يصلي في أعطانها ولا يتوضأ من ألبان الغنم ولحومها، ويصلي في مرابضها (1).
وروى الإمام أحمد عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ مما مست النار) (2).
وروى الشيخان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة، وصلى، ولم يتوضأ) (3).
وفي رواية البخاري (انتشل عرقا من قدر).
وروى الشيخان عن عمرو بن أمية - رضي الله تعالى عنه - (أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتز من كتف شاة في يده، فدعي إلى الصلاة، فألقى السكين ثم صلى ولم يتوضأ) (4) وروى الإمام أحمد والشيخان عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل عندها كتفا ولم يتوضأ (5).
وروى أبو داود، والنسائي، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما غيرت النار) (6).
الرابع والعشرون: في تركه الوضوء من قبلة النساء.
روى أبو داود، والنسائي، والترمذي، والدارقطني - وضعفاه - عن عروة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، فقلت لها: ومن هي إلا أنت ؟ فضحكت) (7).
وروى الدارقطني - وقال: (إبراهيم بن يزيد التيمي لم يسمع من حفصة) - عن حفصة
- رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ للصلاة ثم يقبل، ولم يحدث وضوءا) (8).
__________
(1) أخرجه أبو يعلى 2 / 7 - 8 حديث (4 / 632) وإسناده ضعيف لانقطاعه مجمع الزوائد 1 / 250 وبنحوه عند أبي داود 1 / 47 حديث (184) وابن ماجه (494) والترمذي.
(2) أحمد في المسند 6 / 321.
(3) البخاري 1 / 371 (207) و (5404 - 5405) ومسلم 1 / 273 في الحيض (91 / 354).
(4) أخرجه البخاري 1 / 372 حديث (208 و 675 و 2923 و 5408 و 5422، 5462).
(5) أحمد في المسند 6 / 331 والبخاري 1 / 373 حديث (210) ومسلم 1 / 274 (356).
(6) أخرجه أبو داود حديث (192) والنسائي (1 / 107) والبيهقي 1 / 155.
156.
(7) أحمد في المسند 6 / 210 والترمذي 1 / 133 حديث (86) وأبو داود 1 / 46 حديث (179) وابن ماجه 1 / 168 وضعفه النووي في شرح المهذب 2 / 32 وقال باتفاق المحدثين.
(8) أخرجه الدارقطني 1 / 141.
(*)(8/47)
الخامس والعشرون: في وضوئه من القئ: روى الإمام أحمد، والترمذي، وأبو داود، عن ثوبان، وأبي الدرداء - رضي الله عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء وكان صائما فتوضأ قال ثوبان: وأنا صببت له وضوءه) (1).
السادس والعشرون: في وضوئه في خروج الدم تارة وتركه تارة.
روى الدارقطني - وضعفه - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رعف في صلاته توضأ ثم بنى على ما بقي من صلاته)) (2).
وروى أيضا عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه) (3).
السابع والعشرون: في وضوئه مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا.
وروى الطيالسي، واللفظ له، والإمام أحمد، وأبو يعلى.
وابن ماجه، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنه توضأ مرة مرة، فقال: (هذه وظيفة الوضوء الذي لا تحل الصلاة إلا به) ثم توضأ مرتين، فقال: (هذه وضوء من أراد أن يضعف له الأجر مرتين)، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال: (هذا وضوئي، ووضوء الأنبياء من قبلي) (4).
وروى البخاري، وأبو داود، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة) (5).
وروى البخاري عن عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين (6).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي - وقال: (حسن) وفي نسخة: (صحيح) - عن
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 5 / 6 277 / 433 وأبو داود 2 / 310 - 311 حديث (3381) والترمذي 1 / 142، 143 - حديث (87) وابن الجارود ص 15 والبيهقي 1 / 144.
(2) أخرجه الدارقطني 1 / 156 وفي سنده ابن رباح وهو متروك ومن طريق آخر وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك.
(3) أخرجه الدارقطني 1 / 157 وفيه سليمان بن داود ليس بقوي انظر الميزان 2 / 202 الجرح والتعديل 4 / 110 التاريخ الكبير 4 / 11 المغني 1 / 279 الكامل 3 / 1125.
(4) أخرجه أحمد في المسند 2 / 98 وابن ماجه 1 / 145، 146 (420) وقال ابن الملقن في خلاصة البدر (1 / 34) ضعيف لأنه من رواية عبد الرحيم بن زيد العمي تركه البخاري وقال أبو حاتم الرازي هذا حديث لا يصح وقال أبو زرعة واه وقال العقيلي فيه نظر.
انظر نصب الراية 1 / 28 التلخيص 1 / 82.
(5) أخرجه البخاري 1 / 311 حديث (157) وأبو داود (138) والترمذي 1 / 60 حديث (42) وابن ماجه 1 / 143 (411) والنسائي 1 / 63.
(6) أخرجه البخاري 1 / 311 حديث (158).
(*)(8/48)
أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين) (1).
وروى الإمام أحمد، والترمذي - وقال: هذا أحسن شئ في هذا الباب وأصح - عن أبي حية - رحمه الله تعالى - عن علي - (رضي الله تعالى عنه) (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثا ثلاثا) (2).
وروى عن شقيق بن سلمة - رحمه الله تعالى - قال: رأيت عثمان، وعليا، يتوضآن (ثلاثا ثلاثا، ويقولان: هكذا كان يتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
الثامن والعشرون: [...].
التاسع والعشرون: في وضوئه من مس فرجه.
إن صح الخبر: روى أبو يعلى بسند ضعيف عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة ثم قام فتوضأ وأعادها، فقلنا يا رسول الله: هل حدث شئ يوجب الوضوء ؟ قال: (إني مسست ذكري) (3) الثلاثون: في محافظته - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء: روى الإمام أحمد، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء توضأ) (4).
الحادي والثلاثون: في وضوئه مع بعض النساء من إناء واحد: روي الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، عن أم صبية الجهنية - رضي الله تعالى عنها - قالت: (اختلفت يدي ويد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إناء واحد في الوضوء).
الثاني والثلاثون: في نضحه فرجه بعد الوضوء: روى الترمذي - وقال: غريب - وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (جاءني جبريل فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح) (5).
__________
(1) أخرجه أبو داود 1 / 34 حديث (136) الترمذي 1 / 62 حديث (43) والبيهقي 1 / 79 وابن الجارود ص (43).
(2) أبو داود 1 / 27 (110).
(3) بنحوه عند البيهقي 1 / 131 السنن الكبرى.
(4) أحمد 6 / 189.
(5) أخرجه الترمذي 1 / 71 في الطهارة حديث (50) وقال الترمذي هذا حديث غريب وقال سمعت محمد يقول الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث وابن ماجه 1 / 157 حديث (463) وفي الباب الحكم بن سفيان أخرجه أبو داود حديث (166) والنسائي 1 / 86 وابن ماجه 1 / 157 (461) وذكر ابن ماجه شاهدا له من حديث زيد بن حارثة (462) والانتضاح هو الاستنجاء بالماء وقيل: المراد منه رش الفرج.
(*)(8/49)
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (علمني جبريل الوضوء، فأمرني: أن أنضح تحت ثوبي) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي شيبة، وأبو نعيم، عن الحكم بن سفيان - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح فرجه (2).
وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم فنضح فرجه) (3).
تنبيهات الأول: قال ابن القيم (4): (الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكرر مسح رأسه).
وتعقب بما رواه أبو داود من وجهين صحح أحد هما ابن خزيمة، عن عثمان أنه - صلى الله عليه وسلم - (مسح رأسه ثلاثا).
وبما رواه أبو داود، والترمذي من حديث الربيع بنت معوذ (أنه مسح رأسه مرتين).
وأجاب العلماء عن أحاديث المسح مرة، بأن ذلك بيان للجواز، ويؤيده: رواية مرتين مرتين، قال اين السمعاني: اختلاف الرواة يحمل على التعدد، فيكون مسح تارة مرة، وتارة مرتين، وتارة ثلاثة، فليس رواية: مسح مرة حجة على من منع التعدد.
ويحتج للتعدد بالقياس (5) [ على ] المغسول، لأن الوضوء طهارة حكمية، ولا فرق في الطهارة الحكمية بين الغسل والمسح.
الثاني: لم يأت في شئ من الأحاديث أنه - صلى الله عليه وسلم - زاد على ثلاث، بل ورد عنه النهي عن الزيادة على الثلاث، فروى أبو داود بإسناد جيد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، (أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم - (توضأ ثلاثا ثلاثا)، ثم قال: (من زاد على هذا أو نقص، فقد أساء وظلم) (6) وظاهر هذا ذم النقص عن الثلاثة.
__________
(1) أحمد في المسند 5 / 203 وابن ماجه حديث (462) وضعفه البوصيري لأجل ابن لهيعة.
(2) تقدم ضمن الحاشية السابقة وانظر مسند أحمد 3 / 411.
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 157 (464) وقال البوصيري هذا اسناد ضعيف لضعف قيس وشيخه وله شاهد من حديث سفيان بن الحكم قلت وقيس هذا هو ابن الربيع قال الحافظ في التقريب صدوق تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به 2 / 133 (139).
(4) انظر زاد المعاد 1 / 193.
(5) القياس عند علماء الأصول اثبات مثل حكم معلوم من معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت.
(6) أخرجه أبو داود 1 / 33 (135 والنسائي 1 / 88 وابن ماجه 1 / 146 (422) وحسنه الحافظ في الفتح وعده مسلم من جملة ما أنكره على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(*)(8/50)
وأجيب: بأنه أمر نسبي، والإساءة تتعلق بالنقص، والظلم بالزيادة.
وقيل: فيه حذف: تقديره من نقص من واحدة، لما رواه أبو نعيم بن حماد عن المطلب ابن حنطب مرفوعا: (الوضوء مرة، ومرتين، وثلاثا، فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث، فقد أخطأ) وهو مرسل، ورجاله ثقات.
وأجيب عن الحديث - أيضا، بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص، بل أكثرهم يقتصر على قوله: (فمن زاد) فقط، كذا رواه ابن خزيمة في صحيحه.
الثالث: كان - صلى الله عليه وسلم - يكره الإسراف، فروى الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بسعد وهو يتوضأ فقال: (ما هذا السرف يا سعد ؟) قال: أفي الوضوء
سرف ؟ قال: (نعم، وإن كنت على نهر جار) (1).
وروى الطبراني من طريقين في كل منهما ضعف، عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ من إناء على نهر، فلما فرغ أفرغ فضلة في النهر) (2).
وروى الترمذي عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن للوضوء شيطانا يقال له ولهان، فاتقوا وسواس الماء) (3).
الرابع: جزم ابن حزم بأن الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة.
ورد عليه بما رواه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن الزهري عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه: أن جبريل علم النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء عند نزوله عليه بالوحي (4).
وروى ابن ماجه عن طريق رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه، لكن لم يذكر في السند زيدا (5).
ورواه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا، وسنده جيد (6).
__________
(1) أحمد في المسند 2 / 221 وابن ماجه (425) والحكيم الترمذي في الأكياس والمغترين (27) وانظر التلخيص 1 / 101.
(2) ذكره الهيثمي وأعله بأني بكر بن أبي مريم.
المجمع 1 / 219.
(3) أخرجه أحمد في المسند 5 / 136 عن أبي والترمذي 1 / 84 حديث (57) وأعله وأخرجه ابن ماجه 1 / 146 حديث (421).
(4) أخرجه أحمد من حديث أسامة عن أبيه 4 / 161.
(5) أخرجه ابن ماجه 1 / 157 حديث (462) عن أسامة عن أبيه وأعله الشهاب بابن لهيعة.
(6) أعله الهيثمي برشدين بن سعد انظر المجمع 1 / 241.
(*)(8/51)
الخامس: في بيان غريب ما سبق.
التور بالمثناة: شبه الطشت.
الصفر: بصاد مهملة مضمومة، ففاء ساكنة فراء: النحاس.
بفنائه - بفاء مكسورة، فنون، فألف فهمزة مكسورة: المتسع أمام الدار.
المخضب - بميم مكسورة، وخاء وضاد معجمتين.
الصاع - بصاد مهملة فألف فعين مهملة: خمسة أرطال وثلث، أو ثمانية أرطال، ومكيال يسع أربعة أرطال.
الكوز - بكاف مضمومة، فواو، فزاي: إناء معروف.
المزادة - بميم فزاي فألف فدال مهملة ظرف للماء كالراوية، والقربة والسطيحة.
مكوك - بميم مفتوحة فكافين مضمومتين بينهما واو ساكنة.
المد - بميم مضمومة، فدال: مكيال وهو رطلان أو رطل وثلث أو مل ء كف الإنسان المعتدل.
الأداوة - بفتح الهمزة وكسرها: المطهرة.
الميضأة - بميم مكسورة فتحتية ساكنة فضاد معجمة إذا ملأها: مطهرة كبيرة يتوضأ منها.
استوكف - بهمزة فسين مهملة ساكنة فواو فكاف ففاء.
استقطر الماء وصبه على يده.
عرك - بعين مهملة فكاف مفتوحات.
عاوده مرة بعد مرة ودلكه.
العارض - بعين مهملة، فألف، فراء فضاد معجمة من اللحية فوق الذقن، وقيل: عارض الإنسان صفحتا خديه.
المأقيان - بميم مفتوحة فهمزة ساكنة فقاف مكسورة فتحتية تثنية المأق وهو مقدم العين، وجمعه مآقي، والموق مؤخرها.
وجمعه: آماق، وأماق بالمد وتركه.
الحنك - بحاء مهملة، فنون مفتوحتين، فكاف: باطن أعلى الفم من داخل.
الناصية - بنون، فألف، فصاد مهملة مكسورة، الأسفل من طرف مقدم اللحيين فتحتية مقدم الرأس.
العقب بمهملة مفتوحة، فقاف مكسورة فموحدة مؤخر القدم.
العضد ككتف وندس وعبد.
ما بين المرفق إلى الكتف.(8/52)
الساق - بسين مهملة، فألف، فقاف: ما بين الكعب والركبة.
الحفنة - بحاء مهملة مفتوحة ففاء ساكنة، فنون، فتاء تأنيث: مل ء الكف.
الكعب - بكاف مفتوحة، ومهملة ساكنة، فموحدة: كل مفصل للعظام والعظم الناشز فوق القدم، والناشزات.
المربض - بميم مفتوحة، فراء ساكنة، فموحدة مفتوحة.
العرق - بعين مفتوحة، فراء ساكنة: العظم الذي أخذ منه اللحم، وجمعه: عراق.
المحاجم - بميم جمع محجم، مكان الحجم.
غط - بعين معجمة، فمهملة، والغطيط: صوت يسمع من تردد النفس كهيئة صوت المختنق.
يحتز - بحاء مهملة وزاي.
كتف - بفتح أوله وكسر ثانية، وبإسكان ثانية مع فتح أوله وكسره.
المفاصل - بميم، فألف، فصاد مهملة فلام، جمع مفصل، وهو ما بين كل أنملتين.(8/53)
الباب السادس في مسحه - صلى الله عليه وسلم - على الخف والجبائر
وفيه أنواع: الأول: في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (مسح على الخفين خلافا للمتدعة).
روى الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، والنسائي، وابن ماجه، عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين) (1).
وروى الإمام أحمد، عن سلمان - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يمسح على خفيه وعلى حماره).
وروى الأئمة الشافعي، وأحمد، والترمذي، والنسائي، عن بلال - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مسح على الخفين والخمار).
وروى الحاكم - وقال: على شرطهما، وأقره الذهبي - عنه قال: (دخلت الأسواق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب لحاجته قال: فجاء فناولته ماء فتوضأ ثم ذهب ليخرج ذراعيه من جبته فلم يقدر، فأخرجهما من تحت الجبة فتوضأ، ومسح على الخفين) (2).
وروى الإمام أحمد، والبزار - بسند جيد - عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الخفين، وعلى الخمار، وعلى العمامة) (3).
وروى الدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح منذ أنزل عليه المائدة، حتى لحق بالله عز وجل) (4).
وروى الطبراني - بسند حسن - عن ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله تعالى عنه.
قال جرير بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: (قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول المائدة فرأيته يمسح على الخفين) (5).
وروى الجماعة عنه قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال ثم توضأ ومسح على الخفين) زاد الترمذي في رواية، فقيل له قبل المائدة أو بعد المائدة ؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة.
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 365 حديث (202) وأحمد في المسند 1 / 170 وانظر نيل الأوطار 1 / 60.
(2) الحاكم في المستدرك 1 / 151.
(3) أحمد في المسند 5 / 281 والبزار كما في الكشف 1 / 154.
(4) الدارقطني في السنن 1 / 194.
(5) أخرجه في الكبير 5 / 54 وحسنه الهيثمي في المجمع 1 / 257.
(*)(8/54)
قال الأعمش: قال إبراهيم: (وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير كان بعد المائدة) (1).
وروى الشيخان عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأهويت لأنزع خفيه، فقال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)، فمسح عليهما (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي - وقال: حسن صحيح - وابن ماجه عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الخفين والنعلين) (3).
وقال أبو داود: (كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث هذا الحديث)، لأن المعروف عن المغيرة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن ابن بريدة - رضي الله تعالى عنه - (أن النجاشي أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفين أسودين ساذجين فلبسهما.
ثم توضأ، ومسح عليهما) (4).
وروى أبو داود - وقال: ليس إسناده بمتصل - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - قال: (مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجور بين) (5).
وروى أيضا عن أوس بن أبي أوس - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على نعليه، وقدميه) (6).
وروى الإمام أحمد والبخاري عن عمرو بن أمية الضمري: قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على عمامته وعلى خفيه) (7).
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 286 (182، 203، 307) ومسلم 1 / 227 حديث (72 / 272) وأبو داود (154) والترمذي (93) والنسائي 1 / 81 حديث (118) وابن ماجه 1 / 80 - 181 - 543.
(2) أخرجه البخاري 1 / 342 في الوضوء (182) (203، 206، 363، 388) 2918 و 4421، 5798، 5799 ومسلم 1 / 230 في الطهارة حديث (79 / 274).
(3) أحمد في المسند 4 / 244 وأبو داود 1 / 41 حديث (159) والترمذي 1 / 167 حديث (99) وقال حسن صحيح وابن ماجه (1 / 185) (559) وانظر نصب الراية 1 / 96.
(4) أحمد في المسند 5 / 352 وأبو داود 1 / 39 (155) وأشار له الترمذي 1 / 156 وابن ماجه 1 / 182 (549).
(5) أبو داود 1 / 41 حديث (159).
(6) المصدر السابق حديث (160).
(7) أحمد في المسند 4 / 179.
(*)(8/55)
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن المغيرة قال: مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين، فقلت: يا رسول الله نسيت.
فقال: (بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي عز وجل) (1).
وروى مسلم عنه، أنه عزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك، قال: فتبرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الحائط، فحملت معه إداوة قل الفجر فلما رجع أخذت أهريق على يديه من الإداوة، فغسل يديه ووجهه وعليه جبة من صوف [ فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ومسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه ]، قال: (دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين)، فمسح عليهما، الحديث (2).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا، وفيما ذكر كفاية.
الثاني: في موضع المسح.
روى الترمذي، وابن ماجه، والدارقطني عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم (كان يمسح على أعلى الخف وأسفله) (3).
وروى الإمام أحمد، والترمذي - وحسنه - عنه، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يمسح على الخفين، على ظاهرهما) (4).
وروى أبو داود، والدارقطني عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه)، ولكن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يمسح
أعلاه) (5).
الثالث: في مدة المسح سفرا وحضرا.
روى الطبراني من طريق أبي سلمة مروان عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ويوما وليلة في الحضر) (6).
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 246 وأبو داود 1 / 40 (156).
(2) أخرجه مسلم 1 / 317 حديث (105 / 274) وأبو داود (151) والبغوي في شرح السنة 1 / 329.
(3) أخرجه أبو داود 1 / 116 حديث (165) والترمذي 1 / 162 حديث (97) وابن ماجه 1 / 182 حديث (550) والدارقطني 1 / 195 حديث (6).
(4) أحمد في المسند 4 / 254 وانظر التخريج السابق.
(5) أخرجه أبو داود 1 / 42 حديث (162) والبغوي في الشرح 1 / 334 (239) وصححه الحافظ في التلخيص 1 / 169.
(6) أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي فيه: مروان أبو سلمة مجهول انظر المجمع 1 / 160.
(*)(8/56)
الرابع: في المسح على الجبائر.
وروى الدارقطني وضعفه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الجبائر) (1).
وروى الطبراني - بسند ضعيف - عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رماه ابن قميئة يوم أحد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ حل عن عصابته، ومسح عليها بالوضوء) (2).
__________
(1) وقال لا يصح مرفوعا انظر سنن الدارقطني 1 / 205 قلت وأبو عمارة متروك انظر المغني 2 / 549 والضعفاء لابن الجوزي 3 / 38 والميزان 3 / 456.
(2) أخرجه في الكبير وذكره في المجمع 1 / 264 وقال فيه حفص بن عمر وهو ضعيف.
(*)(8/57)
الباب السابع في تيممه - صلى الله عليه وسلم -
روى الإمام أحمد، والحارث، والطبراني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهراق الماء فمسح بالتراب، فقلت له إنما الماء منك قريب، فقال: (وما يدريني لعلي لا أبلغه) (1).
وعن عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرس بذات الجيش ومعه عائشة - رضي الله تعالى عنها - فانقطع عقد لها، من جزع ظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك، حتى أضاء الفجر، وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر وقال: حبست الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله عز وجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخصة التطهير بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا فمسحوا بها على وجوههم وأيديهم) (2).
وروى أبو داود، والدارقطني، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: مر رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سكة من السكك، وقد خرج من غائط أو بول فسلم عليه، فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في أثلة ضرب بيده على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب ضربه أخرى فمسح ذراعه ثم رد على الرجل السلام وقال: (إنه لم يمنعني أن أراد السلام إلا أني لم أكن على طهور) (3).
وروى البخاري عن أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - قال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام) (4).
وروى البغوي في شرح السنة عنه - وقال: حديث حسن - والدارقطني قال: ((مررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلمت عليه، فلم يرد على حتى قام على جدار فحته
بعصا كانت معه، ثم وضعه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد على) (5).
__________
(1) أحمد في المسند 1 / 288 وذكره الهيثمي في المجمع 1 / 263 وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير وأعله بابن لهيعة.
(2) أخرجه البخاري 1 / 514 حديث 336، 3672، 3773، 4583 ومسلم 1 / 379 حديث (108 / 367، 109 / 367) وأبو داود 1 / 86 (317) وابن ماجه 1 / 188 (568).
(3) أبو داود 1 / 90 (330) والطيالسي ص 253 والدارقطني 1 / 177 والبيهقي 1 / 206 وفيه محمد بن ثابت العبدي ضعيف انظر الميزان 3 / 495.
(4) البخاري (1 / 525) (337) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي انظر تحفة الأشراف 9 / 140.
(5) البغوي في الشرح 1 / 402.
403 وانظر الدارقطني 1 / 177.
(*)(8/58)
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب: أن رجلا سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد بال فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قام بيده إلى الحائط، يعني أنه تيمم (1).
تنبيهان الأول: قال البغوي في شرح السنة، الحديث محمول على أن الجدار كان مباحا، أو ممولكا لإنسان كان يعرف رضاه.
الثاني: في بيان غريب ما سبق.
عرس - بعين فسين مهملتين بينهما راء مشددة مفتوحات، من التعريس وهو نزول آخر الليل، ذات الجيش.
العقد - بعين مهملة مكسورة فقاف ساكنة فدال مهملة.
القلادة.
الجزع - تقدم تفسيره.
ظفار - بظاء مشالة معجمة ففاء مفتوحتين فراء.
مدينة باليمن قرب صنعاء إليها ينسب الجزع.
السكة - بسين مهملة مكسورة، فكاف مشددة مفتوحة: الزقاق، وجمعها: سكك، وسميت بذلك لاصطفاف الدور فيها.
__________
(1) تقدم.
(*)(8/59)
الباب الثامن في غسله - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع: الأول: في صفة غسله - صلى الله عليه وسلم: روى الأئمة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يغتسل من الجنابة، دعا بشئ نحو الحلاب فيغسل يديه ثلاثا يصب الإناء على يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، ثم يأخذ بيمينه، ثم يصب على شماله، فيغسل بها فرجه حتى ينقيه، ثم يهوي بها إلى الحائط يدلكها به، ثم غسلها غسلا حسنا، ثم يتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا، ويغسل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا، ثم يصب على رأسه ثلاثا، ثم يغسل، فإذا فرغ غسل قدميه، ثم يدخل يده في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثا، فإذا فضل فضلة صبها عليه) (1).
وفي رواية عند الإمام الشافعي، والشيخان، وأبي داود، والترمذي: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة وبدأ غسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول الشعر، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يعيد الماء على جلده كله حتى ظن أنه قد روى بشرته.
أفاض عليه الماء) (2).
وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه، والترمذي، والدارقطني عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (وضعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماء يغسل به).
وفي رواية غسلا فسترته بثوب، فصب على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا (3).
وفي رواية: فأكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفيه ثلاثا، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم دلك يده بالأرض دلكا شديدا (4).
وفي رواية: فغسل وجهه وضرب بيده الأرض فمسحها ثم غسلها (5).
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 429 حديث 248، 262، 272 ومسلم 1 / 253 حديث (319 / 35) ومالك في الموطأ 1 / 44 والترمذي 1 / 174 حديث (104) والحلاب: إناء يحلب فيه ويقال له: المحلب أيضا بكسر الميم.
(2) انظر المصادر السابقة.
(3) أخرجه البخاري 1 / 457 (276) ومسلم 1 / 254 (317) وأبو داود 1 / 64 (245) والترمذي 1 / 173 حديث (103) وابن ماجه 1 / 190 (573) والدارمي 1 / 191 وابن خزيمة 1 / 120 وأحمد 6 / 329، 330.
(4) انظر المصادر السابقة.
(5) أحمد في المسند 6 / 330.
(*)(8/60)
وفي رواية: الحائط، ثم مضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ويده ثم غسل رأسه ثلاثا، فتوضأ وضوءه للصلاة.
وفي رواية: غير رجليه، وغسل فرجه وما أصابه ثلاثا من الأذى، ثم أفاض عليه ثم على رجليه فغسلهما.
وفي رواية: ثم أفرغ على جسده، ثم تنحى من مقامه فغسل قدميه فناولته خرقة فقال بيده هكذا، ولم يردها فجعل ينقض بيده.
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن جبير بن مطعم - رضي الله تعالى عنه - وقال: تماروا، وفي رواية: تذاكروا غسل الجنابة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعض القوم أما أنا فإني أغسل رأسي كذا وكذا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثة أكف، ثم أفيض [ بعد ] على سائر جسدي) (1).
وروى أبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا
أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما ثم غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى الحائط ثم يستقبل الوضوء ويفيض الماء على رأسه) (2).
الثاني: في غسله الواحد للمرات من الجماع: روى الإمام أحمد ومسلم، والأربعة، عن قتادة، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه بغسل واحد) (3).
ورواه مسلم، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها.
وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة امرأة - كذا قال هشام الدستوائي وقال سعيد بن أبي عروبة وله يومئذ تسع - قلت لأنس: فكان يطيقه ؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين) (4).
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 84 والبخاري 1 / 437 (254) ومسلم 1 / 258 (54 / 327) (وتماروا) أي تنازعوا في الغسل أي في مقدار ماء الغسل.
(2) أبو داود 1 / 63 حديث (243).
(3) ومسلم (1 / 249) (28 / 309) وأبو داود 1 / 56 (279) والترمذي 1 / 259 (140) وأحمد 3 / 225 وأبو عوانة 1 / 280 وأبو نعيم والنسائي 1 / 112 في الحلية 7 / 100، 232 والخطيب في التاريخ.
(4) أخرجه البخاري 1 / 449 (268، 284، 5068، 5215) وأحمد 3 / 291 وابن سعد / 2 والبغوي في الشرح 1 / 358.
(*)(8/61)
وروى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - عن أم كلثوم بنت أبي بكر - رحمها الله تعالى - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (إن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، وعائشة جالسة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لأفعل ذلك، أنا وهذه ثم نغتسل) (1)، وهذا من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة لأن جابرا صحابي،
وأم كلثوم بنت أبي بكر من التابعين ولدت بعد أبيها.
وروى الدارقطني عن الزهري قال: سألت عروة عن الذي يجامع ولا ينزل فقال: لم يزل الناس يأخذون بالآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثتني عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل (2).
الثالث: في اغتساله من الاغماء: روى الشيخان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: دخلت على عائشة - رضي الله تعالى عنها - فقلت ألا تحدثيني عن مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقالت: بلى ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أصلى الناس ؟)) قلنا: لا هم ينتظرونك قال: (ضعوا لي ماء المخضب) الحديث (3).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحارث بن أبي أسامة - بسند حسن - عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - طاف على نسائه في يوم واحد فجعل يغتسل عند هذه وعند هذه فقيل: يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا، قال: (هذا أزكى وأطهر) (4).
الرابع: في استتاره - صلى الله عليه وسلم - من الاغتسال بثوب مع بعض أصحابه.
روى الإمام أحمد، والطبراني، برجال الصحيح، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عليا فوضع له غسلا، ثم أعطاه ثوبا، فقال (استرني وولني ظهرك) (5).
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 272 (89 / 350) وابن السني في عمل اليوم والليلة (610) وأبو عوانة 1 / 289 والطحاوي في معاني الآثار 1 / 55.
(2) أخرجه الدارقطني 1 / 126.
(3) أخرجه البخاري 2 / 203 (687) ومسلم 1 / 311 (418) وأحمد 2 / 52 والدارمي 1 / 287 وأبو عوانة 2 / 111 والبيهقي 1 / 123، 8 / 151 وابن أبي شبية 1 / 198، وابن سعد 2 / 2 / 19.
(4) أخرجه أبو داود (1 / 56) (219) وأحمد 6 / 8 والطبراني في الكبير 1 / 307 وابن ماجه 1 / 194 (590) والبيهقي 1 / 204 وانظر التلخيص 1 / 141.
(5) أحمد في المسند 1 / 317 والطبراني في الكبير 11 / 291.
(*)(8/62)
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أم هانئ - رضي الله تعالى عنها - قالت: نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعلى مكة، فانتبه فجاء أبو ذر بجفنة فيها ماء قالت: (إني لأرى فيها أثر العجين، فستره أبو ذر، ثم ستر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر) (1).
الخامس: في رشه الماء على من دخل عليه مغتسله.
روى الطبراني بسند حسن عن زينب بنت أبي سلمة - رضي الله تعالى عنها - أنها دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي صغيرة وهو يغتسل، فأخذ حفنة من ماء فضرب بها وجهي، وقال: (وراءك أي: لكاع) (2).
السادس: في مكان اغتساله - صلى الله عليه وسلم - روى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من وراء الحجرات، وما رأى عورته أحد قط) (3).
السابع: فيما كان يغتسل له.
روى أبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يغتسل من أربعة: من الجنابة، والجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت) (4).
الثامن: في وضوئه - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو يرقد، أو يطأ إذا كان جنبا، وتركه ذلك قليلا، وتيممه إذا لم يتوضأ.
روى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنبا، وأراد أن يأكل أو ينام توضأ) (5).
وفي رواية: (غسل فرجه، ويتوضأ للصلاة).
وروى الطبراني عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ) (6).
وروى أيضا بسند حسن عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنبا، وأراد أن يأكل، أو ينام توضأ) (7).
__________
(1) أحمد في المسند 6 / 341.
(2) الطبراني في الكبير 24 / 281 وحسنه الهيثمي في المجمع 1 / 269.
(3) ضعفه الهيثمي في المجمع بمسلم الملائي انظر المجمع 1 / 269.
(4) أخرجه أبو داود 1 / 96 (348).
(5) أخرجه البخاري (1 / 468) (288) ومسلم 1 / 248 حديث (21 / 305) والبيهقي 1 / 200.
(6) الطبراني في الكبير وأعله الهيثمي ب (أحمد بن يحيى) وبقية رجاله ثقات انظر المجمع 1 / 274.
(7) الطبراني في الأوسط وفيه اسحاق بن إبراهيم القرقسانى وإسناد حسن المجمع 1 / 274.
(*)(8/63)
وروى الإمام مالك والبخاري عن أبي سلمة - رحمه الله تعالى - قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرقد وهو جنب ؟ قالت: نعم ويتوضأ) (1).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجنب وينام، ثم ينتبه، ثم ينام) (2).
وروى الطبراني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب بيده على الحائط فيتيمم) (3).
وروى الإمام أحمد عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت له حاجة إلى أهله أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء) (4).
التاسع: في اغتساله مع بعض نسائه من إناء واحد.
روى الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، عن أم هانئ - رضي الله تعالى عنها - (أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغتسل هو وميمونة من إناء واحد، في قصعة فيها أثر العجين (5).
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد) (6).
ورواه مسلم عن ميمونة.
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة (7).
وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد) (8).
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 466 (286، 288) ومسلم 1 / 248 (21 / 305).
(2) أخرجه أحمد في المسند 6 / 298.
(3) أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه بقية وهو مدلس انظر المجمع 1 / 264.
(4) أحمد في المسند 6 / 43.
(5) أخرجه أحمد في المسند 6 / 342 والنسائي 1 / 131 وفي 1 / 202 وابن ماجه 1 / 134 حديث (378) والبيهقي 1 / 7.
(6) البخاري (253).
(7) البخاري 1 / 433 (250 و 261، 263، 273، 299، 5956، 7339) ومسلم 1 / 255 في الحيض (319) ومالك 1 / 44 والبيهقي 1 / 187 والدارمي 1 / 192.
(8) البخاري (264).(8/64)
وروى الشيخان عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كانت هي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسلان في الإناء الواحد من الجنابة) (1).
العاشر: في القدر الذي كان يغتسل به - صلى الله عليه وسلم - غير ما تقدم ذكره في الوضوء.
روى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل من إناء هو الفرق من الجنابة)، قال سفيان: والفرق ثلاثة اصع (2).
وروى مسلم عنها - أنها كانت تغتسل هي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد، أو قريبا من ذلك (3).
وروى النسائي عن موسى الجهني قال: (أتى مجاهد - رحمه الله - بقدح حزرته ثمانية أرطال، فقال: حدثتني عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بمثل هذا) (4).
الحادي عشر: في غسله بفضل طهور بعض نسائه.
روى مسلم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة) (5).
الثاني عشر: في تنشفه من الغسل.
روى مسلم عن أم هانئ - رضي الله تعالى عنها - (أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكة، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غسله فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به) (6).
وروى الإمام أحمد، والبيهقي، وأبو داود، عن قيس بن سعد بن عبادة - رضي الله تعالى عنهما - زارنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزلنا، فوضعنا له ماء فاغتسل، ثم أتينا بملحفة مصبوغة بزعفران أو بورس فاشتمل بها، وكأني أنظر إلى أثر الورس في منكبه (7).
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 503 حديث (322) ومسلم 1 / 257 (49 / 324).
(2) تقدم.
(3) أخرجه مسلم 1 / 255 (41 / 319).
(4) أخرجه النسائي 1 / 105.
(5) تقدم وانظر مسلم 1 / 257 (48 / 323).
(6) أخرجه مسلم 1 / 265 حديث (70 / 336).
(7) أحمد في المسند 3 / 421 وأبو داود 4 / 347 (5185) والبيهقي في السنن الكبرى 1 / 186.
(*)(8/65)
الثالث عشر: في غسله - صلى الله عليه وسلم - رأسه بالخطمي والأشنان.
روى الدارقطني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي وأشنان ودهن بزيت غير كثير) (1).
وروى عنها أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزي بذلك ولا يصب عليه الماء).
الرابع عشر: في استتاره - صلى الله عليه وسلم - روى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي السمح - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان إذا أراد أن يغتسل قال: (ولني ظهرك) فأوليته قفاي: وأنشر الثوب وأستره (2).
روى ابن أبي شيبة وابن أبي أسامة عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من رمضان فقام يغتسل وسترته وفضلت منه فضلة في إناء، قال: (إن شئت فأرقه وإن شئت فصب عليه).
فقلت يا رسول الله: هذه الفضلة أحب إلى مما أصب عليه، فاغتسلت وسترني، فقلت: لا تسترني فقال: (بلى لأسترنك كما سترتني).
وروى مسلم عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (وضعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ماء وسترته فأغتسل) (3).
الخامس عشر: في غسله لمعة رآها بعد غسله.
روى الإمام أحمد، وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغتسل من جنابة فلما خرج رأى لمعة بيضاء على منكبه الأيمن لم يصبها الماء، فأخذ أثر شعرة فبلها ثم مضى إلى الصلاة) (4).
السادس عشر: في أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يتوضأ بعد الغسل.
روى الإمام أحمد، والترمذي - بسند حسن صحيح - والنسائي، والبيهقي، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتوضأ بعد الغسل) (5).
__________
(1) أخرجه الدارقطني 2 / 226.
(2) أخرجه أبو داود 1 / 102 (376) والنسائي 1 / 104 وابن ماجه 1 / 201 (613).
(3) أخرجه مسلم (1 / 266) حديث (73 / 337).
(4) أخرجه أحمد 1 / 243 وابن ماجه 1 / 217 (663) وأعله بأبي على الرحبي.
(5) أخرجه الترمذي 1 / 179 (107) والنسائي 1 / 111 وأحمد 6 / 19 والبيهقي 1 / 179 وابن أبي شيبة 1 / 68 والبغوي في الشرح 1 / 68.
(*)(8/66)
السابع عشر: في امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من قراءة القرآن وهو جنب.
روى الإمام أحمد، والأربعة، والدارقطني عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولا يحجزه وربما قال: لا يحجبه من القرآن شئ ليس الجنابة) (1).
وروى الترمذي وقال: حسن صحيح عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئنا القرآن على كل حال، ما لم يكن جنبا) (2).
تنبيهات الأول: نقل أبو عمر: اتفاق أهل السير إن غسل الجنابة فرض ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، كما افترضت الصلاة وأنه لم يصل قط إلا بوضوء، قال: لا يجهله عالم.
الثاني: ما رواه البخاري عن ميمونة ثم نحى رجليه فغسلهما، فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل إلى آخره، وهو مخالف لظاهر رواية عائشة، ويمكن الجمع بينهما بأن يحمل رواية عائشة على المجاز، وإما بحالة أخرى، وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلاف
العلماء، فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير الرجلين.
وعن مالك: إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخير هما، وإلا فالتقديم.
وعند الشافعية في الأفضل قولان.
قال النووي أصحهما، وأشهر هما، ومختار هما: أنه يكمل وضوءه).
الثالث: قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - وتوضأ وضوء الصلاة، أي وضوءه كما للصلاة أي وضوءا شرعيا لا لغويا.
الرابع: لا يتيمم عند إرادة النوم.
يحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء، وقيل: غير ذلك.
الخامس: في بيان غريب ما سبق.
الحلاب بكسر الحاء وتخفيف اللام وموحدة، قال الخطابي والمنذري هو: إناء يسع قدر حلب ناقة، ويقال له: المحلب بكسر الميم، وترجم البخاري عليه: باب من بدا بالحلاب والطيب عند الغسل، فدل على أن عنده جراب من الطيب وهذا لا يعرف في الطيب،
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 1 / 83 وأبو داود 1 / 59 (229) والترمذي 1 / 273 (146) والنسائي 1 / 118 وابن ماجه 1 / 195 (594) والطحاوي في معاني الآثار 1 / 87 وابن الجارود ص 52، 53 والحاكم 4 / 107 وأحمد 5 / 187.
(3) الترمذي 1 / 274.(8/67)
والمعروف حب المحلب بفتح الميم واللام المشددة، وهو ماء الورد فارسي معرب، والمحفوظ في كتابه إنما هو بالحاء المهملة.
غسلا بضم الغين المعجمة وهو الماء الذي يغتسل به، كالأكل لما يؤكل.
قال شيخنا في (شرح السنن)، وضبطه ابن باطيس وأبو الفتح القشيري، وابن سيد الناس: بكسر الغين، وغلطوا في ذلك.
المنديل بكسر الميم.
مرافغه - بفتح الميم وكسر الفاء وغين معجمة جمع رفع بضم الراء وفتحها وسكون الفاء وهي مغابن البدن، أي مطاويه وما يجتمع فيه الأوساخ كالإبطين، وأصول الفخذين ونحو ذلك، وعن ابن الأعرابي المرافغ أصول اليدين والفخذين، لا واحد لها في لفظها، وفي نسخة من السنن مرافقه بالقاف، جمع مرفق.
قال الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي: والأولى هي الصحيحة.
شق رأسه: بكسر الشين أي نصفه وناحيته.
الخطمي.
الذي يغسل به الرأس، قال الجوهري: هو بكسر الخاء وقال: هو بفتحها قال: ومن قاله بكسرها فقد لحن.(8/68)
الباب التاسع في استمتاعه - صلى الله عليه وسلم - بما بين السرة والركبة من امرأته الحائض واستخدامه ومجالسته لها
روى الأئمة إلا الدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كانت إحدانا إذا كانت حائضا وأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها أمرها أن تأتزر بإزار في فور حيضتها) (1).
وفي لفظ فور حيضتها ثم يباشرها، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، وللإمام أحمد والشيخين، وكان يخرج رأسه لي وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض (2).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فأتزرت وهي حائض، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخدين والركبتين محتجزة به (3).
وروى الإمام أحمد عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان ينام مع المرأة من نسائه الحائض وما بينهما إلا ثوب [ ما ] يجاوز الركبتين (4).
وروى الإمام أحمد عنها قالت: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل على إحدانا وهي
حائض، فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض (5).
وروى مسدد برجال ثقات عن عائشة - رضى الله تعالى عنها - قالت: (بينا أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطجعة في الخميله حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: (أنفست ؟) فقلت نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة (6).
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن) (7).
وروى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع في) (8) والله أعلم.
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 481 حديث (300، 302، 2030) ومسلم (1 / 242) (1 / 293) (2 / 293).
(2) أخرجه البخاري 1 / 403 (299 - 301).
وإربه: بكسر الهمزة وسكون الراء ثم موحدة.
(3) أخرجه البخاري (1 / 483) (303)، أخرجه مسلم 1 / 243 (3 / 294).
(4) أخرجه أحمد في المسند 6 / 332.
(5) أخرجه أحمد في المسند 6 / 331.
(6) أخرجه البخاري 1 / 503 حديث (322، 323) ومسلم 1 / 243 (5 / 296) والخميلة: ثوب من صوف له خمل.
(7) البخاري 1 / 401 (297) ومسلم 1 / 246 (15 / 301).
(8) أخرجه مسلم 1 / 245 في الحيض (14 / 300).
(*).(8/69)
جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في صلاة الفرائض
الباب الأول في اختلاف العلماء فيما كان - صلى الله عليه وسلم - يتعبد به - بفتح الموحدة - قبل البعثة هل كان بشرع من تقدمه ام لا ؟
قال العلامة ابن النفيس (1) في رسالة تتعلق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون النبي سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - غير منتسب أولا إلى ملة غير ملته، فلا يكون لا يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا ونحو ذلك، لأنه لو كان من أهل ملة - لكان عند دعواه النبوة دعا الناس إلى الدين الذي يحدثه كافرا عند تلك الملة لأنه قد يكون خرج عن دينهم فيكون عندهم مبتدعا كافرا وذلك مما يدعوهم إلى تنفير الناس عنه حتى ولو كان مقررا لدين تلك الملة، كما جرى بعيسى - عليه السلام - مع اليهود، فكيف إذا نسخ دين تلك الملة وبدله ؟، فلذلك يجب أن يكون خاتم النبيين ليس منسوبا في أول أمره إلى ملة أخرى.
وقال القاضي: قد اختلف في حال نبينا - صلى الله عليه وسلم - قبل العلم بأنه رسول الله، وقبل أن يوحى إليه، هل كان متبعا إلى عبادة ربه بشرع من شرائع الأنبياء قبله أم لا ؟.
قال الجمهور: القاضي أبو بكر الباقلاني (2) وغيره من المحققين: لم يكن - صلى الله عليه وسلم - متعبدا قبل البعثة بشرع من قبله.
__________
(1) علي بن أبي الحزم القرشي، علاء الدين الملقب بابن النفيس: أعلم أهل عصره بالطب، أصله من بلدة قرش (بفتح القاف وسكون الراء.
في ما وراء النهر) ومولده في دمشق، ووفاته بمصر.
له كتب كثيرة، منها (الموجز - ط) في الطب، اختصر به قانون ابن سينا، و (فاضل بن ناطق) على نمط (حي بن يقظان) لابن الطفيل، و (بغية الطالبين وحجة المتطببين) و (شرح الهداية لابن سينا) في المنطق، و (المهذب) وغير ذلك.
وكانت طريقته في التأليف أن يكتب من حفظه وتجاربه ومشاهداته ومستنبطاته، وقل أن يراجع أو ينقل.
وخلف ما لا كثيرا، ووقف كتبه وأملاكه على البيمارستان المنصوري بالقاهرة.
ومات في نحو الثمانين من عمره.
وورد اسمه في كثير من المصادر (علي بن أبي الحرم) والصواب (ابن أبي الحزم) بزاي ساكنة، كما بخطه، الأعلام 4 / 270، 271.
(2) محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر: قاض، من كبار علماء الكلام.
انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة.
ولد في البصرة وسكن بغداد فتوفي فيها.
كان جيد الاستنباط، سريع الجواب.
وجهه عضد الدولة سفيرا عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي ملكها.
من كتبه (إعجاز القرآن)
و (الإنصاف) و (مناقب الأئمة) و (دقائق الكلام) و (الملل والنحل) و (هداية المرشدين) و (الاستبصار) و (تمهيد الدلائل) و (البيان عن الفرق بين المعجزة والكرامة) و (كشف أسرار الباطنية) و (التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والخوارج والمعتزلة) توفي 403 ه الأعلام 6 / 176.
(*)(8/70)
واحتجوا بأن طريق العلم بكونه - صلى الله عليه وسلم - متبعا في عبادة ربه قبل أن يوحى إليه بشرع النقل هو توارد الخبر على السنة النقلة إلينا، وحجته: أنه لو كان ذلك قد وقع لنقل إلينا، ولو كان لنقل ذلك، ولما أمكن كتمه وستره في العادة، إذ كان نقله وعدم كتمه من مهم أمره وأولى ما احتفل به لكونه من سيرته ولقال به أهل تلك الشريعة، ولاحتجوا عليه ولم يؤثر شئ من ذلك فعلم أنه لم يكن، وأيضا لو كان متبعا لشرع من قبله لفخر به أهل تلك الشريعة ولاحتجوا باتباعه شريعة من قبله، حتى ادعى النبوة، ولم يرو شئ من ذلك أصلا.
وذهبت طائفة إلى امتناع ذلك عقلا، قالوا: لأنه يبعد مع حكم العقل أن يكون متبوعا من علم من الأزل كونه تابعا له - صلى الله عليه وسلم - إذ الأنبياء مأمورون بالإيمان به والنصرة له، كما في قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتومنن به ولتنصرنه) [ آل عمران 81 ] بنوا قولهم بامتناع اتباعه - صلى الله عليه وسلم - شرعا قبل أن يوحى إليه، على طريقة التحسين والتقبيح العقليين، وهي طريقة غير سديدة، لبعد مسافتها من مأخذ الشرع، ورفع قواعدها من شفا جرف هار.
والتعليل الأول وهو الاستناد إلى النقل أولى وأظهر.
وذهبت طائفة: منهم إمام الحرمين، والغزالي، والآمدي، إلى الوقفة في أمره - صلى الله عليه وسلم - وجنحوا إلى ترك قطع الحكم فلم يحكموا عليه بشئ، إذ لم يحل لوجهين منهما العقل لتساويهما عنده في الإمكان، ولاستبان عند هذه الطائفة القائلين بالوقف في أحد الوجهين طريق النقل، لعدم تساويهما في الإمكان فلم يكن أحدهما أولى بترجيح على الآخر.
وذهبت طائفة أخرى إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عاملا قبل أن يوحى إليه بشرع من قبله لبعد
أن يكون متعبدا بغير شرع قبل بعثته، ثم اختلفت هذه الطائفة الثالثة: هل يتعين ذلك الشرع الذي زعموا أنه كان قبل أن يبعث عاملا به أم لا ؟ فوقف بعضهم عن تعيينه وأحجم - أي نكص فهمه وهاب الجزم بتعيينه لفقد ما يجسره عليه، وجسر بعضهم على التعيين وصمم عليه.
ثم اختلفت هذه الفرقة المعينة، فيمن كان - صلى الله عليه وسلم - يتبع دينه من الأنبياء، ويتعبد به قبل أن يبعث.
فقيل: آدم.
وهو محكي عن ابن برهان، وقيل نوح، وقيل موسى، وقيل عيسى - صلى الله عليه وسلم عليهم - فهذه جملة المذاهب في مسألة تعبده - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعث والأظهر ما ذهب إليه القاضي ومن تبعه، وبعدها مذهب المعيين إذ لو كان شئ من ذلك لنقل إلينا، وأحطنا به خبرا، ولم يخف على أحد ولا حجة لهم من أن عيسى - صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء فلزمت(8/71)
شريعته من كان بعدها، إذ لم يثبت عموم دعوة عيسى - صلى الله عليه وسلم - فلا يلزم شريعته من جاء بعدها لعدم أمرهم باتباعها، بل الصحيح أنه لم يكن لنبي من الأنبياء - صلوات الله سلامه عليهم - دعوة عامة لكافة الناس إلا لنبينا - صلى الله عليه وسلم - وأما من قال: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان على شريعة إبراهيم وليس له شرع متعبد به وأن المقصود من بعثته - صلى الله عليه وسلم - إحياء شرع إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وعول في إثبات مذهبه على قوله تبارك وتعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) [ النحل 123 ] فهذا قول ساقط مردود، ولا يصدر مثله إلا عن سخيف العقل كثيف الطبع.
وإنما المراد بهذه الآية: الاتباع في التوحيد.
لأنه لما وصف إبراهيم عليه الصلاة و السلام في هذه الآية بأنه ما كان من المشركين، فلما قال: اتبع كان المراد ذلك.
ولا حجة أيضا للقائل باتباعه شرع نوح - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) [ الشورى 16 ] فحمل هاتين الآيتين، على اتباعهم
في التوحيد، لأنه لما وصف إبراهيم في الآية الأولى - بأنه ما كان من المشركين، فلما قال: أن اتبع، كان المراد بذلك، بشهادة تفسير المشرع في الآية الثانية الذي اشترك فيه هؤلاء الأعلام من الرسل، بقوله تعالى: (أن أقيموا الدين) أي: دين الإسلام، الذي هو توحيد الله تعالى، وطاعته، والإيمان به وبرسله وكتبه وبيوم الجزاء، وسائر ما يكون به المكلف مكلفا إلا المشروع الذي هو مصالح الأمم لاختلاف أحوالهم وتفاوتها المؤذن به قوله تعالى: (لكل أمة جعلنا شرعة ومنهاجا).
وقوله تعالى: (أولئك) أي الذين ذكروا من الرسل وغير هم (هدى الله فبهداهم) أي بطريقتهم لا بطريقة غيرهم بشهادة الإضافة في الإيمان بالله وتوحيده، وأصول الدين (اقتده) دون الشرائع لاختلافها، وهي هدى ما لم تنسخ، فإذا نسخت لم تبق هدى.
بخلاف أصول الدين فإنها هدى أبدا، وقد سمى الله تعالى في آية الأنعام في الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - من لم يبعث ولم تكن له شريعة تخصه كيوسف بن يعقوب - صلى الله عليه وسلم - وعلى آبائه على قولة من يقول: إنه ليس برسول.
فدل الأمر باقتدائه بهداهم، أن المراد به أصول الشرائع لا الشرائع نفسها.
وسمى جماعة من الأنبياء فيها شرائعهم مختلفة، لا يمكن الجمع بينها فدل اختلافها أن المراد بهداهم ما اجتمعوا عليه من التوحيد وعبادة الله تعالى.
قال القاضي: وهل يلزم من قال: بمنع اتباعه - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يوحى إليه بشرع قبله هذا القول في سائر الأنبياء، فلا يكون أحد منهم قبل أن يوحى إليه بشرع قبله غير نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو(8/72)
يخالفون بينهم فيه قبل أن يوحى إليهم أما من منع الاتباع عقلا، فيطرد أصله الذي هو منع عقلا في كل رسول بلا مزية.
وأما من مال إلى النقل كالقاضي أبي بكر فأيهما تصور له وتقرر تبعه وعمل بمقتضاه.
ومن قال بالوقف فعلى أصله من الإحجام عن تعيين.
ومن قال بوجوب الاتباع قبل الوحي لمن قبله من الأنبياء يلزمه سياق حجته وإجراؤها في كل نبي، وأوضح بعضهم كلام القاضي في قوله تعالى: (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) بأن المراد بهذه الآية: الاتباع في التوحيد كما تقدم، لأنه تعالى لما وصف إبراهيم في هذه الآية بأنه (ما كان من المشركين) دل على أن المراد بالاتباع ذلك.
فإن قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نفى الشرك، وأثبت التوحيد بناء على الدلائل القطعية، وإذا كان كذلك لم يكن متابعا لأحد فيمتنع حمل قوله: اتبع على هذا المعنى، فوجب حمله على الشرائع التي يصح حصول المتابعة فيها.
أجاب الإمام فخر الدين الرازي بأنه يحتمل أن يكون المراد الأمر بمتابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد، وهو أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة، على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن.
وقد قال صاحب الكشاف ما لفظه: ثم في قوله تعالى (ثم أو حينا إليك) تدل على تعظيم منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجلال محله، بأن أشرف ما أوتي خليل الله من الكرامة، وأجل ما أوتي من النعمة اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملته من قبل أن هذه اللفظة دلت على تباعد النعت في المرتبة على سائر المدائح التي مدحه الله تبارك وتعالى بها.
انتهى.
ومراده بالمدائح المذكورة في قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الأخرة لمن الصالحين).
وقد تقدم لهذا مزيد بيان في الباب السادس.
قال شيخ الإسلام أبو زرعة العراقي في شرح تقريب والده على كلامه عند حديث بدء الوحي، وليت شعري كيف تلك العبادة وأي أنواعها هي وعلى أي وجه فعلها يحتاج ذلك إلى نقل ولا أستحضره الآن.
وقال شيخه شيخ الإسلام البلقيني في شرح البخاري لم يجئ في الأحاديث التي وقفنا
عليها كيفية تعبده - صلى الله عليه وسلم - لكن روى ابن إسحاق وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - (كان يخرج إلى حراء في(8/73)
كل عام شهرا من السنة ينتسك فيه، وكان من نسك قريش في الجاهلية أن يطعم الرجل من جاءه من المساكين حتى إذا انصرف من مجاورته لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة.
وحمل بعضهم التعبد على التفكر وعندي أن هذا التعبد يشتمل على أنواع، وهي الانعزال عن الناس كما صنع إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - باعتزاله قومه، والانقطاع إلى الله تعالى، (فإن انتظار الفرج عبادة، كما رواه ابن أبي الدنيا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - مرفوعا، وليضم إلى ذلك الأذكار).
وعن بعضهم (كانت عبادته - صلى الله عليه وسلم - في حراء التفكر.
انتهى).
قلت: وبهذا الأخير جزم سيدي أبو السعود كما رواه عنه في الزهر وقاله تلميذه الحافظ رحمه الله تعالى.(8/74)
الباب الثاني في مواقيت صلاته - صلى الله عليه وسلم - الفرائض
وفيه أنواع: الأول: في مواقيتها على سبيل الاشتراك.
روى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئا قال: فأمر بلالا فأقام بالفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول قد انتصف النهار أو لم ينتصف، وهو كان أعلم منهم ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق الأحمر، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها،
والقائل يقول: قد طلعت الشمس، أو كادت، ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول قد احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل، ثم أصبح فدعا السائل، فقال: (الوقت بين هذين) (1).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، عن بريدة بن الخصيب - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن وقت الصلاة، فقال - صلى الله عليه وسلم - (صل معنا هذين اليومين)، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني، فأمره فأبرد بالظهر فأبرد بها وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: (أين السائل عن وقت الصلاة ؟) فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: (وقت صلاتكم حين ما رأيتم) (2).
وروى الشيخان عن أبي برزة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه مسلم (429) (178 / 614) وأحمد في المسند 4 / 416 وأبو داود 1 / 108 والنسائي 1 / 209 والدارقطني 1 / 263.
(2) أخرجه مسلم (1 / 428) حديث (76 / 613) وأحمد في المسند 5 / 349 والنسائي 1 / 207 والدارقطني 1 / 262.
(*)(8/75)
يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية - قال سيار بن سلامة: ونسيت ما قال في المغرب - وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعد وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة) (1).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت الشمس والعشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر، والصبح كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس) (2).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلي العصر بين صلاتيكم هاتين، ويصلي المغرب إذا غابت الشمس، ويصلي العشاء إذا غاب الشفق - قال: على أثره - ويصلي الفجر إلى أن ينفسح البصر) (3).
وروى عبد بن حميد عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر حين تزول الشمس، ويصلي العصر حين تكون الشمس بيضاء نقية، ويصلي المغرب حين تغرب الشمس، ويمسي بالعشاء، ويقول: (احترسوا ولا تناموا)، ويصلي الفجر حين يغشى النور السماء (4).
النوع الثاني: في مواقبتها على سبيل الانفراد وتعجيلها: وفيه أنواع: الأول: في تعجيل الصلاة مطلقا.
روى الدارقطني، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤخر الصلاة لطعام ولا غيره) (5).
وروى أيضا عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة لآخر وقتها الآخر حتى قبضه الله تعالى (6).
__________
(1) أخرجه البخاري (2 / 26) (541) (547) (771) ومسلم (1 / 447) (235 / 647، 236 / 647، 237 / 647).
(2) أخرجه البخاري (2 / 47) (565) ومسلم (1 / 446) (233 / 646) وأحمد 3 / 369.
(3) أحمد في المسند 3 / 129 والنسائي 1 / 219.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 1 / 305 والمتقي الهندي في الكنز (21727) والقسم الأول منه متفق عليه وأخرجه أيضا أبو عوانة 1 / 367، 368.
(5) أخرجه الدارقطني 1 / 260 وأخرجه أبو داود 4 / 135 في الأطعمة حديث (3758).
(6) أخرجه الدارقطني 1 / 249 وأخرجه الحاكم في المستدرك 1 / 190.
(*)(8/76)
وفي رواية عند الإمام أحمد، والترمذي إلا مرتين (1).
وروى الترمذي - وحسنه - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما رأيت أحدا كان أشد تعجيلا [ للظهر ] من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من أبي بكر ولا من عمر) (2).
روى الإمام أحمد، والترمذي، عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه) (3).
وروى مسلم عن خباب بن الأرت - رضي الله تعالى عنه - قال: (أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكونا إليه الرمضاء فلم يشكنا، قال زهير: قلت لأبي إسحاق أفي الظهر ؟ قال: نعم قلت أفي تعجيلها ؟ قال: نعم) (4).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها) (5).
وروى الشيخان عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر).
الثاني: في العصر.
روى الجماعة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر و الشمس في حجرتها قبل أن تظهر).
وفي رواية: (في حجرتها لم يظهر الفئ.
وفي رواية: (لم يظهر الفئ في حجرتها).
وروى الأئمة إلا الترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي) (6).
وفي رواية: إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة، وبعض الموالي على أربعة أميال أو
نحوها.
__________
(1) أخرجه الترمذي وأعله 1 / 328 (174) وقال حسن غريب وليس إسناده بمتصل والحاكم 1 / 19 من طريق محمد بن شاذان عن قتيبة والبيهقي 1 / 435.
(2) أخرجه الترمذي 1 / 292 (155) وقال يحيى بن آدم: ولا يحتاج مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قول وإنما كان يقال سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر ليعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات وهو عليها نقله الخطابي في معالم السنن (1: 132، 133).
(3) أخرجه أحمد في المسند 6 / 289، 310 والترمذي 1 / 302، 303 (161).
(5) أخرجه البخاري (2 / 31) حديث (544، 545) (546) أخرجه مسلم 1 / 426 (168، 169، 170 / 611).
(6) أخرجه البخاري 2 / 28 (550) ومسلم 1 / 433 في المساجد (192 / 621).
(*)(8/77)
وفي لفظ الدارقطني: والعوالي من المدينة على ستة أميال.
ولفظ أبي داود والإمام أحمد قال الزهري عن أنس: أنه أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء حية ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة والعوالي على ميلين أو ثلاثة، قال: وأحسبه قال: أربعة).
وروى الإمام أحمد والدارقطني عنه قال: (ما كان أحد أشد تعجيلا لصلاة العصر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كان أبعد رجلين من الأنصار دارا من مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبو لبابة بن عبد المنذر أخو بني عمرو بن عوف، وأبو عبس بن جبر أخو بني حارثة، دار أبي لبابة بقباء، ودار أبي عبس بن جبر في بني حارثة، ثم إن كان ليصليان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر ثم يأتيان قومهما وما صلوها لتبكير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، عن أبي أروى - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر بالمدينة، ثم آتي ذا الحليفة قبل أن تغيب الشمس، وهي على قدر فرسخين) (2).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه) (3).
وروى مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله إنا نريد أن ننحر جزورا لنا ونحب أن تحضرها، فانطلق وانطلقنا معه فوجدنا الجزور لم تنحر، فنحرت ثم قطعت، ثم طبخ منها ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس) (4).
وروى الإمام أحمد والشيخان والدارقطني عن رافع بن خديج - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا نصلي العصر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تنحر الجزور، فتقسم عشر قسم، ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس) (5).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 226 والدارقطني 1 / 254.
(2) أخرجه أحمد في المسند 4 / 344 والبزار كما في الكشف 1 / 159 وقال: لا نعلم روى أبو أروى إلا هذا الحديث وآخر وذكره الهيثمي في المجمع 1 / 307 وقال بعد عزوه لهؤلاء وزاد للطبراني في الكبير وأعله بصالح أبو محمد وثقه أحمد وضعفه ابن معين.
(3) أحمد في المسند 6 / 289 الترمذي 1 / 303 (161).
(4) أخرجه مسلم (1 / 435) (197 / 624).
(5) أخرجه البخاري 5 / 153 حديث (2485) ومسلم 1 / 435 (198 / 625)، وأحمد 4 / 142 والدارقطني 1 / 252.
(*)(8/78)
وروى الدارقطني عن أبي مسعود البدري الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة نقية، يسير الرجل حتى ينصرف الى ذي الحليفة ستة أميال قبل غروب الشمس) (1).
وروى أبو داود عن علي بن شيبان (2) رضي الله تعالى عنه - قال: (قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية) (3).
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد عن أبي أروى - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بالمدينة، ثم آتي الشجرة يعني ذا الحليفة قبل أن تغيب الشمس) (4).
وروى أبو يعلى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر بقدر ما يذهب الرجل إلى بني حارثة بن الحارث ويرجع قبل غروب الشمس)، (وبقدر ما ينحر الرجل الجزور ويعضيها لغروب الشمس) (5).
الثالث: في المغرب: روى الإمام أحمد عن أبي طريف - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حاصر الطائف، فكان يصلي بنا صلاة البصر حتى لو أن رجلا رمى لرأى مواقع نبله) (6).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب) وفي رواية: (ساعة تغرب) (7).
وروى الإمام أحمد، والبزار، وأبو يعلى، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه -
__________
(1) أخرجه الدارقطني 1 / 252.
(2) علي بن شيبان بن محرز، اليمامي الحنفي، صحابي مقل، تفرد عنه ابنه عبد الرحمن.
التقريب 2 / 38.
(3) أبو داود 1 / 111 (408) (4) ابن أبي شيبة 1 / 337.
(5) أخرجه أبو يعلى في مسنده 7 / 297 (1575 - 4330) وأحمد 3 / 228 وذكره الهيثمي في المجمع 1 / 318 وعزاه لأبي يعلى ورجاله رجال الصحيح.
(6) أحمد 3 / 6 / 4.
(7) أخرجه أحمد في المسند 4 / 51 والبخاري 2 / 49 (561) ومسلم 1 / 441 في المساجد (216 / 636) وقوله توارت: يعني توارت الشمس: أي غربت، كنى من غير تصريح اعتمادا على أفهام السامعين الصحاح 6 / 2523.
(*)(8/79)
قال: ((كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب، ثم نرجع إلى منازلنا وهي ميل وأنا أبصر مواقع نبلي) (1).
وروى الشيخان وابن ماجه، عن رافع بن خديج - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ثم نأتي منازلنا وهي على قدر ميل فنرى مواقع النبل) (2).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا نصلي المغرب، ثم نأتي منازلنا وهي على قدر ميل فنرى مواقع النبل).
ورواه الإمام أحمد وأبو داود عن أنس.
الرابع: في العشاء: روى ابن أبي شيبة والطيالسي عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر صلاة العشاء الآخرة تسع ليال إلى ثلث الليل، فقال أبو بكر: يا رسول الله لو عجلت بنا كان أمثل لقيامنا بالليل، فكان بعد ذلك يعجل (3).
وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات عن ابن عمر، وأبي يعلى عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشا حتى ذهب نصف الليل أو بلغ ذلك، ثم خرج إلى الصلاة فقال: أصلى الناس ورجعوا) - ولفظ جابر (رقدوا) - وأنتم تنتظرون الصلاة ؟ أما إنكم لن تزالوا في الصلاة ما انتظر تموها) (4).
وروى البزار برجال ثقات عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتم ليلة بالعشاء، فناداه عمر، نام النساء والصبيان، فقال: (ما ينتظر هذه الصلاة أحد من أهل الأرض غيركم) (5).
__________
(1) أحمد في المسند 3 / 369 والبزار كما في الكشف 1 / 190 وقال: لا نعلم له عن جابر طريقا غير هذا وأبو يعلى 4 / 114) (392 - 2156) وذكره الهيثمي في المجمع 1 / 313 وقال رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، عن عبد الله بن
محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به، وقد وثقه الترمذي، واحتج به أحمد وغيره.
وأخرجه الطيالسي 1 / 72 (290) والبيهقي 1 / 370 وابن خزيمة (337).
(2) البخاري 2 / 40 (559) ومسلم 1 / 441 (217 / 637).
(3) أخرجه الطيالسي كما في المنحة (1 / 73) حديث (296) والبيهقي في السنن الكبرى 1 / 449.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة 1 / 331 وأبو يعلى 3 / 442 (169 - 1936) والطحاوي في شرح معاني الآثار 1 / 157 وأحمد 3 / 367 وعبد الرزاق (2125) والبيهقي 1 / 375 وذكره الهيثمي في المجمع 1 / 312 وقال (رواه أحمد وأبو يعلى وإسناد أبي يعلى رجاله رجال الصحيح).
(5) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 191 ورجاله ثقات انظر المجمع 1 / 313.
(*)(8/80)
الخامس: في الصبح: روى الأئمة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كن نساء المؤمنات، يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح وهن متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس) (1).
وفي رواية للإمام الشافعي، والبخاري: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الصبح بغلس، فينصرف النساء لا يعرفن من الغلس) (2).
زاد البخاري: (ولا يعرف بعضهن بعضا).
وروى الشافعي عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله تعالى عنه - أنه وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (كان يصلي الصبح ثم ينصرف وما يعرف الرجل منا جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة) (3).
وروى البزار برجال ثقات عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح ثم نتفرق وما نعرف بعضنا) (4).
وروى الطبراني - بسند جيد - عن حرملة قال: (انطلقت من وفد الحي إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بنا الصبح، فلما سلم جعلت أنظر وجه الذي جنبي فما أكاد أعرفه من الغلس...الحديث).
وروى ابن ماجه عن مغيث بن سمي قال: (صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس، فلما سلم أقبلت على ابن عمر فقلت ما هذه الصلاة ؟ قال: هذه صلاتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلما طعن عمر أسفر بها عثمان) (5).
وروى الطيالسي بسند صحيح عن قيلة بنت مخرمة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر حين انشق والنجوم شابكة في السماء، ما نكاد نتعارف مع ظلمة الليل، والرجل ما تكاد تتعارف) (6).
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 349 في الأذان (867) ومسلم 1 / 446 (232 / 645) متلفعات: أي متجللات ومتلفقات، وبمروطهن: أي بأكسيتهن واحدها مرط بكسر الميم شرح مسلم للنووي 5 / 143.
(2) انظر المصدرين السابقين.
(3) البخاري 2 / 26 (547) والبيهقي 1 / 454.
(4) البزار كما في الكشف 1 / 195 وقال الهيثمي رجاله ثقات المجمع 1 / 317.
(5) أخرجه ابن ماجه 1 / 221 (671).
(6) أخرجه الطيالسي (1 / 73) حديث (300) وأخرجه الطحاوي 1 / 105.
(*)(8/81)
وروى الطيالسي برجال ثقات وينظر في حال عليبة عن ضرغامة ابن ابن بنت عليبة بن حرملة العنبري قالت: (حدثني أبي عن أبيه قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه سلم - في ركب الحي، فصلى بنا صلاة الصبح فجعلت أنظر إلى الذي إلى جنبي، فما أكاد أعرفه، أي من الغلس) (1).
وروى الحارث بن أسامة عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسفر بالفجر) (2).
وروى أبو يعلى برجال ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الفجر إذا غشى النور السماء).
وروى أبو يعلى عن زيد بن حارثة - رضي الله تعالى عنه - قال: (سأل [ رجل ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن وقت صلاة الصبح) فقال: (صلها معي اليوم وغدا) فلما كان بقاع نمرة بالجحفة صلاها حين طلع الفجر، حتى إذا كنا بذي طوى أخرها حتى قال الناس: أقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقالوا لو صلينا ؟، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلاها أمام الشمس، ثم أقبل على الناس، فقال: ماذا قلتم قالوا قلنا: لو صلينا، قال: لو فعلتم أصابكم عذاب، ثم دعا السائل، فقال: الصلاة ما بين هاتين الصلاتين) (3).
النوع الثالث: في تأخيره - صلى الله عليه وسلم - بعض الصلوات وفيه أنواع: الأول: في تأخيره - صلى الله عليه وسلم - الظهر من شدة الحر، والإيراد بها.
روى البخاري، والنسائي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل) (4).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا نصلي صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) (5).
__________
(1) أخرجه الطيالسي في المسند كما في المنحة 1 / 73 (299).
وضرغامة ذكره الحافظ في تعجيل المنفعة وقال نقلا عن البخاري يعد في البصريين وذكره ابن حبان في الثقات 1 / 197 (485) وعليبة ذكرها الحافظ أيضا في التعجيل 1 / 293 (756) ذكره ابن حبان في الثقات.
(2) ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب 1 / 77 (268).
(3) أخرجه الطبراني في الكبير 5 / 90 وعزاه الهيثمي لأبي يعلى وللطبراني في الكبير من رواية علي بن عبد الله بن عباس عنه وعلي لم يدرك زيد المجمع 1 / 317.
(4) أخرجه النسائي 1 / 199 والإبراد انكسار حر الظهيرة وهو أن تنفيا الأفياء وينكسر وهج الحر فهو يرد بالإضافة إلى حر الظهيرة.
شرح السنة 2 / 24 النهاية 1 / 114 الصحاح 2 / 445.
(5) أخرجه أحمد في المسند 4 / 250 وابن ماجه 1 / 223 (680) وأبو نعيم في الحلية 6 / 274، 82 / 173 والبخاري في التاريخ 2 / 372 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (269).
(*)(8/82)
وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأراد المؤذن، أن يؤذن للظهر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أبرد)، ثم أراد أن يؤذن، فقال له: (أبرد) حتى رأينا فئ التلول، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا أشتد الحر فأبردوا بالصلاة) (1).
الثاني: تأخير الظهر في الشتاء: وروى الإمام أحمد عن أبي العلاء عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر في أيام الشتاء ولا ندري ما ذهب من النهار كثر أو ما بقي) (2).
وروى أبو داود والنسائي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان قدر صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصيف ثلاثة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة) (3).
الثالث: تأخير العشاء: روى الإمام أحمد والثلاثة: أبو داود والترمذي والنسائي عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنه - قال: (أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة، صلاة العشاء، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليها لسقوط القمر، لثلاثة) (4).
وروى الشيخان، والنسائي، والبيهقي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء إلى نصف الليل، ثم صلى ثم قال: صلى الناس وناموا، أما إنكم في صلاة ما انتظر تموها) (5).
وروى الشيخان، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة العشاء الآخرة، خرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فلا ندري
أشئ شغله في أهله أو غير ذلك ؟ فقال حين خرج: إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولو لا أن ينقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة) (6).
