لي: ممن أنت ؟ فقلت من أصحاب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فقال: ابسط يدك أبايعك، فبسطت يدي وبايعني، وفاضت نفسه، فأتيت عليا فأخبرته، فقال: الله أكبر، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى الله أن يدخل طلحة الجنة الا وبيعتي في عنقه.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: (...).(10/86)
الباب الثاني عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بولاية معاوية
روى الديلمي عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الايام والليالي حتى يملك معاوية).
وروى ابن عساكر عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما انك ستلي أمر أمتي من بعدي فإذا كان ذلك، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم).
وروى البيهقي وضعفه عن معاوية، قال: ما حملني على الخلافة الا (قول) النبي صلى الله عليه وسلم لي: (يا معاوية، ان ملكت فأحسن).
وروى ابن أبي شيبة في مسنده من طريق عبد الملك بن عمير عن معاوية، بلفظ: ما زلت أطمع في الخلافة، منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان ملكت فأحسن).
وروى البيهقي عن سعيد بن العاص رضي الله عنه أن معاوية أخذ الادواة فتبع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (يا معاوية، ان وليت أمرا فاتق الله واعدل)، (فما زلت أظن أني مبتلي بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم) (1).
وروى البيهقي عن عبد الله بن عمير رضي الله عنه قال: قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة الا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاوية ان وليت أمرا فاتق الله، واعدل)، فما زلت أظن أني مبتلي بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى أحمد عن ابي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معاوية ان وليت أمرا، فاتق الله واعدل)، قال: فما زلت أظن أني مبتلي بعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عن راشد بن سعد عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انك ان اتبعت عورات الناس أو عثرات الناس، أفسدتهم أو كدت تفسدهم).
وروى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: (كيف بك لو قد قمصك الله قميصا ؟ يعني الخلافة)، فقالت أم حبيبة: يا رسول الله،
وان الله تعالى مقمص أخي قميصا ؟ قال: (نعم، ولكن فيه هنات وهنات وهنات).
وروى ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معاوية، ان الله ولاك من أمر هذه الامة، فانظر ما أنت صانع)، قالت أم حبيبة: أو يعطي الله أخي ذلك يا رسول الله ؟ قال: (نعم، وفيها هنات وهنات وهنات).
* هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/87)
وروى ابن عساكر من طريق الحسن عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما انك ستلي أمر أمتي بعدي، فإذا كان ذلك، فاقبل من محسنهم، وتجاوز عن مسيئهم)، فما زلت أرجوها حتى قمت مقامي هذا.
وروى ابن سعد وابن عساكر عن مسلمة بن مخلد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: (اللهم علمه الكتاب، ومكن له في البلاد، وقه العذاب).
وروى ابن عساكر عن عروة بن رويم قال: جاء أعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صارعني، فقام إليه معاوية فقال: أنا أصارعك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يغلب معاوية أبدا) فصرع الاعرابي، فلما كان يوم صفين، قال علي رضي الله عنه: لو ذكرت هذا الحديث، ما قاتلت معاوية.(10/88)
الباب الثالث عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بولاية يزيد وأنه أول من يغير أمر هذه الامة
روى الحارث وابن منيع ونعيم بن حماد في الفتن وابن عساكر وابو يعلى، وفي سنده انقطاع، عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أمر هذه الامة قائما بالقسط، حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له: يزيد).
وروى ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان اول من يبدل سنتي رجل من بني أمية).
وروى الحاكم بسند جيد عن فاطمة بنت (...) امرأة بني المغيرة أنها سألت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: هل تجد يزيد بن معاوية في الكتاب ؟ قال: لا أجده باسمه، ولكن أجد رجلا من شجرة معاوية، يسفك الدماء ويستحل الاموال، وينقض هذا البيت حجرا حجرا، فان كان ذلك وأنا حي والا فذكريني، قال ابن الحويرث: وكان منزلها على أبي قبيس، فلما كان زمن الحجاج وابن الزبير، ورأيت البيت ينقض قالت: رحم الله ابن عمرو، قد كان يحدثنا بهذا.
وروى ابن عساكر في تاريخه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يزيد، لا بارك الله في يزيد الطعان اللعان، أما انه نعي الي حبيبي حسين، أتيت بتربته، ورأيت قاتله، أما انه لا يقتل بين ظهراني قوم، فلا ينصرونه الا عمهم الله بعقاب).
وروى أبو يعلى ونعيم بن حماد في الفتن وابن عساكر وفي سنده انقطاع عن أبي عبيدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال هذا الدين، قائما بالقسط حتى يثلمه)، وفي لفظ: (لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد).(10/89)
الباب الرابع عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بولاية بني أمية
وروى ابن عساكر عن صخرة بن حبيب رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمروان بن الحكم، وهو مولود، ليحنكه فلم يفعل وقال: (ويل لامتي من هذا وولد هذا).
وروى أيضا عن صالح بن أبي صالح عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم: فمر الحكم بن أبي العاص فقال: (ويل لامتي مما في صلب هذا).
وروى الطبراني في الكبير، والبيهقي عن ابن عباس ومعاوية معا وأبو يعلى عن أبي
هريرة، والامام أحمد وابو يعلى والطبراني في الكبير، والحاكم عن أبي سعيد، والدار قطني والحاكم عن سبرة بن معبد، ونعيم بن حماد في الفتن، وابن عساكر عن أبي ذر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بلغ بنو الحكم)، وفي لفظ (بنو ابي العاص) وفي لفظ (بنو أمية ثلاثين)، وفي لفظ: (أربعين رجلا، اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله دولا)، وفي لفظ: (بينهم دولا وكتاب الله دغلا وفي لفظ (دخلا) وفي لفظ: (كأن دين الله دخلا)، زاد ابن عباس ومعاوية فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة، وفي رواية: قال ابن عباس لمعاوية: اللهم، نعم وذكر مروان حاجة له فرد مروان عبد الملك الى معاوية فكلمه فيها فلما أدبر عبد الملك، قال معاوية: يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ذكر هذا، فقال: أبو الجبابرة الاربعة فقال ابن عباس: اللهم، نعم.
وروى الحاكم عن أبي هريرة، ومعاوية رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة).
ورواه البيهقي في الدلائل، بلفظ: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الحكم ينزون على منبره، فأصبح كالمتغيظ وذكر الحديث قال: فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى مات.
وروى الطبراني عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت بني مروان يتعاورون منري، فساءني ذلك، ورأيت بني العباس يتعاورون منبري، فسرني ذلك)، وفي لفظ: (بني هاشم مكان بني العباس).
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/90)
للحكم: (ان هذا سيخالف كتاب الله، وسنة نبيه، ويخرج من صلبه (1) فتن يبلغ دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته)
وروى الطبراني في الاوسط، وابن عساكر عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال الخلافة في بني أمية يتلقفونها تلقف الكرة، فإذا نزعت منهم فلا خير في عيش).
* هامش * (1) في ج X صدره.
(*)(10/91)
الباب الخامس عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بولاية بني العباس رضي الله عنهم
روى الامام أحمد بسند ضعيف عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان)، وفي لفظ: (يخرج من أهل بيتي رجل يقال له: السفاح، فيكون عطاؤه المال حثيا).
وروى البيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل والخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي).
وروى الخطيب والبيهقي وابو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس والخطيب عن أبي سعيد رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح ومنا المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمة من دم، وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملأ الارض عدلا كما ملئت ظلما).
وروى الدار قطني في الافراد وابن عساكر وابن النجار عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن في ولد العباس ملوك يلون أمر أمتي، يعز الله تعالى بهم الدين).
وروى الخطيب عن ابن عباس عن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس: (يا عباس، أنت عمي وصنو أبي، وخير من أخلف بعدي من أهلي، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة
فهي لك ولولدك، منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي).
وروى الدار قطني في الافراد والخطيب وابن عساكر، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا عباس ان الله بدأ هذا الامر بي وسيختمه بغلام من ولدك يملؤها عدلا كما ملئت جورا، وهو الذي يصلي بعيسى عليه الصلاة والسلام).
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني أم الفضل، قالت: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (انك حامل بغلام فإذا ولدت فأتيني به)، قلت: يا رسول الله أنى ذاك، وقد تحالفت قريش أن لا يأتوا النساء ؟ قال: (هو ما قد أخبرتك)، قالت: فلما ولدته أتيته به، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى وألبأه من ريقه، وسماه عبد الله وقال: اذهبي بأبي الخلفاء)، فأخبرت العباس فأتاه فذكر له، فقال: (هو ما أخبرتك، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى عليه الصلاة والسلام).(10/92)
الباب السادس عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بقتال الترك وبأنهم يسلبون الامر من قريش إذا لم يقيموا الدين
روى الحاكم عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجئ قوم صغار العيون، عراض الوجوه كأن وجوههم الحجف، فيلحقون أهل الاسلام بمنابت الشيح كأني أنظر إليهم، وقد ربطوا خيولهم بسواري المسجد)، قيل: يا رسول الله، من هم ؟ قال: (الترك).
وروى ابن أبي شيبة والشيخان وابو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون) وفي لفظ: (حتى يقاتلوا الترك، صغار الاعين، حمر الوجوه، ذلف الانوف، كأن وجوههم المجان المطرقة) وفي لفظ: (قوما وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر)، وفي لفظ: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وليأتين على أحدكم زمان لأن
يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله، وماله).
وروى الامام أحمد والبزار والحاكم بسند صحيح عن بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه صغار الاعين، حتى كأن وجوههم الحجف ثلاث مرات، حتى يلحقوهم بجزيرة العرب، أما السابقة الاولى فينجو من هرب منهم، وأما الثانية فينجوا بعض ويهلك بعض، وأما الثالثة فيصطلمون (1) من بقي منهم)، قالوا: يا رسول الله، من هم ؟ قال: (الترك والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم الى جنب سواري المسلمين).
وروى أبو يعلى عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لتظهرن الترك على العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح والقيصوم).
وروى الطبراني وابو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتركوا الترك ما تركوكم، فان أول من يسلب أمتي ملكهم وما خولهم الله بنو قنطوراء).
وروى الطبراني والحاكم عنه قال: كأني بالترك قد أتتكم على براذين محدمة الاذان حتى تربطها بشط الفرات).
وروى أبو نعيم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أرضا تسمى * هامش * (1) هذا المثبت على لغة (أكلوني البراغيث) أو كما يسميها ابن مالك لغة (يتعاقبون فيكم ملائكة) المشهور (فيصطلح من بقي منهم) وهو رأي جمهور قبائل العرب.
(*)(10/93)
البصرة أو البصيرة ينزلها ناس من المسلمين عندهم نهر يقال له: دجلة يكون لهم عليها جسر، ويكثر أهلها، فإذا كان في آخر الزمان جانبوا فنظروا كأنهم عراض الوجوه صغار الاعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فتتفرق الناس عند ذلك فرقا، فرقة تلحق بأصلها فيهلكون، وفرقة تأخذ
على أنفسها فيفرون، وفرقة تقاتلهم قتالا شديدا فيفتح الله على بقيتهم).
الباب السابع عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بقوم يأخذون الملك يقتل بعضهم بعضا
روى ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عن عمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون بعدي قوم يأخذون الملك يقتل عليه بعضهم بعضا).
الباب الثامن عشر في اخباره صلى عليه وسلم بالشهادة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
أخرج بن سعد وابن أبي شيبة عن أبي الاشهب، عن رجل من مزينة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوبا فقال: (أجديد أم غسيل ؟) فقال بل غسيل: فقال: (يا عمر البس جديدا وعش حميدا وتوف شهيدا).
مرسل وقد أخرج أحمد وابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا مثله، وأخرجه البزار من حديث جابر مثله.
وأخرج أبو يعلى بسند صحيح، عن سهل بن سعد أن أحدا أرتج وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اثبت أحد فما عليك الا نبي أو صديق أو شهيدان).
وأخرج الطبراني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط فاستأذن أبو بكر، فقال: (ائذن له وبشره بالجنة)، ثم استأذن عمر فقال: (ائذن له وبشره بالجنة والشهادة)، ثم استأذن عثمان فقال: (ائذن له وبشره بالجنة والشهادة).(10/94)
الباب التاسع عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة لثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني من طرق جيدة الاسناد أن ثابت بن قيس رضي الله عنه لما أنزل الله تبارك
وتعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله لا يحب كل مختال فخور) (لقمان 18) وقوله تعالى (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) (الحجرات 2) وقوله تعالى (ان الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) (الحجرات 4) اشتد على ثابت، وأغلق بابه عليه، وطفق يبكي، فمر به عاصم بن عدى رضي الله عنه فقال: ما يبكيك ؟ فأخبره بحاله، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله، فقال: يا رسول الله، والله لقد خشيت أن أكون هلكت، قال: (لم ؟) قلت: نهى الله عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال، ونهى الله تعالى أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهير الصوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة ؟) قال: رضيت بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استنفر أبو بكر رضي الله عنه المسلمين الى قتال أهل الردة واليمامة ومسيلمة الكذاب سار ثابت بن قيس فيمن سار، فلقوا مسيلمة وبني حنيفة، وهزموا المسلمين ثلاث مرات، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها فقاتلا حتى قتلا.
ورأى رجل من المسسلمين ثابت بن قيس في منامه فقال: اني لما قتلت بالامس مربي رجل من المسلمين فانتزع مني درعا نفيسة، ومنزله في أقصى العسكر، وعند منزله فرس يستن من طوله، وقد أكفأ على الدرع برمة، وجعل فوق البرمة رحلا فأت خالد بن الوليد فليبعث الى درعي، فليأخذها، فإذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلمه أن علي من الدين كذا وكذا ولي من المال كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق، واياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه، فأتى خالد بن الوليد فأخبره فوجه الى الدرع فوجدها كما ذكر، وقدم على أبي بكر فأنفذ أبو بكر رضي الله عنه وصيته بعد موته، فلا نعلم أن أحدا جازت وصيته بعد موته الا ثابت بن قيس.
وروى الطبراني برجال الصحيح (وهو في الصحيح) بدون قصة الدرع عن أنس رضي الله عنه أن ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه جاء يوم اليمامة وقد نشر أكفانه وتحنط ثم قال:
اللهم، اني أبرأ اليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر اليك مما صنع هؤلاء، فقتل، وكانت له درع فسرقت فرآه رجل فيما يرى النائم، فقال: ان درعي في قدر تحت الكانون في مكان كذا وكذا(10/95)
ووصاه بوصايا فطلبوا الدرع فوجدوها وأنفذوا الوصايا.
وروى الطبراني بسند حسن عن عروة رحمه الله تعالى قال: قتل ثابت في وقعة اليمامة سنة اثنتي عشرة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: المختال (...) الفخور (...) طفق (بمعنى اخذ في الفعل وجعل يفعل وهو من أفعال المقاربة.
الخيلاء (...) جهير الصوت (شديد الصوت).
الباب العشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بالردة بعده
روى الامام أحمد، والشيخان، والنسائي، وبان ماجه، والدارمي، وابن حبان عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده، وابن ابي شيبة، والامام احمد، والبخاري، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه عن ابن عمر، والبخاري والنسائي عن أبي بكرة، والبخاري والترمذي عن ابن عباس، والطبراني في الكبير عن أبي سعيد وعن أبي أمامة، والامام أحمد، والطبراني في الكبير عن أبي مسعود، والدار قطني في الافراد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض).
ورواه النسائي عن ابن عمر وزاد: ولا يؤخذ الرجل بجريرة بجناية أبيه، ولا بجناية أخيه.
وروى مسلم والترمذي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الاوثان).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا ليذادن رجال من حوضي كما يذاد البعير الضال، فأناديهم، ألا هلم، فيقال: انهم قد بدلوا فأقول: فسحقا فسحقا).
وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا انه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصيحابي، فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: (وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) (المائدة / 117) فيقال: (انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم).(10/96)
الباب الحادي والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن جزيرة العرب لا تعبد فيها الاصنام أبدا
روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الشيطان) قد أيس) أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم).
الباب الثاني والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن سهيل بن عمرو يقوم مقاما حسنا
روى الحاكم والبيهقي من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو عن الحسن بن محمد بن الحنفية، قال: قال عمر: يا رسول الله، دعني أنزع ثنية سهيل بن عمرو، فلا يقوم خطيبا في قومه أبدا، فقال: (دعها لعلها أن تسرك يوما)، قال سفيان: فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم نفر منه أهل مكة، فقام سهيل بن عمرو عند الكعبة فقال: من كان محمد الهه فان محمدا قد مات، والله حي لا يموت.
وروى يونس بن بكير في المغازي، وابن سعد من طريق ابن اسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: لما أسر سهيل بن عمرو، قال عمر: يا رسول الله أنزع ثنيته يدلع لسانه، فلا يقوم خطيبا أبدا، وكان سهيل أعلم من شفته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أمثل فيمثل الله بي، واني كنت نبيا ولعله يقوم مقاما لا تكرهه).
وروى ابن سعد من طريق ابي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي عمرو بن عدي بن الحمراء الخزاعي قال: نظرت الى سهيل بن عمرو يوم جاء نعي رسول الله الى مكة وقد خطبنا بخطبة أبي بكر التي خطب بالمدينة كأنه سمعها، فلما بلغ ذلك عمر، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن ما جاء به حق، هذا هو المقام الذي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لي: (لعله يقوم مقاما لا تكرهه).
ورواه المحاملي في فوائده موصولا من طريق سعيد بن أبي هند عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها.
شرح غريب ما سبق: الثنية: (احدى الاسنان الاربع التي في مقدم الفم).
الاعلم: (...).
النعي: (أذاع خبر موته).(10/97)
الباب الثالث والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن البراء بن مالك رضي الله عنه لو أقسم على الله تعالى لأبره
روى الترمذي والحاكم وصححه، والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كم من ضعيف مستضعف ذي طمرين، لو أقسم على الله لابره، منهم البراء بن مالك)، وان البراء لفي رحفاء يتستر فانكشف المسلمون، فقالوا له: يا براء، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انك لو أقسمت على الله لابرك)، فاقسم على ربك، قال: أقسم عليك يا رب، لما منحتنا أكتافهم، فمنحوا أكتافهم، ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا: أقسم على ربك يا براء، قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك، ثم حملوا، فانهزم الفرس، وقتل البراء شهيدا.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الزحف: الجيش.
يتستر: الذي يخرج في السرية.
انكشف المسلمون: انهزم.
قنطرة السوس: (...) (1).
* هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/98)
الباب الرابع والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم الاقرع بن شفي رضي الله تعالى عنه بأنه يدفن بالربوة من أرض فلسطين
روى الطبراني وابن السكن وصححه وابن منده وابو نعيم كلاهما في المعرفة، وابن عساكر من طرق عن الاقرع بن شفي العكي رضي الله عنه قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضي، فقلت: يا رسول الله، لا أحب الا أني ميت من مرضي، قال: (كلا لتبقين ولتهاجرن الى أرض الشام وتموت، وتدفن بالربوة من أرض فلسطين)، فمات في خلافة عمر، ودفن بالرملة.
وروى ابن أبي حاتم وابن جرير والطبراني عن مرة البهزي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لرجل: (انك تموت بالربوة) فمات بالرملة.
الباب الخامس والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من المحدثين
روى الامام أحمد والبخاري عن أبي هريرة، والامام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد كان في الامم محدثون، فان يكن في أمتي منهم أحد فانه عمر بن الخطاب).
وفي لفظ: (فعمر)، وروى الطبراني في الاوسط عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انه لم يبعث الله نبيا الا كان في أمته محدث، وان يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر)، قالوا: يا رسول الله، كيف يحدث ؟ قال: (تتكلم الملائكة على لسانه).
وروي أيضا عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما كان نبي الا في أمته معلم أو معلمان فان يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر بن الخطاب).
وروى الطبراني في الاوسط والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: ما كنا نشك ونحن متوافرون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن السكينة تنطق على لسان عمر).
وروى البيهقي عن طارق بن شهاب، قال: كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينطق على لسان ملك.
وروى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما سمعت عمر يقول لشئ أني لاظن كذا وكذا الا كان كما يظن.(10/99)
الباب السادس والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأول أزواجه لحوقا به
روى تمام وابن عساكر عن واثلة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان أول من يلحقني من أهلي أنت يا فاطمة، وأول من يلحقني من أزواجي زينب، وهي أطولكن كفا).
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا)، فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، فكانت زينب أطولنا يدا، لانها كانت تعمل بيديها وتتصدق، ورواه عن الشعبي مرسلا.
وروى البخاري عنها قال: اجتمع زوجاته صلى الله عليه وسلم فقلن له: أينا أسرع بك لحوقا ؟ قال:
(أطولكن يدا)، فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة بنت زمعة أطولنا ذراعا.
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أسرعنا لحوقا به سودة بنت زمعة، فعرفنا أن طول يدها كان بالصدقة، وكانت تحب الصدقة.
تنبيه: هذا مخالف لما رواه مسلم والشعبي مع ما فيه من المنافاة لان قولهما: ان طول يدها كان بالصدقة يدل على أن الطول معنوي، وقولها: كانت أطولنا ذراعا يدل على أنه طول حسي.
قال البيهقي: وزينب هي التي كانت أطول ذراعا بالصدقة وأسرع لحوقا به.
الباب السابع والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بكتابة المصاحف
روى ابن عساكر عن نبيط الاشجعي قال: لما نسخ عثمان المصاحف، قال له أبو هريرة: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان اشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي، ولم يروني، ويعملون بما في الورق المعلق)، قلت: أي ورق حتى رأيت المصاحف فأعجب ذلك عثمان وأمر لابي هريرة بعشرة آلاف، وقال: والله، ما علمت أنك تحبس علينا حديث نبينا.
الباب الثامن والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأويس القرني رضي الله تعالى عنه
روى العقيلي في الضعفاء والامام أحمد ومسلم والحاكم، وابن سعد عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من(10/100)
مراد ثم من قرن، وكان به برص فبرأ منه الا موضع درهم، له والدة، وهو بها بر، لو أقسم على الله لابره، فان استطعت أن يستغفر لك فافعل).
ولفظ مسلم: (ان خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لابره، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم).
وفي لفظ: ان رجلا من أهل اليمن يقدم عليكم، ولا يدع باليمن غير أم له قد كان به بياض فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه عنه الا موضع الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فليستغفر لكم).
وروى ابن عدي، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني وان شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر).
وروى أبو يعلى والبيهقي من وجه آخر عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له: أو يس بن عامر يخرج به وضح فيدعوا الله أن يذهبه عنه، فيذهب، فيقول: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي، فيدع له منه ما يذكر به نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له).
وروى ابن سعد والحاكم من طريق أسيد بن جابر عن عمر رضي الله عنه أنه قال لاويس القرني: استغفر لي، قال: كيف استغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان خير التابعين رجل يقال له أويس القرني).
وروى الحاكم عن علي والبيهقي وابن عساكر عن رجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير التابعين أويس القرني).
وروى مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير التابعين رجل من قرن يقال له: أويس القرني، له والدة هو بها بر وكان به بياض، فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه عنه الا موضع الدرهم من سرته).
وروى ابن أبي شيبة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيقدم عليكم رجل يقال له: أويس، وكان به بياض فدعا الله فأذهبه الله، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم).
وروى ابن سعد والحاكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين، فقال: فيكم أويس القرني ؟ قالوا: نعم، قال: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان
من خير التابعين أويس القرني)، ثم ضرب دابته فدخل فيهم، والله تعالى أعلم.(10/101)
الباب التاسع والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي ذر رضي الله تعالى عنه
روى أحمد بن منيع وابن حبان، والنسائي في الكبرى وابن ماجه مختصرا عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذر، كيف تصنع، ان أخرجت من المدينة ؟) قال: للسعة والدعة الى مكة فأكون حمامة من حمام مكة، قال: (فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة ؟) قال: للسعة والدعة، الى الشام والارض المقدسة، قال: (فكيف تصنع إذا أخرجت من الشام ؟) قال: قلت: والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأقاتل حتى أموت قال: (أو خير من ذلك ؟ تسمع وتطيع وان كان عبدا حبشيا).
وروى الامام أحمد عنه قال: بينا أنا نائم في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني برجله وقال: (ألا أراك نائما فيه ؟) قلت: يا نبي الله، غلبتني عيني.
قال: (كيف تصنع إذا أخرجت منه)، قال: آتي الشام والارض المقدسة.
قال: (فكيف تصنع إذا أخرجت منه) قال: ما أصنع يا نبي الله أضرب بسيفي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك) قال أبو ذر: والله، لالقين الله، وأنا سامع مطيع لعثمان.
وروى الامام أحمد واسحاق عن القرظي رحمه الله تعالى قال: خرج أبو ذر رضي الله عنه الى الربذة فأصابه قدره، فأوصاهم أن غسلوني وكفنوني، ثم ضعوني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على غسله ودفنه ففعلوا، فأقبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ركب من العراق، وقد وضعت الجنازة على قارعة الطريق، فقام عليه غلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تمشي وحدك، وتموت وحدك
وتبعث وحدك).
وروى الامام أحمد عن مجاهد عن ابراهيم يعني ابن الاشتر عن أبيه قال: أن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة، فبكت امرأته، قال: ما يبكيك ؟ قالت: ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الارض وليس عندي ثوب يسع لك كفنا فقال: لا تبكي، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه ولم يقول: (ليموتن رجل منكم بفلاة من الارض فيشهده عصابة من المؤمنين)، فكل من كان معي (في المجلس) (1) مات في جماعة وقرية فلم يبق منهم غيري، وقد * هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/102)
أصبحت بفلاة أموت فراقبي الطريق، فانك سوف ترين ما أقول، فاني والله ما كذبت، ولا كذبت، قالت: أنى وقد انقطع الحاج، قال: راقبي الطريق، قال: فبينا هي كذلك، إذا هي بقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم على رحالهم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، فقالوا: مالك ؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه قالوا: ومن هو ؟ قالت: أبو ذر، فغدوه بابلهم ووضعوا السياط في نحورها يبتدرونه، قال: أبشروا، فأنتم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ما قال: ثم أصبحت اليوم حيث ترون، ولو ان لي ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن الا فيه، فأنشدكم الله لا يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا، فكل القوم قد نال من ذلك الا فتى من الانصار، وكان القوم، قال: أنا أكفنك في ردائي هذا الذي علي وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي (1)، قال: أنت فكفني.
وروى الامام أحمد وابو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر، أنيى أراك منفيا، واني احب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم).
وروى أبو داود والطيالسي وابن ابي شيبة ومسلم وابن سعد وابن خزيمة وابو عوانة
والحاكم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر انك ضعيف، وانها أمانة، وانها يوم القيامة خزي وندامة الا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: (...).
* هامش * (1) في ج X أبي.
(*)(10/103)
الباب الثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بقتل الاعرابي قبل أن ينخرق سقاؤه فكان كما قال صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني برجال الصحيح، عن كدير الضبي أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخبرني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: (تقول العدل وتعطي الفضل)، قال: والله لا أستطيع أن أقول العدل كل ساعة، وما أستطيع أن أعطي الفضل قال: (فتطعم الطعام وتفشي السلام) قال: هذه أيضا شديدة، قال: (فهل لك ابل ؟) قال: نعم، قال: (فانظر الى بعير من ابلك، وسقاية ثم اعمد الى أهل بيت لا يشربون الماء الا غبا فاسقهم، فلعلك لا يهلك بعيرك، ولا ينخرق سقاؤك حتى تجب لك الجنة)، فانطلق الاعرابي يكبر فما انخرق سقاؤه ولا هلك بعيره، حتى قتل شهيدا.
الباب الحادي والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم برجل من أمته يدخل الجنة في الدنيا فكان كما قال صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني في مسند الشاميين وابن حبان في الثقات من طريق ابراهيم بن أبي عبلة عن شريك بن خباشة النميري، أنه ذهب يستقي من جب سليمان ببيت المقدس فانقطع دلوه
فنزل ليخرجه فبينا هو في طلبه، إذا هو بشجرة فتناول منها ورقة فأخرجها معه فإذا هي ليست من شجر الدنيا، فأتى بها عمر، فقال: أشهد أن هذا هو الحق.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يدخل الجنة من هذه الامة رجل من أهل الدنيا) فجعل الورقة بين دفتي المصحف.
وأخرجه الكلبي من وجه آخر عن امرأة شريك بن خباشة عنه، قال: خرجنا مع عمر أيام خرج الى الشام فذكر القصة، وفيه فأرسل عمر الى كعب، فقال: هل تجد في الكتاب أن رجلا من هذه الامة يدخل الجنة في الدنيا ؟ قال: نعم.
الباب الثاني والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بحال محمد بن حنفية رحمه الله تعالى
روى البيهقي عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيولد لك بعدي غلام قد نحلته اسمي وكنيتي).(10/104)
الباب الثالث والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بصلة بن أشيم رحمه الله تعالى ووهب والقرظي وغيلان والوليد
روى ابن سعد والبيهقي وابو نعيم في الحلية من طريق ابن المبارك أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكون في أمتي رجل يقال له: صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا.
وروى ابن عدي والبيهقي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في أمتي رجل يقال له وهب يهب الله له الحكمة، ورجل يقال له: غيلان، هو أضر على الناس من ابليس).
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر).
قال البيهقي: فيه اشارة الى غيلان القدري.
وروى ابن سعد والبيهقي عن أبي بردة الظفري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده) قال نافع بن يزيد: فكنا نقول هو محمد بن كعب القرظي والكاهنان قريظة والنضير.
ورواه البيهقي مرسلا بلفظ: يكون في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره قال: فكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي، والكاهنان قريظة والنضير.
وروى البيهقي عن عون بن عبد الله رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي.
وروى البيهقي وقال: مرسل حسن، وابو نعيم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: ولد لاخي أم سلمة غلام فسموه الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسمون باسم فراعنتكم ؟ سيكون في هذه الامة رجل يقال له الوليد هو شر لامتي من فرعون لقومه).
وروى الامام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثله، قال الاوزاعي: فكان الناس يرونه الوليد بن عبد الملك بن يزيد، وأخرجه الحاكم بلفظه من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه موصولا وصححه.(10/105)
الباب الرابع والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن فناء أمته بالطعن والطاعون وبالطاعون الذي وقع بالشام
روى الامام أحمد والطبراني في الاوسط عن أبي موسى والطبراني في الاوسط عن ابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فناء امتي بالطعن والطاعون) قيل يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون ؟ قال: وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة).
وروى الطبراني في الاوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفنى أمتي الا بالطعن والطاعون) قلت يا رسول الله هذا الطعن وقد عرفناه فما الطاعون قال: (غدة كغدة الابل، المقيم فيه كالشهيد، والفار منه كالفار من الزحف).
وروى الامام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستهاجرون الى الشام فتفتح لكم ويكون فيكم داء كالدمل أو كالحزة يأخذ بمراق الرجل، يستشهد الله به أنفسكم ويزكي أعمالكم).
وروى الطبراني عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنزلون منزلا، يقال به: الجابية، فيصيبكم فيه داء مثل غدة الجمل، يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكي به أعمالكم).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الطاعون: (المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الامزجة والابدان).
المراق: (ما رق من أسفل البطن).
الحزة: (القطعة من اللحم قطعت طولا).
الدمل: (الخراج).
الجابية: (وهي بلد بدمشق بالشام وقيل: مدينة بالشام.(10/106)
الباب الخامس والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم أم ورقة رضي الله تعالى عنها بالشهادة
روى أبو داود وابو نعيم عن جميع وعبد الرحمن بن خلاد الانصاري عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا، قالت: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: (قري في بيتك، فان الله تعالى يرزقك الشهادة)، فكانت تسمى الشهيدة، وكانت قد قرأت القرآن، ثم انها دبرت غلاما لها وجارية فقاما إليها من الليل فغماها بقطيفة حتى ماتت، وذلك من امارة عمر رضي الله عنه فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب
بالمدينة.
ورواه ابن راهويه وابن سعد والبيهقي وابو نعيم من وجه آخر وزاد في آخره: فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول: (انطلقوا نزور الشهيدة رحمها الله تعالى.
الباب السادس والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن عبد الله بن بسر رضي الله عنه يعيش قرنا والثؤلول الذي يذهبه فكان كذلك
روى الطبراني والبزار برجال ثقات والحارث والامام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي وقال: (يعيش هذا الغلام قرنا) فعاش مائة سنة، وكان في وجهه ثؤلول، فقال: (لا يموت حتى يذهب هذا الثؤلول من وجهه)، فلم يمت حتى ذهب الثؤلول من وجهه.
وروى الامام أحمد والطبراني برجال ثقات عن الحسن بن أيوب الحضرمي رحمه الله تعالى قال: أراني عبد الله بن بسر رضي الله عنه شامة في قرنه، قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليها وقال: (ليدركن قرنا).
الباب السابع والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بحال زيد بن صوحان وجندب ابن كعب رضي الله عنهما
روى أبو يعلى عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر الى رجل يسبقه بعض أعضائه الى الجنة فلينظر الى زيد بن صوحان).
وروى ابن عساكر عن الحارث الاعور، قال: كان مما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير وهو زيد بن صوحان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيكون بعدي رجل من التابعين وهو زيد(10/107)
الخير يسبقه بعض أعضائه الى الجنة بعشرين سنة)، فقطعت يده اليسرى بنهاوند وعاش بعد
ذلك عشرين سنة، ثم قتل يوم الجمل بين يدي علي رضي الله عنه وقال قبل أن يقتل: اني رأيت يدي خرجت من السماء تشير الي أن تعال، وأنا لاحق بها.
وروى ابن منده وابن عساكر عن بريدة قال: ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فجعل يقول: (جندب وما جندب والاقطع الخير زيد) فسئل عن ذلك فقال: (أما جندب فيضرب ضربة يكون فيها أمة وحده، واما زيد فرجل من أمتي تدخل الجنة يده قبل بدنه ببرهة) فلما ولي الوليد بن عقبة الكوفة في زمن عثمان أجلس رجل يسحر، يريهم أنه يحيى ويميت فأتى جندب بسيف فضرب به عنق الساحر، وقال: أحي نفسك الان، وأما زيد بن صوحان فقطعت يده يوم القادسية وقتل يوم الجمل.
وأخرجه ابن عساكر من حديث علي ومن حديث ابن عباس وابن عمرو من طريق أبي مجلز مرسلا.
الباب الثامن والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بعمى زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه
روى البزار عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه يعوده من مرض كان به فقال له: (ليس عليك من مرضك هذا بأس، ولكنه كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت ؟) قال: إذا أحتسب وأصبر قال: (إذا تدخل الجنة بغير حساب)، قال: فعمي زيد رضي الله عنه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رد الله عليه بصره ثم مات.
الباب التاسع والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بعمر جماعة وبانخرام القرن
روى الحسن بن سفيان وابن شاهين وابن نافع، والطبراني في الكبير، والحاكم وابن عساكر عن سفيان بن وهب الخولاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تأتي المائة، وعلى ظهرها أحد باق.
وروى مسلم وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تأتي مائة سنة وعلى وجه الارض نفس منفوسة اليوم).
وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ليلة في آخر حياته، فلما قام فقال: (أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ قال: فان رأس مائة سنة منها لا يبقى اليوم ممن هو على ظهر الارض أحد يريد بذلك انخرام القرن).(10/108)
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بشهر: (تسألون عن الساعة وانما علمها عند الله، فأقسم بالله ما على ظهر الارض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة).
وروى مسلم عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: لم يبق أحد ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري، وقد مات أبو الطفيل على رأس المائة.
وروى الحاكم والبيهقي وابو نعيم من طريق محمد بن زياد الالهاني عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: (يعيش هذا الغلام قرنا) فعاش مائة سنة، وكان في وجهه ثؤلول، فقال: (لا يموت حتى يذهب الثؤلول من وجهه)، فلم يمت حتى ذهب.
وروى ابن سعد والبغوي وابو نعيم في الصحابة، والبيهقي عن حبيب بن مسلمة الفهري أنه أتى الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة ليراه فأدركه أبوه فقال: يا رسول الله يدي ورجلي، فقال: (ارجع معه، فانه يوشك ان يهلك)، فهلك في تلك السنة.
وروى أبو نعيم وابن عساكر عن ابن ابي مليكة أن حبيب بن مسلمة رضي الله عنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة غازيا وان أباه أدركه بالمدينة، فقال مسلمة: يا رسول الله، انه ليس لي ولد غيره، فيقوم في مالي، وضيعتي، وعلى أهل بيتي وأن النبي صلى الله عليه وسلم رده معه، وقال: (لعلك أن يخلو لك وجهك في عامك، فارجع يا حبيب مع أبيك فرجع فمات مسلمة في ذلك العام، وغزا حبيب فيه).
الباب الاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بالشهادة للنعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه
روى ابن سعد عن عاصم بن عمرو بن قتادة قال: جاءت عمرة بنت رواحة تحمل ولدها النعمان بن بشير في ليفة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يكثر ماله وولده، فقال: (أما ترضين أن يعيش كما عاش خاله، عاش حميدا، وقتل شهيدا ودخل الجنة).
وروى ابن سعد عن عبد الملك بن عمير أن بشير بن سعد جاء بالنعمان بن بشير رضي الله عنه الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله لابني هذا، قال: (أما ترضى أن يبلغ ما بلغت ؟ ثم يأتي الشام، فيقتله منافق من أهل الشام).
وروى عن مسلمة بن محارب رضي الله عنه وغيره قالوا: لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط في خلافة مروان، أراد النعمان بن بشير رضي الله عنه أن يهرب من حمص، وكان عاملا عليها فخالف، ودعا لابن الزبير فطلبه أمير حمص فقتلوه واحتزوا رأسه.(10/109)
الباب الحادي والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بتغيير الناس في القرن الرابع
روى ابن ماجه عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف).
وروى الامام أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي وابن أبي عاصم، والروياني والضياء عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير هذه الامة القرن الذي بعثت أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم).
وروى الباوردي وسمويه وابن قانع والبغوي والطبراني في الكبير والضياء عن بلال بن سعد بن تميم السكوني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير أمتي أنا وأقراني ثم القرن
الثاني، ثم القرن الثالث، ثم يكون قوم يحلفون ولا يستحلفون ويشهدون ولا يستشهدون، ويؤتمنون ولا يؤدون).
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود وابن ابي شيبة والامام أحمد والطبراني في الكبير عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ثم يخلف قوم، يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا).
وروى ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعدهم قوم يتسمنون، ويحبون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها).
وروى عبد بن حميد وابن أبي شيبة والبغوي والماوردي وابن قانع والطبراني في الكبير والحاكم وابو نعيم والضياء عن جعدة بن هبيرة وهو ابن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني الذي أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، والاخرون أردى).
وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ثم الثاني، ثم الثالث، ثم يجئ قوم لا خير فيهم).(10/110)
الباب الثاني والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا لا تذهب حتى تصير للكع بن لكع
روى ابن أبي شيبة والامامان أحمد واسحاق وأبو يعلى برجال ثقات عن أبي بردة بن نيار والامام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لن تذهب الدنيا حتى تكون عند لكع، وابن لكع).
وروى أبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع وأفضل الناس مؤمن بين كريمين).
الباب الثالث والاربعون في اشارته صلى الله عليه وسلم الى حال الوليد بن عقبة
روى الحاكم والبيهقي عن الوليد بن عقبة، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتون بصبيانهم، فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم، فخرجت بي أمي إليه وأنا مطيب بالخلوق، فلم يمسح على رأسي ولم يمسني، قال البيهقي: هذا لسابق علم الله تعالى في الوليد، فمنع بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبار الوليد حين استعمله عثمان رضي الله عنه معروفة، من شربة الخمر وتأخيره الصلاة.
وهو من جملة الاسباب التي نقموا بها على عثمان حتى قتلوه.
الباب الرابع والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بحال ابن عباس رضي الله عنهما
روى البيهقي وابو نعيم عن العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد الله رضي الله عنهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فوجد رجلا فرجع ولم يكلمه، من أجل مكان الرجل منه، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بعد ذلك فقال: أرسلت اليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك ورجع، قال: (ورآه ؟) قال: نعم، قال: (ذاك جبريل، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما).
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ثياب بيض، وهو يناجي دحية الكلبي، وهو جبريل وأنا لا أعلم فلم أسلم، فقال جبريل: ما أشد(10/111)
وضح ثيابه، أما ان (ذريته) (1) ستسود بعده، لو سلم لرددت عليه، فلما رجعت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منعك أن تسلم ؟) قلت: رأيتك تناجي دحية الكلبي، فكرهت أن أقطع عليكما، قال: (ورأيته ؟) قلت: نعم.
قال: (أما انه سيذهب بصرك، ويرد عليك في موتك).
قال عكرمة: فلما قبض ابن عباس، ووضع على سريره، جاء طائر شديد الوضح، فدخل في أكفانه فلم يرده فقال عكرمة: هذه بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال له.
فلما وضع تلقى بكلمة سمعها من على شفير قبره: (يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) (الفجر 27 - 30).
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني أنه سيذهب بصري، فقد ذهب وحدثني أني سأغرق فقد غرق في بحيرة الطبرية، وحدثني أني سأهاجر من بعد فتنة، اللهم، اني أشهدك أن هجرتي اليوم الى محمد بن علي بن أبي طالب.
الباب الخامس والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي هريرة رضي الله عنه
روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبو هريرة وعاء العلم).
وروى ابن سعد عن عمر رضي الله عنهما قال: أبو هريرة أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه.
الباب السادس والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأشياء تتعلق بعمرو بن الحمق رضي الله عنه فكان كما أخبر
روى الطبراني عن عمرو بن الحمق رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فقالوا: يا رسول الله، انك تبعثنا، ولا لنا زاد ولا طعام، ولا علم لنا بالطريق، فقال: (انكم ستمرون برجل صبيح الوجه يطعمكم من الطعام ويسقيكم من الشراب، ويدلكم على الطريق، وهو من أهل الجنة)، فلم يزل القوم على جعل يشير بعضهم الى بعض، وينظرون الي فقلت: * هامش * (1) في ج X أولاده.
(*)(10/112)
يشير بعضكم الى بعض وينظرون الي ؟ فقلت: مالكم يشير بعضكم الى بعض وتنظرون الي فقالوا: أبشر ببشرى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فانا نعرف فيك نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروني بما قال لهم، فأطعمتهم وسقيتهم وزودتهم وخرجت معهم حتى دللتهم على الطريق، ثم رجعت الى أهلي وأوصيتهم بابلي ثم خرجت (2) الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما الذي تدعو إليه ؟ قال: (أدعو الى شهادة أن لا اله الا الله، وأني رسول الله واقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) فقلت: إذا أجبناك الى هذا فنحن آمنون على أهلنا ودمائنا وأموالنا ؟ قال: (نعم)، فأسلمت ثم رجعت الى أهلي، فأعلمتهم باسلامي، فأسلم على يدي بشر كثير منهم، ثم هاجرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا عنده ذات يوم فقال: (يا عمرو، هل لك أن أريك آية الجنة، تأكل الطعام، وتشرب الشراب وتمشي في الاسواق ؟) قلت: بلى، بأبي أنت وأمي، قال: (هذا وقومه، وأشار الى علي بن أبي طالب رضي الله عنه) وقال لي: (يا عمرو، هل لك أو أريك آية النار تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وتمشي في الاسواق ؟) قلت: بلى، بأبي أنت وأمي، قال: (هذا) وأشار الى رجل، فلما وقعت الفتنة ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففررت من آية النار الى آية الجنة، ويرى بني أمية قاتلي بعد هذا، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: والله، لو كنت حجرا في جوف حجر لا ستخرجني بنو أمية حتى يقتلوني، حدثني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رأسي أول رأس تجز ويحتز في الاسلام وينقل من بلد الى بلد.
الباب السابع والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم ميمونة رضي الله عنها بأنها لا تموت بمكة
روى ابن أبي شيبة والبيهقي عن يزيد بن الاصم رضي الله عنه قال: ثقلت ميمونة بمكة، فقالت: أخرجوني من مكة، فاني لا أموت بها، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة فحملوها حتى أتوا سرف الى الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها فماتت.
الباب الثامن والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم ابا ريحانة رضي الله عنه - بما غيبته
روى محمد بن الربيع الجيزي في كتاب من دخل مصر من الصحابة عن أبي ريحانة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كيف أنت يا أبا ريحانة يوم تمر على قوم قد صبروا دابة ؟ فتقول: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن هذا، فيقولون اقرأ لنا الاية التي أنزلت فيها)، فمر على قوم يصبرون دجاجة فنهاهم، فقالوا: اقرأ لنا الاية التي أنزلت فيها، فقال: صدق الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم.(10/113)
الباب التاسع والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بكلام الميت بعده
روى الطبراني في الاوسط بسند جيد عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يكون في أمتي رجل يتكلم بعد الموت).
وروى البيهقي وصححه وابو نعيم من طرق عن ربعي بن حراش قال: مات أخي الربيع وكان أصومنا في اليوم الحار، وأقومنا في الليلة الباردة، فسجيته فضحك، فقلت: يا أخي، أحياة بعد الموت ؟ قال: لا، ولكني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان، ووجه غير غضبان، فقلت: كيف رأيت الامر ؟ قال: أيسر مما تظنون، فذكر لعائشة رضي الله عنها، فقالت: صدق ربعي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يتكلم بعد الموت)، وفي لفظ: (يتكلم رجل من أمتي بعد الموت من خير التابعين)، قال الشيخ في الخصائص الكبرى: لهذا الحديث طرق وقد استوفيت أخبار من تكلم بعد الموت في كتاب البرزخ.
الباب الخمسون في اخباره صلى الله عليه وسلم بمن يرد سنته ولا يحتج بها، وبمن يجادل ويحتج بمتشابه القرآن
روى البيهقي عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا اني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه).
وروى أبو داود والبيهقي عن أبي رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري، فما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله تعالى اتبعناه).
وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) (آل عمران 7) فقال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين رمى الله فاحذروهم).
ورواه البيهقي بلفظ: (إذا رأيتم الذين يجادلون به) قال أيوب: ولا أعلم أن من أصحاب الاهواء أحدا الا وهو يجادل بالمتشابه.(10/114)
الباب الحادي والخمسون في اخباره صلى الله عليه وسلم الانصار بانهم سيلقون بعده أثرة
روى الامام أحمد والشيخان والبيهقي والترمذي والنسائي عن أسيد بن حضير والامام أحمد في المسند والترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للانصار حين أفاء الله عليه أموال هوازن: (انكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).
وروى الامام أحمد والشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها)، قالوا: يا رسول الله، ما تأمرنا ؟ قال: (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم).
وروى الحاكم وابو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للانصار: (ستلقون بعدي أثرة في القسم، والامر، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).
وروى الحاكم عن مقسم أن أبا أيوب أتى معاوية فذكر حاجة له فجفاه ولم يرفع به رأسا، فقال أبو أيوب: أما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خبرنا أنه ستصيبنا بعده أثرة قال: فبم أمركم ؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه الحوض، قال: فاصبروا إذا، فغضب أبو ايوب، وحلف أن لا يكلمه أبدا.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أثرة: بفتح الهمزة والمثلثة أي تفضلا لغيركم عليكم.
الباب الثاني والخمسون في اشارته صلى الله عليه وسلم الى دولة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى
روى البيهقي عن نافع رضي الله عنه قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: في ولدي رجل بوجهه شين يلي فيملأ الارض عدلا، قال نافع: لا أحسبه الا عمر بن عبد العزيز.
وروى البيهقي عن نافع رضي الله عنه قال: كان ابن عمر يقول كثيرا: ليت شعري، من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الارض عدلا.
وروى البيهقي عن عبد الله بن دينار رضي الله عنه قال: قال ابن عمر رضي الله عنه: يزعم الناس أن الدنيا لن تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر، يعمل بمثل عمر، فكانوا يرونه(10/115)
بلال بن عبد الله بن عمر، وكان بوجهه أثر فلم يكن هو، فإذا هو عمر بن عبد العزيز، وامه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب.
وروى عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لا
تلعنوا بني أمية، فان فيهم أميرا صالحا، يعني عمر بن عبد العزيز.
وروى البيهقي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: الخلفاء أبو بكر والعمران، فقيل: من عمر الاخر ؟ قال: يوشك أن تعرفه.
قال البيهقي وابن المسيب: مات عمر بن عبد العزيز بسنتين ولا يقوله الا توقيفا.
الباب الثالث والخمسون في اشارته صلى الله عليه وسلم الى وجود الامام ابي حنيفة والامام مالك والامام الشافعي رحمهم الله تعالى
روى الامام أحمد من طريق شهر بن حوشب وبقية رجاله رجال الصحيح وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة، والشيخان والترمذي، وابو نعيم في الحلية، وابن أبي شيبة عنه من طريق آخر، وأبو بكر الشيرازي في الالقاب، والطبراني من طريق آخر برجال الصحيح، وابو يعلى والبزار وابن أبي شيبة عن قيس بن سعد بن عبادة، والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو كان الايمان عند الثريا) ولفظ الشيرازي وأبي نعيم: (لو كان العلم معلقا بالثريا لناله رجال من فارس).
وفي لفظ: (من أبناء فارس)، زاد الطبراني في حديث قيس: (لناله رجال من أبناء فارس) ولفظ مسلم: (لناله رجل)، وفي لفظ: (قوم)، وفي لفظ: (ناس من أبناء فارس).
قال الشيخ رحمه الله تعالى: فهذا أصل صحيح يعتمد عليه في البشارة والفضيلة، ويستغنى به عن الخبر الموضوع.
انتهى.
وما جزم به شيخنا من أن الامام أبا حنيفة رضي الله عنه هو المراد من هذا الحديث السابق ظاهر لاشك فيه، لانه لم يبلغ من أبناء فارس في العلم مبلغه، ولا مبلغ أصحابه، وليس المراد بفارس البلد المعروف، بل جنس من العجم وهم الفرس، كان جد الامام ابي حنيفة منهم.(10/116)
الباب الرابع والخمسون في اخباره صلى الله عليه وسلم بعالم المدينة
روى الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الناس أن يضربوا أكباد الابل، فلا يجدوا عالما أعلم من عالم المدينة)، قال سفيان بن عيينة رضي الله عنه نوى هذا العالم مالك بن أنس، ولم يعرف بهذا الاسم غيره، ولا ضربت أكباد الابل الى أحد مثل ما ضربت إليه.
وقال أبو مصعب رضي الله عنه: كان الناس يزدحمون على باب مالك ويقتتلون عليه من الزحام، يعني لطلب العلم، وممن روي عنه من الائمة المشهورين، محمد بن شهاب الزهري، والسفيانان، والشافعي، والاوزاعي امام أهل الشام، والليث بن سعد امام أهل مصر (1)، وابو حنيفة النعمان بن ثابت الامام، وصاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وعبد الرحمن بن مهدي شيخ الامام أحمد، ويحيى شيخ البخاري، وابو رجاء قتيبة بن سعد شيخ البخاري ومسلم، وذا النون المصري، والفضل بن عياض، وعبد الله بن المبارك، وابراهيم بن أدهم رضوان الله عليهم أجمعين.
الباب الخامس والخمسون في اخباره صلى الله عليه وسلم بعالم قريش
روى الامام أحمد والترمذي وقال: حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهد قريشا، فان علم العالم يسع طباق الارض).
ورواه الخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة والبيهقي في المدخل عن علي وابن عباس وابو داود الطيالسي في مسنده وفيه الجارود مجهول بلفظ: (فان عالمها يملأ طباق الارض علما)، وقد جمع الامام الحافظ ابن حجر طرقه في كتاب سماه: لذة العيش، في طرق حديث (الائمة من قريش).
الباب السادس والخمسون في اخباره صلى الله عليه وسلم بقوم يأتون من بعده يحبونه حبا شديدا
روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أناسا من أمتي يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله).
__________
(1) سقط في ج) * (.
X(10/117)
الباب السابع والخمسون في اخباره صلى الله عليه وسلم بالنار التي تخرج من أرض الحجاز تضئ لها أعناق الابل ببصرى
روى الامام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستخرج نار من حضرموت، أو من نحو حضرموت، قبل يوم القيامة تحشر الناس)، قيل يا رسول الله، ما تأمرنا ؟ قال: (عليكم بالشام).
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضئ أعناق الابل ببصرى).
وروى أبو عوانة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من ركوبة تضئ منها أعناق الابل ببصرى).
وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضئ منها أعناق الابل ببصرى).
وروى الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما رجعنا، تعجل ناس فدخلوا المدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تدعوها أحسن ما كانت، ليت شعري، متى تخرج نار من جبل ورقان تضئ لها أعناق البخت ببصرى).
قال الشيخ: خرجت هذه النار سنة أربع وخمسين وستمائة.
تنبيه: جبل الورقان: (جبل أسود من أعظم الجبال بين العرج والرويثة وهو أول جبل بيمين المصعد من المدينة الى مكة حرسها الله تعالى.
الباب الثامن والخمسون في اخباره صلى الله عليه وسلم بحال قيس بن مطاطية
روى الخطيب في رواة مالك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية الى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فقال: هؤلاء الاوس والخزرج * هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/118)
قاموا بنصرة هذا الرجل، فما بال هؤلاء ؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا يجر رداءه، حتى دخل المسجد ثم نادى: الصلاة جامعة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (يا أيها الناس: ان الرب رب واحد، وان الاب أب واحد، وان الدين دين واحد، وان العربية ليست لكم بأب ولا أم، انما هي لسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي)، فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو آخذ بسيفه: يا رسول الله، ما تقول في هذا المنافق ؟ فقال: (دعه الى النار، فكان فيمن ارتد فقتل في الردة).
الباب التاسع والخمسون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون قوم في هذه الامة يعتدون في الطهور والدعاء
روى الطبراني وابن أبي شيبة وابو داود وابن ماجه والامام أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن مغفل، وابو داود الطيالسي وابن أبي شيبة، والامام أحمد وابو داود عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون في هذه الامة قوم يعتذرون في الطهور والدعاء).
الباب الستون في اخباره صلى الله عليه وسلم بحال قيس بن خرشة رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني والبيهقي عن محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي رضي الله عنه قال: ان قيس بن خرشة قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أبايعك على ما جاء من الله تعالى وعلى أن أقول بالحق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا قيس، عسى أن يمدك الدهر، أن يلقاك بعدي من لا تستطيع أن تقول بالحق معهم)، قال قيس: والله لا أبايعك على شئ الا وفيت لك به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا لا يضرك بشر، وكان قيس يعيب زياد بن أبي سفيان، وابنه عبيد الله)، فبلغ ذلك عبيد الله، فأرسل إليه فقال: أنت الذي تفتري على الله تعالى وعلى رسوله ؟ قال: لا، ولكن ان شئت أخبرتك بمن يفتري على الله وعلى رسوله ؟ قال: من ذاك ؟ قال: أنت وأبوك الذي أمركما، قال قيس: وما الذي افتريت على الله ورسوله ؟ فقال: (تزعم انه لا يضرك بشر !) قال: نعم، قال: (لتعلمن اليوم انك قد كذبت، ائتوني بصاحب العذاب وبالعذاب)، قال: فمال قيس عند ذلك، فمات.(10/119)
الباب الحادي والستون في اخباره صلى الله عليه وسلم باتخاذ أمته الخصيان
روى ابن عدي والدار قطني في الافراد وابن عساكر عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون قوم ينالهم الاخصاء فاستوصوا بهم خيرا).
الباب الثاني والستون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من أمته لا تزال على الحق حتى تقوم الساعة ولا يردها عنه شئ
روى الامام أحمد والشيخان وابن ماجه عن معاوية، والطبراني في الكبير عن زيد بن أرقم، ومسلم والترمذي وابن ماجه عن ثوبان، ومسلم والبيهقي عن عقبة بن عامر، والامام
أحمد وابن جرير وابو نعيم في الحلية، وأبو يعلى والطبراني في الاوسط، وابن عدي وعبد الجبار بن عبد الله الخولاني في تاريخ داريا وابن عساكر عن أبي هريرة وابن منده وابن عساكر عن أبي هريرة، وشرحبيل بن حينة معا، والبخاري في التاريخ، وابن عدي في الكامل، وابو داود والضياء وابو داود الطيالسي والحاكم عن عمر، والبخاري والامام أحمد ومسلم، وابن جرير وابن حبان والحاكم وابو داود الطيالسي عن جابر، والشيخان والبيهقي عن المغيرة، ومسلم وابو نصر السجزي في الابانة، والهروي في ذم الكلام عن سعد، وابن عساكر عن أبي الدرداء والطبراني في الكبير عن مرة البهزي، والامام أحمد والضياء وابو داود الطيالسي وعبد بن حميد عن زيد بن أرقم والامام أحمد والطبراني في الكبير والضياء عن أبي أمامة والامام أحمد والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين، وابن ماجه والطبراني في الكبير عن معاوية بن قرة عن أبيه، وابن قانع وابن عساكر والضياء عن قتادة عن أنس، قال البخاري: انما هو قتادة عن (مطهر) (1) رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال أمتي) وفي لفظ: (طائفة) وفي لفظ: (عصابة) وفي لفظ: (أناس من أمتي) وفي لفظ: (أهل المغرب من أمتي ظاهرين على الحق به) وفي لفظ: (ظاهرين حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون)، وفي لفظ: (يقاتلون على الحق وهم ظاهرون) وفي لفظ: (على من ناوأهم) وفي لفظ: (من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
وفي لفظ: (على من ناوأهم وهم كالاناء بين الاكلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، وفي لفظ: (الى يوم القيامة) وفي لفظ: (حتى تقوم الساعة)، وفي لفظ: (حتى * هامش * (1) في ج X مطر عن عمران.
(*)(10/120)
يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)، وفي لفظ: (حتى يأتيهم الامر)، وفي لفظ: (فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل معنا ؟ فيقول لا، ان بعضكم على بعض أمير تكرمة من الله عز وجل هذه الامة)، وفي لفظ: (حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال)، وفي لفظ: (منصورين لا
يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة)، وفي لفظ: (من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، وفي لفظ: (لا تقوم الساعة الا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من يضرهم)، وفي لفظ: (لا تزال امتي قوامة على أمر الله)، وفي لفظ: (عزيزة على الدين الى يوم القيامة (1) يقاتلون من خذلهم ولا يعزهم من والاهم) وفي لفظ: (على من يغزوهم ظاهرين لا يضرها من خالفها)، وفي لفظ: (ولا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم)، وفي لفظ: (لا يزال لهذه الامة عصابة على الحق لا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، وفي لفظ: (لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة)، وفي لفظ: (عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتي الساعة وهم على ذلك)، وفي لفظ: (وهم ظاهرون على الناس)، وفي لفظ: (يقذف الله بهم كل مقذف حتى يقاتلوا فلول الضلال، لا يضرهم من خالفهم حتى يقاتلوا الاعور الدجال.
وهم أكثر أهل الشام) وفي لفظ: (تقاتله على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق الى أن تقوم الساعة)، وفي لفظ: (لا تزال بدمشق عصابة يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)، وفي لفظ: قيل: يا رسول الله، وأين هم ؟ قال: (ببيت المقدس).
تنبيه: ذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني رضي الله عنه أن المراد بالغرب الدلو، والمراد بأهله العرب، لانهم أصحابها لا يستقي بها غيرهم وقال غيره: المراد بالغرب: أهل القوة والاجتهاد في الجهاد يقال: لسان غرب بفتح ثم سكون أي فيه حدة.
* هامش * (1) سقط في ب.
(*)(10/121)
الباب الثالث والستون في اخباره صلى الله عليه وسلم بمن يجدد لهذه الامة أمر دينها كل مائة سنة
روى أبو داود والحاكم في المستدرك والبيهقي في المعرفة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها).
الباب الرابع والستون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا يأتي زمان الا والذي يليه شر منه
روى الامام أحمد والبخاري والنسائي وابن حبان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي عليكم عام ولا يوم الا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم).
الباب الخامس والستون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن الخطباء يغفلون عن ذكر الدجال على المنابر
روى عبد الله بن الامام أحمد وابن قانع عن الصعب بن جثامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى يترك الائمة ذكره على المنابر).
الباب السادس والستون في اخباره صلى الله عليه وسلم بالكذابين بعده وبالحجاج
روى الامام أحمد عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بين يدي الساعة كذابون منهم صاحب اليمامة، ومنهم صاحب صنعاء العنسي، ومنهم صاحب حمير، ومنهم الدجال وهو أعظمهم فتنة).
وروى الحاكم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من ثقيف كذابان، الاخر منهم أشر من الاول، وهو المبير).
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من المدينة مبير وكذاب).
وروى الامام أحمد والطبراني عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/122)
قال: (والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، آخرهم الاعور الدجال).
وروى الطبراني في الكبير عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة من قريش، ثم يخرج كذابون وبين يدي الساعة).
وروى ابن أبي شيبة عن عبيد بن عمير الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم انه نبي قبل يوم القيامة).
وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يكذب على الله ورسوله).
وروى ابن عساكر في تاريخه عن العلاء بن زياد العدوي رضي الله عنه قال: قال حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه نبي فمن قاله فاقتلوه، ومن قتل منهم أحدا فله الجنة).
وروى أبو نعيم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم المسيح)..الحديث.
وروى ابن أبي شيبة وابن عدي في الكامل بسند ضعيف عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسي وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف).
وروى الامام أحمد والشيخان وابو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان وتكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه
رسول الله).
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح والحاكم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركي ن، وحتى يعبدوا الاوثان وانه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم انه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي).
وروى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا).
وروى الامام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن هذا الرجل يعني مسيلمة: (أما بعد، فقد أكثرتم في شأنه، فانه كذاب(10/123)
من ثلاثين كذابا يخرجون قبل الدجال وانه ليس من بلد الا يبلغها رعب المسيح الا المدينة على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح).
الباب السابع والستون في اخباره صلى الله عليه وسلم بكذابين في الحديث وشياطين يحدثون الناس
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فاياكم (1) واياهم).
وروى ابن عدي والبيهقي عن واثلة بن الاسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يطوف ابليس في الاسواق، ويقول حدثني فلان ابن فلان بكذا وكذا).
وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ان الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم، فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون.
وروى البخاري في تاريخه والبيهقي عن سفيان قال: حدثني من رأى قاصا يقص في مسجد الخيف فطلبته فإذا هو شيطان.
وروى ابن عدي والبيهقي عن عيسى بن أبي فاطمة الفزاري قال: كنت جالسا عند شيخ في المسجد الحرام أكتب عنه فقال الشيخ: حدثني الشيباني، فقال رجل: حدثني الشيباني فقال: عن الشعبي فقال: حدثني الشعبي، فقال عن الحارث ؟ فقال: قد والله، رأيت الحارث وسمعت منه، فقال عن علي ؟ فقال: قد والله رأيت عليا وشهدت معه صفين، فلما رأيت ذلك، قرأت آية الكرسي فلما قلت: (ولا يؤوده حفظهما) (البقرة 255) التفت فلم أر شيئا.
الباب الثامن والستون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأول الارض خرابا وأول الناس هلاكا
روى الطبراني في الكبير وابن عساكر عن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أول الارض خرابا يسراها ثم يمناها).
* هامش * (1) في ج X وآباؤهم.
(*)(10/124)
وروى الطبراني في الكبير عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول الناس هلاكا قريش، وأول قريش هلاكا أهل بيتي).
وروى أبو يعلى في مسنده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول الناس فناء قريش، وأول قريش فناء بنو هاشم).
الباب التاسع والستون في اخباره صلى الله عليه وسلم بظهور المعدن في أرض بني سليم
روى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يظهر معدن في أرض بني سليم، يقال له: فرعون أو فرعان، وذلك بلسان أبي الجهم قريب من السواء يخرج إليه شرار الناس، أو يحشر إليه شرار الناس).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعة من ذهب كانت أول صدقة جاءته من معدن لنا، فقال: (انها ستكون معادن وسيكون فيها شر الخلق).
وروى ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه عن رجل من بني سليم عن جده رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضة، فقال: من معدن لنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (انه سيكون معادن (يحضرها شرار الناس) (1).
رواه الامام أحمد ورجاله رجال الصحيح، وفيه راو لم يسم عند زيد بن أسلم عن رجل من بني سليم عن جده.
الباب السبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بصفة رجال ونساء يكونون في آخر الزمان
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).
* هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/125)
الباب الحادي والسبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأقوام يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر
روى مسدد وابن أبي شيبة والامام أحمد عن عمر بن سعد بن أبي وقاص، والضياء في المختارة عن سعد، والامام أحمد والنسائي وابن حبان والخرائطي في مكارم الاخلاق عن عمر
بن سعد قال: كانت لي حاجة الى أبي فقدمت بين يدي حاجتي كلاما، مما يحدث الناس يتوصلون به لم يكن سعد يسمعه فلما فرغت قال: يا بني فرغت من كلامك ؟ قلت: نعم، قال: ما كنت من حاجتك أبعد ولا كنت فيك أزهد مني منذ سمعت كلامك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون قوم)، وفي لفظ: (لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما يأكل البقر بألسنتهم من الارض).
الباب الثاني والسبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بذهاب الامانة والعلم والخشوع وعلم الفرائض
روى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأينا أحدهما وأنا انتظر الاخر، حدثنا أن الامانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الامانة، قال: (ينام الرجل النومة فتقبض الامانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الامانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر، دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شئ فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الامانة، حتى يقال: ان في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أكرمه ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان).
وروى الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما تفقدون من دينكم الامانة).
وروى الحكيم الترمذي عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يرفع من الناس الامانة، وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة، ورب مصل لا خلاق له عند الله).
وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يرفع من هذه الامة الحياء والامانة).
وروى ابن ماجه والدار قطني والحاكم والشيرازي في الالقاب والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فانه نصف العلم،(10/126)
وانه ينسى، وهو أول شئ ينزع من أمتي).
وروى الامام أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي والحاكم، واللفظ له عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا الفرائض، وعلموا الناس، فاني امرؤ مقبوض، وان العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما).
ورواه الدار قطني.
وقال الاصح انه مرسل.
وروى الديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا العلم قبل أن يرفع، فان أحدكم لا يدري متى يفتقر الى ما عنده).
ورواه ابن مسعود وزاد: واياكم والتنطع والبدع وعليكم بالعتيق.
وروى البخاري وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض).
وروى الامام أحمد والدارمي والطبراني في الكبير وأبو الشيخ في تفسيره، وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم، وقبل أن يرفع العلم)، قيل: يا رسول الله، كيف يرفع العلم وهذا القرآن بين أظهرنا ؟ فقال: (ثكلتك امك، وهذه اليهود والنصارى أو ليست بين أظهرهم المصاحف لم يصبحوا يتعلقوا بالحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم ألا وان ذهاب العلم أن تذهب حملته).
وروى الطبراني في الكبير والخطيب عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس، عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبل أن يرفع، العالم والمتعلم شريكان في الاجر ولا خير في سائر الناس بعد).
وروى الامام أحمد وابن أبي شيبة والشيخان والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر،
والخطيب عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
وروى الطبراني في الاوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء، فإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل).
وروى الشيخان والترمذي وابن ماجه عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).(10/127)
تنبيهات الأول: قال النووي: المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده والعهد الذي أخذه عليهم وهي التي في قوله: (أنا عرضنا الامانة) (الاحزاب 72).
الثاني: معنى الحديث ان الامانة تزول عن القلوب شيئا فشيئا فإذا زال أول جزء منها، زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله، فإذا زال شئ آخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول الا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة اياه بجسر يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنقط وأخذه الحصاة ودحرجته اياها أراد بها زيادة البيان وايضاح المذكور.
الثالث: في بيان غريب ما سبق: الجدر: بفتح الجيم واسكان الدال هو الاصل.
الوكت: بفتح الواو وسكون الكاف ومثناة فوقية: الاثر اليسير، وقيل: سواد يسير، وقيل: لون يحدث يخالف اللون الذي كان قبله.
المجل: بفتح الميم وفي الجيم الفتح والاسكان وهو المشهور يقال: منه مجلت يده بكسر الجيم تمجل بفتحها مجلا أيضا، ومجلت بفتح الجيم تمجل بضمها وباسكانها لغتان مشهورتان وأمجلها غيرها.
النفط: بفتح النون وكسر الفاء والمجل: هو التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها، ويصير كالقبة فيه ماء قليل، وذكره مع أن الرجلة مؤنت لارادة العضو.
منتبرا: بنون ثم مثناة فوقية ثم موحدة وراء مرتفعا ومنه المنبر لارتفاعه، وارتفاع الخطيب عليه.
الباب الثالث والسبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن محمد بن سلمة رضي الله تعالى عنه لا تضره الفتنة
روى أحمد بن منيع والبيهقي في الكبرى وابن أبي شيبة وابن ماجه عن أبي بردة رضي الله عنه قال: مررت بالربذة فإذا فسطاط، فقلت لمن هذا ؟ فقيل لمحمد بن مسلمة(10/128)
فاستأذنت عليه، فدخلت عليه فقلت رحمك الله، انك من هذا الامر بمكان فلو خرجت الى الناس فأمرت ونهيت فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انه ستكون فتنة وفرقة واختلاف فإذا كان ذلك فأت بسيفك أحدا فاضرب به عرضه واكسر نبلك، واقطع وترك، واجلس في بيتك، فقد كان ذلك، ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط فاخترطه فإذا سيف من خشب)، فقال: قد فعلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذت هذا أرهب به الناس.
الباب الرابع والسبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بموت أبي الدرداء قبل الفتنة
روى البيهقي وابو نعيم عن أبي الدرداء قال: قلت يا رسول الله بلغني أنك تقول ليرتدن أقوام بعد ايمانهم، قال: (أجل ولست منهم) فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان رضي الله عنه.
وروى الطيالسي عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلين اختصما الى أبي الدرداء في شبر من الارض فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا كنت في أرض فسمعت رجلين يختصمان في شبر من الارض فاخرج منها فخرج أبو الدرداء الى الشام).
الباب الخامس والسبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية وانها تفتح قبل رومية
روى ابن ابي شيبة برجال ثقات والامام أحمد عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الامير أميرها، ونعم الجيش ذلك الجيش).
وروى الحارث والطبراني عن جبير بن نفير رحمه الله تعالى قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه يقول بالفسطاط في خلافة معاوية اعد الناس للقسطنطينية، والله لا تعجز هذه الامة من نصف يوم، وإذا رأيت الشام مائدة رجل، وأهل بيته، فعند ذلك تفتح القسطنطينية.
وروى الطيالسي وابن منيع وابن أبي شيبة وابو يعلى برجال ثقات الا أسيد جابر وهو ثقة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، يجمع الروم لكم، وفي لفظ يجمعون لاهل الاسلام ونحا بيده نحو الشام، قلت الروم تعني ؟ قال: نعم، فيكون عند ذلك ردة شديدة فيشرط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع الا(10/129)
غالبة فيقاتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفئ هؤلاء ويفئ هؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع الا غالبة فيقاتلون حتى يحجز بينهم الليل
فيفئ هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع الا غالبة فيقاتلون حتى يمسوا فيفئ هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، فإذا كان الرابع نهد إليهم بقية أهل الاسلام، فجعل الله الدائرة عليهم، فيقتتلون مقتلة عظيمة اما قال لم ير مثلها واما قال لم نر مثلها حتى ان الطائر ليمر بجنباتهم فلا يخلفهم حتى يخر ميتا فيتعاد بنو الاب وكانوا مائة فلا يجدون بقي منهم الا الرجل الواحد فبأي غنيمة يفرح أو ميراث يقسم ؟ قال: فبينما هم كذلك إذا سمعوا بناس هم أكثر من ذاك جاءهم الصريخ أن الدجال قد خلف في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اني لاعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الارض يومئذ) أو قال: (هم خير من على ظهر الارض).
وروى ابن أبي شيبة وابن منيع والامام أحمد والحاكم وصححه عن أبي قبيل رحمه الله تعالى قال: كنا عند عمرو بن العاص رضي الله عنهما فسئل: أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، فأخرج منه كتابا يقرؤه قال: بينا نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل أي المدينتين تفتح أولا، قسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا بل مدينة هرقل تفتح أولا).
وروى ابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء يا علي انكم ستقاتلون بني الاصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم، حتى يخرج إليهم روقة الاسلام، أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ويفتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالاترسة ويأتي آت، فيقول: ان المسيح قد خرج ببلادكم، ألا وهي كذبة، فالاخذ نادم، والتارك نادم).
وروى الديلمي عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يفتح الله على المؤمنين القسطنطينية والرومية بالتسبيح والتكبير).
وروى الامام أحمد والبخاري في التاريخ والبزار وابن خذيمة والبغوي والبارودي وابن السكن وابن قانع والطبراني في الكبير، وابو نعيم والحاكم والضياء عن عبد الله بن بشر الغنوي عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الامير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش).(10/130)
الباب السادس والسبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بحال القراء بعده
روى الامام أحمد بسند جيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا نحن نقرأ، فينا العربي والعجمي والاسود إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم بخير تقرؤون كتاب الله، وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي قوم يثقفونه كما يثقفون القدح يتعجلون أجورهم ولا يتأجلونها).
وروى أبو يعلى والبزار والطبراني عن العباس بن عبد المطلب، والبزار برجال ثقات والطبراني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والطبراني برجال ثقات عن أم الفضل بنت العباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يظهر الدين حتى يجاوز التجار، وتخاض البحار بالخيل في سبيل الله، حتى يرد الكفر الى موطنه، وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن يتعلمونه ويقرأونه، ثم يقولون: قد قرأنا القرآن، فمن أقرأ منا ؟ ومن أفقه منا، ومن أعلم منا ؟) ثم التفت الى اصحابه، فقال: (هل في اولئك من خير ؟) قالوا: لا، قال: (أو لئك منكم من هذه الامة، وأولئك هم وقود النار).
رواه ابن أبي شيبة بسند ضعيف عن العباس رضي الله عنه ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم يأتي من بعدهم أقوام يقرأون القرآن، يقولون: قد قرأنا القرآن من أقرأ منا ؟ أو من أفقه منا ؟ أو من أعلم منا ؟) ثم التفت...الحديث.
وروى أحمد بن منيع باسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما يقرأون القرآن فقال: (اقرأوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمونه اقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه).
وروى الشيخان والامام أحمد والنسائي وابن جرير وابو داود الطيالسي وابن ماجه وابو عوانة وابو يعلى وابن حبان عن علي، وابن أبي شيبة والامام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح وابن ماجه وابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنهما ولفظ علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج) وفي لفظ: (يخرج)، وفي لفظ: (يأتي في آخر الزمان حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام)، وفي لفظ: (يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقولون: من قول خير البرية) وفي لفظ: (لا يتجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا رأيتموهم، فاقتلوهم فان قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة) وفي لفظ: (فمن لقيهم فليقتلهم فان قتلهم أجر عظيم عند الله لمن قتلهم يوم القيامة).
وروى مسلم وابو داود وابو عوانة عن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليست قراءتكم الى قراءتهم شيئا، ولا صلاتكم الى(10/131)
صلاتهم شيئا ولا صيامكم الى صيامهم شيئا، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش (الذي يصيبونهم) (1) ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليست له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه الشعرات بيض).
وروى أبو نصر السجزي في الابانة والديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرث هذا القرآن قوم يشربونه شرب اللبن، لا يجاوز تراقيهم).
وروى ابن ماجه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج في آخر الزمان قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم سيماهم التحليق إذا لقيتموهم فاقتلوهم).
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد والنسائي والطبراني في الكبير والحاكم عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم يقرأون القرآن لا يجاوز
حناجرهم، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليفة).
وروى الامام أحمد والبخاري والطبراني في الكبير، والبيهقي عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج قوم أحداء أشداء ذليقة ألسنتهم بالقرآن يقرأونه ينثرونه نثر الدقل لا يجاوز تراقيهم فإذا رأيتموهم فائتوهم فاقتلوهم فالمأجور من قتل هؤلاء).
وروى الامام أحمد والبخاري وأبو يعلى عن أبي سعيد، وابن ابي شيبة والامام أحمد والشيخان عن سهل بن حنيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج ناس من المشرق)، وفي لفظ: (من المشرق أقوام محلقة رؤوسهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم)، وفي لفظ: (يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وفي لفظ: (ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم الى فوقه، سيماهم التلحيق).
وروى السجزي في الابانة والخطيب وابن عساكر عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج قوم من المشرق حلقان الرؤوس، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
طوبى لمن قتلوه، وطوبى لمن قتلهم).
وروى الشيخان والنسائي في حديث مالك عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعلمكم مع علمهم، ويقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم * هامش * (1) في ج X الذين يصونهم.
(*)(10/132)
من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق هل علق به من الدم شئ).
وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس
زمان يتعلمون القرآن فيجمعون حروفه، ويضيعون حدوده، ويل لهم مما جمعوا وويل لهم مما صنعوا، ان أولى الناس بهذا القرآن من جمعة لم ير عليه أثره).
وروى الامام أحمد ومسلم وابن ماجه والطبراني في الكبير عن أبي ذر ورافع بن عمر والغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن، لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليفة سيماهم التحليق).
تنبيهات الأول: مذهب مالك الشافعي وجماهير العلماء رضي الله عنهم أن الخوارج لا يكفرون، وكذلك القدرية والمعتزلة، وسائر أهل الاهواء.
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموهم فاقتلوهم، فان في قتلهم أجرا).
قال القاضي: أجمع العلماء رضي الله عنهم على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الامام، وخالفوا رأي الجماعة، وشقوا العصا وجب قتالهم بعد انذارهم والاعذار لهم (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ الى أمر الله) (الحجرات 9) ولكن لا يجهز على جريحهم، ولا يتبع منهزمهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا تباح أموالهم ما لم يخرجوا عن الطاعة، وينتصبوا للحرب لا يقاتلون، بل يوعظون ويستتابون من بدعتهم، فان كفروا بها جرت عليهم أحكام المرتدين.
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: (شر الخليقة) المشهور فيه بغير ألف، تأوله الجمهور على أنه شرار المسلمين).
الرابع: قوله: (يقولون من خير قول البرية) معناه في ظاهر الامر، كقولهم: لا حكم الا لله ونظائره من دعاياهم الى كتاب الله.
الخامس: في بيان غريب ما سبق: الرصاف: بكسر الراء وصاد مهملة مدخل النصل من السهم.
القدح: بكسر القاف وسكون الدال والحاء المهملتين: عود السهم.
القذذ: بقاف مضمومة وذالين معجمتين: ريش السهم.(10/133)
القرفة: بضم القاف: الذي يجعل فيه الوتر.
النضي: بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء: القدح.
البصرة: بفتح الباء الموحدة وكسر الصاد المهملة: الشئ من الدم أي لا يرى شيئا من الدم يستدل به على اصابة الرمية.
سيماهم التحليق فيه ثلاث لغات: القصر وهو الافصح وبها جاء القرآن، والمد، والثالثة (سيمياء) ياء مع المد لا غير، وهي العلامة، قال النووي: ولا دلالة فيه على كراهة حلق الرأس، لان العلامة قد تكون بحرام وبمباح.
انتهى.
الباب السابع والسبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن المساجد ستزخرف (والمباهاة)
روى الامام أحمد وابو داود والنسائي والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد).
وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أمرت بتشييد المساجد) قال ابن عباس لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى.
وروى ابن ماجه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائسها وكما شرفت النصارى بيعها).
وروى الحاكم في تاريخه عن ابن عباس رضي الله عنهما سيكون في آخر أمتي أقوام يزخرفون مساجدهم ويخربون قلوبهم، يتقي أحدهم على ثوبه ما لا يتقي على دينه، لا يبالي أحدهم إذا سلمت له دنياه ما كان من أمر دينه.
الباب الثامن والسبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم باتيان قوم يقرأون القرآن يسألون به الناس
روى الامام أحمد وابن منده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه مر على قارئ يقرأ القرآن يسأل الناس به، فاسترجع عمران وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قرأ القرآن فليسأل به الله، فانه ستجئ أقوام يقرأون القرآن، ويسألون به الناس).
وروى الامام أحمد والطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرؤوا القرآن، وسلوا الله به قبل أن يأتي قوم يقرأون(10/134)
القرآن فيسألون الناس به) وروى الامام أحمد وابو داود وابن منيع والبيهقي في الشعب والضياء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأوا القرآن، وابتغوا به الله من قبل أن يأتي قوم يقيمونه اقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه).
وروى ابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر رضي الله عنه مرسلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأوا القرآن، واسألوا الله به، فانه سيقرؤه قوم يقيمونه اقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه).
الباب التاسع والسبعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بزخرفة البيوت
روى البزار برجال ثقات، والطبراني في الكبير عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انها ستفتح عليكم الدنيا حتى تتخذوا بيوتكم كما نتخذ الكعبة) قلنا: ونحن على ديننا اليوم ؟ قال: وأنتم على دينكم اليوم)، قلنا نحن يومئذ خير أم ذلك اليوم ؟ قال: (بل أنتم اليوم خير).
وروى الشيخان عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون لكم أنماط) ورواه الترمذي عن علي وزاد ويغدو أحدهم في حلة، ويرجع في أخرى، ويوضع بين يديه صحفة، ويرفع أخرى ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة، وأنتم اليوم خير منهم يومئذ.
الباب الثمانون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون في أمته رجال نساؤهم على رؤوسهن كأسنمة البخت كاسيات عاريات
روى الامام أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهم كأسنمة البخت فالعنوهن فانهن ملعونات لو كانت وراءكم أمة من الامم، لخدم نساؤكم نساءهم كما خدمتكم نساء الامم من قبلكم)، ولفظ الطبراني: (سيكون في امتي رجال يركب نساؤهم على سروج كأشباه الرجال).
وروى الطبراني في الكبير عن أبي شقرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم اللاتي(10/135)
ألقين على رؤوسهن مثل أسنمة البقر، فأعلموهن أنهن لا تقبل لهن صلاة).
وروى الامام أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا !).
الباب الحادي والثمانون في اخباره صلى الله عليه وسلم عن مكان بأنه سيصير سوقا
روى أبو يعلى عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رب يمين لا تصعد الى الله تبارك وتعالى بهذه البقعة)، قال: فرأيت فيها النخاسين بعد.
وروى عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبيدة عن أبيه عن جده أنه خرج مع أبي هريرة
رضي الله عنه من المسجد وليس بين الزوراء وبين الثنية يومئذ بيت ولا حجر، والسوق يومئذ غير مرة وائل حتى إذا كان عند دار ابن مسعود رضي الله عنه قال: يا أبا الحارث، من لحق أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ؟ أخبرني، قال: (رب يمين بهذه البقعة لا تصعد الى الله تعالى)، قلت: وأتى ذلك أبا هريرة قال: أما اني أشهد ما كذبت فقلت: وأنا أشهد.
الباب الثاني والثمانون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن القرآن والسلطان سيفترقان
روى أحمد بن منيع برجال ثقات واسحاق من طريق آخر عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا العطاء ما دام عطاءا، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم من ذلك المخافة والفقر، ألا وان رحى الايمان دائرة، وان رحى الا سلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث يدور، ألا وان السلطان والكتاب سيفترقان ألا فلا تفارقوا الكتاب، ألا انه سيكون عليكم امراء ان أطعتموهم أضلوكم، وان عصيتموهم قتلوكم)، قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله ؟ قال: (كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم حملوا على الخشب ونشروا بالمناشير، موت في طاعة الله، خير من حياة في معصية الله).(10/136)
الباب الثالث والثمانون في اخباره صلى الله عليه وسلم بحال الولاة بعده
روى الطبراني عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته: (ألا اني أوشك أن أدعى فأجيب، فيليكم عمال من بعدي يعملون بما تعملون ويعملون ما تعرفون، وطاعة اولئك طاعة، فتلبثون كذلك زمانا، ثم فيليكم عمال من بعدهم يعملون بما لا تعملون، ويعملون بما لا تعرفون فمن قادهم، وناصحهم، فأولئك قد هلكوا.
وأهلكوا خالطوهم بأجسادكم، وذايلوهم بأعمالكم، واشهدوا على المحسن أنه محسن وعلى المسئ أنه مسئ).
وروى الطبراني عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم إذا جاءت عليكم الولاة ؟).
وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون بعدي أئمة يعطون الحكمة على منابرهم، فإذا نزلوا نزعت منهم، وأجسادهم شر من الجيف).
وروى الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنه سيكون عليكم أمراء يقضون لانفسهم ما لا يقضون لكم، فإذا عصيتموهم قتلوكم، وان أطعتموهم أضلوكم)، قالوا: يا رسول الله، كيف نصنع ؟ قال: (كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، موت في طاعة، خير من حياة في معصية الله).
وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الامراء فقال: (يكون عليكم أمراء ان أطعتموهم أدخلوكم النار، وان عصيتموهم قتلوكم)، فقال رجل منهم: يا رسول الله، سمهم لنا، لعلنا نحثوا في وجوههم التراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلهم يحثون في وجهك ويفقئون عينيك).
وروى الطبراني برجال ثقات الا مطر بن العلاء الرملي فيحرر رجاله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثون نبوة، وثلاثون ملكا وجبروتا وما وراء ذلك لا خير فيه).
وروى الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انها ستكون عليكم أمراء من بعدي يعظون بالحكمة على منابر، فإذا نزلوا اختلست منهم، وقلوبهم أنتن من الجيف).
وروى الامام أحمد برجال ثقات عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما أخاف على أمتي الائمة المضلون).(10/137)
وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اني لا أخاف على أمتي الا الائمة المضلين (1)، وإذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنهم الى يوم القيامة).
وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك ذلك الزمان فلا يكونن لهم جابيا، ولا عريفا ولا شرطيا).
وروى البزار برجال الصحيح الا حبيب بن عمران الكلاعي فيحرر رجاله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة، سمتهم سمت الرهبان وليس لهم رغبة، أو قال: رعية أو قال: رعة، فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم).
وروى الطبراني برجال الصحيح خلا مؤمل بن اهاب وهو ثقة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون عليكم أمراء هم شر من المجوس).
وروى الامام أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يكون في هذه الامة في آخر الزمان)، أو قال: (يخرج رجال من هذه الامة في آخر الزمان معهم سياط كأذناب البقر، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه).
وروى البزار برجال الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان طالت بك حياة يوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنة الله، بأيديهم مثل أذناب البقر).
وروى أبو يعلى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون أمراء لا يرد عليهم قولهم يتهافتون)، وفي لفظ: (يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة، يتبع بعضهم بعضا).
وروى أبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على الناس زمان يكون عليهم أمراء سفهاء، يقدمون شرار الناس،
ويظهرون بخيارهم، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم، فلا يكونن عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا).
وروى أحمد بن منيع برجال ثقات وابن أبي شيبة، وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله * هامش * (1) سقط في ج) * (X(10/138)
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعوذوا بالله من رأس السبعين، ومن امارة الصبيان (وقال: لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع)) وروى الامام أحمد وابن حبان وابو يعلى والطبراني في الكبير والضياء عن عبد الله بن خباب عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اسمعوا، انه سيكون عليكم أمراء، فلا تعينوهم على ظلمهم، ولا تصدقوهم بكذبهم، فانه من أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم، فلن يرد علي الحوض).
وروى الترمذي وقال: صحيح غريب وابن حبان والنسائي عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اسمعوا، هل سمعتم انه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه، وهو وارد علي الحوض).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب الليالي والايام حتى يملك رجل يقال له الجهجاه).
وروى الامام أحمد وابو يعلى والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا عاما ولا تنبت الارض شيئا).
الباب الرابع والثمانون فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم على سبيل الاجمال
روى الامام أحمد والشيخان وابو داود والنسائي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون بين يدي الساعة الا ذكره في مقامه ذلك، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وقد علمه أصحابي هؤلاء، وانه ليكون منه الشئ قد نسيته، فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه.
وروى الامام أحمد ومسلم عنه قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن الا أن تقوم الساعة، فما منه شئ، الا وقد سألته الا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة ؟.
وروى الامام أحمد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا بما هو كائن في أمته الى يوم القيامة، وعاه من وعاه ونسيه من نسيه.
وروى الامام أحمد ومسلم عن عمرو بن أخطب الانصاري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل، فصلى، ثم(10/139)
صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطب حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن الى يوم القيامة فما علمنا احتفظناه فأعلمنا أحفظنا.
وروى الامام أحمد وابن سعد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحين في السماء الا ذكر لنا منه علما.
وروى عبد بن حميد عن ابي سعيد رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فحدثنا بما هو كائن الى يوم القيامة.
وروى الطبراني في الاوسط عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمام، فقال:: (انه سيكون بعدي حمامات، ولا خير في الحمامات للنساء)، فقالت: يا رسول الله انها تدخله بازار فقال: (لا وان دخلته بازار ودرع وخمار، وما من امرأة تنزع خمارها
في غير بيت زوجها الا كشفت الستر فيما بينها وبين ربها).
وروى أبو داود والبيهقي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انكم ستفتح لكم ارض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال الا بازار، وامنعوها النساء الا مريضة أو نفساء).
وروى ابن عدي في الكامل والخطيب في المتفق وابو القاسم النجار في كتاب الحمام وابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنها ستفتح عيكم الشام فستجدون فيها بيوتا يقال لها: الحمامات، وهي حرام على رجال أمتي الا بالازر وعلى نساء أمتي الا نفساء أو مريضة).
وروى عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انكم ستفتحون أفقا فيها بيوت يقال لها الحمامات (حرام على أمتي دخولها) فقالوا: يا رسول الله انها تذهب الوصب، وتنقي الدرن قال: (فانها حلال لذكور أمتي في الازر، حرام على اناث أمتي).
وروى أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال الا بالازار، وامنعوها النساء الا مريضة أو نفساء).
وروى ابن عدي والخطيب في المتفق وأبو القاسم البخاري في كتاب الحمامات وابن عساكر عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنها ستفتح عليكم الشام، وتجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات، هي حرام على رجال أمتي الا بالازر وعلى نساء أمتي الا نفساء أو سقيمة).(10/140)
وروى الطبراني بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم، تسلط بعضهم على بعض).
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انه لم يكن نبي قبلي الا كان حقا أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وان أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها.
وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجئ فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجئ الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجئ الفتنة فيقول: المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأت الى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه...الحديث).
وروى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان (فتطعمه، وكانت ام حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الاسرة: قالت: فقلت: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله - كما قال الأول -) قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: (أنت من الاولين).
فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت).
وروى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنها ستكون بعدي أثرة، وامور تنكرونها)، قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك ؟ قال: (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم).(10/141)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في اخباره بالفتن والملاحم والواقعة بعده.
الباب الأول في اخباره صلى الله عليه وسلم بالفتن واقبالها ونزولها كمواقع القطر والظلل ومن أين تجئ
وفيه أنواع روى مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه والطيالسي ومحمد بن يحيى بن أبي عمر المدني، والامام أحمد برجال ثقات عن الحسن البصري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالاعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا) زاد النعمان بن بشير رضي الله عنه قال الحسن: ولقد رأيناهم صورا ولا عقولا، جسام ولا أحلام، فراش بار وذباب يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العير.
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتفتنن أمتي بعدي فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم لعرض من الدنيا قليل).
وروى ابن أبي شيبة عن قيس رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ورفع رأسه الى السماء سبحان الله ترسل عليهم الفتن ارسال القطر).
وروى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة، ثم قال: (هل ترون ما أرى ؟ اني لارى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر).
وروى الطيالسي والبيهقي والامام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم وقال: صحيح عن كرز بن علقمة الخزاعي رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل للاسلام منتهى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الاسلام)، قال: ثم ماذا ؟ قال: (ثم تقع الفتن كالظلل)، فقال الرجل كلا، والله ان شاء الله قال: (بلى والذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض، أفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يتقي ربه ويدع الناس من شره).
وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه والطبراني في الاوسط عن حذيفة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أظلتكم) وفي لفظ: (أتتكم فتن كقطع الليل(10/142)
المظلم، أنجى الناس منها صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه، أو رجل من وراء الدروب آخذ بعنان فرسه يأكل من فئ سيفه).
وروى الطبراني في الاوسط عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أحدكم دينه بعرض من الدنيا قليل)، قلت فكيف نصنع يا رسول الله ؟ قال: (تكسر يدك)، قلت: فان انجبرت ؟ قال: (تكسر الاخرى) قلت: حتى متى ؟ قال: (حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية).
وروى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فزعا، يقول: (سبحان الله ! ماذا فتح الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن).
* هامش * (1) سقط في ج) * (X(10/143)
الباب الثاني في اخباره صلى الله عليه وسلم عن مدة دوران رحى الاسلام
روى الامام أحمد وابو داود والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تدور رحى الاسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فان هلكوا فسبيل من هلك، وان بقوا يقم لهم دينهم سبعين عاما مما بقي.
الباب الثالث في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن الرجل يمر بقبر أخيه فيقول: ياليتني كنت مكانك من كثرة الفتن
روى الامامان مالك واحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني كنت مكانك).
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على القبر، فيقول: لوددت أني مكان صاحبه لما يلقى الناس من الفتن).
وروى الديلمي بسند ضعيف عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يرى الحي الميت على أعواده، فيقول: ياليته كان مكان هذا، فيقول له القائل: هل تدري على ما مات ؟ فيقول كائن ما كان).
وروى مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين الا البلاء).
الباب الرابع في اخباره صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد خير من القائم
روى ابن أبي شيبة وابو يعلى والحاكم والترمذي عن سعد بن أبي وقاص وأبو يعلى والامام أحمد عن خرشة بن الحر وابن أبي شيبة والامام أحمد وأحمد بن منيع وابو يعلى عن عبد الله بن خباب عن أبيه رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انها ستكون بعدي فتن،(10/144)
النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب، والراكب فيها خير من
الموضع)، وفي حديث خرشة فمن أتت عليه فليأخذ سيفه ثم ليمشي الى صفاة فليضربها به حتى ينكسر ثم ليضطجع لها حتى تنجلي على ما انجلت عليه.
وفي حديث خباب فان أدركك ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل.
وروى الامام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به).
وروى الحاكم عن خالد بن عرفطة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون أحداث وفتنة وفرقة واختلاف فان كان ذلك فان استطعت أن تكون المقتول، لا تكون القاتل فافعل).
وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون فتنة صماء بكماء عمياء، من استشرف لها استشرفت له، واشراف اللسان فيها كوقوع السيف).
وروى ابن ماجه والطبراني في الكبير عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا الا من أحياه الله بالعلم).
الباب الخامس في اخباره صلى الله عليه وسلم بمن يبيع دينه في الفتنة بعرض يسير
روى ابن أبي شيبة والامام أحمد عن الضحاك بن قيس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم، فتنا كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل المؤمن كما يموت بدنه يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع فيها قوم أخلاقهم، ودينهم بعرض من الدنيا قليل).
وروى أبو يعلى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تذهب الليالي والايام حتى يقوم القائم، فيقول: من يبيعنا دينه بكف من دراهم ؟).(10/145)
الباب السادس في اخباره صلى الله عليه وسلم بكثرة الهرج
روى ابن أبي شيبة والامام أحمد وابو داود والحارث والشيخان عن أبي هريرة، وابن أبي شيبة ومسدد برجال ثقات وابو يعلى عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج)، قالوا: وما الهرج قال: (القتل)، وفي لفظ: (يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج)، قيل: يا رسول الله، انا لنقتل في العام الالف والالفين من المشركين ؟ قال: (لا أعني ذلك، ولكن يقتل بعضكم بعضا)، قالوا: يا رسول الله أنى يقتل بعضنا بعضا، ونحن أحياء ونفعل ؟ قال: (يميت الله قلوب أهل ذلك الزمان كما يميت أبدانهم).
وروى الطبراني في الاوسط والحاكم وابو نصر السجزي في الابانة، وقال: غريب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على أمتي زمان يكثر فيه القراء، ويقل الفقهاء، ويقبض العلم، ويكثر الهرج ثم يأتي من بعد ذلك زمان يقرأ القرآن رجال من أمتي لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المنافق الكافر المشرك بالله المؤمن بمثل ما يقول).
الباب السابع في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن مبدأ الفتنة قتل عمر
روى الديلمي عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن).
وروى الطبراني في الكبير عن عصمة بن مالك الخطمي، وابن عدي عن أبي هريرة، وابن عمر مرفوعا رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك إذا مات عمر، فان استطعت أن تموت فمت).
وروى الديلمي عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن).
وروى ابن سعد وابن أبي شيبة عن أبي الاشهب عن رجل من مزينة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوبا، فقال: (أجديد أم غسيل ؟) فقال: بل غسيل، فقال: (يا عمر، البس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا) مرسلا.
وقد أخرج أحمد وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا مثله.(10/146)
وأخرج البزار من حديث جابر رضي الله عنه مثله، وروى أبو يعلى بسند صحيح عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أحدا ارتج، وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وابو بكر، وعمر، وعثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اثبت أحد فما عليك نبي أو صديق أو شهيدان).
وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حائط فاستأذن أبو بكر، فقال: (ائذن له وبشره بالجنة وبالشهادة) (1).
وروى الطبراني بسند صحيح عن عبد الرحمن بن يسار، قال: شهدت موت عمر بن الخطاب فانكسفت الشمس يومئذ.
الباب الثامن في اخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه
روى الترمذي وقال: حسن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: (لعل الله أن يقمصك قميصا، فان أرادوك على خلعه، فلا تخلعه).
وروى الترمذي وقال: حسن غريب عن كليب بن وائل عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فقال: (يقتل فيها هذا مظلوما، وأشار لعثمان).
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي سهلة مولى عثمان رضي الله عنه قال: قال عثمان رضي الله عنه يوم الدار: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الي عهدا، فأنا صابر عليه.
وروى مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من
آطام المدينة، ثم قال: (هل ترون ما أرى، أني لارى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر.
فوقعت فتنة، قتلت عثمان رضي الله عنه وتتابعت الفتن الى فتنة الحرة، وكانت لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة وجرت فيها وقائع كثيرة موجودة في كتب التواريخ.
وروى الامام أحمد بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر رجل فقال: (يقتل فيها هذا يومئذ ظلما) قال: فنظرت فإذا هو عثمان رضي الله عنه وقال عليه الصلاة والسلام لابي موسى، وهو قاعد على قف بئر أريس لما طرق عثمان رضي الله عنه الباب: (ائذن ليه وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)، اشارة الى ما يقع من استشهاده يوم الدار، فاستشهد وبين يديه المصحف، فنضح الدم على هذه الاية: (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) (البقرة 137).
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا عثمان، تقتل(10/147)
وأنت تقرأ سورة البقرة فتقطر قطرة من دمك على (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) (البقرة 137) قال الحافظ الذهبي رضي الله عنه: انه حديث موضوع.
وروى ابن منيع عن نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان قالت: لما حوصر عثمان ظل يومه صائما، فلما كان عند الافطار سألهم الماء العذب، فقالوا: دونك هذا الركي وإذا ركي يلقى فيها النتن فبات تلك الليلة على حاله، لم يطعم، فلما كان من السحر، أتيت جارات لنا، على أجاجير (يعني أسطحة متواصلة) فسألتهم الماء العذب، فجئته بكوز من ماء، فلما نزلت إذا هو نائم، في اسفل الدرجة، يغط، فأيقظته فقلت: هذا ماء عذب قد أتيتك به، فرفع رأسه، فنظر الى الفجر، فقال: أنا صائم أصبحت صائما، فقلت: ومن أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب، قال: فان رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: (اشرب يا عثمان)، فشربت حتى رويت ثم قال: (ازدد)، فشربت حتى تملأت، فقال: (ان القوم سيبكرون عليك، فان تركتهم أفطرت عندنا) قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه رضي الله عنه قال ابن
لهيعة: كان عبد الرحمن بن أبي بكر صار بأهل مصر الى عثمان فقتله، فعرفنا بعد ذلك بعام أو عامين.
وأخرج أبو نعيم عن عدي بن حاتم قا: سمعت صوتا يوم قتل عثمان: (أبشر يا ابن عفان بروح وريحان.
الباب التاسع في اخباره صلى الله عليه وسلم بوقعة الجمل وصفين والنهروان وقتال عائشة والزبير عليا رضي الله تعالى عنهم أجمعين وبعث الحكمين
أخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن أم سلمة قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: (انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت)، ثم التفت الى علي فقال: (ان وليت من أمرها شيئا فارفق بها).
وأخرج أحمد وابو يعلى والبزار والحاكم والبيهقي وابو نعيم، عن قيس قال: لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقال: أي ماء هذا ؟ قالوا الحوأب قالت: ما أظنني الا راجعة، قال الزبير: لا بعد تقدمي فيراك الناس ويصلح الله ذات بينهم.
قالت ما أظنني الا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كيف باحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب).
واخرج البزار وابو نعيم، عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيتكن صاحبة(10/148)
الجمل الاحمر الادبب تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل حولها قتلى كثيرة ثم تنجو بعدما كادت).
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي وابو نعيم، عن حذيفة انه قيل له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو فعلت لرجمتموني).
قلنا: سبحان الله ! قال: (لو حدثتكم أن بعض أمهاتكم تغزوكم في كتيبة تضربكم بالسيف ما صدقتموني) قالوا: سبحان الله، ومن
يصدقك بهذا قال: (أتتكم الحمراء في كتيبة تسوق بها أعلاجها، قال البيهقي، أخبر بهذا حذيفة ومات قبل مسير عائشة.
وأخرج البزار والبيهقي، عن أبي بكرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة قائدهم في الجنة).
وأخرج أحمد والبزار والطبراني، عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (انه سيكون بينك وبين عائشة أمر فإذا كان ذلك فارددها الى مأمنها).
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن أبي الاسود قال: شهدت الزبير خرج يريد عليا، فقال له علي: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تقاتله وأنت له ظالم) فقال: لم أذكر ثم مضى الزبير منصرفا.
وأخرج أبو يعلى والحاكم والبيهقي وابو نعيم، عن أبي جروة المازني قال: سمعت عليا يقول للزبير نشدتك بالله أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: انك تقاتلني وأنت ظالم لي ؟ قال: بلى، ولكن نسيت.
وأخرج الحاكم، عن قيس قال: قال علي للزبير: أما تذكر يوم كنت أنا وأنت، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتحبه) فقلت: وما يمنعني، فقال: (أما انك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم) قال: فرجع الزبير.
وأخرج أبو نعيم، عن عبد السلام قال: قال علي للزبير يوم الجمل: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لتقاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك) قال: قد سمعته لا جرم لا أقاتلك.
ذكر واقعة صفين.
وأخرج الشيخان، عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة).
وأخرج البيهقي، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان بني اسرائيل اختلفوا فلم يزل(10/149)
اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا وان هذه الامة ستختلف، فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وضل من اتبعهما).
وأخرج الطبراني، عن أبي موسى الاشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في هذه الامة حكمان ضالان ضال من تبعهما)، قال سويد بن غفلة، فقلت يا أبا موسى أنشدك الله أليس انما عناك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (انها ستكون فتنة في أمتي أنت فيها يا أبا موسى نائما خير منك قاعدا وقاعدا خير منك قائما وقائما خير منك ماشيا فخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعم الناس).
وأخرج أبو نعيم، عن الحارث قال: كنت مع علي بصفين، فرأيت بعيرا من ابل الشام جاء عليه راكبه ونقله، فألقى ما عليه وجعل يتخلل الصفوف على علي، فجعل مشفره فيما بين رأس علي ومنكبه وجعل يحركها بجرانه فقال علي: والله انها للعلامة التي بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن أبي سعيد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطعت نعله، فتخلف علي يخصفها، فمشى قليلا ثم قال: (ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)، فقال أبو بكر: أنا.
قال: (لا).
قال عمر: أنا.
قال: (لا ولكن خاصف النعل).
وأخرج الحاكم، عن أبي أيوب قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتا ل الناكثين والقاسطين والمارقين).
وأخرج الطبراني في الاوسط مثله، عن ابن مسعود، وعن علي بلفظ (أمرت، وبلفظ عهد الي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي وابو نعيم، على علي قال: (ان مما عهد الي النبي صلى الله عليه وسلم أن الامة ستغدر بي بعده).
وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (أما انك ستلقى بعدي جهدا) قال في سلامة من ديني ؟ قال: (نعم).
وأخرج الحميدي وابن أبي عمرو والبزار وابو يعلى وابن حبان والحاكم وابو نعيم، عن أبي الاسود الديلي أن عبد الله بن سلام أتي عليا وقد وضع رجله في الغرز، فقال: لا تأتي العراق، فانك ان أتيته أصابك به ذباب السيف، فقال علي: (وأيم الله لقد قالها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك).(10/150)
وأخرج أبو نعيم، عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن وستحاج قومك) قلت: فما تأمرني ؟ قال: (أحكم بالكتاب).
وأخرج الحاكم، عن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحذركم سبع فتن، فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة تقبل من المغرب، وفتنة من بطن الشام وهي السفياني).
قال ابن مسعود: منكم من يدرك أولها ومن هذه الامة من يدرك آخرها.
قال الوليد بن عياش: فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة مكة: فتنة ابن الزبير.
وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء.
روى الحاكم وصححه والبيهقي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة فقال: انظري يا حميراء، أن لا تكوني أنت، ثم التفت الى علي رضي الله عنه فقال: ان وليت من أمرها شيئا فارفق بها.
وروى البزار وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا أيتكن صاحبة الجمل الادبب تخرج حتى ينبحها كلاب الحوأب يقتل حولها قتلى كثيرة بعدما كادت.
وروى الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الاسود قال: شهدت الزبير يريد عليا، فقال له علي: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تقاتله وأنت له ظالم ؟) فمضى الزبير منصرفا، وفي رواية أبي يعلى والبيهقي: فقال الزبير: بلى، ولكن نسيت.
الباب العاشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني والبزار باسناد حسن عن مولاة لعمار بن ياسر رضي الله عنهما قالت: اشتكى عمار بن ياسر شكوى ثقل منها، فغشي عليه فأفاق، ونحن نبكي حوله قال: ما يبكيكم ؟ أتحسبون أني أموت على فراشي، أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأنا آخر زادي مذقة من لبن، وفي رواية: ضياح لبن، وفي لفظ: (ان آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن).
ورواه أبو يعلى والطبراني بنحوه الا أنه قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني أقتل يوم صفين.
وروى مسلم وابن عساكر وابن أبي شيبة عن أم سلمة، والامام أحمد وابن عساكر والطبراني في الكبير، وأبو يعلى، والخطيب عن عثمان، والامام أحمد وابن سعد وابن أبي شيبة(10/151)
وابو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم عن عمرو بن العاص، وابن عساكر وابن أبي شيبة وأبو يعلى وأبو عوانة والطبراني في الكبير عن أبي رافع.
وأبو يعلى وابن سعد في كتاب الموالاة والطبراني في الكبير والدار قطني في الافراد عن عمار بن ياسر وابن عساكر عن ابن عباس وعن حذيفة وعن أبي هريرة وعن جابر بن عبد الله وعن جابر بن سمرة وعن أنس عن أبي أمامة وعن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وعن عمرو بن العاص، وابن أبي شيبة، والامام أحمد وابن سعد والبغوي وابو نعيم والطبراني في الكبير، والحاكم عن عمرو بن حرام، والامام أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عمرو وابو يعلى والطبراني في الكبير عن معاوية بن عتبة، والطبراني عن أبي رافع والطبراني عن أبي أيوب، والطبراني في الكبير، والباوردي وابن قانع، والدار قطني في الافراد عن أبي البشير بن عمرو عن زياد بن الجرد وابو يعلى والطبراني عن معاوية بن أبي
سفيان، والبزار برجال الصحيح عن أبي سعيد الخدري، وابو يعلى برجال الصحيح عن أبي هريرة والطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن عمرو وأبيه عمرو ومعاوية والبزار عن أبي مسعود، وحذيفة والطبراني باسناد حسن عن عمار بن ياسر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو يبني المسجد لعمار بن ياسر رضي الله عنه: (تقتلك الفئة الباغية).
وروى الامام أحمد والبخاري وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، ويدعوهم الى الله ويدعونه الى النار).
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح غريب عن أبي هريرة والباوردي عن اسماعيل بن عبد الرحمن الانصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار: أبشر عمار، تقتلك الفئة الباغية).
الباب الحادي عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بما سيلقى أهل بيته بعده من القتل والشدة وبقتل علي رضي الله تعالى عنه
روى ابن عساكر بسند ضعيف ونعيم بن حماد في الفتن، والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وان أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم).
وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل فئة من بني هاشم، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اغرورقت عينه.(10/152)
وروى الامام أحمد في المناقب أنه عليه الصلاة والسلام قال لعلي رضي الله عنه: (أتدري من أشقى الاخرين ؟) قال: الله ورسوله أعلم، قال: (قاتلك).
ورواه ابن أبي حاتم بلفظ: (الذي يضربك على هذه)، وأشار الى جبينه ورأسه (والمحاملي بلفظ: قال: قال علي: عهد الي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتخضبن هذه من هذه)، وأشار
الى لحيته ورأسه (1)).
ورواه أبو الحسن الضحاك بلفظ: (الذي يضربك على هذه، فسل منها هذه) فضربه عبد الرحمن بن ملجم.
وروى الطبراني وأبو نعيم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا: (انك امرو مستخلف وانك مقتول، وان هذه مخضوبة من هذه) لحيته من رأسه.
الباب الثاني عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين
(روى البخاري عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن: (ان ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وأخرج البيهقي من حديث جابر مثله).
الباب الثالث عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما
روى الخليل في الارشاد عن عائشة وأم سلمة معا رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان جبريل أخبرني أن ابني الحسين يقتل، وهذه تربة تلك الارض).
وروى الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان جبريل كان معنا في البيت، فقال: اتحبه ؟، فقلت: أما في الدنيا فنعم ؟ قال: ان امتك ستقتل هذا بأرض، يقال لها: كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأرانيه).
وروى ابن عساكر عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان جبريل أخبر ني أن ابني هذا يعني الحسين يقتل، وانه اشتد غضب الله على من يقتله).
* هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/153)
وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه، فيا عائشة، والذي نفسي بيده، انه ليحزنني فمن هذا من أمتي يقتل حسينا بعدي).
وروى العقيلي والطبراني عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان جبريل أتاني فأخبرني أن ابني تقتله أمتي قلت: فأرني تربته، فأتاني بتربة حمراء).
وروى الحاكم عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فأخبرني أن امتي ستقتل ابني هذا يعني الحسين، وأتاني بتراب من تربته حمراء).
وروى ابن سعد عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل: أرني تربة الارض التي يقتل بها فجاء بها فهذه تربتها).
وروى ابن سعد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أخبرني جبريل أن حسينا يقتل بشاطئ الفرات).
وروى البغوي في معجمه والحاكم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: استأذن ملك المطر ربه أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له، وكان في يوم أم سلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أم سلمة، احفظي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد)، فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين، فاقتحم فوثب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقع على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الملك: أتحبه ؟ قال: (نعم)، قال: فان امتك ستقتله، وان شئت أريتك المكان الذي يقتل به، فأراه فجاءه بشهلة أو بتراب أحمر فأخذته أم سلمة، فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول: انه كربلاء،
ورواه أحمد بنحوه.
والشهلة: بكسر الشين المعجمة: رمل خشن ليس بالدقاق الناعم.
وفي رواية الملاء: قالت: ثم ناولني كفا من تراب احمر، وقال: ان هذه من تربة الارض التي يقتل بها، فمتى صار دما فاعلمي انه قد قتل، قالت أم سلمة: فوضعته في قارورة عندي، وكنت أقول ان يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم.(10/154)
الباب الرابع عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بأغيملة من قريش وبرأس الستين وبأن هذا الحي من مضر لا يدع مصليا الا فتنه.
روى الطيالسي برجال ثقات، وابن أبي شيبة، والامام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجري هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء من قريش)، قال أبو هريرة رضي الله عنه: لو شئت سميتهم بنو فلان وبنو فلان.
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد عن أبي سعيد والطيالسي برجال ثقات وابن أبي شيبة والامام أحمد عن حذيفة، والطبراني والامام أحمد والحاكم والضياء عن أبي الطفيل عن حذيفة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان هذا الحي من مضر لا يدع عبداً لله صالحا في الارض الا فتنته وأهلكته حتى يدركها الله عز وجل بجنود من عنده أو من السماء، فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعة).
التلعة: بمثناة فوقية مفتوحة، فلام ساكنة، فعين مهملة: واحدة التلاع وهي مسايل الماء من علو الى سفل، وقيل: هو من الاضداد يقع على ما انحدر من الارض وأشرف منها.
وروى الامام أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش) أغيلمة تصغير أغلم: جمع غلام ولم يرد جمعه على أغلمة أي أحداث.
الباب الخامس عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بقتل أهل الحرة
(البيهقي عن أيوب بن بشير المعاوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فلما مر بحرة زهرة وقف، فاسترجع فسألوه فقال: (يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي) مرسل.
وروى البيهقي عن ابن عباس قال: جاء تأويل هذه الاية على رأس ستين سنة: (ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لاتوها) (الاحزاب 14) قال: لاعطوها يعني ادخال بني حارثة أهل الشام على المدينة.
وروى البيهقي عن الحسن قال: لما كان يوم الحرة قتل أهل المدينة حتى كاد لا ينفلت منهم أحد.
وروى أيضا عن مالك بن أنس قال: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن منهم ثلاثمائة من الصحابة، وذلك في خلافة يزيد).(10/155)
الباب السادس عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بالمقتولين ظلما بعذراء من أرض دمشق
روى يعقوب بن سفيان وابن عساكر عن أبي الاسود، قال: دخل معاوية على عائشة رضي الله عنها فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء حجر وأصحابه ؟ فقال: يا أم المؤمنين، اني رأيت قتلهم صلاحت للامة، وبقاءهم فسادا للامة، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم، وأهل السماء).
وروى ابن عساكر عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية حج فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت: يا معاوية قتلت حجر بن الادبر وأصحابه ؟ أما والله، لقد بلغني أنه سيقتل بعذراء سبعة نفر يغضب الله لهم وأهل السماء).
الباب السابع عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بقتل عمرو بن الحمق رضي الله تعالى عنه
(ابن عساكر عن رفاعة بن شداد البجلي أنه خرج مع عمرو بن الحمق حين طلبه معاوية قال: فقال لي يا فارعة أن القوم قاتلي، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن الجن والانس تشترك في دمي، قال رفاعة: فما تم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل فودعته وواثبته حية فلسعته وأدركوه فاحتزوا رأسه وكان أول رأس أهدي في الاسلام).
الباب الثامن عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بأئمة يصلون الصلاة لغير وقتها فكان كما أخبر وذلك في زمن بني أمية
روى الطبراني عن أنس، والطبراني عن ابن عمر، والامام أحمد برجال الصحيح عن ابن مسعود، وأبو داود وابن ماجه عن عبادة بن الصامت، والامام أحمد والطبراني عن عامر بن ربيعة والامام أحمد والبزار والطبراني عن شداد بن أوس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انها ستكون أمراء تشغلهم أشياء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فاجعلوا صلاتكم معهم تطوعا)، وفي لفظ: (أئمة لا يصلون الصلاة لوقتها ويؤخرونها عن وقتها)، وفي لفظ: (ستكون أئمة يميتون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لوقتها، فان أدركتموها معهم فاجعلوا صلاتكم معهم سبحة)، وفي لفظ: (فان صلوا الصلاة لوقتها وصليتموها معهم فلكم ولهم، وان أخروها(10/156)
عن وقتها فصليتموها معهم فلكم وعليهم، من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية، ومن مات ناكثا للعهد جاء يوم القيامة لا حجة له).
وروى الامام أحمد وابو داود والبيهقي عن سلامة بنت الحر الفزاري رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد فلا يجدون اماما يصلي بهم، والله تعالى الموفق للصواب).
الباب التاسع عشر في اخباره صلى الله عليه وسلم بالخوارج فكان كما أخبر
روى ابن أبي شيبة وابن منيع وابو يعلى والامام أحمد برجال ثقات عن جابر بن عبد الله، وابن منيع وابن حنبل والحارث بسند صحيح عن أبي بكرة، وابن أبي شيبة والبزار وابو يعلى برجال ثقات عن أنس رضي الله عنه قال أنس: ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم نكاية في العدو واجتهاده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أعرف هذا)، قال: بل نعته كذا وكذا، قال: (ما أعرفه)، فبينما نحن كذلك إذ طلع الرجل، فقال: هو هذا يا رسول الله، قال: (ما كنت أعرف هذا، هذا أول قرن رأيته في أمتي، ان فيه لسفعة من الشيطان، فلما دنا الرجل سلم، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنشدك بالله، هل حدثت نفسك حين طلعت علينا، أنه ليس في القوم أحد أفضل منك ؟) قال: اللهم، نعم فدخل المسجد يصلي، وقال جابر رضي الله عنه: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقالوا فيه وأثنوا عليه خيرا، وقال أبو بكرة: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل ساجد وهو ينطلق الى الصلاة، فقضى الصلاة، ورجع إليه وهو ساجد، ثم اتفقوا فقال رسول الله: (من يقتل) وفي لفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي بكر: (قم فاقتله) فدخل أبو بكر فوجده قائما يصلي، فقال أبو بكر في نفسه: ان للصلاة حرمة وحقا، ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (قتلته ؟) قال: لا، رأيته يصلي ورأيت للصلاة حرمة وحقا، وان شئت قتلته، قال: لست بصاحبه، اذهب أنت يا عمر فاقتله، فدخل عمر المسجد فإذا هو ساجد، فانتظره طويلا، ثم قال عمر في نفسه: ان للسجود حقا، ورجع ولو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد استأمره من هو خير مني، فجاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أقتلته ؟) قال: يا رسول الله، لا، رأيته ساجدا، ورأيت للسجود حقا، وان شئت أن أقتله قتلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لست بصاحبه)، قم يا علي، أنت صاحبه ان وجدته فذهب فوجده قد خرج من المسجد، فرجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أقتلته ؟) فقال:
لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قتل ما اختلف رجلان من أمتي حتى يخرج الدجال)، وفي رواية لكان أول فتنة وآخرها.(10/157)
الباب العشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بالرافضة والقدرية والمرجئة والزنادقة ومن هم ؟
روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (القدري أوله مجوسي، وآخره زنديق).
وروى البخاري في التاريخ عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (القدرية مجوس هذه الامة).
وروى أبو داود والحاكم والبيهقي عن ابن عمر وابن النجار عن سعد بن سهل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القدرية مجوس هذه الامة ان مرضوا فلا تعودوهم، وان ماتوا فلا تشهدوهم، وروى ابن عدي في الكامل عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (القدرية الذين يقولون: الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب، ولا أنا منهم ولا هم مني).
وروى عبد الله بن الامام أحمد في زوائد المسند والبيهقي من طرق كلها ضعيفة، والبزار عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يظهر في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الاسلام)، وفي رواية (ويلفظونه، فاقتلوهم، فانهم مشركون).
وروى الخطيب في التاريخ عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تموت حتى تسمع بقوم يكذبون بالقدر، ويحملون الذنوب على العباد، اشتقوا قولهم من قول النصارى، فابرأ الى الله منهم).
وروى البزار وابن أبي حاتم في السنة والعقيلي في الضعفاء والطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عباس وضعف، والطبراني في الكبير عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلاك أمتي في ثلاث: في العصبية والقدرية) والرواية من غير ثبت.
وروى الحاكم في تاريخه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا، الذين يقولون: الايمان قول بلا عمل).
وروى الدار قطني في (العلل) عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا).
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلك ان تبقى بعدي حتى تدرك قوما يكذبون بقدر الله يحملون الذنوب على عباده واشتقوا كلامهم ذلك من النصرانية، فإذا كان ذلك فابرأ الى الله تعالى منهم).(10/158)
وروى ابن أبي عاصم والطبراني في الاوسط والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آخر الكلام في القدر لشرار هذه الامة في آخر الزمان).
وروى أبو نعيم في الحلية عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة، المرجئة والقدرية).
وروى ابن عدي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أمتي لا يدخلون الجنة: القدرية والمرجئة).
وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أمتي لا سهم لهم في الاسلام، المرجئة والقدرية)، قيل: وما المرجئة ؟ قال: (الذين يقولون الايمان قول ولا عمل) قيل: فما القدرية قال: (الذين يقولون لم يقدر الشر).
وروى ابن عدي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أمتي لا يدخلون الجنة: القدرية والحرورية).
وروى الديلمي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أمتي
لا سهم لهم في الاسلام: القدرية والمرجئة، وجهادهم أحب الي من جهاد فارس والديلم).
تنبيه: القدرية، لانكارهم القدر، واسنادهم أفعال العباد الى قدرهم، وسموا معتزلة، لقول الحسن البصري: قد اعتزلنا واصل، لاثباته منزلة بين منزلتين بقوله: مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر، فاعتزلوا إليه، وكان رئيسهم واصل بن عطاء.
وسماهم صلى الله عليه وسلم مجوسا، لمشاركتهم المجوس في اثبات خالقين.
والمرجئة القائلون بالارجاء، وهو تأخير العمل عن النية والاعتقاد، بأنه لا يضر مع الايمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
الباب الحادي والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بافتراق امته على ثلاث وسبعين فرقة
روى الامام أحمد والاربعة والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، الناجية منهم واحدة) قال صلى الله عليه وسلم: (الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي).
وروى الحاكم وابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(10/159)
(سيأتي على أمتي ما أتى على بني اسرائيل مثلا بمثل حذو النعل بالنعل، حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله، ان بني اسرائيل تفرقوا على ثنتين وسبعين ملة، وستفرق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار غير واحدة) قيل: وما تلك الواحدة ؟ قال: (ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
الباب الثاني والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن الناس يغربلون ويتغير حالهم
روى الحاكم واللفظ له والحارث والامام أحمد وابو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا هكذا وهكذا، وشبك بين أصابعه)، قالوا: يا رسول الله، فكيف تأمرنا ؟ قال: (تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على الامر خاصتكم، وتدعون أمر عامتكم).
وروى أبو نعيم في الحلية عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم، وخربت أماناتهم)، فقال قائل: فكيف بنا يا رسول الله ؟ قال: (تعملون بما تعرفون، وتنكرون ما تنكرونه بقلوبكم).
وروى الدار قطني في الافراد والطبراني في الاوسط وأبو نعيم في الحلية عن الحنبل بن أبي الحسين أنه سمع شريحا يقول: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم (1) وخربت أماناتهم)، فقال قائل: فكيف بنا يا رسول الله ؟ فقال: (تقولون بما تعرفون، وتتركون ما تنكرونه بقلوبكم).
الباب الثالث والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل جعل بأس هذه الامة بينها
روى الامام أحمد والطبراني في الكبير عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي أربعا، فأعطاني ثلاثا، ومنعني واحدة، سألته ألا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلكت الامم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها).
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد ومسلم وابن خذيمة وابن حبان عن عامر بن سعد عن * هامش * (1) في ج X عقولهم.
(*)(10/160)
أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها).
وروى الطبراني في الكبير عن جبر بن عتيك قال: سألت ربي عز وجل ثلاث خصال لامتي فأعطاني اثنتين ومنعنيى واحدة، قلت: يا رب لا تهلك أمتي جوعا، قال: هذه لك، قلت: يا رب، لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم يعني الترك يجتاحهم قال: لك ذلك، قلت: يا رب، لا تجعل بأسهم بينهم فمنعني هذا.
الباب الرابع والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بظهور كنز الفرات
روى الطبراني في الكبير عن أبي بن كعب، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه الناس فيقتل من كل عشرة تسعة).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ويقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو).
الباب الخامس والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بنقض عرى الاسلام وأنه سيعود غريبا كما بدأ، وأنه يدرس كما يدرس وشي الثوب
روى مسدد برجال ثقات وابن ماجة، والحاكم وصححه عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يدرس الاسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يعلم أحد لا صلاة ولا صيام ولا نسك، حتى ان الرجل والمرأة ليقولان: قد كان من قبلنا، يقولون: لا اله الا الله ؟ قال صلة بن أشيم لحذيفة: ما تغني عنهم لا اله الا الله ؟ قال: يدخلون بها الجنة وينجون بها من النار).
وروى الحاكم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتنتقضن عرى الاسلام عروة عروة، وليكونن أئمة مضلون، وليخرجن على أثر ذلك الدجالون الثلاثة).(10/161)
وروى الامام أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الكبير، والبيهقي والحاكم في السنن والشعب، والضياء عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتنتقضن عرى الاسلام عروة عروة فكلما انقضت عروة تشبثت بالتي تليها، فأولها نقضا الحكم وآخرها الصلاة).
الباب السادس والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم باحراق البيت العتيق
روى ابن أبي شيبة والامام أحمد وأحمد بن منيع بسند حسن عن ميمونة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم إذا مرج أمر الدين، وظهرت الرغبة، واختلفت الاخوان وحرق البيت العتيق).
الباب السابع والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن الايمان بالشام حتى تقع الفتن
روى الامام أحمد عن رجال من الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفتح عليكم الشام، فإذا خيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها: دمشق، فانها معقل المسلمين من الملاحم، وفسطاطها منها بأرض يقال لها: الغوطة).
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح، وتمام وابن عساكر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون فتن)، قيل: يا رسول الله، فما تأمرنا قال: (عليكم بالشام).
الباب الثامن والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بملاحم الروم وتواترها وان الساعة لا تقوم حتى تكون الروم ذات قرون وتداعي الامم على أمر الاسلام
روى الطيالسي عن ثوبان رضي الله عنه قال: يوشك أن تداعى عليكم الامم كما تداعى الاكلة الى قصعتها قيل: من قلة ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم بحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت.
وروى الشيرازي في (الالقاب) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال:(10/162)
(لا تفرحوا بجلب بني حام الملعونين على لسان نوح عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده، لكأني بهم كالشياطين قد داروابين رايات الفتن، لهم همهمة وزمزمة، تهب السماء من أعمالهم، وتعج الارض من أفعالهم، لا يروعون عن حرمة ذمتي ولا ملتي، ألا، فمن أدر ك ذلك الزمان، فليبك على الاسلام ان كان باكيا).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالاعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الارض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله، لا نخلي بينكم وبين اخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث، لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتحون قسطنطينية، فينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: ان المسيح قد خلفكم في أهاليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لا نذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حريته).
الباب التاسع والعشرون في اخباره صلى الله عليه وسلم بتكليم السباع الانس وغير ذلك مما يذكر
روى ابن منيع، وعبد بن حميد، والترمذي وقال: حسن صحيح (غريب وأبو يعلى، وعنه ابن حبان في صحيحه، والامام أحمد والحاكم) (1) عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده (لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الانس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده).
وروى مسدد والامام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون في آخر الزمان يخرج الرجل من بيته فيرجع، فتخبره عصاه ونعله بما أحدث أهله).(10/163)
الباب الثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون هجرة الى مهاجر ابراهيم صلى الله عليه وسلم
روى الامام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تكون هجرة بعد هجرة الى مهاجر أبيكم ابراهيم عليه الصلاة والسلام حتى لا يبقى في الارض الا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم وتقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل من تخلف).
الباب الحادي والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ويرتفع الركن والمقام
روى مسدد بسند على شرط البخاري وأبو يعلى والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا (لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت).
الباب الثاني والثلاثون في بعض ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الشدائد والفتن
روى الحارث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان تحل فيه الغربة، ولا يسلم لذي دين دينه الا من فر بدينه من شاهق الى شاهق، أو من جحر الى جحر، كالطائر يغير فراخه، وكالثعلب بأشباله، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعتزل الناس الا من خير، ولمائة شاة عفراء بسلع أحب الي من ملك بني النضير، ذلك إذا كان كذا وكذا).
وقوله: (ولمائة شاة..) الى آخره الظاهر أنه مدرج.
وروى الطيالسي برجال ثقات عن يزيد بن أبي حبيب أن رجلين اختصما الى أبي الدرداء رضي الله عنه في شبر من الارض فقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا كنت في أرض، فسمعت رجلان يختصمان في شبر من الارض فأخرج منها)، فخرج أبو الدرداء فأتى الشام.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيتكن(10/164)
صاحبة الجمل الادبب ؟ يقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعدما كادت).
وروى نعيم بن حماد في الفتن بسند جيد رجاله ثقات وفيه انقطاع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع فتن تكون بعدي: الاولى تسفك فيها الدماء، والثانية تستحل فيها الدماء والاموال، والثالثة تستحل فيها الدماء والاموال والفروج، والرابعة صماء عمياء مطبقة تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ تطيف بالشام، وتغشى العراق، وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها، تعدل الامة فيها بالبلاء عدل الاديم، ثم لا يستطيع أحد من الناس أن يقول فيها: مه مه، لا يدفعونها من ناحية الا انفقعت من ناحية أخرى).
وروى الخطيب عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصابتكم فتنة الضراء فصبرتم، وان أخوف ما أخاف عليكم فتنة السراء من قبل النساء إذا تسورن الذهب، ولبسن ريط الشام، وعصب اليمن وأتعبن الغني وكلفن الفقير مالا يجد).
وروى أبو يعلى وابن حبان عن قيس بن أبي حازم عن أنس رضي الله عنه قال: بلغت عائشة بعض مياه بني عامر ليلا فنبحت الكلاب عليها، فقالت: أي ماء هذا ؟ قالوا: الحوأب، فوقفت وقالت: ما أظنني الا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ذات يوم: (كيف باحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب ؟) فقال الزبير رضي الله عنه: لا ترجعين عسى أن يصلح الله بك بين الناس.
الباب الثالث والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن مجئ الفتن من قبل المشرق
روى الامام مالك والشيخان والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر مستقبل المشرق وهو يقول: (ألا ان الفتنة تجئ من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان)، قاله ثلاثا وأشار نحو المشرق.
وروى الامام مالك والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأس الكفر نحو المشرق..الحديث).
وللبخاري عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الايمان يمان والفتنة هنا هنا من حيث يطلع قرن الشيطان).
ولمسلم: (الايمان يمان والكفر قبل المشرق).(10/165)
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من هاهنا جاءت الفتن نحو المشرق..الحديث).
الباب الرابع والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن أمته تفتح عليهم مشارق الارض ومغاربها
روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستفتح عليكم مشارق الارض ومغاربها ألا وعمالها في النار الا من اتقى الله وأدى الامانة).
الباب الخامس والثلاثون في أحاديث جامعة لاشراط الساعة أخبر بها صلى الله عليه وسلم وجد غالبها
وفيه أنواع روى الخرائطي في (مساوئ الاخلاق) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان من أشراط الساعة الفحش والتفحش، وسوء الجوار، وقطع الارحام، وأن يؤتمن الخائن، ويخون الامين، كمثل القطعة الذهب الجيدة أوقد عليها، فخلصت ووزنت فلم تنقص، ومثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا، ألا ان أفضل الشهداء المقسطون، ألا ان أفضل المهاجرين من هجر ما حرم الله عليه، ألا ان أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده، ألا ان حوضي طوله كعرضه أبيض من اللبن وأحلى من العسل آنيته عدد النجوم من أقداح الذهب والفضة، من شرب منه شربة لم يظمأ آخر ما عليها أبدا).
وروى أبو داود الطيالسي والامام أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويقل الرجال، وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد).
وروى الامام أحمد والبخاري وابن ماجه عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر، وان من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوهم المجان المطرقة).
وروى البغوي وابن عساكر عن عروة بن محمد بن عطية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/166)
قال: (ان من أشراط الساعة اخراب العامر، واعمار الخراب، وأن يكون الغزو فداء، وان يتمرس الرجل بأمانته كما يتمرس البعير بالشجرة).
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر، وهو هذا البارز).
وروى الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل).
زاد ابن أبي شيبة عن أنس وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن عن مجاهد رضي الله عنه مرسلا: يمسي الرجل فيها مؤمنا، ويصبح كافرا، ويمسي كافرا، ويصبح مؤمنا، يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل).
وروى ابن عساكر في التاريخ عن ابن شريحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بين يدي الساعة عشر آيات كالنظم في الخيط إذا سقطت منه واحدة توالت: خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام وفتح يأجوج ومأموج والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها).
وروى (1) الحاكم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فما تزال ترتفع الى السماء حتى تملأ السماء، ثم ينادي مناد: أيها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض، هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول: نعم، ومنهم من يشك، ثم يناديه الثانية: يا أيها الناس، فيقول الناس: هل سمعتم ؟ فيقولون: نعم، ينادي أيها الناس، أتى أمر الله فلا تستعجلوه، فوالذي نفسي بيده، ان الرجلين ينشران الثوب فما يطويانه، وان الرجل ليمدر حوضه، فما يسقى منه شيئا أبدا، وان الرجل ليحلب ناقته، فما يشربه أبدا).
وروى الامام أحمد ومسلم عن المستورد ونعيم بن حماد في الفتن عن ابن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس).
وروى الامام أحمد وابو الشيخ في العظمة، والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، حتى يأتي الرجل فيقول: من صعق فيكم الغداة ؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان).
* هامش * (1) من هنا الى قوله (العظام التي لم تكونوا ترونها) سقط في ج) * (.
X(10/167)
وروى الامام أحمد وابو يعلى والضياء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى لا تمطر السماء مطرا، ولا تنبت الارض شيئا).
وروى الطبراني في الكبير عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تزول الجبال عن أماكنها وترون الامور العظام التي لم تكونوا ترونها).
وروى الامام أحمد والترمذي وقال غريب.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار).
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضئ أعناق الابل ببصرى).
وروى البخاري وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض).
وروى الشيخان عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي فيه).
وروى ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير وابو نصر السجزي في الابانة وابن عساكر عن أبي موسى ولا بأس بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عارا ويكون الاسلام غريبا وحتى تبدو الشحناء بين الناس، وحتى يقبض العلم ويهرم الزمان، وينقص عمر البشر وتنقص السنون والثمرات، ويؤمن التهماء ويتهم الامناء ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى تبنى الغرف فتطاول، وحتى تحزن ذوات الاولاد، وتفرح العواقر، ويظهر البغي والحسد والشح، ويهلك الناس، ويتبع الهوى، ويقضى بالظن، ويكثر المطر، ويقل الثمر، ويغيض العلم غيضا ويفيض الجهل فيضا، ويكون الولد غيظا والشتاء قيظا وحتى يجهر بالفحشاء وتزوى الارض زيا ويقوم الخطباء بالكذب فيجعلون حقي لشرار أمتي فمن صدقهم بذلك ورضي له لم يرح رائحة الجنة).
وروى سمويه والحاكم عن ابن عمر عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج الدجال من يهودية أصبهان، عينه اليمين ممسوحة، والاخرى كأنها زهرة تشق الشمس شقا ويتناول الطير من الجولة ثلاث صيحات يسمعهن أهل المشرق وأهل المغرب ومعه جبلان جبل من دخان ونار وجبل من شجر وأنهار، ويقول هذه الجنة وهذه النار)(10/168)
وسمعته يقول: يخرج من قبله كذاب قال: قلت: فما الثالث قال: (انه أكذب الكذابين انه يخرج من قبل المشرق يتبعه حشارة العرب وسفلة الموالي أولهم مثبور، وآخرهم مثبور، هلاكهم على قدر سلطانهم، عليهم اللعنة من الله دائمة) قال: فقلت: العجب كل العجب قال: (وأعجب من ذلك سيكون، فإذا سمعت به فالهرب الهرب) قال: قلت: كيف أصنع بمن خلفت ؟ قال: (مرهم فليلحقوا برؤوس الجبال)، قال: قلت فان لم يتركوا وذاك قال: (مرهم أن يكونوا أحلاسا من أحلاس بيوتهم) قال قلت: فان لم يتركوا وذاك ؟ قال: (يا بن عمر، زمان خوف وهرج وسلب)، قال فقلت: يا أبا عبد الله ما لهذا الهرج من فرج ؟ قال: (بلى أنه ليس من هرج الا وله فرج ولكن أين ما يبقى لها، انها فتنة، يقال لها الجارفة تأتي على صريح العرب، وصريح الموالي وذوي الكنوز وبقية الناس ثم تنجلي عن أقل من القليل).
