافع بن خديج - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابن نعيمان فقال: (أذهب الباس رب الناس إله الناس) (1).
وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير - برجال ثقات وأبو معشر - ليس هو نجيح بل من رجال الصحيح - عن كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا وجد أحدكم ألما فليضع يده تحت ألمه، ثم ليقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته على كل شئ من شر ما أجد) (2).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 117 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 117 وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه أبو معشر نجيح وقد وثق على أن جماعة كثيرة ضعفوه وتوثيقه لين، وبقية رجاله ثقات.
(*)
تعليق المستخدم :في الأصل : (أذهب الياس رب الناس إله الناس) وصوابه (أذهب الباس رب الناس إله الناس) والتصويب من مجمع الزوائد(12/81)
وروى أبو يعلي بسند حسن عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم، ثم يقول: (بسم الله لا بأس) (1).
وروى الترمذي والحاكم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثم قل: بسم الله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا، ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترا (2).
وروى الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه وابن حبان وأبو داود والترمذي وقال: صحيح، والطبراني في الكبير عن عثمان بن أبي العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (امسح بيمينك سبع مرات، وقل: أعوذ بعزة الله وقوته على كل شئ من شر ما أجد) وفي لفظ: (ضع يمينك على الذى تألم من جسدك وقل: بسم الله - ثلاثا - وقل - سبع مرات -: أعوذ بالله...) إلى آخره.
وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - والخرائطي في (مكارم الأخلاق) عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنها - قالت: خرج في عنقي
خراج فتخوفت منه، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال صلى الله عليه وسلم: (ضعي يدك عليه ثم قولي ثلاث مرات -: (بسم الله، اللهم أذهب عني شر ما أجد بدعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك بسم الله).
وروى أبو داود في سننه عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من اشتكى منكم شيئا فليقل: ربنا الله الذي السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من عندك وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ بإذن الله) (3).
وروى الحميدي والخطيب عن يونس بن يعقوب عن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الصداع: (بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الكبير، وأعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار، ومن شر حر النار).
وروى البيهقي أن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - أصابها ورم في
__________
(1) أخرجه مسلم (2191) باب استحباب رقية المريض من طريق يحيى بن يحيى، والبخاري في الطب (5743).
وأحمد 6 / 126، وأبو يعلى في مسنده 7 / 436 (103 - 4459).
(2) أخرجه الحاكم 4 / 219.
(3) أخرجه أبو داود 4 / 218 (3892).
(*)(12/82)
اشتها (1)، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على ذلك من فوق الثياب فقال: بسم الله، أذهب عنها سوءه، وفحشه بدعوة نبيك الطيب المبارك، المكين عندك، صنع ذلك ثلاث مرات، وأمرها أن تقول) [ ذلك، فقالت ثلاثة أيام، فذهب الورم ] (2).
وروى البيهقي أن عبد الله بن رواحة شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وجع ضرسه، فوضع - صلى الله عليه وسلم - يده على خده الذي فيه الوجع وقال: اللهم أذهب عنه سوء ما يجد وفحشه
بدعوة نبيك المبارك، المكين عندك - سبع مرات - فشفاه قبل أن يبرح) (3).
وروى الحميدي أن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشكو من ضر في ضرسها، فأدخل سبابته اليمنى فوضعها على الضرس الذي يألم فقال: (بسم الله، وبالله أسألك بعزك وجلالك وقدرتك على كل شئ فإن مريم لم تلد غير عيسى من روحك وكلمتك أن تكشف فاطمة بنت خديجة من الضر كله) فسكن ما بها.
وروى النسائي عن أبي الدرداء أنه أتاه رجل فذكر أن أباه احتبس بوله، فأصابته حصاة البول، فعلمه رقية سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، فأنزل شفاء من شفائك، ورحمة من رحمتك على هذا الوجع فيبرأ) وأمره أن يرقيه بها فرقاه بها قبرأ (4).
وروى البيهقي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عائشة وهي موعكة، وهي تسب الحمى، فقال: (لا تسبيها فإنها مأمورة، ولكن إن شئت علمتك كلمات إذا قلتهن أذهبها الله عنك) فقالت: فعلمني، قال: (قولي: اللهم، ارحم جلدي الرقيق، وعظمي الدقيق من شدة الحريق، يا أم ملدم، إن كنت آمنت بالله العظيم، فلا تصدعي الرأس، ولا تنتني الفم، ولا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني إلى من اتخذ مع الله 1 إلها آخر) فقالتها فذهب عنها (5).
وروى أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح عن أبان بن عثمان عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من قال: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ من الأرض
__________
(1) في أ لأسها.
(2) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 6 / 1..(3) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 6 / 183.
(4) أخرجه النسائي في السنن الكبرى 6 / 257.
(5) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 6 / 169.
(*)(12/83)
ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات حين يمسي لم تصبه فجأة بلاء، حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي) قال: فأصاب أبان بن عثمان الفالج، فجعل الرجل، الذي سمع منه الحديث ينظر إليه، فقال: ما لك تنظر إلي، فوالله ما كذبت على عثمان، ولا كذب عثمان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت، فنسيت أن أقوالها (1)، وفي لفظ الترمذي: فكان أبان أصابه طرف فالج، فجعل الرجل ينظر إليه، فقال له أبان: ما تنظر، أما إن الحديث كما حدثتك، ولكني لم أقله يومئذ ليمضي الله علي قدره.
وروى الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (2).
وروى الطبراني عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كان دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم).
وروى ابن أبي الدنيا عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة في كل يوم لم يصبه فقر).
وروى الطبراني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أبطأ عليه رزقه، فليكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله) (3).
وروى ابن السني عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان).
__________
(1) أخرجه أبو داود 5 / 324 (5088).
(2) أخرجه الترمذي (3601).
(3) ذكره الهيثمي في الجمع 3 / 204 وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه يونس بن تميم ضعفه الذهبي بهذا
الحديث.
(*)(12/84)
الباب الثامن في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في علاج داء الحريق وإطفائه
روى ابن السني وابن عدي وابن عساكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأيتم الحريق، فكبروا فإن التكبير يطفئه).
قال في زاد المعاد: لما كان الحريق سببه النار، وهي مادة الشيطان [ التي خلق منها ]، وكانت النار تطلب العلو والفساد، وهما هدي الشيطان، وإليهما يدعو، وبهما يهلك بني آدم، فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو في الأرض والفساد، وكبرياء الله تقمع الشيطان وفعله، فلهذا كان تكبير الله تعالى له أثر في إطفاء الحريق، فإن كبرياء الله تعالى لا يقوم لها شئ، فإذا كبر المسلم ربه أثر تكبيره في خمود النار التي هي مادة الشيطان، وقد جربنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك، انتهى.
الباب التاسع في علاج الفزع والأرق المانع من النوم
روى الترمذي عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: شكا خالد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أنام الليل من الأرق، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت، ورب الشياطين وما أظلت، كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو يبغي علي، عز جارك وجل ثناؤك، ولا إله غيرك) [ ولا إله إلا أنت ] (1).
الباب العاشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في علاج حر المصيبة
روى أبو داود والحاكم عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني منها، [ وأبدل لي بها خيرا منها ] (2).
__________
(1) أخرجه الترمذي (3518).
(2) أخرجه أبو داود (3119).
(*)(12/85)
وروى البيهقي في الشعب والطبراني في الكبير عن سابط أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أصاب أحدكم مصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب) (1).
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها) (2).
روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أصيب بمصيبة في ماله أو جسده وكتمها ولم يشكها إلى الناس كان حقا على الله أن يغفر له) (3).
وروى ابن ماجه عن حسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته، فأحدث استرجاعا، وإن تقادم عهدها، كتب الله له من الأجر مثل يوم أصيب) (4).
وروى الإمام أحمد عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أصيب في جسده بشئ فتركه لله كان كفارة له) (5).
وروى سعيد بن منصور وأبو نعيم في الحلية عن مسروق بن الأجدع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الأمراض والأحزان في الدنيا جزاء).
وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (المصيبة تبيض وجه صاحبها يوم القيامة يوم تسود وجوه) (6).
وروى مسلم وابن ماجه عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف الله له خيرا منها) (7).
وروى الترمذي وابن حبان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة).
*
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 5 وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه أبو بردة عمرو بن يزيد، وثقه ابن حبان وضعفه غيره.
(2) أخرجه أحمد 6 / 88.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 334 وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه بقية وهو مدلس.
(4) أخرجه ابن ماجه 1 / 510 (1600).
(5) أخرجة أحمد 5 / 412.
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 294 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سليمان بن رقاع وهو منكر الحديث.
(7) أخرجه مسلم 2 / 632 (918).
(*)(12/86)
الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في علاج الكرب والهم والحزن
روى الطبراني في الأوسط عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أصاب أحدكم هم أو لأواء فليقل: الله الله، ربي لا أشرك به شيئا).
وروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان، فإن الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله حصاص) (1).
وروى البيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا نزل بكم كرب أو جهد، أو بلاء، فقولوا: الله الله ربنا لا شريك له).
وروى ابن مردوية عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
وروى ابن السني في عمل اليوم والليلة عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا وقعت في ورطة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، فإن الله تعالى يصرف بها ما شاء من أنواع البلاء) (2) وروى العقيلي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (استكثروا من لاحول ولا قوة إلا بالله، فإنها تدفع تسعة وتسعين بابا من الضر، أدناها الهم) (3).
وروى ابن أبي الدنيا في الفرج والحاكم عن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبركم بشئ إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من بلايا الدنيا، دعا به يفرج عنه: دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) (4).
وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي في الشعب، والضياء عن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (دعوة ذي النون إذا دعاو هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شئ إلا استجاب الله له).
__________
(1) ذكره الهيثمي 10 / 137 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عدي بن الفضل وهو متروك.
(2) ذكره المتقي الهندي في الكنز (3416) وعزاه لابن السني عن علي.
(3) ذكره المتقي الهندي في الكنز (1953).
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك 1 / 505.
(*)(12/87)
وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود وابن حبان عن أبي بكرة.
أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (دعوات المكروب، اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت) وروى أبو داود عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي أمامة: ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله تعالى همك وقضى عنك دينك قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال).
قال: فقلت ذلك، فأذهب الله همي، وقضى ديني.
وروى أبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من لزم الاسغفار، جعل الله له من كل هم فرجا.
ومن كل ضيق مخرجا، ورزقة من حيث لا يحتسب) (1).
وروى الطبراني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل، فقال: يا محمد، قل: توكلت على الحي الذي لا يموت، والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا) (2).
وروى ابن أبي الدنيا في الفرج عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا وإله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم) (3).
وروى ابن أبي الدنيا في الفرج من طريق الخليل بن مرة بلاغا قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا أصاب عبدا هم وكرب يقول: حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوقين حسبي الرازق من المرتزقين، حسبي الذي هو حسبي، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله الذي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن جعفر عن علي قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا
نزل بي كرب أن أقوال: (لا اله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين).
__________
(1) أخرجه أبو داود 2 / 179 (1518).
(2) ذكره المتقي الهندي في الكنز (3424).
(3) ذكره المتقي الهندي في الكنز (3423).
(*)(12/88)
وروى الحاكم عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزل به هم أو غم، قال: (يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث) (1).
وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا رب السموات السبع ورب العرش الكريم (2).
وروى الطبراني في الكبير عن أسماء بنت عميس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أصابه هم أو غم أو سقم أو شدة، فقال: الله ربي لا شريك له كشف عنه.
وروى أبو نعيم في الطب.
عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما على أحدكم إذا ألح همه أن يتقلد قوسه ويبقى به همه) (3).
وروى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر قال: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث).
وروى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أهمه الأمر، ورفع رأسه إلى السماء، فقال: (سبحان الله العظيم)، وإذا اجتهد في الدعاء قال: (يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث) (4).
وروى أبو داود عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: دعوة المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله، لا إله
إلا أنت) (5).
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن، فقال: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك، أو أستأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا) (6).
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 1 / 509.
(2) أخرجه البخاري 11 / 145 (6345).
(3) أخرجه الطبراني في الكبير 24 / 154.
(4) أخرجه الترمذي 5 / 462 (3436).
(5) أخرجه أبو داود (5090).
(6) أخرجه أحمد 1 / 391.
(*)(12/89)
تنبيهان: الأول: قال الطبري: معنى قول ابن عباس: (يدعو) إنما هو تهليل وتعظيم، إذ المراد تقديم ذلك كما عند ابن حميد (كان إذا حزبه أمر قال)...فذكر الذكر المأثور ثم دعا.
وقد روى الأعمش عن إبراهيم، قال: كان يقال: إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استجيب له، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء، أو معناه: أنه لما اشتغل بذكر الله تعالى أعطاه أفضل ما أعطى السائلين، لقوله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه عزوجل: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، كما أجاب سفيان بن عيينة من سأله عن أكثر ما كان يدعو به - صلى الله عليه وسلم - [ قال ]: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
)
الثاني في غريب ما سبق: الهم: الفكر فيما يتوقع حصوله من أذى وحزن.(12/90)
الباب الثاني عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع
أخرجا في (الصحيحين) من حديث عطاء بن أبي رباح، قال: قال ابن عباس: ألا أريك امرأة ما أهل الجنة ؟ قلت: بلي.
قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، فقال: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك)، فقالت: أصبر.
قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها (1).
قلت: - والقائل ابن القيم - الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة.
والثاني: هو الذى يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.
وأما صرع الأرواح، فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في كتبه، فذكر بعض علاج الصرع، وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة.
وأما الصرع الذي يكون من الأرواح، فلا ينفع فيه هذا العلاج.
وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الأرواح ولا يقرون بأنها توثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطيبة ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط، هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها.
وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع: المرض الإلهي، وقالوا: إنه من الأرواح، وأما جالينوس وغيره، فتأولوا عليهم هذه التسمية، وقالوا: إنما سموه بالمرض الإلهي لكون هذه
العلة تحدث في الرأس، فتضر بالجزء الإلهي الطاهر الذي مسكنه الدماغ.
وهذا التأويل نشأ لهم من جهلهم بهذه الأرواح وأحكامها، وتأثيراتها، وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده.
ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم.
وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمر من جهة المصروع، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه، وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوذ
__________
(1) أخرجه البخاري 10 / 99 في المرض: باب من يصرع من الريح، من الريح، ومسلم (2265).
(*)(12/91)
الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لايتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحا في نفسه جيدا، وأن يكون الساعد قويا، فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعا: يكون القلب خرابا من التوحيد، والتوكل، والتقوى، والتوجه، ولا سلاح له.
والثاني: من جهة المعالج، بأن يكون فيه هذان الأمران أيضا، حتى أن من المعالجين من يكتفي بقوله: (اخرج منه).
أو بقول: (بسم الله)، أو بقول: (لاحول ولا قوة إلا بالله)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اخرج عدوالله أنا رسول الله) (1).
وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه، ويقول: قال لك الشيخ: اخرجي، فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب، فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا.
وكان كثيرا ما يقرأ في أذن المصروع: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) [ المؤمنون 115 ].
وحدثني أنه قرأها مرة أذن المصروع، فقالت الروح: نعم، ومد بها صوته.
قال:
فأخذت له عصا، وضربته بها في عروق عنقه حتى كلت يداي من الضرب، ولم يشك الحاضرون أنه يموت لذلك الضرب.
ففي أثناء الضرب قالت: أنا أحبه، فقلت لها: هو لا يحبك، قالت: أنا أريد أن أحج به، فقلت لها: هو لا يريد أن يحج معك، فقالت: أنا أدعه كرامة لك، قال: قلت: لا ولكن طاعة لله ولرسوله، قالت: فأنا أخرج منه، قال: فقعد المصروع يلتفت يمينا وشمالا، وقال: ما جاء بي إلى حضرة الشيخ ؟ قالوا له: وهذا الضرب كله ؟ فقال: وعلى أي شئ يضربني الشيخ ولم أذنب، ولم يشعر بأنه وقع به ضرب البتة.
وكان يعالج بآية الكرسي، وكان يأمر بكثرة قراءتها المصروع ومن يعالجه بها، وبقراءة المعوذتين.
وبالجملة فهذا النوع من الصرع، وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم، وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر، والتعاويذ، والتحصنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه، وربما كان عريانا فيؤثر فيه هذا.
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 170 - 172.
(*)(12/92)
ولو كشف الغطاء، لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأرواح الخبيثة، وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت، ولا يمكنها الامتناع عنها ولا مخالفتها، وبها الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة والمعانية، فهناك يتحقق أنه كان هو المصروع حقيقة، وبالله المستعان.
وعلاج هذا الصرع باقتران العقل الصحيح إلى الإيمان بما جاءت به الرسل، وأن تكون الجنة والنار نصب عينيه وقبلة قلبه، ويستحضر أهل الدنيا، وحلول المثلات والآفات بهم، ووقوعها خلال ديارهم كمواقع القطر، وهم صرعى لا يفيقون، وما أشد داء هذا الصرع، ولكن لما عمت البلية به بحيث لا يرى إلا مصروعا، لم يصر مستغربا ولا مستنكرا، بل صار لكثرة
المصروعين عين المستنكر المستغرب خلافه.
فإذا أراد الله بعبد خيرا أفاق من هذه الصرعة، ونظر إلى أبناء الدنيا مصروعين حوله يمينا وشمالا على اختلاف طبقاتهم، فمنهم من أطبق به الجنون، ومنهم من يفيق أحيانا قليلة، ويعود إلى جنونه، ومنهم من يفيق مرة، ويجن أخرى، فإذا أفاق عمل عمل أهل الإفاقة والعقل، ثم يعاوده الصرع فيقع في التخبط.
فصل وأما صرع الأخلاط، فهو علة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والانتصاب منعا غير تام، وسببه خلط غليظ لزج يسد منافذ بطون الدماغ سدة غير تامة، فيمتنع نفوذ الحس والحركة فيه وفي الأعضاء نفوذا تاما من غير انقطاع بالكلية، وقد تكون لأسباب أخر كريح غليظ يحتبس في منافذ الروح، أو بخار ردئ يرتفع إليه من بعض الأعضاء، أو كيفية لاذعة، فينقبض الدماغ لدفع المؤذي، فيتبعه تشنج في جميع الأعضاء، ولا يمكن أن يبقى الإنسان معه منتصبا، بل يسقط، ويظهر في فيه الزبد غالبا.
وهذه العلة تعد من جملة الأمراض الحادة باعتبار وقت وجوده المؤلم خاصة، وقد تعد من جملة الأمراض المزمنة باعتبار طول مكثها، وعسر برئها، لاسيما إن تجاوز في السن خمسا وعشرين سنة، وهذه العلة في دماغه، وخاصة في جوهره فإن صرع هؤلاء يكون لازما.
قال أبقراط: إن الصرع يبقى في هؤلاء حتى يموتوا.
إذا عرف هذا، فهذه المرأة التي جاء الحديث أنها كانت تصرع وتتكشف، يجوز أن يكون صرعها من هذا النوع، فوعدها النبي - صلى الله عليه وسلم - الجنة بصبرها على هذا المرض، ودعا لها(12/93)
أن لا تتكشف، وخيرها بين الصبر والجنة، وبين الدعاء لها بالشفاء من غير ضمان، فاختارت الصبر والجنة وفي ذلك دليل على جواز ترك المعالجة والتداوي، وأن علاج الأرواح بالدعوات
والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء، وأن تأثيره وفعله، وتأثر الطبيعة عنه وانفعالها أعظم من تأثير الأدوية البدنية، وانفعال الطبيعة عنها، وقد جربنا هذا مرارا نحن وغيرنا، وعقلاء الأطباء معترفون بأن لفعل القوى النفسية، وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب، وما على الصناعة الطبية أضر من زنادقة القوم، وسفلتهم، وجهالهم.
والظاهر أن صرع هذه المرأة كان من هذا النوع، ويجوز أن يكون من جهة الأرواح، ويكون رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - قد خيرها بين الصبر على ذلك مع الجنة، وبين الدعاء لها بالشفاء، فاختارت الصبر والستر، والله أعلم ].
الباب الثالث عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في علاج الغيراء
روى الطبراني في الكبير وابن السني في عمل اليوم والليلة بسند ضعيف عن ميمونة بنت أبي عسيب أن امرأة من جرش أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعير فنادت: يا عائشة أعينيني بدعوة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسكنني قالت: (ضعي يدك اليمني على فؤادك فامسحيه، وقولي: بسم الله، اللهم، داوني بدوائك واشفني بشفائك، وأغثني بفضلك عمن سواك وأحدر عني أذاك) (1).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 10 / 183 وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.
(*)(12/94)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الطب
الباب الأول في فوائد كالمقدمة للأبواب الآتية
وفيه أنواع: الأول: في ابتدائه:
روى البزار في مسنده والطبراني في الكبير وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: (أن نبي الله سليمان - عليه الطلاة والسلام - كان إذا قام يصلي رأى شجرة نابتة بين يديه، فيقول لها: ما اسمك ؟ فتقول: كذا، فيقول: لأي شئ أنت ؟ فتقول: لكذا، فإن كانت لداء كنت وإن كانت لغرس غرست) (1).
وروى الحاكم في المستدرك وصححه وابن مردويه من طريق سلمة بن كميل عن سعيد بن جبير عنه قال: (كان سليمان بن داود - عليهما الصلاة والسلام - إذا صلى الصلاة طلعت بين عينيه شجرة، فيقول لها: ما أنت ؟ فتقول أنا شجرة كذا وكذا، فيقول: لأي شئ طلعت ؟ فتقول: طلعت لكذا وكذا، فيؤمر بها فتزرع) (2).
وروى ابن مردويه من طريق علي بن بذيمة عن عكرمة عنه قال: (كان ينبت في مصلى سليمان بن داود - عليهما الصلاة والسلام - كل غداة شجرة، فيقول لها سليمان: ما أنت ؟ فتقول: أنا كذا وكذا، فيقول لها: لأي شئ تصلحين ؟ فتقول: لكذا وكذا فيعطيهما طباخه).
وروى أبو نعيم في الطب من طريق قتادة عن الحسن قال: (إن سليمان بن داود - عليهما الصلاة والسلام - لما فرغ من بناء بيت المقدس، وأراد الله قبضه، دخل المسجد فإذا أمامه في القبلة شجرة خضراء بين عينيه، فلما فرغ من صلاته تكلمت الشجرة فقالت: ألا تسألني، ما أنا ؟ فقال سليمان: ما أنت ؟ قالت أنا شجرة كذا وكذا، دواء كذاوكذا من داء كذا
__________
(1) ذكر الهيثمي في المجمع 8 / 210، 211 وقال: رواه الطبراني والبزار بنحوه مرفوعا وموقوفا.
وقال: وفيه عطاء وقد اختلط وبقية رجالهما رجال الصحيح.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك 4 / 198.
(*)(12/95)
وكذا، فأمر سليمان بقطعها، وكان كل يوم إذا دخل المسجد يرى شجرة قد نبتت، فوضع عند ذلك كتاب الطب الفيلسوفيون ووضعوا الأدوية وأسماء الأشجار التي نبتت في المسجد.
روى البيهقي - بإسناد ضعيف - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - مرفوعا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة، وإذا سقمت المعدة صدرت العروق بالسقم.
تنبيه: أخرج البيهقي من طريق أرطأة قال: اجتمع رجال من أهل الطب عند ملك من الملوك، فسألهم ما رأس دواء المعدة ؟ فقال كل رجل منهم قولا وفيهم رجل ساكت فلما فرغوا قال: ما تقول أنت ؟ قال: ذكروا أشياء وكلها تنفع بعض النفع، ولكن ملاك ذلك ثلاثة أشياء: لا تأكل طعاما أبدا إلا وأنت تشتهيه، ولا تأكل لحما يطبخ لك حتى يتم إنضاجه، ولا تبتلع لقمة حتى تمضغها مضغا شديدا لا يكون على المعدة فيها مؤونة.
وروى البيهقي عن إبراهيم بن علي الذهلي قال: (أخرج من جميع الكلام أربعة آلاف كلمة، وأخرج منها أربعمائة كلمة، وأخرج منها أربعون كلمة، وأخرج منها أربع كلمات، أولهن لا تثقن بالنساء والثانية: لا تحمل معدتك ما لا تطيق، والثالثة: لا يغرنك المال، والرابعة: يكفيك من العلم ما ينتفع به.
والأمور الطبيعية سبعة: إحداها: الأركان، وهي أربعة: النار وهي حارة يابسة باردة.
الثاني: المزاج، وأقسامه تسعة وهي منقسمة إلى: معتدل، وغير معتدل.
فالمعتدل: واحد.
وغير المعتدل: إما مفرد، وهو أربعة: حار، وبارد ورطب ويابس.
وإما مركب وهو أربعة أيضا: حار يابس، وحار رطب، وبارد يابس، وبارد رطب.
وأعدل أمزجه الحيوان مزاج الإنسان، وأعدله مزاج المؤمنين، وأعدله مزاج الأنبياء، وأعدله مزاج المرسلين، وأعدله مزاج أولي العزم، وأعدل أولى العزم مزاجا مزاج محمد - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين وذلك أن من فوائد الأطباء أن أخلاق النفس تابعة لمزاج البدن، فكلما كان أعدل كانت أخلاق النفس أحسن.
إذا علم ذلك فالحق - سبحانه وتعالى - قد شهد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه على خلق عظيم، وقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: (كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن).