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 32 في المواقيت (536، 537) ومسلم 1 / 430 (180 / 615) والشافعي 1 / 52 (154) وأحمد في المسند 2 / 462، 5 / 155 وابن أبي شيبة 1 / 324، 325.
(2) أحمد في المسند 3 / 160.
(3) أخرجه أبو داود 1 / 110 والنسائي 1 / 201.
(4) أخرجه أحمد 4 / 274 وأبو داود 1 / 114 (419) والترمذي 1 / 306 (165) والنسائي 1 / 212.
(5) أخرجه البخاري 2 / 62 (572) ومسلم 1 / 443 (222 / 640) (223 / 640) والنسائي 1 / 215 والبيهقي 1 / 374.
(6) أخرجه البخاري 1 / 60 (571) ومسلم 1 / 442 (220 / 639).
(*)(8/83)
وروى الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، والنسائي عنه قال: (أقيمت الصلاة ورجل يناجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما زال يناجيه حتى نام أصحابه، ثم قام فصل بهم).
الرابع: تحويله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عن وقتها.
روى الإمام أحمد، والشيخان، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها)، متفق عليه (1).
ولمسلم قبل وقتها بغلس.
ولأحمد والبخاري عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (خرجت مع عبد الله تقدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، وتعشى بينهما، ثم صلى حين طلع الفجر، وقائل يقول: طلع الفجر وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان: المغرب والعشاء.
ولا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا.
وصلاة الفجر هذه الساعة) (2).
[ تنبيهات ] في بيان غريب ما سبق.
تدحض الشمس: بمثناة فوقية مفتوحة، فدال مهملة ساكنة، فحاء مهملة مفتوحة فضاء معجمة: تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب كأنها دحضت أي: زلقت.
الرمضاء: براء مفتوحة، وميم ساكنة ممدودا هي الأرض الشديدة الحرارة من وقع، الشمس.
الهاجرة: بهاء، فألف، فجيم، فراء: نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، لأن الناس يسكنون في بيوتهم، كأنهم قد تهاجروا.
البصر: بالموحدة قيل: أراد به صلاة المغرب وقيل: أراد الصبح، قال ابن الجوزي: وحملها على المغرب أولى، لأنه قد جاء في الحديث ما يؤيد ذلك.
النبل: بفتح النون: السهام العربية أي: يبصر مواضع سهامه إذا رمى بها.
__________
(1) أخرجه البخاري في الحج حديث (1682) وأخرجه مسلم (1 / 938) حديث (292 / 1289).
(2) أخرجه البخاري (3 / 619) (1683) أحمد 1 / 418، 461 والطحاوي في المعاني 1 / 178.
(*)(8/84)
الباب الثالث في امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة في الأوقات المكروهة وما جاء في صلاته بعد العصر ركعتين
روى الإمام أحمد، وإسحاق، وابن أبي شيبة بسند حسن - عن سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت أسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما رأيته صلى بعد العصر، ولا بعد الصبح قط) (1).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 4 / 51.
(*)(8/85)
الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الأذان والإقامة، وما ورد انه إذن، وذكر مؤذنيه وما كان يقوله إذا سمع الأذان، والإقامة، وأدبه في ذلك
وفيه أنواع: الأول: فيما ورد: أنه أذن.
قال الحافظ وسعيد بن منصور - رحمهما الله تعالى - في (سننه) حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة، رحمه الله تعالى - قال: (أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة قل: حي على الفلاح) جزم النووي في (شرح المهذب (1)) بأنه - صلى الله عليه وسلم - أذن مرة، وتبعه ابن الرفعة والسبكي - قال: شيخنا في شرح الترمذي من قال: إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يباشر هذه العبادة بنفسه وألغز في ذلك: من قال سنة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها ولم يفعلها فقد غفل).
وروى الإمام أحمد، والترمذي - بسند - قال النووي في (شرح المهذب) وصححه - في الخلاصة عن يعلى بن مرة - رضي الله تعالى عنه - (أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة، فمطرت السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على راحلته، وأقام أو أقام فتقدم على راحلته، فصلى بهم يومئ إيماء، ويجعل السجود أخفض) (2).
النوع الثاني: في مؤذنيه - صلى الله عليه وسلم.
قال في (زاد المعاد) كان له - صلى الله عليه وسلم - أربعة مؤذنين، اثنان في المدينة: بلال بن رباح، وهو أول من أذن له، وعمرو بن أم مكتوم، القرشي، العامري الأعمى، وبقباء سعد القرظ مولى عمار بن ياسر، وبمكة أبو محذورة، واسمه أوس بن مغيرة الجمحي، وكان أبو محذورة يرجع الأذان، ويثني الإقامة، وبلال لا يرجع، ويفرد الإقامة، فأخذ الشافعي، وأهل مكة، بأذان أبي محذورة وإقامة بلال، وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبي محذورة وأخذ
أحمد، وأهل الحديث، وأهل المدينة، بأذان بلال وإقامته وخالفهم مالك في الموضعين، إعادة التكبير، وتثنية الإقامة، فإنه لا يكررها.
__________
(1) النووي في شرح المهذب 3 / 81.
(2) أخرجه أحمد في المسند 4 / 173 والترمذي 2 / 266 حديث (411) وقال حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي.
(*)(8/86)
وروى الإمام أحمد عن السائب بن يزيد - رضي الله تعالى عنه - قال: (لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مؤذن واحد، في الصلوات كلها، في الجمعة وغيرها يؤذن، ويقيم) (1).
وروى مسدد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنان: بلال، وأبو محذورة).
ورواه مسلم، وأبو داود بلفظ (بلال وابن أم مكتوم) (2).
وروى ابن أبي شيبة - برجال ثقات - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة مؤذنين: بلال، وأبو محذورة، وابن أم مكتوم).
وروى عبد بن حميد، والطبراني، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: أبطأ بلال يوما بالأذان فأذن رجل، فجاء بلال فأراد أن يقيم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يقيم من أذن) (3).
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: (هذا الرجل المبهم زياد بن الحارث).
وروى الإمام أحمد عن أبي محذورة - رضي الله تعالى عنه - قال: (جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان لنا ولموالينا) (4).
وروى البزار عن أبي أسيد - رضي الله تعالى عنه - قال: (لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مگة جاءه أبو محذورة، فقال: يا رسول الله ائذن لي أن أؤذن فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن، فكان بلال يؤذن، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تخلف أبو محذورة) (5).
وروى الإمام أحمد، والبيهقي، والنسائي، وأبو الشيخ، وابن حبان واللفظ لهما، عن أبي
محذورة - رضي الله تعالى عنه - قال: (خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حنين، فلقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فصرخنا نحكيه ونهزأ به فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصوت فأرسل إلينا حتى وقفنا
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 449 والنسائي 3 / 101.
(2) أخرجه مسلم 1 / 287 حديث (7 / 380) وابن ابي شيبة 1 / 201 (2310) وابن سعد 8 / 256 وانظر الكنز (17958).
(3) أخرجه الطبراني في الكبير وفيه سعيد بن راشد ضعيف المجمع 2 / 3.
ومن طريق زياد بن الحارث الصدائي أخرجه أحمد في المسند 4 / 169 وأبو داود 1 / 352 (514) والترمذي 1 / 383 (199) وابن ماجه 1 / 237 (717) والبيهقي (1 / 399) وفي دلائل النبوة 4 / 127 وابن أبي شيبة 1 / 116 وابن سعد 1 / 2 / 63 والبخاري في التاريخ 3 / 344 والخطيب 14 / 60 وانظر التلخيص 1 / 209 ونصب الراية (2708).
(4) أحمد في المسند 6 / 40 والخطيب في التاريخ 14 / 76 وانظر المجمع 3 / 285، 8 / 336.
(5) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 181 (356) وقال لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عند أبي أسيد ولم يرفعه غير الواقدي وقد تكلم الناس فيه، وفي حديثه نكارة.
المجمع 1 / 336.
(*)(8/87)
بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ فأشار القوم إلى - وصدقوا - فأرسلهم كلهم فحبسني فقال: قم فأذن، فقمت ولا شئ إلي أكره من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألقى علي التأذين، بنفسه، فقال: قل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا آله إلا الله، أشهد أن لا آله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، لا آله إلا الله.
ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صرة فيها شئ من فضة، ثم وضع يده على
ناصيتي، ثم أمرها على وجهي، ثم على كبدي ثم بلغت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرتي، ثم قال: (بارك الله فيك وبارك عليك) فقلت يا رسول الله: (مرني بالتأذين بمكة)، قال: (أمرتك به)، وذهب كل شئ كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كراهته، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (1).
وروى الدارقطني عن سعد بن عائذ ويعرف بسعد القرظ - رضي الله تعالى عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا سعد إذا لم تر بلالا معي فأذن ومسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه وقال: بارك الله فيك، إذا لم تر بلالا فأذن) (2).
وروى أيضا - بسند ضعيف - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذن يطرب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن) (3).
النوع الثالث: فيما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع الأذان والإقامة: روى الإمام أحمد، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما عن أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندها في يومها أو ليلتها وسمع المؤذن قال كما يقول المؤذن) (4).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 409 والنسائي 2 / 5 والبيهقي 1 / 393.
(2) أخرجه الدارقطني 1 / 236.
(3) أخرجه الدارقطني 1 / 239 وذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2 / 87 والشوكاني في الفوائد (16) وابن عراق 2 / 98 والسيوطي في اللآلي 2 / 7.
(4) أخرجه أحمد 6 / 326 وابن ماجه 1 / 238 (719) وقال الشهاب البوصيري في الزوائد إسناده صحيح وأخرجه الحاكم في المستدرك 1 / 204.
(*)(8/88)
وروى أبو داود، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المنادي قال: (أشهد أن لا آله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) (1).
وروى الإمام أحمد، وأحمد بن منيع، عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول، حتى إذا بلغ (حي على الصلاة) [ حي على الفلاح ] قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) (2).
وروى الطبراني مثله عن عبد الله بن الحارث) (3).
وروى الطبراني عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول - إذا سمع المؤذن: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صل على محمد، وأعطه سؤله يوم القيامة) وكان يسمعها من حوله ويحب أن يقولوا مثل ذلك إذا سمعوا المؤذن، قال: (ومن قال مثل ذلك إذا سمع المؤذن وجبت له شفاعة [ محمد - صلى الله عليه وسلم - ] يوم القيامة) (4).
وروى الطبراني عنه.
قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع الأذان قال: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صل على عبدك ورسولك، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة) (5)، وذكر نحو ما تقدم.
وروى أبو داود عن أبي أمامة، أو بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بلالا أخذ في الإقامة، فلما أن قال: (قد قامت الصلاة) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامها الله وأدامها) (6).
وروى البيهقي موقوفا والحاكم مرفوعا عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع الأذان قال: (اللهم رب هذه الدعوة التامة المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى توفني عليها وأحيني عليها، واجعلني من صالح أهلها عملا يوم القيامة) (7).
__________
(1) الذي في السنن موافق لحديث سعد 1 / 145 (525) وحديث عائشة تحت رقم (526).
(2) أخرجه أحمد في المسند 6 / 9.
(3) ذكره الهيثمي وعزاه الطبراني في الكبير وقال وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف إلا أن مالكا روى عنه المجمع 1 / 331.
(4) الطبراني في الكبير وفيه صدقة بن عبد الله السمين ضعفه أحمد والبخاري وغيرهم ووثقه دحيم وأبو حاتم المجمع 1 / 333.
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه صدقة المتقدم ذكره.
المجمع 1 / 333.
(6) أبو داود 1 / 145 (528) وأبو نعيم في الحلية 7 / 81 وابن السني 103 والبيهقي 1 / 411 وانظر التلخيص 1 / 211.
(7) أخرجه البيهقي 1 / 411.
(*)(8/89)
النوع الرابع: في سيرته في الأذان لقضاء الفوائت: وروى أبو يعلى - بسند ضعيف - عن عبد الله بن مسعود والبزار، والطبراني بسند ضعيف عن جابر - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شغله المشركون عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى ذهب ساعة من الليل، ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأذن وأقام، فصلى العصر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء، ثم قال: ما على وجه الأرض قوم يذكرون الله غيركم) (1).
وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: (لما عزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك أدلج حتى إذا كان من السحر ثم نزل بهم سحرا، فقال: يا بلال احرس لنا الصلاة، قال: نعم يا رسول الله، فغلب بلالا النوم فرقد فناموا حتى أوجعتهم الشمس، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتيمم فقال لبلال أذن وأقم، فقال بلال: الآن ؟ قال: نعم، فصلوا بعد ما أضحوا) (2).
وروى الإمام أحمد، والطبراني برجال ثقات، عن مخمر ابن أخي النجاشي - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأسرع السير حين انصرف، وكان يفعل ذلك لقلة الزاد فقال له قائل: يا نبي الله انقطع الناس وراءك، فحبس وحبس الناس) (3).
النوع الخامس: فيما كان يؤذن له في السفر: روى الطبراني عن عبد الله بن عدي، والطبراني عن جبير بن مطعم - رضي الله تعالى عنهما - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يؤذن له في شئ من صلاة السفر، إلا بالإقامة إلا الصبح، فإنه كان يؤذن ويقيم) (4).
النوع السادس: في جمعه - صلى الله عليه وسلم - بين صلاتين بأذان واحد.
روى الشيخان عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفة، حتى إذا كان بالشعب نزل) (5).
__________
(1) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 85 (365) وفيه يحيى بن أبي أنيسة وهو ضعيف.
(2) ذكره الهيثمي وقال رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني المجمع 1 / 323.
(3) أحمد في المسند 4 / 90 والطبراني في الأوسط المجمع 1 / 320.
(4) الطبراني في الكبير 2 / 124 وفيه ضرار بن صرد وهو ضعيف وعبد الله بن عدي عند الطبراني أيضا وفيه يعقوب بن حميد ضعفه ابن معين وغيره المجمع 1 / 334.
(5) أخرجه البخاري في الحج (2 / 473) (1543، 1544، 1670، 1685، 1687) ومسلم 2 / 934 (276 / 1285).
(*)(8/90)
وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النوع السابع: في بعض آدابه في الأذان: روى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي المتوضئ حاجته في مهل) (1).
وروى الترمذي - وضعفه عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(يا بلال إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك بقدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ولا تقفوا حتى تروني) (2).
وروى الدار قطني - وضعفه - وصحح أنه مرسل عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن بلالا أذن قبل الفجر، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصعد فينادي إن العبد قد نام ففعل) (3).
وروى أبو داود، والترمذي، والدار قطني عن ابن عمر - رضي الله تعال يعنهما - (أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر).
وفي رواية أذن بليل فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي إن العبد قد نام، فرجع فنادى: (إن العبد قد نام)، قال الدار قطني: وهم فيه عامر بن مدرك، والصواب فيه عن عبد العزيز بن أبي داود، عن نافع: أن مؤذنا أذن لعمر بليل، فأمره عمر أن يعيد الأذان، وبسط الكلام على ذلك (4).
وروى مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك، وإلا أغار فسمع رجلا يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: على الفطرة ثم قال: أشهد أن لا آله إلا الله، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجت من النار، فنظروا فإذا هو راعي معزى) (5).
__________
(1) أحمد في المسند 5 / 143.
(2) أخرجه الترمذي 1 / 374 (195) والحاكم 1 / 204 والبيهقي 1 / 428 وانظر نصب الراية 1 / 275 والتلخيص 1 / 200.
(3) أخرجه الدار قطني 1 / 245 وفيه محمد بن القاسم ضعيف جدا وأخرجه البزار كما في الكشف 1 / 184 وفيه محمد بن القاسم.
(4) أخرجه الدار قطني 1 / 244 وأبو داود حديث (532).
(5) أخرجه مسلم (1 / 288) (9 / 382) وأبو داود 3 / 43 (2634).
وقوله معزى: في المصباح: المعز اسم جنس لا واحد له من لفظه وهي ذوات الشعر من الغنم الواحدة شاة وتفتح العين
وتسكن وجمع الساكن أمعز ومعيز مثل عبد وأعبد وعبيد والمعزى ألفها للإلحاق لا للتأنيث ولهذا ينون في النكرة ويصغر على معيز ولو كانت الألف للتأنيث لم تحذف والذكر ما عز والأنثى ما عزة.
(*)(8/91)
تنبيهات الأول: اسم ابن أم مكتوم: عمرو، كما في صحيح البخاري، في الصيام، وفضائل القرآن، وقد كان اسمه الحصين، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عبد الله.
قال الحافظ: ولا يمتنع أنه كان له اسمان، وهو قرشي عامري، أسلم قديما والأشهر في اسم أبيه: قيس بن زائدة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرمه ويستخلفه على المدينة، شهد القادسية في خلافة عمر - فاستشهد بها، وقيل رجع إلى المدينة فمات، وهو الأعمى المذكور في سورة عبس واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية، وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لانكتام نور بصره قال الحافظ: والمعروف أنه عمي بعد بدر بسنتين.
كذا في النسخة التي وقفت عليها من الفتح - بعد بدر بسنتين - ولم أفهم ذلك لأن سورة عبس نزلت بمكة قبل الهجرة وقد جزم الحافظ بأنه الأعمى المذكور فيها وقد وصفه الله تعالى فيها بالأعمى فكيف يقال: إنه عمي بعد بدر بسنتين.
والظاهر والله - تعالى - أعلم أن الصواب بعد البعثة، فيجوز ذلك في خط الحافظ.
الثاني: قال سعيد بن المسيب بلغنا أن من خرج من المسجد بين الأذان والإقامة لغير الوضوء أنه يصاب.(8/92)
الباب الخامس في آدابه - صلى الله عليه وسلم - المتعلقة بالمساجد
وفيه أنواع: الأول: فيما كان يقوله ويفعله عند دخول المسجد والخروج منه.
روى مسدد، والإمام أحمد، وابن ماجه، والترمذي، والطبراني، في الدعاء، عن فاطمة الزهراء - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد صلى على محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال: (اللهم اغفر لي ذنوبي)، وفي لفظ: (واغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك)، وإذا خرج صلى على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقال: (اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك) (1).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، والطبراني في (الكبير) عن فاطمة الزهراء، - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد يقول: (باسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك).
وروي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل المسجد أدخل رجله اليمنى، وكان يحب التيمن في كل شئ، في أخذه وعطائه.
وروى البخاري عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا دخل المسجد، قال: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم) وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم) (3).
الثاني: في إزالة النجاسة من جدار المسجد، وبزاقه في ثوبه أو نعله، - صلى الله عليه وسلم - روى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى نجاسة في
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 282 والترمذي 2 / 127 (314) وابن ماجه (1 / 253) (771) وقال الترمذي حديث فاطمة حسن وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى إنما عاشت فاطمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أشهرا وهو عند مسلم من طريق أبي سعيد 1 / 494 (68 / 713).
(2) انظر المصادر السابقة.
(3) انظر الترغيب والترهيب 2 / 459 والكنز (17961).
(*)(8/93)
القبلة فشق عليه ذلك حتى رئي في وجهه فقام فحكه بيده وذكر الحديث، وفيه: (فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ولكن عن يساره، أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض) (1).
وروى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس، فقال: (ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه، أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه، فإذا تنخع أحدكم فلينتخع عن يساره أو تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض) (2).
وروى أيضا عن عبد الله بن الشخير - رضي الله تعالى عنه - أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فتنخم، فدلكها بنعله اليسرى).
وروى الطبراني عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: (قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فافتتح الصلاة، فرأى نخامة في القبلة فخلع نعليه ثم مشى إليها فحكها ففعل ذلك ثلاث مرات الحديث) (3).
وروى الإمامان: مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس...الحديث) (4).
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في جدار القبلة مخاطا أو بزاقا أو نخامة فحكمه) (5).
وروى الشيخان - أيضا - عن أبي سعيد، وأبي هريرة - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في قبلة المسجد فحكها بحصاة، ثم نهى الرجل أن يبزق عن يمينه وأمامه ولكن يبزق عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى) (6).
وروى ابن أبي شيبة عن العباس بن عبد الرحمن الهاشمي، وعن الشعبي قالا: (إن
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 605 (405).
(2) أخرجه مسلم في المساجد حديث (53 / 550) وأحمد في المسند 2 / 250 وابن أبي شيبة 2 / 364 وابن ماجه (1022) (3) أخرجه الطبراني في الكبير ذكره الهيثمي في المجمع وأعله 2 / 19.
(4) أخرجه البخاري 1 / 606 (406، 753، 1213، 6111) أخرجه مسلم 1 / 388 (50 / 547).
(5) أخرجه مسلم 1 / 389 (549).
(6) أخرجه البخاري 1 / 509 (408 و 409) ومسلم (52 / 548).
(*)(8/94)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بيده ثم دعا بخلوق فلطخ مكانها) (1).
وروى أيضا عن يعقوب بن زيد (2) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتبع غبار المسجد بجريدة.
وروى أبو داود عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجدنا هذا في يده عرجون ابن طاب فنظر فرأى في قبلة المسجد نخامة، فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا، فقال: أيكم يحب أن يعرض الله تعالى عنه بوجهه إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليتفل بثوبه هكذا، ووضعه على فيه ثم دلكه) (3).
وروى ابن ماجه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزق في ثوبه وهو في الصلاة ثم دلكه) (4).
ورواه الطبراني ورجاله الصحيح، ولفظه: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبزق في ثوبه وهو في الصلاة ثم دلكه) (5).
وروى مسدد برجال ثقات عن أبي العلاء عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - (أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنخم فدلكها بنعله اليسرى).
الثالث: في إدخاله - صلى الله عليه وسلم - البعير في المسجد.
روى الشيخان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (6).
وروى الشيخان عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي، قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) (7).
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 2 / 362.
(2) يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي أبو يوسف قاضي المدينة، عن أبي أمامة بن سهل، وسعيد المقبري، وعنه مالك ومحمد بن جعفر بن أبي كثير.
وثقه أبو زرعة.
الخلاصة 3 / 181.
(3) أخرجه أبو داود 1 / 131 (485).
(4) ابن ماجه 1 / 327 (1024).
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي، رجاله رجال الصحيح المجمع 2 / 19.
(6) أخرجه البخاري 3 / 472 (1607) ومسلم 2 / 926 (253 / 1272).
(7) أخرجه البخاري في الحج (1619 - 1633) ومسلم في الحج (258) وأبو داود (1882) وأحمد (290) والنسائي 5 / 223 وابن خزيمة 523 وابن الجارود في المنتقي (462) ومالك في الموطأ 371 والبيهقي 5 / 101.
(*)(8/95)
الرابع: في اتخاذه - صلى الله عليه وسلم - كرسيا غير المنبر يعلم عليه.
روى ابن أبي شيبة، والبخاري في الأدب، ومسلم، والنسائي، والحارث بن أبي أسامة، وأبو بكر بن أبي خيثمة عن حميد بن هلال عن أبي رفاعة - رضي الله تعالى عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب فقلت: رجل غريب يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال: فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقبل علي وترك خطبته، ثم أتى بكرسي خلت، - ولفظ مسلم حسبت.
قوائمه حديدا، قال: فعلا النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، ثم جعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته، فأتم آخرها (1).
الخامس: في وضوئه - صلى الله عليه وسلم - في المسجد.
وروى الإمام أحمد - بسند حسن عن أبي العالية - رحمه الله تعالى - عن رجل من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - قال: حفظت لك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ في المسجد (2).
السادس: في استلقائه - صلى الله عليه وسلم - في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى.
روى الإمامان مالك وأحمد والخمسة عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - (أنه أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستلقيا في المسجد على ظهره، واضعا إحدى رجليه على الأخرى) (3).
السابع: في أكله وشربه - صلى الله عليه وسلم - في المسجد.
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث - رضي الله تعالى عنه - قال: أكلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شواء في المسجد، ثم أقيمت الصلاة، فضربنا أيدينا في الحصى ثم قمنا نصلي ولم نتوضأ (4).
وروى الطبراني عن ابن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - قال: أكلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شواء ونحن في المسجد، فأقيمت الصلاة فلم نزد على أن مسحنا بالحصى (5).
__________
(1) أخرجه مسلم (1 / 597) حديث (60 / 876) والنسائي 8 / 195 والبخاري في الأدب ص 340.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع نقلا عن أحمد وحسنه 2 / 21.
(3) أخرجه البخاري 1 / 671 في الصلاة (475، 2969، 6287) ومسلم 3 / 1662 (75 / 2100) و (76 / 2100) ومالك في الموطأ 1 / 172 (87).
(4) أحمد في المسند 4 / 190.
(5) أخرجه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة انظر المجمع 2 / 21.
(*)(8/96)
وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن بلال - رضي الله تعالى عنه - أنه جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بالصلاة فوجده يتسحر في مسجد بيته (1).
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني أتي بفضيخ في (مسجد الفضيخ)، فشربه، فلذلك سمي مسجد الفضيخ) (2).
الثامن: في خطه - صلى الله عليه وسلم - المساجد في دور بعض أصحابه - رضي الله تعالى عنهم.
روى ابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رجلا من الأنصار - رضي الله تعالى عنهم - أرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعال فخط لي مسجدا في داري أصلي فيه بعد ما عمي فجاء ففعل) (3).
وروى الطبراني عن جابر بن أسامة الجهني - رضي الله تعالى عنه - قال: (لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه بالسوق فقلت أين يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا يريد أن يخط لقومك مسجدا، قال فأتيت وقد خط لهم مسجدا، وغرز في قبلته خشبة أقامها قبلة) (4).
تنبيه روى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد قال: قلت لابن عيينة في مسجد بيته، قال: لا بل في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنده عبد الله بن لهيعة، قال مسلم: رحمه الله تعالى - في كتاب التمييز أخطأ فيه ابن لهيعة حيث قال: احتجم بالميم وإنما احتجر أي اتخذ حجرة) (5).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع وقال رجاله ثقات إلا أن أبا داود قال: لم يسمع شداد مولى عياض من بلال المجمع 2 / 12.
(2) ذكره الهيثمي وقال فيه عبد الله بن نافع ضعفه البخاري وأبو حاتم والنسائي المجمع 2 / 21.
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 249 (755).
(4) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير 2 / 193.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع ونقل ما ذكره المصنف المجمع 2 / 21.
(*)(8/97)
الباب السادس في صلاته - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة ومرابض الغنم، ومحبته الصلاة في الحيطان
روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد بسند صحيح عن أبي الشعثاء - رحمه الله تعالى - قال: خرجت حاجا، فدخلت البيت، فجاء عبد الله بن عمر فدخل فلما كان بين الساريتين مشى حتى لزق بالحائط فصلى أربع ركعات قال: فجئت حتى صليت إلى جنبه، فلما انصرف، فقلت له إن أناسا يصلون هاهنا فأين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى، فقلت كم صلى ؟ قال: على هذا أجدني ألوم نفسي أني مكثت معه عمرا لم أسأله، فلما كان العام المقبل خرجت حاجا فجئت حتى حصلت البيت ثم قمت مقامه، فجاء ابن الزبير حتى قام إلى جنبي، فلم يزل يزاحمني حتى أخرجني فصلى أربعا) (1).
وروى أبو داود الطيالسي عن سماك قال قال ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة، وسيأتي من ينهاك عن ذلك فلا تطعه) (2).
وروى ابن أبي عمر - رضي الله تعالى عنه - نحوه ورجالهما ثقات (3).
وروى الشيخان، والترمذي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في مرابض الغنم، قبل أن يبنى المسجد) (4).
وروى الإمام أحمد، والطبراني، عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في مرابد الغنم، ولا يصلي في مرابد الإبل والبقر) (5).
وروى الترمذي، وضعفه، عن معاذ - رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستحب الصلاة في الحيطان (6).
__________
(1) ذكره الهيثمي وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير وقال رجاله رجال الصحيح المجمع 3 / 294.
(2) أخرجه الطيالسي في مسنده كما في المنحة 1 / 86 (370).
(3) الطياسي كما في المنحة (371) (4) أخرجه البخاري 1 / 400 حديث 233، 1501، 3018، 4192، 4193، 4610 ومسلم 1 / 374 حديث (524 / 10).
(5) أحمد في المسند 2 / 178، 3 / 131 وذكره الهيثمي في المجمع 2 / 26.
(6) أخرجه الترمذي 2 / 155 (334) وقال حديث غريب قلت فيه الحسن بن أبي جعفر ضعيف الحديث مع عبادته وفضله التقريب 1 / 164 (257).
(*)(8/98)
تنبيه في بيان غريب ما سبق: السارية: بسين مهملة مفتوحة فألف فراء فتحتية فتاء تأنيث: الأسطوانة.
المرابض: جمع مربض وقد تقدم.
المرابد: جمع مربد كمنبر الجرين.
الحيطان: جمع حائط، قاله في النهاية.
الحائط: البستان من النخل إذا كان عليه حائط وهو الجدار.
قال الحافظ العراقي في استحبابه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة في الحيطان يحتمل معاني.
أحدها: قصد الخلوة عن الناس فيها، وبه جزم القاضي أبو بكر بن العربي.
الثاني: قصد حلول البركة في ثمارها ببركة الصلاة، فإنها جالبة للرزق.
الثالث: أن هذا من إكرامه المزور أن يصلي في مكانه.
الرابع: أنها تحية كل منزل نزله أو توديعه.(8/99)
الباب السابع في آدابه - صلى الله عليه وسلم - قبل الدخول في الصلاة
وفيه أنواع: الأول: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - في ثوب تارة وأكثر تارة.
روى ابن أبي شيبة عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - قالت: (رأيت أبي يصلي في ثوب واحد، وثيابه موضوعة، قال: يا بنية آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفي في ثوب واحد) (1).
وروى أيضا وإسحاق عن ابن لعمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال أبي أمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد متوشحا به (2).
وروى ابن أبي شيبة، وأبو يعلى، والإمام أحمد، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه متوشحا به يتقي بفضوله حر الأرض وبردها) (3).
وروى أبو يعلى واللفظ له، وابن أبي شيبة، عن معاوية - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما يصلي في ثوب واحد، فقلت يا أم حبيبة أيصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد ؟ قالت: نعم، وهو الذي كان فيه ما كان يعني الجماع) (4).
وروى الإمام برجال ثقات، عن أم الفضل بنت الحارث - رضي الله تعالى عنهما - قالت: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته متوشحا في ثوب (5).
وروى أبو يعلى والبزار برجال موثقين - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه (6).
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 2 / 226 وأبو يعلى 1 / 51 (51) وفي إسناده الواقدي ضعيف انظر مجمع الزوائد 2 / 48.
(2) أخرجه أبو يعلى 3 / 205 (38 / 1639) وإسناده ضعيف لجهالة ابن عمار ويحيى الحماني قال ابن حجر: حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث وذكره الحافظ في المطالب رقم (329، 330).
(3) ذكره الهيثمي 2 / 49 وعزاه لأحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح المجمع 2 / 48.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 49 وعزاه لأبي يعلى والطبراني في الأوسط وقال وإسناد أبي يعلى حسن.
(5) أحمد في المسند 6 / 338.
(6) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 285 (592) وقال: لا نعلم رواه عن عاصم عن أنس إلا عبد الله بن الأجلح وعزاه الهيثمي لأبي يعلى والبزار وقال رجاله موثقون المجمع 2 / 49.
(*)(8/100)
وروى البزار برجال الصحيح عنه قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه متوكئا على أسامة مرتديا بثوب قطن فصلى بالناس) (1).
الثاني: في تسويته - صلى الله عليه وسلم - الصفوف.
وتقديمه من يستحق التقديم.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (2).
وروى الطبراني عن بلال - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي مناكبنا في الصلاة) (3).
وروى الجماعة عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي بين صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوما حتى كاد يكبر فرأى رجلا باديا صدره من الصف، فقال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، قال: فرأيت الرجل منا يلزق منكبه في منكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه، فإذا استوينا كبر) (4).
وروى الدارقطني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة، قال هكذا عن يمينه وهكذا عن شماله، ثم يقول: استووا استووا وتعادلوا) (5).
وروى مسدد واللفظ له وابن خزيمة وابن حبان عن محمد بن مسلم بن حبان قال: جاء أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - فقال لنا: أتدرون ما هذا العود ؟ قال: قلنا لا، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام للصلاة، أخذه بيده، ثم التفت فقال: اعتدلوا، سووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره فقال اعتدلوا وسووا صفوفكم، فلما هدم المسجد فقد فالتمسه عمر بن الخطاب
__________
(1) البزار كما في الكشف 1 / 285 (593) وقال تفرد به أنس ولا روى حبيب عن الحسن إلا هذا ولا رواه عنه إلا حماد وقال الهيثمي في المجمع 2 / 49 رجاله رجال الصحيح.
(2) وأخرجه مسلم 1 / 323 في الصلاة (122 / 432) وأحمد في المسند 4 / 122 وأبو داود 1 / 180 (674) والنسائي 2 / 71 وابن ماجه 1 / 312 (976).
(3) وذكره الهيثمي في المجمع 2 / 90 وعزاه للطبراني في الصغير وقال: إسناده متصل ورجاله موثقون وهو في الصغير 2 / 81 وأخرجه أيضا الدارقطني 1 / 280 وأبو نعيم في الحلية 10 / 250.
(4) أخرجه البخاري 2 / 206 في الأذان (717) ومسلم 1 / 324 حديث (128 / 436) وأخرجه أبو داود 1 / 178 (662) والترمذي 1 / 438 (227) والنسائي 2 / 70 وابن ماجه 1 / 318 (994).
(5) أخرجه الدارقطني 1 / 287.
(*)(8/101)
- رضي الله تعالى عنه - فوجده قد أخذه بنو عمرو بن عوف فجعلوه في مسجدهم فانتزعه فأعاده (1).
وروى ابن أبي شيبة، والترمذي، عن يعلى بن مرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة مسح وجوه أصحابه قبل أن يكبر، قال: فجئت مرة، وقد أصبت شيئا من خلوق، ثم جئت إلى الصلاة فمسح وجوه أصحابه وتركني قال: فرجعت فغسلته ثم جئت إلى الصلاة فلما رآني مسح وجهي وقال: عاد لغير ذنبه) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلل الصف (3).
الثالث: في ابتدائه بالسواك.
قبل الدخول في الصلاة.
روى الطبراني في الكبير برجال موثقين عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله تعالى عنه - قال: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من بيته لشئ من الصلوات حتى يستاك (4).
__________
(1) أخرجه البيهقي 2 / 22، 24، 137، 3 / 130 وانظر المشكاة (810).
(2) أخرجه أحمد في المسند 4 / 171 وأخرجه الترمذي (5 / 112) (2816) وقال حديث حسن.
(3) أخرجه أحمد في المسند 4 / 24، وأبو داود 1 / 178 (664) والنسائي 1 / 70.
(4) الطبراني في الكبير 5 / 293 ورجال موثقون المجمع 2 / 99.
(*)(8/102)
الباب الثامن فيما كان يصلي عليه وإليه زاده الله فضلا وشرفا لديه
الأول: الحصير.
روى الإمام مالك والخمسة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: إن مليكة (دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعته، وأكل منه ثم قال: قوموا فلأصل لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء فقام عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم انصرف) (1).
وروى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود عنه قال رجل من الأنصار وكان ضخما للنبي - صلى الله عليه وسلم - إني لا أستطيع الصلاة معك، فصنع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما ودعاه إلى بيته، ونضح له طرف حصير بماء فصلى عليه ركعتين (2).
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - (أنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه).
ورواه الترمذي وابن ماجه ولفظهما، (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على حصير) (3).
الثاني: الفروة.
روى أبو داود والحاكم وصححه وأقره الذهبي، عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الحصير والفروة المدبوغة (4).
ورواه الحارث بن أبي أسامة - رضي الله تعالى عنه - ولفظه أو الفروة الدبوغة.
الثالث: الخمرة.
روى الإمام أحمد والترمذي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أم المؤمنين ميمونة والإمام أحمد برجال الصحيح عن عائشة، والإمام أحمد عن أم سلمة، وأبو يعلى، والطبراني برجال الصحيح وابن أبي شيبة عن أم سليم، وأبو
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 582 في الصلاة (727، 860، 871، 874، 1164) ومسلم 1 / 457 في المساجد (226 / 658) ومالك (1 / 153) وأبو داود (612) والترمذي (234) والنسائي 2 / 67.
(2) أخرجه البخاري (2 / 185) حديث (670، 179، 6080) وأبو داود 1 / 176 (657).
(3) أخرجه مسلم 1 / 458 في المساجد (271 / 661) والترمذي 2 / 153 (332) وابن ماجه 1 / 328 (1029) وابن أبي شيبة (4022).
(4) أخرجه أبو داود 1 / 177 (659) والحاكم في المستدرك 1 / 259 وفي سنده والد أبي عون وهو عبد الله بن سعيد التقفي مجهول قاله الحافظ في التقريب 1 / 533 (1453).
(*)(8/103)
يعلى وابن حبان عن أم حبيبة ومسدد عن أم كلثوم بنت أبي سلمة ؟ والطبراني برجال ثقات عن أنس رضي الله تعالى عنه والبزار عن جابر، والإمام أحمد برجال الصحيح، عن ابن عمر وأبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى عنهم - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على الخمرة) (1).
الرابع: البساط.
روى ابن أبي شيبة، والإمام وابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على بساطه) (2).
وروى ابن سعد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال -: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أبي طلحة يصلي على بساط) (3).
وروى الترمذي - عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على بساط (4)، قال العراقي: في سنن أبي داود تفسير هذا البساط بالحصير).
تنبيهات الأول: روى ابن أبي شيبة برجال ثقات عن المقدام بن شريح عن أبيه أنه سأل عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الحصير فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتاب الله عز وجل (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) [ الإسراء: 8 ] فقالت: لا لم يكن يصلي عليه) (5).
الثاني: قال: الحافظ العراقي في حقيقة الخمرة واشتقاقها.
فقال أبو عبيدة: هي بضم الخاء سجادة من سعف النخل على قدر ما يسجد عليه المصلي، سميت بذلك لأن خيوطها مستورة بسعفها، فإن عظم بحيث يكفي لجسده كله في صلاة أو اضطجاع فهو حصير، وليس بخمرة.
__________
(1) أخرجه أحمد عن أم سلمة 6 / 302 والسيدة ميمونة 6 / 330 والسيدة عائشة 6 / 179، 209 وأم سليم 6 / 377 وابن عباس 1 / 269، 309 وابن عمر 2 / 92، 98 وأخرجه الترمذي من حديث ابن عباس 2 / 151 (331) وقال حسن صحيح وابن ماجه 1 / 328 (1028) من حديث ميمونة والحديث عند البخاري أيضا من طريق السيدة ميمونة 1 / 582 (379) وابن أبي شيبة (4021).
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 328 (1030) وفي إسناده زمعة وهو ضعيف وإن روى له مسلم فإنما روى له مقرونا بغيره قاله البوصيري في الزوائد.
(3) ابن سعد 1 / 158.
(4) الترمذي 2 / 154 (333).
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 57 وعزاه لأبي يعلى وقال ورجاله موثقون.
(*)(8/104)
قال الجوهرى: الخمرة بالضم سجادة صغيرة، تعمل من سعف النخل تضفر بالسيور، وهي قدر ما يوضع عليه الوجه، والأنف، فإن كبرت عن ذلك فهي حصير، وسميت خمرة لسترها الوجه والكفين من الأرض وحدها.
وقال صاحب النهاية: هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسجة خوص ونحوه من النبات، ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، قال: وجاء في سنن أبي داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها، فألقتها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم (1).
قال: هذا صريح في إطلاق الخمرة على الكبير من نوعها.
__________
(1) الحديث عن أبي داود 4 / 363 (5247) وفي إسناده عمرو بن طلحة.
(*)(8/105)
الباب التاسع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في استقبال القبلة وهو يصلي
وفيه أنواع: الأول: في اعتراض بعض نسائه بينه وبين القبلة.
روى الأئمة الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة، كاعتراض الجنازة، وفي رواية قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل صلاته كلها، وأنا معترضة بينه وبين القبلة، وفي رواية ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلاي، وإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذ ليس بها مصابيح، قال سعيد وأحسبها قالت وأنا حائض (1).
وروى ابن ماجه عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله عليه وسلم - يصلي وأنا بحذائه، فربما أصابني ثوبه إذا سجد) (2).
وروى الطبراني من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام) (3).
وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى برجال الصحيح، وأبو داود وابن ماجه عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان يفرش لي حيال مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يصلي وأنا حياله) (4).
وروى الإمام أحمد عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل وعائشة معترضة بينه وبين القبلة) (5).
الثاني: في منعه - صلى الله عليه وسلم - المار بين يديه ودعائه عليه.
روى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وأبو داود عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: (هبطنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية أذاخر فحضرت الصلاة، فصلى إلى
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 587 في الصلاة حديث 383، 384 ومسلم 1 / 366 (67 / 512) وأبو داود (710) والنسائي (2 / 51) وابن ماجه 1 / 307 (956).
(2) أخرجه ابن ماجه 1 / 308 (958).
(3) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 62 فيه محمد بن عمرو بن علقمة واختلف في الاحتجاج به.
(4) أخرجه أحمد في المسند 6 / 322 وأبو داود 4 / 72 (4148) وابن ماجه 1 / 308 (957).
(5) أخرجه أحمد في المسند 1 / 99.
(*)(8/106)
جدار، فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت بهيمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه) (1).
وروى ابن ماجه، وأبو داود، وأحمد بن منيع وعبد بن حميد، وابن حبان عن ابن عباس
- رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي يوما فذهب جدي وفي لفظ شاة تمر بين يديه، فبادره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة) (2).
ورواه الطبراني بلفظ: فساعاها حتى ألزق بطنه بالحائط (3).
وروى الطبراني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بادر أن تمر هرة بين يديه في الصلاة) (4).
وروى ابن ماجه عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في حجرتها فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا فرجع فمرت زينب بنت أبي سلمة، فقال بيده هكذا فمضت، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هن أغلب) (5).
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن زيد - وأبي بشير الأنصاري - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم ذات يوم، وامرأة بالبطحاء، فأشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تأخري حتى صلى، ثم مرت) (6).
وروى الإمام أحمد برجال موثقين عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: بينا نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعلى الوادي، نريد أن نصلي قد قام وقمنا، إذ خرج علينا حمار من شعب أبي دب شعب أبي موسى، فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكبر وأجرى إليه يعقوب بن زمعة حتى رده (7).
وروى الطبراني عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة مكتوبة، فضم يده في الصلاة، فلما قضى الصلاة قلنا يا رسول الله
__________
(1) أخرجه أبو داود 1 / 188 (708) وأخرجه البيهقي 2 / 268، 3 / 245، 5 / 60.
(2) أخرجه أحمد 1 / 341 وأبو داود 1 / 189 (709) وإسناده صحيح إلا أنه منقطع وابن ماجه 1 / 306 (953) قال البوصيري في الزوائد 1 / 324 قال أحمد وابن معين لم يسمع الحسن من ابن عباس.
(3) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2 / 60 فيه عمرو بن حسام وهو ضعيف.
(4) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 60 فيه مندل بن علي وهو ضعيف.
(5) أخرجه ابن ماجه 1 / 305 (948) وضعفه البوصيري في الزوائد.
(6) أحمد في المسند 5 / 216.
(7) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 60 وعزاه لأحمد وقال: رجاله موثقون.
(*)(8/107)
أحدث في الصلاة شئ ؟ قال: لا، إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي، وايم الله لو لا سبقني إليه أخي سليمان لنيط إلى سارية من سواري المسجد حتى يطيف به ولدان أهل المدينة) (1).
وروى أبو داود عن سعيد بن عزوان عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج، فإذا رجل مقعد، فسأله عن أمره فقال: (سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت أني حي، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل تبوك إلى نخلة، فقال: هذه قبلتنا، ثم صلى إليها، فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره، فما قمت عليها إلى يومي هذا) (2).
وروى أيضا عن يزيد بن غزوان (3) قال: (رأيت رجلا بتبوك (4) فقال: مررت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا على حمار وهو يصلي فقال: اللهم اقطع أثره فما مشيت عليها بعد) (5).
الثالث: في سسترته إذا صلى - صلى الله عليه وسلم - روى الشيخان عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان بين مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الجدار ممر الشاة) (6) وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان جدار المسجد عند المنبر ما كانت الشاة تجوزها) (7).
ورواه مسلم بلفظ (وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة) (8).
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2 / 61 فيه المفضل بن صالح ضعفه البخاري وأبو حاتم وقال الترمذي: ليس عند أهل الحديث بذاك الحافظ.
(2) أخرجه أبو داود 1 / 188 (707).
(3) هو يزيد بن نمران، بكسر النون وسكون الميم، ابن يزيد المذحجي، بفتح الميم وكسر الحاء المهملة، بينهما ذال معجمة ساكنة، ثم جيم، ثقة عابد، من الثالثة، ويقال اسم أبيه غزوان.
التقريب 2 / 372.
(4) تبوك هي بفتح التاء وضم الباء وهي في طرف الشام صانه الله تعالى من جهة القبلة وبينها وبين مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق احدى عشرة مرحلة وكانت غزوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك سنة تسع من الهجرة ومنها راسل عظماء الروم وجاء إليه - صلى الله عليه وسلم - من جاء وهي آخر غزواته بنفسه.
قال الأزهري أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبوك بضعة عشر يوما والمشهور ترك صرف تبوك للتأنيث والعلمية انظر تهذيب الأسماء واللغات 3 / 43.
(5) أخرجه أبو داود 1 / 188 (705).
(6) أخرجه البخاري (1 / 684) (496، 7334) ومسلم (1 / 364) حديث (262 / 508) الشرح 2 / 167 وقد رفع تخريجه في شرح السنة خطأ بتحقيقنا فلينتبه انظر الشرح (2 / 167).
(7) أخرجه البخاري (1 / 684) حديث (497).
(8) أخرجه مسلم 1 / 364 حديث (263 / 509).
(*)(8/108)
وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن المقداد بن الأسود - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعلها على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمد له صمدا) (1).
وروى أبو يعلى عن أبي محذورة - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد من قبل باب بني شيبة حتى جاء إلى وجه الكعبة، فاستقبل الكعبة، فخط بين يديه خطا عرضا ثم كبر فصلى، والناس يطوفون بين الخط والكعبة).
وروى مسدد مرسلا عن أبي إدريس الخولاني - رحمه الله تعالى - (أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ذات يوم إلى صفحة بعير)، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، والطبراني عن أبي الدرداء قال: (أقيمت الصلاة، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنام البعير فقام ليصلي إليه) (2).
وروى الطبراني عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركزله عنزة فيصلي إليها، أظنه قال: والظعن تمر بين يديه) (3).
وروى الطبراني عن سعد القرظ - رضي الله تعالى عنه - (أن النجاشي - رضي الله تعالى عنه - بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث عنزات، فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة لنفسه وأعطى عليا واحدة، وعمر واحدة، وكان بلال يمشي بها بين يديه في العيدين فيصلي إليها) (4).
وروى الشيخان عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعرض راحلته فيصلي إليها، قال الراوي فقلت لابن عمر أفرأيت إذا ذهبت الركاب ؟ قال: (كان يأخذ الرجل فيعدله فيصلي إلى أخرته، أو قال مؤخره) (5).
وروى الطبراني عن عصمة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حربة يمشى بها بين يديه، فإذا صلى ركزها بين يديه) (6).
__________
(1) أحمد في المسند 6 / 4 وأبو داود 1 / 184 (693).
(2) والحديث عند الطبراني في الكبير بإسناد ضعيف المجمع 2 / 59.
(3) الطبراني في الأوسط وفي الكبير 6 / 51 وقال الهيثمي في المجمع 20 / 58 فيه محمد بن حماد الواسطي لم أجد من ذكره.
(4) الطبراني في الكبير 6 / 51 وقال الهيثمي فيه من لم يسم المجمع 2 / 58.
(5) أخرجه البخاري 1 / 691 في الصلاة حديث (507) ومسلم (1 / 359) حديث (247 / 502) والبيهقي 2 / 269 وأحمد 2 / 141 وأبو عوانة 2 / 51.
(6) الطبراني في الكبير انظر المجمع 2 / 58.
(*)(8/109)
وروى الطبراني بسند حسن عن حبان - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت أضع العنزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (1).
وروى الشيخان عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه، والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء) (2).
وروى الشيخان عن أبي جحيفة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم بالبطحاء - وبين يديه عنزة - الظهر والعصر ركعتين، والمرأة والحمار يمران من ورائها) (3).
وروى الشيخان عن يزيد بن أبي عبيد قال: (كنت وأبي مع سلمة بن الأكوع فنصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الاسطوانة قال: فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحرى الصلاة عندها) (4).
الرابع: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - إلى غير سترة ومرور الكلب والحمار بين يديه.
ومرور الناس بين يديه.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي عن المطلب بن أبي وداعة - رضي الله تعالى عنه - (أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة) (5).
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في فضاء ليس بين يديه شئ) (6).
وروى الدارقطني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس فمر بين أيديهم حمار فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله، سبحان الله، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من المسبح آنفا سبحان الله، قال: أنا يا رسول الله: إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة قال: (لا يقطع الصلاة شئ) (7).
__________
(1) الطبراني في الكبير المجمع 2 / 58.
(2) أخرجه البخاري 1 / 682 (494، 498، 972، 973) ومسلم 1 / 359 (245، 246 / 501) (247، 248 / 501).
(3) أخرجه البخاري 1 / 684 في الصلاة (496، 7334) ومسلم 1 / 364 (262 / 508).
(4) أخرجه البخاري 1 / 687 (502) ومسلم 1 / 364 حديث (263 / 509).
(5) أخرجه أبو داود 2 / 211 (2016) والنسائي 5 / 187 والبيهقي (2 / 273).
(6) أخرجه أبو داود 1 / 191 (718) والنسائي 2 / 95 وأحمد في المسند 1 / 211، 212.
(7) أخرجه الدارقطني 1 / 367 وأخرجه الطبراني في الكبير (8 / 193) وأبو عوانة 2 / 46 والطحاوي في معاني الآثار 1 / 258 وابن أبي شيبة 1 / 280 وأبو داود (719) وأورده ابن الجوزي في اللعلل 1 / 449 وانظر نصب الراية 2 / 76 وابن عدي في الكامل 1 / 331 وابن القيسراني 1004.
(*)(8/110)
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن ابن عباس، قال: (جئت، أنا وغلام من بني هاشم على حمار، فمررنا بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فنزلنا عنه، وتركنا الحمار يأكل من بقل الأرض أو قال: يأكل نبات الأرض، فدخلنا معه في الصلاة، فقال رجل: أكان بين يديه عنزة ؟ قال: لا) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني عن الفضل بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (زارنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بادية لنا ولنا كلبة وحمارة ترعى، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر وهما بين يديه في صحراء ليس بين يديه سترة، وفي لفظ: لنا حمارة وكلبة تعبثان بين يديه فما بالى ذلك ولم ينصرف وفي رواية: لم تزجرا ولم تؤخرا) (2).
الخامس: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - النافلة في السفر، حيث توجهت به راحلته.
وروى أبو داود، والطيالسي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان إذا كان في سفر، فأراد صلاة التطوع استقبل القبلة فكبر، ثم صلى حيث توجهت به راحلته) (3).
وروى مسدد عن قزعة قال: (كنت في مسير مع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -
فتقدم العير على راحلته ذات ليلة، فجعل يقرأ ويركع ويسجد أينما كان وجهه، فلما أصبح، قلت له رأيتك تفعل شيئا لم تكن تفعله، قال: وما ذاك ؟ قلت: رأيتك تقدم العير على راحلتك، وجعلت تقرأ وتسجد أينما كان وجهك، قال: (رأيت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يفعله) (4).
__________
(1) أخرجه أبو يعلى وذكره الهيثمي 2 / 63 وقال هو في الصحيح خلا قوله: (أكان بين يديه عنزة ؟ قال: لا) ورجاله رجال الصحيح.
(2) أحمد في المسند 1 / 211 وأبو داود 1 / 191 (718) والنسائي 2 / 51 والدارقطني 1 / 369.
(3) أخرجه أبو داود 2 / 9 (1225).
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 162 وقال حديث ابن عمر في الصحيح باختصار.
(*)(8/111)
الباب العاشر في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع: الأول: وروي في تكبيره - صلى الله عليه وسلم -، وجهره به، ورفعه يديه، ووضعهما على الصدر: روى ابن ماجه عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة، استقبل القبلة، ورفع يديه وقال: الله أكبر) (1).
وروى الأئمة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، ولا يفعله حتى يرفع رأسه من السجود) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والدارقطني، عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه) (3).
وروى الطبراني برجال الصحيح، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع) (4).
وروى الطبراني بسند صحيح عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند التكبير للركوع وعند التكبير حتى يهوي ساجدا) (5).
وروى الطبراني بسند جيد عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - قال: (يكتب بكل إشارة أشارها الرجل بيده في الصلاة بكل أصبع حسنة أو درجة) (6).
وروى الطبراني برجال موثقين عن البراء - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع) (7).
وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 1 / 264 (803).
(2) أخرجه البخاري 2 / 218 (735) ومسلم 1 / 292 (21 / 390) ومالك في الموطأ 1 / 75 (16).
(3) أخرجه أحمد في المسند 4 / 301 وأبو داود 1 / 200 وقال هذا ليس بصحيح والدارقطني 1 / 293.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 651 وقال رواه ابن ماجه خلا قوله: وإذا رفع رأسه من الركوع ورجاله رجال الصحيح.
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط المجمع 2 / 102.
(6) أخرجه الطبراني وصحح إسناده الهيثمي في المجمع 2 / 103.
(7) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 104 رجاله موثقون.
(*)(8/112)
يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ثم يكبر حين يقوم من الثنتين، بعد الجلوس) (1).
وروى الشيخان عن مطرف - رحمه الله تعالى - قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب، فكان إذا سجد أو رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما
انصرفنا من الصلاة أخذ عمران بيدي فقال: (لقد صلى بنا هذا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال: قد ذكرني هذا صلاة محمد - صلى الله عليه وسلم -) (2).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، والترمذي بسند حسن صحيح عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود) (3).
وروى البيهقي بسند جيد عن سعيد بن الحارث، قال: (صلى أبو سعيد الخدري إماما فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع، وبعد أن قال: سمع الله لمن حمده، وحين رفع رأسه من السجود، وحين سجد، وحين قام من الركعتين حتى قضى صلاته، فلما انصرف، قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فخرج حتى قام عند المنبر، فقال: (أيها الناس إني والله ما أبالي، اختلفت صلاتكم، أو لم تختلف، إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هكذا يصلي) (4)، وروى نحوه الإمام أحمد والبخاري.
وروى الدارقطني عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ شماله بيمينه في الصلاة) (5).
وروى أبو داود عنه: (أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده اليمنى على اليسرى) (6).
وروى الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والطبراني برجال ثقات عن غطيف بن الحارث أو الحارث بن غطيف، قال: (ما نسيت من الأشياء لم أنس أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضعا
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 3140 (785، 789، 795، 803) وأخرجه مسلم 1 / 293 (27 / 392) (28 / 392).
(2) أخرجه البخاري 2 / 314 (784، 786، 826).
(3) أخرجه أحمد 1 / 242 والترمذي 2 / 33 (253) والنسائي 2 / 182.
(4) البيهقي في السنن الكبرى 2 / 18.
(5) أخرجه الدارقطني 1 / 284.
(6) أخرجه أبو داود (1 / 200) حديث (755).
(*)(8/113)
يمينه على شماله في الصلاة) (1)، ورواه البزار والطبراني عن شداد بن شرحبيل (2).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه والدارقطني عن أبي قبيصة: يزيد بن قنافة، ويقال له الهب، (أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع يمينه على صدره على شماله) (3).
وروى الطبراني برجال الصحيح، والإمام أحمد، والدارقطني عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل وهو يصلي قد وضع يده اليسرى على اليمنى، فانتزعها ووضع اليمنى على اليسرى) (4).
وروى أبو داود، والترمذي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ دخل في الصلاة رفع يديه مدا، وفي رواية إذا كبر للصلاة نشر أصابعه) (5).
وروى أبو داود عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك، وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك) (6).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنا معاشر الأنبياء، أمرنا بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) (7).
وروى الطبراني مرفوعا، وموقوفا، والموقوف صحيح عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاثة يحبها الله عز وجل: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، وضرب اليدين إحداهما بالأخرى.
في الصلاة) (8).
وروى مسلم، وابن خزيمة عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - (أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة) (9).
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 105 والطبراني في الكبير 3 / 276.
(2) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 253 والطبراني في الكبير 7 / 328 وقال البزار: لا نعلم روى شداد بن شرحبيل إلا
هذا وقال الهيثمي في المجمع 2 / 104 فيه عباس بن يونس ولم أجد من ترجمه.
(3) أخرجه الترمذي 2 / 23 (252) وأحمد 5 / 227 وابن ماجه 1 / 266 (809).
(4) أخرجه الدارقطني 1 / 287 وذكره الهيثمي في المجمع 1 / 104 وقال رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.
(5) أخرجه أبو داود 1 / 200 حديث (753) وأخرجه الترمذي 2 / 5 (239، 240) وقال حديث حسن (6) أخرجه أبو داود 1 / 197 (738).
(7) أخرجه الطبراني في الكبير 11 / 7.
وذكره الهيثمي في المجمع 2 / 105 وقال رجاله رجال الصحيح.
(8) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 105 وقال رواه الطبراني في الكبير مرفوعا وموقوفا على أبي الدرداء والموقوف صحيح والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه.
(9) أخرجه مسلم (1 / 301) حديث (54 / 401).
(*)(8/114)
وروى الإمام أحمد، والترمذي - بسند حسن - والبيهقي عن هلب الطائي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه)، وفي رواية للإمام أحمد: (يضع هذه على صدره)، ووضع يحيى بن سعيد اليمنى على اليسرى فوق المفصل (1).
الثاني: في دعاء الافتتاح.
روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت شكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال: (أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والبرد) (2).
وروى الطيالسي، وأبو داود برجال ثقات عنه قال: (ثلاث كان يعمل بها
نبي الله - صلى الله عليه وسلم - تركهن الناس: كان إذا قام في الصلاة رفع يديه مدا، وكان يقف قبل القراءة هنيهة يسأل الله من فضله، وكان يكبر كلما رفع رأسه وكلما ركع وكلما سجد) (3).
وروى الإمامان الشافعي، وأحمد ومسلم، والثلاثة، والدارقطني عن علي، والنسائي عن محمد بن مسلمة، والطبراني عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنهم -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة - زاد جابر ومحمد - كبر، ومحمد بن مسلمة وقال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا)، - زاد الدارقطني عن علي - (مسلما وما أنا من المشركين)، - ثم اتفقوا - (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت)، - قال جابر: (وأنا أول المسلمين)، - وقالا: (وأنا من المسلمين)، - زاد علي - (اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت)، - زاد أبو رافع - (سبحانك وبحمدك أنت ربي وأنا عبدك)، - زاد أبو رافع - (لا شريك لك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، - ثم اتفقوا - (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق)، - زاد جابر ومحمد - (وأحسن الأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت)، - قال علي: (واصرف عني سيئها)، - وقالا: (وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق، لا يقي)، - وقال: (لا يصرف سيئها
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 5 / 226 والترمذي 2 / 32 (252) وقال وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سعد قال أبو عيسى حديث هلب حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم وأخرجه ابن ماجه 1 / 266 (809).
(2) أخرجه أحمد في المسند 2 / 500 والبخاري 2 / 227 (744) ومسلم 1 / 419 (147 / 598).
(3) أخرجه الطيالسي كما في المنحة 1 / 90 (392).
(*)(8/115)
إلا أنت)، - زاد علي وأبو رافع - (لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك).
- زاد الإمام الشافعي - (الهدي من هديت)، - ثم اتفقوا - (فإنا بك وإليك)، - زاد الشافعي وأبو رافع - (لا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك) (1).
وروى أبو داود، والترمذي، والدارقطني عن عائشة والطبراني عن واثلة بن الأسقع والطبراني برجال ثقات عن أنس، والإمام أحمد عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنهم - قالوا: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، الله أكبر كبيرا) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود وابن ماجه، والحاكم وصححه وأقره الذهبي، عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة، فقال: وفي رواية كان إذا افتتح الصلاة قال: (الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ثلاثا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا) (3).
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام للصلاة كبر ثلاثا، ثم قال: (لا إله إلا الله ثلاث مرات، وسبحان الله وبحمده ثلاث مرات) (4).
وروى الطبراني برجال موثقين عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فتوضأ وقام فصلى، فأتيته فقمت عن يساره، فأقامني عن يمينه، فقال: (سبحان الله ذي الملك والملكوت والكبرياء والعظمة) (5).
وروى الترمذي، وأبو داود، والحاكم وصححه، وأقره الذهبي، عن عائشة قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك).
__________
(1) مسلم 1 / 536 في صلاة المسافرين (201 / 771) (202 / 771) والشافعي في الأم 1 / 106 في الصلاة باب افتتاح الصلاة وأحمد في المسند 1 / 94 وأبو داود 1 / 201 (760) والنسائي (2 / 100) والترمذي (5 / 452) حديث (3421) وقال هذا حديث حسن صحيح.
(2) أخرجه من طريق السيدة عائشة رضي الله عنها أبو داود 1 / 491 (776) والترمذي 2 / 11 (243) وابن ماجه 1 / 265 (806) والدارقطني 1 / 299 (5) و (13) والبيهقي 2 / 34.
(3) أخرجه أحمد في المسند 4 / 80، 85 في مسند جبير بن مطعم رضي الله عنه وأبو داود في السنن 1 / 486، كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء الحديث (764) وابن ماجه في السنن 1 / 265 كتاب إقامة الصلاة، باب الاستعاذة في الصلاة الحديث (807) وابن حبان في صحيحه أورده الهيثمي في موارد الظمآن ص (123) كتاب المواقيت باب فيما يستفتح الصلاة الحديث (443) والحاكم في المستدرك 1 / 235 كتاب الصلاة باب دعاء افتتاح الصلاة وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي.
(4) أحمد في المسند 5 / 253.
(5) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 107 رجاله موثقون.
(*)(8/116)
الثالث: في تعوذه - صلى الله عليه وسلم - قبل القراءة.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، والدارقطني عن جبير بن مطعم، والإمام أحمد عن ابن مسعود والإمام أحمد عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنهم - ومسدد عن الحسن - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ في الصلاة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه) ولفظ ابن مسعود (همزه ونفخه ونفثه)، وزاد: (همزه الموتة ونفثه الشعر ونفخه الكبر) (1).
الرابع: في قراءته - صلى الله عليه وسلم - بالفاتحة في الصلاة وفيه أنواع: الأول: قراءته - صلى الله عليه وسلم - الفاتحة في كل ركعة، وجهره بالبسملة.
روى البخاري في كتاب القراءة المفرد عن أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب).
وروى الدارقطني، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم) (2).
وروى البزار برجال موثقين عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة) (3).
وروى الدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ وهو يؤم الناس، افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم) (4).
وروى الدارقطني، وأبو داود، والترمذي - وقال: ليس إسناده بذاك - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم) (5).
وروى الدارقطني عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في صلاته) (6).
وروى أبو داود، والترمذي، والنسائي، والدارقطني عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 80 ومن حديث أبي أمامة 5 / 253 وأبو داود 1 / 203 (764).
(2) أخرجه الدارقطني 1 / 305 وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر تركه النسائي.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 255 (525 وقال: تفرد به إسماعيل وليس بالقوي في الحديث وأبو خالد أحسبه الوالبي.
(4) أخرجه الدارقطني 1 / 306 وإسناده ضعيف.
(5) أخرجه الدارقطني 1 / 304 والترمذي 2 / 14 (245) وقال وليس إسناده بذاك وأخرجه البيهقي 2 / 47.
(6) الدارقطني 1 / 202.
(*)(8/117)
(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين *) قطعها آية آية يعدها عد الأعراب، وعد بسم الله الرحمن الرحيم ولم يعد عليهم (1).
وعن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته) (2).
وفي رواية (في السورتين جميعا)، وعن علي وعمار - رضي الله تعالى عنهما - كان
يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم.
وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم (3).
وفي رواية لم يزل يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (4).
وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وعمر، فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم) (5).
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وعن الحكم بن عمير (6) - وكان بدريا - قال: (صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجهر
__________
(1) أبو داود 4 / 37 (4001) والترمذي 5 / 185 (2953) وقال هذا حديث غريب والدارقطني 1 / 307.
(2) أخرجه الدارقطني 1 / 302 وقال هذا إسناد علوي لا بأس به وقال المزي هذا إسناد لا تقوم به حجة وسليمان هذا لا أعرفه.
(3) الدارقطني 1 / 303 وإسناده ضعيف.
(4) الدارقطني في المصدر السابق وفيه عمر بن حفص متروك.
(5) أخرجه الدارقطني 1 / 305 وفيه ضعيفان جعفر بن محمد وأبو الطاهر أحمد بن عيسى.
(6) الحكم بن عمير بالتصغير الثمالي...قال ابن أبي حاتم عن أبيه روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحاديث منكرة يرويها عيسى بن ابراهيم وهو ضعيف عن موسى بن أبي حبيب وهو ضعيف عن عمه الحكم قلت أخرج منها ابن أبي عاصم من طريق بقية عن عيسى بهذا الاسناد وقال فيه عن الحكم وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فذكر حديثا قال ابن منده روى بقية بهذا الاسناد عدة أحاديث قلت منها ما أخرجه ابن أبي خيثمة عن الحوطي عن بقية ولفظ المتن الاثنان فما فوقهما جماعة قال بقية حدثت به سفيان فقال صدق ووجدت له راويا غير موسى أخرج ابراهيم بن ديزيل في كتاب صفين له من طريق العلاء بن جرير حدثنا شيخ من أهل الطائف له ثمانون سنة عن الحكم بن عمير الثمالي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كيف بك يا أبا بكر إذا وليت فذكر الحديث ووجدت لعيسى متابعا عن موسى في روايته عن الحكم أخرجه ابن السكن وروى أبو نعيم من وجه آخر عن
موسى عن الحكم بن عمير وكان بدريا قال أبو عمر الحكم بن عمير روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - اثنان فما فوقهما جماعة مخرج حديثه عن أهل الشام ثم قال الحكم بن عمرو الثمالي وثمالة من الأزد شهد بدرا رويت عنه أحاديث مناكير من حديث أهل الشام لا تصح فجعل الواحد اثنين والثمالي الذي رويت عنه الأحاديث المناكير وهو الحكم بن عمير ولعل أباه كان اسمه عمرا فصغر واشتهر بذلك.
الإصابة 2 / 30.
(*)(8/118)
في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل، وفي صلاة الغداة وصلاة الجمعة) (1).
وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وروى الجميع الدارقطني (2).
الثاني: في تركه - صلى الله عليه وسلم - الجهر بالبسملة أحيانا.
وروى الطبراني برجال موثقين عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، هزأ المشركون قالوا: محمد يذكر إله اليمامة، وكان مسيلمة يسمى الرحمن [ الرحيم ]، فلما نزلت هذه الآية، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يجهر بها) (3).
وروى الطبراني برجال موثقين عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وأبو بكر وعمر) (4).
الثالث: في ابتدائه - صلى الله عليه وسلم - بقراءة الفاتحة قبل السورة روى مسلم، وأبو داود، وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين) (5).
وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح صلاته بالحمد لله رب العالمين) (6).
وروى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نهض في الركعة الثانية افتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت) (7).
الرابع: في سكوته هنيهة، عقب الحمد لله رب العالمين.
وروى الطبراني برجال موثقين عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان
__________
(1) الدارقطني في المصدر السابق (1 / 310) وفيه موسى بن أبي حبيب الطائفي ضعيف.
(2) الدارقطني 1 / 311 وفيه الحكم بن عبد الله بن سعد متروك.
(3) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 108 رجاله موثقون.
(4) نفس المصدر.
(5) أخرجه أبو داود 1 / 13 208 / 7 وأحمد في المسند 6 / 31، 194 والدارمي 1 / 281 وابن أبي شيبة 1 / 410 وأبو نعيم 3 / 82 وابن ماجه 1 / 267 (812) والبيهقي 2 / 15.
(6) أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 1 / 112 رجاله ثقات.
(7) أخرجه مسلم 1 / 419 حديث (148 / 599) وأخرجه الطحاوي في المعاني 1 / 200 وأبو عوانة 2 / 99 والبيهقي 2 / 196.
(*)(8/119)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة، قال: (الحمد لله رب العالمين) ثم سكت هنيهة) (1).
الخامس: في تأمينه - صلى الله عليه وسلم - عقب الفاتحة في الصلاة.
روى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، قال: (آمين)، حتى يسمع من يليه من الصف الأول (2)، زاد أبو داود وابن ماجه، (فيرتج بها المسجد) (3).
وروى الدارقطني وحسنه، عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من القراءة، رفع صوته وقال: (آمين) (4).
وروى الترمذي وحسنه وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والأربعة، والحاكم وصححه عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين - فقال آمين ومد بها صوته) (5).
وفي رواية فلما قال ((ولا الضالين) فقال (آمين) ومد بها صوته (6).
وفي رواية شعبة (خفض بها صوته) وخطأ البخاري هذه الرواية (7)، وفي رواية فلما قال (ولا الضالين) قال: (آمين) فسمعناها منه.
ورواه الطبراني برجال ثقات، بلفظ: (فلما فرغ من فاتحه الكتاب قال: آمين ثلاث مرات)، قال الحافظ: (والظاهر أن قوله: ثلاث مرات، يعني أنه رآه في ثلاث مرات، في ثلاث صلوات، ذلك لا أنه ثلث التأمين) (8).
__________
(1) أخرجه الدارقطني 1 / 336 ومن حديث سمرة بن جندب في السكتة، أنه حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة (غير المغضوب عليه ولا الضالين) فصدقه أبي بن كعب.
أخرجه أحمد في المسند 5 / 7، 15، 20، 21، 23 في مسند سمرة بن جندب - رضي الله عنه - والدارمي في السنن 1 / 283 وأبو داود في السنن 1 / 492 - 493 والترمذي في السنن 2 / 30 - 31 الحديث (251) وقال (حديث حسن) وابن ماجه في السنن 1 / 275 الحديث (844) وابن حبان في صحيحه، أورده الهيثمي في موارد الظمآن ص (124) الحديث (448).
(2) أخرجه أبو داود 1 / 246 (934).
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 278 (853).
(4) أخرجه الدارقطني (1 / 235).
(5) أخرجه أحمد 4 / 315 وأبو داود 1 / 246 (932) والترمذي 2 / 27 (248) والنسائي (2 / 94) وابن ماجه 1 / 278 (855).
(6) أحمد في المسند 4 / 316.
(7) الترمذي 2 / 28 (248).
(8) الطبراني في الكبير 22 / 22.
(*)(8/120)
وروى أبو داود، والدارقطني - وصححه - والترمذي نحوه - وحسنه، وابن ماجه عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ (ولا الضالين)، قال: (آمين) ورفع بها صوته (1).
وروى ابن ماجه، والدارقطني نحوه وحسنه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: (آمين) حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد) (2).
وروى ابن ماجه عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ ولا الضالين قال: (آمين).
وروى الطبراني بسند جيد عنه، والبيهقي عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين).
قال: رب اغفر لي آمين)، والله أعلم (3).
السادس: في أحاديث جامعة في قراءته - صلى الله عليه وسلم - السورة، بعد الفاتحة.
وروى البيهقي في سننه، والطبراني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوم بها كلها الناس في الصلاة المكتوبة) (4).
وروى البيهقي عن عبد العزيز بن قيس قال: سألت أنسا عن مقدار صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر أحد بنيه يصلي بنا الظهر أو العصر فقرأ بنا والمرسلات وعم يتساءلون (5).
وروى الطبراني برجال ثقات عن الأغر - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ سورة الروم) (6).
__________
(1) أبو داود 1 / 246 (932) والترمذي 2 / 29 (248 وابن ماجه (855) والدارقطني 1 / 334.
(2) أخرجه ابن ماجه 1 / 278 وقال البوصيري في الزوائد في إسناده أبو عبد الله لا يعرف، وبشر ضعفه أحمد وغيره.
(3) أخرجه الطبراني في الكبير 22 / 43 وقال الهيثمي في المجمع 2 / 113 فيه أحمد بن عبد الجبار وثقه الدارقطني وأنثي عليه أبو كريب وضعفه جماعة وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا.
(4) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2 / 388 وذكره الهيثمي وقال رواه الطبراني من رواية إسماعيل بن عباس عن الحجازيين وهي ضعيفة المجمع 2 / 114.
(5) البيهقي 3 / 118.
(6) الطبراني في الكبير 1 / 301 ورجاله ثقات وانظر المجمع 2 / 114.