وروى الحاكم وابن عساكر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج الاعور الدجال من يهودية أصبهان، لم تخلق له عين، والاخرى كأنها كوكب ممزوجة من دم، يشوي في الشمس شيئا، يتناول الطير من الجولة، ثلاث صيحات يسمعها أهل المشرق والمغر ب، له حمار، ما بين عرض أذنيه أربعون باعا، يطأ كل منهل في كل سبعة أيام يسير معه جبلان، أحدهما فيه أشجار وثمار وماء، وأحدهما فيه دخان ونار يقول: هذه الجنة، وهذه النار).
وروى الخطيب في فضائل قزوين والرافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج الدجال من يهودية أصبهان حتى يأتي الكوفة فيلحقه قوم من المدينة، وقوم من الطور وقوم من ذي يمن وقوم من قزوين)، قيل: يا رسول الله، وما قزوين ؟ قال: (قوم يكونون بآخرة يخرجون من الدنيا زهدا فيها، يرد الله بهم قوما من الكفر الى الايمان).
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وسد الامر الى غير أهله فانتظروا الساعة).
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أما أول أشراط الساعة، فنار تخرج من المشرق فيحشر الناس الى المغرب).
وروى مسلم والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا في قلبه مثقال حبة من ايمان الا قبضته).
وروى أبو داود والطيالسي والامام أحمد ومسلم والاربعة وابن حبان عن أبي الطفيل عن(10/169)
حذيفة بن أسيد الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج
ومأجوج، ونار تخرج من قعرة عدن تسوق الناس الى المحشر تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا).
وروى الامام أحمد وأبو داود والبيهقي عن سلامة ابنة الحر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد فلا يجدون اماما يصلي بهم).
وروى الطبراني عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان من أشراط الساعة أن يقبض العلم ويفشو المال، وتفشو التجارة).
ورواه الامام أحمد والنسائي بلفظ: (ويكثر الهرج).
وزاد (ويظهر القلم، ويبيع الرجل البيع، فيقول: لا، حتى أستأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحواء العظيم الكاتب فلا يوجد).
وروى ابن النجار عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل).
وروى العسكري في الامثال عن عمر ورجاله ثقات: (ان من أشراط الساعة أين يغلب على الدنيا لكع بن لكع، وأفضل الناس مؤمن بين كريمين).
وروى الطبراني وابن المبارك عن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عن الاصاغر).
وروى الحاكم عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل، وتظهر الفتن، وتفشو التجارة).
وروى الامام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة).(10/170)
الباب السادس والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بخروج المهدي
روى الامام أحمد والحاكم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فائتوها، فان فيها خليفة الله المهدي).
وروى الترمذي وقال: حسن عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا - شك زيد - فيجئ إليه الرجل، فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله).
وروى الامام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج المهدي في أمتي خمسا أو سبعا أو تسعا) قال: قلت أي شئ قال: (سنين ثم يرسل عليهم السماء مدرارا، ولا تدخر الارض من نباتها شيئا، ويكون المال كدوسا)، وقال: (يجئ الرجل إليه، فيقول: يا مهدي، أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع ان يحمل).
وروى الحاكم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج في أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الارض نباتها، ويعطى المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الامة، يعيش سبعا أو ثمانيا) يعني حججا.
وروى الامام أحمد والباوردي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبشرو ا بالمهدي، رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس، فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض ويقسم المال صحاحا)، قالوا: وما صحاحا يا رسول الله ؟ قال: (بالسوية، ويملأ قلوب أمة محمد غنى، ويسعهم عدله، حتى انه يأمر مناديا فينادي فيقول، من كان له حاجة الي فليأتيني ؟ فما يأتيه أحد الا رجل واحد يأتيه فيسأله، فيقول: ائت السدان حتى نعطيك، فيأتيه، فيقول: أنا رسول المهدي اليك أرسلني لتعطيني مالا، فيقول: احث، فيحثي ولا يستطيع أن يحمله، فيلقي حتى يكون قدر ما يستطيع أن يحمله، فيخرج فيندم، فيقول: انا لا نأخذ شيئا أعطيناه فلبث في ذلك ستا أو سبعا أو ثمانيا أو تسع سنين والخير في الحياة بعده).
وروى ابن ماجه والطبراني في الكبير عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج قوم من قبل المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه).
وروى أبو يعلى وابن خذيمة وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال(10/171)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الارض ظلما وعدوانا، ثم يخرج رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا).
وروى الرافعي - في تاريخ قزوين - وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية، وجبل الديلم، ولو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها) وفي لفظ: (لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي جبل الديلم والقسطنطينية).
وروى الامام أحمد وابو يعلى وسمويه والضياء في المختارة بسند ضعيف عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي أجلى أقنى، يملأ الارض عدلا كما ملئت قبله ظلما، يكون سبع سنين).
وروى الطبراني في الكبير والدار قطني في الافراد والحاكم وابو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو لم يبق من الدنيا الا يوم لملك فيها رجل من أهل بيتي).
وفي لفظ: (لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل) وفي لفظ: (لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا).
وروى الامام أحمد وابو داود والترمذي - وقال: حسن صحيح - والطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي) وفي لفظ: (لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
وروى الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو لم يبق من الدنيا الا ليلة لطول الله تلك الليلة حتى يلي رجل من أهل بيتي).
وروى ابن عدي والطبراني في الكبير وابن عساكر عن معاوية بن قرة المزني عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتملأن الارض جورا وظلما، فإذا ملئت جورا وظلما يبعث الله رجلا (مني) (1) اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فلا تمنع السماء شيئا من قطرها، ولا الارض شيئا من نباتها يلبث فيكم سبعا أو ثمانيا، فان أكثر فتسعا) يعني التسع سنين.
* هامش * (1) في ج X من أهل بيتي.
(*)(10/172)
وروى ابن عساكر عن علي بن الحسين عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ابشري يا فاطمة، المهدي منك).
وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا عباس يا عم النبي، ان الله ابتدأ الاسلام بي، وسيختمه بغلام من ولدك، وهو الذي يتقدم عيسى ابن مريم).
وروى الخطيب وابن عساكر عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبرك أن الله فتح هذا الامر بي ويختمه بولدك).
الباب السابع والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بخروج الدجال
وفيه أنواع
الأول: في كثرة المطر وقلة النبات قبله وتحذيره صلى الله عليه وسلم منه.
روى أبو يعلى والبزار برجال ثقات عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون امام الدجال سنون خوادع، يكثر فيها المطر، ويقل فيها النبات ويكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويؤمن فيها الخائن، ويخون فيها الامين، وينطق فيها الرويضة)، قيل: يا رسول الله، وما الرويضة ؟ قال: (من لا يؤبه له).
وروى الطيالسي وابن أبي شيبة، والحميدي والامام أحمد والحارث وأبو يعلى عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان قبل خروج الدجال بثلاث سنين حبست السماء ثلث قطرها، وحبست الارض ثلث نباتها، فإذا كانت الثانية حبست السماء ثلثي قطرها، وحبست الارض ثلثي نباتها، فإذا كانت السنة الثالثة حبست السماء قطرها كله، وحبست الارض نباتها كله، فلا يبقى ذو خف ولا ظلف الا هلك)..الحديث.
وفيه: قالوا: يا رسول الله، ما يجزئ المؤمنين يومئ ؟ قال: (يجزئ المؤمنين ما يجزئ الملائكة من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد).
ثم قال: (لا تبكوا فان يخرج الدجال، وأنا فيكم فأنا حجيجه وان يخرج بعدي، فالله خليفتي على كل مسلم).
وروى الامام أحمد برجال ثقات وأبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدا شديدا يكون بين يدي الدجال، فقلت: يا رسول الله، ما يجزئ المؤمن يومئذ من الطعام ؟ قال: (التسبيح والتهليل) قلت: فأي المال يومئذ خير ؟ قال: (غلام شديد يسقي أهله من الماء، أما الطعام فلا طعام).(10/173)
الثاني: فيما يقوله من رأى الدجال.
روى أحمد بن منيع برجال ثقات والامام أحمد والحاكم عن أبي قلابة عن هشام بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان رأس الدجال من ورائه حبك حبك، وانه سيقول أنا ربكم فمن قال أنت ربي افتتن ومن قال: كذبت ربي الله وعليه توكلت واليه أنيب فلا يضره أو قال: ولا فتنة عليه).
الثالث: في وجوده الان.
روى أبو يعلى من طريق علي بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الدجال قد أكل ومشى في الاسواق).
وروى أبو يعلى من طريق مجالد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أن الدجال قد أكل الطعام ومشى في الاسواق).
الرابع: في مكان خروجه روى سمويه والحاكم عن ابن عمر عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج الاعور الدجال من يهودية أصبهان، عينه اليمين ممسوحة، والاخرى فانها زهرة).
روى الحاكم وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج الاعور الدجال من يهودية أصبهان لم تخلق له عين والاخرى كأنها كوكب ممزوجة من دم يشوي في الشمس شيئا يتناول الطير من الجولة ثلاث صيحات يسمعها أهل المشرق والمغرب له حمار ما بين عرض أذنيه أربعون باعا يطأ كل منهم في كل سبعة أيام معه جبلان، أحدهما فيه أشجار وثمار وماء وأحدهما فيه دخان ونار يقول: هذه الجنة وهذه النار).
وروى الخطيب - في فضائل قزوين - والرافعي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج الدجال من يهودية أصبهان حتى يأتي الكوفة، فيلحقه قوم من المدينة، وقوم من الطور، وقوم من ذي يمن، وقوم من قزوين) قيل: يا رسول الله، وما قزوين ؟ قال: (قوم يكونون بآخرة، يخرجون من الدنيا زاهدا فيها، يرد الله بهم قوما من الكفر الى الايمان).(10/174)
وروى الطيالسي وابن أبي شيبة والامام أحمد وابن منيع وابن حبان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج الدجال من يهودية أصبهان)..الحديث.
وروى الامام أحمد وأبو يعلى من طريق محمد بن مصعب حدثنا الاوزاعي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفا من اليهود عليهم التيجان).
وروى مسدد موقوفا - برجال ثقات - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يخرج الدجال من نحو المشرق..الحديث.
وروى مسدد عن العريان بن الهيثم عن أبيه رضي الله عنه قال: ذكروا الدجال، فقال عبد الله بن عمرو: أن بأرضكم أرضا يقال لها: كوثا، ذات سباخ ونخل ؟ فقالوا: نعم، فقال: فانه يخرج منها.
وروى أبو يعلى والحاكم وصححه وابن جرير في تهذيبه عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج الدجال من أرض من قبل المشرق يقال لها خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة).
الخامس: في صفته وأن كل نبي أنذر قومه الدجال.
روى الطيالسي بسند صحيح وابن أبي شيبة والامام أحمد رضي الله عنه عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..الحديث وفيه: (ألا وانه) أي الدجال (أعور عينه اليسرى، وباليمين ظفرة غليظة، بين عينيه كافر).
وروى الطبراني عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحذركم المسيح وأنذركموه، وكل نبي قد حذر قومه، وهو فيكم أيتها الامة، وسأحكي لكم من نعته ما لم يحك الانبياء قبلي لقومهم، يكون قبل خروجه سنون خمس حدب حتى يهلك كل ذي حافر) قيل: فبم يعيش المؤمنون ؟ قال: (بما تعيش به الملائكة، ثم يخرج وهو أعور وليس الله بأعور بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتبا وغير كاتب، أكثر من يتعبه اليهود والنساء والاعراب، ترون السماء تمطر وهي لا تمطر، وترون الارض تنبت وهي لا تنبت، ويقول للاعراب: ما تبغون مني ؟ ألم أرسل السماء عليكم مدرارا وأحيي لكم أنعامكم شاخصة دارها، خارجة خواصرها، دارة ألبنانها، وتبعث معه الشياطين على صورة من قد مات من الاباء والاخوان والمعارف فيأتي أحدهم الى أبيه وأخيه وذي رحمه، فيقول: ألست فلانا ؟ ألست تعرفني، هو ربك فاتبعه، يعمر أربعين سنة، السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة في النار، يرد كل منهل الا المسجدين) ثم قام(10/175)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فسمع بكاء الناس وشهيقهم فرجع فقام بين أظهر هم فقال: (أبشروا فان يخرج وأنا بين أظهركم، فالله كافيكم ورسوله، وان يخرج بعدي فالله خليفتي على كل مسلم).
وروى الامام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أما فتنة الدجال فانه لم يكن نبي الا حذر أمته وسأحذركموه بحديث لم يحذره نبي أمته، انه أعور والله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن..) الحديث.
وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله عز وجل لم يبعث نبيا الا حذر أمته الدجال، واني آخر الانبياء، وأنتم آخر الامم، وهو خارج فيكم لا محالة، فان يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج كل مسلم، وان يخرج فيكم بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، انه يخرج من خلة بين العراق والشام، وعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله، اثبتوا فانه يبدأ يقول: انا نبي ولا نبي بعدي، وانه مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن فمن لقيه فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتح سورة أصحاب الكهف، وانه يسلط على نفس من بني آدم فيقتلها، ثم يحييها، وانه لا يعدو ذلك، ولا يسلط على نفس غيرها، وان من فتنته أن معه جنة ونارا، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلى بناره، فليغمض عينيه، وليستعن بالله تكون بردا وسلاما كما كانت النار بردا وسلاما على ابراهيم، وان أيامه أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، ويوم كالايام، (وآخر أيامه) (1) كالسراب، يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل أن يبلغ بابها الاخر، قالوا: وكيف نصلي يا رسول الله في تلك الايام القصار ؟ قال: (تقدرون فيها كما تقدرون في الايام الطوال).
وروى الطيالسي وابن أبي شيبة وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الدجال أعور هجان أزهر، كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فان هلك الهالك فان ربكم ليس بأعور).
وروى مسدد والامام أحمد وأحمد بن منيع والحارث برجال ثقات عن قتادة بن أمية رحمه الله تعالى عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنذركم الدجال ثلاثا، فانه جعد ممسوح العين اليسرى).
انتهى.
وروى ابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (ما من نبي الا حذر امته الدجال، انه أعور وان ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب).
* هامش * (1) في ج X ويوم.
(*)(10/176)
وروى أبو يعلى عن أبي امامة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فكان أكثر خطبته حديثا، حدثناه عن الدجال، فكان من قوله أن قال: (انه لم تكن فتنة في الارض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وان الله لم يبعث نبيا قط بعد نوح الا حذر أمته، وأنا آخر الانبياء، وأنتم آخر الامم، وهو خارج فيكم لا محالة، فان يخرج وأنا بين أظهركم، فأنا حجيج كل مسلم، وان يخرج بعدي، فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم)..الحديث.
وروى الامام أحمد، وأحمد بن منيع برجال ثقات عن هشام بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان رأس الدجال من ورائه حبك حبك (وانه سيقول أنا ربكم فمن قال أنت ربي افتتن ومن قال: كذبت، ربي الله وعليه توكلت واليه أنيب فلا يضره أو قال فلا فتنة عليه)).
وروى أبو يعلى من طريق مجالد بن سعيد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ان كل نبي أنذر قومه الدجال، ألا وانه قد أكل الطعام، ألا اني عاهد اليكم عهدا لم يعهده نبي لامته، ألا وان عينه اليمنى ممسوحة كأنها نخاعة في جانب حائط، ألا وان اليسرى كأنها كوكب دري..الحديث.
السادس: في ادعائه إذا خرج الصلاح ثم ادعائه النبوة ثم الربوبة.
روى الطبراني بسند واه عن عبد الله بن معتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الدجال ليس به خفاء، انه يجئ من قبل المشرق، فيدعو لي فيتبع، وينصب للناس فيقاتلهم ويقاتلونه فيظهر عليهم، فلا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر دين الله ويعمل به فيتبع ويحب على ذلك، ثم يقول بعد ذلك اني نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، فيمكث بعد ذلك حتى يقول: أنا الله فتغشى عينه، وتقطع أذنه، ويكتب بين عينيه كافر، فلا يخفى على كل مسلم فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان)..الحديث.
السابع: في أنه يطأ الارض كلها الا مكة والمدينة وبيت المقدس والطور.
روى أبو داود الطيالسي والامام أحمد وابو داود وابو يعلى وابو عوانة والحاكم والضياء المقدسي في المختارة عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج الدجال معه نهر ماء ونار، فمن دخل نهره وجب وزره وحط أجره، ومن دخل ناره، وجب أجره وحط وزره) قال: قلت: ثم ماذا ؟ قال: (ثم ينتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة).
وروى الامام أحمد وابن خزيمة وابو يعلى والحاكم والضياء عن جابر رضي الله عنه أن(10/177)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج الدجال في خفة من الدين وادبار من العلم، وله أربعون يوما يسيحها في الارض، اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا، فيقول للناس: أنا ربكم، وهو أعور، وان ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، يمر بكل ماء ومنهل الا المدينة ومكة حرمهما الله عليه، وقامت الملائكة بأبوابهما، ومعه جبال من خبز، والناس في جهد الا من تبعه، ومعه نهران أنا أعلم بهما منه، نهر يقول له الجنة ونهر يقول له النار، فمن أدخل الذي يقول الجنة، فهو النار، ومن أدخل الذي يقول النار فهو الجنة، ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس، ومعه فتية عظيمة، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس لا يسلط على غيرها من الناس، فيقول للناس: أيها الناس، هل يفعل مثل هذا الا الرب ؟ فيفر المسلمون الى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى عليه السلام فينادي من السحر، فيقول: يا أيها الناس، ما يمنعكم أن تخرجوا الى الكذاب الخبيث ؟ فيقولون: هذا رجل جني، فإذا هم بعيسى ابن مريم عليه السلام فتقام الصلاة فيقال له: تقدم يا رسول الله وروح الله، فيقول: ليتقدم امامكم فليصل بكم، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه، فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله، حتى ان الشجرة والحجر ينادي يا روح الله، هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا الا قتله).
وروى الامام أحمد والشيخان والدارمي عن أنس بن مالك والطبراني عن عبد الله بن عمرو والطحاوي عن نجادة بن أبي أمية عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من بلد الا سيطأه الدجال الا مكة والمدينة).
وقال الطبراني: الا الكعبة وبيت المقدس، وقال الطحاوي: ومسجد الطور، وفي رواية: فلا يبقى موضع الا ويأخذه غير مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور، فان الملائكة تطرده عن هذه المواضع، وليس نقب من أنقابها - يعني المدينة - الا عليه الملائكة صافين يحرسونها فينزل بالسبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق).
وفي رواية: (يجئ الدجال فيطأ الارض الا مكة والمدينة، فيأتي المدينة، فيجد عند كل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة، فيأتي سبخة الجرف، فيضرب رواقه، فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة) (1).
* هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/178)
وروى الامام أحمد والبخاري والترمذي (وقال صحيح) (1) وأبو عوانة وابن حبان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي الدجال المدينة فيجد الملائكة يحرسونها فلا يدخلها الدجال ولا الطاعون ان شاء الله).
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون).
وروى الامام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة).
وروى ابن أبي شيبة والبخاري عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان).
(وروى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل المدينة رعب المسيح، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان) (2).
وروى الزبير بن بكار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مجمع السيول، فقال: (ألا أخبركم بمنزل الدجال من المدينة ثم قال: هذا منزله، يريد المدينة لا يستطيعها يجدها منتظمة بالملائكة، على كل نقب من أنقابها ملك شاهر سلاحه لا يدخلها الدجال ولا الطاعون فتنزل بالمدينة وبأصحاب الدجال زلزلة لا يبقى منافق ولا منافقة الا خرج
إليه، وأكثر من تبعه النساء فلا يشهر الرجل منهن سيفه).
قال السيد نور الدين رضي الله عنه: يستفاد من هذا الحديث أن المراد من قوله في الاحاديث المتقدمة: فترجف المدينة يعني بسبب الزلزلة لا يشكل بما تقدم من أنه لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، ويستغنى عما جمع به بعضهم من أن الرعب المنفي هو أن لا يجعل لمن بها بسبب قربه منها خوف أو هو عبارة عن غايته وهو غلبته عليها، والمر اد بالرجفة ساعة مجيئه، وأنه لا طاقة لاحد به فيسارع حينئذ إليه من كان يوصف بالنفاق والفسق.
قال الحافظ وما قدمناه أولى.
الثامن: في أحاديث جامعة لبيان حال الدجال.
وردت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * هامش * (1) في ج X برجال الصحيح.
(2) سقط في ج) * (.
X(10/179)
مطولة ومختصرة، وفي كل حديث ما ليس في الاخر فأدخلت بعضها في بعض، ورتبت القصة على نسق واحد، فأقول: روى ابن ابي شيبة والامام أحمد والطبراني وابو عمر بن عبد البر في التمهيد عن سمرة بن جندب، والطبراني عن عبد الله مغفل، وابو يعلى عن أبي سعيد، والبزار بأسانيد حسنة، وابن كثير عن جابر، والطبراني من طريق آخر، واحمد بن حنبل وقاسم بن أصبغ من طريق آخر، واحمد والحاكم - بسند جيد - والطيالسي وأحمد وابو القاسم والبغوي في معجمه عن سفينة، والامام أحمد والستة عن النواسي بن سمعان، وابن ماجه وابن أبي عمر وتمام في فوائد ه، والطبراني في المطولات عن أبي أسامة، والطيالسي وعبد الرزاق والامام أحمد والطبراني عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله، لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، أحدهم الاعور الدجال، ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى الشيخ من الانصار، وانه متى يخرج) أو قال: (متى ما يخرج فانه سوف يزعم انه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه فليس ينفعه صالح من عمل له سلف، ومن كفر به وكذبه فليس يعاقب بشئ من عمل له سلف، وانه سيظهر على الارض كلها الا الحرم وبيت المقدس، ويحصره).
وفي لفظ: (يحصر المؤمنين في بيت المقدس فيزلزلون زلزالا شديدا فيهزمه الله تعالى وجنوده، ويهلكه الله تعالى حتى ان حرم الحائط أو أصل الشجرة ينادي يا مؤمن، هذا يهودي أو كافر مستتر في فتعال فاقتله، ولن يكون ذاك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم فتتساءلون بينكم، هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا، وحتى تزول جبال عن مراتبها، ثم على أثر ذلك القبض) وأشار بيده الى الموت.
وروى الديلمي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج الدجال ومعه سبعون ألفا من الحاكة، على مقدمته أشعر من فيهم، يقول: بدو بدو).
وروى مسلم وابو يعلى عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له: أين تعمد ؟ فيقول: أعمد الى هذا الذي خرج، فيقولون: أوما تؤمن بربنا ؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه، قال: فينطلقون به الى الدجال فإذا رآه المؤمن، قال: يا أيها الناس، هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال به فيشبح فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربا، فيقول: أو ما تؤمن بي ؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطيعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما ثم يقول له: أتؤمن بي ؟ فيقول: ما(10/180)
ازددت فيك الا بصيرة، ثم يقول: يا أيها الناس، انه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته الى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، فيأخذه بيديه
ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه الى النار وانما ألقى به في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين).
وروى الامام أحمد ومسلم وأبو عوانة وابن حبان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسم قال: (يتبع الدجال من يهودية أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة).
وروى الامام أحمد والشيخان، وابن حبان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول: أشهد انك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيت ان قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الامر ؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله الثانية فلا يسلط عليه).
التاسع: في من أشد الناس عليه.
روى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني تميم، فقال: (هم ضخام الهام ثبت الاقدام، أنصار الحق في آخر الزمان أشد قوما على الدجال).
وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم ان رجلا قال: أبطأ هؤلاء القوم بصدقاتهم، فأقبلت نعم حمر وسود لبني تميم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه نعم قومي)، ونال رجل من بني تميم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تقل لبني تميم الا خيرا، فانهم أطول الناس رماحا على الدجال).(10/181)
الباب الثامن والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى ابن مريم صلى الله عليهما وسلم
روى الامام أحمد والطبراني والروياني والضياء عن سمرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الدجال خارج، وانه أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة، وانه يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى، ويقول للناس، أنا ربكم، فمن قال: أنت ربي فقد فتن، ومن قال: ربي الله، حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنة الدجال ولا فتنة عليه، فيلبث في الارض ما شاء الله، ثم يجئ عيسى ابن مريم من قبل المغرب مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم فيقتل الدجال وانما هو قيام الساعة).
وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان روح الله عيسى ابن مريم نازل فيكم فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع الى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وان لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس الى الاسلام، فيهلك الله في زمانه المسيح الدجال، وتقع الامنة على أهل الارض حتى ترعى الاسود مع الابل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون).
وروى الامام أحمد ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين (لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما) فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقي على وجه الارض أحد في قلبه مثقال ذرة من ايمان الا قبضته حتى تقضبهم، فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون ؟ فيقولون: فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الاوثان فيعبدونها، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد الا أصغى ليتا ورفع ليتا، وأول من يسمعه رجل يلوط حوض ابله فيصعق ويصعق الناس، ثم يرسل الله مطرا كأنه الظل فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس، هلم الى ربكم (وقفوهم انهم مسؤولون) (الصافات 24) أخرجوا بعث النار، فيقال: من كم ؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق) وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم(10/182)
الساعة حتى ينزل عيسى ابن مريم حكما مقسطا، واماما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالاعمال أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الارض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين اخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون القسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: ان المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون - وذلك باطل - فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم عليه أفضل الصلاة والسلام، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لا يذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته).
وروى الامام أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، واماما عادلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها).
وروى مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله، لينزلن عيسى ابن مريم حكما عدلا فليكسر الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، وليتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض، والتحاسد وليدعون الى المال فلا يقبله أحد).
وروى الامام أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنيهما).
وروى (البخاري) (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم) وفي لفظ: (وامامكم منكم).
* هامش * (1) في ج X الشيخان.
(*)(10/183)
الباب التاسع والثلاثون في اخباره صلى الله عليه وسلم بخروج يأجوج ومأجوج
وفيه أنواع
الأول: في نسبتهم.
روى عبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لافسدوا على الناس معايشهم ولن يموت الرجل منهم الا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وان من ورائهم ثلاث أمم قاويل وتاريس ومنسك).
الثاني: في كثرتهم: روى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج فقال: (يأجوج ومأجوج أمة، كل أمة بأربعمائة ألف أمة، لا يموت أحدهم حتى ينظر الى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح...).
وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمرو بن أوس عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان يأجوج ومأجوج لهم نساء يجامعون ما شاءوا، وشجر يلقحون ما شاءوا، فلا يموت الرجل الا ترك من ذريته ألفا فصاعدا).
وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مات رجل من يأجوج ومأجوج الا ترك ألف ذري لصلبه).
وروى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ان الرجل من يأجوج ومأجوج ليترك بعده من الذرية ألفا فما زاد، وان وراءهم ثلاث أمم منسك وقاويل وتاريس لا يعلم عدتهم الا الله تعالى).
وروى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ان الله عز وجل جزأ الخلق عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء الملائكة، وجزءا سائر الخلق وجزأ الملائكة عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وجزءا لرسالته، وجزأ الخلق عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء الجن وجزءا بني آدم، وجزأ بني آدم عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزءا سائر الناس، والسماء ذات الحبك، قال: السماء السابعة والحرم بحيال عرشه.
وروى عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة رحمه الله تعالى قال: ان الله تعالى جزأ الانس عشرة أجزاء فتسعة منهم يأجوج ومأجوج، وجزء سائر الناس.(10/184)
وروى ابن المنذر وابو الشيخ عن حسان بن عطية رحمه الله تعالى قال: ان يأجوج ومأجوج خمس وعشرون أمة، لا تشبه واحدة منها الاخرى.
الثالث: في صفتهم.
روى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن يأجوج ومأجوج: (هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الارز).
قلت: وما هو الارز ؟ قال: (شجرة الصنوبر، شجرة بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء، وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع في السماء).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم الذين لا يقوم لهم الجبل ولا حديد.
وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالاخرى ولا يمرون بقليل ولا كثير ولا بجمل ولا خنزير الا أكلوه، ومن مات منهم
أكلوه، مقدمتهم وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية).
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد - ورواته ثقات - عن خالد بن عمر وعن ابن حرملة عن خالته رضي الله عنها قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب، فقال: (انكم تقولون: لا عدو، وانكم لا تزالون تقاتلون عدوا حتى يأتي يأجوج ومأجوج، عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف، من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة).
وروى ابن المنذر عن كعب رحمه الله تعالى قال: (خلق يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف، صنف أجسامهم كالارز، وصنف أربعة أذرع طول وأربعة أذرع عرض، وصنف يفترشون آذانهم، ويلتحفون بالاخرى ويأكلون مشائم نسائهم).
الرابع: في بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ليلة الاسراء ان صح الخبر.
وروى نعيم بن حماد في الفتن وابن مردويه بسند واه جدا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بعثني الله عز وجل ليلة أسري بي الى يأجوج ومأجوج فدعوتهم الى دين الله عز وجل وعبادته فأبوا أن يجيبوني فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد ابليس).
الخامس: في نقبهم السد كل يوم من حين بني.
روى الشيخان عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمرا وجهه، وهو يقول: (لا اله الا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) - وعقد سفيان تسعين ومائة - قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث).(10/185)
وروى الامام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فتح الله اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وعقد بيده تسعين.
السادس: في خروج وكونه زمن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم.
روى الامام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة، والامام أحمد وابن ماجه وابو يعلى وابن المنذر والحاكم - وصححه - عن أبي سعيد وابن جرير عنه من طريق آخر، والامام أحمد ومسلم والاربعة عن النواس بن سمعان، وابن جرير عن حذيفة وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنهم موقوفا عليهما وله حكم المرفوع، وابن جرير عن كعب الاحبار رضي الله عنه قال الاربعة الأول: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السد: (يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا، قال: فيعيده الله كأشد ما كان).
وفي حديث كعب، قال: إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل، قالوا: نجئ غدا فنخرج فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله تعالى كما كان، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل قالوا: نجئ غدا، فنخرج، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله تعالى كما كان فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم.
انتهى، وفي حديث أبي علي: فيلحسونه وقد جعلوه مثل قشر البيض.
وفي حديث ابي هريرة رضي الله عنه حتى إذا بلغوا مدتهم، وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس، قال الذي عليهم: ستخرقونه غدا ان شاء الله تعالى، واستثنى، فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيفر الناس منهم الى حصونهم).
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا عند الحاكم، بعد أن ذكر قتل عيسى عليه الصلاة والسلام للدجال وكسره الصليب، وقتله الخنزير ووضعه الجزة، قال: فبينما هم كذلك أخرج الله تعالى يأجوج ومأجوج.
وفي حديث النواس بن سمعان: فيوحي الله تعالى الى عيسى ابن مريم أن قد أخرجت
عبادا من عبادي، لا بد أن تقاتلهم فحرز عبادي الى الطور، فيبعث الله تعالى يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى: (من كل حدب ينسلون) (الانبياء 96) فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ثم يمر آخرهم فيقول لقد كان في هذه ماء...وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في لقيه ليلة الاسراء الانبياء،(10/186)
وقول عيسى عليه السلام، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون، فيطوف بلادهم لا يأتون على شئ الا أهلكوه، ولا يمرون على ماء الا شربوه.
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه فيسيرون الى خراب الدنيا، وتكون مقدمتهم بالشام، وساقتهم بالعراق، فيمرون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات، ودجلة وبحيرة طبرية.
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه المرفوع ويشربون مياه الارض حتى ان أحدهم ليمر بالنهر، فيشرب ما فيه حتى يتركوه يبسا، حتى ان بعضهم من بعدهم ليمر بذلك النهر، فيقولون: قد كان هاهنا مرة ماء.
وفي حديث كعب عند ابن جرير رضي الله عنه فتمر الزمرة الاولى بالبحيرة فيشربون ماءها، ثم تمر الزمرة الثانية، فيلحسون طينها، ثم تمر الزمرة الثالثة، فيقولون: قد كان هاهنا مرة ماء، فيأتون بيت المقدس، فيقولون: قد غلبنا أهل الدنيا، فيرمون سهامهم في السماء، وفي لفظ: بالنشاب الى السماء فترجع سهامهم مخضبة بالدم، وفي حديث أبي سعيد المرفوع رضي الله عنه حتى إذا لم يبق من الناس أحد الا أخذ في حصن أو مدينة، قال قائلهم: هؤلاء أهل الارض، قد فرغنا منهم، وبقي أهل السماء، فيهز أحدهم حربته ثم يرمي بها الى السماء، فترجع إليه مخضبة دما: للبلاء والفتنة.
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه فيقولون: قد قتلنا من في السماء.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيقولون: قد قهرنا من في الارض وعلونا وفي لفظ وغلبنا من في السماء.
وفي حديث أبي سعيد عند أحمد بن منيع رضي الله عنهما ثم يصبح يأجوج ومأجوج، فيهلكون من في الارض الا من تعلق بحصن، فلما فرغوا من أهل الارض، أقبل بعضهم على بعض فقالوا: انما بقي من في الحصون ومن في السماء، فيرمون سهامهم فخرت عليهم مخضوبة دما، فقالوا: قد استرحتم ممن في السماء وبقي من في الحصون، فحاصروهم حتى إذا اشتد عليهم البلاء والحصر.
وفي حديث النواس رضي الله عنه ويحضر نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لاحدهم خير من مائة دينار لاحدكم اليوم، فبينما هم كذلك إذ أرسل الله تعالى نغفا في أعناقهم فتهلكهم غير عيسى وأصحابه، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة.(10/187)
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى من حاق الشام الى حاق المشرق حتى تنتن الارض من جيفهم، فوالذي نفسي بيده، ان دواب الارض تسمن وتئط وتسكر سكرا من لحومهم.
وفي حديث أبي سعيد عند أبي يعلى والحاكم رضي الله عنه فقال رجل: قتلهم الله ورب الكعبة، قال: انما يفعلون هذا مخادعة فنخرج إليهم فيهلكوننا كما أهلكوا اخواننا، فقال: افتحوا لي الباب، فقالوا: لا نفتح، فقال: دلوني بحبل، فلما نزل وجدهم موتى، فخرج الناس من حصونهم.
وفي حديث النواس رضي الله عنه فيهبط نبي الله عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الى الارض، فلا يجدون في الارض موضع شبر الا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم الى الله تعالى فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم، حيث شاء الله، ويستوقد الناس من قسيهم ونشابهم سبعا، ويرسل الله تعالى مطرا، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الارض حتى يتركها كالزلفة، ويقال للارض: أنبتي ثمرتك، وفي حديث
أبي سعيد عند ابن جرير رضي الله عنه ويغرس الناس بعد النخل والشجر، وتخرج الارض ثمرتها.
وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسم: (ان الناس يغرسون بعدهم الغرس ويتخذون الاموال، فيومئذ يأكل النفر من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى ان اللقحة من الابل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر تكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله ريحا طيبة تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، فيتهارجون تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة).
وفي حديث كعب عند ابن جرير رضي الله عنه ويبعث الله عينا يقال لها الحياة تطهر الارض منهم، وينبتها حتى ان الرمانة ليشبع منها السكن، قيل: وما السكن يا كعب ؟ قال: أهل البيت، قال: فبينما الناس على ذلك إذ أتاهم الصرايخ أن ذا السويقتين أتى البيت يريده، فيبعث عيسى ابن مريم عليه السلام طليعة سبعمائة أو بين سبعمائة والثمانمائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله تعالى ريحا يمانية طيبة فتقبض فيها روح كل مؤمن، ثم يبقى محاح من الناس فيتسافدون كما تتسافد البهائم، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينظرها متى تقنع.(10/188)
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عند ابن جرير رضي الله عنه فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها.
وروى ابن المنذر عن كعب رضي الله عنه قال: عرض أسكفة يأجوج ومأجوج التي تفتح لهم أربعة وعشرون ذراعا تحفيها حوافر خيلهم، والعليا اثنا عشر ذراعا تحفيها أسنة رماحهم.
الثامن: في حج الناس بعدهم.
روى عبد بن حميد برجال ثقات عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الناس يحجون ويعتمرون، ويغرسون النخل بعد يأجوج ومأجوج) ورواه البخاري في صحيحه دون قوله: (ويغرسون النخل) والحاكم ولفظه: (ليحجن البيت وليعتمرن بعد يأجوج ومأجوج)، والجمع بينهما أن يحج ويعتمر بعد ذلك ثم ينقطع الحج بمرة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: يأجوج: بمثناة تحتية وألف فجيمين بينهما واو ساكنة.
مأجوج: كذلك الا أن أوله ميم مهموزين وغير مهموزين (يأجوج ومأجوج: هما قبيلتان من خلق الله تعالى).(10/189)
الباب الاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأن الحبشة تهدم الكعبة
روى ابن أبي شيبة والشيخان والنسائي عن أبي هريرة والطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة).
وروى الامام أحمد والطبراني في الكبير وفي سنده ابن اسحاق: وهو ثقة لكنه يدلس عن ابن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصيلع أقيرع يضرب عليها بمسحاته ومعوله).
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يبايع لرجل بين الركن والمقام ولن يستحل هذا البيت الا أهله يستخرجون كنزه).
وروى أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن عمرو والامام أحمد رضي الله عنه عن رجل من أصحاب النبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتركوا الحبشة ما تركوكم، فانه لا يستخرج كنز الكعبة الا ذو السويقتين من الحبشة).
وروى أبو نعيم في الحلية والحاكم والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حجوا قبل أن لا تحجوا، فكأني أنظر الى حبش أصيلع، أقيرع بيده معول يهدمها حجرا حجرا).
وروى أبو داود عن رجل من الصحابة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم).
ورواه أبو داود في الملاحم عن أمامة بن سهل عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.
الباب الحادي والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بخروج الدابة
وفيه أنواع الأول في سبب خروجها.
روى ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري، وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم) (النمل 82) قال: (ذلك حين لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن(10/190)
منكر)، رواه ابن المبارك وعبد الرزاق والفريايي وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم، والحاكم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفا على حكم الرفع.
الثاني: في صفتها روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الدابة: (انها ذات ريش وزغب، وانه يخرج ثلثها حضر الفرس الجواد ثلاثة أيام وثلاث ليال).
وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ان الدابة فيها من كل لون ما بين قرنيها فرسخ للراكب.
وروى ابن أبي حاتم عن النزال بن سبرة رضي الله عنه قال: قيل لعلي رضي الله عنه: ان أناسا يزعمون انك دابة الارض، فقال: والله، ان لدابة الارض ريشا زغبا ومالي ريش ولا زغب، وان لها لحافرا ومالي حافر، وانها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا وما خرج ثلثاها.
الثالث: في وقت خروجها ومن أين تخرج وتكرر خروجها.
روى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون الى منى، فتحملهم بين نحرها وذنبها، فلا يبقى منافق الا خطمته وتمسح المؤمن، فيصبحون وهم بشر من الدجال.
وروى أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ألا أريكم المكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دابة الارض تخرج منه)، فضرب بعصاه الشق الذي في الصفا.
وروى البخاري في تاريخه، وابن ماجه وابن مردويه عن بريدة رضي الله عنه قال: ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم الى موضع بالبادية قريب من مكة، فإذا بأرض يابسة حولها رمل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تخرج الدابة من هذا الموضع) فإذا شبر في شبر.
وروى ابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بئس الشعب جلاد) - مرتين أو ثلاثا - قالوا: ومم ذلك يا رسول الله ؟ قال: (تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات ليسمعها من بين الخافقين).
وروى الامام أحمد وسمويه وبن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يعمرون فيه حتى يشتري الرجل البعى فيقال: ممن اشتريت ؟ فيقال: من أحد المخطمين).(10/191)
الرابع: في أحاديث جامعة روى الامام أحمد والترمذي وقال: حسن وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان، وعصى موسى فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتخطم
أنف الكافر بالخاتم، حتى ان أهل الحواء يجتمعون فيقول: هذا يا مؤمن، ويقول هذا يا كافر.
الباب الثاني والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بطلوع الشمس والقمر من المغرب
وروى الامام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تغيب الشمس تحت العرش فيؤذن لها فترجع، فإذا كانت تلك الليلة تطلع صبحتها من المغرب لم يؤذن لها).
وروى الطبراني في الكبير والبغوي والخطيب وابن النجار عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه قال: (أول الايات طلوع الشمس من مغربها).
وروى الطبراني في الكبير والحاكم وابن مردويه عن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب: والدجال والدخان، ونزول عيسى عليه السلام، فيأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس الى المحشر تحشر الذر والنمل).
وروى الامام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها، فذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في ايمانها خيرا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولتقومن الساعة، وقد انصرف الرجل بلين لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته الى فيه فلا يطعمها).
وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون أين تذهب هذه الشمس ان هذه تجري الى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلها، ثم تجري حتى تنتهي الى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي الى مستقرها ذاك تحت العرش فتخر ساجدة، فيقال لها: ارتفعي، اصبحي طالعة من مغربك،(10/192)
فتصبح طالعة من مغربها، أتدرون متى ذاك ؟ حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا).
وروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا طلعت الشمى من مغربها خر ابليس ساجدا ينادي: الهي، مرني أن أسجد لمن شئت، قال فتجتمع إليه زبانيته، فيقولون: يا سيدهم، ما هذا التضرع ؟ فيقول: أنا سألت ربي عز وجل أن ينظرني الى يوم الوقت المعلوم، وهذا الوقت المعلوم، ثم تخرج دابة الارض من صدع في الصفا أول خطوة تضعها في أنطاكية فتأتي ابليس فتلطمه).
الباب الثالث والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع في هذه الامة مسخ وخسف وقذف وارسال صواعق وشياطين وغير ذلك مما ذكر
وفيه أنواع
الأول: في المسخ.
روى مسدد عن عطاء قال لي عبادة بن الصامت رضي الله عنه يا عطاء، كيف تصنعون إذا فرت منكم علماؤكم وقراؤكم وكانوا في رؤوس الجبال مع الوحوش ؟ قلت: ولم ذاك أصلحك الله ؟ قال: خشيت أن تقتلوهم وكتاب الله بين أظهرنا، قال: ثكلتك أمك يا عطاء أو لم يؤت التوراة اليهود فتركوها، وضلوا عنها ؟ أو لم يؤت النصارى الانجيل ؟...) الحديث.
وروى مسدد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يمسخ قوم من أمتي آخر الزمان قردة وخنازير)، قالوا: يا رسول الله، أمسلمون هم ؟ قال: (نعم، يشهدون أن لا اله الا الله، وأني رسول الله، ويصومون ويصلون)، قالوا: فما بالهم يا رسول الله ؟ قال: (اتخذوا المعازف والقينات والدفوف، وشربوا الاشربة، فباتوا على شرابهم ولهوهم، فأصبحوا وقد
مسخوا قردة وخنازير)، ورواه ابن حبان بلفظ: لا تقوم الساعة حتى يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف.
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد وابو يعلى برجال ثقات عن صحار بن صخر العبري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل فيقال من بقي من بني فلان ؟ فعرفت حين قال قبائل أنها العرب، لان العجم تنسب الى قراها).
وروى الامام أحمد عن فرقد السبخي رحمه الله تعالى قال: حدثني حبيب أبو حبيب الشامي عن أبي عطاء عن عبادة بن الصامت وحدثني شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم وحدثني عاصم بن عمر البجلي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثني سعيد بن المسيب،(10/193)
أو حدثت عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم الحرام واتخاذهم القينات، وشربهم الخمر، وبأكلهم الربا، ولبسهم الحرير).
الثاني في الخسف: روى الحميدي برجال ثقات عن بقيرة امرأة القعقاع بن أبي حدرد الاسلمي رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم بجيش قد خسف به قريبا فقد أظلت الساعة).
وروى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من تبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جندا من جنده، فيهزمهم بنفسه، فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صاروا ببيداء من الارض خسف بهم فلا ينجو منهم الا المخبر عنهم).
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن قتادة مرسلا، والامام أحمد والنسائي عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبعث الله الى مكة جند من الشام فإذا
كانوا ببيداء الارض خسف بأولهم وآخرهم، وفي لفظ الطبراني يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلا من أهل مكة حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيرجع من كان أمامهم، لينظر ما فعل القوم، فيصيبهم ما أصابهم)، قيل: فكيف بمن كان مستكرها ؟ قال: (يصيبهم كلهم ذلك، ثم يبعث الله كل امرئ منهم على نيته)، وفي لفظ: (يبعث جند الى هذا الحرم فإذا كانوا ببيداء من الارض خسف بأولهم وآخرهم، وما ينج أوسطهم)، قيل: أرأيت ان كان فيهم مؤمنون ؟ قال: (يكون لهم فتوراء).
وروى أبو داود والطيالسي وعبد الله بن الامام أحمد وسمويه والخرائطي في مساوئ الاخلاق وابن ماجه والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة والطبراني في الكبير عن سعيد بن المسيب مرسلا وعبد الله بن الامام أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يبيت قوم من هذه الامة على طعم وشرب ولهو ولعب فيصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير، وليصيبنهم خسف، ومسخ، وقذف حتى يصبح الناس فيقولون قد خسف الليلة ببني فلان، وخسف الليلة بدار فلان خواص، وليرسلن عليهم حاصبا من السماء كما أرسلت على قوم لوط، وعلى قبائل فيها وعلى دور فيها، وليرسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عادا على قبائل فيها، وعلى دور فيها، بشربهم الخمر ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات، وأكلهم الربا، وقطيعتهم الرحم) وروى بن أبي شيبة والطبراني في الكبير والحاكم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يبايع الرجل من أمتي بين الركن والمقام كعدة أهل بدر(10/194)
فيأتيه عصب العراق، وأبدال الشام فيأتيهم جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، ثم يسير إليه رجل من قريش أخواله كلب فيهزمهم الله، فكان يقال الخائب من خاب من غنيمة كلب).
وروى الحاكم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتهي البعوث عن غزو بيت الله حتى يخسف بجيش منهم).
وروى ابن ماجه عن صفية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت حتى يغزوه جيش حتى إذا كانوا بالبيداء من الارض خسف بأولهم وآخرهم ولم ينج أوسطهم)، قلت يا رسول الله: أرأيت المكره قال: (يبعثهم الله على ما في أنفسهم).
وروى نعيم بن حماد عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخسف برجل كثير المال والولد).
وروى الامام أحمد والبغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والحاكم والضياء عن عبد الرحمن بن صحار بن صخر العبدي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل حتى يقال من بقي من بني فلان).
وروى ابن النجار عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لابد من مسخ وخسف ورجف)، قالوا يا رسول الله، في هذه الامة ؟ قال: (نعم، إذا اتخذوا القيان واستحلوا الزنا، وأكلوا الربا، واستحلوا الصيد في الحرم، ولبس الحرير، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء).
وروى عبد الله بن الامام أحمد في روائد الزهد عن عبادة بن الصامت، وعن عبد الرحمن بن غنم وعن أبي أمامة وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو، فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم الحرام واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وبأكلهم الربا ولبسهم الحرير).
وروى نعيم بن حماد في الفتن عن مالك الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من هذه الامة قوم قردة وقوم خنازير، وليصبحن فيقال: خسف بدار بني فلان، ودار بني فلان، وبينما الرجلان يمشيان يخسف بأحدهما لشرب الخمور ولبس الحرير، والضرب بالمعازف الزمارة).
وروى ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليكونن في هذه الامة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات،
وضربوا بالمعازف).(10/195)
وروى البخاري وابو داود وابن حبان والنسائي والطبراني في الكبير، والبيهقي عن أبي عامر أو أبي مالك الاشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرام والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام على جنب علم وتروح عليهم سارحتهم فيأتيهم آت لحاجته فيقولون له ارجع الينا غدا فيبيتهم الله ويقع العلم عليهم، ويمسخ منهم آخرين قردة وخنازير الى يوم القيامة).
وروى الترمذي وقال: غريب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اتخذ الفئ دولا، والامانة مغنما، والزكاة مغرما، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الاصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الامة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة، وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه، فتتابع).
وروى الديلمي عن أنس رضي الله عنه قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استغني النساء بالنساء والرجال بالرجال، فبشرهم بريح حمراء تخرج من قبل المشرق فيمسخ بعضهم، ويخسف ببعض ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).
الثالث في كثرة الصواعق: روى ابن أبي شيبة والامام أحمد والحارث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل فيقول من صعق تلكم الغداة ؟ فيقولون: فلان وفلان).
الرابع في أحاديث تجمع الانواع الثلاثة: روى عبد بن حميد وابن ماجه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في هذه الامة خسف ومسخ وقذف) قيل: فمتى ذلك يا رسول الله ؟
قال: (إذا ظهرت القينات والمعازف، واستحلت الخمور).
وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في هذه الامة خسف ومسخ ورجف وقذف).
الخامس في الممسوخ لا نسل له: روى أبو يعلى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من مسخ أيكون له نسل ؟ قال: (ما مسخ أحد قط فكان له نسل ولا عقب).(10/196)
وروى أبو يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير هل هي من نسل اليهود ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله لم يلعن قوما فمسخهم، فكان لهم نسل حتى يهلكهم، ولكن هذا خلق كان، فلما غضب الله تعالى على اليهود مسخهم فكانوا مثلهم).
الباب الرابع والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بما يؤول إليه أمر المدينة الشريفة
روى بن أبي شيبة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لتتركن المدينة أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب، أو الذئب فيغذي على بعض سواري المسجد، أو على عود من أعواد المنبر)، فقال: يا رسول الله، فلمن تكون الثمار يومئذ ؟ قال: (للعوافي الطير والسباع) انتهى.
وروى الامام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المدينة يتركها أهلها وهي مرطبة)، قالوا: فمن يأكلها يا رسول الله ؟ قال: (السباع والعائف).
وروى الامام أحمد بسند حسن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليسيرن الراكب في جنبات المدينة فيقولن: لقد كان في هذا حاضر من المؤمنين كثير).
وروى الامام أحمد برجال ثقات عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أما انهم سيدعونها يعني المدينة أحسن ما كانت عليه).
وروى الطبراني عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيبلغ البنيان مبلغا، ثم يأتي على المدينة زمان يمر السفر على بعض أقطارها فيقول قد كانت هذه مرة عامرة من طول الزمان وعفو الاثر).
وروى الامام أحمد بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يرجع الناس الى المدينة حتى تصير مسالحهم بسلاح).(10/197)
الباب الخامس والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بالريح التي تقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان ورفع القرآن
روى الامام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم وابن عساكر عن عياش بن أبي ربيعة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تجئ ريح بين يدي الساعة تقبض فيها روح كل مؤمن).
وروى الطبراني في الكبير والحاكم عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تجئ الريح التي يقبض الله فيها نفس كل مؤمن ثم طلوع الشمس من مغربها، وهي التي ذكرها الله تعالى في كتابه).
ورواه الطبراني في الكبير عن أبي سريحة رضي الله عنه (وقال الهيثمي وفيه عبيد بن اسحاق العطار وهو متروك.).
وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة على مؤمن حتى يبعث الله بين يدي الساعة ريحا فتهب، فلا يبقى مؤمن الا مات).
وروى ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الى مائة سنة يبعث الله ريحا باردة طيبة يقبض فيها روح كل مؤمن).
وروى ابن أبي شيبة وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يبعث الله تعالى ريحا حمراء من قبل اليمن فيكفت الله تعالى بها كل نفس تؤمن بالله واليوم الاخر وما ينكرها الناس من قلة من يموت فيها، مات شيخ من بني فلان، ماتت عجوز من بني فلان، ويسرى عاى كتاب الله عز وجل فيرفع الى السماء، فلا يبقي على وجه الارض منه آية وتفئ الارض أفلاذ كبدها من الذهب والفضة فلا ينتفع بها بعد ذلك اليوم فيمر الرجل فيضربها برجله ويقول: في هذه كان يقتل قبلنا، وأصبحت اليوم لا ينتفع بها) قال أبو هريرة رضي الله عنه ان أول قبائل العرب فناء لقريش، والذي نفسي بيده يوشك أن يمر الرجل على النعل وهي ملقاة في الكناسة فيأخذها بيده ثم يقول: هذه من نعال قريش في الناس.(10/198)
الباب السادس والاربعون في اخباره صلى الله عليه وسلم بمن تقوم عليه الساعة وأنها لا تقوم نهارا وأنها لا تقوم على أحد يقول في الارض الله، وأنها لا تقوم حتى تعبد الاوثان، وأن لا يعرف معروف ولا ينكر منكر.
روى أبو يعلى برجال وفيه أنواع ثقات، والامام أحمد عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله تعالى شريطته من أهل الارض فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا).
وروى الامام أحمد وابو داود، والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن خذيمة وابو يعلى وابن حبان والطبراني في الكبير والبيهقي والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد).
وروى الامام أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم وابن حبان وعدي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الارض الله الله) وفي لفظ: (لا
يقال: الله الله)، وفي لفظ: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال لا اله الا الله، وحتى تمر المرأة بالبعل فينظر إليها فيقول لقد كان لهذه مرة رجل وحتى يكون الرجل قيما لخمسين امرأة وحتى لا تمطر السماء، ولا تنبت الارض).
وروى الامام أحمد ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لا تقوم الساعة الا على شرار الناس، وروى الامام أحمد والترمذي وقال حسن، وعلي بن أحمد بن حجر في الفوائد، ونعيم بن حماد في الفتن وأبو نعيم والضياء عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس في الدنيا)، وفي لفظ: (بالدنيا لكع ابن لكع).
وروى أبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع).
وروى ابن جرير والحاكم والخطيب عن أنس والديلمي والخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة على رجل يقول: لا اله الا الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر).
وروى الامام أحمد وابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عن أبي بردة بن نيار ونعيم بن(10/199)
حماد في الفتن عن أبي بكر بن حزم مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع).
وروى الطبراني في الاوسط والضياء بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب الايام والليالي حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع).
وروى الامام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع).(10/200)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم بأجابة دعواته لاقوام بأشياء فحصلت لهم.
الباب الأول في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لآله رضي الله تعالى عنهم
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) قال البيهقي: وقد رزقوا ذلك وصبروا عليه.
الباب الثاني في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها
روى البيهقي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة رضي الله عنها فوقفت بين يديه، فنظر إليها ووجهها مصفر من شدة الجوع فرفع يده فوضعها على صدرها في موضع القلادة، وفرج أصابعه ثم قال: (اللهم مشبع الجاعة، ورافع الوضيعة، أرفع فاطمة بنت محمد) قال عمران بن حصين رضي الله عنه فنظرت إليها وقد ذهبت الصفرة من وجهها فلقيتها بعدها، فسألتها فقالت: ما جعت بعد يا عمران، قال البيهقي: الظاهر انه رآها قبل نزول الحجاب.
الباب الثالث في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه
روى البيهقي عن علي رضي الله عنه قال: مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهم ان كان أجلي قد حضر فأرحني وان كان متأخرا فارفعني، وان كان بلاء فصبرني، فقال: (اللهم اشفه اللهم عافه ثم قال: فقمت فما عاد ذلك الوجع بعد.
وروى ابن ماجه والبيهقي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لعلي رضي الله عنه فقال: (اللهم أذهب عنه الحر والبرد)، فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف، ويلبس في الصيف ثياب الشتاء ولا يصيبه حر ولا برد.
وروى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر قال: (أين علي ؟) فقيل: يا رسول الله، يشتكي عينيه، قال: (فأرسلوا إليه)، فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرئ، حت كأنه لم يكن به وجع، فأعطاه الراية.(10/201)
الباب الرابع في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
روى الطبراني في الاوسط والحاكم بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: اللهم اخرج ما في صدر عمر من غل وأبدله ايمانا).
الباب الخامس في اجابته دعائه صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
روى البيهقي وحسنه عن قيس بن أبي حازم مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد: (اللهم استجب له إذا دعاك) رواه الترمذي موصولا انه عليه الصلاة والسلام دعا لسعد بن أبي وقاص أن يجيب الله دعوته كلما دعا على أحد الا استجيب له، وقد استجيب له دعوات منها أن رجلا نال من علي بحضرته فقال: اللهم ان كان كاذبا فأرني فيها آية فجاء جمل فتخبطه.
رواه البخاري وغيره، منها ما رواه البخاري أنه دعا على أبي سعدة اللهم أطل عمره وأطل نقره، وعرضه للفتن ! قال الراوي فلقد رأيته شيخا كبيرا سقط حاجباه عن عينيه من الكبر وقد افتقر يتعرض للجواري في الطريق يغمزهن فيقال له: كيف أنت فيقول شيخ مفتون أصابته دعوة سعد.
روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أنه دعا في الاستسقاء يوم جمعة على المنبر، فسقوا ثم سألوا الله المطر في الجمعة الثانية، وهو على المنبر، فدعا فصحوا أي انكشف ما بهم من السحاب.
الباب السادس في اجابته دعائه صلى الله عليه وسلم لغلام من تجيب رضي الله عنه
روى ابن سعد عن أبي الحويرث قال: قدم وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع وفيهم غلام فقال: يا رسول الله، اقضي حاجتي قال: (وما حاجتك ؟) قال: تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي فقال: (اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه) فرجعوا ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم بمنى سنة عشر فسألهم عن الغلام، فقالوا: ما رأينا مثله أقنع منه بما رزقه الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اني لارجو أن يموت جميعا).(10/202)
الباب السابع في اجابته دعائه صلى الله عليه وسلم للنابغة رضي الله عنه
روى الحافظ السلفي عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت النابغة يعني عبد الله بن قيس الجعدي يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته حتى أتيت الى قولي، وفي لفظ أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم: أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتابا واضح الحق نيرا بلغنا السماء مجدنا وثراؤنا وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال لي: (الى أين المظهر يا أبا ليلى ؟ قال: قلت: الى الجنة قال: (كذلك ان شاء الله) ثم قال: ولا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوة أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الامر أصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجدت) وفي لفظ: (صدقت لا يفضض الله فاك)، قال: فبقي عمره أحسن الناس ثغرا كلما سقطت سنة عادت أخرى مكانها، وكان معمرا.
روى البيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنابغة إذ أنشده
قصيدته: (لا يفضض الله فاك)، فما سقطت سن.
وفي رواية فكان أحسن الناس ثغرا إذا سقطت له سنة نبتت له أخرى، وعاش عشرين ومائة سنة وما ذهب له سن.
شرح غريب: يفضض بمثناة تحتية ففاء معجمة، فضاضين معجمتين أي لا يسقط الله أسنانك وأصله الكسر أي لا يكسر أسنان فيك.
الباب الثامن في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عتبة رضي الله عنه
روى البيهقي عن أم ولد عبد الله بن عتبة قالت: قلت لسيدي عبد الله بن عتبة: ايش تذكر من النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذكر اني غلام خماسي أو سداسي، أجلسني النبي صلى الله عليه وسلم في حجره ودعا لي ولولدي بالبركة: قالت: فنحن نعرف ذلك انا لا نهرم.(10/203)
الباب التاسع في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لثابت بن يزيد رضي الله عنه
روى الطبراني في (مسند الشاميين) وابن مندة والباوردي في (المعرفة) عن ابن عائذ قال: قال ثابت بن يزيد يا رسول الله: ان رجلي عرجاء لا تمس الارض.
قال: فدعا لي فبرأت حتى استوت مثل الاخرى.
الباب العاشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للمقداد بن الاسود رضي الله عنه
روى أبو نعيم في الدلائل عن ضباعة بنت الزبير قالت: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد بن الاسود رضي الله عنه بالبركة، فكانت له غرائر من الورق في بيت المقداد.
الباب الحادي عشر باب دعائه لعمرو بن الحمق
روى ابن أبي شيبة في (مسنده) وابو نعيم وابن عساكر عن عمرو بن الحمق أنه سقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا فقال: (اللهم أمتعه بشبابه)، فمرت به ثمانون سنة لم ير الشعرة البيضاء.
الباب الثاني عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لاولاد أبي سبرة رضي الله عنه
روى الطبراني عن سبرة أن أباه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لولده، فلم يزالوا في شرف الى اليوم.
الباب الثالث عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه
روى الطبراني بسند حسن عن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أدع الله لي بالشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اني أحرم دم ابن ثعلبة على المشركين والكفار)، فكنت أحمل في عرض القوم، فيتراءى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهم فقال لي: يا ابن ثعلبة، انك لتغرر، وتحمل على القوم، فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتراءى لي(10/204)
خلفهم، فأحمل عليهم حتى أقف عنده، ثم يتراءى لي أصحابي فأحمل حتى أكون مع أصحابي، قال: فعمر زمانا طويل من دهره.
الباب الرابع عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لابي كعب رضي الله عنه
روى البيهقي عن سليمان بن صرد أن أبي بن كعب أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجلين قد اختلفا في القراءة كل واحد منهما يقول: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقرأهما، فقال: (أحسنتما) قال أبي فدخل في قلبي من الشك أشد مما كنت عليه في الجاهلية، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري وقال: (اللهم أذهب عنه الشيطان) فارفضضت عرقا، وكأني أنظر الى الله فرقا.
الباب الخامس عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله تعالى عنهما
روى الشيخان عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، فسمي بعد الحبر، فكان يقال له حبر الامة رضي الله عنه.
الباب السادس عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه
روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: قالت أمي: يا رسول الله، خادمك أنس أدع الله له قال: (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته !) قال أنس رضي الله عنه فوالله ان مالي لكثير، وان ولدي وولد ولدي ليتعادون نحو المائة، وفي رواية دفنت يداي مائة من ولدي، ولا أقول سقطا ولا ولد ولد.
الباب السابع عشر في دعائه صلى الله عليه وسلم لبهية بنت عبد الله البكرية رضي الله عنه
روى الباوردي عن بهية بنت عبد الله البكرية قالت: وفدت مع أبي الى النبي صلى الله عليه وسلم فبايع الرجال وصافحهم، وبايع النساء ولم يصافحهن، قالت: فنظر الي، فدعاني ومسح برأسي، ودعا لي ولولدي فولد لها ستون ولدا أربعون رجلا وعشرون امرأة.(10/205)
الباب الثامن عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وأمه رضي الله عنهما
روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما على وجه الارض مؤمن ولا مؤمنة الا وهو يحبني قلت: وما علمك ؟ قال: كنت أدعو أمي للاسلام فتأبى، فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة الى الاسلام فدعا لها فرجعت، فلما دخلت البيت قالت: أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي من الفرح كما كنت أبكي من الحزن، فقلت: يا رسول الله، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فقلت: ادع الله أن يحببني وأمي الى عباده المؤمنين، وأن يحببهم الينا، فقال: (اللهم حبب عدبك هذا، وأمه الى عبادك المؤمنين وجببهم اليهما) فما على وجه الارض مؤمن ولا مؤمنة الا وهو يحبني وأحبه، وروى الحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما أنا وأبو هريرة وغلام في المسجد ندعو، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم اني أسألك مثل ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آمين) فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علما لا ينسى، فقال: (سبقكما الدوسي).
الباب التاسع عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للسائب بن يزيد رضي الله عنه
روى البخاري عن الجعد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: مات السائب ابن يزيد رضي الله عنه وهو ابن أربع وتسعين سنة، وكان جلدا معتدلا.
وقال: لقد علمت ما متعت بسمعي وبصري الا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
الباب العشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه: (بارك الله لك !) رواه ابن سعد والبيهقي من وجه آخر، وزاد قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب تحته ذهبا أو فضة.
قال القاضي: وفتح الله عليه ومات، فجعل الذهب في تركته بالقوس، حتى كلت فيه الايدي، وأخذت كل زوجة ثمانين ألفا، وكن أربعا وقيل: بل (ثلاثا لان) احداهن طلقها في مرضه على نيف وثمانين(10/206)
ألفا، وأوصى بخمسين ألفا بعد صدقاته الغاشية في حياته وعوارفه العظيمة.
أعتق يوما ثلاثين عبدا، وتصدق يوما بعير فيها سبعمائة بعير، وردت عليه تحمل كل شئ تصدق بها وما عليها
وبأقتابها وأحلاسها.
الباب الحادي والعشرون في اجابة دعوته صلى الله عليه وسلم لعروة بن البارقي رضي الله عنه
روى البيهقي عن عروة البارقي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى التراب لربح فيه، وروى أبو نعيم عنه رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لك في صفقة يمينك)، فكنت أقوم بالكناسة فما أرجع الى أهلي حتى أربح أربعين ألفا.
الكناسة: مكان بالكوفة.
الباب الثاني والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
روى ابن سعد عن جرير بن عثمان مرسلا ورجاله يحتج بهم، وله شواهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم، علمه الكتاب ومكن له في البلاد وقه العذاب).
الباب الثالث والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأم قيس رضي الله عنهما
روى البخاري في (الادب) والنسائي عن أم قيس أنها قالت: توفي ابني فجزعت، فقلت للذي يغسله: لا تغسل ابني بالماء البارد فيقتله، فانطلق عكاشة بن محصن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها ثم قال: (طال عمرها، فلا تعلم امرأة عمرت ما عمرت).
الباب الرابع والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لرجل من اليهود
روى عبد الرزاق عن قتادة قال: جاء يهودي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم جمله) فاسود شعره، حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا، وفي رواية عن أنس فاسودت لحيته بعد أن كانت بيضاء.(10/207)
الباب الخامس والعشرون في اجابة دعوته صلى الله عليه وسلم لابي زيد عمرو بن أخطب الانصاري رضي الله عنه
روى الامام أحمد وابو يعلى وابن حبان والطبراني بسند حسن عن عمرو بن أخطب الانصاري رضي الله عنه قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بقدح، فكانت فيه شعرة فأخذتها فقال: (اللهم جمله)، قال الراوي: فرأيته وهو ابن أربع وتسعين سنة ليس في لحيته شعرة بيضاء، وروى الامام أحمد عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جملك الله)، وكان رجلا جميلا حسن الشمط.
وروي باسناد صحيح عن أبي زيد عمرو بن أخطب الانصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادن مني) فدنوت، فمسح بيده على رأسي ولحيتي، وقال: (اللهم جمله، وأدم جماله)، فبلغ بضعا ومائة سنة، وما في لحيته بياض الا نبذة يسيرة ولقد كان منبسط الوجه حتى مات.
الباب السادس والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحمل أم سليم رضي الله عنها
روى الشيخان والبيهقي من طرق عن أنس رضي الله عنه قال: اشتكى ابن لابي طلحة، فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئا، ونحته من جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة فقال: كيف الغلام قالت: هدأت نفسه، وأرجو أن قد استراح. فظن أبو طلحة أنها صادقة، فلما أصبح اغتسل وكان قد أصابها، فلما أراد أن يخرج قالت: أرأيت أن رجلا أعارك عارية، ثم أخذها منك أجزعت ؟ قال: لا، قالت: فان الله قد أعارك ابنك وقد أخذه منك، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره لما كان منهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لكما في ليلتكما !) قال: فولدت غلاما فجئت به الى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه ثم مسح بناصيته، وسماه عبد الله، فكانت تلك المسحة غرة في وجهه وما كان في الانصار ناشئ أفضل منه.
الباب السابع والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن هشام رضي الله عنه
روى البخاري عن أبي عقيل رضي الله عنه أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام(10/208)
الى السوق ليشتري الطعام فيتلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان له: أشركنا، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لك بالبركة فيشركهم، فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها الى المنزل.
الباب الثامن والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه
روى ابن سعد من طريق ابي حصين عن شيخ من أهل المدينة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام بدينار يبتاع له به أضحية فمر بها، فباعها بدينارين فابتاع له أضحية بدينار، وجاء له بدينار، فدعا له أن يبارك له في تجارته، وروي أيضا عن حكيم أنه كان رجلا مجدودا في التجارة ما باع شيئا قط الا ربح فيه.
الباب التاسع والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه
روى البخاري عن جرير رضي الله عنه قال: كنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بيده في صدري حتى رأيت أثر يده في صدري، وقال: (اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا !) قال: فما وقعت عن فرس بعد.
الباب الثلاثون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للسوداء التي كانت تصرع
رضي الله تعالى عنها
روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أمرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: اني أصرع فادع الله لي قال: (ان شئت صبرت ولك الجنة، وان شئت دعوت الله أن يعافيك) فقالت: أصبر، قالت: فاني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها.
الباب الحادي والثلاثون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لامته في بكورها
روى الامام أحمد والاربعة وابن خزيمة عن صخر الغامدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(10/209)
(اللهم بارك لامتي في بكورها) وكان صخر رجلا تاجرا يبعث غلمانه أول النهار فأثرى وكثر ماله، حتى لم يدر أين يضعه، وروى الزجاجي في أماليه عن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر في طلبها يوم الخميس، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لامتي في بكورها).
الباب الثاني والثلاثون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بالمحبة بين رجل وامرأته كانا متباغضين
روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن أمرأة شكت زوجها الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أتبغضينه ؟) قالت: نعم، قال: (أدنيا رؤوسكما)، فوضع جبهتها على جبهة زوجها ثم قال: (اللهم ألف بينهما، وحبب أحدهما الى صاحبه)، ثم لقيته المرأة بعد فقبلت رجليه فقال: (كيف أنت ؟ وكيف زوجك ؟) قالت: ما طارق ولا تالد ولا ولد أحب الي منه فقال: (أشهد أني رسول الله)، قال عمر: وأنا أشهد أنك رسول الله.
وروى الطبراني برجال الصحيح غير مقداد بن داود عن جابر رضي الله عنه أن امرأة كان بينها وبين زوجها خصومة فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت المرأة: هذا زوجي، والذي بعثك بالحق، ما في الارض أبغض الي منه، وقال الاخر: هذه امرأتي، والذي بعثك بالحق ما في الارض أبغض الي منها، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدنوا إليه، ثم دعا لهما، فلم يفترقا من عنده حتى قالت المرأة: والذي بعثك بالحق ما خلق الله شيئا أحب الي منه، وقال الرجل: والذي بعثك بالحق، ما خلق الله شيئا أحب الي منها.
الباب الثالث والثلاثون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم باقبال أهل اليمن وأهل الشام على الاسلام
روى البيهقي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اليمن فقال: (اللهم أقبل بقلوبهم)، ثم نظر الى العراق فقال: (اللهم أقبل بقلوبهم).(10/210)
الباب الرابع والثلاثون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لابي أمامة وأهل سريته رضي الله تعالى عنه
(روى أبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة قال: أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة فأتيته فقلت: يا رسول الله: ادع لي بالشهادة، فقال: (اللهم، سلمهم وغنمهم)، فغزونا فسلمنا وغنمنا، ثم أنشأ غزوة فأتيته، فقلت: يا رسول الله، ادع لي بالشهادة، فقال: (اللهم سلمهم وغنمهم)، فغزونا فسلمنا وغنمنا).
الباب الخامس والثلاثون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لبكر بن شداخ الليثي رضي الله تعالى عنه (روى ابن منده وابن عساكر عن عبد الملك بن يعلى الليثي أن بكر بن شداخ الليثي، وكان ممن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، فلما احتلم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله،
اني كنت أدخل على أهلك، وقد بلغت مبلغ الرجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم، صدق قوله ولفظه ولقه الظفر).
فلما كان من ولاية عمر جاء وقد قتل يهوديا فأعظم ذلك عمر وجزع وصعد المنبر، وقال: اني ما ولاني الله تعالى، واستخلفني بقتل الرجال أذكر الله رجلا كان عنده علم الا أعلمني فقام الي بكر بن شداخ فقال: أنا به، فقال: الله أكبر، بؤت بدمه، فهات المخرج، قال: بلى، خرج فلان غازيا ووكلني بأهله فجئت الى بابه، فوجدت هذا اليهودي في منزله، وهو يقول: وأشعث غره الاسلام حتى خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويمسي على قوداء لاحبة الحزام كأن مجامع الريلات منها فئام ينهضون الى فئام قال: فصدق عمر قوله، وأبطل دمه بدماء النبي صلى الله عليه وسلم).
الباب السادس والثلاثون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لثعلبة بن حاطب رضي الله تعالى عنه (روى الباوردي وابن شاهين وابن السكن والبيهقي عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالا وولدا، فقال: (ويحك ياثعلبة، قليل تطيق(10/211)
شكره خير من كثير لا تطيقه).
فأبى، فقال: (ويحك يا ثعلبة، أما تحب أن تكون مثلي، فلو شئت أن يسير ربي معي هذه الجبال ذهبا لسارت)، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالا وولدا، فوالذي بعثك بالحق، ان أتاني الله مالا أعطين كل ذي حق حقه، فدعا له فاشترى غنما، فبورك له فيها، ونمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة، فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهدها بالليل، ثم نمت فتنحى بها فكان لا يشهد الصلاة لا بالليل ولا بالنهار الا من جمعة الى جمعة، ثم نمت فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولاجنازة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويح ثعلبة بن حاطب)، ثم ان الله أمر رسوله أن يأخذ الصدقات فبعث
رجلين وكتب لهما أسنان الابل والغنم كيف يأخذانها وأمرهما أن يمرا على ثعلبة فمرا به فسألاه الصدقة فقال: أرياني كتابكما فنظر فيه فقال: ما هذه الا جزية انطلقا حتى تفرغا ثم مرا، فلما فراغ مرا به فقال: ما هذه الا جزية، انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى أتيا المدينة فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يكلمهما: (ويح ثعلبة بن حاطب)، وأنزل الله تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله) الايات الثلاث، فبلغ ثعلبة ما أنزل فيه فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقته، فقال: (ان الله منعني أن أقبل منك)، فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر حتى هلك في خلافة عثمان).
الباب السابع والثلاثون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام رضي الله عنه (وروى أبو يعلى عن الزبير بن العوام قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولدي ولولد ولدي فسمعت أبي يقول لاخت لي كانت أسن مني: يا بنية انك ممن أصابته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
الباب الثامن والثلاثون في اجابة دعائه لمن بلغ سنته من أمته
(وروى الاربعة عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأ سمع مقالتي، فبلغها فوعاها فأداها كما سمعها))(10/212)
الباب التاسع والثلاثون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للقيط بن أرطأة رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني برجال ثقات غير نضر بن خزيمة عن أبيه رضي الله عنه فيحرر رجالهما عن لقيط بن أرطأة السكوني رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي معوجتان لا تمسان الارض فدعا لي النبي صلى الله عليه وسلم فمشيت على الارض.
الباب الاربعون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم للوليد بن قيس رضي الله عنه
روى الطبراني عن الوليد بن قيس رضي الله عنه قال: كان بي برص فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأت منه.
الباب الحادي والاربعون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لرجل من الانصار
روى الطبراني عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يعود رجلا من الانصار، فلما دخل عليه وضع يده على جبينه فقال: (كيف تجدك ؟) فلم يحر إليه شيئا فقيل يا رسول الله، انه عنك مشغول، فقال: (خلوا بيني وبينه)، فخرج الناس من عنده وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فأشار المريض أن أعد يدك حيث كانت، ثم ناداه يا فلان ما تجد ؟ قال: أجد خيرا.
وقد حضرني اثنان احدهما أسود، والاخر أبيض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيهما أقرب منك ؟) قال: الاسود قال: (ان الخير قليل وان الشر كثير)، قال: فمتعني يا رسول الله منك بدعوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر الكثير وأنم القليل) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ترى ؟) قال: خيرا بأبي أنت وأمي أرى الخير ينمى وأرى الشر يضمحل، وقد استأخر عني الاسود، قال: (أي عملك كان أملك بك ؟) قال: كنت أسقي الماء.
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسمع يا سلمان هل تنكر مني شيئا ؟) قال: نعم بأبي وأمي، قد رأيتك في مواطن ما رأيتك على مثل حالك اليوم قال: (اني أعلم ما يلقى ما منه عرق الا وهو بألم الموت على حدته)).(10/213)
الباب الثاني والاربعون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في اذهاب الحر والبرد
روى البيهقي وأبو نعيم والطبراني عن بلال رضي الله عنه قال: أذنت في غداة باردة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير في المسجد أحدا، قال: (أين الناس يا بلال ؟) قال: منعهم البرد، فقال: (اللهم أذهب عنهم البرد) قال بلال: فرأيتهم يتروحون.
روى الطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: كان علي رضي الله عنه يلبس في الحر الشديد العباء المحشو التخين وما يبالي الحر، ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، وسئل عن ذلك فقال: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في خيبر: (لاعطين الرابة رجلا يحبه الله ورسوله يفتح الله عليه غير فرار) فدعاني فأعطاني الراية ثم قال: (اللهم الكفه الحر والبرد) فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا.
وروى أبو نعيم عن شبرمة بن الطفيل رضي الله عنه قال: رأيت عليا بذي قار عليه ازار ورداء في يوم شديد البرد وان جبهته لترشح عرقا.
الباب الثالث والاربعون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله تعالى عنها
روى أبو يعلى وابن منيع والبيهقي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما مثلي ينكح، أما أنا فلا ولد في وأنا غيور ذات عيال، فقال: (أنا أكبر منك، واما الغيرة فيذهبها الله تعالى، وأما العيال فالى الله ورسوله)، فكانت في النساء، كأنها ليست منهن لا تجد ما يجدن من الغيرة.
الباب الرابع والاربعون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحنظلة بن حذيم رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني والامام أحمد برجال ثقات عن حنظلة بن حذيم رضي الله عنه قال: وفدت مع جدي حذيم فقال: يا رسول الله، ان لي بنين ذوي لحى وهذا أصغرهم، فأدناني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسح على رأسي، وقال: (بارك الله فيك)، قال الذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها، فيقول: بسم الله على موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه فيذهب الورم.(10/214)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم اجابة دعائه على أقوام بأشياء فحصلت لهم
الباب الأول في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على من رآه يأكل بشماله
روى مسلم عن سلمة بن الاكوع رضي الله عنه ان رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: (كل بيمينك)، فقال: لا أستطيع، قال: (لا استطعت، ما منعه الا الكبر)، قال فما رفعها الى فيه بعد، ورواه الدارمي وعبد بن حميد وابن حبان وزادوا أن اسمه بسر بضم الباء وسكون المهملة ابن راعي.
روى البيهقي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الاسلمية تأكل بشمالها، فقال: (أخذها داء غزة)، فما مرت بغزة أصابها الطاعون فقتلها.
الباب الثاني في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على قيس
روى البيهقي عن بريدة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن رجل يقال له قيس فقال: (لا أقرته الارض)، فكان لا يدخل أرضا يستقر بها حتى يخرج منها.
الباب الثالث في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بأن لا يشبع بطن معاوية
روى مسلم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادع لي معاوية)، فقلت: انه يأكل، فقال في الثالثة: (لا أشبع الله بطنه) فما شبع بطنه أبدا.
الباب الرابع في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على من كف شعره عن التراب في الصلاة
روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ساجدا وهو يقول: بشعره هكذا يكفه عن التراب فقال: (اللهم قبح شعره) قال: فسقط.(10/215)
الباب الخامس في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل أن تضرب عنقه
روى البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فقال لرجل: ضرب الله عنقك)، فسمعه الرجل فقال: يا رسول الله في سبيل الله، فقتل الرجل في سبيل الله، ورواه الحاكم وصححه، وقال في بعض مغازيه وقال في آخره، فقتل يوم اليمامة.
الباب السادس في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على عتبة بن أبي لهب
روى البيهقي وابو نعيم عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، والبيهقي عن قتادة وأبو نعيم وابن عساكر عن عروة عن هبار بن الاسود، وابو نعيم عن طاوس، وابن اسحاق وابو نعيم عن محمد بن كعب القرظي، يزيد بعضهم على بعض أن عتبة بن أبي لهب قال: يا محمد هو يكفر بالذي دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، كذا في حديث هبار، وفي حديث طاوس وابو الضحى، ويكفر برب النجم، إذا هوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلط عليه كلبا من كلابك)، وكان أبو لهب يحتمل البز الى الشام، ويبعث بولده مع غلمانه ووكلائه، ويقول: انكم قد عرفتم سني وحقي، وان محمدا قد دعا على ابني دعوة، والله ما آمنها عليه، فتعاهدوه، فكانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه الى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتا ع حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا، فطاف بهم الاسد، فجعل عتبة يقول: يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي، قتلني محمد وهو بمكة وأنا بالشام، لا والله ما أظلت السماء، على ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه ثم جاء النوم، فحاطوا
أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم، وناموا فجاء الاسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلا رجلا، حتى انتهى إليه، وقال هبار: فجاء الاسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقابض ثم وثب، فإذا هو فوق المتاع فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففضخ رأسه فقال وهو بآخر رمق: ألم أقل لكم ان محمدا أصدق الناس ؟ ومات فبلغ ذلك أبا لهب، فقال: ألم أقل لكم اني أخاف عليه دعوة محمد ؟ قد والله عرفت ما كان لينفلت من دعوة محمد.
زاد القرظي ان حسان بن ثابت رضي الله عنه قال في ذلك: سائل بن الاشقر ان جئتهم ما كان أبناء أبي واسع ؟ ! لا وسع الله قبره بل ضيق الله على القاطع(10/216)
رحم بني جده ثابت يدعو الى نور له ساطع أسبل بالحجر لتكذيبه دون قريش نهزة القادع فاستوجب الدعوة منه بما بين للناظر والسامع ان سلط الله بها كلبه يمشي الهوينا مشية الخادع حتى أتاه وسط أصحابه وقد علتهم سنة الهاجع فالتقم الرأس بيافوخه والنحر منه فغرة الجائع تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الضغم: العض ومنه قيل للاسد الضيغم، بزيادة ياء.
الفدغ: بالغين المعجمة أي شدخه، والفدغ، والقلع والشدغ، والشلغ، والشدخ، والشق.
الباب السابع في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل خالفه في الصلاة
(روى ابن عساكر عن ضمرة ومهاجر ابني حبيب قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصلى بأصحابه على ظهر فاقتحم رجل من الناس، فصلى على الارض، فقال: (خالف خالف الله به) فما مات الرجل حتى خرج من الاسلام).
الباب الثامن في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على من احتكر طعاما
روى البيهقي عن أبي يحيى عن فروخ مولى عثمان أن عمر، قيل له: ان مولاك فلانا قد احتكر طعاما فقال: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام أو بالافلاس) فقال مولاه: نشتري بأموالنا ونبيع فذكر أبو يحيى أنه رأى مولى عمر بعد حين مجذوما).
الباب التاسع في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على شعر رجل عبث به في الصلاة
(روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ساجدا وهو يقول بشعره: هكذا يكفه عن التراب فقال: (اللهم قبح شعره) قال: فسقط).(10/217)
الباب العاشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على أبي ثروان
(روى أبو نعيم من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن أبي ثروان أنه كان راعيا لابل بني عمرو بن تميم فخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش فخرج فدخل في الابل، فرآه أبو ثرواه فقال: من أنت ؟ قال: (رجل أردت أن استأنس الى ابلك).
قال: أراك الرجل الذي يزعمون أنه خرج نبيا.
قال: (أجل).
قال: اخرج فلا تصلح ابل أنت فيها، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم أطل شقاءه وبقاءه).
قال هارون: فأدركته شيخا كبيرا يتمنى الموت، فقال له القوم: ما نراك الا قد هلكت دعا عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كلا اني قد أتيته بعد حين ظهر الاسلام، فأسلمت فدعا علي واستغفر ولكن الاولى قد سبقت).
الباب الحادي عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بالحمى على بني عصية
روى سعيد بن منصور عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قنوته: (يا أم ملدم عليك ببني عصية، فانهم عصوا الله ورسوله)، فصرعتهم الحمى.
الباب الثاني عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على ليلى بنت الخطيم
روى ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه وابن سعد عن عاصم بن عمرو بن قتادة مرسلا أن ليلى بنت الخطيم أقبلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مول ظهره للشمس فضربت على منكبه فقال: (من هذا أكله الاسود) فقالت: أنا بنت مطعم الطير ومباري الريح، أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك لاعرض عليك نفسي تزوجني.
قال: (قد فعلت)، فرجعت الى قومها فقالت:: قد تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: بئس ما صنعت أنت أمرأة غيرى والنبي صلى الله عليه وسلم صاحب نساء تغارين عليه فيدعو الله عليك، ستقيليه نفسك، فرجعت، فقالت: يا رسول الله أقلني.
قال: (قد أقلتك) فتزوجها مسعود بن أوس، فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل إذ وثب عليها ذئب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فأكل بعضها، وأدركت فماتت.(10/218)
الباب الثالث عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على امرأة كانت تفشي السر بين أزواجه
(روى أبو الفرج الاصبهاني في (الاغاني) من طريق ابراهيم بن المهدي قال عبيدة بن أشعث عن أبيه أنه ولد سنة تسع من الهجرة، وأن أمه كانت تنقل كلام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعضهن الى بعض فتلقي بينهن الشر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فماتت).
الباب الرابع عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على قريش بالسنة
روى البخاري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت: (اللهم انج سلمة بن هشام، اللهم انج الوليد بن الوليد، اللهم انج عياش بن أبي ربيعة، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف).
الباب الخامس عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على رجل ممن شهد هوازن أن يخيس سهمه
(روى أبو نعيم عن عطية السعدي انه كان ممن كلم النبي صلى الله عليه وسلم في سبي هوازن فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فردوا عليه سبيهم الا رجلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اخس سهمه) فكان يمر بالجارية البكر، وبالغلام فيدعه حتى مر بعجوز فقال: اني آخذ هذه فانها أم حي فسيفدونها مني، بما قدروا عليه، فكبر عطية، وقال أخذها والله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد، ولا وافرها بواحد، عجوز يا رسول الله سيئة بتراء مالها أحد، فلما رأى أنه لا يعرض لها أحد تركها.
الباب السادس عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على بني حارثة بن عمرو
(روى أبو نعيم من طريق الواقدي عن شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى بني حارثة بن عمرو بن قرط يدعوهم الى الاسلام، فأخذوا صحيفته فغسلوها، ورقعوا بها دلوهم، فقال(10/219)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لهم ذهب الله بعقولهم) قال: فهم أهل رعدة وعجلة، وكلام مختلط،
وأهل سفه.
قال الواقدي: قد رأيت بعضهم عيا لا يحسن تبيين الكلام).
الباب السابع عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على سراقة بن مالك بن جعشم قبل اسلامه حين اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه
روى أبو نعيم في المستخرج عن مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه قال: (اللهم اكفناه بما شئت)، فساخت به فرسه في الارض الى بطنها.
الباب الثامن عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على أبي القين
روى الطبراني برجال الصحيح عن سعيد بن جهمان عن أبي القين رضي الله عنه أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه شئ من تمر، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه قبضة لينثرها بين يدي أصحابه فضم طرف ردائه الى بطنه والى صدره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زادك الله شحا) زاد أبو عبد الله بن مندة، فكان من أشح الناس، زاد البغوي وابن السكن رضي الله عنه فكان لا يسفك منه شئ.
الباب التاسع عشر في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على لهب بن أبي لهب
روى الحارث برجال ثقات عن أبي نوفل عن أبيه قال: كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم سلط عليه كلبك)، فخرج يريد الشام في قافلة من
أصحابه، فنزلوا منزلا، فقال: والله اني لاخاف دعوة محمد قالوا له: كلا، قال: فحفظوا المتاع حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء السبع فانتزعه، فذهب به.(10/220)
الباب العشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على الحكم بن أبي العاص والد مروان
روى الطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي بكر، والبيهقي عن مالك بن دينار عن هند بن خديجة رضي الله عنهم قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم اختلج فبصر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أنت كذلك) فما زال يختلج حتى مات، وفي لفظ: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي الحكم، فجعل يغمز بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: فرآه، فقال: (اللهم اجعل به وزعا)، فرجف مكانه.
والوزع: الارتعاش.
رواه عبد الله بن أحمد في روائد الزهد والبغوي مثله، وقالا بالحكم بن مروان، زاد عبد الله فما قام حتى ارتعش.
الباب الحادي والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على معاوية بن حيدة قبل اسلامه
روى البيهقي عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دفعت إليه قال: (أما اني سألت الله أن يعينني عليكم بالسنة تحفيكم، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم)، فقال: بيديه جميعا، أما اني قد خلقت هكذا وهكذا ألا أو من بك، ولا أتبعك، فما زالت السنة تحفيني، وما زال الرعب يجعل في قلبي حتى قمت بين يديك.
الباب الثاني والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على من مر بين يديه أن يقطع أثره
روى الامام أحمد وابو داود عن يزيد بن نمران، بكسر النون، وسكون الميم - قال: رأيت رجلا بتبوك مقعدا، فقال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار، وهو يصلي فقال: (اللهم اقطع أثره) فما مشيت عليها بعد.
وروي أيضا عن سعيد بن غزوان - بفتح المعجمة، وسكون الزاي عن أبيه رضي الله عنه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا هو برجل مقعد، فقال: سألته عن أمره فقال: سأحدثك حديثا، فلا تحدث به ما سمعت، اني حي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك الى نخلة فقال: (هذه قبلتنا) ثم صلى إليها، فأقبلت، وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: (قطع صلاتنا قطع الله أثره)، فما مشيت عليها الى يومي هذا.(10/221)
الباب الثالث والعشرون في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على كسرى حين مزق كتابه
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه الى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق.
وروى البيهقي من طريق ابن شهاب قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد القارئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه الى كسرى، فمزقه كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم مزق ملكه).
وروى البيهقي من طريق ابن عون عن عمير بن اسحاق رضي الله عنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى كسرى وقيصر، فأما قيصر فوضعه وأما كسرى فمزقه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية).
الباب الرابع والعشرون في اجابته دعائه صلى الله عليه وسلم على محلم بن جثامة
روى البيهقي عن قبيصة والحسن قالا: بلغنا وابن جرير موصولا عن ابن عمر والبيهقي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم بن جثامة، فمات لسبع أيام.
وفي الروض الانف: مات بحمص أيام ابن الزبير، فلفظته الارض، وروى فلفظته الارض مرات، فألقوه بين صدين ودفعوا عليه الحجارة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: محلم: بميم مضمومة، فلام مشددة مكسورة: أخو الصعب بن جثامة بجيم مفتوحة فمثلثة مشددة ابن ربيعة.
لفظته: بلام ففاء فظاء معجمة.
صدصد: بصاد وصاد مهملتين، الاولى مضمومة، وقد تفتح، والثانية مشددة واحدها صد، وهو جانب الوادي، وقيل: انه الجبل.(10/222)
جماع أبواب ما علمه صلى الله عليه وسلم لاصحابه رضي الله تعالى عنهم من الدعوات والرقى فظهرت آثاره
الباب الأول فيما علمه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها لما وعكت
روى عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وهي موعكة تسب الحمى، فقال: (لا تسبيها، فانها مأمورة، ولكن ان شئت أعلمك كلمات إذا قلتيهن أذهبها الله عنك) قالت: فعلمني، قال: (فقولي: اللهم ارحم جلدي الدقيق، وعظمي الرقيق من شدة الحريق، يا أم ملدم ان كنت آمنت بالله العظيم، فلا تصدعي الرأس، ولا تنتني الفم، ولا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني الى من يجعل مع الله الها آخر)، قال: فقالتها، فذهبت عنها.
الباب الثاني فيما علمه صلى الله عليه وسلم لعائشة في قضاء الدين وغير ذلك
روى الامام أحمد وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح الاسناد عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء: اللهم اني اسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم اني أسألك من الخير ما سألك به عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم اني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا.
وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن أباها دخل عليها فقالت: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء لو كان على أحدكم جبل دين ذهبا قضاه الله عنه، إذا قرأه وهو: (اللهم فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والاخرة ورحيمهما، أنت ترحمني، برحمة، تغنيني بها عن رحمة من سواك)، قال أبو بكر: وكان علي ذنابة من دين، وكنت للدين كارها، فلم ألبث الا يسيرا حتى جاءني الله بفائدة، فقضى الله ما كان علي من الدين.
قالت عائشة رضي الله عنها: وكانت لاسماء علي دين، فكنت أستحي منها، كلما(10/223)
نظرت إليها، فكنت أدعو بذلك، فما لبثت الا يسيرا حتى جاءني الله بفائدة رزق من غير صدقة، ولا ميراث، فقضيتها.
وروى داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، إذا هو برجل من الانصار يقال له أبو أمامة، فقال: (يا أمامة، ما لي أراك في المسجد في غير وقت صلاة ؟) فقال: يا رسول الله، هموم وديون لازمتني، قال: (أفلا أعلمك حديثا إذا أنت قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك) قال: بلى يا رسول الله، قال: (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال)، فقلته، فأذهب الله غمي وهمي، وقضى عني ديني.
وروى الامام أحمد والترمذي وقال: حسن غريب والحاكم عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل ثبير دينا أداه الله عنك، قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بضلك عمن سواك).
وروى أبو داود والطيالسي وسعد بن منصور والضياء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: (ألا أعلمك دعاء تدعو به لن كان عليك مثل أحد دينا لاداه الله عنك ؟ قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، انك على كل شئ قدير، رحمان الدنيا والاخرة، تعطهما من تشاء، وتمنعهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك).
الباب الثالث فيما علمه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه لما كاده بعض الجن
روى عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن أبي رافع والطبراني في الكبير، وابن سعد والبيهقي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه شكى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اني أجد فزعا بالليل، فقال: (ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام، وزعم أن عفريتا من الليل يكيدني، أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الارض ومن شر ما يخرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار، الا طارقا يطرق بخير يا رحمن) قال: ففعلت فأذهب الله عني.(10/224)
وروى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع، أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون، قال: كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمها من بلغ من ولده ومن لم يبلغ منهم كتبها في صك ثم علقها في عنقه، ورواه الترمذي وقال: حسن ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فزع أحدكم في النوم فليقل وذكره، وقال فيه: ومن لم يعقل كتبها في صك، ثم علقها في عنقه) ورواه الحاكم وقال صحيح الاسناد، وقال مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد بلغني أن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اني أروع في منامي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله.
وروى الطبراني نحوه من حديث ابي أمامة.
وقال في آخره: قالت عائشة رضي الله عنها: فلم ألبث الا ليلاي حتى جاء خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، والذي بعثك بالحق ما أتممت الكلمات التي علمتني ثلاث مرات، حتى أذهب الله عني ما كنت أجد ما أبالي، لو دخلت على أسد في حبسته بليل.
ورواه ابن السني بلفظ: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا له أهاويل يراها في المنام، فقال: (إذا أويت الى فراشك فقل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك أن يحضرون).
وروى ابن اسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع (بسم الله، أعوذ بكلمات الله من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون) وكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده، ومن كان صغيرا لا يعقل كتبها له وعلقها في عنقه، رواه الامام أحمد وأبو داود ولم يذكر النوم، ورواه ابن السني عن الوليد بن المغيرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله: اني أجد وحشة، فقال: (إذا أخذت مضجعك فقل...) فذكره.
وروى ابن السني عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يشكو الوحشة، فقال: (أكثر من أن تقول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات والارض بالعزة والجبروت) فقالها الرجل فذهبت عنه الوحشة.(10/225)
الباب الرابع فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من لدغة العقرب
روى البيهقي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن رجل من أسلم قال: لدغت رجلا عقرب فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لو قال حين أمسى: (أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، لم تضره).
قال: فقالتها امرأة من أهلي فلدغتها حية، فلم تضرها.
وروى ابن سعد عن ابي بكر بن محمد قال: نهش عبد الله بن سهل بحريرات الافاعي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا به الى عمارة بن حزم فليرقه)، قالوا: يا رسول الله، انه يموت، قال: (وان تذهبوا به الى عمارة بن حزم) فرقاه فشفاه الله تعالى.
وروى ابن سعد عن سهل بن أبي حثمة قال: لدغ رجل منا بحرة الافاعي، فدعا له عمرو بن حزم برقية فأبى حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه، فقال له: (اعرضها علي).
فعرضها عليه فأذن له فيها حرة الافاعي: موضع قريب من الابواء.
وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أنه كان مع ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فيهم لديغ فرقاه رجل منهم بفاتحة الكتاب فبرأ.
وروى البيهقي عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه مر بقوم وعندهم مجنون موثق في الحديد، فقال له بعضهم: أعندك شئ تداوي به هذا فان صاحبك قد جاء بخير، فقرأ عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين، فبرأ فأعطاه مائة شاة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: (كل فمن أكل برقية باطل، فقد أكلت برقية حق).
وروى ابن أبي الدنيا أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني أجد فزعا بالليل، فقال: (ألا أعلمك كلمات علمني جبريل عليه افضل الصلاة والسلام ان جبريل ذكر لي أن عفريتا من الجن يكيدني، فقال: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الارض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار، الا طارق يطرق بخير يا رحمن).(10/226)
الباب الخامس فيما علمه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لما حصل له الارق
روى الطبراني في الكبير عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: كنت أفزع بالليل فآخذ سيفي، فلا ألقى شيئا الا ضربته بسيفي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن نمت قل: اللهم رب السموات السبع وما أضلت، ورب الارضين وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جارا من شر خلقك أجمعين أن يفرط علي أحد منهم أو يطغى، عز جارك، وتبارك اسمك).
وروى الترمذي، وقال: اسناد ليس بالقوي عن بريدة بلفظ: اشتكى خالد بن الوليد المخزومي رضي الله عنه قال: يا رسول الله، ما أنام الليل من الارق، فقال: (إذا أويت الى فراشك، فقل: اللهم رب السموات)، فذكره، وروى أبو يعلى وابن عساكر وابن السني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: شكوت الى النبي صلى الله عليه وسلم أرقا أصابني قال: (قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حى قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدئ ليلي، وأنم عيني)، فقلتها فذهب عني ما كنت أجد من الارق.
الباب السادس فيما علمه صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه أدبرت عنه الدنيا
روى الخطيب في (رواة مالك) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله، ان الدنيا أدبرت عني وتولت، قال له: (فأين أنت من صلاة الملائكة، وتسبيح الخلائق، وبه يرزقون، قل عند طلوع الفجر: سبحان الله العظيم وبحمده، سبحان الله العظيم، استغفر الله، مائة مرة، تأتيك الدنيا صاغرة)، فمكث الرجل ثم عاد، فقال: يا رسول الله، لقد أقبلت علي الدنيا، فما أدري أين أضعها.
الباب السابع فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأمته للأمان من السرقة وغيرها
روى الطبراني في الكبير وسمويه عن أنس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لامته، فقال: (اللهم، أقبل بقلوبهم على طاعتك، وحط من وراءهم برحمتك).
وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في قوله تعالى:(10/227)
(قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) الاية، (هو أمان من السرقة)، وان رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها حين أخذ مضجعه، فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى به الى الباب، فوجده مسدودا، فوضع الكارة، فإذا هو مفتوح ففعل ذلك ثلاث مرات، فضحك صاحب الدار، ثم قال: اني أحصنت بيتي.
وروى ابن سعد عن أبان بن أبي عباس أن أنس بن مالك رضي الله عنه كلم الحجاج، فقال له الحجاج: لولا خدمتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب أمير المؤمنين فيك، كان لي ولك شأن، فقال أنس: أيهات أيهات لما غلظت أرنبتي، وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتي، علمني كلمات لم يضرني معهن عتو جبار، ولا عنوته مع تيسير الحوائج، ولقاء المؤمنين بالمحبة فقال الحجاج: لو علمتنيهن، فقال: لست لذلك بأهل فدس إليه الحجاج ابنيه ومعهما مائتا ألف درهم، وقال لهما: الطفا بالشيخ عسى أن تظفرا بالكلمات، فلم يظفرا بها، فلما كان قبل أن يهلك بثلاث، قال لي: دونك هذه الكلمات، ولا تضعها الا في موضعها، فذكر أبان ما أعطاه الله تعالى مما أعطى أنسا من ذهاب ما أذهبه الله عني مما كانت أجد - الله أكبر الله أكبر، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على كل شئ أعطاني، بسم
الله خير الاسماء، بسم الله رب الارض والسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء، بسم الله افتتحت وعلى الله توكلت الله الله ربي، لا أشرك به أحدا، أسألك اللهم بخيرك من خيرك الذي لا يعطيه غيرك، عز جارك، جل ثناؤك، ولا اله الا أنت اجعلني في عياذك وجوارك من كل سوء، ومن الشيطان الرجيم، اللهم اني استجيرك من كل شئ خلقت، وأحترس بك منهن، وأقدم بين يدي، بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي ومن تحتي يقرأ في هذه الست قل هو الله أحد الى آخر السورة.
وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، علمني كلاما أقوله، قال: (قل لا اله الا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة الا بالله العزيز الحكيم)، قال: فهؤلاء لربي، فما لي ؟ قال: (قل: اللهم اغفر لي وارحمني، وارزقني، وعافني، شك الراوي في وعافني)، وروى الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أبا حصين كلمتين يدعو بهما: اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي، وروى الترمذي وقال: غريب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم، اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة، اللهم، اني أسألك من صالح ما تؤتي الناس من المال والاهل والولد غير الضال ولا المضل)،(10/228)
وروى الترمذي وقال: حديث صحيح عن العباس رضي الله عنه قلت: يا رسول الله، علمني شيئا أسأل الله تعالى، قال: (سل الله العافية)، فمكثت أياما، ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأل الله تعالى، قال: (يا عباس، يا عم رسول الله، سلوا الله العافية في الدنيا والاخرة)، وروى ابن أبي شيبة والحاكم، وصححه عن بريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الا أعلمك كلمات، من يرد الله به خيرا يعلمهن اياه)، ثم علمه اياهن اللهم اني ضعيف فقو في رضاك ضعفي، وخذ الى الخير بناصيتي، واجعل الاسلام منتهى رضاي، اللهم، اني ضعيف فقوني، واني ذليل فأعزني، واني فقير فارزقني.
الباب الثامن فيما علمه صلى الله عليه وسلم لفاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها
روى النسائي والطبراني برجال الصحيح عن عثمان بن موهب وهو ثقة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: (ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني الى نفسي طرفة عين).
الباب التاسع فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
روى الامام أحمد والبخاري في الادب وابو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه والامام أحمد والبخاري في الادب والترمذي وحسنه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله، علمني كلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: (قل اللهم، فاطر السموات والارض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شئ ومليكه، أشهد أن لا اله الا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا، أو اجره الى مسلم إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك).
وروى الشيخان عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: اللهم، اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، وانه لا يغفر الذنوب الا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، انك أنت الغفور الرحيم).
يروى كثيرا بالموحدة والمثلثة.(10/229)
الباب العاشر فيما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه
روي عن أبي مالك الاشعري رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا أصبحنا وإذا أمسينا، وإذا دخلنا فرشا: اللهم، فاطر السموات والارض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شئ ومليكه، والملائكة يشهدون أنك لا اله الا أنت، اللهم انا نعوذ بك من شر أنفسنا ومن شر الشيطان، ومن شركه، وأن نقترف سوءا على أنفسنا أو نجره الى مسلم.
الباب الحادي عشر ما علمه صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه
وروي عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا إذا أصبحنا أن نقول: (أصبحنا على فطرة الاسلام، وكلمة الاخلاص، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا ابراهيم حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين)، وإذا أمسينا نقول مثل ذلك.
الباب الثاني عشر فيما علمه صلى الله عليه وسلم لبعض بناته رضي الله تعالى عنهن
روى أبو داود والنسائي عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمها فيقول: (قولي حين تصبحين وحين تمسين: سبحان الله وبحمده، لا قوة الا بالله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما، فانه من قالها حين يصبح حفظ حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي حفظ حتى يصبح).(10/230)
جماع أبواب آيات في منامات رؤيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الباب الأول فيما رآه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه
روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقصوها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله)، وأنا غلام حديث السن، وبيتي المسجد قبل أن أنكح، فقلت في نفسي: لو كان فيك خيرا لرأيت مثل ما يرى هؤلاء، فلما اضطجعت ليلة قلت: اللهم، ان كنت تعلم في خيرا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي الى جهنم وأنا بينهما أدعو الله، اللهم اني أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد، فقال لي: لن تراع، نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة، فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم، فإذا هي مطوية كطي البئر، له قرون كقرون البئر، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد، وأرى فيها رجالا معلقين بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم، عرفت فيها رجالا من قريش فانصرفوا بي عن ذات اليمين، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان عبد الله رجل صالح)، وروى البخاري عنه قال: رأيت في المنام كأن بيدي سرقة من حديد لا أهوي بها الى مكان في الجنة الا طارت إليه فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان أخاك رجل صالح).
الباب الثاني فيما رآه عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه روى البخاري عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: رأيت كأني في روضة، وسط الروضة عمود، في أعلى العمود عروة، فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، فأتاني وصيف فرفع ثيابي فرقيت فاستمسكت بالعروة، فانتبهت، وأنا مستمسك بها فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (تلك الروضة روضة الاسلام، وذلك العمود عمود الاسلام، وتلك العروة: العروة الوثقى لا تزال متمسكا بالاسلام حتى تموت).
وروى ابن سعد عنه قال: رأيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا، رأيت كأن رجلا(10/231)
أتاني، فقال: انطلق، فسلك بي في منهج عظيم، فبينما أنا أمشي إذ عرض لي طريق عن شمالي فأردت أن أسلكها، فقال: انك لست من أهلها، ثم عرضت لي طريق عن يميني، فسلكتها حتى أنتهيت الى جبل زلق، فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال لي: استمسك بالعروة فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (رأيت خيرا، أما المنهج العظيم فالحشر، وأما الطريق التي عرضت عن شمالك فطريق أهل النار، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة، وأما الجبل الزلق فمنزل الشهداء، وأما العروة الوثقى التي استمسكت بها فالاسلام فاستمسك بها حتى تموت).
الباب الثالث فيما رآه ابن زميل الجهني رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني والبيهقي عن ابن زميل الجهني رضي الله عنه قال: رأيت رؤيا فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب، والناس على الجادة منطلقون، فبينما هم كذلك، إذ أشفى ذلك الطريق على مرج لم تر عيناي مثله، يرف رفيفا، ويقطر نداه فيه من أنواع الكلاء، فكأني بالرعلة الاولى، حين أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق فلم يظلموه يمينا ولا شمالا، فكأني أنظر إليهم منطلقين ثم جاءت الرعلة الثانية وهم أكثر منهم أضعافا، فلما أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فمنهم المرتع، ومنهم الاخذ الضغث، ومضوا على ذلك، ثم قدم عظم الناس، فلما قدموا على المرج كبروا، وقالوا: هذا خير المنزل، فكأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج، فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة فإذا عن يمينك رجل آدم شثن أقنى، إذا هو تكلم يسمو فيفرع
الرجال طولا، وإذا عن يسارك رجل سمار ربعة أحمر كثير خيلان الوجه، كأنما حمم شعره بالماء، إذا هو تكلم أصغيتم له اكراما له، وإذا أمامكم شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها كلهم يؤمونه يريدونه، وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف، وإذا أنت يا رسول الله كأنك تبعثها، فانتقع لون رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم سري عنه، فقال: (أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب، فذلك ما حملتكم عليه من الهدى، فأنتم عليه، وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشها، مضيت وأنا وأصحابي لم نتعلق بها، ثم جاءت الرعلة الثانية بعد وهم أكثر منا، فمنهم المرتع، ومنهم الاخذ الضغث ونجوا على ذلك، ثم جاء عظم الناس فمالوا في المرج يمينا وشمالا، وأما أنت فمضيت على طريق صالحة، فلن تزال عليها حتى تلقاني، وأما المنبر الذي رأيت سبع(10/232)
درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة وأنا من آخرها ألفا وأما الرجل الذي رأيت عن يميني فذلك موسى إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله اياه، والذي رأيت عن يساري، فذلك عيسى نكرمه لاكرام الله اياه، وأما الشيخ فذاك أبونا ابراهيم كلنا نؤمه ونقتدي به، وأما الناقة فهي الساعة علينا تقوم، فلا نبي بعدي، ولا أمة بعد أمتي).
الباب الرابع فيما رآه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه
روي عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه قال: ان رجلين من (بلي) قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان اسلامهما معا، وكان أحدهما أشد اجتهادا من الاخر فغزا المجتهد فاستشهد، ومكث الاخر بعده سنة، ثم توفي، قال طلحة: فبينا أنا عند باب الجنة يعني في النوم إذ أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذن للذي مات الاخر منهما، ثم رجع فأذن للذي استشهد، ثم رجع الي فقال: ارجع فانه لم يؤذن لك فأصبح طلحة يحدث الناس فعجبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس قد مكث بعده سنة، فصلى كذا وكذا من سجدة، وأدرك رمضان فصامه).
الباب الخامس فيما رآه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه
روى البيهقي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: رأيت في المنام كأني أقرأ سورة (ص) فلما انتهيت على السجدة سجد كل شئ، رأيت الدواة واللوح والقلم، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأمر بالسجود فيها.
الباب السادس فيما رآه زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه
روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبر ثلاثا وثلاثين، فأتى رجل من الانصار في نومه، وقيل له: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة كذا وكذا، قال: نعم، قال: فاجعلوها خمسا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فافعلوا).(10/233)
الباب السابع فيما رآه الطفيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه
روى الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: هاجر الطفيل بن عمرو رضي الله عنه وهاجر معه رجل من قومه، فمرض الرجل، فأخذ مشقصا، فقطع رواجبه، فمات فرآه الطفيل في المنام، فقال له: ما فعل الله بك ؟ قال: غفر الله بهجرتي.
قال: ما شأن يديك ؟ قال: قيل لي: انا لا نصلح منك ما أفسدت من نفسك، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم وليديه فاغفر).
الباب الثامن فيما رآه سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
روت عنه ابنته عائشة انه قال: رأيت في المنام قبل أن أسلم كأني في ظلمة لا أبصر شيئا، إذ أضاء لي قمر فاتبعته فكأني أنظر الى من سبقني الى ذلك القمر، فأنظر الى زيد بن حارثة، والى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، والى أبي بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم الى هاهنا ؟ قالوا: الساعة، وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مستخفيا، فلقيته في شعب أجياد، وقد صلى العصر فأسلمت فما تقدمني أحد الا هم.
الباب التاسع فيما رآه رجال من أصحابه رضي الله تعالى عنهم
في شأن ليلة القدر روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام أن ليلة القدر في السبع الاواخر من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في السبع الاواخر فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الاواخر).(10/234)
جماع أبواب بعض آيات وقعت لاصحابه وأتباعهم رضي الله تعالى عنهم فهي من معجزاته صلى الله عليه وسلم
الباب الأول في وجوب اعتقاد اثبات كرامات الأولياء رحمهم الله تعالى
روى البخاري وابن حبان عن أبي هريرة، والامام أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد، والطبراني من طريق آخر عن عائشة، والطبراني والبيهقي عن أبي أمامة، والاسماعيلي في مسند علي، والطبراني عن ابن عباس وأبو يعلى والبزار والطبراني عن أنس وابو يعلى عن ميمونة بنت الحارث، والطبراني بسند حسن عن حذيفة وابن ماجه وابو نعيم في الحلية عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الله تعالى قال: من آذى لي وليا، وفي آخر: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب الي عبد بشئ أحب مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ان سألني لاعطينه وان استعاذني لاعيذنه، وما ترددت في شئ أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته).
تنبيه: قال العلماء: ومعنى قوله: (كنت سمعه) الى آخره أي صار سمعه الله، وبصره كذلك، وقوله: (عادى) أي آذى، وأغضب بالقول والفعل، حال من قوله: (وليا) قدم عليه لتنكيره وجعل ظرفا لغوا وقوله: وليا فقيل: اما بمعنى (فاعل) كعليم وقدير، فيكون معناه (الموالي لطاعة ربه)، وأما بمعنى (مفعول) كقتيل وجريح، لان الله تعالى تولاه قال الله تعالى: (وهو يتولى الصالحين)، وقوله: (آذنته) بالمد وفتح المعجمة بعدها نون، أي أعلمته، وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعل من الجانبين، مع أن المخلوق من أمر الخالق، والجواب من أنه من المخاطبة بما يفهم، فان الحرب الهلاك، والله تعالى لا يغلبه غالب، فكأن المعنى تقرير لاهلاكي اياه، فأطلق تاج الدين بن الفاكهاني في هذا تهديد، لان من حارب الله تعالى أهلكه، وهو من المجاز البليغ، لان من كره من أحب الله تعالى، فقد خالف الله تعالى وعانده، ومن عانده أهلكه، وفي بعض الاحاديث القدسية اني لاغضب لاوليائي، كما يغضب الليث الحرد.
وروى الامام أحمد في كتاب الزهد عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: ان الله(10/235)
تعالى قال لموسى بن عمران حين كلمه: واعلم أن من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرض بنفسه ودعاني إليها، فأنا أسرع شئ الى نصرة أوليائي، أيظن الذي يحاربني أن يقوم لي أو يظن الذي يغازيني أن يعجزني، أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو
يفوتنى وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والاخرة لا أكل نصرتهم الى غيري) فتأمل رحمك الله هذا التهديد الشديد لمن آذي أحدا من أولياء الله تعالى، والخائض في هذا الوادي، المتضمن بسالكه الى المهالك، انما يضر نفسه، ولا يلتحق بالولي شئ من ذلك، وما مثله الا كما قيل: كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل وقال غيره: ما يضر البحر زاخرا ان رمى فيه صغير بحجر ورحم الله الامام العالم العلامة الشيخ شهاب الدين المنصوري حيث قال: أجدر الناس بالعلا العلماء فهم الصالحون والاولياء سادة ذو الجلال أثنى عليهم وعلى مثلهم يطيب الثناء وبهم تمطر السماء وعنا يكشف السوء ويزول البلاء خشية الله فيهم ذات حضراففي غيرهم يكون العلاء فالبرايا جسم وهم فيه روح والبرايا موتى وهم أحياء فتعفف عن لحمهم فهو سم خل منه الضنا وعز الشفاء قد سموا قطبة وزادوا ذكاء فعمي عليهم الانباء قلت للجاهل المشاقق فيهم هل جزاء الشقاق الا الشقاء قد رأينا لكل دهر عيونا ولعمري هم للعيون ضياء لا يسألون ما يقول جهول أنهيق كلامه أم عواء وإذا الكلب في ظلام الليالي شبح الارض لا تبالي السماء فلبسوا بالشقاء كل جهول ولتفز بالسعادة العلماء قال الامام الحافظ أبو القاسم علي بن عساكر رحمه الله تعالى في كتابه (تبيين كذب المفتري فيما نسب الى الامام ابي الحسن الاشعري) لحوم العلماء مسمومة وعادة الله
في هتك أستار منتقضيهم معلومة.(10/236)
قال في موضع آخر: لحوم العلماء سم من شمها مرض، ومن ذاقها مات، انتهى.
فان قيل: فهل يكون الولي معصوما ؟ قيل: أما وجوبا كما في الانبياء فلا، وأما أن يكون محظوظا فممكن، فان قيل: فهل يجوز أن يعلم الولي ولايته ؟ قيل: منعه الامام ابن فورك، لان ذلك يسلبه الخوف، ويوجب له الامن وأجازه أبو القاسم القشيري، وقال: هو الذي نؤثره ونقول به، وليس ذلك واجبا في جميع الاولياء، حتى يكون كل ولي يعلم أنه ولي، ولكن يجوز أن يعلم ذلك، ولهذا قال بعضهم: يجوز أن يبلغ الولي الى حد يمنع يسقط عنه الخوف، ولكن الغالب خلافه، وهذا السري السقطي، يقول: لو أن أحدا دخل بستانا فيه أشجار على كل شجرة طير يقول بلسان فصيح: السلام عليك يا ولي الله فلو لم يخف أنه مكر، لكان ممكورا به فان قلت: هل يجوز أن يكون وليا في الحال ثم يتغير حاله ؟ قيل: فيه خلاف مبني على خلاف، وذلك أنه اختلف هل يشترط في الولاية حسن الموافاة أم لا ؟ فمن شرط ذلك لم يخبره، ومن لم يشترط أجازه ولكن الغالب على الولي في أوان صحوة صدقه في أداء حقوقه تعالى، والشفقة على الخلق في جميع أحوالهم، ودوام تحمله عنهم وابتدائه بطلب الاحسان من الله تعالى إليهم، من غير التماس منهم وترك الطمع بكل وجه فيهم، وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم، ودوام حزنه وغير ذلك، كما هو معروف عند أهله نفعنا الله بهم، ولا حرمنا بركته.
الباب الثاني في فوائد تتعلق بكرامات الاولياء نفعنا الله تعالى بهم
اعلم أن الكرامة الواقعة لولي هي في الحقيقة من معجزات النبي الذي هذا الولي متبع له لانها انما ظهرت بسبب اتباعه وبركته، وقد اختلف فيها، فذهب أهل السنة الى جوازها، وأنكرها المعتزلة وابو اسحاق بناءا على أن امام الحرمين في (الارشاد) يميل الى قريب منهم، وممن نقل جوازها امام المتكلمين القاضي أبو بكر الباقلاني وامام الحرمين والغزالي والقشيري في رسالته، والرازي، ونصر الدين الطوسي في قواعد العقائد، والنسقي، والبيضاوي في طوالعه ومصابيحه، والشيخ أبو الوليد بن رشد، ونص كلامه في أجوبته أن انكارها، والتكذيب بها بدعة وضلالة يثبتها في الناس أهل الزيغ والتعطيل الذين لا يقرون بالوحي والتنزيل، ويجحدون آيات الانبياء والمرسلين، انتهى.
والدليل على جوازها وقوعها، إذ لو لم تكن جائزة لم تقع، وقد ثبت وقوعها بالكتاب،(10/237)
والاحاديث، الاثار المسندة الخارجة عن الحصر والتعداد، وآحادها وان لم تتوافر فالمجموع يفيده القطع بلا اشكال.
أما الكتاب فقصة أهل الكهف، وقصة الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام، وقصة ذي القرنين، وما أخبر الله في مريم بقوله: (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال يا مريم أنى لك هذا ؟ قالت هو من عند اللله) (آل عمران 37) قال ابن عباس وغيره: وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وقوله تعالى: (وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) (مريم 25) وقصة آصف بن برخيا عليه السلام مع سليمان عليه السلام في احضاره عرش بلقيس قبل ارتداد الطرف، كما قال عز وجل: (قال الذي عنده علم من الكتاب: أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك) (النمل 40) وأما السنة فقد روى الشيخان من حديث جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان في الامم محدثون، فان يكن في أمتي أحد منهم فعمر ابن الخطاب رضي الله عنه).
واحتجت المعتزلة بأن الخوارق لو ظهرت على يد غير الانبياء لالتبس النبي بالمتنبى ء، لان تمييز الانبياء عن غيرهم انما هو بسبب ظهور خوارق العادات منهم، إذ الامة تشاركهم في الانسانية ولوازمها، ولولا ظهور المعجزة منهم لما تميزوا عن غيرهم فلو جاز أن يظهر الخارق للعادة على غيرهم لالتبس النبي بالمتنبئ، والجواب: لا نسلم حصول اللبس، بل يتميز النبي
بالتحدي، ودعوى النبوة هنا هو الفرق بين المعجزة والكرامة، واختلف في تجويز الكرامات على حكم الاختيار، شرط الكرامة صدورها بلا اختيار من الولي، وان الكرامة تفارق المعجزة من هذا الوجه، قال امام الحرمين في الارشاد: وهذا غير صحيح قال: وصار صائرون الى جواز وقوعها اختيارا، ومنع وقوعها على قضية الدعوى، ورأوا ان الدعوى هي الفرق بينها وبين المعجزة، وهذه الطريقة غير مرضية أيضا، وصار بعض أصحابنا الى أن ما وقع معجزة لنبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامة لولي فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر، وقلب العصا ثعبانا، واحياء الموتى والى غير ذلك، وهذه الطريقة غير سديدة أيضا، والمرضي عندنا تجويز جملة خوارق العوائد في معارض الكرامات، وفي (رسالة القشيري) اعلم أن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعا أنه لا يجوز أن يظهر كرامة للاولياء بضرورة أو شبه ضرورة فمنها حصول انسان من غير أبوين، وقلب جماد بهيمة أو حيوانا، وأمثال هذا كثير وشرط الكرامة أن يصحب صاحبها (السر) من الله تعالى، والا فهو ناقص مغرور وهالك مقبور.
وظهور الكرامة لا تدل على أفضلية صاحبها، وانما تدل على صدقه وفضله، وقد تكون لقوة يقين صاحبها، وانما الافضلية بقوة اليقين، وكمال المعرفة، ولهذا قال أستاذ هذه الطريقة(10/238)
أبو القاسم الجنيد رحمع الله تعالى: مشى رجال باليقين على الماء، ومات بالعطش أفضل منهم، لانهم يقصدون ادخار الكرامة للاخرة، ويدلك على ما ذكرنا من أن الكرامة لا تدل على الافضلية كثرة الكرامات، بعد زمن الصحابة.
قال الامام أحمد بن حنبل: وذلك لان ايمان الصحابة قوي بخلاف ايمان من بعدهم فاحتاجوا الى زيادة تقوى ايمانهم، وأيضا فلأن الزمان الأول كثير النور لا يفتقرون لزيادة تقوى، ولو حصلت لم تظهر لاضمحلالها في زمن النبوة بخلاف الظلام، والنجوم لا يظهر لها ضوء مع الشمس، ولهذا قال بعض المشايخ في مريم ابنة عمران رضي الله عنها: انها كانت في بدايتها يصرف إليها بخرق العادة بغير سبب، تقوية لايمانها، فكانت كلما دخل عليها زكريا
المحراب وجد عندها رزقا، قال: يا مريم أنى لك هذا ؟ قالت: هو من عند الله، ولما قوي ايمانها ردت البيت، فقيل لها: (وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) (مريم 25)، ولهذا سأل موسى ربه مع كمال رتبته بقوله: (رب أرني أنظر اليك) (الاعراف 143) (لما أنزلت الي من خير فقير) (القصص 24) قال علي وغيره: والله، ما طلب الا خبزا يأكله، ونادى باسم الربوبية، فان الرب من رباك باحسانه، وغناك بانعامه، فان قلت: فلأي شئ لم يطلب الخليل عليه الصلاة والسلام حين رمي بالمنجنيق في النار، قد تعرض له جبريل، وقال: ألك حاجة ؟ قال: أما اليك فلا، وأما الى الله فلي، قال: سله قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي ؟ فالجواب: أن الانبياء عليهم الصلاة والسلام يعاملون كل مقام بما يفهمون عن الله تعالى أنه الاليق بهم، ففهم ابراهيم عليه الصلاة والسلام أن مراد الحق في ذلك المقام، عدم اظهار الطلب والاكتفاء بالعلم، فكان فهمهه لان الحق أراد أن يظهر من قوله: (اني أعلم ما لا تعلمون) (البقرة 30) في جواب (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) (البقرة 295) قال سيدي أبو الحسن الشاذلي فكأنه يقول: يا من ؟ قال: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كيف رأيتم ابراهيم خليلي ؟ وانما تصدر الكرامة على طريق الالتفات من غير قصد وأن يكون لمصلحة، والامانة توجب عليه ستر الكرامة واخفاءها، نص على ذلك القشيري وغيره، وقد يكون بقلب العين وهي الارض وكلام الجماد، وبرء العلل، ونبع الماء والاطلاع على الضمائر، وجفاف البحر، وكلام الموتى، ففي رسالة الشيخ ابي القاسم القشيري رحمه الله تعالى باسناده أن أبا عبيدة السري رحمه الله تعالى غزا سنة، فجرح في السرية فمات المهر، وهو في السرية فقال: يا رب، أعرني اياه الى (بسر يعني قريته) فإذا المهر قائم، فلما غزا ورجع قال لابنه خذ السرج عن المهر، فقال: انه عرق، فقال: انه عارية، فلما أخذ السرج وقع ميتا.(10/239)
وفيها أيضا عن الشيخ سعيد الحراز قال: كنت مجاورا بمكة، حرسها الله تعالى،فجزت يوما بباب بني شيبة فرأيت شابا حسن الوجه ميتا، فنظرت له، فنظر في وجهي وتبسم، وقال: أما علمت أن الاحباب أحياء وان ماتوا، وانما ينقلون من دار الى دار.
وفيها أيضا عن بعضهم: كنا في مركب فمات رجل معنا فأخذنا في جهازه وقصدنا أن نلقيه، فصار البحر جافا، ونزلت السفينة فخرجنا وحفرنا له قبرا ودفناه، فلما فرغنا جاء الماء وارتفع واستوى المركب وسرنا، والحكايات كثيرة وما ذكر كفاية.
الباب الثالث في بعض آيات وقعت لامير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
من ذلك وهو قوله على المنبر: يا سارية الجبل، وأسمع جيشه فيها فسمعه الجيش، فانتصروا، وقد تقدم ذلك في الكلام على بعض فضائله.
الباب الرابع في بعض آيات وقعت لسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
روى أبو نعيم عن أبي عثمان النهدي، وعن ابي بكر بنه حفص بن عمر وعن عمير الصائدي رضي الله عنه أن سعدا لما نزل نهر شير، وهي المدينة الدنيا، طلب السفن ليعبر بالناس الى المدينة القصوى، فلم يقدر على شئ ووجدهم قد ضموا السفن فأقاموا بنهر شير أياما من صفر، وفجأهم المد فرأى رؤيا أن خيول المسلمين اقتحمتها فغيرت، وقد أقبلت من المد بأمر عظيم، فعزم لتأويل رؤياه على العبور، فجمع الناس، وقال: ان عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليهم، وهم يخلصون اليكم إذا شاءوا فينا وشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شئ تخافون أن تؤتوا منه.
واني قد عزمت على قطع هذا البحر عليهم، فأجابوه فأذن للناس في الاقتحام، وقال: قولوا: نستعين بالله، ونتوكل عليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ثم اقتحموا دجلة وركبوا اللجة، وان دجلة لترمي بالزبد وانها لمسودة، وان الناس ليتحدثون في عومهم، وقد اقترنوا كما كانوا يتحدثون في مسيرهم على الارض، فخرجت بهم خيلهم تنفض أعرافها لها صهل وما ذهب لهم في الماء شئ الا قدح كانت علاقته رثة، فذهب به الماء وإذا به قد ضربته الرياح والموج حتى وقع على الشاطئ فأخذه صاحبه، ولم يغرق منهم أحد، ففجئوا أهل فارس بأمر لم يكن في حسابهم، وأعجلوهم على حمل أموالهم،(10/240)
فدخلها المسلمون في صفر سنة ست عشرة واستولوا على كل ما بقي في بيوت كسرى من الثلاثة آلاف ألف ألف شيرويه وما جمع من بعده.
الباب الخامس في بعض آيات وقعت لعبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه
روى الطبراني برجال الصحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال له يوم أحد: ألا تدعو الله تعالى ؟ فخلوا في ناحية، فدعا سعدا فقال: يا رب، إذا لقيت العدو فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله ويقاتلني ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبته، فأمن عبد الله، ثم قال: اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه شديدا حرده، أقاتله فيك، ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي واذني، فإذا لقيتك غدا قلت: من جدع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم، فتقول: صدقت، قال سعد: كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وان أنفه وأذنه لمعلقان في خيط.
الباب السادس في بعض آيات وقعت لأبي الدرداء رضي الله تعالى عنه
روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن مرة رضي الله عنه قال: عن أبي البختري قال: بينما أبو الدرداء يوقد تحت قدر له، وسلمان عنده إذ سمع أبو الدرداء في القدر صوتا، ثم ارتفع الصوت بتسبيح كهيئة الصبي قال: ثم ندرت القدر فانكفأت، ثم رجعت الى مكانها لم ينصب منها شئ، فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان، انظر الى العجب، انظر الى ما لم ينظر مثله أنت ولا أبوك، فقال سلمان: أما انك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى انتهى.
الباب السابع في بعض آيات وقعت للعلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه روى البيهقي عن أنس وأبي هريرة وسهم بن منجاب عن منجاب بن راشد رضي الله عنهم أنهم غزوا مع العلاء الحضرمي على البحرين، فقال: يا أرحم الراحمين، يا عليم يا حكيم، يا علي، يا عظيم، يا عزيز يا كريم، أنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، اجعل لنا سبيلا الى عدوك، ثم قال: أجيزوا بسم الله، قال: فأجزنا.(10/241)
روى البخاري عن سهم بن منجاب وابن سعد والبيهقي وابو نعيم عن أبي هريرة والبيهقي عن أنس رضي الله عنهم قال أبو هريرة: خرجت مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فرأيت منه خصالا لا أدري أيتهن أعجب، قال أنس رضي الله عنه: أدركت في هذه الامة ثلاثا لو كانت في بني اسرائيل لم تقاسمها الامم، قال منجاب: غزونا مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه دارين، ثم اتفقوا، واللفظ لأنس، قالوا: كنا في غزاة فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا اثار الماء والحر وجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها، صلى بنا ركعتين ثم مد يده الى السماء وما نرى في السماء شيئا، فوالله، ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا، وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا وسقينا ركابنا ثم أتينا عدونا، وقد جاوز خليجا من البحر الى جزيرة، فوقف على البحر، وقال: يا عليم يا عظيم، يا حليم يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم الله، قالوا: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث الا يسيرا وأتينا العدو فقتلنا وأسرنا وسبينا ثم أتينا الخليج فقال مثل مقالته فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، وذكروا بقية الحديث، وقال رجل من المسلمين في مرورهم في البحر.
ألم تر أن الله ذلل بحره وأنزل بالكفار احدى الجلائل دعونا الذي شق البحار فجاءنا فأعجب من فلق البحار الاوائل
الباب الثامن في بعض آيات وقعت لأنس بن مالك رضي الله عنه
روى أبو نعيم عن عباد بن عبد الصمد قال: أتيت أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: يا جارية هلمي المنديل فأتت بمنديل وسخ، فقال: اسجري التنور، فأوقدته، فأمر بالمنديل، فطرح فيه، فخرج أبيض كأنه اللبن، فقلنا: ما هذا ؟ قال: منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجهه، فإذا اتسخ صنعنا به هكذا، لان النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الانبياء.
الباب التاسع في بعض آيات وقعت لتميم الداري رضي الله عنه
روى البيهقي عن معاوية بن حرمل قال: خرجت نار من الحرة فجاء عمر الى تميم فقال: قم الى هذه النار، فقام معه وتبعتهما، فانطلقا الى النار فجعل تميم يحوشها بيده، حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها، فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير قالها ثلاثا.(10/242)
وروى أبو نعيم عن مرزوق رضي الله عنه أن نارا خرجت على عهد عمر رضي الله عنه، فجعل تميم الداري رضي الله عنه يدفعها بردائه حتى دخلت غارا فقال: لمثل هذا كنا نختبئك يا أبا رقية.
الباب العاشر في بعض آيات وقعت لخالد بن الوليد رضي الله عنه
روى أبو يعلى عن أبي السفر رضي الله عنه قال: نزل خالد بن الولية رضي الله عنه الحيرة على أمير بني المرازبة، فقيل له: احذر السم لا تسقيكه الاعاجم، فقال: ائتوني به فأخذه بيده، ثم اقتحمه، وقال: بسم الله، فلم يضره شيئا، وروى ابن سعد برجال ثقات عن قيس بن أبي حازم رحمه الله تعالى قال: رأيت خالد بن الوليد رضي الله عنه أتى بسم فقال: ما هذا قالوا: سم، قال: بسم الله، وشربه.
الباب الحادي عشر في بعض آيات وقعت لسفينة رضي الله عنه
روى ابن سعد وابو يعلى والطبراني وابو نعيم والبيهقي وله طرق في المستدرك للحاكم وغيره عن سفينة رضي الله عنه قال: ركبت سفينة في البحر، فانكسرت لوح منها فلم نعرف الطريق فإذا أنا بالاسد قد عرض لنا فتأخر أصحابي فدنوت منه فقلت: أنا سفينة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أضللنا الطريق، فمشى بين يدي حتى وقفنا على الطريق ثم تنحى، ودفعني كأنه يوريني الطريق فظننت أنه يودعنا.
الباب الثاني عشر في بعض آيات وقعت لعمار بن ياسر رضي الله عنه
روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كم من ذي طمرين لا ثوب له، لو أقسم على الله لابره، منهم عمار بن ياسر).
وروى الطبراني برجال الصحيح وهو منقطع عن سعيد بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه أقسم يوم أحد فهزم المشركون، وأقسم يوم الجمل فغلبوا أهل البصرة، وقيل له يوم صفين: لو أقسمت، فقال: لو ضربونا بأسيافهم حتى نبلغ سعفات هجر(10/243)
لعلمنا أنا على الحق، وهم على الباطل، فلم يقسم فقتل يومئذ، فقال يوم أحد: أقسمت يا جبريل ويا ميكائيل: لا يغلبنا معشر ضلال أنا على الحق وهم جهال حتى خرق صف المشركين.
وروى ابن سعد حدثنا يحيى بن حماد أنبأنا أبو عوانة ابن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر يده على رأسه فيقول: (يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على ابراهيم).
الباب الثالث عشر في بعض آيات وقعت لأبي قرصافة رضي الله عنه
(روى الطبراني برجال ثقات عن عزة بنت عاص بن أبي قرصافة قالت: أسرت الروم ابنا لابي قرصافة إذا حضر وقت كل صلاة صعد سور عسقلان ونادى يا فلان، الصلاة فيسمعه وهو في بلد الروم).
الباب الرابع عشر في بعض آيات وقعت لابي مسلم الخولاني رضي الله عنه
روى البيهقي بسند صحيح عن سليمان بن المغيرة وابن عساكر عن حميد بن هلال العدوي وأبو داود في سننه رواية الاعرابي عن محمد بن زياد وأبو داود وأحمد في الزهد عن حميد قالوا: ان أبا مسلم الخولاني رضي الله عنه جاء الى دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها، فمشى على الماء وفي لفظ: أن أبا مسلم رضي الله عنه غزا أرض الروم فمروا بدجلة وهي ترمي الخشب من مدها قال: أجيزوا بسم الله، ومر بين أيديهم، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: اللهم أجزت بني اسرائيل البجر، وانا عبدك، وفي سبيلك، فأجزنا هذا البحر اليوم، ثم قال: اعبروا بسم الله ومر بين أيديهم، فلما بلغ الماء بطون الخيل حتى عبر الناس كلهم ثم وقف فقال: يا معشر المسلمين، هل ذهب لاحد منكم شئ فليدعو الله تعالى برده ؟ وفي لفظ: والتفت الى أصحابه، وقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا، فندعو الله ؟ وكان رجل قد ألقى مخلاته عمدا فقال الرجل: مخلاتي وقعت في هذا النهر، فقال له: اتبعني فإذا بها قد تعلقت ببعض أعواد النهر فقال: خذها، وروى ابن عساكر من طريق اسماعيل بن عباس عن شرحبيل بن مسلم الخولاني ان الاسود بن قيس رضي الله عنه تنبأ باليمن، فبعث الى مسلم،(10/244)
أشهد أني رسول الله قال: ما تسمع ؟ قال: تشهد أن محمدا رسول الله، قال: نعم، فأمر بنار عظيمة، ثم ألقى أبا مسلم فيها فلم تضره الحديث، وسيأتي بتمامه.
الباب الخامس عشر في بعض آيات وقعت لأم أيمن رضي الله عنها
روى البيهقي عن ثابت وأبي عمران الجوني وهشام بن حسان رضي الله عنهم قالوا: هاجرت أم ايمن الى المدينة وليس معها زاد، فلما كانت عند الروحاء عطشت عطشا شديدا، قالت: فسمعت حفيفا شديدا فوق رأسي، فرفعت رأسي فإذا دلو مد لي من السماء برشاء أبيض فتناولته بيدي، حتى استمسكت به، فشربت منه حتى رويت، قالت: فلقد أصوم بعد تلك الشربة في اليوم الحار الشديد، ثم أطوف في الشمس كي أظمأ، فما ظمئت بعد تلك الشربة.
الباب السادس عشر في بعض آيات وقعت لعامر بن ربيعة رضي الله عنه
روى البيهقي عن الاعمش عن بعض اصحابه رضي الله عنهم قال: أتينا الى دجلة، وهي بأرض الاعاجم خلفها، فقال رجل من المسلمين: بسم الله، ثم اقتحم فرسه فارتفعوا على الماء فنظر إليهم الاعاجم، وقال: ديوان ديوان، ثم ذهبوا على وجوههم، فما فقدوا الا قدحا كان معلقا بقدية سرج فلما خرجوا أصابوا الغنائم فاقتسموها، فجعل الرجل يقول: من يبادل صفراء ببيضاء.
الباب السابع عشر في بعض آيات وقعت لذؤيب بن كليب رضي الله عنه
روى ابن وهب عن ابن لهيعة أن الاسود العنسي لما لما ادعى النبوة، وغلب على صنعاء أخذ ذؤيب بن كليب فألقاه في النار، فلم تضره النار.
الحديث، وسيأتي بتمامه.