فلزم من ذلك أن مزاجه - صلى الله عليه وسلم - أعدل الأمزجة، وإذا كان كذلك كان خلقه أحسن(12/96)
الأخلاق، والشباب أعدل، والصبيان أرطب، والكهل والشيخ أبرد، وأعدل الأعضاء مزاجا جلد أنملة السبابة، ثم جلد الأنامل.
وأحر الأعضاء القلب ثم الكبد ثم اللحم.
قال وهب بن منبة: ومن قدرته تعالى ولطفه جعل عقله في دماغه، وسره في كليته وغضبه في كبده وصرامته في قبله وصحته في طحاله وحزنه وفرحه في وجهه، وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا، وأبردها العظم ثم العصب ثم النخاع ثم الدماغ، وأيبسها العظم،.
أرطبها السمين.
وثالثها: الأخلاط الأربعة، فإذا تساوت في الشخص اعتدل خلقه، فإذا غلب أحدهم سمي الشخص باسم ما يغلب عليه منها، فيقال لصاحب الدم - وهو أفضلها - وهو رطب حار دموي.
وفائدته: تغذية البدن الطبيعي ومنه يتولد عنه حمرة العينين والرمد والجدري والدماميل والأورام الرخوة وأمراض أخر ثم البلغم، وهو رطب بارد.
فائدته أن يستحيل دما إذا فقد البدن الغذاء وأن يرطب الأعضاء لئلا تجففها الحركة.
والطبيعي منه: ما قارب الاستحالة إلى الدموية.
وغير الطبيعي منه: المالح، ويميل إلى حرارة، والحامض ويميل إلى البرد والمشيخ وهو خالص البرد ويتولد منه البرص، والفالج، والحمى المطبقة، وأمراض أخر ثم الصفراء وينصب جزء منها إلى الأمعاء، فينبه على خروج البخر.
والطبيعي منها: أحمر خفيف.
وغير الطبيعي: فالمخي والكداني والزنجاني والاحتراقي وهو في الزنجاري أقوى من
الكداني، فلذلك، ينذر بالموت، وتسمي المرة الصفراء وينشأ عنه الصداع واليرقان الأصفر، والأورام الصفيراء، وحمى الغب، وأمراض أخر، ثم السوداء وهي يابسة باردة، وهي تغلظ الدم، وتغذي الطحال والعظام، وينصب جزء منها إلى فم المعدة، فينبه على الجوع لحموضتها.
والطبيعي منها: ردئ الدم.
وغير الطبيعي: يحدث عن احتراق أي خلط كان، ويسمي المرة السوداء، وينشأ عنها الجذام والجرب والحكة والفالج والسكتة وحمى الثلث.
ورابعها: الأعضاء الأصلية، وهي تتولد من المني.
وخامسها: الأرواح.
وسادسها: القوي، وهي ثلاث: الطبيعية، والحيوانية، والنفسانية.(12/97)
وسابعها: الأفعال، وهي الجذب والدفع.
وأحوال بدن الإنسان ثلاثة: الصحة، والمرض وحالة لا صحة ولا مرض كالناقة، وهو الذي برئ من مرضه ولم يرجع لحالته الأولى، والشيخة فالصحة هيئة بدنية تكون الأفعال معها سليمة، فالعافية أفضل ما أنعم الله على الإنسان بعد الإسلام، إذ لا يتمكن الإنسان من حسن تصرفه والقيام بطاعة ربه إلا بوجودها، ولا مثل لها فليشكرها العبد ولا يكفرها.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) (1) رواه البخاري.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: (سلوا الله، العفو والعافية، فإنه ما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من معافاة) (2) رواه النسائي.
وعنه - صلى الله عليه وسلم -: (ما سئل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية) (3) رواه الترمذي.
وسأل أعرابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ما أسال الله بعد الصلوات ؟ قال: (سل الله العافية).
وفي حكمة داود - عليه الصلاة والسلام -: (العافية ملك خفي وغم ساعة هزم سنة).
وقيل العافية تاج على رؤوس الأصحاء، لا يبصرها إلا المرضي.
وقيل: العافية نعمة مغفول عنها.
وكان بعض السلف يقول: كم الله من نعمة تحت كل عرق ساكن، اللهم، ارزقنا العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
والمرض: حالة مضادة للصحة يخرج بها الجسم عن المجرى الطبيعي، وكل مرض له ابتداء فيزيد، وانحطاط وانتهاء، والأسباب ستة: أحدها: الهواء، ويضطر إليه لتعديل الروح، فما دام صافيا لا يخالطه نتن وريح خبيثة، كان حافظا للصحة، فان تغير حكمه، وكل فصل فانه يورث الأمراض المناسبة له ويزيل المضادة له، فالصيف يثير الصفراء، ويوجب أمراضها، ويبرئ الأمراض الباردة، والهواء البارد يشد البدن ويقويه، ويجيد الهضم، والحار بالضد، وعند تغير الهواء يكون الوباء.
__________
(1) أخرجه البخاري 11 / 229 (6412).
(2) أخرجه النسائي في السنن الكبرى 6 / 220.
(3) أخرجه الترمذي 5 / 500 (3515).
(*)(12/98)
والثاني: ما يؤكل ويشرب، فإن كان حارا أثر في البدن حرارة وبالضد.
والثالث: الحركة والسكون البدنيان، فالحركة تؤثر في البدن تسخينا، والسكون بالضد.
والرابع: الحركة والسكون النفسانيان، كما في القبض والفرح والهم والغم والخجل، فإن هذه الأحوال تحصل بحركة الروح، إما إلى داخل البدن، وإما إلى خارجه.
والخامس: النوم واليقظة، فالنوم يغور الروح إلى داخل البدن، فيبرد الظاهر ولذلك يحتاج النائم إلى الدثار، واليقظة بالضد.
والسادس: الاستفراغ والاحتباس.
فالمعتدل منهما نافع حافظ للصحة ولعق الإناء يعيق على الهضم ويفتق المعدة.
الثالث: في كيفية تولد الأخلاط فالغذاء إذا ورد على المعدة استحال فيها إلى جوهر شبيه بماء الكشك الثخين، ويسمى كيلوجا وينجذب الصافي منه إلى الكبد، فينطبخ فيه، ويحصل منه شئ كالرغوة، وشئ كالرسوب، وقد يكون معهما شئ محترق، إن أفرط الطبخ، وشئ فج إن قصر الطبخ، فالرغوة هي الصفراء الطبيعية والرسوب السوداء الطبيعية، والمحترق صفراء غير طبيعية، وكثيفة سوداء غير طبيعية.
والفج هو: البلغم، والمتصفي من هذه الجملة نضجا هو الدم، فإذا انفصل هذا الدم عن الكبد تصفى أيضا عن ما فيه فضلته فينجذب إلى عرق نازل إلى الكليتين، ومعها جزء من الدم بقدر غذاء الكليتين، فتغذوهما ويندفع بقيتها إلى المثانة والإحليل، وأما الدم الحسن القوام فيندفع إلى العرق الأعظم الطالع من حدبة الكبد، فيسلك في الأوردة المتشعبة منه ثم في جداول الأوردة ثم في سواقي الجداول ثم في رواضع السواقي ثم في العروق الليفية الشعرية ثم يرشح فوهاتها في الأعضاء بتقدير العزيز الحكيم.
والغداء جسم من شأنه أن يصير جزءا من بدن الإنسان.
روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما نبت من سحت فالنار أولى به).
والأعضاء: أجسام تتولد من أول مزاج الأخلاط كما أن الاخلاط أجسام متوكدة من أول مزاج الأركان والأعضاء مفردة: كاللحم والعظم والعصب.
ومركبة: كالوجه واليدين.
وأول الأعضاء المتشابهة الأجزاء: العظم، وقد خلق صلبا، لأنه أساس البدن، ودعامة الحركة، ثم الغضروف وهو أصلب من سائر الأعضاء، ومنفعته: أن يحسن اتصال العظام(12/99)
بالأعضاء اللينة، ثم الأعصاب وهي أجزاء دماغية المنبت، أو نخاعية في الهواء والمنبت بيض
لدنه لينة في الانعطاف، صلبة من الانفصال، خلقت ليتم بها للأعضاء الإحساس والحركة، ثم الأوتار وهي أجسام نبتت من أطراف العضل شبيهة بالعصب، ثم الرباطات وهي أجسام شبيهة بالعصب، ثم الشريانات وهي أجسام نابتة في القلب، ممتدة مجوفة طولا، عصبانية رباطية الجوهر، ثم الأوردة وهي شبيهة بالشريانات، لكنها نابتة من الكبد، ثم الأغشية وهي أجسام منتسجة من ليف عصباني غير محسوس، ثم اللحم وهو حشم جلل، وعليه وضع هذه الأعضاء في البدن وقوتها، ثم من الأعضاء ما هو قريب المزاج من الدم فلا يحتاج الدم في تغذيته إلى أن ينصرف في استحالات كثيرة، ومنها ما هو بعيد المزاج عنه، فيحتاج الدم في أن يستحيل إليه إلى أن يستحيل أولا استحالات متدرجة إلى مشاكلة جوهره كالعظم.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ينفخ فيه الروح.
قال في المنهج السوي: واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر.
وروي فيه عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما -: (أن خزيمة بن حكيم السلمي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قرار ماء الرجل وماء المرأة ؟ وعن ما للرجل من الولد وما للمرأة ؟ وعن موضع النفس من الجسد ؟ وعن شراب المولود في بطن أمة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما ما للرجل من الولد وما للمرأة، فإن للرجل العظام والعروق والعصب، وللمرأة اللحم والدم والشعر، وأما قرار ماء الرجل فإنه يخرج ماؤه من الإحليل، وهو عرق يجري [ من ظهره حتى يستقر قراره في البيضة اليسرى، وأما ماء المرأة فإن ماءها في الثرائبية يتغلغل لا يزال يدنو حتى تذوق عسيلتها، وأما موضع النفس ففي القلب، والقلب معلق بالنياط والنياط تسقي العروق، فإذا هلك القلب انقطع العرق، وأما شراب المولود في بطن أمه، فإنه يكون نطفة أربعين ليلة ثم علقة أربعين ليلة ومشيجا أربعين ليلة ونجيشا أربعين ليلة ثم مضغة أربعين ليلة ثم العظم حبيكا أربعين ليلة ثم جنينا، فعند ذلك يستهل وينفخ فيه الروح وتجلب عليه عروق الرحم ].
قال الخطابي: اعلم أن الطب على نوعين: الطب القياسي: وهو طب يونان الذي يستعمل في أكثر البلاد.
وطب العرب والهند: وهو طب التجارب، وأكثر ما وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو على مذهب العرب، إلا ما خص به من العلم النبوي من طريق الوحي، فإن ذلك يخرق كل ما تدركه(12/100)
الأطباء، وتعرفه الحكماء، وكل ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصواب، عصمه الله أن يقول إلا صدقا حقا.
وقال ابن القيم في الهدي: كان علاجه - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أنواع: أحدها: بالأدوية الطبيعية.
والثاني: بالأدوية الإلهية.
والثالث: بالمركب من الأمرين، ثم قال: كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ولكن لم يكن من هدية - صلى الله عليه وسلم - ولا هدي أصحابه - رضي الله تعالى عنهم - فعل هده الأدوية المركبة، التي تسمى أقرباذين، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات، وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه أو يكسر سورته، وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والترك وأهل البوادي قاطبة، وإنما عنى بالمركبات الروم واليونان، وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب.
قالوا: وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية، لم يحاول دفعه بالأدوية.
قالوا: ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية، فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء حلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه، فزادت كميته عليه، أو كيفيته، تشبت بالصحة، وعبث بها، وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالبا، وهم أحد فرق الطب الثلاث، والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية، فالقوم الذين غالب أغذيتهم المفردات،
أمراضهم قليلة جدا، وطبهم بالمفردات، وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة، وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة، فالأدوية المركبة أنفع لها، وأمراض أهل البوادي والصحاري مفردة، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة، فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية.
ونحن نقول: إن هاهنا أمرا آخر، نسبة طب الأطباء إليه كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم، وقد اعترف به حذاقهم وأئمتهم فإن ما عندهم من العلم بالطب إما قياس، وإما تجربة، وإما إلهامات ومنامات وحدس صائب، وإما مأخوذ من الحيوانات، كما نشاهد السنانير إذا أكلت ذوات السموم تعمد إلى السراج فتلغ من الزيت تتداوى به، وكما رؤيت الحيات إذا خرجت من بطون الأرض وقد غشيت أبصارها تأتي إلى ورق الرازيانج، فتمر عيونها عليها، وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضره فنسبة ما عند الأطباء من الطب إلى هذا الوحي كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -(12/101)
وقال (1) الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تلخيص المستدرك: تشريع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه يدخل فيه كل الأمة إلا أن يخصه يدل دليل، وتطبيبه لأصحابه وأهل أرضه خاص بأرضهم وطباعهم إلا أن يدل على التعميم الرابع: وقد نهى عن الجمع بين السمك واللبن والخس والسمك، والثوم والبصل، والقديد والطري، والحامض والحريف، وسماق وخل وأرز والعنب والروس المغمومة والرمان والهريسة وبين غذاءين باردين أو حارين أو منفخين وينبغي أن يتجنب الخل والدهن إذا باتا تحت إناء نحاس وكذلك الجبن والشواء والطعام الحار إذا كن في خبزه أو غيره، وكذلك يتجنب الطعام المنشوف، والماء المكشوف، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء من السماء، لا يصادف إناء مكشوفا إلا وقع فيه من ذلك الوباء وقال - صلى الله عليه سلم -: (غطوا الإناء وأوكئوا الأسقية
لئلا يسقط فيه حيوان سمي فيقتل آكله أو شاربه).
رواه مسلم.
(ومن أكل البصل أربعين يوما فكلف وجهه فلا يلومن إلا نفسه.
ومن اقتصد فأكل مالحا فأصابه بهق أو جرب فلا يلومن إلا نفسه.
ومن أكل البيض والسمك معا ففلج فلا يلومن إلا نفسه.
ومن شبع ودخل الحمام ففلج فلا يلومن إلا نفسه.
[ ومن احتلم فلم يغتسل حتى جامع فولد له مجنون أو مختل فلا يلومن إلا نفسه ].
(2) ومن نظر في المرآة ليلا فأصابته لقوة فلا يلومن إلا نفسه.
ومن أكل الأترج ليلا فانحول فلا يلومن إلا نفسه.
وروى أنس وابن مسعود - رضي الله تعالى عنهما - عن النبي - صلى الله عليه سلم - قال: (أصل كل داء البردة) (3) وهي التخمة، لأنها تبرد حرارة الشهوة، فينبغي الاقتصار على الموافق للشهوة بلا إكثار منه، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن بها صلبه للكسب والعمل، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) (4) رواه النسائي والترمذي وقال حسن صحيح، والشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول.
__________
(1) في أ وروى.
(2) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(3) ذكره المتقي الهندي في الكنز (28075).
(4) أخرجه الترمذي (2380).
(*)(12/102)
قال - عليه الصلاة والسلام -: (المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء).
ونهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الطعام الثخن.
الخامس: في كثرة أمراضه إذا لم يطل مكثه في المصانع.
روى أبو نعيم - في الطب - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على نهر من ماء السماء في يوم صائف، والمشاة كثير، والناس صيام، فقال: (أيها الناس، اشربوا).
وقد نهى - عليه الصلاة والسلام - عن الماء المشمس، فقد روى أبو نعيم - في الطب - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (سخنت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ماء في الشمس، فقال: لا تفعلي يا حميراء، فإنه يورث البرص) (1).
ومياه السباخ يتولد منها الأمراض البلغمية، وبلدانها وبيئة.
روى أبو نعيم - في الطب - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، قدمها وهي أوبأ أرض الله تعالى وكانت بطحاؤه تجري نجلا فوعك أبو بكر وبلال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم، بارك لنا في صاعنا ومدنا وصححها لنا وانقل حماها إلى الجحفة (2).
والماء العذب في الاغتسال أنفع من المالح، لأنه ينقي البدن والملح يورث الجرب.
روى أبو نعيم - في الطب - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مثل الصلوات الخمس كمثل نهر عذب جار أو غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، ماذا يبقين عليه من درنه ؟) (3)، وكثرة الاغتسال بالماء مما يتغير منه اللون ويسحب منه الجلد.
وروى الحاكم وصححه عن صهيب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا إن سيد الأشربة في الدنيا والآخرة الماء، وأنفع الماء ما كان مصا ويقطعه على ثلاثة مرات) (4).
وروى أبو نعيم - في الطب - عن شهر قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستاك عرضا، ويشرب مصا ويقول: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ).
__________
(1) انظر إرواء الغليل 1 / 50.
(2) أخرجه البخاري (1889).
(3) أخرجه أحمد 2 / 426.
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك 4 / 138.
(*)(12/103)
وروى فيه عن أنس قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا شرب تنفس وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ) (1).
وفيه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تنفسوا في الإناء فإنه أهنأ وأمرأ وأبرأ) (1).
وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتنفس في الإناء ثلاثا إذا شرب ويقول: (هو أمرأ وأروى وأبرأ).
وأجود الأواني للشرب ما يظهر كل ما فيه من القذى وغيره وفيه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا شرب قطعه ثلاثة أنفاس، يسمي إذا بدأ ويحمد إذا قطع.
ونبيذ الزبيب يخصب البدن بسرعة وكان أحب الأشربة إليه - عليه الصلاة والسلام.
الحلو البارد (2)، كما رواه أبو نعيم - في الطب - والترمذي والحاكم - وصححه - والبيهقي في شعب الإيمان.
ورواه ابن السني، والبيهقي في الشعب - عن ابن عباس، والبيهقي عن الزهري: أنه - عليه الصلاة والسلام - سئل أي الشراب أطيب ؟ فقال: الحلو البارد (3).
وروى الثعلبي في تفسيره عن أنس - مرفوعا -: (إذا شرب أحدكم الماء فليشرب أبرد ما يقدر عليه، لأنه أطيب للمعدة وأنفع للعلة، وأبعث للشكر).
وروى عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء والعسل وقد رواه عنها وقالت: إنه يسرو عن فؤادي ويجلو لي عن بصري، وإذا شرب بعد الطعام دفع
مفسدة الأغذية.
وعن عبد الله بن فيروز الديلمي قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إنا أصحاب أعناب كرم، وقد نزل تحريم الخمر، فماذا نصنع بها ؟ قال: تصنعونها زبيبا، قالوا: يا رسول الله، فنصنع بالزبيب ماذا ؟ قال: تنقعونه على غذائكم، وتشربونه على عشائكم، وتنقعونه على عشائكم وتشربونه على غذائكم) (4).
__________
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل 2 / 325.
(2) أخرجه الترمذي (1895).
(3) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 5 / 97.
(4) ذكره المتقي الهندي في الكنز (13857).
(*)(12/104)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا تؤخروه حتى يشتد ولا تجعلوه في القلال ولا في الدبا، واجعلوه في الشنان فإنه إن أخر عن عصره صار خلا) رواه أبو نعيم - في الطب -.
ونبيذ التمر رخيم غليظ ويولد دما جيدا، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخلط الزهو والتمر، وعن خلط الزبيب والتمر، وقال: (انتبذوا كل واحد منهما على حدته في الأسقية التي يلان على أفواهها، فإذا خشيتم أن يشتد عليكم فأكثروا يبسته بالماء).
رواه أبو نعيم - في الطب -.
والزبيب يعد غذاء صالحا، وأكله على الريق ينفع عللا كثيرا، وينبغي أن لا يكثر أكله على الريق إلا مقدار ما لا يتخمر، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل سبع تمرات أو سبع زبيبات، رواه أبو نعيم - في الطب -.
فائدة: قال ابن عباس (1) - في قوله تعالى -: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) [ إبراهيم 25 ] هو شجر جوز الهند، يحمل في كل شهر لا يتعطل من الثمر.
والبلح الأخضر بارد يعتقد البطن، فإذا أكل بالتمر كان أقل ضررا.
والبسر الأحمر والأصفر معتدل، فيه شئ من الحرارة.
ونبيذة يقال له الفضيخ والرطب يلطخ المعدة.
وروى أبو نعيم - في الطب - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت إذا أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرطب أكل المعذق وترك المذنب، ويؤكل مع غيره، ليذهب ثلمته، فقد كان - عليه الصلاة والسلام - يأكله بالقثاء والبطيخ.
وقال - عليه الصلاة والسلام - لعائشة - رضي الله تعالى عنهما -: أنت أطيب من اللبإ بالتمر.
وقرب إليه - عليه الصلاة والسلام - شئ من سمسم وشئ من تمر، حتى إذا أكل وأراد أن يقول دعا له، وأطعم سعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمرا بكسب وأتاه بقدح من لبن فشرب منه.
وأجود أجناس التمر: البرني فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (خير تمراتكم البرني)، يذهب بالداء، ولا داء فيه.
وأكله بالقثاء يخصب البدن، فقد قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: (لما تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عالجتني أمي بكل شئ فلم أسمن، فأطعمتني القثاء والرطب فسمنت كأحسن السمن.
وأنفع تمر الحجاز العجوة.
ولحم الكتف والذراعين مثل لحمه الرقبة في سرعة
__________
(1) ذكره السيوطي في الدر المنثور 4 / 145.
(*)(12/105)
الانهضام والرطوبة للفضلة والزوجة، وكذا لحم المقدم أجود وأرطب من لحم العجز وما والاها، والعضد والذراع وغيره من الأطراف يسهل الطبيعة، وينفع من السعال المتولد من الحرارة.
والأحمر من لحم الظهر كثير الغذاء.
وأطيب ما في الأرانب المتن والأركان، وأجود ما يؤكل من الأرنب مشويا يبسان.
ولحم الدجاج يولد دما جيدا، ويزيد في المني، وقد أكله - عليه الصلاة والسلام - كما
رواه أبو نعيم - في الطب.
ولحم الطيور الجبلية شديدة الإسخان تولد دما سوداويا، وقد أكل - عليه الصلاة والسلام - لحم حباري، رواه أبو نعيم في الطب ولحم القبج مسكن للبطن قوي الإغذاء، وهو الحجل.
وقد أهدي إليه - عليه الصلاة والسلام - حجل مشوي فجبذه وصاغه، فقال: (اللهم، ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا، فدخل علي - رضي الله تعالى عنه -) (1) رواه أبو نعيم - في الطب -.
ولحم العصافير حارة تهيج الباءة.
وإذا أديم أكل لحم الضب سخن البدن، ويتعالج بأكله للسمنة.
والجراد إذا أديم أكله هزل البدن، وأحمد ما أكل منه ما قلي وجفف.
تنبيهات الأول: الأمراض نوعان: أمراض مادية: تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أخرت أفعاله الطبيعية، وهي الأمراض الأكثرية، وسببها: إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية القليلة النفع البطيئة الهضم، والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة، وإملاء الآدمي بطنه من هذه الأغذية، واعتيادة ذلك، أورثته أمراضا متنوعة، فإذا توسط في الغذاء، وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلا في كميته وكيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.
ومراتب الغذاء ثلاث:
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 130.
(*)(12/106)
أحدها: مرتبة الحاجة.
والثانية: مرتبة الكفاية.
والثالثة: مرتبة الفضلة، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطن، ويدع الثلث الآخر للماء، والثلث للنفس، وهذا أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلا من الطعام، ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب، ضاق عن النفس، وعرض عليه الكرب والتعب بحمله، بمنزلة حامل الحمل الثقيل، والشبع المفرط يضعف القوى والبدن، وإنما يقوي البدن بحسب ما يقل من الغذاء لا بحسب كثرته، ومن تأمل هدية - صلى الله عليه وسلم - وجده أفضل هدي لحفظ الصحة، فإن حفظها موقوف على حسن تدبير المعطم والمشرب والملبس والمسكن والهواء والنوم واليقظة والحركة والسكون والمنكح والاستفراغ والاحتباس.
الثاني: كان - عليه الصلاة والسلام - إذا عاف طعاما يأكله، ولم يكره نفسه عليه، وهذا أصل عظيم في حفط الصحة، وكان يحب اللحم، ويحب من الذراع، لأنه أخف على المعدة، وأسرع انهضاما، وكذلك لحم الرقبة والعضد، وكان يحب الطواء والعسل، وهذه الثلاثة من أفضل الأغذية وأنفعها للبدن، والكبد والأعضاء وللاغتذاء بها نفع عظيم في حفظ الصحة والقوة، ولا ينفر منها إلا من به علة أو آفة، وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها، ولا يحتمي عنها، وهذا أيضا من أكبر أسباب حفظ الصحة، فإن الله - تعالى - بحكمته جعل في كل بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها في وقته، فيكون تناوله من أسباب صحتهم وعافيتهم ويغني عن كثير من الأدوية إذا لم يسرف في تناولها ولم يفسد بها الغذاء قبل هضمه ولا أفسدها بشرب الماء عليها، وتناول الغذاء بعد التخلي منها فمن أكل منها ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي كانت له دواء نافعا، وقل من احتمى عن فاكهة بلده خشية السقم إلا وهو أسقم الناس وأبعدهم من الصحة والقوة.