(*)(8/121)
وروى ابن سعد عن منصور بن إبراهيم - رحمه الله تعالى - قال: (كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعرف بتحريك لحيته) (1).
السابع: في قراءته - صلى الله عليه وسلم - بعد الفاتحة في صلاة الصبح.
وروى الشيخان، والنسائي، وابن ماجه عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الغداة في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة) (2).
وروى الإمام الشافعي، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي واللفظ له، عن عمرو بن حريث - رضي الله تعالى عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر إذا الشمس كورت) (3).
وروى الإمام الشافعي، والشيخان، والبخاري في التاريخ، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه موصولا، وعلقه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن السائب - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين، ثم جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى شك الراوي - أو اختلفت عليه - أخذت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعلة فركع) (4).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر ب (ق والقرآن المجيد) ونحوها، وكانت صلاته إلى التخفيف (5).
وروى سعيد بن منصور، ومسلم، وابن ماجه عن قطبة بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الفجر في الركعة الأولى بقاف والقرآن المجيد (6).
وروى الشافعي عن زياد بن علاقة عن عمه - رضي الله تعالى عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصبح (والنخل باسقات) قال الشافعي يعني بقاف) (7).
__________
(1) ابن سعد 1 / 97.
(2) تقدم وانظر النسائي 2 / 121 وابن ماجه 1 / 268 (818).
(3) أخرجه مسلم 1 / 336 في الصلاة باب القراءة في الصبح (164 / 456) والنسائي 2 / 121 وابن ماجه 1 / 268 (817).
(4) أخرجه مسلم 1 / 336 في الصلاة (163 / 456) وأبو داود 1 / 175 (649) والنسائي 2 / 137 وابن ماجه 1 / 269 (820) وأشار له الترمذي في الجامع 2 / 109 تابع حديث (306).
(5) أخرجه مسلم 1 / 337 في الصلاة (168، 169 / 458) وأحمد 5 / 103.
(6) أخرجه مسلم 1 / 336 في الصلاة (165 / 457) (166 / 457) وابن ماجه 1 / 268 (816).
(7) أخرجه الشافعي في المسند 1 / 85 (239).
(*)(8/122)
وروى النسائي عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما أخذت قاف والقرآن المجيد، إلا من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بها في الصبح) (1).
وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان يقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح بقاف والقرآن المجيد ونحوها) (2).
وروى الحارث عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح (تبارك الذي بيده الملك) (3).
وروى الطبراني بسند جيد عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الصبح بياسين، وفي رواية كان يقرأ بالواقعة ونحوها من
السور) (4).
وروى البزار عن الأغر المزني (5) - رضي الله تعالى عنه - (قرأ في صلاة الصبح بسورة الروم) (6).
وروى الإمام أحمد من رواية شريك عن عبد الملك بن عمير عن شبيب أبي (7) روح عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن رواية زائدة عن عبد الله بن عمير، قال: (سمعت شبيبا - يعني أبا روح من ذي الكلاع أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح بالروم فتردد في آية، فلما انصرف قال: (إنه يلبس علينا القرآن أقوم منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء) (8).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن سماك بن حرب عن رجل من أهل المدينة - رضي الله تعالى عنه - (أنه صلى خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فسمعته يقرأ في صلاة الفجر (ق والقرآن المجيد) و (يس والقرآن الحكيم) (9).
__________
(1) أخرجه النسائي 2 / 121.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة 1 / 303.
(3) ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب 1 / 119 (432) وقال البوصيري في إسناده الواقدي.
(4) أخرجه الطبراني في الأوسط انظر المجمع 2 / 119.
(5) الأغر بن عبد الله، المزني، ويقال الجهني، ومنهم من فرق بينهما، صحابي، قال البخاري، المزني أصح، التقريب 1 / 82.
(6) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 234 وقال الهيثمي في المجمع 2 / 119 فيه مؤمل بن اسماعيل وهو ثقة وقيل فيه إنه كثير الخطأ.
(7) شيب بن نعيم الوحاظي الحمصي - عن أبي هريرة ويزيد بن خمير وعنه عبد الملك بن عمير وحريز بن عثمان.
وشيوخه ثقات.
قاله أبو داود.
الخلاصة 1 / 442.
(8) أحمد في المسند 3 / 471، 472.
(9) أحمد في المسند 4 / 34.
(*)(8/123)
وروى أبو داود عن رجل من جهينة - رضي الله تعالى عنه - (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسي أم قرأ ذلك عمدا) (1).
وروى عبد الرزاق في المصنف عن أبي بردة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) [ الفتح 1 ].
وروى الطبراني عن أبي برزة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بالحاقة ونحوها.
وروى ابن مردويه عن معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فصلى الغداة فقرأ فيها بالمعوذتين، ثم قال: (يا معاذ هل سمعت ؟) قلت: نعم، قال: (ما قرأ الناس بمثلهن) (2).
وروى ابن أبي شيبة، وابن الضريس، والحاكم عن عقبة بن عامر (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاة الغداة بالمعوذتين) (3).
وروى ابن قاسم، وابن السكن، والشيرازي في الألقاب عن زرعة بن خليفة - رضي الله تعالى عنه - قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليمامة فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، فلما صلينا الغداة، قرأ ب (التين والزيتون) و (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (4).
وروى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب مرسلا (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه الفجر فقرأ بهم في الركعة الأولى (إذا زلزلت الأرض) ثم أعادها في الركعة الثانية).
وروى ابن أبي شيبة وعبد حميد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الفجر فقرأ بهم سورة ثم أعادها في الثانية وأوجز، فلما قضى صلاته، قال له أبو سعيد أو معاذ يا رسول الله رأيتك صليت صلاة ما رأيتك صليت مثلها قط، قال:
(أما سمعت بكاء الصبي خلفي في صف النساء أردت أن أفرغ له أمه) (5).
وروى أبو يعلى عن عمرو بن عبسة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قرأ في الصبح (قل أعوذ برب الفلق) [ الفلق 1 ] و (قل أعوذ برب الناس)، [ الناس 1 ].
وروى الطبراني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى
__________
(1) أبو داود 1 / 215 (816) وهو عند البيهقي من طريق معاذ بن عبد الله الجهني 2 / 390.
(2) ذكره السيوطي في الدر المنثور 6 / 416 وعزاه لابن مردويه.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة 1 / 367 والحاكم 1 / 240.
(4) ذكره ابن الأثير في ترجمة زرعة بن خليفة 2 / 256 (1744).
(5) أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 57).
(*)(8/124)
صلاة الفجر في نفر قرأ (قل يا أيها الكافرون) [ الكافرون 1 ] و (قل هو الله أحد) [ الإخلاص 1 ] قال: (قرأت بكم ثلث القرآن، وربعه) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت أقود لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناقته، قال: فقال لي: (ألا أعلمك سورتين لم تقرأ مثلهما)، في رواية، (ألا أعلمك خير سورتين قرئتا ؟) قلت: بلى.
فعلمني (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) فلم يرني أعجب بهما، فلما نزل صلى بهما الغداة، ثم قال لي: (كيف رأيت يا عقيب) (2).
الثامن: في قراءته - صلى الله عليه وسلم - في صبح الجمعة.
روى الإمام أحمد ومسلم والأربعة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (ألم تنزيل) السجدة، و (هل أتى على الإنسان حين من الدهر)، زاد الطبراني في كل جمعة (3).
وروى الإمام، والشيخان، والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -
قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (ألم تنزيل) و (هل أتى).
وروى عبد الرزاق في المصنف عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (ألم تنزيل) (وتبارك الذي بيده الملك) (4).
وروى الطبراني برجال ثقات، عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (ألم تنزيل) [ السجدة 1 ] السجدة و (هل أتى) (5) [ الانسان 1 ].
وروى الطبراني عن علي - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة) (6).
وروى ابن أبي داود في كتاب الشريعة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال:
__________
(1) ذكره الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه جعفر بن أبي جعفر وقد أجمعوا على ضعفه.
(2) أخرجه أحمد في المسند 4 / 144 وأبو داود 2 / 73 حديث (1462) والنسائي 8 / 222.
(3) أخرجه مسلم 2 / 599 (64 / 879) وأحمد في المسند 1 / 354 وأبو داود 1 / 282 (174) والترمذي 2 / 398 (520) والنسائي 2 / 123 وابن ماجه 1 / 269 (821) وهو عند البخاري 2 / 377 (891) ومسلم 2 / 599 في الجمعة (65 / 880) (66 / 880) والنسائي 2 / 123 وابن ماجه 1 / 269 (823).
(4) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (5240).
(5) الطبراني في الأوسط والصغير وقال الهيثمي في المجمع 2 / 169 فيه الحارث.
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 169.
(*)(8/125)
غدوت على النبي يوم الجمعة في صلاة الفجر، فقرأ سورة فيها سجدة فسجد (1).
التاسع: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر.
روى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، وابن ماجه عن أبي قتادة الحارث - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بأم القرآن
وسورتين، وفي الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا، ويطول في الركعة الأولى من الظهر ما لا يطول في الثانية، وهكذا في العصر زاد أبو داود، فظننا أنه يريد ذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى، وهكذا في الصحيح) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والشيخان وابن ماجه عن عبد الله بن سخبرة - رحمه الله تعالى - قال: (سألنا خبابا - رضي الله تعالى عنه - أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر ؟ قال: نعم، قلت: بأي شئ كنتم تعرفون قراءته ؟ قال باضطراب لحيته) (3).
وروى الإمام أحمد عن أبي العالية - رحمه الله تعالى - قال: (اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أما ما يجهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة فقد علمنا)، وما لا يجهر به فلا نقيس بما يجهر به قال فاجتمعوا، فما اختلف فيهم اثنان، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر قدر ثلاثين آية في الركعتين الأوليين في كل ركعة، وفي الركعتين الأخريين قدر النصف من ذلك، ويقرا في العصر في الأوليين بقدر النصف من قراءته في الركعتين الأوليين من الظهر، وفي الأخريين بقدر النصف من ذلك (4).
ورواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه (5) -.
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والدارقطني وقال: إسناده ثابت عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا نحزر قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر، قال: فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر، قدر ثلاثين قدر قراءة (ألم تنزيل) السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين على النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في العصر في الركعتين
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على ابن عباس 2 / 141.
(2) أخرجه البخاري 2 / 260 (776) ومسلم 1 / 333 حديث (154، 155 / 451)، وأخرجه أحمد 5 / 295 وأبو داود 1 / 212 (798) والنسائي 2 / 128 وابن ماجه 1 / 268 (819).
(3) أخرجه البخاري 2 / 287 حديث (761) وأبو داود 1 / 212 (801) وابن ماجه 1 / 270 (826) وأحمد 5 / 109.
(4) أحمد في المسند 5 / 365 وقال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط المجمع
2 / 115.
(5) أخرجه ابن ماجه 1 / 271 (828) وقال البوصيري في الزوائد إسناده ضعيف زيد العمي ضعيف والمسعودي اختلط بآخر عمره.
(*)(8/126)
الأوليين على قدر قيامه في الأخريين من الظهر وفي الأخريين على النصف من ذلك)) (1).
وروى مسلم عنه قال: (كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى) (2).
وروى النسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان قال: وكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين، ويخفف العصر) (3).
وروى الثلاثة وصححه الترمذي عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر (والسماء ذات البروج) [ البروج 1 ] (والسماء والطارق) [ الطارق 1 ] ونحوهما من السور) (4).
وروى مسلم، وأبو داود، والنسائي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر فقرأ بهاتين السورتين (سبح اسم ربك الأعلى) [ الأعلى 1 ] (وهل أتاك حديث الغاشية) (5) [ الغاشية 1 ].
وروى أبو داود عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع، فرأوا أنه قرأ (ألم تنزيل) السجدة) (6).
وروى ابن خزيمة، والروياني والضياء في المختارة، والإمام أحمد والثلاثة، وابن حبان عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر (إذا السماء انشقت) ونحوها والعصر (والسماء والطارق)، (والسماء ذات البروج)) (7).
وروى مسلم والبيهقي في السنن عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر (والليل إذا يغشى) ونحوها) (8).
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 334 (156 / 452) والطحاوي في معاني الآثار 1 / 207 والنسائي 1 / 237.
(2) أخرجه مسلم 1 / 335 حديث (161 / 454).
(3) أخرجه النسائي 2 / 129 وابن ماجه 1 / 270 حديث (827).
(4) أخرجه أبو داود 1 / 213 (805) والترمذي 2 / 110 (307) والنسائي 2 / 129.
(5) أخرجه النسائي 2 / 126.
(6) أخرجه أبو داود (1 / 214) حديث (807).
(7) أخرجه أبو داود 1 / 213 (805) والترمذي 2 / 110 حديث (307) والنسائي 2 / 166 وأحمد في المسند 5 / 106.
(8) أخرجه مسلم 1 / 337 في الصلاة (170 / 459) وأبو داود 1 / 213 في الصلاة (806) والنسائي 2 / 166.
(*)(8/127)
وروى الطبراني عن أنس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الهاجرة فرفع صوته، فقرأ (والشمس وضحاها) (والليل إذا يغشى) فقال له أبي بن كعب: يا رسول الله، أمرت في هذه الصلاة بشئ، قال: (لا ولكن أردت أن أوقت لكم) (1).
وروى البزار برجال الصحيح عن أنس، وابن أبي شيبة، ومسلم عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر والعصر (سبح اسم ربك الأعلى).
زاد أنس و (هل أتاك حديث الغاشية) (2).
وروى أبو يعلى عن البراء - رضي الله تعالى عنه - قال: سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر فظننا أنه قرأ (تنزيل السجدة) (3).
وروى ابن ماجه، والنسائي عن البراء بن عازب قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات) (4).
وروى أبو يعلى والطبراني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى بنا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر فقرأ بالمرسلات، والنازعات، وعم يتساءلون، ونحوها من السور) (5).
وروى الطبراني بسند جيد، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعرف في الظهر والعصر، بتحريك لحيته) (6).
وروى أبو داود عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ تنزيل السجدة) (7).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله تعالى عنه - (أن
__________
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 116 وفيه أبو الرجال منكر الحديث.
(2) البزار كما في الكشف 1 / 226 (482) وقال الهيثمي في المجمع 2 / 116 رجاله رجال الصحيح.
(3) أخرجه أبو يعلى في المسند 3 / 233 (18 / 671) وإسناده ضعيف لضعف يحيى بن عقبة تركه أبو حاتم وقال البخاري منكر الحديث.
(4) أخرجه ابن ماجه 1 / 271 (830) والنسائي 2 / 126.
(5) أبو يعلى في مسنده 7 / 229، 230، 1475 / 4230) وقال الهيثمي رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط وفيه سكين بن عبد العزيز ضعفه أبو داود والنسائي ووثقه وكيع وابن معين وأبو حاتم وابن حبان.
وذكره الحافظ في المطالب 1 / 123 (448).
(6) أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2 / 116 فيه زيد بن الحريس ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه ولم يوثقه وبقية رجاله ثقات.
(7) أبو داود 1 / 214 (807).
(*)(8/128)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم) (1).
العاشر في قراءته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة المغرب.
روى الأئمة الخمسة إلا الدارقطني عن أم الفضل بنت الحارث - امرأة العباس - رضي
الله تعالى عنهما قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب (والمرسلات عرفا) وفي رواية ثم ما صلى بنا بعدها حتى قبضه الله تعالى) (2).
وروى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بطولي الطوليين [ المص ] وفي رواية الأعراف (3).
وروى البخاري والطبراني برجال الصحيح عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال: (لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بطولي الطوليين، قبل وما الطوليان ؟، قال: الأعراف، ويونس) (4).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عنه أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين من المغرب فرقها في الركعتين (5)، ورواه أيضا أبو أيوب، برجال الصحيح (6).
وروى النسائي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في المغرب بسورة الأعراف، وفرقها في الركعتين (7).
وروى الأئمة إلا الترمذي، والدارقطني، والإسماعيلي، وسعيد بن منصور عن جبير بن مطعم - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور زاد أحمد أنه جاء في فداء أسارى بدر، زاد الشيخان، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي زاد ابن ماجه، فلما بلغ هذه الآية (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون: أم خلقوا السموات
__________
(1) أخرجه أبو داود 1 / 212 (802) وأحمد في المسند 4 / 356.
(2) أخرجه أحمد في المسند 6 / 338 وأبو داود 1 / 214 (810) والنسائي 2 / 130 وابن ماجه 1 / 272 وقال الترمذي حسن صحيح حديث (308) وابن ماجه 1 / 272 (831) وهو عند البخاري 2 / 246 (763) (4429) ومسلم 1 / 338 (173 / 462).
(3) أخرجه البخاري 2 / 287 (64) وأحمد في المسند 5 / 187 والنسائي 2 / 131 وأبو داود 1 / 215 (812).
(4) أخرجه البخاري 2 / 287 (764) ولم يقع تفسير الطوليين في صحيح البخاري قاله الحافظ في الفتح والطبراني في الكبير ذكره الهيثمي 2 / 118 وقال رجاله رجال الصحيح.
(5) أحمد في المسند 5 / 418.
(6) أحمد والطبراني وقال الهيثمي 2 / 117 رجل أحمد رجال الصحيح.
(7) أخرجه النسائي 2 / 132.
(*)(8/129)
والأرض بل لا يوقنون.
أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون) كاد قلبي يطير (1).
وروى النسائي مرسلا عن عبد الله بن عتبة بن مسعود - رحمه الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاة المغرب بحم الدخان (2)، ورواه أبو يعلى عن عبد الله بن مسعود.
وروى ابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في المغرب، (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (3).
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - جاء فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بأم الكتاب) (4).
وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بهم في المغرب (5) (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) [ محمد 1 ].
وروى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والطبراني عن عبد الله بن زيد، والخطيب عن البراء، بن عازب - رضي الله تعالى عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب، (والتين والزيتون) (6).
وروى ابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد).
وروى ابن أبي شيبة - رضي الله تعالى عنه - قال: (آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ب (والتين والزيتون).
وروى الطبراني من طريق حجاج بن نصير، عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب
__________
(1) حديث جبير أخرجه البخاري 2 / 247 (765) ومسلم 1 / 338 (174 / 463) وأحمد في المسند 4 / 83 وأبو داود 1 / 214 (811) والنسائي 2 / 131 وابن ماجه 1 / 272 (832).
(2) النسائي 2 / 131.
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 272 (833) وقال السندي هذا الحديث فيما أراه من الزوائد وما تعرض له وما يدل على ما ذكرت قول الحافظ في شرح البخاري ولم أر حديثا مرفوعا فيه التنصيص على القراءة فيها بشئ من قصار المفصل إلا حديثا في ابن ماجه عن ابن عمر نص فيه على الكافرون والإخلاص وظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول قال الدارقطني: أخطأ بعض رواته.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 115 وعزاه لأحمد أبو يعلى والطبراني في الكبير وفيه حنظلة السدوسي ضعفه ابن معين وغيره.
(5) أخرجه الطبراني في الثلاثة وقال الهيثمي 2 / 118 رجاله رجال الصحيح.
(6) أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2 / 128 فيه جابر الجعفي وثقه شعبة وسفيان وضعفه باقي الأئمة.
(*)(8/130)
- رضي الله تعالى عنه - قال: آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب فقرأ في الركعة الأولى (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) (1).
الحادي عشر في قراءته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العشاء.
روى الأئمة إلا الشافعي والدارقطني عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر فصلى العشاء الآخرة فقرأ في إحدى الركعتين ب (والتين والزيتون) فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه - صلى الله عليه وسلم - (2).
وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، والنسائي عن بريدة بن الحصيب - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العشاء ب (والشمس وضحاها) وأشباهها من السورة (3).
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العشاء الآخرة ب (والسماء ذات البروج) و (والسماء والطارق) (4).
وروى الإمام مالك وابن أبي شيبة، والستة عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فصلى العشاء فقرأ في إحدى الركعتين ب (والتين والزيتون) (فما سمعت أحدا أحسن صوتا ولا قراءة منه).
النوع الخامس في أحاديث مشتركة.
روى الإمام مالك وأبو داود عن ابن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: ما من المفصل سورة كبيرة ولا صغيرة إلا قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة) (5).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا بالصافات (6).
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 2 / 118 وفيه حجاج بن نصير ضعفه ابن المديني وجماعة ووثقه ابن معين في رواية قاله الهيثمي في المجمع 2 / 118.
(2) أخرجه البخاري 2 / 250 (767) (769) (7546) ومسلم 1 / 339 (177 / 464) وأبو داود 2 / 8 (1221) والترمذي 2 / 115 (310) وقال حسن صحيح والنسائي 2 / 135 وابن ماجه 1 / 272 (834).
(3) أخرجه أحمد في المسند 5 / 345 - 355 والترمذي 2 / 114 (309) والنسائي 2 / 131 في الافتتاح.
والبغوي في شرح السنة 2 / 217.
(4) أخرجه أحمد في المسند 2 / 327.
(5) أخرجه أبو داود 10 / 215 (814) وتقدم عند البيهقي.
(6) أخرجه أحمد في المسند 2 / 26، 40 والبيهقي 3 / 118 والنسائي في الكبرى وانظر الدر المنثور 5 / 270.
(*)(8/131)
وروى النسائي، وابن ماجه عن سليمان بن ياسر - رحمه الله تعالى - قال: قال أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فلان، قال سليمان: كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل) (1).
الفصل السادس - في جمعه - صلى الله عليه وسلم - بين سورتين في ركعة.
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن شقيق - رحمه الله تعالى قال: قلت لعائشة - رضي الله تعالى عنها - (هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين السورتين في ركعة ؟ قال: (نعم) من المفصل (2).
وروى الإمام أحمد والخمسة عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن سورتين في كل ركعة، فسئل عن النظائر، فقال: (عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الجواميم حم الدخان، وعم يتساءلون،) ولفظ أبي داود: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ النظائر السورتين في ركعة (3).
السابع فيما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بآية رحمة، أو آية عذاب.
روى الإمام أحمد والأربعة عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ، مترسلا، وإذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل (4).
وفي لفظ: وما مر بأية رحمة إلا وقف عندها وسأل، ولا بآية عذاب إلا تعوذ منها.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله
تعالى عنه - قال: (قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا بآية عذاب إلا وقف وتعوذ (5).
وروى الإمام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كنت أقوم مع
__________
(1) أخرجه النسائي 2 / 129 وابن ماجه 1 / 270 (827).
(2) أحمد في المسند 6 / 204.
(3) أخرجه البخاري في فضائل القرآن (4996) ومسلم 1 / 563 (275 / 722) (276 / 722) والترمذي (2 / 498) (602) وقال حسن صحيح والنسائي 2 / 136 وأحمد 1 / 417، 427، 436، 455.
(4) أخرجه أحمد 5 / 385 ومسلم (1 / 536) (203 / 772) والترمذي 2 / 48 (262) وأبو داود 1 / 230 (871) والنسائي 2 / 137 وابن ماجه 1 / 429 (1351).
(5) أحمد 6 / 24 وأبو داود 1 / 231 (873) والنسائي 2 / 177.
(*)(8/132)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة التمام وكان يقرأ سورة البقرة، وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا ودعا الله عز وجل ورغب إليه) (1).
وروى الإمام أحمد عن أبي ليلى - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة ليست بفريضة، فمر يذكر الجنة والنار فقال: (أعوذ بالله من النار، ويح أو ويل لأهل النار) (2).
الثامن: في عده الآي في الصلاة.
روى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعدد الآي في الصلاة (3).
العاشر (4) في سكتاته - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة.
روى الإمام أحمد والدارقطني، والترمذي، وحسنه وابن ماجه عن سمرة بن جندب،
وأبي بن كعب، - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان له سكتتان: سكتة حين يفتتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من السورة وأراد أن يركع (5).
قال ابن القيم: (أما السكتة الأولى فإنه كان يجعلها بقدر الافتتاح، وأما الثانية فقد قيل إنها لأجل قراءة المأموم الفاتحة فعلى هذا فينبغي تطويلها بقدرها).
الحادي عشر: في قراءة الفاتحة فقط.
روى مسدد، والإمام أحمد بسند حسن عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج فصلى ركعتين، فلم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب ولم يرد على ذلك) (6).
الثاني عشر: في جهره وإسراره - صلى الله عليه وسلم -.
روى الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت) (7).
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 92.
(2) أحمد في المسند 4 / 3470.
(3) أخرجه الطبراني وقال الهيثمي فيه نصر بن طريف متروك المجمع 2 / 114.
(4) سقط في جميع النسخ.
(5) تقدم حديث جابر في الحاشية.
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 115 وفيه حنظلة السدوسى ضعفه ابن معين وغيره وقد تقدم.
(7) أخرجه أبو داود 2 / 37 (1327).
(*)(8/133)
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسمعنا كم وما أخفى علينا أخفينا عليكم) (1).
الثالث عشر في بنائه في قراءة الصلاة من حيث وقف أبو بكر - رضي الله تعالى عنه -
روى أبو يعلى، وابن حبان، وابن ماجه من حديث عبد الله بن عباس - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرض موته: (مروا أبا بكر فليصل بالناس).
الحديث، فصلى أبو بكر، فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفة فخرج، فلما رآه أبو بكر نكص أو قال: (تأخر).
فأو مأ إليه أن مكانك، فجاء فجلس إلى جنبه، فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث انتهى أبو بكر) (2).
الرابع عشر: في تردده في الصلاة، وطلبه الفتح عليه.
روى البزار، والحارث بسند حسن عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (تردد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آية في صلاة الفجر، فلما قضى الصلاة، نظر في وجوه القوم فقال: أما صلى معكم أبي بن كعب ؟ قالوا: لا، قال: فرأى القوم أنه تفقده ليفتح عليه) (3).
وروى ابن يحيى بن أبي عمرو، وأبو بكر بن أبي شيبة عن الجارود العبدي - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس ذات يوم، فترك آية، فلما قضى صلاته، قال: (أيكم أخذ علي شيئا من قراءتي) ؟ فقال أبي: أنا، تركت يا رسول الله آية كذا وكذا، قال: (لقد علمت أنه إن كان في القوم أحد يعلم ذلك فإنك هو) ورواه عبد بن حميد من طريق الجارود بن أبي سبرة عن أبي ورجاله ثقات (4).
وروى ابن حبان عن المسور بن يزيد قال: شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فترك شيئا لم يقرأه، وفي لفظ فقرأ فيها فلبس عليه، فقال رجل: إنك تركت آية: فقال: (هلا أذكرتنيها).
قال: ظننت أنها نسخت قال: (فإنها لم تنسخ) (5).
__________
(1) أبو داود 1 / 212 (797) والنسائي 2 / 126.
(2) أخرجه ابن ماجه 1 / 391 (1235) وقال البوصيري في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات إلا أن أبا إسحاق اختلط بآخر عمره، وكان مدلسا، وقد رواه بالعنعنة.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 234 (479) وقال لا نعلمه عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، ولا عن غير ابن عباس بهذا اللفظ وأبو نصر فلا نعلم روى عنه إلا خليفة.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 69 وقال رجاله ثقات.
(5) أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد حديث (378) وابن خزيمة في الصحيح (1648) والبخاري في التاريخ 8 / 40 وأبو داود حديث (907) والبيهقي (3 / 211).
(*)(8/134)
وروى أيضا أبو داود، والطبراني برجال موثقين، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة، فالتبس عليه، فلما فرغ قال لأبي: (أشهدت معنا ؟) قال: نعم، قال: (فما منعك أن تفتحها علي) (1).
وروى الإمام أحمد، والدارقطني عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر فترك آية، فجاء أبي وقد فاتته بعض الصلاة فلما انصرف، قلت يا رسول الله: آية كذا وكذا نسخت أو نسيتها ؟ فقال: (لا بل نسيتها) قلت: فإن لم تقرأها، قال: (أفلا لقنتنيها) (2).
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن أبزى - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الفجر فترك آية، فلما صلى قال: (أفي القوم أبي بن كعب ؟، وقال أبي: يا رسول الله أنسخت آية كذا وكذا أو أنسيتها ؟ فضحك وقال: (نسيتها) (3).
وروى الدارقطني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4).
وروى الإمام أحمد عن أبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى فترك آية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أيكم أخذ علي شيئا من قراءتي).
قال أبي: أنا يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قد علمت إن كان أحدا أخذها علي، فإنك أنت هو) (5).
وروى أبو داود، والترمذي، والدارقطني: وقال: حسن - عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: (كنا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر فقرأ رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - فثقلت عليه القراءة، فقال: (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم): قلنا: نعم، نفعل هذا يا رسول الله قال: (لا
تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) (6).
الخامس عشر: في صفة ركوعه، ومقداره.
وروى الدارمي، وأبو داود عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه قال: (كان
__________
(1) أخرجه أبو داود 1 / 238 (907) والطبراني في الكبير وقال الهيثمي في المجمع 2 / 70 رجاله موثقون.
(2) أخرجه أحمد 5 / 123 والدارقطني 1 / 400.
(3) أخرجه أحمد 5 / 123 وقال الهيثمي في المجمع 2 / 69 رجاله رجال الصحيح.
(4) أخرجه الدارقطني 1 / 399 وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن بزيغ.
(5) أخرجه أحمد في المسند 5 / 142 وقال الهيثمي في المجمع 2 / 69 رجاله ثقات.
(6) أخرجه أبو داود 1 / 217 (823) والترمذي 2 / 123 (312) والدارقطني 1 / 218 والحاكم 1 / 238 وأحمد 5 / 308، 322، و 366، وابن أبي شيبة 1 / 374 والطحاوي في معاني الآثار 1 / 215 وانظر التلخيص 1 / 231.
(*)(8/135)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه فذكر الحديث إلى أن قال: يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل، فلا يصوب رأسه ولا يقنع) (1).
وروى أبو داود عن زيد بن أسلم، قال: (سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه صلاة بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى - يعنى عمر بن عبد العزيز - قال: فحزرنا ركوعه عشر تسبيحات وسجوده عشر تسبيحات) (2).
وروى الشيخان عن البراء - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان ركوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم وسجوده، وجلوسه بين السجدتين، وإذا رفع من الركوع، ما لخلا القيام والعقود قريبا من السواء) (3).
وروى مسلم، وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه ولكن بين ذلك) (4).
وروى الإمام أحمد عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع لو وضع قدح من ماء على ظهره لم يهرق (5).
وروى ابن ماجه عن وابصة بن معبد - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فكان إذا ركع سوى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر (6).
وروى الطبراني عن أنس وروى ابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع فيضع يديه على ركبتيه ويجافي بعضديه) (7).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن سالم البراد - رحمه الله تعالى - قال: (أتينا أبا مسعود البدري - رضي الله تعالى عنه - فقلت حدثنا عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام بين
__________
(1) أخرجه الدارمي 1 / 399 وأبو داود 1 / 194 (730) والترمذي 2 / 46 (260) وقال حسن صحيح.
(2) أخرجه أبو داود من طريق أنس 1 / 234 (888).
(3) أخرجه البخاري 2 / 322 في الأذان (792، 801، 820) ومسلم 1 / 343 (193 / 471) وانظر البغوي في شرح السنة 2 / 236.
(4) أخرجه مسلم (1 / 345) (197 / 474) وابن ماجه 1 / 282 (869).
(5) أخرجه أحمد في المسند 1 / 123.
(6) ابن ماجه 1 / 283 (872) وقال البوصيري وفي إسناده طلحة بن زيد قال البخاري وغيره منكر الحديث.
(7) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 123 وقال فيه محمد بن ثابت وهو ضعيف وابن ماجه 1 / 284 (874) وقال البوصيري في إسناده حارثة بن أبي الرجال اتفقوا على ضعفه.
(*)(8/136)
أيدينا فكبر، فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك، وفرج بينهما، وجافى بين مرفقيه حتى استوى كل شئ منه) (1).
وروى الطبراني بسند حسن عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع فرج بين أصابعه، وإذ سجد ضم أصابعه) (2).
وروى الشيخان من طريق عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر لركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد)، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، وكان لا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع من السجود (3).
وروى الشيخان عن مالك بن الحويرث - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى كبر، ورفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه).
وروى أبو داود، والإمام أحمد، والترمذي - وقال: حسن صحيح - وابن ماجه عن علي ابن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - (أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شئ من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه وكبر) (4).
السادس عشر: فيما كان يقوله في ركوعه - صلى الله عليه وسلم - روى أبو داود عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنهما - قال (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع قال: (سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا) (5).
وروى الدارقطني، والطبراني، والبزار عن جبير بن مطعم - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه (سبحان ربي العظيم ثلاثا) (6).
ورواه أيضا عن عبد الله بن حزام - رضي الله تعالى عنه - ورواه أبو داود عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه (7) - ورواه ابن ماجه، والدارقطني عن حذيفة، وزاد الدارقطني بعد العظيم: (وبحمده) (8).
__________
(1) أحمد 4 / 119 وأبو داود 1 / 228 (863) والنسائي 2 / 145.
(2) الطبراني في الكبير 22 / 19 وحسنه الهيثمي في المجمع 2 / 135.
(3) أخرجه البخاري 2 / 318 (735) ومسلم 1 / 292 (21 / 390) ومالك في الموطأ 1 / 75 (16).
(4) أحمد في المسند 1 / 93 وأبو داود 1 / 198 (744) وابن ماجه 1 / 280 (864).
(5) أبو داود 1 / 230 (870).
(6) الدارقطني 1 / 342 وفيه عبد العزيز بن عبيد الله ضعفه أبو حاتم وابن معين وابن المديني والطيراني في الكبير 2 / 128 والبزار كما في الكشف 1 / 211 (537) واعله الهيثمي بعبد العزيز.
(7) أبو داود 1 / 230 (869).
(8) الدارقطني 1 / 341 وابن ماجه 1 / 287 (888).
(*)(8/137)
وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: (لما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا جاء نصر الله والفتح) كان يكثر إذا قرأ فركع أن يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم): ورواه العدني في مسنده: (إنك أنت التواب الغفور ثلاثا) (1).
وروى الدارقطني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان يقول في ركوعه، (سبوح قدوس، رب الملائكة والروح)، وفي رواية كان يقول في ركوعه وسجوده) (2).
وروى الإمام الشافعي عن علي، والإمام الشافعي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه، والنسائي عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع قال: (اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي، خشع لك سمعي وبصري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وشعري وبشري وما استقلت به قدمي لله ربي العالمين) (3).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) (4).
وروى مسلم عنها أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه أو سجوده:
(سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت) (5).
السابع عشر: في اعتداله من الركوع وما كان يقوله فيه - صلى الله عليه وسلم - وروى الشيخان عن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان أنس - رضي الله تعالى عنه - ينعت لنا صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يصلي وإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل قد نسي) (6).
وروى مسلم وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان
__________
(1) أحمد في المسند 1 / 394.
(2) الدارقطني 1 / 343.
(3) أخرجه النسائي 2 / 175.
(4) أخرجه في المسند 6 / 190 وأبو داود 1 / 232 (877) والنسائي 2 / 173 وابن ماجه 1 / 287 (889).
(5) أخرجه مسلم (1 / 351) (221 / 485) وأحمد 9 / 77، 151 والنسائي 2 / 223.
(6) أخرجه البخاري (2 / 336) حديث (800، 821) ومسلم (1 / 344) حديث (195 / 472).
(*)(8/138)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما) (1).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي عن ابن عباس وابن ماجه عن أبي جحيفة والطيراني بسند جيد عن زيد - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: (سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد مل ء السموات والأرض ومل ء ما شئت من شئ بعد) زاد عبد الله، (اللهم طهرني)، وفي لفظ (برد قلبي بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)، زاد الباقون: (أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (2).
وروى ابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وأبو يعلى، والطبراني في الدعاء وابن ماجه عن أبي جحيفة قال: (ذكرت الجدود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة، فقال رجل جد فلان في الخيل، وقال آخر جده فلان في الابل، وقال آخر: جد فلان في الغنم، وقال آخر جد فلان في الرقيق، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته ورفع رأسه من آخر ركعة، فقال: (اللهم ربنا لك الحمد مل ء السموات ومل ء الأرض ومل ء ما شئت من شئ بعد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) يمد بها صوته، ولفظ ابن ماجه، وطول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجد ليعلموا أنه ليس كما يقولون) (3).
الثامن عشر: في قنوته - وفيه ثلاثة أنواع.
الأول: في قنوته في الصبح.
روى الإمام أحمد، والدارقطني بسند جيد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا) (4).
وروى أيضا عنه قال: (قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمر وعثمان - وأحسبه - ورابع حتى فارقهم) (5).
__________
(1) أخرجه مسلم (1 / 357) حديث (240 / 498) وابن ماجه (1 / 288 / 893).
(2) أخرجه أحمد في المسند من حديث ابن أبي أوفى 4 / 353 ومن حديث ابن عباس 1 / 333، وأبو داود 1 / 224 (847) والترمذي 2 / 53 (266) وابن ماجه 1 / 284، (879) والنسائي 2 / 155.
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 284 (879) وقال البوصيري في الزوائد: في إسناده أبو عمر مجهول لا يعرف حاله وأخرجه أبو يعلى في مسنده 2 / 185 (882) وفيه شريك ضعيف وأبو عمر المتقدم مجهول.
(4) أحمد في المسند 3 / 162 والدارقطني 2 / 39 وفي إسناده أبو جعفر الرازي ضعيف وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (9764) وانظر المجمع (2 / 139).
(5) أخرجه الدارقطني 2 / 40 وفي إسناده إسماعيل المكي وعمرو بن عبيد ضعيفان.
(*)(8/139)
وروى أيضا عن أبي الطفيل عن علي، وعمار - رضي الله تعالى عنهم - قال: (قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت، وروى حتى فارق الدنيا) (1).
وروى البزار برجال موثقون عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات) (2).
وروى محمد بن نصر في كتاب قيام الليل عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات، (اللهم اهدني فيمن هديت) (3).
وروى الحاكم وصححه، وتعقب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الثانية في صلاة الصبح، يرفع يديه يدعو بهذا الدعاء: (اللهم اهدني فيمن هديت) إلى آخره (4).
الثاني: في قنوته في الوتر في النصف الأخير من رمضان ومطلقا.
روى ابن ماجه عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر فيقنت قبل الركوع) (5).
وروى الإمام أحمد عن الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت) زاد ابن ماجه: (سبحانك ربنا) ثم اتفقوا: (تباركت وتعاليت) (6).
وروى الطيالسي واللفظ له، والأربعة دون قوله: لا أحصي، عن علي - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في الوتر: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي نعمتك ولا ثناء عليك، إنك كما أثنيت على نفسك) (7).
__________
(1) أخرجه الدارقطني 2 / 41 وفيه عمرو بن شمر كذاب.
(2) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 269 (556) وقال الهيثمي رجاله موثقون المجمع 2 / 139.
(3) أخرجه محمد بن نصر ص (134).
(4) أخرجه البيهقي موقوفا على كلام أبي هريرة في السنن الكبرى 2 / 206.
(5) ابن ماجه 1 / 374 (1182).
(6) أخرجه أحمد في المسند 1 / 199، 200، وابن ماجه 1 / 372 (1178).
(7) أخرجه أبو داود 2 / 64 (1427) والنسائي 3 / 206 وابن ماجه 1 / 373 (1179).
(*)(8/140)
وروى الطبراني - وقال: لم يروه عن علقمة إلا أبو حفص عمر، فيحرر رجاله - عن بريدة - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت) (1).
الثالث: في قنوته - صلى الله عليه وسلم - [ في الصلوات المكتوبة ].
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا متتابعا، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال: (سمع الله لمن حمده) من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من سليم على رعل وذكوان وعصية، ونؤمن خلفه) (2).
وروى الطبراني برجال موثقين عن البراء - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها) (3).
وروى الشيخان، وأبو داود، والنسائي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين رجلا يقال لهم (القراء) فذكر الحديث في قتل الكفار لهم قال:
(فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا في صلاة الغداة، وذلك بدء القنوت، وما كنا نقنت.
قيل لأنس: بعد الركوع أو عند فراغ القراءة ؟ (4).
وفي أخرى: قنت شهرا يدعو على أحياء من العرب (5).
وفي أخرى: قنت شهرا بعد الركوع في صلاة الصبح يدعو على رعل وذكوان ويقول: (عصية عصيت الله ورسوله) (6).
وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: (الله العن فلانا وفلانا) بعد ما يقول: (سمع
__________
(1) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي في المجمع 2 / 138 لم يروه عن علقمة إلا أبو حفص عمر قلت: ولم أجد من ترجمه.
(2) أحمد في المسند 1 / 301 وأبو داود 2 / 68 (1443).
(3) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 138 رجاله موثقون.
(4) أخرجه البخاري (11 / 197) حديث (6394) ومسلم (1 / 468) حديث (301 / 677) وانظر البغوي في شرح السنة 2 / 241.
(5) البخاري (2 / 568) (1001) ومسلم 1 / 469 (304 / 677).
(6) البخاري (1 / 568) حديث (1003) ومسلم بنحوه 1 / 740 (307 / 679) (308).
(*)(8/141)
الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)، فأنزل عليه (ليس لك من الأمر شئ) [ آل عمران 128 ] إلى قوله (فإنهم ظالمون) (1).
وروى البخاري عن أنس ومسلم عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في الفجر والمغرب) (2).
العشرون - في صفة سجوده - صلى الله عليه وسلم.
روى الشيخان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(أمرت أن أسجد عل سبعة أعظم): الجبهة وأشار بيده على أنفه، واليدين والركبتين، وأطراف القدمين، ولا يكف ثوبا ولا شعرا) (3).
وروى الأربعة وقال الترمذي: حسن، والدارقطني عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وفي رواية لأبي داود: فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه، فلما سجد وضع جبهته بين كفيه وجافي عن إبطيه) (4).
وروى الدارقطني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه) (5).
وروى ابن خزيمة عنه أنه كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك) (6).
وروى أبو داود والترمذي - وقال: حسن صحيح - عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته الأرض ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه) (7).
وروى الترمذي عن أبي إسحاق - رضي الله تعالى عنه - قال: (قلت للبراء - رضي الله
__________
(1) أخرجه البخاري (8 / 73) حديث (4559).
(2) البخاري (2 / 568) حديث (1004) ومسلم (1 / 470) حديث (305 / 678).
(3) أخرجه البخاري (2 / 348) حديث (815) ومسلم (1 / 354) حديث (229 / 490) وانظر شرح السنة 2 / 251.
(4) أخرجه أبو داود 1 / 222 (839) والترمذي 2 / 56 (268) والنسائي 2 / 167 وابن ماجه 1 / 286 (882) وفيه شريك قال الدارقطني تفرد به يزيد عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب وشريك ليس بالقوي فيما انفرد به وقال الحافظ شريك صدوق يخطئ كثيرا عون المعبود 3 / 168 التقريب 2 / 351.
(5) أخرجه الدارقطني 1 / 344.
(6) أخرجه ابن خزيمة في الصحيح (1 / 318) حديث (626).
(7) أبو داود 1 / 196 (734) والترمذي 2 / 59 (270) وقال حسن صحيح.
وانظر نيل الأوطار 2 / 286.
(*)(8/142)
تعالى عنه - (أين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع وجهه إذا سجد ؟ قال: بين كفيه) (1).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والثلاثة عنه قال: وصف لنا البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - السجود فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته زاد أحمد وخوى وقال: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد) (2).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي وابن ماجه عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد جافي جنبيه حتى يرى وضح بطنه وفي لفظ: بياض إبطيه، ولو أن بهيمة أرادت أن تمر بين يديه لمرت) (3).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن أحمر بن جزي (4) - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى لنأوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تجافي مرفقيه عن جنبيه) (5).
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي حليفة، فرأيت بياض إبطيه وهو مجنح قد فرج بين يديه) (6).
وروى الشيخان، وأبو داود عن عبد الله بن بحينة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد جنح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه) (7).
وروى الدارقطني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد استقبل بأصابعه القبلة) (8).
وروى النسائي عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان
__________
(1) الترمذي 2 / 60 (271) وقال حديث حسن صحيح غريب.
(2) أحمد في المسند 4 / 303 ومسلم (1 / 356) حديث (234 / 494) وأبو داود 1 / 236 (896) والترمذي 2 / 60 (271) والنسائي 2 / 167 وفيه شريك صدوق يخطئ والبغوي في الشرح 2 / 254.
(3) أخرجه مسلم (1 / 357) حديث (237 / 496) وأحمد 6 / 333 وأبو داود 1 / 236 (898) والنسائي 2 / 168 وابن ماجه 1 / 285 (880) والبغوي في الشرح 2 / 256.
(4) أحمر مولى أم سلمة.
روى جبارة بن مغلس، عن شريك، عن عمران النخلي، عن أحمر مولى أم سلمة قال: (كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فمررنا بواد أو نهر، فكنت أعبر الناس، فقال النبي ما كنت في هذا اليوم إلا سفينة، أسد الغاية 1 / 66.
(5) أخرجه أحمد في المسند 4 / 342 وأبو داود (1 / 237) (900).
(6) أبو داود في السنن 1 / 237 (899).
(7) أخرجه البخاري (2 / 343) حديث (807) ومسلم (3561) حديث (235 / 495) (236 / 495) وأحمد 5 / 345 وأبو عوانة 2 / 185 والنسائي 1 / 166 والبيهقي 2 / 114.
(8) الدارقطني في السنن 1 / 344.
(*)(8/143)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا هوى إلى الأرض ساجدا جافي عضديه عن إبطيه وفتح أصابع رجليه) (1).
وروى الترمذي وصححه عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه خذو منكبيه) (2).
وروى الإمام أحمد، عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد على أنفه مع جبهته) (3).
وروى الدارقطني، والطبراني عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد بأعلى جبهته على قصاص من الشعر) (4).
وروى النسائي، وأبو داود عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر الماء والطين من صلاة صلاها بالناس، وفي لفظ بصرت عيناي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة
القدر) (5).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح، والطبراني عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه) (6).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن البراء - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسجد على أليتي الكف) (7).
وروى الطبراني برجال ثقات عن عدي بن عميرة الحضرمي (8) - رضي الله تعالى عنه -
__________
(1) النسائي 2 / 166.
(2) أخرجه الترمذي 2 / 59 (270).
(3) أحمد في المسند 4 / 315.
(4) الطبراني في الأوسط والدارقطني 1 / 349 وقال تفرد به عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب وليس بالقوي وقال الهيثمي في المجمع 2 / 125 رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط وفيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم وهو ضعيف لاختلاطه.
(5) أخرجه النسائي 2 / 164 وأبو داود 1 / 236 (894).
(6) أحمد في المسند 3 / 294 والطبراني في الثلاثة وقال الهيثمي 2 / 125 ورجال أحمد رجال الصحيح.
(7) أحمد في المسند 3 / 295 وقال الهيثمي في المصدر السابق رجاله رجال الصحيح.
(8) عدي بن عميرة بفتح أوله ابن فروة بن زرارة بن الأرقم بن النعمان بن عمرو بن وهب بن ربيعة بن معاوية الاكرمين الكندي...صحابي معروف يكنى أبا زرارة قال الواقدي مات بالكوفة سنة أربعين وقال أبو عروبة الحراني كان عدي بن عميرة قد نزل الكوفة ثم خرج بعد قتل عثمان إلى الجزيرة فمات بها.
الإصابة 4 / 231.
(*)(8/144)
قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد يرى بياض إبطيه، ثم إذا سلم أقبل بوجهه عن يمينه حتى يرى بياض خده عن يساره) (1).
وروى مسلم عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه، قال في حديث: إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليجنأ وليطبق بين كفيه، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأراهم) (2).
الحادي والعشرون - في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في سجوده في المطر والبرد.
وروى الإمام أحمد بسند ضعيف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم مطر، وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه على الأرض) (3).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في بني عبد الأشهل وعليه كساء متلفف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصى) (4).
الثاني والعشرون: في تطويله - صلى الله عليه وسلم - بعض السجدات لعذر.
وروى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: (خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى صلاتي العشي، الظهر والعصر، وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه فكبر للصلاة فسجد بين ظهري - وفي لفظ: ظهراني - صلاته سجدة، فأطالها قال: فرفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، قال الناس: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك سجدت بين ظهري - وفي لفظ: بين ظهراني - صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه حدث أمر وأنه - وفي لفظ أو أنه يوحى إليك ؟ قال: (كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) (5).
__________
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط بطوله وفي الكبير باختصار السلام ورجال الأوسط ثقات الهيثمي المصدر السابق.
(2) أخرجه مسلم (1 / 379) حديث (26 / 534).
(3) أخرجه أحمد (1 / 265).
(4) أخرجه ابن ماجه 1 / 329 (1032) وقال البوصيري في إسناده إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي قال البخاري فيه: منكر الحديث وضعفه غيره ووثقه أحمد والعجلي، وعبد الله بن عبد الرحمن لم أر من تكلم فيه ولا من وثقه وباقي رجاله ثقات.
(5) أحمد في المسند 3 / 493.
(*)(8/145)
الثالث والعشرون: فيما كان - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجوده.
روى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في سجوده: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد قال: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ثلاثا (2).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر أن يقول: (سبحانك الله وبحمدك اللهم اغفر لي وارحمني) يتأول القرآن) (3).
وروى الدارقطني، وابن ماجه عن علي، والإمام الشافعي عن أبي هريرة، والنسائي عن جابر، والنسائي عن محمد بن مسلمة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد قال: (اللهم لك سجدت ولك آمنت ولك أسلمت أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين) (4).
وروى مسلم، وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره، سره وعلانيته) (5).
وروى الطيالسي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - من
مضجعه ليلة فظننت أنه أتى بعض نسائه فانتبهت وهو ساجد فسمعته يقول: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمة ربنا غضبه) (6).
وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والثلاثة، وأبو يعلى وغالب اللفظ له عنها، قالت: (كانت ليلتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانسل فظننت أنه انسل إلى بعض نسائه، فخرجت فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهما منصوبتان، فإذا أنا به ساجد كالثوب الطريح
__________
(1) أخرجه مسلم (1 / 353) حديث (223 / 487) وأبو داود 1 / 230 (872) وأحمد في المسند 6 / 35، 94 والنسائي 2 / 178 والدارقطني 1 / 343 والقدوس الطاهر وأخرجه البيهقي 2 / 87.
(2) أحمد في المسند 4 / 155 وأبو داود 1 / 230 (870) وابن ماجه 1 / 287 (887).
(3) أحمد في المسند 6 / 43 وأخرجه البخاري (2 / 199) حديث (817) ومسلم (1 / 350) حديث (217 / 484) وأبو داود (1 / 232 / 877) والنسائي 2 / 173 وابن ماجه 1 / 287 (890) قولها يتأول القرآن تريد قوله سبحانه وتعالى (فسبح بحمد ربك واستغفره).
(4) أخرجه الدارقطني 1 / 342 والنسائي 2 / 174 وابن ماجه 1 / 335 (1054).
(5) أخرجه مسلم (1 / 350) حديث (216 / 483) وأبو داود 1 / 232 (878) والبغوي في الشرح 2 / 231.
(6) أخرجه أبو داود الطيالسي كما في المنحة (1 / 100 - 101) حديث (449).
(*)(8/146)
فسمعته يقول: (سبحانك اللهم وبحدك لا إله إلا أنت اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم أغفر لي ما أسررت وما أعلنت سجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي، رب هذه يدي، وما جنيت على نفسي، يا عظيما يرجى لك عظيم، فاغفر لي الذنب العظيم) فقلت: بأبي أنت وأمي، إني لفي شأن وأنت في شأن، فرفع رأسه فقال: (ما أخرجك ؟) قالت: ظنا ظننته، قال: (إن بعض الظن إثم، فاستغفري الله)، زاد أبو يعلى، (إن جبريل أتاني فأمرني أن أقول هذه الكلمات التي سمعت، فقوليها في سجودك فإنه من قالها، لم يرفع رأسه حتى يغفر
أظنه قال: له) (1).
وفي رواية عند الإمام أحمد برجال ثقات عنها، وذكرت نحو ما تقدم، قالت: فلمسته بعدها فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: (رب أعط نفسي تقواها، أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها) (2).
وروى البزار ورجاله ثقات عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجوده إذا سجد: (سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي، أبوء بنعمتك علي، هذه يداي وما جنيت على نفسي) (3).
الرابع والعشرون: في مقدار سجوده - صلى الله عليه وسلم - وروى أبو داود، والنسائي عن سعيد بن جبير - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى - يعني عمر بن عبد العزيز - فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات) (4).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن الجريري عن السعدي عن أبيه أو عمه قال: رمقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: (سبحان الله وبحمده) ثلاثا (5).
__________
(1) أخرجه مسلم (1 / 352) حديث (222 / 486) وأبو داود 1 / 232 (879) وأحمد في المسند 6 / 151 والنسائي 2 / 174 وأبو يعلى 8 / 121 (305 / 4661) وابن السني 124، 509 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (541).
(2) أحمد في المسند 6 / 209.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 264 وقال الهيثمي في المجمع 2 / 128 رجاله ثقات.
(4) أبو داود 1 / 234 (888) والنسائي 2 / 178.
(5) أحمد في المسند 5 / 274 وأبو داود 1 / 234 (885).
(*)(8/147)
الخامس والعشرون: في رفعه - صلى الله عليه وسلم - من السجود و جلسته بين السجدتين.
وما كان يقوله فيها.
وروى مسلم وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا، وكان يفترش رجله اليسرى) (1).
وروى الشيخان، وأبو داود عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقعد بين السجدتين حتى يقول القائل منهم قد و هم ونسي) (2).
وروى أبو داود والدارمي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي والرحمني واجبرني والهدني وعافني وارزقني وارفعني) (3).
وروى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: بين السجدتين: (رب اغفر لي رب اغفر لي) مرتين (4).
السادس والعشرون: في تسويته - صلى الله عليه وسلم - بين الركوع والرفع منه والسجود والرفع منه.
وروى مسلم عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء) (5).
ورواه البخاري ولفظه: (كان ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجوده، وإذا رفع رأسه [ من الركوع وبين السجدتين، ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء) (6).
السابع والعشرون: في جلوسه - صلى الله عليه وسلم - للاستراحة وكيفية نهوضه، للركعة الثانية.
روى البخاري عن ابن عمر، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح،
__________
(1) مسلم (1 / 357) حديث (240 / 498) وابن ماجه 1 / 288 حديث (893) وقد تقدم.
(2) أخرجه البخاري (2 / 351) حديث (821) وأبو داود 1 / 225 (853) وقد تقدم.
(3) أبو داود 1 / 224 (850) وابن ماجه 1 / 290 (898) والبغوي في الشرح 2 / 266.
(4) أخرجه أبو داود 1 / 231 (874) والنسائي 2 / 183 وابن ماجه 1 / 289 (897) وأحمد 5 / 398.
(5) أخرجه مسلم (1 / 343) حديث (193 / 471).
(6) أخرجه البخاري (2 / 322) حديث (2792 / 820280).
(*)(8/148)
وابن ماجه عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - وأبو داود عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام من الركعتين رفع يديه وكبر، حتى يحاذي بهما أذنيه) (1).
وروى أبو داود عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نهض من السجود، نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه) (2).
وروى أبو داود، والترمذي بسند ضعيف عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهض في الصلاة على صدور قدميه) (3).
وروى البخاري عن سعيد بن الحارث قال: (صلى لنا أبو سعيد الخدري فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود، وحين سجد، وحين قام من الركعتين، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل) (4).
وروى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض من الركعة الثانية، استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت) (5).
الثامن والعشرون: في هيئة جلوسه - صلى الله عليه وسلم - للتشهد وتشهده.
روى الأئمة، والثلاثة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه، وفي لفظ: رفع أصبعه، وفي لفظ: وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بإصبعه
التي تلي الإبهام في القبلة، ووضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها، ونصب رجله اليمنى واضطجع على اليسرى) (6).
وروى الإمام أحمد، ومسلم وأبو داود، والنسائي، والدارقطني عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعد في الصلاة، جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده
__________
(1) أخرجه أحمد من حديث علي 1 / 93 وأبو داود 1 / 198 (744) وابن ماجه (863) وحديث أبي حميد عند أبي داود 1 / 94 (729) ومن حديث وائل بن حجر أخرجه مسلم (54 / 401) وابن أبي شيبة 1 / 236.
(2) أبو داود 1 / 222 (839).
(3) الترمذي 2 / 80 وفيه خالد بن إلياس ضعيف.
(4) البخاري (2 / 10) حديث (825).
(5) مسلم (1 / 419) حديث (148 / 599).
(6) أخرجه أبو داود 1 / 252 (958) والترمذي 2 / 88 (294) وأحمد 2 / 65.
(*)(8/149)
اليمني على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ولم يجاوز بصره إشارته) (1).
وروى الإمام أحمد، والترمذي عن شهاب بن المجنون - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي وقد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه، وبسط السبابة وهو يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي وابن ماجه عن أبي مالك: نمير الخزاعي، - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قاعد في الصلاة، وقد وضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعا بإصبعه السبابة قد حناها شيئا وهو يدعو، ورواه أبو يعلى وعنده
عن مالك بن نمير الخزاعي عن رجل من أهل البصرة أن أباه حدثه فذكره) (3).
وروى النسائي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركا ثم سلم) (4).
وروى مسلم عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى) (5).
وروى الإمام أحمد، والطبراني برجال ثقات عن خفاف بن إيماء - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصب إصبعه السبابة، وكان المشركون يقولون: إنما يصنع هذا محمد بإصبعه يسحر بها وكذبوا، إنما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك يوحد بها ربه عز وجل) (6).
وروى أيضا عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان إذا جلس في الصلاة وضع يمينه على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه) (7).
__________
(1) أخرجه مسلم (1 / 408) حديث (112 / 579) وأحمد 4 / 3 وأبو داود 1 / 260 (988) والنسائي 3 / 32 والبغوي في الشرح 2 / 274.
(2) أخرجه الترمذي حديث (214، 3522، 3587) وأحمد 3 / 112، 457 والحاكم 2 / 288 والطبراني في الكبير 1 / 234، وابن أبي شيبة 10 / 36 وابن أبي عاصم 1 / 104 والطبراني في التفسير 3 / 125 وابن ماجه 4 / 82 وعبد الرزاق (19646) وأبو نعيم في الحلية 8 / 122.
(3) أخرجه أحمد في المسند 3 / 471 وأبو داود 1 / 260 (991) وابن ماجه 1 / 295 (911).
(4) أخرجه النسائي 3 / 29.
(5) أخرجه مسلم (1 / 357) حديث (238 / 497) وانظر مجمع الزوائد 2 / 139.
(6) أحمد في المسند 4 / 57 والطبراني في الكبير 4 / 257 وقال الهيثمي في المجمع 2 / 140 رجاله ثقات.
(7) أحمد في المسند 4 / 57.
(*)(8/150)
وروى الإمامان الشافعي وأحمد عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف حتى يقوم) (1).
وروى أبو يعلى من رواية ابن الحويرث قال: (أبو الحسن الهيثمي والظاهر أنه خالد بن الحويرث - وهو ثقة ورجاله رجال الصحيح، وقال ابن معين في خالد: لا أعرفه، وعرفه غيره.
- عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان لا يزيد في الركعتين على التشهد) (2).
وروى الثلاثة عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في الركعتين الأوليين على الرضف حتى يقوم (3).
وروى البيهقي، وأبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن القاسم بن محمد - رحمهما الله تعالى - قال: علمتني عائشة - رضي الله تعالى عنها - هذا تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) (4).
وروى الطبراني في الكبير والأوسط، وقال فيه: الناعمات السابغات.
ورجال الكبير ثقات، عن الحسين بن علي - رضي الله تعالى عنهما - قال: تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (التحيات لله، والصلوات والطيبات والغاديات الرائحات الزاكيات المباركات الطاهرات لله) (5).
وروى البزار والطبراني من طريق ابن لهيعة عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتشهد (بسم الله وبالله خير الأسماء، التحيات [ لله و ] الطيبات.
الصلوات لله، أشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم اغفر لي واهدني) (6).
__________
(1) أحمد في المسند 1 / 386.
(2) انظر مجمع الزوائد 2 / 142.
(3) أحمد في المسند 1 / 460 وأبو داود 1 / 261 (995) والترمذي 2 / 202 (366) وقال حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.
(4) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2 / 144.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 140.
(6) البزار كما في الكشف 1 / 272 (562) وقال الهيثمي في المجمع 2 / 142 رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط ومداره على ابن لهيعة وفيه كلام.
(*)(8/151)
وروى أبو داود الطيالسي عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير بإصبعه في الصلاة، فلما سلم سمعته يقول: (اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم) (1).
وروى أبو يعلى عن عاصم بن كليب عن أبيه عن جده قال: دخلت المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة واضعا يده اليمنى على فخذه اليمنى يشير بالسبابة وهو يقول: (يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك).
التاسع والعشرون: في دعائه - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد.
وروى عبد بن حميد بإسناد حسن عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ في دبر صلاته من أربع يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بالله من عذاب النار، وأعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأعوذ بالله من الأعور الكذاب) (2).
ورواه عبد بن حميد ولفظه سمعته يقول في دبر كل صلاة، لا أدري بعد التسليم أو قبل التسليم.
قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مرة يقول آخر صلاته عند انصرافه: (سبحان
ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) (3).
وروى الطبراني عنه قال: (كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد في الفريضة: (لله إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك ما سألك عبادك الصالحون ونستعيذ بك مما استعاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد))، ويسلم عن يمينه وعن شماله) (4).
الثلاثون: في دعائه في الصلاة مطلقا.
وروى الإمام أحمد، والنسائي عن عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنهما - أن
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 2 / 282، 10 / 67.
(2) وبنحوه عند مسلم 1 / 413 (0134 / 590) وانظر شرح السنة.
(3) الطبراني في الكبير 11 / 115.
وقال الهيثمي فيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير متروك وانظر الترغيب والترهيب 2 / 454 وأخرجه ابن أبي شيبة 1 / 303 وابن السني (116).
(4) الطبراني في الكبير 10 / 67.
(*)(8/152)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في صلاته: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على خلقك أحيني ما علمت أن الحياة خير لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة ومن فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين) (1).
وروى الإمام أحمد عن عبيد بن القعقاع قال: رمق رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو
يصلي، فجعل يقول في صلاته: (اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري، وبارك لي فيما رزقتني) (2).
وروى مسلم والنسائي واللفظ له عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو في صلاته يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) (3).
وروى الشيخان عنها قالت: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة بعد أن نزلت عليه (إذا جاء نصر الله والفتح) إلا يقول (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) (4).
وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن رجل من بني كنانة - رضي الله تعالى عنه - قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فسمعته يقول: (اللهم لا تخزني يوم القيامة) (5).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الأنصار - رضي الله تعالى عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته وهو يقول: (اللهم اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الغفور) مائة مرة (6).
وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء فتوضأ وصلى، وقال: (اللهم أصلح لي ديني، ووسع علي في ذاتي، وبارك لي في رزقي) (7).
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 264 والنسائي 3 / 46.
(2) أحمد في المسند 4 / 62.
(3) أخرجه مسلم (2085، 2086) والنسائي 3 / 56، 8 / 280 وأبو داود (1555) وابن ماجه 3839 (3840) وأحمد 6 / 31 وابن السني 10 / 187.
(4) أخرجه البخاري 2 / 328 (794، 817، 4293، 4967، 4968) وأخرجه مسلم 1 / 351 (218 / 484).
(5) أحمد في المسند 4 / 234 وابن السني 125 وانظر الدر المنثور 5 / 90 والطبراني في الكبير 3 / 4 والمجمع 10 / 109.
(6) أحمد في المسند 5 / 371.
(7) أحمد في المسند 4 / 399 وبنحوه عند مسلم (2027) والنسائي 3 / 63 وأبو نعيم في الحلية 6 / 46.
(*)(8/153)
وروى البزار عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة فسمعته يقول: (رب جبريل وميكائيل ومحمد أجرني من النار) (1).
الحادي والثلاثون: في صفة سلامه من الصلاة - صلى الله عليه وسلم - روى الإمامان الشافعي وأحمد واللفظ له، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم في الصلاة إذا فرغ منها عن يمينه حتى يرى بياض خده، وعن يساره حتى يرى بياض خده) (2).
وروى الإمام أحمد، والأربعة، والدارقطني، والترمذي - وقال: حسن صحيح - عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده من هاهنا ومن هاهنا، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) (3).
وروى ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده) (4).
تنبيهات الأول: روى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: (من السنن في الصلاة، وضع الكف تحت السرة، في سنده أبو شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي قال فيه الإمام أحمد: منكر الحديث، وقال: ابن معين: متروك وقال في رواية هو والنسائي: ضعيف) (5).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه حين افتتح الصلاة ثم لم يرفعها حتى انصرف.
قال أبو
__________
(1) أخرجه البزار كما في الكشف 4 / 22 وقال الهيثمي في المجمع: 1 / 110 فيه من لم أعرفه.
(2) أحمد في المسند 1 / 172 ومسلم (2 / 409) حديث (119 / 582) والنسائي 3 / 51 وابن ماجه 1 / 296 (915) والدارقطني 1 / 356 وعبد الرزاق (3127) والطبراني في الكبير 10 / 153 وابن سعد 1 / 2 / 126.
(3) أخرجه أحمد في المسند 1 / 390 والدارقطني 1 / 357 وأبو داود 1 / 261 (996) والنسائي 3 / 52 والترمذي 2 / 89 (295) وابن ماجه 1 / 296 (914).
(4) ابن أبي شيبة 1 / 299 والبيهقي 2 / 177.
(5) أحمد في السنن الكبرى 1 / 110.
(*)(8/154)
داود: هذا الحديث ليس بصحيح.
انتهى، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وطريق آخر فيه محمد بن أبي ليلى وكلاهما قد ضعف) (1).
وروى الدارقطني عن جرير عن حصين بن عبد الرحمن قال: دخلنا على إبراهيم فحدثه عمرو بن مرة، قال: صلينا في مسجد الحضرميين فحدثني علقمة بن وائل عن أبيه: أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه حين يفتتح الصلاة وإذا ركع وإذا سجد، فقال إبراهيم: ما أرى أباك رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ذلك اليوم الواحد فحفظ ذلك، وعبد الله لم يحفظ ذلك منه، ثم قال إبراهيم: إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: هذه علة لا تساوي سماعها لأن رفع اليدين قد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عن الخلفاء الراشدين ثم عن الصحابة والتابعين، وليس في نسيان عبد الله بن مسعود رفع اليدين ما يوجب أن هؤلاء الصحابة لم يروا النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه (2).
الثاني: قال الحافظ في الجمع بين تطويله القراءة في المغرب: إما لبيان الجواز، وإما لعلمه بعدم المشقة على المؤمنين وليس في حديث جبير أن هذا تكرر منه.
الثالث: لا يخالف حديث أم الفضل بنت الحارث أن آخر صلاة صلاها بهم المغرب، بما روته عائشة أن الصلاة التي صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه في مرض موته الظهر، لأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت في المسجد، والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته، كما رواه النسائي (3)، ولا يعكر عليه رواية إسحاق خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب، لإمكان حمل قولها خرج إلينا أي من مكانه الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم.
الرابع: قال النووي في حديث البراء: إن ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع من الركوع قريبا من السواء، هذا الحديث محمول على بعض الأحوال وإلا فقد ثبت في الحديث تطويل القيام، فإنه كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة وفي الظهر بألم السجدة، وأنه كانت تقام الصلاة، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يرجع إلى أهله فيتوضأ، ثم يأتي المسجد فيدرك الركعة الأولى، وأنه قرأ سورة المؤمنين حتى بلغ ذكر موسى وهارون، وأنه قرأ في المغرب بالطور والمرسلات، وفي البخاري بالأعراف وكل هذا
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 282، 301 وأبو داود 1 / 200 (752) وفي اسناده يزيد بن أبي زياد تركه النسائي وضعفه البخاري.
(2) الدارقطني 1 / 291.
(3) في السنن 2 / 130.
(*)(8/155)
يدل على أنه كانت له في إطالة القيام أحوال بحسب الأوقات، وهذا الحديث الذي نحن فيه جرى في بعض الأوقات، انتهى.
وقال ابن القيم: مراد البراء أن صلاته - صلى الله عليه وسلم - كانت معتدلة، فكان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود وتارة يجعل الركوع والسجود بعد القيام، وهديه - صلى الله عليه وسلم - الغالب تعديله الصلاة وتناسبها.
الخامس: قال النووي فيما كان يقول بعد رفعه من الركوع يبدأ - يعني المصلي - بقوله سمع الله لمن حمده حين يشرع في الرفع من الركوع، ويمده حتى ينتصب قياما، ثم يشرع في ذكر الاعتدال، وهو ربنا لك الحمد إلى آخره وقال: في هذا الحديث دلالة للشافعي وطائفة أنه يستحب لكل مصل من إمام ومأموم، ومنفرد أن يجمع بين سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد في حال استوائه وانتصابه في الاعتدال، لأنه ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - فعلهما جميعا، وقد قال: - صلى الله عليه وسلم - صلوا كما رأيتموني أصلي، ورواه البخاري (1)، وقال ابن القيم: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استوى قائما، قال: (ربنا ولك الحمد) وربما قال: (ربنا لك الحمد)، وربما قال: (اللهم ربنا لك الحمد) وصح عنه ذلك كله، وأما الجمع بين اللهم والواو فلم يصح انتهى، وتعقب بما في صحيح البخاري في رواية الأصيلي عن أبي هريرة مرفوعا: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، قولوا اللهم ربنا ولك الحمد، جمع بين اللهم والواو.
السادس: حاصل ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من المواضع التي كان يدعو فيها داخل الصلاة ثمانية مواطن.
الأول: عقب تكبيرة الإحرام، كما في حديث أبي هريرة، اللهم باعد بيني وبين خطاياي.
الثاني: قد الاعتدال من الركوع.
الثالث: في الركوع.
الرابع: في السجود.
الخامس: ما بين السجدتين.
السادس: في التشهد.
السابع: في القنوت.
الثامن: إذا مر بآية رحمة أو عذاب.
السابع: روى ابن ماجه عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه -: سلم تسليمة واحدة
__________
(1) أخرجه البخاري من حديث مالك بن الحويرث (2 / 111) حديث (631، 6008).
(*)(8/156)
تلقاء وجهه، في سنده عبد المهيمن بن عباس قال البخاري فيه: منكر الحديث، وقال النسائي متروك (1).
أيضا عن سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى فسلم تسليمة واحدة (2)، في سنده يحيى بن راشد البصري، قال ابن معين: ليس بشئ، وقال النسائي ضعيف)...وروى أيضا، والترمذي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم تسليمة واحدة، تلقاء وجهه وتكلم عن سنده (3).
الثامن: قال النووي في قوله: - صلى الله عليه وسلم - في التشهد: (السلام عليك أيها النبي، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) فائدة حسنة وهي أن لتشهده عليه الصلاة والسلام بلفظ تشهدت - انتهى، قال الحافظ: وكان يشير إلى رد ما وقع للرافعي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في التشهد، (وأشهد أني رسول الله)، وتعقب بأنه لم يرو كذلك صريحا.
التاسع: قال السبكي وابن كثير وابن القيم، وتبعهم في ذلك ابن حزم، إنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تلفظ بنية الصلاة، ولا قال إماما ولا مأموما ولا أمر بذلك، ولا أقر عليه، وكذلك الصحابة وتابعوهم، وتابع تابعيهم، لم ينقل عن أحد منهم أنه فعل ذلك، ولا أمر به - انتهى.
العاشر: في بيان غريب ما سبق.
حذو منكبيه - بحاء مهملة مفتوحة، فذال معجمة ساكنة فواو قربهما هنيهة.
العضد - بمهملة مفتوحة فمعجمة مضمومة: ما فوق المرفق.
لم يصوب رأسه أي: لم يمله إلى أسفل.
ولا يشخص، وفي رواية لا يقنع.
أي: لا يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره.
الجد - بفتح الجيم.
الغنى.
أي لا ينفع ذا الغناء منك غناه، وإنما ينفعه الإيمان والطاعة.
وضح بطنه - بواو فضاد معجمة، فحاء مهملة، مفتوحات.
الرضف - بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة الحجارة المحماة.
__________
(1) ابن ماجه 1 / 297 (918) وهو كما قال المصنف.
(2) ابن ماجه 1 / 297 (920) وهو كما قال المصنف.
(3) ابن ماجه 1 / 297 (919) والترمذي 2 / 90 (296) وقال لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال محمد بن إسماعيل: زهير ابن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير ورواية أهل العراق عنه أشبه وأصح.