الباب الثامن عشر في بعض آيات وقعت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه
روى الحارث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي، خذ الباب، فلا تدخلن علي أحدا،(10/245)
فان عندي زورا من الملائكة استأذنوا ربهم أن يزوروني فأخذ علي الباب، وجاء عمر فاستأذن فقال: يا علي، استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن، فرجع عمر، وظن أن ذلك من سخطة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يصبر عمر أن رجع فقال: استأذن لي علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن فقال: ولم ؟ قال: لأن زورا من الملائكة عنده استأذنوا ربهم أن يزوروه (قال: وكم هم يا علي ؟ قال ثلاثمائة وستون ملكا، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الباب فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انه أخبرني أن زورا من الملائكة استأذنوا ربهم تبارك وتعالى أن يزوروك) (1) وأخبرني يا رسول الله أن عدتهم ثلاثمائة وستون ملكا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: (أنت أخبرت بالزور ؟) قال: نعم يا رسول الله، قال: (فأخبرت بعدتهم ؟) قال: نعم، قال: (فكم يا علي ؟) قال: ثلاثمائة وستون ملكا، قال: (وكيف علمت ؟) قال: سمعت ثلاثمائة وستين نعمة فقلت: انهم ثلاثمائة وستون، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره ثم قال: (يا علي زادك الله ايمانا وعلما).
الباب التاسع عشر في بعض آيات وقعت لخبيب بن عدي عن عمر بن أسيد بن جارية الثقفي، حليف بني زهرة
وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح الانصاري، جد عاصم بن عمر بن الخطاب لامه، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهمدة، بين عسفان ومكة،، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا إليهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، قالوا: نوى تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا الى قردد، فأحاط بهم القوم فقالوا: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم بن ثابت أمير القوم: أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما في سبعة، ونزل إليهم نفر على العهد والميثاق، فيهم: خبيب الانصاري، وزيد بن الدثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، ان لي بهؤلاء لاسوة، يريد القتلى، فجرروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف: خبيبا، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها(10/246)
للقتل، فأعارته اياها، فدرج بني لها، قالت: وأنا غافلة، حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتحسبين أني أقتله ؟ ما كنت لافعل ذلك، فقالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا (1) من عنب في يده، وأنه لموثق في الحديد، وما بمكة من تمرة، وكانت تقول: انه لرزق رزقه الله خبيبا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: دعوني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع من الموت لزدت، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا: فلست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله.
وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة، واستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش الى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشئ منه يعرف، وكان قتل رجلا عظيما منهم يوم بدر، فبعث الله الى عاصم مثل الظلة من الدبر (4) فحمته من رسلهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا.
الباب العشرون في آيات وقعت لابي بن كعب
وروي عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابي كعب: (ان الله أمرني أن أقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا) قال: الله سماني لك ؟ قال: (نعم) فجعل أبي يبكي.
الباب الحادي والعشرون في بعض آيات وقعت لسلمان الفارسي
وروي عن ابن عباس، قال: حدثني سلمان قال: كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان، من جي، ابن رجل من دهاقينها - وفي حديث ابن ادريس: وكان أبي دهقان أرضه، وكنت أحب الخلق إليه - وفي حديث البكائي: أحب عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسية - وفي حديث علي بن جابر: في المجوسية - فكنت في النار التي توقد فلا تخبو، وكان ابي صاحب ضيعة، وكان له بناء يعالجه - زاد ابن ادريس في حديثه: في داره - فقال لي يوما: يا بني، قد شغلني ما ترى فانطلق الى الضيعة، ولا تحتبس(10/247)
فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم، وقلت - هذا والله خير من ديننا - فأقمت عندهم حتى غابت الشمس، لا أنا أتيت الضيعة، ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي، وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل هذا الدين ؟ قالوا: بالشام.
فرجعت الى والدي، فقال: يا بني، قد بعثت اليك رسلا، فقلت: مررت بقوم يصلون في كنيسة، فأعجبني ما رأيت من أمرهم، وعلمت أن دينهم خير من ديننا.
فقال: يا بني، دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت: كلا والله.
فخافني وقيدني.
فبعثت الى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم اعلامي من يريد الشام، ففعلوا فألقيت الحديد من رجلي، وخرجت معهم، حتى أتيت الشام، فسألتهم عن عالمهم،
فقالوا: الاسقف، فأتيته، فأخبرته، وقلت، أكون معك أخدمك وأصلي معك ؟ قال: أقم.
فمكثت مع رجل سوء في دينه، كان يأمرهم بالصدقة، فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه، حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فتوفي، فأخبرتهم بخبره، فزبروني، فدللتهم على ماله فصلبوه، ولم يغيبوه ورجموه، وأحلوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهد ورغبة في الاخرة وصلاحا، فألقى الله حبه في قلبي، حتى حضرته الوفاة، فقلت: أوصى، فذكر رجلا بالموصل، وكنا على أمر واحد حتى هلك.
فأتيت الموصل، فلقيت الرجل، فأخبرته بخبري، وان فلانا أمرني باتيانك، فقال: أقم، فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أوصي، قال: ما أعرف أحدا على ما نحن عليه الا رجلا بعمورية.
فأتيته بعمورية، فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام وثاب لي شيئا، واتخذت غنيمة وبقيرات، فحضرته الوفاة فقلت: الى من توصي بي ؟ فقال: لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين ابراهيم الحنيفية، مهاجره بأرض ذات نخل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فان استطعت فتخلص إليه.
فتوفي.
فمر بي ركب من العرب، من كلب، فقلت أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني الى بلادكم ؟ فحملوني الى وادي القري، فباعوني من رجل من اليهود، فرأيت النخل، فعلمت أنه البلد الذي وصف لي، فأقمت عند الذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمل في نخله، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عوف، فاني لفي رأس(10/248)
نخلة إذ أقبل ابن عمر لصاحبي، فقال: أي فلان، قاتل الله بني قيلة، مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة، يزعم أنه نبي، فوالذي ما هو الا أن سمعتها، فأخذني
القر ورجفت بي النخلة، حتى كدت أن أسقط، ونزلت سريعا، فقلت: ما هذا الخبر ؟ فلكمني صاحبي لكمة، وقال: وما أنت وذاك ؟ أقبل على شأنك، فأقبلت على عملي حتى أمسيت، فجمعت شيئا فأتيته به، وهو بقباء عند اصحابه، فقلت: اجتمع عندي، أردت أن أتصدق به، فبلغني انك رجل صالح، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة، فرأيتكم أحق به، فوضعته بين يديه، فكف يديه، وقال لاصحابه: كلوا.
فأكلوا، فقلت: هذه واحدة، ورجعت.
وتحول الى المدينة، فجمعت شيئا فأتيته به، فقلت: أحببت كرامتك فأهديت لك هدية، وليست بصدقة، فمد يده فأكل، وأكل اصحابه، فقلت: هاتان اثنتان، ورجعت.
فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد، وحوله اصحابه، فسلمت، وتحولت أنظر الى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم، فقبلته، وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجبه ذلك، وأحب أن يسمعه اصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرق، فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته، على أن أغرس له ثلثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعينوا أخاكم بالنخل)، فأعانوني بالخمس والعشر، حتى اجتمع لي، فقال لي: (فقر لها ولا تضع منها شيئا حتى أضعه بيدي)، ففعلت، فأعانني أصحابي حتى فرغت، فأتيته، فكنت آتيه بالنخلة فيضعها، ويسوي عليها ترابا، فانصرف، والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة، وبقي الذهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من اصحابه بمثل البيضة، من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: (ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب)، فقال: (أد هذه) فقلت: يا رسول الله، واين تقع هذه مما علي ؟ وروى أبو الطفيل، عن سلمان، قال: أعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه.
وقيل: انه لقي بعض الحواريين، وقيل: انه أسلم بمكة، وليس بشئ.
وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ولم يتخلف عن مشهد بعد الخندق، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه، وبين أبي الدرداء.
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر، قال: أخبرنا أبو محمد بن أحمد القاري، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان، أخبرنا أحمد بن عثمان بن أحمد بن السماك، أخبرنا يحيى ابن جعفر، أخبرنا حماد بن مسعدة، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن (...) (1).
* هامش * (1) هنا بياض في الاصول.
(*)(10/249)
الباب الثاني والعشرون بعض آيات وقعت لاهبان بن صيفي
وروى المعلى بن جابر بن مسلم عن أبيه عن عديسة بنت وهبان بن صيفي أن أباها لما حضرته الوفاة أوصى أن يكفن في ثوبين فكفنوه في ثلاثة فأصبحوا فوجدوا الثوب الثالث على السرير وكذلك رواه الطبراني من طريق عبد الله بن عبيد عن عديسة بنت أهبان.
الباب الثالث والعشرون بعض آيات وقعت لعامر بن فهيرة
قال ابن اسحاق حدثني هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والارض فقالوا عامر بن فهيرة.
الباب الرابع والعشرون بعض آيات وقعت للبراء بن مالك
وروي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على عز وجل لابره، منهم البراء بن مالك).
فلما كان يوم تستر، من بلاد فارس، انكشف الناس فقال له المسلمون: يا براء، أقسم على ربك، فقال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وألحقتني بنبيك، فحمل وحمل الناس معه، فقتل مرزبان الزأرة، من عظماء الفرس، وأخذ سلبه، فانهزم الفرس، وقتل البراء.
الباب الخامس والعشرون بعض آيات وقعت لعاصم بن ثابت
روى الحسن بن سفيان في مسنده من طريق رفاعة بن الحجاج عن أبيه عن الحسين ابن السائب قال: لما كانت ليلة العقبة أو ليلة بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن معه: (كيف تقاتلون) فقال عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح فأخذ القوس والنبل وقال: إذا كان القوم قريبا من مائتي ذراع كان الرمي وإذا دنوا حتى تنالهم الرماح كانت المداعسة حتى تقصف فإذا تقصفت وضعناها وأخذنا بالسيوف وكانت المجالدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هكذا نزلت الحرب من قاتل فليقاتل كما يقاتل عاصم) (وفي الصحيحين من طريق عمرو بن أبي سفيان عن أبي هريرة قال:(10/250)
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وأمر عليهم عاصم بن أبي الاقلح الحديث بطوله في قصة خبيب بن عدي وفيه قصة طويلة وفيه أن عاصما قال: لا أنزل في ذمة مشرك وكان قد عاهد الله أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك فأرسلت قريش ليؤتوا بشئ من جسده وكان قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته منهم ولذلك كان يقال حمي الدبر وفي هذه القصة يقول حسان لعمري لقد ساءت هذيل بن مدرك أحاديث كانت في خبيب وعاصم أحاديث لحيان صلوا بقبيحها ولحيان ركابون شر الجرائم
الباب السادس والعشرون في بعض آيات وقعت لابي أمامة
وروى أبو يعلى من طريق أبي غالب عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قوم فانتهيت إليهم وأنا طاو وهم يأكلون الدم فقالوا: هلم قلت: انما جئت انهاكم عن هذا فنمت وأنا مغلوب فأتاني آت باناء فيه شراب فأخذته وشربته فكظني بطني فشبعت ورويت ثم قال لهم رجل منهم: أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تتجفوه فأتوني بلبن فقلت: لا حاجة لي به وأريتهم بطني فاسملوا عن آخرهم.
الباب السابع والعشرون في بعض آيات وقعت لأبي ريحانة
وقال ابراهيم بن الجنيد في كتاب الاولياء حدثنا أحمد بن أبي العباس الواسطي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن عروة الاعمى مولى بني سعد قال: ركب أبو ريحانة البحر وكانت له صحف وكان يخيط فسقطت ابرته في البحر فقال: عزمت عليك يا رب الا رددت علي ابرتي فظهرت حتى أخذها.
الباب الثامن والعشرون في بعض آيات وقعت لحجر بن عدي أو قيس بن مكشوح
وروى ابراهيم بن الجنيد في كتاب الاولياء بسند منقطع أن حجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكل به: أعطني شرابي أتطهر به ولا تعطني غدا شيئا فقال: أخاف أن تموت عطشا فيقتلني معاوية قال: فدعا الله فانسكبت له سحابة بالماء فأخذ منها الذي احتاج إليه(10/251)
فقال له أصحابه: ادع الله أن يخلصنا فقال: اللهم خر لنا قال: فقتل هو وطائفة منهم.
الباب التاسع والعشرون بعض آيات وقعت لعمران بن حصين
وروي عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين أنه قال: اعلم يا مطرف أنه كانت تسلم الملائكة علي عند رأسي وعند البيت وعند باب الحجر فلما اكتويت ذهب ذلك فلما برئ كلمه قال: اعلم يا مطرف أنه عاد الي الذي كنت أفقد، اكتم علي يا مطرف حتى أموت.
الباب الثلاثون بعض آيات وقعت لأم مالك
روي عن أم مالك الانصارية، انها جاءت بعكة سمن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فعصرها ثم دفعها إليها، فرجعت فإذا هي مملوءة سمنا، قالت: فأتيت، فقلت: نزل في شئ يا رسول الله ؟ قال: (وما ذاك يا أم مالك ؟) قالت: رددت علي هديتي، قال: فدعا بلالا فقال: والذي بعثك بالحق، لقد عصرتها حتى استحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هنيئا لك يا أم مالك، هذه بركة قد عجل الله لك ثوابها).
الباب الحادي والثلاثون بعض آيات وقعت لاويس القرني
روي عن عبد الله بن سلمة قال: غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا - يعني أويس - فحملناه، فلم يستمسك فمات فنزلنا فإذا قبر محفور، وماء مسكوب، وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه.
فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبور ولا أثر.
الباب الثاني والثلاثون بعض آيات وقعت للطفيل
روى البيهقي عن طفيل بن سخبرة أخي عائشة لامها، قال: رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود، فقلت: من أنتم ؟ فقالوا: نحن اليهود، فقلت: انكم لانتم القوم،(10/252)
لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، فقالوا: انكم لانتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله، وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى، فقلت: من أنتم ؟ فقالوا: نحن النصارى، فقلت: انكم لانتم القوم لولا أن تقولوا: المسيح ابن الله، فقالوا: انكم لانتم القوم لولا انكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت به ناسا، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بها فقال: (هل أخبرت بهذا أحدا ؟) فقلت: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد، فان طفيلا رأى رؤيا، فأخبر بها من أخبر منكم، انكم تقولون كلمة، وكان يمنعني الحياء منكم عنها فلا تقولوا: (ما شاء الله وشاء محمد).(10/253)
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلم في عصمته من الناس
الباب الأول في كفاية الله تعالى رسوله أمر المستهزئين والكلام على قوله تبارك وتعالى والله يعصمك من الناس
قال الله تعالى: (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا يستهزؤون) (الانعام 10) وقال عز وجل: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا، وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبأ المرسلين) (الانعام 34) وقال تبارك وتعالى: (انا كفيناك المستهزئين) (الحجر 95).
وروى أبو نعيم والبيهقي وصححه الضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: المستهزؤون هم الوليد بن المغيرة والاسود بن عبد يغوث والاسود بن المطلب، والحارث بن عيطلة السهمي، فلما أكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أتاه جبريل فشكى إليه فأراه الوليد، فأومأ جبريل الى أكحله، قال: (ما صنعت ؟) قال: كفيته ثم أراه الاسود بن المطلب فأومأ الى عيينة، فقال: (ما صنعت ؟) قال: كفيته، ثم أراه الاسود بن عبد يغوث، فأومأ الى رأسه، فقال: (ما صنعت ؟) قال: كفيته، فأما الوليد فمر به رجل من خزاعة، وهو يريش نبلا له، فأصاب أكحله، فقطعها، وأما الاسود بن المطلب فنزل تحت سمرة، فجعل يقول: يا بني ألا تدفعون عني فجعلوا يقولون: ما نرى شيئا، وهو يقول: قد هلكت ها هو ذا أطعن بالشوك في عيني فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه، وأما الاسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث فأخذه الماء الاصفر في بطنه حتى خرج من فيه فمات منها، أما العاص فركب الى الطائف على حمار فربض على شبرقة فدخل في أخمص قدمه شوكة فقتلته.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الابجل: بالباء الموحدة والجيم: عرق في باطن الذراع وهو من الفرس والبعير بمنزلة الابجل من الانسان وقيل هو عرق غليظ في الرجل ما بين العصب والعظم.
الحزؤ: العذرة وجمعه حزوء.
الشبرقة: حجازي وهو شوك فإذا يبس سمي الضريع.
وروى أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان رجل(10/254)
يجلس الى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بشئ اختلج بوجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كن كذلك) فلم يزل يختلج حتى مات.
وروى البزار والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على ناس بمكة فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي، ومعه جبريل، فغمز جبريل، فوقع مثل الظفر في أجسادهم فصارت قروحا حتى نتنوا فلم يستطع أحد أن يدنو منهم فأنزل الله تعالى: (انا كفيناك المستهزئين) (الحجر 95) وروى الطبري عن مالك بن دينار قال: حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي الحكم فجعل يغمز بالنبي صلى الله عليه وسلم (فنزلت).
الباب الثاني في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل
روى الامام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لاطأن على رقبته، أو لاعفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما فجئهم منه الا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له: مالك ؟ فقال: ان بيني وبينه خندقا من نار، وهولا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا
عضوا)، فأنزل الله تعالى: (كلا ان الانسان ليطغى) الى آخر السورة، ورواه البخاري من حديث ابن عباس مختصرا.
وروى البزار والطبراني والحاكم وصححه عن العباس قال: كنت يوما جالسا في المسجد، فأقبل أبو جهل، فقال: ان لله علي ان رأيت محمدا ساجدا ان أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه، فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبانا حتى أتى المسجد فعجل قبل أن يدخل من الباب، فاقتحم الحائط فقلت: هذا يوم شر فاتزرت واتبعته.
وروى ابن اسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو جهل: يا معشر قريش، ان محمدا قد أبى الا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، واني لاعاهد الله لاجلسن له غدا بحجر فإذا سجد في صلاته فضحت به رأسه، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه ثم رجع، منتقعا(10/255)
لونه، قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، فأتى قريشا، فقالوا له: مالك ؟ قال: لما قمت إليه عرض لي فحل من الابل، فوالله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك جبريل، لو دنا مني لاخذه) وروى الامام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فقال: ألم أنهك أن تصلي يا محمد، لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل: فليدع ناديه سندع الزبانية، فوالله لو دعا ناديه لاخذته زبانية العذاب.
الباب الثالث في عصمته صلى الله عليه وسلم من العوراء بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب
روى أبو يعلى وابن حبان والحاكم، وصححه ابن مردويه، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر، وابن أبي شيبة والدارقطني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن مردويه عن أبي بكر رضي الله عنهم قالوا: لما نزلت: (تبت يدا أبي لهب وتب) أقبلت العوراء أم جميل، ولها ولولة، وفي يديها فهر، وهي تقول: (مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه الى جنبه فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه، وأنا أخاف أن تراك، فقال: (انها لن تراني)، وقرأ قرآنا فاعتصم به، كما قال تعالى: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا) (الاسراء 45) فجاءت حتى أقامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أبن الذي هجاني وهجا زوجي، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت، وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها وفي لفظ: يا أبا بكر، ما شأن صاحبك ينشد في الشعر، بلغني أن صاحبك هجاني.
فقال أبو بكر: والله ما صاحبي بشاعر ولا هجاك، فقالت: أليس قد قال: (في جيدها حبل من مسد)، فما يدريه ما في جيدي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قل لها: هل ترين عندي أحدا، فانها لن تراني، جعل الله بيني وبينها حجابا)، فسألها أبو بكر، فقالت: أتهزأ بي والله، ما أرى عندك أحد، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، انها لم ترك، فقال: (حال بيني وبينها جبريل، يسترني بجناحيه حتى ذهبت).
تنبيه في بيان غريب ما سبق: الفهر: (...).
الجيد: (...).(10/256)
الباب الرابع في عصمته صلى الله عليه وسلم من المخزوميين
روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ناسا من بني مخزوم تواصوا
بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، منهم أبو جهل والوليد بن المغيرة ونفر من بني مخزوم، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي فلما سمعوا قراءته فأرسلوا إليه الوليد ليقتله، فانطلق حتى انتهى الى المكان الذي يصلي فيه، فجعل يسمع قراءته ولا يراه، فرجع إليهم فأعلمهم بذلك، فأتاه من بعده أبو جهل والوليد ونفر منهم، فلما انتهوا الى الصوت، فإذا الصوت من خلفهم، فينتهون إليه فيسمعونه أيضا من خلفهم، ثم انصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلا، وروى ابن جرير نحوه عن عكرمة ما يؤكد هذا.
الباب الخامس في عصمته صلى الله عليه وسلم من دعثور بن الحارث الغطفاني
روى الواقدي عن محمد بن زياد بن أبي هنيدة والضحاك بن عثمان وعبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهم قالوا: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن محارب بذي أمر، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، معهم رجل يقال له: دعثور بن الحارث، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلا ومعهم أفراس فهزمت منه الاعراب فوق ذروة من الجبال، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا أمر فعسكر به، وأصابهم مطر كثير، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه، وقد جعل وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها والاعراب ينظرون، فقالت لدعثور وكان سيدها وأشجعها: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه، حيث ان غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله، فاختار سيفا من سيوفهم صارما، ثم أقبل حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم ؟ قال: (الله عز وجل)، ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام على رأسه، فقال: (من يمنعك مني ؟) قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله، لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه سيفه ثم أدبر، ثم أقبل بوجهه فقال: والله، لانت خير مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أحق بذلك منك)، فأتي قومه فقالوا: أين ما كنت تقول، والسيف في يدك، قال: قد كان والله ذلك، ولكن نظرت الى رجل أبيض طويل فدفع في صدري، فوقعت لظهري، وعرفت أنه ملك،(10/257)
وشهدت ان محمدا رسول الله، وجعل يدعو قومه الى الاسلام، ونزلت هذه الاية: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ان يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) الاية (المائدة 11)، وأخرجه البيهقي وقال: روي في غزوة ذات الرقاع قصة أخرى، مثل هذه، فان كان الواقدي قد حفظ ما ذكر في هذه الغزوة فكانت قصتان.
الباب السادس في عصمته صلى الله عليه وسلم من النضر بن الحارث
روى أبو نعيم عن عروة رضي الله عنه أن النضر بن الحارث كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعرض له، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يريد حاجته في نصف النهار في حر شديد، فبلغ أسفل من ثنية الحجون، فرآه النضر بن الحارث، فقال: لا أجده أبدا أخلى منه الساعة، فأغتاله، فدنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف راجعا مرعوبا الى منزله فلقي أبا جهل، فقال: من أين ؟ قال النضر: اتبعت محمدا رجاء أن أغتاله وهو وحده، فإذا أسود تضرب بأنيابها على رأسي فاتحة أفواهها فذعرت منها ووليت راجعا.
قال أبو جهل: هذا بعض سحره.
الباب السابع في عصمته صلى الله عليه وسلم من الحارث
روى الشيخان وابن اسحاق وابو نعيم والحاكم والبيهقي من طرق عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة، تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان: لاقتلن لكم
محمدا، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة، فعلق سيفه، فنمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال: (ان هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده - صلتا - فقال لي: من يمنعك مني ؟ قلت: الله)، زاد الحاكم وفي رواية: فسقط السيف من يده، زاد أبو نعيم: وأخذه راجفا.
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف وقال: (من يمنعك مني ؟ قال: كن خيرا آخذ)، فخلى سبيله فأتى أصحابه، فقال: جئتكم من عند خير الناس.
تنبيهات
الأول: غورث هذا وزن جعفر، وقيل: بضم أوله وهو بغين معجمة وراء، ومثلثة مأخوذة من الغرث، وهو الجوع، ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة، وحكى الخطابي فيه(10/258)
غويرث بالتصغير، وحكى القاضي: أن بعض المغاربة قال في البخاري بالعين المهملة، وصوابه بالمعجمة.
الثاني: ذكره الحافظ الذهبي في التجريد من جملة الصحابة وعبارته غورث بن الحارث الذي قال: من يمنعك مني ؟ قال: الله، قال: ما يمنعك مني ؟ قال الله، قالها ثلاثا، فوقع السيف من يده وأسلم، رواه البخاري من حديث جابر.
انتهى.
ونازعه الحافظ بأنه ليس في البخاري تعرض لاسلامه، ثم أورد الطرق التي رواها البخاري في صحيحه ثم قال: ورويناه أي حديث جابر...في قصة غورث في المسند الكبير، لمسدد، وفيه ما يصرح بعدم اسلامه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للاعرابي بعد أن سقط السيف من يده: (من يمنعك مني ؟ قال: كن خير آخذ، قال: (أو تسلم ؟) قال: لا، ولكن أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فجاء الى اصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس، وكذا رواه أحمد وذكره الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، فذكر نحوه عن جابر فيما يتعلق بعدم اسلامه، ثم قال: هذه الطرق ليس فيها أنه أسلم، وكأن الذهبي لما رأى ما في ترجمة دعثور بن
الحارث أن الواقدي ذكر له شبها بهذه القصة وأنه ذكر انه أسلم فجمع بين الروايتين فأثبت اسلام غورث فان كان كذلك ففيما صنعه نظر من حيث انه عزاه للبخاري، وليس فيه أنه أسلم ومن حيث انه يلزم منه الجزم بكون القصتين واحدة مع احتمال كونهما واقعتين ان كان الواقدي أتقن ما نقل وفي الجملة هو على الاحتمال وقد يتمسك من يثبت اسلامه بقوله: جئتكم من عند خير الناس.
الباب الثامن في عصمته صلى الله عليه وسلم من سراقة بن مالك قبل اسلامه
روى الشيخان عن أبي بكر رضي الله عنه قال: طلبنا القوم فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك على فرس له، فقلت: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا قال: (لا تحزن، ان الله معنا)، فلما كان بيننا وبينه قيد رمح أو ثلاثة دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم، اكفناه بما شئت)، فساخت قوائم فرسه في الارض الى بطنها، قال: يا محمد، قد علمت ان هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لاعمين كل من ورائي من الطلب، فدعا له فانطلق راجعا وقد تقدمت القصة مبسوطة في الهجرة.(10/259)
الباب التاسع في عصمته صلى الله عليه وسلم من اليهود حين أرادوا الفتك به
روى ابن جرير عن عكرمة وبرير بن أبي زياد وعبد الحميد عن مجاهد وابن اسحاق عن عاصم بن عمر، وابن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، وابو نعيم والبيهقي عن الزهري وعروة بن الزبير قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين فقالوا: اجلس يا أبا القاسم، حتى تطعم وترجع بحاجتك، فجلس ومن معه في ظل جدار ينتظرون أن يصلحوا أمرهم فلما خلوا والشيطان معهم ائتمروا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن تجدوه من الان، فقال رجل منهم: ان شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه حجرا فقتلته، فجاؤوا الى رحى عظيمة ليطرحوها عليه فأمسك الله عنها أيديهم، وأخبره بما ائتمروا به من شأنه، فقام ورجع أصحابه، ونزل القرآن: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم) (المائدة 11) الاية.
الباب العاشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من زيد بن قيس وعامر بن الطفيل
روى الطبراني وابن المنذر وابو نعيم عن ابن عباس وابن جرير وابو الشيخ عن ابن زيد والبيهقي عن ابن اسحاق أن عامر بن الطفيل قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يغدر به، فقال لاربد: انا قدمنا على الرجل، فاني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك، فاعله بالسيف، قال: أفعل.
فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أريدك يا محمد قم معي أكلمك، فقام معه فخليا الي جدارا ووقف عامر يكلمه، فقال: يا محمد خالني قال: (لا، حتى تؤمن بالله وحده)، فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما والله، لاملأنها عليك خيلا حمرا ورجالا.
فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم، اكفني عامر بن الطفيل).
فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لاربد: ويحك يا اربد، أين ما كنت أمرتك به ؟ قال: ما كان على ظهر الارض رجل أخوف عندي على نفسي منك، وأيم الله، لا أخاف بعد اليوم أبدا، قال: لا أبا لك، لا تعجل علي، فوالله، ما هممت بالذي أمرتني به مرة الا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف ؟.(10/260)
الباب الحادي عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم ممن أراد الفتك به
روى ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه، ثم قال: من يمنعك مني ؟ قال: (الله)، فرعدت يد الاعرابي، وسقط السيف منه، وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه، فانزل الله تعالى: (والله يعصمك من الناس) (المائدة 67).
وروى ابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد، من يمنعك مني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله يمنعني منك، ضع السيف) فوضعه، فنزلت: (والله يعصمك من الناس) (المائدة 67)، وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: جعل للرجل أواق على أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على ذلك فأمر به فصلب، وكان أول من صلب معه في الاسلام، وروى ابن أبي شيبة عنه قال: أول رجل صلب في الاسلام رجل من بني ليث جعلت له قريش أواقي على أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل فأخبره، فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فصلب، وروى ابن جرير رضي الله عنه أن رهطا من قريش جلسوا في الحجر بعد بدر، فقالوا: قبح الله العيش بعد موت آبائنا ببدر، ليتنا أصبنا رجلا يقتل محمدا، وجعلنا له جعلا فقال رجل: أنا والله جرئ الصدر، جواد الشد جيد الحديد، أقتله، فجعل له أربعة رهط، كل رهط منهم أوقية من ذهب، فخرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل من قومه مسلم، فقال له: ما جاء بك ؟ قال: أسلمت، فجئت، قال: فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما في نفسه، فبعث الى الرجل الذي نزل عليه، ينظر ضيفه فيشده وثاقا، ثم ابعث به الي قال: فجعل الرجل ينادي حين خرجوا به هكذا تفعلون بمن يتبعكم، هكذا تفعلون بمن اختار دينكم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اصدقني) حتى ظن الناس أنه لو صدقه خلى عنه، قال: ما جئت الا لاسلم، قال: (كذبت)، ثم قص الرسول صلى الله عليه وسلم قصته في قصة القوم، فقال ما كان ذلك، فأمر به فصلب على ذباب، فانه لاول مصلوب.
الباب الثاني عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من شيبة بن عثمان قبل اسلامه
روى البيهقي عن أبو نعيم عن عكرمة قال: قال عثمان بن شيبة لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فذكرت أبي وعمي، وقتل علي وحمزة اياهما فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد، فجئته(10/261)
من خلفه فدنوت منه حتى لم يبق الا أن أسوره بالسيف إذ دفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه البرق، فنكصت القهقرى، فالتفت الي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا شيبة، ادن مني) فوضع يده على صدري، واستخرج الله الشيطان من قلبي، فرفعت إليه بصري، وهو أحب الي من سمعي وبصري.
الباب الثالث عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم من المنافقين لعنهم الله حين أرادوا الفتك به
روى ابن أبي حاتم وابو الشيخ عن الضحاك والبيهقي، عن عروة عن حذيفة وعن ابن اسحاق رضي الله عنه في قوله تعالى: (وهموا بما لم ينالوا) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع قافلا من تبوك الى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من أصحابه فتآمروا عليه أن يطرحوه في عقبة في الطريق وفي لفظ: أن يقتلوه، فلما هموا وبلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم، فقال: (من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فانه أوسع لكم)، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، وأخذ الناس ببطن الوادي الا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر فمشيا معه مشيا وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة وأمر حذيفة أن يسوقها، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم، قد غشوهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم وأبصر حذيفة غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم، فضربها بالمجن وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعر انما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أدركه قال: (اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار)، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا حذيفة، هل عرفت من هؤلاء الرهط، أو الركب أو أحدا منهم ؟) قال: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل علمتم شأنهم وما أرادوا ؟) قالوا: لا، والله يا رسول الله، قال: (فانهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، وان الله تعالى قد أخبرني بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وابو حاضر الاعرابي، وابو عامر، والجلاس بن سويد بن الصامت، ومجمع بن جارية وفليح التيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أبيرق وعبد الله بن عيينة، ومرة بن الربيع)، قيل: يا رسول الله، أفلا تأمر بهم فتضرب(10/262)
أعناقهم، قال: أكره أن يتحدث الناس، ويقولوا: ان محمدا وضع يده في أصحابه)، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم، فقال: (أردتم كذا وكذا) فحلفوا بالله ما قالوا، ولا أرادوا الذي سألهم عنه فذلك قوله تعالى: (يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر، وكفروا بعد اسلامهم، وهموا بما لم ينالوا) (التوبة 74) فهم اثنا عشر رجلا، حاربوا الله ورسوله، وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار.
الباب الرابع عشر في عصمته صلى الله عليه وسلم ممن قصد أذاه من الشياطين
روى الامام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه، وأردت أن أربطه الى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم أجمعون، فذكرت دعوة أخي سليمان (رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) فرده خاسئا).
قصة أخرى: روى الامام أحمد عن أبي التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنيش كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين ؟ قال: تحدرت عليه الشياطين تلك الليلة من الجبال والاودية يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم شيطان بيده شعلة من نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء جبريل فقال: يا محمد قل: فقال: (ما أقول) قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق الا طارقا يطرق بخير يا رحمان، قال: فانطفأت نارهم وهزمهم الله، وروي عن أنس رضي الله عنه قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ابليس يكيده فانقض عليه جبريل، فدفعه بمنكبه، فألقاه بوادي الاردن، وروى أبو الشيخ والطبراني وابو نعيم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ساجدا بمكة، فجاء ابليس فأراد أن يطأ عنقه فنفخه جبريل نفخة فما استقرت قدماه حتى بلغ الاردن.
الباب الخامس عشر في دفع أذى الهوام عنه صلى الله عليه وسلم
روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بخفيه يلبسهما فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الاخرى فرمى بها، فخرجت منه حية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما).(10/263)
جماع أبواب موازاة الانبياء عليهم الصلاة والسلام في فضائلهم بفضل نبينا صلى الله عليه وسلم.
الباب الأول في فوائد تتعلق بالكلام على ذلك
قال العلماء: ما أتى نبي من المعجزات ولا فضيلة الا ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي نظيرها وأعظم منها، قال الامام الشافعي رضي الله عنه فيما رواه البيهقي في مناقبه وابن أبي حاتم رضي الله عنهما: ما أعطى الله ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم.
ولفظ البيهقي رضي الله عنه: ما أعطى الله نبيا قط شيئا الا وقد أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم أكثر فقال له عمرو وسوار: قد أعطى الله عيسى عليه الصلاة والسلام احياء الموتى، قال: أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يقف على جنبه، وهي له كالمنبر، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع الناس صوته، فهذا أكثر من ذلك، وقال الحافظ جمال الدين المزني رضي الله عنه: وأول من تكلم في هذا الباب أبو عبد الله محمد ابن ادريس الشافعي رضي الله عنه وعقد أبو عبيد في كتابه (الدلائل) فصلا في ذلك، وكذا أبو محمد وأبو عبد الله بن حامد الفقيه، وكذلك شيخ الاسلام كمال الدين بن الزملكاني في آخر مولده وكذلك شيخنا رحمهم الله تعالى وكذلك الصرصري الشاعر، يورد في بعض قصائده شيئا من ذلك، وأنا أذكر في هذا الباب حاصل ما ذكروه ان شاء الله تعالى.
الباب الثاني في موازاته ما أوتيه آدم صلى الله عليه وسلم
في ذلك ان الله تعالى خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شئ، وكلمه كما في حديث أبي داود والطبراني، وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم شرح صدره تعالى بنفسه، وخلق فيه الايمان والحكمة، وهو الخلق النبوي فتولى من آدم الخلق الوجودي ومن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلق السوي مع أن المقصود كما مر بخلق آدم خلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المقصود وآدم الوسيلة والمقصود سابق على الوسيلة، وأما سجود الملائكة لادم فقال الامام فخر الدين ان الملائكة أمروا بالسجود لادم لاجل أن نور محمد صلى الله عليه وسلم كان في وجهه ولله در القائل: تجليت الله في وجه آدم فصلى له الاملاك حين توصلا وقال الامام سهل بن محمد هذا التشريف الذي شرف الله به محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)(10/264)
(الاحزاب 56) أتم وأجمع من تشريف آدم عليه الصلاة والسلام بأمر الملائكة له بالسجود، لانه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف، فتشريف يصدر عنه وعن الملائكة والمؤمنين أبلغ من تشريف مختص به وبالملائكة، وهذا وقع وانقطع، وشرفه صلى الله عليه وسلم مستمر أبدا، رواه الواحدي في أسباب النزول عنه بسند صحيح، وأما تعليم الاسماء، فروى الديلمي في سند الفردوس عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلت لي أمتي في الماء والطين، وعلمت الاسماء كلها كما علم آدم الاسماء كلها)، قلت: وله شاهد عند الطبراني من حديث أبي حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عرضت علي أمتي البارحة أدنى هذه الشجرة أولها الى آخرها) فقال رجل يا رسول الله، عرض عليك من خلق، فكيف من لم يخلق ؟ فقال: (صوروا الي في الطين حتى اني لاعرف بالانسان منهم من أحدكم بصاحبه).
الباب الثالث في موازاته ما أوتيه وأوتي ادريس صلى الله عليه وسلم
رفعه الله مكانا عليا وقد رفع الله نبينا صلى الله عليه وسلم الى قاب قوسين، وقد تقدم في أبواب المعراج ما يغني عن اعادته.
الباب الرابع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه نوح عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: آيته التي أوتي اجابة دعوته واغراق قومه بالطوفان وكم لنبينا صلى الله عليه وسلم من دعوة مستجابة، وزاد نبينا على نوح بأنه في مدة عشرين سنة آمن به ألوف كثيرة، ودخل الناس في دينه أفواجا، ونوح أقام في قومه ألف سنة الا خمسين عاما، فلم يؤمن به الا دون المائة نفس، وقال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه رضي الله عنه فكان ذلك فضيلة أوتيها إذا أجيبت وشفي صدره باهلاك قومه، وأوتي النبي صلى الله عليه وسلم مثله، حين ناله من قريش ما ناله من التكذيب والاستخفاف، فأنزل الله ملك الجبال وأمره بطاعته فيما يأمره من اهلاك قومه فاختار الصبر على أذيتهم، والابتهال في الدعاء لهم وقد تقدم ذلك في عرض نفسه الكريمة على القبائل.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: ومما أوتيه نوح تسخير الحيوانات له في السفينة، وقد سخرت أنواع الحيوانات لنبينا صلى الله عليه وسلم نفي الحمى من المدينة الى الجحفة، وأوتي نوح النجاة في السفينة، ولا شك أن حمل الماء للناس من غير سفينة أعظم من سلوك عليه في السفينة، وقد مشى كثير من الاولياء على متن الماء.(10/265)
الباب الخامس في موازاته صلى الله عليه وسلم وما أوتيه هود عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: أوتي النصر بالريح، وقد نصر بها نبينا صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر والخندق.
الباب السادس في موازاته صلى الله عليه وسلم وما أوتيه صالح عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: أوتي الناقة ونظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم كلام الجمل، وطاعته له كما تقدم.
الباب السابع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام
أوتي النجاة من النار، وقد خمدت نار فارس لنبينا صلى الله عليه وسلم.
روى أبو نعيم عن عباد بن عبد الصمد قال: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: يا جارية: هلمي المائدة نتغدى، فأتت بها ثم قال: هلمي المنديل فأتت بمنديل وسخ، فقال: اسجري التنور فأوقدته فأمر بالمنديل فطرح فيه فخرج أبيض كأنه اللبن، فقلنا: ما هذا ؟ قال: هذا منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح به وجهه فإذا اتسخ صنعنا به هكذا، لان النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الانبياء، وألقى غير واحد من أمته في النار، فلم تؤثر فيه، منهم: ذؤيب بن كليب بن ربيعة الخولاني، وروى ابن وهب عن ابن لهيعة ان الاسود العنسي لما ادعى النبوة، وغلب على صنعاء أخذ ذؤيب بن كليب فألقاه في النار لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم فلم تضره النار، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في امتنا مثل ابراهيم الخليل.
وروى ابن عساكر من طريق اسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الاسود تنبأ فبعث الى أبي مسلم الخولاني، فأتاه فقال: أتشهد أني رسول الله ؟ قال: ما أسمع، قال: تشهد محمدا رسول الله ؟ قال: نعم، فأتى بنار عظيمة، ثم ألقى أبا مسلم فيها فلم تضره، فقيل للاسود: ان لم تنف هذا عنك فسد عليك من اتبعك، فأمره بالرحيل، فقدم المدينة وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فقال أبو بكر: الحمد لله الذي ألبثني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صنع بابراهيم خليل الرحمن، ومنهم عمار بن ياسر، قال ابن سعد: حدثنا يحيى بن حماد أنبأنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: أحرق(10/266)
المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ويمر يده على رأسه فيقول: (يا نار كوني بردا وسلاما على عمار، كما كنت على ابراهيم، تقتلك الفئة الباغية).
وأوتي الخلة، فقد أخرج ابن ماجه وابو نعيم رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا، فمنزلي ومنزل ابراهيم في الجنة تجاهين والعباس بيننا، مؤمن بين خليلين)، وروى أبو نعيم عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل وفاته بخمس: (ان الله اتخذ صاحبكم خليلا).
وروى الطيالسي، وابن أبي شيبة، وابن منيع برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم خليلا، وان صاحبكم خليل، وان محمدا صلى الله عليه وسلم أكرم الخلائق على الله، ثم قرأ: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (الاسراء 79) زاد ابن منيع وان محمدا سيد ولد آدم وسيد الناس يوم القيامة، قال أبو نعيم: وقد حجب ابراهيم عن نمرود بحجب ثلاث، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم حجب عن من أراد قتله، وقد تقدم ذلك في الباب، وقد ناظر ابراهيم نمرودا فبهته بالبرهان والحجة كما قال تعالى: (فبهت الذي كفر) (البقرة 258) وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أتى أبي بن خلف يكذب بالبعث بعظم بال ففركه، قال: من يحيى العظام وهي رميم، فأنزل الله تعالى: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) (يس 79) وهذا البرهان القاطع، وقد كسر ابراهيم أصنام قومه غضباً لله، ونبينا صلى الله عليه وسلم أشار الى أصنام قومه وهي ثلاثمائة وستون صنما فتساقطت، كما تقدم في فتح مكة، قال الشيخ رضي الله عنه: ومما أتيه ابراهيم كلام الاكبش، روى ابن أبي حاتم عن علباء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد ابراهيم واسماعيل يبنيان البيت فقال: مالكما ولارضي ؟ فقالا: نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة قال: فهاتا البينة على ما تدعيان، فقام خمسة أكبش فقلن: نحن نشهد أن ابراهيم واسماعيل عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة فقال: قد رضيت وسلمت.
وقد تكلم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عدة من الحيوانات.
ومن معجزاته ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: انطلق ابراهيم عليه الصلاة والسلام يمتار فلم يقدر على الطعام، فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع الى أهله، فقالوا: ماهذا ؟ قال: حنطة حمراء فوجدوها حنطة حمراء، فكان إذا زرع منها شئ خرج سنبلها من أصلها الى فرعها حبا متراكما، وقد تقدم في النوع الأول من الباب نظير ذرك لنبينا صلى الله عليه وسلم في السقاء الذي زوده لاصحابه وملأه ماء، ففتحوه فإذا لبن وزبد، وقال ابراهيم: (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) (الشعراء 82) قال الله تعالى: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (الفتح 2) وقال ابراهيم: (ولا تخزني يوم يبعثون) (الشعراء 87) وقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا(10/267)
معه) (التحريم 8) وقال ابراهيم حين ألقي في النار: (حسبي الله ونعم الوكيل) (الانفال 64) وقال الله لمحمد: (يا أيها النبي حسبك الله) (الانفال 64) وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (ووجدك ضالا فهدى) (الضحى 7) وقال ابراهيم: (واجعل لي لسان صدق في الاخرين) (الشعراء 84) وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (ورفعنا لك ذكرك) (الشرح 4) وقال ابراهيم (واجنبني وبني أن نعبد الاصنام) (ابراهيم 35)، وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرت (1) (الاحزاب 33)، وقال ابراهيم: (واجعلني من ورثة جنة النعيم) (الشعراء 85)، وقال الله لمحمد: (انا أعطيناك الكوثر) (الكوثر 1).
الباب الثامن في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه اسماعيل عليه الصلاة والسلام
أوتي النصر على الذبح، وقد تقدم في صفاته شق الصدر وان ذلك نظيره، بل بلغ منه لان وقع حقيقة، والذبح لم يقع، وأوتي الفداء من الذبح وكذلك عبد الله أبو نبينا صلى الله عليه وسلم، وأوتي ماء زمزم، وكذلك عبد المطلب جد النبيى صلى الله عليه وسلم، وأوتي العربية، فروى الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألهم اسماعيل هذا اللسان العربي الهاما) وروى أبو نعيم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا ؟ قال: (كانت لغة اسماعيل درست، فجاء بها جبريل فحفظنيها).
الباب التاسع في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يعقوب
انه ابتلي بفراق ولده وصبر حتى كاد يكون مرضا من الحزن، ونبينا صلى الله عليه وسلم فجع بولده ولم يكن له من البنين غيره، فرضي واستسلم، ففاق صبره صبر يعقوب عليهما الصلاة والسلام.
* هامش * (1) سقط في ب) * (.
X(10/268)
الباب العاشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يوسف عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: أعطى يوسف من الحسن ما فاق به الانبياء والمرسلين بل والخلق أجمعين، ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي من الجمال ما لم يؤته أحد، ولم يؤت يوسف الا شطر الحسن، وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم الحسن جميعه، كما تقدم في أبواب صفاته، قال أبو نعيم: ويوسف ابتلى بفراقه عن أبويه وعن بيته، وعن وطنه، ونبينا صلى الله عليه وسلم فارق الاهل والعشيرة والاحبة والوطن مهاجرا الى الله تعالى.
قلت: وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك كما تقدم بيانه.
الباب الحادي عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه موسى عليه الصلاة والسلام
أوتي نبع الماء من الحجر، وقد وقع ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم وزاد بنبعه من بين الاصابع الشريفة، قال أبو نعيم وهو أعجب، فان نبعه من الحجر متعارف معهود، وأما بين اللحم والدم فلم يعهد، وأوتي تظليل الغمام، وتقدم ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، وأوتي العصا، قال أبو نعيم: ونظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم، حنين الجذع ونظيرها في قلبها ثعبانا في قصة الفحل الذي رآه أبو جهل، قال الشيخ رحمه الله تعالى: قال الشيخ رحمه الله تعالى: وأوتي اليد ونظيرها النور الذي جعله آية للطفيل، فصار في وجهه، ثم خاف ان يكون مثله، فتحول الى سوطه كما تقدم، وأوتي انفلاق البحر، وقد تقدم نظيره في الاسراء أن البحر الذي بين السماء والارض انفلق له وجاوزه، وأوتي المن والسلوى، ودعا موسى على قومه بالطوفان والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، قال أبو نعيم: ونظيره دعاؤه صلى الله عليه وسلم على قومه بالسنين، وقال موسى: (وعجلت اليك رب لترضى) (طه 84)، وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) (الضحى 5) (فلنولينك قبلة ترضاها) (البقرة 144) وقال الله تعالى لموسى: (وألقيت عليك محبة منى) (طه 39) وقال في حق محمد صلى الله عليه وسلم: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (آل عمران 31)، وأوتي آية من كنز العرش كما رواه هشام بن عمار عن عمرو بن حسان، وأوتي النبي صلى الله عليه وسلم عدة آيات كما ستأتي مبينة في الخصائص، وقال ابن عقيل وأعظم من ذلك قوله لموسى: (واصطنعتك لنفسي) (طه 41) وقوله لنبينا صلى الله عليه وسلم: (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله)
(الفتح 10).(10/269)
الباب الثاني عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه يوشع
، أوتي حبس الشمس حين قاتل الجبارين وقد حبست الشمس لنبينا صلى الله عليه وسلم وردت عليه صلى الله عليه وسلم بعد غروبها في غزوة خيبر.
الباب الثالث عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه داود
قال أبو نعيم: أوتي تسبيح الجبال، ونظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصا والطعام كما تقدم، وأوتي تسخير الطير، وتقدم تسخير سائر الحيوانات لنبينا صلى الله عليه وسلم وأوتي الانة الحديد وقد لينت الحجارة لنبينا صلى الله عليه وسم وصم الصخور حين استتر من المشركين يوم أحد، مال برأسه الى الجبل ليخفي شخصه عنهم، فلين الله تعالى له الجبل حتى أدخل رأسه، وذلك ظاهر باق يراه الناس، وكذلك في بعض شعاب مكة حجر أصم استروح إليه صلى الله عليه وسلم في صلاته فلان له الحجر، حتى أثر فيه بذراعيه وساعديه وذلك مشهور، وهذا أعجب، لان الحديد يلينه النار ولم تر النار تلين الحجر، وأوتي الحكمة، وفصل الخطاب، وقد كانت الحكمة التي أوتيها نبينا صلى الله عليه وسلم، والشريعة التي شرعت له أكمل من كل حكمة وشرعة كانت قبله من الانبياء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارا) ولا شك أن العرب أفصح الامم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصحهم لفظا، وأجملهم لكل خلق جميل مطلقا، وأوتي سرعة القراءة وحسن الصوت، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم حسن الصوت بتلاوة القرآن، قال جبير بن مطعم: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب بالتين والزيتون فما سمع صوتا أطيب من صوته، وكان يقرأ ترتيلا كما أمره الله تعالى.
الباب الرابع عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه سليمان عليه الصلاة والسلام
قال أبو نعيم: أوتي ملكا عظيما، وقد أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم من ذلك مفاتيح خزائن الارض فأباها، قال: (لو شئت لاجرى الله معي جبال الارض ذهبا، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما)، وأوتي سليمان الريح تسير به غدوها شهر ورواحها شهر، وقد أعطي نبينا صلى الله عليه وسلم ما(10/270)
هو أعظم من ذلك البراق سار به مسيرة خمسين ألف سنة، في أقل من ثلث ليلة، فدخل السموات سماء سماء، ورأى عجائبها، ووقف على الجنة والنار وسخرت له الريح، كما قال تعالى في شأن الاحزاب: (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) (الاحزاب 9) وقال صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور)، وفي الصحيحين: (نصرت بالرعب مسيرة شهر).
ومضى ذلك انه إذا قصد قتال قوم من الكفار ألقى الله الرعب في قلوبهم قبل وصوله إليهم بشهر ولو كانت مسيرة شهر، فهذا في مقابلة غدوها شهرا، ورواحها شهرا، بل هذا أبلغ في التمكين والنصر، وسخرت لسليمان الجن وكانت تعاص عيه حتى يصفدها ويعذبها، ونبينا صلى الله عليه وسلم أتته وفود الجن طائعة مؤمنة، وسخر له الشياطين والمردة منهم، حتى هم أن يربط الشيطان الذي أخذه بسارية المسجد، وأنزل الله تعالى الملائكة المقربين في غير ما موطن كبدر، وأحد، والاحزاب، وحنين، كما تقدم مفصلا، وذلك أعظم وأجل من تسخير الشياطين، قد ثبت في الصحيح أنه إذا دخل شهر رمضان صغرت الشياطين ومردة الجن، وأعطى سليمان النبوة والملك، ونبينا صلى الله عليه وسلم خير عن ذلك فاختار أن يكون نبيا عبدا.
الباب الخامس عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام
وقال أبو نعيم أوتي الحكم صبيا، وكان يبكي من غير ذنب، وكان يواصل الصوم، وأعطي نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من هذا، فان يحيى لم يكن في عصر الاوثان والاصنام والجاهلية، ومع ذلك أوتي الفهم والحكم صبيا بين عبدة الاوثان، وحزب الشيطان، فما رغب لهم صنما قط، ولا شهد لهم عيدا، ولم يسمع منه قط كذب، ولا عرفت له صبوة، وكان يواصل الاسبوع صوما، ويقول: (اني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) وكان يبكي حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، فان قيل: كان يحيى حصورا والحصور الذي لا يأتي النساء.
قيل: ان نبينا صلى الله عليه وسلم بعث رسولا الى الخلق كافة، وأمر بالنكاح لتقتدي به الخلق فيه لما جبلت عليه النفوس من التوقان إليه.
الباب السادس عشر في موازاته صلى الله عليه وسلم ما أوتيه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام
قال الله تعالى: (ورسولاً إلى بني اسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً باذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص(10/271)
وأحيي الموتى باذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) (آل عمران 49) وقد تقدم نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم الذراع المسمومة، وهذا الاحياء أبلغ من احياء الانسان الميت من وجوه: أحدها: انه احياء جزء من الحيوان دون بقيته، وهذا معجز لو كان متصلا بالبدن.
الثاني: أنه احياء وحدة منفصلة عن بقية أجزاء ذلك الحيوان مع موت البقية.
الثالث: انه أعاد عليه الحياة مع الادراك والعقل، ولم يكن هذا الحيوان يعقل في حياته فصار جزؤه حيا يعقل.
الرابع: أنه أقدره الله تعالى على النطق والكلام، ولم يكن الحيوان الذي هو جزؤه مما يتكلم وفي هذا ما هو أبلغ من حياة الطيور التي أحياها الله تعالى لابراهيم عليه الصلاة والسلام وقال ابن كثير: وفي حلول الحياة والادراك والعقل في الحجر الذي كان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام ما هو أبلغ من حياة الحيوان في الجملة، لانه كان محلا للحياة في وقت بخلاف هذا حيث لا حياة له بالكلية قبل ذلك، وكذلك تسليم الاحجار والمدر والشجر، وحنين الجذع،
وجعله أبو نعيم نظير خلق الطين طيرا، وجعل العسيب سيفا، كما تقدم.
وقال تعالى: (إذ قال الحواريون: يا عيسى ابن مريم، هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) (المائدة 112) وقد تقدم نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم انه أتى بطعام من السماء في عدة أحاديث تقدمت.
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة، فخرج الى البرية فقالت امرأته: اللهم، ارزقنا ما نعتجن ونختبز قال: فإذا الجفنة ملأى خميرا، والرحى تطحن، والتنور ملأى خبزا وشواء قال: فجاء زوجها وسمع الرحى، فقامت إليه لتفتح له الباب، فقال: ماذا كنت تطحنين ؟ فأخبرته ؤن رحاها لتدور وتصب دقيقا، فلم يبق في البيت وعاء الا ملئ فرفع الرحى فنكس ما حوله فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما فعلت بالرحى ؟) قال: رفعتها ونفضتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركتموها ما زالت كما هي لكم حياتكم)، وفي رواية: (لو تركتها دارت الى يوم القيامة)، وقال تعالى: (يكلم الناس في المهد) (آل عمران 46)، وقد تقدم نظير ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم بيانه.
روى الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام لم يبق في الارض صنم الا خر لوجهه، وقد تقدم في باب ولادة نبينا صلى الله عليه وسلم نظير ذلك: وأوتي عيسى الرفع الى السماء، قال أبو نعيم: وقد وقع ذلك لجماعة من أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، منهم عامر بن فهرة، وخبيب، والعلاء بن الحضرمي، وقال ابن الزملكاني: ومما أوتيه عيسى: الابراء من الجنون، وقد أبرأ نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك كما تقدم، وأوتي عيسى المشي على الماء، وقد وقع ذلك لغير(10/272)
واحد من هذه الامة، وقال الشيخ الامام العلامة ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك يشبهه في عصره بحسان بن ثابت أبو زكريا يحيى بن يوسف الانصاري الصرصري، وكان ضرير البصر بصير البصيرة في قصيدة من حرف الحاء من ديوانه: محمد المبعوث للناس رحمة وسيدنا أوهى الضلالة مصلح
لئن سبحت صم الجبال مجبية لداود أو لان الحديد المصفح فان صخور الصم لانت بكفه وان الحصى في كفه ليسبح وان كان موسى نبع الماء من العصافمن كفه قد أصبح الماء يطفح ولو كانت الريح الرخاء مطيعة سليمان لا تألو تروح وتسرح فان الصبا كانت لنصر نبينا برعب على شهر به الخصم تكلح وان أوتي الملك العظيم وسخرت له الجن تسعى بأرض تكدح فان مفاتيح الامور بأسرها أتته فرد الزاهد المترجح وان كان ابراهيم أعطي خلة وموسى بتكليم على الطور يمنح فلهو الحبيب والخليل وكليم ويختص بالرؤيا وبالحق أشرح وبالمقعد الاعلى المقرب ناله عطاء لعينيه أقر وأبرح وبالرتبة العليا الوسيلة دونها مراتب أرباب المواهب تطمح ولهو الى الجنات أول داخل له بابها قبل الخلائق يفتح(10/273)
جماع أبواب خصائصه صلى الله عليه وسلم في فوائد تتعلق بكلام عن الخصائص
الباب الأول فيما اختص به عن الانبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام في ذاته في الدنيا
الاولى خص صلى الله عليه وسلم بأنه أول الانبياء خلقا.
روى الحسن بن سفيان وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردويه، وابو نعيم في الدلائل من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (واذ أخذنا من النبيين
ميثاقهم ومنك ومن نوح) (الاحزاب 7) الاية قال: (كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث) فبدئ به قبلهم.
وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث).
الثانية: وتقدم نبوته صلى الله عليه وسلم وكان نبيا وآدم مجندل في طينته، روى أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، متى جعلت نبيا ؟ قال: (وآدم مجندل في الطين).
وروى ابن سعد عن مطرف بن الشخير رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا ؟ قال: (بين الروح والطين من آدم).
وروى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل يا رسول الله، متى أخذ ميثاقك ؟ قال: (وآدم بين الروح الجسد).
الثالثة: وبأنه أول من قال بلى، يوم ألست بربكم.
وروى الحافظ أبو سهل القطان في (جزء من أماليه) عن سهل بن صالح الهمداني قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي (كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم الانبياء، وهو آخر من بعث ؟ قال: ان الله تعالى لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم ؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم أول من قال: (بلى)، ولذلك صار يتقدم الانبياء وهو آخر من بعث).(10/274)
الرابعة: وبخلق آدم عليه الصلاة والسلام وجميع المخلوقات لاجله عليه السلام.
الخامسة: وبكتابة اسمه الشريف على العرش، وكل سماء الجنان، وما فيها، وسائر ما في الملكوت.
السادسة: وبذكر الملائكة له في كل ساعتها.
روى ابن عساكر عن كعب الاحبار رضي الله عنه قال: ان الله تعالى أنزل على آدم عصيا بعدد الانبياء والرسل، ثم أقبل على ابنه شيت، فقال: يا بني، أنت خليفتي من بعدي، فخاها بعمارة التقوى، والعروة الوثقى وكلما ذكرت الله عز وجل فاذكر الى جنبه اسم محمد، فاني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش، وأنا بين الروح والطين، ثم طفت في السموات، فلم أر موضعا في السموات لا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه، وان ربي أسكنني الجنة، فلم أر في الجنة قصرا ولا غرفة الا اسم محمد مكتوبا عليه، ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين، وعلى ورق قصب آجام الجنة، وعلى ورق شجرة طوبى، وعلى ورق سدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب، وبين أعين الملائكة، فأكثر من ذكره، فان الملائكة تذكره في كل ساعتها، وقد بسطت الكلام على هذه المسائل في أوائل الكتاب فراجعه، فان فيه نفائس.
السابعة: وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الاذان في عهد آدم عليه الصلاة والسلام.
روى أبو نعيم وابن عساكر بسند لم أر فيه من أتهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما نزل آدم صلى الله عليه وسلم بالهند استوحش، فنزل جبريل فنادى، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الى آخره.
الثامنة: وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في الملكوت الاعلى وفي عهد آدم
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها: البراق، فأراد أن يركبها فاستصعبت عليه، فقال لها جبريل: اسكني، فوالله، ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد، فركبها حتى انتهى الى الحجاب الذي يلي(10/275)
الرحمن، فبينما هو كذلك إذ خرج ملك من الحجاب، فقال: الله أكبر، الله أكبر، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، لا اله الا أنا، قال الملك: أشهد ان محمدا رسول الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أرسلت محمدا، فقال الملك: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ثم قال الملك: الله أكبر، الله أكبر، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر، ثم قال الملك: لا اله الا الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، لا اله الا أنا، ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه، فأما أهل السموات فيهم آدم ونوح فيومئذ أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم الشرف على أهل السموات والارض.
رواه البزار بسند جيد، وابو الشيخ وابن شاهين، ورواه عن عائشة، ورواه ابن شاهين عن محمد بن الحنفية، ورواه الطبراني وابن شاهين عن ابن عمر وأسانيدها كلها تالفة كما بينت ذلك في بيان اتحاف البيت ببيان ما وضع في معراج البيت، قلت: في سنده زياد بن المنذر أبو الجارود، قال ابن معين: كذاب عدو الله.
وقال الذهبي وابن كثير: هذا من وضعه، وأورده القاضي في الشفاء، والسهيلي في الروض، والنووي في شرح مسلم ساكتين عليه وما في الحديث من ذكر الحجاب فهو في حق المخلوق، لا في حق الخالق، فهم المحجوبون والبارئ جل اسمه تنزه عما يحجبه من الحجب انما يحيط بقدر محسوس، ولكن حجبه عن أنصار خلقه، وبصائرهم وادراكاتهم ما يشاء وكيف يساء لقوله تعالى: (كلا انهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون) (المطففين 15)، فقوله في هذا الحديث: الحجاب وخروج ملك من الحجاب، يجب أن يقال: حجاب حجب به من وراءه من ملائكته عن الاطلاع على ما دونه من سلطانه وعظمته، وحجاب ملكوته وجبروته، ويدل عليه من الحديث قول جبريل عليه السلام من الملك خرج من ورائه، ان هذا
الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه، فدل أن هذا الحجاب لم يختص بالذات، ويدل عليه قول كعب رضي الله عنه في تفسير سدرة المنتهى إليها ينتهي علم الملائكة، وعندها يجدون أمر الله تبارك وتعالى لا يجاوزها علمهم، وأما قوله: (الذي يلي الرحمن)، فيعمل على حذف مضاف، أي يلي عرش الرحمن أو أمرا ما من عظيم آياته أو مبادئ حقائق معارفه، وكما هو أعلم به كما قال تعالى: (واسأل القرية) (يوسف 82) أي أهلها، فقوله: (قيل من وراء الحجاب: صدق عبدي، وأنا أكبر) ظاهره سمع في هذا الموطن كلام الله تعالى ولكن من وراء حجاب أي وهو لا يراه حجب بصره عن رؤيته، فان صح القول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فيحمل في هذا الموطن بعد هذا وقبله رفع الحجاب عن بصره حتى رآه، قلت: وفي هذا المعنى أحاديث بينت محالها في باب بدء الأذان فراجعه.(10/276)
التاسعة والعاشرة، والحادية عشرة والثانية عشرة، والثالثة عشرة: بأخذ الميثاق على النبيين وآدم فمن بعده أن يؤمنوا به وينصروه، والتبشير به في الكتب السابقة، وتقدم ذلك كله في أول الباب.
الرابعة عشرة: في نعت أصحابه في الكتب السابقة.
قال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون) (الانبياء 105).
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الاية قال: أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور، وسابق علمه، قبل أن تكون السموات والارض، أن يورث أمة محمد الارض.
وروى الطيالسي والمدني برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ان الله نظر في قلوب العباد فوجد قلبه صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فاتبعثه برسالته، ثم نظر في
قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب اصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآن المسلمون سيئا فهو عند الله سئ.
قال الله سبحانه وتعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه) (الفتح 29) الاية، وروى ابن اسحاق وابو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يهود خيبر: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صاحب موسى، أخيه المصدق لما جاء به موسى، ألا ان الله تعالى قد قال لكم، يا معشر أهل التوراة، وانكم لتجدون ذلك في كتابكم: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا) الى آخر السورة.
وروى ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما: ذلك مثلهم في التوراة، يعني نعتهم مكتوب في التوراة، ومثلهم في الانجيل قبل أن يخلق الله السموات والارض.
وروى أبو عبيد وابن المنذر وابو نعيم في الحلية عن عمار مولى بني هاشم قال: سألت أبا هريرة رضي الله عنه عن القدر، فقال: اكتف منه بآخر سورة الفتح: (محمد رسول الله والذين معه) الى آخرها يعني ان الله سبحانه وتعالى نعتهم قبل أن يخلقهم.(10/277)
وروى الطبراني في الاوسط والصغير، وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (الفتح 29) قال: (النور يوم القيامة).
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه في الاية قال: أما انه ليس الذي ترون، ولكن سيما الاسلام وسحنته وسمته وخشوعه.
ورواه البيهقي عنه بلفظ: السمت الحسن.
وروى البخاري في تاريخه ومحمد بن نصر عنه قال في الاية: بياض يغشى وجوههم يوم القيامة.
وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد، ومحمد بن نصر عن مجاهد، قال: ليس له أثر في الوجه، ولكن الخشوع والتواضع.
وروى ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: (رحماء بينهم) قال: جعل الله الرحمة في قلوبهم بعضهم لبعض، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، قال: علامتهم الصلاة، ذلك مثلهم في التوراة، قال: هذا المثل في التوراة أو مثلهم في الانجيل، قال: هذا مثل آخر كزرع أخرج شطأه قال: هذا نعت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الانجيل قبل أن يخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وروى ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (سيماهم في وجوههم) (الفتح 29) قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.
(ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه) (الفتح 29) قال: سنبله حين يبلغ نباته عن حباته فآزره يقول: نباته مع التفافه حين يسنبل فهذا مثل ضربه لاهل الكتاب، إذا خرج قوم ينبتون كما ينبت الزرع، فيهم رجال يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ثم يغلظ فيهم الذين كانوا معه، وهو مثل ضربه لمحمد صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث الله النبي وحده، ثم يجتمع إليه ناس قليل بؤمنون به، ثم يكون القليل كثير ويغلظون، ويغيظ الله تعالى بهم الكفار يعجب الزراع من كثرته وحسن نباته.
الخامسة عشرة: في نعت خلفائه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة: روى ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: خرجت الى اليمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت على شيخ من الازد عالم، قد قرأ(10/278)
الكتب، وأتت عليه أربعمائة سنة الا عشر سنين، فقال: أحسبك حرميا ؟ قلت: نعم، وأحسبك قرشيا ؟ قلت: نعم، قال: وأحسبك يتيما ؟ قلت: نعم قال: بقيت لي منك واحدة، قلت: ما هي ؟ قال: تكشف عن بطنك، قلت: ولم ذاك ؟ قال: أجد في العلم الصادق أن نبيا يبعث في الحرم يعاون عليه أمره، فتى وكهلا، فأما الفتى فخواض غمرات، ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك الا أن تريني، فقد تكاملت لي فيك الصفة، الا ما خفي علي.
فقال أبو بكر الصديق: فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء فوق سرتي: أنت هو، ورب الكعبة.
وروى ابن عساكر عن الربيع عن أنس رضي الله عنه قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثل أبي بكر رضي الله عنه كمثل القطر أينما يقع نفع.
وروى ابن عساكر عن أبي بكر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل من أهل الكتاب: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب ؟ قال: خليفة رسول الله وصديقه.
وروى الدينوري في المجالسة وابن عساكر من طريق زيد بن أسلم قال: أخبرنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: خرجت مع ناس من قريش، في تجارة الى الشام في الجا هلية فذكر قصته، قال: فانتهيت الى دير فاستظللت في ظله فخرج الي رجل، فقال: يا عبد الله، ما يجلسك هاهنا ؟ قلت: أضللت عن أصحابي، فجاءني بطعام وشراب، وصعد في النظر وخفضه.
ثم قال: يا هذا، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الارض أعلم مني بالكتاب، واني أجد صفتك التي تخرجنا من هذا الدير، وتغلب على هذه البلدة، قلت: أيها الرجل، قد ذهبت في غير مذهب، قال: ما اسمك ؟ قلت: عمر بن الخطاب، قال: والله أنت صاحبنا، فهو غير شك فاكتب لي على ديري وما فيه، قلت: أيها الرجل، قد صنعت معروفا، فلا تكدره، فقال: اكتب لي كتابا في رق كيس عليك فيه شئ فان تك صاحبنا فهو ما نريد، وان تكن الاخرى، فليس يضرك، قلت: هات، فكتبت له ثم ختمت عليه، فلما قدم عمر الشام
في خلافته، أتاه ذلك الراهب، وصاحب دير القدس بذلك الكتاب، فلما رآه عمر تعجب منه، وأنشأ يحدثنا حديثه، فقال: أوف لي بشرطي، فقال: ليس لعمر ولا لابن عمر منه شئ.
وروى ابن سعد عن ابن مسعود، وعبد الله بن الامام أحمد، في زوائد الزهد، عن أبي عبيدة رضي الله عنهما قالا: ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركض فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكشف ثوبه عن فخذه، فرأى أهل نجران أن بفخذه شامة سوداء فقالوا: هذا الذي نجد في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا، وروى أبو نعيم من طريق شهر بن حوشب عن كعب، قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام: انه مكتوب في هذه الكتب، ان(10/279)
هذه البلاد مفتوحة على يد رجل صالح من المؤمنين، رحيم بهم، شديد على الكافرين، سره مثل علانيته، وقوله لا يخالف فعله، القريب والبعيد سواء في الحق عنده أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار، متراحمون، متواصلون، متبارون، قال عمر رضي الله عنه: أحق ما تقول ؟ قال: أي والله، قال: الحمد لله الذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن عساكر عن عبيد بن آدم، وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية، فقدم خالد بن الوليد الى بيت المقدس قالوا: ما اسمك وما اسم صاحبك ؟ قال: عمر بن الخطاب، قالوا: انعته لنا، فنعته، قالوا: أما أنت فلست تفتحها، ولكن عمر فانا نجد في الكتب كل مدينة تفتح قبل الاخرى، وكل رجل يفتحها نعته، وانا نجد في الكتاب قيسارية، تفتح قبل بيت المقدس، فاذهبوا فافتحوها ثم تعالوا بصاحبكم.
وروى ابن عساكر عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين، هل ترى في منامك شيئا ؟ فانتهره، فقال: أنا أجد رجلا يرى أمر الامة في منامه.
وروى الطبراني وأبو نعيم عن مغيث الاوزاعي رضي الله عنه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب: كيف تجد نعتي في الوراة ؟ قال: خليفة قرن من حديد، أمير شديد لا يخاف في الله لومة لائم، ثم خليفة من بعدك تقتله أمة ظالمون له، ثم يقع البلاء بعده.
وروى ابن عساكر عن الاقرع مؤذن عمر، ان عمر رضي الله عنه دعا الاسقف، فقال: هل تجدوننا في شئ من كتبكم ؟ قالوا: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدونني ؟ قالوا: قرنا من حديد، قال: ما قرن من حديد.
قالوا: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر، قال: والذي من بعدي ؟ قالوا: رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال عمر: يرحم الله ابن عفان، فالذي من بعده، قال: صداء حديد، فقال عمر: وادفراه.
قال: مهلا يا أمير المؤمنين، فانه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء والسيف مسلول.
وروى اسحاق بن راهويه في مسنده بسند حسن عن أفلح مولى أبي أيوب الانصاري رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن سلام قبل أن يأتي أهل مصر يدخل على رؤوس قريش، فيقول لهم: لا تقتلوا هذا الرجل، يعني عثمان فيقولون، والله، ما نريد قتله، فيخرج وهو يقول: والله، ليقتلنه، ثم قال لهم: لا تقتلوه، فوالله، ليموتن الى أربعين يوما، فأبوا فخرج عليهم بعد أيام، فقال لهم: لا تقتلوه، فوالله، ليموتن الى خمس عشرة ليلة.
انتهى.
وروى ابن سعد وابن عساكر عن طاوس، قال: سئل عبد الله بن سلام، حين قتل عثمان رضي الله عنه: كيف تجدون صفة عثمان في كتابكم، قال: نجده يوم القيامة أميرا على القاتل والخاذل.(10/280)
وروى أبو القاسم البغوي عن سعيد بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل لذي قربات الحميري، وكان من أعلم يهود: يا ذا قربات، من بعده ؟ قال: الامير، يعني أبا بكر رضي الله عنه قيل فمن بعده ؟ قال: قرنا من حديد، يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل: فمن بعده ؟ قال: الازهر، يعني عثمان رضي الله عنه قيل: فمن بعده ؟ قال: الوضاح المنصور، يعني معاوية.
وروى اسحاق بن راهويه والطبراني عن عبد الله بن معقل رضي الله عنه قال: قال ابن سلام: لما قتل علي قال: هذا رأس الاربعين، وسيكون عندها صلح.
وروى ابن سعد عن أبي صالح رضي الله عنه قال: كان الحادي يحدو بعثمان رضي الله عنه وهو يقول: ان الامير بعده علي وفي الزبير خلف مرضي فقال كعب: لا، بل معاوية، فأخذ معاوية بذلك، وقال: يا أبا اسحاق، أنى يكون هذا، وهاهنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علي والزبير ؟ قال: أنت صاحبها.
وروى الطبراني والبيهقي عن محمد بن يزيد الثقفي رضي الله عنه قال: اصطحب قيس بن خرشة، وكعب الاحبار حتى إذا بلغا صفين، وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة دماء المسلمين شئ لا يهراق ببقعة من الارض مثله، فقال قيس: ما يدريك، فان هذا من الغيب الذي استأثر الله به ؟ فقال كعب: ما من الارض شبر الا مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه الى يوم القيامة.
وروى الحاكم عن عبيد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: لما أتي برأس المختار، قال: ما حدثني كعب الاحبار بحديث الا وجدت مصداقه الا أنه حدثني أن رجلا من ثقيف سيقتلني، قال الاعمش: ما درى أن الحجاج خبئ له.
وروى عبد الله ابن الامام أحمد، في زوائد الزهد، عن هشام بن خالد الربعي رضي الله عنه قال: قد قرأت في التوراة أن السماء والارض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين سنة.
وروي أيضا عن محمد بن فضالة رضي الله عنه أن راهبا قال: انا نجد عمر بن عبد العزيز من أئمة العدل موضع رجب من الاشهر الحرم.
وروي أيضا عن الوليد بن هشام بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال: نزلنا أرض كذا، فقال رجل: ألا تسمع ما يقول هذا الراهب ؟ زعم أن سليمان بن عبد الملك توفي قال: فمن استخلف بعده ؟ قال: الاشج عمر بن عبد العزيز، فلما قدمت الشام إذا هو كما قال، فلما كان(10/281)
العام الرابع نزلنا ذلك المنزل، فأتاه ذلك الرجل، فقال: يا راهب، الحديث الذي حدثتناه وقع،
كما قلت، قال: فانه والله، انه قد سقي عمر السم فأتيناه فوجدناه كذلك.
وروى ابن عساكر من طريق المغيرة بن النعمان عن رجل من أهل البصرة قال: خرجت أريد بيت المقدس، فأواني المطر الى صومعة راهب، فأشرف علي فقال: انا نجد في كتابنا أن قوما من أهل دينكم يقتلون بعذراء، لا حساب عليهم، ولا عذاب، فما مكثت الا يسيرا حتى جئ بحجر بن عدي وأصحابه، فقتلوا بعذراء، وروى البيهقي عن كعب تظهر رايات سود لبني العباس، حتى ينزلوا الشام، ويقتل الله عليه أيديهم كل جبار وعدو لهم، والاثار في هذا كثيرة.
السادسة عشرة وبشق الصدر في أحد القولين والاصح، قلت: الراجح المشاركة، فقد روى سعيد بن منصور وابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة تابوت بني اسرائيل (فيه سكينة من ربكم) قال: طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيها قلوب الانبياء، ورواه من طريق آخر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنه ولكن سند هذا الطريق ضعيف، ولم أر لعدم المشاركة ما يعتمد عليه ببعض الفحص، ولم يتعرض الشيخ في الكبرى لدلائل ما رجحه هنا، وتقدم في شرح قصة المعراج ما يتعلق بشق الصدر أنه وقع أربع مرات فراجعه.
السادسة عشرة: وتجعل خاتم النبوة يظهر بأن قلبه حيث يدخل الشيطان، وقد أبيت القول في ذلك في شرح غريب قصة المعراج فراجعه.
السابعة عشرة وبأنه له صلى الله عليه وسلم ألف اسم.
الثامنة عشرة: وباشتقاق اسمه من اسم الله تعالى.
التاسعة عشرة:
وبأنه سمي من اسماء الله تعالى بنحو سبعين اسما وتقدم بيان ذلك في بيان اسمائه الشرعية.
العشرون: وبأنه صلى الله عليه وسلم سمي أحمد، ولم يسم أحد قبله كما في حديث علي عند الامام أحمد ومسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.(10/282)
الحادية والعشرون: وباطلال الملائكة له في سفره صلى الله عليه وسلم تقدم ذلك في سفره الى الشام مرة ثانية وزواجه خديجة رضي الله عنها.
الثانية والعشرون: وكان أرجح الناس عقلا كما رواه أبو نعيم عن وهب بن منبه رضي الله عنه وتقدم في أرجح الناس عقلا من أسمائه.
الثالثة والعشرون: بأنه أوتي كل الحسن، ولم يؤت يوسف عليه الصلاة والسلام الا شطره كما تقدم في باب المعراج وباب حسنه.
الرابعة والعشرون: وبغطه عند بدء الوحي كما نقله الحافظ في الفتح عن بعضهم.
الخامسة والعشرون: وبرؤيته صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته التي خلق عليها قلت: وقع ذلك مرتين، الاولى: ليلة الاسراء، والثانية، وهو بمكة، وتقدم بيان ذلك والله أعلم.
السادسة والعشرون: وبانقطاع الكهانة لمبعثه وحراسة السماء من استراق السمع والرمي بالشهب وباحياء
أبويه حتى آمنا به، ورد ذلك في حديث جزم جماعة بوضعه، كالحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي والشيخ، وغيرهما بضعفه، وألف الشيخ لذلك ثلاثة مؤلفان، وتقدم بيان ذلك.
السابعة والعشرون: وبوعده من العصمة من الناس، وقال الله سبحانه وتعالى: (والله يعصمك من الناس) (المائدة 67) وتقدم في باب عصمته أواخر المعجزات.
الثامنة والعشرون: وبالاسراء وما تضمنه اختراق السموات.
التاسعة والعشرون: وبالعلو الى قاب قوسين.(10/283)
الثلاثون: ووطئه مكانا ما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب وباحياء الانبياء له صلى الله عليه وسلم.
الحادية والثلاثون: ولصلاته صلى الله عليه وسلم اماما بالانبياء والملائكة.
الثانية والثلاثون: وباطلاعه صلى الله عليه وسلم على الجنة والنار فيما ذكره البيهقي.
الثالثة والثلاثون: وبرؤيته صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى.
الرابعة والثلاثون: بحفظه حتى ما زاغ البصر وما طغى.
الخامسة والثلاثون: وبرؤيته صلى الله عليه وسلم الباري مرتين أحدهما بفؤاده والثانية في المنام، وكلاهما في اليقظة، لان
رؤيته في المنام تكررت وتقدم بيان جميع ذلك في باب الاسراء والمعراج، والله سبحانه وتعالى أعلم.
السادسة والثلاثون: وبالقرب.
السابعة والثلاثون: وبالدنو.
الثامنة والثلاثون: وباعطاء الرضا والنور، وتقدم بيان ذلك في أبواب المعراج.
التاسعة والثلاثون: وبقتال الملائكة معه صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا مع غيره الا مددا.
الاربعون: وبركوب البراق كما تقدم في باب المعراج قلت: وقع قتال من الملائكة في بدر وأحد خلافا لمن زعم اختصاصه ببدر فقط كما تقدم بيان ذلك في غزوة بدر وأحد.
فائدة: سئل السبكي، عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه، فأجاب: بأن ذلك لارادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم(10/284)
وأصحابه وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الاسباب، وسنتها التي أجراها الله في عباده، والله سبحانه وتعالى هو فاعل الجميع.
الحادية والاربعون: وسير الملائكة معه صلى الله عليه وسلم حيث سار خلف ظهره كما رواه الامام أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى مشوا أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة.
الثانية والاربعون: وباتيانه الكتاب وهو صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب قال الله تعالى: (النبي الامي) (الاعراف 157).
روى ابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فحدث بنعمة الله فقال: (ان جبريل أتاني فقال: اخرج فحدث بنعمة الله التي أنعم عليك) الحديث وفيه: (ولقاني كلامه وأنا أمي وقد أوتي داود الزبور وموسى الالواح وعيسى الانجيل).
الثالثة والاربعون: وبأن كتابه صلى الله عليه وسلم معجز قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (الاسراء 88) وتقدم بيان ذلك في المعجزات.
الرابعة والاربعون: وبأنه محفوظ من التبديل والتحريف على مر الدهور قال الله تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) (الحجر 9) وقال تعالى: (وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (فصلت 42) وقال تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) (الاسراء 106).
روى البيهقي عن الحسن في الاية الثانية قال: حفظه الله من الشيطان فلا يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا.
وروى أيضا عن يحيى بن أكثم قال: دخل يهودي على المأمون فدعاه المأمون الى الاسلام فأبى، فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، فتكلم على الفقه فأحسن الكلام.
فقال له المأمون: ما كان سبب اسلامك ؟ قال: انصرفت من حضرتك، فأحببت أن أمتحن هذه الاديان، فعمدت الى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، فأدخلتها(10/285)
البيعة، فاشتريت مني، وعمدت الى الانجيل، فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني، وعمدت الى القرآن، فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وادخلتها الوراقين فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان، رموا بها فلم يشتروها، فعلمت ان هذا الكتاب محفوظ فكان هذا سبب اسلامي.
قال يحيى بن أكثم: حججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له هذا الحديث.
فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله، قلت: في أي موضع ؟ قال: في قوله تبارك وتعالى في التوراة والانجيل (بما استحفظوا من كتاب الله) (المائدة 44) فجعل حفظه إليهم وقال في القرآن: (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) (الحجر 9) فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع.
الخامسة والاربعون: وبأنه مشتمل على ما اشتملت عليه جميع الكتب وزيادة.
روى البيهقي عن الحسن البصري قال: أنزل الله تبارك وتعالى مائة كتاب وأربعة كتب أودع علومها أربعة كتب منها التوراة والانجيل والزبور والفرقان، وأودع علوم التوراة والانجيل والزبور في القرآن.
السادسة والاربعون: وبأنه جامع لكل شئ قال الله تعالى: (وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) (النحل 89) وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (الانعام 38).
روى سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن، فان فيه خبر الاولين والاخرين، وأنزل فيه كل علم، وبين لنا فيه كل شئ ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن.
السابعة والاربعون: وبأنه مستغن عن غيره.
أخرج الترمذي والدارمي وغيرهما من طريق الحارث الاعور عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وهو الحبل المتين وهو الذكر الحكيم حكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل ما تركه من حبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيع به الاهواء ولا تلتبس به الالسنة(10/286)
ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي الى صراط مستقيم.
الثامنة والاربعون: وبأنه ميسر للحفظ، قال الله سبحانه وتعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) (القمر 17).
التاسعة والاربعون: وبأنه نزل منجما قال الله سبحانه وتعالى: فلا أقسم بمواقع النجوم) (الواقعة 75) روى ابن أبي شيبة والبيهقي والحاكم من طريق سعيد بن جبير، والنسائي والحاكم والبيهقي من طريق عكرمة بأسانيد صحيحة وابن مردويه والبيهقي من طريق مقسم كلهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل الله القرآن من الذكر وأنزله في ليلة القدر جملة واحدة فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، وكان الله تعالى ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم على مواقع النجوم رسلا في الشهور والاعوام، بعضه اثر بعض بجواب كلام العباد وأفعالهم وأعمالهم، كلما أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابا.
قال أبو شامة، قوله (رسلا) أي رفقا، وعلى مواقع النجوم: أي على مثل مساقطها، يريد، انه أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق.
وقال العلماء (1): في نزوله الى السماء جملة تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة وتعريفهم عناية الله تعالى ورحمته لهم، (ولهذا المعنى أمر سبعين ألفا من الملائكة أن تشيع سورة الانعام)، وان هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لاشرف الامم قد قربناه إليهم
لننزله عليهم، وفيه التسوية بين موسى ونبينا صلى الله عليهما وسلم في انزال كتابه جملة، والتفضيل لمحمد في انزاله عليه منجما ليحفظه.
قال أبو شامة: فان قيل ما السر في نزوله منجما ؟ وهلا نزل كسائر الكتب جملة واحدة ! قلنا: هذا سؤال قد تولى الله جوابه، فقال تعالى: (وقال الذين كفروا: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) (الفرقان 32) يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله: (كذلك أي أنزلناه كذلك مفرقا لنثبت به فؤادك) (الفرقان 32) أي لنقوي به قلبك، فان الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليهم، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملائكة إليه، وتجدد العهد به، وما معه من الرسالة الواردة من ذلك الكتاب العزيز، فيحدث له من السرور ما * هامش * (1) قاله السخاوي في جمال القراء.
(*)(10/287)
تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان، لكثرة لقائه جبريل.
وقيل: معنى (لنثبت به فؤدادك) أي لنحفظه فانه عليه الصلاة والسلام كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غير من الانبياء، فانه كان كاتبا قارئا فيمكنه حفظ الجميع.
وقال غيره: انما لم ينزل جملة واحدة، لان منه الناسخ والمنسوخ ولا يتأتى ذلك الا فيما أنزل مفرقا، ومنه ما هو جواب لسؤال، وما هو انكار على قول قيل، أو فعل فعل، وقد تقدم ذلك في قول ابن عباس: ونزله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم، وفسر به قوله تعالى: (ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) (الفرقان 33) رواه عنه ابن أبي حاتم.
فالحاصل أن الاية تضمنت حكمتين لانزاله مفرقا.
الخمسون:
وبأنه نزل على سبعة أحرف.
الحادية والخمسون: ومنه سبعة أبواب: روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل استزيده ويزيدني حتى انتهى الى سبعة أحرف).
وروى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان ربي أرسل الي أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن يا رب هون على أمتي، فأرسل الي أن أقرأ على حرفين فرددت إليه فقلت: يا رب هون على أمتي فرد الثالثة وما زلت كذلك حتى قيل لي اقرأ على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لامتي، اللهم اغفر لامتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب الي فيه الخلق حتى ابراهيم عليه الصلاة والسلام).
وروى الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زجر وأمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال...).
تنبيه: ليس المراد بالسبعة الاحرف سبع قراءات، فان ذلك - كما قال أبو شامة - خلاف اجماع أهل العلم قاطبة وانما يظن ذلك بعض أهل الجهل بل المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة نحو (أقبل) (وتعال) (وهلم) (وأسرع) والى هذا ذهب ابن(10/288)
عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق، ونسبه أبو عمرو لاكثر العلماء (1).
وقيل المراد: سبع لغات، والى هذا ذهب أبو عبيدة وثعلب والازهري وآخرون واختاره ابن عطية، وصححه البيهقي في الشعب وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها (2).
قال أبو عبيدة: ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبعة لغات بل اللغات السبع مفرقة
فيه، فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن وغيرهم (قال: وبعض اللغات أسعد بها من بعض، وأكثر نصيبا).
قال البيهقي: والمراد بالسبعة الاحرف في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الانواع التي نزل عليها، والمراد بها في تلك الاحاديث اللغات التي يقرأ بها.
وقال غيره: من أول الاحرف السبعة بهذا فهو تأويل فاسد، لانه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه أو حلالا لا ما سواه، ولانه لا يجوز أن يكون القرآن على أنه حلال كله أو حرام كله أو أمثال كله.
وقال ابن عطية: هذا القول ضعيف، لان الاجماع على أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تحريم حرام ولا في تغيير شئ من المعاني المذكورة (3).
وقال أبو علي الاهوازي وأبو العلاء الهمداني: أشهد أن قوله في الحديث (زاجر وآمر) الخ استئناف كلام آخر، أي هو زاجر أي القرآن، ولم يرد به تفسير الاحرف السبعة، وانما توهم * هامش * (1) ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة (أن جبريل قال: يا محمد اقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده...حتى بلغ سبعة أحرف، قال: كل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب، نحو قولك: تعال، وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل).
هذا اللفظ رواية أحمد، واسناده جيد.
وأخرج أحمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه.
وعند أبي داود عن أبي: (قلت: سميعا عليما عزيزا حكيما، ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب).
(2) فجاء عن أبي صالح، عن أبي عباس، قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
قال: والعجز: سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف، وهؤلاء كلهم من هوازن.
ويقال لهم: عليا هوازن ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم - يعني بني دارم.
وأخرج أبو عبيد من وجه آخر، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش وكعب خزاعة، قيل، وكيف ذاك ؟ قال: لان الدار واحدة - يعني ان خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم.
وقال أبو حاتم السجستاني: نزل بلغة قريش وهذيل وتميم والازد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر، واستنكر ذلك ابن قتيبة وقال: لم ينزل القرآن الا بلغة قريش، واحتج بقوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه) (ابراهيم 4) فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش، وبذلك جزم أبو علي الاهوازي.
(3) وقال الماوردي: هذا القول خطأ، لانه صلى الله عليه وسلم أشار الى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وابدال حرف بحرف، وقد أجمع المسلمون على تحريم ابدال آية أمثال بآية أحكام.
(*)(10/289)
ذلك من جهة الاتفاق في العدد، ويؤيده أن في بعض طرقه زاجرا وآمرا بالنصب أي نزل على هذه الصفة من الأبواب السبعة.
وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للاحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه أي أنزله الله على هذه الاصناف لم يقتصره منها على صنف واحد كغيره من الكتب، وفي هذه المسألة نحو أربعين قولا سردها الشيخ في الاتقان في الانواع السادس عشر.
الثانية والخمسون: وأنه نزله بكل لغة عد هذا ابن النقيب قلت: وكذا رواه ابن أبي شيبة عن أبي ميسرة والضحاك وابن المنذر عن وهب بن منبه، قال أبو عمرو: في التمهيد قول من قال أن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي في الاغلب والله أعلم لان غير لغة قريش موجودة في جميع القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها وقريش لا تهمز.
وقال الشيخ جمال الدين بن مالك: أنزل الله تعالى القرآن بلغة الحجازيين الا قليلا فانه
نزل بلغة التميميين كالادغام في (يشاقق الله (الانفال 13) وفي (من يرتد منكم عن دينه) (المائدة 54)، فان ادغام المجزوم لغة تميم ولهذا قيل، الفك لغة الحجاز، وهذا أكثر نحو (وليملل) (البقرة 282) (يحببكم الله) (آل عمران 31) (يمددكم) (آل عمران 125) (اشدد به أزري) (طه 31) (ومن يحلل عليه غضبي) (طه 81) قال: وقد أجمع القراء على نصب (الا اتباع الظن) (النساء 157)، لان لغة الحجاز بين التزام النصب في المنقطع كما أجمعوا على نصب (ما هذا بشر) (يوسف 31)، لان لغتهم اعمال (ما) وزعم الزمخشري في قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب الا الله) (النمل 65) أنه استثناء منقطع جاء على لغة بني تميم.
وقال أبو بكر الواسطي في (الارشاد في القراءات العشر) في القرآن من اللغات خمسون لغة (1)، وسردها الشيخ وذلك في الاتقان في النوع السابع والثلاثين.
تنبيه: اختلف هل وقع في القرآن شئ بغير لغة العرب، فالاكثرون ومنهم الامام الشافعي وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر وابن فارس الى عدم وقوع ذلك فيه، بقوله تعالى: * هامش * (1) لغة قريش، وهذيل، وكنانة، وخثعم، والخزرج، واشعر، ونمير، وقيس عيلان، وجرهم، واليمن، وازد شنوءة، وكندة، وتميم، وحمير، ومدين، ولخم، وسعد العشيرة، وحضرموت، وسدوس، والعمالقة، وأنمار، وغسان، ومذحج، وخزاعة، وغطفان، وسبأ، وعمان، وبنو حنيفة، وثعلبة، وطيئ، وعامر بن صعصعة، وأوس ومزينة، وثقيف، وجذام، وبلي، وعذرة، وهوازن، والنمر، واليمامة.
(*)(10/290)
(قرآنا عربيا) (يوسف 2) وقوله (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا: لولا فصلت آياته، أاعجمي وعربي) (فصلت 44) وقد شدد الشافعي التنكير على القائل بذلك.
وقال أبو عبيدة: انما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم ان فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول.
وقال ابن فارس: لو كان فيه من لغة غير العرب شئ لتوهم متوهم ان العرب انما عجزت عن الاتيان بمثله، لانه أتى بلغات لا يعرفونها.
وقال ابن جرير: ما ورد عن ابن عباس وغيره في تفسير ألفاظ من القرآن بالفارسية أو (الحبشية) (1) أو النبطية أو نحو ذلك انما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.
وقال آخرون: كل هذا الالفاظ عربية صرفة، ولكن لغة العرب متسعة جدا، ولا يبعد أن يخفى على الاكابر الجلة وقد خفي على ابن عباس معنى (فاطر) و (فاتح).
وقال الشافعي في الرسالة: لا يحيط باللغة الا نبي.
وذهب آخرون الى وقوع ذلك في القرآن، وقد بسط الكلام على ذلك الشيخ في الاتقان (1).
* هامش * (1) سقط في ج.
X (2) وذهب آخرون الى وقوعه فيه، وأجابوا عن قوله تعالى: (قرآنا عربيا) (يوسف 2) بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيا، والقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية، وعن قوله تعالى: (أاعجمي وعربي) (فصلت 44) بأن المعنى من السياق: (أكلام أعجمي ومخاطب عربي !).
واستدلوا باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو (ابراهيم) للعلمية والعجمة، ورد هذا الاستدلال بأن الاعلام ليست محل خلاف، فالكلام في غيرها موجه بأنه إذا اتفق على وقوع الاعلام فلا مانع من وقوع الاجناس، وأقوى ما رأيته للوقوع - وهو اختياري - ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل قال: في القرآن من كل لسان.
وروي مثله عن سعيد بن جبير ووهب بن منبه.
فهذه اشارة الى أن حكمة وقوع هذه الالفاظ في القرآن أنه حوى علوم الاولين والاخرين، ونبأ كل شئ، فلا بد أن تقع فيه الاشارة الى أنواع اللغات والالسن ليتم احاطته بكل شئ، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا للعرب.
ثم رأيت ابن النقيب صرح بذلك، فقال: من خصائص القرآن على سائر كتب الله تعالى المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم، ولم ينزل فيها شئ بلغة غيرهم، والقرآن احتوى على جميع لغات العرب وأنزل فيها بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شئ كثير.
انتهى.
وأيضا النبي صلى الله عليه وسلم مرسل الى كل أمه، وقد قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه) (ابراهيم 4)، فلا بد وان يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وان كان أصله بلغة قومه هو.
وقد رأيت الخويي ذكر لوقوع المعرب في القرآن فائدة أخرى، فقال: ان قيل أن (استبرق) ليس بعربي وغير العربي من الالفاظ دون العربي في الفصاحة والبلاغة، فنقول: لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك، وذلك لان الله تعالى إذ حث عباده على الطاعة، فان لم يرغبهم بالوعد(10/291)
(...) الجميل وخوفهم بالعذاب الوبيل، لا يكون حثه على وجه الحكمة، فالوعد والوعيد نظرا الى الفصاحة واجب.
ثم ان الوعد بما يرغب فيه العقلاء، وذلك منحصر في أمور: الاماكن الطيبة، ثم المآكل الشهية، ثم المشارب الهنية، ثم الملابس الرفيعة ثم المناكح اللذيذة، ثم ما بعده مما يختلف فيه الطباع، فاذن ذكر الاماكن الطيبة والوعد به لازم عند الفصيح، ولو تركه لقال من أمر بالعبادة ووعد عليها بالاكل والشرب: ان الاكل والشرب لا التذ به، إذا كنت في حبس أو موضع كريه، فاذن ذكر الله الجنة ومساكن طيبة فيها، وكان ينبغي أن يذكر من الملابس ما هو أرفعها، وأرفع
الملابس في الدنيا الحرير، وأما الذهب فليس مما ينسج منه ثوب، ثم ان الثوب الذي من غير الحرير لا يعتبر فيه الوزن والثقل، وربما يكون الصفيق الخفيف أرفع من الثقيل الوزن، وأما الحرير فكلما كان ثوبه أثقل كان أرفع، فحينئذ وجب على الفصيح أن يذكر الاثقل الاثخن، ولا يتركه في الوعد لئلا يقصر في الحث والدعاء.
ثم هذا الواجب الذكر، اما أن يذكر بلفظ واحد موضوع له صريح، أو لا يذكر بمثل هذا، ولا شك ان الذكر باللفظ الواحد الصريح أولى، لانه أوجز وأظهر في الافادة، وذلك (استبرق) فان أراد الفصيح أن يترك هذا اللفظ، ويأتي بلفظ آخر لم يمكنه، لان ما يقوم مقامه اما لفظ واحد أو ألفاظ متعددة، ولا يجد العربي لفظا واحدا يدل عليه، لان الثياب من الحرير عرفها العرب من الفرس، ولم يكن لهم بها عهد، ولا وضع في اللغة العربية للديباج الثخين اسم، وانما عربوا ما سمعوا من العجم واستغنوا به عن الوضع لقلة وجوده عندهم ونزرة تلفظهم به، وأما ان ذكره بلفظين فأكثر، فانه يكون قد أخل بالبلاغة، لان ذكر لفظين لمعنى يمكن ذكره بلفظ تطويل، فعلم بهذا أن لفظ (استبرق) يجب على كل فصيح أن يتكلم به في موضعه ولا يجد ما يقوم مقامه، وأي فصاحة أبلغ من أن لا يوجد غيره مثله !.
انتهى.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع عن العربية: والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا، وذلك أن هذه الاحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب، فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم الى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال انها عربية فهو صادق، ومن قال: أعجمية فصادق.
ومال الى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون.
وهذا سرد الالفاظ الواردة في القرآن من ذلك مرتبة على حروف المعجم.
(أباريق): حكى الثعالبي في فقه اللغة انها فارسية، وقال الجواليقي: الابريق فارسي معرب، ومعناه طريق الماء أو صب الماء على هينة.
(أب): قال بعضهم: هو الحشيش بلغة أهل الغرب حكاه شيذلة.
(ابلعي): اخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله تعالى: (ابلعي ماءك) قال: بالحبشية (أزدرديه).
وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اشربي بلغة الهند.
(أخلد): قال الواسطي في الارشاد: أخلد الى الارض، ركن بالعبرية.
(الارائك): حكى ابن الجوزي في فنون الافنان، انها السرر بالحبشية.
(آزر): عد في المعرب على قولم من قال: انه ليس بعلم لابي ابراهيم ولا للصم.
وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يقرأ: (وإذا قال ابراهيم لابيه آزر) (1) يعني بالرفع، قال: بلغني أنها أعوج وأنها أشد كلمة قالها ابراهيم لابيه وقال بعضهم: هي بلغتهم يا مخطئ.
(أسباط): حكى أبو الليث في تفسيره أنها بلغتهم كالقبائل بلغة العرب.
(استبرق): أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه الديباج الغليظ، بلغة العجم.
(أسفار): قال الواسطي في الارشاد: هي الكتب بالسريانية، وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: هي الكتب بالنبطية.
(اصري): قال أبو القاسم في لغات القرآن: معناه عهدي بالنبطية.
(أكواب): حكى ابن الجوزي أنها الاكواز بالنبطية.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنها بالنبطية جرار ليست لها عرى.
(ال): قال ابن جني: ذكروا أنه اسم الله تعالى بالنبطية.
(أليم): حكى ابن الجوزي أنه الموجع بالزنجية.
وقال شيذلة: بالعبرانية.
(اناه): نضجه بلسان أهل المغرب، ذكره شيذلة، وقال أبو القاسم: بلغة البربر، وقال في قوله تعالى (حميم آن):(10/292)
(...) هو الذي انتهى حره بها، وفي قوله تعالى: (من عين آنية) (3) أي حارة بها.
(أواه): اخرج أبو الشيخ بن حبان من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال: الاواه الموقن بلسان الحبشة، وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن مجاهد وعكرمة.
وأخرج عن عمرو بن شرحبيل، قال: الرحيم بلسان الحبشة، وقال الواسطي: الاواه الدعاء بالعبرية.
(أواب): أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل قال: الاواب: المسبح بلسان الحبشة وأخرج ابن جرير عنه في قوله تعالى: (أوبي معه)، قال: سبحي بلسان الحبشة.
(الملة الاخرة): قال شيذلة: الجاهلية الاولى أي الاخرة في الملة الاخرة، أي الاولى بالقبطية والقبط يسمون الاخرة الاولي، والاولى الاخرة.
وحكاه الزركشي في البرهان (2).
(بطائنها): قال شيذلة في قوله تعالى: (بطائنها من استبرق) أي ظواهرها بالقبطية.
وحكاه الزركشي.
(بعير): أخرج الفريابي عن مجاهد في قوله تعالى: (كيل بعير)، أي كيل حمار، وعن مقاتل: ان البعير كل ما يحمل عليه بالعبرانية.
(بيع): قال الجواليقي في كتاب المعرب: البيعة والكنيسة جعلهما بعض العلماء فارسيين معربين.
(تنور): ذكر الجواليقي والثعالبي أنه فارسي معرب.
(تتبيرا): أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: (وليتبروا ما علوا تتبيرت) قال: تبره بالنبطية.
(تحت): قال أبو القاسم في لغات القرآن في قوله تعالى: (فناداها من تحتها) أي بطنها بالنبطية.
ونقل الكرماني في العجائب مثله عن مؤرج.
(الجبت): اخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: الجبت اسم الشيطان بالحبشية.
واخرج عن ابن حميد عن عكرمة، قال: الجبت بلسان الحبشة الشيطان، وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: الجبت: الساحر، بلسان الحبشة.
(جهنم): قيل: أعجمية، وقيل فارسية وعبرانية، أصلها (كهنام).
(حرم): أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة، قال: وحرم: وجب بالحبشية.
(حصب): أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله تعالى: (حصب جهنم) قال: حطب جهنم، بالزنجية.
(حطة): قيل: معناه: قولوا صوابا، بلغتهم.
(حواريون): اخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: الحواريون: الغسالون بالنبطية، وأصله (هواري).
(حوب): تقدم في مسائل نافع بن الازرق عن ابن عباس، انه قال: حوبا: انما بلغة الحبشة.
(دارست): معناه قارأت بلغة اليهود.
(دري): معناه المضئ بالحبشية، حكاه شيذلة وأبو القاسم.
(دينار): ذكر الجواليقي وغيره انه فارسي.
(راعنا): اخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس قال: راعنا سب بلسان اليهود.
(ربانيون): قال: الجواليقي: قال أبو عبيدة: العرب لا تعرف الربانيين، وانما عرفها الفقهاء وأهل العلم قال: وأحسب الكلمة ليست بعربية وانما هي عبرانية أو سريانية، وجزم القاسم بأنها سريانية.
(ربيون): ذكر أبو حاتم أحمد بن حمدان اللغوي في كتاب الزينة أنها سريانية.
(الرحمن): ذهب المبرد وثعلب الى أنه عبراني، وأصله بالخاء المعجمة.
(الرس): في العجائب للكرماني: انه عجمي ومعناه البئر.
(الرقيم): قيل: انه اللوح بالرومية حكاه شيذلة، وقال أبو القاسم: هو الكتاب بها، وقال الواسطي: هو الدواة بها.
(رمزا): عده ابن الجوزي في فنون الافنان من المعرب، وقال الواسطي: هو تحريك الشفتين بالعبرية.
(رهوا): قال أبو القاسم في قوله تعالى: (واترك البحر رهوا) أي سهلا دمثا، بلغة النبط، وقال الواسطي: أي ساكنا، بالسريانية.
(الروم): قال الجواليقي: هو أعجمي.
اسم لهذا الجيل من الناس.(10/293)
(...) (زنجبيل): ذكر الجواليقي والثعالبي أنه فارسي.
(السجل): اخرج ابن مردويه من طريق ابي الجوزاء عن ابن عباس، قال: السجل بلغة الحبشة: الرجل.
وفي المحتسب لابن جني.
السجل: الكتاب.
قال قوم: هو فارسي معرب (4).
(سجيل): اخرج الفريابي عن مجاهد، قال: سجيل بالفارسية، أولها حجارة، وآخرها طين.
(سجين): ذكرها أبو حاتم في كتاب الزينة أنه غير عربي.
(سرادق): قال الجواليقي: فارسي معرب، وأصله سردار، وهو الدهليز.
وقال غيره.
الصواب انه بالفارسية سردار، أي ستر الدار.
(سري): أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى: (سريا)، قال: نهرا بالسريانية، وعن سعيد بن جبير بالنبطية:
القراء.
(سقر): ذكر الجواليقي أنها أعجمية.
(سجدا): قال الواسطي في قوله تعالى: (وادخلوا الباب سجدا)، أي مقنعي الرؤوس، بالسريانية.
(سكر): اخرج ابن مردويه، من طريق العوفي، عن ابن عباس، قال: السكر بلسان الحبشة: الخل.
(سلسبيل): حكى الجواليقي أنه عجمي.
(سنا): عده الحافظ ابن حجر في نظمه، ولم أقف عليه لغيره.
(سندس): قال الجواليقي: هو رقيق الديباج بالفارسية، وقال الليث: لم يختلف أهل اللغة والمفسرون في أنه معرب.
وقال شيذلة: هو بالهندية.
(سيدها): قال الواسطي في قوله تعالى: (وألفيا سيدها لدى الباب)، أي زوجها بلسان القبط: قال أبو عمرو: لا أعرفها في لغة العرب.
(سنين): أخرج ابن أبي حاتم، وابن جرير عن عكرمة قال: سينين: الحسن بلسان الحبشة.
(سيناء): اخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك، قال: سيناء بالنبطية: الحسن.
(شطر): أخرج ابن ابي حاتم، عن رقيع في قوله تعالى: (شطر المسجد)، قال: تلقاء، بلسان الحبش.
(شهر): قال الجواليقي: ذكر بعض أهل اللغة أنه بالسريانية.
(الصراط): حكس النقاش وابن الجوزي أنه الطريق بلغة الروم، ثم رأيته في كتاب الزينة لابي حاتم.
(صرهن): اخرج ابن جرير، عن ابن عباس في قوله تعالى: (فصرهن)، قال: هي نبطية، فشققهن.
وأخرج مثله عن الضحاك، وأخرج ابن المنذر عن وهب بن منبه قال: ما من اللغة شئ الا منها في القرآن شئ، قيل: وما فيه من الرومية ؟ قال: (فصرهن) يقول: قطعهن.
(صلوات): قال الجواليقي: هي بالعبرانية كنائس اليهود، وأصلها (صلوتا) واخرج ابن ابي حاتم نحوه عن الضحاك.
(طه): اخرج الحاكم في المتسدرك، من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: (طه) قال: هو كقولك: يا محمد، بلسان الحبش، واخرج ابن ابي حاتم، من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (طه) بالنبطية.
واخرج عن سعيد بن جبير قال: طه يا رجل، بالنبطية، وأخرج عن عكرمة قال: طه يا رجل بلسان الحبشة.
(الطاغوت): هو الكاهن بالحبشية.
(طوبى): اخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير، قال: بالهندية.
(طور): اخرج الفريابي، عن مجاهد.
قال: الطور: الجبل بالسريانية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك، أنه بالنبطية.
(عبدت): قال أبو القاسم في قوله تعالى: (عبدت بني اسرائيل)، معناه قتلت بلغة النبط.
(عدن): أخرج ابن جرير، عن ابن عباس انه سأل كعبا عن قوله تعالى: (جنات عدن) قال: كروم وأعناب بالسريانية، ومن تفسير جويبر انه بالرومية.(10/294)
(...) (العرم): اخرج ابن ابي حاتم، عن مجاهد، قال: العرم بالحبشية، وهي المسناة التي يجمع فيها الماء ثم ينبثق.
(غساق): قال الجواليقي والواسطي: هو البارد المنتن بلسان الترك.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن بريدة قال: الغساق: المنتن، وهو بالطخارية.
(فردوس): اخرج ابن ابي حاتم عن مجاهد، وقال: الفردوس بستان بالرومية.
وأخرج عن السدي، قال: الكرم بالنبطية.
وأصله (فرداسا).
(فوم): قال الواسطي: هو الحنطة بالعبرية.
(قراطيس): قال الجواليقي: يقال ان القرطاس اصله غير عربي.
(قسط): أخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: القسط: العدل بالرومية.
(قسطاس): اخرج الفريابي، عن مجاهد، قال: القسطاس: العدل بالرومية.
واخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، قال: القسطاس بلغة الروم: الميزان.
(قسورة): اخرج ابن جرير، عن ابن عباس، قال: الاسد، يقال له بالحبشية: قسورة.
(قطنا) قال أبو القاسم: معناه كتابنا، بالنبطية.
(قفل): حكى الجواليقي عن بعضهم أنه فارسي معرب.
(قمل): قال الواسطي: الدبا (5) بلسان العبرية والسريانية.
قال أبو عمرو: لا أعرفه في لغة أحد من العرب.
(قنطار): ذكر الثعالبي في فقه اللغة انه بالرومية اثنتا عشرة ألف أوقية: وقال الخليل: زعموا أنه بالسريانية ملء جلد ثور ذهبا أو فضة.
وقال بعضهم: انه بلغة بربر ألف مثقال، وقال ابن قتيبة: قيل انه ثمانية آلاف مثقال، بلسان أهل افريقية.
(القيوم): قال الواسطي: هو الذي لا ينام بالسريانية.
(كافور): ذكر الجواليقي وغيره انه فارسي معرب.
(كفر): قال ابن الجوزي: كفر عنا، معناه: امح عنا بالنبطية.
واخرج ابن ابي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله تعالى: (كفر عنهم سيئاتهم) قال: بالعبرانية.
(كفلين): اخرج ابن أبي حاتم: عن أبي موسى الاشعري، قال: كفلين: ضعفين بالحبشية.
(كنز): ذكر الجواليقي أنه فارسي معرب.
(كورت): اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير: كورت: غورت، وهي بالفارسية.
(لينة): في الارشاد للواسطي: هي النخلة، وقال الكلبي: لا أعلمها الا بلسان يهود يثرب.
(متكأ): اخرج ابن ابي حاتم، عن سلمة بن تمام الشقري، قال: متكأ بلسان الحبش يسمون الترنج متكأ.
(مجوس): ذكر الجواليقي عن بعض أهل اللغة أنه أعجمي.
(مرجان): حكى الجواليقي عن بعض أهل اللغة انه أعجمي.
(مشكاة): اخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: المشكاة: الكوة، بلغة الحبشة.
(مقاليد): اخرج الفريابي عن مجاهد: قال: مقاليد: مفاتيح بالفارسية.
وقال ابن دريد والجواليقي: الاقليد والمقليد: المفتاح فارسي معرب.
(مرقوم): قال الواسطي في قوله تعالى: (كتاب مرقوم)، أي مكتوب، بلسان العبرية.
(مزجاة): قال الواسطي: مزجاة: قليلة بلسان العجم، وقيل بلسان القبط.
(ملكوت): اخرج بن أبي حاتم، عن عكرمة في قوله تعالى: (ملكوت)، قال: هو الملك، ولكنه بكلام النبطية (ملكوتا).
وأخرجه أبو الشيخ عن ابن عباس.
وقال الواسطي في الارشاد: هو الملك بلسان النبط.
(مناص): قال أبو القاسم: معناه فرار بالنبطية.
(منسأة): اخرج ابن جرير عن السدي قال: المنسأة: العصا بلسان الحبشة.
(منفطر): اخرج ابن جرير عن ابن عباس، فيى قوله تعالى: (السماء منفطر به) قال: ممتلئة به، بلسان الحبشة.(10/295)
(...) (مهل): قيل: هو عكر الزيت بلسان أهل المغرب، حكاه شيذلة وقال أبو القاسم: بلغة البربر.
(ناشئة): أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود، قال: ناشئة الليل: قيام الليل بالحبشية.
واخرج البيهقي عن ابن عباس مثله.
(ن): حكى الكرماني في العجائب، عن الضحاك انه فارسي، أصله النون، ومعناه: اصنع ما شئت.
(هدنا): قيل معناه تبنا بالعبرانية، حكاه شيذلة وغيره.
(هود): قال الجواليقي: الهود اليهود، أعجمي.
(هون): اخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران في قوله تعالى: (يمشون على الارض هونا) قال: حكماء بالسريانية، واخرج عن الضحاك مثله، واخرج عن أبي عمران الجوني انه بالعبرانية.
(هيت لك): اخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: هيت لك، هلم لك بالقبطية.
وقال الحسن: هي بالسريانية كذلك، أخرجه ابن جرير.
وقال عكرمة: هي بالحورانية، كذلك اخرجه أبو الشيخ، وقال أبو زيد الانصاري: هي بالعبرانية، وأصله (هيتلج) أي تعاله.
(وراء): قيل: معناه أمام بالنبطية، وحكاه شيذلة وأبو القاسم، وذكر الجواليقي أنها غير عربية.
(وردة): ذكر الجواليقي انها غير عربية.
(وزر): قال أبو القاسم: هو الحبل والملجأ، بالنبطية.
(ياقوت): ذكر الجواليقي والثعالبي وآخرون انه فارسي.
(بحور): اخرج ابن أبي حاتم، عن داود بن هند، في قوله تعالى: (انه ظن ان لن يحور) (4)، قال: بلغة الحبشة.
(يرجع): واخرج مثله عن عكرمة، وتقدم في اسئلة نافع بن الازرق عن ابن عباس.
(يس): اخرج ابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله تعالى: (يس) قال: يا انسان بالحبشية، وأخرج ابن أبي حاتم
عن سعيد بن جبير، قال: يس: يا رجل بلغة بالحبشية.
(يصدون): قال ابن الجوزي: معناه يضجون بالحبشية.
(يصهر): قيل معناه ينضج، بلسان أهل المغرب، حكاه شيذلة.
(اليم): قال ابن قتيبة: اليم: البحر بالسريانية، وقال ابن الجوزي: بالعبرانية، وقال شيذلة: بالقبطية.
(اليهود): قال الجواليقي: أعجمي معرب، منسوبون الى يهوذا بن يعقوب، فعرب باهمال الدال.
(فهذا ما وقفت من الالفاظ المعربة في القرآن بعد الفحص الشديد سنين، ولم تجتمع قبل في كتاب قبل هذا.
وقد نظم القاضي تاج الدين بن السبكي منها سبعة وعشرين لفظا في أبيات، وذيل عليها الحافظ أبو الفضل بن حجر بأبيات فيها أربعة وعشرون لفظا وذيلت عليها بالباقي، وهو بضع وستون، فتمت أكثر من مائة لفظة.
فقال ابن السبكي: السلسبيل وطه كورت بيع روم وطوبى وسجيل وكافور والزنجبيل ومشكاة سرادق مع استبرق صلوات سندس طور كذا قراطيس ربانيهم وغا ودينار والقسطاس مشهور كذاك قسورة واليم ناشئة ويوت كفلين مذكور ومسطور له مقاليد فردوس يعد كذا فيما حكى ابن دريد منه تنور وقلت أيضا: وزدت يس والرحمن مع ملكو ت ثم سينين شطر البيت مشهور ثم الصراط ودري يحور ومرجان ويم مع القنطار مذكور (*)(10/296)
الثالثة والخمسون: وجعل بقراءته لكل حرف عشر حسنات
عد هذا الزركشي.
قلت: روى البخاري في تاريخه والترمذي ومحمد بن نصر وأبو جعفر النحاس والحاكم
والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ولفظ ابن نصر والنحاس: ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم عشر، فتلك ثلاثون (1).
الرابعة والخمسون: ويتفضل القرآن على سائر الكتب المنزلة بثلاثين خصلة لم تكن في غيره
، قاله صاحب التحرير (2) قلت: ونقله الشيخ في الكبرى عن الامام الرازي.
الخامسة والخمسون: وبأنه نزل مع بعضه ما سد الافق.
روى الاسماعيلي في (معجمه) والحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه قال: لما أنزلت سورة الانعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الافق (3).
وروى الطبراني وابن مردويه وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزلت علي سورة الانعام جملة واحدة (4) يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد).
* هامش * وراعنا طفقا هدنا ابلعي ووراء والارائك والاكواب مأثور هود وقسط كفر رمزه سقر هون يصدون والمنساة مسطور شهر مجوس واقفال يهود حوا ريون كنز وسجين وتتبير بعير آزر حوب وردة عرم أل ومن تحتها عبدت والصور ولينة فومها رهو وأخلد من جاة وسيدها القيوم موقور وقمل ثم أسفار عنى كتبا وسجدا ثم ربيون تكثير وحطة وطوى والرس نون كذاعدن ومنفطر الاسباط مذكور
مسك أباريق ياقوت رووا فهناما فات من عدد الاسباط مذكور وبعضهم عد الاولى مع بطائنها والاخرة لمعاني الضد مقصور (1) اخرجه الترمذي (2910) وابن أبي شيبة 10 / 461، والطبراني في الكبير 18 / 7 6، والسيوطي في الدر 1 / 22.
(2) التحرير والتحبير لاقوال أئمة التفسير في معاني كلام السميع البصير وهو تفسير مجير للشيخ العلامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان المعروف بابن النقيب.
(3) اخرجه الحاكم 2 / 315، وانظر الدر المنثور 3 / 2، 3 والكنز (2850)، وابن كثير 3 / 233.
(4) اخرجه الطبراني في الصغير 1 / 81، وانظر المجمع 7 / 19، والدر المنثور 3 / 2.
(*)(10/297)
(...) وروى الطبراني وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة الانعام بمكة ليلا جملة، وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح (1).
وروى الامام أحمد ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا استخرجت (الله لا اله الا هو الحي القيوم) (البقرة 255) من تحت العرش فوصلت بها (2).
وروى الطبراني عن أنس وابن المنذر عن أبي جحيفة وعبد بن حميد عن ابن المنكدر والفريابي وابن راهويه عن شهر بن حوشب وابن مردويه عن ابن مسعود والطبراني وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد والبيهقي والخطيب عن علي نحوه، ولم يقف الامام النووي على هذه الاحاديث فأنكر نزول الانعام جملة وتعقبه الحافظ في أماليه رحمه الله تعالى وهذه المسألة من زياداتي والله تعالى أعلم.
السادسة والخمسون:
وبأنه دعوة وحجة ولم يكن لمثل هذا النبي قط منهم انما يكون لكل نبي منهم دعوة، ثم تكون له حجة غيرها، وقد جمعها الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن فهو دعوة بمعانيه حجة بألفاظه، وكفى الدعوة شرفا أن تكون حجتها معها، وكفى الحجة شرفا أن لا تفصل الدعوة عنها قاله الحليمي رحمه الله تعالى.
السابعة والخمسون: وبأنه أعطى من كنز العرش ولم يعط أحد منه.
الثامنة والخمسون: وبالفاتحة.
التاسعة والخمسون: وبآية الكرسي.
الستون: وبخواتيم سورة البقرة.
* هامش * (1) انظر الدر المنثور 3 / 2، وابو نعيم في الحلية 3 / 44.
(2) اخرجه أحمد 5 / 26 وانظر المجمع 6 / 311، والكنز (2548).
(*)(10/298)
الحادية والستون: وبالسبع الطوال - بكسر المهملة وفتح الواو.
الثانية والستون: وبالمفصل..روى أبو عبيد وابن الضريس كلاهما في (الفضائل) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الكرسي من كنز تحت العرش ولم يعطها نبي قبل
نبيكم (1).
وروى أبو عبيد عن كعب قال: ان محمدا أعطي أربع آيات لم يعطها موسى (لله ما في السموات وما في الارض) (البقرة 284) حتى ختم البقرة فتلك ثلاث آيات وآية الكرسي.
روى الامام أحمد والطبراني والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت هذه الايات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي) (2).
وروى مسلم والنسائي وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل إذا سمع نقيضا من السماء من فوق فرفع جبريل بصره الى السماء فقال: يا محمد هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط الا اليوم فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل الى الارض لم ينزل قط الا اليوم فسلم وقال: أبشر بنورين أتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف الا أوتيته.
وروى الحاكم عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش والمفصل نافلة) (3).
وروى البيهقي عن واثلة بن الاسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، مكان الزبور المبين، ومكان الانجيل المثاني، وفضلت بالمفصل (4).
وروى أبو الشيخ في الثواب والطبراني والضياء في المختارة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع أنزلت من كنز تحت العرش لم ينزل منه شئ غيرهن، أم * هامش * (1) البخاري في التاريخ 1 / 249، والسيوطي في الدر 1 / 226، 227.
والكنز (2563، 4059).
(2) اخرجه أحمد 5 / 383.
والبيهقي 1 / 213.
وانظر المجمع 6 / 312.
وانظر الفتح 1 / 439.
(3) اخرجه الحاكم 1 / 559.
(4) اخرجه أحمد 4 / 107.
والطبري في التفسير 17 / 34.
وانظر المجمع 7 / 46، 158.
والدر المنثور 2 / 116.
(*)(10/299)
الكتاب، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، والكوثر) (1).
وروى ابن جرير، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) (الحجر 87) قال: هي السبع الطوال ولم يعطهن أحد الا النبي صلى الله عليه وسلم وأعطي موسى منهن اثنتين (2).
وروى ابن مردويه عنه في الاية قال: ادخرت لنبيكم صلى الله عليه وسلم ولم تدخر لنبي سواه (3).
الثالثة والستون: وبالبسملة.
قلت: الصحيح المشاركة لما في القرآن من سورة النمل.
الرابعة والستون: وبأن معجزاته صلى الله عليه وسلم مستمرة الى يوم القيامة، وهي القرآن ومعجزات سائر الانبياء انقرضت لوقتها كما تقدم في أول المعجزات عد هذه ابن عبد السلام رضي الله عنه.
الخامسة والستون: وبأنه صلى الله عليه وسلم أكثر الانبياء معجزات، فقد قيل: انها تبلغ ألفا، قاله البيهقي، وقيل: ألفا ومائتين، نقله النووي، وقيل: ثلاثة آلاف سوى القرآن، ذكره البيهقي ونقله الزاهري من الحنفية سوى القرآن، فان فيه ستين ألف معجزة تقريبا، وأظن أن كتاب الشيخ أصل هذا الكتاب، لا يقتصر عن ذلك، وتقدم بيان ذلك في أول المعجزات.
السادسة والستون: وبأن في معجزاته صلى الله عليه وسلم معنى آخر هو أنه ليس في شئ من معجزاته غيره ما ينحو نحو اختراع الاجسام، وانما ذلك في معجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم خاصة، قاله الحليمي،
قلت: وذلك كتكثيره التمر والاطعمة كما تقدم بيان ذلك في المعجزات.
السابعة والستون: وبأنه جمع له كل ما أوتيه الانبياء من معجزات وفضائل ولم يجمع ذلك لغيره بل اختص بكل نوع.
* هامش * (1) السيوطي في الدر 1 / 5.
وانظر الكنز (2504).
(2) انظر المجمع 7 / 46.
(*)(10/300)
وقال بعضهم: اختص الله تعالى بعضا بمعجزات في الافعال كموسى، وبعضا بالصفات كعيسى، ونبينا بالمجموع لتمييزه.
وروى البيهقي في مناقب الامام الشافعي رضي الله عنه عن عمرو بن سوار السروجي، قال: ما أعطى الله نبيا قط شيئا الا وقد أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم أكثر، قال عمرو: فقلت له قد أعطى الله عيسى أكثر منه أن يحيي الموتى، قال الشافعي: فالجذع الذي كان يخطب جنبه قبل أن يجعل له المنبر حين حن الى النبي صلى الله عليه وسلم يعني فهذا أكبر من ذلك وتقدم بيان هذا في موازنة معجزات الانبياء بمعجزاته صلى الله عليه وسلم.
الثامنة والستون: وبانشقاق القمر.
التاسعة والستون: وبتسليم الحجر.
السبعون: وبحنين الجذع.
الحادية والسبعون:وبنبع الماء من بين الاصابع ولم يثبت لواحد من الانبياء مثل ذلك، ذكره سلطان العلماء ابن عبد السلام.
الثانية والسبعون: وبكلام الشجر.
الثالثة والسبعون: وبشهادتها له بالنبوة.
الرابعة والسبعون: وباجابتها دعوته.
الخامسة والسبعون: وباحياء الموتى وكلامهم.
السادسة والسبعون: وبكلام الصبيان والمراضع.(10/301)
السابعة والسبعون: وشهادتهم له بالنبوة ذكره الدماسي وتقدم الكلام على ذلك في المعجزات.
الثامنة والسبعون: وبأنه خاتم النبيين وآخرهم بعثا فلا نبي بعده، قال تبارك وتعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيين) (الاحزاب 40).
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثلي ومثل الانبياء كمثل رجل بنى بيتا فاحسنه وأكمله الا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) (1)، والاحاديث في هذا كثيرة شهيرة.
ولا يقال: (عيسى) ينزل في آخر الزمان، فانه كان نبيا قبله ورفعه الله تعالى لحكمة اقتضتها الارادة الالهية وإذا نزل لا يأتي بشريعة مستقلة ناسخة لشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم بل انما يحكم بشريعتنا وللشيخ رحمه الله تعالى في ذلك مصنف حافل.
التاسعة والسبعون: وبأن شرعه صلى الله عليه وسلم مؤبد لا ينسخ.
الثمانون: وبأنه ناسخ لجميع الشرائع قبله.
قال الله سبحانه وتعالى: (وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه) (المائدة 48) (بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) (التوبة 33).
الحادية والثمانون: ولو أدركه الانبياء لوجب عليهم اتباعه قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم: (لو كان موسى حيا اليوم لما وسعه الا أن يتبعني) وتقدم بيان ذلك في الباب السادس.
الثانية والثمانون: وبأن في كتابه وشرعه الناسخ والمنسوخ، قال الله عز وجل: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها ومثلها) (البقرة 106) ليس في سائر الكتب مثل ذلك ولهذا كان اليهود ينكرون النسخ، والسر في ذلك أن سائر الكتب نزلت دفعة واحدة فلا يتصور أن يقع فيها * هامش * (1) اخرجه البخاري من حديث جابر 6 / 558 (3534)، مسلم 4 / 1791 (23 / 2287) ومن حديث ابي هريرة مسلم (20 / 2286) (21).
(*)(10/302)
الناسخ والمنسوخ، لان شرط الناسخ أن يتأخر انزاله عن المنسوخ.
الثالثة والثمانون:وبعموم الدعوة للناس كافة.
قال الله سبحانه وتعالى: (وما أرسلناك الا كافة للناس) (سبأ 28).
وقال تبارك وتعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) (الفرقان 1).
روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان النبي يبعث الى قومه خاصة، وبعثت الى الناس عامة) قال الامام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: الجن داخلون في مسمى الناس، وصرح به أئمة اللغة.
وروى أبو يعلى والطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ان الله فضل محمدا على أهل السماء، وعلى الانبياء.
قال ابن عباس، ما فضله على أهل السماء ؟ قال: ان الله تعالى قال لاهل السماء: (ومن يقل منهم اني اله من دونك فذلك نجزيه جهنم) (الانبياء 29) قال لمحمد: (انا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (الفتح 1) فقد كتب له براءة قالوا: فما فضله على الانبياء ؟ قال: (ان الله تعالى قال: (وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم) (ابراهيم 4) وقال لمحمد: (وما أرسلناك الا كافة للناس) (سبأ 28) فأرسله الى الانس والجن.
وروى البخاري في تاريخه والبزار والبيهقي وأبو نعيم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان النبي يبعث الى قومه خاصة، وبعثت أنا الى الجن والانس)، فان قيل: كان نوح مبعوثا الى أهل الارض بعد الطوفان، لانه لم يبق الا من كان مؤمنا معه، وقد كان مرسلا إليهم فالجواب: ان عموم هذا الارسال من نوح لم يكن من أصل البعثة وانما اتفق بالحادث الذي وقع، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد اهلاك سائر الناس.
وذكر ابن الجوزي انه كان في الزمن الأول إذا بعث نبي الى قوم بعث غيره الى آخرين وكان يجتمع في الزمن الأول جماعة من الرسل وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك، وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة: انه أول رسول الى أهل الارض فليس المراد به عموم بعثه بل أولية الرسالة، وعلى تقدير أن يكون مرادا
فهو بخصوص تخصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن ارسال نوح كان الى قومه، ولم يذكر انه أرسل الى غيرهم، واستدل بعضهم بعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الارض وأهلكوا بالغرق الا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكون، لقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (الاسراء 15) وقد ثبت أنه أول الرسل، وأجيب بجواز أن يكون(10/303)
غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح، وعلم نوح أنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه، ومن غيرهم فأجيب، قال الحافظ: وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نبئ في زمن نوح غيره ويحتمل ان يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم بقاء شريعته الى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه أو بعده فينسخ بعض شريعته ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه الى التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب، والى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هود، قال: وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد بطول المدة، ووجهه ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون في حق بعض الانبياء وان كان التزام فروع شريعته ليس عاما لان منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم ويحتمل أنه لم يكن في الارض عند ارسال نوح الا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها الى قومه فقط وهي عامة في الصورة: لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم، قال العيني: وفيه نظر لا يخفى لانه تكون بعثته عامة لقومه لكونهم هم الموجودين ثم قال العيني: وعندي جواب آخر، وهو جيد ان شاء الله تعالى وهو ان الطوفان لم يرسل الاعلى قومه فقط الذين هو فيهم ولم يكن عاما.
انتهى.
وهو كلام من ليس له اطلاع على أخبار الطوفان فانه عم الارض بأسرها ولم ينج منه الا من كان في السفينة.
الرابعة والثمانون: وبأنه أكثر الانبياء تابعا.
روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أكثر الناس تابعا).
وروى عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما صدق نبي من الانبياء ما صدقت، ان من الانبياء من لم يصدقه من أمته الا الرجل الواحد).
وروى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي معي من أمتي يوم القيامة مثل السيل والليل فتحطم الناس حطمة فتقول الملائكة لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع سائر الامم والانبياء).
الخامسة والثمانون: وبارساله الى الخلق كافة من لدن آدم والانبياء نواب له بعثوا بشرائع له مغيبات فهو نبي الانبياء قاله السبكي والبارزي في التوفيق وتقدم مبسوطا في الباب أول الكتاب.
السادسة والثمانون: وأرسل الى الجن بالاجماع، والى الملائكة في أحد قولين رجحه السبكي والبارزي(10/304)
وابن حزم والشيخ قال تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) (الفرقان 1) العالمون شامل للملائكة كما هو شامل للانس والجن، وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين) (الفاتحة 1) شامل لهؤلاء الثلاثة، فكذلك هذا، والاصل بقاء اللفظ على عمومه حتى يدل الدليل على اخراج شئ منه، ولم يدل هنا دليل على اخراج الملائكة، ولا سبيل الى وجوده، لا من القرآن ولا من الحديث، وقد نوزع من ادعى الاجماع على عدم ارساله إليهم، فمن أين تخصيصه بالانس والجن فقط دون الملائكة ؟ وكذا قوله تعالى: (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) (الانبياء 107) فانه شامل للملائكة ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (وقالوا: اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) (الانبياء 26) يعني الملائكة (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون، ومن يقل منهم: اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم) (الانبياء 27، 28، 29).
كذلك روى ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: (ومن يقل منهم) قال: يعني الملائكة.
وروى ابن المنذر نحوه عن ابن جريج رضي الله عنه، وفي حديث ابن عباس فهذه الاية انذار للملائكة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الذي أنزل عليه وقد قال تعالى: (وأوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ) (الانعام 19) قال الشيخ: ولم أقف الى الان على انذار، وقع في القرآن للملائكة سوى هذه الاية.
والحكمة في ذلك واضحة، لان غالب المعاصي راجعة الى البطن والفرج، وذلك يمتنع عليهم من حيث الخلقة فاستغنى عن انذارهم فيه، ولما وقع من ابليس، وكان منهم على ما رجحه غير واحد، منهم النووي أو فيهم نظير هذه المعصية أنذروا فيها، وقد أفرد الشيخ رحمه الله تعالى الكلام على هذه المسألة مؤلفا سماه (تزيين الارائك في ارسال النبي الى الملائك) بسط فيه الادلة، فليراجعه من أراده.
أعطى الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم من الملائكة أمورا لم يعطها أحد من الانبياء، وقال الشيخ جلال الدين المحلي في شرح (جمع الجوامع)، وفي تفسير الامام الرازي والبرهان للنسفي: حكاية الاجماع في تفسير الاية الثانية، يعني آية الفرقان على انه لم يكن مرسلا إليهم وعبارة الامام قالوا: هذه الاية تدل على أحكام.
الأول: أن العالم كل ما سوى الله فيتناول جميع المكلفين من الجن والانس والملائكة لكنا أجمعنا على أن قوله (أجمعنا) ليس صريحا في اجماع الامة، لان مثل هذه العبارة تستعمل لاجماع الخصمين المتناظرين بل لو صرح به لمنع فقد قال الامام السبكي في جواب السؤال(10/305)
عن رسالته الى الجن في تعداد الايات الدالة عليه، الاية العاشرة (ليكون للعالمين نذيرا) (الفرقان 1) قال المفسرون كلهم في تفسيرها للجن والانس وقال بعضهم: والملائكة.
انتهى.
وبالجملة فالاعتماد على تفسير الرازي والنسفي في حكاية الاجماع حكاية أمر لا تنهض حجته على طريق علماء النقل لان مدارك نقل الاجماع من كلام الائمة وحفاظ الامة كابن
المنذر، وابن عبد البر ومن فوقهما في الاطلاع كالائمة أصحاب المذاهب المتبوعة من يلتحق بهم في سعة دائرة الاطلاع والحفظ والاتقان.
السابعة والثمانون: وبارساله رحمة للعالمين حتى للكفار بتأخير العذاب ولم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الامم المكذبة.
قال الله سبحانه وتعالى: (وما أرسلناك الا رحمة) (الانبياء 107) وقال تبارك وتعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) (الانفال 33).
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله: ألا تدعو على المشركين ؟ قال: (انما بعثت رحمة، ولم أبعث عذابا).
روى ابن جرير والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في الاية الاولى قال: من آمن به تمت له الرحمة على الدنيا والاخرة، ومن لم يؤمن به عوفي مما كان يصيب الامم من عاجل الدنيا من العذاب، والخسف، والمسخ، والقذف.
روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين).
وروى الامام العلامة أبو الثناء محمود جمال الدين بن محمد بن جملة في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: كونه صلى الله عليه وسلم رحمة لاهل الدنيا بأجمعهم واضح وأما الملائكة فهو رحمة لهم من وجوه: أحدها: صلاتهم عليه رحمة لهم، فقد ثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا) وأي فائدة أنفع من هذه ؟.
الثاني: قال القاضي عياض في الشفاء: حكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل صلى الله عليه وسلم: (هل(10/306)
أصابك من هذه الرحمة شئ ؟) قال: نعم كنت أخشى العاقبة فأمنت، لثناء الله تعالى علي بقوله: (ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) (التكوير 20، 21).
الثالث: مقامه المحمود يوم القيامة يحمده فيه الاولون والاخرون، والملائكة وغيرهم والانبياء وأتباعهم.
قال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه مسلم: (وأخرت الثالثة ليوم يرغب الي الخلق كلهم حتى ابراهيم).
ثم نقل عن عمه قاضي القضاة ابي العباس أحمد رضي الله عنه أن الحكمة في تخصيص ابراهيم أن الله تعالى أمر نبينا صلى الله عليه وسلم باتباعه وهو مع هذا فهو يرغب إليه في ذلك اليوم.
انتهى.
الرابع: قال الله تعالى: (ان الله وملائكته) (الاحزاب 56) ولم يقل: (والملائكة) تعظيما لشأنهم لعظم شأن من يصلي عليه ثم في تأخيره سبحانه وتعالى الخبر رحمة لهم واضحة حين جمعهم معه في خبر، واحتمل أن يكون.
وقد قال تعالى: (شهد الله انه لا اله الا هو هو والملائكة وأولو العلم) (آل عمران 18) الاية فذكر سبحانه وتعالى ما شهد به، ثم عطف شهادة الملائكة، وأولي العلم عليه، ولا كذلك في هذه الاية فانظر الى هذا التعظيم العظيم، بسبب صلاتهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
التاسعة والثمانون: وبأن الله عز وجل أقسم بحياته، قال الله تعالى: (لعمرك، انهم لفي سكرتهم يعمهون) (الحجر 72).
روى أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي وابو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما خلق الله تعالى وما ذرأ نفسأ أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما حلف بحياة أحد قط الا بحياة محمد، فقال: (لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون) (الحجر 72).
وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حلف الله
تعالى بحياة أحد الا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم قال: (لعمرك، انهم لفي سكرتهم يعمهون) (الحجر 72).
العمر: بفتح العين وضمها واحد لكنه في القسم بالفتح لكثرة الاستعمال.