ولم يأكل طعاما في وقت شدة حرارته، ولا طبيخا بايتا يسخن له بالغد، ولا جمع قط بين غذاءين، وكان يأكل متوركا على ركبتين، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى، وهذه الهيئات أنفع هيئات الأكل وأفضلها، لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها
الطبيعي وأردأ الجلسات للأكل الاتكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطعام على هيئته، ويعوقه عن سرعة تعوده إلى المعدة، ولذا قال - عليه الصلاة والسلام -: (لا آكل متكئا) رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، فإنه يمنع مجرى الطعام ويعوقه على سرعة نفوذه إلى المعدة وقد نهى عن الأكل منبطحا عن ابن عمر والحاكم عن علي.(12/107)
الثالث: قال ابن القيم: وأما هدية - عليه الصلاة والسلام - في الشراب فمن أكمل هدي يحفظ به الصحة، فإن الماء إذا جمع وصفي مع الحلاوة والبرودة كان من أنفع شئ للبدن، ومن أكبر أسباب الصحة، وللأرواح والقوى والكبد والقلب عشق شديد له واستمداد منه والماء البارد رطب يقمع الحرارة ويحفظ على البدن رطوبته الأصلية، ويرد عليه بدل ما تحلل منها، ويرقق الغذاء وينفذه في العروق وإذا كان باردا أو خالطه ما يحليه كالعسل أو الزبيب أو التمر أو السكر كان من أنفع ما يدخل البدن ويحفظ عليه صحته، والماء الفاتر ينفخ ويفعل ضد هذه الأشياء، والبائت أنفع من الذي يشرب وقت استقائه، فإن الماء البائت بمنزلة العجين الخمير، والذي يشرب لوقته بمنزلة الفطير.
وكان من هديه - عليه الصلاة والسلام - الشرب قاعدا، لأن في الشرب قائما آفات عديدة، [ منها أنه لا يحصل به الري التام، ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء ] (1) فينزل بسرعة واحدة إلى المعدة فيخشى منه أن يبرد حرارتها، ويسرع النفوذ إلى أسافل البدن بغير تدريج، وكل هذا يضر بالشارب، وأما الشرب منبطحا فالأطباء تكاد تحرمه ويقولون لأنه يضر بالمعدة.
وكان من هدية - صلى الله عليه وسلم - أنه يشرب في ثلاث أنفاس، وفي هذا الشرب حكم جمة وفوائد مهمة، وقد نبه - عليه الصلاة والسلام - على مجامعها لقوله إنه أروى وأمرأ وأبرأ.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يشرب نقيع التمر يلطف به كيموسات الأغذية الشديدة، وله نفع عظيم في زيادة القوة وحفظه الصحة.
وكان يشرب اللبن خالصا تارة ومشوبا بالماء أخرى وله أخري وله نفع عظيم في حفظ الصحة، وترطيب البدن، وري الكبد، ولا سيما اللبن الذي يرعي دوابه والقيصوم والخزامي وما أشبهها فإن لبنها غذاء من الأغذية، وشراب مع الأشربة، ودواء مع الأدوية.
وكان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد وفي هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدى إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء، فإن شربه ولعقه على الريق يذيب البلغم ويغسل خمل المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات ويسخنها، ويفتح سددها، ويفعل مثل ذلك بالكبد والكلى والمثانة وهو أنفع للمعدة من كل حلو دخلها وإنما يضر بالعرض لصاحب الصفراء لحدته ودفع مضرته بالخل، قوله (فإنه أروى): أشد ريا فأبلغه وأنفعه، وأبرأ: أفعل من البرء وهو الشفاء أن يبرأ من شدة العطش ودائه لتردده على المعدة الملتهبة دفعات فتسكن الدفعة الثانية ما
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في ج.
(*)(12/108)
عجزت الأولى عن تسكينه، والثالثة ما عجزت عنه الثانية، وأيضا، فإنه أسلم لحرارة المعدة وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد، وهلة واحدة، فيطفئ الحرارة الغريزية، ويؤدي إلى فساد مزاج المعدة والكبد، وإلى أمراض رديئة.
وقوله: (وأمرأ): بميم بعد الهمزة، أي: ألذ وأنفع، وقيل: أسرع انحدارا عن المرئ لسهولته وخفته عليه.
ومن آفات الشرب دفعة واحدة أنه يخاف منه الشرق، لأن الشارب إذا شرب تصاعد البخار الدخاني الحار الذي كان على القلب والكبد لورود الماء البارد عليه، فإذا أدام الشرب اتفق نزول الماء وصعود البخار، فيتدافعان ويتعالجان ومن ذلك يحدث الشرق ولا يهنأ الشارب ولا يتم ريه وقد علم بالتجربة أن ورود الماء على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (أصل الكباد من العب).
قال في المنهج السوي: الكباد بضم الكاف وتخفيف الباء.
وجع الكبد.
الرابع: في كثرة أمراضه.
روى ابن السني وأبو نعيم عن هشام عن عروة عن أبيه قال: (قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، وفي لفظ: يا خالة، إني لأفكر في أمرك وأتعجب، إني وجدتك عالمة بالطب، فمن أين ؟ قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما طعن في السن كثرت أسقامه، فوفدت إليه وفود العرب والعجم فتنعت له فكنا نعالجه) (1).
وروى ابن سعد عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا سقاما، وكانت العرب تنعت له فيتداوى بما تنعت له العرب فيتداوى).
وروى البيهقي وأبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعواذت) ومسح عنه بيده.
وروى مسلم عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى رقاه جبريل، بسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، وشر كل عين) (2).
وروى الخطيب عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى تقمح كفا من شونيز وشرب عليه ماء وعسلا (3).
وروى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 67.
(2) أخرجه مسلم 4 / 1718 (2185).
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 90 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف.
(*)(12/109)
مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات وروى الترمذي عن علي - رضي الله تعالى عنه.
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عادة عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف فيه.
وروى أبو داود والحاكم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من عاد مريضا لم يحضر أجله، فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن يشقيك.
وروى الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخلتم على المريض فوسعوا له في الأجل، فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب نفس المريض).
وروى الحاكم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا عاد أحدكم مريضا فليقل: اللهم، اشف عبدك ينكأ لك عدوا أو يمشي لك إلى الصلاة).
وروى أبو يعلى عن عثمان - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود مرضانا ويشهد جنائزنا.
وروى الحميدي برجال ثقات عن عبد الرحمن بن أزهر - رضي الله تعالى عنه - قال: (جرح خالد بن الوليد في يوم حنين، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام، وهو يقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد، فخرجت وأنا أسعى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأنا أقول: من يدل على رحل خالد، حتى أتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مستند إلى رحل، قد أصابته جراحة، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده، ودعا له نفث عليه (1).
وروى البخاري في الأدب وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس - رضى الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عاد مريضا جلس عند رأسه ثم قال سبع مرات: (أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك، فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه (2).
الخامس: في إرشاده - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يفعله العائذ وما له من الفضل.
روى ابن حبان والطبراني في الكبير وابن السني في عمل يوم وليلة والحاكم عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ضع يدك على المكان الذي تشتكي منه فامسح بها سبع مرات، *
__________
(1) أخرجه الحميدي في مسنده (897).
(2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (536).
(*)(12/110)
وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر كل ما أجد في كل مسحة) (1).
وروى ابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنها - قالت: خرج في عنقي خراج فتخوفت منه فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال (ضعي يدك عليه ثم قولي ثلاث مرات: بسم الله، اللهم، أذهب عني شر ما أجد بدعوة نبيك الطبيب المبارك، والمكين عندك، بسم الله).
وروى الطبراني في الكبير وابن السني في عمل يوم وليلة عن ميمونة بنت أبي عسيب - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ضعي يدك اليمنى على فؤادك فامسحيه وقولي: بسم الله، داوني بدوائك، واشفني بشفائك، واغنني بفضلك عمن سواك، وأحدر عني أذاك).
وروى البيهقي في الشعب عن واثلة: أن رجلا اشتكى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعا في حلقه، فقال: (عليك بقراءة القرآن) (2).
وروى أبو داود عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من اشتكى منكم شيئا، أو اشتكى أخ له، فليقل: ربنا الله الذي في السماء [ تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين ] (3)، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ) (4).
وروى الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخلتم على المريض، فنفسوا له في أجله، فإن ذلك لا يرد شيئا، وهو يطيب نفس المريض) (5).
وروى الحاكم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا عاد أحدكم مريضا، فليقل: اللهم، اشف عبدك ينكأ لك عدوا، أو يمشي لك إلى الصلاة) (6).
وروى الطبراني في الأوسط عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 1 / 343.
(2) أخرجه البيهقي في الشعب 2 / 519.
(3) سقط في ج.
(4) أخرجه أبو داود 4 / 218 (3892).
(5) أخرجه الترمذي 4 / 356 (2087).
(6) أخرجه الحاكم 1 / 344.
(*)(12/111)
قال: (عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم، فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور) (1).
وروى البغوي في مسند عثمان عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (عودوا المريض، واتبعوا الجنائز والعيادة غبا أو ربعا، إلا أن يكون مغلوبا فلا يعاد، والتعزية مرة) (2).
وروى الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي عن أبى سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (عودوا المريض، واتبعوا الجنازة تذكركم الآخرة).
وروى الطبراني في الكبير عن سلمى امرأة أبي رافع قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات).
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على مريض يعوده قال: (طهور إن شاء الله).
وروى مسلم عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع) (3).
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن السني والطبراني في الكبير والحاكم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا جاء الرجل يعود مريضا فليقل: اللهم، اشف عبدك فلانا، ينكأ لك عدوا، أو يمشي لك إلى الصلاة)..وروى ابن ماجه عن رافع بن خديج - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اكشف الباس، رب الناس، إله 1 الناس).
وروى الخرائطي في مكارم الأخلاق عن عائشة - رضي الله تعالى عنهما - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اكشف الباس رب الناس، لا يكشف الكرب غيرك) (4).
وروى أبو داود والنسائي عن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اكشف الباس رب الناس).
وروى الترمذي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألفا حتى يمسي، وإن عادة عشية إلا صلى عليه سبعون ألفا حتى يصبح وكان له خريف في الجنة) (5).
وروى أبو داود والحاكم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن *
__________
(1) ذكره المتقي الهندي في الكنز (25147).
(2) ذكره المتقي الهندي في الكنز (25148).
(3) أخرجه مسلم كتاب البر والصلة باب عيادة المريض 4 / 1989 (40 - 2568).
(4) أخرجه الخرائطي في مكارم الاخلاق 2 / 969.
(5) أخرجه الترمذي 3 / 301 (969) (*).(12/112)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عاد مريضا لم يحضر أجله، فليقل عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض) (1).
وروى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عاد مريضا، أو زار أخا له في الله ناده مناد أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا) (2).
وروى البزار برجال الصحيح عن الأعمش قال: سمعت حيان بن جد بن أبجر الأكبر
يقول: (دع الدواء ما احتمل جسدك الداء) (3).
وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته فيسأله كيف هو، وتمام تحيتكم بينكم المصافحة) (4).
وروى ابن ماجه وابن السني في عمل يوم وليلة عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك، فإن دعاءه كدعاء الملائكة).
السادس: في عيادته - صلى الله عليه وسلم - بعض المنافقين.
روى الإمام أحمد وأبو داود عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: (دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه، فلما دخل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرف فيه الموت، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد كنت أنهاك عن حب يهود، فقال: فقد أبعضهم أسعد بن زرارة، فمات) (5).
السابع: في عيادته - صلى الله عليه وسلم - بعض أهل الكتاب.
روى البخاري وأبو داود عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرض، فعاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد عند رأسه فقال: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: (الحمدلله الذي أنقذه من النار).
وروى مسلم عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (عائد
__________
(1) أخرجه أبو داود (3106).
(2) أخرجه الترمذي (2008).
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 89 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(4) أخرجه أحمد 5 / 260.
(5) أخرجه أحمد 5 / 201.
(*)(12/113)
المريض في مخرفة الجنة حتى يرجع).
وروى الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عائد المريض يخوض في الرحمة، فإذا جلس عنده غمرته الرحمة.
ومن تمام عيادة المريض أن أحدكم يده على وجهه، أو على يده، فيسأله كيف هو، وتمام تحيتكم بينكم المصافحة) (1).
وروى البيهقي في الشعب عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عاد رجلا على غير الإسلام جلس عنده، وقال: كيف أنت يا يهودي، كيف أنت يا نصراني،) بدينه الذي هو عليه (2).
وصار كثير من الناس يعتمده.
تنبيه: لم يكن - صلى الله عليه وسلم - يخص يوما من الأيام بعيادة المريض، ولا وقتا من الأوقات فترك العيادة يوم السبت مخالفة للسنة ابتدعها يهودي طبيب لملك قد مرض، وألزمه بملازمته، فأراد يوم الجمعة أن يمضي لسبته فمنعه فخاف على استحلال سبته، ومن سفك دمه، فقال: إن المريض لا يدخل عليه يوم السبت، فتركه الملك، ثم أشيع عليه ذلك.
لكن روى ابن أبي داود عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أيما رجل عاد مريضا فإنما يخوض في الرحمة، فإذا قعد عند المريض غمرته الرحمة، فقيل له: هذا للصحيح، فما للمريض ؟ قال: تحط عنه ذنوبه) (3).
وروى ابن ماجه والبيهقي في الشعب، وقال: إسناده غير قوي عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث).
الثامن: في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إكراه المريض على التداوي، وعلى الطعام وأمراه بإطعامه ما اشتهاه روى البزار والحاكم والطبراني برجال ثقات غير الوليد بن عبد الرحمن بن عوف
فيحرر حاله عن عبد الرحمن بن عوف، والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجة، والحاكم، والطبراني في الكبير والبيهقي عن عقبة بن عامر، والشيرازي في الألقاب، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تكرهوا مرضاكم على الطعام، فإن الله يطعمهم ويسقيهم).
ورواه أبو نعيم في الطب - عن ابن عمر وعقبة بن عامر.
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 268.
(2) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 6 / 547.
(3) أخرجه أحمد 3 / 255.
(*)(12/114)
وروى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: [ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلا من الأنصار، فقال: أتشتهي شيئا ؟ قال: نعم، خبزا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للقوم: من كان عنده شئ من الخبز البر، فليأتني به، فجاء رجل بكسرة فأطعمه إياه ] (1)، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا اشتهي مريض أحدكم شيئا فليطعمه إياه) (2).
وروى أبو نعيم في الطب عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مريضا فقال له: أتشتهي كعكا ؟ قال: نعم، فطلبه له.
وروى فيه عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو رمد، وبين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمر فأكله، فقال: يا علي، أتشتهيه ؟ قال: نعم، فرمى إليه بتمرة، ثم رمى إليه بأخري، حتى رمي إليه تسعا، ثم قال: حسبك يا علي) (3).
وفيه عن جعفر بن محمد - رضي الله تعالى عنه - قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم صاع من تمر وعلي محموم فناوله تمرة ثم أخرى حتى ناوله سبعا ثم قال: (حسبك).
وروى فيه عن محمد بن إسحاق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زار أخواله من الأنصار، ومعه علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - فقدموا إليه صاعا من رطب، فأهوى علي ليأكل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تأكل فإنك حديث عهد بحمى).
التاسع: في عيادته - صلى الله عليه وسلم - بعض نساء أصحابه روى أبو داود عن أم العلاء عمة حزام بن حكيم الأنصاري - رضي الله تعالى عنهما - قالت: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ وأنا مرضية فقال: أبشري، يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة ] (4).
العاشر: في عيادته - صلى الله عليه وسلم - من يشتكي عينيه.
روى الإمام أحمد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعود زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - قال: أصابني رمد، فعادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث.
[ وروى الإمام أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب والحاكم وصححه عن زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - قال: أصابني رمد فعادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث ] (5).
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في ج.
(2) أخرجه ابن ماجه (3440).
(3) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (28471).
(4) أخرجه أبو داود 2 / 200 (3092).
(5) سقط في ج.
(*)(12/115)
الحادي عشر: في سؤاله - صلى الله عليه وسلم - عن المريض وعن حاله: روي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة، فقال: (كيف تجدك ؟) قال: صالحا [ قال: ] أصلحك الله.
وروى الإمام أحمد والترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجل ليعوده وهو في الموت فسلم عليه فقال: (كيف تجدك ؟) قال: بخير، يا رسول الله، أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجتمعان في قلب
رجل عند هذا الموطن إلا أعطاه الله رجاءه وأمنه مما يخاف) (1).
الثاني عشر: في تبشيره - صلى الله عليه وسلم - المريض: روى الإمام أحمد والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مريضا من وعك كان به وأنا معه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبشر إن الله عز وجل يقول: [ ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة ] (2).
وروى الطبراني في الكبير والضياء عن أسد بن كرز أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (المريض تحات خطاياه كما يحات ورق الشجر) (3).
وروى الخليلي في جزء حديثه عن جرير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (المرض سوط الله في الأرض يؤدب به عباده) (4).
وروى الإمام أحمد والحاكم والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحليلة عن شداد بن أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى: (إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني وصبر على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمة من الخطايا).
ويقول الرب للحفظة (إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح) (5).
وروى الحكيم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى: (إذا وجعت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده فاستقبله بصبر جميل
__________
(1) أخرجه الترمذي (983).
(2) أخرجه أحمد 2 / 440 والبيهقي في السنن 2 / 382.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 304 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناده حسن.
(4) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (6680).
(5) أخرجه أحمد 4 / 123.
(*)(12/116)
استحييت يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا) (1).
وروى الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى: (إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من أسارى ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه ثم يستأنف العمل) (2).
وروى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من مرض ليلة فصبر ورضي بها عن الله، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمة.
__________
(1) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (6561).
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك 1 / 349.
(*)(12/117)
الباب الثاني في أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتداوي وإخباره - صلى الله عليه وسلم - بأن الله تعالى خلق لكل داء دواء [ إلا الهرم والموت ] (1)
وروى أبو داود الطيالسي وابن حبان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - عن أسامة بن شريك والقضاعي عن أبي هريرة وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله عز وجل لم ينزل داء، وفي لفظ: (في الأرض) إلا أنزل الله له شفاء، وفي لفظ: (إلا وقد أنزل له شفاء) إلا السام والهرم، وفي لفظ: (إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن أم الدرداء - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله خلق الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام).
وروى أبو داود والطبراني في الكبير وابن السني وأبو نعيم في الطب والبيهقي عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله تعالى أنزل الداء والدواء
وجعل لكل داء دواء فتداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام) (2).
وروى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى) (3).
وروى أبو داود والترمذي عن أسامة بن شريك - رضي الله تعالى عنه - قال: جاءت الأعراب من هاهنا ومن هاهنا يسألونه فقالوا: يا رسول الله أنتداوى ؟ قال: (نعم عباد الله تداووا، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا) قالوا: يا رسول الله ما هو ؟ قال: (الهرم).
وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أنزل الله تعالى من داء إلا [ كتب ] (4) له دواء).
وروى الإمام أحمد والطبراني ورجاله ثقات ومسدد والحميدي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله -: صلى الله عليه وسلم -: (ما أنزل الله - عز وجل - داء إلا وأنزل له دواء
__________
(1) سقط في أ.
(2) سقط في أ.
(3) أخرجه مسلم 4 / 1729 (69 - 2204).
(4) في ج أنزل.
(*)(12/118)
علمه من علمه وجهله من جهله) ورواه ابن ماجه بلفظ (ما أنزل الله داء إلا أنزل...) (ومن علمه) إلى آخره (1).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الأنصار - رضي الله تعالى عنهم - قال: عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من جرح فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ادعوا له طبيب بني فلان) فدعوه فجاء فقالوا: يا رسول الله ويغني الدواء شيئا فقال: (سبحان الله، وهل أنزل الله تبارك وتعالى من داء في الأرض إلا جعل له شفاء.
وروى الطبراني بسند جيد عن الحارث بن سعيد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقي لها وأدوية نتداوى بها هل ترد من قدر الله ؟ قال: هي من قدر الله).
وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى بسند حسن وابن السني وأبو نعيم في الطب عن أنس - رضي الله تعالى عنه - والضياء عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله - عزوجل - حين خلق الداء خلق الدواء فتداووا).
وروى الحاكم عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر وهو شفاء من كل داء ]) (2).
[ وروى الإمام أحمد عن طارق بن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر ] (3).
وروى الحاكم عن [ أبي سعيد ] (4) - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام وهو الموت).
وروى عن أبي صالح ذكوان عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا به قرح فقال: (ادعوا له طبيب بني فلان) قالوا: يا رسول الله، ويغني الدواء شيئا قال: (سبحان الله، وهل أنزل من داء إلا أنزل معه شفاء).
وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال - (إن الذي أنزل الداء أنزل له الدواء، فجعل شفاء ما شاء فيما يشاء).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (3438).
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك 4 / 403.
(3) سقط في ج.
(4) في ج عن ابن مسعود.
(*)(12/119)
وروى الإمام أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم عن أسامة بن شريك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا عباد الله، تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد وهو الهرم).
وروى الطبراني في الكبير بسند حسن وأبو نعيم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الدواء من القدر وقد ينفع بإذن الله).
وروى ابن السني عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدواء من القدر: وهو ينفع من يشاء بما يشاء) انتهى.(12/120)
الباب الثالث في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التداوي بالخمر وغيرها مما يذكر
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - أن طارق بن سويد الجعفي - رضي الله تعالى عنه - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر ؟ فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنها ليست بدواء ولكنها داء) (1).
وروى أبو يعلي وابن حبان في صحيحه والطبراني عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: اشتكت ابنة لي فنبذت لها في تور، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يغلي فقال: (ما هذا) ؟ فقلت: إن ابنة لي اشتكت فنبذت لها هذا فقال: (إن الله تعالى لم يجعل شفاء كم في حرام) (2).
وروى الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل دواء خبيث كالسم ونحوه.
وروى أبو داود والأمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم بلفظ: نهى عن الدواء
الخبيث يعني السم.
وروى أبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عثمان - رضي الله تعالى عنه - قال (إن طبيبا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عن قتلها (3).
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن طارق بن سويد - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت: يا رسول الله، إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها ؟ فقال: (لا) فراجعته فقال: (لا) فقلت: إنا نستشفي بها للمريض، فقال: (إن ذلك ليس بشفاء.ولكنه داء) (4).
وروى ابن عساكر عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أكل الطين حوسب على ما نقص من لونه).
وروى الطبراني في الكبير عن سلمان وابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله
__________
(1) أخرجه مسلم 3 / 1573 (1984).
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 89 وقال: رواه أبو يعلي والبزار إلا أنه قال في كوز بدل تور، ورجال أبي يعلي رجال الصحيح خلا حسان بن مخارق وقد وثقه ابن حبان.
(3) أخرجه أبو داود (3871).
(4) أخرجه ابن ماجه (3500).
(*)(12/121)
تعالى عنه - والبيهقي وضعفه وابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أكل الطين) وفي لفظ: (من انهمك في أكل الطين فقد أعان على قتل نفسه) (1).
وروى الطبراني في الكبير عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تعالى لم يجعل شفاء كم فيما حرم عليكم).
وروى الطبراني في الكبير عن أم الدرداء - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - (إن الله تعالى خلق الداء والدواء فتداووا ولا تداووا بحرام).
ورى الترمذي عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [ (إنها ليست بدواء، ولكنها داء) (2) يعني: الخمر ] (3).
وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من تداوى بخمر لم يجعل الله له فيه شفاء).
وروى أبو نعيم في الطب عن علقمة بن وائل عن أبيه أن سويد بن طارق سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن الخمر يجعل في الدواء فقال: (إنها داء وليست بالدواء).
وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: (من أصابه شئ من هذه الأدواء فلا يفزعن إلى شئ مما حرم الله تعالى، فإن الله لم يعجل في شئ مما حرم شفاء).
وروى ابن السني وأبو نعيم فيه عن صالح بن خوات عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهي أن يؤكل ما حملت النملة بفيها وقوائمها.
وروى أبو نعيم في الطب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اتقوا بيتا يقال له الحمام)، قالوا: يا رسول الله إنه يذهب بالدرن وينفع المريض قال: (فمن دخله فليستتر) وفي لفظ: (بئس البيت الحمام)، قالوا: يا رسول الله، إنه يستشفي به المريض ويذهب عنه الوسخ قال: (فإن فعلتم فاستتروا).
وفيه عن ثعلبة عن سهيل قال: (إن الحمام جيد للتخمة).
وفيه (نعم البيت الحمام يذهب الوسخ ويذكر النار) وما أحسن ما ذكر في ذلك:
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 48 وقال: رواه الطبراني وقال فيه يحيى بن يزيد الأهوازي جهله الذهبي من قبل نفسه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2) أخرجه الترمذي (2046).
(3) سقط في أ.
(*)(12/122)
وما أشبه الحمام بالموت لامرئ * يذكر لكن أين من يتذكر يجرد من أهل ومال وملبس * ويتبعه من كل ذلك مستر وروى ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن أذني القلب (1).
وروى الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن محمد - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره من الشاة سبعا: المرارة والمثانة والحياء والذكر والأنثيين والغدة والدم) (2).
وروى ابن السني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره الكليتين لمكانهما من البول (3).
وروى البيهقي عن صهيب قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الطعام الحار حتى يسكن (4).
وروى مسلم والترمذي وابن ماجه والبيهقي في الشعب من طريق قتادة عن أنس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائما قال: قلت: فالأكل ؟ قال: ذاك أشر قال البيهقي: النهي عن الشرب قائما لما فيه من الداء فيما زعم أهل الطب وخصوصا لمن كان في أسافله علة يشكوها من برد.