(*)(8/157)
الباب الحادي عشر في أحاديث جامعة لأوصاف من أعمال صلاته غير ما تقدم
وفيه أنواع:
الأول: في طمأنينته في صلاته.
روى البخاري عن أبي حميد - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجاله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته (1).
الثاني: فيما ورد في طول صلاته وقصرها.
وتخفيفها غير ما تقدم.
روى الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطال حتى هممت بأمر سوء، قيل وما هممت به ؟، قال: هممت أن أجلس وأدعه) (2).
وروى الإمام أحمد، والنسائي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالتخفيف بالصافات) (3).
وروى الإمام أحمد عن أبي واقد الليشي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف الناس صلاة على الناس وأطول الناس صلاة لنفسه) (4).
وروى الإمام أحمد عن مالك بن عبد الله الخثعمي - رضي الله تعالى عنه - قال: (غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أصل خلف إمام كان أوجز منه صلاة في تمام الركوع والسجود) (5).
وروى الإمام أحمد عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان
__________
(1) أخرجه البخاري (1 / 355) حديث (828).
(2) أخرجه البخاري (3 / 24) حديث (1135) ومسلم (1 / 375) حديث (204 / 773) وأخرجه أحمد 1 / 385 وابن ماجه 1 / 456 (1418).
(3) أحمد في المسند 2 / 26 وقد تقدم.
(4) أحمد في المسند 5 / 218 ورجاله ثقات انظر المجمع 2 / 70.
(5) أحمد في المسند 5 / 225 ورجاله ثقات انظر المصدر السابق.
(*)(8/158)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي بين الأربع ركعات في القيام والقراءة، ويجعل الركعة الأولى هي أطولها لكي يثوب إليه الناس) (1).
وروى ابن ماجه عن أبي واقد الليثي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا فيطيل في الركعة الأولى، ويقصر في الثانية، وكذلك في الصبح) (2).
وروى الحارث عن أبي مالك الأشعري - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي بين الأربع ركعات في القيام والقراءة، ويجعل الركعة الأولى هي أطولها لكي يثوب إليه الناس) (3).
وروى البزار برجال ثقات عنه أيضا قال: (ما صليت خلف أحد صلاة أخف صلاة من
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تمام) (4).
وروى الطبراني برجال الصحيح عنه أيضا، قال: (صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي، فلم يكن أحد منهم أخف صلاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (5).
وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (ركعتان من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف من ركعة من صلاتكم) (6).
وروى الإمام أحمد عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف الناس تخفيفا للصلاة في تمام) (7).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (ما صليت خلف أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تمام) (8).
روى الإمام أحمد برجال ثقات عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: (لقد كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة لو صلاها أحدكم اليوم لعبتموها عليه) (9).
__________
(1) أحمد في المسند 5 / 89.
(2) أخرجه ابن ماجه (819) من حديث أبي قتادة.
(3) بنحوه أخرجه أحمد في المسند 5 / 344.
(4) البزار كما في الكشف 1 / 237 (484) وقال الهيثمي رجاله ثقات المجمع 2 / 73.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 73 وقال رجاله رجال الصحيح.
(6) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 74 رجاله موثقون.
(7) أحمد في المسند 3 / 340.
(8) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 73 رجاله رجال الصحيح.
(9) أخرجه أحمد في المسند 3 / 158.
(*)(8/159)
وروي عن عدي بن حاتم - رضي الله تعالى عنه - قال: (من يؤمنا فليتم الركوع والسجود فإن فينا الضعيف والكبير والمريض وعابر السبيل وذا الحاجة هكذا كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (1).
الثالث: في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في قضاء الفوائت.
وروى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى عرس، وقال لبلال: (اكلا لنا الليل)، فصلى بلال ما قدر له، ونام ونام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر، فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بلال، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم استيقاظا، ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أي بلال) فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: (اقتادوا) - وفي لفظ: (تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة، فاقتادوا رواحلهم شيئا، ثم توضأ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بلالا فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: (من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل قال: (أقم الصلاة لذكري)) (2) [ طه 14 ].
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - (أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية ليلا فنزلنا دهاسا من الأرض فقال: (من يكلأنا ؟) قال بلال: أنا قال: (إذا تنم) قال: لا، فنام حتى طلعت الشمس، فاستيقظ ناس منهم فلان وفلان فيهم عمر، قال: أهضبوا يعني تكلموا، فاستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (افعلوا كما كنتم تفعلون)، فلما فعلوا، قال: (هكذا فافعلوا لمن نام أو نسي) (3).
وروى الإمام أحمد عنه قال: (سرينا ليلة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فقلنا: يا رسول الله لو أمستنا الأرض، فنمنا ورعت ركائبنا ففعل، فقال: (ليحرسنا بعضكم)، فقال عبد الله، فقلت
أنا أحرسكم قال: فأدركني النوم، فنمت، فلم استيقظ إلا والشمس طالعة، ولم يستتيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بكلامنا: قال: فأمر بلالا، فأذن ثم أقام الصلاة، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (4).
__________
(1) الطبراني في الكبير انظر المجمع 2 / 73.
(2) أخرجه مسلم (1 / 471) حديث (309 / 680).
(3) أخرجه أحمد في المسند 1 / 464 وأبو داود 1 / 122 (447) والنسائي في الكبرى.
(4) أحمد في المسند 1 / 450.
(*)(8/160)
وروى الإمام أحمد عن ذي مخمر (1) - رضي الله تعالى عنه - وكان رجلا من الحبشة، يخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كنا معه في سفر فأسرع السير حين انصرف، وكان يفعل ذلك لقلة الزاد، فقال له قائل: يا رسول الله لقد انقطع الناس وراءك، فحبس وحبس الناس، حتى تكاملوا إليه فقال لهم: (هل لكم أن نهجع هجعة): أو قال له قائل فنزل ونزلوا، وقال: (من يكلؤنا الليلة)، فقلت أنا - جعلني الله فدالك، فأعطاني خطام ناقته، فقال: (هاك لا تكونن لكع)، قال: فأخذت بخطام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخطام ناقتي فتنحيت غير بعيد، فخليت سبيلهما يرعيان، فإني كذلك أنظر إليهما حتى أخذني النوم، فلم أشعر بشئ حتى وجدت حر الشمس، في وجهي، فاستيقظت فنظرت يمينا وشمالا، فإذا أنا بالراحلتين مني غير بعيد، فأخذت بخطام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخطام ناقتي فأتيت أدنى القوم، فأيقظته، فقلت له أصليتم ؟ قال: لا، فأيقظ الناس بعضهم بعضا، حتى استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث) (2).
وروى الشيخان عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (أن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يست كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والله ما صليتها)، قال: فقمنا إلى بطحان
فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب) (3).
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عمرو بن أمية الضمري - رضي الله تعالى عنه (4).
وروى الإمام أحمد، والنسائي عن جبير بن مطعم - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في سفر له: (من يكلؤنا الليلة لا يرقد عن صلاة الصبح ؟) قال بلال أنا (5).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
الكرى - بكاف فراء مفتوحتين مقصورا: النوم.
__________
(1) ذو مخبر، ويقال: ذو مخمر - وكان الأوزاعي لا يرى إلا مخمر بميمين: وهو ابن أخي النجاشي ملك الحبشة، معدود في أهل الشام، وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم.
روى عنه أبو حي المؤذن، وجبير بن نفير، والعباس بن عبد الرحمن، وأبو الزاهرية، وعمر بن عبد الله الحضرمي.
أسد الغابة 2 / 178.
(2) أحمد في المسند 4 / 90.
(3) أخرجه البخاري (1 / 261) حديث (641) ومسلم (1 / 438) حديث (209 / 631) وبطحان بضم الباء وسكون الطاء عند المحدثين وعند أهل اللغة بفتح الباء والطاء.
(4) أحمد في المسند 5 / 287، وأبو داود 1 / 121 (444).
(5) أحمد في المسند 4 / 81 والنسائي 1 / 240.
(*)(8/161)
أهضبوا - بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة، فضاد معجمة، فموحدة اقتادوا، اندفعوا.
دهاسا - بدال مهملة مفتوحة، فألف، فسين مهملة.
سهل من الأرض ولم يبلغ أن يكون رملا.
بطحان (1) - بموحدة مضمومة فطاء ساكنة فحاء مهملة مفتوحة [ مهملتين ] فألف فنون: واد بالمدينة.
__________
(1) (بطحان) بالضم، ثم السكون عند المحدثين.
وأهل اللغة يقولون بفتح أوله، وكسر ثانيه، وقالوا: لا يجوز غيره.
وقد قيل بفتح أوله وسكون ثانيه، وهو واد بالمدينة، أحد أوديتها الثلاثة: العقيق وبطحان وقناة.
مراصد الاطلاع 1 / 204.
(*)(8/162)
الباب الثاني عشر: في آدابه - صلى الله عليه وسلم - بعد السلام
وفيه أنواع: الأول: في جعله يمينه للناس ويساره للقبلة بعد السلام واستقبالهم حالة الدعاء.
روى مسلم، وأبو داود، عن البراء - رضي الله تعالى عنه - قال: (إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحببنا أن نكون عن يمينه، فيقبل علينا بوجهه) (1).
وروى الإمام أحمد عن يزيد بن الأسود - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح في حجة الوداع، ثم انحرف جالسا واستقبل الناس بوجهه، فثار الناس يأخذون بيده ويمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت بيده فمسحت بها وجهي فوجدتها أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك) (2).
وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر (3) وأبو يعلى وابن حبان عن يزيد بن الأسود السوائي قال: (حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فصلى صلاة الصبح، فانحرف فاستقبل الناس بوجهه - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو برجلين من وراء الناس الحديث) (4).
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 492 (62 / 709) وأبو داود 1 / 167 (615) والنسائي في الصلاة (226) عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك وابن ماجه (11 / 321) حديث (1006).
(2) أحمد في المسند 4 / 161.
(3) محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله الحافظ نزيل مكة وقد ينسب إلى جده.
روى عن أبيه وابن عيينة وفضيل بن عياض وعبد العزيز الدراوردي وعبد الوهاب الثقفي وعبد الرزاق وعبد الله بن معاذ الصنعانى وعبد المجيد بن أبي رواد ومروان بن معاوية والوليد بن مسلم وأبي معاوية وداود بن عجلان وعبد الرحيم بن زيد
العمي وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي وفرج بن سعيد بن علقمة المأربي ومعن بن عيسى ويحيى بن سليم الطائفي ويحيى بن عيسى الرملي ومحمد بن يحيى بن قيس المازني ويعقوب بن جعفر بن أبي كثير ويزيد بن هارون وبشر بن السري وغير هم روى عنه مسلم والترمذي وابن ماجه وروى النسائي عن محمد بن حاتم بن نعيم الأزدي وهلال بن العلاء وزكرياء بن يحيى السجزي عنه وابنه عبد الله بن محمد بن أبي عمر وأبو حاتم وأبو زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي وبقي بن مخلد وعثمان بن خرزاذ وأحمد بن عمرو الخلال المكي وعبد الله بن صالح البخاري وإسحاق بن أحمد بن نافع الخزاعي راوي مسنده عنه وهارون بن يوسف الشطوي وعبد الله بن محمد بن شيرويه والمفضل بن محمد الجندي وآخرون.
قال ابن أبي حاتم عن أبيه كان رجلا صالحا وكان به غفلة ورأيت عنده حديثا موضوعا حدث به عن ابن عيينة وكان صدوقا.
قال وثنا أحمد بن سهل الاسفرائني سمعت أحمد وسئل عمن يكتب فقال أما بمكة فابن أبي عمر وقال الحسن بن أحمد بن الليث الرازي كان حج سبعا وسبعين حجة وذكره ابن حبان في الثقات وقال البخاري مات في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
قلت هذا الذي نقله المصنف عن الحسن بن الليث قد نقل الترمذي عنه معناه بلا واسطة.
قال الترمذي في الصلاة من الجامع سمعت ابن أبي عمر يقول كان الحميدي أكبر مني بسنة واختلفت إلى ابن عيينة ثمانية عشر سنة.
قال وسمعته يقول حججت سبعين حجة ماشيا وقال مسلمة لا بأس به وفي الزهري روى عنه مسلم مائتي حديث وستة عشر حديثا.
تهذيب التهذيب 9 / 518.
(4) أحمد في المسند 4 / 161 والطبراني في الكبير وفيه قال الهيثمي 2 / 44 ابن أبي الخريف وأبوه لا أدري من هما.
(*)(8/163)
وروى الشيخان عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة الصبح أقبل علينا بوجهه) (1).
وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل، ثم خرج فلما صلى أقبل علينا بوجهه، الحديث) (2).
وروى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل
على الناس، الحديث) (3).
الثاني - في رفعه - صلى الله عليه وسلم - صوته بالذكر بعد الصلاة.
روى الإمام الشافعي، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما - أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بعد ذلك إذا سمعته وفي رواية كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير (4).
ويأتي حديث عبد الله بن الزبير، في رفعه - صلى الله عليه وسلم - صوته بالذكر في الباب الرابع عشر.
الثالث: في مكثه - صلى الله عليه وسلم - مكان صلاته حتى يذهب الناس وتطلع الشمس.
روى مسلم عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر قعد حتى تطلع الشمس حسنا) (5).
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لأن أقعد من حين تصلى الصبح إلى أن تشرق الشمسص أحب إلى من عتق أربع رقاب، ولأن أقعد من حين تصلى العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلى من عتق أربع رقاب) (6).
__________
(1) أخرجه البخاري (2 / 333) حديث (845) ومسلم (4 / 1781) حديث (23 / 2275).
(2) أخرجه البخاري (1 / 333) حديث (846) ومسلم (1 / 443) حديث (223 / 640).
(3) أخرجه البخاري (1 / 388) حديث (846، 1038، 4147، 7503) ومسلم (1 / 83) حديث (125 / 71) وإثر وأثر لغتان مشهورتان أي بعد المطر.
(4) أخرجه البخاري (2 / 17) حديث (841) ومسلم (1 / 410) حديث (120 / 121 / 583 / 122 / 583) وأبو داود 1 / 263 (1002) (1003) والنسائي 3 / 57 وانظر المشكاة (959).
(5) أخرجه مسلم (1 / 464) حديث (287 / 670) والنسائي 3 / 80 وأحمد 5 / 100 وابن أبي شيبة 9 / 37 (وحسنا) أي طلوعا حسنا، أي مرتفعا.
(6) أحمد في المسند 5 / 261.
(*)(8/164)
الرابع: في مقدار ما يقعد - صلى الله عليه وسلم - بعد السلام.
روى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام) (1).
والظاهر أن هذا القعود الذي كان عليه في الصلاة، ثم يجعل يمينه للناس ويساره للقبلة جمعا بين الأحاديث فيحرر ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) أخرجه مسلم (1 / 414) حديث (136 / 592).
(*)(8/165)
الباب الثالث عشر في صلاته في الفرض قاعدا لعذر وإيمائه في النفل إن صح الخبر
روى أبو يعلى بسند ضعيف عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على الأرض في المكتوبة قاعدا، وقعد في التسبيح في الأرض، فأومأ إيماء) (1).
وروى الأئمة، والدارقطني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (سقط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرس فحجش شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدا فصلينا وراءه قعودا) (2).
ولفظ أحمد، فصلى بهم قاعدا وأشار إليهم أن اقعدوا، فلما سلم، قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) الحديث (3).
وروى البخاري عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سقط عن فرسه فجحشت ساقه أو كتفه فأتاه أصحابه يعودونه، فصلى بهم جالسا) (4).
وروى الإمام أحمد عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انفكت قدمه، فقعد في مشربة له درجها من جذوع النخل فأتاه أصحابه يعودون، فصلى بهم قاعدا) (5).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا من المدينة فصرعه على جذع نخلة، فانفكت قدمه، فأتيناه نعوده فوجدناه في مشربة لعائشة، فسبح جالسا فقمنا خلفه، فأشار إلينا فقعدنا، فلما قضى الصلاة قال: (إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا، وإذا صلى الإمام قائما فصلوا قياما، ولا تفعلوا كما فعل أهل فارس بعظمائها) (6).
وروى الأئمة، والنسائي، والدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته جالسا وراءه قوم قياما، أشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال:
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 149 وقال فيه حفص بن عمر ضعيف.
(2) أخرجه البخاري (2 / 204) حديث (689) ومسلم (1 / 308) حديث (77 / 411) وأبو داود 1 / 164 (601) والنسائي 2 / 77 وأحمد في المسند 3 / 110، 162.
(3) أحمد في المسند 3 / 162.
(4) تقدم قبل قليل.
(5) أحمد في المسند 3 / 162.
(6) أخرجه مسلم (1 / 309) وأبو داود 1 / 164 (602) وابن ماجه 2 / 1153 (3485) والدارقطني 1 / 422.(8/166)
(إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا) (1).
وهذا الحديث له طرق وروايات كثيرة يأتي ذكر كثير منها في باب فضل أبي بكر الصديق وفي الوفاة النبوية.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
فجحش: بضم الجيم وكسر الحاء المهملة وشين معجمة أي: انخذش جلده.
صرع: سقط عن ظهرها.
جذع نخلة: بكسر الجيم، وسكون الذال المعجمة أي: أصلها، أو قطعة منها.
وقوله فانفكت قدمه: قال أبو الفضل العراقي: لا ينافي الرواية التي قبلها أي لا مانع من حصول خدش الجلد وفك القدم معا قال ويحتمل أنهما واقعتان.
ومشربة: بضم الراء وفتحها أي: غرفة، وقيل: خزانة فيها الطعام والشراب، وبه سميت مشربة.
__________
(1) أخرجه البخاري (2 / 204) (688، 1113، 1236) (5658) ومسلم (1 / 309) حديث (82 / 412) وأبو داود 1 / 165 (605) والدارقطني 1 / 297.
(*)(8/167)
الباب الرابع عشر في أذكاره ودعواته بعد صلواته من غير تعيين صلاة - صلى الله عليه وسلم -
روى الإمام أحمد، ومسلم، والأربعة، عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان إذا سلم استغفر الله ثلاثا، ويقول: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) (1).
قيل للأوزاعي: كيف الاستغفار ؟ قال: يقول: (استغفر الله).
وروى الإمام أحمد، ومسلم والنسائي، وأبو داود، عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله [ لا إله إلا الله ] ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل وله الثناء الحسن الجميل، لا إله إلا الله، مخلصين له
الدين، ولو كره الكافرون).
قال: (وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن، دبر كل صلاة).
وفي رواية عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته يقول: زاد الإمام الشافعي بصوته الأعلى وذكر الحديث) (2) وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، والطبراني برجال الصحيح، عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (3).
وروى أبو يعلى وابن حبان عن كعب الأحبار - رحمه الله تعالى - (أنه حلف بالله الذي فلق البحر لموسى عليه السلام أنا نجد في التوارة، أن داود النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهؤلاء الكلمات عند انصرفه من الصلاة، اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (4).
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 275 وأبو داود 2 / 84 (1513) والترمذي 2 / 98 (300) والنسائي 3 / 58 وابن ماجه 1 / 300 (928) وقد تقدم.
(2) الشافعي في المسند (1 / 99) حديث (288) وأحمد 4 / 4 وأبو داود 2 / 82 (1506).
(3) أخرجه البخاري (2 / 325) حديث (844) ومسلم (1 / 414) حديث (137 / 593) وأحمد 4 / 245 وأبو داود 2 / 82 (1505) والنسائي 3 / 60.
(4) أخرجه ابن السني (124) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد حديث (541) وانظر الاحسان 3 / 537 (2024) والنسائي في عمل اليوم والليلة (137) وأبو نعيم في الحلية 6 / 46.
(*)(8/168)
قال كعب: وحدثني صهيب: أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان يقولهن عند انصرافه من الصلاة.
وروى النسائي والترمذي عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر الصلاة: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر) (1).
وروى ابن أبي شيبة، والنسائي في عمل اليوم والليلة عن رجل من الأنصار - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دبر الصلاة يقول: (اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور)، مائة مرة (2).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سلم من صلاته قال: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) (3).
وروى البزار بسند جيد عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - والبزار والطبراني بسند حسن عن ابن عباس، والطبراني عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انصرف من الصلاة، قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد)، زاد جابر والطبراني عن ابن عباس.
(يحيي ويميت)، زاد البزار عن ابن عباس: (بيده الخير)، ثم اتفقوا: (وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (4).
وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كنا نعرف انصراف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) (5).
وروى الطبراني بسند جيد، والنسائي غير قولها دبر كل صلاة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في دبر كل صلاة: ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل أعذني من حر النار ومن عذاب القبر) (6).
__________
(1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى كما في التحفة 9 / 57.
(2) أخرجه أحمد 5 / 371 وابن أبي شيبة 10 / 235 وانظر المجمع 10 / 110.
(3) الحديث عند ابن أبي شيبة 1 / 303.
(4) حديث ابن عباس عند البزار قال الهيثمي رواه البزار والطبراني بنحوه وإسناده حسن وحديث جابر عند البزار وحسنه الهيثمي في المجمع وحديث معاوية رواه الطبراني وفيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف انظر المجمع (10 / 103).
(5) الطبراني وقال الهيثمي 10 / 103 فيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير متروك.
(6) أخرجه النسائي 3 / 61.
(*)(8/169)
وروى البزار والطبراني من طريق زيد العمي، وبقية رجاله ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى وفرغ صلاته مسح بيمينه على رأسه).
وفي لفظ ((على جبهته)، وقال: (باسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن).
وفي لفظ: (الغم والحزن) (1).
وروى البزار وأبو يعلى بسند ضعيف عنه قال: (ما صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة مكتوبة قط، إلا قال حين أقبل علينا بوجهه: (اللهم إني أعوذ بك من كل عمل يخزيني، وأعوذ بك من كل صاحب يرديني، وأعوذ بك من كل أمل يلهيني، وأعوذ بك من كل فقر ينسيني، وأعوذ بك من كل غني يطغيني) (2).
وروى أبو يعلى برجال ثقات، إلا أبا هارون عن أبي هارون قال: قلنا لأبي سعيد هل حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا كان يقوله بعد ما يسلم ؟ قال: نعم قال: كان يقول: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين) (3).
وروى الطبراني بسند ضعيف، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان مقامي بين كتفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا سلم قال: (اللهم اجعل خير عمري أخره، اللهم اجعل خواتيم عملي رضوانك، اللهم اجعل خير أيامي يوم لقائك) (4).
وروى الطبراني بسند جيد عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - قال: ما صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا سمعته يقول: حين ينصرف: (اللهم اغفر لي خطاياي وذنوبي كلها، وأجرني، واهذني لصالح الأعمال والأخلاق لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت).
ورواه عن أبي أمامة أيضا برجال ثقات (5).
وروى البزار برجال ثقات عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (ما صليت وراء نبيكم - صلى الله عليه وسلم - إلا سمعته يقول حين ينصرف (اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي، اللهم اهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها إلا أنت، ولا يصرف سيئها إلا أنت) (6).
__________
(1) البزار كما في الكشف 4 / 22 وقال الهيثمي 10 / 110 رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه بأسانيد، وفيه زيد العمي قد وثقه غير واحد وضعفه الجمهور وبقية رجال أحد إسنادي الطبراني ثقات وفي بعضهم خلاف.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع في المصدر السابق وقال فيه بكر بن خنيس وهو متروك وقد وثقه ورواه أبو يعلى وفيه عقبة بن عبد الله الأصم وهو ضعيف جدا.
(3) أخرجه أبو يعلى 2 / 363 (144 / 1118) وقال الهيثمي رجاله ثقات.
(4) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 10 / 110 فيه أبو مالك ضعيف.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 10 / 173 وقال رواه الطبراني ورجاله وثقوا.
(6) أخرجه البزار كما في الكشف 4 / 58 وعزاه الهيثمي إلى الطبراني وقال رواه الطبراني و رجاله وثقوا المجمع 10 / 173.
(*)(8/170)
تنبيه: قال ابن القيم في الهدي: وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين فلم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - أصلا، ولا روي عنه يإسناد صحيح ولا حسن وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الخلفاء بعده ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضا عن السنة.
قال: وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة، إنما فعلها فيها، وأمر بها فيها، قال وهذا هو الائق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه مناجيه [ ما دام في الصلاة ]، فإذا سلم منها، انقطعت [ تلك المناجاة ] وزوال ذلك الموقف بين يديه و القرب منه فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه، وهو مقبل عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه.
[ قال ] الحافظ: وما ادعاه من النفي مطلقا مردود، فقد ثبت عن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (يا معاذ والله إني لأحبك، فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، و حسن عبادتك).
ورواه أبو داود والنسائي [ وصححه ابن حبان والحاكم، وحديث أبي بكرة في قول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهن دبر كل صلاة، أخرجه أحمد والترمذي والنسائي، وصححه الحاكم، وحديث سعد الآتي في (باب التعوذ من البخل) قريبا، فإن في بعض طرقه المطلوب ]، وذكر حديث زيد بن أرقم السابق، وما بعده، ثم قال: فإن قيل: المراد بدبر كل صلاة قرب آخرها، وهو التشهد.
قلنا: قد ورد الأمر بالذكر دبر الصلاة، والمراد به بعد السلام إجماعا فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة، قبل يا رسول الله أي الدعاء أسمع ؟ قال: (جوف الليل الأخير، ودبر الصلوات المكتوبات).
وقال: حسن.
وأخرج الطبري عن جعفر بن محمد الصادق قال: الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة (1).
__________
(1) ذكره الحافظ في الفتح 11 / 138 تابع حديث (6330).
(*)(8/171)
الباب الخامس عشر فيما كان يقوله ويفعله - صلى الله عليه وسلم - بعد الصبح، والعصر، والمغرب
روى الطبراني برجال ثقات - غير الفضل بن موفق (1)، وثقه ابن حبان، وضعف حديثه أبو حاتم الرازي - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى يمكنه الصلاة، وقال: (من صلى الصبح ثم جلس حتى يمكنه الصلاة كانت له بمنزلة عمرة، وحجة متقبلتين) (2).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس) (3).
وروى أبو يعلى برجال ثقات - غير أبي عابد محتسب (4) - أبو عائذ - وثقه ابن حبان، وضعفه غيره - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من بني إسماعيل، دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفا، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى بعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي أن أعتق أربعة من بني إسماعيل دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفا)) (5).
وروى أبو يعلى والطبراني في الدعاء، عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح بأصحابه أقبل على القوم فقال: (اللهم إني أعوذ بك من عمل يخزيني، اللهم إني أعوذ بك من عمل يخزيني، اللهم إني أعوذ بك من غنى يطغيني، اللهم إني أعوذ بك من صاحب يؤذيني، [ اللهم إني أعوذ بك من أمل
__________
(1) الفضل بن موفق ضعفه أبو حاتم، وقال: كان قرابة لابن عبينة.
روى عن فطر، ومالك بن مغول، روى عنه أحمد بن حنبل وأبو أمية الطرسوسي، وجماعة ميزان الاعتدال 3 / 360.
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 10 / 105 فيه الفضل بن موفق وثقه ابن حبان وضعف حديثه أبو حاتم الرازي وبقية رجاله ثقات.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 10 / 107 وقال هو في الصحيح غير قوله (يذكر الله) رواه الطبراني في الصغير ورجاله ثقات.
(4) محتسب بن عبد الرحمن، أبو عائذ.
عن ثابت البناني.
وعنه أبو عبيدة الحداد.
لين.
وقال ابن عدي: يروي عن ثابت أحاديث ليست بمحفوظة، منها: عن أنس حديث: طوبى لمن رآني وآمن بي مرة، وطوبي لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات.
ميزان الاعتدال 3 / 442.
(5) أبو يعلى في المسند 6 / 119 (637 / 3392) وقال الهيثمي في المجمع 10 / 105 رواه أبو داود باختصار ورواه أبو يعلى وفيه محتسب أبو عائد وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات.
(*)(8/172)
يلهيني ]، اللهم إني أعوذ بك من فقر ينسيني [ وأعوذ بك من كل غنى يطغيني ]، (1).
وروى عن زميل الجهني - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح قال: وهو ثان رجله: (سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله، إنه كان توابا)، سبعين مرة، ثم يقول: (سبعين بسبعمائة، لا خير، فيمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة)، ثم يستقبل الناس بوجهه (2).
وروى الطبراني برجال ثقات عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بعد صلاة الصبح، (اللهم إني أسألك رزقا طيبا، وعلما نافعا، وعملا متقبلا) (3).
وروى الطبراني عن أبي موسى، والطبراني عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله تعالى عنهما - قالا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح يرفع صوته حتى يسمع أصحابه يقول: (اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري) ثلاث مرات (زاد أبو موسى: اللهم أصلح لي آخرتي التي جعلت إليها مرجعي ثلاث مرات، اللهم أصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي ثلاث مرات) (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك ثلاث مرات، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (4).
__________
(1) قال الهيثمي في المجمع 1 / 110 رواه البزار وفيه بكر بن خنيس وهو متروك وقد وثقه ورواه أبو يعلى وفيه عقبة بن عبد الله ضعيف جدا.
(2) ذكره الهيثمي 7 / 183 وقال رواه الطبراني وفيه سليمان بن عطاء ضعيف.
(3) أخرجه الطبراني في الصغير (1 / 260) وعبد الرزاق (3191).
(4) حديث أبي برزة فيه اسحاق بن يحيى ضعيف وحديث أبي موسى رواه الطبراني في الأوسط وفيه اسحاق المجمع 10 / 111.
(*)(8/173)
الباب السادس عشر في آداب صدرت منه - صلى الله عليه وسلم - تتعلق بالصلاة غير ما تقدم
روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، والشيخان وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن ابن مسعود، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن الهلب، والإمام الشافعي، عن أبي هريرة، والطيالسي، عن أوس الثقفي - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انصرف من الصلاة، انصرف عن يمينه تارة، وعن شماله تارة) (1).
وروى مسلم، والنسائي، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي - رحمه الله تعالى قال: سألت أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - كيف أنصرف إذا سلمت عن يميني، أو عن يساري ؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصرف عن يمينه) (2).
وروى الترمذي، وحسنه، عن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمر مع أبي بكر في الأمر من الأمور المسلمين وأنا معهما) (3).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (اقيمت صلاة الصبح فقام رجل يصلي ركعتين فجذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثوبه وقال: أتصلي الصبح أربعا ؟) (4).
وروى أبو داود، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح ما يقوم إلا إلى (عظم صلاته) (5).
وروى الإمام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قبل العشاء، ولا سهر بعدها) (6).
وروى الإمام أحمد وأبو داود، والنسائي، وابن حبان، واللفظ للثلاثة، عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنهما - قال: قلت لأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) تقدم وانظر البخاري (2 / 393) حديث (852) ومسلم (1 / 492) (59 / 707) وأبو داود (1041) والنسائي 3 / 68 والترمذي (301) وابن ماجه 1 / 300 (931) وأحمد في المسند 5 / 226.
(2) أخرجه مسلم (1 / 492) حديث (60 / 708) (61 / 708) (61 / 708) والنسائي 3 / 68.
(3) أخرجه الترمذي 1 / 315 (169).
(4) أحمد في المسند 1 / 238.
(5) أخرجه أبو داود 3 / 322 (3663) وعظم الشئ - بضم العين وسكون الظاء - أكثرها ومعظمها.
(6) أحمد في المسند 6 / 264.
(*)(8/174)
أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه ؟ قالت: نعم، ما لم ير فيه أذى) (1).
وروى مسدد وابن أبي شيبة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الثوب الذي يجامع فيه) (2).
وروى الإمام أحمد، ومسلم والترمذي عن أنس، والإمام أحمد، وابن ماجه عن أوس، وابن ماجه عن ابن مسعود، والإمام أحمد، والنسائي، عن عمرو بن حريث، والإمام أحمد عن عبد الله بن أبي حبيبة، والبزار، والطبراني، عن ابن عباس، والإمام أحمد عن مجمع بن جارية، والطبراني برجال ثقات عن فيروز الديلمي، عن وفد ثقيف، والطبراني عن الهرماس بن زياد، والطبراني عن ابن عمر، والإمام أحمد عن أبي هريرة، وأبو يعلى والبزار عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنهم - أنهم رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في نعله (3).
وروى الحارث عن سليمان بن حميد، قال: حدثني من سمع الأعرابي - قال: (رأيت
النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وعليه نعلان من بقر قال: فتفل عن يساره، ثم حك حيث تقل بنعله) (4).
وروى أبو يعلى، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في خفيه (5).
وروى الطبراني برجال ثقات عن أوس بن أوس - رضي الله تعالى عنه - قال: أقمت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصف شهر، فرأيته يصلي، وعليه نعلان متقابلتان (6).
__________
(1) أخرجه أبو داود 1 / 100 (366) والنسائي 1 / 127.
(2) ابن أبي شيبة 2 / 482 وأبو داود في الطهارة باب (132) والنسائي في الطهارة باب (183) وأحمد 6 / 217 والخطيب 7 / 407.
(3) من حديث أنس أخرجه مسلم (1 / 391) حديث (60 / 555) والترمذي 2 / 249 (400) وقال حسن صحيح والنسائي 2 / 58.
ومن حديث ابن مسعود أخره ابن ماجه 1 / 330 (1037) ومن حديث عمرو أخرجه أحمد 4 / 307 وحديث عبد الله بن أبي حبيبة أحمد 4 / 221 وحديث ابن عباس ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 54 وقال فيه النضر أبو عمر وهو ضعيف جدا وحديث أوس أحمد 4 / 8 وابن ماجه 1 / 330 (1037) وحديث مجمع أحمد 3 / 480 وفيه يزيد بن عياض منكر الحديث وحديث فيروز عند الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2 / 55 رجاله ثقات وحديث الهرماس الطبراني في الأوسط وضعفه الهيثمي في المجمع 2 / 55 وحديث ابن عمر الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 54 رجاله ثقات خلا شيخ الطبراني محمد بن عبد الرحمن الأزرق فإني لم أعرفه وحديث أبي بكره قال الهيثمي 2 / 54 رواه أبو يعلى والبزار وفيه بحر بن مرار أحد من اختلط.
(4) أخرجه أحمد في المسند 5 / 6 وذكره الحافظ في المطالب 1 / 106 (383).
(5) أبو يعلى في المسند 5 / 291 (157 / 2912) وذكره الحافظ في المطالب 1 / 107 (385).
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 55 وقال روى ابن ماجه منه الصلاة في النعلين ورواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
(*)(8/175)
وروى الطبراني برجال ثقات عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي منتعلا وحافيا (1).
وروى الطبراني برجال الصحيح، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: لم يخلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعله في الصلاة إلا مرة واحدة فخلع القوم نعالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لم خلعتم نعالكم ؟) قالوا: قد رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: (إن جبريل عليه السلام أخبرني أن فيهما قذرا) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه في نعليه إذ خلعهما فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك أصحابه ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما حملكم على خلع نعالكم ؟)، قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا) (3).
ورواه الدارقطني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (إن جبريل أتاني فقال: إن فيهما دم حلمة)، وسنده ضعيف (4).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن أبي شيبة - رضي الله تعالى عنهم - عن ابن مسعود قال: لقد رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الخفين والنعلين (5).
وروى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن عبد الله بن السائب - رضي الله تعالى عنه - قال: ((رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ووضع نعليه عن يساره) (6).
وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، عن جابر، والإمام أحمد، وابن ماجه، عن عبد الرحمن بن كيسان، عن أبيه - رضي الله تعالى عنهم - أنهم رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في ثوب واحد (7).
__________
(1) الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات المصدر السابق.
(2) الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح المصدر السابق.
(3) أخرجه أبو داود 1 / 175 (650) وأخرجه البيهقي (2 / 204) وابن سعد 1 / 2 والطبراني في الكبير 10 / 83 والطحاوي في المعاني 1 / 511 وذكره الحافظ في المطالب (381) وانظر نصب الراية 1 / 208.
(4) أخرجه الدارقطني 1 / 399 وفيه صالح بن بيان قال الدارقطني متروك وفيه أيضا فرات بن السائب قال البخاري منكر وقال ابن معين ليس بشئ.
(5) أخرجه ابن ماجه 1 / 330 (1039) وقال البوصيري في الزوائد في إسناده أبو اسحاق وقد اختلط بآخر عمره وزهير - الراوي عن أبي إسحاق - روى عنه في اختلاطه.
(6) أبو داود 1 / 175 (648) والنسائي 2 / 58 وابن ماجه 1 / 460 (1431).
(7) أخرجه البخاري (1 / 558) حديث (353) ومسلم 1 / 369 (284 / 519) ومن حديث عبد الرحمن أخرجه ابن ماجه 1 / 333 (1050) وقال البوصيري إسناده ضعيف.
(*)(8/176)
قال جابر: متوحشا.
وقال عمرو بن أبي سلمة: قد خالف بين طرفيه وفي لفظ: مشتملا به واضعا طرفيه على عاتقه (1).
وروى ابن ماجه عن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في شملة قد عقد عليها (2).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع القوم في ثوب واحد وفي لفظ: يرد حبرة متوشحا به (3).
وروى الإمام أحمد، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل يصلي في برد له حضرمي متوشحه ما عليه غيره) (4).
وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في خميصة لها أعلام فنطر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي) (5).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - قال: أهدي
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فروج حرير فليسه ثم صلى فيه ثم انصرف، فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، وقال: (لا ينبغي هذا للمتقين) (6).
وروى الطبراني، عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - قال صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد مؤتزرا به (7).
وروى الطبراني عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: أمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قطيفة قد خالف بين طرفيها (8).
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 368 (278 / 517).
(2) ابن ماجه 2 / 1176 (3552) قال أبو نعيم: لم يلق خالد عبادة ولم يسمع منه والأحوص ضعيف قاله البوصيري في زوائده.
(3) أخرجه أحمد 3 / 257 والنسائي 2 / 61.
(4) أحمد في المسند 1 / 265.
(5) أخرجه البخاري (1 / 482) حديث (373) ومسلم (1 / 391) حديث (62 / 556) وأحمد 6 / 199 وأبو داود 4 / 49 (4052) وابن ماجه 2 / 1176 (3550).
(6) أخرجه البخاري (1 / 484) (375، 5081) ومسلم (3 / 1646) حديث (23 / 2075) وأحمد 4 / 143.
(7) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 51 فيه محمد بن صبيح لم أر من ترجمه.
(8) الطبراني في الكبير قال الهيثمي في المصدر السابق فيه موسى بن عمير وهو ضعيف.
(*)(8/177)
وروى ابن ماجه، عن عبد الرحمن بن كيسان، عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر والعصر في ثوب واحد) (1).
وروى أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: (أمنا جابر بن عبد الله في قميص ليس عليه رداء، فلما انصرف قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في قميص) (2).
وروى أبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
ثوب علي بعضه (3).
وروى الإمام الشافعي، وأبو داود، عن ميمونة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في مرط بعضه علي وبعضه عليه - وأنا حائض (4).
وروى أبو يعلى - بسند حسن - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فوجد القر، فقال (يا عائشة: أرخي علي مرطك) قالت إني حائض قال: (علة وبخلا إن حيضتك ليست في يدك) (5).
وروى الإمام أحمد - برجال ثقات - عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: (بت بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وعليه طرف اللحاف، وعلى عائشة طرفه وهي حائض لا تصلي) (6).
وروى الإمام أحمد - برجال الصحيح - وابن أبي شيبة، وأبو يعلى، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه، متوحشا به يتقي بفضوله حر الأرض وبردها) (7).
وروى الطبراني برجال الصحيح عنه أيضا قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على ثوبه) (8).
وروى الإمام أحمد عنه قال: لقد (لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم مطير وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه، يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد) (9).
__________
(1) ابن ماجه 1 / 334 (1051) وإسناده حسن قاله البوصيري.
(2) أخرجه أبو داود 1 / 171 (633).
(3) أبو داود المصدر السابق (631).
(4) أخرجه أبو داود 1 / 101 (370).
(5) المقصد العلي 1 / 369 وحسنه الهيثمي في المجمع 2 / 49.
(6) أخرجه أحمد في المسند 5 / 400.
(7) أخرجه أحمد وأبو يعلى وقال الهيثمي 2 / 48 رجال أحمد رجال الصحيح.
(8) الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح 2 / 57 المجمع.
(9) أحمد 1 / 265.
(*)(8/178)
وروى ابن ماجه عن عبد الرحمن بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال: (جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد بني عبد الله الأشهل، فرأيته واضعا يديه على ثوبه إذا سجد يقيه برد الحصى) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي - بسند حسن - عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قميص) (2).
وروى الإمام أحمد، والشافعي، والترمذي، وقال: حسن صحيح - والنسائي، وابن ماجه، عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مسجد بني عمرو بن عوف، يصلي ودخل عليه رجال من الأنصار، يسلمون عليه، فسألت صهيبا كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه - ؟ فقال: هكذا، وبسط كفه، وجعل بطنه إلى أسفل وظهره إلى فوق) (3).
وروى الإمام أحمد والثلاثة، وحسنه الترمذي، عن صهيب - رضي الله تعالى عنه - قال: (مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فسلمت عليه فرد عليه إشارة بأصبعه) (4).
وروى الإمام أحمد والدارقطني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير في الصلاة) (5).
وروى الإمام أحمد عن أبي بشير وعبد الله بن زيد الأنصاري المازني - رضي الله تعالى عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم ذات يوم، وامرأة بالبطحاء، فأشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تأخري فرجعت حتى صلى ثم مرت) (6).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (مررت
برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه فأشار إلي) (7).
وروى أبو داود عن سهل ابن الحنظلية وهي أمه، واسم أبيه عمرو - رضي الله تعالى
__________
(1) هذا حديث ملفق من حديثين أخرجهما ابن ماجه (1 / 328) (1031) (1032) وقال البوصيري في الزوائد في إسناد الحديث الأول اسناده متصل وقال في الثاني في إسناده إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي قال البخاري منكر الحديث وضعفه غيره ووثقه العجلي وعبد الله بن عبد الرحمن لم أر من تكلم فيه ولا من وثقه وباقي رجاله ثقات.
(2) أحمد في المسند 6 / 317 وأبو داود 4 / 43 (4025) والنسائي في اكبري.
(3) أخرجه أحمد في المسند 4 / 332 وأبو داود 1 / 243 (927) والترمذي 2 / 203 (368) والنسائي 3 / 6 وابن ماجه 1 / 325 (1017).
(4) أخرجه أحمد في المسند 4 / 332 وأبو داود 1 / 243 (925) والترمذي 2 / 203 (367).
(5) أخرجه الدارقطني 2 / 84.
(6) أحمد في المسند 5 / 216.
(7) الطبراني في الأوسط والصغير ورجاله رجال الصحيح المجمع 2 / 81.
(*)(8/179)
عنه، قال: ثوب بالصلاة - يعني صلاة الصبح - فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب.
قال أبو داود: (وكان قد أرسل فارسا من الليل يحرس) (1).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، والترمذي - وقال: (غريب - وذكر أنه روي عن عكرمة مرسلا) وكذلك رواه الدارقطني موصولا ومرسلا عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان يلتفت في الصلاة يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه) (2).
وروى الطبراني برجال ثقات غير حبرة بن نجم الإسكندراني فيحرر حاله، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتفت في الصلاة عن يمينه، وعن شماله، ثم أنزل الله عز وجل (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) فخشع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يلتفت يمينا ولا شمالا) (3).
وروى مسدد والإمام أحمد وابن ماجه، وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي عن علي بن شيبان الحنفي - رضي الله تعالى عنه - قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلمح بمؤخر عينيه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، قال: (يا معشر المسلمين، لا صلاة لا مرئ لا يقيم صلبه في الركوع والسجود)، الحديث (4).
وروى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنهما - قال: اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياما، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا، الحديث (5).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والدارقطني، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت إذا استأذنت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبح) (6).
وروى أبو يعلى عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت استأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان في الصلاة سبح وإن كان في غير الصلاة أذن لي.
وروى الإمام أحمد ومسلم عن عبد الله بن الشخير - رضي الله تعالى عنه - قال:
__________
(1) أبو داود 1 / 241 (916).
(2) أحمد في المسند 1 / 360 والنسائي 3 / 9 والترمذي 2 / 83 (290) وقال غريب.
(3) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 80 تفرد به حبرة بن نجم الاسكندراني ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات.
(4) أحمد في المسند 4 / 23 وابن ماجه 1 / 282 (871) والبيهقي 3 / 105.
(5) تقدم وهو عند مسلم 1 / 309 (84 / 413).
(6) أحمد في المسند 1 / 79 وأخرجه الترمذي (2 / 206) تابع (369).
(*)(8/180)
(صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيته تنخم فدلكها بنعله اليسرى).
ورواه النسائي بلفظ:
(أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فبزق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله) (1).
وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي) (2).
وروى الإمام أحمد والثلاثة وحسنه الترمذي والدارقطني بسند جيد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: خرجت يوما ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في البيت تطوعا، والباب عليه مغلق والباب على القبلة، فاستفتحت، فمشى عن يمينه أو عن يساره، ففتح لي ثم رجع القهقرى إلى الصلاة فأتم صلاته (3).
وروى الطبراني بسند جيد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو في المسجد قائما يصلي، والباب مجاف مما يلي القبلة، متنحيا من المسجد، فاستفتحت، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوتي، أهوى بيده ففتح الباب، ثم مضى على صلاته، الحديث.
قلت: والظاهر كما قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي: إن هذه القصة غير الأولى، لأنه في تلك أنه كان يصلي في البيت وفي هذه كان في المسجد (4).
وروى ابن ماجه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل عقربة وهو في الصلاة (5).
وروى البزار من طريق يوسف عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته إذ ضرب شيئا في صلاته، فإذا هي عقرب ضربها فقتلها، الحديث (6).
وروى الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب، (أن
__________
(1) أخرجه مسلم (1 / 390) حديث (58 / 554) وأحمد 4 / 25 وأبو داود 1 / 130 (482، 483).
(2) البخاري (1 / 484) حديث (374).
(3) أحمد 1 / 31 وأبو داود 1 / 242 (922) والترمذي 2 / 497 (601) والنسائي 3 / 10 والدارقطني 2 / 80.
(4) وقال الهيثمي في المجمع 2 / 84 رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث والحديث عند أبي داود والترمذي والنسائي إلا أنه كان يصلي في البيت والبيت عليه مغلق فمشى حتى فتح لها ثم رجع.
(5) ابن ماجه 1 / 39 (1247) وإسناده ضعيف بضعف مندل وقد تقدم الكلام على مندل.
(6) أخرجه البزار كما في الكشف 2 / 15 وقال الهيثمي في المجمع 3 / 229 فيه يوسف بن نافع ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه ولم يوثقه وذكره ابن حبان في الثقات.
(*)(8/181)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وأمامة بنت العاصي على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها) (1).
وروى الشيخان عن أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي العاصي بن الربيع فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها (2).
وروى مسدد برجال ثقات عن رجل من بني زريق - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاملا أميمة بنت زينب على عنقه أو عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رأسه من السجود حملها.
وروى ابن أبي شيبة عن طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء الحسين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد فركب على ظهره، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، فقام وهو على ظهره ثم ركع، ثم أرسله فذهب.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذا رفيقا وبضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى قضى صلاته، ثم أقعد، أحدهما على فخذيه فقمت إليه فقلت: يا رسول الله أردهما، فبرقت برقة، فقال: (الحقا بأمكما)، فمكث ضوؤها حتى دخلا) (3).
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح) (4).
وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجز الصلاة ويكملها) (5).
وروى الشيخان عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال: (أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى امرأة: أن انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها،
__________
(1) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 58 فيه أبو سليمان عن الصحابي فإن كان هو خليد بن عبد الله العصري فهو ثقة.
(2) أخرجه البخاري (1 / 590) حديث (516) ومسلم (1 / 386) حديث (42 / 543).
(3) أحمد في المسند 2 / 513.
(4) أخرجه البخاري (1 / 586) حديث (382، 383، 384) ومسلم (1 / 367) حديث (272 / 512).
(5) أخرجه البخاري (1 / 235) (706) ومسلم (1 / 342) حديث (188 / 469) وأحمد 3 / 101.
(*)(8/182)
فعمل هذه الثلاث درجات، ثم أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعت في هذا الموضع، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه، وهو على المنبر ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر [ ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس ]، فقال: (أيها الناس إنما صنعت لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) (1).
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حافيا ومتنعلا) (2).
وروى أبو داود والبيهقي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في النعلين) زاد: وفي الخفين (3).
وروى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في نعليه) (4).
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير - رحمه الله تعالى - عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء) (5).
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت فيناديه بلال بالأذان، فيغتسل فإني لأرى الماء ينحدر على خده وشعره، ثم يخرج فيصلي فأسمع بكاءه) (6).
وروى الإمام أحمد وابن منيع وأبو يعلى بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر في غزاة بدر إذ تبسم في الصلاة، فلما قضى الصلاة، قالوا: يا رسول الله تبسمت وأنت في الصلاة، فقال: (إن ميكائيل مربي وهو راجع من طلب القوم وعلى جناحه غبار فضحك إلي فتبسمت إليه)، فانظر صحة هذا الخبر (7).
__________
(1) أخرجه البخاري (1 / 461) حديث (917) ومسلم (1 / 317) حديث (104 / 421) وابن ماجه (1416) وأبو داود (1080) والنسائي 1 / 120 وأحمد 5 / 339 والطبراني في الكبير 6 / 186 وأبو عوانة 2 / 47 والبيهقي 3 / 108.
(2) أحمد في المسند 2 / 215 وأبو داود 1 / 176 (653) وابن ماجه 1 / 330 (1038).
(3) الحديث عند ابن ماجه من طريق ابن مسعود 1 / 330 (1039).
(4) تقدم وانظر مسلم (60 / 555).
(5) أخرجه أحمد 4 / 25 وأبو داود 1 / 338 (904) والنسائي 1 / 12.
(6) أخرجه أبو يعلى وقال الهيثمي 2 / 88 رجاله رجال الصحيح.
(7) أخرجه أبو يعلى 4 / 49 (295 / 2060) وقال الهيثمي فيه الوازع بن نافع متروك.
(*)(8/183)
وروى برجال ثقات عن أبي هريرة ومسلم عن أبي الدرداء، والإمام أحمد بسند حسن عن ابن أبي شيبة، وأبو داود عن أبي سعيد الخدري، وجابر والنسائي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي صلاة الصبح فقرأ فالتبست عليه القراءة قال أبو الدرداء قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعناه يقول: (أعوذ بالله منك) ثم قال: (ألعنك بلعنة الله ثلاثا)، وبسط يده كأنه يتناول شيئا، فلما فرغ من صلاته، قلنا يا رسول الله، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: (إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي).
وفي حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (عرض لي ليقطع علي صلاتي)، انتهي.
فقلت (أعوذ بالله منك) ثلاث مرات، ثم قلت: (ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر) ثلاث مرات.
وفي حديث أبي هريرة: (فأمكنني الله منه فدعته)، وفي حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - فلما فرغ من صلاته قال: (لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين الإبهام والتي تليها، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية، حتى تصبحوا وتنظروا إليه، فذكرت قول أخي سليمان (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فرده الله تعالى خائبا، ولو لا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سوراي المسجد تتلاعب به صبيان المدينة) (1).
وفي حديث جابر: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر فجعل يهوي بيده [ قال خلف: يهوي ] قدامه في الصلاة فسأله القوم، حين انصرف، فقال: (إن الشيطان [ هو ] كان يلقي علي شرر النار ليفتنني عن الصلاة، فتناولته فلو أخذته ما انفلت مني حتى يناط بسارية من سواري المسجد، فينظر إليه ولدان المدينة) (2).
ويأتي في باب معجزاته، في باب اطلاعه على أحوال البرزخ، والجنة والنار حديثان.
وروى الطبراني بسند جيد عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: أتينا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي يصلي، فأشار إلينا بيده أن اجلسوا فجلسنا (3).
وروى أبو يعلى ومحمد بن عمر برجال ثقات، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -
__________
(1) أحمد في المسند 3 / 82 ومسلم في المساجد حديث (541) والنسائي 3 / 12 وهو عند البخاري 461، 3284، 3423، 4808) وأبو عوانة 2 / 143 وأبو نعيم في الدلائل 2 / 764 (543).
(2) أخرجه أحمد 5 / 104.
(3) الطبراني في الكبير 2 / 22 وقال الهيثمي في المجمع 2 / 88 فيه أبو جناب وهو ثقة ولكنه مدلس وقد عنعنه.
(*)(8/184)
قالت: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نائما قبل العشاء ولا لاغيا بعدها إما ذاكرا فيغنم وإما نائما فيسلم) (1).
وروى أبو يعلى عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمس رأسه في الصلاة) (2).
وروى أبو يعلى والحاكم والبيهقي عن الحسن - رحمه الله تعالى - مرسلا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمس رأسه ولحيته في الصلاة (3).
وروى أبو يعلى والحاكم والبيهقي، عن عمرو بن حريث - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما مس لحيته في الصلاة (4).
وروى البزار بسند ضعيف عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - كان يمس لحيته في الصلاة من غير عبث فانظر صحته (5).
وروى أبو يعلى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بينهن شئ فجعل ينهاهن، فاحتبس عن الصلاة فناداه أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - يا رسول الله احث في وجوههن التراب، واخرج إلى الصلاة) (6).
وروى الطبراني بسند ضعيف، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح العرق عن وجهه في الصلاة (7).
وروى الطبراني بسند لا بأس به عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكلم في الصلاة ناسيا، فبنى على ما صلى) (8).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة) (9).
__________
(1) أبو يعلى في المسند 8 / 288 (522 / 4878) وقال الهيثمي في المجمع 1 / 314 رجاله رجال الصحيح.
(2) انظر المقصد العلي 1 / 336.
(3) ذكره ابن القيسراني في الموضوعات (217) وانظر المجمع 2 / 85.
(4) أخرجه أبو يعلى وقال الهيثمي 2 / 85 فيه محمد بن الخطاب ضعيف وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2 / 264.
(5) قال الهيثمي 2 / 85 فيه عيسى بن عبد الله من ولد النعمان بن بشير رضي الله عنه وهو ضعيف.
(6) أخرجه أبو يعلى (6 / 396، 990 / 3745).
(7) أخرجه الطبراني في الكبير 11 / 398 وقال الهيثمي في المجمع 2 / 84 فيه خارجة بن مصعب وهو ضعيف جدا.
(8) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 81 فيه معلى بن مهدي قال أبو حاتم: يأتي أحيانا بالمناكير وقال الذهبي: هو من العباد صدوق في نفسه.
(9) أحمد (3 / 138) وأبو داود 1 / 248 (943) وعبد الرزاق (3276) والدارقطني 2 / 84 والبيهقي 2 / 262.
(*)(8/185)
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجة له، ثم أدركته وهو يصلي، فسلمت عليه، فأشار إلي فلما فرغ، دعاني، فقال: (إنك سلمت علي آنفا وأنا أصلي)، وهو موجة حينئذ قبل المشرق (1).
وروى الإمام أحمد والنسائي عن صهيب - رضي الله عنه - قال: مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فسلمت عليه فرد علي إشارة بأصبعه (2).
وروى البيهقي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (لما قدمت من
الحبشة أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فسلمت عليه فأومأ برأسه) (3).
وروى أبو داود عن أم قيس بنت محصن - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه) (4).
وروى الحكيم الترمذي عن جعفر بن كثير بن المطلب قال: (حدثني أبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى الفريضة تياسر فصلى ما بداله، ويأمر أصحابه أن يتياسروا ولا يتيامنوا) (5).
وروى البيهقي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها، فأخذ عودا ليصلي عليه، فأخذه فرمى به، وقال: (صل على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك) (6).
وروى البخاري عن عقبة بن الحارث - رضي الله تعالى عنه - قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر، فلما سلم قام سريعا دخل على بعض نسائه، ثم خرج فرأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته فقال: (ذكرت وأنا في الصلاة تبرا عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته) (7).
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال: كان لي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة آتيه فيها، فإذا أتيته فإن وجدته يصلي تنحنح دخلت عليه، وإن وجدته فارغا أذن لي (8).
__________
(1) أخرجه مسلم (1 / 383) حديث (36 / 540).
(2) أخرجه أحمد في المسند 4 / 332 وأخرجه الترمذي (2 / 203) حديث (367) والنسائي في الصلاة باب (459).
(3) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2 / 260.
(4) أخرجه أبو داود 1 / 249 (948).
(5) أخرجه أبو نعيم وابن منده كما في أسد الغابة 4 / 462.
(6) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2 / 306.
(7) أخرجه البخاري حديث (851).
(8) أحمد في المسند 1 / 79 والنسائي 3 / 11 وابن ماجه 2 / 1222 (3708).
(*)(8/186)
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفخ في صلاة الكسوف (1).
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن كعب بن عجرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا قد شبك بين أصابعه في الصلاة، ففرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصابعه (2).
تنبيهات الأول: وروى الدارقطني عن أبي هريرة [ خلافا لما رواه ] أنس وجابر وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم - قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من أشار في صلاة إشارة تفهم عنه فليعد الصلاة) (3) في سنده أبو غطفان، قال ابن أبي داود مجهول، والصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يشير في الصلاة).
الثاني: في بيان غريب ما سبق.
تفل - بمثناة فوقية ففاء فلام مفتوحات.
متوشحا - بميم فمثناة فوقية فواو فشين معجمة فحاء مهملة.
متقلدا.
الخميصة - بخاء معجمة مفتوحة، فميم مكسورة فتحتية فصاد مهملة فتاء تأنيث.
الأنبجانية - بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فموحدة تحتية مكسورة وروي بفتحها كساء من صوف له خمل ولا علم له من أدون الثياب الغليظة منسوب إلى منبج مفسرا بموحدة وابتدلت الميم همزة البلد المعروفة.
فروج - بفاء مفتوحة فراء مشددة فواو فجيم قباء فيه شق من خلفه.
القر - بقاف مضمومة، فراء البردة.
__________
(1) أخرجه أحمد 2 / 159 وأبو داود (1 / 310) حديث (1194) والنسائي 3 / 112 وهو عند البخاري في العمل في الصلاة معلقا (3 / 101).
(2) أخرجه أحمد 243 وأبو داود 1 / 154 (562).
(3) الدارقطني 2 / 83 وهو كما قال.
(*)(8/187)
الباب السابع عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الجماعة.
وفيه أنواع:
الأول: في محافظته - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الجماعة.
وروى الطبراني - برجال ثقات عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود والترمذي بسند حسن عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: (جاء رجل، وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أيكم يتجر على هذا)، فقام رجل فصلى معه) (2).
وروى الدارقطني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا جاء - وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام يصلي وحده، فقال: (من يتجر على هذا فيصلي معه) (3).
الثاني: في تسويته - صلى الله عليه وسلم - الصفوف.
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا، ويقول: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول) (4).
وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: أقيمت الصلاة، وأقبل علينا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه فقال: (أقيموا صفوفكم وتراصوا) (5).
وروى أبو داود عن محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة قال: (صليت إلى جانب أنس بن مالك يوما، فقال: هل تدري لم صنع هذا العود ؟ قلت: لا والله، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه، ثم التفت فقال: (اعتدلوا سووا، صفوفكم) ثم أخذه بيساره ثم قال: (اعتدلوا سووا صفوفكم) (6).
__________
(1) الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي 2 / 45 رجاله ثقات.
(2) أخرجه أحمد 3 / 64 وأبو داود 1 / 157 (574) والترمذي 1 / 427 (220).
(3) الدارقطني 1 / 276.
(4) أحمد في المسند 4 / 285 وأبو داود 1 / 178 (664) والنسائي 2 / 70.
(5) أخرجه البخاري (2 / 208) حديث (719).
(6) أخرجه أبو داود 1 / 179 (670).
(*)(8/188)
وروى مسلم عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى [ رأى أنا ] قد عقلنا عنه، ثم خرج [ فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلا باديا صدره من الصف، فقال: (عباد الله لتسون صفوفكم، أو ليخالف الله بين وجوهكم) ] (1).
وروى أبو داود عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة، فإذا استوينا كبر) (2).
الثالث: في استخلافه - صلى الله عليه وسلم - في الإمامة إذا خرج - صلى الله عليه وسلم - من المدينة.
روى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (استخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم يؤم الناس) (3).
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (استخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم على المدنية يصلي بالناس) (4).
وروى أيضا عن عبد الله بن بحينة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر استخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فكان يؤذن ويقيم فيصلي بهم) (5).
الرابع - في تجوزه في الصلاة إذا سمع بكاء الصغير.
روى الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه، والدارقطني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه، من بكائه).
ولفظ أبي قتادة: (كراهة أن أشق على أمه) (6).
وروى الدارقطني، عن ابن سابط مرسلا، (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح فقرأ بستين آية فسمع صوت صبي فركع، ثم قام فقرأ بآيتين، ثم ركع) (7).
__________
(1) أخرجه مسلم (1 / 324) حديث (128 / 436) وهو عند البخاري 2 / 206 (717).
(2) أخرجه أبو داود 1 / 178 (665).
(3) أبو داود 1 / 162 (595).
(4) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 2 / 65 فيه عفير بن معدان ضعيف.
(5) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 65 في إسناده الواقدي وقد تقدم الكلام عليه.
(6) أخرجه البخاري (2 / 202) حديث (709) (707) ومسلم (1 / 343) حديث (192 / 470) وأحمد في المسند 5 / 305 والنسائي 2 / 74 وابن ماجه 1 / 316 (989).
(7) الدارقطني 2 / 86.
(*)(8/189)
وروى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف
مخافة أن تفتن أمه) (1).
وروى الإمام أحمد - برجال الصحيح - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع صوت صبي في الصلاة فخفف) (2).
وروى البزار برجال ثقات عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إني لأسمع صوت الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتن أمه) (3).
الخامس: في صلاة النساء معه - صلى الله عليه وسلم - في المسجد.
روى الطبراني، عن سليمان بن أبي حثمة، عن أمه، وعن أم سليم بنت أبي حكيم - رضي الله تعالى عنهما - قالتا: (أدركنا القواعد من النساء، وهن يصلين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفرائض) (4).
وروى الطبراني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كن النساء يصلين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغداة، ثم يخرجن متلفعات بمروطهن) (5).
السادس: في مقاربته خطاه - صلى الله عليه وسلم - إذا قصد الصلاة مع الجماعة.
روى الطبراني مرفوعا وموقوفا - ورجال الموقوف رجال الصحيح - عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نريد الصلاة، فكان يقارب الخطا، فقال: (أتدري لم أقارب ؟) قلت: الله ورسوله أعلم قال: ((لا يزال العبد في صلاة ما دام في طلب الصلاة).
وفي رواية: (إنما فعلت ذلك لتكتب خطاي في طلب الصلاة) (6).
السابع: في تطويله الركعة الأولى من الظهر.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، عن عبد الله بن أبي أوفي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان
__________
(1) أخرجه البخاري (2 / 201) حديث (708).
(2) قال الهيثمي في المجمع: 2 / 74 رجاله رجال الصحيح.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 237 (485) وقال الهيثمي 2 / 74 رجاله ثقات.
(4) الطبراني في الكبير 25 / 130 وقال الهيثمي 2 / 34 فيه عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف.
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2 / 32 فيه محمد بن عمرو بن علقمة اختلف في الاحتجاج به.
(6) الطبراني في الكبير 5 / 136 - 137 وقال الهيثمي 2 / 32 فيه الضحاك بن نبراس وهو ضعيف.
(*)(8/190)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم في الركعة الأولى من الظهر حتى لا يسمع وقع قدم) (1).
الثامن: في انتظاره - صلى الله عليه وسلم - كثرة الجماعة.
روى أبو داود مرسلا عن أبي النضر سالم بن أبي أمية - رحمه الله تعالى - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلا جلس لم يصل، وإذا رآهم جماعة صلى) (2).
التاسع: في تذكره - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة أنه محدث ورجوعه إلى الإمامة.
روى الشيخان، واين ماجه، والدارقطني، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى الصلاة، فلما كبر، انصرف، وأومأ إليهم كما أنتم، ثم خرج، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم.
وفي لفظ (أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم).
وفي رواية: حتى إذا قام في مصلاه، انتظرنا أن يكبر انصرف.
انتهى.
فلما انصرف قال: (إني خرجت إليكم جنبا، فنسيت أن أغتسل، حتى قمت في الصلاة) (3).
وروى الدارقطني عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوم، وليس هو على وضوء، فتمت للقوم وأعاد هو) (4).
وروى الطبراني برجال الصحيح، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل في صلاته فكبر وكبرنا معه، فأشار إلى القوم كما أنتم فلم نزل قياما حتى أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اغتسل ورأسه يقطر ماء) (5).
وروى الإمام أحمد، والطبراني، واللفظ له.
عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فانصرف ونحن قيام، ثم جاء ورأسه يقطر ماء فصلى بنا، ثم قال: (إني كنت صليت بكم وأنا جنب، فمن أصابه مثل الذي أصابني، أو وجد في بطنه رزا فليصنع مثل الذي صنعت).
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 356 وأبو داود 1 / 212 (802).
(2) أبو داود 1 / 149 (545).
(3) أخرجه البخاري (1 / 456) حديث (275، 639، 640) ومسلم (1 / 444) حديث (225 / 642).
(4) الدارقطني 1 / 363 وفيه عيسى بن عبد الله وجويبر بن سعيد وهما ضعيفان.
(5) وأخرجه الدارقطني في السنن 1 / 362.
(*)(8/191)
وفي لفظ فلينصرف وليغتسل، ثم ليأت فليستقبل صلاته (1).
وروى الطبراني، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر بهم في صلاة الصبح، فأومأ إليهم، ثم انطلق، ورجع ورأسه يقطر فصلى بهم ثم قال: (إنما أنا بشر [ مثلكم ] وإني كنت جنبا فنسيت) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استفتح الصلاة فكبر، ثم أومأ إليهم أن مكانكم، ثم دخل فخرج ورأسه يقطر ماء فلما قضي صلاته قال: (إنما أنا بشر وإني كنت جنبا) (3).
العاشر: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - خلف بعض أصحابه - رضي الله تعالى عنهم.
روى الإمامان: مالك، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن المغيرة بن شعبة
- رضي الله تعالى عنه - أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك، قال: فتبرز - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغائط فحملت معه إداوة وذكر الحديث ووضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقبلت معه حين سجد الناس، قد قدموا عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخر، فأما إليه فصلى بهم (4).
الحادي عشر: في إدارته - صلى الله عليه وسلم - من صلى على يساره - صلى الله عليه وسلم - روى الشيخان، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه (5).
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جابر بن صخر فقام عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بأيدينا جميعا فأقامنا خلفه) (6).
__________
(1) قال الهيثمي في المجمع 2 / 98 مداره على ابن لهيعة وفيه كلام.
(2) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 69 فيه غير واحد لم أجد من ذكرهم.
(3) أخرجه أحمد 5 / 41 وأبو داود 1 / 60 (234).
(4) أخرجه أحمد 4 / 244 وابن ماجه 1 / 392 (1236) والنسائي 1 / 65.
(5) أخرجه البخاري (3 / 192) حديث (699، 6316) ومسلم (1 / 525) حديث (181 / 763).
(6) أخرجه مسلم (4 / 2305) حديث (3010).
(*)(8/192)
وروى الإمام أحمد والطبراني عن جابر بن صخر - رضي الله تعالى عنه - قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بطريق مكة، قال: ((اتبعني بالإداوة) فتبعته بماء فتوضأ فأحسن وضوءه،
وتوضأت معه، ثم قام يصلي فقمت عن يساره فأخذ بيدي فحولني عن يمينه فصلينا) (1).
وروى البزار برجال موثقين عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقامني عن يمينه) (2).
وروى البزار عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أنه لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي في ثوب واحد، فقمت عن شماله، فأدارني حتى جعلني عن يمينه) (3).
الثاني عشر: في صفه الرجال ثم الصبيان ثم النساء.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أبي مالك الأشعري - رضي الله تعالى عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أقام الصلاة صف الرجال، وصف الغلمان خلفهم، والنساء خلفهم (4).
الثالث عشر - في صلاته - صلى الله عليه وسلم - في مكان أعلى من مكان المأمومين ليعلمهم.
روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول يوم جلس على المنبر، فقام عليه فكبر، وكبر الناس وراءه، وهو على المنبر) (5).
الرابع عشر: في أمره المؤذن إذا كانت ليلة مطيرة - أن يقول بعد الأذان، ألا صلوا في رحالكم.
روى الإمام مالك والشافعي، وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر، أن يقول: ألا صلوا في رحالكم (6).
__________
(1) قال الهيثمي في المجمع 2 / 94 فيه شرحبيل بن سعد ضعيف.
(2) قال الهيثمي 2 / 95، رجاله موثقون.
(3) قال الهيثمي 2 / 50 إسناده ضعيف جدا.
(4) أحمد في المسند 5 / 341 وأبو داود 1 / 181 (677).
(5) تقدم حديث سهل وانظر أحمد 5 / 339 وأبو داود (1 / 283) حديث (1080) وابن ماجه (1 / 455) (1416) والبيهقي 3 / 195.
(6) أخرجه أحمد 2 / 10 والبخاري (1 / 133) حديث (632، 666) ومسلم (1 / 484) (22 / 697) وأبو داود 1 / 278 (1059) والنسائي 2 / 13 وابن ماجه 1 / 302 (936) وأبو عوانة 2 / 17 والبيهقي 3 / 70 والربيع بن حبيب 1 / 37 والشافعي في المسند (53).
(*)(8/193)
الخامس عشر: في اقتدائه - صلى الله عليه وسلم - بغيره.
وفيه نوعان: الأول: في اقتدائه - صلى الله عليه وسلم - بعبد الرحمن بن عوف.
روى الإمام مالك، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - أنه عزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتبرز النبي - صلى الله عليه وسلم - الغائط فحملت معه إداوة وذكر الحديث.
ووضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال فيه وأقبلت معه حين سجد الناس، فقدموا عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة، فلما أحسن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخر فأومأ إليه يصلي بهم فأدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى الركعتين فصلى مع الناس الركعة الأخيرة، فلما سلم عبد الرحمن، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح، فما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته، أقبل عليهم، ثم قال: (أحسنتم وأصبتم) يغبطهم أن صلوا الصلاة بوقتها (1).
وروى ابن سعد بسند صحيح عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - هل أم النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد [ من هذه الأمة ] غير أبي بكر الصديق ؟ قال: نعم، كنا في سفر فلما كان عند السحر انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانطلقنا معه، حتى تبرزنا عن الناس، فنزل عن راحلته ثم انطلق فتغيب عني حتى ما أراه، فمكث طويلا، ثم جاء فصببت عليه فتوضأ ومسح على خفيه، ثم ركبنا، فأدركنا الناس، وقد أقيمت الصلاة، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف وقد صلى بهم
ركعة وهم في الثانية فذهبت أوذنه، فنهاني فصلينا الركعة التي أدركنا وقضينا التي سبقتنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين صلى عبد الرحمن بن عوف: (ما قبض نبي قط حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته) (2).
الثاني: في اقتدائه - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه.
روى الإمام أحمد، والترمذي - وقال: حسن صحيح - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف أبي بكر الصديق في مرضه الذي مات فيه قاعدا) (3).
وروى الترمذي - وقال: حسن صحيح - والنسائي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه -
__________
(1) انظر مسند أحمد 4 / 249 وقد تقدم.
(2) الطبقات 3 / 61.
(3) أحمد 6 / 251 والترمذي 2 / 197 (362) وقال حسن صحيح غريب.
(*)(8/194)
قال: (صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به) (1).
وروى البيهقي في المعرفة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالف بين طرفيه، فلما أراد أن يقوم قال: (ادع لي أسامة بن زيد) فجاء فأسند ظهره إلى نحره فكان آخر صلاة صلاها) (2).
وروى النسائي عنه أيضا قال: آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع القوم، صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - (3).
وروى ابن حبان في صحيحه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - صلى بالناس ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصف خلفه) (4).
تنبيه: استشكلت هذه الأحاديث بما في الصحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت:
لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فخرج أبو بكر يصلي فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نفسه خفة، فخرج يهادي بين رجلين، كأني أنظر إلى رجليه تخطان الأرض من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه أن مكانك، ثم أتي إلى أن جلس إلى جنبه، فقيل للأعمش، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس بصلاة أبي بكر فقال: نعم.
وعلم عن جابر نحوه، وفيه أن أبا بكر كان مأموما والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الإمام، وفيه وأبو بكر يسمع الناس تكبيره.