التسعون: وباقسام الله تبارك وتعالى على رسالته قال: (يس، والقرآن الحكيم، انك لمن المرسلين) (يس 1، 3).(10/307)
الحادية والتسعون: وبتولي الله سبحانه تعالى الرد على أعدائه عنه صلى الله عليه وسلم بخلاف من تقدمه من الانبياء، كانوا يدافعون عن أنفسهم ويردون على أعدائهم لقول نوح: (يا قوم، ليس بي ضلالة) (الاعراف 61) وقول هود: (يا قوم، ليس بي سفاهة) (الاعراف 67) وأشباه ذلك ونبينا صلى الله عليه وسلم تولى الله سبحانه وتعالى تبرئته عما نسب إليه أعداؤه ورد عليهم بنفسه.
فأجاب حين قالوا: (مجنون): (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) (القلم 2) وأجاب عنه تعالى حين قالوا: (هو شاعر) فقال: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) (يس 69) فنفى الله تبارك وتعالى عنه الشعر بسائر الاوزان.
وأجاب سبحانه وتعالى عنه حين قالوا: (افترى القرآن)، فقال عز وجل: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) (يونس 37).
الافتراء: الكذب.
وأجاب تبارك وتعالى اسمه عنه حين قالوا: (انما يعلمه بشر) فقال عز وجل: (بلسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) (النحل 103)، وأجاب تقدس اسمه عنه حين قال العاص بن وائل، انه أبتر، فقال سبحانه وتعالى: (ان شانئك هو الابتر) (الكوثر 3).
الثانية والتسعون: وبمخاطبته سبحانه وتعالى له بألطف ما خاطب به الانبياء، فان الله تعالى قال لداود صلى الله عليه وسلم: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) (ص 26)، وقال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: (وما ينطق عن الهوى) (النجم 3)، تنزيها له عن ذلك بعد الاقسام عليه، وقال عن موسى: (ففررت منكم لما خفتكم) (الشعراء 21) وقال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: (واذ يمكر بك الذين كفروا) (الانفال 30) الاية فكنى عن خروجه وهجرته بأحسن العبارات ولم يذكره بالفرار الذي فيه نوع من الغضاضة.
الثالثة والتسعون: وبأنه تعالى قرن اسمه صلى الله عليه وسلم باسمه في كتابه في ثمانية مواضع: أولها: الطاعة، قال الله تبارك وتعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (النساء 80) وقال عز وجل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (آل عمران 32)، (وآمنوا بالله ورسوله) (الحديد 7) فجمع بينهما بواو العطف المشركة، ولا يجوز جمع هذا الكلام في حق غيره صلى الله عليه وسلم.
ففي سنن أبي داود عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقولن(10/308)
أحدكم: ما شاء الله، وشاء فلان، ولكن: ما شاء الله، ثم شاء فلان) فالواو تقتضي الجمع دون الترتيب على الصحيح وثم: تقتضي الترتيب مع التراخي.
ثانيها: المحبة، قال الله جل جلاله: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (آل عمران 31) فجعل عز وجل علامة محبته اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به ونهى عنه وشرط مع ذلك محبته اياهم ومغفرة ذنوبهم.
ثالثها: في المعصية، قال الله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله) (النساء 41).
رابعها: في العزة، قال الله تعالى: (ولله العزة ولرسوله) (المنافقون 8) أي الامتناع وجلالة القدرة.
خامسها: في الولاية، قال الله سبحانه وتعالى: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) (المائدة 55)، والولاية إذا كانت بمعنى الولاء جاز فيها الفتح والكسر، والولاية بكسر الواو: الامارة.
وسادسها: في الاجابة، قال تعالى: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) (الانفال 24).
سابعها: في التسمية، قال الله سبحانه وتعالى: ((ان الله بكم لرؤوف رحيم) (الحديد 9)، وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: (حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (التوبة 128)، ولهذه تتمة تقدمت في آخر باب أسمائه الشريفة.
ثامنها: في الرضى، قال الله عز وجل: (والله ورسوله أحق أن يرضوه) (التوبة 62) فالله رفع بالابتداء ورسوله عطف عليه وأحق أن يرضوه، الخبر فان قيل: جاز رد الضمير الواحد في الله وفي رسوله أحق أن يرضون ولم يقل يرضوهما، فالجواب أن رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الله، فترك، لانه دال عليه مع الاتحاد.
الرابعة والتسعون: وباقسام الله تعالى ببلده، قال تعالى: (لا أقسم بهذا البلد، وأنت حل بهذا البلد) (البلد 1، 2).
الخامسة والتسعون: وباقسام الله تبارك وتعالى بعصره، قال عز وجل: (والعصر، ان الانسان لفي خسر) (العصر 1، 2)، نقل الرازي والبيضاوي وغيرهما، ان المراد بالعصر هنا زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهذه المسألة من زيادتي.(10/309)
السادسة والتسعون: وبان الله تعالى فرض على العالم طاعته والتأسي به فرضا مطلقا لا شرط فيه ولا استثناء فقال جل اسمه: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (الحشر 7)، وقال: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (النساء 80)، وقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (الاحزاب 21) واستثنى في التأسي بخليله، فقال: (قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم) الى أن قال: (الا قول ابراهيم لابيه لا ستغفرن لك) (الممتحنة 4) الاية.
وبأنه تعالى وصفه في كتابه عضوا عضوا فقال في وجهه: (قد نرى تقلب وجهك) (البقرة 144)، وفي عينيه: (ولا تمدن عينيك) (طه 131)، وفي لسانه: (فانما يسرناه بلسانك) (الدخان 58)، وفي يده وعنقه: (ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك) (الاسراء 29)، وفي صدره وظهره: (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) (الشرح 1، 2، 3)، وفي قلبه: (نزله على قلبك) (البقرة 97) وفي خلقه: (انك لعلى خلق عظيم) (القلم 4).
السابعة والتسعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم فضل الله تبارك وتعالى مخاطبته من مخاطبة الانبياء قبله تشريفا له واجلالا وذلك ان الامم كانوا يقولون لانبيائهم: راعنا سمعك فنهى الله هذه الامة أن يخاطبوا نبيهم بهذه المخاطبة فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا، وقولوا: انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم) (البقرة 104).
الثامنة والتسعون: وبأنه تعالى لم يخاطبه في القرآن باسمه بل: (يا أيها الرسول) (يا أيها النبي) بخلاف غيره من الانبياء فلم ينادهم الا بأسمائهم كما قال تعالى في حق غيره (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) (البقرة 35) (يا نوح، انه ليس من أهلك) (هود 46) (أن
يا ابراهيم، صدقت الرؤيا) (الصافات 105)، (يا لوط، انا رسل ربك) (هود 81)، (يا داود، انا جعلناك خليفة في الارض) (ص 26)، (يا موسى، اني أنا الله رب العالمين) (القصص 30)، (يا زكريا، انا نبشرك بغلام اسمه يحيى) (مريم 7) (يا يحيى، خذ الكتاب بقوة) (مريم 12) (يا عيسى ابن مريم، اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك) (المائدة 11) وجمع في الذكر بين اسمه واسم خليله ابراهيم فسمى الخليل، وكنى محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: (ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه، وهذا النبي) (آل عمران 68)، فهذا غاية الاجلال(10/310)
والتعظيم صلى الله وسلم عليهما.
فان قيل: قد ذكر باسمه في قوله تعالى: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) (الصف 6)، (وآمنوا بما أنزل على محمد) (محمد 2) (وما محمد الا رسول) (آل عمران 144)، (محمد رسول الله) (الفتح 29)، (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) (الاحزاب 40)، وغير ذلك فكيف يتم ما تقدم ؟ فالجواب أنه انما ذكر باسمه للتعريف بأنه الذي أخذ الله عهده على الانبياء بالايمان به، ولو لم يسمه لم يعرفوه بذلك، والنداء انما هو بالاجلال والتعظيم، والتسمية في مقام الخبر، فان قيل: فقد ناداه ب (: X يا أيها المزمل) (المزمل 1)، وب (: X يا أيها المدثر) (المدثر 1) فالجواب: أن هذا من باب التلطيف والرفق.
وقال الامام العلامة جمال الدين محمود بن محمد بن جملة: ان قيل: والحكمة في التصريح باسمه في حديث الاعمى الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه برفع العمى عنه فعلمه أن يقول: (اللهم اني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، اني قد توجهت بك الى ربي في حاجتي) الى آخره فيمكن أن يقال في الأول: انه انما كان كذلك، لانه لما كان التعليم من جهته تواضع لربه فصرح باسمه الى آخره.
وأما الثاني: فلم يذكر الاسم فيه الا مقترنا بالتعظيم، وهو وصفه للنبي بالرحمة، إذ المقام يقتضي ذلك، وظهر لي هاهنا معنى حسن وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا ألجم الناس
العرق وسألوا عن من يشفع لهم الى ربهم فسألوا آدم فمن بعده الى أن ينتهوا الى عيسى، فيقول: اذهبوا الى محمد، فانه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فذكره باسمه الدال على الصفة التي يحمده بها جميع الخلائق، وكأنه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود الذي يطلب فيه الشفاعة له، علمهم أن يذكروا هذا الاسم الذي هو صفته في عرصات القيامة، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه في وحين يأتي في ذلك اليوم، ويخر لربه ساجدا، يقول له ربه سبحانه وتعالى: يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع الى آخره فيناديه سبحانه وتعالى باسمه يا محمد، لما تقدم من المعنى، وفي الدنيا يناديه البارئ تعالى ب (: X يا أيها النبي) (يا أيها الرسول) فانظر الى هذا التعظيم العظيم ينادي في كل مقام بأشرف تعظيم يناسبه ذلك المقام ففي الدنيا بالنبوة والرسالة يشهد له بهما، وفي الاخرة لما تحقق الخلائق ناداه باسمه لما اشتمل عليه من المعنى المناسب لذلك المقام، وخص هذا الاسم من بين الاسماء، ليشهد له أيضا سبحانه وتعالى بما دل عليه من المعنى المناسب لذلك اليوم وكيفا سبحانه وتعالى بما دل على صفة يحمده بها الخلق ليستدل بالنداء بها صلى الله عليه وسلم على قبول شفاعته ثم عقب ذلك سبحانه وتعالى بقوله: قل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه فهو تكريم بعد تكريم، وتعظيم بعد تعظيم، وتفخيم بعد تفخيم.(10/311)
التاسعة والتسعون: وبأنه تعالى حرم على الامة نداءه باسمه بخلاف سائر الامم، فان أممهم كانت تخاطبهم بأسمائهم كما حكاه الله تعالى عنهم في القرآن، فقال تعالى لهذه الامة: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) (النور 63).
روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الاية قال: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله تعالى عن ذلك اعظاما لنبيه فقالوا: يا نبي الله، يا رسول الله، وروى البيهقي عن علقمة بن الاسود رضي الله عنه في الاية قال: لا تقولوا: يا محمد، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله.
وروى أبو نعيم في الاية قال: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يعظم، ويسود، وأما قول حماد أن ثعلبة قال له: يا محمد، فلعله كان قبل النهي عن مخاطبته باسمه، إذ رأى انما جاء لاسباب الرسالة ولوازمها فلهذا لم يخاطبه بها.
مائة: وبأنه يكره أن يقال في حقه الرسول، بل رسول الله، لانه ليس فيه من التعظيم ما في الاضافة، قاله الشافعي رضي الله عنه.
الواحدة بعد المائة: وبأنه فرض على من ناجاه أن يقدم بين يدي نجواه صدقة ثم نسخ ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) (المجادلة 12).
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الاية قال: ان المسلمين أكثروا المسألة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما قال ذلك خف كثير من الناس وكفوا عن المسألة فأنزل الله تبارك وتعالى: (أأشفقتم) (المجادلة 13) الاية فوسع الله عليهم ولم يضيق.
روى سعيد بن منصور عن مجاهد قال: كان من ناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق بدينار، وكان أول من صنع ذلك علي بن أبي طالب، ثم نزلت الرخصة (فإذا لم تفعلوا، وتاب الله عليكم) (المجادلة 13).
الثانية بعد المائة: وبأنه لم يره الله تعالى في أمته شيئا يسوءه حتى قبضه بخلاف سائر الانبياء.(10/312)
الثالثة بعد المائة:وبأنه حبيب الرحمن.
الرابعة بعد المائة: وبأنه جمع له بين المحبة والخلة.
روى البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتخذ الله ابراهيم خليلا، وموسى نجيا، واتخذنيى حبيبا، ثم قال: وعزتي وجلالي لاوثرن حبيبي على خليلي ونجيي).
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو يعلى عن أبي هريرة في حديث المعراج (فقال له ربه: قد اتخذتك خليلا، وهو مكتوب في التوراة محمد حبيب الرحمن) وتقدم بيان ذلك كله في أسمائه الشريفة.
الخامسة بعد المائة: وبأنه جمع له بين الكلام والرؤية.
السادسة بعد المائة: وبأنه كلمه عند سدرة المنتهى وكلم موسى بالجبل، عد هذه ابن عبد السلام، وتقدم بيان ذلك في باب المعراج.
السابعة بعد المائة: وبأنه جمع له بين القبلتين كما تقدم بيان ذلك في الحوادث، والله أعلم.
الثامنة بعد المائة: وبأنه جمع له بين الهجرتين (والقبلتين) قلت: النبي صلى الله عليه وسلم لم يهاجر الا هجرة واحدة الى المدينة فقط، ولم أفهم ما المراد بالهجرة الثانية، فان أريد بها هجرة أصحابه الى الحبشة ففيه نظر، والله تعالى أعلم.
التاسعة بعد المائة: وبأنه جمع له بين الحكم بالظاهر والباطن والعمل بمقتضى كل منهما خصوصية له
تفرد بها عن سائر الخلق.
أما أولياء أمته فليس لهم العمل بالحقيقة ولا الحكم بمقتضاها باجماع المسلمين، وانما يعملون بالشريعة فقط.
قال القرطبي: أجمع العلماء على بكرة أبيهم أنه لا يجوز للحاكم أن يقتل بعلمه، وقال(10/313)
ابن دحية: اختص النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان له قتل من اتهمه بالزنى من غير بينة، ولا يجوز ذلك لغيره.
انتهى.
ولو رفع الينا ولي قتل غلاما أبواه مؤمنان، واحتج على ذلك بأنه كشف له أنه طيع كافرا لقتلناه، قصاصا بحكم الشرع بالاجماع، لانه صلى الله عليه وسلم لم يأذن لاحد من أمته أن يقتل بحكم الحقيقة في قتل ولا غيره، ولو أراد أحد من أرباب الكشف أن يقتدي بامام بينه وبينه حائل في غير المسجد لمنع صحة الاقتداء، لحكمنا ببطلان صلاته، ولم نعرج على ما يقع له من الكشف الذي يرفع فيه الجدر وتزال فيه الحجب، لان الاولياء وغيرهم مكلفون بالعمل بالشرع وقد نص أهل الحقيقة على أنه لا يعمل بالحقيقة، وانما هي علم لا عمل فلم يكن لاحد من الاولياء مساواة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما الانبياء فمنهم من بعثه تعالى ليحكم بالشريعة فقط، ويعمل بها، كموسى عليه الصلاة والسلام، ولم يأذن له أن يحكم بالحقيقة، ولا يعمل بها، وان علمها، ومنهم من بعثه ليحكم بالحقيقة فقط، ويعمل بها كالخضر عليه الصلاة والسلام، ولم يأذن له أن يحكم بالشريعة، وان علمها ويبعث الله تعالى من يشاء من أنبيائه بما يشاء.
وقال شيخ الاسلام البلقيني في (شرح البخاري) في قول الخضر لموسى: اني على علم من الله علمنيه لا ينبغي لك أن تعلمه، وأنا على علم من علم الله علمكه الله لا ينبغي لي أن أعلمه.
هذا قد يشكل بأن العلم المذكور في الجهتين، كيف لا ينبغي أن يعلمه قال: وجواب هذا حمل العلم على تنفيذه والمعنى لا ينبغي لك أن تعلمه لتعمل به، لان العمل به مناف لمقتضى الشرع، ولا ينبغي لي أن أعلمه فأعمل بمقتضاه، لانه مناف (لمقتضى) (1) الحقيقة،
(قال: فعلى هذا لا يجوز للولي التابع للنبي صلى الله عليه وسلم إذا اطلع على الحقيقة أن ينفذ ذلك بمقتضى الحقيقة) (2)، وانما عليه أن ينفذ الظاهر.
قال الحافظ في (الاصابة): قال أبو حيان في تفسيره: الجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه بمعرفة بواطن أوحيت إليه، وعلم موسى الحكم بالظاهر، فأشار الى أن المراد في الحديث بالعلمين الحكم بالظاهر والباطن لا أمر آخر.
وقد قال شيخ الاسلام تقي الدين السبكي: ان الذي بعث به الخضر عليه السلام شريعة له فالكل شريعة، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فانه أمر أولا أن يحكم بالظاهر دون ما اطلع عليه من الباطن * هامش * (1) في ج X لعلم.
(2) سقط في ج) * (.
X(10/314)
والحقيقة، كغالب الانبياء عليهم الصلاة والسلام، ولهذا قال: (نحن نحكم بالظاهر) وفي لفظ: (انما أقضي بالظاهر والله يتولى السرائر).
وقال: (انما أقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فانما هي قطعة من النار) وقال للعباس: (أما ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فالى الله تعالى) وقال في تلك المرأة: (لو كنت راجما أحدا من غير بينة لرجمتها)، وقال أيضا: (لولا القرآن لكان لي ولها شأن) فهذا كله صريح في أنه انما يحكم بظاهر الشرع بالبينة أو الاعتراف دون ما أطلعه الله عليه من بواطن الامور وحقائقها، ثم ان الله تبارك وتعالى زاده شرفا، وأذن له أن يحكم بالباطن، وما اطلع عليه من حقائق الامور، فجمع له بين ما كان للانبياء، وما كان للخضر خصوصية خصه الله بها ولم يجمع الامران لغيره.
العاشرة بعد المائة: وبأنه نصر بالرعب مسيرة شهر أمامه وشهر خلفه.
الحادية عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وفواتحه وخواتمه.
روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر) الحديث.
وروي أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم).
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيرة شهرين.
وروي أيضا عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي).
وروى الطبراني بسند حسن عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دفعت إليه قال: (أما اني سألت الله أن يعينني بالسنة تخيفكم، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم) قال: فقال بيديه جميعا: أما اني قد خلقت هذا، وهكذا ألا أو من بك، ولا أتبعك، فما زالت السنة تخيفني وما زال الرعب يجعل في قلبي حتى قمت بين يديك(10/315)
(أفبالله الذي أرسلك، أهو أرسلك بما تقول ؟ قال: (نعم...) الحديث.
وروى النسائي نحوه مختصرا.
وروى البزار برجال الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتت الصباء الشمال ليلة الاحزاب فقالت: مري حتى تنصري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال: ان الحرة لا تسري بالليل.
وتقدم الحديث في غزوة الخندق.
وقوله: (مسيرة شهر) مفهومه أنه لا يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في
أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن الامام أحمد: (ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر) فالظاهر اختصاصه بها مطلقا.
وروى ابن أبي شيبة في مسنده، وأبو يعلى عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت فواتح الكلم، وجوامعه وخواتمه).
قال الحافظ: وانما جعل الغاية شهرا لانه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه.
وقال تلميذه الخضري: وهذا فيه نظر، بل دعوته بلغت أطراف البلاد البعيدة مما مسيرته أكثر من شهر، وكل من لم يجبه الى الاسلام، فهو عدوه اللهم الا أن تحمل العداوة على من راسله واستمر على المخالفة والمنابذة.
قلت: الظاهر أن مراد الحافظ بالعداوة هنا من تصدى لقتال، والله تعالى أعلم.
وهذه الخصوصية حاصلة له صلى الله عليه وسلم على الاطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، ويرحم الله البوصيري حيث قال: كأنه وهو فرد من جلالته في عسكر حين تلقاه وفي حشم تنبيه: في حديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما مسيرة شهر وفي حديث لابن عباس مسيرة شهرين والرواية الاولى مقدمة على الثانية بالصحة.
قلت: لا مخالفة بينهما.
قال محمد بن شهاب الزهري: بلغني أن (ايتاءه صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم) أن جوامع الكلم أن يجمع الله تعالى له الامور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الامر الواحد والامرين، وقال الهروي: هي القرآن، جمع الله فيه الالفاظ الشهيرة من المعاني الكثيرة وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني ومن تأمل الاحاديث الصحيحة ظهر له ذلك وقد ذكرت شيئا من ذلك في باب فصاحته صلى الله عليه وسلم.
قال الامام القاضي أبو بكر محمد بن أبي الوليد أحمد بن عيسى بن حجاج الاشبيلي(10/316)
قاضي مراكش رحمه الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم: (بين يدي) يشعر أنه يريد إذا شرعت في حركة لعدو يقدمني الرعب إليهم، وبيني وبينهم مسيرة شهر، ولا شك أن كل متوجه لقتال قوم لابد من وقوع خوف منه لاول سماعهم، بتوجهه إليهم على مسيرة شهر، أو على أكثر، أو على أقل، هذا الذي خص به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر والله تعالى أعلم أن الرعب اللاحق للمقصود على مراتب، رعب يلحق على البعد، ورعب يلحق على القرب (...).
ثم قال: ان الرعب الذي يلحق بالمشاهدة يلحق من توجهه صلى الله على مسيرة شهر، ومن هنا يعرف حكمة التخصيص بشهر وذلك أن سليمان صلى الله عليه وسلم سخر له الجن والريح تجري به من غدوته وروحته مسيرة شهر فكان إذا توجه نحو عدو كانت مرحلته إليه مسيرة شهر لغيره فكان رعب المشاهدة يأتي منه على مسيرة شهر لقطعه اياه في الرحلة الواحدة، فأعطى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رعب المشاهدة على مقدار تلك المسافة، وان لم يكن يلحق اياه بعد قطعها، والله تعالى أعلم.
انتهى كلامه وظاهر حديث السائب رضي الله عنه أن العدو الواحد لا يكون في جهتين بعيدتين وانما يكون في احدى الجهات، اما أمامه أو خلفه فهو يرعب ولو لم يقابله، فأطلق الشهر باعتبار احدى الجهتين، وكذا لو كانا عدوين في جهتين أمامه وخلفه فالشهر نهاية مسافة الخوف، ولم أر من نبه على هذا وهو بديع والله تعالى أعلم.
الثانية عشر بعد المائة: وبأنه نصر بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وكانت عذابا على من قبله كما رواه الامام الشافعي.
روى الطبراني باسناد رجاله ثقات عن أنس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور) (1).
الثالثة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي مفاتيح خزائن الارض على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس عد هذه ابن عبد السلام رضي الله عنه.
الرابع عشر بعد المائة: وبهبوط اسرافيل عليه ولم يهبط على أحد قبله.
عد هذه ابن منيع رضي الله عنه.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الارض فوضعت بين يدي)، قال أبو هريرة: فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها.
* هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/317)
وروى الامام أحمد وابن حبان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبلق، جاء به جبريل عليه قطيفة من سندس).
وروى الطبراني بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فقال: (يا جبريل، ما أمسى لال محمد سفة من دقيق ولا كفة من سويق)، فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هذه من السماء، فأتاه اسرافيل فقال: ان الله سمع ما ذكرت فبعثني اليك بمفاتيح خزائن الارض، وأمرني أن أعرض عليك أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا وفضة، فعلت: فان شئت نبيا ملكا، وان شئت نبيا عبدا فأومأ إليه جبريل أن تواضع فقال: (بل نبيا عبدا).
وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لقد هبط علي ملك من السماء ما هبط على نبي قبلي، ولا يهبط على أحد بعدي وهو اسرافيل، فقال: أنا رسول ربك اليك، أمرني أن أخبرك، ان شئت نبيا عبدا، وان شئت نبيا ملكا، فنظرت الى جبريل، فأومأ الي أن تواضع، فلو أني قلت: نبيا ملكا لسارت الجبال معي ذهبا).
وسبقت أحاديث من هذا النمط في باب زهده صلى الله عليه وسلم وقال الامام الخطابي: المراد بخزائن الارض ما فتح على الامة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما، ويحتمل معادن الارض التي فيها
الذهب والفضة، وقيل: يحمل على ما سواهم من ذلك.
قلت: وهو الاظهر، والاحاديث تشعر به وقيل: المراد بمفاتيح خزائن الارض بلادها التي ستفتح له ولامته ويصل إليها دينه وشرعه فصار حكمه فيها كحكم الملك على ما تحت يده يتصرف فيها بأمر ربه تبارك وتعالى كيف أمره، وقيل: أراد الله تعالى تنبيهه على ذلك واعلامه بأن دينه سيبلغ مشارق الارض ومغاربها، وكذلك وقع، ولله الحمد على ذلك، وهذا معنى بديع يتعين اعتقاده وتكون الخصوصية له صلى الله عليه وسلم وهي أن بلاده التي تدخل في طاعته، وتصير تحت حكمه تسلم مفاتيحها في يده عطية من الله تبارك وتعالى، ولذلك أخبر أمته صلى الله عليه وسلم بفتح كثير من البلاد كما تقدم في المعجزات.
الخامسة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم جمع له بين النبيوة والسلطان.
عد هذه الغزالي رحمه الله تعالى ونصه لاجل اجتماع النبوة والملك والسلطنة لنبينا صلى الله عليه وسلم كان أفضل من سائر الانبياء، فانه أكمل الله به صلاح الدين والدنيا ولم يكن السيف والملك لغيره من الانبياء.
روى البيهقي عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى: (وقل رب أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) (الاسراء 80) قال: أخرجه من مكة مخرج صدق وأدخله المدينة مدخل صدق، قال: وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة(10/318)
له بهذا الامر الا بسلطان، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولاقامة كتاب الله، فان السلطان عزه من الله جعلها بين أظهر عباده، لولا ذلك لاغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم، قلت: وقد يشكل على كلام الغزالي.
السادسة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي علم كل شئ الا الخمس.
روى الامام أحمد والطبراني بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أوتيت مفاتيح كل شئ الا الخمس: (ان الله عنده علم الساعة) (لقمان 34) الاية.
وروى الامام أحمد وابو يعلى عن ابن مسعود قال: أوتي نبيكم مفاتيح كل شئ غير الخمس، (ان الله عنده علم الساعة)...الاية.
وروى الامام أحمد وسعيد بن منصور والبخاري في الادب عن ربعي بن حراش قال: حدثني رجل من بني عامر أنه قال: يا رسول الله، هل بقي من العلم شئ لا تعلمه ؟ قال: (لقد علمني خيرا، وان من العلم ما لا يعلمه الا الله تعالى: الخمس: (ان الله عنده علم الساعة) الاية.
وروى الفريابي والشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن الا الله، لا يعلم في غد الا الله، ولا متى تقوم الساعة الا الله، ولا ما في الارحام الا الله، ولا متى ينزل الغيث الا الله، وما تدري نفس بأي أرض تموت الا الله، وما تدري نفس ماذا تكسب الا الله).
السابعة عشر بعد المائة: وبأنه أوتي علم الخمس وأمر بكتمها، قاله بعضهم، قلت: والاحاديث السابقة تبين أن ذلك خلاف الصواب ولذلك سقتها.
الثامنة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم أطلع على الروح فيما قاله بعضهم.
التاسعة عشر بعد المائة: وبأنه بين له صلى الله عليه وسلم في أمر الدجال ما لم يبين لاحد.
روى الامام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بعث نبي الا حذر أمته الدجال واني قد بين لي في أمره ما لم يبين لاحد، انه أعور وان ربكم ليس بأعور).(10/319)
عشرون بعد المائة:وبأنه صلى الله عليه وسلم وعد بالمغفرة وهو يمشي حيا صحيحا، عد هذه ابن عبد السلام وابن كثير رضي الله عنهما قال الله سبحانه وتعالى: (انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (الفتح 1، 2).
روى البزار بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلت على الانبياء بست لم يعطهن أحد قبلي، غفر لي ما تقدم من ذنبي، وما تأخر)...الحديث.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما أمن الله أحدا من خلقه الا محمدا صلى الله عليه وسلم قال: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (الفتح 2) وقال للملائكة: (ومن يقل منهم: اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم) (الانبياء 29).
رواه أبو يعلى والطبراني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما تدري نفس مغفور لها ليس هذا الرجل الذي بين لنا أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله الله عليه وسلم.
رواه الحاكم.
وروى ابن سعد عن مجمع بن جارية رضي الله عنه قال: لما كنا بضجنان رأيت الناس يركضون وإذا هم يقولون: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فركضت مع الناس حتى توافينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقرأ: (انا فتحنا لك فتحا مبينا) (الفتح 1)، فلما نزل بها جبريل عليه السلام قال: يهنيك يا رسول الله، فلما هنأه جبريل عليه السلام هنأه المسلمون.
وقد تقدم الكلام على ذلك في المعجزات.
الحادي والعشرون بعد المائة: وبشرح صدره صلى الله عليه وسلم.
الثانية والعشرون بعد المائة: وبوضع وزره صلى الله عليه وسلم.
الثالثة والعشرون بعد المائة: وبرفع ذكره صلى الله عليه وسلم.
قال الله سبحانه وتعالى: (ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك) (الانشراح 1 - 4).
وروى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت: يا رب انه كان قبلي رسل منهم من كان يحيي الموتى، ومنهم من سخرت له الريح، قال: ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، ألم أرفع لك ذكرك ؟ قلت: بلى يا رب).(10/320)
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك) (الانشراح 4) قال: (قال لي جبريل: قال الله: إذا ذكرت ذكرت معي).
وروى ابن أبي حاتم عن أبي قتادة رضي الله عنه في الاية قال: رفع الله ذكره في الدنيا والاخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة الا ينادي، أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.
الرابعة والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم عرض عليه ما هو كائن في أمته حتى تقوم الساعة.
روى الطبراني عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عرضت علي أمتي البارحة لدى هذه الحجرة أولها وآخرها) فقال: يا رسول الله: عرض عليك من خلق، فيكف بمن لم يخلق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوروا لي بالماء والطين حتى اني لاعرف بالانسان منهم من أحدكم بصاحبه).
وروى الديلمي عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلت لي أمتي في الماء والطين، وعلمت الاسماء كلها كما علم آدم الاسماء كلها).
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المعراج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع ولا
المتبوع منهم، ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الاعين كأنما خرمت أعينهم بالخيط فلم يخف علي ما هم لاقون من بعدي).
وروى الامام أحمد والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وابو نعيم عن أم حبيبة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أريت ما تلقى أمتي من بعدي وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقا من الله أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل).
وتقدم في المعجزات في باب اخباره صلى الله عليه وسلم بالكوائن بعده من ذلك شئ كثير.
السادسة والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم عرض عليه الخلق كلهم، آدم فمن بعده كما علم آدم أسماء كل شئ، قاله أبو اسحاق الاسفراييني في تعليقه، والعراقي في شرح المهذب.(10/321)
السابعة والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم سيد الناس يوم القيامة.
الثامنة والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق على الله فهو أفضل من سائر النبيين والمرسلين والملائكة المقربين.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد الناس يوم القيامة) فإذا كان سيدهم في الاخرة كان سيدهم في الدنيا من باب أولى، لان مقام الاخرة أشرف من الدنيا، لاجتماع النبيين والمرسلين وغيرهم، وانما خص يوم القيامة بالذكر، لظهور سؤدده في ذلك المقام لكل أحد من غير منازع، بخلاف الدنيا فقد نازعه ملوك الكفار وزعماء المشركين، وهذا قريب من قوله تعالى: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) (غافر 16) مع أن الملك له سبحانه وتعالى قبل ذلك، لكن كان في الدنيا من يدعي الملك، أو من يضاف إليه مجازا فانقطع كل ذلك، قاله النووي، ورواه أبو داود بلفظ: (أنا سيد الناس) ولم
يذكر يوم القيامة.
ورواه الشيخان بلفظ: (أنا سيد ولد آدم) فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يطلع على أنه سيد الناس، فلما اطلع على ذلك قال: (أنا سيد الناس).
وروى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: (وما من بني آدم فمن دونه الا تحت لوائي).
وروى الحارث عن مسلم بن سلام رضي الله عنه قال: ان أكرم الناس أو خلق الله تعالى عليه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وان الجنة في السماء، وان النار في الارض، فإذا كان يوم القيامة بعث الله الخليقة أمة واحدة ونبيا نبيا، حتى يكون محمد وأمته آخر الامم من كذا، ثم يوضع جسر جهنم ثم ينادي مناد: أين محمد وأمته ؟ فيقوم وتتبعه أمته برها وفاجرها.
تنبيه: قال الهروي: السيد هو الذي يفوق قومه في الخير وغيره.
وقال غيره: هو الذي يفزع إليه في الشدائد والنوائب، فيقوم بأمورهم، ويحتمل عنهم مكارههم، ويدفعها عنهم، ذكره النووي.
وروى أبو نعيم في المعرفة عن عبد الله بن غنم رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فإذا سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلم علي ملك، فقال: لم أزل استأذن ربي في لقائك حتى إذا كان أوان أذن لي أن أبشرك أنه ليس أحد أكرم على الله منك).(10/322)
وروى البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ان محمدا أكرم الخلق على الله يوم القيامة).
وروى أيضا عن عبد الله بن سلام قال: ان أكرم الخليقة على الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، ولازم هذه الاحاديث تفضيله على جميع الخلائق صلى الله عليه وسلم.
قال العلماء: ولا يرد على ذلك حديث: (لا تخيروني من بين الانبياء على موسى) وحديث أنه قيل له: يا خير البرية، قال: (ذاك ابراهيم) وحديث: (لا تفضلوا بين الانبياء) لان عن ذلك أجوبة منها: أنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه خير الخلق.
ومنها: أنه قاله على سبيل التواضع ونفي الكبر.
ومنها: أنه منع للتفضيل في حق النبوة والرسالة، فان الانبياء على حد واحد، إذ هي شئ واحد لا يتفاضل وانما التفاضل بأمور أخر زائدة عليها وكذلك الرسل ومنهم أولو العزم من الرسل، ومنهم من رفع مكانا عليا، ومنهم من أوتي الحكم صبيا.
التاسعة والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم أفرس العالمين عد هذه ابن سراقة.
ثلاثون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد يغلبه بالقوة قاله ابن منيع، وتقدم في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم بيان ذلك.
الحادية والثلاثون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم أيد بأربعة وزراء جبريل وميكائيل وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
روى البزار والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تعالى أيدني بأربعة وزراء، اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الارض أبي بكر وعمر).
وروى الحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وزرائي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الارض أبو بكر وعمر).
الثانية والثلاثون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم أعطي من أصحابه سبعة عشر مجيبا، وكل نبي أعطي سبعة.
روى الحاكم وابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل نبي
أعطي سبعة رفقاء، وأعطيت أربعة عشر) قيل لعلي من هم ؟ قال: أنا وحمزة وابناي وجعفر وعقيل وأبو بكر وعمر وعثمان والمقداد وسلمان وعمار وطلحة والزبير.(10/323)
الثالثة والثلاثون بعد المائة: وباسلام قرينة.
روى مسدد وأبو يعلى والبزار وابن حبان عن شريك بن طارق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد الا ومعه شيطان)، قالوا: ومعك ؟ قال: (ومعي الا أن الله تعالى أعانني عليه، فأسلم، وما منكم من أحد يدخله عمله الجنة)، قالوا: ولا أنت ؟ قال: (ولا أنا الا أن يتغمدني الله برحمته).
الرابعة والثلاثون بعد المائة: وبأن أزواجه كن عونا له صلى الله عليه وسلم.
روى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلت على الانبياء لخصلتين، كان شيطاني كافرا، فأعانني الله عليه فأسلم، ونيست الخصلة الاخرى).
وروى البيهقي وابو نعيم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلت على آدم بخصلتين، كان شيطاني كافرا فأعانني الله تعالى عليه حتى أسلم، وكن أزواجي عونا لي، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته عونا له على خطيئته).
وروى ابن عساكر عن أبي هريرة مثله.
وروى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد الا ومعه قرينة من الجن، وقرينه من الملائكة) قالوا: واياك يا رسول الله ؟ قال: (واياي، ولكن أعانني الله عليه فأسلم فلا يأمرني الا بخير).
وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن زيد رضي الله عنه أن آدم صلى الله عليه وسلم ذكر محمدا رسول الله، فقال: (ان أفضل ما فضل به علي ابني صاحب البعير، أن زوجته عون له على دينه،
وكانت زوجتي عونا لي على الخطيئة).
قال في الروضة: ويفضل زوجاته على سائر النساء.
قال السبكي في الحلبيات: المراد بسائر: الباقي لا الجميع لئلا يلزم تفضيلهن على أنفسهن، لانهن من جملة النساء، والذي يحمل السؤال التردد بين مجموع الباقي وبين كل فرد منه وجه الاكمال أن النساء جمع معرف وهو محتمل لذلك، إذ دلالة العموم ترجيح كل فرد على فرد، وكذا الاحتمالات في زوجاته، لانه جمع مضاف، والظاهر الحمل على كل فرد من المفضل والمضل عليه، ولانه نص في جانب المفضل عليه وهو: (لستن كأحد من النساء ان اتقيتن) (الاحزاب 32) وعبارة القاضي رضي الله عنه: قال الحسن: نساؤه أفضل نساء العالمين.(10/324)
والمتولي: نساؤه خير نساء هذه الامة المذكورة يحتملهما.
والاية محتملة أيضا لظاهر العموم، وقد يحتج له بأن هذه أمة خير الامم، فنساؤها خير نساء الامم، والتفضيل على الافضل تقضيل على من دونه بطريق الاولى.
وفي هذا بحث من جهة أن التفضيل تحمله هذه الامة، وتفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي تفضيل كل فرد على كل فرد، فقد يكون في الجملة المفضولة واحد أفضل من كل فرد في الجملة الفاضلة، ويكون في باقي الجملة الفاضلة أفراد كثيرة مجموعها أفضل من باقي الجملة المفضولة، أو من كلها، إذا فهمت هذا فانظر الى الاية الكريمة تجدها اقتضت التفضيل على كل فرد لا على الجملة، فان حملناها على العموم اقتضت تفضيل نسائه عليه الصلاة والسلام على كل فرد من جميع النساء، فيلزم أن لا يكون في واحد من النساء المتقدمة.
تنبيه: الاجماع على أن النبي أفضل من غير النبي، وقد اختلفوا في مريم: هل هي نبية أم لا ؟ وكذلك في أم موسى وآسية وحواء وسارة، ولم يصح عندنا في ذلك شئ وقد يشهد لنبوة مريم ذكرها في سورة مريم مع الانبياء، وهي قرينة فإذا ثبتت نبوة أمرأة، فاما أن يكون عاما مخصوصا، واما أن يكون المراد نساء هذه الامة، وفي الحديث: (لم يكمل من النساء الا أربع) ذكر منهن مريم وخديجة.
ولا شك ان خديجة ليست نبية فلا دلالة في الحديث على كون مريم نبية أو ليست نبية، وبقي بحث وهو أن الاية الكريمة نصت على الافراد بقوله: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن) (الاحزاب 32) وهو عام لانه نكرة في سياق النفي، ولا شك أنه إذا أخذ واحد واحد كان مفضلا عليه، وإذا أخذ المجموع لم يلزم ذلك فيه وإذا أخذت جملة من آحاد المجموع احتمل أن يقال: ان حد العموم يشملها، ولا يخرج عنها الا المجموع بضرورة التبعيض، فهذا البحث ينبغي أن ينظر فيه ويعمل ما يقتضيه ولا شك أنك إذا قلت: ما جاءني من أحد من النساء اقتضى نفي مجئ كل واحد منهم مطابقة، واقتضى نفي المجموع التزاما، وأما اقتضاؤه لنفي مجئ جملة منهم فهو بالالتزام كالمجموع، وقد قال القرافي: ان الضمائر عامة والظاهر أنه يحسب ما يعود عليه وهي هنا لجمع مضاف، فهي بجنسه وهو عام يدل ظاهرا على كل فرد ويحتمل المجموع، فضميره كذلك، فان جعلناه للمجموع فمعناه أن جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من كل جمع من النساء قل أو كثر، وهذا نتيجة البحث المتقدم، فان أحدا يجئ هنا بمعني بعض، فهو وان جعلنان لكل فرد فمعناه أن كل واحدة منهن مفضلة على جمع من النساء، على البحث المتقدم.
وأما تفضيل كل واحدة منهن على مجموع النساء سواهن فاللفظ ساكت عنه، وقد ظهر من هذا أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم مفضلات على نساء هذه الامة، وكذا على نساء سائر الامم: ان جعل اللفظ على عمومه ان لم يكن في النساء نبية لكن في هذا اشكال من ثلاثة أوجه:(10/325)
الأول: أن فاطمة رضي الله عنها أفضل كما سنبينه.
دل اللفظ بها أو نقول: انها داخلة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لانها ابنته وهي داخلة معهن في اسم النساء في الجملة، والاضافة مختلفة فيها معنى النبوة، وفيهن بمعنى الزوجية.
الثاني: أن الخطاب للنساء الموجودات حين نزول الاية، فيلزم أنهن أفضل من خديجة، ولا خلاف أن خديجة رضي الله عنها أفضل منهن بعد عائشة، وجوابه: أن خديجة داخلة في جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وان لم تكن مخاطبة لكن دل الخطاب على أن التفضيل انما حاصل للمخاطبات بكونهن نساء النبي حاصل فيها فلا تخرج عن حكمه.
الثالث: أنه يلزم تفضيل حفصة وأم سلمة وزينب وميمونة وسودة وجويرية وأم حبيبة على نساء سائر الامم إذا جعلنا النساء للعموم ولا شك أن مريم أفضل من هؤلاء الثمان للحديث: (لم يكمل من النساء الا أربع) فذكر مريم وخديجة وجوابه: أنا نلتزم التخصيص لذلك، وعند هذا أقول: ان الاية تضمنت تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم بأمور منها: (أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) (الاحزاب 29) وكلهن محسنات فعلمنا أن الله أعد لهن أجرا عظيما عنده، ويصغر في عين العظيم العظائم فمعظم الاجر المعد لهن لا يعلمه الا الله.
ومنها أنهن يؤتين أجرهن مرتين، ولهذا لم يحصل لغيرهن الا للثلاثة المذكورات في القرآن والحديث.
ومنها اعداد الله عز وجل لهن رزقا كريما، والشهداء أثنى عليهم بأنهم عند ربهم يرزقون، وهؤلاء زادهن مع الرزق كونه كريما.
ومنها المعاونة (بينهن وبين) (1) غيرهن وارادته تعالى اذهاب الرجس عنهن، وتطهيرهن تطهيرا مؤكدا، وما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، وليس في الاية الا ذلك، وشرفهن بانتسابهن إليه عليه الصلاة والسلام وأناقة قدرهن بذلك حتى تفارق صفاتهن صفات غيرهن، وليس في الاية تصريح بما أراده الفقهاء، وتكلفوا فيه من التفضيل حتى يتكلف النظر بينهن وبين مريم، فنقول ما قاله الله تعالى بقوله، ونسكت عما سكت عنه، وزعم بعضهم أن أفضل الصحابة زوجاته عليه الصلاة والسلام، لانهن معه في درجته التي هي أعلى الدرجات، وهذا قول ساقط مردود، وأما فاطمة وخديجة وعائشة رضي الله عنهن فقال البلقيني في (فتاويه): الذي نختاره أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، للحديث الصحيح، وأنه قال لفاطمة: (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الامة وسيدة نساء المؤمنين)، وفي النسائي مرفوعا: (أفضل
* هامش * (1) في ج (X عليهن وعن).
(*)(10/326)
نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد) سنده صحيح، فالحديث صريح في أنها وأمها أفضل نساء أهل الجنة، والحديث الأول يقتضي فضل فاطمة على أمها، وفي حديث آخر: (فاطمة بضعة مني) وهو يقتضي تفضيل فاطمة على جميع نساء العالم ومنهن خديجة وعائشة رضي الله عنها وبقية بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: حدثتني فاطمة، قالت: أسر الي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة، وانه عارضني العام مرتين، ولا أراه الا قد حضر أجلي وانك اول أهل بيتي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت، فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الامة ونساء المؤمنين ؟ فضحكت).
وروى البزار عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن فاطمة: (هي خير بناتي أنها أصيبت في).
وأما تفضيل خديجة على عائشة فقد جاء فيه أحاديث بسطتها في (الفيض الجاري).
وأما بقية بنات النبي صلى الله عليه وسلم مع بقية نسائه فبقية بناته أفضل، ويشهد لذلك ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: في الحديث الصحيح عن سعيد بن المسيب قال: أم عثمان من رقية، وأم حفصة من زوجها.
انتهى.
وفي الصحيح: خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة بنت خويلد، والضمير قيل: انه للسماء والارض ويؤيده ما ورد من الاشارة اليهما ويحتمل أن الضمير لمريم، وخديجة على أنهما سيدتان واضافة النساء إليهم كاضافتهن في قوله: أو نسائهن.
ويعود شرحه الى معنى نساء زمانها وفي الصحيح: (ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة) وفي غير الصحيح: (ما أبدلني الله خيرا منها، وهي أول من آمن بي، وظهر عنها من النور والخير ما لا خفاء فيه)، وفي الحديث: (اني رزقت حبها) وبقيت (1) المفاضلة بينها وبين مريم بنت عمران، فان قلنا بنبوة مريم كانت أفضل من فاطمة وان قلنا: ليس بنبية احتمل أنها أفضل، للاختلاف في نبوتها، واحتمل التسوية بينهما، تخصيصا لهما بأدلتهما الخاصة من بين النساء، واحتمل تفضيل فاطمة عليها، وعلى غيرها لما تقدم، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على زوجاته صلى الله عليه وسلم.
الخامسة والثلاثون بعد المائة: وبأن بناته صلى الله عليه وسلم أفضل نساء العالمين.
* هامش * (1) في ج X وثبتت.
(*)(10/327)
روى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها مريم، وخير نسائها فاطمة).
وروى الحارث بن أبي أسامة عن عروة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مريم خير نساء عالمها، وفاطمة خير نساء عالمها).
وروى أبو يعلى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تزوج حفصة خير من عثمان، وتزوج عثمان خيرا من حفصة) قال الحافظ وهذا الحديث مما يستدل به على تفضيل بناته على رفقائه (1).
وروى أبو نعيم عن ابي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة الا ما كان من مريم بنت عمران).
قال ابن دحية في (مرج البحرين): سئل العالم الكبير أبو بكر بن داود بن علي رحمه الله تعالى: من أفضل خديجة أم فاطمة رضي الله عنهما ؟ فقال: (ان فاطمة بضعة مني) ولا أعدل ببضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا.
وقال السهيلي: وهذا استقراء حسن ويشهد بصحة هذا الاستقراء أن أبا لبابة حين ربط نفسه، وحلف أن لا يحله الا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت فاطمة لتحله فأبى لاجل قسمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما فاطمة بضعة مني).
السادسة والثلاثون بعد المائة: وبأن ثواب أزواجه صلى الله عليه وسلم وعقابهن يضاعف تفضيلا لهن وتكريما، قال الله تعالى: (يا نساء النبي، من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين، وكان ذلك على الله يسيرا، ومن يقنت منكن لله ورسوله، وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما) (الاحزاب 30، 31).
وروى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعة يؤتون أجرهم مرتين: أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث.
قال العلماء: الاجر مرتين في الاخرة.
وقيل: أحدهما في الدنيا، والاخر في الاخرة.
واختلف في مضاعفة العذاب فقيل: عذاب في الدنيا وعذاب في الاخرة، وغيرهن إذا عوقب في الدنيا لم يعاقب في الاخرة، لان الحدود كفارات.
* هامش * (1) في ج (X زوجاته).
(*)(10/328)
وقال مجاهد: حدان في الدنيا.
قال سعيد بن جبير: وكذا عذاب من قذفهن يضرب في الدنيا فيجلد مائة وستين جلد.
قال القاضي: وعن بعضهم أن ذلك خاص بغير عائشة، فان قاذفها يقتل، ولا يقتل من قذف واحدة من سائرهن.
قال الماوردي: ان قتل فما في مضاعفة العذاب عليهن من تفضيل.
انتهى.
السابعة والثلاثون بعد المائة: وبأن اصحابه أفضل العالمين الا النبيين.
روى ابن جرير في كتاب السنة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي فجعلهم خير أصحابي كلهم خير واختار أمتي على سائر الامم، واختار من أمتي أربعة قرون، الأول والثاني والثالث تترى والرابع مرادي).
وروى عن بلال بن سعد أبيه رضي الله عنه وكانت له صحبة قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس خير ؟ قال: (أنا وقرني) ثم قلنا: ثم من ؟ قال: (القرن الثاني ثم القرن الثالث) الحديث.
الثامنة والثلاثون بعد المائة: وبأنهم يقاربون عدد الانبياء، وكلهم مجتهدون ولهذا قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).
التاسعة والثلاثون بعد المائة: وبأن مسجده أفضل المساجد وبأن الصلاة فيه تضاعف.
الاربعون بعد المائة: وبأن البلد الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الارض ثم مهاجره على قول الجمهور، وقيل: ان مهاجره صلى الله عليه وسلم أفضل البلاد، واختاره الشيخ وتقدم بيان ذلك في باب فضل المدينة.
الحادية والاربعون بعد المائة: وبأن تربتها مؤمنة.
روى ابن زبالة في حديث: (والذي نفسي بيده، ان تربتها لمؤمنة.
الثانية والاربعون بعد المائة: وأنها مكتوبة في التوراة مؤمنة، وذلك اما لتصديقها بالله حقيقة كذوي العقول إذ لا(10/329)
تبعد أن يكون قد خلق الله تعالى في الجماد قوة قابلة للتصديق وقوة للتكذيب، وقد سمع تسبح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم أو مجازا لاتصاف أهلها بذلك ولانتشار الايمان منها، واشتمالها على أوصاف المؤمنين من النفع والبركة، وعدم الضر والمسكنة، واما لادخال أهلها في الايمان من الاعداء وأمنهم من الدجال والطاعون.
الثالثة والاربعون بعد المائة: وبأن غبارها يطفئ الجذام.
روى ابن الجوزي في الوفاء وابن البخار عن ابراهيم بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غبار المدينة شفاء من الجذام) (1).
روى رزين عن سعد رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك تلقاه رجال من المتخلفين من المؤمنين فأثاروا غبارا فخمروا فغطى بعض من كان معه فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللثام عن وجهه، وقال: (والذي نفسي بيده، ان في غبارها شفاء من كل داء)، قال: وأراه ذكر من الجذام والبرص.
وروى ابن زبالة عن صيفي بن أبي عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، ان تربتها لمؤمنة، وانها شفاء من الجذام)، قال السيد: وقد رأينا من استشفى بغبارها من الجذام، وكان أضر به كثيرا، فصار يخرج الى الكوفة البيضاء ببطحان بطريق قباء، ويتمرغ بها ويتخذ فيها مرقدة فنفعه ذلك جيدا.
قال الامام الحجة يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي عن (...) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتانا الجرب، فإذا هم روباء، فقال: مالكم يا بني الحارث روباء ؟ قالوا أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى، قال: فأين أنتم من صعيب ؟ قالوا: يا رسول الله، ما نصنع به ؟ قال: تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ثم يتفل عليه أحدكم، ويقول: بسم الله، تراب أرضنا، بريق بعضنا شفاء لمريضنا، باذن ربنا، ففعلوا فتركتهم الحمى).
قال أبو القاسم طاهر بن يحيى، فصعيب وادي ببطحان دون الماجشونية، وفيه حفرة مما
يأخذ الناس منها اليوم، إذا وبأ انسان أخذ منه، قال السيد: والماجشونية في الحديبية المعروفة اليوم بالدشنوية، وذكر المجد اللغوي: أن جماعات من العلماء ذكروا أنهم جربوا تراب صعيب للحمى فوجدوه صحيحا.
قال: وأنا بنفسي سقيته غلاما لي مريضا من نحو سنة فانقطعت عنه من يومه وقال: * هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/330)
(...): وكيفية الاستشفاء به أن يجعل في الماء ويغسل به من الحمى.
قال السيد: وينبغي أن يجعل في الماء ثم يتفل عليه ويقال عليه الرقية الواردة ثم يجمع بين الشرب والغسل.
الاربعة والاربعون بعد المائة: وبأن من تصبح بسبع ثمرات عجوة على الريق من بين لابتي المدينة حتى يصبح لم يضره شئ حتى يمسي وان أكلها حين يمسي لم يضره شئ حتى يصبح.
روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان في عجوة العالية شفاء، وانها ترياق أول البكرة).
وروى النسائي والطيالسي والطبرانيى بسند جيد (العجوة من الجنة وهي شفاء من السم).
وروى الامام أحمد والشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من تصبح بسبع تمرات عجوة (1) من بين لابتي المدينة على الريق لم يضره شئ في ذلك اليوم سم ولا سحر).
ولفظ أحمد: (لا شئ حتى يمسي).
قال النووي تخصيصها دون غيرها، وعدد السبع من الامور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الايمان بها واعتقاد فضلها، وما ذكره القاضي والمازري في هذا
باطل وقصدت بذلك (التحذير) (2) من الاغترار به انتهى، وكذلك ما ذكره ابن التين، وهو مردود لان سوق الاحاديث وايراد العلماء لها واطباق العلماء على التبرك بعجوة المدينة وغيرها، يرد التخصيص بزمنه مع أن الاصل عدمه ولم تزل العجوة معروفة بالمدينة يأبرها الخلف عن السلف، ويعلمها كبيرهم وصغيرهم علما لا يقبل التشكيك.
قال ابن الاثير: العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب الى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده وذكر الاخير القزاز، فنقل الارداء التي كاتب سلمان الفارسي، عليها أهله وغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة بالعقير وغيره من العالية كانت عجوة، والعجوة توجد بالعقير الى يومنا هذا، ويبعد أن يكون المراد أن هذا النوع انما حدث بعد زمانه صلى الله عليه وسلم وأن جميع ما يوجد منه من غرسه صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى، قاله السيد.
* هامش * (1) سقط في ج.
X (2) في ح X اعتذر.
(*)(10/331)
الخامسة والاربعون بعد المائة: وبأن نصف فراس الغنم فيها مثل مثلها في غيرها من البلاد.
السادسة والاربعون بعد المائة: وبأنه لا يدخلها الدجال.
السابعة والاربعون بعد المائة: ولا الطاعون.
الثامنة والاربعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم صرف الحمى عنها أول ما ما قدمها ونقلها الى الجحفة، ثم لما أتاه جبريل بالحمى والطاعون أمسك الحمى بالمدينة وأرسل الطاعون الى الشام.
روى الامام أحمد برجال ثقات عن أبي عسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون الى الشام فالطاعون شهادة لامتي ورحمة ورجز على الكافر).
قال السيد: والاقرب أن هذا كان في آخر الامر بعد نقل الحمى بالكلية، لكن قال الحافظ: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان في قلة من أصحابه، فاختار الحمى لقلة الموت بها على الطاعون لما فيها من الاجر والجزيل، وقضيتها اضعاف الاجسام فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى الى الجحفة، ثم كانوا حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون لما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك دخلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار ثم استمر ذلك بالمدينة، يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها عن غيرها.
قال السيد: وهو يقتضي عود شئ من الحمى إليها بآخرة الامر، والمشاهد في زماننا عدم خلوها منها أصلا، لكن ليس كما وصف أولا بخلاف الطاعون، فانها محفوظة عنه الكلية، فالاقرب أنه صلى الله عليه وسلم لما سأل ربه تعالى لامته أن لا يلبسهم شيئا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ذلك، فقال في دعائه: (فحمى اذن أو طاعونا) أراد بالدعاء بالحمى الموضع الذي لا يدخله طاعون، فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء، بل هي رحمة بدعائه صلى الله عليه وسلم، وقد استشكل قرن الدجال بالطاعون مع أن الطاعون شهادة ورحمة فكيف يمتدح بعدمه ؟ وقد يشكل من وجوه: الأول: أن كونه كذلك ليس لذاته، وانما المراد ترتب ذلك عليه، وقد ثبت ذلك من رواية الامام أحمد (يؤخذ أعداؤكم من الجن) فيكون الاشارة بذلك الى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من الطعن به، كما أن الدجال ممنوع منه، ألا ترى أن قتل الكافر المسلم شهادة، ولو ثبت ذلك أن الكفار لا تسلط عليه لحاز غاية الشرف.(10/332)
الثاني: أن أسباب الرحمة لا تنحصر في الطاعون وقد عوضهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه الحمى
حيث اختارها عندما عرضها عليه كما تقدم، وهي طهرة للمؤمن، وحظه من النار، والطاعون يأتي في بعض الاعوام، والحمى تتكرر في كل حين، فتعادلا، وفيه نظر، لان تكثير أسباب الرحمة مطلوب، ولانه لا يرفع اشكال التمدح بعدمه.
الثالث: أنه وان اشتمل على الرحمة والشهادة، فقد ورد أن سببه أشياء تقع من الامة كظهور بعض المعاصي، وقد روى الامام أحمد بأسانيد حسان صحاح عن شرحبيل بن حسنة وغيره (أنه - يعني الطاعون - رحمة ربكم ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم).
وروى الامام أحمد تفسير كونه دعون نبيكم عن أبي قلابة رضي الله عنه بأنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه عز وجل أن لا يهلك أمته السنة، فأعطانيها، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطانيها، وسأله أن لا يلبسهم شيئا، ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: (فحمى إذا أو طاعونا) ثلاثا، فقد تضمن الطاعون نوعا من المؤاخذة، لانه صلى الله عليه وسلم دعا به لتحصل كفاية اذاقة بعضهم بأس بعض، ويكون هلاكهم حينئذ بسبب لا يعصون به فحفظ الله تعالى بلد نبيه صلى الله عليه وسلم من الطاعون المشتمل على الانتقام اكراما لنبيه صلى الله عليه وسلم وجعل لهم الحمى المضعفة للابدان عن اذاقة بعضهم بأس بعض، والمطهرة لهم، بقوله صلى الله عليه وسلم: (فحمى إذا) أي للموضع الذي لا يدخله الطاعون بل عصم منه، وهو جواره الشريف.
وقوله: (أو طاعونا) أي للموضع الذي لم يعصم منه وهو سائر البلاد، هذا ما قال السيد نور الدين، وهذا ما ظهر لي في فهم هذه الاحاديث وهو يقتضي شرف الحمى الواقعة بالمدينة، وفضلها، لانها دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم ورحمة بنا أيضا، لانها من لازم دعوته ولانها جعلت في مقابلة الطاعون الذي هو رحمة لغيرهم فتكون الحمى رحمة لهم فهي غير حمى الوباء الذاهبة من المدينة، والله تعالى أعلم.
قال الحافظ: والحق أن المراد بالطاعون في هذه الاحاديث الذي ينشأ عن طعن الجن فيهيج به الدم في البدن، فهذا لم يدخل المدينة قط.
التاسعة والاربعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم لما عادت الحمى الى المدينة باختياره اياها، لم تستطع أن تأتي أحدا من أهلها حين جاءت ووقفت ببابه، واستأذنته فيمن يبعثها إليه فأرسلها الى الانصار.
روى الامام أحمد برجال الصحيح وابو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (من هذه ؟) قالت: أم ملدم، فأمر بها الى أهل قباء، فلقوا ما لا يعلمه الا الله تعالى، فأتوه، فشكوا ذلك إليه فقال: (ما(10/333)
شئتم ان شئتم (1) دعوت الله عز وجل فيكشفها عنكم، وان شئتم تكون لكم طهورا) وفي لفظ: (طهرت ذنوبكم) قالوا: أو تفعل ؟ قال: (نعم)، قالوا: فدعها.
انتهى.
الخمسون بعد المائة: وباحلال مكة له ساعة من نهار لم تحل لاحد قبله صلى الله عليه وسلم.
الحادية والخمسون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة.
روى الامام أحمد ومسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ومسلم وابن جرير عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان ابراهيم حرم مكة واني حرمت ما بين لابتيها).
زاد جابر: (فلا يعضد شوكها ولا يقطع عضاها).
وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة، فقال: (اللهم اني حرمت ما بين جبليها مثل ما حرم ابراهيم مكة)...الحديث.
الثانية والخمسون بعد المائة: وبأنه لا يقتل حيات المدينة الا بالانذار.
والحديث الوارد في القتل بالانذار خاص بها.
الثالثة والخمسون بعد المائة:
وبأنه يسأل صلى الله عليه وسلم عنه الميت في قبره.
روى الامام أحمد والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أما فتنة القبر فبي تفتنون، وعني تسألون، فإذا كان الرجل الصالح أجلس، فيقال له: ما هذا الرجل الذي كان فيكم ؟ فيقول: محمد رسول الله) الحديث.
قال الحكيم الترمذي وابن عبد البر: سؤال المقبور خاص بهذه الامة.
تنبيه: ذكر بعض من لا علم عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون حاضرا حين سؤال الميت، واستند الى قول: (ما تقول في هذا الرجل) قال الحافظ: (...).
الرابعة والخمسون بعد المائة: باستئذان ملك الموت عليه صلى الله عليه وسلم ولم يستأذن على نبي قبله، وسيأتي بيان ذلك في الوفاة ان شاء الله تعالى.
* هامش * (1) في ح X احييتم.
(*)(10/334)
الخامسة والخمسون بعد المائة: وبتحريم نكاح أزواجه من بعده صلى الله عليه وسلم وأمة وطئها، قال الله سبحانه وتعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله، ولا تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) (الاحزاب 53)، ولم يثبت ذلك لاحد من الانبياء، بل قصة سارة مع الجبار، وقول ابراهيم له: هذه أختي وانه هم أن يطلقها ليتزوجها الجبار قد يستدل به على أن ذلك لم يكن لسائر الانبياء، وما قيل في تعليل ذلك.
انهن أمهات المؤمنين، وان في ذلك غضاضة ينزه عنها منصبه الشريف، وأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، ولهذا حكى الماوردي وجها أنه لا يجب عليهن عدة الوفاة، وفيمن فارقها في الحياة كالمستعيذة والتي رأى بكشحها بياضا، أوجه: أحدها: يحرمن أيضا، وهو الذي نص عليه الشافعي، وصححه في الروضة، لعموم الاية
وليس المراد (بمن بعده) بعدية الموت بل بعدية النكاح.
وقيل: لا.
والثالث: وصححه امام الحرمين والرافعي في (الشرح الصغير) تحرم المدخول بها فقط، والخلاف جار أيضا فيمن اختارت الفراق لكن الاصح فيها عند امام الحرمين والغزالي الحل، وبه قطع جماعة، لتحصل به فائدة التخيير، وهو التمكن من زينة الدنيا، وفي أمة فارقها بعد وطئها أوجه: ثالثها: تحرم ان فارقها بالموت كمارية، ولا تحرم ان باعها في الحياة، قيل: وسبب نزول هذه الاية أن رجلا قال: لو مات محمد لتزوجت عائشة أو أم سلمة فنزلت، رواه الطبراني بسند ضعيف جدا عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه أيضا ابن بشكوال من طريق الكلبي عنه وسمى القائل طلحة بن عبيد الله القرشي، وقد غلط جماعة من العلماء في طلحة هذا فظنوه طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، وليس هو كذلك، انما هو آخر، شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبه، فان طلحة المشهور الذي هو أحد العشرة طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تميم التيمي، وطلحة صاحب القصة طلحة بن عبيد الله بن شافع بن عياض ابن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن كعب بن تميم التيمي.
روى موسى في الذيل نقلا عن ابن شاهين في ترجمة طلحة هذا: هو الذي نزل فيه: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) (الاحزاب 53) الاية نبه على ذلك ابن شاهين، وأبو موسى المديني والحافظ والشيخ وغيرهم رضي الله عنهم.
السادسة والخمسون بعد المائة: وبأن البقعة التي دفن فيها صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن العرش.(10/335)
قال العلماء: محل الخلاف في التفضيل بين مكة والمدينة في غير قبره صلى الله عليه وسلم.
السابعة والخمسون بعد المائة:وبأنه يحرم التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم بيان ذلك في آخر باب أسمائه الشريفة.
الثامنة والخمسون بعد المائة: وبأنه يجوز التسمي باسمه محمد.
التاسعة والخمسون بعد المائة: والتسمي بالقاسم فلا يكنى أبوه ابا القاسم، حكاهما النووي في شرح مسلم.
قال الشيخ: قال سراج الدين بن الملقن في خصائصه: شذ جماعة فمنعوا التسمية باسم النبي صلى الله عليه وسلم جملة كيف ما تكنى حكاه الشيخ زكي الدين المنذري.
وروى ابن سعد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر بن الخطاب جمع كل غلام اسمه اسم نبي فأدخلهم الدار ليغير أسماءهم، فجاء آباؤهم فأقاموا البينة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى عامته فخلى عنهم، قال أبو بكر: وكان أبي فيهم.
الستون بعد المائة: وبأنه يجوز أن يقسم على الله به صلى الله عليه وسلم وليس ذلك لاحد كما في حديث عثمان بن حنيف في قصة الضرير وفيه: (اللهم اني اتوجه اليك بنبيك محمد)، قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يكون هذا مقصورا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه سيد ولد آدم، وان لا يقسم على الله بغيره من الانبياء والملائكة والاولياء، لانهم ليسوا في درجته، وأن يكون مما خص به صلى الله عليه وسلم تنبيها على علو درجته ومرتبته.
الحادية والستون بعد المائة: وبأنه لم تر عورته قط، ولو رآها أحد طمست عيناه، وتقدم في باب حياته حديث عائشة ويأتي الكلام على ذلك في الوفاة.
الثانية والستون بعد المائة: وبأنه لا يجوز عليه الخطأ، عد هذه ابن أبي هريرة والماوردي رضي الله عنه وعلى هذا القول باجتهاده، لانه خاتم النبيين، فليس بعده نبي يستدرك خطؤه بخلافهم، فلذلك عصمه الله
تعالى منه.
وقال الامام الشيرازي رحمه الله تعالى: انه لا يخطئ اجتهاده، وجزم به البيضاوي، وقال ابن السبكي: انه الصواب وهو ما نعتقده وندين به.(10/336)
الثالثة والستون بعد المائة: بأنه لا يجوز عليه النسيان صلى الله عليه وسلم حكاه النووي في شرح مسلم.
الرابعة والستون بعد المائة: وبأنه ما من نبي له خاصة نبوة في أمته الا وفي هذه الامة عالم من علمائه، يقوم في قومه مقام ذلك النبي في أمته، وينحو منحاه في زمانه، ولذا ورد (علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل) وورد: (العالم في قومه كالنبيى في أمته)، قاله البارزي قلت: الحديث الاول، قال الحافظ وغيره: انه موضوع وانما الوارد: (العلماء ورثة الانبياء).
الحديث الأول رواه أبو نعيم بسند ضعيف بلفظ (أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد) والثاني رواه الديلمي بلفظ: (الشيخ في بيته كالنبي في قومه).
الخامسة والستون بعد المائة: وبتسميته صلى الله عليه وسلم عبد الله ولم يطلقها على أحد سواه، وانما قال ذلك (انه كان عبدا شكورا) (الاسراء 3) (نعم العبد) (ص 30) قاله البارزي.
السادسة والستون بعد المائة: وبأنه ليس في القرآن ولا في غيره صلاة من الله على غيره، فهي خصيصة اختصه الله تعالى بها دون سائر الانبياء، قاله البارزي.
السابعة والستون بعد المائة: وبأنه من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا.
الثامنة والستون بعد المائة:
وبأن من صلى عليه عشرا صلى الله عليه مائة.
التاسعة والستون بعد المائة: وبأن من صلى عليه مائة صلى الله عليه ألفا كما سيأتي بيان ذلك في باب فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
السبعون بعد المائة: وبأن الدعاء يتوقف اجابته حتى يصلى عليه، كما سيأتي بيانه في باب مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم (1).
* هامش * (1) سقط في ح) * (.
X(10/337)
الحادية والسبعون بعد المائة: وبأن صلاة أمته تعرض عليه في قبره وسلامهم.
الثانية والسبعون بعد المائة: وبأنه رغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه.
الثالثة والسبعون بعد المائة: وبأنه ما جلس قوم مجلسا ولم يصلوا عليه الا كان علهم ترة وحسرة يوم القيامة وقدموا على أنتن من جيفة.
الرابعة والسبعون بعد المائة: وبأن التحذير لمن ذكر عنده فلم يصل عليه وسيأتي بيان ذلك في باب التحذير من ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
الخامسة والسبعون بعد المائة: وبأنه من نسي الصلاة عليه فقد أخطأ طريق الجنة.
السادسة والسبعون بعد المائة: وبأن من صلى عليه في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب أو لم تزل الصلاة جارية له.
السابعة والسبعون بعد المائة: وبأن الصلاة عليه زكاة وطهارة وكفارة.
الثامنة والسبعون بعد المائة: وموجبة للشفاعة.
التاسعة والسبعون بعد المائة: وسبب للمغفرة.
الثمانون بعد المائة: وبأنه من يصلي عليه في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة.
الحادية والثمانون بعد المائة: وبأن من صلى مرة صلى الله عليه عشرا.
الثانية والثمانون بعد المائة: ورفع له عشر درجات.(10/338)
الثالثة والثمانون بعد المائة: وكتب له عشر حسنات.
الرابعة والثمانون بعد المائة: ومحى عنه عشر سيئات.
الخامسة والثمانون بعد المائة: ويرجى اجابة دعاء من صلى عليه أوله وآخره.
السادسة والثمانون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم سبب كفاية الله تعالى المصلي علي ما أهمه.
السابعة والثمانون بعد المائة: وقرب المصلي عليه منه يوم القيامة.
الثامنة والثمانون بعد المائة: وبأنها تقوم للمعسر مقام الصدقة.
التاسعة والثمانون بعد المائة: وبأنها سبب لقضاء الحوائج.
التسعون بعد المائة: وللبشارة بالجنة قبل موت المصلي عليه.
الحادية والتسعون بعد المائة: وللنجاة من أهوال يوم القيامة.
الثانية والتسعون بعد المائة: ولرد النبي صلى الله عليه وسلم على المصلي عليه.
الثالثة والتسعون بعد المائة: تذكر المصلي ما نسيه.
الرابعة والتسعون بعد المائة: وسبب لطيب مجلس المصلي عليه، وأنه لا يعود عليه حسرة، ولا على من كان منه يوم القيامة.(10/339)
الخامسة والتسعون بعد المائة: وبأنها تنفي الفقر.
السادسة والتسعون بعد المائة: وبأنها تنفي عن المصلي عليه إذا ذكر اسم البخل.
السابعة والتسعون بعد المائة: وبأنها نجاة للمصلي عليه عند ذكره من الدعاء عليه برغم الانف.
الثامنة والتسعون بعد المائة: وبأنها تمر بالمصلي عليه عن طريق الجنة، وسيأتي بيان ذلك في باب التحذير من ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
التاسعة والتسعون بعد المائة: وبأنها تنجي من فتن المجلس.
المائتين: وبأنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدأ فيه مع حمد الله تعالى.
الحادية بعد المائتين: ولزيادة نور المصلي إذا جاز على الصراط.
الثانية بعد المائتين: ولالقاء الله تعالى الثناء الحسن على المصلي عليه بين أهل السماء وأهل الارض.
الثالثة بعد المائتين: وللتزكية في ذات المصلي عليه، وفي عمره وفي عمله وفي أسباب مصالحه.
الرابعة بعد المائتين: ولنيل المصلي عليه رحمة الله تعالى له.
الخامسة بعد المائتين: ولدوام محبة المصلي عليه له، وزيادتها وتضاعفها، وذلك أن العبد كلما أكثر من ذكر محبوبه ومن استحضاره في قلبه واستجلاء محاسنه ويذكر معانية الجالبة لحبه تضاعف حبه
إليه وتزايد شوقه.
السادسة بعد المائتين: ومحبته صلى الله عليه وسلم للمصلي عليه.(10/340)
السابعة بعد المائتين: وبهداية المصلي عليه.
الثامنة بعد المائتين: وحياة قلبه.
التاسعة بعد المائتين: وبأن أسماءه توقيفية جزم به أبو الفتوح الطائي في أربعينه.
العاشرة بعد المائتين: وبأن التسمي باسمه مبارك ميمون.
روى ابن أبي عاصم من طريق ابن أبي فديك عن جهم بن عثمان عن جشيب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تسمى باسمي يرجو بركتي غدت عليه البركة، وراحت الى يوم القيامة).
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ولد له ثلاث، فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل).
الحادية عشرة بعد المائتين: وبكراهة سب من اسمه محمد وضربه.
روى البزار وأبو يعلى وابن عدي والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم.
وروى البزار عن أبي رافع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سميتم محمدا فلا
تضربوه ولا تحرموه).
الثانية عشرة بعد المائتين: وبمطابقة اسمه معناه الذي هو سمته وأخلاقه، فكان اسمه يدل على مسماه، وكانت خلائقه (1) انما هي تفضيل جملة اسمه وشرح معناه، وذلك أن أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم محمد، وتقدم الكلام في باب أسمائه الشريفة بتسميته صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه، وهو الحمد، فانه صلى الله عليه وسلم محمود عند الله، محمود عند الملائكة، محمود عند اخوانه من الانبياء، محمود عند أهل الارض كلهم، وان كفر به بعضهم، فان ما فيه من صفات الكمال * هامش * (1) في ح (X خلايته).
(*)(10/341)
محمودة عند كل عاقل، وان كابر عقله جحود أو عناد أو جهل باتصافه بها، ولو علم اتصافه بها لحمده، فانه يحمد من اتصف بصفات الكمال ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له صلى الله عليه وسلم وقد اختص صلى الله عليه وسلم من معنى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فان اسمه محمد وأحمد، وأمته الحمادون يحمدون الله في السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخطبه مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الاولون والاخرون، وإذا سجد بين يدي الله تعالى في طلب الشفاعة يحمده ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم مؤمنهم وكافرهم أولهم وآخرهم، وهو محمود بما ملأ به الارض من الهدي والايمان، والعلم النافع والعمل الصالح، وما حمله عليه من محاسن الاخلاق ومكارم الشيم، وان من نظر في أخلاقه وشيمه علم أنه خير أخلاق، وقد تقدم ذكر شئ منها.
الثالثة عشرة بعد المائتين: وبأنه الله كلمه بأنواع الوحي وهي ثلاثة: الرؤيا الصادقة، والكلام بغير واسطة، والتكلم بواسطة جبريل صلى الله عليه وسلم ذكره ابن عبد السلام، وتقدم بيان ذلك في أول البعثة.(10/342)
الباب الثاني فيما اختص به عن الانبياء صلى الله عليه وسلم عليهم في شرعه وأمته
وفيه مسائل
الاولى: اختص صلى الله عليه وسلم باحلال الغنائم.
الثانية: وبجعل الارض كلها مسجدا، ولم تكن الامم تصلي الا في البيع والكنائس.
الثالثة: وبالتراب طهورا وهو التيمم.
روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الارض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد بعدي) الحديث.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلت على الناس بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الارض طهورا ومسجدا).
وروى الطبراني عن أبي الدرداء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضلت أنا وأمتي في الصلاة تصف كما تصف الملائكة، وجعل الصعيد لي وضوءا، وجعلت لي الارض مسجدا، وأحلت لي الغنائم).
وروى البخاري في (التاريخ) والبزار والبيهقي وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الانبياء يقربون الخمس، فتجئ النار فتأكله وأمرت أنا أن أقسمه في فقراء أمتي).
قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين: من لم يؤذن له في الجهاد، فلم تكن له غنائم ومنهم من أذن له فيها، لكن كانوا إذا غنموا أشياء لم تحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته كما في الصحيح عن أبي هريرة: (غزا نبي من الانبياء) فذكر القصة الى أن قال: فجمع الغنائم فجاءت - يعني النار - فلم تطعمها.
وعند أحمد ومسلم: (فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار).
زاد في رواية سعيد بن المسيب رضي الله عنه فكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله النار فأكلتها فذكر القصة، وقد تقدمت بكمالها في أواخر شرح قصة المعراج، وفي المعجزات في رد الشمس وفيها: (أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا انتهى فكان من قبلنا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها، وعلامة قبول ذلك أن تنزل النار فتأكلها، وعلامة عدم القبول أن لا تنزل.(10/343)
قوله: (مسجدا) يعني موضع سجوده، وهو وضع الجبهة على الارض، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويحتمل أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز القرآن، لانه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد، قال الخطابي والقاضي: من كان قبل نبينا صلى الله عليه وسلم من الانبياء انما أبيحت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أحمد، بلفظ: (وكان مما قبلي انما كانوا يصلون في كنائسهم)، وهذا نص في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس رضي الله عنه نحو حديث جابر وفيه: (ولم يكن أحد من الانبياء يصلي حتى يبلغ محرابه).
الرابعة: وبالوضوء في أحد القولين، وهو الاصح، فلم يكن الا للانبياء دون أممهم، وبه جزم الحليمي رحمه الله تعالى، واستدل له بحديث الصحيحين: (ان أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء) ورد بأن الذي اختصت به الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، كيف، وفي الحديث: (هذا وضوئي ووضوء الانبياء من قبلي).
قال الحافظ: (والجواب ان هذا الحديث ضعيف، وعلى تقدير ثبوته يحتمل أن يكون الوضوء من خصائص الانبياء دون أممهم الا هذه الامة.
قال الشيخ: هذا الاحتمال قد ورد ما يويده فقد تقدم في باب ذكره في التوراة والانجيل في صفة أمته صلى الله عليه وسلم يوضئون أطرافهم، رواه أبو نعيم عن ابن مسعود مرفوعا والدارمي عن كعب الاحبار والبيهقي عن وهب: (افترضت عليهم أن يتطهروا في كل صلاة، كما افترضت على الانبياء).
ثم رأيت الطبراني روى في الاوسط بسند فيه ابن لهيعة عن بريدة قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ واحدة واحدة، ثم قال: (هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة الا به) ثم توضأ مرتين مرتين فقال: (هذا وضوء الامم قبلكم)، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا، فقال: هذا وضوئي ووضوء الانبياء قبلي).
وفي هذا تصريح بكون الوضوء للامم السابقة، نعم فيه خصوصية لنا عنهم وهو التثليث كما كان للانبياء، ويرشد الى ذلك قول ابن سراقة: خصوا بكمال الوضوء.
قلت: الصحيح بخلاف ما صححه الشيخ في الصغرى، وخلاف احتمال الحافظ، ففي البخاري في قصة سارة مع الملك الذي أعطاها هاجر، أن سارة لما هم الملك بأن يدنو منها، قامت تتوضأ، وفي قصة جريج فيه أيضا أنه قام فتوضأ ثم كلم الغلام.
وروى الامام أحمد من طريق زيد العمي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من(10/344)
توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء الذي لا بد منها، ومن توضأ مرتين فله كفلان من الاجر، ومن توضأ ثلاثا فذاك وضوئي ووضوء الانبياء قبلي).
وروى ابن ماجه والدار قطني عن أبي بن كعب نحوه.
الخامسة: وبمسح الخف.
السادسة: وبجعل الماء مزيلا للنجاسة ويأتي ذلك.
السابعة: وبأن كثير الماء لا يؤثر فيه نجاسة.
الثامنة: وبالاستنجاء بالجامد، ذكر ذلك أبو سعيد النيسابوري في الشرف، وابن سراقة
في الاعداد.
التاسعة: وبالجمع فيه بين الماء والحجر.
العاشرة: وبمجموع الصلوات الخمس.
الحادية عشرة: وبأنه أول من صلى العشاء.
روى الطحاوي عن عبيد الله بن محمد عن عائشة رضي الله عنه قالت: ان آدم لما تيب عليه عند الفجر، صلى ركعتين، فصارت الصبح، وفدي اسحاق عند الظهر، فصلى ابراهيم الظهر أربعا، فصارت الظهر، وبعث عزير، فقيل له: كم لبثت ؟ قال: لبثت يوما، فرأى الشمس، فقال: أو بعض يوم، فصلى أربع ركعات، فصارت العصر، وغفر لداود عند المغرب فقام فصلي أربع ركعات، فجهد فجلس في الثالثة، فصارت المغرب ثلاثا، وأول من صلى العشاء نبينا صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في سننه عن معاذ رضي الله عنه قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة ليلا، حتى ظن الظان أنه قد صلى ثم خرج، فقال: (أعتموا بهذه الصلاة، فانكم فضلتم بها على سائر الامم ولم تصلها أمة قبلكم).
وروى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ابهار الليل، ثم خرج فصلى فلما قضى صلاته، قال لمن حضر: (أبشروا فان من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم) (أو قال: (ما صلى هذه الساعة أحد غيركم)).
تنبيه: قال الامام الرافعي في شرح المسند في قول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (هذا وقت الانبياء قبلك) فذاك يمكن حمله على ما روي من نسبة كل صلاة من الصلوات الخمس الى نبي من الانبياء، فعن عائشة رضي الله عنها سئل عن هذه الصلوات الخمس فقال: (هذه(10/345)
مواريث آبائي واخواني، أما صلاة الهاجرة فتاب الله على داود حين زالت الشمس، فصلى لله
أربع ركعات، فجعلها الله تعالى لي ولامتي تمحيصا، ودرجات، ونسب العصر الى سليمان، والمغرب الى يعقوب، وصلاة العشاء الى يونس، وصلاة الفجر الى آدم فكان المعنى أن كل واحد منهم صلى الصلاة المنسوبة إليه في الوقت الذي يبده.
انتهى.
رواه ابن عساكر بسند ضعيف.
قال شيخنا في (شرح الموطأ): صحت الاحاديث المتعددة في الصحيح وغيره انه لم يصل أحد صلاة العشاء قبل هذه الامة، فيمكن حمل قوله: (وقت الانبياء) على أكثر الصلوات، وذلك ما عدا العشاء، وتبقى على ظاهرها، ويكون ذلك النبي صلاها دون أمته، كما قيل ذلك في قوله: (هذا وضوئي، ووضوء الانبياء من قبلي).
الثانية عشرة: وبالأذان.
الثالثة عشرة: وبالاقامة.
روى سعيد بن منصور عن أبي عمير عن أنس قال: أخبرني عمومة لي من الانصار، قالوا: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، (كيف يجمع) (1) الناس، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فلم يعجبه ذلك، فذكر له القبع، فلم يعجبه ذلك، وقال: (هو من أمر اليهود)، فذكر له الناقوس، فلم يعجبه ذلك، وقال: (هو من أمر النصارى)، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأري الأذان والاقامة في منامه.
انتهى.
والقصة مشهورة في الصحاح وغيرها.
الرابعة عشرة: وبأن مفتاح الصلاة التكبير.
روى عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن أبان قال: لم يعط التكبير لأحد الا هذه الامة.
الخامسة عشرة: وبالتأمين.
السادسة عشرة: وبقول: اللهم ربنا لك الحمد.
السابعة عشرة: وبالصف في الصلاة كصفوف الملائكة.
الثامنة عشرة: وبتحية الاسلام، وهي تحية الملائكة وأهل الجنة.
التاسعة عشرة: وباستقبال الكعبة.
* هامش * (1) في م (كيف يتجمع).
(*)(10/346)
العشرون: وبيوم الجمعة عيدا له ولامته.
روى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حسدتكم اليهود على شئ ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين).
وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم تحسدنا اليهود بشئ حسدنا بثلاث: التسليم، والتأمين، واللهم ربنا لك الحمد).
وروى ابن أبي شيبة والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلت على الناس بثلاث،...) الحديث وفيه: (وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة).
وروى الحارث بن أبي أسامة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت ثلاث خصال: أعطيت صلاة في الصفوف، وأعطيت السلام، وهو تحية أهل الجنة، وأعطيت آمين ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم، الا أن يكون الله، أعطاها هارون، فان موسى كان يدعو ويؤمن هارون).
وروى الامام أحمد والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنهم لا يحسدوننا على شئ كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الامام آمين).
وروى مسلم عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أضل الله تعالى عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الاحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة، والسبت، والاحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة
ونحن الاخرون من أهل الدنيا، والاولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق).
فان قلت: لم يبين كيفية صفوف الملائكة المشبه بها في هذا الحديث ؟ فالجواب: قد بين ذلك في حديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم وأبو داود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟) قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال: يتمون الصفوف المتقدمة، ويتراصون في الصف).
روى الامام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الصفوف، فانما تصفون كما تصف الملائكة، وحاذوا المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا في أيدي اخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله).(10/347)
الحادية والعشرون: وبتحريم الكلام في الصلاة.
روى سعيد بن منصور عن محمد بن كعب القرظي، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، والناس يتكلمون في حوائجهم كما يتكلم أهل الكتاب في الصلاة في حوائجهم، حتى نزلت هذه الاية: (وقوموا لله قانتين) (البقرة 238).
وروى ابن جرير عن ابن عباس في الاية، قال: كل أهل دين يقومون فيها أي يتكلمون، فقوموا أنتم لله مطيعين.
الثانية والعشرون: وبالركوع، فيما ذكره جماعة من المفسرين في قوله تعالى: (واركعوا مع الراكعين) (البقرة 43) أن مشروعية الركوع في الصلاة خاص بهذه الامة، وأنه لا ركوع في صلاة بني اسرائيل، ولذا أمرهم بالركوع مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ: وقد يستدل له بما أخرجه البزار (والطبراني في الاوسط) عن علي رضي الله عنه قال: أول صلاة ركعنا فيها صلاة العصر، فقلت: يا رسول الله، ما هذا ؟ فقال: (بهذا أمرت).
ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم صلى قبل ذلك صلاة الظهر، وصلى قبل فرض
الصلوات الخمس قيام الليل، وغير ذلك، فتكون الصلاة السابقة بلا ركوع قرينة لخلو صلاة الامم السابقة منه.
الثالثة والعشرون: وبصلاة الجماعة.
قال العلامة ابن فرشته في (شرح المجمع) في قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا فهو منا): أراد بقوله: (صلاتنا) صلاة الجماعة، لان الصلاة منفردا موجودة فيمن كان قبلنا، وجزم بذلك قبله من أئمة الشافعية أبو سعيد في (الشرف) وابن سراقة في (الاعداد).
قلت: ذكر ابن دريد أن أول من جمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من الغار في الصبح، ولم تكن قبل جماعة، انما كانوا يصلون فرادى، نقله في الزهد.
الرابعة والعشرون: وبساعة الاجابة.
الخامسة والعشرون: وبصلاة الجمعة.
السادسة والعشرون: وبصلاة الليل.
السابعة والعشرون: وبصلاة العيدين.
الثامنة والعشرون: وبصلاة الكسوفين.
التاسعة والعشرون: وبصلاة الاستسقاء.
الثلاثون: وبصلاة الوتر، ذكر الستة ابن سراقة في الاعداد وأبو سعيد في الشرف.(10/348)
روى الحاكم وصححه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت بعيد الاضحى، جعله الله لهذه الامة).
الحادية والثلاثون: وبقصر الصلاة في السفر.
الثانية والثلاثون: وبالجمع بين الصلاتين في السفر، وفي المطر، وفي المرض في أحد القولين، واختاره الخطابي والنووي والشيخ وبه أفتى السبكي والذهبي.
الثالثة والثلاثون: وبصلاة الخوف، فلم تشرع لاحد من الامم قبلنا.
الرابعة والثلاثون: وبصلاة شدة الخوف، فلم تشرع لاحد من الامم قبلنا.
الخامسة والثلاثون: وبشهر رمضان، ذكره القونوي في شرح التعرف.
السادسة والثلاثون: وباباحة الاكل والشرب والجماع ليلا الى الفجر، وكان محرما على من قبلنا بعد النوم، وكذا كان في صدر الاسلام، ثم نسخ، قلت: أما اختصاص رمضان بهذه الامة فنقله الحافظ عن الجمهور وقالوا في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) (البقرة 183) ان المراد بالتشبيه مطلق الصيام دون وقته وقدره، ورواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن معاذ، وابن مسعود، وغيرهما من الصحابة والتابعين.
وروى ابن جرير عن عطاء في الاية قال: كتب عليهم ثلاثة أيام من كل شهر، وكان هذا صيام الناس قبل ذلك، ثم فرض الله شهر رمضان.
وقال الحسن والشعبي وغيرهما: ان التشبيه على الحقيقة، فيكون صيام رمضان قد كتب على من قبلنا، واستدل ذلك بما رواه ابن أبي حاتم، عن ابن عمر مرفوعا (صيام رمضان كتبه الله على الامم قبلكم) اسناده ضعيف، وله شاهد، أخرجه الترمذي، عن دعقل النسابة، وهو من المخضرمين، ولم يثبت له صحبة.
وروى ابن جرير، عن السدي في الاية، قال: الذين من قبلنا هم النصارى، كتب عليهم رمضان وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا بعد اليوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فاشتد على النصارى صيام رمضان فاجتمعوا، فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا: نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا، فلم يزل المسلمون يصنعون كما تصنع النصارى، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل الله تعالى لهم الاكل والشرب والجماع الى طلوع الفجر، فقال تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم) (البقرة 187) الى قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط(10/349)
الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل) (البقرة 187).
السابعة والثلاثون: وبأن الشياطين تصفد فيه.
الثامنة والثلاثون: وبأن الجنة تزين فيه.
التاسعة والثلاثون: وبأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
الاربعون: وبأن الملائكة تستغفر لهم حتى يفطروا.
الحادية والاربعون: ويغفر لهم في آخر ليلة منه.
روى الاصبهاني في ترغيبه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة كانت قبلكم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، وتصفد مردة الجن والشياطين، فلا يصلون فيه الى ما كانوا يصلون إليه، ويزين الله تعالى جنته في كل يوم فيقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة، ويصيروا اليك، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان) فقالوا: يا رسول الله، هي ليلة القدر قال: (لا، ولكن العامل انما يوفى أجره عند انقضاء عمله).
الثانية والاربعون: وبالسحور.
روى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور).
الثالثة والاربعون: وبتعجيل الفطر.
روى أبو داود، وابن ماجة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال هذا الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر، ان النصارى واليهود يؤخرون).
الرابعة والاربعون: وبتحريم الوصال في الصوم، وكان مباحا لمن قبلنا.
الخامسة والاربعون: وباباحة الكلام في الصوم، وكان محرما على من قبلنا فيه، عكس الصلاة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي: كان من قبلنا من الامم، صومهم الامساك عن الكلام، مع الطعام والشراب، فكانوا في حرج، فأرخص الله لهذه الامة بحذف نصف زمانها، ونصف صومها، وهو الامساك عن الكلام، ورخص لها فيه.
السادسة والاربعون: وبليلة القدر، ولم تكن لمن قبلنا.
ذكره النووي في شرح المهذب، قال: فيه ليلة القدر مختصة بهذه الامة، زادها الله(10/350)
تعالى شرفا، لم تكن لمن قبلنا، هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به أصحابنا كلهم، وجماهير العلماء، وقاله الحافظ في الفتح، وجزم بذلك ابن حبيب، وغيره من المالكية، ونقله صاحب (العمدة) من الشافعية عن الجمهور ورجحه، قال: وسميت ليلة القدر أي: ليلة الحكم، والفصل، وقيل: لعظم قدرها، قال: ويراها من شاء الله تعالى من بني آدم، كما تظاهرت عليه الاحاديث، وأخبار الصالحين، قال: وأما قول المهلب بن أبي صفرة الفقيه المالكي: لا يمكن رؤيتها حقيقة، فغلظ.
انتهى.
وقال مالك في (الموطأ): بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر.
روى الديلمي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله وهب لامتي ليلة القدر، ولم يعطها أحدا ممن كان قبلكم).
وروى ابن أبي حاتم عن عروة رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعا من بني اسرائيل عبدوا الله تعالى ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين، فعجب الصحابة من ذلك، فأتاه جبريل، فقال: قد أنزل الله تبارك وتعالى عليك خيرا من ذلك ليلة القدر خيرا من ألف شهر، هذا أفضل من ذلك، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه.
وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق، عن مجاهد رضي الله عنه، أن
رسول الله صلى الله عليه ذكر رجلا من بني اسرائيل كان يقوم الليل حتى يصبح، ويجاهد القوم بالنهار حتى يمسي، فعل ذلك ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى هذه الاية: (ليلة القدر خير من ألف شهر) (القدر 2)، فقيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر.
قلت: أشار الحافظ في الفتح الى تضعيف قول من قال، انها خاصة بهذه الامة، قال: وعمدة من قال بهذا القول أثر مالك الى السابق، وهو محتمل للتأويل فلا يدفع التصريح من حديث أبي ذر عند النسائي قال: قلت يا رسول الله أتكون مع الانبياء، فإذا ماتوا رفعت أم هي باقية الى يوم القيامة ؟ قال: بل هي باقية الى يوم القيامة.
قال شيخنا في شرح الموطأ: وهذا الحديث الذي ذكره أيضا محتمل التأويل، وهو أن مراده هل يختص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم أم ترفع بعد موته بقرينة مقابلة ذلك بقوله: أم هي باقية الى يوم القيامة، فلا يكون فيه معارضة لاثر الموطأ.
وقد ورد ما يعضده، ففي فوائد أبي طالب المكي من حديث أنس رضي الله عنه: (أن الله تعالى وهب لامتي ليلة القدر ولم يعطها من كان قبلهم).(10/351)
السابعة والاربعون: وبيوم عرفة، ذكره القونوي في (شرح التعرف)، ويجعل يوم عرفة كفارة سنتين، لانه سنته صلى الله عليه وسلم.
الثامنة والاربعون: ويجعل يوم عاشوراء كفارة سنة لانه سنة موسى عليه السلام.
التاسعة والاربعون: وبغسل الايدي قبل الطعام (لانها) سنة، لانه شرع التوراة وبعده، لانه شرعه، رواه الحاكم في تاريخه عن عائشة مرفوعا، وروى في مستدركه عن سلمان رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، قرأت في التوراة بركة الطعام قبله، فقال: (بركة الطعام الوضوء قبله وبعده).
المراد بالوضوء هنا غسل اليد.
الخمسون: وبالاغتسال من العين وبأنه يدفع ضررها.
الحادية والخمسون: وبالاسترجاع عند المصيبة، روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت أمتي شيئا لم يعطهن أحد من الامم، أن يقولوا عند المصيبة: انا لله وانا إليه راجعون).
وروى عبد الرزاق وابن جرير في تفسيرهما عن سعيد بن جبير قال: (لم يعط أحد الاسترجاع غير هذه الامة، ألا تسمعون الى قول يعقوب عليه الصلاة والسلام: (يا أسفا على يوسف) (يوسف 84).
روى البيهقي عن وهب بن منبه أن الله تعالى قال: يا داود اني فضلت محمدا وأمته على الامم كلهم، فذكر الحديث، الى أن قال: وأعطيتهم في المصائب وفي البلايا إذا صبروا قالوا: انا لله وانا إليه راجعون.
الثانية والخمسون: وبالحوقلة.
روى أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما فرغت من أمر السماء...) الحديث، وفيه: قال الله تعالى: (وأنزلت اليك كلمة من كنوز عرشي لا حول ولا قوة الا بالله).
الثالثة والخمسون: وباللحد، ولاهل الكتاب الشق.
وروى الاربعة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللحد لنا، والشق لغيرنا).(10/352)
وروى الامام أحمد عن جرير بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللحد لنا، والشق لاهل الكتاب).
الرابعة والخمسون: وبالنحر ولهم الذبح فيما قاله مجاهد وعكرمة، رواه ابن أبي حاتم وابن المنذر رضي الله عنهما قلت: ما رواه وكيع، وابن أبي حاتم في تفسيرهما، عن عطاء
رضي الله عنه قال: الذبح والنحر في البقر سواء، لان الله تعالى يقول: (فذبحوها) (البقرة 71)، وقال: (فصل لربك وانحر) (الكوثر 2).
الخامسة والخمسون: وبفرق الشعر، ولهم السدل.
روى الستة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ثم فرق بعد.
السادسة والخمسون: وبصبغ الاحمر والاصفر، وكانوا لا يغيرون الشيب.
روى الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم وغيروا الشيب ولا تتشبهوا باليهود).
وروى الاربعة عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن أحسن ما غيرتم به الشيب، الحناء والكتم).
السابعة والخمسون: وبتوفير العثانين.
الثامنة والخمسون: وبتقصير السبال فكانوا يقصرون سبالهم، ويوفرون عثانيهم.
العثانين: جمع عثنون وهي اللحية.
وروى البزار عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوا المجوس، جزوا الشوارب واعفوا اللحى).
وروى مالك والشيخان وابو داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، واحفوا الشوارب).
وروى ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنه قال: جاء رجل من المجوس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هذا ؟) قال: في ديننا، قال: (لكن في ديننا أن تحفي الشوارب، وأن تبقي اللحى).
التاسعة والخمسون: وبالعق عن الذكر والانثى، وكانوا يعقون عن الذكر دون الانثى.
الستون: وبترك القيام للجنازة.
الحادية والستون: وبتعجيل المغرب.(10/353)
الثانية والستون: وبتعجيل الفطر.
الثالثة والستون: وبكراهة اشتمال الصماء.
الرابعة والستون: وبكراهة صوم يوم الجمعة منفردا، وكانت اليهود يصومون يوم عيدهم منفردا.
الخامسة والستون: وبضم تاسوعاء الى عاشوراء في الصوم.
السادسة والستون: وبالسجود على الجبهة، وكانوا يسجدون على حرف.
السابعة والستون: وبكراهة التميل في الصلاة وكانوا يميلون.
الثامنة والستون: وبكراهة تغميض البصر في الصلاة.
التاسعة والستون: وبكراهة الاحتضار.
السبعون: وبكراهة القيام بعد الصلاة للدعاء.
الحادية والسبعون: وبكراهة قراءة الامام فيها في المصحف.
الثانية والسبعون: وبكراهة التعلق في الصلاة بالحبال.
الثالثة والسبعون: ويندب الاكل يوم عيد رمضان قبل الصلاة، وكان أهل الكتاب لا يأكلون يوم عيدهم حتى يصلوا.
الرابعة والسبعون: وبالصلاة في النعال والخفاف.
روى سعيد بن منصور عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا في نعالكم، ولا تشبهوا باليهود)، ورواه أبو داود والبيهقي بلفظ: (خالفوا اليهود، فانهم لا يصلون في خفافهم، ولا نعالهم).
الخامسة والسبعون: وبكراهة الصلاة في المحراب، وكان لمن قبلنا، كما قال تعالى:
(فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب) (آل عمران 39).
روى ابن أبي شيبة في المصنف، عن موسى الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى).
وروى أيضا عن عبيد بن أبي الجعد رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: أن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد، يعني الطاقات.
وروى أيضا عن ابن مسعود قال: اتقوا هذه المحاريب.
وروى أيضا عن علي رضي الله عنه أنه كره الصلاة في الطاق.(10/354)
وروى الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمر مرفوعا: (اتقوا هذه المذابح)، يعني المحاريب.
فان أول ما حدثت المحاريب في زمن عمر بن عبد العزيز، ذكره الواقدي عن محمد بن هلال.
السادسة والسبعون: وبكراهة مجاوبة الامام إذا قرأ.
روى أبو الشيخ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كانت بنو اسرائيل إذا قرأت أئمتهم، جاوبوهم، فكره الله ذلك لهذه الامة، فقال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) (الاعراف 204).
السابعة والسبعون: وبكراهة أن يعتمد الرجل وهو جالس يده اليسرى في الصلاة، وهي صلاة اليهود، رواه الحاكم.
الثامنة والسبعون: وبأنه أذن لنسائنا في المسجد، ومنعت نساء بني اسرائيل.
التاسعة والسبعون: وبأنه لا يجوز فسخ حكم حاكم إذا رفعه الخصم الى آخر يرى خلافه، وكان ذلك في شرعها.
الثمانون: وبالعذبة في العمامة.
روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالعمائم، وأرخوها خلف ظهوركم، فانها سيماء الملائكة).
الحادية والثمانون: وبالائتزار في الاواسط، تقدم في باب ذكره في التوراة، والانجيل وصف هذه الامة بذلك، ولفظه: (ويأتذرون على أوساطهم).
وروى الديلمي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائتزورا كما رأيت الملائكة تأتزر عند ربها الى أنصاف سوقها).
الثانية والثمانون: وبكراهة السدل.
الثالثة والثمانون: وبكراهة الطيلسان المقور.
الرابعة والثمانون: وشد الوسط على القميص.
الخامسة والثمانون: وبكراهة القزع.
السادسة والثمانون: وبالاشهر الهلالية.
السابعة والثمانون: وبأن أمته خير الامم، قال الله سبحانه وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (آل عمران 11).(10/355)
روى الامام أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجة، والحاكم، عن معاوية بن صيدة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الاية: (انكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله).
الثامنة والثمانون: وبأنها مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره.
قال التوربشتي: لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الاخر، فان القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير شبهة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وانما المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة.
وقال البيضاوي: نفى تعلق العلم بتفاوت طبقات الامة في الخيرية، وأراد به نفي
التفاوت كما قال تعالى: ((قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات والارض) (يونس 18) أي بما ليس فيهن كأنه قال لو كان لعلم لانه أمر لا يخفى ولكن لا يعلم) لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية، وفضيلة توجب خيريتها كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشو، والنماء، لا يمكنك انكارها، والحكم بعد نفعها، فان الاولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات، وتلقوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بالاجابة والايمان، والاخرين آمنوا بالغيب، لما تواتر عندهم من الايات، واتبعوا من قبلهم بالاحسان، وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد، فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد، فكل ذنبهم مغفور، وسعيهم مشكور، وأجرهم موفور.
وقال الطيبي: وتمثيل الامة بالمطر، انما يكون بالهدى والعلم كما أن تمثيله صلى الله عليه وسلم الغيث بالهدى والعلم فتختص هذه الامة المشبهة بالمطر، بالعلماء الكاملين منهم المكملين لغيرهم فيستدعي هذا التفسير أن يراد بالخير النفع، فلا يلزم من هذا المساواة في الافضلية، ولو ذهب الى الخيرية، فالمراد وصف الامة قاطبة، سابقها ولاحقها، وأولها وآخرها، (بالخير وأنها ملتحمة بعضها مع بعض مرصوصة بالبنيان) كالحلقة المفرغة، لا يدرى أين طرفاها وفي اسلوب هذا الكلام قول الانمارية: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها تريد المكملة، ويلمح الى هذا المعنى قول الشاعر: الخيار من القبائل واحد وبنو حنيفة كلهم أخيار فالحاصل أن الامة بأسرها مرتبطة بعضها مع بعض في الخيرية، بحيث أبهم أمرها فيها وارتفع التمييز بينها، وان كان بعضها أفضل من بعض في نفس الامر، وهو قريب من باب سوق المعلوم مساق غيره، وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة: تشابه يوماه علينا فأشكلا فما نحن ندري أي يوميه أفضل(10/356)
يوما بداء العمر أم يوم يأسه وما منهما الا أغر محجل
ومن المعلوم علما جليا أن يوم بداءة العمر أفضل من يوم يأسه، لكن البدء لما لم يكن يكمل ويستتب الا باليأس، أشكل عليه الامر، فقال ما قال، وكذلك أمر المطر والامة، انتهى.
التاسعة والثمانون: وبأنها آخر الامم، ففضحت الامم عندهم، ولم يفضحوا.
التسعون: وبأن الله تعالى اشتق لهم اسمان من أسمائه.
الحادية والتسعون: وبأنه تعالى سمى دينه الاسلام، ولم يوصف بهذا الوصف الا الانبياء، قال سبحانه وتعالى: (هو سماكم المسلمين من قبل) (الحج 78).
روى اسحاق بن راهويه، وابن أبي شيبة في المصنف، عن مكحول قال: كان لعمر على رجل من اليهود حق، فأتاه يطلبه، فقال عمر: لا والذي اصطفى محمدا على البشر لا أفارقك فقال اليهودي: والله ما اصطفى الله محمدا على البشر، فلطمه عمر فأتى اليهودي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: (أما أنت يا عمر، فأرضه من لطمته، بل يا يهودي، آدم صفي الله، وابراهيم خليل الله، وموسى نجي الله، وعيسى روح الله، وأنا حبيب الله، بل يا يهودي تسمى الله باسمين، سمى بهما أمتي، هو السلام، وسمى بها أمتي المسلمين، وهو المؤمن، وسمى بها أمتي المؤمنين، بل يا يهودي، طلبتم يوما دخر لنا اليوم، ولك غد، وبعد غد للنصارى، بل يا يهودي، أنتم الاولون، ونحن السابقون يوم القيامة، بل ان الجنة محرمة على الانبياء حتى أدخلها، وهي محرمة على الامم حتى تدخلها أمتي).
وروي عن عبد الله بن زيد الانصاري رضي الله عنه قال: تسموا بأسمائكم التي سماكم الله تعالى بها بالحنفية، والاسلام، والايمان.
انتهى.
الثانية والتسعون: وباباحة الكنز إذا أدوا زكاته.
الثالثة والتسعون: وبأنه أحل لهم كثيرا مما شدد على من قبلهم.
الرابعة والتسعون: وبأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج، قال الله سبحانه وتعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج 78)، وقال عز وجل: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة 185).
روى الامام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فلم يرفع، حتى ظننا أن نفسه قد قبضت فيها، فلما رفع قال: (ان ربي استشارني في أمتي) الحديث، وفيه (وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج، فلم أجد لي شكرا الا هذه السجدة).(10/357)
وروى الفريابي، عن كعب رضي الله عنه قال: أعطيت هذه الامة ثلاث خصال، لم يعطهن الا الانبياء، كان النبي يقال له: بلغ ولا حرج، وأنت شهيد على قومك، وادع أجبك، وقال لهذه الامة: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج 78) وقال: (لتكونوا شهداء على الناس) (البقرة 143) وقال: (ادعوني استجب لكم) (غافر 60).
الخامسة والتسعون: وباباحة أكل الابل.
السادسة والتسعون: والنعام.
السابعة والتسعون: وحمار الوحش.
الثامنة والتسعون: والاوز.
التاسعة والتسعون: والبط.
المائة: وجميع السمك الذي لا قشر عليه.
الحادية بعد المائة: والشحوم.
الثانية بعد المائة: والدم الذي ليس بمسفوح، كالكبد، والطحال، والعروق.
الثالثة بعد المائة: وبرفع المؤاخذة عنهم بالخطأ، والنسيان.
الرابعة بعد المائة: وما استكرهوا عليه.
الخامسة بعد المائة: والاصر الذي كان على الامم قبلهم.
السادسة بعد المائة: وحديث النفس، قال الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا ان نيسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا) (البقرة 286) وقال
تعالى: (ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم) (الاعراف 157).
روى الفريابي في تفسيره عن محمد بن كعب رضي الله عنه قال: ما بعث من نبي، ولا أرسل من رسول، أنزل عليهم الكتاب، الا أنزل الله عليه هذه الاية: (وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) (البقرة 284) فكانت الامم تأتي على أنبيائها، ورسلها، ويقولون: نؤاخذ بما تحدث به أنفسنا، ولم تعمل جوارحنا، فيكفرون، ويضلون، فلما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد على المسلمين ما اشتد على الامم قبلهم، فقالوا: يا رسول الله أنؤاخذ بما نحدث به أنفسنا ولم تعمل جوارحنا ؟ قال: (نعم، فاسمعوا، وأطيعوا، واطلبوا الى ربكم)، فذلك قوله تعالى: (آمن الرسول) (البقرة 258) الاية، فوضع الله عنهم حديث النفس، الا ما عملت الجوارح.
وروى مسلم، والترمذي عنه نحوه، بدون ذكر الانبياء والامم.(10/358)
وروى الامام أحمد، وابن حبان والحاكم وابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
وروى سفيان بن عيينة، والستة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به).
الاصر: الثقل والمشقة، لانه يأصر صاحبه أي يحبسه عن الحس لثقله.
السابعة بعد المائة: وبأن من هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب سيئة، بل تكتب حسنة، فان عملها كتبت سيئة.
الثامنة بعد المائة: ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، فان عملها كتبت عشرا الى سبعمائة ضعف.
روى البيهقي، عن وهب بن منبه قال: ان الله تعالى لما قرب موسى نجيا قال: يا رب اني أحد في التوراة أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون
بالله فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: رب اني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدروهم يقرأنها وكان من قبلهم يقرأون كتبهم نظرا ولا يحفظونها فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد، قال: رب اني أجد في التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الأول والاخر يقاتلون رؤوس الضلالة حتى يقاتلوا الاعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: رب اني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم، وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها نارا فأكلتها فان لم تقبل لهم تأكلها النار فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: يا رب، اني أجد في التوراة أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه، فان عملها كتبت سيئة واحدة، وإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت حسنة، فان عملها كتبت له عشر أمثالها الى سبعمائة ضعف، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
التاسعة بعد المائة: وبوضع قتل النفس عنهم في التوبة، قال الله تعالى: (واذ قال موسى لقومه: يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل) (البقرة 54) الاية.
روى ابن أبي حاتم، عن علي رضي الله عنه في قصة الذين عبدوا العجل، قالوا لموسى: ما توبتنا ؟ قال: يقتل بعضكم بعضا، فأخذوا السكاكين، فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وأمه، لا يبالي من قتل، حتى قتل منهم سبعون ألفا، فأوحى الله تعالى الى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم، وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي.
وروى ابن أبي حاتم، عن الفضيل في قوله تعالى: (ولا تحمل علينا اصرا) (البقرة 286) قال: كان الرجل من بني اسرائيل إذا أذنب، قيل له: توبتك أن تقتل نفسك، فيقتل نفسه، فوضعت الاصار عن هذه الامة.(10/359)
وروى عبد بن حميد، عن قتادة في الاية قال: أمر القوم بشديدة من البلاء، فقاموا يتشاجرون بالشفار، ويقتل بعضهم بعضا، حتى بلغ الله نعمته فيهم وعقوبته، فلما بلغ ذلك سقطت الشفار من أيديهم، وأمسك عنهم القتل، فجعله الله تعالى للحي منهم توبة، وللمقتول
شهادة.
انتهى.
العاشرة بعد المائة: وبوضع فق ء العين عنهم من النظر الى ما لا يحل.
الحادية عشر بعد المائة: وبوضع قرض موضع النجاسة.
روى الحاكم وصححه، عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان بني اسرائيل كان إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراض، وروى ابن أبي شيبة، وابو داود والنسائي، وابن ماجة، عن عبد الرحمن بن حسنة أن النبي صلى الله عليه وسم قال: (ان بني اسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم رجل منهم فعذب في قبره).
وروى ابن أبي شيبة في المصنف، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي امرأة من اليهود، فقالت: ان عذاب القبر من البول: فقلت: كذبت.
قالت: بلى، انه ليقرض منه الجلد والثوب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقت).
الثانية عشر بعد المائة: وبوضع ربع المال في الزكاة.
الثالثة عشر بعد المائة: ونسخ عنهم تحريم الاولاد.
الرابعة عشر بعد المائة: ونسخ عنهم التحصر.
الخامسة عشر بعد المائة: ونسخ عنهم الرهبانية.
السادسة عشر بعد المائة: (والسياحة) (1).
روى الامام أحمد، وابو يعلى، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبيى رهبانية، ورهبانية هذه الامة الجهاد في سبيل الله).
وروى أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، فقال: (سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله).
وروى ابن المبارك، عن عمارة بن عزية أن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله، والتكبير على كل شرف).
وروى ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت: سياحة هذه الامة الصيام.
* هامش * (1) في ح X والمساجد.
(*)(10/360)
السابعة عشر بعد المائة: وبأنه ليس من ديننا ترك النساء.
الثامنة عشر بعد المائة: ولا اللحم.
التاسعة عشر بعد المائة: ولا اتخاذ الصوامع.
العشرون بعد المائة: وباباحة الشغل يوم الجمعة، وكان من عمل من اليهود شغلا يوم السبت يصلب.
الحادية والعشرون بعد المائة: وباباحة الاكل بغير وضوء كوضوء الصلاة.
الثانية والعشرون بعد المائة: وبوضع الاسترقاق في السرقة، وكان كل من سرق منهم استرق عبدا، قال الله سبحانه وتعالى: (قالوا فما جزاؤه) (يوسف 74) أي السارق (ان كنتم كاذبين) (يوسف 74) في قولكم: (ما كنا سارقين) (يوسف 73) (ووجد فيكم) (يوسف 75) قالوا: جزاؤه من وجد في رحله يسترق فهو أي استرقاق السارق جزاؤه، أي المسروق لا غير، وكانت سنة آل يعقوب عليه السلام.
الثالثة والعشرون بعد المائة: وبوضع تحريم دخول الجنة على من قتل نفسه، قال الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا) (النساء 29، 30).
الرابعة والعشرون بعد المائة: وباشتراط الملك إذا تملك عليهم وأنهم رقيقة.
الخامسة والعشرون بعد المائة: وبوضع اشتراط أموالهم له، ما شاء أخذ وما شاء ترك.
السادسة والعشرون بعد المائة: وبأنه شرع نكاح أربع.
السابعة والعشرون بعد المائة: بالطلاق الثلاث.
الثامنة والعشرون بعد المائة: وبأنه رخص لهم نكاح الامة.
التاسعة والعشرون بعد المائة: وبالنكاح في غير ملتهم.
روى ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: انه مما وسع على هذه الامة نكاح الامة والنصرانية.
الثلاثون بعد المائة: وبمخالطة الحائض سوى الوطء.
روى الامام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض) (البقرة 222) الاية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصيبوا كل(10/361)
شئ الا النكاح)، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا الا خالفنا به.
وفي كتب التفسير: كانت النصارى يجامعون الحيض، ولا يبالون بالحيض، وكانت اليهود يعتزلونهن في كل شئ، فأمر الله بالقصد بين الامرين.
انتهى.
الحادية والثلاثون بعد المائة: وباتيان المرأة على أي هيئة شاؤوا، روى أبو داود والحاكم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الكتاب لا يأتون النساء الا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، وكان هذا الحي من الانصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، كانوا يرون أن لهم فضلا على غيرهم من العلم، فأنزل الله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) (البقرة 223)، مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات.
وروى ابن أبي شيبة، عن قرة الهمداني قال: كان اليهود يكرهون الابراك، فأنزل الله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) (البقرة 223) الاية، فرخص للمسلمين أن يأتوا النساء في الفروج كيف شاؤوا وأنى شاؤوا، من بين أيديهن أو من خلفهن.
الثانية والثلاثون بعد المائة: وبأنه شرع التخيير بين القصاص والدية.
روى البخاري، وابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان في بني اسرائيل
القصاص، ولم تكن فيهم الدية في نفس أو جرح، وذلك قوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) (المائدة 45)، فقال الله تعالى لهذه الامة: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى، فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) (البقرة 178) فالعفو أن يقبل الدية في العمد (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) (البقرة 178) مما كان على من كان قبلكم.
روى ابن جرير، عن قتادة رضي الله عنه قال: كان أهل التوراة، انما هو القصاص أو العفو ليس بينهما أرش، وكان على أهل الانجيل انما هو عفو أمروا به، وجعل الله تعالى لهذه الامة القتل، والعفو، والدية، ان شاؤوا أحلها لهم، ولم تكن لامة قبلهم.
الثالثة والثلاثون بعد المائة: وبأنه شرع دفع الصائل، وكانت بنو اسرائيل كتب عليهم أن الرجل إذا بسط يده الى الرجل لا يمتنع منه حتى يقتله أو يدعه، قال مجاهد، وابن جريج.
الرابعة والثلاثون بعد المائة: وبأنه حرم عليهم كشف العورة.
الخامسة والثلاثون بعد المائة: وبتحريم النوح على الميت.
السادسة والثلاثون بعد المائة: وبتحريم التصوير.
السابعة والثلاثون بعد المائة: وبتحريم شرب المسكر.(10/362)
الثامنة والثلاثون بعد المائة: وآلات الملاهي.
التاسعة والثلاثون بعد المائة: وبتحريم نكاح الاخت.
الاربعون بعد المائة: وبتحريم أواني الذهب والفضة.
الحادية والاربعون بعد المائة: وبتحريم الحرير.
الثانية والاربعون بعد المائة: وحلي الذهب على رجالهم.
الثالثة والاربعون بعد المائة: وبتحريم السجود لغير الله، وكانت تحية من قبلنا، فأعطينا مكانه السلام.
الرابعة والاربعون بعد المائة: وبأنهم عصموا من الاجتماع على ضلالة ونشأ من ذلك أن اجماعهم حجة.
الخامسة والاربعون بعد المائة: وبأنهم لا تعمهم سنة عامة.
السادسة والاربعون بعد المائة: ولا يستأصلهم عدو.
روى الشيخان، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ظاهرين).
وروي أيضا عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من حالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
وروى الحاكم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجمع الله هذه الامة على ضلالة أبدا).
وروى الامام أحمد والطبراني، عن أبي بصرة الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بالسنين، كما أهلك الامم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها).
وروى الدارمي، وابن عساكر، عن عمرو بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الله وعدني في أمتي وأجارهم من ثلاث: لا يعمهم بسنة، ولا يستأصلهم عدو، ولا يجمعهم على ضلالة).
وروى مسلم، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله زوى لي الارض فرأيت مشارقها ومغاربها وان ملك سيبلغ ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الاحمر والابيض واني سألت ربي لامتي أن لا يهلكها بسنة عامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم فأعطاني).(10/363)
وروى ابن أبي شيبة، عن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردت علي).
السابعة والاربعون بعد المائة: وعصموا من أن يظهر أهل الباطل على الحق.
روي عن معاوية قال: ما اختلفت أمة قط الا غلب أهل باطلها على أهل حقها الا هذه الامة.
الثامنة والاربعون بعد المائة: واختلافهم رحمة وكان اختلاف من قبلهم عذابا.
روى الشيخ نصر المقدسي في كتاب (الحجة) (...) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اختلاف أمتي رحمة).
وروى الخطيب في رواة مالك عن اسماعيل بن أبي المجالد قال: قال هارون الرشيد لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله تكتب هذه الكتب، وتفرقها في آفاق الاسلام فتحمل عليها الامة قال: يا أمير المؤمنين، ان اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الامة، كل يتبع ما صح عنده، وكل على هدى، وكل يريد الله.
التاسعة والاربعون بعد المائة: وعصموا من أن يدعو عليهم نبيهم بدعوة فيهلكوا.
التاسعة والاربعون بعد المائة: وبأن الطاعون شهادة لهم ورحمة، وكان على الامم (قبلنا) عذابا.
روى الشيخان، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطاعون رجز أرسل على طائفة من نبي اسرائيل أو على من كان قبلكم).
وروى البخاري، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني (أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، وليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه الا ما كتب الله له، الا كان له من الاجر مثل أجر شهيد).
الخمسون بعد المائة: وبأن ما دعوا به استجيب لهم.
روى الحكيم الترمذي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت هذه الامة ما لم يعط أحد)، قوله تعالى: (ادعوني أستجب لكم) (غافر 60) وانما كان يقال هذا للانبياء، وقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج 78)، وانما كا يقال هذا للانبياء، وقوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) (البقرة 143)، وانما كان يقال هذا للنبي: أنت شهيد على(10/364)
قومك، قال الترمذي: كان خالد الربعي يقول: عجبت لهذه الاية (ادعوني استجب لكم) (غافر 60)، أمرهم بالدعاء ووعدهم بالاجابة، وليس بينهما شرط، قال الترمذي: وانما كانت هذه للانبياء.
وروى ابن ابي الدنيا في الذكر، عن سفيان بن عيينة قال: قال الله تعالى: (وأعطيتكم ما لو أعطيته جبريل وميكائيل كنت أجزلت لهما أو كلمة نحوها أدعوني أستجب لكم).
الحادية والخمسون بعد المائة: وبأنهم يؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الاخر.
الثانية والخمسون بعد المائة: ويحجون البيت الحرام لا ينأون عنه أبدا.
الثالثة والخمسون بعد المائة: ويغفر لهم الذنب بالوضوء، وتبقى الصلاة نافلة.
الرابعة والخمسون بعد المائة: ويأكلون صدقاتهم في بطونهم، ويثابون عليها.
الخامسة والخمسون بعد المائة: ويعجل لهم ثوابهم في الدنيا مع ادخاره في الاخرة.
السادسة والخمسون بعد المائة: وبأن الجبال والاشجار تتباشر بممرهم عليها بتسبيحهم وتقديسهم.
السابعة والخمسون بعد المائة: وبأن أبواب السماء تفتح لاعمالهم وأرواحهم.
الثامنة والخمسون بعد المائة: وبأن الملائكة تتباشر بهم.
التاسعة والخمسون بعد المائة: وبأن الله وملائكته يصلون عليهم.
الستون بعد المائة: وبأن الله تعالى هو الذي يصلي عليهم وملائكته، كما صلى على الانبياء.
عن سفيان بين عيينة: أكرم الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم فصلى عليهم كما صلى على الانبياء.
الواحد والستون بعد المائة: وبأنهم يقبضون على فرشهم وهم شهداء عند الله.
الثاني والستون بعد المائة: وبأن المائدة توضع بين أيديهم، فما يرفعونها حتى يغفر لهم.
الثالث والستون بعد المائة: ويلبس أحدهم الثوب فما ينفضه حتى يغفر له.
الرابع والستون بعد المائة: وبأن صديقهم أفضل الصديقين.
الخامس والستون بعد المائة: وبأنهم علماؤهم وحكماؤهم كادوا بعلمهم أن يكونوا كلهم أنبياء.
السادسة والستون بعد المائة: وبأنهم لا يخافون في الله (1) لومة لائم.
السابعة والستون بعد المائة: وبأنهم أذلة على المؤمنين، وأعزة على الكافرين.
* هامش * (1) سقط في ح) * (.
X(10/365)
الثامنة والستون بعد المائة: وبأن (قربانهم) (1) صلاتهم.
التاسعة والستون بعد المائة: وبأن قربانهم دماؤهم.
السبعون بعد المائة: وبأن يستر على من لم يتقبل عمله منهم، وكان بعضهم يفتضح إذا لم تأكل النار قربانه.
الحادية والسبعون بعد المائة: وبأنه تغفر لهم الذنوب بالاستغفار.
الثانية والسبعون بعد المائة: وبأنه إذا أخطأ أحدهم لم يحرم عليه طيب من الطعام.
الثالثة والسبعون بعد المائة: ولا تصبح خطيئته مكتوبة على باب داره، كما كان كذلك
في بني اسرائيل.
روى ابن المنذر في (تفسيره) والبيهقي (في الشعب) عن ابن مسعود انه ذكر عنده بنو اسرائيل، وما فضلهم الله تعالى به، فقال: كان بنو اسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنبا، أصبح وقد كتب كفارته على أسكفة بابة، وجعلت كفارة ذنوبكم قولا تقولونه، تستغفرون الله فيغفر لكم، والذي نفسي بيده، لقد أعطانا الله آية لهي أحب الي من الدنيا وما فيها (والذين إذا فعلوا فاحشة) (آل عمران 135) الاية.
روى ابن جرير عن أبي العالية قال: قال رجل يا رسول الله: لو كانت كفاراتنا ككفارات بني اسرائيل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أعطاكم الله خيرا، كانت بنو اسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها، فان كفرها كانت له خزيا في الدنيا، وان لم يكفرها كانت له خزيا في الاخرة، وقد أعطاكم الله خيرا من ذلك، قال: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) (النساء 110) الاية، والصلوات الخمس، والجمعة الى الجمعة كفارات لما بينهن).
الرابعة والسبعون بعد المائة: وبأن الندم هو توبة، روى الامام أحمد، والحاكم عن ابن مسعود مرفوعا (الندم توبة) قال بعضهم: كون الندم توبة من خصائص هذه الامة.
الخامسة والسبعون بعد المائة: وبأنه إذا شهد اثنان منهم لعبد بخير وجبت له الجنة، وكانت الامم السابقة إذا شهد منهم مائة.
روى أبو يعلى، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الامم السالفة المائة أمة إذا شهدوا لعبد بخير وجبت له الجنة، وان أمتي، الخمسون منهم أمة فإذا شهدوا لعبد بخير وجبت له الجنة).
* هامش * (1) في ح X قرهم.
(*)(10/366)
وروى البخاري، والترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة)، فقلنا: وثلاثة ؟ قال: (وثلاثة) فقلنا واثنان ؟ قال: (واثنان)، ثم لم نسأله عن الواحد).
السادسة والسبعون بعد المائة: وبأنهم أقل الامم عملا، وأكثر منهم أجرا، وأقصر أعمارا.
السابعة والسبعون بعد المائة: وقد كان الرجل من الامم السابقة أعبد منهم بثلاثين ضعفا، وهم خير منهم بثلاثين ضعفا.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الامم كما بين صلاة العصر الى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، (ثم) أوتي أهل الانجيل الانجيل، فعملوا الى صلاة العصر، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، (ثم) أوتينا القرآن فعملنا الى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين فقال أهل الكتابين أي ربنا: أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعيتنا قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا، قال: هل ظلمتكم من أجركم من شئ ؟ قالوا: لا، قال: (فهو فضلي أوتيه من أشاء).
الثامنة والسبعون بعد المائة: وبأن معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر، وثوابنا أكثر من سائر الامم، قاله السبكي فقيد الكلام بقول الامام الرازي: من كان معجزته من الانبياء أظهر يكون ثوب قومه أقل.
قال السبكي: يعني بالنسبة الى التصديق، لوضوحه وظهور أسبابه وقلة التعب والفكر فيه.
التاسعة والسبعون بعد المائة: أوتوا العلم الأول والاخر.
الثمانون بعد المائة: وبأنهم فتح عليهم خزائن كل شئ (حتى) العلم.
الحادية والثمانون بعد المائة: وبأنهم أوتوا الاسناد.
الثانية والثمانون بعد المائة: والانساب.
الثالثة والثمانون بعد المائة: والاعراب، قاله أبو علي الجبائي.
الرابعة والثمانون بعد المائة: وبأنهم أعطوا التصرف في التصنيف والتحقيق ولم يكن قط في الامم من انتهى الى حد هذه الامة ولا جاراها في مداها من التفريع والتدقيق، قاله القاضي أبو بكر بن العربي.(10/367)
الخامسة والثمانون بعد المائة: وبأن الواحد منهم يحصل له في العمر القصير من العلوم والفهوم ما لم يحصل لاحد من الامم السالفة في العمر الطويل.
ولهذا نهل المجتهدون من هذا الامة من العلوم والاستنباطات، والمعارف ما تقصر عنه أعمارهم، قاله القرافي في (شرح المحصول).
السادسة والثمانون بعد المائة: وبأن الله تعالى أعطاهم شيئا من الحفظ لم يعطه أحدا من الامم قبلهم، قاله قتادة.
السابعة والثمانون بعد المائة: وبأنه لا تزال طائفة منهم على الحق حتى يأتي أمر الله.
روى الشيخان، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال ناس من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ظاهرون).
الثامنة والثمانون بعد المائة: وبأنه لا تخلو الارض من مجتهد فيهم، قائم لله بالحجة حتى يتداعى الزمان بتزلزل القواعد وتأتي أشراط الساعة الكبرى.
التاسعة والثمانون بعد المائة: وبأن الله تعالى يبعث لهم على رأس كل مائة سنة من يجدد لهم أمور دينهم حتى يكون في آخر الزمان عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم.
انتهى.
التسعون بعد المائة: وبأن فيهم من يشبه جبريل وميكائيل، وابراهيم، ونوحا.
روى الطبراني بسند حسن عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان في السماء ملكين أحدهما يأمر بالشدة والاخر يأمر باللين وكل مصيب جبريل وميكائيل ونبيان
أحدهما يأمر بالشدة والاخر يأمر باللين وكل مصيب وذكر ابراهيم ونوحا ولي صاحبان أحدهما يأمر بالشدة والاخر يأمر باللين وكل مصيب، وذكر أبا بكر وعمر).
الحادية والتسعون بعد المائة: وبأن فيهم أقطابا وأوتادا ونجباء، وأبدالا رضي الله عنهم عد هذه الاربعة الاخيرة علاء الدين القونوي أحد ائمة الشافعية في كتابه التلطف في شرح التعرف في التصوف للامام الكلاباذي رحمهما الله تعالى.
روى أبو نعيم، وابن عساكر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان لله في الخلق ثلثمائة، قلوبهم على قلب آدم صفي الله، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب ابراهيم، ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل، ولله في الخلق واحد قلبه على قلب اسرافيل صلى الله عليه وسلم فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة،(10/368)
وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الاربعين، وإذا مات من الاربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلثمائة، وإذا مات من الثلثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة، فيهم يحيي ويميت، ويمطر وينيب، ويدفع البلاء).
قيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كيف بهم يحيي ويميت ؟ فقال: لانهم يسألون الله تعالى اكثار الامم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون المطر فتنبت لهم الارض، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء.
قال الامام أبو عبد الله اليافعي في كتابه (كفاية المعتقد، ونكاية المنتقد) بعد أن أورد الحديث قال بعضهم: لم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا على قلبه ؟ لانه لم يخلق الله سبحانه وتعالى في عالم الخلق والامر أعز وألطف وأشرف من قلبه صلى الله عليه وسلم، وقلوب الملائكة والانبياء والاولياء صلى الله عليهم وسلم بالاضافة الى قلبه كاضافة سائر الكواكب الى كمال الشمى لمنعهن.
انتهى.
وروي عن الشعبي رضي الله عنه قال: شبه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أمته، فقال: (دحية يشبه جبريل، وعروة بن مسعود يشبه عيسى ابن مريم، وعبد العزى يشبه الدجال).
وروى الطبراني بسند ضعيف، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر الى (شبيه) (1) عيسى ابن مريم خلقا وخلقا، فلينظر الى أبي ذر).
وروى الحاكم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت جبريل واقفا في حجرتي هذه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيه، فقلت: يا رسول الله، من هذا ؟ (بمن تشبهينه ؟) قلت: بدحية، قال: (لقد رأيت جبريل).
وروى الطبراني بسند حسن، عن أم سلمة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان في السماء ملكين، أحدهما يأمر بالشدة، والاخر يأمر باللين، وكل مصيب)، وذكر جبريل وميكائيل، ونبيان، أحدهما يأمر باللين والاخر يأمر بالشدة وكل مصيب)، وذكر ابراهيم ونوحا، (ولي صاحبان أحدهما يأمر بالشدة والاخر يأمر باللين، وكل مصيب)، وذكر أبا بكر وعمر.
وروي أيضا بسند حسنه الحافظ أبو الحسن الهيثمي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن تخلو الارض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن فيهم تسقون، وبهم تنصرون، ما مات منهم أحد الا أبدل الله مكانه آخر).
قال قتادة: ولسنا نشك أن الحسن منهم.
وروى الامام أحمد بسند رجاله ثقات، عن عبادة بن الصامت قال: الابدال في هذه * هامش * (1) سقط في ح) * (.
X(10/369)
الامة ثلاثون مثل ابراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا.
قال أبو الزناد: لما ذهبت النبوة وكانوا أوتاد الارض، أخلف الله مكانهم أربعين رجلا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الابدال، لا يموت رجل منهم، حتى ينشئ الله مكانه آخر يخلفه وهم
أوتاد الارض.
وروى الامام أحمد، والحكيم الترمذي، والخلال، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد، وقد وثقه العجلي، وابو ذرعة عن عبد الواحد بن قيس عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الابدال في هذه الامة ثلاثون مثل خليل الرحمن، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا).
وله طريق آخر نحوه رواه الطبراني.
وروى الامام أحمد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الابدال بالشام، وهم أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الاعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب)، رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد، وهو ثقة، ورواه ابن عساكر من طريق آخر عن شريح وعلي فانه لم يبلغه، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الاولياء من طريق آخر وزاد قلت: يا رسول الله، صفهم لي، قال: (ليسوا بالمتنطعين ولا بالمبتدعين ولا بالمتعمقين، لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بسخاء الانفس وسلامة القلوب والنصيحة لائمتهم).
وروى الحاكم وصححه، وأقره الذهبي وابن عساكر، عن علي رضي الله عنه قال: لا تسبوا أهل الشام، فان فيهم الابدال، وسبوا ظلمتهم.
وروى الحكيم الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه قاغل: الابدال بالشام، وهم ثلاثون رجلا على منهاج ابراهيم، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، والعصائب بالعراق أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، عشرون على اجتهاد عيسى ابن مريم، وعشرون منهم قد أوتوا من مزامير داود.
وروى ابن عساكر، عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: خطبنا علي رضي الله عنه فذكر الخوارج (فقام رجل فلعن) (1) أهل الشام فقال: ويحك لا تعمم، فان فيهم الابدال ومنهم العصائب.
وروي عنه، عن علي قال: الابدال بالشام والنجباء بالكوفة.
وروى الخلال، عن سعيد بن أبي الهلال، عن علي رضي الله عنه قال: قبة الاسلام * هامش * (1) في د (فغالهم رجل من).
(*)(10/370)
بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والابدال بالشام.
وروي أيضا عن سعيد بن أبي الوليد الهجري، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: ألا أن الاوتاد من أبناء الكوفة، ومن أهل الشام الابدال.
وروي أيضا عن علي رضي الله عنه قال: النجباء بمصر، والابدال بالشام.
وروي أيضا عنه قال: الابدال من أهل الشام، والنجباء من أهل مصر، والاخيار من أهل العراق.
وروى الحافظ أبو محمد الخلال في الكرامات، عن حبيب بن أبي عثمان، عن رجل، عن علي رضي الله عنه قال: ان الله يدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيها.
وروى الحكيم الترمذي، وابن عدي، وابن شاهين، والخلال عن محمد بن زهير بن الفضل عن عمرو بن يحيى بن نافع ثنا العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البدلاء أربعون رجلا، اثنان وعشرون بالشام، وثمانية عشر بالعراق، كلما مات منهم واحد أبدل الله مكانه آخر).
وروى الخلال، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الابدال أربعون رجلا وأربعون امرأة، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة).
وروى الحافظ بن لال في (مكارم الاخلاق)، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم، ولكن دخلوها بسلامة صدورهم، وسخاوة أنفسهم)، زاد ابن عدي، والخلال: (والنصح للمسلمين).
وروى الحافظ تمام بن محمد الرازي، عن أنس رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما دعامة أمتي عصب اليمن، وأبدال الشام)...الحديث.
وروى الامام أحمد في الزهد، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما خلت الارض من بعد نوح من سبعة يدفع الله تعالى بهم عن أهل الارض.
وروى الطبراني، وأبو نعيم، وتمام، وابن عساكر، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أمتي في كل قرن خمسمائة، وأبدال أمتي أربعون، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الاربعون، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه من الخمسمائة وأدخل من الاربعين مكانه) قالوا: يا رسول الله، دلنا على أعمالهم، قال: (يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون الى من أساء إليهم، ويتواسون فيما آتاهم الله).(10/371)
وروى أبو داود، والامام أحمد، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو يعلى، والحاكم، عن ابي الجليل صالح، عن صاحب له، عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من المدينة هاربا الى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب العراق) الحديث.
وله طرق، سمى في بعضها المبهم مجاهد، وفي بعضها عبد الله بن الحارث.
وروى ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: لم تبق الارض الا وفيها أربعة عشر، يدفع الله بهم عن أهل الارض وتخرج بركتها الا زمن ابراهيم صلى الله عليه وسلم فانه كان وحده.
ورواه الخلال عن زاذان، والامام أحمد في الزهد، عن كعب بدون قوله (الا زمن ابراهيم).
وروى ابن عساكر، عن أبي سليمان الداراني قال: الابدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب باليمن، والاخيار بالعراق.
وروى الخطيب، وابن عساكر، عن الكناني قال: النقباء ثلاثمائة، والنجباء سبعون،
البدلاء أربعون، والاخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد، فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الابدال الشام، والاخيار سياحون في الارض، والعمد في زوايا الارض، ومسكن الغوث مكة، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل إليها النقباء، ثم النجباء، ثم الابدال، ثم الاخيار، ثم العمد، فان أجيبوا، والا ابتهل الغوث، فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته.
قال الامام اليافعي في كتاب (كفاية المعتقد، ونكاية المنتقد): قال بعض العارفين: الصالحون كثير، مخالطون للعوام لصلاح الناس في دينهم ودنياهم، والنجباء في العدد أقل منهم، والنقباء في العدد أقل منهم وهم مخالطون للخواص، والابدال في العدد أقل منهم وهم نازلون في الامصار العظام، لا يكون من المصر منهم الا واحد بعد الواحد، فطوبى لاهل بلدة كان فيهم اثنان منهم، والاوتاد واحد في اليمن، وواحد بالشام، وواحد في المغرب، وواحد في المشرق، والله سبحانه وتعالى يدير القطب، وهو الغوث عن العامة والخاصة غيرة من الحق عليه، غير أنه يرى عالما كجاهل أبله كفطن تاركا آخذا قريبا بعيدا سهلا عسيرا أمنا حذرا وكشف أحوال الاوتاد للخاصة، وكشف أحوال البدلاء للخاصة والعارفين، وسترت أحوال النجباء والنقباء عن العامة خاصة، وكشف بعضهم لبعض، وكشف حال الصالحين للعموم والخصوص ليقضي الله أمرا كان مفعولا وعدة النجباء ثلاثمائة، والنقباء أربعون، والبدلاء قيل(10/372)
ثلاثون، وقيل أربعة عشر، وقيل سبعة وهو الصحيح، والاوتاد أربعة فإذا مات القطب جعل مكانه خيار الاربعة، وإذا مات أحد الاربعة جعل مكانه خيار السبعة، وإذا مات أحد السبعة جعل مكانه خيار الاربعين، وإذا مات أحد الاربعين جعل مكانه خيار الثلثمائة، وإذا مات أحد الثلثمائة جعل مكانه خيار الصالحين، وإذا أراد الله تعالى أن يقيم الساعة أماتهم الله تعالى أجمعين، وبهم يدفع الله تعالى عن عباده البلاء وينزل قطر السماء.