وروى سعيد بن منصور في سننه عن إبراهيم النخعي قال: إنما كره البول تحت الميزاب وفي البالوعة، وفي الماء الراكد والشرب قائما، لأنه إذا حدث عنده داء اشتد.
وروى ابن السني والبيهقي في الشعب عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا فإن الكباد من العب) (5).
وروى البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مصوه مصا، ولا تعبوه عبا) (6).
وروى البيهقي عن معمر عن ابن أبي حسين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا شرب أحدكم فليمص مصا، ولا يعب عبا فإن الكباد من العب) (7).
__________
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل 4 / 216.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 39 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف.
(3) ذكره المتقي الهندي في الكنز (18216).
(4) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5912).
(5) أخرجه البيهقي في الشعب (6012) (6) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (41076) (7) أخرجه البيهقي في الشعب (6012).
(*)(12/123)
وروى أبو داود والبيهقي في الشعب أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن الشرب من ثلمة القدح، وأن ينفخ في الشراب (1).
وروى الحاكم وصححه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه ولكن يؤخره ويتنفس).
وروى الشيخان عن أبي قتادة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتنفس في الإناء.
[ وروى البيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتنفس في الإناء ] (2) أو ينفخ فيه.
قال الحليمي: وهذا لأن البخار الذي يرتفع من المعدة أو ينزل من الرأس قد يعلقان بالماء فيضران.
انتهى.
__________
(1) أخرجه البيهقي في الشعب (6019).
(2) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(12/124)
الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في التطبب
وفيه أنواع: الأول: في أمره بدعاء الطبيب: روى الإمام أحمد عن رجل من الأنصار - رضي الله تعالى عنه - قال: عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من جرح، فقال: (ادعوا له طبيب بني فلان، قال: فدعوه فجاء فقال: يا رسول الله، أو يغني الدواء شيئا ؟ فقال: سبحان الله، وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء).
الثاني: في تضمينه - صلى الله عليه وسلم - الطبيب إذا جنى: روى أبو نعيم في الطب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من تطيب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن).
الثالث: في كراهيته أن يسمى طبيبا: روى أبو نعيم في الطب عن أبي رمثة قال: دخلت مع أبي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى أبى الذي بظهره، فقال: دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب فقال: أنت رفيق والله الطبيب (1).
الرابع: في استعمال الفراسة والاستدلال في صناعة الطب: روى أبو نعيم في الطب عن أبي سعيد وأبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله عزوجل.
وروى فيه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم).
وروى فيه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: إذا رأيتم الرجل اصفر من غير مرض ولا عبادة فذلك من غش الإسلام في قلبه (2).
قال شيخ شيوخنا الحافظ السيوطي في المنهج السوي: قاعدة: تشريع النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 163، والبيهقي 8 / 27.
(2) انظر كشف الخفاء للعجلوني 1 / 93.
(*)(12/125)
لأصحابه يدخل فيه كل الأمة إلا أن يخصه دليل، وتطبيبه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه.
وأهل أرضه خاص بطبائعهم، إلا أن يدل دليل على التعميم.
فائدة: الأولى: طب النبي - صلى الله عليه وسلم - طب التجارب، وأكثر ما وضعه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو على مذهب العرب إلا ما خصه الله تعالى به من العلم النبوي من طريق الوحي، فإن ذلك يخرق كل ما تدركه الأطباء، وتعرفه الحكماء، وكل ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصواب، عصمه الله تعالى فلا يقول إلا صدقا أو حقا، وقال ابن القيم: كان علاجه - صلى الله عليه وسلم - للمريض ثلاثة أنواع: أحدها: بالأدوية الطبيعية.
والثاني: بالأدوية الإلهية.
والثالث: المركب من الأمرين.
الثانية: أخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [ (إن الله تعالى جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان، ولولا ذلك لذابتا، وجعل المرارة في الأذنين حجابا من الدواب فإن دخلت الرأس دابة والتمست الوصول إلى الدماغ، فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج، وجعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لأنتن الدماغ، وجعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شئ، ويسمع الناس بها حلاوة منطقه) (1) وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير وأبو الشيخ في العظمة.
الثالثة: روى ابن السني عن عبد الله بن بسر المازني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ] (2): (لا تنتفوا الشعر الذي في الأنف، فإنه يورث الأكلة ولكن قصوه قصا).
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية 3 / 197.
(2) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(12/126)
الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في حفظ الصحة بالصوم والسفر ونفي الهموم وتعديل الغذاء والطبيب وغير ذلك
وقد أشار الله تعالى إلى حفظ الصحة بقوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) [ البقرة 184 ] لأن السفر مظنة التعب وهو من مغيرات الصحة، فإذا وقع فيه الصيام ازداد فأبيح الفطر وكذا القول في المرض.
وروى ابن السني وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صوموا تصحوا).
وروى البخاري في الأدب والترمذي والحاكم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه).
وروى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه (1).
[ وروى أبو داود والترمذي وحسنه وابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه) (2) ] (3).
وروى الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه) وفي رواية: (فأصابه لمم) وفي رواية: (فأصابه خبل) وفي بعضها (فأصابه وضح) (4).
وروى الإمام أحمد ومسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (غطوا الإناء وأوكوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لم يمر بإناء لم يغط ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الوباء) (5).
وروى أبو نعيم في الطب عن بلال قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بقيام الليل،
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 33 وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن.
(2) أخرجه الترمذي (1859، 1860) والبيهقي 7 / 276 والحاكم 4 / 137، وأبو نعيم في الحلية 7 / 144.
(3) سقط في أ.
(4) أخرجه الترمذي (1859).
(5) أخرجه مسلم 3 / 1596 وابن ماجه (3410) وأحمد 3 / 355 والبيهقي 1 / 257.
(*)(12/127)
فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله تعالى، وتكفير للسيئات ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد).
وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (سافروا تصحوا وتسلموا).
وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من ساء خلقه عذب نفسه، ومن كثر همه سقم بدنه).
عن المقدام بن معدي كرب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (استدفئوا من الحر والبرد).
وروى الطبراني عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من شرب الماء على الريق نقصت قوته).
تنبيه في بيان غريب ما سبق:
(الصحة) بصاد مهملة ضد المرض، وهو مجرى الجسم عن المجرى الطبيعي.
[ ريح غمر: الغمر الدسم والزهومة من اللحم ].(12/128)
الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الحمية
وقد أشار الله تعالى إليها بقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) [ النساء 29 ] وقال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) [ الأعراف 31 ].
روى ابن ماجه عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه علي، وهو ناقه من مرض، ولنا دوالي معلقة فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل منها وقام علي ليأكل منها فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لعلي: (إنك ناقه) حتى كف قالت: وصنعت شعيرا وسلعا فجئت به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي: (من هذا اصب فإنه أنفع لك) (1).
وروى ابن ماجه عن صهيب - رضي الله تعالى عنه - قال: قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين يديه خبز فقال: ادن وكل فأخذت وأكلت فقال: تأكل تمرا، وبك رمد فقلت: يا رسول الله، امضغ من الناحية الأخرى فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
وروى الإمام أحمد والحاكم عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجامعن أحدكم وبه حقن من خلاء، فإنه يكون منه البواسير) (2).
وروى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (غطوا الإناء وأوكئوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا ينزل عليه الوباء).
وروى أبو داود في المراسيل بإسناد صحيح عن زياد السهمي، مرفوعا قال: نهى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسترضع الحمقى، فإن اللبن (يشبه) وعند ابن أبي خيثمة (يعدي) (3).
وروى القضاعي بسند حسن من حديث ابن عباس مرفوعا (الرضاع يغير الطباع).
وروى ابن حبيب مرفوعا أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن استرضاع الفاجرة.
وروى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد مرفوعا بسند فيه محمد بن مخلد الرعيني وهو ضعيف: (من شرب الماء على الريق انتقصت قوته) (4).
__________
(1) أخرجه أبو داود (3856)، وأحمد 6 / 364).
(2) ذكره المتقي الهندي في الكنز (44902).
(3) أخرجه أبو داود في المراسيل (207).
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 90 وقال: رواه الطبراني في الأوسط في حديث طويل هو في الزهد وفي إسناده من لم أعرفهم.
(*)(12/129)
وروى الدارقطني والشافعي عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تغتسلوا بالماء الشمس، فإنه يورث البرص) ورواه الدارقطني من حديث عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ضعيف.
وروى العقيلي نحوه عن أنس وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء).
وعن أبي داود - رضي الله تعالى عنه - فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله وفي البخاري: (فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء).
وفي مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (غطوا الإناء وأوكئوا السقاء فإن في السنة ليلة فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا ينزل فيه من ذلك الوباء) قيل: وذلك في آخر شهور السنة الرومية.
وروى أبو نعيم في الطب عن قتادة بن النعمان - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله إذا أحب عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء) (1).
وفيه عن محمود بن لبيد مثله وفيه قال: (إن الله تعالى يحمي المؤمن نظرا له وشفقة عليه كما يحمي المريض أهله الطعام).
تنبيهات الأول: الحمية قسمان: حمية عما يجلب المرض، وهي حمية الأصحاء، وحمية عما يزيده وهي حمية المرض، فإذا حمي وقف مرضه عن التزايد وأخذت القوى في دفعه وأمثلتها قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى) إلى قوله (فتيمموا) [ النساء 43 ] فحمي المريض من استعمال الماء.
قال بعض فضلاء الأطباء: رأس الطب الحمية، وأنفع ما يكون الحمية للناقه من المرض لأن التخليط يوجب الانتكاس، والانتكاس أصعب من ابتداء المرض والفاكهة تضر بالناقة من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها لعدم القوة.
الثاني: إنما منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا - رضي الله تعالى عنه - من الفاكهة لأنها نوع ثقيل على المعدة، ولم يمنعه من السلق والشعير، لأنه من أنفع الأغذية للناقه، ففي ماء الشعير
__________
(1) ذكره ابن حجر في المطالب العالية (3265).
(*)(12/130)
التغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة، فالحمية من أكبر الأدوية مثل الداولي يمنع زائده وانتشاره.
الثالث: وقال ابن القيم: ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا مما يحمى عنه العليل والناقه والصحيح إذا اشتدت الشهوة إليه، ومالت إليه الطبيعة، فتناول منه الشئ اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه لم يضره تناوله، بل ربما انتفع به، فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول
والمحبة فيصلحان ما يخشى من ضرره، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة، وتدفعه من الداء، ولهذا أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - صهيبا، وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة، وعلم أنها لا تضره فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق وكان فيه ما كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه وإن كان نافعا في نفسه فإن صدقت شهوته ومحبة الطبيعة له تدفع ضرره وكذلك العكس.
الرابع: لم يكره مالك الماء الشمس مطلقا وصححه النووي في الروضة، وحكاه الروياني في البحر عن النص، ومذهب الشافعي كراهة استعماله في البلاد والأوقات الحارة، وفي الأواني المنطبعة على الأصح، دون الحجر والخشب ونحوهما، واستثنى النقدان لصفائهما، ولا يكره في الأحياض والبرك قطعا، والكراهة مخصوصة بالثوب لا البدن، ولوقت حرارته، لو برد فلا كراهة على ما صححه في الروضة، وصحح في الشرح بقاءها، وخصه صاحب التهذيب بالإناء المنسد الرأس لحبس الحرارة به، وفي شرح المهذب: الكراهة شرعية يثاب تاركها، وفي شرح التنبيه: إذا اعتبرنا القصد فشرعية وإلا فإرشادية، وهي للتنزيه، فلا تمنع صحة الطهارة، وقال الطبري: إن خاف الأذى جزم، وقال ابن عبد السلام: لو لم يجد غيره وجب استعماله.
الخامس: قوله (كله) رفع توهم المجاز في البعض، ولم يعين في شئ من الروايات الجناح الذي فيه الشفاء، لكن ذكر بعض العلماء أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر فعلم أن الشفاء في الأيمن.
السادس: روى أبو يعلى عن ابن عمر مرفوعا (الذباب غالب عمره أربعون ليلة، والذباب كله في النار إلا النحل) وسنده لا بأس به، قال الجاحظ: كونه في النار ليس تعذيبا له، بل ليعذب به أهل النار، [ قال أفلاطون: الذباب أحرص الأشياء، حتى أنه يلقي نفسه في كل شئ، ولو كان فيه هلاكه ].
ويتولد من العفونة [ ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها، والجفن يصقل الحدقة، فالذبابة تصقل بيديها فلا تزال تمسح عينيها ] ومن عجيب أمره أن رجيعه يقع على
الثرب الأسود أبيض وبالعكس، وأكثر ما يظهر في أماكن العفونة، ومبدأ خلقه منها، ثم من(12/131)
التوالد وهو أكثر الطير سفادا [ وربما بقي عامة اليوم على الأنثي ] (1) ويحكي أن بعض الخلفاء سأل الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - لأي علة خلق الذباب ؟ فقال: لمذلة الملوك، وكانت ألحت عليه ذبابة قال الشافعي - رحمه الله تعالى -: سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطت ذلك من الهيئة الحاصلة.
__________
(1) سقط في أ.
(*)(12/132)
الباب السابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبير المأكول والمشروب
وفيه أنواع: الأول: في إرشاده - صلى الله عليه وسلم - لما يفعل من الآداب.
روى أبو داود عن صفوان بن أمية - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أدان الطعام في فيك فإنه أهنا وأمرأ) (1).
الثاني: فيما نهى عنه من ذلك.
قال الله تعالى (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) [ الأعراف 31 ].
وروى الإمام أحمد في المسند والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والنسائي وابن السني عن عبد الرحمن بن المرفع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لم يخلق وعاء إذا ملى شر من بطن، فإذا كان لابد فاجعلوا ثلثا للطعام، وثلثا للشراب وثلثا للريح).
وروى أبو داود وابن ماجه والحاكم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن مائدة يشرب عليها خمر، وأن يأكل الرجل وهو مضطجع).
وروى النسائي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
الشرب قائما، والأكل قائما).
وروى البيهقي في الشعب عن عبد الواحد بن معاوية بن خديج مرسلا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن الطعام الحار حتى يبرد) (2).
وروى في الشعب أيضا عن ابن شهاب مرسلا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن العب نفسا واحدا، وقال: (ذلك شرب الشيطان).
وروى أبو داود والدارقطني في العلل، عن أنس وابن السني وأبو نعيم في الطب، عن علي وعن أبي سعيد عن الزهري مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أصل كل داء البرودة).
__________
(1) أخرجه أبو داود (3779).
(2) أخرجه البيهقي في الشعب (5911).
(*)(12/133)
الباب الثامن في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبير الحركة والسكون البدنيين
روى ابن السني وأبو نعيم عن بلال وابن السني، وأبو نعيم عن سلمان أنه عليه الصلاة والسلام قال: (عليكم بقيام الليل، فإنه داب الصالحين قبلكم، وهو مطردة للداء عن الجسد).
وروى الطبراني في الأوسط، وابن السني في اليوم والليلة وفي الطب، وأبو نعيم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة، ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم).
وروى ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد وأنا نائم في المسجد فقال: يا شنبوذ اشكمت درد ؟ قلت: نعم قال: (قم فصل، فإن في الصلاة شغلا).
تنبيه: قال في المنهج السوي [ والمنهل الروي في الطب النبوي ] في المؤخر [...].
الباب التاسع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبير الحركة والسكون النفسانيين.
[...].
الباب العاشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبير النوم واليقظة.
روى أبو يعلى بسند ضعيف من طريق عمران بن حصين، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نام بعد العصر فاختلس عقله، فلا يلومن إلا نفسه).
وروى أبو نعيم في الطب عن أنس - رضي الله تعالى عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينام الرجل بعضه في الظل وبعضه في الشمس [ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قيلوا فإن الشيطان لا يقيل) ] (1).
وروى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نام وبه ريح غمر فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه).
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(*)(12/134)
الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبير النكاح.
روى أبو يعلى في مسنده، وعبد الرزاق في الجامع عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها، فإن سبقها فلا يعجلها) وفي لفظ: (ثم إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها) (1).
وروى ابن عدي عن طلق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا جامع أحدكم امرأته فلا يتنحى عنها حتى تقضي حاجتها، كما يحب أن يقضي حاجته) (2).
وروى بقي بن مخلد وابن عدي بسند قال ابن الصلاح: جيد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى).
وروى ابن عساكر عن قبيصة بن ذؤيب - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء، فإن منه يكون الخرس والفأفأة).
الباب الثاني عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبير فصول السنة.
[...].
الباب الثالث عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في تدبيره لأمر المسكن.
روى البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه -: أن رهطا من عكل أو عرينة قدموا فاجتووا المدينة، فأمر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلقاح وأمرهم أن يخرجوا ويشربوا من ألبانها وأبوالها (3).
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف 6 / 194 (10468) من طريق ابن جريج قال: حدثت عن أنس...وذكره الهيثمي في المجمع 4 / 295 باب أدب الجماع وقال: رواه أيو يعلى وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات.
وأورده ابن حجر في المطالب العالية 2 / 30 (1569) وعزاه إلى أبي يعلى.
وذكره المتقي الهندي في كنز العمال.
(44837، 44838).
(2) أخرجه ابن عدي في الكمال 6 / 150.
(3) أخرجه البخاري (6805) (*).(12/135)
الباب الرابع عشر في أمره - صلى الله عليه وسلم - باختياره البلدان الصحيحة التربة وتوقي الوبيئة
روى محمد بن يحيى عن أبي عمرو بسند ضعيف لجهالة التابعي، وأبو نعيم في الطب
وابن السني عن فروة بن مسيك قال: قلت: عن رجل من آل بحير بن ريسان عن رجل منهم أنه قال: يا رسول الله إن أرضا من أرضنا يقال لها أبين وهي أرض ميراثنا وريفنا وهي وبية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (دعوها فإن من القرف التلف) (1).
وروى عن عبد الله بن عمر، والصواب أنه من مراسيل عبد الله بن شداد، أن قوما جاؤوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله دخلنا هذه الدار ونحن ذو وفر فافتقرنا، وكثير عددنا فقل عددنا، وحسن ذات بيننا فساء ذات بيننا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (دعوها وهي ذميمة) قالوا: كيف ندعها ؟ قال: (بيعوها أو هبوها).
وروى الطبراني في الكبير بسند لا بأس به عن سهل بن حارثة الأنصاري قال: اشتكى قوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم سكنوا دارا وهم ذو عدد فقلوا، فقال: (فهلا تركتموها وهي ذميمة) (2).
وروى أبو نعيم في الطب عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - أنه ذكر الطاعون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (رجس ورجز، وعذب به أمة من الأمم، وبقيت منه بقايا، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بها فلا تفروا منه).
وفيه عن رباح قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن مصر ستفتح بعدي فانتجعوا خيرها ولا تتخذوها دارا، فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارا).
وروى فيه وابن السني عن فروة بن مسيك قال: قلت: يا رسول الله، إن عندنا أرضا يقال لها أبين، وهي أرض ريفنا وأرض بيوتنا وهي شديدة الوباء فقال: (دعها عنك فإن القرف تلف).
وروى الشيخان والترمذي وابن السني وأبو نعيم عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الطاعون رجز أرسله الله على طائفة من بني إسرائيل، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارا منه.
__________
(1) ذكره ابن حجر في المطالب العالية (2439) (2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 108 وقال رواه الطبراني وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب، وثقه ابن حبان وغيره
وضعفه جماعة (*)(12/136)
وروى الإمام أحمد وابن السني والطبراني في الصغير، وأبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا طلع النجم ارتفعت العاهة [ عن كل بلد ] (1)) (2).
وروى الإمام أحمد عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما طلع النجم صباحا قط بقوم عاهة إلا ارتفعت عنهم، أو خفت) (3).
تنبيهات الأول: قال الخطابي: ليس: في هذا إثبات العدوى، وإنما هو من باب التداوي فإن استصلاح الأهوية من أنفع الأشياء على تصحيح الأبدان وفساد الهواء من أضرها وأسرعها إلى أسقام الأبدان عند الأطباء.
الثاني: قال ابن القيم في الهدي: قد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي بها الطاعون، وعن الخروج منها بعد وقوعه بها كمال التحرز، فإن في الدخول إلى الأرض التي هو بها تعرضا للبلاء، وموافاة له في محل سلطانه، وإعانة الإنسان على نفسه، وهذا مخالف للشرع والعقل، بل تجنب إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الشرع إليها، وهي حمية عن الأمكنة والاهوية المؤذية وأما نهيه - عليه الصلاة والسلا م - عن الخروج من بلده ففيه معنيان: أحدهما: حمل النفس على الثقة بالله تعالى، والتوكل عليه والصبر على المصيبة والرضى بها.
والثاني: ما قاله أئمة الطب: أنه يجب عند وقوع الطاعون السكون والدعة وتسكين هيجان الأخلاط، ولا يمكن الخروج عن أرض الوباء والسفر منها إلا بحركته شديدة، وهي مضرة جدا قال في المنهج السوي: هذا كلام أفضل الأطباء المتأخرين، وظهر المعنى الطبي من
الحديث النبوي وما فيه من علاج القلب والبدن وصلاحهما، وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي وقع بها عدة حكم منها: تجنب الأسباب المؤذية والبعد منها.
ومنها أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيمرضون.
__________
(1) انظر كشف الخفاء 1 / 110.
(2) سقط في أ.
(3) أخرجه أحمد 2 / 388.
(*)(12/137)
ومنها أن لا يجاور المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل له بمجاورتهم من جنس أمراضهم.
الثالث: قال في المنهج السوي: وأما الثريا فالأمراض تكثر وقت طلوعها مع الفجر وسقوطها قال التميمي في كتاب (مادة البقاء): أشد أوقات السنة فسادا وأعظمها بلية على الأجساد وقتان: أحدهما: وقت سقوط الثريا [ للمغيب عند طلوع الفجر ] (1).
والثاني: وقت طلوعها من المشرق قبل طلوع الشمس على العالم، بمنزلة من منازل القمر، وهو وقت تصرم فصل الربيع وانقضائه، غير أن الفساد الكائن عند طلوعها أقل ضررا من الفساد الكائن عند سقوطها.
وقال ابن قتيبة: يقال: ما طلعت الثريا، ولا نأت إلا بعاهة من الناس والإبل، وعند غروبها أهون من طلوعها، وفي الحديث قول ثالث وهو أولى الأقوال: أن المراد بالنجم الثريا، وبالعاهة الأفة التي تلحق الثمار والزرع في فصل الشتاء وصدر من فصل الربيع فيحصل في الوقت المذكور.
وقيل: المراد بالنجم طلوع النبات زمن الربيع ومنه (والنجم والشجر يسجدان)
[ الرحمن 6 ] فإن كمال طلوعهما وتمامه يكون في فصل الربيع، وهو الفصل الذي ترتفع فيه الآفات.
الرابع: في بيان غريب ما سبق.
القرف: بقاف فراء ففاء قال ابن قتيبة: القرب مداناة الوباء، ومداناة المرض.
__________
(1) سقط في ج.(12/138)
الباب الخامس عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الجلوس في الشمس
روى أبو نعيم في الطب عن أبي بردة عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهي أن يجلس الرجل بين الظل والشمس).
وروى أن مدرك بن عجرة ذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا نائما في الشمس فقال: (قم فإنها تغير اللون، وتبلي الثوب).
وروى الحاكم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والجلوس في الشمس، فإنها تبلي الثوب، وتنتت الريح، وتظهر الداء الدفين) (1).
وروى أبو داود عن قيس عن أبيه أنه جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقام في الشمس فأمر به فحول إلى الظل.
وروى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان أحدكم في الشمس وقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم) (2).
وروى ابن السني وأبو نعيم عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا ينام أحدكم بعضه في الظل وبعضه في الشمس).
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 4 / 411، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (25400).
(2) أخرجه أبو داود (4821) وأحمد 2 / 283.
(*)(12/139)
الباب السادس عشر في إرشاده - صلى الله عليه وسلم - إلى دفع مضار الأغذية بالحركة والأشربة
روى أبو نعيم في الطب عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم) (1) وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألوي في بطني في المسجد فقال: اشكمت درد ؟ قلت: نعم، قال: (قم فصل، فإن في الصلاة شفاء (2).
وفيه عن قيس بن طلق عن أبيه قال: جلسنا عند نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء وفد عبد القيس فقال: (ما لكم قد اصفرت ألوانكم، وعظمت بطونكم، وظهر عروقكم) قالوا: أتاك سيدنا وسألك عن شراب كان لنا موافقا فنهيته عنه، وكنا بأرض ذميمة وبيئة وخمة قال: (فاشربوا ما طالب لكم).
وفيه عن صحار أنه قال: يا رسول الله إني رجل مسقام فائذن لي أن انتبذ في جريرة مثل هاتيه يعني: صغيرة، فأذن له فيه.
وعنه قال: قلت: يا رسول الله إنك نهيتنا عن ظروف كانت لنا فيما منعته فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يا صحار أطب شرابك واسق جارك.
وفيه عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسول الله إن لنا أعنابا فما نصنع بها ؟ قال: ذببوها قلنا: فما نصنع بالزبيب ؟ قال: (انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم، وانبذوه في الشنان، ولا تنبذوه في القلل، فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلا (3).
وفيه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمشى بعد عشاء الآخرة.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 33 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه ريع أبو الخليل وهو ضعيف.
وذكره المتقي الهندي في الكنز (40773).