والجواب أن هذه الأحاديث المختلفة، قد جمع بينها ابن حبان، والبيهقي، وابن حزم فقال ابن حبان: نحن نقول بمشيئة الله وتوفيقه، إن هذه الأخبار كلها صحاح، وليس شئ منها معارض الآخر، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في صلاته صلاتين في المسجد جماعة لا صلاة واحدة، وإحداها كان مأموما، وفي الأخرى كان إماما.
قال: والدليل على أنها كانت صلاتين لا صلاة واحدة، أن في خبر عبيد الله بن عبد الله عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج بين رجلين، يريد بأحدهما العباس، والآخر عليا.
__________
(1) أخرجه الترمذي 2 / 197 (363).
(2) أخرجه بنحوه ابن أبي شيبة 2 / 330.
(3) أخرجه النسائي 2 / 61.
(4) أخرجه ابن حبان 3 / 28 (2119).
(*)(8/195)
وفي خبر مسروق عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج بين رجلين قال: فهذا بدلك على أنها كانت صلاتين، لا صلاة واحدة.
وقال البيهقي - رحمه الله تعالى - في (المعرفة): والذي نعرفه بالاستدلال بسائر الأخبار أن الصلاة التي صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف أبي بكر هي صلاة الصبح يوم الاثنين، وهي
آخر صلاة صلاها حتى مضى لسبيله، وهي غير الصلاة التي صلاها أبو بكر خلفه، قال ولا يخالف هذا ما ثبت عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين وكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستر الحجرة ونظره إليهم وهم صفوف في الصلاة، وأمره إياهم بإتمامها وإرخائه الستر، فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى، ثم إنه وجد في نفسه خفة فخرج فأدرك معه الركعة الثانية، وقال: والذي يدلك على ذلك ما ذكره موسى بن عقبة في المغازي وذكره أبو الأسود عن عروة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقلع عنه الوعك ليلة الاثنين، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس وغلام له وقد سجد الناس مع أبي بكر في صلاة الصبح وهو قائم في الأخرى، فتخلص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قام إلى جنب أبي بكر فاستأخر أبو بكر، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في مصلاه، فصفا جميعا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وأبو بكر قائم يقرأ القرآن فلما قضى أبو بكر قراءته قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركع معه الركعة الأخيرة، ثم جلس أبو بكر حين قضى سجوده يتشهد، والناس جلوس، فلما سلم أتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الركعة الأخيرة، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، فذكر قصة دعائه أسامة بن زيد، وعهده إليه فيما بعثه فيه، ثم في وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رواه بإسناده إلى ابن شهاب وعروة).
قال البيهقي: فالصلاة التي صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مأموم صلاة الظهر، وهي التي خرج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الفضل بن عباس، وغلام له.
قال: وفي ذلك جمع بين الأخبار التي وردت في هذا الباب.
وقال ابن حزم - رحمه الله تعالى - أيضا إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك، إحدا هما التي رواها الأسود عن عائشة، وعبد الله عنها وعن ابن عباس صفتها أنه - صلى الله عليه وسلم - أم الناس والناس خلفه، وأبو بكر عن يمينه في موقف المأموم، يسمع الناس تكبيره.
والصلاة الثانية التي رواها مسروق، وعبيد الله عن عائشة، وحميد عن أنس صفتها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان خلف أبي بكر في الصف مع الناس، فارتفع الإشكال جملة، قال: وليست صلاة واحدة في الدهر فيحمل ذلك على التعارض، بل في كل يوم خمس صلوات،
ومرضه - صلى الله عليه وسلم - كان مدة اثني عشر يوما، فيه ستون صلاة أو نحو ذلك انتهى والله تعالى أعلم.(8/196)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في السجدات التي ليست بركن
الباب الأول في سجوده - صلى الله عليه وسلم - للسهو
وفيه أنواع: الأول: في سجوده - صلى الله عليه وسلم - قبل السلام.
روى الأئمة، والشيخان، والترمذي، وابن خزيمة، عن عبد الله بن مالك (1) ابن بحينة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عن اثنين من الظهر لم يجلس بينهما فسبحوا فمضى فقام الناس معه، فلما قضى صلاته، ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس، وسجد الناس معه ثم سلم بعد ذلك) (2).
وروى الترمذي - وقال: حسن غريب - عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم (3).
وروى الدارقطني عن المنذر بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم سجد سجدتين قبل التسليم (4).
الثاني: في سجوده - صلى الله عليه وسلم - بعد السلام.
روى الإمام أحمد، والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه عن معاوية بن حديج بضم الحاء المهملة آخره جيم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوما، فانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد، فأمر بلال فأقام الصلاة وصلى بالناس ركعة، فأخبرت
__________
(1) [ عبد الله بن مالك بن القشيب: بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة، الأزدي، أبو محمد، حليف بني
المطلب، يعرف بابن بحينة، بموحدة ومهملة، مصغرا، صحابي معروف، مات بعد الخمسين ] التقريب 1 / 444.
حديث.
(2) أخرجه البخاري (3 / 92) حديث (1224) ومسلم (1 / 399) حديث (86 / 570) وأبو داود 1 / 271 (1030) والترمذي 2 / 235 (391) وقال حسن صحيح والنسائي 3 / 17.
(3) أخرجه الترمذي 2 / 241 (395).
(4) أخرجه الدارقطني 1 / 374 وفيه عبد المهيمن ليس بالقوي.
(*)(8/197)
بذلك الناس فقالوا: أتعرف الرجل، فقلت: لا إلا أن أراه، فمر بي فقلت هو هذا، فقالوا: هذا طلحة بن عبيد الله.
وعين ابن خزيمة الصلاة: المغرب، وقال: وهذه القصة غير قصة ذي اليدين، لأن المعلم للنبي - صلى الله عليه وسلم - طلحة بن عبيد الله مخبره، وفي تلك القصة ذو اليدين والسهو منه - صلى الله عليه وسلم - في قصة ذي اليدين إنما كان في الظهر أو العصر، وفي هذه القصة، إنما كان السهو في المغرب لا في الظهر ولا في العصر (1).
وروى الجماعة والإمام مالك والبزار برجال ثقات، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي: الظهر والعصر، - وفي رواية قال محمد: وأكبر ظني أنها العصر، وفي رواية جزم بأنها الظهر وفي أخرى بأنها العصر - ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم، وفي لفظ في قبلة، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، يعرف في وجهه الغضب، فخرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة، وفي الناس أبو بكر وعمر فهاباه، أن يكلماه، فقال رجل طويل اليدين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوه، وفي لفظ يسميه ذا اليدين، فقال: يا رسول الله أنسيت ؟ أم قصرت الصلاة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل ذلك لم يكن) وفي رواية: كان بعض ذلك، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القوم، وفي رواية، التفت يمينا وشمالا فقال وفي رواية ثم أقبل
على أبي بكر فقال: (أصدق ذو اليدين ؟)، فقال الناس نعم صدق يا رسول الله، لم نصل إلا ركعتين، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقامه، فصلى الركعتين، الباقيتين، ثم سلم ثم كبر ثم سجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر (2).
قيل لابن سيرين: أسلم في السهو ؟ قال: لم أحفظه من أبي هريرة ولكني نبئت عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر فسلم من ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام إليه رجل بسط اليدين يقال له الخرباق - وكان في يديه طول - فقال: يا رسول الله - فذكر به صنيعه، فخرج غضبان يجر رداءه، حتى انتحى الناس، فقال: (أصدق هذا ؟) قالوا نعم، فصلى بهم ركعة، ثم سلم.
الثالث: في سجوده - صلى الله عليه وسلم - للزيادة.
روى الأئمة، والشيخان، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: صلى بنا
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 6 / 410 وأبو داود 1 / 269 (1023) والنسائي 2 / 16 والبيهقي 2 / 359.
(2) أحمد في المسند 2 / 235 والبخاري (10 / 468) حديث (6051) ومسلم (1 / 403) حديث (97 / 573) وأبو داود 1 / 264 (1008) والترمذي 2 / 247 (399) وقال حسن صحيح وابن ماجه 1 / 383 (1214).
(*)(8/198)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر خمسا، فلما سلم قلنا يا رسول الله أزيد في الصلاة ؟ فقال: (وما ذاك ؟) قالوا صليت خمسا، فقال: فثنى رجله واستقبل وسجد سجدتين، ثم سلم، وقال: (إنما أنا بشر مثلكم أتذكر كما تذكرون، وأنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحد كم في صلاته، فليتحر الصواب فليبني عليه ثم يسجد سجدتين) (1).
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر خمسا فسجد سجدتين للسهو وهو جالس) (6).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
سرعان الناس - بسين فعين مهملتين بينهما راء مفتوحات.
الخرباق - بكسر الخاء المعجمة، وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف.
__________
(1) أحمد في المسند 1 / 424 والبخاري (1 / 53) حديث (401) ومسلم (1 / 400) حديث (89 / 572) وأبو داود 1 / 268 (1020) والترمذي 2 / 238 (392) وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي 3 / 24 وابن ماجه 1 / 382 (1211).
(2) أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وقال الهيثمي 2 / 152 فيه سعيد بن بشير ثقة ولكنه اختلط.
(*)(8/199)
الباب الثاني في بيان سجداته - صلى الله عليه وسلم - التلاوة على سبيل الإجمال
روى أبو داود، وابن ماجه، والدارقطني، عن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - قال: أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان (1).
وروى الإمام أحمد، والترمذي واستغربه وأبو داود وضعفه عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - أنه سجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدي عشرة سجدة منهن النجم (2)، رواه ابن ماجه بلفظ: سجدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدي عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شئ: الأعراف، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج، وسجدة الفرقان، وسليمان سورة النمل، والسجدة وفي ص، وسجدة الحواميم (3).
وروى الشيخان عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة فيسجد، ونسجد حتى ما يجد أحدنا مكان موضع جبهته) (4).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن فإذا أمرنا بالسجدة كبر وسجد وسجدنا) (5).
__________
(1) أخرجه أبو داود 2 / 120 (1401) وابن ماجه 1 / 335 (1057) والدارقطني 1 / 408 والحاكم 1 / 223 والبيهقي
2 / 314.
(2) أخرجه أبو داود 2 / 58 (1401) وأحمد 5 / 19 والترمذي 2 / 457) وقال حديث غريب وابن ماجه 1 / 335 (1055).
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 435 حديث (1056) وفي إسناده عثمان بن فائد وهو ضعيف.
(4) البخاري (2 / 557) حديث (1076) ومسلم (1 / 405) حديث (104 / 575).
(5) أحمد في المسند 2 / 17 وأبو داود 2 / 60 (1413).
(*)(8/200)
الباب الثالث في بيان عدد سجداته - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التفصيل
روى أبو داود والدارقطني، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: (قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة (ص) وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها [ فلما بلغ السجدة ] فتشزن الناس للسجود، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم فنزل فسجد وسجدوا) (1).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عنه، أنه رأى رؤيا أنه يكتب (ص) فلما بلغ إلى سجدتها رأى الدواة والقلم وكل شئ بحضرته انقلب ساجدا، قال: فقصها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يسجد بها بعد (2).
وروى أبو يعلى برجال ثقات والدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في (ص) (3).
وروى أبو يعلى والطبراني عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة، وكأن الشجرة تقرأ سورة [ ص ]، فلما أتت على السجدة سجدت، فقالت في سجودها: اللهم اغفر لي بها ذنبا، اللهم حط غني بها وزرا، وأورث لي بها شكرا وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، قال:
(سجدت أنت يا أبا سعيد ؟) قلت: لا، قال: (فإنك أحق بالسجود من الشجرة)، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة (ص) ثم أتى على السجدة وقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها) (4).
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (ص) ليس من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها (5).
(النجم).
روى الإمام أحمد، والشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن مسعود، والبخاري والترمذي
__________
(1) أخرجه أبو داود 2 / 59 (1410) والدارقطني 1 / 408.
(2) أحمد في المسند 3 / 78.
(3) الطبراني في الأوسط والدارقطني 1 / 406 وأبو يعلى قال الهيثمي 2 / 285 فيه محمد بن عمرو وفيه كلام.
(4) أخرجه أبو يعلى والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 284 فيه اليمان بن نصر مجهول.
(5) أخرجه البخاري (2 / 552) حديث (1069).
(*).(8/201)
والدارقطني عن ابن عباس والإمام أحمد والنسائي عن المطلب بن وداعة والإمامان الشافعي وأحمد والدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ بمكة سورة النجم وسجد فيها، وسجد من كان معه، ولفظ ابن عباس وأبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، زاد أبو هريرة: والشجر، قال ابن مسعود: غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته فقال: يكفيني هذا، فلقد رأيته بعد قتل كافرا، وهو أمية بن خلف، وقال المطلب فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد، ولم يكن المطلب يومئذ أسلم - وكان بعد ذلك لا يسمع أحدا يقرؤها إلا سجد معه) (1).
وروى البزار برجال ثقات - غير مسلم بن أبي مسلم الجرمي فيحرر حاله - عن أبي
هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كتبت سورة النجم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغ السجدة سجدنا معه وسجدت الدواة والقلم (2).
وروى البخاري فيما ذكره أبو مسعود الدمشقي في أطرافه، قال الحميدي لم أجده فيما عندنا من النسخ - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ النجم فسجد فيها (3).
وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان والثلاثة عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال: قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النجم فلم يسجد فيها (4).
وروى الإمام أحمد عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - أنه سجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة سجدة، منهن النجم (5).
(إذا السماء انشقت).
وروى الإمامان مالك والشافعي، وأحمد والشيخان والنسائي عن أبي سلمة - رحمه الله
__________
(1) أخرجه من حديث ابن مسعود أحمد في المسند 1 / 401 والبخاري 2 / 553 (1070) ومسلم (2 / 405) حديث (105 / 576) وأبو داود 2 / 59 (1406) والنسائي 2 / 124 ومن حديث ابن عباس البخاري 2 / 553 حديث (1071 / 48625) والترمذي 2 / 464 (575) والدارقطني 1 / 409 ومن حديث المطلب أحمد 3 / 420 والنسائي 2 / 123 ومن حديث أبي هريرة الدارقطني 1 / 409.
(2) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 360 (753) وقال البزار: لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا أبو هريرة، ولا نعلمه إلا من هذا الوجه، تفرد به مخلد عن هشام.
(3) لم أجده في مكانه من صحيح البخاري.
(4) أخرجه أحمد في المسند 5 / 186 والبخاري (2 / 554) حديث (1072) ومسلم (1 / 406) حديث (106 / 577) وأبو داود 2 / 58 (1404) والترمذي 2 / 466 (576) والنسائي 2 / 124.
(5) أحمد في المسند 6 / 442.
(*)(8/202)
تعالى - قال: رأيت أبا هريرة قرأ (إذا السماء انشقت) فسجد بها، فقلت: يا أبا هريرة ألم أرك تسجد ؟ لو لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد لم أسجد (1).
وروى الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي رافع الصائغ قال: صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ (إذا السماء انشقت) [ فسجد ]، فقلت ما هذا ؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - (2).
في (إذا السماء انشقت)، و (اقرأ).
روى مسدد بسند صحيح عن أبي رافع قال: صليت خلف عمر - رضي الله تعالى عنه - العشاء فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد فيها (3).
تنبيهات الأول: روى ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد في النجم بمكة - فلما هاجر إلى المدينة تركها) (4).
وروى أبو داود من طريق عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة)) (5).
وروى الإمامان الشافعي وأحمد والشيخان والثلاثة عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - قال: (قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النجم فلم يسجد فيها).
وروى مسدد برجال ثقات عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: (ليس في المفصل سجود) (6).
الثاني: في بيان غريب ما سبق.
التشزن - بفوقية فشين فزاي معجمتين فنون التهيؤ والتأهب.
__________
(1) البخاري (1 / 647) حديث (1074) ومسلم (1 / 406) حديث (107 / 578) والنسائي 2 / 124.
(2) أخرجه البخاري (2 / 651) حديث (1078) ومسلم (1 / 407) حديث (110 / 111 / 577) وأبو داود 2 / 59 (1408) والنسائي 2 / 125.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة 2 / 6.
(4) أخرجه من طريق ابن مسعود ابن أبي شيبة 2 / 7.
(5) أبو داود في السنن 2 / 58 (1403).
(6) ذكره الحافظ في المطالب 1 / 128 (471) وعزاه أيضا لمسدد وقال البوصيري رجاله ثقات وأخرجه ابن أبي شيبة 2 / 6.
(*)(8/203)
الباب الرابع في سجوده - صلى الله عليه وسلم - لقراءة غيره - إذا سجد القارئ وسجوده للتلاوة في الصلاة المكتوبة وما كان يقوله في سجوده التلاوة
روى سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قرأ رجل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يسجد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أنت قرأتها ولو سجدت سجدنا معك).
وروى الإمام الشافعي والبيهقي من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن عطاء بن يسار - رحمه الله تعالى - قال: بلغني أن رجلا قرأ بآية من القرآن فيها سجدة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ فسجد الرجل، وسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - معه، ثم قرأ آخر آية فيها سجدة، وهو عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ] فانتظر الرجل أن يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يسجد، فقال الرجل: يا رسول الله - قرأت السجدة فلم تسجد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كنت أمامنا فلو سجدت سجدنا معك) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود والترمذي بسند صحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن بالليل، يقول في السجدة مرارا: (سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته - زاد البيهقي فتبارك الله أحسن
الخالقين) (2).
وروى الترمذي والطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله.
إني رأيت الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فكأني قرأت سجدة، وفي رواية البيهقي فقرأت سورة (ص) فسجدت فسجدت الشجره لسجودي فسمعتها تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع وفي لفظ: احطط عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها كما تقبلتها من عبدك داود)، فقال ابن عباس: فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدة، ثم سجد، فسمعته يقول مثل ما أخبره الرجل عن الشجرة) (3).
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات فقرأ السجدة في المكتوبة) (4).
__________
(1) أخرجه الشافعي في المسند (1 / 122) حديث (359) والبيهقي 2 / 324.
(2) أحمد في المسند 6 / 30 وأبو داود 2 / 60 (1414) والترمذي 2 / 474 (580) والبيهقي 2 / 325.
(3) أخرجه الترمذي 2 / 472 (579).
(4) قال الهيثمي في المجمع 2 / 285 فيه جابر الجعفي وفيه كلام.
(*)(8/204)
الباب الخامس في سجوده - صلى الله عليه وسلم - للشكر وصلاته ركعتين لذلك
روى الإمام وأبو داود عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه - (أنه شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدو هم، ورأسه في حجر عائشة فقام فخر ساجدا، ثم أنشأ يسأل البشير وأخبره بما أخبره أنه ولي [ أمر هم امرأة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الآن هلكت الرجال إذا أطاعت النساء، ثلاثا (1) ].
ورواه الإمام أحمد وأبو داود، والترمذي وابن ماجه ولفظهما: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجدا شكراً لله تعالى) (2).
وروى ابن ماجه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر بحاجة فخر ساجدا) (3).
وروى البيهقي بسند صحيح عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - أن عليا - رضي الله تعالى عنه - لما وجهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وأسلمت همدان جميعا كتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلامهم فلما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب خر ساجدا وقال: (السلام على همدان، السلام على همدان))، مرتين (4).
وروى ابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بشر برأس أبي جهل صلى ركعتين) (5).
وروى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبا من عزورا نزل ثم رفع يديه، فدعا الله ساعة ثم خر ساجدا، فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه، فدعا الله ساعة، ثم خر ساجدا، فمكث طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة، ثم خر ساجدا، ذكره أحمد ثلاثا، قال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدا شكرا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 5 / 45 وأبو داود 2 / 89 (2774).
(2) وأخرجه الترمذي (4 / 141) حديث (1578) وابن ماجه 1 / 446 (1394) والدارقطني 1 / 410 والحاكم 1 / 410 والبيهقي 2 / 370.
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 446 (1394) وقال البوصيري في إسناده ابن لهيعة.
(4) أخرجه البيهقي 2 / 369.
(5) ابن ماجه 1 / 445 (1391) وقال البوصيري ضعيف.
(*)(8/205)
ساجدا شكرا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي، فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجدا لربي ] (1).
وروى الدارقطني بسند ضعيف عن ابن جعفر رضوان الله عليه وعلى آبائه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا من النغاشين فخر ساجدا) (2).
النغاش - بنون فغين فشين معجمتين بينهما ألف القصير - ورواه ابن أبي شيبة عنه مرسلا بلفظ قال: مر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل قصير فسجد سجدة الشكر وقال: (الحمد الله الذي لم يجعلني مثل هذا) (3).
وروى الطبراني عن عرفجة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلا زمانة فسجد، ورواه أيضا من حديث ابن عمر) (4).
وروى الطبراني من طريق يوسف بن محمد بن المنكدر عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى رجلا متغير الخلق، سجد، وإذا رأى قردا سجد، وإذا قام من مقامه سجد فيه) (5).
وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوجه نحو مشربته فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود حتى ظننت أن الله تعالى قد قبض نفسه فيها، فدنوت منه فرفع رأسه فقال: (من هذا ؟) قلت: عبد الرحمن، قال: (ما شأنك ؟) قلت: يا رسول الله، سجدت سجدة خشيت أن الله تعالى قد قبض نفسك فيها، قال: (إن جبريل - صلى الله عليه وسلم - أتاني فبشرني فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكرا) (6).
وفي هذا المعني أحاديث تأتي - إن شاء الله تعالى - في أبواب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، وزاده الله فضلا وشرفا لديه.
__________
(1) أبو داود 3 / 89 (2775).
(2) الدارقطني 1 / 410 وقال الحافظ في التلخيص (2 / 11) هذا الحديث ذكره الشافعي في المختصر ولم يذكر إسناده وكذا صنع الحاكم في المستدرك 1 / 276.
وأخرجه ابن أبي شيبة 2 / 482 والدارقطني 1 / 410 والبيهقي 2 / 271 وابن حبان بنحوه في المجروحين 3 / 136.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 482).
(4) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2 / 289 فيه محمد بن عبد الله الفهمي ولم يرو عنه غير مسعر وحديث ابن عمر من الأوسط قال الهيثمي في المصدر السابق فيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف.
(5) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2 / 289 فيه يوسف بن محمد بن المنكدر وثقه أبو زرعة وضعفه جماعة.
(6) أحمد 1 / 191 وقال الهيثمي 2 / 287 رجاله ثقات.
وأخرجه البيهقي 10 / 190.
(*)(8/206)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة وليلتها
الباب الأول في آدابه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة
وفيه أنواع: الأول: الغسل: روى عبد الله ابن الإمام أحمد، وابن ماجه، عن ابن عقبة [ عن ] الفاكه بن سعد الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل يوم الجمعة) (1).
الثاني: أخذه - صلى الله عليه وسلم - من شاربه وظفره.
وروى البزار، والطبراني، من طريق إبراهيم بن قدامة (2) - فيحرر حاله - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقلم أظافره، ويقص شاربه، يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة) (3).
وروى البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب أن يأخذ من أظافره وشاربه يوم الجمعة (4).
في تجمله - صلى الله عليه وسلم - روى ابن عدي، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس العمامة يوم الجمعة، وكان إذا ركب المنبر يوم الجمعة استقبل الناس،
ويسلم عليهم، وكان يحتمل المخصرة، ويتوكأ على المنبر (5).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه، عن عمرو بن حريث - رضي الله تعالى عنه -
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 78 وابن ماجه 1 / 416 (316) وليس فيه الغسل يوم الجمعة.
(2) إبراهيم بن قدامة الجمحي، مدني، لا يعرف.
عن الأغر، عن أبي هريرة مرفوعا: كان يقلم أظفاره، ويقص شاربه قبل أن يخرج إلى الجمعة.
رواه البزار من رواية عتيق من يعقوب عنه، وهو خبر منكر ميزان الاعتدال 1 / 53.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 299 وقال الهيثمي 2 / 170 رواه البزار والطبراني في الأوسط وفيه إبراهيم بن قدامة.
(4) أخرجه البيهقي 3 / 244.
(5) أخرجه ابن عدي في كامله 7 / 65 وأخرجه من طريق عبد الله بن الزبير الطبراني في الكبير والبزار وفيه ابن لهيعة المجمع 2 / 190.
(*)(8/207)
(أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس وعليه عمامة سوداء) (1).
وروى النسائي عن عمرو بن أمية - رضي الله تعالى عنه - قال: (كأني أنظر [ الساعة ] إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه) (2).
وروى الحميدي بإسناد صحيح، عن أم الحصين - رضي الله تعالى عنها - قالت: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب وهو متقنع ببرده وعضلته ترتج) (3).
وروى الحارث عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبان يلبسهما يوم الجمعة، فإذا انصرف عن الجمعة طواهما ورفعهما) (4).
وروي عن ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - قال: (ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم جمعة قط إلا وهو معتم، وإن لم تكن عمامة وصل الخرق بعضها ببعض واعتم بها) (5).
الثالث: فيما كان يقرؤه - صلى الله عليه وسلم - في مغرب ليلة الجمعة وعشائها.
وروى ابن حبان والبيهقي، في سننه، عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد)، وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين) (6).
الرابع: في إطالته صلاته - صلى الله عليه وسلم - قبل الجمعة وبعدها.
وروى أبو داود، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك) (7).
وروى البيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شئ منهن) (8).
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 307 ومسلم (2 / 99) حديث (452 / 1359) وابن ماجه 1 / 351 (1104).
(2) النسائي 8 / 186.
(3) أحمد 6 / 402.
(4) ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية 1 / 171 (620) وفيه الترمذي قال البوصيري رواه بهذا المتن ابن ماجه بإسناده صحيح وابن خزيمة وابن حبان.
(5) أخرجه ابن عدي في الكامل 6 / 2338.
(6) أخرجه البيهقي 3 / 201.
(7) أخرجه أبو داود 1 / 294 (1128).
(8) أخرجه ابن ماجه (1129) وذكره الهيثمي في المجمع 2 / 195.
(*)(8/208)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
المنبر - بميم مكسورة، فنون ساكنة، فموحدة، فراء من النبر.
والمخصرة ما يختصره [ الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكازة ].
عضلته - بعين مهملة، فضاد معجمة، فلام مفتوحات، فتاء، فهاء، كل لحمة في البدن صلبة مكتنزة، ومنه عضلة الساق.
(*)(8/209)
الباب الثاني في وقت صلاته - صلى الله عليه وسلم - الجمعة والنداء إليها
روى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود والترمذي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة (1).
وروى الإمام أحمد والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه والدارقطني، عن سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ننصرف وليس للحيطان فئ نستظل فيه) (2).
وفي رواية (ظل نستظل به).
وروى الشيخان، والنسائي، عنه، قال: (كنا نجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفئ) (3).
وروى مسلم، والنسائي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان نصلي الجمعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نرجع فنريح نواضحنا قال علي: فقلت: أية ساعة ؟ قال زوال الشمس) (4).
وروى الحارث عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم (كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس) (5).
وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس) (6).
وروى ابن ماجه عن سعد مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أنه كان يؤذن يوم الجمعة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الفئ مثل الشراك) (7).
__________
(1) البخاري (2 / 451) (906) والنسائي 1 / 199.
(2) أحمد في المسند 4 / 46 والبخاري (7 / 514) حديث (4168) ومسلم (2 / 589) حديث (32 / 860) وأبو داود 1 / 284 (1085) والنسائي 3 / 81 وابن ماجه 1 / 350 (1100) والدارقطني 2 / 18.
(3) مسلم 2 / 589 في كتاب الجمعة (31 / 860).
(4) أخرجه مسلم (2 / 98) حديث (28 - 29 / 858) والنسائي 3 / 81.
(5) من طريق أنس أخرجه البخاري 2 / 386 (904) وأبو داود 2 / 284 (1084) والترمذي 2 / 377 (503) ومن طريق سعد ذكره الحافظ في المطالب 1 / 167 (607) وفي إسناده الواقدي وبقية رجاله ثقات.
(6) انظر التخريج السابق.
(7) ابن ماجه 1 / 350 (1101) وفيه عبد الرحمن بن سعد أجمعوا على ضعفه وأما أبوه فقال ابن القطان: لا يعرف حاله ولا حال أبيه.
(*)(8/210)
وروى الإمام الشافعي، عن المطلب بن حنطب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة إذا مال الفئ قدر ذراع أو نحوه) (1).
وروى الإمامان الشافعي وأحمد، والبخاري، عن السائب بن يزيد - رضي الله تعالى عنه - قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية: كان يؤذن بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس على المنبر يوم الجمعة، على باب المسجد، و أبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء فثبت الأمر على ذلك (2).
وروى الإمام أحمد، عن السائب بن يزيد - رضي الله تعالى عنه - قال: لم يكن
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مؤذن واحد، في الصلوات كلها في الجمعة وغيرها، يؤذن ويقيم، فكان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يوم الجمعة، ويقيم إذا نزل [ ولأبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - حتى كان عثمان ] (3).
__________
(1) أخرجه الشافعي في المسند (1 / 136) حديث (401).
(2) أحمد في المسند 3 / 449 والبخاري (2 / 393) حديث (912) وأبو داود 2 / 285 (1087) والترمذي 2 / 392 (516) والنسائي 3 / 100 وابن ماجه 1 / 359 (1135).
(3) أحمد في المسند 3 / 449 والبغوي في شرح السنة 2 / 574.
(*)(8/211)
الباب الثالث في موضع خطبته - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع: الأول: في خطبته - صلى الله عليه وسلم - على الأرض مستندا إلى راحلته.
وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك يخطب الناس، وهو مسند ظهره إلى راحلته (1).
وروى الإمام أحمد - بسند جيد - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب وظهره إلى الملتزم) (2).
الثاني: في خطبته - صلى الله عليه وسلم - على البغلة وعلى ناقته.
قال في (زاد المعاد) خطب - صلى الله عليه وسلم - على الأرض، وعلى المنبر، وعلى البعير، وعلى ناقته.
قلت: وعلى البغلة.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن هلال بن عامر المزني عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى يخطب عل بغلة، وعليه برد أحمر، وعلي - رضي الله تعالى عنه - يعبر عنه) (4).
وروى الإمام أحمد، والترمذي - بسند حسن صحيح - والنسائي، والبيهقي عن عمرو بن خارجة (5) قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمني وهو على راحلته، وهي تقصع بجرتها، ولعابها يسيل بين كتفيه (6).
وروى الطبراني عن الهرماس بن زياد - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب على ناقته، فقال: (إياكم والخيانة فإنها بئست البطانة، إياكم
__________
(1) أخرجه النسائي 6 / 11.
(2) قال الهيثمي 2 / 183 فيه عبد الله بن المؤمل وهو ثقة وفيه كلام.
(3) هلال بن عامر بن عمرو المزني، الكوفي، ثقة، من الرابعة قاله الحافظ التقريب 2 / 324.
(4) أحمد في المسند 3 / 477 وأبو داود 4 / 54 (4073).
(5) عمرو بن خارجة الأسدي، ويقال الأشعري، أو الأنصاري، وقيل فيه خارجة بن عمرو، والأول أصح، وكان حليف أبي سفيان، صحابي له أحاديث، التقريب 2 / 69.
(6) أحمد في المسند 4 / 186 والنسائي 6 / 207 وابن ماجه 2 / 905 (2712).
(*)(8/212)
والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، إياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح حتى سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم) (1).
الثالث: في اتخاذه - صلى الله عليه وسلم - المنبر.
روى ابن إسحاق والبزار بسند ضعيف عن معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أتخذ المنبر، فقد اتخذه أبي إبراهيم، وإن أتخذ العصا فقد أتخذها أبي إبراهيم) (2).
وروى الطيالسي عن جرير - رضي الله تعالى عنه - قال: (خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على منبر صغير فحثنا على الصدقة).
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان
يخطب يوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم الأضحى على المنبر، فإذا سكت المؤذن يوم الجمعة قام فخطب) (3).
وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو عبد الله بن الإمام أحمد عن أبي بن كعب، وأبو يعلى عن أبي سعيد والبزار من طريق آخر عنه، وعبد بن حميد من طريق آخر واللفظ له، وأبو يعلى برجال ثقات، والطبراني عن جابر والطبراني عن عائشة، والطبراني برجال ثقات عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة)، وفي لفظ: أسند ظهره إليه، إذا تكلم يوم الجمعة، أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس، فقال له الناس: يا رسول الله قد كثر الناس، يعني المسلمين وإنهم ليحبون أن يروك فلو اتخذت منبرا تقوم على فيراك الناس، قال: (نعم)، قال: (من يجعل لنا هذا المنبر)، فقام إليه رجل فقال: أنا قال: (تجعله) قال: نعم، ولم يقل إن شاء الله، قال: (ما اسمك ؟) قال: فلان، قال: (اقعد)، فقعد، ثم عاد فقال: (من يجعل لنا هذا المنبر ؟) فقام إليه رجل فقال: قال تجعله، قال: نعم، ولم يقل إن شاء الله، قال: (ما اسمك ؟) قال: فلان، قال: (اقعد) فقعد، ثم عاد فقال: (من يجعل لنا هذا المنبر ؟)، فقام إليه رجل فقال: أنا، قال: (تجعله) قال: نعم إن شاء الله قال: (ما
__________
(1) الطبراني في الكبير 22 / 204 وفي الأوسط وقال الهيثمي في المجمع 5 / 235 فيه عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة وهو ضعيف.
(2) البزار كما في الكشف 1 / 304 (633) والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 181 فيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ضعيف جدا.
(3) الطبراني في الكبير قال الهيثمي في المجمع 2 / 183 فيه حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ضعفه أحمد وابن المديني والبخاري والنسائي وبقية رجاله موثقون.
(*)(8/213)
اسمك ؟)، قال إبراهيم قال: اجعله فصنع له ثلاث درجات، فلما كان يوم الجمعة، واستوى عليه، واستقبل القبلة حنت النخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد.
[ وفي لفظ: (فخار الجذع كما تخور البقر جزعا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
وفي لفظ حن كما تحن الناقة، على ولد ها، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المنبر فاعتنقها فلم يزل حتى سكن.
وفي لفظ (فقال له اسكن إن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون، وإن شئت أعيدك كما كنت رطبا فاختار الآخرة على الدنيا فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع إلى أبي بن كعب فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة.
ثم عاد إلى المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: (إن هذه النخلة، إنما حنت شوقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فو الله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة، فلما كان من الغد رأيتها قد حولت فقلنا ما هذا ؟ قال: جاء أبو بكر وعمر فحولوها) (1) وروى الشيخان عن سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: كان جدار المسجد عند المنبر، ما كادت الشاة تجوزها (2).
__________
(1) حديث ابن عمر أخرجه أحمد قال الهيثمي فيه أبو الحباب ثقة ولكنه مدلس وحديث أبي بن كعب من زيادات عبد الله قال الهيثمي فيه رجل لم يسم، وعبد الله بن محمد بن عقيل فيه كلام وقد وثق وحديث أبي سعيد قال الهيثمي فيه مجالد بن سعيد قد وثقه جماعة وضعفه آخرون وحديث جابر قال الهيثمي، رجال أبي يعلى رجال موثقون وهو عند الطبراني في الأوسط فيه محمد بن عطية وهو ضعيف وحديث عائشة عند الطبراني في الأوسط قال الهيثمي فيه صالح بن حبان وهو ضعيف وحديث أم سلمة عند الطبراني في الكبير قال الهيثمي في المجمع رجاله موثقون 2 / 180 - 182.
(2) الحديث تقدم.
(*)(8/214)
الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في خطبته - صلى الله عليه وسلم
وفيه أنواع: الأول: في استقباله - صلى الله عليه وسلم - وقت الخطبة.
روى الترمذي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استوى على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم) (1).
روى ابن ماجه عن عدي بن ثابت الأنصاري عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم (2).
الثاني: في سلامه - صلى الله عليه وسلم - على الناس قبل صعوده المنبر، وإذا صعده.
قال في (زاد المعاد): كان - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر، أقبل بوجهه على الناس، ثم قال: (السلام عليكم).
وروى البيهقي عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر سلم) (3).
وروى الضياء في (المختارة) عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد يوم الجمعة، سلم على من عند المنبر فإذا صعد المنبر سلم على الناس) (4).
الثالث: في خطبته - صلى الله عليه وسلم - قائما وجلوسه ثم خطبته وإشارته بأصبعه ورفع صوته.
قال في (زاد المعاد) كان: - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، وكان إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم) ويقول: (بعث أنا والساعة كهاتين) ويقرن بين أصبعيه السبابة، والوسطى.
__________
(1) أخرجه الترمذي 2 / 383 (509).
(2) أخرجه ابن ماجه 1 / 360 (1136) وقال البوصيري في الزوائد إسناده ثقات إلا أنه مرسل.
(3) البيهقي في السنن الكبرى 3 / 204.
وأخرجه ابن ماجه 1 / 352 (1109) وللحديث شاهد عن ابن عمر انظر المجمع 2 / 184 وله شاهد مرسل عن عطاء
أخرجه عبد الرزاق في المصنف 3 / 192 وآخر عن الشعبي عند عبد الرزاق 3 / 193 وابن أبي شيبة 2 / 114.
(4) أنظر التخريج السابق.
(*)(8/215)
ويقول: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) (1).
وروى ابن سعد، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب الناس احمرت عيناه، ورفع صوته، واشتد غضبه كأنه منذر جيش صبحتكم أو مسيتكم ثم يقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وأشار بالسبابة، والوسطى ثم يقول: (أحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، من مات وترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي) (2).
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما على رجليه) (3).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما يقرأ القرآن ويذكر الناس، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة (4).
وروى الإمام أحمد، والطبراني، ورجاله ثقات، والبزار عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة قائما ثم يقعد ثم يقوم يخطب) (5).
ولفظ البزار (كان - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة خطبتين يفصل بينهما بجلسة) (6).
وروى الشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب (7).
وروى النسائي، وابن ماجه عنه - رضي الله تعالى عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) انظر زاد المعاد (1 / 426).
(2) انظر الطبقات 1 / 98.
(3) أحمد في المسند 1 / 98.
(4) أخرجه مسلم (2 / 589) حديث (34 / 862) وأحمد 3 / 92 وما بعدها وأبو داود 1 / 286 (1093) والنسائي 3 / 89 وابن ماجه 1 / 351 (1105).
(5) قال الهيثمي رجال الطبراني ثقات المجمع 2 / 187.
(6) البزار كما في الكشف 1 / 307 (640) وقال البزار لا نعلمه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.
(7) أخرجه أبو داود 1 / 286 (1092) والنسائي 3 / 90 وبنحوه عند أحمد 2 / 35.
(*)(8/216)
يخطب قائما، يقعد قعدة، ثم يقوم) زاد ابن ماجه: (فيقرأ آيات ويذكر الله، وكانت خطبته قصدا وصلاته قصدا) (1).
وروى سمويه في (فوائده) وابن المنذر، وابن مردويه عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب الناس أو علمهم، لا يدع هذه الآية أن يتلوها).
وفي رواية: ما جلس على هذا المنبر قط إلا تلا هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم) إلى قوله (فقد فاز فوزا عظيما) [ الأحزاب 7 ].
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر إلا سمعته يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا).
ورواه الإمام أحمد، والثلاثة عن عمارة بن رويبة - براء وموحدة مصغرا، أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال: قبح الله تيك اليدين، فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يزيد عن أن يقول بيديه هكذا وأشار بأصبعه السبابة (2).
وروى أبو داود، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أسمع العواتق في بيوتهن، أو قال: في خدورها، فقال: (يا معشر من آمن بلسنانه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته) (4).
الرابع: في اعتماده - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة على قوس أو عصا.
قال في (زاد المعاد:) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر - كذا ذكر أبو داود، (وكان أحيانا، يتوكأ على قوس.
ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف).
وروى أبو داود عن الحكم بن حزن الكلفي - رضي الله عنه - قال: (شهدنا الجمعة مع
__________
(1) النسائي 3 / 90 وابن ماجه 1 / 351 (1106).
(2) أخرجه أحمد 4 / 136 وأبو داود 1 / 289 (1104) والترمذي 2 / 391 (515) والنسائي 3 / 18.
(3) أبو داود 1 / 289 (1105) والحاكم وصححه 1 / 535.
(4) أخرجه أبو يعلى 3 / 237 (22 / 1675) وقال الهيثمي رجال أبي يعلى ثقات.
(*)(8/217)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام متوكئا على قوس أو عصا، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات) (1).
وروى الإمام الشافعي عن ابن جريج قال: (قلت لعطاء: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على عطا ؟ قال: نعم يعتمد عليها اعتمادا) (2).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن سعد بن عائذ: سعد القرظ مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس وإذ خطب في الجمعة خطب على عصا) (3).
وروى الطبراني عن عبد الله بن الزيبر - رضي الله تعالى عنهما - (أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب بمخصرة) (4).
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطبهم في السفر متكئا على قوس) (5).
الخامس: في قطعه - صلى الله عليه وسلم - الخطبة ونزوله لأمر.
قال في (زاد المعاد): (كان - صلى الله عليه وسلم - إذا عرض له في خطبته عارض اشتغل به ثم رجع إلى خطبته، وكان يخطب فجاء الحسن والحسين يعثران في قميصين أحمرين فقطع كلامه فنزل، فحملهما ثم عاد إلى المنبر، ثم قال: (صدق الله تعالى: إذ يقول (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وحسنه، والضياء، والحاكم في الأحكام - وقال إسناده على شرط مسلم - عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما - عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان.
وفي لفظ: يمشيان ويعثران فنزل فأخذ هما.
وفي لفظ: فحملهما ووضعهما بين يديه، فصعد بهما ثم قال: (صدق الله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) رأيت هذين فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما)) (6).
__________
(1) أبو داود 1 / 287 (1096).
(2) الشافعي (1 / 145) حديث (421) والأم 1 / 211 وانظر شرح السنة 2 / 576.
(3) ابن ماجه 1 / 352 (1107) وضعفه البوصيري في الزوائد لضعف أولاد سعد.
(4) أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 187 فيه ابن لهيعة وفيه كلام والبزار كما في الكشف 1 / 307 (639).
(5) قال الهيثمي 2 / 187 فيه أبو شيبة وهو ضعيف.
(6) أحمد في المسند 5 / 354.
(*)(8/218)
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، عن أبي رفاعة العدوي، واسمعه تميم بن أسيد
- رضي الله تعالى عنه - قال: انتهيت ولفظ النسائي: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب، فقلت: (يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه ؟ قال: فأقبل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك خطبته حتى إذا انتهى إلي، فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا فقعد عليه وجعل يعلمني ما علمه الله ثم أتي الخطبة فأتمها).
زاد الإمام أحمد: (رأى خشبا أسود حسبه حديدا، وذكره النسائي بلفظ: أتي بكرسي من خلب قوائمه من حديد، والخلب: الليف) (1).
السادس: في كلامه - صلى الله عليه وسلم - بعض صحابه في أمر شرعي حال الخطبة.
روى الجماعة، إلا الإمام مالك، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقعد قبل أن يصلي، قال: (صليت ؟) قال: لا قال: (فصل ركعتين) (2).
وروى الدارقطني وضعفه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل رجل من قيس المسجد - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قم فاركع ركعتين، وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته) (3).
وورى الإمام الشافعي - واللفظ له - والإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي سعيد - رضي الله [ تعالى ] عنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب وجاء رجل [ فدخل المسجد ] بهيئة بذة فقال: (أصليت ؟) قال: لا.
قال: (فصل ركعتين)، قال: فصلى ركعتين، قال: ثم حث الناس على الصدقة فألقوا ثيابا، فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها الرجل ثوبين.
فلما كانت الجمعة الأخرى جاء الرجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقال: له النبي - صلى الله عليه وسلم - (أصليت ؟) قال: لا قال: (فصل ركعتين) ثم حث على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه، فصاح النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خذه خذه)، ثم قال: انظروا إلى هذا، جاء تلك الجمعة بهيئة بذة، فأمرت الناس بالصدقة فطرحوا ثيابا فأعطيته منها ثوبين، فلما جاءت، فلما جاءت الجمعة الأخرى أمرت الناس
بالصدقة فألقى أحد ثوبيه)، ورجاله موثقون (4).
__________
(1) أخرجه مسلم (2 / 597) حديث (60 / 876) وأحمد 5 / 81 والنسائي 8 / 194.
(2) أخرجه البخاري (2 / 478) حديث (931) ومسلم (2 / 596) حديث (55 / 875) وأبو داود 1 / 291 (1115.
(3) الدارقطني 2 / 15.
(4) أخرجه أحمد 3 / 25 والنسائي 3 / 87 والترمذي (2 / 385) حديث (511) وقال حسن صحيح.
(*)(8/219)
وروى الطبراني في الكبير عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (دخل النعمان بن قوقل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صل ركعتين تجوز فيهما) (1).
وروى ابن ماجه، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - أن رجلا دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فجعل يتخطى رقاب الناس، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اجلس فقد آذيت وآنيت) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن عبد الله بن بسر - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إجلس فقد آذيت وآنيت) (3).
وروى أبو داود عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: لما استوى رسول الله على المنبر، قال: (اجلسوا) فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (تعال يا عبد الله بن مسعود) (4).
وروى الإمام أحمد عن قيس بن أبي حازم عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: (رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب وأنا في الشمس فأمرني فتحولت) (5).
السابع: في شربه - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة على المنبر ليرى الناس أنه لا يصومه.
روى ابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، عن جنادة الأزدي (6) - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبعة من الأزاد، أنا منهم يوم الجمعة وهو يتغدى فدعانا إلى طعامه، فقلنا: إنا صيام فأمرنا فقال: (أصمتم أمس ؟) قلنا: لا.
قال: (أقتصومون غدا ؟) قلنا: لا، قال: (فأفطروا)، فأكلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طعامه، فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصعد المنبر، دعا بماء فشربه وهو على المنبر يري الناس أنه لا يصوم يوم الجمعة) (7).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 84 وقال ليس للنعمان بن قوقل في هذا الحديث ذكر في الصحيح.
(2) ابن ماجه 1 / 354 (1115).
(3) أحمد 4 / 188 وأبو داود 1 / 292 (1118).
(4) أبو داود 1 / 286 (1091) وقال مرسل.
(5) أحمد 4 / 262.
(6) جنادة: بضم أوله ثم نون، ابن أبي أمية الأزدي، أبو عبد الله الشامي، يقال: اسم أبيه كثير، مختلف في صحبته، فقال العجلي: تابعي ثقة، والحق أنهما اثنان، صحابي وتابعي، متفقان في الاسم وكنية الأب وقد بينت ذلك في كتابي في الصحابة، ورواية جنادة الأزدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنن النسائي، ورواية جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت، في الكتب الستة.
التقريب 1 / 134.
(7) بنحوه أخرجه الطحاوي في معاني الآثار 2 / 79.
(*)(8/220)
الثامن: في وقوفه - صلى الله عليه وسلم - مع من يكلمه بعد نزوله من المنبر وقبل الصلاة.
روى الإمام أحمد، والأربعة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل من المنبر يوم الجمعة، فيكلمه الرجل في حاجته، فيكلمه، ثم يتقدم إلى مصلاه).
وقال أبو داود: ليس بمتصل عن ثابت تفرد به جرير بن حازم.
وقال الترمذي: سمعت محمدا يعني: البخاري يقول: (وهم جرير بن حازم في هذا الحديث.
والصحيح ما روي عن ثابت عن أنس قال: أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم) (1).
__________
(1) أحمد في المسند 3 / 119 وأبو داود 1 / 292 (1120) والترمذي 2 / 394 (517) والنسائي 3 / 90 وابن ماجه 1 / 354 (1117).
(*)(8/221)
الباب الخامس في صفة خطبته وما وقفت عليه من خطبه - صلى الله عليه وسلم -
قال في (زاد المعاد): كان مدار خطبته - صلى الله عليه وسلم - على حمد الله، والثناء عليه بآلائه وصفات كماله ومحامده وتعليم قواعد الإسلام وذكر الجنة والنار والمعاد والأمر بالتقوى، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه.
وكان يقول في خطبه أيضا: (أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا)، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم، ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله تعالى ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة.
كان يقصر خطبته أحيانا ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس.
كانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة، وكان يخطب النساء على حدة ويحثهن على الصدقة.
ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته، ولم يكن يلبس ما يلبسه الخطباء اليوم، ولا طرحة ولا غيرها، وكان يخطب على الأرض، وعلى المنبر، وعلى البعير، وعلى الناقة.
وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته كأنه منذر جيش، وكان يخطب كثيرا بالقرآن، وكان أحيانا يتوكأ على قوس ولم يحفظ أنه على سيف.
وكان منبره على ثلاث درجات، فإذا استوى عليه واستقبل الناس أخذ المؤذن في الأذان فقط، ولم يقل شيئا قبله ولا بعده.
فإذا أخذ في الخطبة واشتد غضبه، لم يرفع أحد صوته، بشئ ألبتة - لا مؤذن ولا غيره.
وروى أبو داود، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تشهد قال: (الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا).
وفي رواية ابن شهاب مرسلا: (ومن يعصهما فقد غوى).(8/222)
ونسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يطيعه، ويطيع رسوله ويتبع رضوانه، ويجتنب سخطه، فإنما نحن به وله (1).
وروى الطبراني برجال ثقات عنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أما بعد) (2).
وروى الطبراني عن شداد بن أوس - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر، يحق الحق، ويبطل الباطل، أيها الناس كونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا، فإن كل أم يتبعها ولد ها) (3).
وروى الإمامان الشافعي، وأحمد، ومسلم، وابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوما فقال: (إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من سرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، من بطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى حتى يفئ إلى أمر الله) (4).
وروى ابن أبي الدنيا، والبيهقي في (الشعب)، عن الحسن البصري - رحمه الله تعالى - قال: طلبت خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة فأعيتني، فلزمت رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن ذلك فقال: كان يقول في خطبته يوم الجمعة: (يا أيها الناس إن لكم علما فانتهوا إلى علمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، فإن المؤمن بين مخافتين، بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري كيف الله بصانع فيه، فليتزود المؤمن لنفسه بنفسه، ومن دنياه لآخرته.
الدنيا خلقت لكم، والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مستعتب وما بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار، واستغفروا الله لي ولكم (5).
وروى البيهقي في (الأسماء والصفات) عن ابن شهاب قال: بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا خطب: (كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت، لا يعجل الله بعجلة أحد ولا يخف لأمر الناس، ما شاء الله كان ولو كره الناس، لا مبعد لما قرب الله، ولا مقرب لما بعد الله، ولا يكون شئ إلا بإذن الله بحق) (6).
__________
(1) أبو داود 1 / 287 (1098).
(2) الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2 / 188 رجاله موثقون.
(3) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 188 فيه سعيد بن سنان ضعيف جدا.
(4) أخرجه مسلم (2 / 593) حديث (46 / 868) والنسائي 6 / 74 وابن ماجه 1 / 610 (1893).
(5) أخرجه البيهقي (1).
(6) ذكره السيوطي في الدر المنثور 6 / 222.
(*)(8/223)
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: (أنذرتكم النار، أنذرتكم النار)، حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه.
وفي رواية (وسمع أهل السوق صوته وهو على المنبر) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبهم فقال: (أما بعد) (2).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، ومسلم، وابن ماجه، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا خطب).
وفي رواية: إذا ذكر الساعة احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: (صبحكم).
وفي رواية: كانت خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول بأثر ذلك وقد علا صوته انتهى.
(أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، ثم يقول: (من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ثم يقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين، ثم يقول: من ترك مالا فلأهله، ومن ترك ضياعا فعلي وإلي فأنا أولى بالمؤمنين) (3).
وروى الإمام أحمد، والطبراني، والبزار - على الشك - برجال الصحيح عن علي أو الزبير - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبنا فيذكرنا بأيام الله حتى يعرف ذلك في وجهه، وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم حتى يرتفع (4).
وروى الإمام الشافعي، عن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوما فقال في خطبته: (ألا إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق، يقضي فيها ملك قادر، ألا إن الخير كله بحذافيره في الجنة، ألا وإن الشر كله
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 268.
(2) أحمد 4 / 367.
(3) أحمد 3 / 310 ومسلم (2 / 592) حديث (43 / 867) والنسائي 3 / 53 وابن ماجه 1 / 17 (45).
(4) أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه وأبو يعلى عن الزبير وحده وقال الهيثمي 2 / 188 رجاله رجال الصحيح.
(*)(8/224)
بحذافيره في النار، [ ألا فاعلموا ] وأنتم من الله - عز وجل - على حذر، واعلموا أنكم معرضون على أعمالكم، (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.
ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (1).
وروى الإمامان: الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد بن منيع، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس) (2).
وروى ابن سعد عن أم صبية: خولة بنت قيس الجهنية - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كنت أسمع خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وأنا في مؤخر النساء وأسمع قراءة (ق.
والقرآن المجيد) على المنبر وأنا في مؤخر المسجد) (3).
وروى الشيخان، وأبو داود، والترمذي، عن يعلى بن أمية - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر (ونادوا يا مالك) (4) [ الزخرف 77 ].
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والثلاثة، عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلوات فكانت صلاته قصدا، وخطبته قصدا)، زاد أبو داود: (يقرأ بآيات من القرآن، ويذكر الناس) (5).
وروى أبو داود عنه: قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات) (6).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وأبو نعيم عن الحكم بن حزن الكلفي أنه شهد الجمعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال: (أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا) (7).
وروى النسائي عن عبد الله بن أبي أوفي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان
__________
(1) أخرجه الشافعي في المسند (1 / 148) حديث (429).
(2) أخرجه مسلم 2 / 595 في الجمعة (52 / 873) وأبو داود 1 / 288 (1102) والنسائي 3 / 107.
(3) انظر الطبقات الكبرى 8 / 216.
(4) البخاري (8 / 568) حديث (4819) ومسلم (2 / 594) حديث (49 / 871) وأبو داود 4 / 25 والترمذي (2 / 382) وقال حسن غريب (508).
(5) أحمد في المسند 5 / 93 ومسلم (2 / 590) حديث (41 / 866) وأبو داود 1 / 288 (1101) والترمذي 2 / 381 (507) والنسائي 3 / 90.
(6) أبو داود المصدر السابق.
(7) أحمد في المسند 4 / 212 وأبو داود 1 / 287 (1096).
(*)(8/225)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطبل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة، والمسكين لبعض الحاجة) (1).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ يوم الجمعة (تبارك) وهو قائم يذكر بأيام الله) (2).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد برجال الصحيح عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ يوم الجمعة (براءة) وهو قائم يذكر بأيام الله تعالى (3).
وروى عبد بن حميد - بسند ضعيف - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في خطبته (المائدة) وسورة (التوبة) ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (أحلوا ما أحل الله فيهما وحرموا ما حرم الله تعالى فيهما).
وروى الطبراني برجال ثقات غير إسحاق بن زريق فيحرر حاله عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ على المنبر (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (4).
وروى الطبراني عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عيله وسلم - خطب فقرأ في خطبته آخر (الزمر) فتحرك المنبر مرتين) (5).
وروى البزار، والطبراني، عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات كل جمعة) (6).
وروى البيهقي، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا أيها الناس توبوا قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم ترحموا) (7).
__________
(1) النسائي 3 / 89.
(2) المسند 5 / 143.
(3) المسند 5 / 143.
(4) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 190 تفرد به إسحاق بن زريق ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون.
(5) الطبراني في الأوسط قال الهيمثمي 2 / 90 من رواية أبي بحر البكراوي عن عباد بن ميسرة وكلاهما ضعيف إلا أن أحمد قال في أبي بحر: لا بأس به.
(6) البزار كما في الكشف 1 / 307 (641) وقال الهيثمي 2 / 190 رواه البزار والطبراني وقال في إسناد البزار يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف.
(7) أخرجه ابن ماجه وإسناد ضعيف (1081) والبيهقي (2 / 90 و 171) وابن عدي في الكامل 4 / 1498.
(*)(8/226)
الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الجمعة
وفيه نوعان: الأول: في صلاته - صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الجمعة.
روى ابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شئ منهن) (1).
الثاني: في قراءته في صلاته الجمعة - صلى الله عليه وسلم.
روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن عبيد الله بن أبي رافع أن أبا هريرة - رضي الله تعالى عنه - قرأ في الجمعة بعد الحمد سورة (الجمعة) في الأولى و (إذا جاءك المنافقون) في الثانية، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة، فقال أبو هريرة: (فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤ هما (2).
وروى الإمامان: الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والنسائي عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الجمعة ب (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) (3).
وروى الإمامان: مالك، وأحمد، ومسلم، والأربعة، عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيدين، وفي الجمعة ب (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية)، وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاة) (4).
وروى عبد الرزاق في مصنفه وسعيد بن منصور عن طاوس مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الجمعة سورة (الجمعة) و (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) (5).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 1 / 358 (1129) وقال البوصيري إسناده مسلسل بالضعفاء عطية متفق على ضعفه وحجاج مدلس ومبشر بن عبيد كذاب، وبقية مدلس.
(2) أحمد 2 / 467 وأبو داود 1 / 293 (1124) والترمذي 2 / 396 (519) قال حسن صحيح.
(3) أحمد 5 / 13 وأبو داود 1 / 293 (1125) والنسائي 3 / 91.
(4) أحمد 4 / 276 وأخرجه مسلم (2 / 598) حديث (62 / 878) وأبو داود 1 / 293 (1123) والنسائي 3 / 92.
وأشار له الترمذي تابع حديث (519).
(5) أخرجه ابن أبي شيبة 2 / 142.
(*)(8/227)
وروى البزار، والطبراني، عن أبي عنبة الخولاني، ومسلم، والأربعة، عن ابن عباس، والطبراني بسند حسن عن أبي هريرة، وابن مردويه عنه، وعن جابر واللفظ لهما - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ يوم الجمعة (بالجمعة) فيحرض المؤمنين، وفي الثانية (إذا جاءك المنافقون) يوبخ وفي لفظ: (يفزع بها المنافقين) (1).
الثالث: في صلاته - صلى الله عليه وسلم.
لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين يطيل فيهما.
روى الطبراني من طريق حجاج بن أرطاة (2) وعطية العوفي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا لا يفصل بينهن (3).
__________
(1) البزار كما في الكشف 1 / 309 والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 191 فيه سعيد بن سنان وهو ضعيف.
وحديث ابن عباس عند مسلم (2 / 599) حديث 64 / 879) والترمذي 2 / 397.
وحديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2 / 191 إسناده حسن.
(2) حجاج بن أرطاة - بفتح الهمزة - ابن ثور بن هبيرة النخعي، أبو أرطاة الكوفي، القاضي أحد الفقهاء، صدوق كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات سنة خمس وأربعين.
التقريب 1 / 152.
(3) الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2 / 195 فيه الحجاج وعطية وكلاهما فيه كلام.
(*)(8/228)
الباب السابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - بعد الخروج من الصلاة
روى الستة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين يطيل فيهما) (1).
وروى الطبراني من طريق حجاج بن أرطاة وعطية العوفي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا لا يفصل بينهن).
وروى أبو عبيد وابن المنذر، والطبراني وابن مردويه عن طريق عبد الله الحيراني عن عبد الله بن بسر الحيراني قال: رأيت عبد الله بن بسر المازني صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الجمعة خرج فدار في السوق ساعة ثم رجع إلى المسجد فصلى ما شاء الله أن يصلي، فقيل له: لأي شئ تصنع هذا ؟ فقال: (رأيت سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - هكذا يصنع، وتلا هذه الآية (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) (2).
__________
(1) البخاري (2 / 16) ومسلم (2 / 600) حديث (71 / 881) وأبو داود 1 / 294 (1127) والترمذي 2 / 399 (522) والنسائي 3 / 93 وابن ماجه 1 / 358 (1130) والبيهقي 3 / 240.
(2) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 94 فيه عبد الله الحيراني ضعفه ابن القطان وجماعة ووثقه ابن حبان.
(*)(8/229)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفرائض في السفر
الباب الأول في إباحته - صلى الله عليه وسلم - القصر، وأنه رخصة
روى الإمامان: الشافعي، وأحمد - وزاد حتى يرجع - وأبو داود والترمذي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بين مكة والمدينة آمنا لا يخاف إلا الله تعالى، وصلى ركعتين (1).
وروى الإمام مالك، والنسائي، وابن ماجه عن عبد الله بن خالد - رحمه الله تعالى - قال: (قلت لابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - كيف تقصر الصلاة وإنما قال الله عز وجل: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم) فقال ابن عمر: يا ابن أخي إن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمنا، فكان فيما تعلمنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر)، وفي رواية (إن الله - عز وجل - بعث إلينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ولا نعلم شيئا، فإنما نفعل كما رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل) (2).
وروى الإمام الشافعي، والشيخان، والثلاثة، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت الظهر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أربعا وخرج يريد مكة فصلى بذي الحليفة ركعتين) (3).
وروى الشيخان عنه قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة وكان يصلي ركعتين [ ركعتين ] حتى رجعنا إلى المدينة، قيل له: أقمتم بمكة شيئا ؟ قال: أقمنا بها عشرا (4).
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام تسعة عشر يقصر الصلاة فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا) (5).
وفي رواية أبي داود
__________
(1) أحمد 1 / 285 والترمذي 2 / 434 (549).
والنسائي 3 / 96 وبنحوه أبو داود 2 / 10 (1233).
(2) أخرجه النسائي 3 / 96 وابن ماجه 1 / 339 (1066).
(3) البخاري (2 / 663) حديث (1089، 1546) (1547، 1548، 1551) ومسلم حديث (11 / 690) وأبو داود 2 / 4 (1202) والترمذي 2 / 431 (546) والنسائي 3 / 99.
(4) البخاري (2 / 653) حديث (1081، 4297) ومسلم (1 / 481) حديث (15 / 693).
(5) البخاري (1 / 653) حديث (1080) (498، 4299).
(*)(8/230)
أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة، الرواية الأولى بتقديم التاء على السين، الثانية بتقديم السين على الموحدة (1).
وروى أبو داود عن عمران بن حصين قال: (غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين) (2).
وروى أبو داود من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله - ورجاله ثقات - ولم ينفرد به ابن إسحاق، فقد رواه النسائي من طريق عراك بن مالك عن عبيد الله عن ابن عباس قال: (أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة) (3).
(تنبيه).
يجمع بين هذا الاختلاف بأن من قال تسعة عشر عد يوم الدخول والخروج، ومن قال: سبع عشرة حذفهما، قال الحافظ: وتحمل رواية خمسة عشر على أن رواية الأصل سبعة عشر، فحذف الراوي منها يوم الدخول والخروج فذكر أنها خمسة عشر انتهى.
وروى ابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم إذا خرج من هذه المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها) (4).
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سافر ركعتين، وحين أقام أربعا (5).
وروى الإمام أحمد والخمسة، عن حارثة بن وهب - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن أكثر ما كنا قط وآمن الظهر والعصر ركعتين) (6).
وروى الطيالسي ورجاله ثقات، ومسدد، وابن أبي شيبة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من بيته مسافرا صلى ركعتين ركعتين حتى يرجع) (7).
وروى ابن أبي شيبة، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت مع
__________
(1) أبو داود 2 / 10 (1230).
(2) أبو داود 2 / 9 (1229).
(3) أبو داود 2 / 9 (1231) والنسائي 3 / 100.
(4) أخرجه ابن ماجه 1 / 339 (1067).
وذكره الحافظ في المطالب (647).
(5) أحمد 1 / 251 وفيه حميد بن علي قال الدارقطني لا يحتج به وذكره ابن حبان في الثقات انظر المجمع 2 / 155.
(6) أحمد في المسند 4 / 206 والبخاري (2 / 655) حديث (1082، 1656) ومسلم (1 / 483) حديث (20 / 696) وأبو داود 2 / 200 (1965) والنسائي 3 / 98.
(7) الطيالسي كما في المنحة (1 / 125) حديث (591) وابن أبي شيبة 2 / 447.
(*)(8/231)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمني ركعتين، ومع أبي بكر، ومع عمر، ومع عثمان صدرا من إمارته) (1).
وروى الحارث ومسدد والبزار، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كل قد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قد صام وأفطر وأتم وقصر في السفر) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنهما - قال: (ما سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفرا إلا صلى ركعتين ركعتين حتى يرجع) (3).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل منزلا لم يرتحل حتى يصلي الظهر) (4).
وروى مسلم عن أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه) (5).
__________
(1) أخرجه من حديث عبد الله بن عمر البخاري 2 / 655 (1083) (1655) ومسلم 1 / 482 (17 / 694).
(2) البزار كما في الكشف 2 / 329 وقال الهيثمي 2 / 157 فيه المغيرة بن زياد اختلف في الاحتجاج به.
(3) أحمد 4 / 430 وأبو داود (1229).
(4) أبو داود 2 / 4 (1205) والنسائي 1 / 248 والدارمي 2 / 289 وأحمد 3 / 120 وابن أبي شيبة 1 / 350 والطحاوي في المعاني 1 / 185.
(5) أخرجه مسلم (1 / 476) حديث (313 / 683).
(*)(8/232)
الباب الثاني في تقديره - صلى الله عليه وسلم - مسافة القصر وابتدائه والإقامة ببلد الحاجة
روى مسلم، وأبو داود، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ - شك شعبة - صلى ركعتين) (1).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، عن جبير بن نفير قال: (خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر ميلا فصلى ركعتين فقلت له فقال: رأيت عمر بذي الحليفة يصلي ركعتين فقلت له فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل) (2).
وروى مسدد، وابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وعبد بن حميد بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من المدينة سافر فرسخا ثم قصر الصلاة) (3).
وروى الشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قيل له: أقمتم بمكة شيئا ؟ قال: أقمنا بها عشرا نقصر الصلاة).
وروى الإمام أحمد، والبخاري، والأربعة، والدارقطني، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: (أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشرة يقصر الصلاة).
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - قال: ما سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفرا إلا صلى ركعتين ركعتين إلا المغرب حتى يرجع، وأنه أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم يقول: (يا أهل المكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سفر)، ثم غزا حنينا والطائف، فصلى ركعتين ركعتين، ثم رجع إلى الجعرانة فاعتمر منها في ذي القعدة، الحديث (4).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (أقام
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة) (5) والله أعلم.
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 481 (12 / 691) وأبو داود 2 / 3 (1201).
(2) أخرجه مسلم 1 / 481 (13 / 692) والنسائي 3 / 96.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة 2 / 442.
(4) تقدم وهو عند أحمد 4 / 430 وأبو داود 2 / 9 (1229).
(5) أبو داود 2 / 11 (1235) وأحمد 3 / 295 والبيهقي 3 / 152.
(*)(8/233)
الباب الثالث في جمعه - صلى الله عليه وسلم - بين الصلاتين
وفيه أنواع
الأول: في إباحة الجمع وكونه رخصة.
روى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين المغرب والعشاء في السفر من غير أن يعجله شئ ولا يطلبه عدو ولا يخاف شيئا) (1).
الثاني: في جمعه - صلى الله عليه وسلم - في السفر.
روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر)، وفي رواية: (إذا عجل به السير أخر الظهر)، وفي رواية: (إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق) (2).
وروى الإمام أحمد عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء) (3).
وروى الإمامان: الشافعي، وأحمد، والشيخان وابن ماجه، والدارقطني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال، وإذا سافر قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر، وإذا حانت المغرب وهو في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما) (4).
وروى الإمام أحمد، وابن أبي عمر برجال ثقات عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤخر الظهر، ويعجل العصر، ويؤخر المغرب، ويعجل العشاء في السفر) (5).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 1 / 340 (1069).
(2) أخرجه البخاري 2 / 678 (1111) و (1112) ومسلم 7 / 489 (48 / 704) وأبو داود 2 / 7 (1218).
(3) أحمد في المسند 3 / 138.
(4) أخرجه الشافعي 1 / 116 وبنحوه عن أحمد 1 / 367 وانظر شرح السنة للبغوي 2 / 547.
(5) أخرجه أحمد في المسند 3 / 303.
(*)(8/234)
وروى الدارقطني عن علي - رضي الله تعالى عنه - (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل حين تزول الشمس جمع بين الظهر والعصر، وإذا مد له السير أخر الظهر وعجل العصر ثم جمع بينهما (1).
وروى الطبراني من طريق حفص بن عمر الجدي - قال عنه الذهبي: منكر الحديث - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بخيبر ستة أشهر يصلي الظهر والعصر جميعا) (2).
وروى مسلم عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء) (3).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي - بسند حسن - عنه أيضا، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن رحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما (4).
الثالث: في جمعه - صلى الله عليه وسلم - بجمع والمزدلفة.
روى الأئمة إلا الدارقطني، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب والعشاء بمزدلفة جميعا كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة) (5).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها) (6).
وروى أبو داود مرسلا عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (صلى الظهر والعصر بأذان واحدة بعرفة ولم يسبح بينهما، وإقامتين وصلى المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد
__________
(1) الدارقطني في السنن 1 / 391.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 161.
(3) أخرجه مسلم 1 / 490 (53 / 706) ومالك في الموطأ 1 / 143 (2).
(4) أحمد في المسند 5 / 241 وأبو داود 2 / 4 (1206) والترمذي 2 / 438 (553).
(5) الحديث عند أبي داود 2 / 191 (1926) والنسائي 2 / 14.
(6) أحمد في المسند 1 / 426 وأبو داود 2 / 193 (1934) والنسائي 5 / 212.
(*)(8/235)
وإقامتين، ولم يسبح بينهما) (1).
وروى الإمام أحمد، عن ابن عمرو وجابر - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء) (2).
الرابع: في جمعه - صلى الله عليه وسلم - في الإقامة.
روى الجماعة إلا ابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ثمانيا وسبعا جميعا الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر)، وفي رواية (من غير خوف ولا مطر).
قال عمرو: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: (وأنا أظن)، وعند النسائي لفظ التأخير والتعجيل من قول ابن عباس، وزاد مسلم عن ابن عباس، أراد أن لا يحرج أمته) (3).
وروى الطبراني عن طريق عبد الله بن عبد القدوس - عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الأولى والعصر وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: (صنعت هذا لكيلا أحرج أمتي) (4).
وروى البزار عن طريق عثمان بن خالد الأموي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الصلاتين في المدينة من غير خوف) (5).
قال النووي في شرح مسلم: للعلماء في هذا الحديث أقوال، منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين وهو ضعف بالرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر، يريد التي رواها، فقد روى الإمام مالك عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا مطر ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم، فصلى الظهر، ثم انكشف الغيم، وبان أن وقت العصر قد دخل، فصلاها.
وهذا أيضا باطل، لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء.
ومنهم من [ تأوله على تأخير الأولى أخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية
__________
(1) أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر 2 / 192 (1933).
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 158.
(3) أخرجه مسلم 1 / 489 (49 / 705) وأبو داود 2 / 6 (1210) والنسائي 1 / 290 ومالك في الموطأ 1 / 444 حديث (4).
(4) الطبراني في الكبير والأوسط المجمع 2 / 161 وفيه عبد القدوس ضعفه ابن معين.
(5) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 332 (689) وقال البزار تفرد به عثمان بن خالد.
(*)(8/236)
فصلاها، فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضا ضعيف وباطل - وساق أدلته على ذلك ثم قال: ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر للمرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار.
وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس، وموافقة أبي هريرة، ولأن المشقة فيه أشد من المطر.
وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي - ثم قال: ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد ألا يحرج أمته.
فلم يعلله بمرض ولا غيره ].
الخامس: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - الفرض على الدابة لعذر.
روى الطبراني، وأبو داود، من حديث يعلى بن مرة.
وإسناد الطبراني برجال ثقات - عن يعلى بن أمية - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأصابنا السماء فكانت البلة من تحتنا والسماء من فوقنا وكان في مضيق فحضرت الصلاة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا لا فأذن وأقام وتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى على راحلته والقوم على رواحلهم، يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع) (1).
وروى البزار عن عمرو بن يعلى - رضي الله تعالى عنه - قال: حضرت الصلاة صلاة
المكتوبة ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقدمنا ثم أمنا فصلينا على ركائبنا) (2).
__________
(1) الطبراني في الكبير وأخرجه الترمذي 2 / 266 (411) وانظر المجمع 2 / 161.
(2) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 330 (684) وقال الهيثمي فيه عبد الأعلى بن عامر ضعيف المجمع 2 / 161.
(*)(8/237)
الباب الرابع في صلاته - صلى الله عليه وسلم - النوافل في السفر
وفيه نوعان: الأول: في صفة صلاتها.
روى الإمام، وأبو داود - واستغربه - عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - قال: (سافرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة - وفي لفظ ثمانية - عشر، سفرا فلم أره ترك الركعتين قبل الظهر) (1).
وروى الترمذي - وحسنه - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحضر والسفر، فصليت معه في الحضر الظهر أربعا وبعدها ركعتين، وصليت معه في السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين) (2).