وقال اليافعي: وقال بعض العارفين: والقطب هو الواحد المذكور في حديث ابن مسعود
أنه على قلب اسرافيل ومكانه من الاولياء كالنقطة في الدائرة التي هي مركزها به يقع صلاح العالم.
وقال الاستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته بسنده، عن بلال الخواص قال: كنت في تيه بني اسرائيل، فإذا رجل يماشيني فعجبت، فألهمت أنه الخضر عليه الصلاة والسلام، فقلت له بحق الحق من أنت ؟ قال: أخوك الخضر، قلت: أريد أن اسألك قال: سل، قلت: ما تقول في الشافعي ؟ قال: هو من الاوتاد، قلت: ما تقول في أحمد بن حنبل ؟ قال: رجل صديق، قلت: ما تقول في بشر الحافي ؟ قال: لم يخلق بعده مثله، قلت: بأي وسيلة رأيتك ؟ قال ببرك لامتك.
وروى الامام أحمد في (الزهد)، وابن أبي الدنيا، وابو نعيم، والبيهقي، وابن عساكر، عن جليس وهب بن منبه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله، أين بدلاء أمتك ؟ فأومأ بيده نحو الشام، قلت: يا رسول الله، أما بالعراق منهم أحد ؟ قال: (بلى، محمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان، ومالك بن دينار، الذي يمشي في الناس بمثل زهد أبي ذر في زمانه).
وروى أبو نعيم، عن داود بن يحيى بن يمان قال: رأبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله من الابدال ؟ قال: (الذين لا يضربون بأيديهم شيئا، وان وكيع بن الجراح منهم).
وروى ابن عساكر، عن أبي مطيع معاوية بن يحيى أن شيخا من أهل حمص خرج يريد المسجد وهو يرى أنه قد أصبح فإذا عليه ليل، فلما صار تحت القبة سمع (صوت جرس) (1) الخيل على البلاط، فإذا فوارس قد لقي بعضهم بعضا، قال بعضهم لبعض: من أين قدمتم ؟ قالوا: أولم تكونوا معنا ؟ قالوا: لا قالوا: من جنازة البديل خالد بن معدان، قالوا: أو قد مات ؟ ما علمنا بموته، فمن استخلفتم بعده ؟ قالوا: أرطأة بن المنذر، فلما أصبح الشيخ حدث أصحابه * هامش *
(1) في د (ضرب).
(*)(10/373)
فقالوا: ما علمنا بموت خالد بن معدان، فلما كان نصف النهار قدم البريد بموته.
وروى أبو نعيم عن أبي يزيد البسطامي أنه قيل له: انك من الابدال السبعة الذين هم أوتاد الارض، فقال: أنا كل السبعة.
ونقل اليافعي في (الكفاية) عن بعض أصحاب الشيخ عبد القادر رضي الله عنه قال: خرج الشيخ عبد القادر الجيلاني من داره ليلة فناولته الابريق فلم يأخذه، وقصد باب المدرسة فانفتح له الباب، فخرج وخرجت خلفه، ثم عاد الباب مغلقا، ومشى الى قرب من باب بغداد فانفتح له فخرج وخرجت معه، ثم عاد الباب مغلقا، ومشى غير بعيد، وإذا نحن في بلد لا أعرفه فدخل فيه مكانا شبيها بالرباط، وإذا فيه ستة نفر فبادروا الى السلام عليه، والتجأت الى سارية هناك وسمعت من جانب ذلك المكان أنينا، فلم ألبث الا يسيرا حتى سكت الانين، ودخل رجل وذهب الى الجهة التي سمعت فيها الانين ثم خرج يحمل شخصا على عاتقه، ودخل آخر مكشوف الرأس، طويل الشارب وجلس بين يدي الشيخ، فأخذ عليه الشيخ الشهادتين وقص شعر رأسه، وشاربه، وألبسه طاقية وسماه محمدا وقال لاولئك النفر: أمرت أن يكون هذا بدلا عن الميت، قالوا: سمعا وطاعة، ثم خرج الشيخ وتركهم وخرجت خلفه، ومشينا غير بعيد، وإذا نحن بباب بغداد، فانفتح كأول مرة، ثم أتى المدرسة فانفتح له بابها، ودخل داره، فلما كان الغد أقسمت عليه أن يبين لي ما رأيت قال: أما البلد فنهاوند، وأما الستة فهم الابدال، وصاحب الانين سابعهم كان مريضا، فلما حضرت وفاته، جئت أحضره، وأما الرجل الذي خرج يحمل شخصا فأبو العباس الخضر عليه السلام ذهب به يتولى أمره، وأما الرجل الذي أخذت عليه الشهادتين فرجل من أهل القسطنطينية، كان نصراينا، وقد أمرت أن يكون بدلا عن المتوفى، فأتي به فأسلم على يدي، وهو الان منهم.
الثانية والتسعون بعد المائة: وبأن منهم من يشبه يوسف عليه الصلاة والسلام.
الثالثة والتسعون بعد المائة: ومنهم يشبه لقمان الحكيم رضي الله عنه.
الرابعة والتسعون بعد المائة: وبصاحب ياسين.
روى عبد بن حميد، والطبراني عن ابن عباس، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، عن عروة، وابن مردويه، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عروة بن مسعود الى الطائف الى قومه ثقيف، فدعاهم الى الاسلام، فرماه رجل بسهم فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أشبهه بصاحب ياسين).
وروى الطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنهما والطبراني بسند حسن، عن عروة بن الزبير، وعن الزهري بسند حسن، وأبو يعلى بسند حسن، عن علي بن زيد بن جدعان رحمهم(10/374)
الله تعالى أن عروة بن مسعود قال لقومه زمن الحديبية: أي قوم، أني قد رأيت الملوك وكلمتهم، فابعثوني الى محمد فأكلمه، فأتاه بالحديبية فجعل عروة يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة شاك في السلاح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له المغيرة: كف يدك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل اليك، فرفع عروة رأسه فقال: أنت هو، والله اني لفي غدرتك ما أخرجت منها بعد، فرجع عروة الى قومه فقال: أي قوم، اني قد رأيت الملوك وكلمتهم، والله ما رأيت مثل محمد قط، وما هو بملك، ولقد رأيت الهدي معكوفا يأكل وبره، وما أراكم الا ستصيبكم قارعة، فانصرف ومن معه من قومه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع الى قومه فرجع فقال: اني أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدني نائما أيقظوني، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع الى قومه مسلما، فرجع عشاء، فجاءت ثقيف يحيونه، فدعاهم الى الاسلام، فاتهموه وعصوه وأسمعوه ما لم يكن يحسب، ثم خرجوا من عنده، فلما أسحر وطلع الفجر قام عروة على غرفة داره فأذن
بالصلاة وشهد فرماه رجل من ثقيف سهمه فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صاحب يس، دعا قومه فقتلوه).
الخامسة والتسعون بعد المائة: وبأن منهم من يصلي اماما بعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
روى أبو يعلى، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي ظاهرين على الحق حتى نيزل عيسى ابن مريم، فيقول امامهم: تقدم، فيقول: أنت أحق بعضكم أمراء على بعض، أكرم الله هذه الامة).
رواه مسلم ينحوه، وفيه: (فيقول اميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، ان بعضكم على بعض أمراء).
وروى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وامامكم منكم).
السادسة والتسعون بعد المائة: وبأن منهم من يجري مجرى الملائكة في الاستغناء عن الطعام بالتسبيح.
روى الامام أحمد بسند صحيح، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدا يكون بين يدي الدجال، قالوا: أي المال خير يومئذ ؟ قال: غلام شديد يسقي أهله الماء وأما الطعام فليس)، قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ ؟ قال: (التسبيح والتكبير والتهليل).
ورواه من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها نحوه وفيه: (يجزيهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس).(10/375)
روى الطبراني نحوه، عن أسماء بنت عميس وفيه: ان الله تعالى يعصم المؤمنين يومئذ بما عصم به الملائكة من التسبيح.
السابعة والتسعون بعد المائة: وبأنهم يقاتلون الدجال.
الثامنة والتسعون بعد المائة: وبأن علماءهم كأنبياء بني اسرائيل.
قلت: أي كلما ذهب عالم أتى بعده غيره، وهو بهذا اللفظ لم يرد كما نبه عليه الحافظ في فتاويه.
التاسعة والتسعون بعد المائة: وبأن الملائكة تسمع في السماء أذانهم وتلبيتهم.
المائتين: وبأنهم الحمادون لله على كل حال و الواحد بعد المائتين: وبأنهم يكبرون الله على كل شرف.
الثانية بعد المائتين: وبأنهم يسبحون الله عند كل هبوط.
الثالثة بعد المائتين: وبأنهم يقولون عند ارادة الامر أو فعله: ان شاء الله.
الرابعة بعد المائتين: وبأنهم إذا غضبوا هللوا.
الخامسة بعد المائتين: وبأنهم إذا تنازعوا سبحوا.
السادسة بعد المائتين: وبأن ليس أحد منهم الا مرحوما.
السابعة بعد المائتين: وبأنهم يلبسون أنواع ثياب أهل الجنة.
الثامنة بعد المائتين: وبأنهم يراعون الشمس للصلاة.
التاسعة بعد المائتين: إذا رأوا أمرا استخاروا الله تعالى فيه ثم مضوا فيه.
العاشر بعد المائتين: وبأنهم إذا استووا على ظهور دوابهم حمدوا الله.
الحادية عشر بعد المائتين: وبأن مصاحفهم في صدورهم.
الثانية عشر بعد المائتين: وبأن سابقهم سابق ويدخل الجنة بغير حساب.
الثالثة عشر بعد المائتين: وبأن مقتصرهم ناج، ويحاسب حسابا يسيرا.
الرابعة عشر بعد المائتين: وبأنه ظالمهم مغفور له.
روى ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (فاطر 32) قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله، فظالمهم مغفور له، ومقتصرهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة
بغير حساب.(10/376)
وروى سعيد بن منصور، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ هذه الاية قال: ألا ان سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له، أي الظالم لنفسه كما بين ذلك القرآن، وأخرجه ابن لال، عن عمر مرفوعا.
الخامسة عشر بعد المائتين: وبأنهم أمة وسط.
السادسة عشر بعد المائتين: وعدول بتزكية الله تعالى.
قال تبارك وتعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (البقرة 143).
السابعة عشر بعد المائتين: وبأن الملائكة تحضرهم إذا قاتلوا.
الثامنة عشر بعد المائتين: وبأنهم افترض عليهم ما افترض على الانبياء والرسل، وهو الوضوء والغسل من الجنابة والحج والجهاد.
التاسعة عشر بعد المائتين: وبأنهم اعطوا النوافل ما أعطي الانبياء.
العشرون بعد المائتين: وبأن الله تعالى قال في حقهم: (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) (الاعراف 181) وقال في حق غيرهم: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) (الاعراف 159).
الحادية والعشرون بعد المائتين: وبأنهم نودوا في القرآن ب (X يا أيها الذين آمنوا) (المائدة 1)، نوديت الامم في كتبها (يا أيها المساكين) وشتان ما بين الخطابين.
روى ابن أبي حاتم عن خيثمة: ما تقرأون في القرآن (يا أيها الذين آمنوا) (المائدة 1)، فانه في التوراة (يا أيها المساكين).
الثانية والعشرون بعد المائتين: وبأنه الله تعالى خاطبهم بقوله: (فاذكروني أذكركم) (البقرة 152) فأمرهم أن يذكروه بغير واسطة، وخاطب بني اسرائيل بقوله: (اذكروا نعمتي) (البقرة 40) فانهم لم يعرفوا الله الا بالاية، فأمرهم أن يقصدوا النعم ليصلوا
بها الى ذكر الله المنعم، نقله الشيخ كمال الدين الدميري شرح المنهاج عن بعض العلماء وهو نفيس.
الثالثة والعشرون بعد المائتين: وبأنه ما كان مجتمعا في النبي صلى الله عليه وسلم من الاخلاق والمعجزات صار متفرقا في أمته، بدليل أنه كان معصوما، وأمته اجماعها معصوم.
قال بعضهم: وهذا لما أودع أسراره في أمته، وخير بين الحياة والممات، فاختار الموت، ولم يحصل لموسى ذلك، وجاء ملك الموت فلطمه، قاله الزركشي في الخادم.
الرابعة والعشرون بعد المائتين: وبأنهم أكثر الامم أيامى ومملوكين.(10/377)
الخامسة والعشرون بعد المائتين: وبأنهم رحل فيهم من آفاق الناس، رواه ابن أبي حاتم عن عكرمة.
السادسة والعشرون بعد المائتين: وبأنه الله أنزل في حقهم (والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار، والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) (التوبة 100)، قال صلى الله عليه وسلم: (هذا لامتي، وليس بعد الرضى سخط).
السابعة والعشرون بعد المائتين: وبأنهم سموا أهل القبلة ولم يسم بذلك أحد قبلهم.
نقله الجزولي في شرح الرسالة.
قلت: وتقدم اختصاصهم بالقبلة.
الثامنة والعشرون بعد المائتين: وبأنه الله تعالى لا يجمع عليها سيفين منها وسيفا من عدوها.
روى أبو داود وأحمد عن عوف بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يجمع الله عز وجل على هذه الامة سيفين، سيفا منها وسيفا من عدوها).
التاسعة والعشرون بعد المائتين: وبأنه لا يحل في هذه الامة التجريد.
الثلاثون بعد المائتين: الامد.
الواحدة والثلاثون بعد المائتين: ولا الغل.
الثانية والثلاثون بعد المائتين: ولا الحسد ولا الحقد.
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه والمراد بالتجريد هنا أن لا يتجرد من ثيابه، والامد عند اقامة الحد، بل يضرب قاعدا وعليه ثوبه.
الثالثة والثلاثون بعد المائتين: وبأنه تجوز شهادتهم على من سواهم ولا عكس.
الرابعة والثلاثون بعد المائتين: وبأن شرعتهم في غاية الاعتدال، فان بدء الشرائع كان على التخفيف، ولا يعرف في شرع نوح وصالح وابراهيم تثقيل، ثم جاء موسى بالتشديد والاثقال، وجاء عيسى بأثقل من ذلك، وجاءت شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم تنسخ تشديد أهل الكتاب ولا يطلق تسهيل من كان قبلهم وقاله أبو الفرج بن الجوزي.
الخامسة والثلاثون بعد المائتين: وبأن من أصحابه صلى الله عليه وسلم من اهتز له العرض عند موته فرحا بلقائه.
السادسة والثلاثون بعد المائتين: وممن حضر جنازته سبعون ألفا من الملائكة لم يطأوا الارض قبل موته.
روى الامام أحمد والشيخان والنسائي عن جابر، وأبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص(10/378)
والبيهقي عن ابن عمر ومعاذ بن رفاعة الزرقي والحسن وسلمة بن أسلم بن حريس، وأبو نعيم عن الاشعث بن قيس بن سعد عن سعيد بن أبي وقاص وابن سعد عن محمود بن لبيد - رضي الله تعالى عنهم - أن جبريل جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق، فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات ؟ فتحت له أبواب السماء، واهتز له العرش، وتبع جنازته سبعون ألف ملك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا حتى انه ليقطع.
شسع نعلهم، فما يرجع ويسقط رداؤه فما يلوى عليه أحد على أحد حتى دخل على سعد بن معاذ، وما في البيت غير سعد، فوجده قد قبض، قال سلمة بن أسلم وأومأ الى أن وقف فوقفت ورددت من ورائه وجلس ساعة، وقال الاشعث بن قيس قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبته، فلم ا خرج قال له سلمة يا
رسول الله، ما رأيت في البيت أحدا وقد رأيتك تتخطى، فقال: ما قدرت على مجلس حتى قيض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه، ودخل ملك فلم يجد مجلسا، فارتفعت له.
وروى ابن سعد عن أبي سعيد قال: كنت أنا ممن حفر لسعد قبره بالبقيع فكان يفوح علينا من المسك، كلما حفرنا قترة من تراب حتى انتهينا الى اللحد.
وروى ابن سعد عن ابراهيم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن شرحبيل بن حسنة قال: قبض انسان يومئذ من تراب قبر سعد قبضة فذهب بها، ثم نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك، وسبقت قبضة معاوية في غزوة تبوك.(10/379)
الباب الثالث فيما اختص به نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن الانبياء في ذاته في الاخرة - صلى الله عليه وسلم -
وفيه مسائل:
الاولى: اختص صلى الله عليه وسم بأنه أول من تنشق عنه الارض.
روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الارض، وأول شافع وأول مشفع).
وروى الدارمي والترمذي وحسنه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انا أول من تنشق عنه الارض يوم القيامة فأنفض التراب عن رأسي، فآتي قائمة من قوائم العرش فأجد موسى قائما عندها فلا أدري أنفض التراب عن رأسه، أو كان ممن استثنى الله).
قوله: (أنفض التراب) قال الحافظ: يحتمل أن تجويز المعية في الخروج من القبر، أو هي كناية عن الخروج من القبر وساق لذلك مزيد بيان في المسألة التي بعدها.
الثانية: وبأنه أول من يفيق من الصعقة روى البخاري من طرق عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينفخ في الصور فيصعق الناس، فأصعق معهم، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث الله)، وفي لفظ: (من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثني وحوسب بصعقة النار).
تنبيهان: الأول: استشكل الجزم بكونه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الارض، وأول من يفيق مع التردد من خروج موسى قبله، واقامته قبله.
وأجيب بأن النفخة الاولى يعقبها الصعق في جميع الخلائق أحيائهم وأمواتهم، وهو الفزع كما وقع في سورة النمل (ففزع من في السموات ومن في الارض) (النمل / 87) ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة لما هم فيه وللاحياء موتا ثم ينفخ الثانية للبعث فيفيقون أجمعين، فمن كان مقبورا انشقت عنه الارض فخرج من قبره ومن ليس بمقبور لا يحتاج الى ذلك.
وسيأتي لهذا مزيد بيان في التنبيه الثاني.
الثاني: قال سلطان العلماء أبو محمد العز بن عبد السلام، ما وجه هذا التردد مع صحة خبر أنه صلى الله عليه وسلم مر بموسى ليلة أسري بي قائما يصلي في قبره عند الكثيب الاحمر، وأخبر أيضا(10/380)
عن صعقة موسى وما جرى له مع ملك الموت، والكل من رواية ابي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وأجيب باجوبة.
قال: الصحيح منها ما ذهب إليه الامام العلامة الحافظ أبو شامة المقدسي، وقال: انه جواب صحيح أرشد إليه أبو عمرو بن الحاجب قال: ثم وجدت تقريره في الكتاب والسنة عن واحد من العلماء، ان هذه الصعقة المذكورة في الحديث ليست النفخة الواقعة في آخر الدنيا، ولا الثانية التي يعقبها نشور الموتى في قبورهم، فانما هي صعقة كما في الناس يوم القيامة، فيصعق من في السماوات والارض الا من شاء الله، وهي المشار إليها في آية الزمر، وذلك أول من حملها على صفة آخر الدنيا، والدليل على أن في آخر يوم
القيامة صعقة قوله تعالى: (فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) (الطور 45 /) وهذا ظاهر في يوم تعمهم فيه الصعقة، فأصعق معهم فأكون أول من يفيق، وفي رواية: (فأكون أول من تنشق عنه الارض) قال: وهذا والله أعلم تفسير من الراوي، واللفظ الأول أولى أن يكون محفوظا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من يبعث) فظن بعض الرواة أن المراد من ذلك البعث من القبور فقال: أول من تنشق عنه الارض والنبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الارض حقا كما جاء في حديث آخر، لكن هذا الحديث لا يحتمل هذا اللفظ لاجل قوله: (يوم القيامة) ففي البخاري عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أل من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش)، فهذا نص في أن الناس يصعقون في يوم القيامة، وهو تفسير ما في آخر الزمر كما مضى في بعض ألفاظ الحديث الصحيح، وطرق الحديث واختلاف ألفاظه إذا أمكن الجمع بينها لم يضر بعضها بعضا، وعند ذلك تظهر المناسبة في تردد النبي صلى الله عليه وسلم وأن موسى حوسب بصعقة الطور، لانها من جنس ما أصاب الناس، وقدر الله أن بعض الناس مستثنى منه بقوله: (الا من شاء الله) (الزمر / 68) فجاز أن يكون منهم، ونحوه أجاب ابن القيم.
وأنه قال: فان قيل: فما يصعقون ؟ بقوله: (فلا أدري أفاق قبلي، أما كان ممن استثنى - عز وجل -)، والذين استثناهم (1) الله - عز وجل -، هم مستثنون من صعقة النفخة لا من صعقة يوم القيامة، كما قال الله تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء الله) (الزمر 68).
ثم نفخ فيه أخرى ولم يقع الاستثناء في صعقة الخلائق يوم القيامة، قيل: هذا - والله أعلم - غير محفوظ، وهو وهم من بعض الرواة، والمحفوظ ما تواطأت عليه الروايات الصحيحة من قوله: (لا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور)، فظن بعض الرواة أن هذه الصعقة، هي صعقة النفخ، وأن موسى داخل فيمن استثنى الله تعالى منها، وهذا لا يلتئم على سياق الحديث قطعا، فان الافاقة حينئذ * هامش * (1) في ح (X اصطفاهم).
(*)(10/381)
هي أفاقة البعث فكيف يقول: (لا أدري أفاق (1) قبلي أم جوزي بصعقة الطور ؟) فتأمله وهذا بخلاف الصعقة التي يصعقها الناس يوم القيامة، فإذا جاء الله بفصل القضاء بين العباد وتجلى لهم فانهم يصعقون، وأما موسى صلى الله عليه وسلم فان كان لم يصعق معهم، فيكون قد جوزي بصعقة يوم تجلى ربه للجبل، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضا من صعقة الخلائق لتجلي الرب - عز وجل - يوم القيامة الثالثة: وبأنه يحشر في سبعين ألف ملك.
الرابعة: وبأنه يحشر على البراق.
الخامسة: وبأنه يؤذن باسمه في الموقف.
السادسة: وبأنه يكسى في الموقف أعظم الحلل من الجنة.
السابعة: وبأنه يقوم عن يمين العرش صلى الله عليه وسلم.
الثامنة: وبأنه أعطي المقام المحمود.
روى الترمذي، وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود، فقال: (هو الشفاعة).
والاحاديث والاثار في ذلك كثيرة.
وقال مجاهد أيضا: المقام المحمود مجلسه على العرش.
- ورواه ابن جرير، وقال: الأول أولى، على ان الثاني ليس بمدفوع - لا من جهة النقل ولا من جهة الظن - قال ابن عطية: هو كذلك إذا حمل على ما يليق به، وبالغ الواحدي في رد هذا القول فقال: هذا قول رذل موحش فظيع ونص الكتاب ينادي بفساد هذا التفسير، وبسط الكلام على ذلك، وأما النقاش فنقل عن أبي داود صاحب السنن انه قال: من أنكر هذا الحديث فهو متهم.
قلت: والنقاش متهم بالوضع، وقد جاء عن ابن مسعود عند الثعلبي، وعن ابن عباس عند
أبي الشيخ، وعن عبد الله بن سلام قال: ان محمدا يوم القيامة على كرسي الرب بين يدي الرب.
قلت: وقال ابن كثير: ومثل هذا لا ينبغي قبوله الا ممن هو معصوم، ولم يثبت فيه حديث يعول عليه ولا يصار بسببه إليه.
وقول مجاهد في هذا المقام ليس بحجة، ولم يصح اسناده الى ابن سلام.
قال الحافظ:(10/382)
فيحتمل أن تكون الاضافة اضافة تشريف، وعلى ذلك يحمل ما جاء عن علي وغيره، والراجح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة التي وردت في الاحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان: الأول: الشفاعة العامة في فصل القضاء.
الثاني: الشفاعة في اخراج المذنبين من النار.
وقال الماوردي: اختلف في المقام المحمود على ثلاثة أقوال، فذكر القولين الشفاعة والاجلاس.
والثالث: اعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة.
وقال القرطبي: وهذا لا يغاير القول الاول، وأثبت غيره.
رابعا: هو ما رواه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن أبي هلال أحد صغار التابعين، أنه بلغه أن المقام المحمود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون يوم القيامة بين الجبار وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع.
خامسا: وهو ما اقتضاه حديث حذيفة، وهو ثناؤه على ربه، ولكنه يغاير الأول أيضا.
قال الامام الرازي: القول الأول أولى، لان سعيه في الشفاعة يفيد اقدام الناس على حمده، فيصير محمودا، وأما ما ذكره من الدعاء فلا يفيد الا الثواب، أما الحمد فلا، فان قيل: لم لا يجوز أن يقال: انه تعالى يحمده على هذا القول ؟ فالجواب أن الحمد في اللغة مختص بالثناء المذكور في مقابلة الانعام فقط، فان ورد لفظ (الحمد) في غير هذا المعنى فعلى سبيل
المجاز.
- قال القرطي وما حكاه الطبري عن فرقة، منها مجاهد، أنها قالت: المقام المحمود هو أن يجلس الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه وروت في ذلك حديثا وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول وهو لا يخرج الا على تلطف في المعنى، وفيه بعد.
سادسا: وهو ما اقتضاه حديث ابن مسعود يشفع نبيكم رابع أربعة: جبريل ثم ابراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم، لا يشفع ؤحد في أكثر مما يشفع فيه.
وهذا الحديث لم يصرح برفعه، قد ضعفه البخاري وقال: المشهور قوله صلى الله عليه وسلم: (انا أول شافع).
قال الحافظ: وعلى تقدير نبوته، فليس في شئ من طرقه التصريح بأنه المقام المحمود مع أنه يغاير حديث الشفاعة في المذنبين.
وجوازه المحب الطبري.
سابعا: وهو ما اقتضاه حديث كعب بن مالك السابق ذكره فقال بعد أو أورده: هذا(10/383)
يشعر بأن المقام المحمود غير الشفاعة ثم قال: ويجوز أن تكون الاشارة بقوله: فأقول الى المراجعة في الشفاعة.
- قال الحافظ: وهو الذي يتجه، ويمكن رد الاقوال كلها الى الشفاعة العامة، فان اعطاءه لواء الحمد، وثناءه على ربه، وكلامه بين يديه، وجلوسه على كرسيه، وقيامه أقرب من جبريل، كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضي بين الخلق.
وأما شفاعته صلى الله عليه وسلم في اخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك.
قال الحافظ: واختلف في فاعل الحمد من قوله: (مقاما محمودا)، فالاكثر على أن المراد به أهل الموقف، وقيل: النبي صلى الله عليه وسلم أي أنه يحمد عاقبته ذلك المقام المحمود بتهجده في الليل، والأول أرجح لما ثبت في الصحيح عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - بلفظ (مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم)، ويجوز أن يحمل على أعم من ذلك، أي مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات،
واستحسن هذا أبو حيان وأيده بأنه نكرة، فدل على أنه ليس المراد مقاما مخصوصا.
التاسعة: وبأن بيده لواء الحمد.
العاشرة: وبأن آدم فمن دونه تحت لوائه.
الحادية عشرة: وأنه امام النبيين يومئذ.
الثانية عشرة: وقائدهم.
الثالثة عشرة: وخطيبهم.
الرابعة عشرة: وبأنه أول من يؤذن له في السجود.
الخامسة عشرة: وبأنه أول من يرفع رأسه.
روى الامام أحمد، والبزار عن ابن الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا اول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يرفع رأسه...) الحديث.
السادسة عشرة: وأول من ينظر الى الله تبارك وتعالى.
السابعة عشرة: وأول شافع، وأول مشفع كما ثبت في الصحيح.
والمراد بهذه الشفاعة - والله تعالى أعلم - الشفاعة في أهل الموقف حين يقرعون إليه بعد الانبياء، فيتقدم صلى الله عليه وسلم فيكون أول شافع، وبين أنه صلى الله عليه وسلم أول مشفع لتحقق قبول الشفاعة، وأنها غير مردودة.
- وقال النووي: معنى أول مشفع: يعني أول من تجاب شفاعته، فقد يشفع اثنان، ويجاب الثاني قبل الاول.(10/384)
الثامنة عشرة: وبأنه يسأل في غيره، وكل الناس يسألون في أنفسهم.
التاسعة عشرة: وبالشفاعة العظمى في فصل القضاء.
العشرون: وبالشفاعة في ادخال قوم الجنة بغير حساب.
الحادية والعشرون: وبالشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها.
الثانية والعشرون: وبالشفاعة في رفع درجات أناس في الجنة، كما جوز النووي
اختصاصه بهذه، والتي قبلها، ووردت به أحاديث في التي قبل، وصرح به القاضي وابن دحية.
الثالثة والعشرون: وبالشفاعة في اخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد.
ذكره السبكي.
الرابعة والعشرون: وبالشفاعة لجماعة من صلحاء المسلمين يتجاوز عنهم في تقصيرهم من الطاعات، ذكره القزويني في (العروة الوثقى).
الخامسة والعشرون: وبالشفاعة من الموقف تخفيفا عمن يحاسب.
السادسة والعشرون: وبالشفاعة فيمن يخلد في النار من الكفار ان يخفف عنه العذاب يوم القيامة.
السابعة والعشرون: وبالشفاعة في أطفال المشركين أن لا يعذبوا.
روى ابن أبي شيبة، وابو نعيم بسند صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي في اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم، فأعطانيها، قال ابن عبد البر هم الاطفال، لان أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقد ولا عزم).
الثامنة والعشرون: وألا يدخل النار واحدا من أهل بيته فأعطاه ذلك.
التاسعة والعشرون: وبأنه أول من يجيز على الصراط بأمته.
كما في حديث ابي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عند الشيخين يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجيز من الرسل بأمته).
الثلاثون: وبأن له في كل شعرة من رأسه ووجهه نورا، وليس للانبياء الا نوران.
روى الحكيم الترمزي عن سالم بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: بينما رجلان جالسان إذ قال أحدهما: لقد رأيت البارحة كل نبي في الارض، فقال الاخر: هات، قال: رأيت كل نبي معه أربعة مصابيح: مصباح بين يديه، ومصباح من خلفه، ومصباح عن يمينه، ومصباح عن يساره، ومع كل صاحب له مصباح، ثم رأيت رجلا قام أضاءت له الارض، وكل شعرة في رأسه مصباح، ومع كل صاحب له أربعة مصابيح: مصباح من بين يديه، ومصباح من(10/385)
خلفه، ومصباح عن يمينه، ومصباح عن يساره، فقلت: من هذا ؟ قالوا: محمد بن عبد الله.
قال كعب: ما هذا الذي تحدث به ؟ قال: رؤيا رأيتها البارحة، قال: والذي بعث محمدا بالحق انها لفي كتاب الله - تبارك وتعالى - كما رأيت.
الحادية والثلاثون: وبأنه يؤمر أهل الجنة بغض أبصارهم حتى تمر ابنته على الصراط.
كما رواه الحاكم، وأبو نعيم عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم القيامة) قيل: يا أهل الجمع، غضوا أبصاركم ونكسوا، فان فاطمة بنت محمد تجوز على الصراط الى الجنة، فتمر، وعليها ريطتان خضراوان.
الثانية والثلاثون: وبأنه أول من يقرع باب الجنة كما رواه مسلم والطبراني عن أنس - رضي الله تعالى عنه -.
قلت: وفي حديث أنس عند الطبراني: (أنا أول من يقرع باب الجنة فيقول الخازن: من ؟ فأقول: انا محمد فأقوم فأفتح لك، لم أقم لاحد قبلك ولا أقوم لاحد بعدك).
قال القطب الخضيري: وفي هذا التحديد على هذا الدوام خصوصية عظيمة، وهو أن خازن الجنة لا يقوم لاحد غير النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن قيامه إليه صلى الل ه عليه وسلم جاء اظهارا لمرتبته ولا يقوم في خدمة أحد بعده، بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم، وقد أقامه الله تعالى في خدمة عبده ورسوله حتى مشى إليه وفتح له الباب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الثالثة والثلاثون: وبأنه أول من يدخل الجنة.
الرابعة والثلاثون: وبعده أمته.
روى أبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من يدخل الجنة، وأول من يدخل علي الجنة فاطمة، ومثلها في هذه الامة مثل مريم من بني اسرائيل)، ولا يشكل على ذلك ما رواه أحمد عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (بم
سبقتني الى الجنة ؟ فما دخلت الجنة الا سمعت خشخشتك أمامي..) الحديث رواه الامام أحمد فان ذلك كان في المنام، كما رواه البخاري من حديث جابر مرفوعا (رأيتني دخلت الجنة، فسمعت خشخشة، فقيل: هذا بلال..) الحديث.
فعرف أن ذلك وقع في المنام.
الخامسة والثلاثون: ومفتاح الجنة بيده صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
رواه الترمذي، والبيهقي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وقائدهم إذا وفدوا، وشافعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، ولواء الحمد بيدي ومفتاح الجنة يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم يومئذ(10/386)
على ربي يطوف علي ألف خادم كأنهم اللؤلؤ المكنون).
السادسة والثلاثون: وبالكوثر لا الحوض، خلافا لابن سراقة وأبو سعيد النيسابوري، فقد ورد (لك نبي حوض).
السابعة والثلاثون: وبأن حوضه صلى الله عليه وسلم أكبر الحياض.
روى ابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي عن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعل حوضي أعظم الحياض).
الثامنة والثلاثون: وأكثرها واردا.
التاسعة والثلاثون: وبالوسيلة.
وهي أعلى درجة في الجنة.
قال الامام عبد الجليل بن عظوم: الوسيلة التي اختص بها صلى الله عليه وسلم هي التوسل، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون في الجنة بمنزلة الوزير من الملك بغير تمثيل، ولا يصل الى أحد شئ الا بواسطته، وسيأتي بيان جميع ذلك في باب بعثه وحشره آخر الكتاب.
الاربعون: وبأنه سأل ربه (الوسيلة).
الحادية والاربعون: وبأن قوائم منبره رواتب في الجنة.
روى البيهقي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوائم
منبري رواتب في الجنة).
ورواه الحاكم من حديث أبي واقد الليثي.
الثانية والاربعون: وبأن منبره على ترعة من ترع الجنة.
روى ابن سعد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منبري هذا على ترعة من ترع الجنة).
الثالثة والاربعون: وبأن ما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة.
رواه الشيخان بلفظ: (ما بين بيتي ومنبري) من حديث ابي هريرة - رضي الله تعالى عنه.
الرابعة والاربعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم لا يطلب منه شهيد على التبليغ ويطلب من سائر الانبياء.
الخامسة والاربعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم يشهد لجميع الانبياء بالبلاغ، ويأتي بيان ذلك في حديث الشفاعة.
السادسة والاربعون: وبأن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببه ونسبه صلى الله عليه وسلم.
رواه الحاكم والبيهقي - رضي الله تعالى عنهما - من حديث عمر مرفوعا.(10/387)
قيل: معنى الحديث أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة، وأمم سائر الانبياء لا ينسبون إليهم.
وقيل: ينتفع يومئذ بالنسبة إليه، ولا ينتفع بسائر الانساب.
السابعة والاربعون: وبأن آدم صلى الله عليه وسلم يكنى به في الجنة دون سائر ولده تكريما له، فيقال: يا أبا محمد.
الثامنة والاربعون: وبأن وردت أحاديث في أن أهل الفترة يمتحنون به يوم القيامة، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، والظن بآل بيته كلهم أن يطيعوه عند الامتحان، لتقر بهم عينه.
التاسعة والاربعون: وبأن عدد درج الجنة بعدد آي القرآن.
الخمسون: وأنه يقال لقارئه: اقرأ وارق، فآخر منزلتك عند آخر آية تقرأها، ولم يرد ذلك
في سائر الكتب.
الحادية والخمسون: وبأنه لا يقرأ في الجنة الا كتابه.
الثانية والخمسون: وبأنه لا يتكلم فيها الا بلسانه.
الثالثة والخمسون: وبأنه صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته بنفسه بابلاغهم الرسالة.
ذكره القزويني في الخصائص.
روي عن قتادة - رضي الله تعالى عنه - قوله تعالى: (يا أيها النبي، انا أرسلناك شاهدا) يعني على أمتك بالبلاغ.(10/388)
الباب الرابع فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - في أمته في الاخرة
وفيه مسائل:
الاولى: اختص صلى الله عليه وسلم بأن امته أول من تنشق عنهم الارض.
روى أبو نعيم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارسلت الى الجن والانس والى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم دون الانبياء، وجعلت لي الارض كلها مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب أمامي شهرا، وأعطيت خواتم سورة البقرة، وكانت من كنوز العرش، وخصصت بها دون الانبياء، وأعطيت المثاني مكان التوراة والمئين مكان الانجيل، والحواميم مكان الزبور، وفصلت بالمفصل وأنا سيد ولد آدم في الدنيا والاخرة، ولا فخر، وأنا أول من تنشق الارض عني، وعن أمتي ولا فخر بيدي لواء الحمد يوم القيامة، وجميع الانبياء تحته ولا فخر، والي مفاتيح الجنة يوم القيامة ولا فخر، وبي تفتح الشافعة ولا فخر، وأنا سابق الخلق الى الجنة ولا فخر، وأنا امامهم وأمتي بالاثر).
الثانية: وبأنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء.
الثالثة: وبأن لهم سيما في وجوههم من أثر السجود.
قال الله سبحانه وتعالى: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (الفتح / 29).
الرابعة: وبأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم.
الخامسة: وبأن ذريتهم تسعى بين أيديهم.
روى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء).
وروى مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان حوضي أبعد من أيلة من عدن، اني لاذود عنه الرجل كما يذود الرجل الابل الغريبة عن حوضه، قيل: يا رسول الله، أتعرفنا ؟ قال: نعم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء وسيماكم ليست لاحد غيركم).
وروى الامام أحمد، والبزار عن ابي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا اول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يرفع رأسه فأنظر الى بين يدي، فأعرف أمتي من بين الامم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك من بين الامم فيما بين نوح الى أمتك ؟ قال: (هم غر محجلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم بأيمانهم تسعى(10/389)
ذريتهم بين أيديهم).
وروى الامام أحمد بسند صحيح عن ابي ذر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اني لاعرف أمتي يوم القيامة من بين الامم)، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك ؟ قال: (أعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم).
السادسة: وبأنهم يكونون في الموقف على كوم عال.
السابعة: وبأن لهم نورين كالانبياء، وليس لغيرهم الا نور واحد.
كما سبق ويأتي في آخر الكتاب.
الثامنة: وبأنهم يمرون على الصراط كالبرق الخاطف وكالريح.
التاسعة: وبأنهم يشفع محسنهم في مسيئهم.
العاشرة: وبأن عذابها معجل في الدنيا، وفي البرزخ لتوافي القيامة ممحصة.
الحادي عشرة: وبأنها تدخل قبورها بذنوبها، وتخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها.
الثانية عشرة: وبأن كل واحد منهم يعطى يهوديا أو نصرانيا فيقال له: يا مسلم، هذا فداؤك من النار.
روى أبو يعلى والطبراني في الاوسط والحاكم وصححه عن عبد الله بن يزيد الانصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان عذاب هذه الامة جعل في دنياها).
وروي أيضا عن رجل من الصحابة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عقوبة هذه الامة السيف).
وروى ابن ماجه والبيهقي في البعث عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان هذه الامة مرحومة، عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامة، دفع الى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال له: هذا فداؤك من النار).
وروى الطبراني في الاوسط عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمتي أمة مرحومة: تدخل قبورها بذنوبها، وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها، تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها).
وروى الامام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له يرى المسلم عمله في قبره).(10/390)
قال الحكيم الترمذي: يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه غدا في الموقف، فيمحص في البرزخ، فيخرج من القبر وقد اقتص منه).
الثالثة عشرة: وبأن لها ما سعت، وما سعي لها وليس لمن قبلهم الا ما سعى، قاله عكرمة - رضي الله تعالى عنه -، ورواه ابن أبي حاتم عنه.
الرابعة عشرة: وبأنهم يقضى لهم قبل الخلائق.
روى ابن ماجه عن أبي هريرة وحذيفة - رضي الله عنهم - قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن الاخرون من أهل الدنيا والاولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق).
الخامسة عشرة: وبأنهم يغفر لهم المقحمات.
روى مسلم عن ابن مسعود في حديث المعراج قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطى الصلوات الخمس.
وأعطى خواتيم سورة البقرة.
وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات.
السادسة عشرة: وبأنهم أثقل الناس ميزانا.
روى الاصبهاني في (ترغيبه) عن ليث - رضي الله تعالى عنه - قال: قال عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: (أمة محمد صلى الله عليه وسلم أثقل الناس في الميزان، ذلت ألسنتهم لكلمة ثقلت على من كان قبلهم لا اله الا الله).
السابعة عشرة: وبأنهم نزلوا منزلة العدول من الحكام، فيشهدون على الناس أن رسلهم بلغتهم.
قال الله سبحانه وتعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (البقرة / 143).
وروى الامام أحمد والنسائي والبيهقي عن ابن سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجئ النبي يوم القيامة، ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيقال لهم: هل بلغتم ؟ فيقولون: نعم، فيدعى قومهم، فيقال لهم: هل بلغوكم ؟ فيقولون: لا فيقال للنبيين: من يشهد لكم أنكم بلغتم ؟ فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة
محمد، فيشهدون أنهم قد بلغوا، فيقال لهم: وما علمكم أنهم قد بلغوا ؟ فيقولون: جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه، فيقال لهم: صدقتم.
فذلك قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (البقرة / 143).
قال: عدولا، ورواه البخاري مختصرا.(10/391)
الثامنة عشرة: (بأنهم يدخلون الجنة قبل سائر الامم).
روى الطبراني بسند حسن عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -.
التاسعة عشرة: ويدخل الجنة منهم سبعون ألفا بغير حساب.
العشرون: ومع كل ألف سبعون ألفا، ومع كل واحد سبعون ألفا.
قال سلطان العلماء شيخ الاسلام الشيخ عز الدين بن عبد السلام - رحمه الله تعالى -: لم يثبت ذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الشيخان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: (عرضت علي الامم، يمر على النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان والنبي ليس معه أحد والنبي معه الرهط فرأيت سوادا كثيرا فرجوت أن يكون أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادا كثيرا قد سد الافق فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب).
وروى الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وابو يعلى وابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الامم بالموسم، فرأيت أمتي قد ملأوا السهل والجبل، وأعجبني كثرتهم وهيبتهم، فقيل لي: رضيت ؟ قلت: نعم قال: ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب، فلا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون).
وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات، والامام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي
الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ (الم تنزيل) السجدة، فأطال السجود ثم رفع، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أطلت السجود، قال: سجدت شكرا لربي فيما أعطاني في أمتي، سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أمتك أكثر وأطيب، فاستكثرتم حتى قال مرتين أو ثلاثا، فقال عمر: يا رسول الله، قد استوعبت أمتك.
ولفظ أحمد فقال عمر: هلا استزدته ؟ فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفا، قال عمر: فهلا استزدته قال: قد استزدته فأعطاني هكذا، وفرج عبد الرحمن بن أبي بكر بين يديه..الحديث.
وروى الشيخان عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف متماسكين، أخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة، ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر).
وروى الامام أحمد عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/392)
يقول: (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا).
وروى الترمذي وحسنه، وأبو يعلى عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله - عز وجل - يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب، مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي).
روى الامام أحمد وابن حبان بلفظ (ان الله - عز وجل - وعدني أن يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفا بغير حساب فقال يزيد بن الاخنس السلمي: والله ما أولئك في أمتك الا كالذباب الاصهب في الذبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان ربي وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا، مع كل ألف سبعين ألفا - مرتين، وزادني ثلاث حثيات).
وروى الطبراني نحوه عن عمرو بن حزم الانصاري - رضي الله تعالى عنه - وفيه مع كل واحد من السبعين ألفا سبعون ألفا.
وروى الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن عامر بن عمير - رضي الله تعالى عنه - قال: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثا لا يخرج الا الى صلاة مكتوبة) الحديث وفيه: فأعطاني ربي سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، مع كل واحد من السبعين الالف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، فقلت: ان امتي لا تبلغ هذا أو تكمل هذا فقال: أكملهم لك من الاعراب.
وروى أبو يعلى مرسلا عن سعيد بن عامر اللخمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجئ فقراء المسلمين، يوم القيامة يزفون كزف الحمام فيقال لهم: قفوا للحساب فيقولون: والله ما تركنا شيئا فتحاسبونا عليه، فيقول الله تعالى: صدق عبادي، أدخلوهم الجنة بغير حساب.
روى عمر بن شبة في أخبار المدينة، عن كعب - رحمه الله تعالى - قال: (نجد مكتوبا في الكتاب أن مقبرة بالمدينة على حافة سيل يحشر منها سبعون ألفا ليس عليهم حساب).
وروى الطيالسي والامام أحمد وأبو يعلى عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدته، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا).
وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا)، قالوا: زدنا يا رسول الله، قال: (لكل رجل سبعون ألفا)، قالوا: زدنا يا رسول الله وكان على كثيب فحثا بيده فقالوا: زدنا يا رسول الله، قال: (هذا) وحثا بيده.(10/393)
قالوا: يا نبي الله، أبعد الله من دخل النار بعد هذا.
روى الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن عامر بن عمير - رضي الله تعالى عنه - قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا لا يخرج الا الى صلاة مكتوبة
الحديث.
وفيه: (فأعطاني ربي سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب مع كل واحد من السبعين سبعون ألفا، فقلت: ان أمتي لا تبلغ هذا، قال: أكملهم من الاعراب).
الحادية والعشرون: وبأن أطفالهم كلهم في الجنة وليس لسائر الامم.
في أحد الاحتمالين للسبكي.
قلت: ورجح النووي في شرح مسلم أنهم في الجنة (1).
الثانية والعشرون: وبأن أهل الجنة مائة وعشرون صفا وهذه الامة منها ثمانون، وسائر الامم أربعون.
روى مسدد وابن أبي شيبة والامام أحمد والطبراني برجال ثقات، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وربع أهل الجنة لكم ربعها ولسائر الناس ثلاثة أرباعها ؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فكيف أنتم وثلثها ؟ قالوا: فذاك أكثر، فقال: كيف أنتم والشطر ؟ قالوا: فذاك كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف، أنتم منها ثمانون صفا) ورواه البخاري مختصرا.
الثالثة والعشرون: وبأن الله - تبارك وتعالى - يتجلى لهم فيرونه ويسجدون له باجماع أهل السنة، كما في أحاديث الشفاعة.
وفي الامم السالفة احتمالا لسيدي الشيخ عبد الله بن أبي جمرة.
الرابعة والعشرون: وبأن كل أمة بعضها في الجنة وبعضها في النار الا هذه الامة، فانها كلها في الجنة، رواه القاضي أبو الحسين بن المهتدي بالله في فوائده من حديث ابن عمر مرفوعا.
الخامسة والعشرون: وبأن ولد الزنا منهم لا يدخل الجنة الى خمسة آباء، ومن غيرهم الى سبعين.
كما في مصنف عبد الرزاق عن الربعي أنه قرأه في بعض الكتب.
السادسة والعشرون: وبأنهم يؤذن لهم في المحشر في السجود دون سائر الامم.
روى ابن ماجه بسند فيه ضعف عن أبي موسى الاشعري - رضي الله تعالى عنه - قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لامة محمد في السجود، فيسجدون طويلا) ثم يقال: ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار).
* هامش * (1) سقط في ح) * (.
X(10/394)
الباب الخامس فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - عن أمته من الواجبات
والحكمة من اختصاصه بها زيادة الزلفى والدرجات فلن يتقرب المتقربون الى الله تعالى بمثل أداء ما افترض علهم، كما في الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -.
قال العلماء: خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن خلقه بواجبات عليه، لعلمه بأنه أقوم بها منهم، وأصبر عليها منهم.
وقيل: لجعل أجره بها أعظم من أجرهم، وقربه بها أزيد من قربهم.
وأما ما أباحه له مما حرمه عليهم، فليظهر بذلك كرامته، ويبين اختصاصه ومنزلته.
وقيل: لعلمه بأن ما خصه به من الاباحة لا يلهيه عن طاعة، وان الهاهم، ولا يعجزه عن القيام بحقه وان أعجزهم، ليعلموا أنه على طاعة الله أقدر، وعلى حقه أقوم.
وفيه نوعان: الأول: فيما يتعلق بالاحكام غير النكاح.
وفيه مسائل: الاولى: اختص صلى الله عليه وسلم بوجوب الوضوء لكل صلاة، وان لم يحدث ثم نسخ.
روى أبو داود والبيهقي في سننيهما، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن عبد الله بن حنظلة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه ذلك أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء الا من حدث.
اسناده جيد وفيه اختلاف لا يضر.
الثانية: وبالسواك في الاصح للحديث السابق، وهل كان الواجب عليه في العمر مرة أو عند كل صلاة مفروضة، أو مطلقا أو في الاحوال التي يتأكد فيها استحبابه في حق الامة، أو ما هو أعم من ذلك ؟ وحكى بعضهم أنه كان واجبا عليه في الوقت المتأكد في حقنا، وقيل: لكل صلاة.
قلت: ويشهد له حديث عبد الله بن حنظلة السابق في الاولى.
وقيل: عند تغير الفم.
وقيل: عند نزول الوحي، قاله النووي في (التنقيح شرح الوسيط).
الثالثة: وبوجوب صلاة الضحى على الصحيح وقال البلقيني: لم تكن الضحى واجبة(10/395)
عليه، جزموا به.
ففي صحيح مسلم، عن عبد الله بن شقيق - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت لعائشة - رضي الله تعالى عنها -: أكان للنبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت: لا الا أن يجئ من مغيبه.
وذكر أحاديث كثيرة في ذلك.
وقال في الخادم: أخرج البخاري عن ابن أبي ليلى يقول: (ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فانها قالت: ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود) ثم قال: وإذا قلنا فهل كان الواجب عليه أقل الضحى، أو أكثرها أو أدنى كمالها، لم يتعرضوا له نعم.
روى الامام أحمد والطبراني عن ابن عباس مرفوعا: (ثلاث علي فريضة وهن لكم تطوع، الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضحى).
الرابعة: والوتر على الصحيح.
وقال البلقيني: لم يكن الوتر واجبا عليه، خلافا لما صححوه.
فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان
يوتر على بعيره، وبه احتج الشافعي - رضي الله تعالى عنه - على عدم وجوب الوتر على الامة، فيكون مذهب الشافعي أنه ليس بواجب عليه مطلقا، ولا دليل لمن قال: كان واجبا عليه في الحضر دون السفر.
وفي الخادم، من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الوتر على الراحلة، وبذلك صرح النووي في باب التطوع من شرح مسلم.
قال في الخادم: وإذا قلنا بالوجوب، فهل كان الواجب عليه أقل الوتر أم أكثر أم أدنى ؟ لم يتعرضوا له أيضا، والظاهر أن مرادهم الجنس.
الخامسة: وصلاة الليل.
السادسة: وركعتا الفجر.
السابعة: والاضحية.
روى الطبراني والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث هن علي فرائض، وهن لكم سنة: الوتر، والسواك، وقيام الليل).
وروى الامام أحمد والدار قطني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا الفجر).(10/396)
ورواه الامام أحمد والبزار من وجه آخر عنه.
وروى الامام أحمد والطبراني عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث علي فرائض وهن لكم تطوع: الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضحى).
وروى الامام أحمد وعبد بن حميد عنه: (أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها، وأمرت بالاضحية ولم تكتب عليكم).
تنبيه: الاصح عند أئمتنا وجوب الثالثة والرابعة، والخامسة (والسابعة) (1)، ولم يذكروا
(السادسة) (2) مع أن أدلة الجميع ضعيفة لا تثبت الخصائص بمثلها.
حكى الشيخ أبو حامد أن للشافعي (رضي الله عنه) نصا على نسخ وجوب قيام الليل في حقه صلى الله عليه وسلم قال النووي: وهذا هو الاصح أو الصحيح، ففي الصحيح ما يدل عليه، ورجحه البلقيني.
ولهذا صحح جمع من المتأخرين عدم وجوب ذلك، ووردت أحاديث أخر تنفي الوجوب، لكنها أيضا ضعيفة وصرف قوله تبارك وتعالى (فصل لربك وانحر) (الكوثر / 2).
أمران: الأول: ان غالب الائمة ذهبوا الى أنه ليس المراد بها: انحر الاضحية، كما هو مقرر في كتب التفسير.
الثاني: على تقدير القول بأن الصلاة: يوم العيد، والنحر: الاضحية، فلفظ الامر ينصرف من الوجوب الى الندب بالقرينة ومن القرينة ذكر الاضحية مع الصلاة، ولم يقل بوجوب صلاة العيد على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على غيره، على المذهب الصحيح.
بل ذلك مسنون له ولامته، فكذلك الاضحية.
قلت: يؤخذ من حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن الواجب عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى أقلها لا أكثرها.
قال في (العزر): قيامه في الوتر كذلك.
الثامنة: وقيل وبصلاة أربع عند الزوال.
رواه البيهقي عن سعيد بن المسيب وسنده ضعيف.
التاسعة: قيل وبوجوب الوضوء عليه كلما أحدث، فلا يكلم أحدا، ولا يرد سلاما حتى يتوضأ، ثم نسخ.
* هامش * (1) في د (السادسة).
(2) في د السابعة.
(*)(10/397)
العاشرة: وبوجوب المشاورة على الاصح، وقيدها الامام - رضي الله تعالى عنه - بمشاورة ذوي الاحلام، وهم ذوو العقول.
وقال صاحب التعليقة: خص صلى الله عليه وسلم بوجوب المشاورة في الامر مع أهله وأصحابه.
قال الله - سبحانه وتعالى -: (وشاورهم في الامر) (آل عمران / 159).
والاظهر أن الامر هنا للوجوب.
روى ابن عدي والبيهقي في الشعب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما نزلت (وشاورهم في الامر) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما ان الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لامتي)، وتقدمت في ذلك أحاديث في باب مشاورته صلى الله عليه وسلم من أبواب صفاته المعنوية.
قال الماوردي: اختلف العلماء فيما يشاور فيه، فقال قوم: في الحروب ومكابدة العدو خاصة.
وقال آخرون: في أمور الدنيا والدين.
وقال آخرون: في أمور الدين تنبيها لهم على علل الاحكام وطريق الاجتهاد.
قلت: ويؤيد الأول ما رواه الطبراني بسند جيد عن ابن عمر قال: كتب أبو بكر الصديق الى عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في الحرب، فعليك به.
تنبيه: وجوب المشاورة عليه هو الاصح عند الشيخين، لكن نص الشافعي على عدم وجوبها، حكاه البيهقي في المعرفة عند استئذان البكر.
الحادية عشرة: قيل: وبالاستعاذة عند القراءة.
الثانية عشرة: وبوجوب مصابرة العدو، وان كثر عددهم، والامة انما يلزمهم إذا لم يروا عدد الكفار على الضعف، قال القاضي جلال الدين البلقيني: ولم يذكر أئمتنا لهذه المسألة دليلا، ولا يقال: قد صح عنه صلى الله عليه وسلم مصابرة العدو في غير موضع، وصاب يوم أحد بعد أن أفرد
في اثني عشر رجلا كما في الصحيح، وصابر يوم حنين بعد أن أفرد في عشرة كما قاله العباس عمه في شعره، وتقدم إليهم وقال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب.
لان هذه الوقائع لا تدل على الوجوب وانما تدل على شجاعته صلى الله عليه وسلم.
وقال الماوردي: قد يقال من الدليل على ذلك: ان فرار الانسان وتوليه عند الزحف من خوف القتل.
وذلك غير جائز على الانبياء من جهة أنهم معصومون وبأنهم في أعلى مكان، فيعلمون أنه لا يتعجل شئ عن وقته، ولا يتأخر شئ عن وقته بخلاف غيرهم من المكلفين،(10/398)
فليس لهم مثل هذا الايمان، ولا مثل هذا اليقين.
قال القاضي جلال الدين البلقيني: وهذا الذي قاله حسن متجه، وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه: انما كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم لشيئين: أحدهما: ان الله تعالى ضمن له النصرة والظفر، وقال له: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) (الحشر 94).
والثاني: انه لو لم يكن ينكره، لكان يوهم أن ذلك جائز، وأن أمره بتركه منسوخ.
وقال غيره: الدليل على ذلك أن الله تعالى وعده بالعصمة، فقال تعالى: (والله يعصمك من الناس) (المائدة / 67)، فلم يكونوا يصلوا إليه بسوء، ولو وصلوا إليه قلوا أو كثروا (لم يمسوه بشئ) قال: وجه الدلالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يقاتل عدوه) وفي رواية: (حتى يتأخر عدوه).
فإذا كان لبس اللامة التي هي مظنة الوقاية موجبة له صلى الله عليه وسلم على ملاقاة العدو ومقاتلته ومناجزته، فكيف عند مشاهدة العدو، وانتظام الشمل به صلى الله عليه وسلم، فانه لو ولى لم ينتظم لهم شمل، فإذا ثبت انتظم شملهم بوجوده صلى الله عليه وسلم كما أنشق يوم حنين، فان غالب الصحابة ولوا مدبرين عن ملاقاة العدو، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة من أصحابه فتقدم في وجه العدو، حتى نصره الله تعالى، وتراجع إليه أصحابه قال: ثم رأيت الاوزاعي نقل عن البغوي الاشارة الى ما قلناه.
تنبيه: قال الجلال البلقيني والخضيري: أطلق الاصحاب مصابرة العدو في حقه صلى الله عليه وسلم ولم يبينوا هل ذلك مع الجيش أو وحده ؟ بحيث لو رأى الجيش ولى ولم يكن معه أحد من الصحابة هل يجب عليه الثبات لهم ؟ زاد الخضيري: لكن عموم كلامهم يقتضيه، وهو ظاهر ما تقدم عن الماوردي.
الثالثة عشرة: وبأنه صلى الله عليه وسلم إذا بارز رجلا في الحرب لم ينفك عنه قبل قتله لما تقدم.
الرابعة عشرة: وبوجوب الانكار (المنكر).
الخامسة عشرة: وتغيير منكر رآه.
السادسة عشرة: وأنه لا يسقط للخوف.
السابعة عشرة: ولا إذا كان المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادا.
الثامنة عشرة: وبوجوب اظهار الانكار كما في (الذخائر).
قال القاضي أبو الطيب: وانما كان ذلك من الخصائص لشيئين.
أحدهما: ان الله تعالى ضمن له النصرة والظفر، وقال له: (اصدع بما تؤمر) (الحجر / 94).(10/399)
والثاني: انه لو لم ينكر، لكان يوهم أن ذلك جائز، وان أمره بتركه منسوخ، بخلاف الامة يسقط عنهم للخوف، وإذا كان المرتكب يزداد اغراء لم يجب كما قاله الامام الغزالي في الاحياء.
التاسعة عشرة: وبوجوب الوفاء بوعده كضمان غيره، كما ذكره ابن الجوزي والاسماعيلي من أئمتنا والمهلب بن أبي صفرة فان قيل: إذا كان وفاؤه بالوعد واجبا، صار بمنزلة ما لو خلف الميت وفاء، فكيف كان يمتنع من الصلاة على المدين ؟ فالجواب: أن من حديث جابر وغيره ما يبين أن الامتناع كان في أول الاسلام، وفي المال قلة، فلما فتح الله الفتوح قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم).
العشرون: وبوجوب قضاء دين من مات من المسلمين معسرا على الصحيح.
روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الذي عليه دين فيسأل: (هل ترك لدينه قضاء ؟) فان حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، والا قال: (صلوا على صاحبكم).
فلما فتح الله عليه الفتوح قام فقال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين ولم يترك وفاءا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته).
تنبيه: ظاهر كلام الرافعي والنووي وجوب الوفاء عليه صلى الله عليه وسلم سواء كان قادرا على الوفاء أو لم يكن قادرا، ويشمل ذلك قبل زمن الفتوح وضيق الحال، وليس الامر كذلك، وانما وجب عليه الوفاء عند قدرته عليه بسبب الفتوحات واتساع المال، كما صرح به الامام، فتكون الخصوصية بالنسبة الى أواخر الحال.
فائدة: هل كان صلى الله عليه وسلم يقضيه من ماله أو من مال المصالح الذي كان خاصا به ؟ رجح النووي في شرح مسلم الثاني.
الحادية والعشرون: قيل وبوجوب قول: لبيك، ان العيش عيش الاخرة إذا رأى ما يعجبه.
واستدل له بما رواه الشافعي عن مجاهد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية، حتى إذا كان ذات يوم رأى الناس ينصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: لبيك، ان العيش عيش الاخرة.
وروى الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس نحوه.
ولما رواه البخاري في قصة الخندق قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا عيش الا عيش الاخرة).
وليس(10/400)
في هذا الذي ذكر ما يدل على الوجوب، فان القائل بالوجوب يحتاج الى التزام صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في كل حالة رأى فيها ما يعجبه، ولم ينقل ذلك.
وقد تحقق له صلى الله عليه وسلم
أحوال رأى فيها ما يعجبه ويسره مثل يوم بدر، ويوم فتح مكة وغيرهما.
ولم ينقل ذلك، ولو كان واجبا عليه لقاله.
فان قيل: يحتمل أنه قاله: ولم ينقل، أو قاله سرا.
فالجواب: أن غالب أحواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم متضمنة للسرور، ولا يخفى مثل ذلك على أصحابة وملازميه.
تنبيه: المراد بالاعجاب المذكور آنفا، الاعجاب الاخروي، يعني أنه أعجبه ما هو فيه كثرة الداخلين في دين الله تعالى أفواجا، وظهور دين الاسلام على الدين كله، وانتصار دين الله تعالى.
الثانية والعشرون: وبوجوب أن يودي فرض الصلاة كاملة لا خلل فيها.
ذكره النووي والماوردي والعراقي شارح المهذب، وفي كلام الامام ما يرشد إليه، ولم يتعرض له الشيخان.
ووجهه ظاهر، فان الخلل الحاصل في الصلاة من تلاعب الشيطان، وهو معصوم منه صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره، وينبغي أن يتحقق بذلك سائر عبادته صلى الله عليه وسلم.
الثالثة والعشرون: وبوجوب اتمام كل تطوع شرع فيه.
وضعفه البلقيني، فقد روى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا عائشة، هل عندكم شئ ؟ قالت: ما عندنا شئ.
قال: فاني صائم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية، أو جاء لنا زود قالت: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله: أهديت لنا هدية أو جاءنا زود وقد خبأت لك شيئا قال: ما هو ؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به فأكل ثم قال: قد كنت أصبحت صائما).
فهذا الحديث صريح الدلالة على عدم وجوب ذلك عليه، ولزومه كما في حقنا.
الرابعة والعشرون: وبوجوب الدفع بالتي هي أحسن، لانه مأمور بذلك، ذكره ابن القاص، وأقره ابن الملقن، ولم يتعرض لهذا الشيخان.
قال الله تعالى: (ادفع بالتي هي
أحسن) (فصلت / 34) والامر في الاية للوجوب، ويحتمل الندب فان قلنا بالوجوب، فهو بالنسبة الى هذه الامة بحكم باق مستمر، وأما بالنسبة الى الكفار من موادعتهم وترك التعرض لهم فمنسوخ بآية القتال، كما ذكره غير واحد من أئمة التفسير.
الخامسة والعشرون: وبتكليف ما كلفه الناس بأجمعهم من العلم ذكره ابن القاص، ونقله عنه البيهقي وابن الملقن، وعبارة أبو سعيد في (الشرف)، وكلف من العمل بما كلف الناس به أجمعون وبين الامرين فرق.(10/401)
السادسة والعشرون: وبوجوب الاستغفار له والتوبة في اليوم مائة مرة إذا غان على قلبه.
ذكره ابن القاص، ولم يذكره الشيخان، وقد جزم به البيهقي وأبو سعيد في الشرف ويستغفر كل يوم سبعين مرة.
وعبارة رزين: (وبما وجب عليه أن يستغفر في كل يوم سبعين مرة).
روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة).
وللترمذي عنه بلفظ: (اني لاستغفر الله في اليوم سبعين مرة).
وروى مسلم عن الاعز المرني - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انه يغان على قلبي، واني لاستغفر الله مائة مرة).
وقد تقدم الكلام على ذلك في باب استغفاره وتوبته صلى الله عليه وسلم، من صفاته المعنوية.
والله أعلم.
تنبيه: خوف المقربين خوف اجلا واعظام.
قال الشيخ شهاب الدين السهروردي: لا يعتقد أن الغني حالة يفقر حاله نقص، بل هو كما أو تتمة كمال، ثم مثل ذلك يحقن العين أي يسيل لدفع القذى عن العين مثلا، فانه يمنع العين من الرؤية.
فهذا من هذه الحيثية نقص، وفي الحقيقة كمال هذا محصل كما كلامه بعبارة
طويلة.
قال: فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للاغيرة من أنفاس الاغيار.
فدعت الحاجة الى الستر على صدقة بصيرته صيانة لها، ووقاية عن ذلك.
السابعة والعشرون: وبوجوب كونه مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام.
ذكرها ابن القاص والبيهقي وابن سعد، ولم يذكرها الشيخان قال الخضري: ولا أعلم دليلا صريحا على وجوب ذلك.
انتهى.
الثامنة والعشرون: وبوجوب الاحكام الشرعية حين كان يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي، فلا تسقط عنه صلاة ولا غيرها.
ذكرها ابن القاص وتبعه البيهقي والنووي.
وحديث عائشة وصفوان بن يعلى عن ابيه وابن سعيد - رضي الله تعالى عنهم - في شأن الوحي في الصحيحين صريح في أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتقل من حاله المعروف الى حالة تستلزم الاستغراق والغيبة عن الحالة الدنيوية حتى ينتهي الوحي، ويفارقه الملك.(10/402)
وقال شيخ الاسلام البلقيني: وهي حالة يؤخذ فيها عن حال الدنيا من غير موت، فهو مقام برزخي يحصل له عند تلقي الوحي، فلما كان البرزخ العام، ينكشف فيه للميت كثير من الاحوال، خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ببرزخ في الحياة، يلقي الله تعالى فيه وحيه المشتمل على كثير من الاسرار.
وقد يقع لكثير من الصلحاء عند الغيبة بالنوم، أو غيره اطلاع على كثير من الاسرار، وذلك مستمد من المقام النبوي، ويشهد لذلك (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة).
التاسعة والعشرون: وبوجوب الركعتين عليه بعد العصر قاله رزين.
الثلاثون: وبأن جميع نوافله صلى الله عليه وسلم كانت فرضا، لان النفل انما هو للجبر، ولا نقص في صلاته حتى يجبر.
قاله رزين.
قلت: وهذا الذي قاله رزين ليس بشئ، ولا يلزم من عدم وقوع نقص في صلواته الخمس أن يكون ما عداها من الصلوات فرضا، بل ذلك نافلة ليس الا.
ويدل لذلك ما رواه الامام أحمد وابن جرير والطبراني عن أبي أمامة (رضي الله عنه) في قوله - تبارك وتعالى -: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) (الاسراء / 79)، قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة، لكم فضيلة.
وفي لفظ: انما كانت النافلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة.
وروى الطيالسي والطبراني بسند جيد عنه انه قال: (إذا توضأ الرجل المسلم فأحسن الوضوء، فان قعد فعد مغفورا له، وان قام يصلي كانت له فضيلة، قيل: له نافلة ؟ فقال: انما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون نافلة وهو يسعى في الخطايا والذنوب ؟ ولكن فضيلة).
وروى ابن جرير وابن المنذر في تفسيريهما، والبيهقي في (الدلائل) عن مجاهد (رضي الله عنه) في الاية قال: لم تكن النافلة لاحد الا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل مع المكتوب، فهو له نافلة سوى المكتوب، من أجل أنه لا يعمل ذلك من كفارة الذنوب فهي نوافل له وزيادة، والناس يعملون ما سوى المكتوب في كفارة ذنوبهم، فليس للناس نوافل، انما هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وروى ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه.
وروى ابن المنذر وغيره عن الحسن قال: ليس لاحد نافلة الا للنبي خاصة.
ولان فرائضه كانت للزيادة وأما غيره، فلا يخلو عن نقص، فنوافله تكمل فرائضه.(10/403)
وروى أيضا عن الضحاك نحوه فتبين بهذه الاثار أن صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ليست كلها فرضا بل فيها الفرض والنفل.
الحادية والثلاثون: وبصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة على وفق ما كان ليلة الاسراء، وأورد الاحاديث في صلاته عن الخمس فبلغت مائة ركعة.
قلت: كذا أورد هذه من قسم الواجبات رزين يقول: ان الذي خفف ليلة الاسراء انما كان عن الامة فقط، فيرد ما رواه البخاري في صحيحه من طريق شريك عن أنس (رضي الله عنه) من حديث المعراج وفيه: ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد اليك ربك ؟ قال: (خمسين صلاة كل يوم)، قال: ان أمتك لا تستطيع ذلك فارجع الى ربك فيخفف عنك ربك وعنهم وفيه فقال: (يا رب، خفف) فوضع عنه عشرا...الى آخره.
وروى النسائي وابن أبي حاتم من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس (رضي الله عنه) فذكر حديث المعراج وفيه: (ثم مررت على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك ؟ قلت: خمسين صلاة، قال: انك لن تستطيع أن تقوم أنت ولا أمتك، فاسأل ربك التخفيف، فرجعت فأتيت سدرة المنتهى، فخررت ساجدا فقلت: يا رب فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي قال: قد وضعت عنكم عشرا) الى آخره.
روى ابن مردويه من طريق كثير بن حبيش عن أنس نحوه.
فذكر الحديث وفيه (فرجعت حتى أمر على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك ؟ قلت: خمسين صلاة، قال: فارجع الى ربك فاسأله، أن يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت فوضع عني عشرا).
فتبين بما ذكر أن التخفيف وقع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أمته.
قال الحافظ: في الكلام على قوله تبارك وتعالى ليلة الاسراء هن خمس وهن خمسون، استدل به على عدم وجوب ما زاد على الخمس كالوتر، وعلى دخول النسخ في الانشاءات ولو كانت مؤكدة خلافا لقوم فيما أكدوا على جواز النسخ، قبل الفعل.
قال ابن بطال وغيره: ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلى، ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب.
وتعقبه ابن المنير فقال: هذا ذكره طوائف من الاصوليين، والشراح وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالاشاعرة وان منعه المعتزلة، لكونهم اتفقوا جميعا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ وحديث الاسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ، فهو مشكل عليهم جميعا.
قال هذه نكتة مبتكرة قلت: ان أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع، وان أراد الى الامة فمسلم، لكن قد يقال: ليس هذا بالنسبة إليهم نسخا، لكن هو نسخ بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وسلم لانه كلف(10/404)
بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه، وقبل أن يفعل، فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم انتهى كلام الحافظ، فانظر الى قوله: انه كلف بذلك قطعا، ثم نسخ بعد أن بلغه.
الثانية والثلاثون: وبوجوب ايقاظ نائم مر عليه وقت الصلاة، وهو امتثال، قال تعالى: (ادع الى سبيل ربك) (النحل / 125).
قلت: الخصائص لا تثبت الا بدليل صحيح، ولا دلالة فيما ذكر.
الثالثة والثلاثون: وبوجوب العقيقة.
الرابعة والثلاثون: وبوجوب الاثابة على الهدية.
الخامسة والثلاثون: وبوجوب الاغلاظ على الكفار قال الله سبحانه وتعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) (التحريم / 9).
السادسة والثلاثون: وبوجوب تحريض المؤمنين على القتال.
السابعة والثلاثون: وبوجوب التوكل على الله.
قال الله سبحانه وتعالى: (وتوكل على الله) (الاحزاب / 3).
الثامنة والثلاثون: وبوجوب الصبر على ما يكره.
التاسعة والثلاثون: وبوجوب صبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي.
الاربعون: وبوجوب الرفق وترك الغلظة.
الحادية والاربعون: وبوجوب ابلاغ كل ما أنزل إليه - قال الله - تبارك وتعالى -: (يا أيها الرسول، بلغ ما أنزل اليك من ربك) (المائدة / 67).
قلت: وفي هذه الخصائص نظر، إذ الانبياء كلهم كذلك.
الثانية والاربعون: وبوجوب خطاب الناس بما يعقلون.
الثالثة والاربعون: وبوجوب الدعاء لمن أدى صدقة ماله.
الرابعة والاربعون: وبوجوب كل ما يتقرب به.
الخامسة والاربعون: وبوجوب الاستثناء إذا وعد أو علق أمرا على غد.
قال الله تعالى: (لا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله) (الكهف / 33، 34).
السادسة والاربعون: وبوجوب مبرة عيال من مات موسرا.
السابعة والاربعون: وبوجوب أداء الجنايات عمن لزمته.
وهو معسر.
الثامنة والاربعون: وكذا الكفارات ذكر السبعة عشر رزين ونقله الشيخ عنه في الصغرى، ولم يتعرض لذلك في الكبرى.(10/405)
التاسعة والاربعون: وبأن الصلاة على الجنازة، في حقه صلى الله عليه وسل فرض عين كما يؤخذ من قول بعض الحنفية أن في عهده لا يسقط فرض الجنازة الا بصلاته.
الخمسون: وبوجوب حفظ أقوال المسلمين.
قاله أبو سعيد النيسابوري في (الشرف).
النوع الثاني من الواجبات فيما يتعلق بالنكاح وفيه مسألة واحدة: خص صلى الله عليه وسلم بتخيير بعض نسائه في فراقه واختياره على الصحيح، قال الله - سبحانه وتعالى -: (يا أيها النبيى قل لازواجك: ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) (الاحزاب / 28) الاية، والامر في ذلك للوجوب، ولا يجب ذلك على غيره.
وسبب نزول هذه الاية قد اختلف فيه، فقيل: ان أزواجه سألنه النفقة وطلبن منه ما لا يقدر عليه صلى الله عليه وسلم، كما في حديث مسلم من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل أبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - على النبي صلى الله عليه وسلم وحوله نساؤه يسألنه وهو ساكت فقال عمر - رضي الله تعالى عنه -: لاكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
هن حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر الى عائشة ليضربها، وقام عمر الى حفصة ليضربها كلاهما يقولان: تسألان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ؟ وأنزل الله الخيار فبدأ بعائشة فقال: اني ذاكر لك أمرا، فأحب أن لا تعجلي منه حتى تستأمري أبويك، قالت: ما هو ؟ فتلا عليها: (يا أيها النبي قل لازواجك: ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) (الاحزاب / 28) الاية، قالت عائشة: أفيك استأمر أبوي بل أختار الله ورسوله.
ولا مخالفة بين هذا الحديث وما في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه سأل عمر بن الخطاب عن قصة المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وكان قال: ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة مؤاخذته عليهن حين عاتبه الله، فلما مضت تسع وعشرون ليلة، دخل على عائشة فبدأ بها فقالت عائشة: يا رسول الله، انك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علي شهرا، وانما أصبحت من تسع وعشرين،.
أعدها عدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين، قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: ثم نزلت بعد آية التخيير).
الحديث.
لانه يمكن الجمع، كما قال الحافظ: بأن تكون القصتان جميعا سبب الاعتزال، والاعتزال سبب التخيير.
فان قصة المتظاهرتين خاصة بهما، وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة، وهو مفهوم من سياق الحديث.(10/406)
القول الثاني: كان لسبب قصة العسل الذي شربه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت زينب بنت جحش ومواطأة عائشة وحفصة أن يقولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انا نجد منك ريح مغافير فحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه، فأنزل الله تعالى: (يا أيها النبي، لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك) (التحريم / 1) الى قوله: (ان تتوبا الى الله) (التحريم / 4) هو مخرج في الصحيحين عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - والمغافير بالعين المعجمة والفاء حلو
المذاق.
فروع: الفرع الأول: قال أئمتنا: لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه اخترته غي ر العامرية، فروى ابن سعد عن ابن أبي عون عن عمران بن مناح قالا: لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، بدأ بعائشة فاخترنه جميعا غير العامرية اختارت قومها فكانت بعد تقول: انني الشقية، وسيأتي بيان ذلك في باب ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم فلما اخترنه حرم الله التزوج عليهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن، ونزل قوله تعالى: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) (الاحزاب / 52) الاية.
ثم نسخ حكم ذلك بقوله: (أنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) (الاحزاب 50)، فتكون المنة له صلى الله عليه وسلم بترك التزوج عليهن.
وقد قالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله تعالى له أن يتزوج من النساء ما شاء الا ذات محرم لقوله تعالى: (ترجي من تشاء منهن) (الاحزاب / 51).
الاية.
رواه الامامان الشافعي وأحمد وابن سعد، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي وقال: كأنها معنى اللاتي خطرن عليه في قوله: (لا يحل لك النساء من بعد) (الاحزاب / 52) الاية.
وروى ابن سعد مثله عن أم سلمة وابن عباس وعطاء بن يسار ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).
وإذا قلنا أنه أحل له التزوج فهل هو عام من جميع النساء، أو هو خاص ببنات الاعمام والعمات والاخوال والخالات المهاجرات معه لظاهر الاية وجهان أظهرهما.
الأول: لان الاباحة رفعت ما تقدم من الحظر، فاستباح ما كان يستبيحه قبلها، ولانه في استباحته النساء أوسع من أمته، فلم يجز أن ينقص عنهم.
الفرع الثاني: لم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم طلاق وجاته بعد اختيارهن في الاظهر.
الفرع الثالث: لو قدر أن واحدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم اختارت الحياة الدنيا، لم يحصل
الاختيار بنفس الاختيار على الاصح.(10/407)
الباب السادس فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - عن أمته من المحرمات
وفيه نوعان: الأول: في غير النكاح.
وفيه مسائل: الاولى: خص صلى الله عليه وسلم بتحريم الزكاة عليه، ويشاركه في حرمتها ذوو القربى ومواليهم، وكذا زوجاته، لكن التحريم عليهم بسببه أيضا، فالخاصية عائدة إليه، وكذا صدقة التطوع عليه في الاظهر.
روى مسلم عن المطلب بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان هذه الصدقات انما هي أوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لال محمد).
وروى الامام أحمد وابو داود عن أبي رافع، والطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل الارقم الزهري على السعاية، فاستتبع أبا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أبا رافع، ان الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد، وان مولى القوم من أنفسهم).
وروى الامام الشافعي والبيهقي عن جعفر بن محمد أن أباه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل: أتشرب من الصدقة ؟ فقال: انما حرم علينا الصدقة المفروضة، قال العلماء: لما كانت الصدقة أوساخ الناس، نزه منصبه الشريف عن ذلك، وانجر الى آله بسببه، وأيضا فالصدقة تعطى على سبيل الترحم المبني عن ذل الاخذ، فأبدلوا عنها الغنيمة المأخوذة بطريق الغزو الشريف المبني على عز الاخذ وذل المأخوذ منه.
وجزم الحسن البصري بأن الانبياء كلهم كذلك، وخالف سفيان بن عيينة.
الثانية: وبتحريم الكفارة.
الثالثة: والمنذورات، وكذا على آله فيهما.
الرابعة: والوقف معينا.
قاله الجلال البلقيني.
قال في الجواهر ما يؤيده، فانه قال: صدقة التطوع كانت حراما عليه على الصحيح.
وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن صدقات الاعيان كانت حراما عليه دون العامة كالمساجد ومياه الابار.(10/408)
الخامسة: وبتحريم كون آله صلى الله عليه وسلم عمالا على الزكاة في الاصح.
روى ابن سعد والحاكم عن علي قال: قلت للعباس: سل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملك على الصدقة، فسأله فقال: (ما كنت لاستعملك على غسالة الايدي).
وروى ابن سعد عن عبد الملك بن المغيرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بني عبد المطلب، ان الصدقة أوساخ الناس، فلا تأكلوها ولا تعملوها).
السادسة: وبتحريم أكل ثمن أحد من ولد اسماعيل.
روى الامام أحمد عن عمران بن حصين الضبي - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا حدثه قال: كان شيخان للحي قد انطلق ابن لهما فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالا: ائته فاطلبه منه، فان أبى الا الفداء فافتده، فأتيته فطلبته منه فقال: (هوذا، فأت به أباه)، فقلت: الفداء يا نبي الله، فقال: (انه لا يصلح، لنا آل محمد أن نأكل ثمن أحد من ولد اسماعيل) وهذا الحكم المذكور في هذا الحديث لم يتعرض له أحد من الفقهاء.
السابعة: قيل وبتحريم أكل ما له رائحة كريهة، والاصح الكراهة والامتناع لتأذي الملك به، وفي صحيح مسلم عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه وبعث بقضلة الي، وانه بعث الي يوما بفضلة لم يأكل منها، لان فيها ثوما،
فسألته أحرام هو ؟ قال: لا، ولكني أناجي من لا تناجي، أكرهه من أجل ريحه، قال: فاني أكره ما كرهت.
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان بلفظ اني استحي من ملائكة الله، وليس بمحرم.
فهذا صريح في نفي التحريم عليه صلى الله عليه وسلم فائدة: روى الامام أحمد واو داود بسند جيد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها سئلت عن أكل البصل، فقالت: آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بصل.
زاد البيهقي انه كان مشويا في قدر، أي مطبوخا.
الثامنة: قيل: وبتحريم الاكل متكئا، والاصح الكراهة.
روى النسائي بسند حسن عن ابن عباس (رضي الله عنه) أن الله - سبحانه وتعالى - أرسل الى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة ومع جبريل فقال الملك: ان الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون نبيا ملكا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده ان تواضع، فقال رسول الله: لا، بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد تلك الليلة طعاما قط متكئا.
والاحاديث في امتناعه من الاكل متكئا في الصحيح وليس فيها دليل على تحريم ذلك(10/409)
واجتنابه صلى الله عليه وسلم الشئ واختياره غيره لا يدل على كونه محرما عليه.
وقد قال ابن شاهين في ناسخه: لم يكن محرما عليه، وانما هو أدب من الاداب.
تنبيه: قال الامام الخطابي - رضي الله تعالى عنه - يحسب العامة أن المتكي هو الاكل، على أحد شقيه، وليس كذلك، بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته.
قال ومعنى الحديث لا أقعد متكئا على الوطاء عند الاكل فعل من يستكثر من أكل الطعام، فاني لا آكل الا البلغة من الزاد، فلذلك أقعد مستوفزا.
وذكر القاضي نحوه، ثم قال: ليس هو الميل على الشق عند المحققين بل معناه: التمكن للاكل والتقعد في الجلوس كالمتربع وشبهه، وانما كان جلوس النبي صلى الله عليه وسلم جلوس
المستوفز.
التاسعة: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحسن الخط.
العاشرة: وبتحريم التوصل إليه.
قال الله سبحانه وتعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) (العنكبوت / 48).
قال أئمة التفسير: الضمير في قوله: من قبله عائد الى الكتاب وهو القرآن المنزل عليه صلى الله عليه وسلم أي: وما كنت يا محمد تقرأ من قبله، ولا تختلف الى أهل الكتاب، بل أنزلناه اليك في غاية الاعجاز والتضمن للغيوب وغير ذلك، فلو كنت ممن يقرأ كتابا، ويخط خطوطا لارتاب المبطلون من أهل الكتاب، وكان لهم في ارتيابهم متعلق، وقالوا: الذي تجده في كتبنا لا يكتب ولا يقرأ وليس به.
فقد روى ابن أبي حاتم عن مجاهد - رضي الله تعالى عنه - قال: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخط ولا يقرأ.
وروى الشيخان عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب).
فهذا الحديث صريح في أنه كان لا يحسنهما وأخرج من ذلك ما في الصحيح في باب عمرة القضاء، من حديث البراء - رضي الله تعالى عنه - قصة الحديبية قال فيه: انه صلى الله عليه وسلم لما أمر عليا أن يكتب كتاب الصلح بينه وبين قريش قال: اكتب هذا ما صلح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - وذلك قبل أن يسلم: لو علمنا انك رسول الله، ما صددناك، اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امح رسول الله فقال: والله، لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يحسن أن يكتب فكتب: (هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله) وقد تمسك بهذه الرواية من قال: انه كان يحسن(10/410)
الكتابة كالامام الباجي وأبي ذر الصروي وأبو الفتح النيسابوري وأبي جعفر السمناني الاصولي.
وقالوا: عدم معرفته كان بسبب المعجزة ولما أمن الارتياب في ذلك عرف حينئذ الكتابة من غير تقدم تعليم فكانت معجزة أخرى، ورجع عن ذلك أبو ذر كما في المعجزات سيأتي.
فكانت معجزته عن ذلك أمو كما الجواب أن قصة الحديبية واحدة، وقد وردت بألفاظ مختلفة وان الكاتب فيها هو علي لما وقع التصريح به في حديث المسور وفي رواية في حديث البراء ذكره البخاري في الجزية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (امح رسول الله فقال علي: والله لا أمحاه أبدا، قال: فأرنيه، قال: فأراه اياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده.
وذكر مسلم نحوه.
فيحتمل أن النكتة في قوله: (فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب لبيان قوله أرني اياها، انه ما احتاج أن يريه موضع الكلمة والتي امتنع علي من محوها الا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك، (فكتب) فيه حذف تقديره فمحاها، فأعادها لعلي فكتب، وبهذا جزم ابن التين قلت: هذا ويحمل قوله (فكتب) علي أنه أمر بالكتابة...ويؤيده الرواية الاخرى للبخاري من حديث أنس - رضي الله تعالى عنه - بلفظ: لما صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب علي بينهم كتابا فكتب: محمد رسول الله، فتحمل الرواية الاولى على أن قوله: فكتب أي فأمر بالكتابة وهو كثير لحديث ابن عباس: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قيصر، وحديث كتب الى النجاشي.
وحديث عبد الله بن عكيم: كتب الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث كتب الى كسرى.
ويدل عليه أيضا رواية المسور في الصحيح أيضا في هذه القصة ففيها: (والله، اني رسول الله، وان كذبوني فاكتب: محمد بن عبد الله).
وحكى مغلطاي في الزهر الباسم، ان الحافظ أبا ذر الهروي رأى في المنام أنه دخل مسجد المدينة فرأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشق ويميد ولا يستقر، فاندهش لذلك، وقال في نفسه: لعل هذا بسبب اعتقادي، ثم عقدت التوبة مع نفسي فسكن واستقر، فلما استيقظ قص الرؤيا على ابن معور فعبرها له كذلك الحافظ ابن معور، من غير أن ينسبه الى نفسه فقال ابن
معور: بغير صنعته أو ينحله ما ليس له بأهل ولعله مفترى عليه.
فقال: من أين قلت هذا ؟ قال: من قول الله تعالى: (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمن ولدا، وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) (مريم / 90 - 91 - 92) فقال: لله درك وأقبل يقبل عينيه مرة ويبكي ويضحك مرة(10/411)
أخرى ثم قال أنا صاحب هذه الروايات فاسمع ما يشهد لك صحة تأويلها، اني رأيتها في ذلك الفزع العظيم كنت أقول: والله ما هذا الا أني أقول واعتقد أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب فكنت أملي فأقول اني تائب، يا رسول الله، وأكرر ذلك مرارا، فأرى القبر الشريف قد عاد الى هيئته أولا وسكن، ثم استيقظت وأشهدت على نفسي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتب قط وعلى ألقى الله - عز وجل - ونقله الحافظ في تخريج احاديث الرافعي لكن قال ابن محمد الهروي بدل أبي ذر الهروي فالله تعالى أعلم.
تنبيه: ما رواه عمر بن شبة وابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود.
رضي الله تعالى عنه - ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب، وهاه البيهقي وقال: انه منقطع وقال الطبراني هذا منكر وأظن ان معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى قرأ عبد الله بن عتبة وكتب يعني أنه كان يعقل في زمانه.
وكل حديث في هذا الباب فغير صحيح.
الحادية عشرة: الصواب انه صلى الله عليه وسلم كان لا يحسن الشعر ويحرم عليه التوصل الى تعلمه وروايته قال الله سبحانه وتعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) (يس / 69) أخبر سبحانه وتعالى عن نبيه بأنه لم يؤته معرفة الشعر، وأنه لا ينبغي له أن يصلح له، قال الخليل بن أحمد: كان الشعر أحب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ولكن لا يتأتى له.
روى ابن ابي حاتم عن الحسن البصري - رضي الله تعالى عنه - أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:
...كفى الاسلام والشيب للمرء ناهيا قال أبو بكر - رضي الله عنه -...كفي الشيب والاسلام للمرء ناهيا فأعادها بالأول فقال: أشهد أنك رسول الله، بقول الله تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) (يس / 69).
وروى ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس: أرأيت قولك أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الاقرع وعيينة وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع فقال أبو بكر: انما هو بين عيينة والاقرع، فقال: هم سواء.
وروى أبو داود عن ابن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أبالي ما أتيت ان(10/412)
أنا شربت ترياقا قال: أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل تعس) أي من جهة تعسي، فخرج به ما قاله حاكيا وعن غيره لا عن نفسه، كما في الصحيح صدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد.
ألا كل شئ ما خلا الله باطل...وسيأتي الكلام على حديث ابن عمرو - رضي الله تعالى عنه - في المسألة الاتية.
قال الامام ابرهيم الحربي، ولم يبلغني انه صلى الله عليه وسلم أنشد بيتا تاما رويته بل اما الصدر كقول لبيد: ألا كل شئ ما خلا الله باطل...أو الجز كقول طرفة:...ويأتيك بالاخبار من لم تزود فان انشد بيتا كاملا غيره كبيت العباس بن مرداس.
وروى البيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت
شعر قط.
وروى ابن سعد عن الزهري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبنون المسجد: هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا، وأطهر قال: فكان الزهري يقول: انه لم يقل شيئا من الشعر الا قد قيل قبله أو نوى ذاك الا هذا.
قال العلماء - رحمهم الله تعالى - وما روي عنه صلى الله عليه وسلم من الرجز كقوله: هل أنت الا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وغيره محمول على أنه لم يقصده ولا يسمى شعرا الا ما كان مقصودا، وكذا وقع في القرآن آيات موزونة، لانها لم تقصد.
وقد قال أهل البديع: ان الانسجام هو أن يكون الكلام لخلوه من الانعقاد متحدرا كتحدر الماء المنسجم، ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقة وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت فقرأته موزونة بلا قصد لقوة انسجامه، ومن ذلك ما وقع في القرآن موزونا، فمنه من بحر الطويل: (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) (الكهف / 29) ومن المديد (واصنع الفلك بأعيننا) (هود / 37).
ومن البسيط: (فأصبحوا لا يرى الا مساكنهم) (الاحقاف / 25).
ومن الوافر: (ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) (التوبة / 14).(10/413)
ومن الكامل: (والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم) (البقرة / 213).
ومن الهزج: (فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) (يوسف / 93).
ومن الرجز: (ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا) (الانسان / 14).
ومن الرمل: (وجفان كالجواب وقدور راسيات) (سبأ / 13).
ومن السريع: (أو كالذي مر على قرية) (البقرة / 259).
ومن المنسرح: (انا خلقنا الانسان من نطفة) (الانسان / 2).
ومن الخفيف: (لا يكادون يفقهون حديثا) (النساء / 78).
ومن المضارع: (يوم التناد يوم تولون مدبرين) غافر / 32، 33).
ومن المقتضب: (في قلوبهم مرض) (البقرة / 10).
ومن المجتث: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) (الحجر / 49).
ومن المتقارب: (وأملي لهم ان كيدي متين) (الاعراف / 183).
والمشهور بين الناس قوله تعالى: (لنا تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) (آل عمران / 92).
وروى أبو يعلى والبزار وابن حبان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما نزلت: (تبت يدا أبي لهب) (المسد / 1)، جاءت امرأة أبي لهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر فلما رأى أبو بكر قال: يا رسول الله، انها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيك، فلو قمت، قال: انها لن تراني، فجاءت فقالت: يا أبا بكر، ان صاحبك قد هجاني، قال: ما يقول الشعر، قالت: أنت عندي مصدق وانصرفت، قلت: يا رسول الله، لم ترك، قال: ما زال ملك يسترني بجناحيه.
وروى الحميدي وأبو يعلى من طريق اسحاق بن ابراهيم الهروي، وبقية الاسناد ثقات عن أسماء - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما نزلت: (تبت يدا أبي لهب) (المسد / 1 - 5) أقبلت العوراء أم جميل ابنة حرب ولها ولولة وفي يديها فهر من حجارة وهي تقول: مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه ملينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ثم قرأ قرآنا ومعه أبو بكر، قال: يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انها لن تراني)، وقرأ قرآنا اعتصم به، كما(10/414)
قال الله تعالى: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا
مستورا) (الاسراء / 45)، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر، ان صاحبك هجاني فقال: ورب هذا البيت، ما هجاك، قال: فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها.
ووقع في (تنبيه) الشيخ ابي اسحاق الشيرازي عدة مواضع موزونة.
قال النووي: كان لا يحسن الشعر، ولكن يميز بين جيده ورديئه وقال الزركشي: ظاهر كلامهم أن هذا من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وأن غيره من الانبياء ليس كذلك.
قلت: وهو ظاهر لان غيره من الانبياء لم يؤتوا.
تنبيهان: الأول: قال ابن فارس في فقه اللغة: الشعر كلام موزون مقفى، دال على معنى، ويكون أكثر من بيت، وانما قلنا هذا، لانه جائز اتفاقا سطر واحد، بوزن يشبه وزن الشعر من غير قصد، فقد قيل ان بعض الناس كتب في عنوان الكتاب: لامير المسيب بن زهير بن عقال بن شيبة بن عقال، فاستوى هذا في الوزن الذي هو الخفيف، ولعل الكاتب لم يقصد به شعرا.
الثاني: فان قيل: ما الحكمة في تنزيه الله تعالى نبيه عن الشعر ؟ فالجواب: أو ما في ذلك حكم الله بأن الشعراء يتبعهم الغاوون.
وأنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون فلم يكن ينبغي لرسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر بحال، لان للشعر شرائط لا يسمى الانسان بغيرها شاعرا، وذلك لو أن انسانا عمل كلاما مستقيما موزونا، يتحرى فيه الصدق من غير أن يفرط أو يتعدى، أو يمني أو يأتي منه بأشياء لا يمكن كونها منه لما سماه الناس شاعرا، ولكان ما يقوله محمولا ساقطا.
وقال: قال بعض العقلاء، وسئل عن الشعر فقال: ان هزل أضحك، وان جد كذب والشاعر بين كذب واضحاك، وإذا كان كذلك فقد نزه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن هاتين الخصلتين، وبعد فانا لا نكاد نرى شاعرا الا مادحا غارقا أو هاجئا جبانا أقرع.
وهذه أوصاف لا تصلح لنبي، فان قال قائل: فقد يكون من الشعر الحكمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ان من البيان لسحرا وان من الشعر لحكمة) قيل له: انما نزهه الله تعالى عن قليل
الشعر وكثيره لما ذكرناه، فأما الحكمة فقد آتاه الله تعالى من ذلك القسم الاجزل، والنصيب الاوفر، في الكتاب والسنة، ومعنى آخر في تنزيهه عن قول الشعر: ان أهل العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الايقاع، الا أن صناعة الايقاع تقسم الزمان بالنظم، وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة، فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب الايقاع، والايقاع ضرب من الملاهي، لم يصلح ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما أنا من دد(10/415)
ولا دد مني).
رواه البخاري في الادب عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - بلفظ: (لست من دد ولا الدد مني) يعني: لست من الباطل ولا الباطل مني.
الثانية عشرة: وبتحريم شرب الترياق.
الثالثة عشرة: وتعليق تميمة.
روى أبو داود عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال: سمعت عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أبالي ما أتيت ان أنا شربت ترياقا، أو علقت تميمة، أو قلت الشعر من قبل نفسي) قال أبو داود: هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقد رخص في الترياق لغيره.
وروى الامام العلامة ولي الله الشيخ شهاب الدين بن رسلان في شرح سنن أبي داود (أبالي) بضم الهمزة (وما أتيت) بفتح التاء الاولى، أي لا أكثرت لشئ من أمر ديني، ولا أهتم بما فعلته ان أنا فعلت هذه الثلاثة أو شيئا منها.
والترياق ليس المراد منه ما كان نباتا أو حجرا، بل المختلط بلحوم الافاعي، يطرح منها رأسها وأذنابها، وتستعمل أوساطها في الترياق، وهو محرم لانه نجس وان أخذ الترياق من أشياء طاهرة، فهو طاهر، ولا بأس بأكله وشربه، وممن رخص فيما فيه شئ من الحيات مالك، ويقتضيه مذهب الشافعي لاباحة التداوي ببعض المحرمات.
والتميمة جمعها تمائم.
قال البيهقي: يقال ان التميمة خزرة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الافات.
وفي النهاية: التمائم خرزات كانت العرب يرون تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الاسلام، ورد عليهم اعتقادهم الفاسد والضلال، إذ لا نافع ولا دافع الا الله تعالى.
الرابعة عشرة: وبتحريم نزع لامته إذا لبسها قبل أن يقاتل.
روى الامام أحمد وابن سعد والدارمي عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: (ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل).
ورواه البخاري تعليقا، والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - للأمة بالهمز كما قيده صاحب المشارق وغيره: الدرع، ونقل ابن مالك عن الزهري انها السلاح كله، وجمعها لامر كتمر، وجمعت أيضا على لؤم كرطب على غير قياس.
كما قال الجوهري فانها جمع لؤمة بضم اللام واستلأم الرجل لبس لأمته.(10/416)
الخامسة عشرة: وبتحريم الرجوع إذا خرج لحرب.
السادسة عشرة: وبتحريم الانهزام إذا لقي العدو، وان كثر عليه العدد ذكرهما ابن سراقة في الاعداد، وأبو سعيد في (الشرف).
روى السلمي في الحقائق عن الفيروز آبادي، في قوله تعالى: (الان خفف الله عنكم) (الانفال / 66) قال: هذا التخفيف كان للامة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لا يثقله حمل أمانة النبوة، كيف يخاطب بتخفيف اللقاء للامتداد ؟ وكيف يخاطب وهو الذي يقول: بك أصول بك أجول ؟ ومن كان به كيف يخفف عنه، أو يثقل عليه ؟ ونقله الطيبي من حاشية الكشاف وأقره.
السابعة عشرة: وبتحريم مد العين الى ما متع به الناس قال الله - سبحانه وتعالى -: (ولا
تمدن عينيك ال ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) (طه / 131).
وقال تبارك وتعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم.
لا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم) (الحجر / 87 - 88).
فان قيل: ظاهر الاية يقتضي الزجر عن التشوق الى متاع الدنيا على الدوام، فما الجمع بين ذلك وبين قوله: (حبب الي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة).
والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متشوقا الى زخرف الدنيا ولذاتها ولقد عزض عليه أن تكون له جبال مكة ذهبا تسير معه حيث سار فأباها، واختار الافتقار الى الله تعالى.
معلوم أن الذهب يتحصل به جميع ما يقصده من أعراض الدنيا وزخارفها، وتقلله من الدنيا أمر شائع ذائع أصحت به الاحاديث.
وتقدم بعض ذلك في باب زهده صلى الله عليه وسلم إذا تقرر ذلك، فحبه للنساء والطيب ليس من زهرة الدنيا والافتتان، بل هو من أعمال الاخرة المحصلة لمعالي الدرجات، وبيان ذلك أنه حبب إليه كثرة النساء، ليطلعهن على ما لديه من بواطن الشريعة وظواهرها، فينقلنه ويعلنه للناس، أو يكون التشريع بسببهن، وخصوصا مما يستحيي الرجال من ذكره والسؤال عنه، فانهن كن يطلعن من أحواله صلى الله عليه وسلم، وأقواله على ما لا يطلع عليه غيرهن، فقد تعلمن عنه صلى الله عليه وسلم ما رأينه في منامه، وحال خلوته من الايات البينات على نبوته، ومن جده واجتهاده، ولم يشاهدها غيرهن، فحصل من ذلك من الفوائد الاخروية ما لا يحصى، وأما حبه للطيب، فلاجل نزول الملك عليه، وملازمته له بالوحي، ولهذا كان يمتنع من تناول ما له رائحة كريهة، وقال: ان الملائكة تتنأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فظهر بذلك أن حبه للنساء، والطيب كان لمصلحة أخروية.(10/417)
الثامنة عشرة: وبتحريم خائنة الاعين.
روى أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم عن سعد بن أبي
وقاص (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، أمن الناس الا أربعة نفر منهم عبد الله بن أبي سرح، فاختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس الى البيعة جاء به عثمان فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على اصحابه فقال: أما منكم رجل رشيد يقوم الى هذا الخبيث ؟ اني كففت يدي عن بيعته لتقتله، قالوا: ما درينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت بعينيك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الاعين).
وروى ابن سعد نحوه عن سعيد بن المسيب مرسلا وقال في آخره: (الايماء خيانة ليس لنبي أن يومئ).
قال الرافعي: فسروا خائنة الاعين بالايماء الى مباح من قتل أو ضرب، على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، وانما قيل له خائنة الاعين، لانه يشبه الخيانة من حيث يخفي، ولا يحرم ذلك على غيره الا في محظور.
وقال ابن الاثير: معناها أن يضمر من نفسه غير ما يظهره، فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين.
سميت خائنة الاعين أي: ما يخونون فيه مسارقة النظر الى ما لا يحل، والخافية بمعنى الخيانة، وهي من المصادر التي جاءت بلفظ الفاعل كالعاقبة.
التاسعة عشرة: قيل وبتحريم أن يخدع في الحرب.
قال ابن القاص، وخالفه المعظم لما رواه الشيخان عن جابر (رض قال:) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة).
واختلف في ضبط قوله (خدعة) فقيل بفتح الخاء المعجمة، وضمها مع سكون المهملة فيهما، أو بضم أوله وفتح ثانيه.
قال النووي - رحمه الله تعالى -: اتفقوا على أن الأول أفصح.
وحكى المنذري لغة رابعة، الفتح فيهما.
وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة خامسة، كسر أوله مع الاسكان، وأصل
الخدع: اظهار أمر، واضمار خلافه.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك.
وقال ابن المنير: معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها، الكاملة في مقصودها انما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة، وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر.
انتهى.(10/418)
فان قيل: إذا كان أصل الخداع اظهار أمر، واضمار خلافه فيكون هو وخائنة الاعين سواء، فيصح ما استنبطه ابن القاص، لانه لا فرق بينهما، فالجواب بأنهما ليسا سواء، وان اتفقا في المعنى، والفرق بينهما من وجه آخر، وهو أن الايماء والتلويح بالمرء ممن يحط من قدر فاعله ويسقط الهيبة، فلذلك منع منه صلى الله عليه وسلم لشرفه وكما منزلته، وأما الايهام في الامور العظام كمكائد الحروب وخصوصا لاعداء الدين، فانها معدودة من قبيل حسن السياسات، وكمال العقول، ونهاية المعارف فهي لا تزري بصاحبها بل تزيده رفعة.
أشار الى ذلك امام الحرمين، ويؤيده ما في الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم: (كان إذا أراد سفرا ورى بغيره).
ويحتمل ان يفرق بوجه آخر، وهو ان الخداع المأذون فيه مخصوص بحالة الحرب وما قاربها، بخلاف (خائنة الاعين) فانها في غير ذلك، فان القصة اتفقت في حالة المبايعة، وليست بحالة الحرب.
العشرون: وبتحريم الصلاة على من مات وعليه دين من غير ضامن ثم نسخ التحريم، فكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له، ويوفيه من عنده.
الحادية والعشرون: وبتحريم الاغارة إذا سمع التكبير: قاله ابن منيع.
روى الشيخان عن أنس (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فان سمع أذانا كف عنهم، وان لم يسمع أذانا أغار عليهم.
الثانية والعشرون: وبتحريم قبول هدية مشرك.
الثالثة والعشرون: والاستعانة به.
روى البخاري في تاريخه عن حبيب بن يساف - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وجها فأتيته أنا ورجل من قومي، قلنا انا نكره أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال: (أو أسلمتما ؟) قلنا: لا، قال: (انا لا نستعين بالمشركين على المشركين).
الرابعة والعشرون: وبتحريم الشهادة على جور.
روى الشيخان عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: سألت أمي أبي لي بعض الموهبة من ماله، ثم بدا له فوهبه لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة قال: (ألك ولد سواه ؟) قال: نعم، قال: فأراه قال: (لا تشهدني على جور).
وفي لفظ لهما فقال: (أكل ولدك نحلت) مثله ؟ فقال: لا، قال: (فأرجعه).
وفي رواية لمسلم: (لا أشهد على جور، أشهد على هذا غيري).
وظاهر هذا الحديث: التسوية بين الاولاد في الهبة، ويحمل الامر في ذلك على الندب، والنهي للتسوية.(10/419)
وأما إذا فضل بعضهم على بعض، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك، رحمهم الله تعالى - أنه مكروه وليس بحرام، والهبة صحيحة.
وقال الامام أحمد: هو حرام، واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تشهدني على جور)، واحتج الشافعي بقوله: (أشهد على هذا غيري).
فان قيل: قاله تهديدا، قلنا: الاصل في كلام الشارع غير هذا، ويحتمل عند اطلاقه صيغة أفعل على الوجوب أو الندب، فان تعذر فعلى الاباحة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا أشهد على جور)، فليس فيه أنه حرام، لان الجور هنا الميل عن الاستواء والاعتدال فكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور، سواء كان حراما أو مكروها، وقد وضح بما قدمناه وقوله صلى الله عليه وسل: (أشهد على هذا غيري) دليل على انه ليس بحرام، فيجب تأويله على أنه مكروه كراهة تنزيه، قاله
النووي في شرح مسلم.
تنبيه: لما نقل ابن الملقن هذه الخصوصية عن القضاعي قال: وفي هذا نظر بالنسبة الى غيره.
قال الحضيري: وفي هذا النظر نظر أيضا، فان ظاهره يقتضي منع الخصوصية في عدم الشهادة على الجور فان غيره من الناس مثله في ذلك، فلا تجوز الشهادة على الجور مطلقا، هذا يعني مقتضى كلامه، وليس بجية فان من الجور ما هو محرم، فلا تجوز الشهادة عليه، ومنه مكروه فلا تجوز في حقه صلى الله عليه وسلم، وتجوز في حق غيره، كما في هذه القصة، حيث حملنا ذلك على الكراهة كما في الصحيح، فانه سمى ذلك جورا، وقال: (أشهد غيري)، وهذا ينبني على أمر آخر، وهو المراد بالشهادة على الجور، هل هي بحملها أو أدائها ؟ فان قلنا: بحملها، ففي حقه صلى الله عليه وسلم لا يجوز ذلك، لانه لا يقر على باطل ولا مكروه، وأما غيره، فالذي يظهر أنه يجوز مطلقا، سواء كان محرما أو مكروها، لان الامر دائر بين ظالم ومظلوم، فتحمل الشهادة على ذلك يحتاج إليها المظلوم في خلاص حقه عند طلبه فلا يمتنع، ولو كان الظالم لا يحتاجها.
وان قلنا: المراد الاداء، فهي ممتنعة في حقه صلى الله عليه وسلم لانه هو الحاكم والمشرع، فلا يمكن ردها عند غيره، اللهم الا أن يقال: يشهد فيها ليحكم فيها بعلمه، وهو محل نظر، وأما غيره فلا يمتنع قطعا.
الخامسة والعشرون: وبتحريم الخمر عليه من أول ما بعث قبل أن تحرم على الناس بنحو عشرين سنة، فلم تبح له قط، ولم يشربها قط.
روى ابن حبان عن عروة بن رويم مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما نهانيى ربي بعد عبادة الاوثان عن شرب الخمر، وملاحاة الرجال).(10/420)
السادسة والعشرون: وبأنه كان لا يصلي على من غل.
السابعة والعشرون: أو قتل نفسه.
الثامنة والعشرون: وبأنه كان إذا دعي الى جنازة سأل عنها، فان أثني عليها خيرا صلى عليها، وان أثني عليها غير ذلك قال لاهلها: شأنكم بها ولم يصل عليها.
كما رواه الحاكم عن أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه -.
التاسعة والعشرون: وبتحريم المن يستكثر.
قال الله - سبحانه وتعالى -: (ولا تمنن تستكثر) (المدثر 6) قال: لا تعط لتأخذ أكثر ما أعطيت من المال، لانه مأمور بأشرف الاداب وأجل الاخلاق.
يقال: مننت فلانا كذا، أي: أعطيته، ويقال للعطية: المن.
هذا قول ابن عباس وعكرمة وقتادة، ونقله الثعلبي عن أكثر المفسرين.
وقال القرطبي: انه الاظهر.
الثلاثون: وبأنه ليس لنبي أن يدخل بيتا مزوقا.
روى الحاكم عن علي (رضي الله عنه) أنه أضاف رجلا وضع له طعاما فقال لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى فراشا قد ضرب في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة ارجعل فقل له ما رجعك يا رسول الله، فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس لنبي أن يدخل بيتا مزروقا).
النوع الثاني من المحرمات في النكاح وفيه مسائل: الاولى: خص صلى الله عليه وسلم بتحريم امساك كارهته.
روى البخاري عن عائشة - رضي الله تعالى عنهما - ان ابنة الجون لما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك قال: (لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك).
قال ابن الملقن: ويشهد لذلك ايجاب التخيير المتقدم، وهو كان قيد التحريم مؤبدا أم لا ؟ فيه وجهان.
الثانية: وبتحريم من لم تهاجر.
الثالثة: وبتحريم نكاح الامة المسلمة في الاصح، لان جوازه في حق الامة مشروط بخوف العنت، وبققدان طول الحرة، ونكاحه - عليه الصلاة والسلام - غير مفتقر الى مهر ابتداء(10/421)
وانتهاء، ولان من نكح أمة كان ولده رقيقا، ومنصبه - عليه الصلاة والسلام - منزه عن ذلك، ويشترط في نكاح الامة أن لا تكون تحته حرة صالحة للاستمتاع، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تزويجه خديجة متزوجا.
قال الجلال البلقيني: ويظهر في ذلك أن يقال: لم يقع ولا يقع، لانه ينسب متعاطيه الى ايضاع شرفه، وان كان حلالا له، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلا ذلك (لانه لم يلتفت الى الدنيا، فكيف يلتفت الى نكاح الامة التي هي كأكل الميتة التي لا تباح الا للضرورة فلما لم يتصور في حقه الاضطرار الى المأكولات من مالكه المحتاج إليه وعلى صاحبه دفعه إليه، فكذلك لا يتصور في حقه صلى الله عليه وسلم اضطرار الى نكاح الامة، بل لو أعجبته الامة، وجب على مالكها بذلها له، قياسا على الطعام، وإذا قلنا: له نكاح الامة، فأتت بولد، لم يكن رقيقا على الصحيح، وإذا قلنا: بجريان الرق على العرب على قولنا به وهو الجديد المشهور لا يلزمه قيمة الولد لسيدها كما جزم به القاضي الحسن، بخلاف ولد المغرور بحرية أمه، لان هناك فات الرق بظنه، وهنا الرق متعذر، قال الرافعي: ويوافق ما ذكره القاضي ما حكاه الامام، انه لو قدر نكاح غرور في حقه صلى الله عليه وسلم لم تلزمه قيمة الولد، لانه مع العلم بالحال لا ينعقد رقيقا، فلا ينهض الظن رافعا للرق.
قال ابن الرفعة: ومن تصوير ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم نظر: تنبيه: قال في أصل الروضة: المذهب القطع بتحريم نكاح الامة الكتابية.
الرابعة: وكان إذا خطب فرد لم يعد.
روى ابن سعد عن مجاهد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب فرد لم يعد، فخطب
امرأة فقالت: حتى أستأمر أبي، فاستأمرت أباها، فأذن لها، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: فقال: (قد التحفنا لحافا غيرك).
قال الشيخ: فيحتمل التحريم والكراهة قياسا على أمساك كارهته، ولم أر من تعرض له.
الخامسة: قال البلقيني في (التدريب) لا يقع منه صلى الله عليه وسلم الايلاء الذي يضربه منه المدة ولا الظهار، لانهما حرامان، وهو معصوم من كل فعل محرم.
قال الحضيري وكذا كل محرم بعصمته من الكبائر، ومن الصغائر على الصحيح، سوى ما خص به دون أمته، فانه من باب الاباحة، وحينئذ لا فائدة في تخصيص هاتين المسألتين سوى التنبيه، وكذلك ذكر مسألة اخرى وهي: استحالة اللعان في حقه صلى الله عليه وسلم.
السادسة: الكفارة في حقه صلى الله عليه وسلم وهو استنباط حسن.(10/422)
الباب السابع فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - عن أمته من المباحات والتخفيفات
وفيه نوعان: اعلم أن التحقيقات توسعة عليه صلى الله عليه وسلم تنبيها على أن ما خص به صلى الله عليه وسلم من الاباحة لا يلهيه عن طاعة الله، وان ألهى غيره، ومعظم ذلك لم يفعله مع اباحته، وليس المراد بالمباح هنا مستوى الطرفين، بل المراد به ما لا حرج في فعله ولا في تركه، فانه صلى الله عليه وسلم واص وقد قال الامام: انه قربه في حقه صلى الله عليه وسلم، وكذا صفي المفنم والاستبداد بالخمس فقد يكون راجح الفعل كصرفه في أهم المصالح.
وقد يكون راجح الترك لفقد هذا المعنى ودخوله مكة بغير احرام كما تقدم، وقد يترجح الفعل وقد يترجح تركه، وكذا الزيادة على الاربع لا تساوي فيها، فان أفعاله وأقواله كلها راجحة مثاب عليها، حتى في أكله وشربه، لان الواحد منا يثاب بشرط أن يقصد وجه الله بذلك، وهو بذلك أولى صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الفعل نوعان: النوع الأول فيما يتعلق بغير النكاح وفيه مسائل:
الاولى: اختص صلى الله عليه وسلم بالمكث في المسجد جنبا.
عن خارجة بن سعد عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك).
قاله ابن القاص في التلخيص، وتوزع في ذلك.
قال النووي: وقد يحتج له بما رواه الترمذي عن عطية العوفي عن ابن سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك).
قال الترمذي: حسن غريب قال النووي: لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية، فانه ضعيف عند جمهور المحدثين، لكن الترمذي قد حسنه، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه كما تقرر لاهل هذا الفن فظهر ترجيح قول صاحب التلخيص.
انتهى.
وروى البيهقي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا ان مسجدي حرام على كل حائض من النساء، وكل جنب من الرجال الا محمدا وأهل بيته عليا، وفاطمة، والحسن، والحسين).
وروى البخاري في تاريخه، والبيهقي عن عائشة (رضي الله عنها) ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: اني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب، الا لمحمد وآل محمد).
وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول(10/423)
الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (انه يحل لك في المسجد ما يحل لي).
وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن أبي حازم الاشجعي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه الا هو وهارون وان الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه الا أنا وعلي وأبناء علي).
فهذه الاحاديث تشهد لتحسين الترمذي، وفي عد هذه الخصائص نظر، لان عليا يشاركه في ذلك.
الثانية: وبأنه لا ينتقض وضوءه بالنوم مضطجعا.
روى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قلت: يا رسول الله، تنام قبل أن توتر ؟ فقال: (يا عائشة، ان عيني تنامان، ولا ينام قلبي).
ورويا في حديث الاسراء عن أنس - رضي الله تعالى عنه - ان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الانبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
قال أبو عمر: هذا من علياء مراتب الانبياء صلى الله عليهم وسلم.
كما روي: (انا معاشر الانبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا)، ولذا قال ابن عباس: رؤيا الانبياء وحي، لان الانبياء يفارقون سائر البشر في نوم القلب ويساورهم في نوم العين، فلو سلط النوم على قلوبهم كما يصنع بغيرهم، لم تكن رؤياهم الا كرؤيا من سواهم.
ومن هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ ثم يصلي ولا يتوضأ، لان الوضوء انما يجب لغلبة النوم على القلب لا على العين، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يساوي أمته في الوضوء من الحدث، ولا يساويهم في الوضوء من النوم.
وروى مسدد وابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنام عيني ولا ينام قلبي).
وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو ساجد، فما يعرف نومه الا بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته.
ورواه أبو يعلى بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام مستلقيا حتى ينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ.
وروى عبد الرزاق عن أبي قلابة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قيل لي: لتنم عينك، وليعقل قلبك، ولتسمع أذنك، فنامت عيني، وعقل قلبي، وسمعت أذني).(10/424)
تنبيهان:
الأول: ان قيل: إذا كان نومه صلى الله عليه وسلم يساوي نومنا من انطباق الجفن وعدم السماع حتى انه نام عن الصلاة، فما أيقظه الا حر الشمس، فما الفرق بيننا وبينه في النوم ؟ فالجواب: بأن النوم متضمن أمرين: أحدهما: راحة البدن، وهو الذي يشاركنا فيه.
والثاني: غفلة القلب، وقلبه صلى الله عليه وسلم مستيقظ إذا نام، سليم من الاحلام، مشتغل في تلقف الوحي والتفكير في المصالح على مثل حال غيره إذا كان منتبها فلا يتعطل قلبه بالنوم كما وضع له (...).
الثاني: تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم في الوادي وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (ان عيني تنامان ولا ينام قلبي) بأوجه: الأول: ان القلب انما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحدث والالم ونحوهما، ولا يدرك ما يتعلق بالعين، لانها نائمة والقلب يقظان.
الثاني: انه كان له حالان: حال كان قلبه لا ينام، وهو الاغلب.
وحال ينام فيه قلبه، وهو نادر.
فصادف قصة النوم في الصلاة.
قال الامام النووي: والصحيح المعتمد هو الاول، والثاني ضعيف.
قال الحافظ: وهو كما قال، ولا يقال: القلب - وان كان لا يدرك - ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا، لكنه يدرك - إذا كان يقظانا - بمرور الوقت الطويل من ابتداء طلوع الفجر الى أن حمت الشمس مدة طويلة، لا يخفى على من لم يكن مستغرقا لانا نقول: يحتمل أن يقال: كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة القاء الوحي في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل، لانه أوقع في النفس، كما في قصة سهوه في الصلاة، وقريبا منه جواب ابن المنير أن القلب قد يحصل له
السهو في اليقظة لمصلحة التشريع، ففي النوم بطريق الاولى، أو على السواء.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وقد أجيب عن الاشكال بأجوبة أخرى ضعيفة منها: ان معنى قوله: (لا ينام قلبي) أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه.
ومنها: ان معناه لا يستغرقه النوم حتى يوجد منه الحدث.
وهذا قريب من الذي قبله.
قال ابن دقيق العيد: كأن قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب باحلال حالة الانتقاض،(10/425)
وذلك بعيد، فان قوله صلى الله عليه وسلم: (ان عيني تنامان ولا ينام قلبي).
خرج جوابا عن قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - له: تنام قبل أن توتر ؟ وهذا كلام لا تعلق له بانتقاض الطهارة التي تكلموا فيها، وانما هو جواب يتعلق بأمر الوتر، فيحتمل يقظته على تعلق القلب لليقظة فلا تعارض، ولا اشكال من حديث النوم حتى طلعت الشمس، لانه يحمل على أنه اطمأن في نومه لما أوجبه تعب السير معتمدا على من وكله بكلاء الفجر.
قال الحافظ: ومحصلة تخصيص اليقظة المفهومة من قوله: (ولا ينام قلبي)، بادراكه وقت الوتر ادراكا معنويا لتعلقه به، وان نومه حتى طلعت الشمس كان مستغرقا، ويؤيد قول بلا له: أخذ بنفسي الذي اخذ بنفسك، كما في حديث أبي هريرة عند مسلم، ولم ينكر عليه.
ومعلوم ان نوم بلال كان مستغرقا.
وقد اعترض عليه، بأن ما قاله يقتضي اعتبار خصوص السبب وأجاب بأنه معتبر إذا قامت عليه قرينة تدل أو ترشد عليه السياق، وهو هنا كذلك.
الثالثة: وبعدم انتقاض وضوئه باللمس على أحد وجهين، جزم في الروضة بانتقاضه، واختار الشيخ عدم الانتقاض لما رواه ابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ).
وفي لفظ له عنها: (كان يتوضأ ثم يقبل ويصلي ولا يتوضأ) قال عبد الحق: لا أعلم
لهذا الحديث علة توجب تركه.
وقال الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي: اسناده، جيد قوي قال: وأجاب بأن يكون ذلك من الخصائص بعض الشافعية، لما أورد هذا الحديث عليهم الحنفية في أن اللمس لا ينقض مطلقا، لان الحنفيه احتجوا بأحاديث منها: ما رواه النسائي باسناد صحيح عن القاسم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي واني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله.
الرابعة: أبيح له صلى الله عليه وسلم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة.
حكاه ابن دقيق العيد في شرح العمرة.
قلت: واستدل له بحديث ابن عمر لقد راقيت على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته.
قال ابن دقيق العيد: ولو كان هذا الفعل عاما للامة لبينه باظهاره بالقول، فان الافعال العامة لا بد من بيانها، فلما لم يقع ذلك، وكانت هذه الرواية من ابن عمر على طريق الاتفاق وعدم قصد الرسول دل ذلك على الخصوص به صلى الله عليه وسلم وعدم العموم في حق الامة.(10/426)
وتعقب القرطبي بأن كون هذا الفعل من خلوة لا يصلح مانعا من الاقتداء، لان أهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الامور المشروعة.
وقال الحافظ دعوى خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها، إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والله تعالى أعلم.
الخامسة: وباباحة الصلاة بعد العصر.
روى أبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال).
وروى مسلم والبيهقي عن أبي سلمة انه سأل عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن
السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم أنه شغل عنهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.
وروى الامام أحمد وابو يعلى وابن حبان بسند صحيح عن أم سلمة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين فقلت: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها قال: (قدم خالد فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد العصر فصليتهما الان)، قلت: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتنا ؟ قال: (لا)، وروى الشيخان عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، ثم رأته يصليهما، فأرسلت تسأله، فلما انصرف قال: يا بنت بني أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، وانه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان).
فصريح هذه الاحاديث ناطق بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر، وقد نهى عن الصلاة في ذلك الوقت، وقد كان ابن عباس يضرب الناس مع عمر بن الخطاب على فعلهما.
كما رواه الشيخان.
وصرح حديث أم سلمة بانهما الركعتان بعد الظهر، قضاهما في أول نوبة، وواظب على فعلهما في قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - ما تركها حتى لحق بالله تعالى وقولها: لم يكن يدعهما.
مرادها من تأخير الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر.
ولم يرد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت مثلا الى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة، ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه.
وقول عائشة - رضي الله تعالى عنها - كان يصليهما قبل العصر يعني في وقت الظهر، لانهما راتبة الظهر ويصليها بعدها، كما في حديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - وليس المراد قبل العصر بعد دخول وقت العصر.(10/427)
السادسة: وباباحة الوصال في الصوم.
روى الشيخان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تواصلوا)، قالوا: انك تواصل قال: اني لست كأحد منكم، اني أطعم وأسقى، أو اني أبيت أطعم وأسقى) ورويا عن ابي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال رجل من المسلمين: انك تواصل يا رسول الله قال: (وأيكم مثلي، اني ابيت يطعمني ربي ويسقيني).
والاحاديث في ذلك كثيرة، وقد اختلف في تأويل هذه الاحاديث على ثلاثة أقوال: أحدها: انه على ظاهره وانه يؤتى بطعام وشراب من الجنة، وطعام الجنة لا يفطر.
الثاني: ان الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه من الطعام والشراب.
الثالث: ان الله تعالى يحفظ عليه قوته من غير طعام ولا شراب، كما يحفظها بالطعام والشراب، فعبر بالطعام والشراب عن فائدتهما، وعليه اقتصر ابن العربي وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه: للعلماء فيه مذهبان: قال بعضهم: المراد الطعام والسقي الحقيقي، فكأنه يقول: أنا لا أواصل فان الله يطعمني من غير طعام الدنيا.
وقيل: بل المراد ما يرد عليه من المعارف والمواهب، فانها تقوت النفس كما يقويها الطعام، فأطلق عليه الاطعام والسقي من مجاز التشبيه.
وعلى هذا الاكثر.
وقال العلامة الشيخ شمس الدين بن الصائغ في (الدرر الفريدة) هذا طعام الارواح وشرابها، وما يفيض عليها من أنوار البهجة.
لها أحاديث من ذكراك يشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور يستضاء به ومن حديثك في أعقابها حادي ومن قال: يأكل ويشرب حقيقة غلط من وجوه.
أحدها: قوله في بعض الروايات (أظل).
الثاني: انهم لما قالوا: انك تواصل..قال: (اني لست كأحدكم).
ولو كان كما قيل لقال: وأنا لا أواصل.
الثالث: انه لو كان كذلك لم يصح الجواب بالفارق فكأنه صلى الله عليه وسلم مفطر فلا يصح النفي.
انتهى.
قال الامام الشافعي - رحمه الله - وجمهور أصحابه - رضي الله تعالى عنهم أن الوصال في حق النبي صلى الله عليه وسلم من المباحات.
وقال امام الحرمين: هو قربه في حقه قال: وخصوصيته صلى الله عليه وسلم باباحة الوصال على كل(10/428)
الامة لا على أفرادها لان كثيرا من العلماء اشتهر عنهم الوصال.
قال: والنبي صلى الله عليه وسلم توجه خصوصيته بحسب المجموع، لانه مشرع قلت وهذا الكلام فيه نظر والوصال صيام يومين فأكثر لا يتناول فيهما شيئا من أكل وشرب.
تنبيه: قال ابن حبان: يستدل بهذا الحديث على بطلان ما ورد انه كان يضع الحجر على بطنه من الجوع، لانه كان يطعم ويسقى عند ربه إذا واصل، فكيف يترك جائعا مع عدم الوصال حتى يحتاج الى شد حجر على بطنه ؟ قال: وانما لفظ الحديث: الحجز بالزاي، وهو طرف الازار فتحرف بالراء.
قلت: وهذا التأويل مردود بما سبق في غزوة الخندق.
وتقدم بيان رده في باب صفة عيشه صلى الله عليه وسلم من صفاته المعنوية.
السابعة: وباصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة كجارية وغيرها.
روى أبو داود عن الشعبي - رضي الله تعالى عنه - قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي ان شاء عبدا أو أمة أو فرضا يختاره قبل الخمس وقبل كل شئ.
وروى عن ابن عون - رضي الله تعالى عنه - قال: سألت محمد بن سيرين عن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفي قال: كان يصرف له مع المسلمين سهم، وان لم يشهدوا الصفي يؤخذ له من رأس الخمس قبل كل شئ.
وروى ابن سعد وابن عساكر عن عمر بن الحكم - رضي الله تعالى عنه - قال: لما سبيت بنو قريظة، عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيه ريحانة بنت زيد بن عمرو فأمر بها فعزلت وكان يكون له صفي من كل غنيمة.
قال أبو عمر: سهم الصفي مشهور في صحيح الاثار، معروف عند أهل العلم ولا يختلف أهل السير في أن صفيه منه.
وأجمع العلماء على انه خاص به.
وذكر الرافعي ان ذا الفقار كان من الصفي.
الثامنة: وبخمس الخمس من الفئ والغنيمة.
التاسعة: وبأربعة أخماس الخمس بتمامها.
قال الله سبحانه وتعالى: (واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول) (الانفال / 41)، فسهم الرسول هو المراد، وقال سبحانه وتعالى: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول) الاية (الحشر / 7).
روى الامام أحمد والشيخان عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: ان الله تعالى كان(10/429)
يخص رسوله في هذا الفئ ما لم يعطه أحدا غيره، فقال: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله عليه كل شئ قدير) (الحشر / 6).
فكانت هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ينفق على أهله نفقتهم سنة ثم يأخذ ما بقي، فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك حياته، فقال أبو بكر: أنا أولى برسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو داود والحاكم عن عمرو بن عنبسة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا الا الخمس، والخمس مردود فيكم).
العاشرة: وبدخول مكة بغير احرام على القول بوجوبه في حق غيره على تفصيل فيه، والاصح استحبابه.
روى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير احرام.
وذكر القضاعي أن ذلك مما اختص به دون من قبله من الانبياء، وتقدمت أحاديث في ذلك في باب لباسه - صلى الله عليه وسلم -.
الحادية عشرة: وبان مكة أحلت له ساعة من نهار.
قال القضاعي: خص بذلك من بين سائر الانبياء.
الثانية عشرة: وبأن ماله لا يورث عنه وكذلك الانبياء، عليهم أن يوصوا بكل مالهم صدقة.
روى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث ما تركناه صدقة).
وروى النسائي ان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لعبد الرحمن وسعد وعثمان وطلحة والزبير: أتشهدوا بالله الذي قامت له السموات والارض، أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: انا معاشر الانبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة ؟ قالوا: اللهم، نعم.
والحكمة في أن الانبياء لا يورثون، أن لا يظن بهم مبطل انهم يجمعون الدنيا لورثتهم، فقطع الله ظن المبطل، ولم يجعل للورثة شيئا.
وقال الشيخ نصر الدين المقدسي: المعنى والله تعالى أعلم - ان الانبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - لا يورثون، لانه يقع في قلب الانسان شهوة موت مورثة ليأخذ ماله في الغالب، فنزه الله تعالى الانبياء وأهاليهم عن مصل ذلك، فقطع الارث عنهم.(10/430)
فان قيل: ما الجواب عن قوله: (وورث سليمان داود) (النمل / 16)، وقوله - تبارك وتعالى - حكاية عن زكريا: (فهب لي من لدنك وليا يرثني) (مريم / 5، 6)، وعموم قوله تقدس اسمه: (يوصيكم الله في أولادكم) (النساء / 11)، فالجواب أن يقال: المراد الوراثة في النبوة والعلم والدين لا المال.
ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الانبياء) وأما: (يوصيكم الله) (النساء / 11)
فهي عامة لمن ترك شيئا كان يملكه، وإذا ثبت أنه وقفه قبل موته، فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث، وعلى تقدير انه خلف شيئا فما كان ملكه فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما عرف من كثرة خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه انه لا يورث، فخص من عموم المخاطبين وهم الامة.
الثالثة عشرة: وبأنه ضحى عن أمته، وليس لاحد أن يضحي عن أحد بغير اذنه.
روى الحاكم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا أقرن بالمصلى ثم قال: (اللهم، هذا عني وعن من لم يضح من أمتي).
الرابعة عشرة: وبأن له أن يقضي بعلم نفسه، ولو في الحدود وفي غيره خلاف.
روى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - ان هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، ان أبا سفيان رجل مسيك، فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له عيالنا ؟ فقال: (لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف).
وجه الدلالة منه: ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يطالبها بالبينة على الزوجية، لانه علم أنها زوجته، فحكم بأخذ النفقة من ماله بالمعروف (1).
وهذا هو القضاء بالعلم، ذكر ذلك البخاري وابن جرير وابن المنذر والبيهقي وغيرهم.
الخامسة عشرة: وبأن يحكم بغير دعوى، ولا يجوز ذلك لغيره.
قاله ابن دحية، واستدل بما روى مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا كان يتهم بأم ابراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (اذهب فاضرب عنقه)، فأتاه علي، فإذا هو في ركن يتبرد فيها، فقال له علي: اخرج، فناوله يده فأخرجه، فإذا هو مجبوب، ليس له ذكر فكف علي عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! انه لمجبوب ما له ذكر.
وقد ورد تسمية هذا مأثورا، والذي كان يتهم بها مارية فقال الناس: علج يدخل على علجة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتله.
* هامش *
(1) سقط في ح 0) * (X(10/431)
قال الحضيري: والاستدلال به على ما ادعاه غير مسلم فان الحديث قد استشكله جماعة من العلماء، حتى قال ابن جرير: يجوز ان يكون المذكور من أهل العهد، وفي عهده أن لا يدخل على مارية، فقال: ودخل عليها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لنقض عهده.
وقال النووي تبعا للقاضي: قيل لعله كان منافقا ومستحقا للقتل بطريق آخر، وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا، وكف عنه علي اعتمادا على أن القتل بالزنا وقد علم انتفاء الزنا، وفيه نظر أيضا، لانا نعتبر نفي ظن الزنا من مارية، فانه لو أمر بقتله بذلك، لامر باقامة الحد عليها أيضا، ولم يقع ذلك معاذ الله أن يختلج ذلك في خاطره أو يتفوه به.
وأحسن ما يقال في الجواب عن هذا الحديث، ما أشار إليه أبو محمد بن حزم في (الايصال الى فهم كتاب الخصال)، فانه قال: من ظن أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله حقيقة بغير بينة ولا اقرار فقد جهل، وانما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه برئ مما نسب إليه ورمي به، وان الذي ينسب إليه كذب، فأراد صلى الله عليه وسلم اظهار الناس على براءته يوقفهم على ذلك مشاهدة، فبعث عليا ومن معه فشاهدوه مجبوبا - أي مقطوع الذكر - فلم يمكنه قتله لبراءته مما نسب إليه، وجعل هذا نظير قصة سليمان في حكمه بين المرأتين المختلفتين في الولد، فطلب السكين ليشقه نصفين الهاما، ولظهور الحق، وهذا حسن.
انتهى كلام الحضيري.
السادسة عشرة: وبأن له أن يحكم لنفسه.
السابعة عشرة: ولفرعه.
الثامنة عشرة: ويشهد لنفسه.
التاسعة عشرة: ولفرعه.
العشرون: وبقبول شهادة من شهد له (كشهادة خزيمة) الحادية والعشرون: وبالهدية بخلاف غيره من الحكام، لانه والانبياء صلوات الله عليهم أجمعين
معصومون، لا يجوز عليهم أن يحكموا بالهوى، وانما منع الحاكم من الحكم لنفسه ولولده، لانه يجوز عليه الهوى، فمنع من ذلك، والمعصوم - عليه السلام - لا يجوز عليه ذلك فجاز له، ولان الهدية انما حرمت على الحكام خوفا عليهم من الزيغ في الشريعة.
الثانية والعشرون: وبعدم كراهة الحكم والفتوى حال الغضب، لانه لا يخاف عليه من الغضب ما يخاف علينا.
ذكره النووي في شرح مسلم عند حديث اللقطة، فانه صلى الله عليه وسلم أفتى فيه، وقد غضب حتى احمرت وجنتاه.(10/432)
الثالثة والعشرون: وبأن له أن يقتل من سبه أو هجاه، قاله ابن سبع، وذلك راجع الى القضاء لنفسه.
الرابعة والعشرون: وبأن له أن يحمى الموات لنفسه، مع انه لم يقع ذلك منه، وليس لغيره من بعده أن يحموا لانفسهم.
روى البخاري عن الصعب بن جثامة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حمى الا لله ولرسوله).
الخامسة والعشرون: وبأنه لا ينقض ما حماه صلى الله عليه وسلم ومن أخذ شيئا مما حماه ضمن قيمته في الاصح بخلاف ما حماه غيره من الائمة لو رعاه ذو قوة فلا غرم عليه.
السادسة والعشرون: وبأن له أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج اليهما إذا احتاج اليهما، وعليه البذل ويفدي بمهجته مهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله - سبحانه وتعالى -: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (الاحزاب / 6) السابعة والعشرون: وبأن لو قصده ظالم لوجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه نقله في زوائد الروضة عن الفوراني وغيره.
قال الجلال البلقيني: وهذا المعتقب، فان قاصد نفسه كافر والكافر يجب دفعه عن كل مسلم، فلا خصوصية حينئذ قال الحضري: وهذا صحيح بالنسبة الى قاصده فقط، لكن
يدعى الخصوصية في ذلك من جهتين أخريين.
احداهما: انه يجب بذل النفس في الدفع عنه صلى الله عليه وسلم مع الخوف على النفس، بخلاف غيره من الامة، فانه لا يجب الدفع مع الخوف كما قرره الرافعي والنووي في كتاب الصيد.
والجهة الثانية: من الخصوصية: أن قاصد غير النبي صلى الله عليه وسلم مسلما لا يكفر، ولو وجب الدفع، وقاصده صلى الله عليه وسلم يكفر بذلك.
الثامنة والعشرون: وبأن له القتل بعد الامان قاله ابن القاص فيما نقله الامام الرافعي وغيرهما عنه وخطأه وقال ابن الرفعة فيما نقله الزركشي عنه هذا النقل فيه خلل، والذي في التلخيص كان يجوز له القتل في الحرم بعد اعطاء الامان.