(2) أخرجه ابن ماجه (3458).
(3) أخرجه أبو داود (3710).
(*)(12/140)
الباب السابع عشر في إرشاده - صلى الله عليه وسلم - إلى استعمال المعاجين والجوارش
روى أبو نعيم في الطب عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: أهدى ملك الروم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - جرة زنجبيل فأطعم كل إنسان قطعة وأطعمني قطعة.
الباب الثامن عشر في إرشاده - صلى الله عليه وسلم - إلى تعهد العادات والامتناع عن الأطعمة التي لم تجر العادة بها
روى أبو نعيم في الطب عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الخير عادة والشر لحاجة) وفيه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تعشوا ولو بكف من حشف فإن ترك العشاء مهرمة).
وفيه عن خالد بن الوليد دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة بنت الحارث فأتى بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعض النسوة اللاتي في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل فقالوا: هو ضب فرفع يده فقال خالد بن الوليد: أحرام هو يا رسول الله ؟ قال: (لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر.
ورواه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - وفيه: فقربت إليه ظبيا مطبوخا بتمر فقالت: أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل منه.
وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما قط، كان إذا اشتهى طعاما ما أكل وإلا ترك).(12/141)
الباب التاسع عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصداع والشقيقة
روى الإمام أحمد عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان ربما أخذت الشقيقة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمكث اليوم واليومين لا يخرج.
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه سلم - وهو محرم في وسط رأسه من شقيقة كانت به.
وروى ابن ماجه عن بعض من [...] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صدع غلف رأسه بالحناء ويقول: (إنه نافع بإذن الله من الصداع).
وروى ابن السني أبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي تصدع فيغلف رأسه بالحناء.
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرض موته: (وارأساه) وأنه عصب رأسه.
وروى أبو نعيم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: (احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رأسه من أذى كان به) وفي لفظ: (من شقيقة كانت به).
وروى ابن السني وأبو نعيم في الطب وابن عساكر، عن قتادة مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا ادهن أحدكم فليبدأ بحاجبيه فإنه يذهب بالصداع).
وروى الطبراني في الكبير، وأبو نعيم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحجامة في الرأس شفاء من سبع إذا ما نوى صاحبها، من الجنون والصداع والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة يجدها في عينيه).
وروى ابن عساكر عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(المليلة والصداع يولعان بالمؤمن وإن ذنبه مثل جبل أحد حتى لا تدع عليه من ذنبه مثقال حبة من خردل).
وروى الشيخان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ (احتجم في رأسه وهو محرم من وجع كان به) وفي لفظ البخاري: (من شقيقة كانت به بماء يقال له: لحي جمل) (1).
__________
(1) أخرجه البخاري (5700).
(*)(12/142)
وروى الشيخان عن عبد الله بن بحينة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] (1) احتجم بلحي جمل من طريق مكة وهو محرم وسط رأسه.
وروى الطبراني في الكبير عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ (إن الحجامة في الرأس دواء من كل داء الجنون والجذام والعشاء والبرص والصداع (2).
وروى الحكيم الترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ]: (3) (إذا ادهن أحدكم فليبدأ بحاجبيه فإنه يذهب بالصداع وذلك أول ما ينبت على ابن آدم من الشعر).
ورواه أيضا ابن السني وأبو نعيم في الطب وابن عساكر عن قتادة بن دعامة مرسلا وسنده ضعيف، والديلمي عنه عن أنس بدون وذلك...الخ.
وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعجبه صحته وجلده فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (متى أحسست بالصداع) قال: (وأي شئ الصداع ؟) قال: (ضرب يكون في الرأس قال: ما لي بذلك من عهد قال: فلما ولى الأعرابي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى الأعرابي) وفي لفظ: (فهل أخذك هذا الصداع ؟ قال: وما الصداع ؟ قال (عرق يضرب الإنسان
في رأسه قال: ما وجدت هذا قط قال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا) (4).
وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي صدع فيغلف رأسه بالحناء.
وفيه عن سلمى قالت: ما شكى أحد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعا في رأسه إلا أمره بالحجامة.
وفيه عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم من وجع كان برأسه وهو محرم.
وفيه عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من صدع رأسه في سبيل الله فاحتسبه غفر له ما كان قبل ذلك من ذنب).
__________
(1) سقط في أ.
(2) ذكره المتقي الهندي في الكنز (28129).
(3) سقط في أ.
(4) أخرجه أحمد 2 / 332.
(*)(12/143)
وروى البخاري في التاريخ وسنن أبي داود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما شكى إليه أحد وجعا في رأسه إلا قال له: احتجم ولا شكى وجعا في رجله إلا قال له: اختضب بالحناء).
تنبيهات الأول: الخضب بالحناء خاص بما إذا كان الصداع من حرارة ملهبة ولم يكن من مادة يجب استفراغها، وإذا كان كذلك نفع فيه الحناء نفعا ظاهرا.
قالوا: وإذا دق دهنت وضمدت به الجبهة مع الخل، سكن الصداع وهذا لا يختص بوجع الرأس بل يعم الأعضاء.
الثاني: بيان غريب ما سبق:
(الصداع) بصاد مهملة مضمومة ودال مفتوحة فألف فعين مهملة: ألم في بعض أجزاء الرأس أو كله، فما كان منه في أحد جانبي الرأس لازما يسمى شقيقة بشين معجمة بوزن عظيمة، ويختص بالموضع الأضعف من الرأس، وعلاجها يشد العصابة، سببه أبخرة مرتفعة وأخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ، فإن لم تجد منفذا أحدثت الصدع، فإن مال إلى أحد شقي الرأس أحدث الشقيقة، وإن ملك كل الرأس أحدث داء البيضة، تشبيها ببيضة السلاح التي تشمل الرأس كلها، ومن الأسباب ما يحدث من الأعراض النفسانية كالهم والحزن والجوع والحمى.
ومنها ما يحدث في الرأس كضربة أو ورم في صفاق الدماغ، أو حمل شئ ثقيل لضغط الرأس أو شئ خارج عن الاعتداء، أو تبريده بملاقاة الهواء، أو الماء في البرد.
شقيقة بشين معجمة فقافين بينهما تحتية ساكنة: ألم في الرأس ويختص بالموضع الأضعف من الرأس وعلاجها بشد العصابة وينفع شد الرأس من الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس.
المليلة: [ حرارة الحمى ووهجها.(12/144)
الباب العشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في السعوط واللدود
روى الترمذي وحسنه وابن السني وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن خير) وفي لفظ: (خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة والمشي).
وروى الترمذي والحاكم عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [ (خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشي ] (1) وخير ما اكتحلتم به الإثمد فإنه يجلوا البصر وينبت الشعر.
وروى الإمام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(مكان الكي التكميد، ومكان العلاق السعوط، ومكان النضخ اللدود) (2).
وروى أبو نعيم عن الشعبي مرسلا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (خير الدواء اللدود والسعوط والحجامة والمشي).
وروى أبو نعيم في الطب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى الحجام أجرته وأسقط، رواه ابن سعد مقتصرا.
تنبيه: اللدود: بفتح الامام ما سقاه المريض في أحد شقي الفم وهو كاره.
والسعوط: مثله إلا أنه من الأنف.
والمشي: دواء يسهل البطن.
__________
(1) سقط في أ.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 100، 101 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أن إبراهيم لم يسمع من عائشة.
(*)(12/145)
الباب الحادي والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الحجامة والفصد [ والقسط البحري ] (1).
وفيه أنواع: الأول في فضل الحجامة وأمره بها روى الطبراني برجال الصحيح، عن مالك بن صعصعة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما مررت ليلة أسري بي على ملأ من الملائكة إلا أمروني بالحجامة).
وروى البزار برجال ثقات، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما مررت بسماء من السموات إلا قالت الملائكة: يا محمد مر أهلك بالحجامة وقال: خير ما تداويتم به الحجامة والقسط والشونيز).
وروى ابن ماجه والترمذي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما مررت ليلة أسرى بي بملأ من الملائكة إلا قالوا: يا محمد مر أمتك بالحجامة).
وروى الطبراني بسند لا بأس به عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: حدثنا أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل أخبره أن الحجامة من أنفع ما تداوى به الناس.
وروى الطبراني في الكبير بسند لا بأس به جيد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: حجم أبو طيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليه عيينة بن حصين والأقرع بن حابس فقال: ما هذا الحجم ؟ فقال: (هذا الحجم خير ما تداويتم به).
وروى الطبراني في الكبير برجال ثقات عن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجاما فحجمه بقرن وشرط بشفرة فرآه رجل من بني فزارة فقال: يا رسول الله علام تدع هذا يقطع لحملك ؟ قال: (هل تدري ما هذا ؟ هذا الحجم، وهو خير ما تداويتم به) (2).
وروى ابن سعد عن [ سمرة بن جندب ] - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا حجاما فحجمه بمحاجم من قرون وجعل يشرطه بطرف شفرة قال: فدخل أعرابي فرآه ولم يكن يدري ما الحجامة قال: هذا.
قال: ففزع فقال: يا رسول الله على ما تعطي هذا يقطع جلدك ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا الحجم).
قال: يا رسول الله وما
__________
(1) سقط في ب.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 95 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح خلا حصين أبي الحر وهو ثقة.
(*)(12/146)
الحجم ؟ قال: (هو خير ما تداويتم به) (1).
روى الطبراني في الكبير، والإمام أحمد والحاكم وأبو داود والطيالسي وأبو يعلي والضياء عن سمرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال (: خير ما تداويتم به الحجامة).
وروى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن في الحجم شفاء).
وروى البزار والبراني في الكبير برجال الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بالحجامة والقسط البحري).
وروى الطبراني في الكبير عن سلمى امرأة أبي رافع قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكي أحد برأسه قال: اذهب فاحتجم، وإذا اشتكى برجله قال: اذهب فاخصبها بالحناء.
وروى أبو نعيم في الطب عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه سلم - قال: (خير الدواء [ وفي لفظ: (خير ما تداويتم به ] (2) الحجامة والفصاد).
وروى البخاري وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الشفاء في ثلاثة: شربة عسل وشرطة محجم وكية نار، أنهى أمتي عن الكي).
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات، عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن كان في شئ شفاء فشرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار تصيب ألما وأنا أكراه الكي ولا أحبه) (3).
وروى الإمام أحمد، والطبراني برجال ثقات، عن معاوية بن خديج قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن كان في شئ شفاء ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار تصيب ألما ولا أحب أن أكتوي) (4).
وروى ابن أبى شيبة بسند جيد عن رجل من الأنصار من بني سلمة قال: قال
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 343.
(2) سقط في أ.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 94 وقال: رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا عبد الله بن الوليد بن قيس وهو ثقة.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 94 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال الصحيح خلا سويد بن قيس وهو ثقة (*).(12/147)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن كان في شئ مما تعالجون من أدويتكم شفاء ففي شربة عسل) وفي لفظ: (ففي شرطة محجم).
وروى الحارث وأبو يعلى وأحمد عن عقبة بن عامر والشيخان والإمام أحمد والبيهقي والنسائي والبخاري وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن كان في شئ شفاء ففي ثلاثة: في شربة عسل أو شرطة محجم أو كية من نار تصيب ألما، وأنا أكره الكي ولا أحبه).
وروى أبو نعيم في الحلية والضياء عن عبد الله بن سرجس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الحجم شفاء).
وروى الائمة مالك والشافعي وأحمد والشيخان والترمذي والنسائي والدارمي وأبو عوانة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري).
[ وروى الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحجم أمثل ما تداوى به الناس ] (1).
وروى أبو يعلى بسند صعيف عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجل من الأنصار وبه ورم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا تخرجوه عنه) قال: فبط ورسول الله صلى الله عليه وسلم - شاهد (2).
وروى البزار عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أصيب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لقرابته: (اطلبوا من يعالجه فجئ بالرجلين الأخوين قدما المدينة فقال لهما: بحديدة تعالجان فقالا: إنا كنا نعالج في الجاهلية بها فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عالجاه
فبطه حتى برأ (3).
وروى مسلم والطبراني في الكبير عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل به جرح يستأذن في بطه، فأذن له (4).
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 102 وقال: رواه أبو يعلى وفيه أبو الربيع السمان وهو ضعيف.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 102 وقال: رواه البزار وفيه عاصم بن عمر العمري وقد ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان وقال يخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 102 وقال: رواه الطبراني وفيه عبد الله بن خراش وقد ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان وقال: يخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات.
(*)(12/148)
وروى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن في الحجم شفاء).
[ وروى الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحتجم فقال: أي شئ هذا يا رسول الله ؟ فقال: (الحجم) قلت: وما الحجم يا رسول الله ؟ قال: (خير ما يتداوى به العرب).
ورواه الحاكم عن سمرة قال: دخل أعرابي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره (1) ] (2).
وروى أبو نعيم في الطب عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (خير ما تداويتم به الحجامة والفصاد).
وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنه دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحتجم فقال: أي شئ هذا يا رسول الله ؟ فقال: (الحجم) قلت: وما الحجم ؟ قال: (خير ما تداوى به العرب).
وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله -: (إن كان فيما
تداويتم به شفاء فالحجامة خير).
وفيه عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا الدم تبيغ بصاحبه قتل).
وفيه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (احتجموا لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم).
وفيه عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى أبي بن كعب متطببا، فكواه وفصد العرق.
الثاني: في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في موضع الحجم من البدن.
روى الخطيب والطبراني في الكبير عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم في رأسه وروى في لفظ: في مقدم رأسه ويسميها أم مغيث (3).
وروى الترمذي والحاكم عن أنس والطبراني في الكبير والحاكم عن ابن عباس - رضي
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 4 / 209.
(2) ما بين المعكوفين سقط في ب، ج.
(3) أخرجه الخطيب في التاريخ 13 / 95.
(*)(12/149)
الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم في الأخدعين، والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين.
وروى الطبراني في الكبير وابن السني وأبو نعيم في الطب عن عبد الحميد بن زياد بن صفي عن أبيه عن جده والطبراني في الكبير برجال ثقات عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة فإنها دواء من اثنين وسبعين داء، خمسة أدواء من الجنون والجذام والبرص ووجع الضرس) (1).
وروى أبو داود والبيهقي وابن ماجه عن أبي كبشة الأنماري - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول: (من هراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشئ لشئ) (2).
وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحجمة التي في وسط الرأس إنها أمان ودواء من الجنون والجذام والبرص والنعاس والأضراس كان يسميها أم مغيث ورواه أيضا عن ابن عمر بسند ضعيف، ورواه أيضا عن ابن عباس بسند ضعيف، وزاد الصداع.
وروى الطيالسي عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم في وسط رأسه وسماه المنقذ.
وروى عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم في الأخدعين وبين الكتفين.
وروى الطبراني في الكبير وابن السني في الطب عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحجامة في الرأس دواء من الجنون والجذم والبرص والأضراس والنعاس).
وروى ابن أبي شيبة [ بسنده ضعيف ] (3) عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأخدعين اثنتين، والكاهل واحدة، ورواه الحاكم وزاد: وكان يحتجم بسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين.
وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم من وجع وجده في رأسه.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 97 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(2) أخرجه أبو داود (3859)، والبيهقي 9 / 340 وابن ماجه (3484).
(3) في أ، ب (بسند صحيح).
(*)(12/150)
وروى ابن حبان في صحيحة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به.
وروى الأربعة وابن سعد عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - أنه وضع يده على المكان الناتئ من الرأس فوق اليافوح فقال: هذا موضع محجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن سعد عن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم على هامته وبين كتفيه (1).
وروى أيضا عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وسط رأسه، وكان يسميه منقذا (2).
وروى أيضا عن جبير بن نفير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم في وسط رأسه.
الثالث: في استحبابه - صلى الله عليه وسلم - الحجامة في أيام مخصوصة.
روى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (خير ما تحتجمون يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة ويوم إحدى وعشرين) زاد الإمام أحمد والحاكم (وما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد).
وروى ابن ماجه والبيهقي والترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أراد الحجامة فليتحر سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله) (3).
وروى أبو داود عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يوم الثلاثاء يوم الدم فيه ساعة لا يرقأ فيها الدم أي لا ينقطع) (4).
وروى أبو داود من طريق أبي بكرة بكار بن عبد العزيز وبكار استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له في الأدب، وقال ابن معين: صالح، وقال ابن عدي: أرجو أن لا بأس به
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1 / 344.
(2) أخرجه ابن سعد 1 / 345.
(3) أخرجه ابن ماجه (3486).
(4) أخرجه أبو داود (3862).
(*)(12/151)
وهو ممن يكتب حديثة عن كيسة - بمثناة تحتية ثقيلة وسين مهملة - بنت أبي بكرة أن أباها كان ينهي أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ فيها الدم).
قوله: (لا يرقأ بالهمز أي: لا ينقطع).
وروى البيهقي وابن ماجه عن نافع - رحمه الله تعالى - أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال له: يا نافع قد [ تبيغ بي الدم، فالتمس لي حجاما، واجعله رفيقا إن استطعت ولا تجعله شيخا كبيرا ولا صبيا صغيرا، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الحجامة على الريق أمثل وفيه شفاء وبركة، وتزيد في العقل، وفي الحفظ، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد تحريا، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء وضربه بالبلاء يوم الأربعاء، فإنه لا يبدو جزام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء ] (1).
وروى أبو داود والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال: (من احتجم لسبع عشرة من الشهر وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان له شفاء من كل داء) (2).
وروى ابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (من احتجم يوم الخميس فمرض فيه مات فيه.
وما رواه أبو يعلى عن الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - أن في الجمعة ساعة
لا يحتجم فيها أحد إلا مات ففيه يحيى بن العلاء وهو كذاب.
وحديث أبي هريرة: (من احتجم يوم الأربعاء ويوم السبت فأصابه وضع فلا يلومن إلا نفسه) رواه البزار من طريق سليمان بن أرقم وهو كذاب، ورواه الشيرازي في الألقاب والحاكم وتعقب والبيهقي.
وحديث ابن عمر: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة يوم الثلاثاء رواه الطبراني في الكبير من طريق مسلمة بن علي الخشني.
وروى الطبراني في الكبير وابن عدي وابن سعد عن معقل بن يسار وابن حبان في الضعفاء والبيهقي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: (الحجامة يوم
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (3487).
(2) أخرجه أبو داود (3861)، والبيهقي 9 / 34.
(*)(12/152)
الثلاثاء لسبع عشرة خلت من الشهر دواء لداء السنة) وفي لفظ: (من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة كان دواء لداء سنة) وفي لفظ: (أخرج الله منه داء سنة) انتهى.
وروى ابن حبيب في الطب النبوي عن عبد الكريم الحضرمي معضلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [ (الحجامة تكره أول النهار، ولا يرجى نفعها حتى ينقص الهلال) (1).
وروى الطبراني ] (2) في الكبير من طريق أبي هرمز عن نافع عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحتجم يوم الثلاثاء فقلت: في هذا اليوم تحتجم ؟ قال: (نعم.
ومن وافق منكم يوم الثلاثاء لسبع عشرة مضت من الشهر فلا يتجاوز حتى يحتجم.
فاحتجموا.
وروى الطبراني في الكبير أيضا برجال الصحيح عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء لداء السنة).
وروى الطبراني في الكبير أيضا برجال ثقات، وفي سنده انقطاع عن ابن سيرين قال: أنفع الحجامة ما كان في نقصان الشهر.
وروى البزار وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (احتجموا لخمس عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدي وعشرين لا يتبيغ عليكم الدم فيقتلكم).
وروى العقيلي في الضعفاء من حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (عليكم بالحجامة يوم الخميس فإنها تزيد في الأرب) قيل: وما الأرب ؟ قال: (العقل) (3).
الرابع: في نهيه عن الحجامة في أيام مخصوصة.
وروى الشيرازي في الألقاب وابن النجار عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحتجموا يوم الخميس، فمن احتجم يوم الخميس فأصابه مكروه فلا يلومن إلا نفسه).
ورواه الشيرازي في الألقاب والخطيب والديلمي وابن عساكر بلفظ: (فناله مكروه، فلا يلومن إلا نفسه).
__________
(1) انظر كشف الخفا 1 / 415.
(2) ما بين المعكوفين سقط قي أ.
(3) أخرجه ابن عدي في الكامل 6 / 17.
(*)(12/153)
الخامس: في الحجامة على الريق.
روى ابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحجامة على الريق أمثل، وفيها شفاء وبركة، وتزيد في الحفظ وفي العقل، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب وما يبدو جذام ولا برص إلا
يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء) (1).
السادس: في أمره - صلى الله عليه وسلم - بدفن الدم وأمور جامعة.
روى الطبراني بسند ضعيف عن أم سعد امرأة زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنهما - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بدفن الدم إذا احتجم.
وروى ابن سعد عن هارون بن رئاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم ثم قال لرجل: (ادفنه لا ييحث عنه كلب).
وروى عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم محرم.
وروى ابن سعد عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه سلم - احتجم حجمه أبو طيبة وأمر له بصاعين من طعام، ثم سأله: كم خراجك ؟ قال: ثلاثة آصع فوضع عنه صاعا، وفي لفظ: فكلم أهله أن يضعوا عنه من ضريبته صاعا.
وروى ابن سعد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقاحة وهو صائم وأعطى أجره ولو كان خبيثا ما أعطاه.
وروى ابن سعد عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: أخرج إلينا أبو طيبة المحاجم لثمان عشرة من رمضان نهارا فقلت: أين كنت ؟ قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحجمه.
قال ابن سعد: أخبرنا نصر بن باب عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن أبي عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم فغشي عليه يومئذ، فلذلك كرهت الحجامة للصائم.
وروى ابن سعد بسند فيه بشر بن سعيد والبزار بسند ضعيف عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم في المسجد.
وروى ابن عدي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (3488).
(*)(12/154)
يكتحل كل ليلة، ويحتجم كل شهر، ويشرب الدواء كل سنة.
وروى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (نعم العبد الحجام يذهب بالدم، ويخف الصلب ويجلو البصر).
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ثوبان - وهو متواتر - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أفطر الحاجم والمحجوم).
وروى الحاكم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا اشتد الحر فاستعينوا بالحجامة، لا يتبيغ الدم على أحدكم فيقتله).
وروى أبو داود والدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن أبا هند حجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليافوخ).
تنبيهات الأول: قال الأطباء: الحجامة في وسط الرأس نافعة للدم جدا، والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين والأسنان والأنف وعصب الرأس ينفع من الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس.
والحناء علاج خاص بما إذا كان الصداع من حرارة ملتهبة، ولم يكن من مادة يجب استفراغها، وإذا كان كذلك نفع الحناء نفعا ظاهرا، قالوا: وإذا دق وصمدت به الجبهة مع الخل سكن الصداع، وهذا لا يختص بوجع الرأس بل يعم الأعضاء.
الثاني: قال الشيخ في شرحه على ابن ماجة: ذهب جمع من الأئمة كأحمد وإسحاق إلى حمل حديث (أفطر الحاجم والمحتجم) على ظاهره وقال آخرون: تكره الحجامة للصائم، وحملوا الحديث على التشديد، ومعناه تعرضا للإفطار.
الثالث: في بيان غريب ما سبق.
القمحدوة: نقرة القفاء، وهي التي إذا استلقى الرجل أصابته الأرض من رأسه فمكان الإصلابة هي القمحدوة.(12/155)
الباب الثاني والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الإسهال والقئ
روى الطبراني في الكبير عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما لي أراك مرتثة ؟) فقلت: شربت دواء أستمشي به قال: (وما هو) ؟ قلت: السرم قال: (ما لك وللسرم فإنه حار نار وعليكم بالسناء والسنوت فإن فيهما دواء من كل شئ إلا السام) (1).
وروى البخاري في تاريخه الكبير والترمذي وابن ماجه عن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بماذا كنت تستمشين) ؟ قالت: بالشبرم قال: (حار حار) ثم استمشيت بالسنى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو أن شيئا فيه شفاء من الموت لكان في السنى).
وروى ابن ماجه والحاكم في الكنى وابن مندة وقال: غريب والطبراني في الكبير وابن السني وأبو نعيم في الطب والبيهقي وابن عساكر عن عبد الله ابن أم حرام قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (عليكم بالسني والسنوت فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام) قيل: يا رسول الله وما السام ؟ قال: (الموت) (2).
وروى أبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (عليكم بالسني، فإن الله تعالى جعل فيه شفاء من كل داء).
تنبيه في بيان غريب ما سبق: (الشبرم) قشر عروق شجرة وهو حار يابس، وهو في الدرجة الرابعة، وهو من الأدوية التي منع الأطباء من استعمالها لخطرها وفرط إسهالها، السنا: نبت حجازي أفضله المكي، وهو دواء شريف مأمون الغائلة، قريب من الاعتدال، حار يابس في الدرجة الأولى، يسهل الصفراء والسوداء، ويقوي جرم القلب، وهذه فضيلة شريفة فيه وخاصيته النفع من الوسواس السوداوي.
قال الرازي: السناء والشاهترج يسهلان الأخلاط المحترقة، وينفعان من الجرب
والحكة، قال: والشربة من كل واحد منهما من أربعة دراهم إلى سبعة.
السنوت: قيل هو العسل، وقيل هو رب عكة السمن يخرج خططا سوداء على السمن وقيل: حب يشبه الكمون وليس به، وقيل: هو الكمون الكرماني: وقيل: إنه الرازيانج، وقيل:
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 93 وقال: رواه الطبراني من طريق وكيع بن أبي عبيدة عن أبيه عن أمه ولم أعرفهم.