وروى الإمام أحمد، واللفظ له، وابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الحضر وصلاة السفر، وكان يصلي في الحضر قبلها وبعدها وصلى في السفر قبلها وبعدها)) (3).
وروى الطبراني - بسند جيد - عن مسروق قال: (سألت عائشة عن تطوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر، فقالت: ركعتان دبر كل صلاة) (4).
وروى الأئمة إلا الدارقطني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل) (5).
الثاني: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - النافلة على الدواب في السفر.
روى أبو داود والإمام أحمد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعا استقبل القبلة يكبر للصلاة، ثم صلى حيث وجهه ركابه) (6).
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 292 وأبو داود 2 / 8 (1222).
(2) الترمذي 2 / 437 (552).
(3) أحمد 1 / 232 وابن ماجه 1 / 339 (1068).
(4) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي فيه سعد بن زنبور وثقه ابن حبان المجمع 2 / 233.
(5) الحديث عند أبي داود 2 / 8 (1223) والنسائي 3 / 110 وابن ماجه 1 / 340 (1071).
(6) أحمد في المسند 3 / 203 وأبو داود 2 / 9 (1225).
(*)(8/238)
وروى الشيخان عن عامر بن ربيعة - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجهت به) (1).
وفي رواية: (يومئ برأسه قتل أي وجه توجهه، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة) (2).
وروى البخاري عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أنمار يصلي على راحلته متوجها نحو المشرق) (3).
وروى أيضا عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة) (4).
وروى الإمام مالك والجماعة والدارقطني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسبح على ظهر راحلته حيث توجهت به ويومئ برأسه).
وفي رواية: يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته.
وفي رواية: رأيته يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر.
وفي رواية: كان يوتر على البعير (5).
وروى أبو داود والترمذي عن [ عمرو بن عثمان بن ] يعلى بن مرة عن أبيه عن جده (أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير، فانتهوا إلى مضيق فحضرت الصلاة فمطروا، السماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على راحلته، فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع، ورواه الطبراني، بالإسناد إلا أنه قال: يعلى بن أمية) (6).
وروى الإمام مالك وابن ماجه والدارقطني عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر على البعير (7).
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 488 (40 / 701).
(2) مسلم 1 / 487 (39 / 700).
(3) أخرجه أبو داود 2 / 9 (1227) والترمذي 2 / 182 (351).
(4) أخرجه البخاري 2 / 56 والنسائي 2 / 494.
وأحمد 3 / 330.
(5) أخرجه البخاري 2 / 567 (1000) والنسائي 2 / 61.
(6) تقدم.
(7) أخرجه ابن ماجه 1 / 379 (1200) والدارقطني (2 / 21).
(*)(8/239)
وروى الأئمة مالك وأحمد ومسلم وأبو داود عن ابن عمر قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر) (1).
وروى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر على راحلته) (2).
وروى الإمام أحمد عن شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوجها إلى خيبر يومئ إيماء) (3).
وروى الإمام أحمد، عن الهرماس بن زياد - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على بعير نحو الشام) (4).
وروى الإمام أحمد، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته قبل المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة، نزل فاستقبل القبلة) (5).
وروى الإمام أحمد عنه قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو على راحلته النوافل في كل جهة، ولكنه يخفض السجود عن الركوع ويومئ إيماء) (6).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، والدار قطني، عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على راحلته في التطوع حيثما توجهت به يومئ إيماء) (7).
تنبيهات الأول: قال ابن القيم: لم يحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى سنة الصلاة - قبلها ولا بعدها - في السفر إلا ما كان من سنة الفجر.
قال الحافظ: ويرد عليه ما قدمناه في رواية الترمذي من حديث ابن عمر، وما رواه أبو داود من حديث البراء بن عازب.
الثاني: قوله: في رواية أنس على حمار، قال الدارقطني وغيره، هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني، وإنما المعروف في صلاته - صلى الله عليه وسلم - على راحلته أو البعير، والصواب أن الصلاة
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 487 (35 / 700) وأبو داود، 2 / 9 (1226).
(2) ابن ماجه 1 / 379 وقال الشهاب البوصيري في إسناده عباد بن منصور ضعيف.
(3) أحمد في المسند 3 / 495.
(4) أخرجه أحمد في المسند 3 / 485.
(5) أحمد في المسند 3 / 378.
(6) أحمد في المسند 3 / 126.
(7) أحمد في المسند 3 / 73.
(*)(8/240)
على الحمار من فعل أنس كما ذكره مسلم بعد هذا.
قال النووي في تغليط عمرو نظر، لأنه ثقة نقل شيئا محتملا فلعله كان الحمار مرة، والبعير مرة أو مرات، لكن قد يقال: إنه مخالف لرواية الجمهور في البعير والراحلة، والشاذ مردود.
قلت: قد روى الطبراني من طريق مسلم بن خالد الزنجي وقد وثقه الشافعي، وابن حبان، وابن عدي وغيرهم، وضعفه جماعة وقال الذهبي في المعلى: صدوق اتهم.
وقال الحافظ في التقريب: عن شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوجها إلى خيبر على حمار يصلي عليه.(8/241)
جماع أبواب هديه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف
الباب الأول في بيان عدد المرات والكيفيات التي صدرت منه - صلى الله عليه وسلم لصلاة الخوف على سبيل الإجماع
قال الإمام الحافظ الخطابي - رحمه الله تعالى - صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام مختلفة، بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط للصلاة، والأبلغ للحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى.
وحكى ابن القصار (1) المالكي رحمه الله تعالى: (أنه - صلى الله عليه وسلم - صلاها عشر مرات) وقال القاضي أبو بكر بن العربي - رحمه الله تعالى - أربعا وعشرين مرة.
ونقل الترمذي عن الإمام أحمد أنه قال: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز.
ومال إلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة، وكذا رجحه الإمام الشافعي، ولم يرجح الإمام إسحاق بن راهويه شيئا على شئ، وبه قال ابن جرير وغير واحد منهم ابن
المنذر وسرد ثمانية أوجه، وكذلك ابن حبان في صحيحه، وزاد تاسعا.
وقال أبو محمد بن حزم - رحمه الله تعالى: صح فيها أربعة عشر وجها، وبيتها في جزء مفرد.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: جاء فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة.
وذكر الإمام النووي - رحمه الله تعالى - نحوه في شرح مسلم، ولم يبينها، بينها أبو الفضل العراقي - رحمه الله تعالى - في (شرح الترمذي) وزاد وجها آخر، فصارت سبعة عشر وجها وذكر أنه يمكن تداخلها.
وقال في (زاد المعاد): أصولها ست صفات، وبينها بعضهم إلى أكثر فهؤلاء كلما رأوا
__________
(1) أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد المعروف بابن القصار: تفقه بأبي بكر الأبهري، وله كتاب في مسائل الخلاف كبير لا أعرف لهم كتابا في الخلاف أحسن منه.
ومنهم أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله المعروف بابن الحلاب: تفقه بأبي بكر الأبهري، وله كتاب في مسائل الخلاف.
طبقات الفقهاء للشيرازي / 168.
(*)(8/242)
اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من اختلاف الرواة.
انتهي.
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - وهذا هو المعتمد.
وإليه أشار شيخنا العراقي بقوله: لكن يمكن تداخلها.
قلت: والستة المشار إليها في كلام الإمام أحمد حديث سهل، وحديث ابن عمر، وحديث أبي عياش الزرقي، وحديث أبي بكرة، وحديث جابر، وحديث ابن عباس.(8/243)
الباب الثاني في بيان كيفيات صلاته - صلى الله عليه وسلم لصلاة الخوف على سبيل التفصيل
قال الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي - رحمه الله تعالى -: قد جمعت طرق الأحاديث الواردة في صلاة الخوف فبلغت سبعة عشر وجها، وفي بعضها والعدو بينه وبين القبلة وهي أكثر أحاديث الباب.
وفي بعضها كان العدو في غير القبلة وذلك في خمسة أحاديث: في حديث ابن عمر، وبعض طرق حديث سهل بن أبي حثمة، وفي حديث جابر من رواية الحسن عنه، وفي حديث أبي هريرة من رواية مروان بن الحكم عنه، وفي حديث ابن مسعود، وها أنا مورد ما ذكره منقحا له: الوجه الأول: روى الخمسة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد فوازينا العدو، فصاففنا لهم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ركعة وسجدتين ثم انصرفوا مكان أولئك الذين لم يصلوا، وجاءت الطائفة التي لم تصل فركع بهم ركعة وسجدتين، ثم سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام كل رجل من المسلمين فركع لنفسه ركعة وسجدتين) (1).
قال العراقي: وهكذا في حديث أبي موسى وليس في طرق حديث ابن عمر ولا حديث أبي موسى بيان لكيفية قضاء الطائفتين للركعة، هل قضت كل فرقة ركعتها بعد سلام الإمام أو تقدمت بقضائها وحرست الأخرى ثم قضت الأخرى وحرس الآخرون.
وقد حكى فيه النووي خلافا فقال في (شرح مسلم) ثم قال: إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معا، وقيل متفرقين قال: وهو الصحيح.
قال العراقي: وهذا ليس اختلافا في الرواية، وإنما هو اختلاف لبعض العلماء، وكأن النووي أخذه من القاضي فإنه قال (في الإكمال): اختلف في تأويله.
فقيل: قضوا معا، وهو
تأويل (أبي سهل) بن حبيب، وعليه حمل قول أشهب: وقيل: قضوا (ركعتهم الباقية معا) وقيل
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 487 في المغازي باب غزوة ذات الرقاع (4133) وأخرجه مسلم 1 / 574 (35 / 839) والترمذي 2 / 453 (564).
(*)(8/244)
متفرقين، قال وهو الصحيح مثل حديث ابن مسعود، وهو المنصوص لأشهب.
انتهى ثم قال العراقي: وأما ما وقع في الرافعي وغيره من كتب الفقه: الوجه الثاني: روى الإمام الشافعي والخمسة عن مالك بن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفت [ معه ] وطائفة وجاه العدو.
فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم (1).
وروى الشيخان عن سهل بن أبي حثمة...أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه في الخوف، وصفهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام فلم يزل قائما حتى صلى الذين معه ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد، حتى صلى الذين، تجاه القوم ركعة ثم سلم (2).
الوجه الثالث: روي عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن صالح بن خوات (3) عن سهل بن أبي حثمة في حديث يزيد بن رومان عن صالح: إلا أن الطائفة الأولى إذا أتموا لأنفسهم ركعة سلموا ثم انصرفوا، وإذا صلى الإمام بالطائفة الثانية سلم، فيركعون لأنفسهم الركعة الثانية، ثم يسلمون قال القاضي: وبهذا أخذ مالك والشافعي وأبو داود (4).
الوجه الرابع:
روى مسلم وأبو داود عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفهم خلفه صفين فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام فلم يزل قائما حتى صلى الذين خلفهم ركعة ثم تقدموا، وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد ثم صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم جميعا زاد أبو داود: إن هذه الأولى إذا صلت ركعة وتقدمت لم تسلم (5).
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 421 في المغازي (4129) ومسلم (1 / 575) حديث (310 / 842) ومالك في الموطأ 1 / 183 (2).
(2) أخرجه البخاري 7 / 486 (4131) ومسلم (1 / 575) (309 / 841).
(3) صالح بن خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري المدني، ثقة، من الرابعة، وخوات: بفتح المعجمة ولشديد الواو، وآخره مثناة، التقريب 1 / 359.
(4) أبو داود 2 / 13 (1239).
(5) مسلم (1 / 575) (309 / 841) وأبو داود 2 / 12 (1237).
(*)(8/245)
الوجه الخامس: روى الشيخان وغيرهما عن أبي سلمة عن جابر - رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أربع، وللقوم ركعتان (1).
قال العراقي ولم يذكر سلامه بعد الركعتين الأوليين.
الوجه السادس: روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن الحسن عن أبي بكرة - واللفظ له، (قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه، وبعضهم بإزاء العدو، فصلى ركعتين ثم سلم، فانطلق الذين صلوا معه، فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين) (2).
الوجه السابع: روى مسلم، والنسائي عن عطاء، ومسلم عن أبي الزبير (3) كلاهما عن جابر رضي الله تعالى عنهما - قال: (شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف، فصفنا صفين، صف خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود، وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم فقام مقام أولئك، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبرنا معه، وركع فركعنا جميعا، ثم رفع رأسه ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى، وقام الصف [ المؤخر في نحور العدو ] فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلمنا جميعا) (4).
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 503 (945).
أخرجه مسلم 1 / 576 (311 / 843).
(2) أحمد في المسند 5 / 49 وأبو داود 2 / 17 (1248) والنسائي 3 / 146.
(3) محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة وضم المهملة الثانية الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي أحد الأئمة.
ثقة يدلس.
عن جابر وابن عباس وعائشة وعنه أيوب والسفيانان ومالك وخلائق قال ابن المديني مات سنة ثمان وعشرين ومائة الخلاصة 2 / 456.
(4) أخرجه مسلم (1 / 574) حديث (307 / 840).
(*)(8/246)
والله أعلم.
الوجه الثامن: روى ابن حبان في صحيحه عن شرحبيل بن سعد عن جابر - رضي الله تعالى عنه - فذكر الحديث وقال فيه: فكبر وكبرت الطائفتان، فركع وركعت الطائفة التي خلفه والأخرى
قعود، ثم سجد وسجدوا أيضا والآخرون قعود ثم قام فقاموا ونكصوا خلفهم حتى كانوا مكان أصحابهم قعدوا، وأتت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين ثم سلم، فقامت الطائفتان كلتاهما فصلوا لأنفسهم ركعة وسجدتين.
الوجه التاسع: روى النسائي وابن حبان عن يزيد الفقير (1) عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم صلاة الخوف فقام صف بين يديه وصف خلفه، فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم، وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء، فصلى بهم ركعة وسجدتين ثم سلم فكانت له ركعتان ولهم ركعة (2).
وهكذا في حديث الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم الحنظلي (3) - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا عند سعيد بن العاصي بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف ؟ فقال حذيقة: أنا فصف الناس فقال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بطائفة ركعة صف خلفه، وطائفه أخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يققضوا) (4).
فقام حذيفة فصف الناس خلفه فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا، ورواه أبو داود مختصرا.
وقال النسائي: في روايته بعد قول حذيفة: (أنا) فوصف فقال صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بطائفة ركعة صفت خلفه، وطائفة أخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة.
__________
(1) يزيد بن صهيب الكوفي أبو عثمان الفقير كان يشكو فقار ظهره.
عن ابن عمر وجابر.
وعنه سيار أبو الحكم ومسعر، وثقه ابن معين.
الخلاصة 3 / 172.
(2) أخرجه النسائي 3 / 142.
(3) ثعلبة بن زهدم التميمي.
قال البخاري: لا تصح صحبته.
قال العجلي: تابعي ثقة.
عن حذيفة.
وعنه الأسود بن هلال.
الخلاصة 1 / 152.
(4) أخرجه النسائي 3 / 136 وابن حبان كما في الإحسان 4 / 67 (2416) وابن خزيمة 2 / 293 (1343) وأبو داود (1246).
(*)(8/247)
وفي رواية له: فقام حذيفة وصف الناس خلفه صفين فذكر صلاة حذيفة بهم.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - أنه كان بالدار من أصبهان وما بهم يومئذ كبير خوف، ولكن أخب أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فجعلهم صفين طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها، وطائفة من ورائها، فصلى بالذين يلونه ركعة ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الآخرين يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة ركعة، ثم سلم بعضهم على بعض، فتمت للإمام ركعتان وللناس ركعة ركعة والله أعلم (1).
الوجه العاشر.
روى النسائي وابن حبان رضي الله تعالى عنهما في رواية أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بذي قرد فصف الناس خلفه صفين، صفا خلفه وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا (2).
وكذلك رواية أيضا عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - صف خلفه وصف بإزاء العدو، وفي آخره فكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتان ولكل طائفة ركعة.
وكذلك في رواية عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بكل طائفة ركعة (3).
كذا رواه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة في صلاة الخوف) (4).
الوجه الحادي عشر: روى الشيخان والنسائي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقام الناس معه فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم) (5).
__________
(1) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 2 / 197 رجال الكبير رجال الصحيح.
(2) النسائي 3 / 137.
(3) أخرجه ابن حبان في الإحسان 4 / 232 حديث (2861) وأحمد 2 / 522 والترمذي في التفسير (3038) والنسائي في صلاة الخوف 3 / 174.
(4) البيهقي 3 / 253.
(5) أخرجه البخاري 2 / 502 حديث (944).
(*)(8/248)
ورواه البزار بسياق أتم منه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة له، فلقي المشركين بعسفان، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، فقال بعضهم لبعض لو حملتم عليهم ما علموا بكم، حتى تواقعوهم، فقال قائل منهم: إن لهم صلاة أخرى فهي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم فاصبروا حتى تحضر فنحمل عليهم جملة فأنزل الله عز وجل (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر فكبروا معه جميعا ثم ركع وركعوا معه جميعا فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه ثم قام الذين خلفهم مقبلون على العدو، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سجوده وقام سجد الصف الثاني، ثم قاموا وتأخر الصف الذين يلونه، وتقدم الآخرون فكانوا يلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما ركع ركعوا معه جميعا، ثم رفع فرفعوا معه ثم سجد فسجد معه الذين يلونه، وقام الصف الثاني مقبلون على العدو، فلما فرغ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سجوده وقعد، قعد الذين يلونه وسجد الصف المؤخر ثم قعدوا فسجدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلم عليهم جميعا، فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعض قالوا (قد أخبروا بما أردنا) (1).
وروى مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن بكير بن الأخنس عن مجاهد، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة) (2).
وقول أبي عمر بن بكير انفرد به، وإنه ليس بحجة فيما تفرد به مردود، فقد وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم، والنسائي وغيرهم.
الوجه الثاني عشر: روى أبو داود عن عروة بن الزبير - رضي الله تعالى عنه - وابن حبان عن عروة قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله تعالى عنه أنه صلى صلاة الخوف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام غزوة نجد، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صلاة العصر (3).
الوجه الثالث عشر: روى أبو داود عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف فقاموا صفا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (4).
__________
(1) البزار كما في الكشف 1 / 326 (679) وقال الهيثمي 2 / 196 فيه النضر بن عبد الرحمن وهو مجمع على ضعفه.
(2) أخرجه مسلم 1 / 478 (5 / 687) وأبو داود 2 / 17 حديث (1247) وابن ماجه 1 / 339 (1068).
(3) أبو داود 2 / 14 حديث (1240).
(4) أبو داود 2 / 16 (1244).
(*)(8/249)
وروى عبد الرزاق عنه قال: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصف صفا خلفه وصفا موازيا وهم في صلاة كلهم فكبر وكبروا جميعا فصلى بالصف الذي يليه ركعة، ثم ذهب هؤلاء وجاء
هؤلاء فصلى بهم ركعة، ثم قام هؤلاء الذين يلونهم صلى بهم الركعة الثانية فصفوا مكانهم، ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء أولئك فقضوا الركعة.
الوجه الرابع عشر: روى النسائي عن أبي عياش الزرقي - رضي الله تعالى عنه قال: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعسفان فصلينا الظهر فقال المشركون - وعليهم خالد بن الوليد - لقد أصبنا منهم غرة ولقد أصبنا منهم غفلة لو أنا حططنا عليهم وهو في الصلاة، فقالوا: إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم، فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر، ففرقنا فرقتين، فرقه تصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفرقة يحرسونه فكر بالذين يلونه، والذين يحرسونه، ثم ركع فركع هؤلاء وأولئك جميعا ثم سجد الذين يلونه وتأخر هؤلاء الذين يلونه، وتقدم الآخرون، فسجدوا ثم قام فركع بهم جميعا الثانية وبالذين يلونه وبالذين يحرسونه، ثم سجد بالذين يلونه، ثم تأخروا فقاموا في مصاف أصحابهم وتقدم الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم، فكانت لكلهم ركعتان ركعتان مع إمامهم (1).
وفي رواية رواها أبو داود أيضا أن الصف المتأخر سجدوا مكانهم قبل أن يتقدموا في كل ركعة، ولم يتقدموا في الركعة الأخرى (2) قال العراقي: وهذا المشهور كما في رواية ابن الزبير، وعطاء، عن جابر، وكلاهما عن مسلم وإسناده صحيح، وقد زالت تهمة ابن إسحاق بتصريحه بالتحديث إلا أنه اختلف عليه فيه.
هل هي رواية عروة عن أبي هريرة ؟ كما تقدم، أو من روايته عن عائشة.
قال العراقي: ولعل ابن إسحاق سمعه من محمد بن جعفر بن الزبير بالإسنادين جميعا.
الوجه الخامس عشر: روى البزار عن الحارث عن علي - رضي الله تعالى عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس فأخذوا السلاح علهيم فقامت طائفة من ورائهم
مستقبلي العدو، وجاءت فصلوا معه فصلى بهم ركعة، ثم قاموا إلى الطائفة التي لم تصل،
__________
(1) أخرجه النسائي 3 / 144 وحديث أبي عياش عند مسلم 1 / 574 حديث (843) وأبو داود (1236).
(2) أبو داود 2 / 11 (1236).
(*)(8/250)
وأقبلت الطائفة التي لم تصل معه فقاموا خلفه فصلى بهم ركعة وسجدتين، ثم سلم عليهم - فلما سلم، قام الذين قبل العدو فكبروا جميعا، وركعوا ركعة وسجدتين بعد ما سلم (1).
قال العراقي: وظاهر أنه صلى بكل طائفة ركعة، وركعت إحدى الطائفتين ركعة أخرى.
ولا يجوز أن تكون المغرب لأنه - صلى الله عليه وسلم - سلم بعد الركعتين والمغرب لا تقصر، وقد ورد عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: (صليت صلاة الخوف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ركعتين، إلا المغرب فإنه صلاها ثلاثا) (2).
الوجه السادس عشر: روى الحاكم في الإكليل عن خوات بن جبير (3) - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة وطائفة خلفه وطائفة مواجهة العدو، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وسجدتين ثم سلموا وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين، والطائفة مقبلة على العدو فلما صلى بهم ركعة ليث جالسا حتى أتموا لأنفسهم ركعة وسجدتين، ثم سلموا) (4).
هذا آخر ما ذكره الحافظ أبو الفضل العراقي...وسقط من النسخة ذكر الرابع وإسناد حديث ابن مسعود منقطع، وإسناد حديث ابن عباس من رواية أبي بكر بن الجهم، تكلم فيه الإمام الشافعي، وإسناد حديث زيد بن ثابت ضعف البخاري إسناده فإنه من رواية القاسم بن حسان وإسناد حديث علي ضعيف، فإنه من رواية الحارث وإسناد حديث خوات ضعيف أيضا فإنه من رواية الواقدي.
__________
(1) البزار كما في الكشف 1 / 325 (677) وقال الهيثمي في المجمع 2 / 196 فيه الحارث وهو ضعيف.
(2) البزار كما في الكشف 1 / 328 (681).
(3) خوات بن جبير بن نعمان الأنصاري.
شهد المشاهد كلها مات ستة اثنتين وأربعين، قاله مصعب، وقيل ستة أربعين عن أربع وسبعين ستة.
قاله ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر.
الخلاصة 1 / 299.
(4) إسناده ضعيف لضعف الواقدي.
(*)(8/251)
الباب الثالث في بعض فوائد الأحاديث السابقة
روى الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما قال: (غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ست مرات قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة).
وقيل لم تشرع قبل الخندق لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر الصلاة يوم الخندق حتى ذهب الخوف فصلاها بعد ما خرج وقتها.
والجمهور ومنهم مالك والشافعي، وأبو حنيفة، على أنها مشروعة بعده.
وقال مكحول وأبو يوسف، والحسن اللؤلؤي، ومحمد بن الحسن وبعض علماء الشافعية من أنها مخصوصة به عليه الصلاة والسلام، اعتمادا على قول الله تعالى (وإذا كنت فيهم) [ النساء 102 ] على أن الخطاب خطاب مواجهة، لا خطاب تخصيص بالحكم.
والأصح: أنه صلاها في عشرة مواضع: ذات الرقاع، وبطن نخل، وقيل في ستة وعشرين موضعا.
واختلف: هل صلاها على هذه الكيفية رخصة أو سنة ؟ وهل هي خاصة بالمسافر، أو عامة فيه وفي المقيم ؟ بل حكى بعضهم اتفاق أرباب المذهب على العموم، وحكى بعض الشافعية عن مالك: أن المقيم لا يصليها وهو غير معروف عليه: وإنما هو لعبد الملك بن الماجشون من أصحابه.
وحكمة مشروعيتها: المحافظة على الصلاة مع حراسة المسلمين.(8/252)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة النوافل التي لم تشرع لها الجماعة
الباب الأول في صلاته - صلى الله عليه وسلم - المقرونة بالفرائض.
وفيه أنواع: الأول: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - النفل قائما كثيرا، وقاعدا قليلا.
روى مسلم، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قال: (لما بدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثقل كان أكثر صلاته جالسا) (1).
وروى أيضا عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة - رضي الله تعالى عنها - هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو قاعد ؟ قالت نعم بعد ما خطمه الناس (2).
وروى أيضا عن حفصة رضي الله تعالى عنها قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى سبحته قاعدا حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعدا، وكان يقرأ بالسورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها (3).
وروى أيضا عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى صلى قاعدا (4).
وروى الشيخان، وابن سعد، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في شئ من صلاة الليل جالسا، حتى إذا كبر قرأ جالسا، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون أو آية قام فقرأها وهو قائم، ثم ركع ثم سجد، فقعد في الركعة الثانية مثل ذلك فإذا قضى صلاته نظر فإن كنت يقظى تحدث معي، وإن كنت نائمة اضطجع) (5).
وروى الشيخان عن عروة عنها أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في شئ
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 506 (117 / 732) هامش مسلم 1 / 506.
(2) أخرجه مسلم 1 / 506 (115 / 732).
(3) مسلم 1 / 507 (118 / 733).
(4) أخرجه مسلم 1 / 507 (119 / 734).
(5) أخرجه مسلم 1 / 505 (111 / 731).
(*)(8/253)
من صلاة الليل قاعدا حتى إذا كبر قرأ جالسا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحو من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع (1).
وروى مسلم عن عمرة عن عاشئة - رضي الله تعالى عنها - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يقرأ وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية) (2).
وروى مسلم عن عبد الله بن شقيق عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ قائما ركع قائما وإذا قرأ قاعدا) وفي لفظ: إذ افتتح الصلاة قائما ركع قائما، وإذا افتتح الصلاة قاعدا ركع قاعدا) (3).
وروى مسلم عنها قالت: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس) (4).
وروى عنها أيضا قالت: (لما بدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثقل كان أكثر صلاته جالسا) (5).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي، عن أم سلمة، قالت: ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان أكثر صلاته قاعدا إلا المكتوبة وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل (6).
وروى النسائي، والدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (رأيت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى متربعا) (7).
وروى الإمام مالك، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم، ثم ركع وسجد، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك) (8).
الثاني: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - سنة الصبح ومحافظته عليها وتخفيفها وما كان يقرأ فيهما، واضطجاعه بعدها وقضائه إياها.
__________
(1) أخرجه مسلم (112 / 731).
(2) مسلم (113 / 731).
(3) مسلم (1 / 504) حديث (105 / 106 و 107) (730).
(4) انظر صحيح مسلم (1 / 507).
(5) تقدم.
(6) أحمد 6 / 322 والنسائي 3 / 181.
(7) النسائي 3 / 193 والدارقطني 1 / 397.
(8) مالك في الموطأ 1 / 282.
(*)(8/254)
روى الإمام أحمد والخمسة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شئ من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر)، وفي رواية: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسرع في شئ من النوافل أسرع منه من الركعتين قبل الفجر) (1).
وروى أبو داود عن بلال - رضي الله تعالى عنه - أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليؤذنه بصلاة الغداة فشغلت عائشة بلالا بأمر سألته عنه حتى فضحه الصبح، فأصبح جدا فقام بلال فآذنه بالصلاة وتابع أذانه، فلم يخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما خرج صلى بالناس وأخبره بلالا أن عائشة شغلته بأمر سألته عنه حتى أصبح جدا وأنه أبطأ عليه بالخروج، فقال: إني كنت
ركعت ركعتي الفجر، فقال: يا رسول الله إنك أصبحت جدا قال: (لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما) (2).
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتي الفجر فيخففهما حتى أقول هل قرأ فيهما أم القرآن) (3).
وروى البخاري والنسائي عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر [ قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر ] بعد أن يستبين الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة) (4).
وروى الإمام مالك، والشيخان والنسائي عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أذن المؤذن بالصبح وبذا الصبح لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة) (5).
وروى مسلم عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين) (6).
وروى عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدع أربعا قيل الظهر، وركعتين قبل الغداة (7).
__________
(1) أحمد في المسند 6 / 254 وأخرجه البخاري 3 / 55 (1163) ومسلم 1 / 501 (734 / 94) وأبو داود 2 / 19 (7254).
(2) أبو داود 2 / 19 (1207).
(3) أخرجه البخاري 3 / 55 (1164) ومسلم 1 / 501 (92 / 724).
(4) أخرجه البخاري 2 / 129 (626، 994، 1123) ومسلم 1 / 508 (122 / 736).
(5) البخاري 2 / 120 (1159) (619) ومالك في الموطأ 1 / 127 ومسلم 1 / 500 (88 / 723).
(6) أخرجه مسلم 1 / 508 (121 / 736).
(7) أخرجه البخاري 2 / 74 وأبو داود (2353) وأحمد 6 / 63 وأبو نعيم في الحلية 10 / 29 والبيهقي 2 / 472.
(*)(8/255)
وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود، والنسائي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان كثيرا ما يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما بفاتحة القرآن (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) الآية التي في البقرة، وفي الأخرى بفاتحة الكتاب، والتي في آل عمران، (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) (1).
وروى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي الفجر (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) في الركعة الأولى، وهذه الآية (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) (2).
وروى النسائي، وابن ماجه عنه، أنه سمع، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي الفجر (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (3).
وروى الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن ماجه وابن حبان وابن الضريس، والحاكم في الكنى، وابن مردويه - وعندهما أربعين صباحا - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال رمقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا (وفي لفظ) خمسا وعشرين مرة، فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر: (قل يأيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (4).
وروى ابن أبي شيبة، وابن ماجه، وابن حبان، والبيهقي، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين قبل الفجر، وكان يقول: (نعم السورتان هما يقرأ بهما في ركعتي الفجر)، (قل يأيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (5).
وروى الجماعة إلا الترمذي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر ب (قل يأيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (6).
وروى مسلم، والبيهقي، في السنن عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الفجر (قل يأيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (7).
ورواه البيهقي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه (8) - وروى الطبراني عن أسامة بن عمير - رضي
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 502 (99 / 727) (100) وأحمد 1 / 230 وأبو داود 2 / 20 (1259) والنسائي 2 / 120.
(2) أبو داود 2 / 20 (1260).
(3) النسائي 2 / 120 وابن ماجه 1 / 363 (1148).
(4) الترمذي 2 / 276 (417) والنسائي 2 / 132 وابن ماجه (1149).
(5) ابن ماجه 1 / 363 (1150).
(6) أخرجه الترمذي 2 / 296 (431) والبيهقي 3 / 43 والبغوي في شرح السنة 2 / 430.
(7) أخرجه مسلم (1 / 502) (98 / 726) والبيهقي 3 / 42.
(8) البيهقي 3 / 42.
(*).(8/256)
الله تعالى عنهما - أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين فصلى قريبا منه، فصلى ركعتين خفيفتين، فسمعته يقول: (رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أعوذ بك من النار) ثلاث مرات) (1).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع فإن كنت مستيقظة تحدث معي، وإن كنت نائمة اضطجع على شقه الأيمن حتى بأتيه المؤذن فيخرج إلى الصلاة) (2).
وروى البخاري عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن).
وروى الإمام أحمد، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن) (3).
وروى ابن ماجه، والدارقطني - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام عن
ركعتي الفجر فقضاهما بعد ما طلعت الشمس (4).
وروى الدارقطني عن بلال - رضي الله تعالى عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فنام حتى طلعت الشمس فأمر بلالا فأذن، ثم توضأ فصلى ركعتين، ثم صلوا الغداة) (5).
وروى أيضا عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير له فناموا عن صلاة الفجر، فاستيقظوا بحر الشمس، فارتفعوا قليلا حتى استقلت، ثم أمر المؤذن، فأذن، ثم صلى ركعتين قيل الفجر [ ثم أقام المؤذن فصلى الفجر ] (6).
وروى البخاري، وأبو بكر البرقاني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدع ركعتين قبل الفجر).
__________
(1) أخرجه الطبراني وذكره الهيثمي في المجمع 2 / 219.
(2) تقدم وانظر مسند أحمد 6 / 121.
(3) أخرجه أحمد 2 / 415 والترمذي 2 / 280 (420) وأبو داود 2 / 21 (1261).
(4) أخرجه ابن ماجه 1 / 365 (1159).
(5) الدار قطني 1 / 381.
(6) الدار قطني 1 / 383.
(*)(8/257)
الباب الثاني في صلاته - صلى الله عليه وسلم - قبل الظهر والعصر وبعدهما
روى البخاري، والترمذي، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها) (1).
وروى الترمذي - وحسنه، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الظهر أربعا، وبعدها ركعتين) (2).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي أربعا قبل الظهر يطيل فيهن القيام، ويحسن فيهن الركوع والسجود) (3).
وروى الترمذي عنها: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعده) (4).
وروى البخاري، وأبو بكر البرقاني عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الظهر أربعا في بيته ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين) (5).
وروى الطبراني، من طريق صالح بن نبهان (6) عن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بين الظهر والعصر) (7).
وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين، ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين) (8).
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 58 (1180 - 1181) ومسلم 1 / 504 (104 / 729) والترمذي (425).
(2) أخرجه الترمذي 2 / 289 (424).
(3) أحمد 6 / 30 وابن ماجه 1 / 365 (1156) وقال البوصيري في إسناده مقال.
(4) الترمذي 2 / 291 (426) وقال حسن غريب.
(5) تقدم.
(6) صالح بن نبهان مولى التوأمة الجمحية أبو محمد المدني، عن عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس، وعنه ابن جريح وابن أبي ذئب والسفيانان وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة حجة.
سمع منه ابن أبي ذئب قبل أن يخرف، ومن سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت.
قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه.
قال ابن أبي عاصم: مات سنة خمس وعشرين ومائة.
الخلاصة 1 / 465.
(7) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 221 فيه صالح بن نبهان تكلم فيه.
(8) أحمد في المسند 1 / 160 والترمذي 2 / 294 (429).
(*)(8/258)
وروى أبو داود عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل العصر ركعتين) (1).
وروى الشيخان، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ((ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيني في بيتي في يومي بعد العصر إلا صلى ركعتين) (2).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي عنها، قالت: (ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد العصر عندي قط) (3).
وروى أبو داود عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين بعد العصر وينهى عنها) (4).
وروى الترمذي وحسنه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (إنما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الركعتين) بعد العصر، ثم لم يعد لهما) (5).
وروى عن كريب (6) أن عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وعبد الرحمن بن أزهر، والمسور بن مخرمة - رضي الله تعالى عنهم - أرسلوه إلى عائشة - رضي الله تعالى عنها - فقالوا: (قرأ عليها السلام منا جميعا [ وسلها عن الركعتين بعد العصر ]) (7).
وروى أبو يعلى، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (ألا يقوم أحدكم فيصلي أربع ركعات بعد العصر فيقول فيهن ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [ تم نورك فهديت ].
(فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت، فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت، فلك الحمد ربنا وجهك أكرم الوجوه وجاهك أعظم الجاه، وعطيتك أفضل العطية وأهنأها، تطاع ربنا فتشكر وتعصى ربنا فتغفر، تجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفي السقيم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة، ولا يجزى بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحتك قول قائل) (8).
__________
(1) أبو داود 2 / 23 (1272).
(2) أخرجه البخاري 2 / 77 (593).
والبيهقي 2 / 458.
(3) البخاري 2 / 77 (591).
والنسائي 1 / 225.
(4) أبو داود 2 / 25 (1280).
(5) أخرجه الترمذي 1 / 345 (184).
(6) كريب بن أبي مسلم الهاشمي، مولاهم، المدني، أبو رشدين، مولى ابن عباس، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثمان وتسعين.
التقريب 2 / 134.
(7) أخرجه البخاري 1 / 126 (1233، 4370) ومسلم 1 / 571 (297 / 834).
(8) أخرجه أبو يعلى 1 / 345 (180 / 440) وفيه فرات بن سليمان وقال الهيثمي 10 / 158 فرات لم يدرك عليا والخليل بن مرة وثقه أبو زرعة وضعفه الجمهور.
(*)(8/259)
الباب الثالث في صلاته بعد المغرب والعشاء
روى مسلم، وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي المغرب ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين) (1).
وروى أبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد) (2).
وروى الترمذي، وابن ماجه عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما أحصي ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل صلاة الغداة (قل يأيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (3) ورواه البيهقي عن أنس) (4).
وروى الطبراني في الثلاثة وقال: تفرد به صالح بن قطن البخاري - فيحرر حاله - عن عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعد المغرب ست ركعات، وقال: (من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زيد البحر) (5).
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد المغرب ركعتين يطيل فيهما القراءة حتى يتصدع أهل المسجد) (6).
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن أباه بعثه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة، قال: فوجدته جالسا مع أصحابه في المسجد، فلم استطع أن أكلمه، فلما صلى المغرب قام يركع حتى أذن المؤذن لصلاة العشاء الحديث) (7).
وروى الإمام أحمد، واللفظ له، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء قط فدخل بيتي إلا صلى أربع ركعات أو ست) (8).
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 1 / 368 (1164).
(2) أخرجه أبو داود 2 / 31 (1301).
(3) أخرجه الترمذي 2 / 296 (431) وابن ماجه 1 / 369 (1166).
(4) من حديث ابن مسعود عند البيهقي 3 / 43.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 230.
(6) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 30 فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف.
(7) الطبراني في الكبير 10 / 335.
(8) أخرجه أبو داود 2 / 31 (1303).
(*)(8/260)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات وأوتر سجدة ثم نام حتى يصلي بعد صلاته بالليل) (1).
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: بت عند خالتي ميمونة بنت الحارث - رضي الله تعالى عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندها في ليلتها، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم جاء إلى منزله، فصلى أربع ركعات ثم نام.
الحديث (2).
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 4.
(2) تقدم.
(*)(8/261)
الباب الرابع في صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الاستخارة
روى الطبراني في الثلاثة عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استخار في الأمر، يريد أن يصنعه يقول: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كان هذا الأمر خيرا لي في ديني ودنياي وخيرا لي في معيشتي، وخيرا لي فيما أبتغي به الخير فخر لي في عافية، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كان غير ذلك خيرا لي، فاقدر لي الخير حيث كان، واصرف عني الشر حيث كان، ورضني بقضائك) (1).
الباب الخامس في أحاديث جامعة لرواتب مشتركة
روى الإمام أحمد، والأربعة عن عبد الله بن شقيق - رحمه الله تعالى - قال: (سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تطوعه قالت: (كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين).
وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي في بيته ركعتين ويصلي بهم العشاء، ويدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد، وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم يخرج، فيصلي بالناس الصبح (2).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي عن عاصم بن ضمرة قال: (سألت علي بن
أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النهار فقال: إنكم لا تطيقون ذلك، قلنا: من أطاق ذلك منا فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت الشمس من ههنا كهيئتها من ههنا عند العصر صلى ركعتين، وإذا كانت الشمس من ههنا كهيئتها من ههنا عند الظهر صلى أربعا قبل الظهر، وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين، بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين) (3).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 80 وقال في إسناد الكبير صالح بن موسى الطلحي وهو ضعيف وفي الأوسط والصغير رجل ضعيف.
(2) أحمد في المسند 6 / 30 وأبو داود 2 / 18 (1251) والترمذي 2 / 299 (436) والنسائي 3 / 179.
(3) أحمد في المسند 1 / 160 والترمذي 2 / 493 والنسائي في الكبرى وابن ماجه 1 / 367 (1161).
(*)(8/262)
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عنه وهو ثقة ثبت عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل التطوع ثمان ركعات، وبالنهار اثنتي عشرة ركعة) (1).
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين، إلا الفجر والعصر) (2).
وروى الإمامان: مالك وأحمد، والخمسة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد الجمعة وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، فأما المغرب والعشاء ففي بيته) (3).
وروى الشيخان عنه - قال: (حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح، كانت ساعة لا يدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها).
وحدثتني حفصة: (أنه [ كان ] إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين) (4).
وروى الطبراني برجال الصحيح غير فضالة بن حصين عن أبي أمامة - رضي الله تعالى
عنه - قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فكانت صلاته كل يوم عشر ركعات: ركعتين قبل الفجر، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء) (5).
وروى أيضا عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتبع كل صلاة ركعتين إلا الصبح يجعلها قبلها) (6).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في اليوم عشر ركعات، ركعتين قبل الفجر، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين قبل العشاء).
__________
(1) أخرجه أبو يعلى 1 / 383 (235 / 495).
(2) أحمد 1 / 154 وأبو داود 2 / 24 (1275).
(3) مالك في الموطأ 1 / 237 وأحمد 2 / 17 والبخاري (2 / 493) حديث (937، 1165) (1172، 1180) وأبو داود 2 / 19 (1252) وبنحوه عند النسائي 3 / 113.
(4) تقدم.
(5) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 231 فيه فضالة بن حصين مضطرب الحديث.
(6) الطبراني في الأوسط وفيه حبيب بن حسان ضعفوه المجمع 2 / 233.
(*)(8/263)
الباب السادس في صلاته - صلى الله عليه وسلم - الوتر
وفيه أنواع: الأول: في عدد وتره - صلى الله عليه وسلم.
روى أبو داود عن عبد الله بن أبي قيس - رحمه الله تعالى - قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - (بكم كان يوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت: كان يوتر بأربع، وثلاث وست، وثلاث، وثمان، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة) (1).
وروى مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن سعد بن هشام رحمه الله تعالى - قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها: فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: (كنا نعد له سواكه، وطهوره، فيبعثه الله تعالى لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ثم يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها الا عند الثامنة، فيدعو ربه، ويصلي على نبيه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما سلم، فتلك إحدى عشرة ركعة، فلما أسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذه اللحم، أوتر بسبع يسلم من كل ركعتين، وصلى ركعتين بعد ما سلم) (2).
وروى الشيخان، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر فيها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين) (3).
وروى البرقاني في صحيحه عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع قبل صلاة الفجر ركعتين خفيفتين، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة) (4).
وروى الإمام أحمد والنسائي، عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوتر تسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة حتى يحمد الله تعالى ويذكره ويدعو ثم ينهض ولا يسلم، ثم
__________
(1) أبو داود 2 / 46 (1362).
(2) النسائي 3 / 199 وأبو داود 2 / 40 (1343).
(3) تقدم.
(4) تقدم.
(*)(8/264)
يصلي السابعة ثم يسلم تسليمة السلام عليكم يرفع بها صوته، ثم يصلي ركعتين وهو جالس) (1).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وحسنه، والنسائي، وابن ماجه، عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بثلاث عشرة ركعة، فلما كبر وضعف أوتر يسبع وبخمس) (2).
وروى الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بخمس ركعات من آخر الليل) (3).
وروى الشيخان عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم في كل ركعتين ويوتر بواحدة) (4).
وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بتسع حتى إذا بدن وكثر لحمه أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس فقرأ ب (إذا زلزلت) و (قل يا أيها الكافرون) (5).
وقال أبو الحسن الهيثمي رجاله ثقات.
وقال أبو الفرج: في سنده أبو غالب، واسمه حزور (6) والظاهر أنه رواه بما يظنه المعنى، بأن بدن مشدد معناه: كبر، ومن خفف فقد غلط، لأن معناه: كثرة اللحم، وليس ذلك من صفاته - صلى الله عليه وسلم - قلت: رواية سعد بن هشام، عن عائشة فلما أسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذه اللحم، وهو يؤيد رواية أبي غالب.
وروى الإمام أحمد، والنسائي، وحسنه عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بسبع، وبخمس، لا يفصل بتسليم) ولفظ أحمد بكلام (7).
وروى البزار عن زبيد بن الحارث قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل بثلاث) (8).
__________
(1) أحمد 6 / 54 والنسائي 3 / 198.
(2) أحمد 6 / 322 والنسائي 3 / 201 والترمذي 2 / 319 (457).
(3) أحمد 6 / 286.
(4) أخرجه مالك 1 / 120 (8) ومسلم 1 / 508 (121 / 736).
(5) أحمد 5 / 269 وانظر المجمع 2 / 241.
(6) أبو غالب، صاحب أبي أمامة، بصري، نزل أصبهان، قيل اسمه حزور، وقيل سعيد بن الحزور، وقيل نافع، صدوق يخطئ، من الخامسة.
التقريب 2 / 460.
(7) أحمد 6 / 290 والنسائي 3 / 197 وابن ماجه 1 / 376 (1192).
(8) البزار كما في الكشف 1 / 354 (737).
(*)(8/265)
وروى البزار والطبراني عن سعد بن أبي وقاص - والبزار عن جابر، والطبراني عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوتر بركعة) (1).
وروى الإمام أحمد عن علي - رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث) (2).
وروى الحجاج بن أبي أرطاة، عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث، يقرأ في الركعة الأولى ب (سبح اسم ربك الأعلى) و (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (3).
وروى ابن أبي شيبة، وأبو يعلى عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (أنه أخذ براحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زمن الحديبية قال: فأنختها، فتقدم فصلى العشاء، وأنا عن يمينه ثم صلى ثلاث عشرة ركعة) (4).
وروى الطبراني من طريق عباد بن منصور، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (بت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما طلع الفجر الأول، قام فأوتر بثلاث، يقرأ في الأولى ب (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة ب (قل هو الله
أحد) فإذا سلم قال: (سبحان الملك القدوس)، ومد بها صوته) (5).
وروى البخاري عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وقد سئلت عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فقالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) (6).
تنبيهات الأول: قال أبو عيسى الترمذي - رحمه الله تعالى: (قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة) قال إسحاق بن إبراهيم معنى ما روي (أنه كان يوتر بثلاث عشرة ركعة أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر) (7).
__________
(1) البزار كما في الكشف 1 / 355 (742) وفي إسناده جابر الجعفي ضعيف انظر المجمع 2 / 242.
(2) أحمد 1 / 89.
(3) الطبراني في الكبير 1 / 215 وقال الهيثمي 2 / 243 فيه الحجاج وفيه كلام.
(4) أخرجه أبو يعلى 4 / 151 (452 / 2216) وقال الهيثمي 2 / 272 فيه شرحبيل بن سعد وثقه ابن حبان وضعفه جماعة.
(5) الطبراني في الكبير 12 / 131.
(6) أخرجه البخاري 3 / 40 (1147) (2013، 3569) ومسلم 1 / 509 (125 / 738).
(7) الترمذي 2 / 320 (457).
(*)(8/266)
الثاني: روى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والطبراني، من طريق أبي شيبة بن عثمان، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في رمضان عشرين ركعة، والوتر في رمضان (1).
ضعفه الإمام أحمد، وابن منيع، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، وكذبه شعبة، وقال ابن معين: ليس بثقة، وعد هذا الحديث من منكراته قال الأذرعي في
التوسط: وأما ما نقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في الليلتين اللتين خرج فيهما عشرين ركعة فهو منكر.
وقال الزركشي في الخادم، دعوى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم تلك الليلة عشرين ركعة لم يصح، بل الثابت في الصحيح الصلاة من غير ذكر العدد وجاء في رواية جابر (أنه صلى بهم ثمان ركعات، والوتر ثم انتظروه في القابلة، فلم يخرج إليهم) رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.
الفرع الثاني.
فيما كان يقرؤه في وتره - صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، مختصرا عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بثلاث يقرأ فيهن تسع سور من المفصل، يقرأ في كل ركعة بثلاث سور، قال أسود: يقرأ في الركعة الأولى (ألهاكم التكاثر) و (إنا أنزلناه في ليلة القدر) و (إذا زلزلت الأرض).
وفي الركعة الثانية: (والعصر) و (إذا جاء نصر الله والفتح) و (إنا أعطيناك الكوثر).
وفي الركعة الثالثة (قل يا أيها الكافرون) و (تبت يدا أبي لهب) و (قل هو الله أحد) (2).
وروى أبو داود، والبيهقي، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا قال له (إني أقرأ المفصل في كل ركعة، فقال: أهذا كهذا الشعر ونثرا كنثر الدقل لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ النظائر: السورتين في ركعة (الرحمن.
والنجم) في ركعة و (اقتربت والحاقة) في ركعة و (الطور.
والذاريات) في ركعة و (إذا وقعت، ونون) في ركعة و (عم.
والمرسلات) في ركعة و (الدخان.
وإذا الشمس كورت) في ركعة و (سأل سائل.
والنازعات) في ركعة و (ويل للمطففين.
وعبس) في ركعة (3).
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3 / 172 فيه أبو شيبة إبراهيم وهو ضعيف.
(2) أخرجه أحمد في المسند 1 / 89 والترمذي 2 / 323 (460).
(3) أبو داود 2 / 56 (1396) والبيهقي 2 / 60.
(*)(8/267)
وروى أبو يعلى، والبزار من طريق عبد الملك بن الوليد بن معدان عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الوتر في الركعة الأولى ب (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله أحد) (1).
وروى الطبراني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الركعة الأولي من الوتر (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله أحد) و (المعوذتين) (2).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الوتر ب (سبح اسم ربك الأعلى) و (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) في كل ركعة) (3).
قال العراقي: (أبي يقرأ بكل سورة من السور الثلاث في ركعة).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن عبد الرحمن بن أبزى: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الوتر ب (سبح اسم ربك الأعلى) و (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) (4).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وحسنه، والنسائي، وابن ماجه والدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعة الأولى ب (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية ب (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة ب (قل هو الله أحد) والمعوذتين) (5).
وروى الإمام أحمد، واللفظ له - وأبو داود، وابن ماجه، والدارقطني عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بثلاث يقرأ في الأولى ب (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله أحد) (6).
وروى الحاكم في (التاريخ) والبيهقي عن أنس - رضي الله تعالى عنه قال: (كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بتسع ركعات، فلما أسن وثقل أوتر بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس فقرأ فيهما: الواقعة.
والرحمن) (7).
__________
(1) البزار كما في الكشف 1 / 354 (738) وقال الهيثمي 2 / 243 رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد الملك بن الوليد وثقه ابن معين وضعفه البخاري.
(2) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 243 فيه المقدام بن داود وهو ضعيف.
(3) أحمد في المسند (1 / 299) والنسائي في الكبرى والترمذي 2 / 325 حديث (362) وابن ماجه 1 / 371 (1172).
(4) أخرجه أحمد في المسند (3 / 406) والنسائي 3 / 203 والبيهقي 3 / 37 والترمذي (462).
(5) أحمد 6 / 227 وأبو داود 2 / 63 (1424) والترمذي 2 / 326 (463) وابن ماجه 1 / 371 (1173).
(6) أحمد في المسند 5 / 123 وأبو داود 2 / 63 (1423) والنسائي 3 / 202 وابن ماجه 1 / 370 (1171).
(7) البيهقي 3 / 33.
(*)(8/268)
وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن عبد الله بن أبي قيس - رحمه الله تعالى - أنه سأل عائشة عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوتر أكان يسر في القراءة أم يجهر ؟ قالت: (كل ذلك كان يفعل، كان ربما أسر وربما جهر) قلت: (الله أكبر الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) (1).
الثالث: في وتره في السفر على الراحلة: وروى الشيخان عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرض، ويوتر على راحلته) (2).
الرابع: في قنوته - صلى الله عليه وسلم - في الوتر بعد الركوع: روى البيهقي عنه، (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر فيقنت قبل الركوع) (3).
وروى محمد بن أبي عمر، وأحمد بن منيع، والدارقطني من طريق أبان وقال: هو
متروك عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (بت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنظر كيف يقنت في وتره، فقنت قبل الركوع، ثم بعثت أمي أم عبد الله فقلت تبيتي مع نسائه وانظري كيف يقنت في وتره، فأتتني فأخبرتني أنه قنت قبل الركوع) (4).
وروى الدارقطني من طريق عمرو بن شمر - وقال: متروك عن سويد بن غفلة - رحمه الله - قال: (سمعت أبا بكر وعمر وعثمان وعليا يقولون قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الوتر، وكانوا يفعلون ذلك) (5).
وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، برجال ثقات، عن أبي الجوزاء قال: قال الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما -: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في قنوت الوتر: (رب اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) (6).
__________
(1) أحمد 6 / 73.
(2) تقدم.
(3) أخرجه البيهقي 1 / 39.
(4) الدارقطني 2 / 32.
(5) الدارقطني 2 / 32.
(6) أحمد في المسند 1 / 199 وانظر المجمع 2 / 244.
(*)(8/269)
وروى الإمام أحمد، والثلاثة، والترمذي، وحسنه، عن علي - رضي الله تعالى عنه - كان يقول في آخر وتره: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كم أثنيت على نفسك) (1).
وروى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (أردت أن أعرف صلاة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبت عند خالتي ميمونة قال: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراشه، فلما كان في جوف الليل خرج فقلب في أفق السماء وجهه ثم قال: ((نامت العيون، وغارت النجوم، والله حي قيوم)، ثم أتي قربة فحل وثاقها ثم توضأ فأسبغ وضوءه، ثم قام إلى مصلاه، فكبر فقام حتى قلت: لن يركع، ثم ركع حتى قلت: إنه لن يرفع صلبه، ثم رفع صلبه ثم سجد فقلت: لن يرفع رأسه ثم جلس فقلت: لن يقوم، ثم قام فصلى ثمان ركعات كل ركعة دون التي قبلها، يفصل في كل اثنتين بالتسليم ثم صلى فلما أوتر بهن قعد في الثنتين، وقام في الثالثة فلما ركع الركعة الأخيرة واعتدل قائما من ركوعه قنت: قال: (اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجممع بها أمري) (2).
الخامس.
في وقت وتره - صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام أحمد، والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات عن أبي مسعود البدري - رضي الله تعالى عنه: قال (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر من أول الليل -، وأوسطه وآخره) (3).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (من كل الليل أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوله وأوسطه وانتهى وتره في السحر) (4).
وروى البزار عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر في أول الليل، وأوسطه، وآخره، ثم ثبت له الوتر في آخره) (5).
وروى الأئمة إلا الإمام مالك، والدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (من كل الليل أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول الليل وأوسطه وآخره حتى انتهى وتره حين مات إلى السحر) (6).
__________
(1) أحمد في المسند 1 / 96 وأبو داود 2 / 64 (1427) والترمذي 5 / 524 (3566) وابن ماجه 1 / 373 (1179).
(2) انظر المعجم الكبير 12 / 131.
(3) أحمد في المسند 4 / 119 وانظر المجمع 2 / 244.
(4) أخرجه أحمد 1 / 86 وابن ماجه 1 / 375 (1186).
(5) أحمد 4 / 119، 5 / 215.
(6) البخاري 2 / 486 (996) ومسلم 1 / 512 (136 / 745) وأبو داود 2 / 66 (1435) والترمذي 2 / 318 (456).
والنسائي 3 / 189 وابن ماجه (118).
(*)(8/270)
وروى الإمام أحمد، والطبراني، برجال ثقات، عن عقبة بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر من أول الليل، وأوسطه، وآخره) (1).
وروى النسائي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام أول الليل ثم يقوم، فإذا كان من السحر أوتر ثم أتى فراشه، فإذا كانت له حاجة ألم بأهله فإذا سمع الأذان وثب فإن كان جنبا أفاض عليه [ من ] الماء وإلا توضأ)) (2).
السادس: في وصله - صلى الله عليه وسلم - وفصله: روى الإمام أحمد، والنسائي، والدارقطني، وصححه الحاكم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسلم في ركعتي الوتر (3).
وروى النسائي عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بثلاث ولا يسلم) (4).
وروى الإمام أحمد من طريق عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه - وإن لم يدرك عائشة - عن عائشة رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الحجرة وأنا في البيت فيفصل بين الشفع والوتر، بتسليم يسمعنا) (5).
وروى الإمام أحمد، والطبراني - وسنده ضعيف - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة ويسمعناها) (6).
وروى الإمام مالك، والبخاري في ضمن حديث عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم في الركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته) (7).
السابع: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - بعد الوتر ركعتين خفيفتين، وهو
جالس.
روى مسلم عن عائشة والإمام أحمد عن عائشة والترمذي، وابن ماجه، والدارقطني، عن أم سلمة، واللفظ لها - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعد
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 119 والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 245 فيه رجل ضعيف.
(2) النسائي 3 / 189.
(3) أحمد في المسند 6 / 155 والنسائي 3 / 193 والدارقطني 2 / 32.
(4) النسائي 3 / 194.
(5) أحمد في المسند 6 / 84.
(6) أحمد في المسند 2 / 76 والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 243 فيه إبراهيم بن سعد ضعيف.
(7) مالك في الموطأ 1 / 258.
(*)(8/271)
الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس) (1).
وروى محمد بن نصر، والدارقطني، والبيهقي، عن أنس، والإمام أحمد، وابن نصر والطبراني، والبيهقي، عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنهما - قالا: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين بعد الوتر، وهو جالس يقرأ فيهما: (إذا زلزلت) و (قل يا أيها الكافرون) (2).
الثامن: فيما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - بعد الوتر: روى الإمام أحمد، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من وتره قال: (سبحان الملك القدوس) ثلاثا ويجهر وفي لفظ: يرفع صوته بالثالثة وفي لفظ: يطيل في آخر هن) (3).
التاسع: في تخفيفه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة بحضرة الناس.
روى الطبراني برجال ثقات عن خالد الخزاعي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى والناس ينظرون صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود) (4).
العاشر: في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يراوح بين قدميه: روى البزار بسند ضعيف عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراوح بين قدميه، يقوم على كل رجل حتى نزلت: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) (5) والله أعلم.
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 154، 156، 299 والترمذي 2 / 335 (471) وابن ماجه 1 / 377 (1195) وقال الشهاب في إسناده مقال والدارقطني 2 / 36.
(2) الدارقطني 2 / 41 والبيهقي 3 / 33.
(3) أحمد في المسند 5 / 123 وأبو داود 2 / 65 (1430) والنسائي 3 / 193 وابن ماجه 1 / 370 (1171).
(4) الطبراني في الكبير 4 / 229.
(5) البزار كما في الكشف 3 / 58 وقال الهيثمي 7 / 56 فيه يزيد بن بلال، قال البخاري فيه نظر، وكيسان أبو عمرو وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح.
(*)(8/272)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الليل
الباب الأول في شدة اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في العبادة
قال الله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) [ الإسراء 79 ].
روى الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن المغيرة بن شعبة، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن عساكر، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وابن عساكر وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، برجال الصحيح، وأبو القاسم البغوي، عن أنس، والطبراني، والخلعي (1)، وابن عساكر عن النعمان بن بشير، والطبراني، وابن عساكر، والخطيب، عن أبي جحيفة، والطبراني عن عبد الله بن مسعود، وابن ماجه، والترمذي، في (الشمائل) والبزار
برجال الصحيح، وابن مردويه، والبيهقي في (الأسماء) و (الشعب)، وابن عساكر، عن أبي هريرة، وابن عساكر عن نبيط بن شريط الأشجعي (2)، وابن عساكر والإمام أحمد، في (الزهد) عن الحسن - رضي الله تعالى عنهم -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل عليه: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) قال: صام وصلى حتى تورمت قدماه وساقاه، وفي رواية: (صام وصلى حتى انتفخت) وفي لفظ: (حتى تفطر، وفي لفظ: حتى ترم قدماه))، وفي رواية: (وتعبد حتى صار كالشن البالي) وفي لفظ: اجتهد فقيل له: يا رسول الله ما هذا الاجتهاد ؟ أتفعل هذا بنفسك ؟ وفي رواية: (أتتكلف هذا بنفسك، وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟) قال: (أفلا أكون عبدا شكورا)، فلما بدن وكثر لحمه صلى جالسا، قالت: فإذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع (3).
__________
(1) علي بن الحسن بن الحسين بن محمد، أبو الحسن الخلعي الشافعي: مسند الديار المصرية في عصره.
أصله من الموصل، ومولده ووفاته بمصر.
كان يبيع الخلع لملوك مصر وأمرائها، فنسب إليها.
وولي القضاء فحكم يوما واحدا واستعفي.
وانزوى بالقرافة، حتى قيل له القرافي.
وكان قبره فيها يعرف بقبر (قاضي الجن والإنس) صنف كتاب (الفوائد) في الحديث، ويعرف بفوائد الخلعي.
وخرج أحمد بن الحسين الشيرازي أجزاء من مسموعاته في الحديث، سماها (الخلعيات) توفي 492 ه الأعلام 4 / 273.
(2) نبيط، بالتصغير، ابن شريط، بفتح المعجمة، الأشجعي صحابي صغير، يكنى أبا سلمة.
التقريب 2 / 297.
(3) حديث المغيرة رضي الله عنه أخرجه أحمد في المسند 4 / 51 والبخاري (8 / 584) حديث (4836) ومسلم (4 / 2171) وحديث (79 / 2819) والترمذي 2 / 268 (412) والنسائي 3 / 178 وابن ماجه 1 / 456 (1419) وحديث أنس انظر مجمع الزوائد 2 / 171 وحديث النعمان بن بشير انظر المصدر السابق.
وحديث أبي جحيفة انظر الموضع السابق.
وحديث ابن مسعود انظر الموضع السابق، وحديث أبي هريرة 1 / 456 (1420).
(*)(8/273)
وروى الإمام أحمد، والطبراني، برجال الصحيح غير علي بن زيد بن جدعان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قال لي جبريل قد حبب إليك
الصلاة فخذ منها ما شئت) (1).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في (زوائد المسند) ومحمد بن نصر، عن عائشة رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدع قيام الليل، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا) (2).
وروى أبو داود، والحاكم، وصححه وأقره الذهبي، عن أم قيس بنت محصن - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه) (3).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، والنسائي، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حتى تزلع قدماه) (4).
وروى أبو يعلى - برجال ثقات - عن أنس - رضي الله تعالى عنه قال: (وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فلما أصبح قيل: يا رسول الله إن أثر الوجع عليك لبين، قال: (إني على ما ترون قد قرت البارحة، السبع الطوال) (5).
وروى أبو طاهر المخلص، والطينوري، وابن عساكر عن شعبة - رضي الله تعالى عنه - قال: (تعبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتزل النساء حتى صار كالشن البالي) (6).
وروى مسلم، عن عائشة، - رضي الله تعالى عنها قالت - (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها وكان إذا غلبه نوم، أو وجع عن قيام الليل من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة ولا صلى ليلة إلى الصبح ولا صام شهرا كاملا إلا رمضان) (7).
وروى أبو داود، والترمذي، والنسائي، عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ثم ينام قد ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح) (8).
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 296، 425 وقال الهيثمي 2 / 270 فيه علي بن زيد فيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح (2) أخرجه في المسند 6 / 249.
(3) أبو داود 1 / 249 (948).
(4) النسائي 3 / 178.
(5) أخرجه أبو يعلى 6 / 164 (689 / 3444) وقال الهيثمي 2 / 274 رجاله ثقات.
(6) أخرجه ابن عدي في الكامل 5 / 1971.
(7) أخرجه مسلم 1 / 515 (141 / 746).
(8) أخرجه أبو داود 2 / 74 (1466) والترمذي 5 / 167 (2923) وقال حسن غريب والنسائي 3 / 174.
(*)(8/274)
الباب الثاني في إيقاظه أهله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الليل
روى ابن ماجه من طريق يوسف بن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قالت أم سليمان بن داود لسليمان: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم تترك الرجل فقيرا يوم القيامة) (1).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة ثم رجع إلى بيته فصلى هويا من الليل فلم يسمع لنا حسا، فرجع إلينا فأيقظنا فقال: (قوما فصليا) قال فجلست وأنا أعرك عيني و [ أنا ] أقول: إنا والله ما نصلي إلا ما كتب لنا، إنما أنفسنا بيد الله تعالى إن شاء أن يبعثنا بعثنا، قال فولى [ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] ولم يرجع إلي شيئا وسمعته - وهو يقول ويضرب بيده على فخذه وفي رواية بيده على الأخرى - (ما نصلي إلا ما كتب الله لنا ما نصلي إلا ما كتب لنا)، (وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) (2) [ الكهف 54 ].
وروى الامامان: أحمد ومالك، والبخاري، والترمذي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استيقظ ليلة فزعا وهو يقول: (سبحان الله) وفي لفظ: (لا إله إلا الله) (ما أنزل الله من الفتن ماذا أنزل من الخزائن) وفي لفظ: (ماذا فتح من الخزائن من يوقظ
صواحب الحجرات) يريد أزواجه - (فيصلين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة) (3).
والله تعالى أعلم.
__________
(1) ابن ماجه (354) 1 / 422 (1332) وقال البوصيري هذا إسناده فيه سنيد بن داود وشيخه يوسف بن محمد وهما ضعيفان.
(2) أخرجه البخاري 8 / 260 (4724) ومسلم 1 / 537 (206 / 775).
وأخرجه أحمد 1 / 91 والنسائي 3 / 168.
(3) أخرجه البخاري 13 / 20 (7069) والحاكم 2 / 25 والطبراني في الكبير 19 / 248 وأحمد 6 / 297 والترمذي 4 / 422 (2196).
(*)(8/275)
الباب الثالث في وقت قيامه - صلى الله عليه وسلم - من الليل وقدره وقدر نومه وصفة قراءته
روى الطبراني من طريق أبي بكر المديني عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتسوك من الليل مرتين، أو ثلاثا، كلما رقد فاستيقظ استاك وتوضأ، وصلى ركعتين أو ركعة (1).
وروى الشيخان عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه) (2).
وروى مسلم، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن سعد بن هشام سألها عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله تعالى ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ (3).
وروى الطبراني بسند صحيح عن الحجاج بن غزية (4) والطبراني عن الحجاج بن عمرو المازني - رضي الله تعالى عنه: قال (أيحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد [ إنما التهجد المرء يصلي ] بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة وتلك كانت صلاة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهجد بعد نومه وكان يستن قبل أن يتهجد) (5).
وروى أبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليوقظه الله عز وجل من الليل فما يجئ السحر حتى يفرغ من حزبه) وفي لفظ: من وتره (6).
وروى الإمام، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن مسروق - رحمه الله تعالى - قال: (سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - أي العمل كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟) قالت:
__________
(1) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 349 (728) وفيه أبو بكر المديني وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وجماعة.
(2) تقدم.
(3) تقدم.
(4) حجاج بن عمرو بن غزية بن ثعلبة بن خنساء بن مبذون بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، الأنصاري الخزرجي، ثم من بني مازن بن النجار.
قال البخاري: له صحبة.
روى عنه عكرمة مولى ابن العباس، وكثير بن العباس، وغيرهما، أسد الغابة 1 / 458.
(5) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 277 له إسناد صحيح ورجاله الصحيح.
(6) أبو داود 2 / 35 (1316).
(*)(8/276)
(الدائم) قلت: فأي حين كان يقوم من الليل ؟ قالت: (كان يقوم إذا سمع الصارخ) (1) الصارخ الديك.
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (بت عند خالتي ميمونة، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم جاء فصلى أربع ركعات، ثم نام ثم قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه فصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم نام حتى سمعت غطيطه أو قال: خطيطه ثم خرج إلى الصلاة) (2).
وروى أبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت لما سئلت عن صلاة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جوف الليل: ما صلى العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله، إلا صلى أربع ركعات أو ست، ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا نطعا فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع منه الماء وما رأيته متفيئا الأرض بشئ من ثيابه قط) (3).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن الأسود - رحمه الله تعالى - قال: (سألت عائشة - رضي الله عنها - عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل قالت: كان ينام أوله ويقوم آخره فيصلي ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أذن المؤذن وثب فإن كان به حاجة اغتسل والا توضأ وخرج) (4).
وروى الإمام أحمد، والثلاثة، وأبو الحسن الضحاك، عن يعلى بن مملك رحمه الله تعالى أنه سأل أم سلمة عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلاته فقالت: (ما لكم ولصلاته وقراءته، كان يصلي العتمة ثم يسبح، ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ثم يرقد) وفي لفظ (كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصبح ثم نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا) (5).
وروى ابن ماجه عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها - قالت: (كنت أسمع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل وأنا على عريشي) (6).
وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 21 (1132) ومسلم 1 / 511 (131 / 741) وأحمد 6 / 279 وأبو داود 2 / 35 (1217) والنسائي 3 / 169.
(2) البخاري 11 / 119 (6316) ومسلم 1 / 525 (181 / 763).
(3) أبو داود 2 / 31 (1303).
(4) أحمد في المسند 6 / 214 والبخاري (3 / 39) حديث (1146) ومسلم 1 / 510) حديث (129 / 739) والنسائي 3 / 189 وابن ماجه 1 / 434 (1365) وقال البوصيري.
إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(5) أحمد في المسند 6 / 294 وأبو داود 2 / 73 - 74 (1466) والترمذي 5 / 167 (2923) والنسائي 2 / 141.
(6) ابن ماجه 1 / 429 (1349) وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(*)(8/277)
بالليل يرفع له طورا ويخفض طورا (1) الطور: المرة الواحدة يعني مرة كذا ومرة كذا والأطوار الحالات المختلفة.
وروى النسائي عن عوف بن مالك قال: (قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما ركع قدر سورة البقرة يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) (2).
وروى عبد الرزاق عن حذيفة، رضي الله تعالى عنه - قال: (قام النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة وهو يصلي في المسجد، فقمت أصلي وراءه يخيل إلي أنه لا يعلم، فاستفتح بسورة البقرة، فقلت: إذا جاء مائة آية ركع فجاءها فلم يركع، فقلت: إذا جاء مائتي آية ركع فجاءها فلم يركع، فقلت: إذا ختمها ركع فختمها فلم يركع فلما ختم، قال: (اللهم لك الحمد)، ثم استفتح آل عمران فقلت: إذا ختمها ركع فختمها ولم يركع وقال: (اللهم لك الحمد)، ثم استفتح النساء، فقلت: إذا ختمها ركع، فختمها فلم يركع وقال: (اللهم لك الحمد) ثلاثا ثم استفتح بسورة المائدة، فقلت: إذا ختمها ركع، فختمها فركع فسمعته يقول: (سبحان ربي العظيم)، ويرجع شفتيه فأعلم أنه يقول: غير ذلك فلا أفهم غيره ثم استفتح بسورة الأنعام، فتركته وذهبت).
وروى ابن أبي شيبة عنه قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة لأصلي بصلاته، فاستفتح الصلاة فقرأ قراءة ليست بالرفيعة ولا الخفيفة، قراءة حسنة يرتل فيها يسمعنا، قال: ثم ركع نحوا من سورة قال ثم رفع رأسه فقال: (سمع الله لمن حمده ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)، ثم قام نحوا من سورة قال وسجد نحوا من ذلك حتى فرغ من الطول وعليه سواد من الليل).
وروى أبو يعلى عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: ألا يقوم أحدكم فيصلي أربع ركعات قبل العصر ويقول فيهن ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (تم نورك فهديت فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربنا وجهك
أكرم الوجوه وجاهك أعظم الجاه، وعطيتك أفضل العطية وأهنؤها، تطاع ربا فتشكر، وتعصى ربنا فتغفر وتجيب المضطر، وتكشف الضر وتشفي السقيم، وتغفر الذنب وتقبل التوبة، ولا يجرى بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحتك قول قائل) (3).
وروى ابن منيع، وأبو يعلى عن مسلم بن مخراق وقال: قلت لعائشة - رضي الله تعالى
__________
(1) أبو داود 2 / 37 (1328).
(2) النسائي 2 / 150.
(3) أبو يعلى 1 / 344 (180 / 440) وقال الهيثمي 10 / 158 الفرات لم يدرك عليا والخليل بن مرة وثقه أبو زرعة وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات.
(*)(8/278)
عنها - إن عندنا قوما يقرؤون القرآن مرة وثلاثة في ليلة فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا لقد رأيتني وأنا أقوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليل التمام يقرأ بسورة (البقرة، وآل عمران والنساء) لا يمر بآية رجاء إلا سأل ربه ودعا، ولا يمر بآية تخويف إلا دعا ربه واستعاذ) (1).