قال: وهذا لا يطابق ما حكي عنه، لان ذلك ينصرف باطلاقه الى جواز قتل من أمنه وهذا بظاهره يعطي انه إذا قال: من دخل الحرم فهو آمن، فدخل شخص الحرم وكان ثم سبب يقتضي قتله، أبيح له قتله.
وكذا قال ابن الملقن: انه رآه كذلك في التلخيص فظهر بهذا أن ابن القاص قصد قصة عبد الله بن خطل.(10/433)
وروى الشيخان عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه ا لمغفر فلما نزعه جاء رجل فقال: يا رسول الله ابن خطل معلق باستار الكعبة فقال: اقتلوه.
فابن القاص - رحمه الله تعالى - معذور، فانه لما رأى حديث الامان في دخول المسجد وحده، رأى في هذا الحديث الامر بقتل ابن خطل بسط هذه الخصوصية، وهذا نهاية أمر الفقيه جمعا بين الاحاديث، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمن الناس استثنى ابن أخطل وغيره، كما سبق في غزوة الفتح.
التاسعة والعشرون: وبأن له تعزير من شاء بغير سبب يقتضيه، ويكون له رحمة، ذكره ابن القاص، وتبعه الامام والبيهقي، ولا يلتفت الى قول من أنكره.
روى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم،
اني أتخذ عندك عهدا لا تخلفنيه فانما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة وصلاة وقربة تقربه بها اليك يوم القيامة).
وروى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلان يكلمانه بشئ لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله، من أصاب من الخير شيئا مما أصابه هذان قال: (وما ذاك ؟) قلت: لعنتهما وسببتهما قال: (أو علمت ما شارطت عليه ربي ؟ قلت: اللهم: انما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها لها طهورا وزكاة، وقربة تقربه بها يوم القيامة).
قال النووي - رحمه الله تعالى -: هذه الاحاديث منبهة على ما كان عليه - عليه الصلاة والسلام - من الشفقة على أمته، ومن الاعتناء بمصالحهم، والاحتياط لهم، والرغبة في كل ما ينفعهم، وهذه الرواية الاخيرة تبين المراد من الروايات المطلقة، وأنه يكون دعاؤه عليهم وسبه ولعنه ونحو ذلك، رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك، إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلما والا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين، ولم يكن رحمة لهم.
فان قيل: فكيف يدعو على من ليس بأهل للدعاء عليه، أو يسبه أو يلعنه ونحو ذلك ؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: ان المراد ليس بأهل، لذلك عند الله تعالى في باطن الامر، ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية، ويكون في باطن الامر ليس أهلا لذلك، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
انتهى.
وهذا الجواب ذكره المازري، وهو مبني على قول من قال: انه كان يجتهد في الاحكام، ويحكم بما أدى إليه اجتهاده، وأما من قال: لا يحكم الا بالوحي، فلا يتأتى فيه هذا الجواب.(10/434)
الثاني: ان ما وقع من سبه ودعائه ونحو ذلك ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية، كقوله لغير واحد (تربت يمينك) (وعقرى حلقي) ومثل (لا كبرت سنك) وفي حديث معاوية (ولا أشبع الله بطنك) ونحو ذلك لا يقصدون بشئ من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف صلى الله عليه وسلم ان يصادف شئ من ذلك اجابة، فسأل الله - سبحانه وتعالى - ورغب إليه أن يجعل ذلك رحمة، وكفارة، وقربة، وطهورا، وأجرا، وانما كانيقع هذا منه في النادر والشاذ من الازمان، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه، وقد قيل: ادع على دوس فقال: (اللهم اهد دوسا)، وقال: (اللهم اغفر لقومي، فانهم لا يعلمون).
وهذا ذكره أيضا المازري، وأشار القاضي الى ترجيحه، وقال الحافظ: وهو حسن، الا أنه يرد عليه قوله في احدى الروايات أو جلدته إذ يقع الجلد عن غير قصد، وقد ساق الجميع مساقا واحدا، الا أن يحمل على الجلدة الواحدة فيتجه.
الثلاثون: وبجواز الوصية لاله قطعا، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب في الاصح، وفي غير آله خلاف والصحيح الصحة، وفي وجه: لا يصح لابهام اللفظ وتردده بين القرابة وأهل الدين وغيرهما في الشرع.
فالخصوصية على وجه.
الحادية والثلاثون: وبجواز القبلة له وهو صائم من غير كراهة، وفي حق غيره فيمن لم تتحرك شهوته، وأما من حركت شهوته فحرام في حقه في الاصح.
قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - وأيكم كان يملك اربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك اربه.
الثانية والثلاثون: وبأن له أن يستثني في يمينه ولو بعد حين إذا كان ناسيا بخلاف غيره، فانه لا يستثني الا في صلب يمينه.
روى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في قوله تبارك وتعالى: (واذكر
ربك إذا نسبت) (الكهف / 24) الاستثناء، فاستثن إذا نسيت، وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة.
الثالثة والثلاثون: قيل وبأنه كان يفجأ في طعامه ويؤكل منه معه بخلاف غيره للنهي عنه.
ذكره ابن القاص والقضاعي، ولم يوافقا على ذلك.
روى البيهقي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من شعب الجبل، وقد قضى حاجته، وبين أيدينا تمر على ترس أو جفنة فدعوناه إليه فأكل معنا، وما مس ماء).(10/435)
وروى مسلم والبيهقي عن قيس بن السكن، ان الاشعث بن قيس دخل على عبد الله يوم عاشوراء، وهو يأكل فقال: يا أبا محمد، أدنه تأكل، فقال: اني صائم، قال: انا كنا نصومه ثم ترك.
قال البيهقي: وفي هذا أخبار كثيرة وكل ذلك ينفي التخصيص، والنهي لم يثبت والله أعلم.
الرابعة والثلاثون: وبأنه كان لا يجتنب الطيب في الاحرام، ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات، إذ الطيب من أسباب الجماع ودواعيه، ذكره المهلب بن أبي صفرة المالكي، وأبو الحسن بن القصار وغيرهما، ورجحه القاضي أبو بكر بن العربي، واستدلوا لذلك بقول عائشة - رضي الله تعالى عنهما - كما في الصحيح كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه حين يحرم، ولحله حين يحل.
وأجيب بأنه كان يفعل ذلك قبل الاغتسال للاحرام، واستشكل بقول عائشة - رضي الله تعالى عنها - في الصحيح: كأني أنظر الى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الاسماعيلي: الوبيص الطيب زيادة على البريق، والمراد به التلألؤ، فانه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط.
الخامسة والثلاثون: قيل وبأن له أن لا يكفر عن يمينه.
ذكره الزمخشري في كشافه،
في قوله تعالى: (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) (التحريم / 2)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كفر لذلك ؟ فنقل عن الحسن أنه لم يكفر، لانه كان مغفورا له، وقيل: انه كفر عن يمينه.
قال القرطبي: وهو الاصح، وأن المراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ان الامة تقتدي به في ذلك.
السادسة والثلاثون: وبأنه كان يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة، لانه منصبه المخصوص به، فله أن يضعه حيث شاء واستدل لذلك بما رواه الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم، صل على آل أبي أوفى)، ويكره لغيره، ذلك كما رجحه في الروضة، وصححه أكثر المتأخرين كابن النقيب في مختصر الكفاية والدميري.
وقيل: يحرم.
السابعة والثلاثون: قيل وبصلاته على الغائب.
قاله جماعة من الحنفية والمالكية، واستدلوا بأشياء ردها عليهم غيرهم، وقد بسط ذلك الحافظ في الفتح.
الثامنة والثلاثون: وبادخال العمرة على الحج.(10/436)
التاسعة والثلاثون: قيل وباباحة حمل الصغير في الصلاة، نقله في الفتح عن بعضهم.
الاربعون: وباقطاع الاراضي قبل فتحها، لان الله تعالى ملكه الارض كلها.
وأفتى الغزالي كما نقله عنه تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي في القانون بكفر من عارض أولاد تميم الداري فيما أقطعهم، وقال: انه صلى الله عليه وسلم كان يقطع أرض الجنة، فأرض الدنيا أولى.
الحادية والاربعون: وبأنه لو قال: لفلان على فلان كذا جاز لسامعه أن يشهد بذلك، ذكره شريح الروياني في روضة الاحكام.
الثانية والاربعون: قيل وبأنه والانبياء لا تجب عليهم الزكاة، لانه لا ملك لهم مع الله تعالى، انما كانوا يشهدون ما في أيديهم من ودائع الله تعالى يبذلونه في أوان بذله، ويمنعنونه في غير محله، ولان الزكاة انما هي طهرة لما عساه أن يكون ممن أوجبت عليه، والانبياء مبرأون
من الدنس لعصمتهم.
قاله ابن عطاء الله في (التنوير في اسقاط التدبير)، قلت: وبنى ذلك على مذهب امامه مالك، ان الانبياء لا يملكون.
الثالثة والاربعون: وبأنه عقد المساقاة مع أهل خيبر الى مدة مبهمة، بقوله: (أقركم ما أقركم الله تعالى) لانه كان يجوز مجئ الوحي بالنسخ، ولا يكون ذلك لغيره.
انتهى.
الرابعة والاربعون: وبالمن على الاسرى كما زعمه بعضهم.
الخامسة والاربعون: وبالجمع في الضمير بينه وبين ربه.
كقوله صلى الله عليه وسلم: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، وقوله: (ومن يعصهما فانه لا يضر الا نفسه).
وذلك ممتنع على غيره، ولذلك أنكر على الخطيب، وانما امتنع من غيره دونه، لان غيره إذا جمع أوهم اطلاقه التشويه بخلافه هو، فان منصبه لا يتطرق إليه ابهام ذلك، ذكره شيخ الاسلام سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وقال الحافظ الصدائي في كتاب (الفصول المفيدة في الواو المزيدة)، قيل في الجمع بين هذه الاحاديث وجوه: أحدها: ان هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فانه يعطي مقام الربوبية حقه، واذ لا يتوهم فيه تسوية له بما عداه أصلا، بخلاف غيره من الامة، فانها مظنة التسوية عند الاطلاق في جمع الضميرين بين اسم الله تعالى وغيره، فلهذا جاز الاتيان بالجمع بين الاسمين بضمير واحد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخطيب بالافراد كيلا يتوهم في كلامه التسوية، وهذا يرد عليه حديث ابن مسعود في صلاة الجماعة، وفيه (ومن يعصهما)، فيدل على عدم الخصوصية الا أن يقال: يوجد من مجموع الحديثين أن يقولوا في خطبة الحاجة: (ومن يعصي الله ورسوله) لا يجمع ألفاظها، وفيه نظر.
ثانيها: ان النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنكر على الخطيب كان هناك من يتوهم التسوية بين(10/437)
المقامين عند الجمع بين ضمير واحد يمنع ذلك، وحيث لم يكن هناك من يلبس عليه أتى
بالضمير، وهذا لعله أقرب من الذي قبله.
ثالثها: ان ذلك الجمع لم يكن على وجه التحتم، بدليل الحديث الاخر، بل على وجه الندب والارشاد الى الاولوية، لما في افراد اسم الله تعالى بلا ذكر من التعظيم اللائق بجلاله، وهذا يرجع في الحقيقة الى ما قاله أئمة الاصول، وحينئذ فلا تكون الواو للترتيب.
رابعها: أن ذلك الانكار كان مختصا بذلك الخطيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم فهم عنه أنه لم يجمع بينهما في الضمير الا للتسوية بينهما في المقام، فقال له: (بئس الخطيب أنت)، فيكون خطابا لمن حاله كذلك، ولعل هذا الجواب هو الاقوى بأن هذه القصة واقعة عين، وما ذكرناه محتمل، ويؤيد هذا الاحتمال فيما ذكره أن يحمل على العموم في حق كل واحد، فان انضم الى ذلك حديث أبي داود الذي علم فيه النبي صلى الله عليه وسلم امته كيف خطبة صلاة الحاجة وفيها (ومن يعصهما) بضمير التثنية قوى ذلك الاحتمال، وهذا مثل ما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوني على موسى) مع قوله: (أنا سيد الناس)، فقيل في الجمع بينهما وجوه منها: ان الذي منعه من التفضيل يفهم منه نقصا من منصب موسى صلى الله عليه وسلم عند التفضيل عنه، فيكون مختصا بمن هو مثل حاله، والعلم عند الله تعالى.
النوع الثاني من التخفيفات والمباحات ما يتعلق بالنكاح وفيه مسائل الاولى: خص صلى الله عليه وسلم بجمع أكثر من أربع نسوة وهو اجماع، وقد مات صلى الله عليه وسلم عن تسع زوجات كما ذكرنا في باب زوجاته، ووجه الزيادة على أربع انه لما كان الحر لفضله على العبد يستبيح من النسوة أكثر مما كان يستبيحه أحد من الامة (فكذلك فضل النبي صلى الله عليه ولم على الحر...).
وقال بعض العلماء: السر في اباحة أكثر من أربع أن الله تعالى علمه بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحى من ذكرها ولا ما يستحى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء، فجعل الله تعالى له نسوة فينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله التي كان
يستحيي من الافصاح عنها بحضرة الرجال لتكمل الشريعة، فكثرة عدد النساء لنقلهن عنه من الافعال ما يستحي هو من التلفظ به، وأيضا انهن نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه، وخلوته من الايات الدالة على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب بأنها لا تكون الا لنبي، وما كان يشاهدها غيرهن فحصل بذلك خير عظيم.
الثانية: قيل وبأنه لا ينحصر طلاقه في الثلاث، والاصح خلافه.(10/438)
الثالثة: وبأن نكاحه ينعقد بلفظ الهبة على الاظهر لقوله تعالى: (وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي) (الاحزاب / 50).
قال الرافعي: وعلى قولنا بالانعقاد فلا يجب المهر بالفعل والا بالدخول كما هي قضية الهبة، وهل يكفي لها لفظ الاتهاب من جهتيه أيضا كما يكفي من جهة المرأة أو يشترط منه لفظ النكاح ؟ وجهان أصحهما الثاني، لظاهر قوله: (أن يستنكحها) (...) فاعتبر في جانبه النكاح.
وروى ابن سعد والبيهقي عن الشعبي في قوله تعالى: (ترجي من تشاء منهن) (الاحزاب / 51) قال: كل نساء وهبن أنفسن للنبي صلى الله عليه وسلم ببعضهن وأرجى بعضا فلم ينكحن بعده، منهن أم شريك.
وروى سعيد بن منصور والبيهقي عن ابن المسيب قال: لا تحل الهبة لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
الرابعة: وبأنه إذا رغب في نكاح امرأة وخطبها، فان كانت خطبة لزمتها الاجابة، ولانها إذا خالفت أمره كانت عاصية، وان خالفت ارادته ورغبته كانت غير راضية بقوله وفعله، وذلك عصيان عظيم يؤدي الى الكفر فيلزمها الاجابة، ويحرم على غيره خطبتها، لما فيه من المضارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: واستدل الماوردي بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (الانفال / 24).
الخامسة: قيل: وبأنه إذا وقع بصره على امرأة، فوقعت منه موقعا وجب على الزوج تطليقها، لقصة زيد، قاله الغزالي.
قال: ولعل السر فيه من جانب الزوج امتحان ايمانه بتكليفه النزول عن أهله، ولعل السر فيه من جانب النبي صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه ببلية البشر، ومنعه من خائنة الاعين، ومن الاضمار الذي يخالف الاظهار، ولذلك قال تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها..) (الاحزاب / 37) الاية، ليس فيها كما ترى ما يدل على أنه أوجب الطلاق على زيد، وظاهر الاية أن زيدا طلقها باختياره، لقوله تعالى: (فلما قضى زيد منها وطرا) (الاحزاب / 37) وأما السنة فليس فيها ما يقضي ايجاب الطلاق عليه، وقد سبق الى تفسير قصة زيد على النحو الذي ذكره الغزالي جماعة من المفسرين فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب وهي في عصمة زيد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم ان زيدا لما اخبره بأنه يريد فراقها ويشكو منها غلظة قولها وعصيانها، وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له: (أمسك عليك زوجك واتق الله) (الاحزاب / 37) أي فيما تقول وهو يخفى الحرص على(10/439)
طلاق زيد اياها، وهذا الذي كان يخفى في نفسه ولكنه لزم ما يحب من الامر بالمعروف.
وقال القاضي، والحافظ وغيرهما: وما زعمه هؤلاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي امرأة زيد وأحب طلاقها، وانه أخفى ذلك عن زيد حين استشاره في طلاقه غير صحيح، وان صح عن قائلة فهو منكر من القول يتحاشى جانب النبوة عنه، إذ كيف يتصور ان سيد الاولين والاخرين ينظر الى زوجة رجل من أصحابه الخصيصين الذي ادعاه ولدا له وأنها تقع في خاطره، وأنه يقصد فراق زوجها، ليتزوجها، معاذ الله أن ينسب ذلك إليه، ولو نسب ذلك لاحاد الناس لم يرضه لنفسه، ولا يرضاه أحد لغيره، ومن قال هذه المقالة فقد اقتحم امرا عظيما في جانب النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصا في زينب، فانها ابنة عمته أميمة ونشأت بمكة ورآها النبي صلى الله عليه وسلم قبل
الحجاب ورآها مرارا كثيرة، وعرفها معرفة تامة، وهو الذي خطبها لزيد وزوجه اياها، فكيف يقال انه لما جاء الى بيت زينب يطلبه ورآها أعجبته حينئذ حتى عاتبه الله بسبب ذلك.
قال الحافظ: وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة عن السدي فساقها مساقا حسنا، ولفظه: بلغنا ان هذه الاية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه، فكرهت ذلك، ثم انها رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها أياه ثم أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعد أنها من أزواجه، فكان يستحيي أن يأمره بفراقها، وكان لا يزال بين زينب وبين زيد ما يكون من الناس، فلما أتاه زيد يشكو إليه قال له: (اتق الله وأمسك عليك زوجك)، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدا، وعند ابن أبي حاتم ستكون من أزواجه قبل ان يتزوجها فلما أتاه زيد يشكو إليه قال له: (اتق الله، وأمسك عليك زوجك)، قال الله تعالى: قد أخبرتك أني لمزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه.
قال الحافظ: ووردت آثار أخرى أخرجها الطبري وابن أبي حاتم ونقلها أكثر المفسرين لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته منها هو المعتمد، والحاصل ان الذي كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم هو اخبار الله تعالى اياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على اخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله تعالى ابطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الابطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا في وقوع ذلك من امام المسلمين، ليكون أدعى لقبولهم، وانما وقع الحبط في تأويل متعلق الخشية.
انتهى والله أعلم فرضي الله تعالى عن هذا الحافظ، وقدس روحه، ونور ضريحه.
وقال الشيخ أبو حيان: وهذا المروي عن علي بن الحسين، أي والسدي أصح ما قيل(10/440)
في تفسير هذه الاية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين.
وقال القاضي: ما روي في حديث قتادة - رضي الله تعالى عنه - من وقوعها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم عندما أعجبته، ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج، وما لا يليق من مد عينيه لما نهى عنه (من زهرة الحياة الدنيا ولكان نفس الخس المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الاتقياء فكيف سيد الانبياء) وقال القشيري: هذا اقدام عظيم من قائله، وقلة معرفة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبفضيله، وكيف يقال: رآها وأعجبته وهي بنت عمته، ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه - عليه الصلاة والسلام -، وهو الذي زوجها لزيد، وانما جعل الله طلاق زيد لها وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم اياها لازالة حرمة التبني وابطال سنة الجاهلية، كما قال الله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) (الاحزاب / 40).
وقال تعالى: (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم) (الاحزاب / 37) ثم قال: والاولى ما ذكرناه عن علي بن الحسين وحكاه أبو الليث السمرقندي، وهو قول عطاء، وصححه واستحسنه القاضي أبو بكر القشيري، وعليه قول ابن فورك قال: انه معنى ذلك عند المحققين من أهل التفسير الى آخره وذكر القاضي أبو بكر بن العربي نحوه، وإذا علم ما تقرر بطلب المسألة من ذلك لعدم قصور ذلك منه صلى الله عليه وسلم.
السادسة: وبأنه صلى الله عليه وسلم ينعقد نكاحه بغير ولي ولا شهود.
قال الائمة: وانما اشتراط الولي والشهود في نكاح غيره ولا بد منه، أما الولي فلأن لا يضعها عند غير كفء، وهذا المعنى مأمون من جهته صلى الله عليه وسلم لانه أكفأ الاكفاء، وأما الشهود فلاجل استثبات الفعل، وحذرا من الجحود ونفي النسب، وكان هذا مأمونا من جهته صلى الله عليه وسلم لانه معصوم، فلم يحتج الى ولي ولا شهود، ولانها لو ذكرت خلاف قوله أو جحدت لم يلتفت الى قولها لعصمته صلى الله عليه وسلم بل قال العراقي في (شرح المهذب) تكون كافرة بتكذيبه.
السابعة: وبانعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم في الاحرام على الاصح قال الشيخ أبو حامد: وانما منع غيره من العقد حال الاحرام، لان فيه دواعي الجماع فربما يفضي بسببه الى الجماع، فيسقط عنه الاحرام وهذا مأمون من جهته صلى الله عليه وسلم لانه كان معصوما من ذلك وقادرا على الامتناع منه،
ويدل عليه قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنه كان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لاربه فدل على انه غير ممنوع من العقد وهو محرم، واستدل أئمتنا بحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، كما رواه الشيخان وللعلماء في ذلك كلام مذكور في المطولات.
الثامنة: وبعدم وجوب القسم عليه بين زوجاته في أحد وجهين وهو قول الاصطخري،(10/441)
وطائفة وصححه الغزالي في الخلاصة، وعليه اقتصر في الوجيز، وأشار البلقيني الى ترجيحه واختاره الشيخ، وقالوا: كان يفعله تطوعا، لان في وجوبه عليه شغلا عن لوازم الرسالة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي اليك من تشاء) (الاحزاب / 51) أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء فتقسم لها.
قال القرطبي: وأصح ما قيل في هذه الاية التوسعة بين زوجاته صلى الله عليه وسلم وقال القاضي أبو بكر بن العربي هو الذي يعول عليه.
التاسعة: وبجواز زواجه المرأة ممن يشاء بغير اذنها بغير رضى وليها واستدل القاضي جلال الدين البلقيني لذلك بحديث سهل بن سعد من الواهبة نفسها، وذلك انه قال للذي قال: زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة: زوجتكها بما معك من القرآن، ولم ينقل في القصة انه استأذنها أو استأذن أولياءها، وإذا نظر في الاحتما الى الوقائع سقط منها الاستدلال، قلنا: لا نسلم بل هذا من عبارة الشافعي الاخرى وهي: ترك الاستفصال في وقائع الاحوال ينزل بمنزلة العموم في المقال، لان الوقائع من النبي صلى الله عليه وسلم لفظ يحال عليه العموم، وهو اسناد العقد إليه بقوله: (زوجتكها بما معك من القرآن)، فلم يستفصل النبي (ص) إذ قال ذلك ولم يبين أن يكون لها أولياء ولا بين أن يأذن أم لا.
العاشرة: وبأن يزوج المرأة بنفسه ويتولى الطرفين بغير اذنها واذن وليها قال الله - سبحانه وتعالى -: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (الاحزاب / 6).
الحادية عشرة: قيل: ونكاح المعتدة في وجه.
قال النووي: وهو غلط، ولم يذكره جمهور الاصحاب بل غلطوا من ذكره، بل الصواب القطع بامتناع نكاح المعتدة من غيره، قال القاضي جلال الدين: والدليل على المنع انه لم ينقل فعل ذلك، وانما نقل عنه غيره، ففي حديث صفية أنه سلمها الى أم سليم وفيه: وأحسبه قال: وتعتد في بيتها وفي الصحيح: أنها لما بلغت عدتها فأحلت فبنى بها فبطل هذا الوجه بالكلية، وكيف يكون ذلك والعدة والاستبراء وضعا في الشرع ؟ لدفع اختلاط الانساب، وإذا كان في المسبية من نساء أهل الحرب، فكيف بمن يمكنها عدة الزوج من نساء أهل الاسلام ؟ ويطرد مثل ذلك في المستبرأة أيضا، قال: ووقع في خلاصة الغزالي ما هو قريب من هذه الوجه، وقال ابن الصلاح: انه غلط منكر وردت نحوه منه.
الثانية عشرة: قيل: وبعدم نفقة أزواجه، والاصح خلافه، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت نفقة نسائي، ومؤونة عاملي فانها صدقة) فإذا كان يجب أن ينفق من ماله على زوجاته بعد وفاته فكيف لا تجب النفقة لهن في حال حياته ؟ فهذا الخلاف باطل قاله القاضي جلال الدين.(10/442)
الثالثة عشرة: وبأنه كانت تحل المرأة له بتزويج الله تبارك وتعالى كما في قصة زينب، قال الله - سبحانه وتعالى - (زوجناكها) يعني صارت زوجة لك، وأما قوله: انه نكحها بنفسه وتأويله الاية باحلال النكاح فهو مردود لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس في قصة خطبتها، وان زيدا قال لها: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك فقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي، فقامت الى مسجدها ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها بغير اذن، وما في صحيح البخاري من قول عائشة وأنس - رضي الله تعالى عنهما - كانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: روجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات، وما ذكره من التأويل لا يصح لمعارضة الاحاديث.
الرابعة عشرة: وبجعل عتق أمته صداقها.
روى الشيخان عن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها أ وروى البيهقي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها فسئل ما أصدقها ؟ قال: (نفسها) أي أنه أعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر، لا في الحال ولا فيما بعده كما صححه ابن الصلاح والنووي في الروضة، وقال: انه اختيار المحققين، وقطع به البيهقي.
قال ابن الصلاح: فيكون معنى قوله (وجعل عتقها صداقها) انه لم يجعل لها شيئا غير العتق يحل محل الصداق، وان لم يكن صداقا، وهو من قبيل قولهم: (الفقر زاد زاد من لا زاد له).
وذهب الامامان أحمد واسحاق الى عدم الخصوصية في ذلك، واختياره الشيخ، وقال ابن حبان: فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقم دليل على أنه خاص به دون أمته، فيباح لهم ذلك لعدم وجود تخصيصه فيه.
الخامسة عشرة: قيل: وبأن له أن يجمع بين الاختين والام والبنت في وجه حكاه الحناطي، قال القاضي جلال الدين: وهذا لا يحل حكاية لفساده، لان النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتحريم الجمع بين الاختين عليه، وبتحريم نكاح بنت الزوجة المدخول بها.
فروى الشيخان عن أم حبيبة - رضي الله عنها - انها قالت: يا رسول الله، انكح اختي عزة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو تحبين ذلك ؟) قالت: نعم، يا رسول الله، لست لك بمخلية، واحب من شاركني في خير أختي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان ذلك لا يحل لي)، قلت: يا رسول الله، فانا نتحدث انك ترية أن تنكح درة بنت أبي سلمة، قال: (بنت أم سلمة ؟) قلت: نعم، قال: (انها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، انها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن).(10/443)
السادسة عشرة: وبالخلوة بالاجنبية واردافها وبالنظر إليها، لانه معصوم، وكان يملك اربه عن زوجته فضلا عن غيرها مما هو له وهو المبرأ عن كل فعل قبيح.
روى أبو داود وان ماجه باسناد حسن عن صفيه الجهنية قالت: اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من اناء واحد.
وروى البخاري عن خالد بن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ: جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل علي حتى دنا مني فجلس على فراشي كمجلسك مني.
وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته، ثم جلست تفلي رأيه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم...الحديث.
وروى البخاري عنه أيضا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء لا على أزواجه والا على أم سليم، فانه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك فقال: اني أرحمها، قتل أخوها معي، قال أبو عبد الله الحميدي.
وأم سليم هي أم انس بن مالك، ولعله اراد على الدوام، فانه كان يدخل على أم حرام، وهي خالة أنس قال الحافظ أبو زرعة العراقي في شرح التقريب: ام حرام ليست محرما له صلى الله عليه وسلم ولا زوجة نعم، قيل: أنها خولة بنت قيس، وانها كانت زوجة حمزة، وقيل: زوجة حمزة غيرها، فزوجة العم ليست محرما، ولا يبعد عد ذلك في الخصائص ولم يذكره أصحابنا، وقال الكرماني في الحديث الثاني: هذا محمول على أن ذلك قبل نزول آية الحجاب، أو جاز النظر للحاجة وللامن من الفتنة وقال الحافظ في فتح الباري في باب من (من زار قوما فقال عندهم) الذي وضح لنا بالادلة القوية ان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالاجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها، وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهم محرمية ولا زوجية.
وقال أبو عمرو: أظن أن ام حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اختها ام سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كانت تفلي رأسه وينام عندها، وتنال منه ما يجوز لذي محرم أن يناله من محارمه ولا يشك مسلم ان أم حرام كانت محرما له، ثم روي عن يحيى بن ابراهيم بن مزين قال: انما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفلي ام حرام رأسه لانها
كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لان أم عبد المطلب بن هاشم كانت من بني النجار.
ومن طريق يونس بن عبد الاعلى: قال لنا ابن وهب: ام حرام احدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه.
قال الحضيري: ويؤيده ما في صحيح البخاري من حديث اسحاق بن عبد الله بن أبي(10/444)
طلحة حدثني أنس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خاله حراما أخا أم سليم في سبعين راكبا...الحديث وهذا هو حرام بن ملحان فبهذا السن خال النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لام سليم، ولكن ما هي الا خؤولة الرضاعة، قلت: وهذا الذي قاله فيه نظر، بل الضمير في قوله في حديث أنس - رضي الله تعالى عنه - بعث لام سليم عائدة على السن فان حراما أخا أم سليم خال أنس بلا خلاف.
وقال النووي: اتفق العلماء على أنها - يعني أم حرام - كانت محرمة له صلى الله عليه وسلم واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت احدى خالاته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.
وقال آخرون: بل كانت خالة لابيه أو لجده، لان عبد المطلب كانت أمه من بني النجار، وتعقبه ابن الملقن فقال: ما ذكر من الاتفاق على أنها كانت محرما له فيه نظر، فمن أحاط بنسب النبي صلى الله عليه وسلم ونسب أم حرام علم انه لا محرمية بينهما، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وقد نهي عن الخلوة بالاجنبية نهي تحريم، فيحمل فعله هذا على الاختصاص وقد ادعاه بعض شيوخنا.
وأجيب عن النووي بأنه لم يرد أن أم حرام كانت محرما من جهة النسب، فانه أعلم الناس بنسبهما، وانما أراد محرمية الرضاع التي حكاها ابن عبد البر وذهب إليها بلا شك، وحكى القاضي أبو بكر بن العربي: كلام ابن وهب وقال غيره: بل كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما يملك اربه عن زوجته فكيف عن غيرها، وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وقوله رفث فكان ذلك
من خصائصه صلى الله عليه وسلم ثم قال: ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب، قال الحافظ: ورد بان ذلك كان بعد الحجاب والقصة كانت بعد حجة الوداع.
وقال الحافظ الدمياطي: زهل من زعم ان أم حرام احدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤولة تقتضي محرمية لان امهاته من النسب واللاتي أرضعنه صلى الله عليه وسلم معلومات ليس فيهن أحد من الانصار التبة سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، فلا تجتمع أم حرام وسلمى الا من عامر بن غنم جدهما الاعلى، وهذه الخؤولة المذكورة لا تثبت بها محرمية، لانها خؤولة مجازية، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: (هذا خالي) لكونه من بني زهرة وهي من أقارب أمه آمنة بنت وهب، وليس سعد أخا لامنة لا من النسب ولا من الرضاع ثم قال الدمياطي على انه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بام حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع.(10/445)
قال الحافظ: وهو احتمال قوى لكنه لا يدفع الاشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذلك النوم في الحجر قال: وأحسن الاجوبة عند الخصوصية، فلا يردها كونها لا تثبت الا بدليل، لان الدليل على ذلك واضح.
وقال الحافظ الدمياطي: وهم في ام حرام من جعلها من خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو النسب وأثبت لها خؤولة توجب محرمية لان امهاته صلى الله عليه وسلم اللاتي ولدته وأصهاره اللاتي أرضعنه كلهن من مضر وربيعة مرعى ولد اسماعيل وجرهم وقضاعة وخزاعة، ومن بني عامر النجار ومن الازد ليس فيهن من بني قبيلة الاوس والخزرج سوى ام عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن عدي بن النجار وحرام وسليم وام حرام وام سليم وأم عبد الله، وكلهم أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم أولاد ملحان، واسم ملحان: مالك بن خلال بن
زيد بن حرام وجندب بن عامر بن غنم بن عديى بن النجار، فلا يجتمع ملحان وسلمى الا في عامر بن غنم، وهذه خؤولة بعيدة لا تثبت محرمية، ولا تمنع صالحا، لكن العرب تستعملها كثيرا توسعا كقوله صلى الله عليه وسلم في سعد بن أبي وقاص ابن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة (هذا خالي، فليرني امرؤ خاله)، وآمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة من كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
وكقول عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فقلت: خالي يعني العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأم عمرو بنت هاشم بن المغيرة بنت عم العاص كما ورد انه صلى الله عليه وسلم دخل على بعض أزواجه بالمدينة فرأى امرأة حسنة فقال: من هذه ؟ فقالت: احدى خالاتك يا رسول الله، فقال: ان خالاتي في هذه الارض لغرائب من هذه ؟ فقالت: هذه خالدة بنت الاسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة فقال: (سبحان الذي يخرج الحي من الميت)، كان أبوها الاسود من المستهزئين، مات كافرا، وهي بنت خاله، ونحوه هذا كثير، إذا كانت أم الرجل من غير قبيلة أبيه كانت قبيلة أمه أخواله على وجه الاستعارة والمجاز، وذكر كلاما ثم قال: فقد ثبت بمجموع ما ذكرنا من الخصائص لام حرام وأم سليم (رضي الله عنه) وهذا الحكم خاص بهما والله أعلم.(10/446)
الباب الثامن فيما اختص به - صلى الله عليه وسلم - عن أمته من الفضائل والكرامات
وفيه نوعان
الأول: فيما يتعلق بالنكاح.
وفيه مسائل:
الاولى: خص صلى الله عليه وسلم بأن النكاح في حقه عبادة مطلقا كما قال السبكي وهو في حق غيره ليس بعبادة عندنا بل مباح من المباحات والعبادة عارضة له.
الثانية: وبأن مهر المثل لا يتصور في ابنته، لانها لا مثل لها نقل عن البكري وهو حسن بليغ.
الثالثة: وبتحريم رؤية أشخاص أزواجه في الازر كما صرح به القاضي عياض، واستدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها الناس عن أن يرى شخصها، وان زينب بنت جحش لما توفيت جعلت في القبة فوق نعشها لتستر شخصها قلت: قال الحافظ وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهم ولقد كن بعد ذلك يخرجن ويعظن، وكانت الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الابدان لا الاشخاص وفي صحيح البخاري في (الحج) قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة أقبل الحجاب أو بعده قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب.
الرابعة: قيل: وبأنهن إذا أرضعن الكبير دخل عليهم، وسائر الناس لا يكون الا ما كان في الصغر قاله معمر.
الخامسة: وبأنه كان لهن رضعات معلومات ولسائر النساء رضعات معلومات، قاله طاووس، وورد انها عشر رضعات لهن، ولغيرهن خمس.
السادسة: وبأن زوجاته أمهات المؤمنين سواء متن في حياته، أو مات عنهن.
قال الله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) (الاحزاب / 6) قال الامام الشافعي - رحمه الله تعالى -، وذلك لانه لا يحل نكاحهن بحال ولا تحرم بناتهن لو كن لهن، لان النبي صلى الله عليه وسلم قد زوج بناته وهن أخوات المؤمنين.
انتهى.
(ومعنى هذا ان اطلاق الامومة عليهن بالنسبة الى تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتنهن ولا يثبت لهن حكم الامومة في جواز النظر والخلوة والمسافرة، ولا في النفقة، والميراث وأمومتهن لا تتعدى الى احوال المسلمين وحالاتهم ونقل في الروضة عن البغوي(10/447)
أنهن كن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء (لان فائدة الامومة في حق الرجال، وهي النكاح مفقودة في حق النساء).
رواه ابن أبي حاتم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -.
السابعة: قيل وبتحريم خروجهن لحج أو عمرة، ووجوب جلوسهن بعده في البيوت في أحد قولين قال الله تعالى: (وقرن في بيوتكن) (الاحزاب / 33).
روى ابن سعد عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه في حجة الوداع (هذه الحجة ثم ظهور الحصر) قال: وكن يحججن كلهن الا سودة وزينب قالتا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله.
الثامنة: وبأن من فارقها في حياته كالمستعيذة وكالتي رأى بكشحها بياضا تحرم على غيره على الارجح في الروضة، ونص عليه الامام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - في أحكام القرآن.
قال ابن الصلاح: أنه أخذ بظاهر القرآن، وقال وهو ظاهر نص الشافعي - رحمه الله تعالى -.
التاسعة: وبتحريم نكاح أمة وطأها ومات عنها كأم ابراهيم وان لم تصر أما للمؤمنين لنقصها (بالرق) (1).
العاشرة: وان باعها بقي تحريمها.
الحادية عشر: وبتفضيل زوجاته على سائر النساء، قال الله - سبحانه وتعالى - (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن) (الاحزاب / 32) قال ابن عباس: يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات أنتن أكرم علي، وثوابكن أعظم لدي وذلك لما خصهن الله - تعالى - به من خلوة رسوله ونزول الوحي بينهن.
وقيل: لاصطفائهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجا في الدنيا والاخرة.
واختلفوا هل المراد بتفضيلهن على سائر النساء من أهل زمانهن وما بعده أو أعم من ذلك على قولين حكاهما الماوردي والروياني.
الثانية عشر: وبأنه لا يحل أن يسأل زوجاته صلى الله عليه وسلم الا من وراء حجاب قال الله - سبحانه وتعالى - (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) (الاحزاب / 53).
* هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/448)
قال القاضي: والنووي في شرح مسلم خصص بفرض الحجاب عليهم بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا في غيرها.
الثالثة عشر: وبأن بناته صلى الله عليه وسلم لا يجوز التزوج عليهن.
روى الشيخان عن المسور بن مخرمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وهو على المنبر ان بني هشام بن المغيرة أستأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي ابن أبي طالب (فلا آذن، ثم لا آذن ثم لا آذن الا أن يريد علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فانما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها).
قال الحافظ لا يبعد أن يكون من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم منع التزوج على ابنته انتهى.
وبه صرح الشيخ أبو علي السنجي في (شرح التلخيص) أنه يحرم التزوج على بناته صلى الله عليه وسلم.
قال المحب الطبري ولعله يريد من ينسب إليه بالنبوة، ويدل له ما رواه الامام أحمد، والحاكم عن عبيد الله بن أبي رافع والطبراني برجال ثقات عن أم بكر بنت المسور - فيحرر حالها - عن المسور بن مخرمة أنه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته فقال للرسول قل له: يوافيني في وقت ذكره فلقيه فحمد الله المسور فقال: والله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب الي منكم، وفي لفظ من نسبكم وصهركم، وفي لفظ محبة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها فانه ينقطع يوم القيامة الانساب الا نسبي وشيعتي) وفي لفظ وعند ابنتها ولو زوجتك لقبضها ذلك.
فاذهب عاذرا له.
قال المحب الطبري: وفي هذا دليل على أن الميت يراعى منه ما يراعى من الحي.
قال الشيخ: فان أخذ هذا على عمومه فمقتضاه أنه يحرم التزوج على بناته الى يوم القيامة وفيه وقفه.
الرابعة عشر: وبأنه أعطي قوة أربعين في الجماع والبطش.
روى البخاري عن قتادة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة وهن احدى عشر قلت لانس أو كان يطيقه، قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين.
روى ابن سعد عن مجاهد وطاووس قالا: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة أربعين رجلا في الجماع.
وروى الطبراني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلت على الناس بأربع: بالسماحة، والشجاعة، وكثرة الجماع، والبطش.(10/449)
وروي عن مقاتل - رضي الله تعالى عنه - قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع وسبعين شابا.
روى الحارث بن أبي اسامة عن مجاهد قال: أعطي قوة بضع أربعين رجلا، كل رجل من أهل الجنة.
وقوة الرجل من أهل الجنة كمائة من أهل الدنيا فيكون أعطي قوة أربعة آلاف، وبهذا يدفع ما استشكل بعضهم، فقال: كيف يعطى قوة أربعين فقط ؟ وقد أوتي سليمان قوة مائة أو ألف رجل على ما ورد ؟ واحتاج الى تكلف الجواب عن ذلك.
وروى ابن سعد بسند جيد عن صفوان بن سليم - رضي الله تعالى عنه - مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل بقدر فأكلت منها فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع) وفي لفظ (فما اريد أن أتي النساء ساعة الا فعلت).
وروي ابن عدي وابن سعد موصولا بسند واحد.
قال القاضي أبو بكر بن العربي قد آتى الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم خصيصة عظمي، وهي قلة الاكل، والقدرة على الجماع، فكان أقنع الناس في الغداء تقنعه الفلقة وتشبعه التمرة، وكان أقوى الناس على الوطء.
النوع الثاني فيما يتعلق بغير النكاح وفيه مسائل: الاولى: خص صلى الله عليه وسلم بأنه كان ينظر من وراء ظهره كما ينظر قدامه.
روى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل ترون قبلتي هاهنا ؟ فوالله لا يخفى علي ركوعكم وخشوعكم واني لاراكم من وراء ظهري).
ورواه الامام مالك وأحمد عنه بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده اني لانظر من ورائي كما أنظر الى ما بين يدي فصفوا صفوفكم وأحسنوا ركوعكم) والاحاديث في ذلك كثيرة.
وقال المحققون: والصواب ان هذه الاحاديث على ظاهرها، وان هذا الابصار ادراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة، وهو مقتضى صنيع البخاري، حيث أخرج هذا الحديث في علامات النبوة، وكذا نقل عن الامام أحمد وغيره وهو ظاهر رواية مسلم (اني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي) ثم ذلك الادراك يجوز أن يكون برؤية عنه انخرقت له العادة فيه أيضا، فكان يرى بها من غير مقابلة، لان الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها(10/450)
عقلا عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قربا وانما ذلك أمور عادية يجوز حصول الادراك مع عدمها عقلا ولذلك حكموا بجواز رؤية الباري - سبحانه وتعالى - في الدار الاخرة خلافا لاهل البدع.
وقيل كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط يبصر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره.
نقله الزاهدي نجم الدين مختار بن محمود الحنفي (شارح القدوري) في (رسالته
الناصرية).
الثانية: وتطوعه بالصلاة قاعدا بلا عذر كتطوعه قائما صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم وأبو داود عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي جالسا فقلت: يا رسول الله انك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة قائما وأنت تصلي قاعدا ؟ قال: (أجل ولكني لست كأحد منكم).
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (لست كأحد منكم) عند اصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له كما خص بغيرها، وقال القاضي معناه ان النبي صلى الله عليه وسلم لحقه مشقة شديدة من القيام لحطم الناس والسن وكان أجره تاما بخلاف غيره ممن لا عذر له.
قال النووي: هذا ضعيف أو باطل، لان غيره صلى الله عليه وسلم ان كان معذورا فثوابه أيضا كامل وان كان هو أيضا قادر على القيام فليس هو كالمعذور يبقى فيه تخصيص فلا يحسن على هذا التقدير: لست كأحد منكم واطلاق هذا القول، فالصواب ما قاله أصحابنا: ان نافلته صلى الله عليه وسلم قاعدا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص وتعقبه الزركشي مما لا يساوي سماعه.
الثالثة: وبأن عمله له نافلة.
روى الامام أحمد بسند صحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها سئلت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أتعملون كعمله فانه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان عمله له نافلة.
وتقدمت أحاديث في المسألة السابعة والعشرين من فضل الواجبات ما يتعلق بذلك الرابعة: وبأن المصلي يخاطبه بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا يخاطب سائر الناس وهو ثابت في حديث التشهد ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واجبة على الصحيح.
قال السبكي: السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوعين:(10/451)
الأول: ما يقصد به الدعاء بالتسليم عليه من الله سواء كان بلفظ الغيبة أو الحضور كقولنا عليه الصلاة والسلام ويا رسول الله صلى الله عليك وسلم أو عليك الصلاة والسلام سواء كان من الغائب عنه أو الحاضر عنه، وهذا هو الذي قيل باختصاصة صلى الله عليه وسلم عن الامة حتى لا يسلم على غيره من الامة: الا تبعا كالصلاة عليه فلا يقال فلان - عليه السلام -.
الثاني: ما يقصد به التحية كسلام الزائر إذا وصل الى قبره وهو غير مختص به بل يعم الامة وهو الرد على المسلم بنفسه أو برسوله فيحصل ذلك منه صلى الله عليه وسلم، وأما الأول: فالله أعلم فان ثبت امتاز الثاني بالقرب والخطاب والا فقد جزم من يرد هذه الفضيلة وهو مقتضى ما فسر به الحديث الامام الجليل أبو (1) عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقبري أحد أكابر شيوخ البخاري حيث قال في قوله: (ما من أحد يسلم علي) الحديث هذا في الزيارة (إذا زارني فسلم علي رد الله علي روحي حتى أرد عليه)، وأما حديث (أتاني ملك فقال يا محمد أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك الا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك الا سلمت عليه عشرا) فالظاهر انه في السلام على النوع الاول.
الخامسة: وبتحريم رفع الصوت، قال الله - سبحانه وتعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) (الحجرات / 2) فنهى الله تعالى عن رفع الصوت فوق صوته وشدد النهي بقوله (أن تحبط أعمالكم) (الحجرات / 2) لارتكابكم لهذا الذنب فدل ذلك على أنه حرام بل كبيرة، لان توعدهم على ذلك باحباط العمل.
قال الامام الرازي والاصح أن المراد به رفع الصوت حقيقة لان رفع الصوت دليل على قلة الاحتشام وترك الاحترام.
قال العلماء: ومعنى الاية الامر بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته أي إذا نطق ونطقتم فعليكم ألا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه
بصوته وأن تضغوا منها بحيث يكون كلامه غالبا لكلامكم وجهره باهرا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته واضحة.
قال القرطبي في تفسيره: وليس الغرض برفع الصوت والا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لان ذلك كفر والمخاطبون مؤمنون وانما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من حرسه غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر به الكبراء فيتكلف الغض منه * هامش * (1) في ج X ابن.
(*)(10/452)
ورده الى حد يميل به الى ما يستبين فيه المأمور به من التعزيز واالتوقير، ولم يتناول النهي أيضا رفع الصوت الذي يتأذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو ارهاب عدو أو ما أشبه ذلك.
تنبيه: قال القاضي أبو بكر بن العربي: حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه كما كان يلزمه، ذلك في مجلسه عند تلفظه به وقد نبه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الازمنة بقوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا) (الاعراف / 204) وكلام النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي وله من الحكمة مثل ما للقرآن الا معاني مستثناة، ببيانها في كتب الفقه فإذا كان رفع الصوت فوق صوته يحبط العمل فما الظن برفع الامراء ونقائح الافكار على سننه وما جاء به.
السادسة: وبأن أصحابه إذا كانوا معه على أمر جامع كخطبة وجهاد ورباط لم يذهب أحد منهم في حاجة حتى يستأذنوه أي لم يذهب أحد في حاجة حتى يستأذنه.
كما قال الله تعالى: (انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر
جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) (النور / 62) فإذا كان هذا مذهبا مقيدا أرضا فيه لحاجة لم يوسع لهم فيه الا باذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدين، أصوله وفروعه دقيقه وجليله هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذان (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) (النحل / 43).
السابعة: وبتحريم ندائه من وراء الحجرات كما قال الله تعالى: (ان الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) (الحجرات 4).
وجه الاستدلال أن الله تعالى وصف فاعل ذلك بعدم العقل أي عقل الاحكام الشرعية فدل على أن من الاحكام الشرعية أن لا يناديه من وراء الحجرات.
الثامنة: وبتحريم ندائه باسمه مثل يا محمد يا أحمد، ولكن ينادي يا نبي الله، يا رسول الله، يا خيرة الله ونحو ذلك قال الله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) (النور / 63).
قال سعيد بن جبير ومجاهد بلغني قولوا يا رسول الله في رفق ولين، ولا تقولوا يا محمد بتهجم.(10/453)
تنبيهان:
الأول: روى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا من أهل البادية جاء فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك...الحديث.
فحمل هذا على احتمال أنه كان قبل النهي عن ذلك.
الثاني: هل يجوز نداؤه صلى الله عليه وسلم بالكنية واللقب ؟ قال القاضي جلال الدين ظاهر قول الشيخين يقتضي المنع بل نقول: يا نبي الله، يا رسول الله، من النداء بالكنية واللقب ولكنه محل نظر، وتقدم في الكلام على كناه من باب الاسماء ما يقتضي أنه كان يجوز النداء بالكنية، لانه لو كان حراما لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي).
وروى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يمشي بالبقيع فسمع رجلا يقول يا أبا القاسم، فرد رأسه إليه فقال الرجل: يا رسول الله لم أدعك انما دعوت فلانا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي).
فأفهم هذا جواز النداء بالكنية لانه نهى عن التكني بها لئلا يحصل الالتفات منه صلى الله عليه وسلم والمراة غيره، وأما الاسم وان كان النداء لغيره صلى الله عليه وسلم ممكنا، الا أن الالتفات منه صلى الله عليه وسلم لا يحصل، لانه محرم على العباد النداء بالاسم.
التاسعة: وبتحريم التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل، وهو ذكر الرأي عنده، أو فعله، قبل رأيه صلى الله عليه وسلم، قال الله - تبارك وتعالى - (يا أيها الذين لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) (الحجرات / 1) لان من قدم قوله أو فعله، على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قدم على الله، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما يأمر من أمر الله، والمعنى لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به، لان (بين اليدين) ها هنا الامام والقدام فتضمن حمله على قدام الامر والنهي، فقدم هنا بمعنى تقدم كما في قولهم بين وتبين وفكر وتفكر، وهذا باق الى يوم القيامة لم ينسخ فالتقدم بين يدي نبيه، بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته لا فرق بينهما عند ذي عقل سليم العاشرة: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يستشفي به، كذا قاله الرافعي وهو شامل لذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا كدعائه ومس يده والغسل بريقه والتمسح بفضل وضوئه ونخامته وعرقه، وهذا أمر مشهور وقد تقدم بيان ذلك في المعجزات.
فان قيل ما وجه الخصوصية في ذلك وغيره من الاولياء قد كان يستشفى بدعائه ولمس يده وبريقه وشعره وعرقه ويتبرك بذلك ؟.
فالجواب عن ذلك أن هذا الاستشفاء من النبي صلى الله عليه وسلم متيقن الاجابة بخلاف غيره، فانه مظنون وقد تتخلف الخصوصية في اليقين.(10/454)
الحادية عشرة: وبأن النجس منا طاهر منه.
الثانية عشر: ويستسقى به.
روى البزار والطبراني والحاكم والبيهقي بسند حسنه الشيخ عن عبد الله بن الزبير قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني الدم فقال: (اذهب فغيبه) فذهبت فشربته، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: (ما صنعت ؟) قلت غيبته قال: (لعلك شربته) قلت: شربته.
وروى الدار قطني في السنن عن أسماء بنت أبي بكر قالت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فدفع دمه الى ابني فشربه، فأتاه جبريل فأخبره فقال: (ما صنعت ؟) قال: كرهت أن أصب دمك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تمسك النار، ومسح على رأسه وقال: (ويل للناس منك وويل لك من الناس).
وروى الحاكم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال شج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فتلقاه أبي فلحس الدم عن وجهه بفمه وازدرده فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر الى رجل خالط دمه دمي فلينظر الى مالك بن سنان).
ورواه سعيد بن منصور عن عمرو بن السائب مرسلا وروى البزار وابو يعلى وابن أبي خيثمة والبيهقي في السنن والطبراني عن سفينة قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس فذهبت فشربته ثم جئت فقال ما صنعت ؟ فأخبرته فضحك.
ورواه ابن عدي من طريق شريح بن يونس ثنا ابن أبي فديك ثنا برية بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده بلفظ خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير أو قال الناس والدواب شك ابن أبي فديك.
ورواه أبو الحسن بن الضحاك قال: حدثنا أبو الحكم، حدثنا أبو الغنائم، حدثنا عبد الله بن عبيد الله، أنبأنا أبو عبد الله المحاملي، أنبأنا علي بن شعيب، أنبأنا ابن أبي فديك فذكره.
وروى أبو يعلى والطبراني والدار قطني والحاكم وابو نعيم عن أم أيمن - رضي الله تعالى
عنها - قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل الى فخارة فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها، فلما أصبح أخبرته فضحك وقال: (أما انك لا يتجعن بطنك أبدا) ولفظ أبي يعلى: (أنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبدا).
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره، فجاء فإذا القدح ليس فيه شئ فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة جاءت بهم من أرض الحبشة فقال: (أين البول الذي كان في القدح ؟) قالت: شربته قال: (صحة يا أم يوسف) وكانت تكنى أم يوسف، فما مرضت قط حتى ماتت فيه،(10/455)
وصحح ابن دحية أنهما قضيتان وقعتا لامرأتين وهو واضح من اختلاف السياق وصحح أن بركة أم يوسف غير بركة أم أيمن، وهو الذي ذهب إليه شيخ الاسلام البلقيني كما دل عليه كلامه في (التدريب).
وروى الطبراني والبيهقي بسند صححه الشيخ عن حكيمة بنت أميمة عن أمها قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت سريره، فقام فطلبه فسأل عنه فقال: أين القدح ؟ فقالوا: شربته بره خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد احتظرت من النار بحظار).
وموضوع الدلالة من هذه الاحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن الزبير ولا أم أيمن ولا من فعل مثل فعلها، ولا أمرهم بغسل الفم، ولا نهاهم عن العود الى مثله، ومن حمل ذلك على التداوي، قيل له قد أخبر صلى الله عليه وسلم: (ان الله يجعل شفاء أمته فيما حرم عليها) رواه ابن حبان في صحيحه فلا يصح حمل الاحاديث على ذلك بل هي ظاهرة في الطهارة.
الثالثة عشر: وبأن من زنا بحضرته واستهان به كفر.
قال الرافعي: والدليل على ذلك قوله تعالى: (انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله
ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا) (الفتح / 8، 9) قال المفسرون معنى تعزروه أي تعظموه وتفخموه فالضمير عائد الى النبي صلى الله عليه وسلم فالوقف تام بقوله تسبحوه أي تسبحوا الله تعالى بكرة وأصيلا فيكون معنى الكلام راجعا الى الله - عز وجل - وهو وسبحوه من غير خلاف ويكون بعض الكلام راجعا الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو التوقير والتعظيم وهو من باب اللف والنشر المشوش.
فكما ان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الى الخلق كافة ليأمرهم بالايمان، كذلك هو مرسل إليهم ليأمرهم بنصرته وتوقيره فمن خالف موجب ذلك كفر.
تنبيه: قال النووي - رحمه الله تعالى - وفي مسألة المزني نظر.
قال - الجلال البلقيني: مراده بذلك أن لا يكون الزاني قاصدا للاستهانة فمن قصد الاستهانة فالحق أنه لا نظر في ذلك، لانه لا يتضمن استهانة له في ذلك ولا نظر الى الزاني الخالي عن قصد (لعدم النية من الشخص: وفي هذا نظر).
فالفعل نفسه استهانة فلا حاجة الى القصد معه وان لم يكن قاصدا لها، لان ترك الاستحياء من الشخص استهانة له، فلا حاجة الى القصد معه.(10/456)
الرابعة عشر: وبان من سبه وهجاه يقتل.
روى الحاكم والبيهقي - رضي الله تعالى عنه - عن أبي بردة - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا سب أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - فقلت ألا أضرب عنقه يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ليست هذه لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو داود والبيهقي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن يهودية كانت تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمها.
وروى مسدد عن أبي اسحاق الهمداني رحمه الله تعالى قال: كان رجل من المسلمين
ذاهب البصر يأوي الى يهودية وكانت حسنة الصنع إليه، وكانت تسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكرته فنهاها فأبت أن تفعل فقتلها، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها.
وروى الحارث برجال ثقات.
عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنه مر براهب فقيل له: ان هذا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو سمعته لضربت عنقه انا لم نعطهم العهد على أن يسبوا نبينا.
وروى أبو يعلى بسند صحيح عن كعب بن علقمة أن عرفة بن الحارث وكانت له صحبة - رضي الله عنه - مر على رجل كان يلبس كل يوم ثوبا أو قال حلة لا تشبه الاخرى فلبس في السنة ثلثمائة وستين ثوبا وكان له عهد فدعاه عرفة الى الاسلام فغضب فسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله عرفة فقال له عمرو بن العاص: انهم انما يعظمون للعهد ما عهدناهم أن يؤذونا في الله ورسوله.
الحديث.
الخامسة عشر: وبأن اسب في حقه بالتعريض كالتصريح بخلاف غيره نقله الرافعي عن الامام، وقال لا خلاف فيه.
السادسة عشر: وبوجوب اجابته على المصلي إذا دعاه ولا تبطل صلاته وكذا الانبياء.
روى الامام أحمد والبخاري عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أصلي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم أجبه، وفي رواية فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقال: (ما منعك أن تأتي، ألم يقل الله تعالى: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (الانفال / 24).
وروى الامام أحمد والنسائي وابن خزيمة والترمذي وصححه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على أبي بن كعب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبي وهو يصلي(10/457)
فالتفت أبي فلم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك) فقال: يا رسول الله كنت في الصلاة، قال: (أفلم تجد فيما أوحي الي أن أستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) الحديث.
فظهر بهاتين القصتين وجوب الاجابة.
قال القاضي جلال الدين: وأما كونه لا تبطل الصلاة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالاجابة ولو كان في صلاة مفروضة أو نافلة لان ترك الاستفصال في وقائع الاحوال ينزل منزلة العموم من المقال، فلو كان ذلك مبطلا للصلاة مطلقا لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، لان قطع الصلاة بعد الشروع فيها إذا كانت فرضا حرام فإذا لم يكن هناك ما يوجب ذلك كأن وجد أعمى وقدامه نحو بئر يقع فيه وجب اعلامه، وتبطل بذلك لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) (محمد / 33) وذكر الاجابة بين في حديث أبي بن كعب.
وأما حديث ابي سعيد ففيه ذكر الاتيان، والظاهر انه محمول على الاجابة كما في الرواية الاخرى التي للبخاري فيكون من روى علم أنه روى بالمعنى والمعنى مشى في الصلاة والمشي مبطل فبطلت.
قلت كلام الروضة كما قال شيخنا شيخ الاسلام زكريا في (شرح الروضة) شامل للاباحة بالفعل وان كثر، صحت ولا تبطل به الصلاة.
وقال الاسنوي وهو المتجه والله تعالى أعلم.
وإذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم شخصا في الصلاة وكان ذلك في منزله دعاية له ولو قال يا فلان كما أشار إليه ابن حبان واستحسنه القاضي جلال الدين.
قال الخضري: ومحل وجوب الاجابة على لفظ يفهم عنه الجواب بأن يقول: نعم ولبيك يا رسول الله، وأما الزيادة على ذلك فلا تظهر لي فيه الجواز ولم أر من التعرض لذلك.
السابعة عشرة: وبأن أولاد بناته ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم وأولاد غيره لا ينسبون إليه في الكفاءة ولا في غيرها.
روى أبو نعيم في ترجمة عمر عنه في أثناء حديث رفقة قال: وكل ولد آدم كان عصبتهم
لابيهم ما خلا ولد فاطمة فاني أنا أبوهم وعصبتهم.
قال الحافظ أبو الخير السخاوي - رحمه الله تعالى - في فتاويه رجاله موثقون وللحديث شواهد رواه الطبراني في (الكبير) من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن شيبة بن نعامة عن فاطمة ابنة الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى والخطيب من طريق محمد بن أحمد بن يزيد بن أبي العوام قال: حدثنا أبي قال: حدثنا جرير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.(10/458)
وروى الحاكم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبيى أم عصبة، الا بني فاطمة أنا وليهما وعصبتهما.
الثامن عشر: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة الا نسبه صلى الله عليه وسلم وسببه.
روي عن عبد الله ابن الامام أحمد بسند قال الذهبي صالح عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الانساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري).
روى الحاكم والبيهقي عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أنه خطب الى علي أم كلثوم فتزوجها فأتى عمر المهاجرين فقال: ألا تهنئوني بأم كلثوم ابنة فاطمة.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا ما كان من سببي ونسبي) فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب.
وروى الامام أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وابن حبان عن ابنه عبد الله والطبراني وأبو نعيم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الانساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري) قيل: ومعنى ذلك أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة وأمة سائر الانبياء لا ينسبون إليهم.
قال القاضي جلال الدين البلقيني: وهو مردود بما في الصحيح من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحي نوح وأمته فيقول الله: هل بلغت ؟ فيقول: نعم، أي رب، فيقول لامته:
هل بلغكم ؟...الحديث.
وهذا صريح في نسبة أمة نوح إليه يوم القيامة ومعناه أنه ينتفع به من ينسب إليه ولا ينقطع بسائر الانساب، قال: وهو الذي يظهر.
التاسعة عشر: بحرمة التكني بكنيته مع جواز التسمية باسمه.
العشرون: وبعدم جواز الجنون على الانبياء.
الحادية والعشرون: وبعدم جواز الاغماء الطويل فيما ذكره الشيخ أبو حامد من تعليقه، وجزم به البلقيني في (حواشي الروضة).
الثاني والعشرون: وبأن اغماءهم يخالف اغماء غيرهم كما خالف نومهم نوم غيرهم قال الله سبحانه وتعالى..: (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) (القلم / 2)..والانبياء لم يزالوا على وصف الكمال من العلم بالله تعالى ولو أمكن الجنون والاغماء الطويل في حقهم لكانوا في حال من الاحوال جاهلين بالله تعالى ويفتتح أيضا باب الطعن عليهم.(10/459)
الثالثة والعشرون: وبعدم جواز الاحتلام عليهم على الصواب فانه من تلاعب الشيطان.
وروى الطبراني والدينوري في المجالسة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: ما احتلم نبي قط وانما الاحتلام من الشيطان).
الرابعة والعشرون: وبأن الارض لا تأكل لحومهم كما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أوس بن أوس الثقفي مرفوعا وسيأتي الكلام عليه في باب حياته صلى الله عليه وسلم في قبره بعد الوفاة.
الخامسة والعشرون: وبأن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم كبيرة وليس كالكذب على غيره في تشديد الحرمة كما في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة، وقد جاء في حديث التحذير من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من طرق جماعة من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - حتى قال النووي - رحمه الله تعالى - انه قيل جاء عن مائتين من الصحابة، ولا فرق في تحريم الكذب عليه بين ما
كان من الاحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب، والمواعظ وغير ذلك وكله حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح باجماع من يعتد به وبأن من كذب عليه عمدا من غير استحلال يكفر ويراق دمه، قاله الشيخ أبو محمد الجويني والد امام الحرمين، والجمهور على خلافه وأنه لا يكفر الا إذا استحل ذلك.
السادسة والعشرون: وبأن من رآه في المنام فقد رآه حقا فان الشيطان لا يتمثل في صورته كما رواه البخاري عن أنس والشيخان عن أبي قتادة والبخاري عن أبي سعيد ومسلم عن جابر والشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال القضاعي: هذه الخصوصية مما خص به النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الانبياء.
وقال الشيخ أكمل الدين في (شرح المشارق) ذكر المحققون أن هذا المعنى خاص به صلى الله عليه وسلم وقالوا في ذلك انه صلى الله عليه وسلم وان ظهر بجميع أحكام الحق وصفاته تخلقا وتحققا فان من مقتضى مقام رسالته وارشاده للخلق ودعوته اياهم الى صفات الحق الذي أرسله إليهم هو أن يكون الاظهر فيه حكما وسأظنه من صفات الحق وأسمائه صفة الهداية، والاسم الهادي كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله..(وانك لتهدي الى صراط مستقيم) (الشورى / 52) فهو - عليه الصلاة والسلام - صورة الاسم الهادي ومظهر صفات الهادي والشيطان مظهرا لاسم المضل والظاهر بصفة الضلالة فهما ضدان ولا يظهر أحدهما بصورة الاخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم خلقه الله تعالى للهداية فلو ساغ ظهور ابليس في صورته زال الاعتماد بكل ما يبديه الحق ويظهره لمن شاء هدايته به فلهذه الحكمة عصم الله تعالى صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يظهر بها شيطان.
فان قيل: عظمة الحق سبحانه وتعالى أتم من عظمة كل عظيم فكيف اعتاض على(10/460)
ابليس أن يظهر بصورة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ان ابليس اللعين قد تراءى لكثيرين وخاطبهم بأنه الحق طلبا لاضلالهم، وقد أضل جماعة بمثل هذا - حتى ظنوا أنهم رأوا الحق وسمعوا خطابه.
فالجواب من وجهين: أحدهما: أن كل عاقل يعلم أن الحق - سبحانه وتعالى - ليست له صورة معينة توجب الاشتباه بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، فانه ذو صورة معينة معلومة مشهورة.
والثاني: أن مقتضى حكم الله تعالى أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فانه متصف بصفة الهداية، وظاهر بصورتها فوجب عصمة صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يظهر بها شيطان لبقاء الاعتماد، وظهور حكم الهداية فيمن شاء الله هداية به صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: المراد بقوله: (من رآني في المنام فقد رآني) أن رؤياه صحيحة، لا تكون اضغاثا، ولا تكون من تشبيهات الشيطان قال: ويعضده قوله في بعض طرقه (فقد رأى الحق) وفي قوله: (فان الشيطان لا يتمثل بي) اشارة الى أن رؤياه لا تكون أضغاثا.
وقال القاضي عياض: يحتمل ان يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله فان رآه على غيرها كانت تأويلا لا رؤيا حقيقية، فان من الرؤيا ما يخرج على وجهه ومنها ما يحتاج الى تأويل.
قال النووي: وهذا الذي قاله ضعيف، بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها كنا ذكره المازري قال الحافظ: وهذا الذي رده النووي روي عن ابن سيرين أمام المعبرين اعتباره فقد روى: اسماعيل بن اسحاق بسند صحيح عن أيوب قال: كان محمد - يعني - ابن سيرين إذا قص رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف الذي رأيته فان وصف له صبغة لم يعرفها قال لم تره والذي قاله القاضي توسط حسن ويمكن الجمع بينه وبين ما قاله المازري، بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة لكن إذا كان على صورته كأن يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج الى تعبير، وان كان على غير صورته كان النقص من جهة الرأى لتخيله الصفة على غير ما هي عليه ويحتاج ما يراه في ذلك المنام الى التعبير وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا: إذا قال الجاهل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه يسأل عن صفته فان وافق الصفة المرئية والا
فلا يقبل منه.
قال الحافظ: وذهب الشيخ ابن أبي جمرة الى ما اختاره النووي فقال بعد أن حكى الخلاف، ومنهم من قال ان الشيطان لا يتصور على صورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذلك حسن، في دين الرائي، وان كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص، فذلك خلل في الرائي من الدين، قال: وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الاسلوب وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أولا لانه صلى الله عليه وسلم نوراني مثل المرآة(10/461)
الصقيلة ما كان في الناظر إليها من حس أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها ولا شين وكذلك يقال في كلامه صلى الله عليه وسلم في النوم انه يعرض على سنة فما وافقها فهو حق، وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل انما هو في سمع الرائي، أو بصره.
قال: وهذا خير ما سمعته في ذلك.
قال الحافظ: ويظهر لي في التوفيق بين جميع ما ذكروه أن من رآه على صفة أو أكثر مما يختص به فقد رآه ولو كانت سائر الصفات مخالفة، وعلى ذلك فتفاوت رؤيا من رآه فمن رآه على هيئته الكاملة فرؤياه الحق الذي لا تحتاج الى تأويل وعليها يتنزل قوله (فقد رأى الحق) ومهما نقص من صفاته فيدخل التأويل بحسب ذلك، ويصح اطلاق ان كل من رآه في أي حالة من ذلك فقد رآه حقيقة وقال الغزالي: ليس معنى قوله (رآني) أنه رأى جسمي وبدني وانما المراد أنه رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، وكذلك قوله: (فسيراني في اليقظة) وليس المراد أنه يرى جسمي وبدني قال والالة تارة تكون حقيقية، وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق، قال ومثل ذلك من يرى الله - سبحانه وتعالى - في المنام قال فان ذاته منزهة من الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته الى العبد بواسطة مثال
محسوس، من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف، فيقول: الذي رأيت الله تعالى في المنام لا يعني رأيت ذات الله كما تقول في حق غيره.
وقال الاستاذ أبو القاشم القشيري، ما حاصله: أن رؤياه على غير صفته لا تستلزم الا أن يكون هو فانه لو رأى الله تبارك وتعالى على وصف يتعالى عنه وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك ويقدح في رؤيته، بل تكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل.
وقال الطيبي: المعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه رآني الرؤيا الحق التي هي من الله تعالى وهي مبشرة لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان فان الشيطان لا يتمثل بي، وكذا أقوله فقد رأى الحق أي رؤية الحق للباطل، وكذا قوله، (فقد رآني) فان الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الغاية في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شئ وذكر الشيخ أبو محمد ابن أبي جمرة ما ملخصه أنه يؤخذ من قوله: (فان الشيطان لا يتمثل بي)، ان من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصور له في عالم سره أنه يكلمه، ان ذلك يكون حقا، بل ذلك أصدق من مرأى غيرهم لما من الله تعالى به عليهم من تنوير قلوبهم.(10/462)
وقال القرطبي: اختلف في معنى هذا الحديث فقال قوم: هو على ظاهره فمن رآه في النوم رآه على حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء قال: وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد الا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رئيان في آن واحد في مكانين وأن يحيى الان ويخرج من قبره، ويمشي في الاسواق ويخاطب الناس، ويخاطبوهم ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شئ فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب، لانه جائز ان يرى في الليل وفي النهار مع اتصال على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدني مسكة من عقل.
وقالت طائفة معناه: ان من رآه على صورته التي كان عليها ويلزم منه أن من رآه على غير حقيقته أن تكون رؤياه من الاضغاث، ومن المعلوم انه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الاحوال اللائقة به، وتقع تلك الرؤيا حقا كما لو رؤي ملأ دارا بجسمه مثلا فانه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشئ مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله (فان الشيطان لا يتمثل بي) فالاولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شئ منه، أو مما ينسب إليه عن ذلك - فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة، كما عصم من الشيطان في يقظته.
قال والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها لو رؤي على غير صورته فتصور تلك ليس من الشيطان بل هو من قبل الله تعالى ويؤيده قوله: (فقد رأى الحق) أي رأى الحق الذي قصد اعلام الرائي فان كانت على ظاهرها والا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها لانها أما بشرى بخير أو انذار من شر اما ليخيف الرائي واما لينزجر عنه واما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه.
تنبيهان: أحدهما: وقع في حديث أبي هريرة: رضي الله تعالى عنه - في الصحيحين (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي) وكذا رواه الطبراني من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي، ومن حديث أبي بكرة والدارمي من حديث أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - وزاد مسلم من حديث أبي هريرة (أو فكأنما رآني في اليقظة) هكذا بالشك ووقع عند الاسماعيلي في الطريق المذكور (فقد رآني في اليقظة) بدل قوله: (فسيراني) ومثله في حديث ابن مسعود عن ابن ماجه وصححه الترمذي وأبو عوانة ووقع عند ابن ماجه من حديث أبي جحيفة فكأنما رآني في اليقظة.
قال ابن بطال معنى فسيراني في اليقظة، يريد التصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها،(10/463)
وخروجها على الحق وليس المراد أنه يراه في الاخرة لانه سيراه يوم القيامة في اليقظة فتراه
جميع أمته من رآه في النوم ومن لم يره منهم فهذه ثلاثة ألفاظ: (فسيراني في اليقظة)، (فكأنما رآني في اليقظة)، (فقد رآني في اليقظة).
قال ابن التين: المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به ولم يره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته قاله القزاز.
وقال المازري ان كان المحفوظ (فكأنما رآني في اليقظة) فمعناه ظاهر وان كان المحفوظ (فسيراني في اليقظة) احتمل أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر إليه فانه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أن يراه بعد ذلك في اليقظة، وأوحى - الله تعالى - بذلك إليه صلى الله عليه وسلم قال القاضي: قيل معناه سيرى تأويل تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وقيل معنى الرؤية في اليقظة أنه سيراه في الاخرة وتعقب بأن يراه في الاخرة جميع أمته من رآه في المنام ومن لم يره يعني فلا يبقى لخصوص رؤيته في المنام مزية، وأجاب القاضي باحتمال أن تكون رؤياه له في النوم على الصفة التي عرف بها ووصف عليها موجبة لتكرمته في الاخرة، وأن يراه رؤية خاصة من القرب منه أو الشفاعة له بعلو الدرجة ونحو ذلك من الخصوصيات قال: ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين يوم القيامة بمنع رؤية نبيه صلى الله عليه وسلم وحمله الشيخ أبي محمد بن أبي جمرة على محل آخر فذكر عن ابن عباس أو غيره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ متفكرا في هذا الحديث فدخل على بعض أمهات المؤمنين ولعلها خالته ميمونة فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر فيها فرأى صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم الى طريق تفريجها فجاء الامر كذلك وهذا نوع من الكرامات.
قال شيخنا في شرح الترمذي وأكثر من يقع له ذلك انما يقع قرب نومه أو عند الاحتضار، ويكرم الله سبحانه وتعالى به من يشاء.
قال الحافظ: وهذا مشكل جدا، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابه ولامكن بقاء الصحبة الى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف.
قال مؤلفه محمد بن يوسف - رحمه الله تعالى -: أما ما ذكره من أنه لو حمل على ظاهره لكان هو لاصحابه فقد تقدم في قول الغزالي أن المراد بقوله فسيراني في اليقظة ليس المراد جسمي وبدني الى آخر ما ذكره.(10/464)
وأما أن جمعا جما رآه في المنام فلم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة فليس بلازم لاحتمال أن يكونوا رأوه وكتموا ذلك، إذ لم يقولوا ما رأيناه وقد ألف شيخنا - رحمه الله تعالى - في ذلك مؤلفا حافلا سماه تنوير الحلك في امكان رؤية النبي والملك وأنا أذكر مقاصده هنا.
فقال بعد أن ذكر الاحوال السابقة وقال قوم: هو على ظاهره فمن رآه في النوم فلا بد أن يراه في اليقظة يعني: بعين رأسه، وقيل: بعين في قلبه حكاهما القاضي أبو بكر العربي.
وقال الامام أبو محمد بن أبي جمرة في (تعليقه) (1) على الاحاديث التي انتقاها من البخاري هذا الحديث يدل على أن من رآه صلى الله عليه وسلم في النوم فسيراه في اليقظة وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته أو هذا في حياته ؟ وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيه الاهلية والاتباع لسنته - عليه الصلاة والسلام -، واللفظ على العموم ومن يدعي الخصوص فيه بغير مخصص منه صلى الله عليه وسلم فمتعسف ثم ذكر ما تقدم نقله عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ثم قال فذكر عن السلف والخلف وهلم جرا عن جماعة ممن كانوا رأوه صلى الله عليه وسلم في النوم وكانوا مما يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك يقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي منها يكون فرجها فجاء الامر كذلك بلا زيادة ولا نقص.
قال: والمنكر لهذا لا يخلو اما أن يصدق بكرامات الاولياء، أو يكذب بها، فان كان
ممن يكذب بها فسقط البحث معه فانه يكذب ما أثبتته السنة بالدلائل الواضحة، وان كان مصدقا بها فهذه من ذلك القبيل، لان الاولياء يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالمين العلوي والسفلي عديدة فلا ينكر هذا مع التصديق بذلك.
انتهى.
قال الشيخ: وقوله ان ذلك عام وليس بخاص بمن فيه الاهلية والاتباع لسنته - عليه الصلاة والسلام - مراده وقوع الرؤية الموعود بها في اليقظة على الرؤية في المنام ولو مرة واحدة، تحقيقا لوعده الشريف الذي لا يخلف وأكثر ما يقع ذلك للعامة قبيل الموت عند الاحتضار فلا تخرج روحه من جسده حتى يراه في المنام ولو مرة وفاءا بوعده، وأما غيرهم فتحصل لهم الرؤية طول حياتهم، اما كثيرا واما قيلا بحسب اجتهادهم ومحافظتهم على السنة والاخلال بالسنة مانع كبير، وقال الغزالي في كتابه (المنقذ من الضلال): ثم انني لما فرغت من العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية والقدر الذي أذكره لينتفع به اني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم وسيرتهم أحسن السير وطريقتهم أحسن الطرق وأخلاقهم أذكى الاخلاق بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء * هامش * (1) في ج X تعاقبه.
(*)(10/465)
وعليم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا فان جميع حركاتهم وسكناتهم في ظواهرهم وبواطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة وليس وراء نور النبوة على وجه الارض نور يستضاء به الى أن قال: حتى أنهم وهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الانبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والامثال الى درجات يضيق عنها نطاق النطق.
انتهى كلامه.
قال حتى انهم وهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الانبياء ويسمعون منهم أصواتا، ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والامثال الى درجات يضيق عنها نطاق المنطق.
وقال تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه (قانون التأويل) ذهبت الصوفية الى انه إذا حصل للانسان طهارة النفس وتزكية القلب، وقطع العلائق، وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال والخلطة بالجنس، والاقبال على الله تعالى بالكلية علما دائما وعملا مستمرا كشفت له القلوب ورأى الملائكة وسمع أقوالهم وأطلع على أرواح الانبياء والملائكة وسمع كلامهم، ثم قال ابن العربي ورؤية الانبياء والملائكة وسماع كلامهم ممكن للمؤمن كرامة، والكافر عقوبة.
وقال ابن الحاج في (المدخل) رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة باب ضيق وقل من يقع له ذلك الا من كان على صفة عزيز وجودها في هذا الزمان بل عدمت غالبا مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الاكابر الذين حفظهم الله تعالى في بواطنهم وظواهرهم قال: وقد أنكر بعض علماء الظاهر رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة وعلل ذلك بأن قال: (العين فانية لا ترى العين الباقية) والنبي صلى الله عليه وسلم في دار البقاء والرائي في دار الفناء وقد كان سيدي أبو محمد بن أبي جمرة يحل هذا الاشكال ويرده بأن المؤمن إذا مات يرى الله تعالى وهو لا يموت والواحد منهم يموت في كل يوم سبعين مرة.
انتهى.
وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي - رحمه الله تعالى - في (روض الرياحين) والشيخ صفي الدين بن أبي المنصور في (رسالته) قال الشيخ الكبير قدوة الشيوخ العارفين وبركة أهل زمانه أبو عبد الله القرشي لما جاء الغلاء الكبير الى ديار مصر توجهت لان أدعو فقيل لي لا تدع فما يسمع لاحد منكم في الامر دعاء فسافرت الى الشام فلما وصلت الى قريب ضريح الخليل - عليه الصلاة والسلام - تلقاني الخليل، فقلت يا رسول الله: اجعل ضيافتي عندك الدعاء لاهل مصر فدعا لهم ففرج الله تعالى عنهم.
قال اليافعي: وقوله: (تلقاني الخليل) قول حق لا ينكره الا جاهل بمعرفة ما يرد عليهم من الاحوال التي يشاهدون فيها ملكوت السماوات والارض وينظرون الانبياء أحياء غير(10/466)
أموات كما نظر النبي صلى الله عليه وسلم الى موسى في الارض، ونظره أيضا هو وجماعة من الانبياء في السماوات وسمع منهم مخاطبات وقد تقرر أن ما جاز للانبياء معجزة جاز للاولياء كرامة بشرط عدم التحدي.
قال الشيخ سراج الدين بن الملقن في (طبقات الاولياء) في ترجمة الشيخ خليفة النهر ملكي: كان كثير الرؤية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقظة ومناما فكان يقال: ان أكثر أفعاله متلقاة منه بأمر منه اما يقظة، واما مناما، ورآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة قال له في احداهن: يا خليفة لا تضجر مني، كثير من الاولياء مات بحسرة رؤيتي، وقال الكمال الادفوي في (الطالع السعيد) في ترجمة الصفي أبي عبد الله محمد بن يحيى الاسواني نزيل أخميم من أصحاب أبي يحيى بن شافع: كان مشهورا بالصلاح وله مكاشفات وكرامات كتب عنه ابن دقيق العيد، وابن النعمان، والقطب العسقلاني، وكان يذكر انه يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويتمتع به.
وقال الشيخ عبد الغفار بن نوح في كتابه الوحيد من أصحاب الشيخ أبي يحيى أبو عبد الله الاسواني المقيم بأخميم كان يخبر أنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ساعة حتى لا تكاد ساعة الا ويخبر عنه.
وقال فيه أيضا: كان للشيخ أبو العباس المرسي وصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه السلام ويجاوبه إذا تحدث معه.
وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله: في (لطائف المنن في مناقب أبي العباس وشيخه ابي الحسن) قال رجل للشيخ ابي العباس المرسي: يا سيدي، صافحني بكفك هذه فانك لقيت رجالا وبلادا فقال: والله ما صافحت بكفي هذه الا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الشيخ: لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين.
وفي معجم الشيخ برهان الدين البقاعي - رحمه الله تعالى - قال: حدثني الامام أبو الفضل بن أبي الفضيل النويري أن السيد نور الدين الايجي والد الشريف عفيف الدين لما ورد
الى الروضة الشريفة وقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سمع من كان بحضرته قائلا يقول من القبر: وعليك السلام يا ولدي.
قال الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخه: أخبرني أبو أحمد داود بن علي بن محمد بن هبة الله بن المسلمة: أنا أبو الفرج المبارك بن عبد الله بن محمد بن النقور قال: حكى شيخنا أبو نصر عبد الواحد بن عبد الملك بن محمد بن أبي سعد الصوفي الكرخي قال: حججت وزرت النبي صلى الله عليه وسلم فبينا أنا جالس عند الحجرة إذ دخل الشيخ أبو بكر الديار بكري ووقف بازاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فسمعت صوتا من داخل الحجرة وعليك السلام يا أبا بكر وسمعه من حضر قال الشيخ بعد أن أورد حكايات(10/467)
كثيرة من ذلك أكثر ما تقع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بالقلب ثم يترقى الى أن يرى بالبصر وقد تقدم الامر أن في كلام القاضي أبي بكر بن العربي لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض، وانما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته الا من باشر وهل الرؤية لذات المصطفى صلى الله عليه وسلم بجسمه وروحه أو لمثاله ؟ الذين رأيتهم من أرباب الاحوال يقولون بالثاني وبه صرح الغزالي فذكر كلامه السابق أولا، قال: فصل القاضي أبو بكر بن العربي فقال رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصفته المعلومة ادراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته ادراك للمثال، وهذا الذي قاله في غاية الحسن ولا يمتنع رؤية ذاته الشريف بجسده وروحه وذلك لانه صلى الله عليه وسلم وسائر الانبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم كما سيأتي بيان ذلك في باب حياته في قبره صلى الله عليه وسلم وذكر الوفاة ثم قال الشيخ فان قال قائل يلزم على هذا اثبات الصحبة لمن رآه ؟.
والجواب أن ذلك ليس بلازم أما ان قلنا بأن المرئي المثال فواضح، لان الصحبة انما ثبتت برؤية ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم جسدا وروحا، وان قلنا: المرئي الذات فشرط الصحبة أن يراه في عالم الملكوت وهذه الرؤية لا تثبت صحبته ويؤيد ذلك أن الاحاديث وردت بأن جميع أمته
عرضوا عليه فرآهم ورأوه، ولم تثبت الصحبة للجميع، لانها رؤية في عالم الملكوت فلا تقيد الصحبة، والحاصل مما تقدم من الاجوبة ستة.
أحدها: التشبيه والتمثيل دل عليه قوله في الرواية الاخرى (فكأنما رآني في اليقظة).
ثانيهما: ان معناه سيراني في اليقظة وتأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير.
ثالثها: أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه.
رابعها: المراد أنه يراه في المرآة التي كانت له ان أمكنه ذلك وهو أبعد المحامل كما قال الحافظ.
خامسها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه حينئذ من لم يره في المنام.
سادسها: يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه، وقال القرطبي: قد تقرر ان الذي يرى في المنام أمثلة للمرئيات لا أنفسها: غير أن الامثلة تارة تقع مطابقة وتارة يقع معناها، فمن الأول رؤياه صلى الله عليه وسلم لعائشة وفيه (فإذا هي أتت) فأخبر أنه رأى في اليقظة ما رآه في نومه بعينه.
ومن الثاني: رؤيا البقر التي تخر المذكورة في قصة أحد، والمقصود بالثاني التنبيه على معاني تلك الامور.
ومن فوائد رؤيته - صلى الله عليه وسلم - تسكين شوق الرائي لكونه صادقا في محبته ليعمل على مشاهدته والى تلك الاشارة(10/468)
بقوله (فيراني في اليقظة) أي أن من رآني رؤية معظم لحرمتي ومشتاق الى مشاهدتي، وصل الى رؤية محبوبه، وظفر بكل مطلوبه، قال: ويجوز أن يكون مقصود تلك الرؤيا معنى صورته وهو دينه وشريعته فيعبر بحسب ما يراه الرائي من زيادة أو نقصان أو اساءة أو احسان قال الحافظ: وهذا جواب سابع، والذي قبله لم يظهر لي فان ظهر فهو ثامن.
التنبيه الثاني
قال الزركشي في (الخادم): قال العلماء انما يصح رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لاحد رجلين: أحدهما: صحابي فرآه فعلم صفته (1) فانطبع في نفسه مثاله، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان.
وثانيهما: رجل تكررت عليه صفاته صلى الله عليه وسلم المنقولة في الكتب حتى انطبعت صفاته في نفسه ومثاله المعصوم كما حصل ذلك لمن شاهده، ورآه، فإذا رآه جزم برؤية مثاله صلى الله عليه وسلم كما جزم به من رآه وأما غير هذين فلا يحصل الجزم بل يجوز أن يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم بمثاله ويحتمل أن يكون من تخيل الشيطان، ولا يفيده قوله للذي رآه أنا رسول الله ولا قول من يحضر معه، ذكر ذلك القرافي في كتاب (القواعد) وأخذ بعض ذلك من كلام شيخه ابن عبد السلام قال: فإذا تقرر هذا فكيف يقولون ان الذي رآه شيخا أو شابا أو أسود أو أبيض الى غير ذلك من الصفات.
والجواب أن هذه صفات الرائين وأحوالهم تظهر فيه وهو كالمراد له قلت لبعض مشايخي فكيف يبقى المثال مع هذه الاحوال المعتادة (2) فقال لي لو كان لك أب شاب فغبت عنه ثم جئته فوجدته شيخا أو أصابه يرقان فاصفر أو اسود أو غير ذلك، أكنت تشك أنه أبوك ؟ قلت لا، قال: ما ذاك الا لما ثبت في نفسك مثاله المتقدم عندك فذلك ثبت عنده حال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا لا يشك فيه مع عروض هذه الاحوال، فإذا صح له وانضبط فالسواد يدل على ظلم الرائي، والعمى يدل على عدم ايمانه، لانه ادرك ذهب الى غير ذلك.
الثالث: قال في أصل الروضة: لا يعمل بما يسمعه منه الرائي صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بالاحكام لعدم ضبط الرائي (3) لا الشك في الرؤية فان الخبر لا يقبل الا من ضابط مكلف والنائم بخلافه وذكر نحوه ابن الصلاح في فتاويه وقال: ليس ذلك لعدم الوثوق بالمرئي بل من جهة عدم الوثوق بضبط الرائي وأن حالة النوم حالة غفلة وبطلان القوة الحافظة لما يجري في النوم على التفصيل.
انتهى.
* هامش *
(1) في ج X صفاته.
(2) سقط في ج.
X (3) سقط في ج) * (.
X(10/469)
وبذلك جزم القاضي الحسين في فتاويه، ونقل القاضي عياض الاجماع عليه.
قال النووي - رحمه الله تعالى - أما إذا رآه يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده الى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل به على وقفة، لان ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل ما تقرر من أصل ذلك.
فائدة: نقل الزركشي عن الشيخ عز الدين بن خطيب الاشموني قال: أخبرني والدي أن انسانا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له: اذهب الى موضع كذا وخذ منه ما فيه من ركاز ولا خمس عليك فيه وأنه توجه إليه فوجده كما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استفتى الفقهاء بدمشق فكلهم أفتاه بعدم الوجوب، وقالوا قد ظهرت دلائل صدق الرؤيا والشيطان ممنوع من التمثيل بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: وأفتاه شيخنا الشيخ عز الدين بن عبد السلام بوجوب الخمس عليه، واستدل على ذلك بأن طريق رفع القواعد النسخ فلا نسخ بعد انقطاع الوحي بموته صلى الله عليه وسلم قال: ثم اني حكيت هذه الحكاية لشيخنا الشيخ تقي الدين القشيري بن دقيق العيد فصدق روايتها وزاد على ذلك أن الشيخ عز الدين انما كان يرى ذلك من باب الترجيح على تقدير صدق المنام قال: وأظن انه أراد الترجيح أن رواية الجمهور وجوب الخمس أيضا ورواية هذا شاذة في منام انتهى.
السابعة والعشرون: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.
روى الشيخان عن صفوان بن يعلى بن أمية أن رجلا جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمخا بالطيب فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي ثم سرى عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أين الذي سأل
عن العمرة آنفا) فالتمس الرجل فأتى به فقال: (أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك).
روى البيهقي عن ابن عمر - رضي الله عنه - سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ال بقاع خير ؟ قال: لا أدري، قال: أي البقاع شر ؟ قال: لا أدري.
فأتاه جبريل فقال: (يا جبريل أي البقاع خير، وأي البقاع شر ؟) قال: لا أدري.
قال: (سل ربك) فانتفض جبريل انتفاضة كاد النبي صلى الله عليه وسلم يصعق منها فقال: ما أسأله عن شئ فقال الله - عز وجل - لجبريل: سألك محمد أي البقاع خير فقلت: له لا أدري فأي البقاع شر فقلت: لا أدري فاخبره أن خير البقاع المساجد وأن شر البقاع الاسواق.
الثامنة والعشرون: وبزيادة الوعك عليه لزيادة الاجر له صلى الله عليه وسلم، وسيأتي بيان ذلك في الوفاة.
التاسعة والعشرون: وبأن ابطه لم يعهد له شعر ولم يكن له رائحة كريهة لما تقدم في باب صفاته الحسية صلى الله عليه وسلم.(10/470)
تنبيه: قال الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي في (شرح تقريب والده) وذكر بعض الشافعية أنه لم ير مكشوفا...وقال الاسنوي أن بياض الابط من خواصه صلى الله عليه وسلم فورد التعبير بذلك في حقه فأطلق في حقه غيره، وأما ابط غيره فأسود لما فيه من الشعر.
قال أبو زرعة: وما ادعاه من كون هذه من الخصائص فيه نظر إذ لم يثبت ذلك بوجه من الوجوه بل لم يرد ذلك في شئ من الكتب المعتمدة، والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا يلزم من ذكر السن وغيره بياض ابطه، ان لا يكون له شعر فان الشعر إذا نتف يبقى المكان أبيض وان بقي فيه آثار الشعر، ولذلك ورد في حديث عبد الله بن أقزم الخزاعي أنه صلى الله عليه وسلم
صلى معه فقال: كنت أنظر الى عفرة ابطيه إذا سجد.
رواه الترمذي وحسنه.
ويؤيده ما في الصحيحين في رواية أخرى حتى رأيت عفرة ابطيه.
والعفرة هي البياض المشوب مأخوذ من عفر الارض وناقة عفراء ليست بخالصة البياض وهذا يدل على أن آثار الشعر هو الذي جعل المكان أعفر والا فلو كان خاليا من نبات الشعر جملة لم يكن أعفر واطلاق بياض الابطين في حقه غيره صلى الله عليه وسلم موجود في كلام جمع من الفقهاء، ولا انكار فيه، لان الابط لا تناله الشمس في السفر والحضر فتغير لونه كسائر الجسد الذي يبدو للشخص، نعم الذي يعتقد فيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لابطه رائحة كريهة بل كان نظيفا.
الثلاثون: بأنه صلى الله عليه وسلم كان لا ينزل عليه الذباب ذكره السبتي في مولده وابن سبع رضي الله عنه.
الحادية والثلاثون: وبأن القمل لم يكن يؤذيه تعظيما له ذكره ابن سبع وقد تشكل على ذلك ما رواه الامام أحمد وصححه ابن حبان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته...الحديث ولازم ذلك التفالي وجود شئ يؤذيه في الجملة اما قملا أو برغوثا ونحو ذلك.
قال الحضري: ويحتمل أن يكون التفلي لاستقذار وجوده ولو لم يحصل منه أذى في حقه صلى الله عليه وسلم لان وجوده في الثوب والبدن مستقذر.
الثانية والثلاثون: وبأنه كان يرى في الثريا أحد عشر نجما ذكره القاضي والقرطبي وذكر السهيلي أنه كان يرى اثنا عشر نجما وقد تقدم ذلك في أوائل الكتاب.
الثالثة والثلاثون: وبأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا وقد تقدم بيان ذلك في أبواب المولد، وفي(10/471)
ادخال هذه الخصائص نظر فقد تقدم أن جماعة من الانبياء ولدوا كذلك وجماعة من هذه الامة حتى في عصرنا أخبر بعضهم بأنه ولد مختونا.
الرابعة والثلاثون: وبأنه يدعي له بلفظ الصلاة فلا يقال - رحمه الله - لدلالة لفظ الصلاة على معنى التعظيم ولا يشعر به لفظ الترحم.
قال أبو عمرو: ولا يجوز لاحد إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول - رحمه الله -، لانه قال: (من صلى علي) ولم يقل من ترحم علي ولا من دعا لي وان كان معنى الصلاة الرحمة ولكنه خص بهذا اللفظ تعظيما له فلا يعدل عنه الى غيره، ويؤيده قوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) (النور / 63).
قال الحافظ: وهو بحث حسن وقد ذكر نحو ذلك القاضي أبو بكر بن العربي من المالكية والصيدلاني من الشافعية.
قال شيخنا في شرح السنن: ولا يرد عليه بما كان يقوله صلى الله عليه وسلم بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني) لان هذا سبق للتشريع، وتعليم الامة كيف يقولون في هذا المحكي من الصلاة مع ما فيه من تواضعه صلى الله عليه وسلم لربه وأما نحن فلا ندعو له الا بلفظ الصلاة التي أمرنا أن ندعو له بها لما فيها من التفخيم والتعظيم اللائق بمنصبه الشريف صلى الله عليه وسلم وذكر أنه ألف في المسألة جزءا لم أره، وقال أبو القاسم الانصاري شارح (الارشاد) يجوز ذلك مضافا للصلاة ولا يجوز مفردا، وفي (الذخيرة البرهانية) من كتب الحنفية عن محمد يكره ذلك لايهامه النقص، لان الرحمة انما تكون لفعل ما يلام عليه قلت: وما قاله الانصاري هو الحق.
الخامسة والثلاثون: وبأن الله - سبحانه وتعالى - أعطى ملكا من الملائكة أسماع الخلائق قائما على قبره صلى الله عليه وسلم يبلغه صلاة أمته صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيان ذلك في باب الصلاة عليه ولم ينقل حصول ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم انتهى.
السادسة والثلاثون: وبأن كل موضع صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبط موقفه فهو نص بيقين لا يجوز الاجتهاد فيه بيامن ولا تياسر فيه بخلاف بقية المحاريب انتهى.
السابعة والثلاثون: وبأن الانبياء - عليهم الصلاة والسلام - لا يتثاءبون كما رواه البخاري في تاريخه الكبير عن مسلمة بن عبد الملك.
تنبيه:
قال ثابت السرقطي في (دلائله) وغيره من أئمة اللغة: صواب هذا اللفظ تثأب مشددة الهمزة، ولا يقال تثاءب.
الثامنة والثلاثون: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتمطى، لانه من عمل الشيطان قاله ابن سبع.(10/472)
التاسعة والثلاثون: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرى له ظل كما في الضوء وقد تقدم بيان ذلك.
الاربعون: وبأن الارض كانت تبتلع ما يخرج منه من الغائط، فلا يظهر له أثر ويفوح كذلك رائحة طيبة وكذلك الانبياء - عليهم الصلاة والسلام -.
روى ابن سعد أنبأنا اسماعيل بن أبان الوراق، أنبأنا عتبة بن عبد الرحمن القشيري عن محمد بن زاذان عن أم سعد عن عائشة ورجاله ثقات الا محمد بن زاذان فينظر حاله والدار قطني في (الافراد) أنبأنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن محمد الباهلي النعماني، أنبأنا محمد بن حسان الاموي، أنبأنا عبيدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
روى ابن سعد، أنبأنا اسماعيل بن أبان الوراق، نا عنبسة بن عبد الرحمن القشيري عن محمد بن زاذان عن أم سعد عن عائشة - ورجاله ثقات الا محمد بن زاذان فينظر حاله قال البخاري يكتب حديثه والدار قطني في (الافراد) أنبأنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن محمد الباهلي النعماني، أنبأنا محمد بن حسان الاموي ثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال الحافظ بن دحية في (خصائصه) ثابت وهو أقوى طرق الحديث، ومحمد بن حسان بغدادي ثقة صالح وعبدة من رجال الشيخين والحاكم في المستدرك أخبرني مخلد بن جعفر حدثنا محمد بن جرير ثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ثنا ابراهيم بن سعد ثنا المنهال بن عبيد الله عمن ذكره عن ليلى مولاة عائشة - رضي الله تعالى عنها - وابو نعيم ثنا محمد بن ابراهيم ثنا علي بن أحمد بن سليمان المصري ثنا زكريا بن يحيى البلخي حدثنا شهاب بن معمر العوفي حدثنا عبد الكريم الخزاز حدثنا أبو عبد الله المدني عن ليلى مولاة عائشة والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن ابراهيم الشافعي أخبرنا
أبو بلال ومحمد بن عبد العزيز الكلاني أخبرنا كثير بن محمد ثنا أبو الحسن بن الفراء أخبرنا أرطأة بن قيس بن الربيع الاسدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - والسدي أخبرنا زيد بن اسماعيل الصائغ أخبرنا الحسين بن علوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قلت يارسول الله انك تدخل الخلاء فإذا خرجت دخلت أثرك فما أرى شيئا.
وفي لفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء ثم خرج دخلت بعده فلا أجد رائحة الا أنني أجد ريح الطيب قالت فذكرت ذلك له وفي لفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المخرج دخلنا بعده فلا نرى أثر غائط ونجد رائحة الموضع رائحة الطيب وفي لفظ: إذا دخل الخلاء ثم خرج دخلت بعده فلا أجد شيئا الا أني أجد ريح الطيب.
قالت فذكرت ذلك له.
وفي لفظ: قالت: قلت يارسول الله تأتي الخلاء فلا نرى منك شيئا من الاذى، وفي لفظ: قالت(10/473)
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته فلم أر شيئا ووجدت ريح المسك فقلت: يا رسول الله اني لم أر شيئا فقلت: يا رسول الله: إذا دخلت لتتوضأ دخلنا بعدك فلا نجد أثر غائط ونجد رائحة الموضع رائحة الطيب فقال: (أو ما علمت يا عائشة بأن الارض تبتلع ما يخرج من الانبياء ولا يرى منه شئ) وفي لفظ: (فلأن الارض أمرت أن تبتلعه منا معاشر الانبياء وفيى لفظ: نبتت على أجسادنا على أرواح الجنة فما خرج منا من شئ تبلعه الارض).
في لفظ: (أما علمت أنا معاشر الانبياء نبتت أجسادنا على أرواح الجنة فما خرج منا من شئ ابتلعته الارض يا عائشة).
وفي لفظ: (انا معاشر الانبياء إذا تورطنا في بقعة أمر الله تعالى الارض فابتلعته وحول الموضع رائحة الطيب) كذا وقع تروطنا قال أبو الحسن بن الضحاك وأظنه والله تعالى أعلم تغوطنا.
روى الخطيب في (رواة مالك) نحوه عن جابر بن عبد الله الانصاري - رضي الله تعالى عنه - ولفظه: حدثنا أبو يعلى محمد بن علي الواسطي، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عليى الجرجاني، حدثنا اسحاق بن الصلت، أخبرنا مالك بن أنس، أخبرنا أبو الزبير
المكي، حدثنا جابر بن عبد الله الانصاري قال: رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء لو لم يأت بالقرآن لامنت به تصحرنا في جبانة تنقطع الطرق دونها فذكر الحديث وفيه فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبادرته بالماء وقلت لعل الله أن يطلعني على ما خرج من جوفه فآكله فرأيت الارض بيضاء فقلت: يا رسول الله: أما كنت توضأت ؟ قال: (بل، ولكنا معشر الانبياء أمرت الارض أن تواري ما يخرج منا من الغائط والبول) وذكر الحديث.
فقال أبو الحسن بن الضحاك: حدثنا أبو القاسم محمد بن العاص حدثنا عبد الله بن فرج الزاهد، حدثنا أبو جعفر بن محمد قال: أنبأنا ابن محمد بن يحيى قال: (1) أنبأنا أبو سعيد الفضل بن محمد بن ابراهيم، حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد، أخبرنا علي بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال: بلغنا انه لم يوجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجيع من الخلاء قط.
ورواه الحكم الترمذي عن ذكوان وهذه الطرق إذا ضم بعضها الى بعض أدت الى قوة الحديث وقد رواه البيهقي من طريق الحسين بن علوان عن هشام بن عروة وقال هذا من موضوعات ابن علوان وقد علمت مما تقدم أن ابن علوان لم ينفرد به بل تابعه عبدة بن سليمان وسئل الحافظ عبد الغني - رحمه الله تعالى - عما كان يخرج منه صلى الله عليه وسلم فقال: روى ذلك من وجه غريب والظاهر يؤيده فانه لم يذكر أحد من الصحابة أنه رآه ولا ذكره، وأما البول فقد شاهد غير واحد، وشربته أم أيمن - رضي الله عنها -.
* هامش * (1) سقط في ج) * (X(10/474)
الحادية والاربعون: وبأن الامام لا يكون بعده الا واحدا ولم يكن الانبياء قبله كذلك قاله ابن سراقة.
الثانية والاربعون: وبأن الله تبارك وتعالى بدأ بالعفو قبل التأنيب والمخاطبة قبل أن
يعرف الذنب، فقال - جل وعلا -: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) (التوبة / 43) أي لاي شئ أذنت لهم لانك لو لم تأذن لهم عن الخروج معك وعند قعودهم عنك بعد نهيك لهم تبين لك صدقهم من كذبهم، لانهم لا يخرجون معك بكل حال.
قال الحسين بن منصور الاصطخري: الانبياء يؤمنون على مقاديرهم واختلاف مقاماتهم فمنهم من نبه ثم أنسيه ولو لم ينه بعد التأنيب لتفطن كما قال نوح - عليه السلام - (انه ليس من أهلك) (هود / 346).
ومنهم من أنسيه ثم نبه ليفطن لقريه منه، وذلك انه - سبحانه وتعالى - أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سورة النور أن يأذن لمن شاء منهم بقوله (فأذن لمن شئت منهم) (النور / 62) وقال في سورة التوبة مرتين له عن ذلك: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) (التوبة / 43) فلو قال: لم أذنت لهم عفا الله عنك لاذنب وهذا ليس يذنب ولكن بالاضافة الى الشرف ومقام الترقيات تقدم العفو عنه وقدره ورفع محله بالدعاء له كما يقال الكريم عفا الله عنك بما صنعت وقيل: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة.
الثالثة والاربعون: وبأنه من تكلم في عهده صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بطلت صلاته.
الرابعة والاربعون: وبأنه لا يجوز لاحد الخروج عن مجلسه صلى الله عليه وسلم الا باذنه قال الله تعالى: (انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) (النور / 62)، الاية.
وروى ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان - رضي الله تعالى عنه - قال كان لا يصح للرجل ان يخرجمن السمجد الا باذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بعدما يأخذ في الخطبة، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار باصبعه الى النبي صلى الله عليه وسلم فيأذن لهم من غير أن يتكلم الرجل منهم، وكان إذا تكلم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بطلت جمعته.
الخامسة والاربعون: وبمبالغته صلى الله عليه وسلم في الادب مع ربه - عز وجل - في حال سروره وغضبه.
قال ابن دحية: ألا ترى الى قوله تعالى حكاية عن موسى صلى الله عليه وسلم في قوله حالة شدة خوفه (ان معي ربي سيهدين) (الشعراء / 62) فقدم اسمه على اسم ربه فلذلك أشركت أمته بالعجل، وأما النبي فانه في شدته قال لابي بكر وهما في الغار: (لا تحزن ان الله معنا) (التوبة / 40) فقدم اسم ربه على اسمه فعصمت أمته من الشرك، وأنزلت السكينة في قلوبهم، السكينة(10/475)
فعيلة.
من سكن يسكن سكونا وهو خلاف الاضطراب والحركة.
السادسة والاربعون: بوجوب تقديمه على النفوس فلا يتم الايمان الا بمحبته قال الله - سبحانه وتعالى - (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (الاحزاب / 6) أي أحق وقدمه تعالى في القرآن على الاباء والابناء والاخوة والازواج والعشائر والاموال قال تعالى: (قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (التوبة / 24).
وعن عمر - رضي الله تعالى عنه - انه قال يا رسول الله، لانت أحب الي من كل شئ الا نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا والذي نفسي بيده لا تكون مؤمنا حتى أكون أحب اليك من نفسك)، فقال عمر: والله لانت أحب الي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الان يا عمر، أنت مؤمن)، وعن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) ورواه البخاري.
قال أبو الزناد - رضي الله تعالى عنه - هذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم، لانه قد جمع في هذه الالفاظ اليسيرة معاني كثيرة لان أقسام المحبة ثلاثة: محبة اجلال وعظمة كمحبة الوالد لولده ومحبة رحمة وشفقة كمحبة الولد، ومحبة استحسان ومشاركة كمحبة سائر الناس، فحصر النبي صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في هذا اللفظ اليسير، ومعنى الحديث والله تعالى أعلم أن من استطعم الايمان علم أن فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله أكبر من حق ابنه وأبيه والناس أجمعين لان النبي صلى الله عليه وسلم
استنقذ الله به أمته وهداهم من الضلال، والمراد من هذا الحديث بذل النفوس دونه.
وقال الكسائي في قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) (الانفال / 64) أي حسبك الله ناصرا وكافيا وحسبك من اتبعك من المؤمنين ببذل أنفسهم دونك.
السابعة والاربعون: وبأنه لا يدخل الايمان في قلب رجل حتى يحب أهل بيته، روى ابن ماجه والحاكم والطبراني عن العباس - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت يا رسول الله: اني رأيت قوما يتحدثون فلما رأوني سكتوا، وما ذاك الا أنهم استحلوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو قد فعلوها، والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحبكم، أتحبون أن تدخلوا الجنة بشفاعتي ولا تبرحوها من عبد المطلب).
الثامنة والاربعون: وبأنه شانيه أبتر - أي مقطوع البركة والنسل، قال الله سبحانه وتعالى: (انا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ان شانئك هو الابتر) (الكوثر / 1 - 3).
ونقل ابن(10/476)
اسحاق وابن عقبة في سبب نزول هذه السورة عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوه فانما هو رجل أبتر لا عقب له لو هلك استرحتم منه فنزلت.
وقيل: نزلت في أبي جهل.
وقيل غير ذلك فان قيل إذا كان المستنقص هو الابتر الذي لا ولد له كيف يستقيم ذلك في العاص بن وائل فانه ذو ولد وعقب ؟ فكيف يثبت له البتر وانقطاع الولد.
فالجواب ان العاص وان كان ذا ولد فقد انقطعت العصمة بينه وبينهم فليسوا باتباع له، لان الاسلام قد حجزهم عنه فلا يرثهم ولا يرثونه فهم أتباع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال السهيلي قوله - عز وجل -: (ان شانئك هو الابتر) (الكوثر / 3) ولم يقل شانئك الابتر ليضمن اختصاصه بهذا الوصف كما هو في مثل هذا الموضع يعطي الاختصاص مثل
قول القائل ان زيدا فاسق فلا يكون مخصوصا بهذا الوصف دون غيره فإذا قلت ان يزيدا هو الفاسق لا الذي زعمت فدل ان الحصر من يزعم غير ذلك وهكذا قال الجرجاني وغيره في تفسيرها هو أن يعطي الاختصاص وكذلك قالوا في قوله تعالى: (وأنه هو أغنى وأبقى) (النجم / 48).
ولما كان العباد يتوهمون ان غير الله قد يغنى قال هو أغنى وأبقى لا غيره.
التاسعة والاربعون: (وبأنه لا يدخل النار من تزوجت إليه أو تزوج الي) فحرمه الله على النار وسلم كما رواه ابن عساكر من طريق الحارث عن علي مرفوعا والحاكم نحوه عن ابن أبي أوفى والحارث نحوه عن ابن عمر.
الخمسون: وبأنه صلى الله عليه وسلم منزه عن فعل المكروه.
قال القاضي تاج الدين بن السبكي في (جمع الجوامع): وفعله غير محرم للعصمة وغير مكروه للنزاهة وما فعله مما هو مكروه في حقنا فانما فعله بيان الجواز، فهو في حقه واجب للتبليغ، أو فضيلة ويثاب عليه ثواب واجب أو فاضل.
والله تعالى أعلم.
الحادية والخمسون: وبأن رؤياه وحي.
الثانية والخمسون: وبأن ما رآه فهو حق وكذلك الانبياء صلى الله عليه وسلم انتهى.
روى الطبراني عن معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنهما - في قوله تعالى: (اني رأيت أحد عشر كوكبا) (يوسف / 4) قال رؤيا الانبياء وحي.(10/477)
الثالثة والخمسون: وبفضيلة الصلاة قلت لم أفهم ما المراد بذلك ان كان صلاة الله عليه فقد تقدم في آخر الفصل الأول من الباب الأول وان كان صلاته على غيره وهو الظاهر فقد تقدم في الفصل الثالث من هذا الباب.
الرابعة والخمسون: قيل وبأن ما له باق على ملكه لينفق منه على أهله وصححه امام الحرمين.
الخامسة والخمسون: وبأنه صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه يجب على كل أحد الخروج معه
لقوله تعالى: (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) (التوبة / 120) ولم يبق هذا الحكم مع غيره من الخلفاء - رضي الله تعالى عنهم - قاله قتادة.
السادسة والخمسون: قيل وبأن الجهاد كان في عهده صلى الله عليه وسلم فرض عين وهو بعده من فروض الكفايات.
السابعة والخمسون: وبأنه صلى الله عليه وسلم أبو الرجال والنساء نقله في (زوائد الروضة) عن البغوي.
وقال الواحدي قال بعض الاصحاب لا يجوز أن يقال أبو المؤمنين أي في الحرمة لقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) (الاحزاب / 40) قال ونص الشافعي - رحمه الله تعالى - على أنه أبو المؤمنين أي في الحرمة، ومعنى الاية ليس أحد من رجالكم ولده من الصلب.
الثامنة والخمسون: وباباحة الجلوس لاله وأزواجه في المسجد مع الجنابة والحيض وقد تقدم بيان ذلك في المسألة الاولى من الفصل الثالث انتهى.
التاسعة والخمسون: وبوجوب الاستماع والانصاب لقرآنه إذا قرئ في الصلاة الجهرية.
الستون: وعند نزول الوحي.
الحادية والستون: قيل وبأن الامر بالتفسح في المجلس خاص بمجلسه صلى الله عليه وسلم قاله مجاهد.
الثانية والستون: وبأن من ضحك في الصلاة خلفه أعاد الوضوء وليس على من ضحك في الصلاة خلف امام غيره اعادة وضوءه.
قاله: جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه -.
الثالثة والستون: وبأن من كذب عليه لم تقبل روايته أبدا وان تاب.
الرابعة والستون: وبأنه صلى الله عليه وسلم والانبياء معصومون من كل ذنب ولو صغيرا أو سهوا.(10/478)
الخامسة والستون: وبأن من تمنى موته وكذا الانبياء كفر.
قاله المحاملي في الاوسط ورتب عليه تحريم ارثهم لئلا يتمناه ورثته فيكفروا وقال غيره، ولذا لم يشب شعره، لان النساء يكرهن الشيب ولو وقع ذلك في أنفسهم كفرن فعصم من ذلك رفقا بهن، قلت: وقد تقدم الكلام على شيبته في الكتاب.
السادسة والستون: وقيل بأن من قذف ازواجه صلى الله عليه وسلم فلا توبة له البتة كما قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -.
وقيل: يختص القتل بمن سب عائشة (رضي الله عنها) فيحد في غيرها حدين.
الثامنة والستون: وبأن من قذف أم أحد من الصحابة يحد حدين.
التاسعة والستون: وبأن من قذف آمنة قتل مسلما كان أو كافرا.
قاله الشيخ موفق الدين بن قدامة الحنبلي في (المقنع).
السبعون: وبأنه لم تبغ امرأة نبي قط.
الحادية والسبعون: وقيل باختصاص صلاة الخوف بعهده، لان امامته لا عوض لها بخلاف غيره.
قاله أبو يوسف، والمزني.
الثانية والسبعون: وبأنه يحرم النقش على نقش خاتمه فليس لاحد أن ينقش على نقش خاتمه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالثة والسبعون: وبأنه لا يقول في المرض والغضب الا حقا.
الرابعة والسبعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليه العمى وكذا الانبياء فيما ذكره السبكي.
الخامسة والسبعون: وبأنهم منزهون عن النقائص في الخلق والخلق سالمون من العاهات، والمعايب، ولا التفات الى ما يقع في بعض التواريخ من اضافة العاهات الى بعضهم بل منزهون من كل عيب وكل ما ينقص العيون أو ينفر القلوب.
قاله القاضي.
السادسة والسبعون: وبأنه يخص من شاء بما شاء كجعله شهادة خزيمة بشهادتين.
السابعة والسبعون: قيل: وبأنه كان يقال له بأبي أنت وأمي ولا يقال ذلك لغيره فيما
ذكره بعضهم (1).
الثامنة والسبعون: وبأنه كان يرى بالليل وفي الظلمة كما يرى بالنهار وفي الضوء.
* هامش * (1) سقط في ج) * (.
X(10/479)
التاسعة والسبعون: وبأن ريقه صلى الله عليه وسلم يعذب الماء المالح.
الثمانون: وبأنه يجزي الرضيع.
الحادية والثمانون: وبأنه يبلغ صوته وسمعه مالا يسمعه غيره صلى الله عليه وسلم.
الثانية والثمانون: وبأن رائحة عرقه صلى الله عليه وسلم أطيب من المسك.
الثالثة والثمانون: وبأنه كان إذا مشى مع الطويل طال.
الرابعة والثمانون: وبأنه صلى الله عليه وسلم يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين.
الخامسة والثمانون: وبأن ظله صلى الله عليه وسلم لم يقع على الارض.
السادسة والثمانون: ولا يرى له ظل في شمس ولا قمر قال ابن سبع: لانه صلى الله عليه وسلم كان نورا، تقدم بيان ذلك في أبواب صفاته وبعضها في أبواب المعجزات.
السابعة والثمانون: وبأنه صلى الله عليه وسلم إذا ركب دابته لا تبول ولا تروث وهو راكبها.
نقل ذلك عن ابن اسحاق، وبنى عليه بعض المتأخرين طوافه صلى الله عليه وسلم على بعيره فجعله من خصائصه ولم يجز ذلك لغيره.
الثامنة والثمانون: وبأن وجهه كان كالشمس تجري فيه.
التاسعة والثمانون: وبأنه لم يكن لقدمه صلى الله عليه وسلم أخمص.
التسعون: قيل وبأن خنصر رجليه كانت متظافرة.
الحادية والتسعون: وبأن الارض تطوى له إذا مشى صلى الله عليه وسلم وتقدم بيان ذلك في أبواب صفاته.
الثانية والتسعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يقع في نسبه من لدن آدم سفاح قط.
الثالثة والتسعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم تقلب في الساجدين حتى خرج نبيا.
الرابعة والتسعون: وبأنه نكثت الاصنام لمولده صلى الله عليه وسلم.
الخامسة والتسعون: وبأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا ومقطوع السرة.
أخرج الطبراني في (الاوسط)، وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كرامتي على ربي اني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي).
وصححه الضياء في (المختارة)، وقال ابن سعد، عن يونس بن عطاء المكي، حدثني الحكم بن أبان العدني، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: (ولد النبي صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا وأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده).
وقال: (ليكونن(10/480)
لابني هذا شأن، فكان له شأن).
أخرجه البيهقي وابو نعيم وابن عساكر.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر من طريق عطاء، عن ابن عباس قال: (ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا مختونا).
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة: (ان النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا).
وأخرج ابن عساكر، عن ابن عمر قال: (ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا مختونا).
قال الحاكم في (المستدرك): تواترت الاحاديث انه ولد مختونا.
وفي (الوشاح) لابن دريد قال ابن الكلبي: (بلغنا عن كعب الاحبار انه قال: نجد في بعض كتبنا أن آدم خلق مختونا واثني عشر نبيا من بعده من ولده خلقوا مختتنين آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وشيث، وادريس، ونوح، وسام، ولوط، ويوسف، وموسى، وسليمان، وشعيب، ويحيى، وهود، وصالح - صلى الله عليهم أجمعين -).
السادسة والتسعون: وبأنه ما افترقت فرجة الا كان في خيرها.
السابعة والتسعون: وبأنه كان نظيفا ما به قذر.
الثامنة والتسعون: وبأنه وقع على الارض ساجدا ورافع يده الى السماء كالمتضرع المبتهل.
التاسعة والتسعون: وبأن امه رأت عند ولادته نورا خرج منها أضاء له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين.
المائة: وبأن مهده صلى الله عليه وسلم كان يتحرك بتحريك الملائكة.
الواحدة بعد المائة: وبأن القمر كان يناغيه وهو في مهده.
وأخرجه البيهقي والصابوني في (المائتين) والخطيب وابن عساكر في تاريخيهما، عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله دعاني الى الدخول في دينك امارة لنبوتك رأتك في المهد تناغي القمر وتشير إليه بأصبعك فحيث أشرت إليه مال.
قال: (اني كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجبته حين يسجد تحت العرش) قال البيهقي: تفرد به أحمد بن ابراهيم الجيلي وهو مجهول.
وقال الصابوني: هذا حديث غريب الاسناد والمتن في المعجزات حسن.
الثانية بعد المائة: وبأنه كان يميل حيث أشار إليه.
الثالثة بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم تكلم في المهد.
الرابعة بعد المائة: وبأنه لم يلد أبواه غيره.(10/481)
الخامسة بعد المائة: وبأنه كما قال بعضهم لم ترضعه مرضعة الا أسلمت.
السادسة بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم كانت تظله الغمامة في الحر وتقدم بيان ذلك في أبواب مولده صلى الله عليه وسلم.
السابعة بعد المائة: وبأنه كان يميل إليه فئ الشجرة إذا سبق إليه كما تقدم بيان ذلك في باب سفره الى الشام.
الثامنة بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم يبيت جائعا ويصبح طاعما يطعمه ربه ويسقيه من الجنة
كما تقدم بيانه في الفصل الثالث.
التاسعة بعد المائة: وبأنه عصم من الاغلال الموجبة كما ذكره القضاعي في تاريخه.
العشرة بعد المائة: وبأنه ردت إليه الروح بعدما قبض ثم خير بين البقاء في الدنيا والرجوع الى الله فاختار الرجوع الى الله وكذلك سائر الانبياء.
الحادية عشر بعد المائة: وبأنه أرسل إليه جبريل ثلاثة أيام في مرضه ليسأله كيف حاله.
الثانية عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم لما نزل إليه ملك الموت نزل معه ملك يقال له اسماعيل يسكن الهواء لم يصعد الى السماء قط ولم يهبط الى الارض قط قبل ذلك اليوم.
الثالثة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم سمع صوت ملك الموت باكيا عليه ينادي وامحمداه.
الرابعة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه.
الخامسة عشرة بعد المائة: رأى الملائكة.
السادسة عشر بعد المائة: والناس أفواجا بغير امام وقالوا: هو امامكم حيا وميتا.
السابعة عشر بعد المائة: وبغير دعاء الجنازة المعروف.
الثامنة عشر بعد المائة: وبتكرير الصلاة عليه عند، مالك وأبي حنيفة - رضي الله تعالى عنهم - قيل: وبأنه لم يصل عليه أصلا انما كان الناس يدخلون أفواجا ارسالا فيدعون وينصرفون وعلل بأنه بفضله غير محتاج الى ذلك.
التاسعة عشر بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم ترك بلا دفن ثلاثة أيام.
العشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم دفن بالليل وذلك في حق غيره مكروه عن الحسن وخلاف الاولى عند سائر العلماء.(10/482)
الحادي والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم دفن في بيته حيث قبض وكذلك الانبياء
والافضل في حق من عداهم الدفن في المقبرة.
الثانية والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم فرش له قطيفة في لحده قال وكيع: هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ويكره ذلك لغيره بالاتفاق.
الثالثة والعشرون بعد المائة: وبأنه غسل في قميصه، ويكره ذلك في حق غيره، قاله الحنفية والمالكية.
الرابع والعشرون بعد المائة: وبأن الارض أظلمت بموته ويأتي بيان ذلك كله في أبواب وفاته.
الخامس والعشرون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم لا يضغط في قبره وكذلك الانبياء وفاطمة بنت أسد كما قاله القرطبي في (التذكرة) ولم يسلم من الضغطة لا صالح ولا غيره سواهم.
السادس والعشرون بعد المائة: وبأنه تحرم الصلاة على قبره واتخاذه مسجدا.
السابع والعشرون بعد المائة: وبأنه يحرم البول عند قبره صلى الله عليه وسلم وكذلك الانبياء ويكره عند قبور غيرهم.
قاله الاوزاعي.
الثامنة والعشرون بعد المائة: وبأنه لا يبلى جسده وكذلك الانبياء لا تأكل لحومهم الارض، ولا السباع، وسيأتي بيان ذلك في أبواب الوفاة.
التاسع والعشرون بعد المائة: وبأنه لا خلاف في طهارة ميتهم وفي غيرهم خلاف.
الثلاثون بعد المائة: وبأنه لا يجري في أطفالهم الخلاف الذي لبعضهم.
الواحدة والثلاثون بعد المائة: وبأنه لا يجوز للمضطر أكل ميتة.
الثانية والثلاثون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره.
الثالثة والثلاثون بعد المائة: ويصلي فيه بآذان واقامة ولهذا قيل لا عن أزواجه، وسيأتي بيان ذلك.
الرابع والثلاثون بعد المائة: وبأن المصيبة بموته صلى الله عليه وسلم عامة.
الخامس والثلاثون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم وكل بقبره ملكان يبلغانه صلاة المسلمين عليه لامته الى يوم القيامة.
السادس والثلاثون بعد المائة: وبأن أعمال أمته تعرض صلى الله عليه وسلم عليه ويستغفر لهم، وسيأتي بيان ذلك في أبواب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.(10/483)
السابع والثلاثون بعد المائة: وبأن أول ما يرفع رؤيته في المنام والقرآن والحجر الاسود.
الثامن والثلاثون بعد المائة: وبأن قراءة أحاديثه صلى الله عليه وسلم عبادة ويثاب عليها كقراءة القرآن في احدى الروايتين.
التاسع والثلاثون بعد المائة: وبأن النار لا تأكل شيئا من سائر وجهه وكذلك الانبياء عليهم الصلاة والسلام.
الاربعون بعد المائة: وبكراهة عمل ما كتبت عليه اسمه وتقدم بيان ذلك في باب أسمائه.
الواحد والاربعون بعد المائة: وبأنه يستحب الغسل لقراءة حديثه.
الثانية والاربعون بعد المائة: والطيب.
الثالثة والاربعون بعد المائة: ولا ترفع عنده الاصوات.
الرابعة والاربعون بعد المائة: ويقرأ على مكان عال.
الخامسة والاربعون بعد المائة: ويكره لقارئه أن يقوم لاحد كما سيأتي في أبواب توقيره.
السادسة والاربعون بعد المائة: وبأن حملته لا تزال وجهوهم نضرة لقوله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله أمرأ سمع مقالتي فوعاها، فأداها الى أهلها كما سمعها) الحديث.
السابعة والاربعون بعد المائة: وبأنهم اختصوا بالحفاظ وأمر المؤمنين من بين سائر
العلماء.
الثامنة والاربعون بعد المائة: وبجعل كل حديثه صلى الله عليه وسلم على كرسي المصاحف.
التاسعة والاربعون بعد المائة: وبأن الصحبة تثبت لمن اجتمع به صلى الله عليه وسلم لحظة بخلاف التابعي مع الصحابي فلا تثبت الا بطول الاجتماع معه، على الاصح عن أهل الاصول، والفرق عظم منصب النبوة ونروها فبمجرد ما يقع بصره على الاعرابي الجلف ينطق بالحكمة.
الخمسون بعد المائة: وبأن اصحابه صلى الله عليه وسلم كلهم عدول فلا يبحث عن عدالة أحد منهم كما يبحث عن عدالة سائر الرواة.
الواحد والخمسون بعد المائة: وبأنهم لا يفسقون بارتكاب ما يفسق به غيرهم كما ذكره العراقي في شرح (جمع الجوامع).
الثانية والخمسون بعد المائة: وبأن الله تعالى أوجب الجنة والرضوان في كتابه(10/484)
لجميع أصحابه، محسنهم ومسيئهم، وشرط على من بعدهم أن يتبعوهم باحسان قاله محمد بن كعب القرظي.
الثالثة والخمسون بعد المائة: وبأنه لا يكره للنساء زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كما يكره لهن زيارة سائر القبور بل يستحب كما قال العراقي في (نكتة) أنه لا شك فيه.
انتهى.
الرابعة والخمسون بعد المائة: وبأن المصلي في مسجده لا يبصق عن يساره أي في ثوب ونحوه كما هو السنة في سائر المساجد، نبه على ذلك الشيخ كما الدين الدميري، وغيره.
الخامسة والخمسون بعد المائة: وبأن مسجده صلى الله عليه وسلم لو بني الى صنعاء لكان مسجدا وقال النووي رحمه الله تعالى في (شرح مسلم) (والمناسك) أن الصلاة انما تضاعف في المسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم دون بقية الزيادات ولم يحك غيره، لكن الخطيب وابن جملة نقل عن المحب الطبري أن المسجد المشار إليه في حديث المضاعفة هو ما كان في
زمنه صلى الله عليه وسلم مع ما زيد فيه لاخبار وآثار وردت في ذلك واستحسنه ابن جملة على ما ذهب إليه النووي من التخصيص، مع ان البرهان بن فرحون نقل في شرحه لابن الحاجب (الفرعي) أنه لم يخالف في هذه المسألة غير النووي، وان الشيخ محب الدين الطبري نقل في كتابه (الاحكام) ان النووي رجع عن ذلك، وتعجب بأن ابن الجوزي نقل عن ابن عقيل ما يوافق ما ذكره النووي في (شرح مسلم) والاقشهري في (روضته) عن ابن نافع صاحب مالك عنه ولفظه في أثناء كلام قيل له أن لمالك هذا المسجد الذي جاء فيه الخبر هل هو ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو على ما هو عليه الان ؟ قال: بل هو على ما هو عليه الان قال: لان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بما يكون بعده وزويت له الارض فرأى مشارقها ومغاربها وتحدث بما يكون بعده فحفظ ذلك من حفظه في ذلك الوقت، ونسيه من نسيه ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون المهديون أن يزيدوا فيه بحضرة أصحابه، ولم ينكره عليهم في ذلك منكر وعمدة من ذهب الى التخصيص الاشارة الى قوله (مسجدي هذا) ولعله صلى الله عليه وسلم انما جاء بها ليدفع توهم دخول سائر المساجد المنسوبة إليه بالمدينة عن غير هذا المسجد لا كاخراج ما يزيد فيه وقد سلم النووي أن المضاعفة في المسجد الحرام مع ما زيد فيه فليكن مسجد المدينة كذلك كما أشار إليه ابن تيمية قال: وهو الذي يدل عليه كلام الائمة المعتمدين وكان الامر عليه في عهد عمر، وعثمان، فان كلا منهما زاد في قبلة المسجد، وكان مقامه في الصلوات الخمس في رواية وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه ويمنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده، وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غيره.(10/485)
قال: ولم يبلغني عن أحد من السلف خلاف هذا الا أن بعض المتأخرين ذكر ان الزيادة ليست من مسجده، وما علمت له سلفا في ذلك.
انتهى.
السادسة والخمسون بعد المائة: وبأنه وكل بشقتي كل انسان ملكان يحفظان عليه
الا الصلاة عليه خاصة.
السابعة والخمسون بعد المائة: وبوجوب الصلاة عليه عندنا في التشهد الاخير.
الثامنة والخمسون بعد المائة: وكلما ذكر عند الطحاوي والحليمي لانه ليس بأقل من تشميت العاطس، وسأتي بيان ذلك في باب وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
التاسعة والخمسون بعد المائة: وبأن من صلى عليه عن الامر الذي تستقذر منه أو يضحك منه أو جعل الصلاة عليه كناية عن شتم القبر كفر، ذكره الحكيم ونقله في (الخادم).
الستون بعد المائة: وبان من حكم عليه فكان في قلبه حرج من حكمه، كفر بخلاف غيره من الحكام ذكره الاصطخري - في أدب القضاء - وابن دحية واستدل لذلك بقوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء / 65).
يقال: تشاجر القوم إذا اختلفوا يعني فيما شجر بينهم أي فيما وقع من التشاجر بينهم.
الواحد والستون بعد المائة: وبأن أهله صلى الله عليه وسلم يطلق عليهم الاشراف والواحد شريف وهم ولد علي وعقيل وجعفر والعباس كذلك مصطلح السلف وانما حدث تخصيص الشريف بولد الحسن والحسن في مصر خاصة من عهد المغازية الزاعمين انهم من ولد فاطمة - رضي الله تعالى عنها -.
الثاني والستون بعد المائة: قيل: ان ابنته لم تحض ولما ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى لا تفوتها الصلاة ولذلك سميت الزهراء، ذكره صاحب الفتاوى الظهيرية من الحنفية والمحب الطبري الشافعي، وأورد فيه حديثين أنها حوراء أدمة طاهرة مطهرة لا تحيض، ولا يرى لها دم في طمس ولا في ولادة.
انتهى.
الثالث والستون بعد المائة: وبأنها لما احتضرت غسلت نفسها، وأوصت ألا يعاد غسلها فغسلها علي.
ذكره كما رواه الامام أحمد عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبوه.
وقد روى البيهقي باسناد حسن عن أسماء بنت عميس أن فاطمة أوصت أن يغسلها علي فغسلاها، وروى ابن أبي شيبة عن أسماء بنت عميس قالت: غسلت أنا وعلي فاطمة بنت(10/486)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعقب البيهقي هذا بأن أسماء في هذا الوقت كانت عند أبي بكر الصديق، وقد ثبت أن أبا بكر لم يعلم بوفاة فاطمة - رضي الله تعالى عنها - لما في الصحيح أن عليا دفنها ليلا، ولم يعلم أبو بكر فكيف يمكن أن تغسلها زوجته وهو لا يعلم، وأجاب في (الخلافيات) باحتمال ان أبا بكر علم بذلك وأحب أن لا يرد غرض علي في كتمانه منه.
قال الحافظ: ويمكن أن يجمع بأن أبا بكر علم بذلك وظن أن عليا يدعوه لحضور دفنها، وظن علي أن يحضر من غير استدعاء منه، وقد اتضح بحديث أسماء هذا للامام أحمد وابن المنذر وفي جزمهما بذلك دليل على صحته عندهما فبطل ما رواه أنها غسلت نفسها، وأوصت ألا يعاد غسلها كما تقدم.
الرابع والستون بعد المائة: وبأن الناس كانوا لعائشة محرما فمع أيهم سافرت، سافرت مع المحرم، وليس غيرها من النساء، كذلك نقله الطحاوي في (معاني الاثار) عن الامام أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه -.
الخامسة والستون بعد المائة: وبأن شيئا من شعره سقط في النار.
السادس والستون بعد المائة: وبأنه مسح رأس أقرع فنبت شعره في وقته.
السابع والستون بعد المائة: وبأنه وضع كفه على المريض فعقل من ساعته.
الثامن والستون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم غرس نخلا فأثمرت من عامها.
التاسع والستون بعد المائة: وبأنه هز عمر فأسلم من ساعته وقد تقدم بيان ذلك في أبواب المعجزات.
السبعون بعد المائة: وبأن اصبعه المسبحة كانت أطول أصابعه وتقدم بيان بطلان ذلك في صفاته الحسية.
الواحد والسبعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم ما أشار الى شئ الا أطاعه، وتقدم في المعجزات بيان ذلك.
الثاني والسبعون بعد المائة: قيل: وبأنه ما وطئ على صخر الا وأثر فيه، وتقدم في باب طاعات الجمادات له ان ذلك لا أصل له، وان اشتهر على السنة كثير من المداح.
الثالث والسبعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم ما وطئ محلا الا وبورك فيها كما تقدم بيانه في المعجزات.
الرابع والسبعون بعد المائة: وبأنه كان إذا تبسم في الليل أضاء البيت كما تقدم بيانه في صفاته الحسية.
انتهى.(10/487)
الخامس والسبعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع خفيق أجنحة جبريل وهو يصعد سدرة المنتهى.
السادس والسبعون بعد المائة: ويشم رائحته إذا توجه بالوحي إليه ذكر ذلك رزين.
السابعة والسبعون بعد المائة: وبأنه كان المسلمون يهاجرون إليه وتقدم بيانه في أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
الثامنة والسبعون بعد المائة: وطول الصعود فيه ذكره رزين.
التاسعة والسبعون بعد المائة: بأنه حرم على الناس دخول بيته.
الثمانون بعد المائة: قيل: وبأنه لم يصل على ابنه ابراهيم.
قال بعض العلماء: لانه استغنى ببنوة ابنه عن قربة الصلاة كما استغنى الشهيد بقربة الشهادة، قاله الاسنوي في نكته ويأتي الكلام على ذلك في باب أولاده.
الواحد والثمانون بعد المائة: وبأنه صلى يوما على أهل أحد صلاته على الميت وذلك قرب موته بعد ثمان سنين من دفنهم رواه الشيخان عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - وفي الصحيح أنه خرج الى أهل البقيع فصلى عليهم، ونقل القاضي عن بعضهم أنه
يحتمل ان تكون الصلاة المعلومة على الموتى ويكون هذا خصوصا له ويكون أراد أن يعمهم بصلاته إذ فيهم من دفن وهو غائب أو لم يعلم به فلم يصل عليه فأراد أن يعمهم بركته.
الثالث والثمانون بعد المائة: وبأنه يجوز أن يقال للنبي (ص) احكم بما تشاء فهو صواب موافق حكمي على ما صححه الاكثرون في الاصول وليس ذلك للعالم على ما اختاره السمعاني لقصور رتبته.
الرابع والثمانون بعد المائة: قيل: وبامتناع الاجتهاد له لقدرته على اليقين بالوحي، ولغيره في عصره لقدرته على اليقين بتكفية منه.
الخامس والثمانون بعد المائة: وأنه لا ينعقد الاجماع في عصره بالاجماع.
السادس والثمانون بعد المائة: وبأنه ما صور نبي قط.
السابع والثمانون بعد المائة: وبأن الالهام حجة على الملهم وغيره ان كان الملهم نبيا، وعلم انه من الله لا ان كان وليا قال السكاكي: في (شرح المنار) وقال اليافعي: فرق الشيخ عبد القادر بين ما يسمعه الانبياء، وبين ما يسمعه الاولياء، يسمى حديثا فالكلام يلزم تصديقه، ومن رده كفر، والحديث من رده لم يكفر.(10/488)
الثامنة والثمانون بعد المائة: وبأنه لا يقال لغيره احكم بما أراك الله كما رواه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -.
التاسعة والثمانون بعد المائة: وبأنه لم يسمع بأن نبيا قتل في قتال قط كما رواه سعيد ابن منصور عن سعيد بن جبير.
التسعون بعد المائة: قيل: بأن الوقف انما يلزم من الانبياء خاصة، دون غيرهم.
قال صاحب المبسوط من الحنفية وحمل عليه حديث (لا نورث ما تركناه صدقة) وجعله مستثنى من قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - أن الوقف لا يلزم.
الواحد والتسعون بعد المائة: وبأنه صلى الله عليه وسلم كانوا إذا دخلوا عليه بدأهم بالسلام فقال:
(السلام عليكم) وإذا لقيهم كذلك أيضا لقوله تعالى: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) (الانعام / 54) رواه ابن المنذر عن ابن جريج والسنة في حقنا ان الداخل والمار هو الذي يبدأ ووجوب الابتداء عليه للامر به، في الاية وليس أحد من الامة يجب عليه الابتداء.