(2) أخرجه ابن ماجه (3457).
(*)(12/156)
إنه الشبت، وقيل: إنه العسل الذي يكون في زقاق السمن، قال بعض الأطباء: وهذا أجدر بالمعنى، وأقرب إلى الصواب، أي يخلط السناء مدقوقا بالعسل المخالط للسمن ثم يلعق فيكون أصلح من استعماله مفردا، لما في العسل والسمن من إصلاح السنا، وإعانته على الإسهال.(12/157)
الباب الثالث والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الكي
وفيه أنواع: الأول: فيما قيل إنه - صلى الله عليه وسلم - اكتوى قال الحافظ - رحمه الله تعالى -: لم أر في أثر صحيح أنه اكتوى، إلا أن القرطبي نسب إلى (أدب النفوس) للطبري أنه - صلى الله عليه وسلم - اكتوى ذكره الحليمي بلفظ (روى أنه اكتوى للجرح الذي أصابه بأحد) قال الحافظ: والثابت في الصحيح في غزوة أحد (أن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - أحرقت حصيرا فحشت به جرحه) وليس هذا الكي المعهود.
الثاني: في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عنه لغير حاجة.
روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكي، فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا).
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكي، وكان يكره شرب الحميم.
وروى الطبراني في الكبير برجال الصحيح وابن قانع عن سعد الطفري - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى عن الكي) وفي لفظ قال: (أنهي عن الكي) وقال: (أكره شرب الحميم) (1).
وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أخوه وقد سقي فقال: يا رسول الله إن أخي قد سقي بطنه فأتينا الأطباء فأمروني بالكي أفأكويه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تكوه ورده إلى أهله فمر به بعير، فضرب بطنه فأحمص بطنه فأتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أما إنك لو أتيت به الأطباء، قلت: النار شفته) (2).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح ومسدد وأبو نعيم في الطب عن عائشة - رضي الله تعالى: عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مكان الكي التكميد ومكان العلاق السعوط ومكان النفخ اللدود) (3).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 100 وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 100 وقال: رواه الطبراني في الثلاثة وفيه عبد الله بن عيسى الخزاز وهو ضعيف.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 100، 101، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أن إبراهيم لم يسمع من عائشة.
(*)(12/158)
وروى أبو نعيم في الحلية عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره الكي والطعام الحار ويقول: (عليكم بالبارد فإنه ذو بركة، ألا وإن الحار لا بركة فيه).
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن المغيرة - رضي الله تعالى عنه -
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اكتوى أو استرقى برئ من التوكل).
وروى الطيالسي وابن حبان ومسدد والحاكم والطبراني في الكبير برجال ثقات عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - (أن ناسا من الأنصار أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن صاحبا لنا مرض مرضا شديدا، وإنه نعت له الكي أفنكويه ؟ فسكت، فعاودناه فسكت، ثم عاودناه الثالثة، فقال: (ارصفوه احرقوه، وكره ذلك)، وفي لفظ أبي يعلي: (إن شئتم فاكووه وإن شئتم فارصفوه) (1).
وروى مسدد وابن أبي شيبة بسند ضعيف عن جابر - رضي الله تعالى عنه -: قال: اشتكى رجل منا شكوى شديدة فقال الأطباء: لا يبرأ إلا بالكي، فأراد أهله أن يكووه فقال بعضهم: لا جتى نستأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأمروه فقال: (لا)، فبرأ الرجل فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هذا صاحب بني فلان) ؟ قالوا: نعم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن هذا لو اكتوى لقال الناس: إنما برئ بالكي).
وروى الحارث مرسلا عن العلاء بن زياد - رحمه الله تعالى - أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابن لها قد سقي بطنه فقالت: يا رسول الله إن ابني لمصاب فما ترى أفأكويه فقال: (لا تكويه) فأجمعت أن لا تكويه، فضربه بعير فخبطه أو لبطه وفقأ بطنه، فبرأ، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله استأذنتك في ابني أن تكويه فنهيتني، فمر به بعير فخبطه أو لبطه ففقأ بطنه وبزأ، فقال: أما إني لو أذنت لك لزعمت أن النار هي التي شفته.
الثالث: في كيه - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بيده.
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: [ رمي سعد بن معاذ - رضي الله تعالى عنه - ] (2) في أكحله فحسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده بمشقص ثم [ ورمت فحسمه الثانية ] (3).
__________
(1) انظر المجمع 5 / 102.
(2) سقط في أ.
(3) أخرجه مسلم 4 / 1731.
(*)(12/159)
وروى الطبراني برجال الصحيح عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال: حدثني عمي أن أبا أمامة أصابه وجع يسميه أهل المدينة الذبح، فكواه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده (1).
وروى أبو يعلي برجال الصحيح عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كواه.
الرابع: في وصفه - صلى الله عليه وسلم - الكي لبعض أصحابه.
روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: رمي أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - يوم الأحزاب في أكحله فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه.
وروى الطبراني في الكبير عن كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد البراء بن معرور وقد أخذته ذبحة فأمر من يبطه بالنار حتى يوجهه (2).
تنبيهات الأول: قال الأطباء: إنما يستعمل الكي في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به، ولهذا وصفه - صلى الله عليه وسلم - ثم نهي عنه، وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولهذا كانت العرب تقول في أمثلتها: (آخر الدواء الكي) والنهي فيه محمول على الكراهة، أو على خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث.
وقيل: إنه خاص لعمران بن حصين، لأنه كان به الباسور، وكان موضعه خطر فنهاه عن كيه، فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح قال ابن قتيبة: الكي نوعان: كي الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل من اكتوى، لأنه يريد أن يدفع عنه القدر، والقدر لا يدافع.
والثاني: كي الجرح إذا فسد، والعضو إذا قطع فهو الذي شرع التداوي له، فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولي، لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق، قال الحافظ: وحاصل الجمع أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجع من فعله، ولذا وقع الثناء على تركه، وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقا للشفاء.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 101 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 102 وقال: رواه الطبراني وفيه عيسى بن عبد الرحمن من ولد النعمان بن بشير وهو ضعيف.
(*)(12/160)
الباب الرابع والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الحمى
روى الإمام أحمد برجال ثقات، وفيه راو لم يسم، عن أبي بشير الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الحمي: (أبردوها بالماء، فإنها من فيح جهنم) (1).
وروى الطبراني والبزار عن سمرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى قطعة من النار فأبردوها عنكم بالماء البارد) وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حم دعى بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل.
وروى الطبراني في الكبير برجال ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: إذا حم أحدكم فليسن عليه من الماء البارد ثلاث ليال.
وروى الطبراني عن عبد الرحمن بن المرفع أن المسلمين في غزوة خيبر وقعوا في الفواكه فأخذتهم الحمى، فشكوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن الحمى رائد الموت وهي سجن الله في الأرض فبردوا لها الماء في الشنان وصبوا عليكم فيما بين الأذانين أذان المغرب وأذان العشاء)، ففعلوا فذهبت عنهم فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه بذلك فقال:
(إنه لا وعاء إذا ملى شر من بطن قال: فإن كنتم لا بد فاعلين فاجعلوها ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للريح أو النفس) (2).
وروى أبو يعلى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والنسائي والضياء عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (إذا حم أحدكم فليسن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر).
وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن عباس والإمام أحمد والبيهقي والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء).
وروى والبيهقي والترمذي وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - والإمام أحمد والبيهقي والترمذي والنسائي وابن ماجه عن رافع بن خديج والبيهقي والترمذي وابن ماجه عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء).
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى كير من جهنم فما أصابت المؤمن منها كان حظه من النار).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 97.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 97، 98 وقال: رواه الطبراني وفيه المحبر بن هارون ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
(*)(12/161)
وروى ابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحمى كير من جهنم، فنحوها عنكم بالماء البارد).
وروى الطبراني في الكبير عن أبي ريحانة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى كير من جهنم وهي نصيب المؤمن من النار).
وروى الطبراني في الأوسط عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى حظ أمتي من النار).
وروى ابن قانع عن أسد بن كرز أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى تحت الخطايا
كما تحت الشجرة ورقها).
وروى ابن السني وأبو نعيم في الطب عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى رائد الموت وسجن الله في الأرض).
وروى البيهقي في الشعب عن الحسن مرسلا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى رائد الموت وسجن الله في الأرض المؤمن، يحبس بها عبده إذا شاء ثم يرسله إذا شاء، ففتروها بالماء).
وروى البزار عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى حظ كل مؤمن من النار).
وروى ابن أبي الدنيا عن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة).
وروى القضاعي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الحمي حظ كل مؤمن من النار، وحمى ليلة تكفر خطايا سنة مجرمة.
وروى الطبراني في الكبير والحاكم عن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل.
وروى الطبراني في الكبير عن عبد ربه بن سعيد بن قيس عن عمته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أم ملدم تخرج خبث ابن آدم كما يخرج الكير خبث الحديد).
وروى ابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تسبوا الحمى فإنها تنفي الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد).
وروى الإمام أحمد والترمذي وقال حسن غريب، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وأبو نعيم في الطب، والطبراني في الكبير عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - قال: قال(12/162)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أصاب أحدكم الحمى، فإن الحمى قطعة من نار) ولفظ الطبراني:
(من نار جهنم فليطفئها عنه بالماء) زاد الطبراني (البارد فلينفع في نهر جار، ويستقبل جريته ويقول: بسم الله، اللهم اشف عبدك، وصدق رسولك) هذا بعد صلاة الصبح وقيل طلوع الشمس، ولينغمس فيه ثلث غمسات ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس، فإن لم يبرأ فسبع، فإن لم يبرأ فتسع، فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله تعالى.
وروى النسائي وأبو يعلي والحاكم وأبو نعيم والضياء عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا حم أحد كم فليسن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر).
قال الضياء وروى: (فليشن) أي بالمعجمة ولعلة تصحيف.
تنبيهات الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم - (فأبردوها بالماء) زاد في رواية (البارد) قيل: المراد بغسله بالماء إن قيل: الإبراد والإطفاء بحقن الحرارة إلى الباطن فتزيد الحمى وربما يهلك ؟ أجيب بأن المراد من ذلك الحمى الصفراوية، فأن أصحاب الصناعة الطبية يسلمون أن تبريد صاحبها أن يستقي بالماء البارد ويغسل أطرافه به، وقيل: المراد الرش بين البدن والثوب، وقيل: المراد التصدق بالماء عن المريض ليشفه الله تعالى، لما رواه الإمام أحمد غيره وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما فعلته أسماء بنت الصديق - رضي الله تعالى عنها - فإنها كانت ترش على البدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه، فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها، والصحابي ولا سيما مثل أسماء التي كانت ممن يلازم بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم بالمراد من غيرها.
الثاني: اختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل: حقيقة، واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم، وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك، كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة، أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة، وقيل: بل الخبر ورد مورده التشبيه والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم، تنبيها للنفوس على شدة حر النار، وأن
هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها.
الثالث: قال ابن القيم: قوله (بالماء) فيه قولان: أحدهما: أنه كل ماء وهو الصحيح.
الثاني: أنه ماء زمزم.(12/163)
واختلف من قال: إنه على عمومه هل المراد به الصدقة بالماء أو استعماله على قولين والصحيح أنه استعماله.
قال الإمام المازري: لا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى أن المريض يكون الشئ دواء له في ساعة، فيصير داء له في الساعة التي تليها لعارض يعرض له، فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشئ من حاله ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال، والطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء والتأثير المألوف وقوة الطباع، ويحتمل أن يكون هذا في وقت مخصوص، فيكون من الخواص التي اطلع عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوحي، ويضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب.
الخامس: جعل ابن القيم خطابه - صلى الله عليه وسلم - خاصا بأهل الحجاز وما والاهم إذا كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس، قال: وهذا ينفع فيها الماء البارد شربا واغتسالا لأن الحمى حرارة تستعمل في القلب، وتنبت منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن، وهي قسمان: عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس ونحو ذلك ومرضية: وهي ثلاثة أنواع، وتكون من مادة ومنها ما يسخن جميع البدن، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم، لأنها في الغالب تزول في يوم، ونهايتها ثلاثة أيام وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية، وهي أربعة أصناف: صفراوية وسوداوية وبلغمية ودموية.
وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب انتهى.(12/164)
الباب الخامس والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المعيون
وفيه أنواع: الأول: في أن العين حق وجل من يموت بها.
روى أبو يعلى والطيالسي والبخاري في التاريخ والحكيم والضياء والبزار برجال ثقات غير طالب بن حبيب بن عمر بن سهل الأنصاري وهو ثقة، قاله الهيثمي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (جل) وفي لفظ (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله عز وجل وكتابه وقدره بالأنفس يعني بالعين) (1).
وروى الإمام مالك [...].
وروى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد وابن حبان والحاكم والطبراني في الكبير والضياء عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (على ما يقتل أحدكم أخاه ألا بركت ؟ إن العين حق ترضأ له) وفي لفظ (اغتسل له إذا رأى أحدكم شيئا يعجبه فليبرك) (2).
وروى النسائي وابن ماجه والطبراني في الكبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف والطبراني في الكبير عنه عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (على ما يقتل أحدكم أخاه، إذا رأي من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة) (3).
وروى ابن قانع عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (على ما يقتل أحدكم أخاه، وهو عن قتله غني، إن العين حق فمن رأى من أحد شيئا يعجبه أو من ماله فليبرك عليه فإن العين حق).
وروى الإمام أحمد والبزار برجال ثقات والبيهقي عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه -
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن العين لتولع الرجل بإذن الله تعالى حتى يصعد حالقا ثم يتردى منه) (4).
وروى الطبراني في الكبير عن أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (نصف ما يحفر لأمتي من القبور من العين) (5).
__________
(1) انظر المجمع 5 / 109.
(2) أخرجه ابن حبان في موارد الظمآن (1424).
(3) أخرجه البيهقي 9 / 351.
(4) ذكره البيهقي في المجمع 5 / 109 وقال: رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 109 وقال: رواه الطبراني وفيه علي بن عروة الدمشقي وهو كذاب.
(*)(12/165)
وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم بسند لا بأس به عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (العين حق حتى يستنزل الحالق).
ورواه مسلم عنه بلفظ: [ (العين حق ولو كان شئ سابق القدر لسبقته العين).
ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح والكجي في سننه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ]: (1) (العين حق، ويختص بها الشيطان وحسد بني آدم).
وروى ابن ماجه والحاكم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [: (استعيذوا بالله من العين فإن العين حق).
وروى ابن عدي وأبو نعيم في الحيلة عن جابر وابن عدي عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - ] (2) قال: (العين حق تدخل الجمل القدر، والرجل القبر).
وروى الإمام أحمد ومسلم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (العين حق ولو كان شئ سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا).
وروى ابن ماجه عن عامر بن ربيعة والإمام أحمد والبيهقي وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (العين حق).
الثاني: في أمره - صلى الله عليه وسلم - بالاسترقاء للمعيون.
روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح إلا شيخه سهل بن مودود فيحرر حاله عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندنا صبي يشتكي فقال: (ما هذا) ؟ قلنا: إنما به العين قال: (ألا تسترقون له من العين) (3).
وروى البيهقي عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (استرقوا لها فإن لها النظرة).
وروى الحكيم [ عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أفلا استرقيتم لها فإن ثلث منايا أمتي من العين).
روى البيهقي عنها قالت: قالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (استرقوا لها فإن لها النظرة).
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(2) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 115 وقال: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه سهل بن مودود ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(*)(12/166)
وروى البزار ] (1) عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من رأى شيئا فأعجبه) فقال: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره).
وروى البزار برجال ثقات عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا رقية إلا من عين أو حمة) (2).
وروى الطبراني بسند حسن عن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أرقي من حمة العين في الجاهلية، فلما أسلمت ذكرتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أعرضها على)، فعرضتها عليه، فقال: (ارق بها فلا بأس)، ولو لا ذلك ما رقيت بها إنسانا أبدا (3).
وروى البزار عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى شيئا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره).
وروى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر أن يسترقى من العين.
الثالث: في أمره - صلى الله عليه وسلم - العائن بالوضوء وصبه على المعين روى الإمام مالك وأحمد وابن معين برجال ثقات عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالذي أصاب بعين أن يتوضأ ويغتسل به المعين) (4).
روى الإمام مالك وأحمد برجال الصحيح عن محمد بن أبي أمامة، وابن أبي شيبة والطبراني برجال الصحيح عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه وابن أبي شيبة والطبراني والنسائي برجال الصحيح عن عامر بن ربيعة والإمام أحمد برجال الصحيح والطبراني عن [...] قال سهل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج وسار نحو مكة حتى إذا كان بشعب الخرار من الجحفة قال عامر: انطلقت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر فوجد خمرا وغديرا، وكان أحدنا يستحي أن يغتسل وأحد يراه، فاستتر مني حتي إذا رأى أن قد فعل نزع جبته عليه من كساء ثم دخل الماء، فنظرت إليه نظرة فأعجبني خلقه قال محمد: وكان سهل شديد البياض حسن الخلق، وقال سهل: فقال عامر: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط به حتى ما يعقل من شدة الوجع، وقال عامر: فأصبته بعيني فأخذه قعقعة وهو في الماء فانطلقت إلى
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(2) أخرجه أحمد 1 / 271، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (28365).
(3) انظر المجمع 5 / 114.
(4) أخرجه أبو داود (3880).
(*)(12/167)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته الخبر، وقال محمد: فوعك سهل مكانه فاشتد وعكه فأخبر
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل له: هل لك في سهل ما يرفع رأسه ؟ وكان قد اكتتب في جيش فقالوا: هو غير رابح معك يا رسول الله، والله ما يفيق، قال عامر: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوموا، فأتاه فرفع عن ساقه، ثم دخل إليه الماء، فلما أتاه ضرب صدره فقال: (اللهم أذهب حرها وبردها ووصبها) ثم قال: (قم) فقام وفي حديث محمد والزهري فقال: (من تتهمون به) فقال عامر: فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتغيظ عليه، وقال: (علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع بالبركة)، وفي رواية: (ألا بركت) ثم دعا بماء في قدح فأمر عامر أن يتوضأ، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف قدميه وداخلة إزاره في قدح، وأمره أن يصب الماء عليه من حلقه على رأسه وظهره ثم يكفي القدح وراءه، ففعل به مثل ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس، زاد الطبراني: قال ابن شهاب: الغسل الذي أدركت عليه علماءنا يصنعون أن يؤتى الرجل الذي يعين صاحبه بالقدح فيه الماء، فيمسك له مرفوعا من الأرض، فيدخل الذي يعين صاحبه يده اليمنى في الماء ويمضمض ثم يمجه في القدح، ثم يدخل يده اليمني في الماء فيصب على وجهه الماء صبة واحدة في القدح، ثم يدخل يده اليمني ويغسل يده اليسرى صبة واحدة في القدح إلى المرفقين، ثم يدخل يديه جميعا فيغسل صدره صبة واحدة، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفق يده اليمنى صبة واحدة في القدح وهو في يده إلى عنقه، ثم يفعل ذلك في مرفق يده اليسري، ثم يفعل مثل ذلك على ظهر قدمه اليمنى من عند أصول الأصابع واليسري كذلك، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ظهر ركبته اليمني، ثم يفعل باليسرى كذلك، ثم يغمس داخل إزاره اليمنى، ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح فيصبه على رأس المعيون من ورائه، ثم يكفأ القدح على ظهر الأرض من ورائه (1).
الرابع: في أمره - صلى الله عليه وسلم - بنصب الجماجم في الزرع لأجل المعين إن صح الخبر.
روى البزار بسند ضعيف عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر
بالجماجم أن تنصب في الزرع فقلت: من أجل ماذا ؟ قال: (من أجل العين) (2).
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 486 والبيهقي في الشعب 6 / 163.
وابن كثير في التفسير 8 / 232، وذكره الهيثمي في المجمع 5 / 111، 112.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 112 وقال: رواه البزار وفيه الهيثم بن محمد بن حفص وهو ضعيف ويعقوب بن محمد الزهري ضعيف أيضا.
(*)(12/168)
تنبيهات الأول: العين نظر باستحسان مشوب، تحل من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر.
قال بعضهم: وإنما يحصل ذلك من سم يصل من عين العائن في الهوى إلى بدن المعيون، ونظير ذلك الحائض تضع يديها في إناء اللبن فيفسد، ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد، وأن الصحيح ينظر في عين الأرمد فيرمد، وينشاب أحد بحضرته فينشاب هو.
الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم - العين حق أي: الإصابة بها شئ ثابت موجود، قال الإمام المازري: أخذ بظاهر الحديث الجمهور، وأنكره طوائف من المبتدعة لغير معنى، لأن الشارع أخبر بوقوعه.
الثالث: استشكل بعض الناس هذه الإصابة فقال: كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون ؟ وأجيب بأن طبائع الناس تختلف، فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهوى إلى بدن المعيون، وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال: إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني، ومن ذلك الحائض إذا وضعت يدها في إناء اللبن أفسدته، ولو وضعتها بعد طهرها لم تفسد.
الرابع: قال الإمام المازري: الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تصدر عن نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص آخر، خلافا لبعض
الأطباء، يعني القائل بأن العائن يبعث من عينه قوة سمية تنصل بالمعيون فيهلك أو يفسد، وهو كإصابة السم وقد أجرى الله تعالى العادة بحصول الضرر عندها خلافا للفلاسفة وقد أجرى الله تعالى العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح، كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتسمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك، وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه وكثير من الناس يسقم لمجرد النظر إليه، ويضعف قواه، وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات أشد ارتباطا بالعين وليست هي المؤثرة، وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طبائعها وكيفياتها الخبيثة وخواصها، فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية لخبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة.
والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى، وخلقه ليس مقصورا على الاتصال الجسماني، بل تارة يكون به وتارة يكون بالمعاينة، وأخرى بمجرد الرؤية، وأخرى بتوجيه الروح.
الخامس: قال ابن القيم: والمقصود العلاج النبوي لهذه العلة، فمن التعوذات والرقى الإكثار من قراءة المعوذتين والفاتحة وآية الكرسي.(12/169)
والتعوذ النبوي نحو: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
ونحو: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.
وإذا كان يخشي ضرر عينه وإصابتها للمعين فليدفع شرها بقوله (اللهم بارك عليه) كما قال - صلى الله عليه وسلم - لعامر بن ربيعة لما عان [ سهل بن حنيف ] (1): ألا باركت عليه.
السادس: ومما يدفع إصابة العين قوله (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) وما رواه مسلم أن جبريل رقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال (بسم الله أرقيك، من كل شر يؤذيك، ومن شر كل ذي نفس
أو عين حاسدة، الله يشفيك، بسم الله أرقيك).
وروى عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -: (بسم الله يبرئك، من كل داء يؤذيك ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين).
السابع: قال الإمام المازري: المراد بداخلة الإزار الطرف المتدلي مما يلي حقوه الأيمن، قال: وظن بعضهم أنه كناية عن الفرج، وزاد القاضي عياض: أن المراد ما يلي جسده من إزاره، وقيل: موضع الإزار من الجسد، وقيل: وركه، لأنه معقد الإزار، قال المازري: وهذا المعنى مما يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه.
وقال ابن العربي: إن توقف مبتدع، قلنا له: الله ورسوله أعلم، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة، أو يتفلسف: فالرد عليه أظهر، لأن الأدوية عنده تفعل بقواها، وقد تفعل بمعنى ما يدركه ويسمون ما هذا سبيله [ الخواص.
تنبيه في غريب ما سبق ] (2):...
__________
(1) في أ شهر بن ربيع.
(2) سقط في ب.
(*)(12/170)
الباب السادس والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المجذومين
وروى أبو يعلى وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند بسند لا بأس به، عن علي وأبو يعلي والطبراني بسند لا بأس به، عن الحسن بن علي، والطبراني برجال ثقاث عن الوليد ابن حماد شيخه عن معاذ بن جبل، والطبراني والطيالسي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تديموا النظر إلى المجذومين) زاد علي وابنه (وإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم قيد رمح) (1).
وروى ابن السني وأبو نعيم في الطب عن عبد الله بن أبي أوفى، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: (كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين) (2).
وروى الحارث بسند ضعيف وابن عدي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بعسفان وادي المجذومين فأسرع السير، وقال: إن كل شئ من الداء يعدي يعني الجذام).
وروى أبو نعيم في الطب عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (غبار المدينة يبرئ من الجذام).
وروى البخاري في التاريخ وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد).
وروى ابن السني وأبو نعيم معا في الطب عن أبي بكر بن محمد عن سالم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (غبار المدينة يبرئ من الجذام).
[ وروى ابن سعد عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (اتقوا صاحب الجذام كما يتقى السبع إذا هبط واديا فاهبطوا غيره (3)) ] (4).
وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (غسل القدمين بالماء البارد بعد الخروج من الحمام أمان من الجذام).
وروى ابن النجار عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام) (5).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (3543)، وانظر المجمع 5 / 101.
(2) ذكره المتقي الهندي في الكنز (28329).
(3) ذكره المتقي الهندي في الكنز (28322).
(4) ما بين المعكوفين سقط في أ.