وروى الحارث بن أسامة، عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: (لقد لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد العتمة، فقلت: يا رسول الله ائذن لي أن أتعبد بعبادتك فذهب وذهبت معه إلى البئر، فأخذت ثوبه فسترت عليه، ووليته ظهري، ثم أخذ ثوبي فستر علي حتى اغتسلت، ثم أتى المسجد فاستقبل القبلة، وأقامني عن يمينه، ثم قرأ الفاتحة، ثم استفتح سورة البقرة، ولا يمر بآية رحمة إلا سأل الله، ولا آية تخويف إلا استعاذ، ولا مثل إلا فكر حتى ختمها ثم كبر، فرفع، فسمعته يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم) ويرد فيه شفتيه حتى أظن أنه يقول: (وبحمده)، فمكث في ركوعه قريبا من قيامه، ثم رفع رأسه ثم كبر فسجد فسمعته يقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى))، ويرد شفتيه، فأظن أنه يقول: (وبحمده)، فمكث في سجوده قريبا من قيامه، ثم نهض حين فرغ من سجدته فقرأ فاتحة الكتاب، ثم استفتح (آل عمران) لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا مثل إلا فكر، حتى ختمها، ثم فعل في الركوع والسجود
كفعل الأول، ثم سمعت النداء بالفجر، قال حذيفة فما تعبدت عبادة كانت علي أشد منها).
وروى ابن مالك، وأبو الحسن بن الضحاك، وأبو نعيم عنه، أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل فلما دخل في الصلاة قال: (الله أكبر، سبحان ذي الملك والجبروت والكبرياء والعظمة)، ثم قرأ (البقرة) قراءة ليست بالخفيضة ولا بالرفيعة، حسنة يرتل فيها ليسمعنا، ثم يركع، فكان ركوعه نحوا من قيامه، وكان يقول: (سبحان ربي العظيم) ثم يرفع رأسه فكان قيامه نحوا من ركوعه وهو يقول: (سمع الله لمن حمده)، ثم قال: (الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة)، فكان سجوده نحوا من قيامه، وكان يقول (سبحان ربي الأعلى) ثم رفع رأسه، وكان بين السجدتين نحوا من السجود وكان يقول: (رب اغفر لي، رب اغفر لي) حتى قرأ (البقرة) و (آل عمران) و (الأنعام)، و (النساء) و (المائدة) و (الأنعام) قال شعبة: لا أدري المائدة ذكر أو الأنعام.
__________
(1) في إسناده ابن لهيعة انظر المجمع 2 / 272.
(*)(8/279)
الباب الرابع في افتتاحه - صلى الله عليه وسلم - صلاة الليل ودعائه في تهجده
روى البزار برجال ثقات، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل، استنجى وتوضأ واستاك، ثم بعث يطلب الطيب في رباع نسائه) (1).
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك) (2).
وروى الدارقطني عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من رمضان، فسمعته يقول حين كبر (الله أكبر ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة) الحديث (3) ورواه ابن أبي شيبة بلفظ أنه انتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قام إلى
صلاته من الليل فلما دخل في الصلاة قال: (الله أكبر ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة) الحديث.
وروى الأئمة، إلا الشافعي، والدارقطني عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل: يتهجد).
وفي لفظ: إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل قال (اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ولك الحمد، أنت ملك السماوات والأرض ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - حق، والساعة حق.
اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعطنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك ولا حول ولا قوة إلا بالله) (4).
وروى البخاري، وأبو الحسن الضحاك عن عائشة، رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ من الليل قال: (لا إله إلا أنت سبحانك، اللهم إني أستغفرك من ذنوبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من
__________
(1) البزار كما في الكشف 1 / 341 (710) وقال الهيثمي 2 / 263 رجاله موثقون.
(2) أحمد في المسند 2 / 117.
(3) أخرجه أحمد 5 / 398 وأبو داود 1 / 544 (874) والترمذي في الشمائل (145) (270) والنسائي 2 / 199.
(4) أحمد 1 / 308 والبخاري 3 / 5 (1120) (6317، 7385، 7442، 7499) ومسلم 1 / 532 (199 / 769).
(*)(8/280)
لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (1).
وروى مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - رحمه الله تعالى - قال: (سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - بأي شئ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يفتتح صلاة الليل إذا قام من الليل ؟ قالت: إذا قام من الليل افتتح صلاته فقال: (اللهم رب جبريل، و ميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك أنت تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) (2).
وروى الإمام أحمد برجال ثقات، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والطبراني برجال ثقات عن ربيعة الجرشي رحمه الله تعالى قال: (سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا قام من الليل ؟ وبم كان يستفتح ؟ قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا هب من الليل كبر عشرا، وحمد عشرا، وهلل عشرا، واستغفر عشرا ويقول: (اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني) عشرا ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب) عشرا.
وفي رواية: (ضيق الدنيا وضيق القيامة) عشرا، ثم يستفتح صلاة الليل (3).
وروى أبو داود، والنسائي، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل واستفتح صلاته كبر، ثم يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، ثم يقول: (لا إله إلا الله) ثلاثا، ثم يقرأ - زاد النسائي - بعد ولا إله غيرك ثم يقول: (الله أكبر كبيرا)، ثم يقول: (أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه، ونفثه)، ثم يقرأ) (4).
وروى الإمام أحمد، عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل في الصلاة من الليل كبر ثلاثا، وسبح ثلاثا، وهلل ثلاثا، ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه وشركه) (5).
وروى الإمام أحمد، والبخاري، والأربعة - قال الترمذي: حسن صحيح - عن ربيعة بن
__________
(1) أبو داود 4 / 314 (5061) والنسائي 7 / 325.
(2) أخرجه مسلم (1 / 534) حديث (200 / 770) وأبو داود 1 / 204 (767) والترمذي 5 / 451 (3420) وقال حسن غريب والنسائي 3 / 173 وابن ماجه 1 / 431 (1357) والبيهقي 3 / 5 وأبو نعيم 5 / 159 والخطيب 12 / 238 وابن
السني (747).
(3) أحمد في المسند 6 / 143.
(4) أخرجه أبو داود 1 / 206 (775) والترمذي 2 / 9 (242) والنسائي 2 (102 وابن ماجه 1 / 264 (804):.
(5) أحمد في المسند 5 / 253.
(*)(8/281)
كعب الأسلمي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت أبيت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطيه وضوءه فأسمعه يقول إذا قام من الليل: (سبحان الله رب العالمين.
الهوي)، ثم يقول: (سبحان الله وبحمده.
الهوي)، قال ابن المبارك: يعني بالهوي: الطويل) (1).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا قام من الليل يصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين) (2).
وروى ابن قانع عن محمد بن مسلمة - رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام يصلي تطوعا، قال: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح به قيام الليل، قالت: (كان يكبر عشرا، وبحمد عشرا، ويسبح عشرا، ويقول: (اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني، وعافني، ويتعوذ من ضبق المقام يوم القيامة)) (3).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 4 / 57 والبخاري وأخرجه أو داود 2 / 35 (1320) والترمذي 5 / 448 (3416) والنسائي 3 / 170 وابن ماجه 2 / 1276 (3879).
(2) تقدم وانظر مسند أحمد 6 / 30.
(3) أخرجه أحمد 6 / 143 وأبو داود 1 / 203 (766) والنسائي 3 / 170 وابن ماجه 1 / 431 (1356) (*)(8/282)
الباب الخامس في صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالليل
روى الإمام أحمد، والحارث بن أسامة، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطال القيام حيت هممت به قال: أن أجلس وأدعه) (1).
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن أبي واقد - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف الناس صلاة على الناس وأدومه على نفسه).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، فمضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح آل عمران فقرأها ثم افتتح النساء فقرأها يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بآية فيها سؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول: (سبحان ربي العظيم)، وكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: (سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد)، ثم قام قياما طويلا [ مما ركع، ثم سجد فقال (سبحان ربي الأعلى) فكان سجوده ] قريبا من قيامه (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود عنه - قال: قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فاستفتح يقول: (الله أكبر ثلاثا، الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والعظمة)، ثم استفتح فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات، وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال: (سمع الله لمن حمده) وكان قيامه مثل ركوعه، وكان يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم)، وكان يقعد بين السجدتين نحوا من سجوده، وكان يقول: (رب اغفر لي) (3).
وروى ابن ماجه عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب استجار، وإذا مر بآية فيها تنزيه الله تعالى سبح (4).
وروى الشيخان عن ابن مسعود قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فلم يزل قائما) وفي لفظ (فأطال حتى هممت بأمر سوء قلنا ما هممت ؟ قال: هممت أن أقعد وأذر
النبي - صلى الله عليه وسلم - (5).
__________
(1) أحمد في المسند 1 / 385.
(2) تقدم.
(3) أحمد 5 / 401 وأبو داود 1 / 231 (874).
(4) ابن ماجه 1 / 429 (1351).
(5) تقدم.
(*)(8/283)
وروى النسائي عنه أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فركع فقال في ركوعه: (سبحان ربي العظيم) مثل ما كان قائما، ثم جلس يقول: (رب اغفر لي رب اغفر لي) مثل ما كان قائما ثم سجد فقال: (سبحان ربي الأعلي) مثل ما كان قائما، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال إلى الغداة) (1).
وروى أبو داود، والنسائي، عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه: (قال: قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فقام فصلى فقرأ سورة (البقرة) لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)، ثم سجد بقدر قيامه ثم [ قال في سجوده مثل ذلك ثم ] قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة سورة) (2).
وروى الإمام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كنت أقوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة التمام وكان يقرأ (بالبقرة) و (آل عمران) و (النساء) فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله تعالى ورغب إليه) (3).
وروى النسائي وبقي بن مخلد عن رجل من بني غفار صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فلما وصلنا نزلنا منزلا فقلت: لأرقين صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أرى فعله، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هويا من الليل، واضطجعت
قريبا منه ثم سمعته بعدها تنفس تنفس النائم ثم استيقظ، ثم نظر إلى أفق السماء ثم قرأ هذه الآيات (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات) التي في آل عمران ختمها وفي رواية حتى انتهى إلى قوله (إنك لا تخلف الميعاد) ثم أهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فراشه فاستل منه سواكا) وفي رواية (ثم أخذ سواكا من تحت فراشه فاستن به، ثم قام، فاستكب ماء من قربة في قدح له، ثم توضأ فأسبغ وضوءه، ثم قام فصلى أربع ركعات، لا أدري ركوعهن أطول أم قيامهن أم سجودهن)، وفي رواية أخرى حتى قلت: قد صلى قدر ما نام، ثم انصرف فنام، ثم استيقظ فقرأ بالآيات التي كان قرأ بها، ثم استن فتوضأ وصلى أربع ركعات، ثم غلب علينا النعاس حتى السحر) (4).
وروى الترمذي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن رجلا قال: لأرمقن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (فصلى العشاء، ثم اضطجع غير كثير قام ففرغ من حاجته، ثم أتى
__________
(1) النسائي 3 / 185.
(2) أبو داود 1 / 230 (873) والنسائي 2 / 177.
(3) أحمد 6 / 92.
(4) أخرجه النسائي 3 / 173.
(*)(8/284)
مؤخرة الرحل فأخذ منها السواك فاستن وتوضأ، فوالذي نفسي بيده ما ركع حتى ما أدري ما مضى من الليل أكثر أم ما بقي وحتى أدركني النوم، أمثال الجبال).
وروى أبو يعلى، برجال ثقات - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم سورة البقرة في ركعتين) (1).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 274 وقال: رجاله ثقات.
(*).(8/285)
الباب السادس في بيان عدد ركعات صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالليل
وورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك روايات مختلفة [ الأولى: أربع ركعات ] روى عبد بن حميد، والإمام أحمد، عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان يستاك من الليل مرتين أو ثلاثا، وإذا قام من الليل صلى أربع ركعات، لا يتكلم بشئ ولا يأمر بشئ ويسلم من كل ركعتين) (1).
الثانية: سبع: روى البخاري، عن مسروق - رضي الله تعالى عنه - قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل، قالت (سبع) الحديث (2).
الثالثة: ثمان: روى الطبراني - بسند ضعيف - عن أنس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحيي الليل بثمان ركعات، ركوعهن كقراءتهن، وسجودهن كقراءتهن ويسلم بين كل ركعتين) (3).
وروى أبو يعلى - برجال ثقات - عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل [ التطوع ] ثمان ركعات، والنهار ثنتي عشرة ركعة (4)).
الرابعة: تسع: روى البخاري عن مسروق الحديث السابق في السبع، وفيه وبتسع الحديث (5).
وروى مسلم، عن سعد بن هشام بن عامر - رحمه الله تعالى - قال: (سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث الآتي، وفيه، فلما أسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذه اللحم، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني) (6).
__________
(1) أحمد في المسند 5 / 417.
(2) أخرجه البخاري 3 / 25 في التهجد باب كيف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(3) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 277 فيه جنادة بن مروان، وقد اتهمه أبو حاتم.
(4) أبو يعلى 1 / 383 (235 / 495) وقال الهيثمي 2 / 231 رجاله رجال الصحيح خلا عاصم بن حمزة وهو ثقة ثبت.
(5) تقدم.
(6) تقدم.
(*)(8/286)
وروى أبو داود عن زرارة بن أوفى (1) - رحمه الله تعالى - أن عائشة - رضي الله [ تعالى ] عنها - سئلت عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جوف الليل، فقالت: (كان يصلي العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله.
فيركع أربع ركعات، فيأوي إلى فراشه وينام، وطهوره مغطى عند رأسه، وسواكه موضوع حتى يبعثه الله [ تعالى ] ساعته التي يبعثه من الليل، فيتسوك ويسبغ الوضوء ثم يقوم إلى مصلاه، فيصلي ثمان ركعات، يقرأ فيهن بأم الكتاب، سورة من القرآن، وما شاء الله وما لا يقعد في شئ منها حتى يقعد في الثامنة، ولا يسلم، ويقرأ في التاسعة ثم يقعد، فيدعو بما شاء الله أن يدعو ويسأله ويرغب إليه، ويسلم تسليمة [ واحدة ] شديدة يكاد يوقظ أهل البيت من شدة تسليمة، ثم يقرأ وهو قاعد بأم الكتاب، ويركع وهو قاعد [ ثم يقرأ الثانية، ويسجد وهو قاعد ] ثم يدعو بما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم، ثم ينصرف فلم تزل تلك صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدن فنقص من التسع ثنتين فجعلها إلى الست والسبع وركعتيه وهو قاعد حتى قبض على ذلك - صلى الله عليه وسلم - (2).
الخامسة: ست ركعات يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بثلاث.
روى مسلم، وأبو داود، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه رقد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (فاستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتسوك وتوضأ، وهو يقول (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) فقرأهن حتى ختم السورة، ثم صلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم
فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات، كل ذلك يستاك، ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث [ فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول: (اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، اللهم اعطني نورا ]) (3).
السادسة: إحدى عشرة ركعة: روى عنه ذلك الفضل بن العباس، - رضي الله تعالى عنهما - وصفوان بن المعطل، وعبد الله بن عباس، وعائشة أكثر الروايات عنها.
وروى أبو داود عن الفضل بن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: بت عند
__________
(1) زرارة: بضم أوله، ابن أوفى العامري، الحرشي: بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة، أبو حاجب البصري قاضيها، ثقة عابد، من الثالثة، مات فجأة في الصلاة، سنة ثلاث وتسعين.
التقريب 1 / 259.
(2) أبو داود 2 / 44 (1346).
(3) مسلم حديث (191 / 763) وأبو داود 2 / 44 (1353).
(*)(8/287)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنظر كيف يصلي من الليل فقام وتوضأ، وصلى ركعتين، قيامه مثل ركوعه، وركوعه مثل سجوده، ثم نام ثم استيقظ، فتوضأ واستن ثم قرأ بخمس آيات من آل عمران (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار) فلم يزل يفعل هكذا حتى صلى عشر ركعات، ثم قام فصلى سجدة واحدة فأوتر بها ونادى المنادي عند ذلك فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما سكت المؤذن فصلى سجدتين خفيفتين ثم جلس ثم صلى الصبح) (1).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، والطبراني - بسند ضعيف - عن صفوان بن المعطل السلمي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرمقت صلاته ليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام، فلما كان نصف الليل استيقظ فتلا الآيات العشر آخر سورة
آل عمران، ثم تسوك ثم توضأ [ ثم قام ] فصلى ركعتين فلا أدري أقيامه أم ركوعه أم سجوده، أطول ؟ ثم انصرف فنام ثم استيقظ فتلا الآيات، ثم تسوك، ثم توضأ، ثم قام فصلى ركعتين لا أدري أقيامه أم ركوعه أم سجوده أطول ؟ ففعل ذلك ثم لم يزل يفعل كما فعل أول مرة، حتى صلى إحدى عشرة ركعة) (2).
وروى الشيخان، والإمام مالك، والبرقاني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، كانت تلك صلاته، يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة (3).
وروى مسلم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين - وهي خالته - وقال: (فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأ منها فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى، قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذهبت فقمت إلى جنبه) وفي لفظ (فقمت عن يساره، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع ثم
__________
(1) أبو داود 2 / 46 (1355).
(2) أحمد 5 / 312 والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 272 فيه عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني وهو ضعيف.
(3) تقدم.
(*)(8/288)
جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح) (1).
وروى الشيخان عنها قالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا غيره على
إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، فقلت يا رسول الله: تنام قبل أن توتر، فقال، يا عائشة: (إن عيني تنام ولا ينام قلبي) (2).
وروى البخاري عن مسروق - رحمه الله تعالى - قال سألت عائشة - رضي الله [ تعالى ] عنها - عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر) (3).
وروى البخاري عنها - قال صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم صلى ثمان ركعات وركعتين جالسا وركعتين بين النداءين ولم يكن يدعهما أبدا).
وروى مسلم عن سعد بن هشام بن عامر - رحمه الله تعالى - قال قلت لعائشة - رضي الله تعالى عنها - أنبئيني عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله تعالى ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله تعالى وبحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث) (4).
وروى الطبراني عن طريق عطاء بن مسلم الخفاف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكرة فاستصغرها أبي، قال: انطلق بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فائت فقل إنا قوم نعمل، فإن كان عندك أسن منها فابعث بها إلينا، فقال: يا ابن عمي وجهها إلى إبل الصدقة، فوجهتها، ثم أتيته في المسجد، فصليت معه العشاء، فقال: ما تريد أن تبيت عند خالتك الليلة ؟ قد أمسيت فوافقت ليلتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيتها فعشتني، ووطأت لي بعباءة فافترشتها، فقلت لأعلمن ما يعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا ميمونة)، فقالت: لبيك يا رسول الله فقال: (أما أتاك ابن أختك) ؟
__________
(1) تقدم.
(2) تقدم.
(3) تقدم.
(4) تقدم.
(*).(8/289)
قالت بلي هو هذا، قال: (أفلا عشيتيه ؟ إن كان عندك شئ) قالت: قد فعلت، قال: (قد وطئت له) قالت: نعم فمال إلى فراشه فلم يضطجع عليه واضطجع حوله، ووضع رأسه على الفراش، فمكث ساعة، فسمعته نفخ في النوم، فقلت: نام، وليس بالمستيقظ وليس بقائم الليلة، ثم قام حيث قلت: ذهب الربع [ الثلث ] من الليل فأتى سواكا له ومطهرة فاستاك حتى سمعت صرير ثناياه تحت السسواك، ثم قام إلى قربة فحل شناقها، فأردت أن أقوم فأصب عليه فخشيت أن يذر شيئا من عمله، فلما توضأ دخل مسجده فصلى أربع ركعات فقرأ - في كل ركعة مقدار خمسين آية يطيل فيها الركوع والسجود، ثم جاء إلى مكانه الذي كان عليه فاضطجع هويا، فنفخ وهو نائم، فقلت: ليس بقائم الليل...حتى يصبح، فلما ذهب نصف الليل أو ثلثه أو قدر ذلك فقام...يصنع مثل ذلك ثم دخل مسجده فصلى أربع ركعات على قدر ذلك ثم جاء إلى مضجعه فاتكأ عليه فنفخ، فقلت: ذهب به النوم وليس بقائم حتى يصبح، ثم قام حين بقي سدس الليل أو أقل فاستاك، ثم توضأ فافتتح بفاتحة الكتاب ثم قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) ثم [ ركع و ] سجد ثم قام فقرأ بفاتحة الكتاب و (قل هو الله أحد) ثم قنت فركع وسجد فلما فرغ قعد حتى إذا ما طلع الفجر ناداني فقلت: لبيك يا رسول الله، قل: (قم [ فو الله ما كنت بنائم)، فقمت فتوضأت، فصليت خلفه، فقرأ بفاتحة الكتاب و (قل هو الله أحد) ثم ركع وسجد ثم قام في الثانية فقرأ بفاتحة ] الكتاب و (قل يا أيها الكافرون) الحديث (1).
وروى الطبراني من طريق عبيد بن إسحاق العطار عنه قال: بت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعا فاستقى ماء فتوضأ ثم قرأ (إن في خلق السموات والأرض) إلى
آخر السورة ثم افتتح البقرة، فقرأ حرفا حرفا حتى ختمها، ثم ركع فقال: (سبحان ربي العظيم).
ثم سجد فقال (سبحان ربي الأعلى)، ثم رفع رأسه، فقال بين السجدتين: (رب اغفر لي وارحمني وارفعني، وارزقني، واهدني) ثم قام فقرأ في الركعة الثانية آل عمران ثم ركع وسجد ثم فعل كما فعل في الأولى ثم اضطجع ثم قام فزعا، ففعل مثل ما فعل في الأوليين فقرأ حرفا حرفا حتى صلى ثمان ركعات، يضطجع بين كل ركعتين وأوتر بثلاث، ثم صلى ركعتي الفجر، وذكر الحديث (2).
السابعة: ثلاث عشرة ركعة.
روى ذلك عنه - زيد بن خالد الجهني، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وجابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
__________
(1) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 275 فيه عطاء بن مسلم وثقه ابن حبان وقال غيره ضعيف.
(2) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 275 فيه عبيد بن إسحاق العطار ضعفه ابن معين وغيره.
(*)(8/290)
حديث زيد: روى مسلم، وأبو داود، عن زيد بن خالد - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت لأرمقن الليلة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوسدت عيبة أو فسطاطه فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين خفيفتين.
ثم صلى ركعتين طويلتين، طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم ركعتين وهما دون اللتين قبلهما [ ثم صلى وركعتين وهما دون اللتين قبلهما ] ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة (1).
حديث جابر: روى الإمام أحمد، وأبو يعلى، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية حتى نزلنا بالسقيا فقال معاذ من يسقينا في أسقيتنا ؟ [ قال جابر: فقلت: أنا ] فخرجت في فتية من الأنصار حتى أتينا الماء الذي بالأثاية وبينها وبينهما قريبا من ثلاثة عشر ميلا فسقينا في أسقيتنا، حتى إذا كان بعد عتمة إذا رجل ينازعه بعيره إلى الحوض، فقال: أورد، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأورد ثم أخذت بزمام
ناقته فأنختها فقام يصلي العتمة وجابر فيها ذكر إلى جنبه، ثم صلى بعده ثلاث عشرة سجدة (2).
حديث ابن عباس: رواه عنه كريب وسعيد بن جبير، وعلي بن عبد الله بن عباس، وعطاء وطاوس، والشعبي، وطلحة بن نافع، ويحيى بن الجزار وأبو حمزة وغيرهم مطولا ومختصرا، وفي رواية كل زيادة على الآخر.
وروى الأئمة إلا الدارقطني، وابن خزيمة، وأبو عوانة ومحمد بن نصر المروزي وابن أبي شيبة والحارث بن أبي أسامة وغيرهم، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: بعثني العباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة فوجدته جالسا في المسجد، فلم استطع أن أكلمه فلما صلى المغرب قام فركع، حتى أذن المؤذن بصلاة العشاء، وفي رواية: أنه بعثه بعد العشاء فقال: يا بني بت عندنا، فبت عند خالتي ميمونة، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم جاء منزله فصلى أربع ركعات، وفي رواية فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما أمسى فقال: (أصلى الغلام ؟) قالوا: نعم، فقلت: لا أنام حتى أنظر ما يصنع، وفي رواية لأعلمن ما يعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الليلة وفي لفظ: ولأنظرن إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت لميمونة: إذا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأيقظيني، فطرحت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسادة فتحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهله ساعة، ثم رقد، ثم أتى القربة فأطلق شناقها فصبه في قصعة، أو
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 532 (195 / 765) وأبو داود 2 / 47 (1366).
(2) أخرجه أبو يعلى 4 / 151 (452 / 2216) وقال الهيثمي 2 / 273 فيه شرحبيل بن سعد وثقه ابن حبان وضعفه جماعة.
(*)(8/291)
جفنة، ثم غسل وجهه ويديه، ثم رقد فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع امرأته في فراشها وكانت ليلة أهله حائضا فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نفخ، فقلت: نام وليس بمستيقظ وليس بقائم الليلة، فهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زاوية كان إذا تعار من الليل نظر ببصره إلى السماء ثم تلا هذه
الآيات من آخر آل عمران (إن في خلق السموات والأرض) حتى إنتهى إلى خمس آيات ثم عاد إلى مضجعه، فنام هويا من الليل، ثم قام فتعار يبصره إلى السماء ثم تلاهن، ثم عاد لمضجعه فقام هويا من الليل حتى هب، ثم فتعار ببصره إلى السماء ثم تلاهن ثم عاد إلى مضجعه فنام هويا من الليل ثم قام إلى شن معلق الحديث: حتى انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، وفي رواية: ثلث الليل الأخير، وفي رواية: قام حين قلت ذهب الربع أو الثلث من الليل فأتى سواكا له، ومطهرة فاستاك حتى سمعت صرير ثناياه تحت السواك، وفي رواية: فقام من الليل فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه ونظر فإذا عليه ليل، ثم نام، ثم قام فكبر وسبح انتهى فقال: نام الغليم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم تسوك ثم خرج فنظر إلى السماء وقال: (سبحان الملك القدوس) ثلاث مرات، ثم قرأ وفي لفظ: فلما كان الثلث الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال: (إن في خلق السموات والأرض و اختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب)، وفي رواية: (فقلب وجهه في أفق السماء ثم قال: (نامت العيون وغارت النجوم، والله حي قيوم)، ثم قضى حاجته، ثم جاء إلى قربة على شجب فيه ماء، قلت وما الشجب ؟ (قال: السبايا، وإذا قربة ذات شعر فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم منها ماء، فمضمض ثلاثا، واستشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل قدميه، ثلاثا، ثم أتى مصلاه).
وفي لفظ: (ثم قام إلى شن معلقة)، وفي لفظ: (معلق) وفي لفظ: (إلى قربة) وفي لفظ: إلى القربة فأطلق شناقها، فأردت أن أقوم فأصب عليه فخشيت أن يذر شيئا من عمله، فتوضأ وضوءا خفيفا)، وفي لفظ: (فأحسن الوضوء) وفي لفظ: (فتوضأ وضوءا حسنا لم يكثر، ولم يقصر وقد أبلغ)، وفي لفظ (فقد أسبغ الوضوء، ولم يمس من الماء إلا قليلا، وتسوك ثم أخذ برداء فتوشحه، ثم دخل البيت، ثم قام يصلي فتمطيت كراهة إن يراني أني كنت أبعثه، يعني أرقبه - فصنعت مثل ما صنع، ثم قمت عن يساره، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى فعرفت أنه إنما فعل ذلك ليؤنسني بذلك في الليل) وفي لفظ:
(بشحمة أذني يفتلها، فحولني فجعلني عن يمينه) وفي لفظ: (فأخذ بيدي من وراء ظهره يعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن فصلى ركعتين خفيفتين، يقرأ بأم القرآن في كل ركعة، ثم يسلم، ثم صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين يسلم من كل(8/292)
ركعتين ويستاك حزرت قيامه في كل ركعة قدر (يا أيها المزمل) ثم أوتر فتكاملت صلاته ثلاث عشرة ركعة).
وفي رواية (فصلى ثلاث عشرة ركعة) وفي لفظ (إحدى عشرة ركعة) وفي لفظ (فصلى ما رأى أن عليه ركعتين) فلما نظر أن الفجر قد دنا قام، فصلى سبع ركعات أوتر بالسابعة - انتهى).
وفي رواية (إحدى عشرة بالوتر) وفي لفظ (يصلي ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات، ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات) ثم أوتر بثلاث، ثم اضطجع فنام حتى نفخ وفي رواية حتى استثقل فرأيته ينفخ فأتاه المؤذن فأذنه بصلاة الصبح، فقام فصلى ركعتين خفيفتين ولم يتوضأ، ثم خرج إلى الصلاة وهو يقول وفي رواية: لما قضى صلاته سمعته يقول وكان يقول في صلاته أو دعائه وفي رواية وجعل يقول في صلاته أو سجوده، انتهى (1).
وفي لفظ الشعبي: سألت عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا: ثلاث عشرة، منها ثمان، ويوتر بثلاث وركعتين بعد الفجر (2).
وفي رواية فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلتئذ تسع عشرة كلمة قال سلمة: حدثنيها كريب فحفظت منه اثنتي عشرة كلمة ونسيت ما بقي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا وفي لساني نورا، وفي عصبي نورا، وفي لحمي نورا وفي بدني نورا، وفي شعري نورا، وفي بشري نورا وفي نفسي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، واجعل لي نورا) وفي
لفظ: (واجعل لي يوم القيامة نورا) وفي لفظ: (واجعل في نفسي نورا، وأعظم لي نورا) (3).
حديث عائشة: روى الطبراني في الأوسط من طريق ابن لهيعة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العتمة ثم يصلي في المسجد قبل أن يرجع إلى بيته سبع ركعات يسلم في الأربع في كل ثنتين، ويوتر بثلاث، يتشهد في الأوليين من الوتر تشهده في التسليم ويوتر بالمعوذات، فإذا رجع إلى بيته، ركع ركعتين، ويرقد فإذا انتبه من نومه قال: (الحمد لله الذي أنامني في عافية، وأيقظني في عافية)، ثم يرفع رأسه إلى السماء
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 242، 275، 284 وأخرجه البخاري 1 / 256 (117، 138، 859، 992، 1198، 4569،.
4570، 4571، 5919، 6215، 6316، 7452 ومسلم 1 / 536 في صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل.
(2) أخرجه ابن ماجه 1 / 433 (1361) والنسائي في الكبرى.
(3) تقدم (*).(8/293)
فيتفكر، ثم يقول: (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) فيقرأ حتى يبلغ (إنك لا تخلف الميعاد) ثم يتوضأ ثم يقوم فيصلي ركعتين، يطيل فيهما القراءة، والركوع، والسجود، ويكثر فيهما الدعاء حتى أني لأرقد ثم أستيقظ ثم ينصرف فيضطجع، فيغفي، ثم ينصرف فيتكلم بمثل ما تكلم في الأولى، ثم يقوم فيركع ركعتين هما أطول من الأوليين، وهو فيهما أشد تضرعا واستغفارا حتى أقول: هل هو منصرف ؟ ويكون ذلك إلى آخر الليل، ثم ينصرف فيغفي قليلا فأقول هذا أغفى أم لا حتى يأتيه المؤذن فيقول مثل ما قال في الأول ثم يجلس فيدعو بالسواك فيستن ثم يتوضأ ثم يركع ركعتين خفيفتين ثم يخرج إلى الصلاة، فكانت صلاته هذه ثلاث عشرة ركعة) (1).
وروى مسلم عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرها).
وروى البخاري عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين).
الثامنة: ست عشرة ركعة: روى الإمام أحمد، برجال ثقات عن علي - رضي الله تعالى عنه - (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ست عشرة ركعة سوى المكتوبة).
التاسعة: سبع عشرة ركعة.
روى أبو الحسن بن الضحاك عن طاوس مرسلا (قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل سبع عشرة ركعة).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق تسبغ الوضوء - بمثناة فوقية مضمومة، فسين مهملة ساكنة، فموحدة فمعجمة: تمامه، وشموله لأعظائه.
بكارة - بباء مكسورة، فكاف، فألف، فراء، فتاء تأنيث.
والبكر من الإبل بمنزلة الغلام من الناس والأنثى بكرة.
صرير ثناياه بصاد مهملة فراءين بينهما تحتية، أولا هما مكسورة، صوتها.
__________
(1) تقدم.
(*)(8/294)
هويا - بهاء مفتوحة فواو مكسورة، فتحتية مشددة: الحين الطويل من الزمان وقيل: مختص بالليل.
العيبة: ما يجعل فيه ثياب المسافر، وقد تقدم مرارا.
الفسطاط بفاء مضمومة، فسين مهمله ساكنة فطاءين بينهما ألف ساكنة ضرب من الأبنية في السفر، دون السرادق.
السقيا بسين مهملة مضمومة فقاف ساكنة فتحتية فألف بين مكة والمدينة.
قيل: هو على يومين من المدينة (بالأثاية).
يهب - بياء مفتوحة فموحدة: انتبه من النوم.
تعار - بمثناة فوقية، فعين مهملة مفتوحتين، فألف، فراء: هب واستيقظ.
الشجب - بشين معجمة مفتوحة، فجيم ساكنة، فموحدة: عمود من أعمدة البيت.
السبايا - بسين مهملة، فموحدة، فألف فتحتية، فألف مفتوحات فألف جمع سبية، وهي المرأة المنهوبة فعيلة بمعنى مفعوله.
تمطت - بفوقية فميم فطاء مهملة مفتوحات تمددت.
يعفي - بتحتية مفتوحة، فغين معجمة ساكنة ففاء: ينام.(8/295)
الباب السابع في قيامه - صلى الله عليه وسلم - الليل بآية يرددها وقضائه له إذا تركه
روى الإمام أحمد، ومسدد، وابن ماجه، والنسائي، والحاكم، وصححه، عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه - قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح بآية يرددها والآية (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) يركع بها ويسجد فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت، تركع بها وتسجد بها، قال: (إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها، فهي نائلة إن شاء الله تعالى لمن لا يشرك بالله شيئا) (1).
وروى الإمام أحمد والبزار برجال ثقات عنه قال: (بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي يصلي بالقوم، ثم تخلف أصحاب له يصلون فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله، فلما رأى القوم [ قد ] أخلوا مكانهم رجع إلى مكانه فصلى [ فجئت ] فقمت خلفه، فأومأ إلي بيمينه، فقمت عن يمينه، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه فأومأ إليه بشماله، فقام عن
شماله، فقمنا ثلاثتنا يصلي كل رجل [ منا ] بنفسه ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو فقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة، فبعد أن أصبحنا أو مأت إلى ابن مسعود: أن سله ما أراد [ إلى ما ] صنع البارحة فقال ابن مسعود [ بيده ] لا أسأله عن شئ حتى يحدث إلي فقلت: بأبي أنت وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن لو فعل ذلك بعضنا وجدنا عليه ؟ قال: (دعوت لأمتي) قال فماذا أجبت أو ماذا رد عليك ؟، قال (أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة) قال: أفلا أبشر الناس ؟ قال (بلى) فانطلقت معنقا قريبا من قذفة بحجر فقال عمر، يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا اتكلوا عن العبادة فناداني ارجع: فرجع وتلك الآية) (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) (2).
وروى الترمذي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآية من القرآن ليلة (3).
وروى الإمام أحمد - وفيه اسماعيل بن مسلم الناجي فيحرر حاله - عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردد آية حتى أصبح) (4).
__________
(1) أحمد 5 / 149 وابن ماجه 1 / 429 (1350) وقال البوصيري إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(2) أحمد 5 / 170 والبزار كما في الكشف 1 / 350 (730).
(3) الترمذي 2 / 311 (448) وقال حسن غريب.
(4) أحمد في المسند 3 / 62 وقال الهيمثي 2 / 273 فيه إسماعيل بن مسلم الناجي لم أجد له ترجمة.
(*)(8/296)
وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وأبو الحسن بن الضحاك عن خباب بن الأرت - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: راقبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها حتى كان مع الفجر سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاته جاء خباب فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي لقد صليت الليله صلاة ما رأيتك صليت نحوها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أجل إنها صلاة رغبة ورهبة سألت ربي فيها ثلاث خصال، فأعطاني
اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي: أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يظهر علينا عدوا من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يلبسنا شيعا فمنعنيها) (1).
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي بقراءة آية واحدة الليل كله حتى أصبح، بها يقوم وبها يركع، وبها يسجد فقال القوم: يا أبا ذر أي آية هي ؟ قال: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم الليل فيقرأ سورة (البقرة، وآل عمران، والنساء)، لا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله تعالى - وزغب، ولا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله تعالى واستعاذه).
وروى أبو أحمد بن عدي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم (كان إذا شغله عن صلاة الليل قوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) (2).
وروى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عمل عملا أثبته، وكان إذا نام من الليل، أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) (3).
__________
(1) تقدم وانظر الترمذي (2175).
(2) بنحوه عند أحمد 6 / 54 والبيهقي 3 / 30.
(3) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب 18 رقم (141) وأبو داود في التطوع باب 28 والنسائي في القبلة باب 13 والبيهقي 2 / 485.
(*)(8/297)
الباب الثامن في قيامه - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان وتركه ذلك ظاهرا خوف فرضه على الأمة
روى مسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد
في رمضان ما لا يجتهد في غيره وفي العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره وسيأتي في الصيام)) (1).
وروى الخمسة عنها: قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الآخر من رمضان أحيا الليل، وأيقظ أهله وجد وشد المئزر) (2).
وروى الخمسة عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره) (3).
وروى البخاري عنها أنها سئلت عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان قالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) (4).
وروى الشيخان، وأبو داود، عنها (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من جوف الليل فصلى في المسجد، وذلك في رمضان فصلى بصلاته ناس، فأصبح الناس يذكرون ذلك، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج) وفي رواية للشيخين: (أنه خرج فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم، فلما أصبح ذكر ذلك للناس، فقال: (إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل).
وروى البخاري، عن زيد بن ثابت (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ حجرة [ قال: حسبت أنه قال ] من حصير - في رمضان فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم، فقال: (قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) (5).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان
__________
(1) مسلم 2 / 832 (8 / 1175) والترمذي 3 / 161 (796).
(2) البخاري 4 / 316 (2024) ومسلم 2 / 832 (7 / 1174) وأبو داود 2 / 50 (1376) والنسائي 3 / 177 وابن ماجه 1 / 562 (1768).
(3) مسلم (2 / 832) والترمذي 3 / 161 (796) وابن ماجه 1 / 562 (1767).
(4) أخرجه البخاري (729).
وأبو داود 2 / 49 (1373) والنسائي 3 / 164 والبيهقي 3 / 110.
(5) البخاري 2 / 214 (731) ومسلم 1 / 539 (213 / 781).
أبو داود 2 / 69 (1447) والترمذي 2 / 312 (450) والنسائي 3 / 161.
(*)(8/298)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء رجل فقام أيضا حتى كنا رهطا، فلما أحس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا قال: فقلنا له حين أصبحنا أفطنت لنا الليلة ؟ فقال: (نعم ذاك الذي حملني على ما صنعت) (1).
وروى أبو يعلى، وابن حبان، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج إلينا فلم نزل فيه حتى أصبحنا، ثم دخلنا فقلنا: يا رسول الله اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن تصلي، فقال: (إني خشيت إو كرهت أن تكتب عليكم) (3).
وروى البزار، وأبو يعلى، برجال الصحيح، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال (كان رسول الله يصلي في حجرته فجاء ناس من أصحابه فصلوا بصلاته، فدخل البيت، ثم خرج فعاد مرارا كل ذلك يصلي، فلما أصبح قالوا: يا رسول الله: صلينا معك ونحب نحن أن تمد في صلاتك، قال: (قد علمت مكانكم وعمدا فعلت ذلك) (3).
وروى الإمام أحمد، عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه -: قال: (قلت يا رسول الله إني أريد أن أبيت معك الليلة، فأصلي بصلاتك.
قال: لا تستطيع صلاتي فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل فسترته بثوبي وأنا محول عنه، ثم فعل مثل ذلك، ثم قام يصلي وقمت معه: حتى جعلت أضرب برأسي الجدران من طول صلاته، ثم أتاه بلالا للصلاة قال: (أفعلت) ؟ قال: نعم.
قال:
(إنك يا بلال لتؤذن إذا كان الصبح ساكعا في السماء ليس ذلك الصبح، إنما الصبح هكذا معترضا)، ثم دعا بسحوره فتسحر) (4).
ساكعا - بسين مهملة مفتوحة، فألف، فكاف، فعين مهملة، فألف، من التسكع وهو: التحير، والتمادي في الباطل، لأن هذا الفجر يذهب ويقال له: الكاذب.
(معترضا بميم مضمومة.
فعين مهملة ساكنة، ففوقية مفتوحة، فراء مكسورة، فضاد معجمة فألف).
وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن عائشة - رضي
__________
(1) مسلم (2 / 775) حديث (59 / 1104) وأحمد 3 / 293.
(2) قال الهيثمي 3 / 172 فيه عيسى بن جارية وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين.
(3) أخرجه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 173 رجاله رجال الصحيح.
(4) في إسناده رشدين بن سعد انظر المجمع 3 / 172 وهو عند أحمد 5 / 171 والبخاري في التاريخ 4 / 178.
(*)(8/299)
الله تعالى عنها - والإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجز حجيزة بخصفة أو حصير في المسجد، في رمضان، فكان يصلي فيها الحديث، وقد تقدم بتمامه، عنهما).
تنبيه: روى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والطبراني، من طريق أبي شيبة، إبراهيم بن عثمان، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر).
إبراهيم ضعفه الإمام أحمد، وابن معين، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي والنسائي، وغيرهم، وكذبه شعبة، وقال ابن معين: ليس بثقة، وعد هذا الحديث من منكراته.
قال الأذرعي في (التوسط) وأما ما نقل (عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في الليلتين اللتين خرج
فيهما عشرين ركعة) فهو منكر.
وقال الزركشي في (الخادم) دعوى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم في تلك الليلة عشرين ركعة لم يصح، بل الثابت في الصحيح: الصلاة من غير ذلك العدد، وجاء في رواية جابر (أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم ثمان ركعات والوتر، ثم انتظروه في القابلة فلم يخرج إليهم)، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.(8/300)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الضحى، وصلاة الزوال
الباب الأول في استنباطها من القرآن، وما ورد في فضلها، والأمر بها
واختلف الرواة في فضلها (هل صلاها أم لا ؟) فمنهم المثبت، ومنهم النافي، فمن العلماء من رجح رواية المثبت على النافي، جريا على القاعدة المعروفة، لأنها تتضمن زيادة علم فقدمت على النافين، قالوا وقد يجوز أن يذهب علم مثل هذا على كثير من الناس، ويوجد عند الأقل.
ومنهم من رجح رواية النافي بقرينة، ولم يعتد برواية المثبت، إما لضعفها، أو صرفها عن صلاة الضحى).
وروى الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء) (1).
وروى سعيد بن منصور، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (طلبت صلاة الضحى في القرآن فوجدتها هاهنا (يسبحن بالعشي والإشراق) (2) [ ص 18 ].
وروى الطبراني، من طريق حجاج بن نصير عنه، قال: (كنت أمر بهذه الآية، فما أدري ما هي قوله (يسبحن بالعشي والإشراق) حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فدعا بوضوء في جفنة كأني أنظر إلى أثر العجين فيها فتوضأ،
ثم صلى صلاة الضحى، ثم قال: (يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق) (3).
وروى أحمد بن منيع عنه قال: أتى علينا زمان ما ندري ما وجه هذه الآية (يسبحن بالعشي والإشراق) حتى رأينا الناس يصلون الضحى.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في الشعب عنه، قال: (إن صلاة الضحى في القرآن، وما يغوص عليها إلا غواص في قوله تعالى (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فهيا اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال).
وروى الأصبهاني في الترغيب عن عون العقيلي، في قوله تعالى (إنه كان للأوابين غفورا) قال الذين يصلون صلاة الضحى.
__________
(1) أحمد في المسند 6 / 145 ومسلم (1 / 497) حديث (78 / 719) وابن ماجه 1 / 439 (1381).
(2) ذكره في المطالب العالية 1 / 156 (576) وعزاه المحقق لأحمد بن منيع نقلا عن الإتحاف.
(3) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 238 فيه حجاج بن نصير ضعفه ابن المديني وجماعة ووثقه ابن معين وابن حبان.
(*)(8/301)
الباب الثاني في صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الضحى
وفيه نوعان الأول: فيما ورد أنه صلاها: روى الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه، والحارث بن أبي أسامة، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء) (1).
وروى أبو نعيم، عن حنظلة الثقفي، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتفع النهار وذهب كل أحد وانفلت الناس خرج إلى المسجد فركع ركعتين) (2).
وروى الإمام أحمد - برجال ثقات - والطيالسي والنسائي في الكبرى بسند رجاله ثقات، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى) ورواه أبو يعلى إلا أنه قال: (كان يصلي من الضحى) (3).
وروى النسائي عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حين يرتفع النهار ركعتين، وقبل نصف النهار أربع ركعات، ويجعل التسليم في آخره (4).
وروى مسدد عن رميثة (5) قالت: (رأيت عائشة - رضي الله عنها - صلت الضحى ثمان ركعات) وفي رواية له (كانت عائشة تصلي الضحى فتصليلها) (6).
وروى ابن حبان، عن عائشة قالت: (دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيتي فصلى الضحى ثمان ركعات) (7).
وروى مسدد، والنسائي في اليوم والليلة، عن زاذان أبي عمر عن رجل من الأنصار قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى ذات يوم، فلما فرغ قال: (اللهم اغفر لي، وتب *
__________
(1) تقدم.
(2) ذكره المتقي الهندي في الكنز (23440) والسيوطي في الحاوي 1 / 62.
(3) أحمد 3 / 21، 36 والطيالسي كما في المنحة 1 / 121 (564).
(4) النسائي في الكبرى انظر التحفة للمزي 7 / 388.
(5) (رميثة) الأنصارية جدة عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري التابعي المشهور...أخرج الترمذي من طريق يوسف الماجشون عن أبيه عن عاصم بن عمر عن جدته رميثة قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو أشاء أن أقبل الخاتم الذي بين كتفيه من قربه لفعلت يقول لسعد بن معاذ يوم مات اهتز له عرض الرحمن وروى ابن المنكدر عن ابن رميثة عنها عن عائشة حديثا في صلاة الضحى.
الإصابة 8 / 86، 87.
(6) أشار له الحافظ في التهذيب 12 / 420.
(7) ابن حبان كما في الإحسان 4 / 103 (2522) ومالك في قصر الصلاة (33) وعبد الرزاق 3 / 78 (4866) وابن أبي شيبة 2 / 410.
(*)(8/302)
علي، إنك أنت التواب الغفور) قالها مرة أو أكثر من مائة مرة) (1).
وروى ابن أبي شيبة، عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الضحى ثمان ركعات في حرة بني معاوية) (2).
وروى أحمد بن منيع، عن الحسن، أو الحسين - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الضحى، وقال: (من صلاها بني له بيت في الجنة)، وأظنه قال: (غفر له ما كان في ساعات النهار من ذنب).
وروى الإمام أحمد - برجال الصحيح، عن عتبان بن مالك - رضي الله تعالى عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في بيته سبحة الضحى) (3).
وروى الطبراني بسند حسن عن جبير بن مطعم - رضي الله تعالى عنه - أنه رأى (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى) (4).
وروى الإمام أحمد - برجال ثقات - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر صلى سبحة الضحى ثمان ركعات الحديث) (5).
وروى البزار من طريق عبد الله بن شبيب، عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة يوم فتحها ثمان ركعات يطيل فيها القراءة والركوع) (6).
وروى الطبراني بسند جيد عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أنه رأى (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى بمكة ست ركعات) (7).
روى الطبراني - برجال ثقات - عن أم هانئ - رضي الله تعالى عنها - قال: (لما كان فتح مكة دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء وسترت أم هانئ، وأم سليم، أم أنس بن مالك بملحفة.
ثم دخل بيت أم هانئ فصلى الضحى أربع ركعات) (8).
__________
(1) أحمد 5 / 371 وابن أبي شيبة 10 / 235 وانظر المجمع 10 / 110.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة 2 / 175 (7816).
(3) أحمد 4 / 43.
(4) الطبراني في الكبير انظر المجمع 2 / 238.
(5) قال الهيثمي 2 / 136 رجاله ثقات.
(6) البزار كما في الكشف 1 / 336 (698) وقال الهيثمي: 2 / 236 فيه عبد الله بن شبيب ضعيف.
(7) الطبراني في الأوسط انظر المجمع 2 / 238.
(8) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي: 2 / 238 رجاله ثقات.
(*)(8/303)
وروى الطبراني عنها بسند حسن (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الفتح فصلى سنة الضحى ست ركعات) (1).
وروى البزار من طريق يوسف بن خالد السمتي (2) عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يترك الضحى في سفر ولا غيره) (3).
وروى الطبراني من طريق سعيد بن مسلمة الأموي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى ست ركعات، فما تركهن بعد ذلك) (4).
وروى الإمام مالك، والشيخان، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، وفي رواية، مولى أم هانئ بنت أبي طالب أن أم هانئ - رضي الله تعالى عنها - أخبرته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عام الفتح ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد).
ورواه الحارث بن أبي أمامة، من طريق الليث بن سعد (5)، عن أبي مرة بلفظ: (أخذ ثوبه فالتحف به، ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى).
ورواه أبو الحسن الضحاك، عن كريب - مولى ابن عباس - عن أم هانئ - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم بين كل ركعتين).
ورواه مسلم، وأبو بكر البرقاني، عن ابن أبي ليلى قال: ما أخبرنا أحد (أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها ذكرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح اغتسل في بيتها، وصلى ثمان ركعات خفافا لم أره صلى مثلهن إلا أنه يتم الركوع والسجود) (6).
ورواه مسلم، وأبو الحسن بن الضحاك، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال:
__________
(1) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 2 / 238 إسناده حسن.
(2) يوسف بن خالد السمتي الفقيه.
عن عاصم الأحول، وإسماعيل بن أبي خالد.
وعنه نصر بن علي، وزيد بن الحريش، وجماعة...ميزان الاعتدال 4 / 463.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 335 (695) وإسناده ضعيف لضعف يوسف بن خالد وقد تقدم الكلام عليه.
(4) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 237 فيه سعيد بن مسلمة الأموي ضعفه البخاري وابن معين وجماعة.
(5) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم الإمام، عالم مصر وفقيهها ورئيسها.
عن سعد المقبري وعطاء ونافع وقتادة والزهري وصفوان بن سليم وخلائق.
وعنه ابن عجلان وابن لهيعة وهشيم وابن المبارك والوليد بن مسلم وابن وهب وأمم.
قال ابن بكير: هو أفقه من مالك.
وقال محمد بن رمح: كان دخل الليث ثمانين ألف دينار ما وجبت عليه زكاة قط.
وثقه أحمد وابن معين والناس.
قال ابن بكير: ولد سنة أربع وتسعين، وتوفي سنة خمس وسبعين ومائة الخلاصة 2 / 371.
(6) أخرجه مسلم 1 / 497 (80 / 336).
(*)(8/304)
سألت وحرصت على أن أجد أحدا من الناس يخبرني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى سبحة الضحى فلم أجد أحدا يحدثني بذلك غير أم هانئ بنت أبي طالب، أخبرتني: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بعد ما ارتفع النهار يوم الفتح، فأتي بثوب فستر عليه فاغتسل، ثم قام فركع ثماني ركعات لا أدري أقيامه فيها أطول، أم ركوعه، أم سجوده ؟ وكل ذلك منه متقارب قالت فلم أره سبحها قبل ولا بعد) (1).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، فقال: هذا غريب لم يرو عن عائشة فيما يقال إلا من هذا الوجه عن رميثة قالت: (بت عند عائشة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنها - فلما أصبحت اغتسلت، ودخلت بيتا، وأجافت الباب دوني، فقلت: يا أم المؤمنين إنما أقمت عندك لهذه الساعة، فقالت: ادخلني فقامت فصلت ثمان ركعات ما أدري أقيامهن أطول أم ركوعهن، أم سجودهن ؟ فلما سلمت، قالت: يا رميثة إنني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهن فلو نشدني أبواي على تركهن ما تركتهن).
الثاني: فيما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلها.
روى الإمام أحمد، وأبو يعلى، من طريق عبد الله بن رواحة (2)، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - (أنه لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى قط، إلا أن يخرج في سفر أو يقدم من سفر) (3).
وروى الإمام أحمد - برجال ثقات - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى إلا مرة) (4).
وروى الطبراني ورجاله ثقات، عن أبي أمامة أن سهل بن حنيف قال: (أول من صلى الضحى رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكنى أبا الزوائد) (5).
وروى البزار ورجاله موثقون، وفي بعضهم كلام لا يضر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الضحى إلا يوم فتح مكة) (6).
__________
(1) مسلم 1 / 498 (81 / 336).
(2) عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأكبر الأنصاري الخزرجي.
له كنى، نزل دمشق، وهو عقبي، بدري، تقيب، أمير، شهيد، له أحاديث، انفرد له البخاري بحديث موقوف.
وعنه أبو هريرة، وابن عباس، وأرسل عنه قيس بن أبي حازم وجماعة.
استشهد بمؤتة رضي الله تعالى عنه.
الخلاصة 2 / 55، 56.
(3) أخرجه أحمد 3 / 159 وأبو يعلى 7 / 301 (1582 / 4337).
(4) وقال الهيثمي 2 / 234 رجاله ثقات.
(5) الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2 / 234 رجاله موثقون وفيهم معمر بن بكار قال الذهبي: صويلح.
(6) البزار كما في الكشف 1 / 336 (697) وقال الهيثمي 2 / 235 رجاله موثقون.
(*)(8/305)
الباب الثالث في الجواب عما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلها
قال أبو عمر بن عبد البر في قول عائشة (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي سبحة الضحى قط: ليس أحد من الصحابة إلا وقد فاته من الحديث ما أحصاه غيره، والإحاطة ممتنعة، فقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى، وحمل البخاري أحاديث الإثبات على الحضر وأحاديث النفي على السفر، ويؤيد حديث ابن عمر على السفر أنه كان لا يسبح على السفر ويقول لو كنت مسبحا لأتممت، فيحمل على نفيه لصلاة الضحى، على عادته المعروفة في السفر).
قال في الهدى: واختلف الناس في هذه الأحاديث على طرق: فمنهم من رجح رواية الفعل على الترك، بأنها مثبتة تتضمن زيادة علم [ خفيت ] على النافي، قالوا: ويجوز أن يذهب علم مثل هذا على كثير من الناس، ويوجد عند الأقل، قالوا: وقد أخبرت عائشة، وأنس، وجابر، وأم هانئ وعلي بن أبي طالب أنه صلاها، قال: (ويؤيد هذا الأحاديث الصحيحة المتضمنة للوصية بها، والمحافظة عليها، ومدح فاعليها، والثناء عليه).
قال الحاكم: وفي الباب عن أبي سعيد الخدري وأبي ذر الغفاري، وزيد بن أرقم، وأبي هريرة، وبريدة الأسلمي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن أبي أوفى، وعتبان بن مالك، وأنس بن مالك وعتبة بن عبد السلمي، ونعيم بن هماز الغطفاني وأبي أمامة الباهلي، ومن النساء عائشة بنت أبي بكر، وأم هانئ وأم سلمة كلهم، شهدوا: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها).
وذكر الطبراني من حديث علي، وأنس، وعائشة، وجابر (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها ست ركعات).
وطائفة ثانية ذهبت إلى أحاديث الترك ورجحتها من جهة صحة إسنادها، وعمل
الصحابة بموجبها.
وطائفة ثالثة إلى استحباب فعلها غبا، فتصلى في بعض الأيام دون بعض.
وطائفة إلى أنها إنما تفعل بسبب من الأسباب، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما فعلها كذلك يوم الفتح.(8/306)
الباب الرابع في فوائد تتعلق بصلاة الضحى
قال الباجي: وليس صلاة الضحى من الصلوات المحصورة بالعدد فلا يزاد عليها، ولا ينقص منها، ولكنها من الرغائب التي يفعل الإنسان منها ما أمكنه.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: وهذا الذي قاله هو الصواب المختار، فلم يرد في شئ، من الأحاديث ما يدل على حصرها في عدد مخصوص، وقد أخرج سعيد بن منصور في (سننه) عن الأسود: (أن رجلا قال له كم أصلي الضحى ؟ قال: ما شئت).
وأخرج عن الحسن أنه سئل هل كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلون الضحى ؟ قال: (نعم كان منهم من يصلي ركعتين، ومنهم من يصلي أربعا، ومنهم من يمد إلى نصف النهار).
وأخرج أحمد في (الزهد) عن الحسن: أن أبا سعيد الخدري، كان من أشد الناس توخيا للعبادة، وكان يصلي عامة الضحى.
وأخرج أبو نعيم في (الحلية) عن عبد الله بن غالب (أنه كان يصلي الضحى مائة ركعة) (1).
وقال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي: (لم أر عن أحد من الصحابة أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة، ولا عن أحد من أئمة المذاهب، كالشافعي، وأحمد، وإنما ذكره الروياني فقط فتبعه الرافعي، ثم النووي).
__________
(1) أبو نعيم في الحلية 2 / 256.
(*)(8/307)
الباب الخامس في صلاته - صلى الله عليه وسلم - قبيل الزوال وعنده
روى الإمام أحمد مطولا، وأبو داود، وابن ماجه مختصرا، عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - قال: أدمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات عند زوال الشمس، فقلت: (يا رسول الله: ما هذه الركعات التي أراك أدمنتها ؟ قال: (إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس، فلا تريح حتى يصلي الظهر، فأحب أن يصعد لي فيها خير)، فقلت: يا رسول الله تقرأ فيهن كلهن ؟ قال: (نعم) [ قلت ] ففيها سلام فاصل ؟ قال: لا (1).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، عن عبد الله بن السائب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الظهر بعد الزوال أربعا، ويقول: (إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس فأحب أن أقدم فيها عملا صالحا) (2).
وفي لفظ: (أن يصعد لي فيها عمل صالح) (3).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله [ تعالى ] عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي أربعا قبل الظهر، يطيل فيهن القيام، ويحسن فيهن الركوع والسجود) (4).
وروى النسائي عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي حين ترتفع الشمس ركعتين، وقبل نصف النهار أربع ركعات، ويجعل التسليم في آخرها) (5).
وروى الإمام أحمد - بسند جيد - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (ما هجرت إلا وجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي) (6).
وروى الطبراني - بسند ضعيف - عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استوى النهار خرج إلى بعض حيطان المدينة، وقد سير له فيها طهوره،
فإن كانت له حاجة قضاها، وإلا تطهر، فإذا زالت الشمس، عن كبد السماء قدر شراك قام
__________
(1) أحمد 5 / 416 وأبو داود 2 / 23 (1270) وابن ماجه 1 / 365 (1157).
(2) أحمد في المسند 6 / 43 والترمذي 2 / 342 (478).
(3) الترمذي الموضع السابق.
(4) أحمد 6 / 43.
(5) النسائي في الكبرى 7 / 388.
(6) قال الهيثمي فيه ليث بن أبي سليم مدلس المجمع 2 / 230.
(*)(8/308)
فصلى أربع ركعات لم يتشهد بينهن، ويسلم في آخر الأربع، ثم يقوم فيأتي المسجد) الحديث (1).
وروى البزار - بسند ضعيف - عن ثوبان (2) - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار، فقالت عائشة: يا رسول الله أراك تستحب الصلاة هذه الساعة، قال: (تفتح أبواب السماء، وينظر الله تعالى بالرحمة إلى خلقه) الحديث (3).
وروى ابن عساكر، وأبو داود، عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - إذا زالت الشمس أو زاغت، أو كما قال: إن كان في يده عمل الدنيا رفضه، وإن كان نائما يوقظ له، فيقوم فيغتسل، أو يتوضأ، ثم يركع ركعات يتمهن ويحسنهن، ويتمكن فيهن، فلما أراد أن ينطلق، قلت يا رسول الله رأيتك إذا زالت الشمس، أو زاغت، فإن كان في يدك عمل من الدنيا رفضته، وإن كنت نائما، فكأنما توقظ له، فتغتسل أو تتوضأ، ثم تركع أربع ركعات تتمهن وتحسنهن، وتمكث فيهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن السموات، وأبواب الجنة تفتح في تلك الساعة، فما ترتج أبواب السماوات وأبواب الجنة حتى تصلى هذه الصلاة، فأحببت أن يصعد لي تلك الساعة خير) (4).
وفي رواية: (فأحب أن يرفع لي عمل في أول عمل العابدين).
تنبيهات عرض الوسادة بفتح العين، قيل: هو المراد هنا، وبالضم الناحية، والوسادة هنا ما يتوسد إليه، وعليه، ويكون المراد به: الفراش، وكان اضطجاع ابن عباس لرؤيتهما أو لأجلهما، وذلك لصغره لأنه يجوز تسمية الفراش وسادة، وينبغي إبقاؤه على حقيقته، ويكون اضطجاع النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها وضعه رأسه على طولها، واضطجاع ابن عباس وضعه رأسه على عرضها.
الحيطان: جمع حائط - بحاء مهملة، وآخره طاء: البستان.
ترتج - بناء مثناة فوقية مضمومة، فراء ساكنة، فمثناة فوقية، فجيم: تغلق.
__________
(1) الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2 / 230 فيه نافع بن هرمز متروك.
(2) ثوبان الهاشمي، مولى النبي صلى الله عليه وسلم، صحبه ولازمه، ونزل بعده الشام، ومات بحمص سنة أربع وخمسين.
التقريب 1 / 120.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 337 (700) وقال الهيثمي 2 / 219 فيه عتبة بن السكن متروك.
(4) تقدم.
(*)(8/309)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في العيدين
الباب الأول في آدابه - صلى الله عليه وسلم - قبل الصلاة
وفيه أنواع: الأول: في غسله - صلى الله عليه وسلم.
روى ابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل يوم الفطر، ويوم الأضحى) (1).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، في (زوائد المسند) وابن ماجه، عن الفاكه بن سعد الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل يوم الفطر ويوم النحر) (2).
وروى البزار، عن محمد بن عبيد الله أي ابن أبي رافع عن أبيه، عن جده - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغتسل للعيدين) (3).
الثاني: في تجمله - صلى الله عليه وسلم -.
روى مسدد وابن سعد، وابن خزيمة في صحيحة، والحاكم، والبيهقي، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس برده الأحمر في العيدين) (4).
ورواه قاسم بن أصبغ عنه بلفظ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتم ويلبس برده الأحمر في العيدين.
وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس يوم العيد بردة حمراء) (5).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 1 / 417 (1315) وقال البوصيري هذا إسناد فيه جبارة وهو ضعيف وحجاج بن تميم ضعيف أيضا.
(2) تقدم.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 311 (648) قال الهيثمي 2 / 198 في إسناده مندل فيه كلام ومحمد هذا ومن فوقه لا أعرفهم.
(4) البيهقي 3 / 280 وابن أبي شيبة 2 / 156 وابن سعد 1 / 2 / 148.
(5) قال الهيثمي: 2 / 198 رجاله ثقات.
(*)(8/310)
وروى ابن سعد، عن أبي جعفر محمد بن علي - رضوان الله تعالى عليه وعلى آبائه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس برده الأحمر ويعتم يوم العيدين) (1).
وروى الإمام الشافعي، وابن سعد - واللفظ له - عنه، عن أبيه، عن جده - رضوان الله
تعالى عليهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس بردا أحمر في كل عيد وكان يعتم في كل عيد (2).
وروى أبو سعد النيسابوري، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس برده الأحمر في العيدين).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن عروة بن الزبير - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يخرج فيه الفطر والأضحى ثوب حضرمي طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر).
الثالث: في أكله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر قبل خروجه إلى صلاة العيد، وإمساكه في الأضحى.
روى الإمام أحمد والبخاري والإسماعيلي، والحاكم، والدار قطني والبيهقي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل ثمرات) زاد الإسماعيلي والحاكم والبيهقي ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا، أو أقل، أو أكثر وترا) (3).
وروى الترمذي، والحاكم، والبيهقي، عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم الفطر لم يخرج حتى يأكل، وإذا كان يوم الأضحى لم يأكل شيئا حتى يرجع، وكان إذا رجع يأكل من كبد أضحيته) (4).
وروى ابن ماجه، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يغدي أصحابه، من صدقة الفطر) (5).
وروى الطبراني، عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطعم يوم الفطر قبل أن يخرج ويأمر الناس بذلك) (6).
__________
(1) الطبقات الكبرى 1 / 148.
(2) ابن سعد 1 / 148.
(3) أخرجه البخاري 2 / 446 (953).
(4) الترمذي 2 / 426 (542) والحاكم 1 / 294 والبيهقي 3 / 283.
(5) ابن ماجه 1 / 558 (1755) وقال البوصيري مسلسل بالضعفاء.
(6) إسناده ضعيف لضعف الواقدي المجمع 2 / 199.
(*)(8/311)
وروى الإمام أحمد، والطبراني، عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، وكان لا يطعم يوم النحر حتى يرجع، فيأكل من ذبيحته) (1).
الرابع: في خروجه إلى المصلى ماشيا - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الطبراني عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى العبد ماشيا يصلي بغير أذان، ولا إقامة) (2).
وروى البيهقي، عن رجل من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يذهب في العيدين ماشيا) (3).
وروى ابن ماجه، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج إلى العيد ماشيا، ويرجع ماشيا) (4).
وروى ابن إسحاق والطبراني، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي العيد ماشيا) (5).
وروى ابن ماجه، عن سعد القرظ - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا) (6).
الخامس: في تكبيره - صلى الله عليه وسلم - ليلة الفطر حتى يغدو إلى المصلى.
روى الدار قطني، والبيهقي، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر ليلة الفطر من حين يخرج من بيته حتى يغدو) وفي لفظ: (حتى
يأتي المصلى) (7).
وروى الطبراني من طريق شرقي بن قطامي، عن شريح بن أبرهة - رضي الله تعالى عنه -
__________
(1) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 2 / 199 فيه عقبة بن عبد الله الرفاعي ضعيف والترمذي (542) وابن ماجه (1754، 1756) والدار قطني 2 / 45.
(2) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 203 فيه محمد بن عبد الله بن أبي رفع ضعفه جماعة وذكره ابن حبان في الثقات.
(3) البيهقي 3 / 281.
(4) ابن ماجه 1 / 411 (1295) وقال البوصيري إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن العمري.
(5) الطبراني في الكبير قال الهيثمي 2 / 201 فيه خالد بن إلياس متروك.
(6) ابن ماجه 1 / 411 (1294) وقال البوصيري ضعيف.
(7) أخرجه الدار قطني 2 / 45 والبيهقي 3 / 278 وقال ذكر الليلة فيه غريب.
(*)(8/312)
قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر حتى خرج من منى يكبر دبر كل صلاة) (1) قال الشاذكوني: على هذا تكبير أهل المدينة.
السادس: في خروجه مع أهل بيته إلى المصلى رافعا صوته بالذكر حتى يأتي المصلى.
روى البيهقي، عن ابن عمر - رضي الله [ تعالى ] عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج في العيد مع الفضل بن عباس، وعبد الله بن عباس، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، وأسامة بن زيد، وزيد بن حارثة، وأيمن ابن أم أيمن، رافعا صوته بالتهليل، والتكبير، حتى يأتي المصلى) (2).
وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وابن ماجه، والبيهقي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج بناته ونساءه في العيدين) (3).
وروى الإمام أحمد، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج في العيدين ويخرج أهله) (4).
السابع: في حمل العنزة بين يديه إلى المصلى، وصلاته إليها - صلى الله عليه وسلم -.
روى الشيخان، والنسائي، وابن ماجه، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغدو إلى المصلى والعنزة تحمل بين يديه، وتنصب بين يديه، يصلي إليها، وذلك أن المصلى كان فضاء ليس شئ يستتر به) (5).
وروى ابن ماجه، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العيد [ بالمصلى ] مستترا بحربة) (6).
وروى البيهقي، والنسائي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العيد بالمصلى يستتر بالحربة) (7).
__________
(1) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 2 / 201 فيه شرقي بن قطامي ضعفه الساجي.
(2) البيهقي 3 / 279.
(3) ابن ماجه 1 / 415 (1309) وفيه الحجاج بن أرطاة والبيهقي 3 / 307.
(4) أحمد 3 / 363.
(5) أخرجه مسلم في الصلاة باب 47 رقم (246).
(6) ابن ماجه 1 / 414 (1306).
(7) ابن ماجه 1 / 414 (1306) والنسائي في الكبرى.
(*)(8/313)
وروى البزار بسند لا بأس به، عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج له العنزة في العيدين حتى يصلي إليها) (1).
وروى الطبراني من طريق أبي كرز، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى العيدين ومعه حربة وترس) (2).
الثامن: في أنه لم يكن يصلي قبل العبد ولا بعده.
روى الإمام الشافعي والشيخان والترمذي، وصححه، وابن ماجه، عن ابن عباس، ومالك، والشافعي، والترمذي وصححه، عن ابن عمر وابن ماجه عن ابن عمرو والبيهقي عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفطر ركعتين، لم يصل قبلهما، ولا بعدهما (3).
تنبيهان: الأول: قال المهلب: إنما كان يأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى الصلاة، لئلا يظن ظان أن الصيام يلزم يوم الفطر إلى أن يصلي صلاة العيد، وهذا المعنى مفقود في يوم الأضحى.
وقال الشيخ موفق الدين بن قدامة: (الحكمة في ذلك أن يوم الفطر حرم فيه الصيام عقب وجوبه، فاستحب تعجيل الفطر، لإظهار المبادرة إلى طاعة الله وامتثال أمره في الفطر، على خلاف العادة، والأضحى بخلافه مع ما فيه من استحباب الفطر على شئ من أضحيته).
الثاني: قال البلاذري عن عبد الرحمن بن سعد، وغيره عن آبائهم وأجدادهم، أن النجاشي الحبشي بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث عنزات، فأمسك واحدة، وأعطى عمر واحدة، وأعطى عليا واحدة، قال البلاذري: عن إبراهيم بن محمد بن عمار، عن أبيه، عن جده، قال: كان بلال يحمل العنزة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم العيد، وفي الاستسقاء.
__________
(1) البزار كما في الكشف 1 / 314 (655).
(2) الطبراني في الأوسط وضعفه الهيثمي في المجمع 2 / 199.
(3) أخرجه البخاري 2 / 453 (964) ومسلم 2 / 606 (13 / 884).
والترمذي 2 / 418 (537) وابن ماجه 1 / 410 (129).
(*)(8/314)
الباب الثاني في آدابه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العيدين
وفيه أنواع: الأول: في الوقت والمكان، الذي كان يصلي فيهما العيد.
روى الإمام الشافعي عن أبي الحويرث - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس) (1).
وروى الإمام أحمد، والخمسة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شئ يبدأ به الصلاة) (2).
وروى أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: أصابهم مطر في يوم فطر فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد) (3).
وروى ابن القيم: لم يصل العيد في المسجد إلا مرة واحدة أصابهم المطر فصلى بهم في المسجد، إن ثبت الحديث، وهو في سنن أبي داود وابن ماجه (4).
الثاني: في صلاة العيد قبل الخطبة - وبغير أذان، ولا إقامة.
روى الأئمة إلا الإمام مالك، وأبو داود، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمر، يصلون العيدين قبل الخطبة).
وروى الإمام أحمد عنه، قال: شهدت العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بلا أذان ولا إقامة، ثم شهدت صلاة العيد مع أبي بكر، فصلى بلا أذان ولا إقامة، ثم شهدت صلاة العيد مع عمر، فصلى بلا أذان ولا إقامة ثم شهدت العيد مع عثمان فصلى بلا أذان ولا إقامة) (5).
وروى مسلم عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مرة، ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة) (6).
__________
(1) أخرجه الشافعي في المسند 152 (442) والأم 1 / 232 والبيهقي 3 / 282.
(2) أخرجه البخاري 2 / 448 (956) ومسلم 2 / 605 (9 / 889).
وأبو داود 1 / 296 (1140) والنسائي 3 / 153 وابن ماجه 1 / 406 (1275).
(3) أبو داود 1 / 301 (1160) وابن ماجه 1 / 416 (1313) والبيهقي 3 / 310.
(4) أخرجه البخاري 2 / 453 (963) ومسلم 2 / 605 (8 / 888).
الترمذي 2 / 411 (531) والنسائي 3 / 149 وابن ماجه 1 / 407 (1276).
(5) أحمد 2 / 39.
(6) مسلم 2 / 604 (7 / 887).
(*)(8/315)
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيد، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكلهم صلى قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة) (1).
وروى النسائي عن عطاء عن جابر - رضي الله عنه - (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة) (2).
وروى الإمام الشافعي عن عبد الله بن يزيد الخطمي - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يبدأون بالصلاة قبل الخطبة، حتى قدم معاوية فقدم معاوية الخطبة) (3).