الثاني والتسعون بعد المائة: قيل: وباختصاصه بجواز رؤية الله - تبارك وتعالى - في المنام ولا يجوز ذلك لغيره وهو اختيار الشيخ وعليه أبو منصور الماتريدي.
الثالث والتسعون بعد المائة: وبأن ما عبره الانبياء من الرؤيا كائن لا محالة قاله ابن جرير، وأما تعبير غيرهم فيحق الله فيها ما يشاء ويبطل ما يشاء قاله قتادة.
الخامس والتسعون بعد المائة: وبعدم اخذ الزكاة من ثعلبة بن حاطب لما كذب فلم يقبلها منه عقوبة له، ولا أبو بكر ولا عمر، ولا عثمان حتى مات في خلافته.
السادس والتسعون بعد المائة: وبامتناع رد تميمة بنت وهب الى مطلقها رفاعة لما كذبت فلم يرجعها أبو بكر ولا عمر، وقال عمر: لأن أتيتني بعد هذه لارجمنك.
السابع والتسعون بعد المائة: وبعدم أخذ زمام من شعر غلة: روى أبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسها ويقسمها فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال: يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة قال: أسمعت بلالا نادى ثلاثا قال: نعم.
قال: فما منعك أن تجئ به قال: يا رسول الله فاعتذر.
قال: كن أنت تجئ به يوم القيامة فلن أقبله عنك وبأنه يأخذ من قوله ويترك الا النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.(10/489)
الثامن والتسعون بعد المائة: (...) (1).
التاسع والتسعون بعد المائة: وبأن (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله تعالى) كما قال ابن عباس ان ذلك خاص به.
المائتان: وبأن مثلهم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
روى الحاكم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا ان أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق).
الواحد بعد المائتين: وبأن من تمسك بهم وبالقرآن لن يضل.
الثاني بعد المائتين: وبأنهم أما للامة من الاختلاف.
الثالث بعد المائتين: وبأنهم سادات أهل الجنة.
الثالث بعد المائتين: وبأن الله تعالى قد وعدهم أن لا يعذبهم كما سيأتي بيان جميع ذلك قريبا.
الرابع بعد المائتين: وبأن من أبغضهم أدخله الله النار.
روى الحاكم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد المطلب اني سألت الله تعالى لكم ثلاثا)...(الحديث تقدم قريبا).
وروى الحاكم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يبغض أهل البيت أحد الا أدخله الله النار).
الخامس بعد المائتين: وبأن الايمان لا يدخل قلب أحد حتى يحبهم الله، ولقرابتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وسيأتي ذلك قريبا.
السادس بعد المائتين: وبأن من قاتلهم كان كمن قاتل مع الدجال وبأن من صنع مع أحد منهم برا كفاه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
السابع بعد المائتين: وبأن ما منهم أحد الا وله شفاعة يوم القيامة.
الثامنة بعد المائتين: وبأن الرجل يقوم لاخيه الا بني هاشم لا يقومون لاحد.
التاسعة بعد المائتين: قيل: وبأنه لا يجوز لاحد أن يؤمه لانه لا يصلح للتقدم بين يده في الصلاة، ولا في غيرها لا في عذر ولا غيره.
وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك ولا يكون أحد شافعا وقد قال: امتكم شفعاؤكم وكذلك قال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يقدم بين
يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حكاه القاضي.
قلت: قد صح انه صلى الله عليه وسلم صلى ركعة خلف عبد الرحمن بن عوف، وخلف أبي بكر - رضي الله عنهما - كما يأتي ذلك في أبواب الوفاة.(10/490)
العاشرة بعد المائتين: وبأنه صلى الله عليه وسلم خص أهل بدر من بين أصحابه بأن يزيدوا في الجنازة على أربع تكبيرات.
الحادي عشر بعد المائتين: وبأنه ما يمكث نبي في قبره أكثر من أربعين يوما يرفع كما رواه الترمذي في جامعه وعبد الرزاق في مصنفه.
الثانية عشرة بعد المائتين: وبأنه اختص بحقيقة حق اليقين، وللانبياء حقيقة اليقين وخواص الاولياء عين اليقين وللاولياء علم اليقين نقله الرافعي.
الثالثة عشرة بعد المائتين: وبأن الانبياء يطالعون بحقائق الامور والاولياء يطالعون بمثلها قاله الشيخ تاج الدين بن عطاء الله.
الرابعة عشرة بعد المائتين: وبأن الانبياء فرض الله - تعالى - عليهم ظهور المعجزات ليؤمنوا بها، وفرض على الاولياء كتمان الكرامات، لئلا يفتنوا بها قاله: أبو عمر الدمشقي الصوفي.
الخامسة عشرة بعد المائتين: وبأن الحظوة للانبياء والوسوسة للاولياء، والفكر للعوام قاله: أبو العباس المروزي.
السادسة عشرة بعد المائتين: وبأن أرواح الانبياء تخرج من جسدها، وتكون في أجواف طير خضر قاله النسفي في (بحر الكلام).
السابعة عشرة بعد المائتين: وبأنه ينصب للانبياء في الموقف منابر من ذهب، يجلسون عليها وليس ذلك لاحد سواهم كما سيأتي في باب حشره ونشره صلى الله عليه وسلم.
الثامنة عشرة بعد المائتين: قيل: وبأنه لا اعتكاف عليه الا بمسجد قاله سعيد بن
يجلسون عليها وليس ذلك لاحد سواهم كما سيأتي في باب حشره ونشره صلى الله عليه وسلم.
الثامنة عشرة بعد المائتين: قيل: وبأنه لا اعتكاف عليه الا بمسجد قاله سعيد بن المسيب كما رواه النسائي عنه.
التاسعة عشرة بعد المائتين: وبأنه ما من مولود الا ينخسه الشيطان الا الانبياء كما أشار إليه القاضي.
العشرون بعد المائتين: وبأن من صلى معه صلى الله عليه وسلم وقام الى خامسة عمدا لم تبطل صلاته، أو سلم من اثنين فتبعه عمدا لم تبطل صلاته لجواز أن يوحى إليه بالزيادة والنقصان، أما بعده فمتى تابع المأموم الامام في ذلك عمدا بطلت صلاته أو سلم من اثنتين فتبعه عمدا بطلت صلاته: قاله السبكي.
الحادية والعشرون بعد المائتين: وبالشهادة بين الانبياء وأممهم يوم القيامة كما سيأتي في باب حشره ونشره صلى الله عليه وسلم.(10/491)
الثانية والعشرون بعد المائتين: لم يكن يمر في طريق فيتبعه أحد الا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه - كما تقدم في أبواب صفته.
الثالثة والعشرون بعد المائتين: وبتنوير القبور بدعائه صلى الله عليه وسلم أورد ذلك القزويني في خصائصه.
وروى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان هذه القبور مملوءة مظلمة على أهلها، وان الله ينورها بصلاتي عليهم).
الرابعة والعشرون بعد المائتين: قيل: وبأن كل دابة ركب عليها صلى الله عليه وسلم بقيت على القدر الذي كان يركبها عليه، فلم تهزم له مركب ذكره ابن سبع، وقال: غريب ويرده ما رواه أحمد أن بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبت أسنانها من الهرم، وعميت، قاله القزويني، والله تعالى أعلم.(10/492)
سبل الهدى والرشاد
الصالحي الشامي
ج 11(11/)
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
للامام محمد بن يوسف الصالحي الشامي
المتوفي سنة 942 هـ
تحقيق وتعليق
الشيخ عادل أحمد عبد الموجود
الشيخ علي محمد معوض
الجزء الحادي عشر
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان.(11/1)
جميع الحقوق محفوظة
لدار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
الطبعة الاولى
1414 هـ - 1993 م
دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
ص.ب: 9424 / 11 - تلكس: - 41245 le nasher
هاتف: 366135 - 602133 - 868051 - 815573
فاكس: 4781373 / 1212 /..- 602133 / 9611..(11/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
جماع أبواب بعض فضائل آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوصية بهم ومحبتهم والتحذير من بعضهم وذكر أولاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأولادهم - رضي الله تعالى عنهم - وتقدم في أبواب النسب النبوي الكلام على بعض فضائل العرب وقريش وبني هاشم، ونذكر هنا ما لم يتقدم له ذكر.
الباب الأول في فضائل قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونفعها والحث على محبتهم.
روى أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والامام أحمد والحاكم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بال أقوام يقولون: إن رحمي لا ينفع، بلى، والله، إن رحمي موصولة في الدنيا والاخرة، ألا وإني فرطكم على الحوض، فإذا جئت، قام رجال فقال: هذا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله، أنا فلان، فأقول قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي، ورجعتم القهقري ".
وروي ابن ماجه والروياني والحاكم في " صحيحه " والطبراني (وابن عساكر والامام أحمد عن العباس بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنه - قال: كنا نلقى النفر) (1) من قريش وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم " - وفي لفظ - قلت: يا رسول الله، إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا أو سموا بوجوه حسنة وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " والذي نفسي بيده " وفي لفظ: " إن الله - عز وجل - لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبهم لله، ولقرابتهم مني.
" وروي الامام أحمد والترمذي والبغوي ومحمد بن نصر عن عبد الله بن الحارث عن
عبد المطلب بن ربيعة - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/3)
إنا لنخرج فنرى قريشا يتحدثون فإذا رأونا سكتوا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفحرق بين عينيه ثم قال: " والله يدخل قلب امرئ مسلم إيمان، حتى يحبكم لله ولقرابتي " وفي لفظ: لله ولرسوله.
وروي الطبراني عن ابن - عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تركت فينا ضغائن مند صنعت الذي صنعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن تنالوا الخير " أو قال: " إلايمان، حتى يحبونكم لله ورسوله ولقرابتي أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب ".
وروي الديلمي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب الله أحب القرآن، ومن أحب القرآن أحبني ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي " انتهى.
وروي ابن أبي عاصم والطبراني وابن مردويه وابن منده برجال ثقات غير عبد الرحمن بن بشير الدمشقي وثقه ابن حبان وضعفه ابن أبي حاتم عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنهم - قالوا: قدمت درة بدال بنت أبي لهب مهاجرة فقالت نسوة: أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله تعالى (تبت يدا أبي لهب وتب) [ المسد / 1 ] فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت، ثم صلى بالناس الظهر فخطب " يأيها الناس مالي أوذى في أهلي ؟ فوالله، إن شفاعتي لتنال قرابتي حتى إن صداء وحكم وحاء وسلهبا لتنالها يوم القيامة ".
رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وإن شفاعتي لتنال حاء وحكم " قال: حاء وحكم قبيلتان.
روى ابن منده والامام الزاهد عمر الملى - بفتح الميم وتشديد اللام الموصلي - رحمه
الله تعالى - وكان إماما عظيما، وكان على المنبر بجامع الموصل احتسابا، وكان السلطان نور الدين الشهيد - رحمه الله تعالى - يعتمد قوله، ويقبل شفاعته لجلالته - عن أبي هريرة - - رضي الله تعالى عنه - قال: جاءت سبيعة بنت أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الناس يقولون أنت بنت حطب النار، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي ؟ من أذاني في قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله تعالى ".
وروي الطبراني مرسلا برجال ثقات عن عبد الله بن أبي رافع.
وروي الامام أحمد في المناقب عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر بني هاشم، والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت حلقة باب الجنة، ما بدأت إلا بكم ".(11/4)
وروى أبو بكر بن يوسف بن البهلول عن طلحة بن مصرف - رحمه الله تعالى - قال: كان يقال: بغض بني هاشم نفاق.
وروى أبو قاسم حمزة السهمي في " فضائل العباس " عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: " أعطى الله - عز وجل - بني عبد المطلب سبعا الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم وحب الناس.
وروى الحاكم وقال على شرط مسلم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بني عبد المطلب، إني سألت الله ثلاثة أن يجعلكم جوداء نجداء، رحماء " وفي لفظ: أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ظالمكم، وأن يعلم جاهلكم، وسألته أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ولقي الله، وهو مبغض لاهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم دخل النار " وفي رواية " صفن قدمه ".
ونجداء بدل مهملة.
صفن بصاد مهملة ففاء خفيفة فنون جمع بين قدميه.
والنجدة: الشجاعة وشدة البأس.
وروى عمر الملا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بني عبد المطلب، إني سألت الله - تعالى - أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم، وأن يجعلكم رحماء نجداء ولو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام، ثم مات، وهو مبغض لاهل هذا البيت لدخل النار ".
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
[ الرحم: هم الاقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب ويطلق في الفرائض على الاقارب من جهة النساء يقال ذو رحم محرم ومحرم وهم من لا يحل نكاحه كالام والبنت والاخت والعمة والخالة ].
الحكم: بطن من بطون العرب.
حاء: من جشم بن معد، أوحي من مذحج وقال ابن الاثير هما (أي حكم وحاء) حيان من اليمن.
سلهب: قبيلة من قبائل العرب.
[ النجباء: جمع نجيب وهو الفاضل الكريم السخي ].(11/5)
الباب الثاني في بعض فضائل أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع
الأول: في الحث على التمسك بهم، وبكتاب الله - عز وجل -.
روى الترمذي وحسنه عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب (1) فسمعته يقول:
" إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ".
وروى الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ".
الثاني: في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه - رضي الله تعالى عنهم - بأهل البيت - رضي الله تعالى عنهم -.
روى الترمذي وحسنه والعسكري في الامثال عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي وإن كرشي الانصار فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم ".
ورواه الديلمي في مسنده بلفظ: " ألا إن عيبتي أهل بيتي والانصار أثق بهم وأطلعهم على أسراري وأعتمد عليهم ".
وقال الحافظ أبو خيثمة زهير بن حرب: معنى كرش باطني، وعيبتي ظاهري وجمالي وهذا غاية من التعطف عليهم والوصية بهم، وأما قوله: " وتجاوزوا عن مسيئهم " هو من نمط قوله صلى الله عليه وسلم: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم لا الحدود "، إذ أهل البيت النبوي، والانصار من ذوي الهيئات.
الثالث: في أنهم أمان لامة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
روى ابن أبي شيبة ومسدد وأبو يعلى والحكيم والترمذي والطبراني وابن عساكر عن سلمة بن الاكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النجوم أمان لاهل السماء، وأهل بيتي أمان لامتي ".
وروى الحاكم عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " النجوم أمان لاهل السماء، فإذا ذهبت أتاها ما توعدون، وأنا أمان لاصحابي، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون وأهل بيتي أمان لامتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون ".(11/6)
وروى الحاكم ضعيف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " النجوم أمان لاهل الارض من الغرق، وأهل بيتي أمان لامتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ".
وروى الامام أحمد في المناقب عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النجوم أمان لاهل السماء، فإذا ذهبت النجوم، ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لاهل الارض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الارض ".
الرابع في أنهم لا يقاس بهم أحد.
روي الديلمي وعمر الملا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد ".
الخامس: في الحث على حفظهم.
روى البخاري عن أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته.
وروى الديلمي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه ".
السادس: في بشارتهم بالجنة ورفع منزلتهم: بالوقوف عندما أوجبه الشارع وسنه، تقدمت في الباب الأول عدة أحاديث في التنصيص على شفاعته صلى الله عليه وسلم وغضبه حيث قيل: إنهم لا ينتفعون بقرابته.
وروى الجصاص عن زيد بن علي - رحمهم الله تعالى - في قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) [ الضحى / 5 ] قال: إن من رضي رسول الله أن يدخل أهل بيته الجنة.
وروى الثعلبي عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسد الناس فقال لي: " أما ترضي أن تكون رابع أربعة ؟ أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا ".
وروى الطبراني بسند رواه عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي - رضي الله تعالى عنه -: " أنا أول أربعة يدخلون الجنة، أنا وأنت والحسن والحسين، وذريتنا خلف أظهرنا وأزواجنا خلف ذريتنا وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا " وروى ابن السرى والديلمي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نحن بنو عبد المطلب(11/7)
سادات أهل الجنة، أنا وحمزة، وعلى وجعفر والحسن والحسين والمهدي في الفردوس " وعن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سألت ربي - تبارك وتعالى - أن لا يدخل النار أحد من أهل بيتي ".
السابع: في حثه والتحذير من بغضهم وأذاهم.
وروى الطبراني في الاوسط والديلمي وسنده واه عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من يرد علي الحوض أهل بيتي، ومن أحبني من أمتي ".
وروى الترمذي وحسنه والطبراني والحاكم وقال صحيح الاسناد والبيهقي في " الشعب " وابن سعد وابن الجوزي - فذكر هذا الحديث في العلل - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله - تعالى - وأحبوا أهل بيتي بحبي ".
وروى أبو نعيم عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آذاني في أهلي، فقد آذي الله - عز وجل - ".
وروى الامام أحمد في المناقب عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أبغض أهل البيت فهو منافق ".
وروى الطبراني وأبو الشيخ بن حيان في " الثواب " والبيهقي في " الشعب " والديلمي عن ابن أبي ليلى - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحد حتى أكون
أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من عترته وأهلي أحب إليه من أهله وإني أحب إليه من ذاك ".
وروى عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبغضنا إلا منافق - وفي لفظ - لا يبغضنا أهل البيت إلا شقي ".
وروى الحاكم وابن حبان وصححاه عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده، لا يبغض أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار "، ورواه الطبراني في الاوسط عن الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال لمعاوية بن خديج - رحمه الله تعالى -: يا معاوية، إياك وبغضنا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبغضنا، ولا يحسدنا أحد إلا زيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار ".
وروى أبو بكر البزقاني عن الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من سب أهل البيت، فإنما يسب الله ورسوله.(11/8)
وروى أيضا عنه قال: من والانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عادانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أيضا عن عبد الله بن حسن بن حسين قال: كفى بالمحب لنا أن أنسبه إلى من يحبنا، وكفى بالمبغض لنا أن أنسبه، إلى من يبغضنا.
وروي أيضا عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آذاني وعترتي فعليه لعنة الله ".
وروى الديلمي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من آذاني في عترتي فقد آذي الله - عز وجل - ".
وروى أيضا بلا إسناد عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم ".
وروى الطبراني في " الدعاء " عن عائشة - رضى الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" خمسة أو ستة لعنتهم وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك للسنة ".
وروى عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: أيس من رحمة الله.
وروى أبو الشيخ عن علي - رضي الله تعالى عنه - عن درة بنت أبي سهب - رضي الله تعالى عنها - قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى استوى على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: " ما بال الرجال يؤذونني في أهلي ؟ والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذوي ".
وروى الطبراني وأبو الشيخ عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله - عز وجل - ثلاث حرمات من حفظهن حفظ الله دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دينه ولا آخرته " قلت: ما هن ؟ قال: " حرمة الاسلام وحرمتي وحرمة رحمي ".
تنبيه.
لو قال لرجل من بني هاشم لعن الله بني هاشم: وقال: أردت الظالم منهم، أو قال لرجل من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قولا قبيحا من آبائه أو من نسله أو ولده على علم منه أنه من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم ولم تقم قرينة في المسألتين تقتضي تخصيص بعض آبائه وإخراج النبي صلى الله عليه وسلم فمن سبه منهم فحكم القاضي برهان الدين الاخنائي المالكي بقتل بعض الامراء حدا لكونه لعن(11/9)
أجداد القاضي حسام الدين محمد بن جريز بعد أن قال له: أنا شريف وجدى الحسين بن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت عنقه ذكره الحافظ ابن حجر في " أبنائه " في حوادث سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة.
الثامن: في الصلاة عليهم.
روى الشيخان عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - قال: لقيت كعب بن عجرة - رضي الله تعالى عنه - فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: بلي، قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟ قال " قولوا: اللهم، صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ".
وروى إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن يزيد النخعي - رحمه الله تعالى - قال: قالوا: يا رسول الله، قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك ؟ قال: قولوا: " اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ".
وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: " اللهم، صلى على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد ".
وروى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يكتال بالمكيال الاوفى إذا صلى علينا أهل البيت، فليقل: اللهم، صلى على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته، وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
وروى النسائي وأحمد في مسنده عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يكتال بالمكيال الاوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم، اجعل صلواتك وبركاتك على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
وروى الدارقطني والبيهقي وغيرهما عن أبي مسعود البدري - رضي الله تعالى عنه -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه " وهو عندهما موقوف من قول أبي مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: لو صليت صلاة لا(11/10)
أصلي فيها على آل محمد ما رأيت أن صلاتي تتم، وصوب الدارقطني بأنه من قول أبي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وهو حجة للقائل.
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله كفا كم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له التاسع في مكافأته - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة لمن صنع إلى أهل بيته معروفا.
روى الطبراني في " الاوسط " والضياء المقدسي في " المختارة " والخطيب في التاريخ عن عثمان بن عفان - رضي الله عنهما - قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: " من صنع إلى أحد من خلف عبد المطلب يدا فلم يكافئه بها في الدنيا فعلي مكافأته غدا، إذا لقيني ".
وروى الملا وأبو سعيد النيسابوري عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته عنه يوم القيامة ".
وروى الديلمي عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة، المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه ".
العاشر: في دعائه - صلى الله عليه وسلم - لهم.
وروى أبو سعيد النيسابوري وعمر الملا عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سألت ربي - عز وجل - أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي فأعطاني ذلك ".
الحادي عشر: في أنهم أول من يشفع لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
روى الديلمي في الفردوس عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الاقرب، فالاقرب " قال " ثم الانصار، ثم من آمن بي واتبعني من أهل اليمن ثم سائر العرب ثم العجم ".
الثاني عشر: في أنهم كسفينة نوح - صلى الله عليه وسلم - من ركبها نجا.
روى البزار والطبراني وأبو نعيم عن ابن عباس والبزار عن عبد الله بن الزبير وابن جرير والحاكم والخطيب في " المتفق والمفترق " عن أبي ذر والطبراني في " الصغير " و " الاوسط " عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح في قوم نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق " وفي لفظ " هلك " ومثل(11/11)
حطة بني إسرائيل.
قال الحافظ أبو الخير السخاوي: وبعض طرق هذا الحديث يقوي بعضها بعضا.
الثالث عشر: في أخباره - صلى الله عليه وسلم - أنهم سيلقون بعده أثرة.
والحث على نصرتهم وموالاتهم.
وروى ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا أهل البيت اختار الله - عز وجل - لنا الاخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي أثرة وتشريدا وتطريدا في البلاد، حتى يأتي قوم من ها هنا "، وأشار بيده نحو المشرق " وأصحاب رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه مرتين أو ثلاثا، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها عدلا، كما ملئت ظلما فمن أدرك ذلك اليوم فليأتهم، ولو حبوا على الثلج ".
الرابع عشر: في وعد الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
[ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم " ].
الخامس عشر: في بيان من هم أهل البيت.
قال الله سبحانه وتعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا) [ الاحزاب / 33 ].
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد ومسلم والترمذي وصححه وابن جرير والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في السنن من طرق والطبراني من وجه آخر وابن أبي حاتم والطبراني عن أم سلمة وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن عمرو بن أبي سلمة وابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد وابن أبي شيبة والامام أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن واثلة بن الاسقع وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنهم - قالت أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيتها على منامة له عليه كساء خيبرى فجاءت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا " فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم) [ الاحزاب / 33 ] ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال: " اللهم، هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا "، قالها ثلاث مرات.(11/12)
(وفي حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - خرج صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معهم فأجلس حسنا وحسينا فيه وجلس علي عن يمينه، وجلست فاطمة عن شماله) (1)، وفي رواية للطبراني عنها فألقي رسول الله صلى الله عليه وسلم كساءا فدكيا ثم وضع يده عليهم، ثم قال: " اللهم إن هؤلاء أهل بيتي " وفي لفظ آل محمد وفي رواية " فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على ابراهيم، إنك حميد مجيد، " قالت أم سلمة فرفعت الكساء لادخل معهم، فجذبه من يدي
وقال: إنك على خير، وفي رواية لابن مردويه عنها في البيت سبعة جبريل، وميكائيل، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين وأنا على باب البيت قلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت ؟ قال: إنك على خير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: فأدخلت رأسي في الستر، فقلت: يا رسول الله، وأنا معكم ؟ فقال: إنك على خير مرتين، وفي رواية فقلت: وأنا معهم يا رسول الله فقال: أنت على مكانك، وأنت على خير، وفي حديث واثلة: فقلت: يا رسول الله، وأنا من أهل بيتك ؟ قال: أنت من أهلي، وفي حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاء علي، فأدخله معهم ثم جاءت فاطمة فأدخلها معهم فأجلس حسنا وحسينا في حجره، وجلس علي عن يمينه وجلست فاطمة عن شماله.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت هذه الاية: في خمسة في وفي علي وفاطمة وحسن وحسين...(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا) [ الاحزاب / 33 ].
وروى ابن سعد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: لما دخل علي بفاطمة - رضي الله تعالى عنها - جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا إلى بابها يقول: " السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) " [ الاحزاب / 33 ] انتهى.
وروى ابن جرير وابن المنذر والطبراني عن أبي الحمراء - رضي الله تعالى عنه - قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر وفي لفظ الطبراني: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى باب علي " فرفع يده على جنبي الباب، ثم قال: الصلاة الصلاة (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهر كم تطهيرا) [ الاحزاب / 33 ].
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/13)
وروى ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: شهدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أشهر يأتي كل يوم باب علي (ابن أبي طالب) عند وقت كل صلاة فيقول: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت " (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [ الاحزاب / 33 ].
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والحاكم والطبراني وصححه عن أنس - رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [ الاحزاب 33 ] وروى مسلم عن زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - قال: أذكركم الله في أهل بيتي فقيل لزيد - رضي الله تعالى عنه - ومن أهل بيته أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس.
انتهى.
السادس عشر: في تعظيم السلف لاهل البيت.
روى البخاري في " غزوة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن أبا بكر، قال لعلي - رضي الله تعالى عنهما -: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي.
وروي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال للعباس - رضي الله تعالى عنهما - والله لاسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام ابن الخطاب.
وروى البخاري عن عروة بن الزبير قال: ذهب عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - مع أناس من بني زهرة إلى عائشة - رضي الله تعالى عنها - وكانت أرق شئ عليهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي عن رزين بن عبيد قال: كنت عند ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فأتى زين العابدين بن الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهم - فقال له ابن عباس: مرحبا بالحبيب ابن الحبيب.
وعن الشعبي - رحمه الله تعالى - قال: صلى زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - على جنازة، ثم قربت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس، فأخذ بركابه، فقال زيد خل عنه يابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا نفعل بعلمائنا، فقيل زيد بن ثابت يد ابن عباس، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا.
وعن عبد الله بن حسن بن حسين - رضي الله تعالى عنه - قال: أتيت عمر بن(11/14)
عبد العزيز في حاجة لي فقال لي: إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي أو أكتب بها فإني أستحي من الله أن يراك على بابي.
وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لو أتى أبو بكر وعمر وعلي - رضي الله تعالى عنهم - بحاجة بدأت بحاجة علي قبلهما، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان أخر من السماء إلى الارض أحب إلي من أن أقدمه عليهما أورد الثلاثة القاضي في " الشفاء " انتهى.
وروي عن فاطمة بنت أبي طالب - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخلت على عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه - وهو يسير بالمدينة، فأخرج من عنده، وقال: يا بنت علي، والله، ما على ظهر الارض (أهل بيت) (1) أحب إلي منكم.
وفي " المجالسة " للدينوري أن أبا عثمان النهدي - رحمه الله تعالى - كان من مساكين الكوفة، فلما قتل الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - تحول إلى البصرة، وقال: لا أسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي " الشفاء " أن مالكا لما تعرض له جعفر بن سليمان والي المدينة ونال منه ما نال وحمل مغشيا عليه دخل عليه الناس، فأفاق، فقال: أشهد كم أني جعلت ضاربي في حل.
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/15)
الباب الثالث في عدد أولاده - صلى الله عليه وسلم - ومواليدهم، وما اتفق عليه منهم وما اختلف
جملة ما اتفق عليه ستة: اثنان ذكور: القاسم وابراهيم، وأربع بنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة - رضي الله تعالى عنهم - وكلهن أدركن الاسلام وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم واختلف فيما سواهن.
فقيل: لم يولد له صلى الله عليه وسلم سواهم والمشهور خلافه.
قال ابن إسحاق: وكان له الطيب والطاهر أيضا، فيكون على هذا جملتهم أربعة ذكور وأربع إناث.
وقال الزبير بن بكار: وفيما رواه عن الطبراني عنه برجال ثقات كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير ابراهيم القاسم وعبد الله وهو قول أكثر [ أهل ] النسب.
وقال الدارقطني: وهو الا ثبت وصححه الحافظ عبد الغني المقدسي: ويسمى بالطيب والطاهر، لانه ولد بعد النبوة وقيل: الطاهر والطيب غير عبد الله، فيكون على هذا جملتهم خمسة ذكور وقيل: كان له صلى الله عليه وسلم الطيب والمطيب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر ولدا في بطن، فيكون على هذا جملتهم أحد عشر.
قال ابن إسحاق: ولد أولاده كلهم غير إبراهيم صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام، ومات البنون قبل الاسلام وهم يرضعون، وتقدم في قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوة، فلذلك سمي بالطيب والطاهر، فتحصل لنا من مجموع الاقوال سبعة ذكور اثنان متفق عليهما القاسم وإبراهيم وخمسة مختلف فيهم عبد الله والطيب والمطيب والطاهر والمطهر، والاصح قول الجمهور أنهم ثلاثة ذكور القاسم وعبد الله وإبراهيم الاربع البنات متفق عليهن وكلهن من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم فمن مارية القبطية.
قال محمد بن عمر: وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب تقبل خديجة في ولادها وكانت تعق عن كل غلام بشاتين وعن الجارية بشاة، وكان بين كل ولدين لها سنة، وكانت تسترضع لهم وتعد بضم الفوقية وكسر العين والمهملة ذلك قبل ولادها بكسر الواو.
وأكبر بناته صلى الله عليه وسلم زينب - عليها السلام - كما ذكره الجمهور.
وقال الزبير بن بكار وغيره رقية - عليها السلام - والأول أصح.
وقال الزبير أيضا فيما نقله أبو عمرو عنه - رحمهما الله تعالى - ولد له صلى الله عليه وسلم القاسم وهو أكبر ولده ثم زينب ثم عبد الله، وكان يقال له: الطيب، ويقال له: الطاهر ولد بعد النبوة، ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية هكذا الاول.
فالأول ثم مات القاسم بمكة وهو أول ميت مات من ولد(11/16)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مات عبد الله بمكة أيضا.
وقال ابن إسحاق: ولدت للنبي صلى الله عليه وسلم من خديجة - رضي الله تعالى عنها - زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم وبه كان يكنى والطاهر والطيب، وأما القاسم والطيب والطاهر، فماتوا في الجاهلية، وأما بناته فكلهن أدركن الاسلام وأسلمن وهاجرن معه.
قال أبو عمرو: قال علي بن عبد العزيز الجرجاني: أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، وهو أكبر ولده [ ثم زينب ] (1) وقال ابن الكلبي: زينب ثم القاسم، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية ثم عبد الله، وكان يقال له: الطيب والطاهر، هذا ذكرهم على سبيل الاجمال وسيأتي ذكرهم على سبيل التفصيل في أبواب ذكرهم، وقال بعضهم: فأول ولد المصطفى القاسم الرضي * به كنية المختار فافهم وحصلا وزينب تتلوها رقية بعدها * وفاطمة الزهراء جاءت على الولا كذا أم كلثوم تعد وبعدها * في الاسلام عبد الله جاء مكملا هو النسب الميمون والطاهر الرضي * وقد قيل ذا في غيره فتمثلا وكلهم كانوا له من خديجة * وقد جاء إبراهيم في طيبة تلا
من المرأة الحسناء مارية فقل * عليهم سلام الله مسكا ومنولا تنبيهات الأول: نقل ابن الجوزي في " التحقيق " عن أبي بكر بن البرقي قال: جميع أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة سبعة ويقال ثمانية: القاسم، والطاهر، والطيب، وإبراهيم، وزينب ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
قال في " العيون ": لولا أنه قال إنهم سبعة أو ثمانية لقلت: إن ذلك من النساخ، وهذا شئ عجيب وهو وهم إما من البرقي، وإما من غيره فإن قيل: لعله أراد آخر من خديجة يقال له: إبراهيم.
فالجواب: أن هذا لا يعرف، ويدفع هذا قوله: جميع أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة ولا مرية أن إبراهيم من مارية القبطية.
الثاني: روى الهيثم بن عدي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ولدت خديجة - رضي الله تعالى عنها - للنبي صلى الله عليه وسلم عبد العزى وعبد مناف والقاسم، قال الهيثم، قلت لهشام: فأين الطيب والطاهر ؟ قال: هذا ما وصفتم أنتم يأهل العراق، فأما أشياخنا فقالوا: عبد العزى وعبد مناف.
قال الذهبي في " الميزان " والحافظ في " اللسان " هذا من افتراء الهيثم على هشام.(11/17)
وقال أبو الفرج: الهيثم كذا لا يلتفت إلى قوله، وقال لنا شيخنا ابن ناصر: لم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مناف ولا عبد العزى قط، والهيثم كذبه البخاري وأبو داود والعجلي والساجي.
وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار، وذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني وغيرهم في الضعفاء، وقال في " المورد ": لا يجوز لاحد أن يقول: إن هذه التسمية وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم ولئن قيل: إن هذه التسمية وقعت
فتكون من غير النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ولد هذا الولد والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بعبادة ربه أو لغير ذلك فلما جاء سماه بعض أهل خديجة بهذا الاسم من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على تسميته، وأن الولد المذكور لم تطل له حياة فتوفي ذلك الولد ولم يسمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ويكون أحد من شياطين الانس والجن اختلق ذلك لما ولد أحد أولاد النبي صلى الله عليه وسلم المذكورين ليدخل في ذلك لبس في قلب ضعيف الايمان، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك غيره أو غير ذلك مما علمه الله - تعالى - انتهى.
ورد الطحاوي في " مشكل الحديث " والبيهقي في السنن وأبو سعيد النقاش والجوزقاني فيما صنع من الموضوعات وغيرهم ما نقله الهيثم عن هشام بن عروة، ولم ينقل أحد من الثقات ما نقله الهيثم عن هشام.
الثالث: قال الامام العلامة شيخ الاطباء ابن النفيس - رحمه الله تعالى -: لما كان صلى الله عليه وسلم مزاجه شديد الاعتدال لم يكن أولاده صلى الله عليه وسلم إناثا فقط، لان ذلك إنما يكون لبرد المزاج، ولا ذكورا فقط، لان ذلك إنما يكون لحرارة المزاج، فلما كان مزاج النبي صلى الله عليه وسلم معتدلا فيجب أن يكون له بنون وبنات وبنوه يجب أن لا يطول أعمارهم، لان أعمارهم إذا طالت بلغوا إلى سن النبوة وحينئذ فلا يخلو إما أن يكونوا أنبياء أولا لا يكونوا كذلك، ولا يجوز أن يكونوا أنبياء، وإلا لما كان هو خاتم النبيين، ولا يجوز أن يكونوا غير أنبياء وإلا لكان ذلك نقصا في حقه صلى الله عليه وسلم وانحطاطا عن درجة كثير من الانبياء، فإن كثيرا من الانبياء أولادهم أيضا أنبياء، وأما بنات هذا النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز أن تطول أعمارهن، إذ النساء لسن بأهل للنبوة.
الرابع: روى ابن الاعرابي في معجمه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم جنينا يسمى عبد الله كانت تكنى به ومدار سنده على داود بن المحبر وهو متروك واتهمه جماعة بالوضع، ويرده ما رواه أبو داود وفي سننه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: " تكني بابن أختك عبد الله بن الزبير ويروى بابنك عبد الله بن الزبير، لانها كانت استوهبته من أبويه، فكان في حجرها يدعوها أما ذكره ابن إسحاق.
المطهر - بضم الميم وفتح الطاء المهملة والهاء المشددة، والمطيب مثله.(11/18)
الباب الرابع في ذكر سيدنا القاسم ابن سيدنا ومولانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وكان القاسم أكبر أولاد النبي صلى الله عليه وسلم وبه كان يكنى فهو أول أولاده، وأول من مات منهم، ولد بمكة قبل النبوة ومات صغيرا، وقيل: بعد أن بلغ سن التميز.
قال الزبير بن بكار وحدثني محمد بن نضلة عن بعض المشايخ قال: عاش القاسم حتى مشى.
وقال مجاهد: عاش القاسم سبع ليال وخطأه الملا في ذلك.
وروى (ابن سعد) (1) عن محمد بن جبير بن مطعم، قال: مات القاسم، وله سنتان، وروي أيضا عن قتادة نحوه، وعن مجاهد: أنه عاش سبعة أيام.
قال المفضل بن غسان: هذا خطأ والصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا.
وقال السهيلي: بلغ المشي غير أن رضاعته لم تكمل.
واختلفوا هل أدرك زمن النبوة، فروى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن أبي عبد الله الجعفي وهو جابر عن محمد بن علي بن الحسين - رضي الله تعالى عنه - قال: كان القاسم بلغ أن يركب الدابة، ويسير على النجيدة، فلما قبض، قال العاص بن وائل: لقد أصبح محمد أبتر فنزلت " إنا أعطيناك الكوثر " [ الكوثر / 1 ] عن مصيبتك يا محمد بالقاسم فهذا يدل على أن القاسم مات بعد البعثة.
وروي الطيالسي، وابن ماجه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال: لما هلك القاسم قالت خديجة: يا رسول الله، درت لبينة القاسم، فلو كان الله أبقاه حتى يتم رضاعه قال: إن إتمام رضاعته في الجنة، زاد ابن ماجه (فقالت): لو أعلم ذلك يا رسول الله ليهون علي، فقال: إن شئت دعوت الله تعالى، فأسمعك صوته فقالت: بل أصدق الله تعالى ورسوله، قال الحافظ: وهذا ظاهر جدا في أنه مات في الاسلام، ولكن في السند ضعف.
وروى البخاري في تاريخه " الاوسط " من طريق سليمان بن بلال عن هشام بن عروة - رضي الله تعالى عنه - أن القاسم مات قبل الاسلام.
وروي ابن أبي عاصم وأبو نعيم: ما أعفى أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد، قيل ولا القاسم قال: ولا القاسم ولا إبراهيم، وكان إبراهيم أصغرهما.
قال الحافظ: هذا وأثر فاطمة بنت الحسين يدل على خلاف رواية هشام بن عروة.(11/19)
تنبيه: اختلف في القائل لما مات القاسم: إن محمدا أبتر فقيل: العاص بن وائل السهمي كما سبق، وجزم به خلائق، وقيل: أبو جهل، وقيل: كعب بن الاشرف، فإن قلنا: إنه العاص بن وائل فالعاص له عقب وهو عمرو، وهشام، فكيف يثبت له البتر، وانقطاع الولد ؟ والجواب: أن العاص وإن كان ذا ولد، فقد انقطعت بينه وبينهم، فليسوا بأتباع له، لان الاسلام قد حجزهم عنه فلا يرثهم ولا يرثونه.(11/20)
الباب الخامس في بعض مناقب سيدنا إبراهيم ابن سيدنا ومولانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع
الأول: في أمه، وميلاده، عقيقته، وتسميته: وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمه مارية القبطية بنت شمعون ذكرت في مناقب أمهات المؤمنين في أبواب نكاحة صلى الله عليه وسلم، ولد في ذي الحجة سنة ثمان بالعالية، قاله مصعب الزبير.
وروى ابن سعد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم معجبا بمارية القبطية، وكانت بيضاء جميلة، فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم، بنت ملحان، وعرض عليها الاسلام فأسلمت فوطأ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية، كان من أموال بني النضير، فكانت فيه في الصيف وفي خرافة النخل، فكان يأتيها هناك، وكانت حسنة الدين وولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فسماه إبراهيم، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الارض، وكانت قابلتها سلمي مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إلى زوجها أبي رافع، فأخبرته بأن مارية ولدت غلاما فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا، وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد عليهن حين رزق منها الولد.
سلمى مولاة صفية ولا شك أن مولاة عمة الشخص مولاته.
وروى ابن سعد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: لما ولد إبراهيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، ورواه ابن منده، بلفظ لما ولد إبراهيم بن مارية جاريته كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم حتى آتاه جبريل، فقال: السلام عليك، يا أبا إبراهيم !.
وروى الامام أحمد ومسلم وابن سعد عنه، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح، فقال: إنه ولد لي في الليلة ولد وإني سميته باسم أبي إبراهيم.
وذكر الزبير عن أشياخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عنه بكبشين وحلق رأسه أبو هند، وسماه يومئذ هكذا قال الزبير: سماه يوم سابعه.
الثاني: في رضاعه ومن أرضعه.
روى ابن سعد والزبير بن بكار عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: ولد(11/21)
سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنافست فيه نساء الانصار أيتهن ترضعه وأحببن أن يفرغوا مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمن من ميله إليها، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وزوجها البراء بن
أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن النجار فكانت ترضعه وكان يكون عند أبويه في بني النجار ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة فيقيل عندها ويؤتي بإبراهيم - عليه السلام - وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة نخل.
وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع سيدنا إبراهيم - عليه السلام - إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة، يقال له: أبو سيف، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته حتى انتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيرة، وقد امتلا البيت دخانا، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف فقلت: يا أبا سيف، أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول.
وروى أيضا عنه قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة، فكان يأتيه (ونجئ معه) (1) فيدخل البيت وإنه ليدخن قال: وكان طئره قينا فيأخذه فيقبله.
الثالث: في وفاته وتاريخه وصلاته عليه، وحزنه عليه.
مات سنة عشر، جزم به الواقدي، وقال: يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الاول.
وقالت عائشة: عاش ثمانية عشر شهرا رواه الامام أحمد، وفي صحيح البخاري أنه عاش سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على الشك.
وقال محمد بن المؤمل: بلغ سبعة عشر شهرا أو ثمانية أيام.
وروى ابن سعد عن مكحول وابن سعد عن عطاء وابن سعد عن عبد الرحمن بن عوف وابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الاشج وابن سعد عن قتادة وابن سعد عن أنس - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف، فانطلقا به إلى النخل الذي فيه إبراهيم - عليه السلام -، فدخل وإبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره فلما (مات) (1) زرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الرحمن بن عوف: تبكي يا رسول الله ؟ أولم تنه عن البكاء ؟ قال: " إنما نهيت عن النوح وعن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو، ولعب
ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجه، وشق جيب، ورنة شيطان ".
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/22)
وفي رواية: " إنما نهيت عن النياحة، وأن يندب الميت بما ليس فيه "، ثم قال: " وإنما هذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم بإبراهيم لولا أنه حق ووعد صادق، ويوم جامع ".
وفي لفظ: " لو لا أنه أجل معدود، ووقت معلوم، ووعد صادق، وأنها سبيل مأتية وإن أخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا وإن بك يا إبراهيم لمحزونون تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب ".
وفي رواية فلقد رأيته يكيد بنفسه، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، والله يا إبراهيم، إنا بك لمحزونون ".
وروى مسلم وأبو داود وابن مسعد والامام أحمد وعبد بن حميد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - والطبراني عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الله تعالى والله إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون ".
وروى ابن ماجه والطبراني في " الكبير " وابن عساكر عن أسماء بنت يزيد - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب ولولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الاخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم، وجدا أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ".
وروى ابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الاشج - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه إبراهيم فصرخ أسامة بن زيد فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رأيتك تبكي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البكاء من الرحمة والصراخ من الشيطان ".
وروى ابن سعد عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلق بي إلى النخل الذي فيه إبراهيم فوضعه في حجره، وهو يجود
بنفسه، فذرفت عيناه فقلت له: أتبكي يا رسول الله، أو لم تنه عن البكاء ؟ قال: " إنما نهيت عن النوح عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان "، قال: قال عبد الله بن نمير في حديثه: " إنما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم، يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق، ووعد صادق، وأنها سبيل مأتية، وأن اخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا، وإنا بك لمحزونون تدمع العين، ويحزن القلب، ولا تقول ما يسخط الرب - عز وجل -.
وروى ابن ماجه والحكيم والترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - لما قبض إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تدرجوه في أكفانه، حتى أنظر إليه " فأتاه فانكب عليه وبكى.(11/23)
واختلف: هل صلى عليه أم لا ؟.
وروى الامام أحمد وابن سعد من طريق جابر الجعفي وهو ضعيف عن البراء والبيهقي عن جعفر بن محمد بن أبيه، وابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس وابن سعد وأبو يعلى عن أنس وأبو داود والبيهقي مرسلا عن عطاء بن أبي رياح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه سيدنا إبراهيم زاد البيهقي في المقاعد: وهو موضع الجنائز، زاد أنس: وكبر عليه أربعا، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا.
وروي ابن سعد عن عطاء وابن سعد عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على شفير قبر ابنه فرأى فرجة في اللحد، فناول الحفار مدرة وقال: " إنها لا تضر ولا تنفع ولكنها تقر عين الحي "، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي بإصبعه، ويقول: " إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه، فإنه مما يسلي بنفس المصاب ".
قال الزبير بن بكار: ولما دفن قبل علي قبره وأعلى بصلاته، وهو أول قبر رش.
وروى ابن سعد عن رجل آل علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفن سيدنا
إبراهيم، قال: هل من أحد يأتي بقربة فأتى رجل من الانصار بقربة ماء، فقال: رشها على قبر إبراهيم، وقال: وقبر إبراهيم قريب من الطريق، وأشار إلى قريب من دار عقيل.
الرابع: في انكساف الشمس يوم وفاته.
روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أمه سرين قالت: حضرت موت إبراهيم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا، فلما مات نهانا عن الصياح وغسله الفضيل بن عباس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان ثم حمل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر والعباس جالس إلى جنبه ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره، ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس في ذلك اليوم، فقال الناس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته " ورأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة من اللبن، فأمر بها أن تسد، فقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن تقر عين وإن الحي العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه، ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر.
وروى الشيخان عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - قال: انكسفت الشمس يوم موت إبراهيم فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ".(11/24)
الخامس: في أن له ظئرا تتم رضاعه في الجنة.
روى ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن له مرضعا في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا، ولو عاش لعتقت أخواله القبط وما استرق قبطي انتهي.
السادس: في الرد على من زعم أنه لقنه.
اشتهر على الالسنة أنه لقن ابنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعد الدفن وهذا شئ لم يوجد في كتب
الحديث، وإنما ذكره المتولي، في " تتمته والابانة " بلفظ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن إبراهيم قال: " قل: الله ربي، ورسولي أبي والاسلام ديني " فقيل: يا رسول الله، أتت تلقنه فمن يلقننا ؟ فأنزل الله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة) [ إبراهيم / 27 ] الاية والاستاذ أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى " النظامي " ولفظه: عن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره، فقال: " يا بني القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا بني قل: الله ربي، والاسلام ديني، ورسول الله أبي " فبكت الصحابة وبكى عمر بن الخطاب بكاء ارتفع له صوته، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عمر يبكي وأصحابه فقال: " يا عمر، ما يبكيك ؟ " فقال: يا رسول الله، هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم، ويحتاج إلى ملقن فمثلك تلقن التوحيد في مثل هذا الوقت، فما حال عمر وقد بلغ الحلم، وجرى عليه القلم، وليس له ملقن مثلك أي شئ يكون صورته في تلك الحالة ؟ فبكي النبي صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه، فنزل جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب بكائهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله عمر وما ورد عليهم من قوله صلى الله عليه وسلم فصعد جبريل، ونزل، وقال: ربك يقرئك السلام وقال (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة) [ ابراهيم / 27 ] يريد بذلك وقت الموت، وعند السؤال فتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الاية فطابت الانفس، وسكنت القلوب وشكروا الله، وهذا كما ترى منكر جدا، بل لا أصل له.
السابع في أنه لو عاش لكان نبيا.
روى البخاري وابن ماجه عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لابن أبي أوفي: هل رأيت السيد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: مات صغيرا، ولو قضي أن يكون نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لعاش ابنه ابراهيم ولكن لا نبي بعده ورواه الامام أحمد بلفظ سمعت ابن أبي أوفي، يقول: لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم، ولكن لا نبي بعده.
وروى ابن سعد بسند على شرط مسلم قال: أخبرنا عفان بن مسلم ويحيى بن حماد،
وموسى بن إسماعيل، التبوذكي قالوا: أخبرنا أبو عوانة أخبرنا إسماعيل السدي قال: سألت أنس(11/25)
ابن مالك - رضي الله تعالى عنه - أصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم ؟ قال: لا أدري - رحمة الله على السيد إبراهيم - لو عاش لكان صديقا نبيا.
وروى ابن عساكر من طريقين عن السدي قلت لانس: كم بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد كان غلاما بالمهد ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يبق لان نبيكم آخر الانبياء صلى الله عليه وسلم قال الباوردي في " المعرفة " حدثنا محمد بن عثمان بن محمد حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا أبو عامر الاسدي ثنا سفيان عن السدي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا ".
وروى ابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن له مرضعا في الجنة، ولو عاش لكان صديقا نبيا ".
وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا ".
فائدة: قال الشيخ تقي الدين السبكي - قدس الله روحه ونور ضريحه - في الكلام على حديث " كنت نبيا، وآدم بين الروح والجسد " فإن قلت النبوة وصف، لا بد أن يكون الموصوف به موجودا وإنما تكون بعد أربعين سنة أيضا فكيف يوصف قبل وجوده وقبل إرساله ؟ قلت: قد جاء أن الله تعالى خلق الارواح قبل الاجساد، فقد تكون الاشارة بقوله: " كنت نبيا " إلى روحه الشريفة وإلى حقيقة والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها، ومن أمده الله تعالى بنور إلهى.
ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من (قبل) (1) خلق آدم صلى الله عليه وسلم أتاها والله ذلك الوصف بأن يكون
خلقها متهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبيا انتهى.
وقد سبق ذلك في أوائل الكتاب.
ومن هذا يعرف تحقيق نبوة السيد إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال صغره، وإن لم يبلغ سن الوحي.
الثامن: في الوصية بأخواله القبط.
روى ابن سعد عن الزهري مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم، فإن لهم ذمة، وإن لهم رحما.
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/26)
وروي عن أبي بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " استوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما ".
وروى الطبراني عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الله الله في قبط مصر فإنكم مستظهرون عليهم، فيكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله ".
تنبيهات الأول: قد تقدم أن أم بردة خولة بنت المنذر أرضعته، والمشهور برضاعه أم سيف وسماها القاضي عياض خولة بنت المنذر، فليحرر.
الثاني: لا تضاد بين حديث أنس وبين قول ابن الزبير أن التسمية كانت يوم سابعه بل ذلك محمول على أن التسمية كانت قبل السابع على ما اقتضاه حديث أنس ثم ظهرت التسمية يوم السابع ويحمل أمره صلى الله عليه وسلم بالامر بالتسمية في اليوم السابع على أنه لا يؤخر عن السابع، لانها لا تكون إلا فيه وهي مشروعة من وقت الولادة إلى يوم السابع قاله المحب الطبري.
الثالث: قال الحكيم الترمذي: الولد من ريحان الله تعالى يشمه المؤمن فيلتذ به فكأنه أحب أن يتزود من ريحان الله - تعالى - عند آخر العهد به، وانكبابه عليه يدل على اشتمامه، وكذلك
قيل ريح الولد من ريح الجنة، فانكبابه على إبراهيم عند إدراجه في أكفانه تزود منه، وبكاؤه توجع منه لمفارقة من يشمه ريحانا من الله، وإنما قيل: من ريحان الله تعالى فنسب إلى الله - عز وجل - لانه هبة الله فالهبة منه حشوها البر واللطف وظاهرها الابتلاء وقد يكون بكى رحمة له، لان أجساد الاموات إنما زانت بالارواح وأشرقت بالعبودية.
الرابع: روى الامام أحمد والبزار وأبو يعلي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه.
قال الحافظ: إسناده حسن وصححه ابن حزم، لكن قال الامام أحمد في رواية " حسل " عنه حديث منكر وقال الخطابي: حديث عائشة أحسن اتصالا من الرواية التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ولكن هي أولى ".
وقال ابن عبد البر: حديث عائشة لا يصح، فقد أجمع جماهير العلماء على الصلاة على الاطفال، إذا استشهدوا، وهو عمل مستفيص في السلف والخلف، ولا أعلم أحدا جاء عنه غير هذا إلا عن سمرة بن جندب ثم قال: وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يصل عليه في جماعة أو أمر أصحابه بالصلاة عليه فلم يحضرهم، فلا يكون مخالفا لما عليه العلماء في ذلك، وهو أولى ما حمل عليه حديثها.
قال النووي: ذهب الجمهور إلى أنه صلى الله عليه وسلم صلى وكبر أربع تكبيرات.
واختلف قول من قال: إنه لم يصل عليه في سبب ذلك، فقالت طائفة: استغنى بنبوة(11/27)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة التي هي شفاعة له كما استغنى الشهيد بشهادته عن الصلاة عليه وقالت طائفة أخرى: إنه مات يوم كسفت الشمس فاشتغل بصلاة الكسوف عن الصلاة عليه.
وقالت فرقة أخرى: لا تعارض بين هذه الاثار في أنه أمر بالصلاة عليه وفي رواية أخرى: والمثبت أولى، لان معه زيادة علم، وإذا تعارض النفي والاثبات قدم الاثبات.
وقيل: إنما لم يصل عليه، لانه نبي، ولا يصلى على نبي فقد ورد " لو عاش لكان نبيا "
وهذا ليس بشئ فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه.
الخامس: قداستنكر أبو عمر حديث أنس فقال بعد إيراده في " التمهيد " هذا: لا أدري ما هو فقد ولد نوح - عليه الصلاة والسلام - من ليس نبيا وكما يلد غير النبي نبيا، فكذلك يجوز أن يلد النبي غير نبي، والله أعلم، ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل واحد نبيا، لانه من ولد نوح - عليه السلام - وذا آدم نبي مكلم وما أعلم في ولده لصلبه نبيا غير شيث، قال النووي في ترجمة إبراهيم من " تهذيبه " وأما ما روي: لو عاش لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلات.
وقال الحافظ: وهو عجيب مع ورده عن ثلاثة من الصحابة، وكأنه لم يظهر له وجه تأويله.
فقال في إنكاره: وجوابه أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحابي أنه يهجم على مثل هذا بظنه ذكره في الاصابة، وقال في الفتح: قلت: ولو استحضر النووي هذه الاحاديث لما قال ما قال.
السادس: في بيان غريب ما سبق.
مارية: من أهل مصر أهداها له المقوقس مالك الاسكندرية.
القبطية: منسوبة إلى القبط مذكورة في المناقب.
يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الانسان ماله.
خمش وجه: أي خدوش يقال خمش المرأة وجهها تخمشه خمشا وخموشا الخموش مصدر الصراخ: [...].
القين بقاف مفتوحة فمثناة تحتية، فنون هو الجراد.
يكيد: أي يسوق بها، وقيل: معناه يقارب بها الموت وقد يكون من الكيد وهو القئ.
القبط جبل بمصر وقيل: هم أهل مصر.
ظئرا [ بكسر المعجمة وسكون التحتانية المهموزة بعدها راء.
أي مرضعا، وأصل الظئر
من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها ].(11/28)
الباب السادس في مناقب السيدة زينب بنت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع
الأول: في مولدها - عليها السلام -: لا خلاف في أنها أكبر بناته صلى الله عليه وسلم، إنما الخلاف فيها وفي سيدنا القاسم أيهما ولد أولا.
قال ابن إسحاق: سمعت عبد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي يقول: ولدت السيدة زينب بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأدركت الاسلام وهاجرت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محبا لها عليها السلام.
الثاني فيمن تزوجها.
تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي واسمه لقيط على الاكثر، وقيل: هشيم، وقيل مهشم أمه هالة بنت خويلد، أخت خديجة - رضي الله تعالى عنها -.
روي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وتجارة وأمانة، فقالت خديجة - رضي الله تعالى عنها - لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها وذلك قبل أن ينزل عليه، فزوجه زينب - رضي الله تعالى عنها - فلما أكرم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بنبوته آمنت خديجة وبناتها - رضي الله تعالى عنهن - فلما نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بأمر الله تعالى أتوا العاص بن الربيع فقالوا له: فارق صاحبتك، ونحن نزوجك بأي امرأة شئت من قريش (فقال: لا، والله، لا أفارق صحابتي مما يسرني أن لي بامرأتي أفضل من أي امرأة من قريش) (1).
الثالث: في هجرتها - رضي الله تعالى عنها -.
روى الطبراني والبزار - برجال الصحيح - أن السيدة زينب بنت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنت أبا العاص بن الربيع زوجها أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها، فخرجت مع كنانة أو ابن كنانة بن الربيع، فخرجوا في طلبها، فأدركها هبار بن الاسود، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها وألقت ما في بطنها، وهريقت دما واشتجر فيها بنو هاشم، وبنو أمية فقال نحن أحق بهما، وكانت تحت ابن عمهم أبي العاص وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة وكانت تقول: هذا في سبب أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: " ألا تنطلق فتجئ بزينب " فقال: بلى يا رسول الله، قال: فخذ خاتمي فأعطها إياه، فانطلق زيد، فلم
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/29)
يزل يتلطف فلقي راعيا فقال لمن ترعي غنمك ؟ فقال: لابي العاص، فقال: لمن هذه الغنم ؟ قال لزينب بنت محمد - فسار معه شيئا - ثم قال له: هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إياه ولا تذكر لاحد ؟ قال: نعم، فأعطاه الخاتم وانطلق الراعي، وأدخل غنمه، وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت: من أعطاك هذا ؟ قال: رجل، قالت: فأين تركته ؟ قال: بمكان كذا وكذا، فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إليه، فلما جاءته، قال لها اركبي بين يدي على بعيري، قالت: لا ولكن اركب أنت بين يدي فركب وركبت وراءه حتى أتت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هي خير بناتي أصيبت في ".
وروي الطبراني عن محمد بن إسحاق - رحمه الله تعالى - قال: كان في أسارى بدر أبو العاص بن الربيع العبشمي.
الرابع: إسلام زوجها أبي العاص - رضي الله تعالى عنه -.
روى الحاكم بسند صحيح عن الشعبي - رضي الله تعالى عنه - قال: كانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أبي العاص بن الربيع فهاجرت، وأبو العاص على دينه، فاتفق أنه خرج إلى الشام في تجارة فلما كان بقرب المدينة أراد بعض المسلمين أن يخرجوا إليه، فيأخذوا ما
معه ويقتلوه فبلغ ذلك زينب، فقالت: يا رسول الله، أليس عقد المسلمين وعهدهم واحدا ؟ قال: بلى قالت: فاشهد أني أجرت أبا العاص، فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا إليه عزلا بغير سلاح فقالوا: يا أبا العاص، إنك في شرف قريش، وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره فهل لك أن تسلم فتغتنم ما معك من أموال أهل مكة ؟ قال: بئس ما أمرتموني به أن أنسخ ديني بعذر، فمضى حتى قدم مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه، ثم قال: يا أهل مكة أوفيت ذمتي ؟ قالوا: اللهم نعم، فقال فإني أشهدا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم قدم المدينة مهاجرا...الخامس: في ردها إلى زوجها أبي العاص - رضي الله تعالى عنه - من غير تجديد عقد.
روى الامام أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته إلى أبي العاص بعد سنين بنكاحها الاول، ولم يحدث صداقا.
السادس: في ثناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي العاص - رضي الله تعالى عنه -.
روى الشيخان عن المسور بن مخرمة أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي، جهل، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكحا ابنة أبي جهل قال المسور: فقام(11/30)
النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد ثم قال: " أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني وإن فاطمة بنت محمد مضغة مني وإنما أكره أن يفتنوها وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا قال: فترك علي الخطبة.
[ روى محمد بن عمر، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال: خرج أبو العاص بن الربيع إلى الشام في عير لقريش وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلك العير قد أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب فلقوا العير بناحية العيص في
جمادي الاولى سنة ست من الهجرة فأخذوها وما فيها من الاثقال وأسروا ناسا ممن كان في العير، منهم أبو العاص بن الربيع.
فلم يعد أن جاء المدينة فدخل على زينب بنت رسول الله بسحر وهي امرأته فاستجارها فأجارته، فلما صلى رسول الله الفجر قامت على بابها فنادت بأعلى صوتها: إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.
فقال رسول الله: " أيها الناس هل سمعتم ما سمعت ؟ " قالوا: نعم.
قال: " فوالذي نفسي بيده ما علمت بشئ مما كان حتى سمعت الذي سمعتم.
المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم وقد أجرنا من أجارت ".
فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه ففعل، وأمرها أن لا يقربها فإنها لا تحل له مادام مشركا.
ورجع أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه ثم أسلم ورجع إلي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما مهاجرا في المحرم سنة سبع من الهجرة، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بذلك النكاح الأول ].
السابع: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها -: روى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن ابن الزبير - رحمه الله تعالى - أن رجلا أقبل بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحقه رجلان من قريش فقاتلاه حتى غلباه عليها فدفعاها فوقعت على صخرة، فأسقطت وهريقت دما، فذهبوا بها إلى أبي سفيان فجاءته نساء بني هاشم، فدفعها إليهن ثم جاءت بعد ذلك مهاجرة فلم تزل وجعة حتى ماتت، من ذلك الوجع فكانوا يرون أنها شهيدة، وكانت وفاتها في أول سنة ثمان من الهجرة فغسلتها أم أيمن وسودة بنت زمعة وأم سلمة وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في قبرها، ومعه أبو العاص وكان جعل لها نعش، فكانت أول من اتخذ لها ذلك.
السابع: في ذكر أولادها - رضي الله تعالى - عنهم -.
قال أبو عمر وغيره ولدت السيدة زينب - رضي الله تعالى عنها - من أبي العاص غلاما يقال له: علي توفي وقد ناهز الحلم، كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح، ومات في حياته، وولدت له جارية، يقال لها: أمامة تزوجها علي بعد فاطمة - رضي الله تعالى عنها - ولم تلد فليس لزينب عقب، قال مصعب بن الزبير كما رواه ابن أبي خيثمة عنه، وكان(11/31)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها ويحملها في الصلاة، وكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.
وروى الامام أحمد وأبو يعلى والطبراني وسند الاولين حسن، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة من جزع، معلمات بالذهب، ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع جارية تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف ترين هذه ؟ " فنظرن إليها، فقلن: يا رسول الله، ما رأينا أحسن من هذه قط ولا أعجب، فقال: " ارددنها إلي "، فقالت: والله، لاضعنها في رقبة أحب أهل البيت إلي قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - فأظلت على الارض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن ولا أراهن إلا أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعا سكوتا، فأقبل بها حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص فسري عنا.
وروى الزبير بن بكار والطبراني - رحمه الله تعالى - قال: أوصى أبو العاص بن الربيع بابنته أمامة إلى الزبير فزوجها الزبير علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - بعد وفاة السيدة فاطمة، وقتل علي وأمامة عنده.
ورواه ابن أبي خيثمة عن مصعب عم الزبير.
وروى أيضا بسند ضعيف عن محمد بن عبد الرحمن أن عليا لما طعن، قال لامامة: لا تتزوجي وإن أردت الزواج لا تخرجي من رأي المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فخطبها معاوية بن أبي سفيان فقال لها المغيرة: أنا خير لك منه، فاجعلي أمرك إلي، فجعلت، فدعا رجالا فتزوجها، فماتت أميمة بنت أبي العاص عند المغيرة بن نوفل، ولم تلد له فليس للسيدة زينب - رضي الله تعالى عنها - عقب قيل: ولدت أمامة للمغيرة ولدا يقال له يحيى.(11/32)
الباب السابع في بعض مناقب السيدة رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع
الأول: في مولدها واسمها وفيمن تزوجها.
ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث وثلاثون سنة، وسماها رقية - بقاف واحدة وبالتشديد -، أسلمت حين أسلمت أمها خديجة بنت خويلد وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايعه النساء، قال قتادة بن دعامة ومصعب بن الزبير: فيما رواه ابن أبي خيثمة - رضي الله تعالى عنه - كانت رقية - رضي الله تعالى عنها - تحت عتبة بن أبي لهب، وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة فلما نزلت (تبت يدا أبي لهب وتب) [ المسد / 1 ] قال أبوه لهما: رأس بين رؤوسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد،، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة طلاق رقية، وسألته رقية ذلك فقالت له أمه: وهي حمالة الحطب: طلقها يا بني فإنها قد صبأت ففارقهما ولم يكونا دخلا بهما فتزوجت رقية عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنهما - بمكة وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة، وذكر الدولابي أن تزوج عثمان إياها كان في الجاهلية، والذي ذكره غيره أنه كان بعد إسلامه.
وروى الطبراني من طريقين بإسناد حسن والزبير بن بكار عن قتادة بن دعامة - رحمه الله تعالى - قال: كانت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عتبة بن أبي لهب، فلما أنزل الله تعالى (تبت يد أبي لهب) [ المسد / 1 ] سأل النبي صلى الله عليه وسلم عتبة طلاقها، وسألته رقية ذلك فتزوج عثمان بن عفان رقية وتوفيت عنده.
وروي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: أتت قريش عتبة بن أبي لهب، فقالوا له: طلق ابنة محمد، ونحن نزوجك.
الثاني: في أن تزويج رقية عثمان - رضي الله تعالى عنهما - كان بوحي.
روى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله - عزوجل - أوحى إلي أن أزوج كريمتي عثمان ".
وروي عن عروة بن الزبير - رضي الله تعالى عنه - [...].
الثالث: في حسنها - رضي الله تعالى عنها -: قال أبو عمرو - رحمه الله تعالى -: كانت رقية ذات جمال رائع وقال أبو محمد بن قدامة: وكانت ذات جمال بارع، فكان يقال: أحسن زوج رآها الانسان مع زوجها.(11/33)
وروي عن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بصحفة فيها لحم فدخلت عليه [ ورقية جالسة فما رأيت اثنين أحسن منهما فجعلت مرة انظر إلى رقية ومرة انظر إلى عثمان فلما رجعت قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: أدخلت عليهما قلت: نعم قال: فهل رأيت زوجا أحسن منهما قلت لا يا رسول الله لقد جعلت مرة انظر إلى رقية ومرة انظر إلى عثمان.
رواه الطبراني وقال: كان هذا قبل نزول الحجاب، وفيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح.
وعن عبد الله بن حزم المازني قال: رأيت عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه رواه الطبراني وفيه الربيع بن بدر وهو متروك.
وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه ازار عدني غليظ ثمنه أربعة دراهم أو خمسة وريطة كوفية ممشقة ضرب اللحم طويل اللحية حسن الوجه.
رواه الطبراني واسناده حسن.
وعن موسى بن طلحة قال: كان عثمان يوم الجمعة يتوكأ على عصا وكان أجمل الناس وعليه ثوبان أصفران ازار ورداء حتى يأتي المنبر فيجلس عليه.
رواه الطبراني عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف.
وعن عبد الله بن عون القاري قال: رأيت عثمان بن عفان أبيض اللحية.
رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه وعن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن سعد قال: رأيت عثمان بن عفان أصفر اللحية.
رواه الطبراني عن مقدام بن داود وهو ضعيف ].
الرابع: في هجرتها - رضي الله تعالى عنها -.
روى ابن أبي خيثمة بن سليمان وعمر الملا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: أول من هاجر إلى أرض الحبشة عثمان، وخرج معه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما.
فجعل يترقب الخبر فقدمت امرأة من قريش، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: رأيتها،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " على أي حال رأيتها ؟ " فقالت: رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب، وهو يسوقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " منحهما الله - عز وجل - إن عثمان لاول من هاجر بأهله إلى الله - عز وجل - بعد لوط - عليه السلام - ".
الخامس: في إجابة دعائها - رضي الله تعالى عنها -: قال أبو محمد بن قدامة: روينا أن فتيان أهل الحبشة كانوا يعرضون للسيدة رقية وينظرون إليها، ويعجبون من جمالها فأذاها ذلك، فدعت عليهم جميعا، فهلكوا.
السادس: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها -: قال مصعب بن الزبير: توفيت رقية عند عثمان بالمدينة وتخلف عليها عن بدر، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره.
وقال ابن شهاب: تخلف عثمان على امرأته السيدة رقية بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت - عليها السلام - وجعة فتوفيت يوم قدم أهل بدر المدينة، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم(11/34)
بسهمه وأجره، رواهما ابن أبي خيثمة توفيت - عليها السلام - على رأس سبعة عشر شهرا من مهاجرته صلى الله عليه وسلم.
السابع: في ولدها - رضي الله تعالى عنها -: أسقطت من عثمان سقطا ثم ولدت له عبد الله.
قال مصعب بن الزبير: ولدت رقية لعثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنهما - بالحبشة ولدا سماه عبد الله فكان يكنى به، بلغ سنتين، وقيل ست سنين فنقره في عينيه ديك، فتورم وجهه ومرض فمات.
قال في: " العيون " إنه مات بعد أمه سنة أربع، ولم تلد شيئا غيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: " ونزل في حفرته أبوه عثمان ".
وقال الدولابي: مات، وهو رضيع، والله تعالى أعلم وشذ قتادة فقال: لم تلد لعثمان - رضي الله تعالى عنه - وغلطوه في ذلك.(11/35)
الباب الثامن في بعض مناقب السيدة أم كلثوم بنت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع
الأول: في مولدها عليها السلام وفيمن تزوجها وولدت هي أكبر من أختها فاطمة - رضي الله تعالى عنها - وسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم كلثوم ولم يعرف لها اسم غيره وإنما تعرف بكنيتها، أسلمت أخواتها حين أسلمت وبايعت معهن، وهاجرت حين هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما توفيت رقية تزوجها عثمان بن عفان في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة وبني بها في جمادي الاخرة منها، وتقدم في الباب السابع أن عتيبة بن أبي لهب كان تزوجها ثم فارقها، ولم يدخل بها فخلف عليها عثمان - رضي الله تعالى عنهما - بعد أختها رقية بوحي من الله عز وجل.
روي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها ".
وروى ابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها ".
وروى ابن ماجه وابن عساكر عنه قال: لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان عند باب المسجد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا عثمان، هذا جبريل أخبرني أن الله تعالى أمرني أن أزوجك أم كلثوم، بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها ".
الثاني في كيفية تزويجها.
روى ابن عساكر مرسلا عن سعيد بن المسيب - رضي الله تعالى عنه - قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا عثمان، هذا جبريل يأمرني عن الله عز وجل أن أزوجك أم كلثوم أختها على مثل صداقها - يعني صداق رقية - وعلى مثل عشرتها ".
الثالث في وفاتها - رضي الله تعالى عنها -.
قال في العيون: إنها ماتت في شعبان سنة تسع من الهجرة فيحرر، وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبرها، ونزل في حفرتها علي والفضل وأسامة - رضي الله تعالى عنهم - ولم تلد من عثمان شيئا - رضي الله تعالى عنها - والله تعالى أعلم.(11/36)
الباب التاسع في بعض مناقب السيدة فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع
الأول: في مولدها - عليها السلام - واسمها وكيفيتها: نقل أبو عمرو عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي، قال: ولدت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - سنة إحدى وأربعين من مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا مغاير لما ذكره ابن إسحاق، وغيره أن أولاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم - عليه السلام - وقال ابن الجوزي وغيره: ولدت قبل النبوة بخمس سنين أيام بناء البيت.
ونقل أبو عمرو عن الواقدي " أنها ولدت والكعبة تبني، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ابن خمس وثلاثين سنة وبه جزم المدائني وقيل: كان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر، وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين وانقطع نسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوائل المحرم سنة اثنين بعد عائشة بأربعة أشهر، وكانت تكنى أم أبيها - بكسر الموحدة بعدها مثناة، تحتية - ومن قال غير ذلك فقد صحف - انتهى.
الثاني: ما جاء في مهرها وكيف تزوجها ووليمة عرسها، وما جهزت به - رضي الله تعالى عنها - تزوجها علي - رضي الله تعالى عنه - وهي ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر أو
ستة ونصف من السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبني بها في ذي الحجة، وقيل: تزوجها في رجب وقيل: في صفر وسنها - رضي الله تعالى عنها - يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر، ولم يتزوج عليها حتى ماتت - رضي الله تعالى عنهما -.
قال جعفر بن محمد: تزوج علي فاطمة - رضي الله تعالى عنها - في شهر صفر في السنة الثانية، وبنى بها في شهر ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة.
قال أبو عمر: وبعد وقعة بدر.
وقال غيره: بعد بنائه بعائشة - رضي الله تعالى عنها - بأربعة أشهر ونصف شهر، وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر.
وروى الحاكم والبيهقي، وابن إسحاق عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قالت لي مولاة لي: هل علمت ().
وروي مسدد عن رجل سمع عليا - رضي الله تعالى عنه - بالكوفة يقول: أردت أن أخطب فاطمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت أن لا شئ لى، ثم ذكرت عائدته وصلته(11/37)
فخطبتها، فقال: - أرني درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم كذا، وكذا قال: هي عندي، قال: فأعطها إياه، ثم قال: لا تحدث شيئا حتى آتيكما، فأتاني وعلينا قطيفة أو كساء، فلما رآنا تحسسنا، فدعا فأتيا بإناء فدعا فيه، ثم دسه علينا، فقلت: يا رسول الله أينا أحب إليك ؟ قال: هي أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها.
وروي الطبراني عن حجر بن عنبس - رحمه الله تعالى - قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة - رضي الله تعالى عنهما - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هي لك يا علي ".
ورواه البزار ورجالهما ثقات وحجر لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وزاد " ولست بدجال " وقوله - صلى الله عليه وسلم - " ولست بدجال ": يدل على أنه قد كان وعده فقال: لا أخلف الوعد.
وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت
قاعدا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي ".
وروي البيهقي والخطيب وابن عساكر عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت قاعدا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغشيه الوحي فلما سري عنه قال: " يا أنس، أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش " قلت: الله ورسوله أعلم قال: " إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي ".
وروى إسحاق بسند ضعيف عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه لما تزوج فاطمة قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اجعل عامة الصداق في الطيب ".
وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: خطبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة فباع علي درعا له، وبعض متاع من متاعه، فبلغ أربعمائة وثمانين درهما، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل ثلثيه في الطيب وثلثا في الثياب، ومج في جرة من ماء، وأمرهم أن يغتسلوا به، قال: وأمرها أن لا تسبقه برضاع ولدها فسبقته برضاع الحسين، وأما الحسن فإنه - صلى الله عليه وسلم - صنع فيه شيئا لا يدري (ما هو، فكان أعلم الرجلين) (1).
وروى ابن أبي خيثمة وابن سعد عن علباء بن أحمر اليشكري - رحمه الله تعالى - أن عليا - رضي الله تعالى عنه - تزوج فاطمة على أربعمائة وثمانين، فأمره النبي أن يجعل في ثلثين الطيب وثلثا في الثياب.
وروى ابن سعد عنه أن عليا باع بعيرا له بثمانين وأربعمائة درهم، فقال النبي: - صلى الله عليه وسلم - " اجعلوا ثلثيه في الطيب وثلثا في الثياب ".
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/38)
روى الطبراني وابن أبي خيثمة وابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن يعلى الاسلمي، والبزار من طريق محمد بن ثابت بن أسلم، وهما ضعيفان عن أنس بن مالك وابن أبي خيثمة والطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال ابن ثابت: إن عمر بن
الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أتى أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - قال: ما يمنعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يزوجني، قال: إذا لم يزوجك فمن يزوج إنك من أكرم الناس عليه، وأقدمهم في الاسلام قال: فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة، فقال: يا عائشة، إذا رأيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طيب نفس وإقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة فلعل الله عز وجل أن ييسرها إلي، قال: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأت منه طيب نفس، وإقبالا، فقالت: يا رسول الله إن أبا بكر ذكر فاطمة وأمرني أن أذكرها، فقال: حتى ينزل القضاء فرجع إليها أبو بكر فقالت: يا أبتاه، وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت وقال يحيى: إن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله قد عرفت مني صحبتي، وقدمي في الاسلام قال: وما ذاك ؟ قال: تزوجني فاطمة، فسكت عنه ساعة أو قال فأعرض عنه، فرجع أبو بكر إلى عمر، فقال: هلكت، وأهلكت، قال: وما ذاك ؟ قال خطبت فاطمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعرض عني، وقال ابن ثابت: فانطلق عمر إلى حفصة، وقال لهما: إذا رأيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة لعل الله أن ييسرها إلي، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت حفصة: ووجدت منه إقبالا وطيب نفس فذكرت له فاطمة - رضي الله تعالى عنها - فقال: حتى ينزل القضاء، قال ابن ثابت: فأتى عمر - رضي الله تعالى عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد بين يديه، فقال: يا رسول الله، قد علمت مني صحبتي وقدمي في الاسلام، وإني وإني، قال: " وماذا ؟ " قال: تزوجني فاطمة، فأعرض، عنه، فرجع عمر إلى أبي بكر، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها، فانطلق عمر إلى علي قال يحيى: إن أبا بكر وعمر قالا: انطلق بنا إلى علي حتى نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا، قال علي: فأتياني وأنا في سبيل، فقالا: بنت عمك تخطب فنبهاني لامر فقمت أجر ردائي طرف على عاتقي، والطرف الاخر في الارض حتى أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن ثابت: ولم يكن لعلي، مثل عائشة ولا مثل حفصة، فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أريد أن أتزوج فاطمة، قال فافعل، قال: ما عندي إلا درعي الحطمية..الحديث.
وفي حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - عند الطبراني من طريق يحيى بن العلاء، قال: كانت فاطمة تذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يذكرها أحد إلا صد عنه حتى يئسوا منها فلقي سعد بن معاذ - رضي الله تعالى عنه - عليا فقال: إني والله ما أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبها إلا عليك، فقال له: علي - رضي الله عنه -: هل ترى ذلك، ما أنا(11/39)
بأحد الرجلين ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي وقد علم ما لي بيضاء ولا صفراء.
وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه - يعني يتألفه بها، أني لاول من أسلم فقال سعد إني أعزم عليك لتفرجنها عني، فإن لي في ذلك فرجا قال: أقول ماذا ؟ قال ؟: جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مرحبا، كلمة ضعيفة ثم رجع إلى سعد، فقال: قد فعلت الذي أمرتني به فلم يزد على أنه رحب بي كلمة ضعيفة، فقال سعد: أنكحك والذي بعثه بالحق، إنه لا خلف ولا كذب عنده، أعزم عليك لتأتينه فلتقولن يا نبي الله، تبنيني ؟ فقال علي: هذه أشد علي من الاولى أو لا أقول: يا رسول الله، حاجتي ؟ قال: قل كما أمرتك، فانطلق علي فقال: يا رسول الله، تبنيني ؟ قال: " الليلة إن شاء الله "..الحديث.
وفي حديث بريرة عند النسائي في عمل اليوم والليلة والروباني في مسنده، وعند البزار والطبراني برجال ثقات غالبهم رجال الصحيح والدولابي: أن نفرا من الانصار قالوا لعلي - رضي الله تعالى عنه -: لو خطب فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبي.
وفي لفظ: لو كانت عندك فاطمة فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما حاجة ابن أبي طالب ؟ فقال: يا رسول الله، ذكرت بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مرحبا وأهلا " لم يزده عليهما فخرج على أولئك النفر من الانصار وهم ينتظرونه فقالوا له: ما وراءك ؟ قال: ما أدري، غير أنه قال لي: مرحبا وأهلا، قالوا: يكفيك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما أعطاك الاهل والمرحب.
وفي حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقال سعد: أنكحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي بعثه بالحق إنه لا خلف ولا كذب عنده، أعزم عليك لتأتينه غدا، فتقول يا نبي الله متى تبنيني بأهلي، فقال علي: هذه أشد علي من الاولى أو لا أقول: يا رسول الله حاجتي قال: قل كما أمرتك فانطلق علي، فقال: يا رسول الله، متى تبنيني بأهلي ؟ قال: " الليلة إن شاء الله تعالى " - قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما عندك يا علي " فقلت: يا رسول الله، فرسي وبدني يعني درعي الحطمية - قال: " أما فرسك لا بد لك منه، وأما بدنك فبعها " فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما، فأتيت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة، فقال: " يا بلال " ابغني بها طيبا وقال ابن ثابت: فقبض ثلاث قبضات، فرفعها إلى أم أيمن فقال: اجعلي منها قبضة في الطيب.
أحسبه قال الباقي فيما يصلح المرأة، وزوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغت من الجهاز وأدخلتهم بيتا.(11/40)
وفي حديث بريدة: فلما كان بعدما زوجه قال: " يا علي، إنه لا بد للعروس من وليمة " فقال سعد: عندي كبش.
وجمع له رهط من الانصار من ذرة، ورواه الامام أحمد برجال الصحيح غير عبد الكريم بن سليط وهو مستور بلفظ، وقال: على فلان كذا وكذا من ذرة.
وفي حديث يحيى وأمرهم أن يجهزوها فجعل لها سريرا مشرطا بالشريط ووسادة من أدم حشوها ليف، وملا البيت كثيبا يعني رملا، وقال: إذا أتتك، فلا تحدث شيئا حتى آتيك فجاءت مع أم أيمن فقعدت في جانب البيت، وأنا في جانب.
وروى الامام أحمد بسند جيد عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف، وثور وسقاء وجرتين.
وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنهما - رضي الله تعالى عنهما - قالت: لقد جهزت
فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي - رضي الله تعالى عنهما - وما كان حشو فرشهما ووسادتهما إلا ليف.
وروى الامام في المناقب عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة في خميلة وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف.
وروى البلاذري عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية، ومنه تعجن فاطمة على ناحية.
وروى ابن حبان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض من المهر قبضة، وقال لبلال: اشتر لنا بها طيبا، وأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجهزوها فجعل سريرا مشرطا بشرائط ووسادة من أدم حشوها ليف.
وروى أبو بكر - بن فارس عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: كان فراش علي وفاطمة - رضي الله تعالى عنهما - ليلة عرسهما - إهاب كبش.
وروى أيضا عن ضمرة بن حبيب - رضي الله تعالى عنهما - قال قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنته السيدة فاطمة بخدمة البيت، وقضى على علي بما كان خارج البيت.
وروى مسدد مرسلا عن ضمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنته فاطمة - رضي الله تعالى عنها - بخدمة البيت، وقضى على علي - رضي الله تعالى عنه - بما كان خارج البيت.
وروى أحمد بن منيع بسند ضعيف عن أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها -(11/41)
قالت: تزوجت فاطمة بنت رسول - صلى الله عليه وسلم - على درع ومنشفة بمغفرة ونصف قطيفة بيضاء، وقدح وإن كانت تستر بكم درعها، وما لها خمار وقالت: أعطاني رسول - صلى الله عليه وسلم - أصبعا من تمر ومن شعير، فقال: " إذا دخلن عليك نساء الانصار فأطعميهن منه ".
وروى الطبراني من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: حضرنا عرس علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما رأينا عرسا كان أحسن منه - حسا لنا رسول - صلى الله عليه وسلم - زبيبا وتمرا فأكلنا منه وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش.
ورواه البزار وزاد، وحشونا الفراش - يعني: الليف -.
وروى عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السيدة فاطمة إلى علي - رضي الله تعالى عنهما - بعث معها بخميلة وهي القطيفة ووسادة من أدم حشوها ليف، وإذخر وقربتان وكانا يفترشان الخميل، ويلتحفان بنصفه انتهى.
وروى من طريق عوف بن محمد بن الحنفية عن أسماء بنت عميس - رضي لله تعالى عنها - قالت: أهديت جدتك فاطمة إلى جدك علي - رضي الله تعالى عنهما - فما كان حشو فراشهما ووسادتهما إلا ليفا، ولقد أولم علي على فاطمة - رضي الله تعالى عنها - فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته ورهن درعه عند يهودي بشطر شعير.
وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - أنه أولم على فاطمة وكانت وليمته آصعا من شعير وتمر.
وفي حديث ابن عباس فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فقال: " يا بلال، إني زوجت ابنتي ابن عمي، وأنا أحب أن يكون من سنة أمتي إطعام عند النكاح، فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة، فاجعل لي قصعة وادع عليها المهاجرين والانصار، فإذا فرغت فائتني بها ".
فانطلق ففعل ما أمره به، ثم أتاه بالقصعة فوضعها بين يديه فطعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصبعه في رأسها، ثم قال: أدخل علي الناس زفة زفة ولا تغادرن إلى غيرها، يعني إذا فرغت زفة فلا يعودن ثانية، فجعل الناس يردون كلما فرغت زفة وردت أخرى حتى فرغ الناس ثم عمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما فضل منها فتفل فيه وبارك.
وقال: " يا بلال، احملها إلى أمهاتك، وقل لهن يأكلن منها ويطعمن من يمشيكن " انتهى،
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: " يا علي، لا تحدثن إلى أهلك شيئا ".
وفي حديث أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - عند الطبراني برجال الصحيح قالت: لما أهديت السيدة فاطمة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما - لم نجد في(11/42)
بيته إلا رملا مبسوطا ووسادة حشوها ليف وجرة وكوزا، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تحدثن حدثا " أو قال: " لا تقربن أهلك حتى آتيك " فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أثم أخي " فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمى، ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول، ثم مسح صدر علي ووجهه ثم دعا فاطمة - رضي الله تعالى عنها - فقامت إليه تعثر في مرطها من الحياء فنضح من ذلك الماء ثم قال لها ما شاء الله أن يقول ثم قال لها: " أما إني لم آلك أن أنكحتك أحب أهلي إلى ".
وفي حديث بريدة - رضي الله تعالى عنه - فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي فقال " اللهم، بارك فيهما، وبارك لهما في أبنائهما ".
وفي لفظ " بارك لهما وبارك في شبلهما " (1).
قال الحافظ ابن ناصر الدين راوي الحديث صوابه بنسلهما، وأورده الضياء المقدسي في المختارة وفي حديث أسماء، قالت أسماء: ثم رأى سوادا من وراء الستر، أو من وراء الباب فقال: من هذا ؟ قالت: أسماء، قالت: نعم يا رسول الله جئت كرامة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الفتاة يبني بها الليلة ولا بد لها من امرأة تكون قريبا منها، إن عرضت لها حاجة أفضت بذلك إليها قالت: فدعا لي بدعاء، إنه لاوثق عملي عندي، ثم قال لعلي: " دونك أهلك "، ثم خرج فولى فما زال يدعو لهما، حتى توارى في حجره.
وفي حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على النساء فقال: إني قد زوجت ابنتي ابن عمي وقد علمتن منزلتها مني وأنا دافعها إليه، فدونكن فقمن النساء فغلفنها من طيبهن وألبسنها من ثيابهن وحلينها من حليهن، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل فلما رأى النساء ذهبن، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ستر وتخلفت أسماء بنت عميس - رضي الله
تعالى عنها - فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كما أنت، علي رسلك من أنت ؟ قالت: أنا التي أحرس ابنتك، فإن الفتاة الليلة يبنى بها ولا بد من امرأة تكون قريبا منها، إن عرضت لها حاجة أو أرادت شيئا أمضيت بذلك إليها، ثم صرخ بفاطمة.
وفي حديث يحيى فقال لفاطمة: " ائتني بماء " فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء فأتته به، فمج فيه ثم قال لها: قومي فنضح على رأسها وبين ثدييها، وقال: " اللهم، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم "، ثم قال: " ائتني بماء " فعلمت الذي يريده، فملات القعب ماءا فأتيته به فأخذ منه بفيه، ثم مجه فيه ثم صبه على رأسي وبين يدي ثم قال: " اللهم، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " ثم قال لي: " أدبري " فأدبرت فصب بين كتفي ثم
__________
(1) في ج (اللهم بارك لهما في شبلهما).
(*)(11/43)
قال: " اللهم، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " ثم قال لي: " ادخل على أهلك باسم الله والبركة ".
الثالث: في أنها كانت أحب الناس إليه - صلى الله عليه وسلم -.
روى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وعلي - رضي الله تعالى عنهما - وهما جالسان يضحكان، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مالكما كنتما تضحكان، فلما رأيتماني سكتما " فبادرت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - فقالت: بأبي أنت يا رسول الله قال هذا: أنا أحب إلى رسول صلى الله عليه وسلم منك، فقلت: بل أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " يا بنية لك رقة الولد وعلي أعز علي منك " وروى أبو داود الطيالسي والطبراني في الكبير، والحاكم والترمذي وقال: حسن وأبو القاسم البغوي في معجمه عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أحب أهل بيتي إلي فاطمة ".
وروى الطبراني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال: يا رسول الله، أينا أحب إليك أنا أم فاطمة ؟ قال: " فاطمة أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها.
" الرابع: في أن الله تبارك وتعالى يرضى لرضاها، ويغضب لغضبها.
روى الطبراني بإسناد حسن وابن السني في معجمه وأبو سعيد النيسابوري في " الشرف " عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: " إن الله تعالى يغضب لغضبك ويرضي لرضاك " انتهى.
الخامس في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها في فمها.
[ عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: ما رأيت أحدا كان شبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، فقبلها ورحب بها، وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه، وكانت هي إذا دخل عليها قامت إليه، فقبلته وأخذت بيده ].
السادس: فيما جاء أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر كان آخر عهده بها، وإذا قدم أول ما يدخل عليها - رضي الله تعالى عنها -.
روى الامام أحمد والبيهقي في " الشعب " عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - قال: كان(11/44)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده إتيان فاطمة، وأول من يدخل عليه فاطمة إذا قدم صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو عمر عن أبي ثعلبة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد، فصلى ركعتين ثم أتى فاطمة - رضي الله تعالى عنها - (ثم أتى أزواجه) (1).
السابع: في غيرته - صلى الله عليه وسلم - لها - رضي الله تعالى عنها -.
روى الطبراني عن أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - قالت: خطبني علي فبلغ ذلك السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أسماء متزوجة
علي بن أبي طالب فقال لها: " ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله ".
وروى الطبراني في المعاجم الثلاثة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن عليا - رضي الله تعالى عنه - خطب بنت أبي جهل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن كنت تزوجتها فرد علينا ابنتنا، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد ".
وروى البزار عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي شئ خير للمرأة فسكتوا، فلما رجعت قلت لفاطمة: أي شئ خير للنساء ؟ قالت: لا يراهن الرجال، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن فاطمة بضعة مني ".
الثامن: في تشبهها - رضي الله تعالى عنها - هديا وسمتا ودلاء ومشيا وحديثا به صلى الله عليه وسلم وقيامه صلى الله عليه وسلم لها إذا أقبلت وإجلالسه إياها مكانه.
إخباره - صلى الله عليه وسلم - أنها سيدة هذه الامة ونساء أهل الجنة.
روى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كنا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - تمشي.
[ كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " مرحبا يا بنتي " فأجلسها عن يمينه أو عن شماله: ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة، ثم إنه سارها فضحكت أيضا، فقلت لها: ما يبكيك ؟ فقالت: ما كنت لافشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين ؟ وسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لا فشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قبض سألتها فقالت: انه كان حدثني " أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة، وإنه عارضه به في العام مرتين، ولا أراني
__________
(1) سقط في ج.
(*)(11/45)
إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك " فبكيت لذلك، ثم إنه سارني فقال: " ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الامة " ؟ فضحكت
لذلك.
وروى أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هديا، ولا حديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة - رضي الله تعالى عنها -.
وروى ابن حبان عنها قالت: ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة - رضي الله تعالى عنها - وكانت إذا دخلت قام إليها فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه وكانت هي - رضي الله تعالى عنها - إذا دخل صلى الله عليه وسلم عليها قامت إليه فقبلته وأخذت بيده وأجلسته مكانها فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فأسر إليها فبكت ثم أسر إليها فضحكت فقلت: كنت أحسب أن لهذه المرأة فضلا على نسائنا فإذا هي امرأة منهن بينما هي تبكي إذ هي تضحك، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عن ذلك فقالت أسر إلي أنه ميت فبكيت ثم أسر إلي أني أول أهله لحوقا به فضحكت.
وروى الامام أحمد وأبو يعلى برجال الصحيح والترمذي من غير ذكر فاطمة ومريم - عليهما السلام - عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وفاطمة سيدة نسائهم إلا ما كان من مريم بنت عمران ".
وروى الطبراني في " الاوسط " " والكبير " برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فاطمة وخديجة ثم آسية بنت مزاحم امرأة فرعون - وفي لفظ - وآسية ".
وروى الطبراني برجال الصحيح عن محمد بن مروان الذهلي وثقه ابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن ملكا من السماء لم يكن زارني فاستأذن ربي في زيارتي فأذن له فبشرني وأخبرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي، وسيأتي لهذا مزيد بيان في مناقب السيدة خديجة - رضي الله تعالى عنها -.
التاسع: في إثبات فضلها - رضي الله تعالى عنها - بأبيها صلى الله عليه وسلم وأقاربها أصلا وفرعا.
روى الطبراني عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: " نبينا خير الانبياء، وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك "...الحديث.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: " ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها صلى الله عليه وسلم ".(11/46)
العاشر: في أنها أصدق الناس لهجة.
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة - رضي الله تعالى عنها - إلا أن يكون أباها صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو عمر عنها قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة - رضي الله تعالى عنها - إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم.
الحادى عشر: في برها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو يعلي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة فقال: يا بنية، هل عندك أكلة، فإني جائع فقالت: لا والله، بأبي أنت وأمي، فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها فوضعته في جفنة لها، وغطت عليها، قالت: والله، لاوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شعبة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له: بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشئ فخبأته لك قال: " هلمي فأتته فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت، وعرفت أنها بركة من الله، فحمدت الله وصلت على نبيه وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه حمد الله وقال: " من أين لك هذا يا بنية ؟ " فقالت: يا أبت، هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جميعا
حتى شبعوا وبقيت الجفنة كما هي، قالت: فأوسعت ببقيتها على جميع جيرانها، وجعل الله فيه بركة وخيرا كثيرا.
الثاني عشر: فيما كانت فيه من ضيق العيش وخدمتها نفسها - رضي الله تعالى عنها - مع استصحاب الصبر الجميل.
روى الدولابي عن أسماء بنت عميس عن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها.
وروى أبو يعلي برجال الصحيح وابن أبي شيبة عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت لامي فاطمة بنت أسد - رضي الله تعالى عنها - اكفي بنت محمد صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك خدمة الداخل الطحن والعجن.
وروى الطبران برجال ثقات إلا عتبة بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه جماعة عن عمران بن حصين قال: إني لجالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة، فقامت بحذاء النبي صلى الله عليه وسلم مقابلة فقال:: " ادني يا فطمة "، فدنت دنوة، ثم قال " ادني يا فاطمة "، فدنت دنوة، ثم قال:(11/47)
" ادني يا فاطمة " فدنت دنوة حتى قامت بين يديه قال عمران: فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها وذهب الدم فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ثم وضع كفه بين ترائبها فرفع رأسه قال: " اللهم، مشبع الجوعة، وقاضي الحاجة، ورافع الوضعة، لا تجع فاطمة بنت محمد "، فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها وظهر الدم، ثم سألتها بعد ذلك فقالت: ما جعت بعد ذلك.
وروى الامام أحمد بسند جيد عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال لفاطمة - رضي الله تعالى عنها - ذات يوم: والله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء أبوك بسبي فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله، لقد طحنت حتى مجلت يداي فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما جاء بك أي بنية ؟ " قالت: جئت لاسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال:
ما فعلت ؟ قالت: استحييت أن أسأله فأتيا جميعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: يا رسول الله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: يا رسول الله، لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة، فأخذمنا فقال: لا، والله، لا أعطيكم، وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم فرجع.
فأتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما فتأثر فقال: مكانكما، ثم قال: " ألا أخبر كما بخير مما سألتماني "، قالا: بلى، قال: " كلمات علمنيهن جبريل فقال: تسبحان الله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا، فإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين ".
[ قال: فوالله، ما تركتهن منذ سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال له: أين الكوا ولا ليلة صفين، فقال: قاتلكم الله يأهل العراق ولا ليلة صفين.
وروى الطبراني بسند حسن عن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوما فقال: " أين أبنائي ؟ " يعني: حسنا وحسينا قالت: أصبحنا وليس في بيتنا شئ يذوقه ذائق، فقال علي: اذهب بهما، فإني أتخوف أن يتليا عليك وليس عندك شئ، فذهب إلى فلان اليهودي فتوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في سرية بين أيديهما فضل من تمر، فقال: " يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر ؟ " قال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شئ، فلو جلست يا رسول الله، حتى أجمع لفاطمة شيئا من التمر، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع لفاطمة شئ من التمر، فجعله في صرته ثم أقبل فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما وعلي الاخر، حتى أقبلهما.(11/48)
وروى الامام أحمد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن بلالا - رضي الله تعالى عنه - أبطأ عن صلاة الصبح، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حبسك ؟ قال: مررت بالسيدة فاطمة، وهي
تطحن، والصبي يبكي، فقلت: إن شئت كفيتك الرحا وكفيتيني الصبي، وإن شئت كفيتك الصبي، وكفيتيني الرحا، فقالت: أنا أرفق بابني منك فذاك الذي حبسني فقال: رحمتها، رحمك الله.
الثالث عشر: في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - ووصيتها إلى أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - بما تصنعه بعد موتها ومن صلى عليها ومن دخل قبرها وموضعه.
روى الطبراني بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح عن عائشة والبخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: توفيت السيدة فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وفي رواية: ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة ودفنها علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - ليلا.
وروى الطبراني برجال الصحيح إلا أن جعفرا الصادق لم يدرك القصة، ففيه انقطاع عن جعفر بن محمد - رحمهما الله تعالى - قال: مكثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر، وما رؤيت ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم قد امتروا في طرف نابها.
وروى الطبراني عن عبد الله بن محمد بن عقيل - رحمه الله تعالى - منقطعا، لان عبد الله لم يدرك القصة، أن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - لما حضرتها أمرت عليا فوضع لها غسلا، فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن، فلبستها ومست من حنوط ثم أمرت عليا أن لا يكشف عورتها إذا أقبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها، فقلت له: هل علمت أحدا فعل ذلك ؟ قال: نعم، كثير بن العباس، وكتب في أطراف أكفانه: يشهد كثير أن لا إله إلا الله.
وروى الامام أحمد بسند فيه من لم يعرف عن أم سلمة قالت: اشتكت السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شكواها التي قبضت فيه فكنت أمرضها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت: وخرج علي لبعض حاجته فقالت: يا أمه، اسكبي لي غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمي، أعطني ثيابي الجدد
فأعطيتها فلبستها ثم قالت: يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت، واستقبلت واضطجعت القبلة، وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أمه، إني مقبوضة الان، وقد تطهرت، فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، فجاء علي فأخبرته.
وروى أبو نعيم عن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت لاسماء يا أسماء، إني قد(11/49)
استقبحت هذا الذي يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة، فدعت بجرائد رطبة فحتتها، ثم طرحت عليها ثوبا فقالت لفاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد ثم اصنعي بي هكذا، فلما توفيت صنع بها ما أمرت بعد أن غسلتها أسماء وعلي - رضي الله تعالى عنهم -.
الرابع عشر: في أن الله تعالى حرمها وذريتها على النار.
روى البزار وتمام في " فوائده " والطبراني وابن عدي والعقيلي والحاكم عن ابن مسعود وابن شاهين في مسند " الزهر " وابن عساكر من طريق آخر عنه، والطبراني في " الكبير " بسند رجاله ثقات عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله - عز وجل - وذريتها على النار " زاد العقيلي: قال ابن كريب: هذا للحسن والحسين ولمن أطاع الله - عز وجل - منهم.
وفي لفظ: إن الله - عز وجل - غير معذبك ولا ولدك.
وروى الخطيب أن الامام علي بن موسى المديني - رضي الله تعالى عنه - سئل هذا الحديث فقال: هذا خاص بالحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما -.
تنبيه: الصواب أن هذا الحديث سنده قريب من الحسن، والحكم عليه بالوضع خطأ كما بسطت الكلام على ذلك في كتابي " الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة ".
الخامس عشر: في كيفية حشرها - رضي الله تعالى عنها -.
روى تمام في الفوائد والحاكم والطبراني عن علي، وأبو بكر الشافعي عن أبي هريرة، وتمام عن أبي أيوب أبو الحسين بن بشران، والخطيب عن عائشة والازدي عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنهم - بأسانيد ضعيفة، إذا ضم بعضها إلى بعض أفاد القبول، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش أيها الناس "، وفي لفظ: " يا أهل الجمع، غضوا أبصاركم، ونكسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد إلى الجنة " وفي لفظ: " حتى تمر على الصراط، " فتمر، وعليها ربطتان خضراوان.
السادس عشر: في أولادها - رضي الله تعالى عنهم -.
قال الليث بن سعد - رحمه الله تعالى -: تزوج علي فاطمة - رضي الله تعالى عنهما - فولدت حسنا وحسينا ومحسنا - بميم مضمومة فحاء مفتوحة فسين مكسورة مشددة مهملتين -(11/50)
- رضي الله تعالى عنهم - وزينب وأم كلثوم ورقية - رضي الله تعالى عنهم - مات محسن سقطا، وأن كلثوم كانت عند عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وولدت ولدا قال أبو عمر: ولدت أم كلثوم بنت فاطمة - رضي الله تعالى عنهما - قبل وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجت زينب بنت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنهما - فماتت عنده وقد ولدت له عليا وعونا وجعفرا وعباسا وأم كلثوم أبناء عبد الله بن جعفر.
قال الشيخ - رحمه الله تعالى - في فتاويه: أولاد زينب المذكورة من عبد الله بن جعفر موجودون بكثرة وتكلم عليهم من عشرة أوجه: أحدها: أنهم من آل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بالاجماع، لان آله هم المؤمنون من بني هاشم والمطلب.
الثاني: أنهم من ذريته بالاجماع.
الثالث: أنهم هل يشاركون أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم والجواب: لا، وفرق بين من يسمى (1) ولدا للرجل، وبين ينسب إليه.
الرابع: هل يطلق عليهم أشراف ؟.
الجواب: الشرف على مصطلح أهل مصر أنواع: عام لجميع أهل البيت، وخاص بالذرية، فيدخل فيه الزينبية وأخص منه شرف النسبة، وهو مختص بذرية الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما -.
الخامس: تحرم عليهم الصدقة بالاجماع، لان بني جعفر من الال.
السادس: يستحقون سهم ذوي القربى بالاجماع.
السابع: يستحقون من وقف بركة الحبش بالاجماع، لانها وقفت نصفها على الاشراف، وهم أولاد الحسن والحسين ونصفها على الطالبيين، وهم ذرية علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهم - من محمد بن الحنفية وأخويه وذرية جعفر بن أبي طالب وذرية عقيل بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - هذا الوقف على هذا الوجه على قاضي القضاة بدر الدين بن يوسف السنجاوي في ثاني عشر ربيع الاخر سنة أربعين وستمائة، ثم اتصل ثبوته على شيخ الاسلام عز الدين بن عبد السلام تاسع عشر ربيع الاخر من السنة المذكورة، ثم اتصل ثبوته على قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ذكر ذلك ابن المتوج في كتابه " إيقاظ المتغفل، واتعاظ المتوسل ".(11/51)
الثامن: هل يلبسون العلامة الخضراء ؟.
والجواب: لا يمنع منها من أرادها من شريف أو غيره ولا يؤمر بها من تركها من شريف أو غيره، لانها إنما أحدثت سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بأمر الملك الاشرف شعبان بن حسين أقصى ما في الباب أنه أحدث ليتميز بها هؤلاء عن غيرهم، وقد يستأنس لاختصاصها بهم بقوله تعالى: (يأيها النبي، قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من
جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) [ الاحزاب / 59 ] فقد استدل بها بعض العلماء على تخصيص أهل العلم بلباس يختصون به من تطويل الاكمام، وإدارة الطيلسان ونحو ذلك، ليعرفوا فيجلوا تكريما للعلم، وهذا وجه حسن والله تعالى أعلم.
التاسع: هل يدخلون في الوصية على الاشراف أم لا ؟ !.
العاشر: هل يدخلون في الوقف على الاشراف أم لا ؟ !.
والجواب: إن وجد في كلام الموصي والواقف نص يقتضي دخولهم أو خروجهم اتبع وإن لم يوجد فيه ما يدل على هذا ولا هذا فقاعدة الفقه أن الوصية والوقف ينزل على عرف البلد وعرف مصر من عهد الخلفاء الفاطميين إلى الان.
إن الشريف لقب لكل حسن وحسيني خاصة، فلا يدخلون على مقتضى هذا العرف، وإنما دخلوا في وقف بركة الحبش لان واقفها نص في وقفه على أن نصفها للاشراف ونصفها للطالبيين.
تنبيهات الأول: قال ابن دريد: اشتقاق فاطمة من الفطم، وهو القطع، ومنه فطم الصبي إذا قطع عنه اللبن.
يقول الرجل للرجل: والله لافطمنك عن كذا وكذا أي لامنعنك عنه.
وروى الخطيب وقال فيه مجاهيل، وأورده ابن الجوزى في " الموضوعات "، وتقدم أن الحكم عليه بالوضع ليس بصواب عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى إنما سماها فاطمة، لان الله تعالى فطمها وجنبها عن النار.
الثاني: تقدم أن عليا - رضي الله تعالى عنه - أصدقها درعا، وأنه باع الدرع، وبعض متاعه وأصدقها بأربعمائة درهم.
قال المحب الطبري يشبه أن يكون العقد وقع على الدرع كما دل عليه حديث علي وبعث بها علي ثم ردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيعها، فباعها وأتاه بثمنها من غير أن يكون بين(11/52)
الحديثين تضاد، وقد ذهب إلى مدلول كل واحد من الحديثين قائل، فقال بعضهم: كان مهرها - رضي الله تعالى عنها - الدرع ولم يكن إذ ذاك بيضاء ولا صفراء.
وقال بعضهم: كان أربعمائة وثمانين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب.
الثالث: تضمن حديث ابن عباس، وحديث علي، وحديث أنس - رضي الله تعالى عنهم - أن الذي حثه على تزويج فاطمة - رضي الله تعالى عنها - متضاد، ولا تضاد بينهما، بل يحتمل أن يكون مولاته، ثم أبو بكر وعمر أو بالعكس، ثم لما خرج لذلك لقيه الانصار فحثوه على ذلك من غير أن يكون أحدهم علم بالاخر.
الرابع: يحتمل أن تريد أسماء في حديثها بوليمة: ما قام هو بنفسه غير ما جاء به الانصار من الكبش والذرة جمعا بين الحديثين، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع لها مع ذلك الاصاح من التمر والشعير، وأن يكون ما جاء به الانصار وليمة الرجال وما دفعه لها صلى الله عليه وسلم للنساء كما دل عليه حديثها.
الخامس: كيفية صب الماء وتخصيص علي - رضي الله تعالى عنه - به مخالف لما رواه ابن حبان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال المحب الطبري - رحمه الله تعالى -: ولعله صلى الله عليه وسلم خص عليا - رضي الله تعالى عنه - بهذه الكيفية كما تضمنه الحديث، فإنه لم يذكر فيه فاطمة - رضي الله تعالى عنها - ونضح صلى الله عليه وسلم عليهما على تلك الكيفية كما في حديث ابن حبان.
السادس: تضمن حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أخبرها بشيئين، بموته، وأنها أول أهله لحوقا به.
فبكت فأخبرها ثانيا بشئ واحد، وهو: أنها سيدة نساء المؤمنين، وسيدة نساء أهل الجنة فضحكت.
وتضمن حديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - عند الدولابي أنه أسر إلى فاطمة - رضي الله تعالى عنها - أولا بموته فقط فبكت، وفي الثانية بأنها سيدة نساء المؤمنين، فضحكت.
وحديث فاطمة عند الدولابي أيضا، أنه صلى الله عليه وسلم أسر إليها بموته أولا فبكت وثانيا بشيئين بلحوقها به، وأنها سيدة نساء أهل الجنة.
وتضمن حديث عائشة عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان عن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - أنه أسر إليها أولا بموته فبكت، وثانيا بأنها أول لاحق به فضحكت فيحمل ذلك على صدوره في مجالس مختلفة توفيقا بين الاحاديث، وأن بكاءها - رضي الله تعالى عنها - في حديث مسلم لم يكن بمجموع الخبرين، بل بموته صلى الله عليه وسلم فقط يدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لما أفرد خبر موته عن خبر لحوقها به كما في حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - في هذا(11/53)
النوع بكت للاول وضحكت للثاني، ولو كان البكاء لمجموعهما لما حصل لاحدهما أو لكل واحد منهما كما ضحكت للثاني، ويدل أيضا على أن ضحكها في حديث الدولابي، عن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - لم يكن لمجموع الخبرين بل لكل واحد، إذ لو كان لهما لما استقل به أحدهما، وقد استقل به في حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - كما عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حاتم كما سبق، فدل على أنه لكل منهما.
السابع: في بيان غريب ما سبق.
أفحم - بفاء فحاء مهملة - أسكت وفحم الصبي بفتح الحاء يفحم إذا بكى حتى ينقطع صوته.
الحطمية: - بحاء فطاء مهملتين - هي التي تحطم السيوف أي تكسرها وقيل: هي العريضة الثقيلة، وقيل: هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لها حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع، وهذا أشبه الاقوال.
البيضاء: [...].
الصفراء: [...].
ثقيل: [...].
حصر: [...].
مرحبا: أي أتيت سعة من الرحب بالضم، وهو السعة.
وأهلا: أي أتيت أهلا فاستأنس ولا تستوحش.
الشطر لعله مكيال يعرف عندهم بذلك أو نصف مكيال إذ الشطر النصف.
أصعا: جمع صاع.
الشبل: بالشين المعجمة ولد الاسد فيكون ذلك كشف واطلاع منه صلى الله عليه وسلم وأطلق على الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - شبلين وهما كذلك.
الهدى والدل بدال مهملة متقاربا المعنى وهما السكينة والوقار في الهيبة والنظر والشمائل وغير ذلك والسمت بمعناهما يقال: ما أحسن سمته أي: هديه.(11/54)
الباب العاشر في بعض مناقب سيدي شباب أهل الجنة أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين - رضي الله تعالى عنهما - سبطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاشتراك
وفيه أنواع
الأول: في عقه - صلى الله عليه وسلم عنهما - وأمره صلى الله عليه وسلم بحلق رؤوسهما، وختانهما - رضي الله تعالى عنهما.
روى أبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - كبشا كبشا، وعند النسائي: كبشين كبشين.
وروى الامام أحمد في " المناقب " عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - قال: إن الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - لما ولد أرادت أمه - رضي الله تعالى عنها - أن تعق عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعقي عنه واحلقي شعر رأسه، فتصدقي بوزنه من الورق "، ثم
ولد حسين - رضي الله تعالى عنه - فصنعت مثل ذلك فتحمل صلى الله عليه وسلم عنها ذلك لا تركا بالاصالة، يدل عليه ما رواه الترمذي عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة " فوزناه فكان درهما وبعض درهم.
وروى الطبراني عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام.
روى الدولابي عن محمد بن المنكدر - رحمه الله تعالى - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - لسبعة أيام.
الثاني: في تسميتهما - رضي الله تعالى عنهما -.
روى الامام أحمد في المناقب وابن حبان عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه ؟ فقلت: سميته حربا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل هو حسن "، فلما ولد (الحسين) (1) قال: " أروني ابني ما سميتموه ؟ " قلت: سميته حربا، قال: " بل هو حسين "، فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أروني ابني ما سميتموه ؟ " فقلت: حربا، فقال: " بل هو محسن "، ثم قال: " إني سميتهم بأسماء أولاد هارون
__________
(1) في ح الثاني.
(*)(11/55)
شبر وشبير ومشبر، وفي رواية قال علي - رضي الله تعالى عنه -: كنت رجلا أحب الحرب فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا، فذكر الحديث وكنى الحسن أبا محمد، والحسين أبا عبد الله.
انتهى.
وروى أبو القاسم البغوي في " معجمه "، والدولابي عن جعفر بن محمد عن أبيه - رحمهما الله تعالى - قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى الحسن والحسين يوم سابعهما واشتق اسم حسين من حسن.
وروى الدولابي عن عمران بن أبي سليمان قال: الحسن والحسين اسمان من أسماء
أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية.
الثالث: في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أولاد السيدة فاطمة - رضي الله تعالى عنهم - وعصبتهم.
روى الامام أحمد في " المناقب " عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل ولد أب فإن عصبتهم لابيهم ما خلا ولد فاطمة - رضي الله تعالى عنها - فإني أنا عصبتهم ".
وروى الطبراني عن عمر والطبراني عن فاطمة الكبرى - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل بني أنثى فإن عصبتهم لابيهم ما خلا بني فاطمة، فإني أنا عصبتهم، وأنا أبوهم ".
وروى ابن حاتم عن أبي الاسود والديلمي وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر، قال: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قال: تجده في كتاب الله - عز وجل - وقد قرأته من أوله إلى آخره، فلم أجده ولفظ عبد الملك أن الحجاج ذكر الحسين، فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم قال يحيى: كذبت قال الحجاج: لتأتيني على ما قلت ببينة، فقال: أليس تقرأ سورة الانعام: (ومن ذريته داود وسليمان) [ الانعام 84 ] حتى بلغ " ويحيى وعيسى " قال: بلي، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب ؟.
وفي لفظ أخبر الله - عز وجل - أن عيسى من ذرية آدم من أمه، قال: صدقت.
الرابع: في محبته صلى الله عليه وسلم لهما ودعائه لهما ولمن أحبهما وأنهما أحب أهل بيته إليه ودعا لمن أحبهما وأحب أبويهما.
روى ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما " يعني: الحسن والحسين، انتهى.(11/56)
وروى ابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني ".
وروى الامام أحمد والطبراني في " الكبير " وابن عساكر عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحسن مني والحسين مني ".
وروى الطبراني في " الكبير " وأبو نعيم وابن عساكر عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحسن والحسين سبطان من الاسباط ".
وروى ابن عساكر عن سلمان وأبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحسن والحسين من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله ومن أحب الله تعالى أدخله الله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغي عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم، وله عذاب مقيم ".
وروى الطبراني في " الكبير " عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، اللهم، إني إحبهما فأحبهما ".
وروى الامام أحمد وابن ماجه وابن سعد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني ".
وروى ابن عساكر عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني " يعني الحسن والحسين وفاطمة وعليا - رضي الله تعالى عنهم -.
وروى الطبراني عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب هذين، يعني الحسن والحسين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ".
روى الطبراني في " الكبير " عن سلمان - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب الحسن والحسين أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله
أدخله نار جهنم وله عذاب مقيم ".
وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحبني فليحب هذين " يعني الحسن والحسين.
وروى الامام أحمد والترمذي وقال: غريب عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال(11/57)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ".
وروى الترمذي وقال حسن صحيح عن أسامة، بن زيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم، إني أحبهما فأحببهما ".
وروى ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضها " يعني الحسن والحسين.
وروى الطبران بسند لا بأس به عن الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - قال: من أحبنا للدنيا، فإن صاحب الدنيا يحبه البر والفاجر، ومن أحبنا لله، كنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى.
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: استأذن علي - رضي الله تعالى عنه - على النبي صلى الله عليه وسلم [...].
وروى العقيلي والترمذي وقال حسن غريب عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أهل بيتك أحب إليك ؟ قال: " الحسن والحسين " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لفاطمة - رضي الله تعالى عنها -: " ادعي لي ابني "، فيشمهما ويضمهما إليه.
وروى الامام أحمد في " المناقب " عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين، وقال " من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة "، زاد الترمذي: " وكان معي في الجنة ".
وروى الامام أحمد في " المناقب " والدولابي عن يعلي بن مرة - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه، وقال: " إن الولد مبخلة مجبنة، وإن آخر وطأها الرحمن - عز وجل - بوج ".
الخامس: في أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم مقرونة بمحبتهما.
روى الطبراني وابن عساكر عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: أنا وفاطمة والحسن والحسين مجتمعون، ومن أحبنا يوم القيامة نأكل ونشرب حتى يفرق الله بين العباد، فبلغ ذلك رجلا من الناس فسألت عنه فأخبر به فقال: كيف بالعرض والحساب ؟ فقلت: له: كيف لصاحب ياسين بذلك حين أدخله الجنة من ساعته ؟.
السادس: في أنهما ريحانتاه من الدنيا صلى الله عليه وسلم وتقبيله إياهما وشمه لهما.
روى الترمذي وقال: صحيح عن ابن عمر، والنسائي عن أنس - رضي الله تعالى عنهم -(11/58)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحسن والحسين هما ريحنتاي من الدنيا ".
روي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما، يعني الحسن والحسين.
وروي أبو الحسن الضحاك عن يعلى بن مرة - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أحدهما قبل الاخر، فجعل يده في رقبته حتى ضمه إلى بطنه ثم جاء الاخر فجعل يده في رقبته حتى ضمه إلى بطنه ثم قبل هذا وقبل الاخر، وقال: اللهم، إني أحبهما فأحبهما، ثم قال " أيها الناس إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة ".
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن يعلي العامري - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه، وقال: " الولد مجبنة مبخلة ".
وروى الطبراني في " الكبير " والضياء عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - يلعبان بين يديه أو
في حجره فقلت: يا رسول الله أتحبهما ؟ فقال: " وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما "، يعني الحسن والحسين.
السابع: في توريثهما - رضي الله تعالى عنهما - بعض صفته صلى الله عليه وسلم.
روي عن أبي رافع عن فاطمة والطبراني وابن منده وابن عساكر عن السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أتت بابنيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكواه التي توفي فيها فقالت: يا رسول الله، هذان ابناك، فورثهما شيئا فقال لها: " أما حسن فله هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جراءتي وجودي ".
وروى ابن عساكر عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنه - أن فاطمة أتت بابنيها - رضي الله تعالى عنها - فقالت: يا رسول الله، انحلهما، قال: " نعم، أما حسن فقد نحلته حلمي وهيبتي، وأما الحسين فقد نحلته نجدتي، وجودي ".
الثامن: في شبههما برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا.
روى البخاري عن عقبة بن الحارث - رضي الله تعالى عنه - قال: صلى بنا أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال ثم خرج هو وعلي يمشيان فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وجعل يقول: بأبي شبيه النبي * ليس شبيه علي وعلي يضحك.(11/59)
وروي عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت أبا جحيفة - رضي الله تعالى عنه - يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه.
وروي أيضا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - أشبههم وجها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن إسحاق عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم
ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك.
وروى أبو داود عنه قال: كان الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه إلى سرته - وكان الحسين أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك.
وروي الزبير بن بكار عن محمد بن الضحاك الحرامي قال: كان وجه الحسن يشبه وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجسد الحسين يشبه جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1).
وروى الترمذي وابن حبان عن علي - رضي الله تعالى عنه - كان الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه به ما كان أسفل من ذلك.
تنبه: قال الشيخ في قول البخاري: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن، لا يعارضه ما تقدم من قوله أيضا في حسين أنه أشبهه، لان ذلك بعد وفاة الحسن، وهذا في حياته فكأنه كان أشبه بن من الحسين لكن في الترمذي وابن حبان وذكر ما تقدم انتهى.
وبه وبما قبله يجمع أيضا قال: نعم، ثم لا يعارض ذلك قول علي - رضي الله تعالى عنه - في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: لم أر قبله ولا بعده مثله، أخرجه الترمذي في " الشمائل " لان المنفي عموم الشبه، والمثبت أصله أو معظمه انتهى.
التاسع: في أنهما سيدا شباب أهل الجنة.
روى ابن سعد والحاكم عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني جبريل، فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ".
وروى ابن عساكر عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني ملك فسلم علي نزل من السماء نزلة لم ينزل قبلها فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ".
وروى الامام أحمد وابن عساكر عن علي بن أبي طالب والروياني في مسنده وابن منده
__________
(1) سقط في ح.
(*)(11/60)
وابن قانع وأبو نعيم وابن عساكر عن جهم والامام أحمد عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا ".
وفي رواية: " وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم ابنة عمران ".
وفي رواية: دخل الحسن والحسين ابنا علي المسجد، فقال جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - من أحب أن ينظر إلى سيدي شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذين سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن عساكر عن ابن عمر، وعلي - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ابناي هذان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما ".
وروى الطبراني في " الكبير " وأبو نعيم في " فضائل الصحابة " عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: " ما من نبي إلا ولد الانبياء غيري وإن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى وعيسى ".
وروى الطبراني في الكبير عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت عنده شخصا فقال لي: " يا حذيفة، هل رأيت " قلت: نعم، قال: هذا ملك، لم يهبط منذ بعثت أتاني الليلة وبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وعن حذيفة أيضا قال: رأينا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم السرور يوما من الايام فقلنا: يا رسول الله، لقد رأينا في وجهك تباشير السرور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وكيف لا أسر وقد أتاني جبريل فبشرني أن حسنا سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما أفضل منهما ".
وروى الترمذي وقال حسن صحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ".
وروى الترمذي وحسنه والنسائي عن حذيفة أن أمه - رضي الله تعالى عنها - بعثته
يستغفر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل صلى الله عليه وسلم فتبعته فسمع صوتي فقال: " من هذا، حذيفة ؟ " قلت نعم، قال: " ما حاجتك، غفر الله لك ولامك ؟ إن هذا ملك لم ينزل الارض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه - عز وجل - أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.
وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة:.
وقد روي هذا من حديث علي بن أبي طالب والحسن نفسه وعمر وابنه عبد الله، وعبد الله بن مسعود وغيرهم.(11/61)
العاشر: في نزوله صلى الله عليه وسلم من على المنبر رآهما يمشيان ويعثران.
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد والاربعة عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان، ويعثران، ويقومان، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق وواحدا من ذا الشق، ثم صعد المنبر، فقال: صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) [ التغابن / 15 ] إني نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان، ويعثران، فلم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما.
الحادي عشر: في وثوبهما على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة.
روى ابن حبان وعبد بن حميد عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، والحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - يتواثبان على ظهره فباعدهما الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بأبي وأمي من أحبني فليحب هذين ".
وروى الامام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما أخذا رقيقا فيضعهما عن ظهره فإذا عاد عادا حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه قال: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، أردهما، فبرقت برقة فقال لهما: " الحقا بأمكما "، قال:
فمكث ضوءها حتى دخلا على أمهما.
الثاني عشر: في حملهما - رضي الله تعالى عنهما - على بغلته وحمله صلى الله عليه وسلم إياهما على عاتقه.
روى مسلم عن ابن إياس عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء، حتى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامه وهذا خلفه.
وروى مسلم عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن والحسين على (ناقته) (1) وهو يقول: " اللهم، إني أحبهما فأحبهما ".
الثالث عشر: في تعويذه صلى الله عليه وسلم إياهما.
روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول: " أعيذ كما بكلمات الله (التامة) (2) من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة "، ويقول: إن أباكم إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق - عليهما الصلاة والسلام -.
__________
(1) في ح على عاتقه.
(2) في نفس الكتاب سبق " التامات " بدل التامة.
(*)(11/62)
الرابع عشر: في مصارعتهما - رضي الله تعالى عنهما - بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى ابن الاعرابي في معجمه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - يصطرعان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هي حسين " فقالت السيدة فاطمة: يا رسول الله لم لا تقول: هي حسن ؟ فقال: " إن جبريل يقول: هي حسين ".
وروى أبو القاسم البغوي والحارث بن أبي أسامة عن جعفر بن محمد - رضي الله تعالى عنهما - عن أبيه قال: إن الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - كانا يصطرعان فاطلع علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: وهي الحسن، فقال علي - رضي الله تعالى عنه - يا
رسول الله، هي الحسين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن جبريل يقول: وهي الحسين ".
الخامس عشر: في أنهما يحشران يوم القيامة على ناقته العضباء والقصواء.
روى السلفي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تبعث الانبياء على الدواب، ويحشر صالح على ناقته، وتحشر بنا فاطمة على ناقتي، العضباء والقصواء، وأحشر أنا على البراق خطواها عند أقصى طرفها، ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة ".
السادس عشر: في كرمهما - رضي الله تعالى عنهما -.
روى البخاري عن حرملة مولى أسامة بن زيد قال: " أرسلني أسامة إلى علي وقال: إنه سيسألك الان، فيقول: ما خلف صاحبك ؟ يقول لك: لو كانت في شدق الاسد لاحببت أن أكون معك فيه ولكن هذا أمر لم أره، فلم يعطني شيئا، فذهبت إلى حسن وحسين، وابن جعفر فأوقروا لي راحلتي ".
السابع عشر: في حبهما ماشين - رضي الله تعالى عنهما -.
روى ابن الجوزي [...].(11/63)
الباب الحادي عشر في بعض ما ورد مختصا بالحسن - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع
الأول: في مولده، - وقدر عمره - ووفاته.
ولد - رضي الله تعالى عنه - في منتصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.
قال أبو عمر: هذا أصح ما قيل، وقيل: في شعبان منها قال الدولابي: لاربع سنين وستة أشهر من الهجرة، وقيل: سنة أربع.
وقيل سنة خمس، قال في " الاصابة ": والأول أثبت.
وتوفي ليلة السبت لثمان خلون من المحرم سنة خمس وأربعين، وهو أشبه بالصواب، وقيل: في شهر ربيع الاول، سنة تسع
وأربعين وقيل: خمسين، أو أحد وخمسين وقيل: سنة ثمان وخمسين، فليعلم من ذلك قدر عمره وأرضعته أم الفضل امرأة العباس مع ابنها قثم وسمته جعدة بنت الاشعث بن قيس، فمات، وصلى عليه سعيد بن العاص ودفن بالبقيع ورجح جمع أنه مات، وله سبع وأربعون سنة.
وروى أبو القاسم البغوي والدولابي، عن قابوس بن المخارق قال: إن أم الفضل قالت: يا رسول الله، أرأيت إن كان عضو من أعضائك في بيتي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيرا رأيته، تلد فاطمة غلاما فترضعيه بلبن قثم "، (فولدت الحسن فأرضعته بلبن) (1) قثم ورواه ابن ماجه بلفظ فولدت حسنا أو حسينا فأرضعته بلبن قثم، فجئت به يوما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعته في حجره صلى الله عليه وسلم قالت: فضربت كتفه فقال صلى الله عليه وسلم: " أوجعت ابني، يرحمك الله ".
الثاني: في محبته صلى الله عليه وسلم والدعاء له ولمن أحبه وحمله إياه على عاتقه وأمره بمحبته - رضي الله تعالى عنه -.
روى الامام أحمد والشيخان وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى والطبراني في " الكبير " عن سعيد بن زيد والطبراني في الكبير وابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم، إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ".
وروى الشيخان وابن حبان عن البراء - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " اللهم، إني أحبه فأحبه ".
__________
(1) سقط في ح.
(*)(11/64)
وروى البخاري عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذني والحسن، ويقول: " اللهم، إني أحبهما فأحبهما " أو كما قال.
وروى الترمذي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
حامل الحسين بن علي على عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم الراكب هو ".
وروى الامام أحمد في " المناقب " عن زهير بن الاقمر رجل من الازد - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للحسن بن علي: " من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب، ولولا عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثتكم ".
وروى الطيالسي عن البراء وابن عساكر عن علي - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحبني فليحب هذا " يعني الحسن انتهي.
(وروى الامام أحمد والشيخان وابن ماجه وابن عدي في " الكامل " وأبو يعلى عن أبي هريرة والطبراني في " الكبير " عن سعيد بن زيد والطبراني في الكبير وابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إني أحب حسنا فأحبه وأحب من يحبه ") (1).
الثالث: في دعائه صلى الله عليه وسلم له - رضي الله تعالى عنه -.
وروى ابن حيان عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه (الاخرى) (2) ويقول: " اللهم، إني أحبهما فارحمهما ".
وروى الدولابي عن محمد بن عبد الرحمن بن مولى بني هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الحسن - رضي الله تعالى عنه - مقبلا فقال: اللهم، " سلمه، وسلم منه " انتهي.
الرابع: في أنه صلى الله عليه وسلم سأل أن الله تعالى سيصلح به بين فئتين، وقد كان ذلك ببركة الخلافة، والقتال لا لعلة، ولا لزلة، وأصلح الله بذلك بين طائفة وطائفة طائفته وطائفة معاوية تحقيقا لمعجزته صلى الله عليه وسلم حيث كان ذلك كما أخبر.
روى الترمذي وقال حسن صحيح والامام أحمد والبخاري والنسائي عن أبي بكرة، وابن
__________
(1) سقط في ح.
(2) في ح اليسري.
(*)(11/65)
عساكر عن أبي سعيد ويحيى بن معين في " فوائد " والطبراني والبيهقي في " الدلائل " والخطيب وابن عساكر والضياء عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن ابني هذا سيد " وفي لفظ: " وإنه ريحانتي، وإني لارجو أن يصلح الله به " وفي لفظ: " لعل الله أن يصلح به "، وفي لفظ: وليصلحن الله به، وفي لفظ: " يصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين " وفي لفظ: من المسلمين عظيمتين.
الخامس: في مصه صلى الله عليه وسلم لعاب الحسن ومحبته له وتقبيله سرته - رضي الله تعالى عنه -.
روى الامام أحمد في " المناقب " عن معاوية - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسان الحسن أو شفته، وأنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو سعيد بن الاعرابي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: لا زلت أحب هذا الرجل يعني حسنا بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يصنع، رأيت الحسن في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصبعه في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يدخل لسانه في فمه أو لسان الحسن في فمه، ثم قال: " اللهم، إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ".
وروى الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم، إني أحبه، فأحبه "، يعني الحسن.
السادس: (في تقبيله صلى الله عليه وسلم سرة الحسن - رضي الله تعالى عنه -) (1).
وروى ابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنه رأى الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - في بعض طرق المدينة، فقال له: اكشف لي عن بطنك، فداك أبي، حتى أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله، فكشف له عن بطنه فقبل سرته.
السابع: في وثوبه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم.
روى ابن أبي الدنيا وأبو بكر الشافعي عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - قال: رأيت الحسن بن علي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فيركب على ظهره وهو ساجد، فما ينزل حتى يكون هو الذي ينزل، ويأتي وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الاخر.
وروى أبو سعيد بن الاعرابي عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء الحسن
__________
(1) سقط في ح.
(*)(11/66)
- رضي الله تعالى عنه - إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فركب على ظهره فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده فأقامه على ظهره، ثم ركع ثم أرسله فذهب.
الثامن: في علمه - رضي الله تعالى عنه -.
روى ابن أبي الدنيا في كتاب " اليقين " عن محمد بن معشر اليربوعي قال: قال علي للحسن ابنه - رضي الله تعالى عنهما -: كم بين الايمان واليقين ؟ قال: أربع أصابع، قال: اليقين ما رأته عيناك، والايمان ما سمعته أذنك، وصدقت به، قال: أشهد أنك ممن أنت منه، ذرية بعضها من بعض.
التاسع: في خطبته يوم قتل أبوه - رضي الله تعالى عنهما -.
روى الدولابي عن زيد بن الحسن - رضي الله تعالى عنهما - قال: خطب الحسن - رضي الله تعالى عنه - الناس حين قتل أبوه علي - رضي الله تعالى عنه - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الاولون ولا يدركه الاخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله - عز وجل - عليه وما ترك على ظهر الارض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه، وأراد أن يبتاع بها خادما لاهله، ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا
الحسن بن علي وأنا ابن الرضى، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل فيه ويصعد من عندنا وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله - عز وجل - عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى مودتهم على كل مسلم، فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل ما أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) [...] ومن يقترف حسنة تزد له فيها حسنا [...] واقتراف الحسنة تزد لنا أهل البيت.
العاشر: في بيعته وخروجه إلى معاوية، وتسليمه الامر له بعد قتل أبيه - رضي الله تعالى عنهما - لثلاث عشرة بقيت من رمضان بايعه أكثر من أربعين ألفا وقال صالح ابن الامام أحمد: سمعت أبي يقول: بايع الحسن تسعون ألفا فزهد في الخلافة وصالح معاوية، ببذله له تسليم الامر على أن تكون الخلافة له بعده، وعلى أن لا يطلب أحد، من أهل المدينة والحجاز والعراق بشئ مما كان من أيام أبيه، وغير ذلك، فظهرت المعجزة النبوية بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن ابني هذا سيد، يصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، ولم يسفك في أيامه دم، وبقي نحو (ستة) (1) أشهر وكان صلحهما لخمس بقين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين،
__________
(1) في ح سبعة.
(*)(11/67)
ولامه الحسين على ذلك، والصواب مع الحسن قالوا: فإن مدة الخلافة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم انقضت بخلافته ولم يبق إلا الملك، وقد صان الله تعالى أهل بيته ببركة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الدولابي: أقام الحسن - رضي الله تعالى عنه - بالكوفة إلى ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وقد قتل عبد الرحمن بن ملجم ويقال أنه ضربه بالسيف فقتله ثم سار إلى معاوية، فالتقيا بمسكن من أرض الكوفة، واصطلحا وسلم إليه الامر وبايع له لخمس بقين من شهر ربيع الأول في سنة احدى وأربعين وقيل: إنه صالحه وآخذ منه مائة ألف دينارا وكانت مدة خلافته ستة أشهر وخمسة أيام.
وروى الحافظ أبو نعيم وغيره عن الشعبي - رحمه الله تعالى - قال: شهدت خطبه الحسن - رضي الله تعالى عنه - حين سلم الامر إلى معاوية، قال: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن أكيس الكيس التقى وإن أحمق الحمق الفجور ألا وإن هذه الامور التي اختلفت فيها أنا ومعاوية، إنما هو لامري فإن كان له أحق فهو بحقه، وإن كان لي فقد تركته له إرادة اصلاح الامة وحقن دمائها: (وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين) ثم نزل.
الحادي عشر: في ذكر جوده وزهده في الدنيا وجمل من مكارم أخلاقه (وتعظيم) (1) الصحابة له - رضي الله تعالى عنهم - قال: إني أستحي من الله - عز وجل - أن ألقاه ولم أمش إلى بيته فمشى عشرين حجة إلى مكة من المدينة على رجليه، وفي رواية: خمس عشرة ماشيا، وإن النجائب لتقاد معه ولقد قاسم الله تعالى ثلاث مرات، حتى إنه يعطى الخف ويمسك النعل وخرج من ماله مرتين قال محمد بن سيرين: ربما كان يجيز الواحد بمائة ألف، واشترى حائطا من قوم من الانصار بأربعمائة ألف، ثم إنه بلغه أنهم احتاجوا إلى ما في أيدي الناس، فرده إليهم، ولم يقل لسائل قط: لا، وكان لا يأنس به أحد فيدعه يحتاج إلى غيره، ورأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة، ويطعم كلبا هناك لقمة، فقال: ما يحملك على هذا ؟ قال: إني أستحي أن آكل ولا أطعمه، فقال له الحسن: لا تبرح حتى آتيك فذهب إلى سيده فاشتراه واشترى الحائط الذي هو فيه وأعتقه وملكه الحائط، فقال: الغلام: يا مولاى، قد وهبت الحائط الذي وهبتني وكان سيدا حليما زاهدا عاقلا فاضلا فصيحا ذا سكينة، ووقار جوادا يكره الفتن وسفك الدماء، دعاءه ورعه، وزهده وحلمه إلى أن ترك الخلافة، وقال: خشيت أن يجئ يوم القيامة سبعون ألفا أو أقل أو أكثر فنضح أوداجهم دما، وكان من أحسن الناس وجها وأكرمهم وأجودهم وأطيبهم كلاما، وأكثرهم حياءا، وكان أكثر دهره (صائما) (1)، وكان فعله يسبق قوله في المكارم والجود، وكان كثير الافضال على إخوانه، لا يغفل عن أحد منهم، ولا
__________
(1) في ح وتعليم.
(*)(11/68)
يحوجه إلى أن يسأله، بل يبتدئه بالعطاء قبل السؤال، وقال لاصحابه: إني أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي مالا يجد، ولا يكثر إذا وجد وما سمع كلمة فخشى قط، وأعظم ما سمع أنه كان بينه وبين شخص خصومة، فقال له: ليس له عندنا إلا ما أرغم أنفه، وقيل: إن أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغني، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله - عز وجل - لم يتمن شيئا غير الحالة التي اختارها الله - عز وجل -، وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء.