(5) ذكره الهيثمى في المجمع 5 / 102، 103 وقال: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الاوسط وفيه أبو الربيع السمان وهو ضعيف.
(*)(12/171)
وروى الاربعة والحاكم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل بسم الله، ثقة بالله، وتو كلا على الله) (1).
وروى الطحاوي عن أبى ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قال: (كل مع صاحب البلاء تواضعا لربك وإيمانا) (2).
وروى الحارث عن ضمرة بن حبيب قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التخلل بعود الريحان والرمان، وقال: (إنه يحرك عرق الجذام) (3).
وروى البيهقي وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فمن أعدى الاول) (4).
وروى الامام أحمد والبيهقي وأبو داود عن أبي هريرة والامام أحمد ومسلم عن السائب ابن يزيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عدوى ولاصفر ولا هامة) (5).
وروى الامام أحمد ومسلم عن جابر - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا غول) (6).
وروى مسلم عن أبي هريرة - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عدوى ولا هامة ولا طيرة وأحب الفأل الصالح) (7).
وروى الامام أحمد والبيهقي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار) (8).
وروى الامام أحمد وأبو داود عن سعد بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شئ ففي الفرس المرأة والدار) (9).
وروى الامام أحمد ومسلم عن أبى هريرة - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا طيرة وخيرها الفأل، الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم) (10).
__________
(1) أخرجه الترمذي (1817)، وابن ماجه (3542).
(2) انظر ضعيف الجامع (4203).
(3) انظر اللآلئ (2 / 257)، والمنهاج السوى ص 370.
(4) أخرجه مسلم 4 / 1742 (2220).
(5) أخرجه مسلم 4 / 1743 (2220).
(6) أخرجه مسلم 4 / 1744 (2222).
(7) أخرجه مسلم 4 / 1746.
(8) أخرجه البخاري كتاب الطب باب لا عدوى (5753).
(9) أخرجه أبو داود 4 / 236 (3921).
(10) أخرجه مسلم 4 / 1745 (2223).
(*)(12/172)
وروى الامام أحمد البيهقي وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، والفأل الصالح: الكلمة الحسنة).
وروى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا نوء ولا صفر) (1).
وروى الامام أحمد وابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [ (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة) قيل: يا رسول الله أرأيت البعير يكون به الجرب فيجرب الابل كلها قال: (ذلكم القدر فمن أجرب الاول) (2).
وروى الامام أحمد والبخاري عن أبي هريرة - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ] (3) (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الاسد) (4).
وروى ابن السني عن عقبة بن عامر - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أصدق الطيرة الفأل، ولا ترد مسلما، وإذا رأيتم من الطيرة شيئا تكرهونه فقولوا: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله) (5).
وروى أبو داود عن قبيصة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (العيافة والطيرة والطرق الجبت) (6).
وروى الامام أحمد البخاري في الادب والاربعة والحاكم عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الطيرة شرك) (7).
وروى الامام أحمد عن أبي هريرة - رضى الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (الطيرة في الدار والمرأة والفرس) (8).
__________
(1) أخرجه أبو داود 4 / 232 (3912).
(2) أخرجه ابن ماجه (3540).
(3) سقط في ب.
(4) أخرجه البخاري كتاب الطب باب الجذام 7 / 164.
(5) ذكره المتقي الهندي في الكنز (28584).
(6) أخرجه أبو داود 4 / 228 (3907).
(7) أخرجه الحاكم 1 / 18.
(8) انظر المجمع 5 / 107.
(*)(12/173)
وروى الامام أحمد بسند لا بأس به عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا حسد والعين حق) (1).
وروى البزار برجال ثقات عن أنس - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عدوى ولا هامة فمن أعدى الاول) (2).
وروى أبو يعلى بسند لا بأس به عن على - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا هامة ولا صفر ولا يعدي سقيم صحيحا) (3).
وروى أبو يعلى والطبراني في الكبير عن عمير بن سعد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ألم تر إلى البعير يكون في الصحراء ثم يصبح في كريه أو في مراحه، لكنه لم يكن قبل ذلك، فمن أعدى الاول) (4).
وروى الطبراني في الكبير برجال الصحيح عن ابن عباس - رضى الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى) فقال أعرابي: يا رسول الله، فإنا نأخذ الشاة الجربة فنطرحها في الغنم فتجرب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أعرابي من أجرب الاولى (5).
وروى الامام أحمد والطبراني في الكبير بسند حسن الحافظ إسناده عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك)، قالوا: يا رسول الله ما كفارة ذلك ؟ قال: (يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله إلا أنت).
وروى البزار نحوه عن بريدة.
وروى أبو نعيم في الطب عن أبى هريرة - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كلوا الزيت وادهنوا به، فإن فيه شفاء من سبعين داء، منها الجذام) (6).
وروى الحكيم والبغوي عن بريدة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يتطير ولكن يتفاءل) (7).
وروى أبو نعيم في الطب عن ضمرة بن حبيب قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
__________
(1) ذكره الهيثمى في المجمع 5 / 104 وقال: رواه أحمد وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف وقد وثقه وبقية رجاله ثقات.
(2) ذگره الهيثمى في المجمع 5 / 105 وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا علي بن الحسين الدرهمي وهو ثقة.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 104 وقال: رواه أبو يعلى وفيه ثعلبة بن يزيد الحماني، وثقه النسائي وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.
(4) انظر المجمع 5 / 105.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 105 وقال: رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح.
(6) أخرجه أبو نعيم في الطب من طريق الطبراني، انظر السلسلة الضعيفة 2 / 7.
(7) ذكره المتقى الهندي في الكنز (18377).
(*)(12/174)
التخلل بعود الريحان الرمان، وقال: (إنه يحرك عروق الجذام).
وفيه عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تتخللوا بقصب آس ولا قصب ريحان، فإنى أكره أن يحرك عرق الجذام).
وفيه عن الاوزاعي مرفوعا أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن التخلل بالآس وقال: (إنه يسقي عرق الجذام) (1).
وفيه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من معمر يعمر في الاسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء، الجنون والجذام والبرص) (2) وفيه عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا بلغ العبد أربعين سنة عوفي من أنواع البلاء: الجنون والجذام والبرص) (3).
وفيه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الشعر في الانف أمان من الجذام).
وروى [ عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الشعر في الانف والاذنين أمان من الجذام) ] (4).
وفيه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تكرهوا أربعة فإنها لاربعة، لا تكرهوا الرمد، فإنه يقطع عروق العمى، ولا تكرهوا الزكام فإنه يقطع عروق الجذام، ولا تكرهوا السعال.
فإنه يقطع عروق الفالج، ولا تكرهوا الدماميل فإنها تقطع عروق البرص) (5).
تنبيهات
الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم - لا عدوى: أي لا سراية للمرض عن صاحبه إلى غيره وقيل: نهى عن أن يقال ذلك أن يعتقد، وقيل: هو خير أي: لا تقع عدوى بطبعها، ولكن قد تكون بقضاء الله وقدره وإجرائه العادة في العدوى من المجذوم بفعل الله وخلقه.
وقال ابن بطال: لا عدوى عام مخصوص.
أي: لا عدوى إلا من المجذوم وقوله (لا نوء) [...].
__________
(1) انظر المنهج السوي 370.
(2) أخرجه أحمد 3 / 217.
(3) انظر كنز العمال (42659).
(4) ما بين المعكوفين سقط في ب.
(5) أخرجه ابن عدى في الكامل 7 / 2697.
(*)(12/175)
وقوله ولا طيرة - بكسر الطاء وفتح التحتية، وقد تسكن - التشاؤم كما كانت العرب تعتقده من التطيير بالطير وغيره، إذ كانوا ينفرون الظباء والطيور فإذا أخذت ذات اليمين تركوا به ومضوا في حوائجهم، وإذا أخذت ذات الشمال رجعوا عن ذلك وتشاءموا بها فأبطله الشرع، وأخبر أنه لا تأثير له في نفع ولا ضر، ولا يعارضه الشؤم في ثلاث لانه في معنى المستثنى منه، فهو كما قال الخطابي عام مخصوص.
وقوله: (ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح طائر، وقيل: هو البومة قالوا: إذا سقطت على دار أحدهم وقعت فيه مصيبة، وقيل: إنهم كانوا يعتقدون أن عظام الميت تنقلب هامة وتطير.
وقوله: ولا صفر بفتحتين قيل: حية تكون في البطن تصيب الماشية الناس، وهي: أعدى من الجرب، وقيل: هو داء يأخذ البطن، وقيل: هو تأخير المحرم إلى صفر.(12/176)
الباب السابع والعشرون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الجسد المقمل وكذا الرأس
روى البزار عن عبد الرحمن بن عوف أنه شكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدواب فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلبس الحرير.
وروى البخاري عنه وأبو نعيم في الطب عن أنس أن الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف شكيا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القمل فرخص لهما في لبس الحرير.
وفي رواية: أرخص لهما في لبس الحرير من حكة كانت بهما، فيحتمل كما قال الحافظ أن تكون إحدى العلتين بأحد الرجلين، أو أن الحكة حصلت من القمل، فنسب العلة تارة إلى سبب، وتارة إلى المسبب (1).
وروى أبو نعيم في الطب عن عبد الرحمن بن عوف - رضى الله تعالى عنه - أنه شكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القمل فرخص اله في لبس الحرير قميص أبيض.
__________
(1) أخرجه البخاري 6 / 118، وأحمد (2920).
(*)(12/177)
الباب الثامن والعشرون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - السحر
روى الامام أحمد عن عائشة - رضى الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (في عجوة أول البكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سم).
وروى مسلم عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة على الريق) (1).
وروى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص - رضى الله تعالى عنه - مرفوعا (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر) وفي رواية لمسلم (من أكل سبع تمرات مما بين لا بتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي) (2).
تنبيهات الأول: قال ابن العربي: السحر، قول مؤلف يعظم به غير الله الكائنات والمقادير وهو من الكبائر بالاجماع، قال مالك: الساحر كافر يقتل ولا يستتاب، ولا تقبل توبته.
وقال النووي: قد يكون كفرا وقد لا يكون كفرا، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا وأما تعمله فحرام وإذ لم يكن فيه ما يقتضى الكفر عذر فاعله واستتيب منه، ولا يقتل عندنا، وإن مات قبلت توبته.
قال القاضي عياض: ويقول مالك: قال أحمد بن محمد بن حنبل وهو يروى عن جماعة من الصحابة والتابعين.
الثاني: اختلف هل له حقيقة، قال النووي: وهو الصحيح، وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة، أو لا حقيقة له، وهو اختيار أبي جعفر الاسترباذي من الشافعية وأبى بكر الرازي من الحنفية وطائفة.
وقال الحافظ: محل النزاع هل يقع بالسحر انقلاب أعيان أو لا ؟ فمن قال: إنه تخييل فقط منع من ذلك، والقائلون بأن له حقيقة اختلفوا هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعا من الامراض، أو ينتهي إلى الاحالة بحيث يصير الجماد حيوانا مثلا وعكسه ؟ فالذي عليه
__________
(1) أخرجه مسلم (2048)، وأحمد 6 / 105.
(2) أخرجه البخاري في الطب (5769).
(*)(12/178)
الجمهور هو الاول، وقال الامام المازرى - رضى الله تعالى عنه -: جمهور العلماء على إثبات السحر، لان العقل لا ينكر أن الله تعالى قد خرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق أو تركيب أجسام، أو مزج بين قوى على ترتيب مخصوص ونظير ذلك ما وقع من حذاق الاطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى الضار منها بفرده فيصير نافعا بالتركيب [ وقيل: لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله، لان المقام مقام تهويل، والصحيح من جهة العقل أن ] (1) يقع به أكثر من
ذلك، والاية وإن كانت ظاهرة في ذلك فليست نصا في منع الزيادة.
قال الامام المازري: الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك إنما تقع غالبا اتفاقا، والمعجزة تمتاز عن الكرامة بالتحدي.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في ب.
(*)(12/179)
الباب التاسع والعشرون في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الرمد وضعف البصر
روى الامام أحمد برجال الصحيح والشيخان وابن ماجه وأبو داود والترمذي عن سعيد ابن زيد وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس وعن عائشة - رضى الله تعالى عنهم - قال: قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -: (الكمأة من المن) وفي لفظ: الذي أنزل الله على بني إسرائيل وفي لفظ: (المن والسلوى وماؤها شفاء للعين) (1).
وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (خير أكحالكم الاثمد ينبت الشعر ويجلو البصر) (2).
وروى الطبراني بسند جيد عن على - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال: (عليكم بالاثمد، فأنه منبتة للشعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر) (3).
وروى الترمذي عن ابن عباس - رضى الله تعالى عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: (اكتحلوا بالاثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر) (4).
وروى البيهقي في الشعب عن ابن عباس - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اكتحل بالاثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا) (5).
وروى الامام أحمد عن معبد بن هوذة - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اكتحلوا بالاثمد المروح، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر) (6).
وروى البخاري في التاريخ عن النعمان الانصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الاثمد يجلو البصر وينبت الشعر) (7).
وروى أبو نعيم في الحلية والطيالسي والبيهقي عن ابن عباس وابن النجار عن أبى هريرة وعبد بن حميد وابن ماجه وابن منيع وأبو يعلى والعقيلي في الضعفاء والضياء عن جابر وابن ماجه والحاكم عن ابن عمر، وأبو نعيم في الحلية وابن السني الطبراني في الكبير عن على،
__________
(1) أخرجه البخاري (4639).
(2) ذكره الهيثمى في المجمع 5 / 99 وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
(3) انظر المجمع 5 / 99.
(4) أخرجه الترمذي 5 / 447، وأبو داود (3878).
(5) أخرجه البيهقي في الشعب 3 / 367.
(6) أخرجه أبو داود (2377).
(7) أخرجه البخاري في التاريخ 4 / 1 / 398.
(*)(12/180)
والبغوي في مسند عثمان - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (عليكم بالاثمد عند النوم) وفي لفظ: (بالكحل فإنه يجلو البصر وينبت الشعر) وفي لفظ: (فإنه ينبت الشعر ويشد العين) (1).
وروى أبو نعيم وابن السني عن صهيب - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (عليكم بالكمأة الرطبة فإنها من المن وماؤها شفاء للعين) (2).
وروى البغوي والبيهقي والديلمي عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة الانصاري عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تكتحل بالنهار وأنت صائم بالاثمد اكتحل بالاثمد ليلا فإنه يجلو البصر وينبت الشعر) (3).
وروى الامام أحمد والطبراني بسند جيد عن عمرو بن حريث قال: حدثني أبى عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) (4).
وروى أبو نعيم عن أبي سعيد - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الكمأة من المن والمن من الجنة وماؤها شفاء للعين) (5).
وروى أبو نعيم في الطب عن جابر بن عبد الله - رضى الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا هم إلا هم الدين ولا وجع إلا وجع العين) (6).
وفيه عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نكتحل بالاثمد المروح، وقال: ليتقه الصائم) قال عبد العزيز: قيل لابي النعمان: ما المروح ؟ قال: المسك (7).
وروى فيه أن عثمان بن عفان تحير عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المحرم يشتكى عينيه قال يصمدهما بالصبر، وفيه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عرق العمى).
وفيه عن صهيب أنه قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة وبين يديه تمر فقال:
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (3496)، والترمذي في الشمائل (50).
(2) انظر المنهج السوي ص 335.
(3) انظر كنز العمال (23830).
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 91 وقال: رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال من المن، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(5) أخرجه ابن ماجه (3453).
(6) ذكره الهيثمى في المجمع 2 / 313 وقال: رواه الطبراني في الصغير والاوسط وفيه مرين بن سهل قال الازدي كذاب.
(7) أخرجه أبو داود 2 / 776 (2377).
(*)(12/181)
(ادن فكل) فأخذت آكل من التمر، فقال: (أتأكل تمرا وبك رمد) ؟ فقلت: يا رسول الله أمصه
من الناحية الأخري، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي لفظ: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يتغذى وبين يديه تمر وترثم من خبز والترثم هو الخبر المفتوت وأنا أشتكي عيني فوقعت في التمر آكله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا صهيب أتأكل على عينيك وأنت رمد، فقلت: أنا آكل على شقي الصحيح، وأنا أمزح مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نظرت إلى نواجذه (1).
وروى فيه عن أم سلمة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها) (2).
تنبيهان: الأول: الرمد ورم حار يصعد من المعدة إلى الدماغ، فإن اندفع إلى الخياشيم أحدث الزكام أو إلى العين أحدث الرمد أو إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخناق بالخاء المعجمة والنون، أو إلى الصدر أحدث النزلة، أو إلى القلب أحدث الخبطة وإن لم ينحدر طلب نفاذا، فلم يجد أحدث الصداع.
الكمأة: بفتح الكاف وسكون الميم وهمزة مفتوحة: نبات لا ورق له ولا ساق يوجد في الأرض من غير أن يزرع.
وقوله: (من المن) قيل: إنه من المن المنزل على بني إسرائيل.
قال الخطابى: ليس المراد أنها نوع من المن الذى أنزل الله تعالى على بني إسرائيل، فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان كالترنجين الذي يسقط على الشجر، وإنما المعنى أن الكمأة شئ ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي، وإنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة، لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة.
قال ابن الجوزي: في المراد بكونها شفاء للعين قولان: أحدهما: أنه ماؤها حقيقة إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفا في العين، لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين:
أحدهما: أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها حكاها أبو عبيد.
ثانيهما: أنه يشق ويوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها، ثم يؤخذ الميل فيجعل في
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 399.
(2) انظر كنز العمال (18342) (*).(12/182)
ذلك الشق، وهو فاتر فيكتحل بمائها، لأن النار تلطفه وتذهب فضلاته الرديئة وتبقي النافع منه، ولا يجعل الميل في مائها، وهي باردة يابسة فلا ينجح.
وداء آخر تجعل الكمأة في قدر جديد ويصب عليها الماء، ليس معها ملح، ثم يؤخذ غطاء جديد بفم فيجعل على القدر فما جرى في الغطاء من بخار الكمأة فذلك الماء الذي يكتحل به.
وروى ابن واقد: أن ماء الكمأة إذا انحصر ورئي منه الإثمد كان من أصلح الأشياء للعين إذا اكتحل به يقوي أجفانها ويزيد الروح الباصرة قوة وحدة ويدفع عنها نزول النوازل.
وروى أيضا: (إذا اكتحل بماء الكمأة وحده) وقيل: إذا كان لبرودة بماء العين من حرارة فماؤها مجرد شفاء وإلا فبالتركيب، وقيل: هو شفاء مطلقا.
الباب الثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - من عرق الكلية
روى الحارث وأبو نعيم في الطب والطبراني في الكبير والحاكم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الخاصرة عرق الكلية إذا تحركت آذت صاحبها، فداووها بالماء المحرق والعسل) (1).
وروى أبو نعيم في الطب عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الخاصرة عرق الكلية إذا تحركت آذت صاحبها، فداووها بالماء المحرق والعسل).
وفيه عنها أن الخاصرة كانت تسهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: فكنا ندعوها عرق الكلية.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 90 وقال: رواه الطبراني في الأوسط في حديث طويل هو في إسناده من لم أعرفهم.
(*)(12/183)
الباب الحادي والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - المفؤود
روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - قال: مرضت مرضا فأتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني، فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي، وقال لي: إنك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلدة من ثقيف فإنه رجل يتطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن) (1).
وروى ابن مندة عن سعد قال: مرضت، فعادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إني لأرجو أن يشفيك الله)، ثم قال للحارث بن كلدة: (عالج سعد مما به).
وروى الطبراني في الكبير عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي، فقال: أنت رجل مفؤود فات الحارث بن كلدة، فإنه رجل يتطبب فليأخذ خمس تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن) (2).
وروى الإمام أحمد والحارث بسند فيه ابن الهيعة والإمام أحمد والطبراني في الكبير عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وعبد الرزاق عن رجل من بني زهرة وعبد الرزاق عن معمر بلاغا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذربة بطونهم) (3).
وروى أبو نعيم في الطب قال: مرض سعد بن أبي وقاص، وهو مع رسول الله فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أراني إلا ميت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إني لأرجو أن يشفيك الله حتى يضر بك قوم وينتفع بك آخرون، ثم قال للحارث بن كلدة الثقفي: عالج سعدا مما به، فقال: والله إني لأرجو أن يكون شفاؤه مما به في رحله، هل معكم من هذه التمرة العجوة شئ ؟ قالوا: نعم، قال: فصنع له القرنفة خلط له التمر بالحلبة، ثم أوسعها سمنا ثم أحساها إياها فكأنما ينشط من عقال.
[ وفيه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع، قالت ] (4) وكان يقول: (إنه ليرتق فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحدا كن الوسخ عن وجهها بالماء (5).
__________
(1) أخرجه أبو داود (3875).
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 91 وقال: رواه الطبراني وفيه يونس بن الحجاج الثقفي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
(3) انظر المجمع 5 / 91.
(4) ما بين المعكوفين سقط في ب.
(5) أخرجه الترمذي (2039).
(*)(12/184)
وفيه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذربة بطونهم).
وفيه عن أنس أنه قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهط من عرينة فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: احتوينا المدينة وعظمت بطوننا وانتشهت أعضادنا فأمرهم أن يجيئوا براعي الإبل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى ضمرت بطونهم.
وفيه عن صهيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بأبوال الإبل البرية وألبانها) (1).
وفيه عن الشيخين عن أبي سعيد أن رجلا أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أخي استطلق وفي لفظ: يشتكي بطنه فقال: (اسقه عسلا)، فسقاه ثم أتاه فقال: يا رسول الله قد سقيته، فلم يزده إلا استطلاقا فقال: (اسقه عسلا)، قال: أما في الثالثة أو في الرابعة قال: حسيته
فسقاه فشفي ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صدق الله تعالى وكذب بطن أخيك) (2).
تنبيهات الأول: الحارث بن كلدة بفتح الكاف واللام ذكر في الصحابة، وقال ابن أبي حاتم: لا يصح إسلامه، قال الحافظ: وهذا الحديث يدل على جواز الاستعانة بأهل الذمة في الطب قال الأذرعي: [...].
الثاني المفؤود بميم مفتوحة ففاء ساكنة فهمزة مضمومة فواو فدال مهملة: الذي أصيب بفؤاده، فهو يشتكيه كالمبطون، وهذا الحديث من الخطاب العام الذي أريد به الخاص، كأهل المدينة ومن جاورهم، والتمر لأهل المدينة كالحنطة لغيرهم، وفي التمر خاصية لغيرهم لأهل الداء سيما تمر المدينة ولا سيما تمر العجوة وفي كونها سبعا خاصية أخرى تدرك بالوحي وفي الصحيحين: (من تصبح بسبع تمرات عجوة من تمر العالية لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر).
الثالث: قال الخطابي وغيره: أهل الحجاز يطلقون الكذب موضع الخطأ وقال الإمام الرازي: لعله - صلى الله عليه وسلم - علم ذلك بنور الوحي أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلما لم يظهر نفعه في الحال مع كونه - صلى الله عليه سلم - كان عالما أنه سيظهر نفعه بعد ذلك ولا التفات لاعتراض بعض الملحدة بأن العسل مسهل، فكيف يوصف لمن به الإسهال لأن ذلك لم يحط به علما، جهلا منه باتفاق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف العادة
__________
(1) انظر كنز العمال (28285).
(2) أخرجه البخاري 10 / 168 (5716).
(*)(12/185)
والزمان والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة، وعلى أن الإسهال يحدث من [ أنواع منها الهيضة التي تنشأ عن تخمة، واتفقوا على أن علاجها بترك ] (1) الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل أعينت ما دام بالعليل قوة، فكأن هذا الرجل استطلق بطنه من تخمة أصابته فوصفه له
النبي - صلى الله عليه وسلم - لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء لما من العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع من استقرار الغذاء فيها، وللمعدة خمل كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط، ولا شئ في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحار وإنما لم يفده من أول مرة، لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء، إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية وإن جاوزه أوهى القوة، وأحدث ضررا آخر، فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء، فأمره بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله تعالى.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: (فليجأهن) أي: (فليذوقهن)، والوجيئة: تمر يبل بلبن أو سمن ثم يدق حتى يلتئم.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في ب.
(*)(12/186)
الباب الثاني والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - عرق النسا
روى الإمام أحمد والحاكم برجال الصحيح والضياء والطبراني في الأوسط وأبو يعلى وابن ماجه وأبو نعيم في الطب عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كان يصف لعرق النساء) وفي لفظ: (كان يأخذ ألية كبش عربي) وفي لفظ: (ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة)، وفي لفظ: (دواء عرق النساء ألية شاة أعرابية تذاب)، وفي لفظ: (فيقطعها صغارا ثم يذيبها فيجيد إذابتها ويجعلها)، وفي لفظ: (يتجزأ ثلاثة أجزاء فتذاب وتشرب في كل يوم جزءا) وفي لفظ: (على الريق) وفي لفظ: (ثم يشرب على الريق كل يوم جزءا) زاد أبو نعيم: قال أنس: لقد فعلت لأكثر من مائة من به عرق النساء فبرأ.
وفي رواية: (فقد نعته لأكثر من ثلثمائة كلهم يبرؤون منه (1).
وروى الإمام أحمد عن رجل من الأنصار عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعت من عرق النسا أن تؤخذ إليه كبش عربي ليست بصغيرة ولا عظيمة فتذاب ثم يجزأ ثلاثة أجزاء فيشرب كل يوم على الريق جزءا (2).
وروى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من اشترى أو أهدي له كبش فليقسمه على ثلاثة أجزاء، كل يوم جزءا على الريق، إن شاء أسلاه، وإن شاء أكله أكلا، يعني: ألية كبش يتداوي به من عرق النسا) (3).
وروى الطبراني في الثلاثة بسند جيد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرق النسا ألية كبش تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يذاب فيشرب كل يوم جزءا على الريق [ إن شاء أسلاه وإن شاء أكله أكلا، يعني: كبش يتداوى به من عرق النسا (4).
وروى الطبراني في الثلاثة بسند جيد، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال:
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (3463)، والحاكم 4 / 206.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 91 وقال: رواه أحمد وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 91 وقال: رواه الطبراني وقال أسلاه يعني أذابه، ورجاله ثقات.
(4) انظر المجمع 5 / 91، 92 (*)(12/187)
نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرق النسا ألية كبش تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يذاب فيشرب كل يوم جزءا على الريق ] (1).
وروى أبو نعيم في الطب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال أقبلت يهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عن ما حرم إسرائيل على نفسه قال: (كان يسكن البدو فاشتكي عرق النسا، فلم يجد شيئا يداويه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرمها)، قالوا:
صدقت (2).
تنبيه: النساء: بفتح النون المهملة: المرض الحال بالعرق، والإضافة فيه من إضافة الشئ إلى محله، قيل: سمي به، لأن ألمه ينسي ما سواه، وهذا العرق ممتد من مفصل الورك، وينتهي إلى آخر القدم وراء [ الكعب ] (3) وهذا الدواء خاص بالعرب وأهل الحجاز ومن جاورهم، وهو أنفعه لهم، لأن هذا المرض يحدث من يبس، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة فعلاجها الإسهال والألية فيها الخاصيتان الإنضاج والتليين، وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين، وفي تعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها، وصغر مقدارها، ولطف جوهرها، وخاصية مرعاها، لأنها ترعى أعشاب البر الحارة، كالشيخ والقيصوم ونحوهما، وهذه إذا تغذى بها الحيوان، صار في لحمه من طبعها بعد أن يلطفها تغذية بها، ويكسبها مزاجا ألطف منها، ولا سيما الألية.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط في ب.
(2) ذكره السيوطي في الدر المنثور 2 / 52.
(3) في ب الورك.
(*)(12/188)
الباب الثالث والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - البثرة
روى أبو نعيم في الطب عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها قال: (أعندك ذريدة) قالت نعم، فدعا بها فوضعها على بثرة بين أصبعين من أصابع رجليه ثم قال: (اللهم مصغر الكبير ومكبر الصغير اطفها عني قال: فطفيت) (1).
الباب الرابع والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الباسور
روى الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الطب وابن السني عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه سلم -: (عليكم بهذه الشجرة المباركة زيت الزيتون فتداووا به فإنه مصحة للباسور) وفي لفظ: (عليكم بزيت الزيتون فكلوه وادهنوا به فإنه ينفع من الباسور) (2).
وروى أبو يعلي في مسنده وابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (عليكم بإنقاء الدبر) وفي لفظ: (بغسل الدبر فإنه يذهب بالباسور) (3) انتهى.
وروى الطبراني في الكبير عن عائشة وعبد الرزاق عن المسور بن رفاعة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (استنقوا) وفي لفظ: (استنجوا بالماء فإنه مصحة للبواسير) (4).
وروى أبو نعيم في الطب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مصفر اللون قال: (ما هذا يا بن عباس) قلت: رويحة يعني الباسور فقال: (بحداثة سنك فأين أنت من اللصف يعني الكبر تأخذه فتدقه فتسف منه) قال: ففعلت فبرأت.
وفيه عن ابن السني عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - قال: أهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - طبق من تين فقال لأصحابه: كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت هي التين وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنه يذهب بالبواسير وينفع من النقرس).
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 277.
(2) انظر المجمع 5 / 103.
(3) ذكره ابن حجر في المطالب العالية 1 / 19 (55).
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 103 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمار بن هارون وهو متروك.
(*)(12/189)
الباب الخامس والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الورم
[ روى أبو يعلى عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده بظهره ورم فقالوا: يا رسول الله بهذه مدة قال: بطوا عنه قال علي: فما برحت حتى بطت والنبي - صلى الله عليه وسلم - شاهد.
وروى عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يبط بطن رجل، أجوى البطن، فقيل: يا رسول الله: هل ينفع الطب ؟ قال: الذي أنزل الداء أنزل الشفاء فيما شاء ].
الباب السادس والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الخنازير
روى الطبراني في الكبير بسنده جيد عن طارق بن شهاب أن رجلا رأى رجلا به الخنازير، فوصف له أبوال إبل الأراك، يعني التي تأكل الأراك، فالطبخه حتى ينعقد ثم اشربه وخذ ورق الأراك فدقه وذره عليه ففعل فبرأ (1).
الباب السابع والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الدوخة
روى أبو يعلي بسند ضعيف عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: (اختضبوا بالحناء فإنه طيب الريح يسكن الدوخة) (2).
فائدة: شكى بعض من حصل له ذلك للشيخ أبي محمد المرجاني، فرأي النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فأشار إلى هذا الدواء، قرنفل وزنجبيل وقرفا وجوزة طيب وسنبل من كل واحد درهم ونصف شونيز درهمين، يدق الجميع، ثم يطبخ ويعقد بعسل النحل، فإذا قرب استواؤه عصر عليه قليل ليمون، ويكون عسل النحل غالبا عليه، ففعل فبرأ، فهذه وإن كانت مما فات فقد عضدته التجربة.
__________
(1) انظر المجمع 5 / 103.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 163 وقال: رواه أبو يعلي من طريق الحسن بن دعامة عن عمر بن شريك قال الذهبي: مجهولان.
(*)(12/190)
الباب الثامن والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - العذرة
روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه وابن حبان عن أم قيس بن محصن - رضي الله تعالى عنهما - أنها أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابن لها قد أعلقت عليه العذرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (على ما تدغرن أولادكن بهذا العلاق عليكن بهذا العود الهندي، فإنه فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب وفي لفظ: ويسعط به من العذرة ويلد من ذات الجنب) وأخرجه عبد الرزاق إلى قوله منها ذات الجنب قال الزهري: فيسعط للعذرة ويلد من ذات الجنب، وظاهره أن هذا القدر مدرج (1).
وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن والإمام أحمد عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عائشة وعندها صبي يسيل منخراه دما فقال لها: ما هذا ؟ فقالوا: به العذرة وفي لفظ: أو وجع في رأسه فقال: ويلكن لا تقتلن أولادكن أيما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه، فلتأخذ قسطا هنديا فلتحكه بماء، ثم تسعطه إياه، فأمرت عائشة فصنع ذلك بالصبي فبرأ وفي لفظ: (على ما تفدين أولادكن، إنما يكفي إحداكن أن تأخذ قسطا هنديا فتحكه بماء سبع مرات، ثم توجره إياه قال: ففعلوا فبرأ (2) ورواه الحاكم عن عائشة.
وروى البزار بسند جيد عن عاشة - رضي الله تعالى عنها - أن أمراة دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها صبي يسيل منخراه دما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (علام تدغرن أولادكن ألا أخذت قسطا بحريا ثم أسعطتيه إياه فإن فيه شفاء من سبعة أدوية إحداهن ذات الجنب) (3).
وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن سعد والبزار وابن السني وأبو نعيم عن أنس والطيالسي والطبراني في الكبير، والإمام أحمد وأبو يعلي والحاكم والضياء عن سمرة
- رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (خير ما تداويتم به الحجامة) وفي رواية (القسط البحري ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وفي لفظ: (أفضل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز) (4).
__________
(1) أخرجه البخاري 10 / 177 (5715، 5718).
(2) أخرجه أحمد 3 / 315.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 92 وقال: رواه البزار وفيه المسعودي وهو ثقة وقد حصل له اختلاط، وبقية رجاله ثقات.
(4) أخرجه أحمد 3 / 107، والحاكم 4 / 208.
(*)(12/191)
وروى الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن سابط وبريدة قال: اشتكى رسول الله - صلى الله علسه وسلم - العذرة حتى صدعته ورئي ذلك عليه فأتاه جبريل فقال: إن ربك أرسلني إليك لأرقيك فحل النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه فقال: بسم الله أرقيك من كل سوء (1) يؤذيك، ومن شر كل عين، وكل حاسد أرقيك قال: فرددها عليه ثلاث مرات فبرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2).
وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وعليكم بالقسط) (3).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: العذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة: وجع في الحلق يهيج في الحلق يعتري الصبيان غالبا وقيل: هي قرحة تخرج بين الأذن والحلق وفي الخرم الذي بين الأنف والحلق وهو الذي يسمي سقوط اللهاة، وقيل: هو اسم اللهاة والمراد وجعها يسمي باسمها، وقيل: موضع قريب من اللهاة، واللهاة بفتح اللام اللحمة التي في أقصى الحلق.
تدغرن: بالغين المعجمة والدال المهملة والدغر غمز الحلق.
الغمر: بمعجمة وزاي رفع اللهاة بالأصابع.
العود الهندي [...].
(القسط بقاف مضمومة وقد تبدل القاف بالكاف والطاء بالتاء من عقاقير البحر طيب الرائحة، وهو إن كان حارا، والعذرة إنما تعرض في زمن الحر بالصبيان وأمزجتهم حارة لا سيما وقطر الحجاز حار، فإن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم وفي القسط تخفيف للرطوبة، وقد يكون نفعه في هذا الداء بالخاصية، وأيضا فالأدوية الحارة قد تنفع من الأمراض الحارة بالعرض كثيرا، بل وبالذات أيضا، وأطبق الأطباء على أنه يدر الطمث والبول ويدفع السموم والمؤذيات والمهلكات، ويحرك شهوة الجماع ويقتل الديان في الأمعاء، ويذهب الكلف إذا طلي به، ويسخن المعدة، وينفع من حمى الربع، ويشد اللهاة، ويرفعها إلى مكانها، وكانوا يعالجون أولادهم بغمز اللهاة وبالعلاق وهي شئ يعقلونه على الصبيان، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وأرشدهم إلى ما هو أنفع للأطفال وأسهل عليهم.
السعوط - بضم السين، وضم العين المهملتين، ما يصيب من الأنف واللدود: ما يصب في أحد جانبي الفم، والوجور ما يصب في وسطه.
__________
(1) في ب داء.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 115 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن أبان الجعفي وهو ضعيف.
(3) أخرجه البخاري 10 / 159 (5696).
(*)(12/192)
الباب التاسع والثلاثون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - العشق
روى الخطيب عن عائشة - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عشق فعف ثم مات مات شهيدا).
وروى أيضا عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عشق فكتم وعف فمات مات شهيدا).
الباب الأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - وجع الصدر
روى النسائي عن رجل من الصحابة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر صوم ثلاثة أيام من كل شهر) (1).
وروى ابن السني وأبو نعيم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (كلوا السفر جل فإنه يجلي عن الفؤاد ويذهب بطخاء الصدر) (2).
وروى ابن السني وأبو نعيم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كلوا السفر جل على الريق، فإنه يذهب وغر الصدر) (3).
وروى القالي في أماليه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أكل السفر جل يذهب بطخاء القلب) (4).
وروى أبو نعيم في الطب عن طلحة قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في جماعة من أصحابه وفي يده سفر جله يقلبها فلما جلست إليه رمى بها نحوي قال: دونكها أبا محمد، فإنها نشد القلب وتطيب النفس وتذهب بطخاوة الصدر وفي لفظ: (فإنها تجم الفؤاد) (5).
__________
(1) أخرجه النسائي 4 / 208.
(2) انظر كنز العمال (28258).
(3) انظر الكنز (28259).
(4) انظر الكنز (28260).
(5) أخرجه ابن ماجه (3339).
(*)(12/193)
الباب الحادي والأربعون في علاجة - صلى الله عليه وسلم - ذات الجنب
روى البخاري عن أم قيس بنت محصن قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب).
وروى الإمام أحمد والطيالسي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي والضياء
والترمذي وأبو نعيم في الطب عن زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (تداووا من ذات الجنب بالسقط البحري والزيت) (1) ولفظ أبي نعيم: بالعود الهندي والزيت والقسط وفي رواية: (أمرهم أن يتداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت) وفي لفظ: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت.
ورواه مسدد وأبو يعلي وصححه الترمذي بلفظ: كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب (2).
ورواه أبو نعيم في الطب عن ميمون قال: قلت لزيد بن أرقم: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذات الجنب قال: ورس وقسط وزيت يلت به، وروى فيه عن أم قيس بنت قالت: دخلت بابن لي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعلقت عليه من العذرة فقال: (علام تعذبن أولادكن بهذا العلاق عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية يسعط من العذرة ويلد به من ذات الجنب).
تنبيه: ذات الجنب: ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأعضاء، وقد يطلق على ما يعرض في نواحي الجنب من رياح غليظة تحتقن بين الصفاقات والعضل التي في الصدر والأضلاع فتحدث وجعا، فالأول هو ذات الجنب الحقيقي الذي تكلم عليه الأطباء، قالوا: ويحدث بسببه خمسة امراض: الحمى والسعال والنخس وضيق النفس والنبض المنشاري ويقال لذات الجنب: وجع الخاصرة، وهو من الأمراض المخوفة، لأنها تحدث بين القلب والكبد، وهي من سيي الأسقام، والمراد بذات الجنب هنا الثاني لأن القسط هو العود الهندي الذي يداوى به الريح الغليظة، نقل ابن القيم عن المسبحي أن العود حار يابس قابض يحبس البطن، ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد، ويذهب فضل الرطوبة، مانع من ذات الجنب، جيد للدماغ قال: ويجوز أن ينفع من ذات الجنب الحقيقية أيضا، إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية ولا سيما في وقت انحطاط العلة.
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 369.
(2) أخرجه الترمذي (2078) (*)(12/194)
الباب الثاني والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الاستسقاء والمعدة ويبس الطيبعة
روى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قدم رهط من عكل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فاجتووا المدينة، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لو خرجتم إلى أبل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها، فلما صحوا عمدوا إلى الرعاة فقتلوهم) (1) الحديث.
وإنما أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرب ذلك، لأن في لبن اللقاح جلاء وتليينا وإمرارا وتلطيفا وتفتيحا للسدد، إذا كان أكثر رعيها الشيخ والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر، وغير ذلك من الأدوية النافعة للاستسقاء، خصوصا إذا استعمله بحرارته التي تخرج بها من الضرع مع بول الفصيل وهو حار كما يخرج من الحيوان، فإن ذلك مما يزيد في ملوحة اللبن، وتقطيعه الفضول وإطلاقه البطن.
وروى الطبراني في الكبير بسند ضعيف من طريق يحيى بن عبد الله البابلتي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة.
فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم) (2).
وذكر ابن الحاج في المدخل أن بعض الناس مرض بمعدته، فرأى الشيخ الجليل أبو محمد المرجاني النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يشير بهذا الدواء، وهو أن يأخذ كل يوم على الريق وزن درهم من الورد المربى، ويكون ملتوتا بالمصطكي بعد دقها، ويعجل فيه سبع حبات من الشونيز يفعل ذلك في سبعة أيام، ففعله فبرئ.
ومرض بعض الناس ببرد المعدة، فرأى الشيخ المرجاني أيضا النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يشير إلى هذا الدواء وهو أن يأخذ أوقية ونصفا عسل النحل ودرهمين الشونيز، ومثلها الأنسيون ونصف أوقية من النعنع الأخضر، ومن القرنفل نصف درهم، ومن القرفة نصف درهم وشيئا من قشر الليمون مع قليل من الخل ويعقد ذلك على النار، فاستعمله فبرئ.
وروى البخاري في تاريخه الكبير والترمذي وابن ماجه عن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بم كنت تستمشين ؟) قالت: بالشبرم قال: (حار حار) قالت: ثم
__________
أخرجه البخاري 12 / 113 (6804).
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 89 وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي وهو ضعيف.
(*)(12/195)
استمشيت بالسنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو أن شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا) (1).
وروى ابن ماجه عن عبد الله بن حرام قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (عليكم بالسنى والسنوت، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام) قيل: يا رسول الله وما السام ؟ قال: (الموت) (2).
وروى أبو نعيم في الطب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشي) (3).
تنبيهات الأول: الاستسقاء: مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتربو لها إما بالأعضاء الظاهرة كلها، وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط.
وأقسامه ثلاثة: الحمى، وهو أصعبها، وهو الذي يربو معه لحم جميع البدن بمادة بلغمية تفسد مع الدم في الأعضاء.
وزقي وهو الذي يجتمع معه في البطن الأسفل مادة مائية رديئة، يسمع لها عند الحركة خضخضة كالماء في الزق وهو أردى أنواعه.
وطبلي وهو الذي ينتفخ معه البطن عادة إذا ضربت عليه سمعت له صوتا كصوت الطبل.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: الشيخ...القيصوم...البابونج..الأقحوان..الإدخر...الشونيز...
__________
(1) أخرجه الترمذي (2081).
(2) أخرجه ابن ماجه (3457).
(3) أخرجه الترمذي (2047) (*)(12/196)
(الشبرم) بشين معجمة فموحدة فراء: قشر عرق شجرة، وهو حار يابس في الدرجة الرابعة، وهو من الأدوية التي منع الأطباء من استعمالها، لخطرها وفرط إسهالها.
(السنا) - بسين مهملة ونون - نبت حجازي أفضله المكي، وهو دواء شريف مأمون الغائلة قريب من الاعتدال، حار يابس في الدرجة الأولى، يسهل الصفراء والسوداء ويقوي جرم القلب، وهذه فضيلة شريفة ومن خاصية النفع من الوسواس السوداوي: قال الرازي: السنا والشاهترج يسهلان الأخلاط المحترقة، وينفعان من الجرب والحكة قال: والشربة من كل واحد منهما من أربعة دارهم إلى سبعة دارهم.
السنوت: - بسين مهملة فنون فواو فمثناة فوقية - هو العسل، وقيل: رب عكة السن، يخرج خططا سوداء على السمن.
وقيل: حب يشبه الكمون وليس به.
وقيل: هو الكمون الكرماني.
وقيل: إنه الرازيانج.
وقيل: إنه الشبت.
وقيل إنه العسل الذي يكون في زقاق السمن.
قال بعض الأطباء: وهذا أجدر بالمعنى، وأقرب إلى الصواب أن يخلط السا مدقوقا بالعسل المخالط للسمن، ثم يعلق فيكون أصلح من استعماله مفردا، لما في العسل والسمن من إصلاح السنا وإعانته على الإسهال.(12/197)
الباب الثالث والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الإسهال
روى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال: (اسقه عسلا) فسقاه ثم جاء فقال: سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا فقال: (اسقه عسلا) فسقاه ثم جاء، فقال: إنى سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، ثم قال في الرابعة فقال: (اسقه عسلا صدق الله وكذب بطن أخيك) فسقاه فبرأ (1).
تنبيه: قال الخطابي: أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، يقال: كذب سمعك أي: زل فلم يدرك حقيقة ما قيل له، فمعني كذب بطنه، أي لم يصلح لقبول الشفاء بل زل عنه.
وقال الإمام الرازي: لعله - صلى الله عليه وسلم - علم بنور الوحي أي ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلما لم يظهر نفعه في الحال مع كونه - صلى الله عليه وسلم - كان عالما بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك، كان جاريا مجرى الكذب، فلهذا أطلق عليه هذا اللفظ، وقد اعترض بعض الملاحدة، فقال: إن العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال ؟ وأجيب بأن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) [ يونس
39 ] فقد الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة والزمان والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة، وعلى أن الإسهال يحدث من أنواع منها الهيضة التي تنشأ عن تخمة، واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة، فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه من تخمة أصابته، فوصف له - صلى الله عليه وسلم - العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها، وللمعدة خمل كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها، وأفسدت الغذاء الواصل إليها، فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط ولا شئ في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحار، وإنما لم يفده في أول مرة، لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوة وأحدث ضررا آخر، فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء، فأمر بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشربات بحسب مادة
__________
(1) أخرجه البخاري 10 / 146 (5684).(12/198)
الداء برأ بإذن الله تعالى، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وكذب بطن أخيك) إشارة إلى أن هذا الدواء نافع، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء، ولكن لكثرة المادة الفاسدة، فمن ثم أمره بمعاودة شرب العسل، قال ابن الجوزي: في وصفه - صلى الله عليه وسلم - العسل لهذا المنسهل أربعة أقوال: أحدها: أنه حمل الآية على عمومها في الشفاء، وإلى هذا أشار بقوله: صدق الله أي في قوله تعالى (فيه شفاء للناس) فلما نبهه على هذه الحكمة، تلقاها بالقبول فشفي بإذن الله.
الثاني: أن الوصف المذكور على المألوف من عادتهم من التداوي بالعسل في الأمراض كلها.
الثالث: أن الموصوف له ذلك كانت به هيضة كما تقدم تقريره.
الرابع: يحتمل أن يكون أمره بطبخ العسل قبل شربه، فإنه يعقد البلغم فلعله شربه أولا
بغير طبخ، قال الحافظ: والثاني والرابع ضعيفان ويؤيد الأول حديث ابن مسعود: عليكم بالشفاءين (العسل والقرآن)، رواه ابن ماجه والحاكم مرفوعا، وابن أبي شيبة والحاكم أيضا موقوفا ورجاله رجال الصحيح.
الباب الرابع والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - القولنج
روى أبو نعيم في الطب عن جبير بن مطعم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد سعيد بن العاص، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكمده بخرقة، زاد في رواية أخري: فيها ملح وسعيد مشوي حصل ذلك لرجل، فرأي الشيخ أبو محمد المرجاني النبي - صلى الله عليه وسلم - فأشار بهذا الدواء، وهو أن يأخذ ثلاثة دراهم من عسل النحل ووزن درهم ونصف من الزيت المرقي، وإحدى وعشرين حبة من الشونيز ويخلط الجميع ثم يفطر عليه، ويفعل مثله عند النوم، ويعمل له تلبينة وهي حساء يعمل من دقيق أو نخالة، وربما عمل فيها عسل، ويستعملها بعد أن يفطر على ذلك، ويكون غذاؤه مسلوقة الدجاج، أو لحم الضأن، ففعله فبرأ بعد أن أعيى الأطباء.
تنبيه: الزيت المرقي، صفته أن يأخذ شيئا من الزيت الطيب، ويجعله في إناء نظيف ويحركه، ويعود ويقرأ عليه سورة الإخلاص والمعوذتين (ولقد جاءكم رسول من أنفسكم) إلى آخر السورة.(12/199)
الباب الخامس والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الدود في الجوف
روى أبو بكر في الغيلانيات عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الدود) (1).
الباب السادس والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الباه.
روى الطبراني في الأوسط والضياء عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) (2).
وروى أبو نعيم في الطب، عن شداد بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بالصوم فإنه محسمة للعروق ومذهبة للأشر).
وفيه عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا شكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلة الولد فأمره بأكل البيض قال: يا رسول الله، وأي بيض ؟ قال: (كل بيض ولو بيض نملة).
وفيه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا شكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلة النسل فأمره بأكل البيض والبصل (3).
وفيه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني إذا أكلت اللحم انتشرت.
وفي لفظ للنسائي: (وأخذتني شهوة النساء فحرمت علي اللحم) فأنزل الله عزوجل (يأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) [ المائدة 87 ].
وفيه عن معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه قال: قيل يا رسول الله هل أوتيت من طعام الجنة شيئا ؟ قال: (نعم أتاني جبريل بهريسة فأكلتها، فزادت في قوتي قوة أربعين رجلا في النكاح).
وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: شكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل
__________
(1) انظر كنز العمال (28197).
(2) انظر كنز العمال (44409).
(3) انظر كنز العمال (23610) (*)(12/200)
عليه الصلاة والسلام قلة الجماع فقال: (يا رسول الله أين أنت من أكل الهريسة فإن فيها قوة أربعين رجلا).
وفيه عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ)، زاد ابن خزيمة: فإنه أنشط للعودة وفيه عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا إذا مسح بيده على رأسه ثم قال: (عليكم بسيد الخضاب الحناء يطيب البشرة ويزيد في الجماع) (1).
وفيه عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اختضبوا بالحناء، فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم ونكاحكم) (2).
وفيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل جمعة، فإن له أجرين أجر غسله وأجر غسل امرأته).
وفيه عن الحسن - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -: (لا تجامع أهلك في النصف من الشهر، فإنه محضر الشياطين).
الباب السابع والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - السل
[ روى ابن النجار في تاريخه عن مرثد بن عبد الله اليزني قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: (لا تمشمشوا مشاش الطير، فإنه يورث السل ].
الباب الثامن والأربعون في علاجه - صلى الله عليه وسلم - الجراح
روى الشيخان عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - أنه سئل بأي شئ دووي جراح النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: كانت فاطمة تغسل الدم، وعلي يكسب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة الدم لا يزيد إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها، حتى إذا صارت رمادا ألصقته بالجرح فاستمسك (3).
__________
(1) أخرجه ابن عدي 6 / 2443.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 163 وقال: رواه البزار وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو متروك.
(3) أخرجه مسلم 3 / 1416 (1790).
(*)(12/201)