ومن كلامه: كن في الدنيا ببدنك، وفي الاخرة بقلبك.
وكان يقول لبنيه وبني أخيه: يا بني، وبني أخي، (يا بني، وبني أخي) (1) تعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه، أو قال: يرويه، فليكتبه وليضعه في بيته.
وقد كان أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - يجله ويعظمه، ويحترمه ويكرمه، وكذلك عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وقد جاء الحسن والحسين يوم الدار، وعثمان محصور ومعهما السيف ليقاتلا عن عثمان فخشي عليهما، فأقسم عليهما ليرجعا إلى منازلهما تطييبا لقلب علي، وخوفا عليهما، وكان علي - رضي الله تعالى عنه - أرسلهما وأمرهما بذلك، وكان علي يكرم الحسن إكراما زائدا ويعظمه، ويبجله، وكان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ويرى هذا من النعم، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما لما يزدحمون عليهما - رضي الله تعالى عنهما -.
وكان عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - يقول: والله، ما قامت النساء عن مثل الحسن.
وقال أبو جعفر الباقر: جاء رجل إلى الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - فاستعان به في حاجة فوجده معتكفا، فاعتذر إليه، فذهب إلى أخيه الحسن، فاستعان به، فقضى حاجته، وقال: لقضاء حاجة أخ لي في الله - عز وجل - أحب إلي من اعتكاف شهر.
وكان كثير التزوج، وكان لا يفارقه أربع حرائر، وكان مطلاقا مصداقا، وكان علي - رضي الله تعالى عنه - يقول لاهل الكوفة: لا تزوجوه، فإنه مطلاق، فيقولون: والله، يا أمير المؤمنين، لو خطب لنا كل يوم زوجناه منا ابتغاء في صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني عشر: في وصيته لاخيه الحسين - رضي الله تعالى عنهما - قال أبو عمر: هو
__________
(1) سقط في ح.
(*)(11/69)
روينا من وجوه أنه رأى في منامه مكتوبا بين عينيه " قل هو الله أحد " [ الصمد ] ففرح بذلك فبلغ سعيد بن المسيب - رضي الله تعالى عنه - ذلك، فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا، فقل: ما بقي من أجله، قال: فلم يلبث الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنه - بعد ذلك إلا أياما حتى مات - رضي الله تعالى عنه - وقد أوصى أخاه الحسين ألا يطلب الخلافة، ورغبة في الزهد في الدنيا والعروض عنها إلى غير ذلك من وصايا كثيرة.
قال في آخرها أبي الله - عز وجل - أن يجعل فينا أهل البيت مع النبوة والخلافة الملك، والدنيا فإياك وطاعتها وإياك وأهل الكوفة أن يستخفوك فيخرجوك، فتندم حيث لا ينفع الندم، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم إني احتسبت نفسي عندك، فإني لم أصب بمثلها فارحم صرعتي وأنسي في القبر وحدتي، وارحم غربتي، يا أرحم الراحمين.
وفي رواية قال: لما احتضر الحسن قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار، أنظر في ملكوت السموات، فأخرجوا فراشه إلى صحن الدار فرفع رأسه فنظر فقال: اللهم، إني احتسبت نفسي عندك، فإنها أعز الانفس علي.
الثالث عشر: في ولده - رضي الله تعالى عنهم - نقل الامام شمس الدين سبط ابن الجوزي في كتابه " تذكرة الخواص " عن الامام الحافظ محمد بن سعد في " الطبقات " قال: كان للحسن محمد الاصغر، وجعفر، وحمزة، وفاطمة ومحمد الاكبر، وزيد، والحسن، وأم الحسن، وأم الخير وإسماعيل، ويعقوب، والقاسم، وأبو بكر، وعبد الله قتلوا مع الحسين،
وقيل: قتل معه القاسم وأبو بكر، وقيل طلحة وعبد الله والعقب لزيد والحسن، دون من سواهما، والحسين الاشرم وعبد الرحمن وأم سلمة، وعمر وأم عبد الله، وطلحة، وعبد الله الاصغر.
وعن محمد بن عمر الاسلمي - رحمه الله تعالى - أنهم خمسة عشر ذكرا وثمان بنات، علي الاكبر وعلي الاصغر، وجعفر، وفاطمة، وسكينة، وسكينة، وأم الحسن، وعبد الله، القاسم، وزيد وعبد الرحمن، وأحمد، وإسماعيل، والحسين، وعقيل والحسن انتهي.
اقتصر البلاذري في " الانساب " على ذكر الحسن وزيد وحسين الاشرم، وعبد الله، وأبي بكر وعبد الرحمن، والقاسم وطلحة، وعمر.
ونقل الامام أبو جعفر محب الدين الطبري في " الذخائر " عن أبي بشر والدولابي، أنهم حسن، وعبيد الله، وعمر وزيد، وإبراهيم، وعن أبي بكر بن الدراع أنهم أحد عشر ابنا وبنتا: عبد الله، والقاسم، والحسن، وزيد، وعمر، وعبد الله، وعبد الرحمن وأحمد، وإسماعيل، والحسين، وعقيل، وأم الحسن.(11/70)
الباب الثاني عشر في بعض ما ورد مختصا بسيدنا الحسين - رضي الله تعالى عنه - من المناقب غير ما تقدم
وفيه أنواع
الأول: في مولده وقدر عمره ووفاته.
ولد - رضي الله تعالى عنه - لخمس ليال خلون من شعبان، سنة أربع وقيل: سنة ست، وقيل سنة سبع من الهجرة، قال في الاصابة: وليس بشئ.
قال جعفر بن محمد: لم يكن بين الحمل بالحسين وبين ولادة الحسن إلا طهر واحد.
قال الحافظ: لعلها ولدته لعشرة أشهر، وأبطأ الطهر شهرين، وحنكه صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف
الطيب في أذنه، وتفل في فمه، ودعا له وسماه حسينا.
وقيل: إنما سماه يوم السابع وعق عنه، واستشهد يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكر بلاء من أرض العراق، وجزم جمع كثير بأنه عاش ستا وخمسين سنة.
وقيل: وخمسة أشهر، وقيل: ابن ثمان وخمسين سنة، واسم قاتله سنان - بكسر المهملة والتنوين - ابن أنس النخعي في الاصح.
الثاني: في تقبيله صلى الله عليه وسلم فاه، والدعاء له وتقبيله زبيبته، ومص لعابه، ودلعه لسانه له - رضي الله تعالى عنه -.
روى أبو عمر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بكفي حسين، وقدماه على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أنت عين بقه، فرمى الغلام حتى وضع قدمه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افتح قال، ثم قبله ثم قال: " اللهم، إني أحبه فأحبه ".
وروى ابن أبي خيثمة وأبو الحسن الضحاك، وقال أبو الحسن بن الهيثمي: رجاله كلهم ثقات عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلقنا إلى سوق بني قينقاع فلما رجعنا دخل المسجد، فقال: أين لكع ؟ فجاء الحسين، يمشي حتى سقط في حجره، فجعل أصابعه في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم فمه، فأدخل فاه في فيه، ثم قال: " اللهم، إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه " قال أبو هريرة: فما رأيته قط إلا فاضت عيناي دموعا.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن يعلى العامري أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام(11/71)
دعي إليه، فإذا حسين مع غلمان يلعب في طريق فاستهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم، ثم بسط يده، وانطلق الصبي بعدها هنا مرة، وها هنا مرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه، حتى أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل إحدى يديه تحت ذقنه، والاخرى تحت قفاه، ثم أقام رأسه فوضع فاه
على فيه فقبله فقال: " حسين مني وأنا من حسين، رحم الله من أحب حسينا، حسين، سبط من الاسباط " انتهى.
وروى ابن أبي عاصم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: لما قتل الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - جئ برأسه إلى ابن زياد فجعل ينكت بقضيب معه على ثناياه وقال: كان حسن الثغر، فقلت في نفسي لاسوءنك، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه.
وروى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال: والله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرج رجليه يعني للحسين، ويقبل زبيبته.
وروى ابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسين فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه، فقال عيينة بن بدر الازدي أراك تصنع هذا بهذا، فوالله، إنه ليكون لي الولد قد خرج وجهه.
وما قبلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لا يرحم لا يرحم " ورواه أبو عبيد، وعنده: فإذا رأى الصبي حمرة لسانه يهش إليه.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لعاب الحسين كما يمص الرجل التمرة.
الثالث: في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم [...].
الرابع: في أنه من أهل الجنة - رضي الله تعالى عنه -.
روى ابن حبان وابن سعد وأبو يعلي وابن عساكر والضياء عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة.
وفي لفظ: إلى سيد شباب أهل الجنة، فلينظر إلى الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما -، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله.
الخامس: في نزوه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو القاسم البغوي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - رضي الله تعالى
عنه - قال: خلونا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل حسين، فجعل ينزو على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بطنه فبال فقمنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه " ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فصبه على ثوبه.(11/72)
السادس: في قوله صلى الله عليه وسلم: " حسين مني، وأنا من حسين، ومن أحبه أحبني ".
روى سعيد بن منصور والترمذي وحسنه عن يعلي بن مرة العامري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، وحسين سبط من الاسباط ".
وروى الامام أحمد عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحسن والحسين سبطان من الاسباط " روى الطبراني في الكبير عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب هذين يعني الحسن والحسين فقد أحبني ".
وروى الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم، إني أحبه، فأحبه "، يعني الحسين.
السابع: في أن المهدي من ذريته - رضي الله تعالى عنهما -.
روى أبو نعيم في الدلائل [ عن أم الفضل، قالت: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إنك حامل بغلام، فإذا ولدت فأتيني به "، قالت: فلما ولدته أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسري، وألباه، من ريقه وسماه عبد الله، وقال: اذهبي بأبي الخلفاء، فأخبرت العباس، وكان رجلا لباسا.
فلبس ثيابه ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما بصر به قام فقبل بين عينيه، قال: قلت: يا رسول الله، ما شئ أخبرتني به أم الفضل ؟ قال: هو ما أخبرتك، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم عليه السلام ].
الثامن: في تأذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببكائه - رضي الله تعالى عنه -.
روى أبو القاسم البغوي عن يزيد بن أبي زياد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة - رضي الله تعالى عنها - فمر على باب فاطمة - رضي الله تعالى عنها - فسمع حسينا - رضي الله تعالى عنه - يبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما تعلمي أن بكاءه يؤذيني ".
التاسع: في أخبار جبريل وملك المطر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين وإراءتهما له تربة الارض التي يقتل بها.
روى الطبراني في " الكبير " وابن سعد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه ".(11/73)
وروى الامام أحمد عن ثابت عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: استأذن ملك المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له، فقال لام سلمة - رضي الله تعالى عنها -: " احفظي علينا الباب لا يدخل أحد " فجاء حسين فوثب حتى دخل فجعل يصعد على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الملك: أتحبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " نعم " قال: إن أمتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه قال: فضرب بيده، فأراه ترابا أحمر، فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها قال: فكنا نسمع بقتله بكربلاء.
ورواه البيهقي من حديث وهب بن ربيعة وزاد قال: أخبرتني أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو خاثر، دون ما رأيت منه في المرة الاولى، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقبلها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله ؟ قال: " أخبرني جبريل أن ابني هذا يقتل بأرض العراق:، قال: قلت له: يا جبريل، أرني تربة الارض، فقال: هذه تربتها.
وروى البزار عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان الحسين جالسا في
حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل: أتحبه ؟ فقال: " وكيف لا أحبه، وهو ثمرة فؤادي ؟ " فقال: أما إن أمتك ستقتله، ألا أريك من موضع قبره، فقبض قبضة، فإذا تربة حمراء.
وروى الامام أحمد عبد الله بن يحيى عن أبيه أنه سار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله تعالى وجهه - فلما حاذى شط الفرات قال: خيرا يا عبد الله، قلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان، فقلت: مم ذاك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: " قام من عندي جبريل - عليه الصلاة والسلام - وأخبرني أن الحسين يقتل بشط الفرات "، وقال: هل لك أن أشمك من تربته ؟ فقلت: نعم، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا.
وروى الامام أحمد عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تبكوا هذا الصبي " يعني حسينا فكان يوم أم سلمة فنزل جبريل - عليه الصلاة والسلام - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لام سلمة: " لا تدعي أحدا يدخل "، فجاء الحسين فأخذته واحتضنته، فبكى فخلته يدخل حتى قعد في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل - عليه الصلاة والسلام -: إن أمتك ستقتله، قال " يقتلونه وهم مؤمنون ؟ " قال: نعم، وأراه من تربته.
وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا جبريل، أفلا أراجع فيه ربي - عز وجل " - ؟ قال: لا، إنه أمر قد قضي وفرغ منه.
وروى الامام أحمد عن عائشة أو أم سلمة - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(11/74)
قال: " لقد دخل على البيت ملك لم يدخل علي قبلها "، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك الارض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء.
وروى البغوي عن أنس بن الحارث - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن ابني هذا يعني الحسين، يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك فلينصره " قال: فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء، فقاتل مع الحسين - رضي الله تعالى
عنه - فقتل.
وروى ابن سعد وغيره عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه مر بكربلاء، وهو ذاهب إلى صفين، فسأل عن اسمها، فقيل: كربلاء، فنزل فصلى عند شجرة هنالك، فقال: يقتل هاهنا شهداء وهم خير الشهداء، يدخلون الجنة بغير حساب، وأشار إلى مكان فعلموه بشئ، فقتل فيه الحسين - رضي الله تعالى عنه - وقد تقدم في باب إخباره بقتل الحسين من المعجزات بشئ غير ذلك.
العاشر: في رؤيا أم سلمة وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامهما وإخباره إياهما أنه شهد قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه -.
روى ابن أبي الدنيا عن علي بن زيد بن جدعان، قال: استيقظ ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - من نومه، فاسترجع، فقال: قتل الحسين، والله، فقال له أصحابه: كلا يابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة من دم، فقال: ألا ترى ما صنعت أمتي من بعدي قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه، أرفعه إلى الله - عز وجل - فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فجاء الخبر بعد أيام أنه قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة.
وروى الترمذي عن سلمى، قالت: دخلت على أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - وهي تبكي فقلت: ما يبكيك ؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، قلت: ما لك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم عليك ؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا.
وروى ابن سعد عن شهر بن حوشب - رضي الله تعالى عنه - قال: إنا لعند أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فسمعتها صارخة فأقبلت حتى انتهيت إلى أم سلمة، فقالت: قتل الحسين، فقالت: قد فعلوها، ملا الله قبورهم أو بيوتهم نارا، ووقعت مغشيا عليها وقمنا.
الحادي عشر: في نوح الجن لقتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - قد حكى غير واحد أن أهل كربلاء لا يزالون يسمعون نوح الجن على الحسين - رضي الله تعالى عنه - وهن يقلن: مسح الرسول جبينه * فله بريق في الخدود(11/75)
أبواه في عليا قريش * وجده خير الجدود وقد أجابهم بعض الناس فقال: خرجوا به وفدا إليه * فهم له شر الوفود قتلوا ابن بنت نبيهم * سكنوا به دار الخلود زاد بعضهم أن نساء الجن ينحن ويقلن: أيها القاتلون ظلما حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعوا عليكم * ونبي مرسل وقبيل قد لعنتم على لسان داود * وموسى وصاحب الانجيل وروى الطبراني من طريق حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما سمعت نوح الجن منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذه الليلة وما أرى ابني إلا قد قتل يعني الحسين، فقالت لجاريتها: اخرجي فاسألي فأخبرت أنه قد قتل وإذا بجنية تنوح: ألا يا عين فاحتفلي بجهدي * ومن يبكي على الشهداء بعدي على رهط تقودهم المنايا * إلى متجبر في ملك عبدي وروى أبو نعيم عن بريدة بن جابر الحضري عن أمه قالت: سمعت الجن تنوح على الحسين وهي تقول: انعي حسينا هبلا * كان حسين جبلا وروى أبو نعيم من طريق ابن لهيعة عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - اجتزوا رأسه، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ يتحيون بالرأس فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطرا بدم.
أترجوا أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب روى ابن عساكر عن المنهال بن عمرو قال: أنا - والله - رأيت رأس الحسين حين حمل
وأنا بدمشق، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف، حتى بلغ قوله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) [ الكهف / 9 ] فأطلق الله تعالى الرأس بلسان درب فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي.
الثاني عشر: في خطبته - رضي الله تعالى عنه - حين أيقن بالقتل.
روى الزبير بن بكار، حدثني محمد بن الحسين قال: لما أيقن الحسين - رضي الله(11/76)
تعالى عنه - بأنهم قاتلوه قام خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: قد نزل ما ترون من الامر، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر خيرها، ومعروفها، واستمرت حتى لم يبق فيها إلا صبابة كصبابة الافاود الرعا للرسل ألا ترون الحق ؟ ألا ترون الحق يعمل به، والباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله - عز وجل -، وإني لا أرى الموت إلا ساعة، والحياة مع الظالمين إلا ندامة.
قالوا: وذكر كلاما كثيرا غير ذلك وبات هو وأصحابه يصلون ويسغفرون ويتضرعون وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم، فلا حول ولا قوة إلا الله بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال علي زين العابدين بن الحسين - رضي الله تعالى عنهما -: إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها، وعمتي زينب من جنبي سمعت أبي يقول: يادهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والاصيل من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيل قال: فأعادها مرتين أو ثلاثا، فعرفت ما أرادهما، فخنقتني العبرة، فقامت عمتي، حاسرة، حتى جاءت إليه، فقالت: والله، ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت أمي فاطمة وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي، قال: فنظر إليها، وقال: يا أختاه لا يذهبن حلمك
الشيطان، فقالت: بأبي أنت يا أبا عبد الله، وبكت ولطمت وجهها وشقت جيبها وخرت مغشيا عليها، فقام إليها فصب على وجهها الماء، وقال: يا أختاه، اتقي الله وتعزي بعز الله، واعلمي أن أهل الارض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وكل شئ هالك إلا وجهه، سبحانه وتعالى، يا أختاه، أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حرج عليها أن لا تفعل شيئا من هذا بعد قتله، ثم أخذ بيدها فردها إلى عندي - رضي الله تعالى عنهم أجمعين -.
وذكر أبو بكر بن الانباري - رحمه الله تعالى - أن زينب بنت عقيل بن أبي طالب لما قتل أخوها الحسين - رضي الله تعالى عنه - أخرجت رأسها من الخباء وأنشدت رافعة صوتها: ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الامم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي(11/77)
ومن كلامه - رضي الله تعالى عنه - اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله - عز وجل - فلا تملوا النعم، فتعود نقما، واعلموا أن المعروف يكسب حمدا، ويعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه، رجلا حسنا جميلا يسر الناظرين، ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم رجلا لرأيتموه رجلا سمجا مقبوحا تنفر منه القلوب، وتغض دونه الابصار، واعلموا أن من جاد ساد، ومن بخل رذل.
ومن تعجل لاخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: إياك ودم آل أبي طالب، فإني رأيت بني حرب لما قتلوا حسينا - رضي الله تعالى عنه - نزع الله - عز وجل - الملك منهم.
الثالث عشر: في خروجه إلى أرض العراق - رضي الله تعالى عنه - ونهي ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وغيرهم إياه عن ذلك ومكاتبة جماعة من وجوه أهل الكوفة في القدوم عليهم، وأنهم ينصرونه، وخذلانهم له وكيفية قتله - رضي الله تعالى عنه -.
روى ابن حبان وأبو داود الطيالسي في " مسنده " عن الشعبي قال: بلغ ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد ؟ قال: العراق ومعه طوامير، وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم: فقال له: إن الله - عز وجل - خير نبيه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والاخرة فاختار الاخرة، وإنكم بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يليها أحد منكم أبدا وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا، فأبي، وقال هذه: كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر، وقال: أستودعك الله من قتيل.
وقد وقع ما فهمه ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - سواء بسواء من أهل هذا البيت لانها صارت ملكا، والله - عز وجل - قد صان أهل بيت نبيه - عليه الصلاة والسلام - عن الملك والدنيا.
وروى أبو القاسم البغوي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: استشارني الحسين في الخروج فقلت: لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال: لا أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها يعني مكة، وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه.
وروى عن بشر بن غالب، قال: كان ابن الزبير يقول للحسين - رضي الله تعالى عنهما -: تأتي قوما قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، فقال الحسين - رضي الله تعالى عنه - لان أقتل بموضع كذا وكذا أحب إلي من أن يستحل بي، يعني الحرم.
الرابع عشر: في كرامات حصلت له، وآيات ظهرت لمقتله - رضي الله تعالى عنه -.(11/78)
روى عمر الملا عن رجل من كلب، قال: صاح الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما -: اسقونا ماء فرماه رجل بسهم فشد شدقه فقال: رضي الله تعالى عنه -: لا أرواك الله عز وجل فعطش الرجل إلى أن رمى بنفسه في الفرات، فشرب حتى مات.
وروى ابن أبي الدنيا عن العباس بن هشام بن محمد الكوفي عن أبيه عن جده، قال: كان رجل يقال له زرعة شهد قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - فرمي الحسين - رضي الله تعالى عنه - بسهم فأصاب حنكه، وذلك أن الحسين - رضي الله تعالى عنه - دعا بماء ليشرب، فرماه فحال بينه وبين الماء فقال - رضي الله تعالى عنه -: اللهم ظمه، فحدثني من شهد موته، وهو يصيح من الحر في بطنه، ومن البرد في ظهره وبين يديه الثلج والمراوح، وخلفه، الكانون، وهو يقول: اسقوني، أهلكني العطش، فيؤتى بالعسل العظيم، فيه السويق والماء واللبن، لو شربه خسمة لكفاهم، فيشربه فيعود، ثم يقول: اسقوني أهلكني العطش فانقد بطنه كانقداد البعير.
وروى أبو القاسم البغوي عن علقمة بن وائل بن علقمة أنه شهد هنالك قال: قام رجل فقال: أفيكم الحسين ؟ قالوا: نعم، قال: أبشر بالنار قال - رضي الله تعالى عنه -: أبشر برب رحيم، وشفيع مطاع، من أنت ؟ قال: أنا جويرة، قال: اللهم جره إلى النار، فنفرت به الدابة، فتعلقت رجله في الركاب فوالله، ما بقي عليها منه إلا رجله.
روى أيضا عن أبي معشر عن بعض مشايخه قال: إن قاتل الحسين لما جاء ابن زياد وذكر له كيفية قتله اسود وجهه، ولما قاله للحسين، اسود وجهه.
وروى عمر الملا عن سفيان قال: حدثتني جدتي أنها رأت رجلين ممن شهدا قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - قالت: أما أحدهما فطال ذكره، حتى كان يلفه وأما الاخر فإنه كان يستقبل الراوية فيشر بها إلى آخرها فما يروي.
وروى سعيد بن منصور عن أبي محمد الهلالي قال: شرك رجلان مني في دم الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنه - فأما أحدهما فابتلي بالعطش، فكان لو شرب رواية، ما روي، وأما الاخر فابتلي بطول ذكره فكان إذا ركب الفرس يلفه على عنقه.
وروي أيضا عنه عن جدته أن رجلا ممن شهد قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - كان يحمل ورسا فصار ورسه رمادا.
وروى الامام أحمد في المناقب عن أبي رجاء أنه كان يقول: لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت، فإن جارا لنا من بني الهجيم قدم من الكوفة فقال: ألم تروا هذا الفاسق ابن الفاسق، إن(11/79)
الله تعالى قتله، يعني الحسين - رضي الله تعالى عنه - فرماه الله تعالى بكوكبين في عينيه فطمس بصره.
وروى منصور بن عمار عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنه - بعث برأسه إلى يزيد، فنزلوا أول مرحلة، فجعلوا يشربون ويبحثون بالرأس، فبينما هم كذلك، إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد، فكتب سطرا بدم: أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب وروى الحافظ ابن عساكر - رحمه الله تعالى - أن طائفة من الناس ذهبوا في غزوة إلى بلاد الروم فوجدوا في كنيسة: أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب فسألوا من كتب هذه ؟ فقالوا: هذا مكتوب من قبل مبعث نبيكم بثلثمائة سنة.
وروى أبو نعيم في " الدلائل " عن نضرة الازدية أنها قالت: لما قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - أمطرت السماء دما فأصبحنا وجباهنا وجوارحنا مملؤة دما.
وروى أبو القاسم البغوي عن مروان مولى هند بنت المهلب قالت: حدثني أيوب بن عبيد الله بن زياد أنه لما جئ برأس الحسين - رضي الله تعالى عنه - رأيت دار الامارة تسيل دما.
وروى أيضا عن جعفر بن سليمان قال: حدثتني خالتي أم سلمة قالت: لما قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - أمطرنا مطرا كالدم على البيوت، والجدار، قال: وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة.
وروى ابن السدي عن أم سلمة قالت: لما قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - مطرنا
دما.
وروى أيضا عن ابن شهاب قال: لما قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه - لم يرفع، ولم يقلع حجر بالشام إلا عن دم.
وروى الترمذي وصححه عن عمارة بن عمير، قال: لما جئ برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد وأصحابه نضدت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت، قد جاءت، فإذا حية قد جاءت تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد، وأصحابه فمكثت هنيهة، ثم خرجت، فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين، أو ثلاثا.(11/80)
الخامس عشر: فيما جاء فيما يقتل به - رضي الله تعالى عنه -.
روى عمر الملا عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن جبريل - عليه الصلاة والسلام - أخبرني أن الله - عز وجل - قتل بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفا وهو قاتل بدم الحسين، سبعين ألفا وسبعين ألفا، انتهي.
في انتقام الله - عز وجل - من قتلة الحسين وتسليط الجبارين عليهم [...].
السادس عشر: في ولد الحسين - رضي الله تعالى عنه - ذكر الشيخ شمس الدين سبط ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -: علي الاكبر، وعلي الاصغر، وهو زين العابدين والنسل له وجعفر، وفاطمة، وعبد الملك، وسكينة، ومحمد، وأسقط البلاذري جعفرا، وروي، قال المحب الطبري في الذخائر: ولد للحسين - رضي الله تعالى عنه - ستة بنين، وثلاث بنات، علي الاكبر استشهد مع أبيه، وعلي وزين العابدين، وعلي الاصغر، ومحمد، وعبد الله، استشهد مع أبيه، وجعفر، وسكينة وفاطمة، وجعل المحب الطبري عليا الاصغر غير زين العابدين، وهو غير موافق على ذلك.
تنبيه:
في نسختي من أنساب البلاذري، وهي نسخة صحيحة قوبلت عدة مرات ما نصه قال المدائني: قيل الحسين والباقر والعباس، وعثمان، ومحمد ولد علي، وعلي بن الحسين وأبو بكر، وعبد الله، والقاسم، بنو حسين - بالتصغير - كذا في النسخة أن أبا بكر، وعبد الله، والقاسم بنو حسين بالتصغير، وهو تصحيف من الكاتب ولا شك، والصواب بنو حسن مكبرا.
السابع عشر: في بعض ما قاله وما رثي به الحسين وأهل البيت - رضي الله تعالى عنهم -.
قال في الثقة بالله وذم الطمع في الخلق.
لا تخضعن لمخلوق على طمع * فإن ذلك وهن منك في الدين واسترزق الله مما في خزائنه * فإن ذلك بين الكاف والنون(11/81)
جماع أبواب أعمامه وعماته وأولادهم وأخوله - صلى الله عليه وسلم -
الباب الأول في ذكر أعمامه وعماته - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاجمال
اختلف في عدد أولاد عبد المطلب فقيل: هم ثلاثة عشر وقيل: اثنا عشر، وقيل: عشرة، وقيل: تسعة.
فمن قال: إنهم ثلاثة عشر تلاهم الحارث، وأبو طالب، والزبير، وعبد الكعبة، وحمزة، والعباس، والمقوم، وحجل واسمه المغيرة، وضرار وقثم، وأبو لهب، والغيداق، فهؤلاء اثنا عشر، وعبد الله أبو رسول الله ومن جعل عدتهم عشرة أسقط عبد الكعبة، وقال: هو مقوم، وجعل الغيداق وحجلا واحدا.
ومن جعلهم تسعة أسقط قثم، ولم يذكر أبا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ابن إسحاق وابن قتيبة غيره، وجعلهم الحافظ عبد الغني أحد عشر، عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم والحارث وهو
أكبر ولد عبد المطلب، وبه كان يكنى، شهد معه حفر زمزم، ومات في حياة أبيه، ولم يدرك الاسلام، أمه صفية بنت جندب من نساء بني هاشم، وقثم قال في الصحاح: هو معدول عن قاثم، وهو المعطى.
قال البلاذري: هلك صغيرا ولم يعب، ولم يدرك الاسلام، كذا ذكره الزبير، وبه جزم عبد الغني وقال ابن الكلبي: إنه شقيق العباس، والزبير بفتح الزاي، كذا ضبطه الحافظ مغلطاي في " الزهر الباسم " في غير موضع بالحروف وعن ذلك هو والوزير الاحمد بن يحيى البلاذري في الانساب وحده، والباقون على ضمها ا.
ه.
وقد طال تتبعي لذلك على أني وجدت على نسخة صحيحة من تاريخ البلاذري قوبلت ثلاث مرات على أصول صحيحة في ترجمة عبد المطلب ما نصه: في الاصل حيث وقع الزبير بفتح الزاي وكسر الباء، فسررت بذلك، قال ابن ما كولا: ومن ذيل عليه لم يذكروا ذلك ولا شيخ الاسلام ابن حجر في التبصير مع سعة اطلاعه، ولله الحمد، ويكني أبا الحارث، وكان أحد حكام قريش، وهو أسن من عبد الله ومن أبي طالب، كان شاعرا سريعا رئيس بني هاشم وبني المطلب والفهمامة في حرب الفجار، كان ذا عقل ونظر لم يدرك الاسلام، وحمزة كنيته أبو يعلى، وقيل: أبو عمارة وهما ولدان له، وأمه هالة بنت وهيب ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وهي بنت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أسن من(11/82)
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين ذكره الحاكم، قال في الامناع ذلك إشكالان.
أحدهما: ما ثبت في الحديث أن حمزة وعبد الله بن عبد الاسد بن هلال المخزومي أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صحيح مسلم عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت: يا رسول الله، مالك تتوق في قريش وتدعنا ؟ قال: وعند كم شئ ؟ قلت: نعم، بنت حمزة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة ".
وجه الاشكال أن حمزة إذا كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين، كيف يصح أن
تكون ثويبة أرضعتهما معا، والحديث صحيح فهو مقدم على غيره إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين، ويؤيد ذلك قول البلاذري: وكانت ثويبة مولاة أبي لهب، أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما قلائل قبل أن تأخذه حليمة من لبن ابن لها، يقال له: مسروح وأرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة عبد الله بن عبد الاسد المخزومي، وبهذا ينحل الاشكال، والله تعالى أعلم.
الاشكال الثاني: أنه قد اشتهر أن عبد المطلب بن هاشم نذر إن آتاه الله عشرة من الولد ذكورا، لينحرن أحدهم عند الكعبة، كما سبق بيان ذلك، لكن يزيل الاشكال ما رواه البلاذري من طريقين عن محمد بن عمر الاسلمي قال: سألت عبد الله بن جعفر متى كان حفر عبد المطلب زمزم ؟ فقال: وهو ابن أربعين سنة، قلت: فمتى أراد ذبح ولده ؟ قال: بعد ذلك بثلاثين سنة، قلت: قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أجل، وقبل مولد حمزة استشهد بأحد وهو ابن أربع وخمسين، وتقدم ذكره مبسوطا في غزوتها.
والعباس أسلم وحسن إسلامه، وهاجر إلى المدينة وكان له عشر من الذكور لهم صحبة، وثلاث إناث، الفضل، وهو أكبر أولاده، وبه كان يكنى، وعبد الله، وهو الخبر، وعبيد الله وكان جوادا، وقثم، ومعبد، وأم حبيب، وأمهم واحدة، وعبد الرحمن، وكثير، وتمام، وأمهم رومية، قالوا: ما رأينا بني أم قط تباعدت قبورهم كتباعد قبور بني أم الفضل لبابة بنت الحارث الكبرى، فقبض الفضل بالشام باليرموك، وعبد الله بالطائف، وعبيد الله بالمدينة، وقثم بسمرقند، ومعبد بإفريقية، وكان أيسر بني هاشم، وكان له ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة لجائعهم، ويقظة لجاهلهم كان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب، وكان نديمه في الجاهلية أبا سفيان بن حرب، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ليستوثق، ولم يسلم يومئذ، ثم أسلم بعد ذلك، واختلف في وقت إسلامه فروي أنه أسلم قبل بدر، ولكنه كان يكتم إيمانه، وقيل: أسلم بعد وقعة خيبر، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف، وثبت معه يوم حنين، وأبو طالب بن عبد مناف شقيق عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم(11/83)
كفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده، لانه أوحي إليه، فأحسن القيام بنصر الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقر بنبوته، ولكنه أبي أن يدين بذلك خشية العار، والله غالب على أمره، مات في النصف من شوال في السنة العاشرة من الهجرة، وهو ابن بضع وثمانين سنة، وقيل: أكثر من ذلك، ولد له من الذكور أربعة، ومن الاناث اثنتان، وطالب مات كافرا، وهو أكبر ولده، وبه كان يكنى، وعلي، وجعفر، وعقيل، وأم هانئ، كنيت باسم ابنها، واسمها فاختة، وقيل: عاتكة وقيل: فاطمة، وقيل: هند، وجمانة أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم - رضي الله تعالى عنها - وكان علي أصغرهم وجعفر أسن منه بعشر سنين، وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وطالب أسن من عقيل بعشر سنين، وأبو لهب، واسمه عبد العزي، تقدم خبر وفاته أواخر قصة بدر (1)، ومن ولده عتبة، ومعتب، ثبتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وأصيبت عين معتب، أسلما يوم الفتح، وآخرهما عتيبة بالتصغير، مات كافرا سلط الله عليه الاسد كما سبق في المعجزات.
وعبد الكعبة، لم يدرك الاسلام، قاله البلاذري: درج صغيرا، ولم يعقب، وهو شقيق عبد الله.
وحجل، قال الدارقطني، والنووي في تهذيبه وبحاء مهملة مفتوحة، فجيم ساكنة، وهو في الاصل الخلخال، وضبطه في العيون، بتقديم الجيم على الحاء، وهو في الاصل نوع من اليعاسيب.
وقال أبو حنيفة الدينوري: كل شئ ضخم فهو حجل، وحجل يسمى المغيرة، وقيل: مصعب والعباس، وضرار مات أيام أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أكثر فتيان قريش جمالا وسخاء، لا عقب له وهو شقيق العباس.
والغيداق - بغين معجمة فتحتية فدال مهملة فألف فقاف -، لقب بذلك، لجوده، وكان أكثر قريش مالا، قال ابن سعد: اسمه مصعب، وقال الدمياطي: نوفل، وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك.
والمقوم - بضم الميم وفتح القاف وتشديد الواو مفتوحة ومكسورة - يكنى أبا بكر
والعوام نقله في " العيون " عن بعضهم وقال بعضهم: اعدد ضرارا إن عددت فزائدا * والليث حمزة واعدد العباسا واعدد زبيرا والمقوم بعده * والصمت حجلا والفتى الرآسا وأبا عبيدة فاعددنه ثامنا * والقرم عبد مناف العباسا والعرم عبدا ما يعد حجا حجا * سادوا على رغم العدو الناسا
__________
(1) في أوقعة بدر.
(*)(11/84)
والحارث الفياض ولى ماجدا * أيام نازعة الهمام لكاسا ما للانام عمومة كعمومتي * أنى وهم خير الاناس أناسا عاتكة شقيقة عبد المطلب وعبد الله، قال أبو عبد الله: الاكثر على أنها لم تسلم، وذكرها ابن فتحون في ذيل الاستيعاب، واستدل على إسلامها بشعر لها تمدح به النبي صلى الله عليه وسلم وتصفه بالنبوة، وقال الدارقطني: لها شعر، يذكر فيه تصديقها، وقال ابن سعد: أسلمت عاتكة بمكة، وهاجرت إلى المدينة، وهي صاحبة الرؤيا المشهورة كانت تحت أبي أمية بن المغيرة المخزومي، فولدت له عبد الله وزهيرا، وكلاهما ابنا علم أبي جهل أخي أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم لابيها كما جزم به أبو عمر، فأما عبد الله فأسلم، وكان قبل إسلامه شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا) [ الاسراء / 90 ] إلى (أو يكون لك بيت من زخرف) [ الاسراء / 93 ] ثم إنه - رضي الله تعالى عنه - خرج مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطريق بين السقيا والفرع مريدا مكة عام الفتح فتلقاه، فأعرض عنه مرة بعد أخرى، حتى دخل على أخته أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - وسألها أن تشفع فشفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه، وشهد فتح مكة وحنينا والطائف، فرمى يوم الطائف بسهم فقتله، ومات، شهيدا - رضي الله تعالى عنه - وأما زهير بن أمية وأميمة فاختلف في إسلامهما فنفاه ابن إسحاق، ولم يذكرها غير ابن سعد، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمها
أربعين وسقا من خيبر، قاله الحافظ، فعلى هذا كانت لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتها زينب موجودة، وكانت تحت جحش بن رئاب أخي بني تميم من دودان بن أسد بن خزيمة فولدت له عبد الله وعبيد الله وأبا أحمد، وزينب وحمنة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم حبيبة وحمنة أسلموا كلهم، وهاجر الذكور الثلاثة إلى أرض الحبشة، فتنصر عبيد الله هناك وبانت منه زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان.
وأما البنات فأسلمن كلهن، والبيضاء وهي الحصان لا تكلم، والضاع لا تعلم، توءمة عبد الله أم حكيم - بفتح المهملة وكسر الكاف - كانت تحت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له عامرا، وبنات لم يذكر عددهن ولا أسماءهن ولا إسلامهن، أما عامر - رضي الله تعالى عنه - فأسلم يوم فتح مكة، وبقي - رضي الله تعالى عنه - إلى خلافة عثمان - رضي الله تعالى عنه - وهو والد عبد الله بن عامر بن كريز الذي ولاه عثمان، أمره العراق وخراسان، وكان عمره أربعا وعشرين سنة.
وبرة كانت عند أبي رهم بن عبد العزي العامري، ثم خلف عليها بعده عبد الاسد بن هلال المخزومي، فولدت له أبا سلمة بن عبد الاسد الذي كانت عنده أم سلمة قبل(11/85)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: كانت أولا عند الاسلم ثم خلف عليها أبورهم، أسلم أبو سلمة، وهاجر الهجرتين كما تقدم بيان ذلك مبسوطا، وشهد بدرا، وجرح يوم أحد جرحا اندمل ثم نقص عليه فمات منه، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعده أم سلمة، وصفية والدة الزبير بن العوام، شقيقة حمزة، أسلمت، وهاجرت مع ولدها الزبير، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهدت الخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلت رجلا من اليهود، وضرب لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت بسهم، وكانت في الجاهلية تحت الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس ثم هلك عنها فخلف عليها العوام بن خويلد أخو أم المؤمنين خديجة - رضي الله تعالى عنها - فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة، أسلم الزبير والسائب - رضي الله تعالى عنهما - وقتل الزبير يوم اليمامة شهيدا،
وتوفيت في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنها - سنة عشرين ولها ثلاث وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع - رضي الله تعالى عنها - وجمانة وأروى، حكى أبو عمر عن ابن إسحاق أنه لم يسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفية، وتعقب بقصة أروى وذكرها العقيلي في الصحابة وأسند عن محمد بن عمر قصة إسلامها، وقال ابن سعد: أسلمت أروى وهاجرت.
قال في زاد المعاد: وصحح بعضهم إسلام أروى، وذكر ابن سعد أن أروى هذه رثت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيات: ألا يا رسول الله، كنت رجاءنا * وكنت بنا برا ولم تك جافيا أفاطم، صلى الله، رب محمد * على جدث أمسى بيثرب ثاويا أبا حسن فارقته وتركته * فبك بحزن آخر الدهر شاحبا فدى لرسول الله أمي وخالتي * وعمي ونفسي قصرة ثم خاليا صبرت وبلغت الرسالة صادقا * وقمت صليب الدين أبلج صافيا فلو أن رب الناس أبقاك بيننا * سعدنا، ولكن أمرنا كان ماضيا عليك من الله السلام تحية * وادخلت جنات من العدن راضيا وكنت بنا رؤوفا رحيما نبينا * ليبك عليك اليوم من كان باكيا لعمرك ما أبكي النبي لموته ! * ولكن لهرج كان بعدك آتيا وكان على قلبي لذكر محمد * وما خفت من بعد النبي المكاويا فسألته في منام رأته قبل وقعة بدر، رواه الطبراني بإسناد حسن عن مصعب بن عبد الله وغيره من قريش، وتقدم ذلك في غزوة بدر، كانت تحت عمير بن قصي بن وهب بن عبد قصي فولدت طليبا، خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، وأسلم طليب، وكان - رضي الله تعالى عنه - سببا في إسلام أمه.(11/86)
قال محمد بن عمر: إن طليبا أسلم في دار الارقم، ثم خرج فدخل على أمه أروي، فقال: تبعت محمدا صلى الله عليه وسلم وأسلمت لله - عز وجل - فقالت: إن أحق ما وازرت وعضدت ابن
خالك والله، لو كنا على قدر ما تقدر عليه الرجال لمنعناه، وذبينا عنه، قال لها طليب: ما منعك أن تسلمي وتتبعيه، وقد أسلم أخوك حمزة ؟ فقالت: أنظر ما يصنع أخواتي ثم أكون من إحداهن، قلت: فإني أسألك بالله إلا أتيته، فسلمت عليه وصدقته وشهدت أن لا إله إلا الله، فقالت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ثم كانت بعد تعضد النبي صلى الله عليه وسلم بلسانها وتحض على نصرته والقيام بأمره، وهاجر طليب إلى أرض الحبشة وإلى المدينة، وشهد بدرا ولا عقب له، استشهد بأجنادين، قيل: باليرموك.
وأمهات هؤلاء الذكور والاناث شتى، فحمزة - رضي الله تعالى عنه - والمقوم، وحجلا، وصفية والعوام لام وهي هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة بنت فهر آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس - رضي الله تعالى عنه - وضرار، وقثم لام وهي نتلة بفتح النون وسكون الفوقية أو نتيلة تصغير الأول والنتل: بيض النعام، وبعضهم يصحفها - بالتاء المثلثة بنت جناب - بجيم مفتوحة فنون وبعد الالف موحدة - بن كليب بن ثمر بن قاسط يقال: إنها أول عربية كست البيت الحرام الديباج وأصناف الكسوة، وذلك أن العباس ضل وهو صبي فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت الحرام فوجدته ففعلت، والحارث، وأروي، وقثم من صفية بنت جندب بن حجير - بضم الحاء المهملة وفتح الجيم - بن زباب - بفتح الزاي والموحدة وبعدها ألف فموحدة مخففة - بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة، وأبو لهب من لبني بنت هاجر بكسر الجيم كما جزم به السهيلي في " روضه " قبيل المولد بيسير ولم يذكره الامير، ولا من تبعه وعجبت من إغفال الحافظ له في " التبصير " ابن عبد مناف بن خاطر بن حيشية بن سلول بن خزاعة، وعبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طالب، والزبير، وعبد العكبة، وعاتكة، وبرة والبيضاء لام، وهي فاطمة بنت عمرو بن عابد بالموحدة بن عمران بن مخذوم، والغيداق من ممنعة بنت عمرو بن مالك بن خزاعة، ولم يعقب من الذكور إلا أربعة، الحارث، والعباس - رضي الله تعالى عنه - وأبو طالب وأبو لهب، ولم يدرك الاسلام منهم غير أربعة أبو طالب، وأبو لهب وحمزة، والعباس - رضي الله تعالى عنهما - وأسلم من الاناث صفية - رضي
الله تعالى عنها - بلا ظان، واختلف في أروى وعاتكة، فذهب العقيلي إلى اسلامهما وعدهما من جملة الصحابيات، وذكر الدارقطني عاتكة من جملة الاخوة والاخوات ولم يذكر أروى، وجملة أولاد الاعمام خمسة وعشرون اثنان لم يسلما: طالب بن أبي طالب، وعتيبة بالتصغير ابن أبي لهب، والباقون أسلموا ولهم صحبة.(11/87)
وتفصيلهم: أربعة لابي طالب: طالب، مات كافرا، وعقيل وجعفر، وعلي، وعشرة للعباس: الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وقثم، وعبد الرحمن، ومعبد، وكثير، وتمام لام، والحارث أمه هذيلة، وآمنة، وأم كلثوم، وصفية لامهات أولاد زاد هشام في الكلبي، وصبيح، وشهر، ولم يتابع على ذلك، وزاد إبراهيم المزني: لبابة، وآمنة، ومعقل، وعون، وأم حبيب، وأمهم أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، وهمام وخمسة للحارث: أبو سفيان، ونوفل، وربيعة، والمغيرة، وعبد شمس.
وثلاثة للزبير: عبد الله وضباعة، وأم الحكم، وواحد للزبير وهو عبد الله، وشهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان فارسا مشهورا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ابن عمتي وحبي " ومنهم من يقول: إنه كان يقول: ابن أبي وحبي.
قال أبو عمر: ولا أحفظ له رواية، وكان سنه يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثين سنة استشهد بأجنادين بعد أن أبلي بها بلاء حسنا، ولا عقب له.
واثنان لحمزة عمارة، ويعلى، وقال مصعب: ولد لحمزة خمسة رجال لصلبه، وماتوا ولم يعقبوا، وقال الزبير بن بكار لم يعقب أحد من بني حمزة إلا يعلى وحده، فإنه ولد له خمسة رجال لصلبه، وماتوا ولم يعقبوا، وثلاثة لابي لهب: عتبة، ومعتب، وعتيبة مات كافرا.
وإناث عشرة: ابنتان لابي طالب: أم هاني، وجمانة وثلاث للعباس: أم حبيبة، وصفية، وأميمة.
وواحدة للحارث هي: أروي، وإثنتان للزبير: ضباعة وأم هانئ، وأم الزبير، وصفية، ذكرهما في العيون ولهن صحبة، ولابي لهب: درة، وخالدة، وعزة وواحدة لحمزة وهي أمامة، ويقال أمة الله، وكان الواقدي يقول فيها: عمارة.
قال الخطيب: انفرد الواقدي بهذا القول، وإنما عمارة ابنة لابيه، قال في العيون: ولحمزة أيضا ابنة تسمى أم الفضل وابنة تسمى فاطمة، ومن الناس من يعدهما واحدة، وفاطمة هذه إحدى الفواطم التي قال صلى الله عليه وسلم لعلي وقد أهدى له حلة من استبرق اجعلها خمر بين الفواطم فشققتها أربعة أخمرة خمارا لفاطمة بنت أسد أم علي.
وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم زوج على وفاطمة ابنة حمزة، وفاطمة بنت عتبة.
وجملة أولاد العمات أحد عشر رجلا وثلاث بنات عرفن فالذكور عامر بن بيضاء بن كريز بن ربيعة، وعبد الله وزهير ابنا عاتكة بن أبي أمية المخزومي، وعبد الله وعبيد الله وأبو أمية بن جحش، وطليب بن أروى بن عمير بن وهب، والزبير والسائب، وعبد الكعبة بنو صفية بن العوام، وكلهم أسلموا وثبتوا على الاسلام إلا عبيد الله بن جحش، وأما الاناث فزينب وحمنة وأم حبيبة بنات أمية بن جحش ذكر لام حكيم لم يذكر عددهن ولا إسلامهن ولا أسماؤهن وسيأتي لذلك بعض بيان في الأبواب الاتية.
وأخواله صلى الله عليه وسلم الاسود بن عبد يغوث بن وهب.(11/88)
قال البلاذري: وهو خال النبي صلى الله عليه وسلم وكان من المستهزئين، ثم روي عن عكرمة قال: أخذ جبريل بعنق الاسود بن عبد يغوث فحنى ظهره حتى احقوقن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خالي خالي " فقال: يا محمد، دعه عنك.
روى الخرائطي عن محمد بن عمير بن وهب خال النبي صلى الله عليه وسلم قال: جاء والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد، فبسط رداءه فقال: أجلس على ردائك يا رسول الله ؟ قال: " نعم فإن الخال وارث ".
وروى ابن الاعرابي في " معجمه " عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخاله الاسود بن وهب: " ألا أعلمك كلمات من يرد الله به خيرا يعلمهن إياه ثم لا ينسيه أبدا ؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: قل: " اللهم إني ضعيف فقوني، رضا لك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الاسلام منتهى رضاي ".
وروى ابن منده عن الاسود بن وهب خال النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أنبئك بشئ عسى الله أن ينفعك به ؟ " قال: بلى، قال: " إن الربا أبواب، الباب منه عدل سبعين حوبا أدناها فجرة كاضطجاع الرجل مع أمه، وإن أربي الربا استطالة المرء في عرض أخيه بغير حق ".
وروى ابن شاهين عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن الاسود بن وهب خال النبي صلى الله عليه وسلم استأذن عليه فقال: يا خال ادخل، فدخل فبسط له رداءه عمير بن وهب.
وروى الخرائطي من مكارم الاخلاق بسند ضعيف عن محمد بن عمير بن وهب قال: جاء الاسود بن وهب والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد فبسط له رداءه فقال: أجلس على ردائك ؟ قال: " نعم فإنما الخال والد ".(11/89)
الباب الثاني في بعض مناقب سيدنا حمزة - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع
الأول: في وقت إسلامه.
أسلم حمزة - رضي الله تعالى عنه - قديما في السنة الثانية من المبعث.
وقال ابن الجوزي كان بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الارقم في السادسة.
وروى ابن عساكر أنه يوم ضرب أبو بكر حين ظهر الرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إسلام عمر بثلاثة أيام.
وتقدم سبب إسلامه، وحسن بلائه في غزوة أحد، ومقتله وتقدم في السرايا أن أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحد من المسلمين كانت لحمزة - رضي الله تعالى عنه - عز باسلامه الاسلام، وكفت قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما كانوا ينالون منه، خوفا من حمزة - رضي الله تعالى عنه - وعلما منهم أنه سيمنعه، وكان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة وأم كل منهما ابنة عم أم الاخر.
الثاني: أنه أسد الله تعالى وأسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
روى الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن عمير بن إسحاق - رحمه الله تعالى - قال: كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين ويقول: أنا أسد الله وأسد رسوله.
وروى الطبراني برجال الصحيح غير يحيى وأبيه فيحرر حالهم عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن أبيه عن جده والبغوي في معجمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده، إنه مكتوب عند الله - عز وجل - في السماء السابعة حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ".
وروى الحاكم وابن هشام عن محمد بن عمر عن شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات "، ولفظ ابن هشام " وحمزة مكتوب في السموات السبع أسد الله وأسد رسوله ".
الثالث: أنه خير أعمامه - صلى الله عليه وسلم -.
روى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة وأبو نعيم عن عابس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير أعمامي حمزة ".
وروى الديلمي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير إخوتي علي، وخير أعمامي حمزة ".(11/90)
الرابع: في أنه سيد الشهداء - رضي الله تعالى عنه -.
روى الطبراني في " الاوسط " عن ابن عباس، والطبران في " الكبير " عن علي، والخلعي عن ابن مسعود، والديلمي والحاكم والخطيب والضياء عن جابر - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيد " ولفظ الديلمي " خير الشهداء " ولفظ جابر " عند الله " وفي لفظ " يوم القيامة حمزة " زاد ابن عباس وابن مسعود وجابر " ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ".
الخامس: في شهادته - صلى الله عليه وسلم - له بالجنة - رضي الله تعالى عنه -.
روى ابن عمر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دخلت البارحة الجنة فإذا حمزة مع أصحابه " رضي الله تعالى عنهم.
السادس: في آية نزلت فيه.
روى السدي في قوله تعالى (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه) [ القصص / 61 ] أنها نزلت في حمزة.
وروى السلفي عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - في قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة) [ الفجر / 27 ] قال حمزة: في.
السابع: في شدة حزنه - صلى الله عليه وسلم - حين قتل.
روى أبو الفرج بن الجوزي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد، فنظر إلى شئ، لم ينظر إلى شئ كان أوجع لقلبه منه، وقد تقدم في غزوة أحد ما يغني عن الاعادة.
الثامن: في تغسيل الملائكة له - رضي الله تعالى عنه -.
روى الطبراني بسند حسن عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أصيب حمزة بن عبد المطلب وحمزة بن الراهب وهما جنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت الملائكة تغسلهما ".
وروى الحاكم وقال: صحيح الاسناد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن حمزة قتل جنبا فغسله الملائكة.
التاسع: في كفنه - رضي الله تعالى عنه -.
روى أبو يعلى واللفظ له برجال الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: لما كان يوم أحد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة وقد جدع أنفه، ومثل به فقال: " لو لا أن تجد صفية في(11/91)
نفسها لتركته، حتى يحشره الله من بطون السباع والطير " فكفن في نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه، وإذا خمر رجلاه بدت رأسه.
وروى الطبران عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما قتل حمزة بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنه - كان عليه نمرة، وكان هو الذي أدخله في قبره، وكان إذا غطى بها رأسه، خرجت قدماه، وإذا غطى قدميه خرج رأسه، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يغطي رأسه، وأن يأخذ شجرا من هذا العلجان فيجعله على رجله.
العاشر: في سنه يوم قتل ووصيته إلى زيد بن حارثة - رضي الله تعالى عنهما -.
كان سنه يوم قتل تسعا وخمسين سنة، ودفن هو وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد.
الحادي عشر في ولده - رضي الله تعالى عنه -.
له من الولد ذكران وأنثى، عمارة وأمه خولة بنت قيس بن مالك بن النجار الانصارية الخزرجية، ويعلى وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل واحد منهما أعوام ولم تحفظ لواحد منهما رواية، واسم الانثى أمامة كما ذكره ابن الجوزي، وقال ابن قتيبة يقال لها: أم أبيها، أمها زينب بنت عميس الخثعمية، وهي التي اختصم في حضانتها علي وجعفر وزيد، فقال علي: ابنة عمي وقال جعفر ابنة عمي، وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخالة بمنزلة الام ".
رواه البخاري، وكان أحسن فتاة في قريش والله سبحانه وتعالى أعلم.(11/92)
الباب الثالث في بعض مناقب سيدنا العباس - رضي الله تعالى عنه -.
وفيه أنواع
الأول: في مولده واسمه وكنيته وصفته.
ولد - رضي الله تعالى عنه - قبل الفيل بثلاث سنين، وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وقيل بثلاث.
روى ابن أبي عاصم عن أبي رزين والبغوي في معجمه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قيل للعباس - رضي الله تعالى عنه -: أيما أكبر ؟ أنت أو النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله، وكان - رضي الله تعالى عنه - وسيما أبيض بضاله خفيرتان، معتدل القامة وقيل: كان طوالا.
انتهى.
وروى ابن أبي عاصم وابن عمر عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن الانصار لما أرادوا أن يكسوا العباس حين أسر يوم بدر، ولم يصلح عليه قميص إلا قميص عبد الله بن أبي فكساه إياه، فلما مات عبد الله بن أبي ألبسه النبي صلى الله عليه وسلم وتفل عليه من ريقه، قال سفيان: فظني أنه مكافأة للعباس - رضي الله تعالى عنه - وكان - رضي الله تعالى عنه - رئيسا في قريش، وإليه - رضي الله تعالى عنه - عمارة المسجد الحرام، فكان لا يدع أحدا يسبه فيه، ولا يقول فيه هجرا، وكانت قريش قد اجتمعت وتعاقدت على ذلك، فكانوا له عونا وأسلموا ذلك إليه، وكان - رضي الله تعالى عنه - جوادا مطعما، وصولا للرحم ذا رأي حسن ودعوة مرجوة.
الثاني: في شفقته - رضي الله تعالى عنه - على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية والاسلام.
[ روى مسلم وغيره، عن جعفر بن محمد، عن أبيه.
قال: دخلنا على جابر بن عبد الله.
فسأل عن القوم حتى انتهى إلي.
فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين.
فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الاعلى.
ثم نزع زري الاسفل.
ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب فقال: مرحبا بك.
يا ابن أخي ! سل عما شئت.
فسألته.
وهو أعمى.
وحضر وقت الصلاة، فقام في نساجة ملتحفا بها.
كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليهمن صغرها.
ورداؤه، إلى جنبه على المشجب.
فصلى بنا.
فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال بيده.
فعقد تسعا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج.
ثم أذن في الناس في العاشرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج.
فقدم المدينة بشر كثير.
كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويعمل مثل عمله.
فخرجنا معه.
حتى أتينا ذا الحليفة.
فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر.(11/93)
فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع ؟ قال " اغتسلي.
واستثفري بثوب وأحرمي " فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.
ثم ركب القصواء.
حتى إذا استوت به ناقته على البيداء.
نظرت إلى مد بصري بين يديه.
من راكب وماش.
وعن يمينه مثل ذلك.
وعن يساره مثل ذلك.
ومن خلفه مثل ذلك.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا.
وعليه ينزل القرآن.
وهو يعرف تأويله.
وما عمل به من شئ عملنا به.
فأهل بالتوحيد " لبيك اللهم ! لبيك.
لبيك لا شريك لك لبيك.
إن الحمد والنعمة لك.
والملك لا شريك لك ".
وأهل الناس بهذا الذي يهلون به.
فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه.
ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته.
قال جابر (رضي الله عنه): لسنا ننوي إلا الحج.
لسنا نعرف العمرة.
حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا.
ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام.
فقرأ: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [ البقرة / الاية 125 ] فجعل المقام بينه وبين البيت.
فكان أبي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة.
قال: فحل الناس كلهم وقصروا.
إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى.
فأهلوا بالحج.
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.
ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس.
وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة.
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام.
كما كانت قريش تصنع في الجاهلية.
فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة.
فوجد القبة قد ضربت له بنمرة.
فنزل بها.
حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء.
فرحلت له.
فأتى بطن الوادي.
فخطب الناس وقال " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم.
كحرمة يومكم هذا.
في شهركم هذا.
في بلد كم هذا.
ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع.
ودماء الجاهلية موضوعة.
وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث.
كان مسترضعا في
بني سعد فقتلته هذيل.
وربا الجاهلية موضوع.
وأول ربا أضع ربانا.
ربا عباس بن عبد المطلب.
فإنه موضوع كله.
فاتقوا الله في النساء.
فإنكم أخذتموهن بأمان الله.
واستحللتم فروجهن بكلمة الله.
ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه.
فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح.
ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به.
كتاب الله.
وأنتم تسألون عني.
فما أنتم قائلون ؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس " اللهم ! اشهد.
اللهم ! اشهد " ثلاث مرات.
ثم أذن.
ثم أقام فصلى الظهر.
ثم أقام فصلى العصر.
ولم يصل بينهما شيئا.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى أتى الموقف.
فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات.
وجعل حبل المشاة بين يديه.
واستقبل القبلة.
فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس.
وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرض.
وأردف أسامة خلفه.
ودفع(11/94)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام.
حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله.
ويقول بيده اليمني: " أيها الناس ! السكينة السكينة " كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا.
حتى تصعد.
حتى أتى المزدلفة.
فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين.
ولم يسبح بينهما شيئا.
ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر.
وصلى الفجر، حين تبين له الصبح، بأذان وإقامة.
ثم ركب القصواء.
حتى أتى المشعر الحرام.
فاستقبل القبلة.
فدعاه وكبره وهلله ووحده.
فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا.
فدفع قبل أن تطلع الشمس.
وأردف الفضل بن عباس.
وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما.
فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين.
فطفق الفضل ينظر إليهن.
فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل.
فحول الفضل وجهه إلى الشق الاخر ينظر.
فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الاخر على وجه الفضل.
يصرف وجهه من الشق الاخر ينظر.
حتى أتى بطن محسر.
فحرك قليلا.
ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى.
حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات.
يكبر
مع كل حصاة منها.
حصى الخذف.
رمى من بطن الوادي.
ثم انصرف إلى المنحر.
فنحر ثلاثا وستين بيده.
ثم أعطى عليا.
فنحر ما غبر.
وأشركه في هديه.
ثم أمر من كل بدنة ببضعة.
فجعلت في قدر.
فطبخت.
فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت.
فصلى بمكة الظهر.
فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم.
فقال: " انزعوا بني عبد المطلب ! فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم " فناولوه دلوا يقول: (ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم): كان يقرأ في الركعتين (قل هو الله أحد)، [ الاخلاص ] (وقل يا أيها الكافرون) [ الكافرون ] ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفاء.
فلما دنا من الصفا قرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله) [ البقرة / 158 ] " أبدا بما بدأ الله به " فبدأ بالصفا.
فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة.
فوحد الله، وكبره.
وقال " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.
لا إله إلا الله وحده.
أنجز وعده.
ونصر عبده.
وهزم الاحزاب وحده " ثم دعا بين ذلك.
قال مثل هذا ثلاث مرات.
ثم نزل إلى المروة.
حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى.
حتى إذا صعدتا مشى.
حتى أتى المروة.
ففعل على المروة كما فعل على الصفا.
حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال " لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى.
وجعلتها عمرة.
فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل.
وليجعلها عمرة ".
فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ! ألعامنا هذا أم لابد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الاخرى.
وقال " دخلت العمرة في الحج " مرتين " لا بل لابد أبد " وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم.
فوجد فاطمة - رضي الله تعالى عنها - ممن حل.
ولبست ثيابا صبيغا.
واكتحلت فأنكر ذلك عليها.
فقالت: إن أبي أمرني بهذا.
قال: فكان علي(11/95)
يقول، بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة.
للذي صنعت.
مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها.
فقال " صدقت صدقت.
ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ " قال قلت: اللهم ! إني أهل بما أهل به رسولك.
قال " فإن معي الهدي
فلا تحل " قال: فكان جماعة الهدي ] (1).
روي أيضا عن ابن هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد والعباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله وأما خالد: فإنكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل، وأما العباس فهي علي ومثلها معها، ثم قال: يا عمر شعرت أن عم الرجل صنو أبيه ؟.
الثالث: في شهوده مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العقبة وهو على دين قومه.
روى ابن إسحاق وابن قتيبة وابن سعد وأبو عمرو - رحمهم الله تعالى - جاء قوم من أهل العقبة يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لهم: في بيت العباس، فدخلوا عليه، فقال العباس: إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم، فاخفوا أمركم حتى يتصدع هذا الحاج، ونلتقي نحن وأنتم فنوضح لكم هذا الامر فتدخلون فيه على أمر بين، فوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة التي سفر صبيحتها عن النفر الاخران أسفل العقبة، وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا فخرج القوم تلك الليلة يتسللون، وقد سبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه العباس وليس معه غيره، وكان يثق به في أمره كله، فلما اجتمعوا كان أول من تكلم العباس بكلام فيه طول وبلاغة، فقال البراء بن معرور: قد سمعنا ما قلت، أما والله لو كان في أنفسنا غير ما تنطق به لقلناه لكن نريد الوفاء والصدق ونبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد له البيعة تلك الليلة على الانصار وفي رواية الشعبي - رضي الله تعالى عنه - قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى السبعين الذين أسلموا وبايعوا عند العقبة تحت الشجرة والعباس معه فذكره.
انتهى.
الرابع: في سروره - رضي الله تعالى عنه - بفتح خيبر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلامته وشدة حزنه حين بلغه خلاف ذلك.
[ أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ثابت عن أنس بن مالك قال: " لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط: يا رسول الله، إن لي بمكة مالا، وإن لي بها أهلا، وإني أريد أن آتيهم، فأنا
في حل إن نلت منك أو قلت شيئا ؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء فأتى إلى امرأته حين قدم فقال: اجمعي لي ما كان عندك فإني أريد أن اشتري من غنائم محمد وأصحابه، فإنهم
__________
(1) أخرجه مسلم 2 / 886 - 892 (147 / 1218).
(*)(11/96)
قد استبيحوا وأصيبت أموالهم.
قال: وفشا ذلك بمكة فأوجع المسلمين، وأظهر المشركون فرحا وسرورا، فبلغ العباس بن عبد المطلب فعقر في مجلسه وجعل لا يستطيع أن يقوم.
قال معمر: فأخبرني الجزري عن مقسم قال: فأخذ العباس ابنا له يقال له قثم وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستلقى فوضعه على صدره وهو يقول: حبي قثم، شبيه ذي الانف الاشم، برغم من زعم.
قال معمر قال ثابت عن أنس: ثم أرسل غلاما له إلى الحجاج بن علاط: ويلك ما جئت به وماذا تقول ؟ فما وعد الله خير مما جئت به.
قال الحجاج لغلامه: اقرأ أبا الفضل السلام وقل له: فليخل لي بعض بيوته لاتيه فإن الخبر على ما يسره.
فجاء غلامه، فلما بلغ الباب قال: أبشر يا أبا الفضل فإن الخبر على ما يسرك.
فوثب العباس فرحا حتى قبل بين عينيه، ثم جاء العباس فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر.
وغنم أموالهم، وجرت سهام الله في أموالهم، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حي فأخذها لنفسه، وخيرها بين أن يعتقها فتكون زوجته أو تلحق بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته.
ولكني جئت لمال لي ها هنا أردت أن أجمعه وأذهب فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي أن أقول ما شئت، فأخف عني ثلاثا ثم اذكر ما بدالك.
قال فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع جمعته فدفعته إليه، ثم استمر، فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال: ما فعل زوجك ؟ فأخبرته أنه قد ذهب، وقالت: لا يحزنك الله أبا الفضل، لقد شق علينا الذي بلغك.
قال: أجل لا يحزنني الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، وقد أخبرني الحجاج أن الله قد فتح خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجرت سهام الله فيها، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به.
قالت: أظنك والله صادقا.
قال: فإني صادق، والامر على ما
أخبرتك.
قال: ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون: لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل.
قال لم يصبني إلا خير بحمد الله، قد أخبرني الحجاج أن خيبر فتحها الله على رسوله، وجرت فيها سهام الله، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثا، وإنما جاء ليأخذ مالا كان له ثم يذهب، قال فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من كان دخل بيته مكتئبا حتى أتوا العباس فأخبرهم الخبر، فسر المسلمون ورد الله ما كان من كآبة أو غيظ أن خزي على المشركين " (1) ].
الخامس: في ألم النبي - صلى الله عليه وسلم - لالم العباس لما شدوا وثاقه في الاسر.
روى ابن عمر وابن الجوزي عن سويد بن الاصم قال: العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم لما أسر
__________
(1) مرارد الظمآن 413، 414 (1698).
(*)(11/97)
بات النبي صلى الله عليه وسلم ساهرا تلك الليلة، فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا رسول الله ؟ قال: أنين العباس، فقام رجل فأرخى وثاقه شيئا قال: فافعل ذلك بالاسارى كلهم، كل ذلك رعاية للعدل ومحافظة على الاحسان المأمور به في قوله تعالى (إن الله يأمركم بالعدل والاحسان) [ النحل / 90 ].
السادس: في إسلام العباس.
قال أهل العلم بالتاريخ: كان إسلام العباس - رضي الله تعالى عنه - قديما، وكان يكتم إسلامه، وخرج مع المشركين يوم بدر مكرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لقي العباس فلا يقتله فإنه خرج مستكرها " فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو، ففادي نفسه ورجع إلى مكة، ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا رواه أبو سعد.
قيل: أسلم يوم بدر واستقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بالابراء وكان معه يوم فتح مكة وبه ختمت الهجرة، قال أبو عمرو: أسلم قبل فتح خيبر، وكان يكتم إسلامه، ويسره ما فتح الله
- عز وجل - على المسلمين، وأظهر إسلامه يوم فتح مكة، وشهد حنينا والطائف وتبوك، ويقال: كان إسلامه - رضي الله تعالى عنه - قبل بدر، وكان - رضي الله تعالى عنه - يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون بمكة يقوون به، وكان يحب القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مقامك بمكة خير لك ".
روى أبو القاسم السهيلي عن شرحبيل بن سعد قال: لما بشر أبو رافع - رضي الله تعالى عنه - رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب أعتقه.
السابع: في تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - للعباس ولطفه به.
قال أبو عمرو: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم العباس بعد إسلامه ويعظمه ويقول: " هذا عمي وصنوا أبي ".
وروى أبو القاسم البغوي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: يا ابن أخي لقد رأيت من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس أمرا عجبا.
وروى أبو القاسم السهمي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره وعثمان بين يديه، وكان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء العباس - رضي الله تعالى عنه - تنحى له أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - من مكانه فجلس فيه.
وروي أيضا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس لطفا بالعباس.(11/98)
وروي عن كريب مولى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجل العباس محل الوالد لولده، خاصة خص الله - تعالى - بها العباس من دون الناس.
وروي الطبراني بسند حسن عن ابن عباس عن أمه أم الفضل - رضي الله تعالى عنها - أن
العباس - رضي الله تعالى عنه - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه وقبل ما بين عينيه ثم قال: " هو عمي فمن شاء فليباهي بعمه "، قال العباس: بعض القول يا رسول الله، قال: " ولم لا أقول وأنت عمي وبقية آبائي والعم والد ".
وروي ابن حبان عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنهم - قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر جيشا إذ طلع العباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " العباس عم نبيكم أجود قريش كفا وأوصلها ".
الثامن: في قوله - صلى الله عليه وسلم - إن عم الرجل صنو أبيه والزجر عن أذاه، والايذان بأنه من النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - منه والوصية به.
روى الترمذي وحسنه عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم - لعمر - - رضي الله تعالى عنه -: أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه، وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - كلمه في صدقته.
ورواه البيهقي وزاد: إنا كنا احتجنا فاستلفنا من العباس صدقة عامين.
وروي أبو القاسم البغوي في معجمه عنه - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت لعمر - رضي الله تعالى عنه - أما تذكر حين شكوت العباس - رضي الله تعالى عنه - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ".
وروي أيضا عن عطاء الخراساني وابن عساكر في التاريخ عنه مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العباس عمي وصنو أبي، من آذاه فقد آذاني ".
وروي الترمذي وابن عساكر عن ابن عباس وابن أبي الدنيا في مناقب العباس، والخرائطي في " مساوئ الاخلاق " وابن النجار والخطيب عن المطلب وابن أبي شيبة عن مجاهد مرسلا - صحيح الاسناد - عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: إن العباس - رضي الله تعالى عنه - دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من آذي العباس فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه " وفي لفظ:(11/99)
" احفظوني في العباس، فإنه بقية آبائي، وإن عم الرجل صنو أبيه ".
وروى الترمذي وقال: حسن عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عم الرجل صنو أبيه ".
وروى أبو بكر الشافعي في الغيلانيات وابن عساكر عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العباس عمي وصنو أبي ".
وروى ابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - وعبد الرزاق وابن جرير عن مجاهد - مرسلا - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تؤذوني في العباس، فإن عم الرجل صنو أبيه "، وفي لفظ: " فإنه بقية آبائي، وإن عم الرجل صنو أبيه ".
وروى ابن عساكر عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تؤذوا العباس فتؤذوني، من سب العباس فقد سبني، فإن عم الرجل صنو أبيه ".
ورواه أيضا عن ابن عباس بدون فإن عم الرجل.
وروى الترمذي وقال حسن غريب والحاكم وابن سعد عن ابن عباس وأبو داود الطيالسي والامام أحمد وأبو داود وصححه والضياء عن البراء، وابن سعد عن أبي مجلز مرسلا - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العباس مني وأنا منه " وفي لفظ " إن العباس مني وأنا منه ".
قال أبو عوانة: هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته، قال ابن منده: إسناده متصل مشهور وهو ثابت على شراط الجماعة، وفي لفظ " إنما العباس صنو أبي فمن آذي العباس فقد آذاني ".
وروى الخليلي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العباس وصيي ووارثي وعلي مني وأنا منه ".
وروى الحاكم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العباس مني وأنا منه، لا تؤذوا أمواتنا فتؤذوا به الاحياء ".
وروى ابن قانع عن حنظلة الكاتب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس، إنما أنا ابن العباس، فاعرفوا ذاك، إنه صار لي والدا، وصرت له فرطا ".
وروى ابن عدي وابن عساكر عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احفظوني في العباس، فإنه بقية آبائي ".
وروى ابن عساكر عن عبد الله بن أبي بكر بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " احفظوني في عمي عباس فإن عم الرجل صنو أبيه ".(11/100)
وروى ابن عدي وابن عساكر عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " استوصوا بالعباس خيرا فإنه عمي وصنو أبي ".
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " استوصوا العباس خيرا، فإن عم الرجل صنو أبيه ".
التاسع: في أن الخلافة في ولده ودعائه - صلى الله عليه وسلم - للعباس ولولده وتحليلهم بكساء.
روي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس: " إذا كان غداة الاثنين فائتني أنت وولدك، حتى أدعو بدعوة ".
وروى الهيثم بن كليب وابن عساكر عن عبد الله بن عباس عن أبيه وسنده رجاله ثقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم انصر العباس وولد العباس - ثلاثا - يا عم، أما علمت أن المهدي من ولدك موفقا راضيا مرضيا ".
وروى الروياني والشاشي والخرائطي والحاكم - وتعقب - وابن عساكر عن سهل بن سعد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان القيظ فنزل منزلا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل، فقام
العباس فستره بكساء من صوف، قال سهل: فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جانب الكساء وهو رافع رأسه إلى السماء يقول: " اللهم استر العباس وولد العباس من النار ".
وروي عن ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي - مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إن عمي العباس حاطني بمكة من أهل الشرك وأخذني على الانصار وأجرني في الاسلام مؤمنا بالله مصدقا بي اللهم فاحفظه وحظه واحفظ له ذريته من كل مكروه ".
وروى الترمذي - وقال: حسن غريب - وأبو يعلى وابن عدي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - والخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - والطبراني في " الكبير " عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم انصر العباس " وفي لفظ " اللهم اغفر للعباس " وفي لفظ " ما أسر وما أعلن، وما أبدي وما أخفي وما كان وما يكون منه، ومن ذريته إلى يوم القيامة " وفي لفظ " ولولد العباس ومن أحبهم " وفي لفظ " لانباء العباس وأبناء أبناء العباس " وفي لفظ " وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا، اللهم اخلفه " وفي لفظ " احفظه في ولده ".
العاشر: في تبشرة العباس بأن له من الله - عز وجل - حتى يرضي، وأنه لا يعذب بالنار ولا أحد من ولده.(11/101)
روى الديلمي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم هذا عمي، وصنو أبي، وخير عمومة العرب، اللهم أسكنه معي في البيت الاعلى ".
الحادي عشر: في منزلته في الجنة.
روى ابن ماجه والحاكم في الكنى وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله - عز وجل - اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين، والعباس بيننا، مؤمن بين خليلين ".
وروى ابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن له - يعني العباس - في الجنة غرفا كما تكون الغرف، يطل علي يكلمني وأكلمه ".
الثاني عشر: في ملازمة العباس - رضي الله تعالى عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذا بلجام بغلته يوم حنين.
[ عن كثير بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فلم نفارقه، والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي.
فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عباس ناديا أصحاب السمرة ".
قال عباس: وكنت رجلا صيتا فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة ؟ قال فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبيك يا لبيك.
قال فاقتتلوا هم والكفار والدعوة في الانصار يقولون: يا معشر الانصار يا معشر الانصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج يا بني الحارث.
قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على بغلته وهو كالمتطاول عليها إلى قتالهم، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا حين حمي الوطيس "، قال: ثم أخذ حصيات فرمي بهن وجوه الكفار ثم قال: انهزموا ورب محمد ! قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحصياته ثم ركب فإذا حدهم كليل وأمرهم مدبر حتى هزمهم الله ] (1).
الثالث عشر: في استسقاء الصحابة بالعباس - رضي الله تعالى عنه -.
روى البخاري أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - كان إذا قحطوا استقوا
__________
(1) الطبقات لابن سعد (4 / 13.
(*)(11/102)
بالعباس فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم تسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم
فاسقنا فيسقون وقد قال عباس بن عتبة بن أبي لهب: بعمي سقى الله الحجاز وأهله * عشية يستسقى بشيبة عمر توجه بالعباس في الجدب راغبا * إليه فما إن رام حتى أتى المطر ومنا رسول الله فينا تراثه * فهل فوق هذا في المفاخر مفتخر ومناقبة كثيرة مشهورة - رضي الله تعالى عنه - وأرضاه.
الرابع عشر: في تعظيم الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - للعباس - رضي الله تعالى عنه -.
قال ابن شهاب: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون للعباس من فضله، فيقدمونه ويشيرونه ويأخذون برأيه، وقال ابن أبي الزناد عن أبيه: إن العباس لم يمر بعمر وعثمان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجاوز هما العباس إجلالا ويقولون: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو عمر.
الخامس عشر: في بر علي بن أبي طالب به ودعائه له.
روى السلفي في المشيخة البغدادية عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: اعتل أبي العباس فعاده علي فوجد في أخمص رجليه فأخذ بهما من يدي وجلس موضعي وقال: أنا أحق بعمي منك إن كان الله - عز وجل - توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمي حمزة، فقد أبقى لي العباس، عم الرجل صنو أبيه، وبره به بره بأبيه، اللهم هب لعمي عافيتك، وارفع له درجتك، واجعله عندك في علين.
السادس عشر: في إعطائه - صلى الله عليه وسلم - للعباس السقاية ورخصته له في ترك المبيت بمنى لاجلها.
روي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال له العباس: ادفع لي مفاتيح البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لابل أعطيكم شيئا يرزأكم ولا ترزؤونها ".
السابع عشر: في إثبات رخصته للامة على ممر الزمان بسببه - رضى الله تعالى عنه -.
[ روى البخاري ومسلم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال قال: استأذن
العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له ].
الثامن عشر: في فراسته - رضي الله تعالى عنه -.
التاسع عشر: في سياسته - رضي الله تعالى عنه -.
روى أبو محمد بن السقاء عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال لي(11/103)
العباس: يا بني، إن أمير المؤمنين يعني يدعوك ويستشيرك فاحفظ عني ثلاث خصال: لا يجرين عليك كذبة، ولا تفش له سرا ولا تغتابن عنده أحدا.
العشرون: في صدقته بداره لتوسع المسجد.
روي عن كعب قال: كان للعباس - رضي الله تعالى عنه - دارا، فلما أراد عمر أن يوسع المسجد طلبها من العباس، فقال: قد جعلتها صدقة مني على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحادية والعشرون: في عتقه.
روى ابن أبي عاصم عن مجاهد - رضي الله تعالى عنه - قال: أعتق العباس بن عبد المطلب سبعين عبدا.
الثانية والعشرون: في جمل من مكارم أخلاقه ووفاته - رضي الله تعالى عنه -، وما يتعلق به في الاكتفاء.
قال الزبير بين بكار: وكان العباس - رضي الله تعالى عنه - ثوبا لعاري بني هاشم، وجفنة لجائعهم، وكان يمنع الجار ويبذل المال ويعطي من النوال.
قال ابن المسيب: كانت جفنة العباس تدور على فقراء بني هاشم، وكان يطعم الجائع، ويؤدب السفيه.
قال الزهري: هذا والله هو السؤدد، وكان عونا للمستضعفين بمكة، وكان وصولا لارحام قريش، محسنا إليهم، وكانت الصحابة تكرمة، وتعظمه، وتقدمه وتشاوره، وتأخذ برأيه، وكان شديد الصوت.
قال النووي: ذكر الحازمي في " المؤتلف " أن العباس كان يقف على " سلع " فينادي في الاماكن غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم، قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثلاثون حديثا اتفقا على حديث وانفرد البخاري بحديث ومسلم بثلاثة.
روى عنه ابناه [ عبد الله وكثير وجابر والاحنف بن قيس وعبد الله بن الحارث، وغيرهم من الصحابة، توفي - رضي الله تعالى عنه - وهو معتدل القامة، وله ثمان وثمانون سنة يوم الجمعة لاربع عشرة خلت من رجب سنة اثنين وثلاثين في خلافة عثمان - رضي الله تعالى عنه - ودفن بالبقيع - رضي الله تعالى عنه -.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
الجميل: [...].(11/104)
الوسيم: [...].
السقاية [ ما كانت قريش تسقيه الحجاج من الزبيب المنبوذ ].
التشبيب: - بمثناة فوقية فشين معجمة فموحدتين بينهما مثناة تحتية - ترقيق الشعر بذكر الشنباء.
الهجر: بالضم: الهذيان وقول الباطل ويطلق على الكلام الفاحش.
الجراد [...].
الوصول [...].
الرائي [...].
الصنو [ المثل ].
الفرط [ المتقدم والسابق ].
لا تغادر [...].
السنا: الضوء.
الاعلى [...].(11/105)
الباب الرابع في بعض مناقب سيدنا جعفر - رضي الله تعالى عنه - بن أبي طالب
وفيه أنواع
الأول: في اسمه وكنيته وهجرته.
اسمه جعفر، وكنيته عبد الله، ولقبه الطيار، وذو الجناحين، وذو الهجرتين، الجواد.
أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس، وولدت هناك بنيه عبد الله، وهذا أول مولود ولد في الاسلام بالحبشة، والعقب له دون أخويه، ومحمدا، وعونا، فلم يزل هنالك حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر، فحصلت له الهجرتان - رضي الله تعالى عنه - وتقدم ذكر هجرته إلى الحبشة، وما وقع له مع النجاشي وأخوتهم لامهم: محمد بن أبي بكر، ويحيى بن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهم - فأما محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه عمنا أبو طالب، وزوجه علي بابنته أم كلثوم بعد عمر، وكانت كنيته: أبو القاسم استشهد بتستر - رضي الله تعالى عنه - وأما عون فاستشهد بتستر لا عقب له أيضا.
روى ابن الجوزي عن عمرو بن العاص.
الثاني: فيما ثبت لجعفر ومن هاجر إلى الحبشة من الفضل.
روى الشيخان عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي أطالب، فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى افتتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لكم أنتم يا أهل
السفينة هجرتان ".
الثالث: في قدوم جعفر - رضي الله تعالى عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
روى البغوي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - والبغوي عن الشعبي قال: لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قدوم جعفر وفتح خيبر قال صلى الله عليه وسلم: " ما أدري أنا بأيهما أشد فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر ؟ " ثم التزمه وقبل ما بين عينيه.
وروي الطبراني والثلاثة - برجال ثقات - غير أنس بن مسلم فيحرر رجاله عن أبي جحيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: قدم جعفر بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض(11/106)
الحبشة، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عينيه وقال: " ما أدري أنا بقدوم جعفر أسر أم بفتح خيبر ".
وروي الطبراني مرسلا برجال الصحيح عن الشعبي - رحمه الله تعالى - قال: " لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر " قيل له: قدم جعفر بن أبي طالب من عند النجاشي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا أدري أنا بأيهما أشد فرحا بقدوم جعفر أو فتح خيبر " فأتاه ثم قبل ما بين عينيه.
وروي أبو يعلي برجال الصحيح غير مجالد عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: لما قدم جعفر من الحبشة عانقه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الطبراني وفي سنده علي بن عبد الله الرعيني وهذا من مناكيره عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - من الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل، قال سفيان: حجل: مشى على رجل واحدة إعظاما منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عينيه وقال صلى الله عليه وسلم: " حدثني ببعض عجائب الحبشة " فقال: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينا أنا سائر في بعض طرقاتها إذ بعجوز على رأسها مكتل، فأقبل شاب يركض على فرس له، فزحمها فألقاها
بوجهها، وألقى المكثل عن رأسها، فاسترجعت قائمة، واتبعت النظر وهي تقول: الويل لك غدا إذا جلس الملك على كرسيه، فانتصر للمظلوم من الظالم قال جابر: فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن دموعه على لحيته مثل الجمان، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا قدس الله أمة لا يؤخذ للمظلوم من الظالم غير متعتع ".
الرابع في شبهه برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
روى الامام أحمد والترمذي وصححه وابن حبان عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشبهت خلقي وخلقي ".
وروى الامام أحمد بسند حسن عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - والامام أحمد والطبراني والبغوي والحاكم والضياء عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال: اجتمع على وجعفر وزيد بن حارثة فقال جعفر: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال علي: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال زيد: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نسأله قال أسامة: فجاؤوا يستأذنونه فقال: " اخرج فانظر من هؤلاء، " فقلت: هذا جعفر وعلي وزيد ما أقول أبي ؟ قال: " ائذن لهم " فدخلوا فقالوا: يا رسول الله من أحب إليك ؟ قال: " فاطمة " قالوا: نسألك عن الرجال قال: " أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وخلقك خلقي وأنت مني وشجرتي، وأما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنا منك وأنت مني، وأما أنت يا زيد فمولاي وأنت مني وأحب القوم - أعني - إلي ".(11/107)
وروى الامام أحمد بإسناد حسن عن أسلم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لجعفر: " أشبهت خلقي وخلقي ".
وروى الخطيب عن علي (رضي الله تعالى عنه) قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لجعفر: " أشبهت خلقي وخلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها ".
وروى ابن سعد عن محمد بن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " أشبهت يا جعفر خلقك خلقي، وأشبه خلقك خلقي فأنت مني ومن شجرتي ".
الخامس: في أنه - رضي الله تعالى عنه - كان خير الناس للمساكين روى ابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان جعفر بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - يحب المساكين، ويجلس معهم، ويحدثهم، ويحدثونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين.
السادس: في أنه رضي الله تعالى عنه - كان أفضل من ركب الكور بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: ما احتذي النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الكور بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر - رضي الله تعالى عنه -.
وروى ابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أسمع أمتي جعفر ".
السابع: في إبرار علي - رضي الله تعالى عنه - القسم به روى أبو عمر عن عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أذا سألت عليا، فمنعني قالت له: بحق جعفر، أعطاني.
الثامن: فيما جاء أنه يطير بجناحين مع الملائكة في الجنة روى الطبراني برجال ثقات - غير عمر بن هارون ضعف ووثق - عن عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسماء بنت عميس فوضع عبد الله ومحمد بن جعفر على فخذه، ثم قال: " إن جبريل أخبرني أن الله تعالى استشهد جعفرا، وإن له جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة " ثم قال: " اللهم اخلف جعفرا في ولده ".
وروى الطبراني بإسنادين أحدهما حسن عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت(11/108)
جعفر بن أبي طالب في الجنة ذا جناحين يطير منها حيث شاء، مضرجة قوادمه بالدماء ".
وروى الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " هنيئا لك يا عبد الله بن جعفر، أبوك يطير مع الملائكة في السماء ".
وروى الطبراني برجال ثقات غير سعدان بن الوليد فيحرر حاله عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ رد السلام ثم قال: " يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل، مروا علينا فرددت عليهم السلام، وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا " فأصبت في جسدي في مقاديمي ثلاثا وسبعين بين طعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمني فقطعت، ثم أخذته بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة أنزل فيها حيث شئت، وآكل من ثمارها ما شئت، فقالت أسماء: هنيئا لجعفر ولكني أخاف أن لا يصدقني الناس، فاصعد المنبر فأخبر الناس يا رسول الله، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إن جعفر بن أبي طالب مع جبريل ميكائيل له جناحان من بدنه عوضه الله من يديه، يطير بهما في الجنة حيث شاء، فسلم علي وأخبرني كيف كان أمرهم حين لقي المشركين، فاستبان للناس بعد ذلك أن جعفرا لقيهم، فسمي جعفر الطيار.
وروى الطبراني في الصحيح عن سالم بن أبي الجعد - رحمه الله تعالى - قال: أراهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فرأى جعفرا ذا جناحين بالدماء وزيدا مقابله على السرير.
وروى الدارقطني في " الافراد " والحاكم وابن عساكر عن البراء - رضي الله تعالى عنه - قال: إن الله - عز وجل - جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة.
وروى الدارقطني في غرائب مالك وضعف عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مربي جعفر بن أبي طالب في ملا من الملائكة فسلم علي ".
وروى ابن سعد عن عبد الله بن المختار - مرسلا - والحاكم عن عبد الله بن المختار
عن ابن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مربي جعفر بن أبي طالب الليلة في ملا من الملائكة، له جناحان مضرجان بالدماء، أبيض القوادم ".
وروى النسائي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " تبكيه أولاتبكيه الملائكة تظله بأجنحتها ".
وروى أبو سهل بن زياد القطان في الرابع من " فوائده " والحاكم وابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل وإسرافيل فسلم علي وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا قال: فأصبت في(11/109)
جسدي في مقادمي ثلاثا وسبعين من رمية وطعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمني فقطعت، ثم أخذته بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل، أنزل من الجنة حيث شئت، وآكل من ثمارها حيث شئت " انتهى.
التاسع: في وفاته - رضي الله تعالى عنه - ودعائه صلى الله عليه وسلم لاهله روى أبو القاسم البغوي وأبو عمر بن عبد الله بن الزبير قال: " حدثني - أبي الذي أرضعني وكان أحد بني مرة قال: شهدت مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - فرأيت جعفر حين التحم القتال، اقتحم على فرس له أشقر ثم عقره، وقاتل القوم حتى قتل، وكان أول من عقر في الاسلام ".
وروى البخاري وابن حبان عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل فعبد الله بن رواحة ".
قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب، فوجدناه في القتلي، ووجدنا جسده ما في جسده بضعا وتسعين طعنة ورمية.
استشهد هو وزيد في جمادي سنة ثمان من الهجرة وروى الواقدي وابن سعد وابن عساكر عن عبد الله بن جعفر وابن سعد عن عامر والطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن
عباس وأبو داود الطيالسي وابن سعد والامام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم وابن عساكر عن عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إن جعفرا قد قدم إلى أحسن الثواب فأخلقه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته " وفي لفظ: " أخلف جعفرا في ولده " وفي لفظ: " وبارك لعبد الله في صفقة يمينه " - ثلاث مرات.
وروى ابن إسحاق عن أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - أن جعفرا وأصحابه قدموا من أرض الحبشة بعد فتح خيبر فقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر.
وروى الطيالسي والامام أحمد وأبوا داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه والطبراني في الكبير، والحاكم والبيهقي والضياء عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر - رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اصنعوا لال جعفر طعاما فإنه قد أتاهم ما يشغلهم ".
وروى ابن ماجه عن أم عيسى الجزار عن أم عون ابنة جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن آل جعفر قد شغلوا بشأن ميتهم، فاصنعوا لهم طعاما ".
وروى الطبراني برجال الصحيح - مرسلا - عن الشعبي - رحمه الله تعالى - قال: قتل(11/110)
جعفر - رضي الله تعالى عنه - يوم مؤته بالبلقاء.
العاشر: في أولاده - رضي الله تعالى عنه -.
وهم عبد الله، وعون، ومحمد.
قال ابن سعد: ويقال إنه كان له ولد اسمه أحمد.
تنبيه في بيان غريب ما سبق: المكثل [...].
يركض [...].
الجمان [ اللؤلؤ الصغار ].
احتذي النعال [ اقتفاها ].
المطايا [...].
الكور [ العمامة ].
النعي [...].
قوادمه [...].
المضرج [ ملطخ ].
والله سبحانه وتعالى أعلم.(11/111)
الباب الخامس في بعض مناقب عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع
الأول: في مولده تقدم أنه ولد بأرض الحبشة وهو أول مولود بها للمسلمين وقدم مع أبيه - رضي الله تعالى عنهما - المدينة، وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه.
الثاني: في بيعته - رضي الله تعالى عنه - روى البغوي والطبراني بسند جيد عن هشام بن عروة عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: إن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنهما - بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآهما تبسم وبسط يده فبايعهما.
الثالث: في دعائه صلى الله عليه وسلم له روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن عمرو بن حريث - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه - وهو يلعب مع الغلمان أو مع الصبيان فقال: " بارك الله بعبد الله في بيعته أو في صفقته ".
وروى الامام أحمد والبغوي عن عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثا، كلما مسح قال: " اللهم أخلف جعفرا في ولده ".
وروى ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس، والامام أحمد وابن عساكر عن عبد الله بن جعفر، وأبو داود الطيالسي وابن سعد والامام أحمد والطبراني في " الكبير " والحاكم وابن عساكر والواقدي وابن سعد عن عبد الله بن جعفر وابن سعد عن عامر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إن جعفرا قد قدم إلى أحسن الثواب فأخلف في ذريته، بأحسن ما أخلفت أحدا من عبادك في ذريته " وفي لفظ " اللهم أخلف جعفرا في ولده " وفي لفظ: " في أهله وبارك لعبد الله في صفقة - يمينه " - ثلاثا.
الرابع: في حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه على دابته روى مسلم عن عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته.
قال، وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه.
فحملني بين يديه، ثم جئ بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه.
قال، فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة.(11/112)
الخامس: في كرمه وجوده وبعض صفاته الجملية قال أبو عمر - رحمه الله تعالى -: كان عبد الله - رضي الله تعالى عنه - جوادا، ظريفا، حليما، عفيفا، سخيا، يسمى بحر الجود، يقال: إنه لم يكن في الاسلام أسخى منه، وكانوا يقولون: أجواد العرب في الاسلام عشرة.
فأجواد الحجاز عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وأجواد أهل الكوفة عتاب بن ورقاء، وأحمد بن رياح بن يربوع، وأسماء بنت خارجة بن حصين الفزاري وعكرمة بن ربعي الفياض أحد بني تيم الله بن ثعلبة، وأجواد أهل البصرة عمر بن عبد الله بن معمر وطلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعي أحد بني مليح وهو طلحة الطلحات، وعبد الله بن أبي بكر، وأجواد أهل
الشام خالد بن عبد الله بن أسيد، قلت: ليس في هؤلاء كلهم أجود من عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنهم - ولم يكن مسلم يبلغ مبلغه في الجود، وعوتب عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه - في ذلك فقال: إن الله - عز وجل - عودني عادة، وعودت الناس عادة، فأنا أخاف إن قطعتها قطعت عني.
السادس: في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم روى أبو القاسم البغوي عن عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه - قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات جعفر دعا الحالق فحلق رؤوسنا، وقال صلى الله عليه وسلم: " أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب، وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي ثم أخذ بيدي وقال: اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه " ثلاث مرات، فجاءت أمنا أسماء تذكر ميتها فقال صلى الله عليه وسلم: " العيلة تكافئين عليها وأنا وليهم في الدنيا والاخرة ".
انتهى.(11/113)
الباب السادس في بعض مناقب عقيل بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع
الأول: في اسمه وأخلاقه قال الفزاري: كان عقيل - رضي الله تعالى عنه - قد خرج مع كفار قريش يوم بدر مكرها فأسر، ففداه عمه العباس - رضي الله تعالى عنه - ثم أتى مسلما قبل الحديبية وشهد - رضي الله تعالى عنه - غزوة مؤته.
قال الطبراني في " معجمه الكبير ": حضر عقيل فتح خيبر وقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم منها.
الثاني: في محبة النبي صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى عنه - روى الامام إسحاق والطبراني والبغوي وأبو عمر برجال ثقات عن محمد بن عقيل،
والطبراني في الكبير والحاكم وابن عساكر عن ابن إسحاق مرسلا والحاكم عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعقيل: " يا أبا يزيد، إني أحبك حبين، حبا لقرابتك مني، وحبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك " ا.ه.
وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعقيل: " إني لاحبك حبين حبا لك وحبا لحب أبي طالب لك ".
الثالث: في ترحيب النبي صلى الله عليه وسلم - به رضي الله تعالى عنه -.
روى البغوي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: إن عقيلا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مرحبا بك أبا يزيد، كيف أصبحت " ؟ قال: بخير، صبحك الله بخير يا أبا القاسم " انتهى.
الرابع: في معرفة بعلم النسب وأيام العرب روى الزبير بن بكار قال كان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بآبائهم، وكانت له قطيفة تفرش له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليها ويجتمع إليه في النسب وأيام العرب، وكان أسرع الناس جوابا، وأحضرهم مرجعة في القول وأبلغهم في ذلك.
الخامس: في خروجه إلى معاوية روى البغوي عن جعفر بن محمد بن محمد عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: إن عقيلا - رضي الله تعالى عنه - جاء إلى علي - رضي الله تعالى عنه - بالعراق فسأله فقال: إن أحببت أن(11/114)
أكتب لك إلى مالي بينبع فأعطيك منه، فقال عقيل: لاذهبن إلى رجل هو أوصل لي منك، فذهب إلى معاوية فعرف له ذلك، قال أبو عمر: كان عقيل غاضب عليا، وخرج إلى معاوية فأقام عنده، فزعموا أن معاوية قال يوما بحضرته: هذا أبو زيد، لولا علمه بأني خير له من أخيه ما أقام عندنا وتركه، فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي.
السادس: في نبذ من أخباره.
قال أبو عمر: قدم عقيل - رضي الله تعالى عنه - البصرة ثم الكوفة ثم الشام.
السابع: كان له أولاد مسلم ويزيد وبه كان يكنى.(11/115)
الباب السابع في ذكر الاناث من أولاد أبي طالب
كان له ابنتان الاولى: أم هانئ، واسمها فاختة، وقيل: هند، أسلمت يوم الفتح، وتزوجها هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمر بن أبي مخزوم، وولدت له أولادا، وهرب إلى نجران، ومات مشركا.
الثانية: جمانة، تزوجها ابن عمها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنه - وولدت له والله سبحانه أعلم.
الباب الثامن في بعض مناقب الفضل بن العباس - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع الأول في اسمه وصنعته - رضي الله تعالى عنه - اسمه الفضل في الجاهلية والاسلام، ويكني أبا عبد الله، وقيل: أبا محمد، وكان - رضي الله تعالى عنه - أجمل الناس وجها.
روى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفع من " المزدلفة " إلى منى أردف الفضل بن العباس خلفه - رضي الله تعالى عنه -.
الثاني في نبذ من أخباره - رضي الله تعالى عنه - قال ابن سعد: قالوا: وكان الفضل بن عباس فيمن غسل النبي صلى الله عليه وسلم وتولى دفنه، ثم
خرج بعد ذلك إلى الشام مجاهدا.
الثالث في وفاته - رضي الله تعالى عنه - توفي بناحية الاردن في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة من الهجرة، وذلك في خلافة عمر بن الخطاب.
الرابع في ذكر أولاده - رضي الله تعالى عنه - ولد له محمد، وكان يكنى به ولا عقب له إلا بنت يقال لها أم كلثوم، وكانت عند أبي موسى الاشعري.(11/116)
الباب التاسع في بعض مناقب عبيد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع
الأول: في مولده واسمه وكنيته - رضي الله تعالى عنه - كان أصغر من أخيه عبد الله بسنة.
الثاني: في كرمه وجوده.
كان كريما جميلا وسيما يشبه أباه في الجمال، وكان سمحا جوادا محمودا مقصدا للوافدين عليه، وكان يقول: لولا لذة العطاء ما ألبست (1) المحامد، وجاءه في يوم ستة آلاف، ففرق الجميع في يومه ذلك، وكان يذبح في كل جزورا ويطعمه الناس، فكان أهل المدينة يتغدون ويتعشون عنده، وهو أول من وضع الموائد على (الطريق) (2).
روي أنه نزل في منزله على خيمة رجل من العرب، فلما رآه الاعرابي أعظمه وأجله لما رأى من حسنه وشكله فقال لامرأته: ويحك ما عندك لضيفنا غدا، فقالت: ليس عندنا إلا الشويهة التي حياة ابنتك على لبنها فقال: إنه لا بد من ذبحها، قالت: أتقتل ابنتك ؟ قال: وإن كان ذاك، وأخذ الشفرة والشاة، وجعل يذبحها ويسلخها ويقول مرتجزا:
يا جارتي لا توقظي البنية * إن توقظيها تنتحب عليه وتنزع الشفرة من يديه ثم هيأها طعاما وحملها، فوضعها بين يدي عبيد الله ومولاه فعشاهما، وكان عبيد الله سمع محاورتهما في الشاة، فلما أراد الارتحال، قال لمولاه: ويحك، ما معك من المال ؟ قال خمسمائة دينار فضلت من نفقتك، فقال: ويحك، وادفعها للاعرابي، وعرفه أنه ليس معنا غيرها، فقال له مولاه: سبحان الله تعطيه خمسمائة دينار وإنما دفع لنا شاة تساوي خمسة دراهم ! ! فقال: ويحك، والله لهو أسخى منا وأجود، إنما أعطيناه بعض ما نملك وجاد هو علينا، وآثرنا على مهجة نفسه وولده بجميع ما يملك.
روي له حديث واحد في مسند الامام أحمد.
وروي الطبراني برجال الصحيح إلا أن حبيبا لم يسمع من أبي أيوب عن حبيب بن أبي
__________
(1) ارى - اكتسب.
(2) في أ الطرق.
(*)(11/117)
ثابت - رحمه الله تعالى - أن أبا أيوب الانصاري - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه حين غزا أرض الروم فمر على معاوية فجفاه، فانطلق ثم رجع من غزوته فجفاه، ولم يرفع به رأسا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأني أنا سنرى بعده أثرة، قال معاوية: فبم أمركم ؟ قال: أمرنا بالصبر، قال: اصبروا إذا، فأتى عبد الله بالبصرة، وقد أمره عليها علي عليه السلام فقال: يا أبا أيوب: إني أريد أن أخرج لك عن سكني كما خرجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أهله فخرجوا، وأعطاه كل شئ أغلق عليه الدار، فلما كان انطلاقه قال: حاجتك، قال: حاجتي عطائي وثمانية أعبد يعملون في أرضي، وكان عطاؤه أربعة آلاف فأضعفها له خمس مرات، فأعطاه عشرين ألفا وأربعين عبدا انتهى.
الثالث: في وفاته - رضي الله تعالى عنه -
قال خليفة بن خياط: توفي سنة ثمان وخمسين بالمدينة، وقيل: بالشام وقيل: باليمن والله أعلم، وعمره بضع وثمانون سنة.
الرابع: في أولاده - رضي الله تعالى عنه - كان له عدة أولاد ذكور وإناث، والله تعالى أعلم.(11/118)
الباب العاشر في بعض مناقب قثم بن العباس - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في اسمه وصنعته وهو رضيع الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنه -.
روى ابن أبي عاصم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان العباس - رضي الله تعالى عنه - يأخذ قثم وهو صغير فيضعه على صدره وهو يقول: يا قثم يا شبيه ذي الكرم * منا وذي الانف الاشم برغم من زعم الثاني: في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث: في إرادفه صلى الله عليه وسلم لقثم - رضي الله تعالى عنه - روى الامام أحمد وأبو عمرو، وابن عساكر واللفظ له عن عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنه - قال: لقد، وفي لفظ: لو رأيتني وقثما وعبيد الله بني عباس صبيانا، وفي لفظ نحن صبيانا نلعب إذ مر سول الله صلى الله عليه وسلم على دابة فقال: ارفعوا هذا إلي فحملني فجعلني أمامه، وقال لقثم: ارفعوا هذا إلي، فجعلني خلفه وكان عبيد الله أحب إلى عباس من قثم، فما استحى من عمه أن حمل قثم وتركه، ثم مسح على رأسي ثلاثا كلما مسح قال: " اللهم أخلف جعفرا في ولده ".
وروى ابن عساكر عنه قال: مربي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الصبيان، فحملني أنا وغلام من بني العباس على الدابة وكنا ثلاثة.
الرابع: في أنه كان آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره وقد ذكره أبو عبد الله الحاكم في " تاريخ نيسابور " فقال كان شبيه النبي صلى الله عليه وسلم وآخر الناس عهدا.
وحديث أم الفضل ناطق بذلك بأسانيد كثيرة.
فعن أم الفضل قالت: رأيت كأن في بيتي عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فجزعت من ذلك، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال " خيرا، تلد فاطمة غلاما فتكفلينه بلبن ابنك قثم قالت فولدت حسنا، فأعطيته فأرضعته، حتى تحرك أو فطمته ثم حئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسته في حجره..الحديث.(11/119)
الخامس: في وفاته سافر - رضي الله تعالى عنه - إلى خراسان مع سهيل بن عثمان وكان معاوية ولى سعدا خراسان فقال له سعيد في بعض غزواته: يا ابن عم أضرب لك بمائة سهم، فقال: يكفني سهم واحد لي، وسهمان لفرسي أسوة بالمسلمين، ومات بسمرقند ويقال: استشهد بها ولا عقب له.
السادس: في بعض ما يؤثر عنه من محاسن الاخلاق قال البلاذري: يروي عنه أنه قال: الجواد من إذا سئل عطى عطية، فكان على يد عظيمة ورأى من بذل وجهه إليه متفضلا عليه، والله - سبحانه وتعالى - أعلم - انتهى.(11/120)
الباب الحادي عشر في بعض مناقب ترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع
الأول: في مولده واسمه وكنيته وصفته - رضي الله تعالى عنه - ولد قبل الهجرة بثلاث سنين بالشعب قبل خروج بني هاشم منه، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وكنيته أبو العباس، وكان طوالا إذا طاف بالبيت كأنما الناس حوله مشاة من طوله، وهو راكب من طوله، مفرطا في الطول، وكان مع ذلك يكون إلى منكب أبيه العباس، وكان العباس إلى منكب أبيه عبد المطلب، وذكر [...] الطائي أن النبي صلى الله عليه وسلم حنكه بريقه ودعا له، وقال: " اللهم بارك فيه وانشر منه، وعلمه الحكمة "، وسماه ترجمان القرآن، وكان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة، سنة، روي ذلك عنه.
وروي أيضا عنه أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم - يعني المفصل - وفي رواية وأنا ابن خمس عشرة سنة وأنا ختن.
قال المحب الطبري: ولعله الاشبه إذا روي عنه أنه قال في حجة الوداع، وأنا قد ناهزت الاحلام، وصحح أبو عمر الاول.
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: ولدت قبل الهجرة بثلاث سنين ونحن في الشعب، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة سنة.
وروى أيضا برجال الصحيح عنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة، وكان يكنى بأبي العباس، وكان له وفرة، كان طويلا أبيض، مشربا بشقرة، جسيما وسيما صبيح الوجه، وكان يصفر لحيته، قيل: يخضب بالحناء.
وروى حبيب بن أبي ثابت قال: إن رجلا نظر إلى ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - وقد دخل المسجد فنظر هيبته وطوله فقال: من هذا ؟ قال: ابن عباس هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
قال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى -: كان عبد الله بن عباس طويلا مشربا بحمرة جسيما وسيما صبيح الوجه له ضفيرتان، رواه الطبراني.
وروي أيضا بإسناد حسن عن حسين - رحمه الله تعالى - قال: رأيت ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أيام منى طويل الشعر عليه إزار فيه بعض الاسبال، وعليه رداء أصفر.(11/121)
وروى أيضا برجال الصحيح عن حبيب بن أبي ثابت - رحمه الله تعالى - قال: رأيت ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - وله جمة.
الثاني: في تبشير النبي صلى الله عليه وسلم به أمه وهي حامل روى الطبراني بإسناد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: حدثتني أم الفضل ابنة الحارث قالت: بينا أنا مارة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر فقال: " يا أم الفضل "، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: " إنك حامل بغلام "، قلت: كيف وقد تحالفت قريش لا يولدون النساء ؟ قال: " هو ما أقول، فإذا أوضعتيه فاتيني به "، فلما وضعته أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسماه عبد الله وألباه بريقه أو قال: " اذهبي به فلتجدنه كيسا "، قالت: فأتيت العباس فأتاه فذكر له فقال " هو ما ورواه أبو نعيم بلفظ: " اذهبي بأبي الخلفاء " فأخبرت العباس فأتاه فذكر له فقال " هو ما أخبرتك، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم ".
الثالث: في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له روى الامام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي أو منكبي - شك سعيد - ثم قال: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ".
وروى أيضا في الكبير وأبو نعيم في " الحلية " عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " نعم ترجمان القرآن أنت دعاك جبريل مرتين ".
وروى عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره، فوجد عبد الله بردها في صدره، ثم قال: " اللهم أحش جوفه حكما وعلما " فلم يستوحش في نفسه إلى مسألة أحد من الناس، ولم يزل حبر هذه الامة إلى أن قبضه الله.
وروى ابن ماجه وابن سعد والطبراني في " الكبير " عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب ".
الرابع: في سعة علمه - رضي الله تعالى عنه - ولذا سمى الحبر روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث وستمائة حديث وستون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة وتسعين حديثا، وانفرد البخاري بمائة وعشرين ومسلم بتسعة وأربعين.
وروى البيهقي في مناقب الشافعي، أنه لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا نحو مائة حديث.(11/122)
وروى عنه ابن عمرو أنس وأبو الشعثاء وأبو أمامة بن سهل، ومن التابعين خلائق لا يحصون.
قال الامام أحمد وغيره، وهو أكثر الصحابة فتوى، وقال مجاهد: لكن يسمى الحبر من كثرة علمه، ومن كلامه: لو أن جبلا بغى على جبل لجعل الله الباغي دكا وكان يأخذ بطرف لسانه فيقول: ويحك، قل خيرا تغنم، واسكت عن الشر تسلم، فقيل له في ذلك فقال: بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شئ أحق منه على لسانه.
وقال: لما ضرب الدينار والدرهم، أخذه إبليس فوضعه على عينيه وقال: أنت ثمرة قلبي وقرة عيني، بك أطغى وبك أدخل النار وبك أكفر، رميت من بني آدم أن يحب الدنيا، فإنه من أحبها عبدني، أو قال: تعبد لي، وهذا صحيح، فإن حب الدنيا والدرهم رأس كل خطيئة.
وقال: ما ظهر البغي في قوم إلا وظهر فيهم الموتان، وقال في قوله تعالى: (إلا من أتى الله بقلب سليم) [ الشعراء / 89 ] شهادة أن لا إله إلا الله، وقال: ما من مؤمن ولا فاجر إلا وقد كتب الله رزقه من الحلال، فإن صبر حتى يأتيه الله - عز وجل -، وإن جزع فتناول شيئا من الحرام نقصه الله من رزقه من الحلال.
وقال: يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله، ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله، بسم الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله، بسم الله، ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله، بسم الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم من تلاها حفظ من كل آفة وعاهة وعدو وظالم وشيطان وسلطان وحية وعقرب، وما يقولها أحد في يوم عرفة عند غروب الشمس إلا ناداه الله، أي عبدي قد أرضيتني ورضيت عنك فسلني ما شئت، فوعزتي وجلالي لا عطينك.
وقال: حياة المريض أول مرة سنة، وما ازدادت منافلة.
وروى سعيد بن منصور وابن سعد والبخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني وغيرهم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان عمر يدخلني في أشياخ بدر وفي لفظ: يأذن لاهل بدر ويأذن لي معهم، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله فقال: أنتم ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم وما أراده دعاهم يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) [ النصر / 1 ] حتى ختم السورة فقال بعضهم: أمرنا الله - عز وجل - أن نحمده، ونستغفره إذ جاء نصر الله وفتح علينا.
وقال بعضهم: لا ندري وقال بعضهم: لم يقل شيئا، فقال لي: يا ابن عباس كذاك تقول: قلت: لا، قال: فما تقول ؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله - عز وجل - (إذا جاء(11/123)
نصر الله وفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) [ النصر / 2 ] والفتح: - فتح مكة - فذاك علامة أجلك، (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) [ النصر / 3 ] فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما يعلم هذا، كيف تلومونني عليه بعد ما ترونه ؟ !.
وروى ابن الجوزي أن عمر بن الخطاب قال لا بن عباس - رضي الله تعالى عنه -: إنك والله لاصح فتياننا وجها، وأحسنهم عقلا، وأفقههم في كتاب الله - عز وجل -.
وروي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس وعاش
بعد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - نحو خمس وثلاثين سنة، فشدت إليه الرحال وقصد من جميع الاقطار.
وروى عن طاووس قال: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا ابن عباس فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله.
وروى عن مجاهد قال: ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس إلا أن يقول: قال رسول الله.
وروى ابن عمر عن يزيد بن الاصم قال: خرج معاوية حاجا ومعه ابن عباس، وكان لابن عباس موكب ممن يطلب العلم.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الملك بن ميسرة قال: جالست سبعين أو ثمانين شيخا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحب (1) أحد منهم خالف ابن عباس فيلتقيان إلا قال: القول كما قلت، أو قال: صدقت.
وروي أيضا عن مسروق والاعمش قالا: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، وإذا تكلم قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث قلت: أعلم الناس.
زاد الاعمش وإذا سكت قلت: أعلم الناس.
وروى أيضا عن سفيان عن أبي وائل قال: خطبنا ابن عباس وهو على الموسم فافتتح سورة النور، وفي لفظ البقرة، فجعل يقرأ ويتغير، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله ولو سمعته فارس والروم والقرى لاسلمت.
وروى الطبراني عن الحسن قال: كان ابن عباس يقوم على منبرنا هذا، أحسبه قال: عشية عرفة فيقرأ بالبقرة وآل عمران فيفسرها، وفي رواية: ثم يفسرها آية آية وكان يتجه نجدا غربا.
__________
(1) سقط في أ.
(*)(11/124)
وروى الطبراني عنه أن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: كان إذا ذكر ابن عباس يقول ذاكم فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول وفي رواية إن له لسانا سؤولا وقلبا عقولا.
وروى ابن الجوزي عن عمرو بن دينار أن رجلا سأل ابن عمر عن السماوات (كانتا رتقا ففتقنهاهما) [ الانبياء / 30 ] قال: فاذهب إلى ذلك الشيخ فسأله فقال: كانت السماوات رتقا لا تمطر والارض رتقا لا تنبت ففتق هذه بالمطر وفتق هذه بالانبات، فرجع الرجل إلى ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - فأخبره فقال: إن ابن عباس قد أوتي علما حدث هكذا كانت ثم قال ابن عمر: كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن فالان قد علمت أنه أوتي علما وحكمة أو كما قال.
وروى أيضا الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الانصار: هلم فلنتعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: العجب والله يا ابن عباس ! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركبت ذلك وأقبلت على المسألة وتتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لاتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده راقدا فأتو سد ردائي على باب داره تسفي الرياح على وجهي حتى يخرج إلى، فإذا رآني قال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ؟ قلت: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أسمعه منك فيقول: هلا أرسلت إلي فأتيك، فأقول: أنا كنت أحق أن آتيك وكان ذلك الرجل يراني، وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد احتاج الناس إلى منقول، أنت أعلم مني.
وروى عن عمرو بن دينار قال: ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام، والعربية والانساب والشعر.
وروي الحربي عن عطاء قال: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والانساب وأناس لايام العرب في وقائعها وأناس للعلم فما منهم صنف إلا يقبل عليهم بما شاؤوا.
وروى ابن عمر عن طاوس - رحمه الله تعالى - قال: كان ابن عباس قد سبق الناس في
العلم كما تسبق النخلة السحوق على الودي الصغار.
وروي أيضا عن عبد الله بن عبد الله قال: " ما رأيت أحدا كان أعلم بالنسبة، ولا أجله رأيا ولا أثقب نظرا من ابن عباس، ولقد كان عمر - رضي الله تعالى عنه - يعده للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين.
وروى أيضا عن القاسم بن محمد قال: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلا قط، وما(11/125)
سمعت فتوى أشبه بالسنة من فتواه، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمونه البحر ويسمونه الحبر.
وروي الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن هرقل كتب إلى معاوية وقال: إن كان بقي فيه من النبوة، فسيجيبوني عن ما سألتهم عنه، وكتب إليه سأله عن المجرة وعن القوس وعن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة، فلما أتاه الكتاب والرسول فقال: هذا شئ ما كنت أراه أسأل عنه إلا يومي هذا، فطوى معاوية الكتاب - كتاب هرقل - فبعث به إلى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فكتب إليه أن القوس أمان لاهل الارض من الغرق، والمجرة باب السماء التي تنشق منه، وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من النهار، فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل.
الخامس: في رجوع بعض الخوارج إلى قوله وانصرافهم عن قتال علي - رضي الله تعالى عنه - روى بكار بن قتيبة في " مشيخته " عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنها - قال: اجتمعت الخوارج وهم ستة آلاف، وفي لفظ: أربعة وعشرون ألفا، فقلت: يا أمير المؤمنين، أبرد بالصلاة، لعلي ألقي مولى القوم فقال: إني أخافهم عليك، فقلت: كلا إن شاء الله فلست أحسن ما أقدر عليه من هذه المجانبة ثم دخلت عليهم وهم قائلون في حر الظهيرة، فدخلت على قوم لم أر أقواما قط أشد اجتهادا منهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحقر أحدكم صلاته مع
صلاتهم " الحديث فلما دخلت قالوا: مرحبا بك يا ابن عباس، ما جاء بك ؟ قلت: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي، وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه، وقال بعضهم: لنحدثنه، قلت: أخبروني ما تنقمون عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأول من آمن به وعلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالوا: ننقم عليه ثلاثا ؟ قلت: وما هن قالوا: أولهن أنه حكم الرجال في في دين الله - عز وجل - وقد قال الله - عز وجل -: (إن الحكم إلا لله) [ الانعام / 57 ] قال: قلت وماذا ؟ قالوا: قاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت أموالهم، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم، قال: قلت: وماذا قالوا مجير نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قال: قلت: إن قرأت عليكم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون أترجعون ؟ قالوا: نعم قال: إنه حكم الرجال في دين الله - عز وجل - فإن الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) إلى قوله (يحكم به ذوا عدل منكم) [ المائدة / 95 ] وقال تعالى في المرأة وزوجها: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) [ النساء / 35 ] أنشدكم الله الحكم للرجال في حقن دمائهم وأنفسهم، وصلاح ذات بينهم أحق أم في بيت ثمنها ربع(11/126)
درهم، قالوا أخرجت من هذه ؟ قالوا: اللهم نعم وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن مقاتلهم لخلع الطاعة..السادس: في أنه كان يغزي جماعة من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - روى الشيخان عنه قال: كنت أقوى رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن
يغصبوهم أمورهم.
قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذي يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشي أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها.
فقال عمر: أما والله - إن شاء الله - لاقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمر بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف.
فأنكر علي وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله ! فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لاحد أن يكذب علي إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق،، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زني إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم - أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم - ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله.
ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترون امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن(11/127)
الله وقي شرها، وليس فيكم من تقطع الاعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا، وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أن الانصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لابي بكر: يا أبا بكر، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الانصار فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالا عليه القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الانصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم.
فقلت: والله لنأتينهم.
فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا ؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ماله ؟ قالوا: يوعك.
فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام، وأنتم - معشر المهاجرين - رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يخزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الامر.
فلما سكت أردت أن أتكلم - وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر - وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك.
فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوفر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت.
فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الامر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا.
وقد رضيت لكم أخذ هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم - فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا - فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الان.
فقال قائل من الانصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب.
منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش - فكثر اللغط، وارتفعت الاصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الانصار، ونزونا على
سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة.
قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضي وإما نخالفهم فيكون فسادا، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا " (1).
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 148، 149 (6830).
(*)(11/128)
وروى ابن حبان عن رافع قال: كان ابن عباس خليطا لعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهما - كان من أهله، وكان يقرؤه القرآن.
السابع: في رؤيته لجبريل صلى الله عليه وسلم روى الترمذي وأبو عمر عنه - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت جبريل مرتين ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين، وفي رواية قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل فقال له جبريل: أنه كائن حبر هذه الامة واستوصى به خيرا.
وروى الامام أحمد والطبراني برجال الصحيح عنه قال: كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه، وكان كالمعرض عن أبي فخرجنا من عنده فقال لي أبي: أي بني ؟ ألم ترى إلى ابن عمك كالمعرض عني ؟ فقلت: يا أبت إنه كان عنده رجل يناجيه قال: فرجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبي: يا رسول الله، قلت لعبد الله كذا وكذا فأخبرني أنه كان عندك رجل يناجيك، فهل كان عندك أحد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وهل رأيته يا عبد الله ؟ " قلت: نعم قال: " ذاك جبريل - عليه السلام - هو الذي شغلني عنك ".
وروى عنه قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ثياب بيض وهو يناجي دحية بن خليفة الكلبي وهو جبريل، وأنا لا أعلم فسلم علي.
الثامن: في حبه الخير لغيره إن لم ينله منه شئ.
روى الطبراني برجال الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن أبي بريدة - رحمه الله تعالى - أن رجلا شتم ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - فقال: إنك لتشتمني وفي ثلاث خصال: إني لاتي على الاية من كتاب الله فلوددت أن جميع الناس يعلمون ما أعلم، وإني لاسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح، ولعلي لا أماضي عليه أبدا، وإني لاسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين، فأفرح ومالي به سائمة.
التاسع: في أنه أبو الخلفاء روى أبو نعيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اذهبي بأبي الخلفاء..." الحديث.
العاشر: في صبره واحتماله اعلم أن الامام ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - كان من أحواله الصبر والرضا ولا سيما عند فقد بصره.
روي عنه - رضي الله تعالى عنه - قال: ما بلغني عن أخ لي بمكروه إلا أنزلته إحدى ثلاث منازل: إما أن يكون فوقي، فأعرف له قدره، أو نظيري تفضلت عليه، أو دوني فلم أحفل به.(11/129)
وروى عن عكرمة - رضي الله تعالى عنه - قال رجل: يا ابن عباس، فلما قضى حاجته قال: يا عكرمة، انظر هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ قال: فنكس الرجل رأسه استحياء.
وروي عن عكرمة بن سليم - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت مع ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أكل معه، فدخل قوم فقالوا: أين ابن عباس الاعمي ؟ فقال ابن عباس (فإنها لا تعمي الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) [ الحج / 46 ].
الحادي عشر: في شوقه - رضي الله تعالى عنه - في دينه روي عن طاوس - رضي الله تعالى عنه - قال ما رأيت أحدا كان أشد تعظيما لحرمات الله - عز وجل - من ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -.
وروي أبو محمد الابراهيمي في كتاب " الصلاة " عن سماك أن الماء لما برد في عين ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - فذهب بصره أتاه الذي يثقب العين ويسيل الدماء فقال: اخل بيننا وبين عينيك يسيل ماءها، ولكن تمسك خمسة أيام عن الصلاة فقال: لا والله ولا ركعة واحدة، إني حدثت أنه من ترك صلاة واحدة لقي الله، وهو عليه غضبان وقال: وآخر شدة يلقاها المؤمن الموت، وكذلك كف بصر والده العباس وجده عبد المطلب.
الثاني عشر: في سخائه وكرمه - رضي الله تعالى عنه - روي عن...أن معاوية أمر لابن عباس - رضي الله تعالى عنه - بأربعة آلاف درهم، ففرقها في بني عبد المطلب، فقالوا: إنا لا نقبل الصدقة، فقال: إنها ليست بصدقة، وإنما هي هدية.
الثالث عشر: في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - كلمات ينفعه الله تعالى بهن.
وروى عبد بن حميد والخلعي وأبو نعيم واللفظ له عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا غلام، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله - عز وجل - بهن ؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك.
تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، واعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا لم يكتبه الله لك لم يقدروا على ذلك، وعلى أن يمنعوك شيئا كتبه الله لك يقدروا على ذلك، فاعمل لله - عز وجل - بالرضي واليقين، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا ".(11/130)
الرابع عشر: في حرصه على الخير في صغره روى الشيخان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أقبلت راكبا على أتان، وأنا
يومئذ ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى غير جدار بمنى.
وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير - رضي الله تعالى عنه - عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أمسى، فقال: أصلى الغلام ؟ قالوا: نعم، فاضطجع حتى مضى من الليل ما شاء، ثم قام فتوضأ، فقمت فتوضأت بفضلته، ثم اشتملت بإزاري، ثم قمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم صلى سبعا أو خمسا أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن.
وروي عن عكرمة - رضي الله تعالى عنه - قال: بت عند خالتي ميمونة فقمت فقلت: لانظرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام من الليل فقمت معه فبال فتوضأ وضوءا خفيفا، ثم عاد ثم قام، فبال فتوضأ وضوءا فأحسن الوضوء ثم توضأ قال: فصلى من الليل فقمت خلفه، فأهوى بيده وأخذ برأسي فأقامني عن يمينه إلى جنبه، فصلى أربعا ثم أربعا، ثم أوتر بثلاث، ثم نام، حتى سمعته ينفخ ثم أتاه المؤذن فخرج إلى الصلاة، ولم يحدث وضوءا.
وروى ابن أبي شيبة عنه - رضي الله تعالى عنه - قال: بت ذات ليلة عند ميمونة بنت الحارث، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره فأخذ بداوية كانت لي أو برأسي، فأقامني عن يمينه.
وروى عبد الرزاق عنه قال: بت عند خالتي ميمومة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فأتي الحوخة ثم جاء فغسل وجهه ويديه، ثم قام يصلي من الليل فأتى القربة فتوضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ، ثم قام يصلي، وتمطيت كراهية أن يراني القتيبة - يعني أراقبه - ثم قمت ففعلت كما فعل فقمت عن يساره فأخذ بما يلي أذني فكنت عن يمينه، وهو يصلي فتتامت صلاته إلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم جاء بلال فأذنه بالصلاة فقام يصلي، ولم يتوضأ.
وروي أيضا عنه قال: كنت في بيت ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره فأخذ بيدي، فجعلني عن يمينه، ثم صلى ثلاث عشرة ركعة حررت قيامه في كل
ركعة قدر يا أيها المزمل.
الخامس عشر: في قوله صلى الله عليه وسلم هذا شيخ قريش وهو صغير روى أبو زرعة الرازي في " العلل " عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: أتيت خالتي ميمونة فقلت: إني أريد أن أبيت عندكم الليلة، فقالت: وكيف تبيت وإنما الفراش(11/131)
واحد ؟ ! ! فقلت: لا حاجة لي بفراشكما، أفرش نصف إزاري، وأما الوسادة فإني أضع رأسي مع رأسكما من وراء الوسادة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته ميمونة بما قال ابن عباس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا شيخ قريش ".
السادس عشر في فزعه إلى الصلاة عند شدة تعرقه روى الطبراني عن حسان - رضي الله تعالى عنه - قال: بدت لنا معشر الانصار حاجة إلى الوالي، وكان الذي طلبنا إليه أمرا صعبا فمشينا إليه برجال من قريش وغيرهم فكلموه وذكروا له وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا، فذكر لهم صعوبة الامر فعذره القوم وألح عليه ابن عباس فوالله ما وجد بدا من قضاء حاجته، فخرجنا حتى دخلنا المسجد فإذا القوم أندية، قال حسان فضحكت، وأنا أسمعهم إنه والله كان أولاكم بها، إنها والله صبابة النبوة ووراثة أحمد ويهديه أعرافه، وانتزاع شبه طباعه فقال القوم: أجمل يا حسان، فقال ابن عباس: صدقوا فأجمل فأنشأ حسان يمدح ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - إذا ما ابن عباس بدالك وجهه * رأيت له في كل مجمعة فضلا إذا قال لم يترك مقالا لقائل * بمنتظمات لا ترى بينها فصلا كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع * لذي أرب في القول جدا ولا هزلا سموت إلى العلياء بغير مشقة * فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا خلقت خليفا للمروءة والندي * بليجا ولم تخلق كهاما ولا خبلا فقال الوالي: ما أراد بالكهام غيري والله بيني وبينه.
السابع عشر: في وفاته - رضي الله تعالى عنه - توفي بالطائف.
روى الطبراني برجال الصحيح عن سعيد بن جبير - رحمه الله تعالى - قال: مات ابن عباس - رحمه الله - ورضي الله عنه بالطائف، وشهدنا جنازته فجاء طائر لم يرى على خلقه، حتى دخل في نعشه ثم لم يرى خارجا منه، فلما دفن تليت هذه الاية على القبر (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) [ الفجر / 27، 30 ].
وروى أيضا عن عبد الله بن ياسين عن أبيه نحو إلا أنه قال: جاء طائر أبيض يقال له: الغرنوف قال يحيى بن بكير - رحمه الله تعالى -: توفي عبد الله بن عباس سنة ثمان وستين وهو ابن إحدى أو اثنتين وسبعين سنة، وكان يصفر لحيته.(11/132)
الثامن عشر: في ولده - رضي الله تعالى عنه - كان له - رضي الله تعالى عنه - من الولد العباس، وبه كان يكنى، وعلي البحار، والفضل، ومحمد، وعبيد الله، ولبابة، وأسماء - رضي الله تعالى عنها -.
تنبيه في بيان غريب ما سبق: الشعب والوفرة تقدم الكلام عليها.
الجسيم [...].
الوسيم [...].
الكيس [ الفطن ].
الكهل [...].
العقول [...].
الصبيح [ منور ].
التأويل [...].
السؤول [ كثير السؤال ].
الرتق [ أي شئ مرتوقا ].(11/133)
الباب الثاني عشر في بعض تراجم بني العباس رضي الله تعالى عنهم غير من تقدم - رضي الله تعالى عنهم -
وفيه
الأول: عبد الرحمن - رضي الله عنه - ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم - ولا بقية له وكان أصغرا إخوته قال البلاذري: مات في طاعون عمواس.
وقال مصعب: استشهد بأفريقية مع أخيه معبد في خلافة عثمان - رضي الله تعالى عنه - سنة خمس وثلاثين مع عبد الله بن أبي السرح، وقال ابن الكلبي - رحمه الله تعالى استشهد بالشام.
الثاني: - معبد يكنى أبا عباس ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولم يحفظ عنه شيئا واستعمله علي - رضي الله تعالى عنه - على مكة واستشهد بأفريقية وله عقب.
الثالث: كثير يكنى أبا تمام ولد قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشهر في سنة عشر من الهجرة، كان رضي الله تعالى عنه فقيها ذكيا فاضلا أمه وأم أخيه تمام رومية اسمها سبا، وقيل: حميرية.
الرابع: السراج تمام ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروي عنه قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تدخلوا علي قلحا فلولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة ".
رواه البغوي.
قال أبو عمر رحمه الله وكان تمام أصغر أولاد العباس وكان يحمله، ويقول: تموا بتمام فصاروا عشره * يا رب فاجعلهم كراما برره واجعل لهم ذكرا وأنم الشجره قال ابن سعد: وله من الاناث أم حبيبة وزميمة وصفية وأكثرهم من لبابة أم الفضل.
تنبيهان: الأول: ما ذكره أبو عمر من أن تميما أصغر أولاد العباس رضي الله عنه يعارض ما تقدم من كثير، لانه ذكر أن كثيرا ولد قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأشهر وذكر أن تماما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون كثيرا أصغر منه قطعا.
الثاني في بيان غريب ما سبق: عمواس: [...].
إفريقية: [ يطلق على الجزء الشمالي من قارة إفريقيا المطل على البحر الابيض غربي مصر ].
له عقب: أي ولد.
القلخ: صقرة تعلو الاسنان ووسخ يركبها.
السواك [...].(11/134)
الباب الثالث عشر في بعض مناقب أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في مولده واسمه: أبو سفيان بن الحارث ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخوه من الرضاعة وأمه [ غزية بنت قيس ] (1).
قيل: كان اسمه المغيرة.
ولم يذكر الدارقطني غيره.
وقيل: بل اسمه كنيته، والمغيرة أخوه، وكان يألف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم - عاداه وهجاه.
الثاني: في إسلامه - رضي الله تعالى عنه -: أسلم عام الفتح وحسن إسلامه ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حياءا منه، وأسلم معه ولده جعفر لقيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بالابواء وأسلما قبل دخول مكة، وقيل: بل لقيهما هو وعبد الله بن أبي أمية بين السقيا والعرج، فأعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما، فقالت له أم سلمة (لا تكفر) (1) ابن عمك وأخوك.
ابن عمتك أشقى الناس بك.
وقال له علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة يوسف: (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) [ يوسف 91 ]، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن قولا منه، ففعل ذلك أبو سفيان رضي الله تعالى عنه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ".
الثالث: في شهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له بالجنة وإثبات (الخيرية) (2) له - رضي الله تعالى عنه -: روى أبو عمر عن عروة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه سلم - قال: أبو سفيان بن الحارث من شباب أهل الجنة وسيد فتيان أهل الجنة.
رواه ابن سعد والحاكم مرسلا.
وروى الحاكم والطبراني بسند جيد وأبو عمر عن أبي حية البدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أبو سفيان خير أهلي أو من خير أهلي "، وفي لفظ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين كان لا ينظر إلى ناحية إلا رأى أبا سفيان بن الحارث يقاتل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أبا سفيان خير أهلي أو من خير أهلي ".
__________
(1) سقط في ج.
(2) في ج: الجزية.
(*)(11/135)
الرابع - في نبذ من فضائله رضي الله تعالى عنه - قالوا: شهد أبو سفيان رضي الله تعالى عنه - حنينا وأبلى فيها بلاءا حسنا، وكان ممن ثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو [ غرزه ] على اختلاف في النقل، حتى انصرف الناس وكان رضي الله تعالى عنه يشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه.
الخامس - في وفاته - رضي الله تعالى عنه -: توفي بالمدينة سنة عشرين، ودفن في
دار عقيل بن أبي طالب، قاله أبو عمر: وقال ابن قتيبة: دفن بينبع، وقيل: توفي في سنة خمس عشرة، وكان - رضي الله تعالى عنه - هو الذي حفر قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام، وسبب موته أنه كان في رأسه ثؤلول فحلقه الحلاق، فقطعه، فلم يزل مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج، روي عنه أنه قال لما حضرته الوفاة: " لا تبكوا علي فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت ".
السادس: في أولاده - رضي الله تعالى عنه -: كان له - رضي الله تعالى عنه - من الولد عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه، وكان مسلما بعد الفتح وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث ذكر أهل بيته أنه شهد حنينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يزل مع أبيه ملازما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قبض، وتوفي جعفر في خلافة معاوية.
وأبو الهياج بن أبي سفيان قيل: اسمه عبد الله وقيل: علي، والاناث عاتكة بنت أبي سفيان بن الحارث تزوجها معتب بن أبي لهب فولدت له، وذكر ابن سعد في ولده المغيرة، والحارث، وكعب، وله رواية وكان يلقب ببه بموحدتين، ثانيهما ثقيلة.
تنبيه في بيان غريب ما سبق: الابواء والسقيا والعرج: أسماء مواضع تقدم الكلام عليها.
آثرك: اختارك وفضلك.
البلاء: مبالغة الجهد في الامر.
الثؤلول: بثر صغير صلب مستدير يظهر على الجلد كالحمصة أو دونها.
أتنظف: بهمزة فنون فطاء مهملة ففاء: يقال نطف ينطف إذا قطر قليلا قليلا ومنه النطفة لقلتها وأشار به إلى المبالغة في عدم المعصية، والله تعالى أعلم.(11/136)
الباب الرابع عشر في بعض مناقب نوفل بن الحارث بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنه -
وفيه أنواع: الأول: في اسمه وكنيته رضي الله تعالى عنه: لم يرد اسمه نوفلا ويكني أبا الحارث كان أسن من إخوته، ومن جميع من أسلم من بني هاشم، حتى حمزة والعباس وأسر يوم بدر، وفداه العباس، وقيل: بل فدى نفسه.
الثاني: في إسلامه رضي الله تعالى عنه: أسلم وهاجر أيام الخندق، وقيل: أسلم يوم فدى نفسه.
وروى ابن سعد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل رضي الله تعالى عنه قال: لما أسر نوفل بن الحارث ببدر، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " افد نفسك " قال: مالي شئ أفدى نفسي به، قال صلى الله عليه وسلم: " افد نفسك برماحك التي بجدة "، فقال: والله، ما علم أحد أن لي بجدة رماحا غيري بعد الله، أشهد بأنك رسول الله.
الثالث: في نبذ من فضائله: شهد - رضي الله تعالى عنه - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا، والطائف وكان - رضي الله تعالى عنه - يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة آلاف رمح، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كأني أرى رماحك تقض أصلاب المشركين وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين العباس - رضي الله تعالى عنهما - وكانا مشركين في الجاهلية متحابين.
الرابع: في وفاته - رضي الله تعالى عنه: [ توفي نوفل بن الحارث بعد أن استخلف عمر بن الخطاب بسنة وثلاثة أشهر فصلى عليه ثم تبعه إلى البقيع حتى دفن هناك ].
الخامس: في أولاده: كان له - رضي الله تعالى عنه - من الولد الحارث، وعبد الله، وعبيد الله، والمغيرة، وسعيد، وعبد الرحمن، وربيعة، فأما الحارث فكان يلقب ببه، لان أمه هند بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية كانت ترقصه وهو طفل وتقول: لانكحن ببه جارية خدبه
مكرمة محبه بحب أهل الكعبة والخديب: هو العظيم الباقي.(11/137)