وروى الطبراني - برجال ثقات - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يبدأون بالصلاة قبل الخطبة في العيد) (4).
وروى الشيخان عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج يوم الأضحى، ويوم الفطر، إلى المصلى فأول شئ يبدأ به الصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم)، وفي لفظ: (جلوس على صفوفهم فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم) (5).
الثالث: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - العيد ركعتين.
روى الإمام أحمد، والخمسة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) (6).
الرابع: في عدد تكبيره - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العيد.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في العيدين قبل القراءة سبعا، في الركعة الأولى، سوى تكبيرة الافتتاح، وفي لفظ (تكبيرة الركوع، ويكبر خمسا في الآخرة سوى تكبيرة الركوع) (7).
__________
(1) أحمد 1 / 242.
(2) النسائي 3 / 148.
(3) الشافعي في المسند 1 / 156 (454).
(4) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: 2 / 202 رجاله ثقات.
(5) تقدم.
(6) تقدم.
(7) أحمد 6 / 70 وأبو داود 1 / 299 (1149) وابن ماجه 1 / 407 (1280) والدارقطني 2 / 46.
(*)(8/316)
وروى الإمام أحمد، والدارقطني، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية) (1).
وروى الترمذي - وحسنه - وابن ماجه، والدارقطني، عن عمرو بن عوف المزني - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر في العيدين في الأولى سبعا، قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة) (2).
وروى ابن ماجه، والدارقطني، عن سعد القرظ - رضي الله تعالى عنه - (أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة) (3).
الخامس: في قراءة - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العيدين.
روى الأئمة إلا البخاري، عن أبي واقد الليثي - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين ب (ق والقرآن المجيد) و (اقتربت الساعة وانشق القمر) (4).
وروى الدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيدين ب (ق والقرآن المجيد [ واقتربت الساعة ])) (5).
وروى الإمامان: مالك، وأحمد، ومسلم، والأربعة، عن النعمان بن بشير وابن ماجه، عن ابن عباس، والإمام أحمد، والطبراني، عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) زاد النعمان وربما اجتمعتا في يوم واحد فقرأهما) (6).
وروى الإمام مالك، والخمسة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن
__________
(1) أحمد 2 / 180 والدارقطني 2 / 48.
(2) أخرجه الترمذي 2 / 416 (536) وابن ماجه 1 / 407 (1279) والدارقطني 2 / 48 (23) والبيهقي 3 / 286 ومن طريق آخر عند الدارمي 1 / 376.
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 407 (1277) والدارقطني 2 / 47.
(4) مسلم 2 / 607 (14، 15، 891) ومالك في الموطأ 1 / 180 وأحمد 5 / 217، 218 وأبو داود 1 / 300 (1154) والترمذي 2 / 414 (534) والنسائي 3 / 150 وابن ماجه 1 / 408 (1282).
(5) أخرجه الدارقطني 2 / 46.
(6) حديث النعمان بن بشير عند أحمد 4 / 271 وأبو داود 1 / 293 (1122) والترمذي 2 / 413 (533) والنسائي 1 / 150 وابن ماجه 1 / 408 وحديث ابن عباس عند ابن ماجه 1 / 408 (1283) وحديث سمرة عند أحمد والطبراني
في الكبير قال الهيثمي 2 / 204 رجال أحمد ثقات.
(*)(8/317)
النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفطر ركعتين لا يقرأ فيهما إلا بأم القرآن لم يزد عليها شيئا) (1).
وروى البزار بسند ضعيف، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة العيدين ب (عم يتساءلون)، (والشمس وضحاها)) (2).
__________
(1) انظر السنن لأبي داود 1 / 301 (1159) والترمذي 2 / 418 (537) والنسائي 3 / 157.
(2) البزار كما في الكشف 1 / 314 (656) وقال الهيثمي 2 / 204 فيه أبواب بن سيار ضعيف.
(*)(8/318)
الباب الثالث في هديه - صلى الله عليه وسلم - في خطبة العيدين
وفيه أنواع: الأول: فيما كان يخطب عليه - صلى الله عليه وسلم - في العيدين.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي كاهل - واسمه: قيس بن عائذ الأحمسي - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس في يوم عيد، على نافة خرماء)، وفي لفظ حسناء، وحبشي ممسك بخطامها (1).
وروى ابن ماجه، عن نبيط الأشجعي - رضي الله تعالى عنه - قال: (حججت فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب على بعيره) (2).
وروى الإمام الشافعي مرسلا عن ابن سيرين - رحمه الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب على راحلته بعد ما ينصرف من الصلاة يوم الفطر والنحر) (3).
وروى أبو يعلى - برجال ثقات - عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم العيد على راحلته) (4).
وروى الإمام أحمد، عن الهرماس بن زياد الباهلي - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي مردفي خلفه على حمار، وأنا صغير، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بمنى على ناقته العضباء) (5).
الثاني: في اعتماده في الخطبة على قوس أو عنزة.
روى أبو داود، عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوول يوم العيد قوسا فخطب عليه) (6).
وروى الطبراني عن سعد بن عثمان القرظ مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خطب في العيدين خطب على قوس) (7).
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 78 والنسائي 3 / 151 وابن ماجه 1 / 408 (1285).
(2) أخرجه ابن ماجه 1 / 409 (1286).
(3) الشافعي في المسند 1 / 158 (462).
(4) قال الهيمثي 2 / 205 رجاله رجال الصحيح.
(5) أحمد في المسند 5 / 7.
(6) أبو داود 1 / 298 (1145).
(7) تقدم.
(*)(8/319)
وروى الإمام الشافعي مرسلا عن عطاء - رحمه الله تعالى - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خطب يعتمد على عنزة اعتمادا) (1).
الثالث: في تكبيره - صلى الله عليه وسلم - في خطبتي العيد وجلوسه بينهما.
روى ابن ماجه عن سعد القرظ مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبة العيدين) (2).
وروى البيهقي، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر أو أضحى فخطب قائما، ثم قعد قعدة، ثم قام) (3).
وروى الإمام أحمد، والخمسة عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شئ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس وهم جلوس في مصلاهم، فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشئ أمر به، ثم ينصرف، وكان يقول: (تصدقوا تصدقوا، تصدقوا) فكان أكثر من يتصدق النساء بالقرط والخاتم والشئ، ثم ينصرف وفي رواية: ثم مر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فقلن بم يا رسول الله ؟ قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، فقلن يا رسول الله وما نقصان ديننا وعقلنا ؟ قال: (أليس شهادة المرأة منكن مثل [ نصف ] شهادة الرجل ؟) قلن: بلي، [ قال: (فذلك من نقصان عقلها ] قال: (أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم ؟) قلن: بلى [ يا رسول الله ] قال: (فذلك من نقصان دينها).
ثم انصرف، فلما جاء إلى منزله، جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله: هذه زينب، فقال: (أي الزيانب ؟) فقيل امرأة ابن مسعود، فقال: ([ نعم ] ائذنوا لها) فقالت: يا نبي الله: إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي وأوردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولده أحق من تصدقت [ به ] عليهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صدق ابن مسعود، هو وولده أحق من تصدقت [ به ] عليهم، قال أبو سعيد: فلم تزل كذلك حتى كان مروان، فأرسل إلي وإلى رجل قد سماه فمشى بنا حتى أتى المصلى، فإذا منبر قد بناه كثير من الصلت
__________
(1) تقدم.
(2) ابن ماجه 1 / 409 (1287).
(3) البيهقي 3 / 296 ابن ماجه 1 / 409 (1289).
(*)(8/320)
فذهب مروان ليذهب فجذبته فنازعني بيده وارتفع، فلما رأيت ذلك قلت: أحدثتم بخير.
وفي
رواية (غيرتم، ثم أمر الابتداء بالصلاة، فقال: يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم، قلت: كلا، والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم ثلاث مرات)، وفي رواية (فقلت ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: (إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة) (1).
وروى الإمام أحمد، والخمسة، عن البراء - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا جلوسا في المصلى يوم الأضحى، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم على الناس، ثم قال: إن أول نسك يومكم هذه الصلاة، فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم، ثم استقبل الناس بوجهه، وأعطي قوسا، أو عصا فاتكأ عليها، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، وأمرهم، ونهاهم، وقال: (من كان منكم عجل ذبحا فإنما هي جزرة أطعمها أهله)، وفي رواية: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، أن نصلي ثم نرجع فننحر، من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة، فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شئ إنما الذبح بعد الصلاة) فقام إليه خالي أبو بردة بن نيار، فقال: أنا عجلت ذبح شاتي يا رسول الله، ليصنع لنا طعاما نجتمع عليه إذا رجعنا، وعندي جذعة هي أوفى من التي ذبحت أفتفي عني يا رسول الله ؟ قال: (نعم، ولن تفي عن أحد بعدك)، ثم قال: (يا بلال) فمشى واتبعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى النساء، فقال: (يا معشر النسوان، تصدقن الصدقة خير لكن)، قال فما رأيت يوما قط أكثر خدمة مقطوعة، ولا قرطا من ذلك اليوم) (2).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام يتوكأ على بلال، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ الناس، وذكرهم، وحثهم على طاعته، فلما نزل)، وفي لفظ: فلما فرغ، نزل ومضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: (تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)، فقالت امرأة من سطة الناس، وفي لفظ: من سفلة النساء سفعاء الخدين، فقالت: (لم يا رسول الله ؟ قال: (لأنكن تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير) فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن) وفي
رواية: (فجعلت المرأة تلقي فتخها) (3).
__________
(1) تقدم وانظر مسند أحمد (3 / 10، 36).
(2) أحمد في المسند 4 / 282 والبخاري 2 / 456 وأبو داود 3 / 96 (2800) والترمذي 4 / 78 (1508) والنسائي 7 / 196.
(3) أحمد 3 / 318 والبخاري (2 / 540) حديث (978) ومسلم (2 / 603) حديث (3 / 885) وأبو داود 1 / 297 (1141) والنسائي 3 / 152.
(*)(8/321)
وروى ابن ماجه عنه، قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر أو أضحى، فخطب قائما، ثم قعد قعدة، ثم قام) (2).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
القرط - بقاف مضمومة، فراء ساكنة، فطاء مهملة: نوع من حلي الأذن.
جزرة - بجيم فزاي، فراء: ما يجزر أي يذبح من الشياه.
خرماء - بخاء معجمة مفتوحة، فراء، فميم: من الخرم، وهو الثقب والشق في الأذن، والأنف، وانخرم ثقبه - انشق، فإذا لم ينشق فهو أخرم، والأنثى خرماء.
سفعاء - بسين، فعين مهملتين مفتوحتين بينهما فاء ساكنة.
فتخها - بفاء ففوقية فتاء فخاء معجمة مفتوحات: خواتمها، واحدة فتخة، ويحرك: خاتم كبير.
__________
(1) تقدم وانظر ابن ماجه (1289).
(*)(8/322)
الباب الرابع في آدابه - صلى الله عليه وسلم - في رجوعه من المصلى
روى الإمام أحمد، والطبراني، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من العيدين أتى وسط المصلى، فقام فنظر إلى الناس كيف ينصرفون، وكيف سمتهم، ثم يقف ساعة، ثم ينصرف).
ورواه أبو يعلى بلفظ: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد قائما في السوق ينظر إلى الناس، والناس يمرون) (1).
وروى البخاري، والبيهقي، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه) (2).
وروى الشيخان، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج من طريق، ويرجع من طريق، وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى) (3).
وروى الإمام الشافعي، عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي (4)، عن أبيه، عن جده، ((أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجع من المصلى في يوم عيد، فسلك على التمارين من أسفل السوق حتى إذا كان عند مسجد الأعرج الذي عند موضع البركة التي بالسوق قام فاستقبل فج أسلم، فدعا ثم انصرف) (5).
وروى ابن ماجه، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان يخرج إلى العيد ماشيا، ويرجع في غير الطريق، الذي ابتدأ فيه) (6).
وروى الإمام الشافعي، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم، فإذا رجع رجع من الطريق الأخرى على دار عمار بن ياسر) (7).
__________
(1) الطبراني في الكبير والأوسط انظر المجمع 2 / 206.
(2) البيهقي 3 / 308 والبخاري 2 / 472 العيدين (986).
(3) أخرجه مسلم 3 / 918 (223 / 1257).
(4) معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله بن عثمان التيمي، من آل طلحة، لأبيه صحبة، وهو صدوق، من الثالثة،
ويقال له صحبة أيضا، التقريب 2 / 256، 257.
(5) أخرجه الشافعي في المسند 1 / 159، 160 (647).
(6) ابن ماجه 1 / 412 (1299).
(7) الشافعي 1 / 159 (466).
(*)(8/323)
وروى الطبراني، والبيهقي، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (الخروج في العيدين إلى الجبانة من السنة) (1).
وروى البزار، عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرجع في العيد، من طريق غير الطريق الذي خرج منه) (2).
وروى الطبراني، عن عبد الرحمن بن حاطب - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي العيد، ويذهب في طريق ويرجع في أخرى) (3).
وروى البخاري، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق) (4).
وروى البخاري تعليقا، ووصله عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد في طريق رجع في غيره) (5).
وروى أبو داود، والبيهقي، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر) (6)، وقال الإمام الرافعي في (شرح المسند): قيل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوخى أطول الطريقين في الذهاب، وأقصرهما في العودة، أو كان يتبرك به أهل الطريقين، أو أن يستفتى فيهما، وأن يتصدق على فقرائهما، [ وقيل ليصل رحمه ] قيل: بكل، والأول أظهر).
__________
(1) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي فيه الحارث 2 / 206 والبيهقي 3 / 281.
(2) البزار كما في الكشف 1 / 312 (653) وفي إسناده خالد بن إلياس ليس بالقوي.
(3) الطبراني في الكبير وإسناده كسابقه المجمع 2 / 201.
(4) تقدم.
(5) البخاري المصدر السابق وأخرجه الترمذي 2 / 424 (541) وأحمد 2 / 338 والدارمي 1 / 378 وابن ماجه 1 / 412 (1301) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (592).
(6) أبو داود 1 / 300 (1156) والبيهقي 3 / 309.(8/324)
الباب الخامس في آداب متفرقة
وفيه أنواع: الأول: في دعاء يوم العيد.
روى الطبراني، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في العيدين: (اللهم إنا نسألك عيشة تقية وميتة سوية، ومردا غير مخز ولا فاضح، اللهم لا تهلكنا فجأة، ولا تأخذنا بغتة، ولا تعجلنا عن حق ولا وصية، اللهم إنا نسألك العفاف والغني، والتقى والهدى، وحسن عاقبة الآخرة والدنيا، ونعوذ بك من الشك والشقاق والرياء والسمعة في دينك، يا مقلب القلوب لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (1).
الثاني: في نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام في العيدين.
روى ابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام في العيدين إلا أن يكون بحضرة العدو) (2).
الثالث: في اللهو يوم العيد.
روى الشيخان، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (دخل على
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغناء يوم بعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فاقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (دعهما)، فلما غفل غمزتهما فخرجتا) (3).
وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإما قال: (تشتهين تنظرين ؟) فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: (دونكم يا بني أرفدة)، حتى إذا مللت، قال (حسبك ؟) قلت: نعم، قال: (فاذهبي).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه - ولم يذكر قول جابر - عن قيس بن سعد بن عبادة
__________
(1) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي فيه نهشل بن سعيد متروك المجمع 2 / 201.
(2) ابن ماجه 1 / 417 (1314) قال البوصيري في إسناده نائل بن نجيح وإسماعيل بن زياد وهما ضعيفان.
(3) البخاري 1 / 445 (952، 987) ومسلم 2 / 607 (16، 17 / 892).
(*)(8/325)
- رضي الله تعالى عنهما - قال: (ما من شئ كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قد رأيته إلا شيئا واحدا، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقلس له يوم الفطر، قال جابر: هو اللعب) (1).
وروى ابن ماجه، عن عياض الأشعري - رضي الله تعالى عنه - (أنه شهد عيدا بالأنبار، فقال: ما لي أراكم تقلسون كما كان يقلس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (2).
وروى الطبراني، عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخلت علينا جارية لحسان بن ثابت يوم فطر ناشرة شعرها معها دف فزجرتها أم سلمة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (دعيها يا أم سلمة، فإن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا) (3).
الرابع: في قضائه - صلى الله عليه وسلم - صلاة العيد.
وروى الطبراني، عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخلت علينا جارية من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن ركبا جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفطروا، فإذا أصبحوا غدوا إلى مصلاهم) (4).
الخامس: في تكبيره - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد: روى الدارقطني، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق حين يسلم من المكتوبات) (5)، وفي رواية: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه، فيقول: ((على مكانكم)، ويقول: (الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد)، فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق) (6).
وروى أيضا - عن علي عمار - رضي الله تعالى عنهما - (7).
السادس: في تخييره - صلى الله عليه وسلم - من حضر العيد إذا كان يوم جمعة، بين حضور الجمعة والانصراف إذا كان منزله بعيدا.
روى ابن ماجه، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال اجتمع عيدان على عهد
__________
(1) أحمد 3 / 422 وابن ماجه 1 / 413 (1303) وقال البوصيرى: إسناد صحيح ورجاله ثقات.
(2) ابن ماجه 1 / 413 (1302).
(3) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 2 / 206 فيه الوازع بن نافع متروك.
(4) أحمد 5 / 58 وأبو داود من حديث أنس 1 / 300 (1157).
(5) الدارقطني 2 / 49.
(6) الدارقطني 2 / 50.
(7) انظر المصدر السابق.
(*)(8/326)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس، ثم قال: (من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي عن إياس بن رملة الشامي - رحمه الله تعالى - قال: شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيدين
اجتمعا قال: نعم: صلى العيد أول النهار، ثم رخص في الجمعة، ثم قال: (من شاء أن يجمع فليجمع) (2).
__________
(1) ابن ماجه 1 / 416 (1312) وفي إسناده جبارة ومندل وكلاهما ضعيفان.
(2) أحمد 4 / 372 وأبو داود 1 / 281 (1070) والنسائي 3 / 158 والبيهقي 3 / 317.
(*)(8/327)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف
الباب الأول في آداب متفرقة
روى البيهقي، عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، وإلى الصلاة) (1).
وروى البخاري، والبيهقي، عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث مناديا ينادي الصلاة جامعة وذكر الحديث (2).
وروى البخاري، والبيهقي، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قال: (خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث مناديا ينادي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس.
فصلى بهم أربع ركعات، في ركعتين، بأربع سجدات) (3).
وروى مسلم، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - قالت: فزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم كسفت الشمس، فأخذ درعا، حتى أدرك بردائه.
الحديث) (4).
وروى مسلم، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - قال: (خسفت الشمس
فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعا يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد.
الحديث) (5).
وروى الإمام أحمد، والبيهقي، والنسائي وأبو داود، عن النعمان، بن بشير - رضي الله تعالى عنه - قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج يجر ثوبه فزعا، حتى أتى المسجد، فلم يزل يصلي حتى انجلت الشمس، فلما انجلت قال: (إن ناسا من أهل
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 611 (1041)، 1057.
ومسلم 2 / 628 (23 / 911) و البيهقي 3 / 320.
(2) أخرجه البخاري 2 / 626 (1051) ومسلم 2 / 627 (20 / 910) والبيهقي 3 / 320.
(3) أخرجه البخاري 2 / 637 (1064) والبيهقي 3 / 320.
(4) أخرجه مسلم 2 / 625 (16 / 906).
(5) أخرجه مسلم 2 / 628 (24 / 912).
(*)(8/328)
الجاهلية يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء)، وفي رواية: (لموت عظميم من عظماء أهل الأرض و ليس كذلك، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله)، وفي لفظ: خلقان من خلق الله - عزوجل - فإذا تجلى الله عزوجل لشئ من خلقه، خشع له، فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) (1).
والله تعالى أعلم.
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 267، 269، ومن طريق آخر أخرجه أبو داود 1 / 310 (1194) والنسائي 3 / 145 (1488) والبيهقي 3 / 332.
(*)(8/329)
الباب الثاني في بيان كيفيات صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف
الأولى ركوعان في ركعة:
روى الشيخان، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه، فقام قياما طويلا، نحوا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول [ ثم سجد، ثم قام قياما طويلا هو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا هو دون الركوع الأول ] ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول - ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلت الشمس) (1).
وروى الشيخان، من طرق، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قال: (خسفت الشمس في عهده)، وفي لفظ (في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد، فصف الناس وراءه، فاقم فأطال القيام)، وفي رواية: فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة طويلة)، وفي رواية: (جهر في قراءة الخسوف بقراءته، ثم كبر فركع ركوعا طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد)، وفي رواية: (ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول)، وفي رواية: (ثم قام فقرأ قراءة طويلة وهي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول ثم قال: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد)، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ما فعل في الركعة الأولى فاستكمل أربع ركعات، وأربع سجدات، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، ثم قام فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها، فافزعوا إلى الصلاة حتى يفرج عنكم).
وفي رواية (فادعوا الله تعالى وكبروا، وصلوا، وتصدقوا)، ثم قال: (يا أمة محمد ما من أحد أغير من الله تعالى أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، إني رأيت في مقامي هذا كل شئ وعدتم حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أقدم) (2) وفي رواية (أتقدم، ولقد رأيت
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 540 (1052) ومسلم 2 / 626 (17 / 907) ومالك في الموطأ 1 / 186 (2).
(2) أخرجه البخاري 2 / 615 (1044) ومسلم 2 / 620 (6 / 901) ومالك 1 / 186 (1).
(*)(8/330)
جهنم يحطم بعضها بعضا، حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها ابن لحي هو الذي سيب السوائب).
وفي رواية: (ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر) وفي رواية: (إني قد رأيتكم تفتنون في قبوركم، كفتنة الدجال)، وفي رواية (قالت عائشة: فكنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يتعوذ من عذاب القبر) (1).
وروى الشيخان، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام قياما طويلا، نحوا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع ثم سجد، ثم قام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فاذكروا الله)، فقالوا: يا رسول الله رأيناك تتناول شيئا في مقامك هذا، ثم رأينا كعكعت، قال: (إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء) قالوا بم يا رسول الله ؟ قال: (بكفرهن، قيل، يكفرن بالله ؟ قال يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، كله، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط).
وروى الشيخان، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنها - قالت: أتيت عائشة - رضي الله تعالى عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون،
وإذا هي قائمة تصلي، فقلت ما للناس ؟ فأشارت بيدها نحو السماء، وقالت: (سبحان الله)، فقلت: آية ؟ فأشارت إلي نعم، فقمت حيت تجلاني الغشي وجعلت أصب فوق رأسي ماء، فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (ما من شئ كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم، مثل - أو قريبا من - فتنة الدجال)، (لا أدري أي ذلك قالت أسماء)، فيقول: (يؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن - أو الموقن (لا أدري أي ذلك قالت أسماء)، فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا، واتبعنا، فيقال: نم صالحا فقد علمنا أن
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 625 (1050) ومسلم 2 / 621 ومالك في الموطأ 1 / 187 - 188 (3).
(*)(8/331)
كنت لموقنا، وأما المنافق أو المرتاب (لا أدري أي ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته) (1).
الكيفية الثانية: ثلاث ركوعات في كل ركعة.
روى مسلم، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
وروى الترمذي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكسوف).
الكيفية الثالثة: أربع ركوعات في كل ركعة.
روى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والبيهقي، عن علي - رضي الله تعالى عنه -: كسفت الشمس، فصلى علي - رضي الله عنه - للناس فقرأ (يس) أو نحوها، ثم ركع نحوا من قدر السورة، ثم رفع رأسه، فقال: (سمع الله لمن حمده)، ثم قام قدر السورة، يدعو ويكبر، ثم ركع قدر قراءته أيضا، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام أيضا قدر السورة، ثم ركع قدر ذلك أيضا حتى ركع أربع ركعات، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم سجد، ثم قام في الركعة الثانية،
ففعل كفعله في الركعة الأولى، ثم جلس يدعو ويرغب حتى انكشفت الشمس ثم حدثهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك فعل) (2).
وروى مسلم، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في كسوف الشمس).
الكيفية الرابعة: خمس ركوعات في ركعة: روى مسلم، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (انكسفت الشمس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم مات إبراهيم وروى الكيفية.
الكيفية الخامسة: صلاته - صلى الله عليه وسلم - ركعتين.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وأبو يعلى، وابن حبان، والحاكم، عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه -: قال (خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيد رمحين، أو ثلاثة، في عين الناظر، اسودت حتى آضت كأنها تنومة فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى، وفي لفظ فوافقتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج للناس قال فصلى وفي لفظ فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا، ثم ركع بنا كأطول ما ركع
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 631 (1053) ومسلم 1 / 24 (11 / 905) ومالك في الموطأ 1 / 188 (4).
(2) أخرجه أحمد 1 / 143 والبيهقي 3 / 330.
(*)(8/332)
بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتا، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتا، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك فوافق بنا تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية.
وفي لفظ: فوافق جلوسه فسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبد الله ورسوله، ثم قال: (أيها الناس أنشدكم بالله) وفي لفظ ثم قال: (أيها الناس إنما أنا بشر، ورسول، أذكركم الله إن كنت تعلمون أني قصرت عن شئ من تبليغ رسالات ربي عز وجل لما أخبر تموني ذاك) فقام رجل: فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت
لأمتك، وقضيت الذي عليك، ثم قال: (أما بعد فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم من مطلعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وإنهم قد كذبوا، ولكنهما آيات من آيات الله تعالى يفتن بها عباده، فينظر من يحدث له منهم توبة، وايم الله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقونه في أمر دنياكم وآخرتكم، والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال، ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي تحياة) لشيخ حينئذ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة وإنه متى ما يخرج أو قال: متى يخرج فسوف يزعم أنه الله فمن آمن به وصدقه واتبعه، لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كفر به وكذبه لم يعاقب بشئ من عمله سلف، وأنه سيظهر أو قال: سوف يظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس).
وقال الأسود بن قيس (1): أنه يحصر المؤمنين وفي لفظ (فإنه يسوق المسلمين إلى بيت المقدس.
فيحصرون حصرا شديدا في بيت المقدس، فيزلزلون زلزالا شديدا ثم يهلكه الله تعالى وجنده حتى إن جذم الحائط أو قال: أصل الحائط أو قال أصل الشجرة لينادي، أو قال: يقول: يا مؤمن يا مسلم هذا يهودي، أو قال: هذا كافر، فيقال: تعال فاقتله، قال: ولن يكون ذلك حتى تروا أمورا عظاما يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتسألون نبيكم هل كان نبيكم ذكر ذلك منها ذكرا ؟ وحتى تزول جبال على مراتبها ثم على أثر ذلك القبض ثم قبض أصابعه (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن قبيصة الهلالي (3) - رضي الله تعالى عنه - قال: (كسفت الشمس) (4).
__________
(1) الأسود بن قيس العبدي، ويقال العجلي الكوفي، يكنى أبا قيس، ثقة، من الرابعة.
التقريب 1 / 76.
(2) أخرجه أحمد 5 / 16 وأبو داود 1 / 308 (1184) والنسائي 3 / 140 (1484) والحاكم في المستدرك (1 / 320).
(3) قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد العامري، صحابي له ستة أحاديث انفرد له مسلم بحديث.
وعنه أبو قلابة وأبو عثمان النهدي، الخلاصة 2 / 350.
(4) أخرجه أحمد 5 / 60 وأبو داود 1 / 309 (1186).
(*)(8/333)
الباب الثالث في صفة قراءته - صلى الله عليه وسلم - في كسوف الشمس
وفيه نوعان: الأول: فيما ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - أسر القراءة.
روى البيهقي، من طريق أبي لهيعة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف فلم أسمع منه فيها حرفا) (1).
وروى أبو يعلى عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف كأطول ما قام في صلاة قط، ما تسمع له صوتا الحديث) (2).
__________
(1) أخرجه البيهقي 3 / 335.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 212.
وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير.
(*)(8/334)
الباب الرابع في صلاته - صلى الله عليه وسلم - لخسوف القمر
روى الدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات، وأربع سجدات، وقرأ في الأولى (العنكبوت)، أو (الروم) وفي الثانية (يس) (1).
وروى أيضا عن حبيب، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف الشمس والقمر ثمان ركعات، في أربع سجدات، يقرأ في كل ركعة) (2).
قال الحافظ: وفي إسناده نظر، وهو في مسلم بدون ذكر القمر، قلت: قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي: رجال إسنادهما ثقات).
وروى الطبراني، في الكبير عن زياد بن صخر - رحمه الله تعالى - عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت ليلة ريح شديدة كان مفزعه إلى المسجد، حتى تسكن الريح، وإذا حدث في السماء حدث من خسوف شمس أو قمر، كان مفزعه إلى الصلاة حتى تتجلى) (3).
قال العراقي والهيثمي: رجاله ثقات إلا زياد بن صخر، وقال: إنه يحتاج إلى معرفة، حاله، قال: لم أر له ذكرا في تقريب التهذيب، ولا في لسان الميزان كلاهما للحافظ.
وقد قال في آخر الثاني: وروى الطبراني في الكبير، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: انكسف القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4).
تنبيه: قال أبو حاتم بن حبان في كتاب السيرة له: إن القمر خسف في السنة الخامسة، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه صلاة الكسوف فكانت أول صلاة في الإسلام.
وجزم بذلك مغلطاي في الإشارة، والعراقي في الدرر، وفي هذا رد على من زعم أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى في كسوف القمر في جماعة كابن القيم، وعلى من زعم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في كسوف القمر كابن رشد.
__________
(1) أخرجه الدارقطني 2 / 64.
(2) أخرجه الدارقطني 2 / 64.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 214 وعزاه للطبراني في الكبير من رواية زياد بن صخر عن أبي الدرداء ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 214 وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك.
(*)(8/335)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء والمطر والسحاب والريح والرعد والصواعق
الباب الأول في آدابه - صلى الله عليه وسلم - قبل الصلاة
وفيه أنواع: الأول: في خروجه إلى المصلى متبذلا متواضعا متضرعا.
روى الإمام الشافعي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسقى بالمصلى، فصلى ركعتين) (1).
وروى الأئمة، إلا الإمام مالك، والشيخين عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج متبذلا متواضعا متضرعا متخشعا حتى أتى المصلى) (2).
الثاني: في استسقائه - صلى الله عليه وسلم - عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء، وهو خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر تنعطف عن يمين الخارج من المسجد.
روى الإمام أحمد، والثلاثة عن عمير (3) مولى آبي اللحم - رضي الله تعالى عنهما - (أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء قائما يدعو يستسقي رافعا كفيه لا يجاوز بهما رأسه مقبل بياض كفيه إلى وجهه) (4).
ورواه محمد بن ابراهيم قال: (أخبرني من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو عند أحجار الزيت باسطا كفه).
الثالث: في تحويله - صلى الله عليه وسلم - رداءه.
روى البخاري، عن عباد بن تميم، عن عمه، قال: (خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي وحول رداءه) (5).
وروى عنه أيضا عن عبد الله بن زيد (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى فقلب رداءه) (6).
__________
(1) أخرجه الشافعي في المسند 1 / 169 (489).
(2) أخرجه أبو داود 1 / 302 (1165) والترمذي 2 / 445 (558) والنسائي 3 / 156 (1508) وابن ماجه 1 / 403 (1266).
(3) عمير: مولى آبي اللحم، الغفاري، صحابي شهد خيبر، وعاش إلى نحو السبعين.
التقريب 2 / 87.
(4) أخرجه أحمد 5 / 223.
(5) أخرجه البخاري 2 / 597 (1024) ومسلم (4 / 894) والترمذي 2 / 442 (556).
(6) أخرجه البخاري 2 / 578 (1011).
(*)(8/336)
الباب الثاني في استسقائه - صلى الله عليه وسلم - بخطبتين، وعلى منبر وصلاة بركعتين بلا اذان وبلا إقامة
وفيه أنواع: الأول: فيما ورد في خطبته - صلى الله عليه وسلم - قبل الصلاة: روى الإمام الشافعي، عن ابن عباس، - رضي الله تعالى عنهما - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متبذلا متخشعا متوسلا متواضعا حتى أتى المصلى فرقى المنبر، ولم يخطب كخطبته هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتكبير والتضرع ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد) (1).
وروى الأئمة، عن عبد الله بن زيد المازني - رضي الله تعالى عنه - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى يستسقي فدعا فأطال الدعاء، وأكثر المسألة، واستسقى ثم استقبل القبلة، ثم قلب رداءه، وجعل إلى الناس ظهره، يدعو) وفي لفظ: (عليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه، فقلبها عليه الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن) وفي رواية قال المسعودي: (سألت أبا بكر محمد بن عمرو أجعل أعلاه أسفله ؟ أو
اليمين على الشمال ؟ قال: بل اليمين على الشمال ثم صلى ركعتين) (2).
وروى أبو داود، وابن حبان، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -، قالت: شكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله تعالى فقال: - إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم -، ثم قال: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم.
ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل الله ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين)، ثم رفع يديه [ فلم يزل في الرفع ] حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حل رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى،
__________
(1) أخرجه البزار ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 215.
(2) أخرجه البخاري 2 / 578 (1012)، ومسلم 2 / 611 (4 / 894) ومسند أحمد 4 / 39، 40، 41، 42 وأبو داود 1 / 301 (1161) والترمذي 2 / 442 (556) والنسائي 3 / 157 (1510) وابن ماجه 1 / 403 (1267).
(*)(8/337)
فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك، حتى بدت نواجذه، فقال: (أشهد أن الله على كل شئ قدير، وأني عبد الله ورسوله) (1).
الثاني: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - قبل الخطبة.
روى الدارقطني، وأبو داود، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: ((سألت ابن عباس) وفي لفظ (أرسلني مروان إلى ابن عباس - رضي الله [ تعالى ] عنهما - لأسأله عن سنة الاستسقاء، فقال: سنة الاستسقاء [ سنة ] صلاة العيد، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ قلب رداءه، فجعل يمينه على يساره، ويساره على يمينه، فصلى ركعتين بغير أذان ولا إقامة وكبر فيهما ثنتي عشرة تكبيرة، سبعا في الأولى، وخمسا في الآخرة، وجهر بالقراءة، ثم انصرف فخطب، واستقبل
الناس القبلة، وحول رداءه) (2).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، والبيهقي، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستسقي، فصلى ركعتين، بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا فدعا الله تعالى وحول وجهه إلى القبلة، رافعا يديه، ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن) (3).
وروى ابن قتيبة الحديث - بسند ضعيف - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج للاستسقاء فتقدم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب و (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب و (هل أتاك حديث الغاشية) فلما قضى صلاته، استقبل القوم بوجهه، وقلب رداءه، ثم جثا على ركبتيه ورفع يديه، وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا، رحبا ربيعا، وجدا غدقا طبقا مغدقا هنيئا مريعا مريعا سريعا وابلا شاملا مسيلا ثجلا دائما دررا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث، اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد، [ اللهم أنزل علينا في أرضنا نبتها وأنزل في أرضنا سكنها ] اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا، فأحيي به بلدة ميتة واسقه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا) (4).
__________
(1) أخرجه أبو داود 1 / 304 (1173).
(2) أخرجه أبو داود 1 / 302 (1165) والدار قطني 2 / 66 والبيهقي 3 / 348.
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 403 (1268) والبيهقي 3 / 347.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 215 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال وفيه مجاشع بن عمرو قال ابن معين قد رأيته أحد الكذابين.
(*)(8/338)
وروى ابن صصرى (1) في أماليه عن [ جعفر بن ] عمرو بن حريث، عن أبيه، عن جده - رضي الله تعالى عنهم - قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستسقي فصلى بنا ركعتين، ثم
قلب رداءه ورفع يديه فقال: (اللهم ضاحت جبالنا واغبرت أرضنا وهامت دوابنا، معطي الخير من أماكنها ومنزل الرحمة من معادنها، ومجري البركات على أهلها بالغيث المغيث، أنت المستغفر الغفار، فنستغفرك للحامات من ذنوبنا، ونتوب إليك، من عوام خطايانا، اللهم فأرسل السماء علينا مدرارا وصل بالغيث، وأكف من تحت عرشك حيث يسعفنا ويعود علينا غيثا مغيثا عاما طبقا مجللا غدقا خصيبا رائقا ممرع النبات) (2).
الثالث: في دعائه - صلى الله عليه وسلم - قائما ورفعه يديه، واستقباله إذا اجتهد في الدعاء: روى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمد يديه حتى إني لأرى بياض إبطيه - يعني في الاستسقاء) (3).
وروى الشيخان، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه والدارقطني، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استسقى أشار بظهر كفيه إلى السماء (4).
وروى أبو داود عنه، (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يستسقي هكذا، ومد يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرض، حتى رأيت بياض إبطيه) (5).
وروى الطبراني، والبزار - بسند حسن أو صحيح عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو إذا استسقى: (اللهم أنزل في أرضنا بركتها، وزينها وسكنها) [ وفي رواية: ] (وارزقنا، وأنت خير الرازقين) (6).
وروى أبو داود، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا استسقى: (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت) (7).
__________
(1) الحسن بن هبة الله أبي العظائم بن محفوظ بن صصرى الربعي التغلبي الدمشقي، أبو المواهب: من حفاظ الحديث.
كان محدث دمشق.
له (رباعيات التابعين) و (المعجم) و (فضائل الصحابة) و (فضائل بيت المقدس) و (عوالي ابن عيينة) وغير ذلك توفي 586 ه الأعلام 2 / 225.
(2) ذكره السيوطي في الجامع الكبير 10 / 3758 (10021) والمتقي الهندي في كنز العمال 4 / 179.
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 405 (1271).
(4) أخرجه البخاري 2 / 600 (1031) ومسلم 2 / 612 (6 / 896) وأبو داود 1 / 303 (1170) والدارقطني 2 / 68.
(5) أخرجه أبو داود 1 / 303 (1171).
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 218 وعزاه للطبراني في الكبير والبزار باختصار وإسناده حسن أو صحيح.
(7) أخرجه أبو داود 1 / 305 (1176).
(*)(8/339)
وروى الطبراني، عن جابر بن عبد الله، وأنس - رضي الله تعالى عنهم - قالا (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استسقى قال: (اللهم اسقنا سقيا وادعة نافعة، تشبع بها الأنفس غيثا، هنيئا مريئا طبقا مجللا يشبع به بادينا وحاضرنا تنزل به من بركات السماء، وتخرج لنا به من بركات الأرض وتجعلنا عنده من الشاكرين، إنك سميع الدعاء) (1).
وروى الطبراني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسقى فقال: ([ اللهم ] اسقنا غيثا مغيثا مريعا طبقا عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار) فما لبثنا أن مطرنا حتى سال كل شئ حتى أتوه فقالوا: قد غرقنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم حوالينا ولا علينا) (2).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
الغيث - بغين معجمة، فمثناة تحتية فمثلثة: المطر.
وحيا وجدا.
طبقا - بفتح الطاء والموحدة: [ أي ] مائلا إلى الأرض، مغطيا لها، يقال، غيث طبق أي عام واسع.
موفقا هنيئا بهاء مفتوحة، فنون مكسورة، فتحتية: آتيا من غير تعب.
مريا - بميم مفتوحة، وراء مكسورة، فتحتية فألف، منحدرا طيبا، يقال: مرأني الطعام
وأمرأني إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها.
هنيئا مريعا.
بفتح الميم، وكسر الراء، وسكون التحتية، وبالعين المهملة من المراعة وهي الخصب.
وروي مرتعا بضم الميم، وسكون الراء، وبالموحدة المكسورة، وبالعين المهملة ومرتعا بالمثناة الفوقية من رتعت الدابة إذا أكلت ما شاءت.
مجللا بميم فجيم مفتوحة، فلامين، اللام الأولى مكسورة وروي فتحها أي يجلل الأرض بمائه، أو بنباته بحيث يصير عليها كالجل.
دررا بدال مهملة، فراءين أولاهما مكسورة فألف من در إذا صب وقيل الدر: الدرر.
غير رائث براء فألف فمثناة تحتية فمثلثة غير بطئ.
غبقا رائفا - براء فألف مكسورة، فقاف: المتردد على وجه الأرض من الضحضاح.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 216 وعزاه للطبراني في الأوسط وقال فيه موسى بن محمد بن إبراهيم الحارث التيمي وهو ضعيف.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 216 وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام كثير.
(*)(8/340)
الباب الثالث في استسقائه - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الجمعة، وبغير صلاة
روى ابن إسحاق، والإمام أحمد، والشيخان، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (أصاب الناس سنة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة: قام أعرابي).
وفي لفظ: (أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة، من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما قال: يا رسول الله: (هلكت الأموال) وفي لفظ: هلك المال.
وفي لفظ: الماشية (هلك العيال، هلك الناس)، وفي لفظ: (وجاع العيال) وفي لفظ: (هلك الكراع، وهلك النساء) وفي رواية: (فقام الناس،
فقالوا يا رسول الله قحط المطر واحمر الشجر، وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا) وفي لفظ: (أن يغيثنا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم يديه) وفي لفظ: (فمد يديه حتى رأيت بياض إبطيه، فقال: (اللهم اسقنا) وفي لفظ: (أغثنا) مرتين وفي لفظ: (ثلاثا) قال أنس: (وايم الله) وفي لفظ: (لا والله ما نرى في السماء قزعة ولا سحابا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فو الذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب، أمثال الجبال) وفي رواية: ((فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت)، وفي لفظ (فألف الله بين السحاب ومكثنا حتى رأيت الرجل الشديد تهمه أن يأتي أهله ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتا) وفي لفظ (مازلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى).
ثم دخل رجل، وعند ابن إسحاق: قام ذلك الرجل أو غيره من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه، ثم قال: (اللهم حوالينا، ولا علينا، اللهم على الآكام، والظراب وبطون الأودية، ومنابت الشجر)، فتقشعت عن المدينة، فجعلت تمطر حواليها، وما تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة، وإنها لفي مثل الإكليل، ورأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى) وفي لفظ (فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفرجت حتى رأيت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي وادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث عن الجود، وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول ؟ قال: لا أدري) (1).
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 589 (1014) ومسلم 2 / 612 (8 / 897) وأحمد 3 / 104، 194.
(*)(8/341)
وروى أبو عوانة في صحيحه، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص أن أباها - رضي الله تعالى عنه - حدثها (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل واديا هشا لا ماء فيه، وسبقه المشركون إلى القلائب فنزلوا عليها، وأصاب العطش المسلمين، فشكوا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونجم النفاق،
فقال: بعض الناس: لو كان نبيا كما يزعم لاستقي لأمته، كما استقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لو قالوها عسى ربكم أن يسقيكم)، ثم بسط يديه وقال: (اللهم جللنا سحابا كثيفا قصيفا دلوقا، حلوقا، ضحوكا زبرجا تمطرنا منه أذاذا قطقطا سجلا بغاقا يا ذا الجلال والإكرام) فما رد يديه من دعائه حتى أظلتنا السحابة التي وصف تتلون في كل صفة وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صفات السحاب ثم أمطرنا كالضروب التي سألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجمع السيل الوادي فشرب الناس فارتووا) (1).
وروى أبو عوانة، في صحيحه، عن أبي لبابة - رضي الله تعالى عنه - قال: (استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو لبابة: يا رسول الله: إن التمر في المرابد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده بإزاره)، قال: وما نرى في السماء سحابا فأمطرت قال: فاجتمعوا إلى أبي لبابة فقالوا إنها لا تقلع حتى تقوم عريانا وتسد ثعلب مربدك بإزارك، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعل فأضحت (2).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
السنة بفتح السين المهملة، فنون: القحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئا سواء نزل غيث أم لا.
دار القضاء هي دار عمر بن الخطاب، وسميت بذلك لأنها بيعت في قضاء دينه.
والمراد بهلاك المواشي، ومن ذكر معهم، عدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر.
الكراع: بكاف، فراء فألف، فعين مهملة: الخيل.
بغيثنا بفتح أوله يقال: غاث الله البلاد، يغيثها إذا أرسل عليها المطر.
قزعة: بفتح القاف والزاي: القطعة الرقيقة من السحاب.
سلع: بفتح أوله وإسكان ثانيه: جبل بالمدينة.
__________
(1) ذكره السيوطي في الجامع الكبير 10 / 3759 (10022) والمتقي الهندي في كنز العمال 4 / 179.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 218 وعزاه للطبراني في الصغير وقال وفيه من لا يعرف.
(*)(8/342)
الآكام بفتح الهمزة، وقد تفتح وتمد جمع أكمة بفتحات: التراب المجتمع وقيل: الجبل الصغير، وقيل: ما ارتفع من الأرض.
الظراب - بكسر المعجمة، جمع ظرب بفتح الظاء وكسر الراء: الجبل المنبسط ليس بالعالي، وقيل: الروابي الصغار.
تقشعت بفوقية فقاف، فشين معجمة، فعين مهملة مفتوحات، فتاء تأنيث: تصدعت، وتشققت.
الإكليل بكسر الهمزة، وسكون الكاف: كل شئ دار من جوانبه واشتهر بما يوضع على الرأس فيحيط به، وهو من ملابس الملوك كالتاج.
الملا.
بضم الميم والقصر وقد يمتد جمع ملاءة.
وهي ثوب معروف.
الجوبة.
بفتح الجيم وسكون الواو، وفتح الموحدة: هي الحفرة الواسعة المستديرة، والمراد: أنها انفرجت في السحاب.
وادي قناة - بقاف مفتوحة فنون فألف: واد من أودية المدينة.
الجود بفتح الجيم، المطر الغزير، دهسا قصيفا دلوقا - بدال مهملة فلام مضمومة فواو فقاف: مندفعا.
حلوقا ضحوكا زبرجا - بزاي أي مكسورة فموحدة ساكنة فراء فجيم: السحاب.
أذاذا - بهمزة فذالين معجمتين بينهما ألف: ذا موج شديد.
قطقطا سجلا بسين مهملة مفتوحة فجيم ساكنة فلام فألف مصبوبا صبا متصلا.
بعاقا - بموحدة مضمومة فعين مهملة مفتوحة فألف فقاف فألف: كثيرا.
المربد بكسر الميم، وفتح الموحدة، وبالدال المهملة: وهو الموضع الذي يجعل فيه
التمر لينشف كالبيدر للحنطة.
ثعلب: بلفظ اسم الحيوان المعروف.
مخرج ماء المطر من جرين التمر.(8/343)
الباب الرابع في استسقائه - صلى الله عليه وسلم - لأهل أقليم آخر بالدعاء من غير صلاة
روى أبو داود، والحاكم، والبيهقي، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتته بواكي، ولفظ الحاكم في المستدرك: هوازن فقال: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل).
قال فأطبقت السماء عليهم) (1).
قال البيهقي: الرواية أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بواكي وفي نسختنا من كتاب أبي داود، يعني بموحدة قبل الواو قال: ورواه شيخنا الحاكم في المستدرك: أتت هوازن، قال الحافظ ابن المنذر هكذا وقع في روايتنا وفي غيرها مما شاهدنا بالباء الموحدة المفتوحة، قال هو والبيهقي: وذكر الخطابي: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواكي بضم التحتية وقيل معناه: التحامل.
وروى ابن ماجه، وأبو عوانة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: جاء أعرابي فقال: (يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع، ولا يحظر لهم فحل، فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (اللهم اسقنا غيثا يغيثنا هنيئا مريئا مريعا طبقا غدقا عاجلا غير رائث) ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه إلا قالوا قد أحيينا) (2).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن مرة بن كعب، أو كعب بن مرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (استسق الله لمضر فقال المغيرة: إنك لجرئ.
المضر ؟ قال يا رسول الله: إنك استنصرت الله فنصرك، ودعوت الله فأجابك، قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه، يقول: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا طبقا غدقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار) قال فأحيوا، فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر فقالوا: قد تهدمت
البيوت، فرفع يديه، فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا)، فجعل السحاب ينقطع يمينا وشمالا (3).
__________
(1) أخرجه أبو داود 1 / 303 (1169) والحاكم في المستدرك 1 / 327 والبيهقي 3 / 355.
(2) أخرجه ابن ماجه 1 / 404 (1270).
(3) أخرجه أحمد 4 / 23 وابن ماجه 1 / 404 (1269).
(*)(8/344)
الباب الخامس في هديه - صلى الله عليه وسلم - في المطر والسحاب والرعد والصواعق روى البخاري في الأدب، ومسلم في صحيحه، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (أصابنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطر فحسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه حتى أصابه من المطر، قلنا يا رسول الله لم فعلت هذا ؟ قال: (لأنه حديث عهد بربه عز وجل) (1).
وروى أبو يعلى عنه، (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمطر في أول مطرة فينزع ثيابه إلا الإزار) (2).
وروى الإمام أحمد، والبخاري، والنسائي، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى المطر قال: (اللهم صيبا نافعا) (3).
وروى الإمام الشافعي، عن المطلب بن حنطب - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند المطر: (اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق، اللهم على الظراب ومنابت الشجر، اللهم حوالينا ولا علينا) (4).
وروى الإمام الشافعي، وأبو داود، وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنهما - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة خفف، واستقبل القبلة، ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شرها)، وفي لفظ (من شر ما أرسل به)، وفي لفظ (من شر ما فيه)، فإن كشفه الله حمد الله، وإن أمطر، قال: (اللهم صيبا هنيئا).
وفي لفظ (سيبا نافعا) وفي لفظ (صيبا نافعا) مرتين، أو ثلاثة (5).
وروى البخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عنها، قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى مخيلة تلون وجهه وتغير ودخل وخرج، وأقبل وأدبر، فإن أمطرت سري عنه، فذكرت له عائشة بعض ما رأت منه، فقال: وما يدريك ؟ لعله كما قال الله عز وجل
__________
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (571) من طريق عبد الله بن أبي الأسود، جميعهم حدثنا جعفر بن سليمان، بهذا الإسناد، ومسلم (898) والبيهقي 3 / 359 وأحمد 3 / 267 وأبو داود (5100) وأبو نعيم في الحلية (6 / 291).
(2) أخرجه أبو يعلى 6 / 148.
(3) أخرجه البخاري 3 / 40، وأحمد 6 / 41، 190 وذكره الهيثمي في الموارد (600) وابن كثير في البداية والنهاية 7 / 270.
(4) أخرجه الشافعي في مسنده 1 / 173 (499).
(5) أخرجه الشافعي في مسنده 1 / 174 (501) وأبو داود 4 / 326 (5099) وابن ماجه 2 / 1280 (3889).
(*)(8/345)
(فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح) الآية) (1).
وروى سعيد بن منصور، والإمام أحمد، وعبد، والشيخان عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى غيما، أو ريحا عرف ذلك في وجهه، قلت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية، قال يا عائشة: وما يؤمني أن يكون فيه عذاب، عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: هذا عارض ممطرنا)) (2).
وروى الإمام الشافعي والبخاري في الأدب، وأبو داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واسألوا الله من خيرها وتعوذوا بالله من شرها) (3).
وروى الشيخان، والترمذي، وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا عصفت الريح)، وفي لفظ: (إذا رأى الريح)، وفي لفظ: (إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه وأقبل وأدبر وقال: (اللهم إني أسالك خيرها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، فإذا أمطرت سر به) وفي لفظ (سري عنه ذلك) فقالت وفي رواية (فقلت يا رسول الله: أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية، فقال (يا عائشة: ما يؤمني أن يكون فيه عذاب قد عذب الله قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا) وفي رواية فقال (إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي) وفي لفظ: فقال: (لعله يا عائشة كما قال قوم عاد (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا)).
وروى الإمام الشافعي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (ما هب ريح قط
__________
(1) أخرجه البخاري 4 / 227 (3206) ومسلم 2 / 616 (15 / 899) والترمذي (3257) ومسند أحمد 6 / 167 وابن ماجه 2 / 1280 (3891).
(2) أخرجه البخاري 8 / 441 (4829) ومسلم 2 / 616 (16 / 899) وأحمد 6 / 60.
(3) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (343) (731) (909) والشافعي 1 / 175 - 176 (504) وأحمد 2 / 267 - 268 من طريق عبد الرزاق ضمن مسند أبي هريرة وأبو داود من طريق عبد الرزاق 1 / 328 (5097) والنسائي في عمل اليوم والليلة (931) وابن ماجه 2 / 228 (3727) والطحاوي في مشكل الآثار 1 / 399 وذكره الهيثمي في الموارد 488 (1989) و الحاكم في المستدرك 4 / 285 والبيهقي 3 / 361.
(*)(8/346)
إلا جثا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه وقال: (اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا) (1).
وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كانت الريح الشديدة إذا هبت عرف ذلك في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم -) (2).
وروى البخاري في الأدب، وأبو يعلى برجال الصحيح عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا هاجت ريح شديدة قال: (اللهم إني أسألك من خير ما أرسلت به وأعوذ بك من شر ما أرسلت به) (3).
وروى البزار والطبراني عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله تعالى عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتدت الريح وفي لفظ الطبراني: ريح الشمال.
قال: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسل فيها) (4).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتدت الريح قال: (اللهم لقحا لا عقما) (5).
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا هاجت ريح استقبلها بوجهه وجثا على ركبتيه ومد يديه قال (اللهم إني أسألك من خير هذا الريح وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به، اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا) (6).
وروى الإمام أحمد - برجال ثقات - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا هاجت الريح عرف ذلك في وجهه) (7).
وروى الإمام أحمد، والبخاري في الأدب والترمذي عن ابن عمر - رضي الله تعالى
__________
(1) أخرجه الشافعي في المسند 1 / 175 (502).
(2) أخرجه البخاري 2 / 604 (1034).
(3) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (717) وأبو يعلى 5 / 284 (150 / 2905).
ويشهد له حديث عائشة عند البخاري في بدء الخلق (3206) ومسلم (899).
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 10 / 138 وعزاه للبزار وقال وفيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة وهو ضعيف.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 10 / 138 وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير المغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة.
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 10 / 138 وعزاه للطبراني وقال وفيه حسين بن قيس المقلب بحنش وهو متروك وقد وثقه حصين بن نمير وبقية رجاله رجال الصحيح.
(7) أخرجه أحمد 3 / 159.
(*)(8/347)
عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع صوت الرعد، والصواعق، قال: (اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك) (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
الصيب - بصاد مهملة مفتوحة، فتحتية مشددة، فموحدة: المتدفق.
سقيا - بسين مهملة مضمومة، فقاف ساكنة فتحتية فألف إنزال الغيث على البلاد والعباد.
أفق السماء - بضم الهمزة، وسكون الفاء وبعضمها: ناحيتها.
سري - بسين مهملة مضمومة، فراء مكسورة، فتحتية: كشف.
العارض - بعين مهملة، فألف، فراء فضاد معجمة: السحاب الذي يعترض في أفق السماء.
عصفت - بعين مهملة، فصاد مهملة، ففاء مفتوحات، فتاء تأنيث: اشتد هبوبها.
لقحا لا عقما.
__________
(1) أخرجه الترمذي (3450) وأحمد 2 / 100 والبيهقي 3 / 362 والحاكم في المستدرك 4 / 286.
(*)(8/348)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المرضى والمحتضرين [ والموتى ]
الباب الأول في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في عيادة المريض
روى الإمام أحمد، عن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - قال: أتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريض في أناس من الأنصار يعودوني.
وروى أيضا عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد عبد الله بن رواحة، قال: فما تحور له عن فراشه الحديث (1).
وروى أبو ليلى (2) عن عثمان - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يخطب، فقال: (أما والله قد صحبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحضر والسفر، فكان يعود مرضانا، ويشيع جنائزنا ويغدو معنا ويواسينا بالقليل والكثير) (3).
وروى مسلم، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: كنا جلوسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل من الأنصار فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا أخا الأنصار.
كيف أخي سعد بن عبادة ؟) فقال: صالح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من يعوده منكم ؟) فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشر، ما علينا نعال ولا خناف ولا قلانس ولا قمص نمشي في تلك السباخ حتى جئناه، فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين معه) (4).
وروى أبو داود عن حصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقال: (إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا، فإنه لا ينبغي لحيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) (5).
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 317.
(2) أبو يعلى الكندي اسمه سلمة بن معاوية أو عكسه الكوفي.
عن عثمان وخياب.
وعنه أبو إسحاق وأبو جعفر الفراء.
قال أحمد بن أبي مريم عن ابن معين: ثقة.
الخلاصة 3 / 241.
(3) ذكره الهيثمي عن المجمع 3 / 32 وعزاه للبزار وقال رجاله ثقات.
(4) أخرجه مسلم 2 / 637 (13 / 925).
(5) أخرجه أبو داود 3 / 200 (3159).
(*)(8/349)
وروى البخاري، في الأدب، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أم السائب وهي ترفرف، فقال: ما لك ؟ فقالت: الحمى - أخزاها الله تعالى - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تسبيها فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد) (1).
وروى أبو داود، عن أم العلاء، عمة حزام بن حكيم الأنصاري - رضي الله تعالى عنهما - قالت: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2).
وروى الطبراني - برجال الصحيح - عن فاطمة الخزاعية رضي الله [ تعالى ] عنها - قالت: عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من الأنصار وهي وجعة، فقال لها: (كيف تجدينك ؟) قالت بخير إلا أن أم ملدم قد برحت بي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اصبري فإنها تذهب خبث ابن آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد) (3).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن أبي نعوده في مرضه الذي مات فيه، فلما دخل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرف فيه الموت، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((قد كنت أنهاك كثيرا عن حب يهود) فقال عبد الله: قد بغضهم أسعد بن زرارة فمات (4).
وروى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن غلاما من اليهود كان يخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمرض فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم)، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) (5).
وروى الطبراني، عن سلمان - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلا من الأنصار، فلما دخل عليه، ووضع يده على جبينه فقال: (كيف تجدك ؟) فلم يحر إليه شيئا
الحديث) (6).
وروى ابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (152) ومسلم في البر والصلة باب 14 حديث (516) والبيهقي 3 / 377 وابن سعد (8 / 226) والحاكم 1 / 346.
(2) أخرجه أبو داود 3 / 184 (3092).
(3) أحمد في المسند 5 / 26 والطبراني في الكبير المجمع 2 / 207.
(4) أخرجه أحمد، 5 / 201 وأبو داود 3 / 184 (3094).
(5) أخرجه البخاري 2 / 118 وأحمد 3 / 280 وأبو داود 3 / 185 (3095).
(6) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 6 / 330 وذكره الهيثمي في المجمع 2 / 330 وعزاه للطبراني وللبزار بنحوه وقال وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.
(*)(8/350)
رجلا من أصحابه به وجع، وأنا معه فقبض على يده فوضع يده على جبهته، قال: وكان يرى ذلك من تمام عيادة المريض) (1).
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث (2).
وروى أبو يعلى، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فقد رجلا من أصحابه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده).
وروى البخاري، وأبو داود، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني ليس براكب بغل ولا برذون) (3).
ورواه ابن ماجه، ولفظه (عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماشيا وأبو بكر، وأنا في بني سلمة) (4).
وروى الإمام مالك، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف - رضي الله تعالى عنه - أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمرضها، قال وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود المساكين، ويسأل عنهم الحديث (5).
وروى الإمام أحمد، والبخاري في الأدب، وأبو داود، عن زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - قال (أصابني رمد فعادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (6).
وروى الإمام أحمد، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعود زيد بن أرقم، وهو يشتكي عينيه - الحديث (7).
وروى عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فقال: كيف تجدك ؟ قال: صالحا أصلحها والله).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، عن أنس - رضي الله تعالى [ عنه ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 2 / 1149 (3470).
(2) ذكره الهيثمي 2 / 298 وعزاه لأبي يعلى، وقال: وفيه عباد بن كثير وكان رجلا صالحا، ولكنه ضعيف الحديث متروك لغفلته.
(3) أخرجه البخاري 10 / 127 (5664) وأبو داود 3 / 185 (3096).
(4) أخرجه ابن ماجه 1 / 462 (1436).
(5) أخرجه مالك في الموطأ 2 / 59.
(6) أخرجه أحمد 4 / 375 وأبو داود 3 / 186 (3102).
(7) وفي إسناده الفضل بن دلهم ضعيف.
(*)(8/351)
دخل على رجل يعوده وهو في الموت فسلم عليه، فقال: (كيف تجدك ؟) فقال: بخير أرجو الله تعالى، وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لن يجتمعنا في قلب رجل عند هذا الموطن إلا أعطاه الله تعالى رجاءه و أمنه مما يخاف) (1).
وروى البخاري في الأدب، وابن حبان وأبو يعلى، برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عاد مريضا جلس عند رأسه ثم قال: (سبع مرات: (أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يشفيك)، فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه (2).
وروى أبو يعلى برجال ثقات عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم، ثم يقول: (باسم الله لا بأس) (3).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله [ تعالى ] عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد مريضا - ومعه أبو هريرة -، من وعك كان به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أبشر إن الله تعالى يقول: ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة) (4).
وروى البيهقي، وابن ماجه، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على مريض يعوده فقال: (أتشتهي شيئا ؟ أتشتهي: كعكا ؟) قال: نعم فطلبوه له) (5).
وروى ابن ماجه عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلا فقال: (ما تشتهي ؟) قال: أشتهي خبز بر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه)، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه) (6).
وروى الإمام إسحاق، عن السائب بن يزيد - رضي الله تعالى عنه - قال اشتكيت شكوى فحملوني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبات يرقيني بالقرآن - وينفث علي به (7).
__________
(1) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (533).
(2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (536) وابن حبان (2970) (2973) والحاكم 3438 وأحمد 1 / 239، 243 وأبو داود (3106) والترمذي (2084) وأبو يعلى 4 / 319 (103 / 2430).
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 302 وعزاه لأبي يعلى ورجاله موثقون.
(4) أخرجه أحمد 2 / 440 وابن ماجه 2 / 1149 (3470).
(5) أخرجه ابن ماجه 1 / 463 (1440) وقال البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبان الرقاشي.
(6) أخرجه ابن ماجه 1 / 463 (1439) وقال البوصيري في الزوائد: في إسناده صفوان بن هبيرة، ذكره ابن حبان في الثقات.
وقال النفيلي: لا يتابع على حديثه ولينه الحافظ في التقريب.
(7) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 116 وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير وقال وفيه عبد الله بن يزبد البكري وهو ضعيف.
(*)(8/352)
وروى الطبراني، عن سلمان - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني فلما أراد أن يخرج قال: (يا سلمان كشف الله ضرك، وغفر ذنبك، وعافاك في دينك وأجلك في أجلك) (1).
وروى الشيخان، والحارث، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعوده في مرضه وهو محموم، وكان إذا دخل على مريض قال: (لا بأس.
طهور إن شاء الله تعالى)، فقال الأعرابي بل هي حمى تفور في جوف شيخ كبير حتى تزيره القبور، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فنعم إذا) (2).
ورواه الإمام أحمد برجال ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه - بلفظ كفارة وطهور) (3).
وروى مسدد، عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عاد مريضا يقول: (اللهم أذهب عنه ما يجد، وأجره فيما ابتليته) (4).
وروى أبو يعلى عن عثمان - رضي الله تعالى عنه - قال: مرضت وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني فعوذني يوما فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم.
أعيذك بالله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد من شر ما تجد)، فلما استقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما قال (يا عفان تعوذ بها، فما تعوذتم بمثلها) (5).
وروى أبو يعلى، والبزار بسند صحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلا من الأنصار فقال: (يا خال قل: لا اله إلا الله) فقال خال أم عم ؟ قال: لا، بل خال قال: وخير إلي أن أقولها قال: نعم) (6).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 302 وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه عمرو بن خالد القرشي وهو ضعيف.
(2) أخرجه البخاري 10 / 123 (5656) والنسائي في اليوم والليلة انظر تحفة الأشراف 5 / 127 (6055).
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 302 وعزاه لأحمد ورجاله ثقات.
(4) ذكره ابن حجر في المطالب العالية 2 / 350 (2446) وضعف البوصيري سنده لجهالة بعض رواته.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 113 وعزاه لأبي يعلى في الكبير عن شيخه موسى بن حبان ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(6) أخرجه البزار كما في الكشف (1 / 373) (787) وذكره الهيثمي في المجمع 2 / 328 وعزاه لأبي يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح.
(*)(8/353)
الباب الثاني في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المحتضرين
روى الإمام أحمد، ومسلم والأربعة، عن أم سلمة والبزار والطبراني، عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنهما - ومسدد عن أبي قلابة - رحمه الله تعالى - مرسلا برجال ثقات (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أبي سلمة يعوده فوافق دخوله عليه، وخروج نفسه فتكلم أهله عند ذلك بنحو ما يتكلم أهل الميت عنده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة تحضر الميت فيؤمنون على دعاء أهله) فأغمضه، وقد شق بصرة، وقال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر)، ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأعظم نوره، واخلفه في عقبه).
وفي لفظ (واخلفه في تركته في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه).
وفي لفظ: (أسع له في قبره) (1).
__________
(1) أخرجه مسلم 2 / 634 (7 - 920) والبيهقي 3 / 384 وأحمد 6 / 291، 306، 322 وأبو داود 3 / 190 (3118) وابن ماجه 1 / 465 (1447) وذكره الهيثمي في المجمع 2 / 333 وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط بنحوه وقال وفيه محمد بن أبي النوار وهو مجهول.
(*)(8/354)
الباب الثالث في حزنه وبكائه - صلى الله عليه وسلم - إذا مات أحد من أصحابه
روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وابن رواحة جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف في وجهه الحزن وأنا أنظر من صائر الباب - يعني شق الباب (1).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه - وتقدم مبسوطا في السرايا - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية يقال لهم القراء فأصيبوا يوم بئر معونة - فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حزن حزنا قط أشد منه.
وروى أحمد بن منيع والبزار، وأبو يعلى، عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فأدخلني النخل فإذا إبراهيم يجود بنفسه، فوضعه في حجره حتى خرجت نفسه، فوضعه ثم بكى، فقلت: (تبكي يا رسول الله وأنت تنهى عن البكاء ؟ قال: (إني لم أنه عن البكاء، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو، ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: لطم وجوه، وشق جيوب، وهذه رحمة، ومن لا يرحم لا يرحم، يا إبراهيم لو لا أنه وعد صادق وقول حق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط ربنا عز وجل) (2).
وروى الشيخان عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص،
وعبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنهم - فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله، فقال: (قد قضى) فقالوا: لا، يا رسول الله، فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى القوم بكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكوا، فقال: (ألا تسمعون، إن الله - عز وجل - لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا، وأشار إلى لسانه - أو يرحم) (3).
وروى الشيخان، وأبو داود، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القين، وكان ظئرا لإبراهيم، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 180 (1305) وأبو داود 3 / 192 (3122).
(2) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 380، 381 (805) وذكره الهيثمي في المجمع 3 / 20 وعزاه لأبي يعلى والبزار وقال وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه كلام.
(3) أخرجه البخاري (2 / 180) (1304) ومسلم في الجنائز (12) والبيهقي 4 / 69.
(*)(8/355)
إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان، فقال ابن عوف: وأنت يا رسول الله، فقال يا ابن عوف: (إنها رحمة) ثم أتبعها بأخرى، فقال: (إن العين تدمع، وإن القلب يخشع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا - عز وجل -، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) (1).
وروى الشيخان، والإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب)، وإن عيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتذرفان الحديث (2).
وروى أحمد بن منيع بسند على شرط الصحيحين عن قيس بن أبي حازم - رحمه الله تعالى - قال: جاء أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - بعد قتل أبيه، فقام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدمعت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء من الغد فقام في مقامه ذلك، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألاقي أنا منك اليوم ما لقيت منك أمس) (3).
وروى ابن ماجه، وأبو يعلى الموصلي، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما وجع سعد، وجد به الموت، فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمر، حتى إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا أبكي، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرف عيناه، ويمسح وجهه، ولا يسمع صوته.
وروى البخاري، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (شهدنا بنتا لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان) (4).
وروى ابن سعد، وابن أبي شيبة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تدمع على أحد، ولكن كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته) (5).
وروى الطبراني - مرسلا - برجال ثقات، عن أبي النضر سالم - رحمه الله تعالى - قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون، وهو يموت، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثوب فسجي عليه، وكان عثمان نازلا على امرأة من الأنصار، ويقال لها: أم معاذ قالت: فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكبا عليه طويلا، وأصحابه معه ثم تنحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكى، فلما بكى بكى أهل البيت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (رحمك الله أبا السائب) (6).
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 172 - 173 (1303) ومسلم 4 / 1807 - 1808 (62 / 2315).
(2) أخرجه البخاري 2 / 159 (1246) وأحمد 3 / 113 وأبو داود والبيهقي 8 / 154 والحاكم في المستدرك 3 / 42.
(3) أخرجه ابن سعد في الطبقات 4 / 47.
(4) أخرجه البخاري 2 / 172 (1285).
(5) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3 / 394.
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 21 وعزاه للطبراني في الكبير وهو مرسل ورجاله ثقات.
(*)(8/356)
وروى الطيالسي، وأحمد، وابن أبي شيبة، واللفظ للأول، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: بكت النساء على رقية، فجعل عمر ينهاهن، أو يضربهن).
وفي رواية:
(فجعل عمر يضربهن بسوطه، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقال: (دعهن) وقال: (ابكين وإياكن ونعيق الشيطان، فإنه ما كان من العين والقلب فمن الرحمة، وما كان من اللسان واليد فمن الشيطان)، ورجعت فاطمة تبكي على شفير قبر رقية، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح الدموع عن وجهها بيده، أو قال: (بالثوب) (1).
وروى مسدد - برجال ثقات - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - رحمه الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلا من بني معاوية فوجده قد احتضر، ونساؤه تبكيه، فذهب الرجال يوزعون النساء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (دعوهن فإذا وجبت فلا تسمعن صوت نائحتهم).
وروى الطيالسي، والجنيدي، وعبد، وابن حبان، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فرأى عمر نساء يبكين فتناولهن، أو صاح بهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا عمر دعهن، فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل عثمان بن مظعون، وهو ميت، وعيناه تذرفان حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه) (3).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 1 / 237.
(2) أخرجه ابن ماجه 1 / 505 (1587) والحاكم في المستدرك 1 / 381.
(3) أخرجه أبو داود 3 / 201 (3163) والترمذي 3 / 314 (989) وابن ماجه 1 / 468 (1456).
(*)(8/357)
الباب الرابع في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في غسل الميت، وتكفينه
وفيه نوعان: الأول في غسل الميت والكفن، وبزاقه على بعض أصحابه - صلى الله عليه وسلم -.
روى الأئمة، والدارقطني، عن أم عطية - رضي الله تعالى عنها - قالت: (دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
حين توفيت ابنته، فقال: (اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا، أو شيئا من كافور، وابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها، فإذا فرغتن فآذنني)، قال: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون، فألقيناه خلفها، فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال: (أشعرنها إياه) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن ليلى الثقفية - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحقاء، ثم الدرع.
ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر، قالت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الباب معه كفنها يناولنا ثوبا ثوبا) (2).
وروى الشيخان، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه) (3).
وروى الإمام أحمد برجال ثقات - والرجل المبهم لم يسم - عن شيخ من قيس، عن أبيه، قال: جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمدنا بكرة صعبة لا يقدر عليها، فدنا منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح ضرعها، فحفل، فاحتلب قال: فلما مات أبي جاء وقد شددته في كفنه، وأخذت سلاءة فشددت بها الكفن، فقال: (لا تعذب أباك بالسلاء) ثم كشف عن صدره، وألقى السلاء ثم بزق على صدره، حتى رأيت بياض رضاض بزاقه على صدره) (4).
الثاني: فيمن غسله النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده، وكفنه وصلى عليه، وأدخله قبره.
روى عبد بن حميد، والحارث بن أبي أسامة - بسند ضعيف - عن عبد الله بن أوفى
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ 1 / 222 والبخاري 3 / 150 (1253) ومسلم 1 / 646، 647 (36 - 939) وأحمد 5 / 85 وأبو داود 3 / 197 (3142).
(2) أخرجه أحمد 6 / 308 وأبو داود 3 / 200 (3157).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (1270).
(4) أخرجه أحمد 5 / 73.
(*)(8/358)
- رضي الله تعالى عنه - قال: (كان بالمدينة مقعد، فقال لأهله ضعوني على طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مسجده، قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اختلف إلى المسجد سلم على المقعد، فجاء أهل المقعد، ليردوه إلى أهله فقال: لا والله لا أبرح من هذا المكان.
ما عاش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فابنوا لي خصا، فكان المقعد فيه، فكان كلما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل وسلم على المقعد، وكلما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفة طعام بعث بها إلى المقعد، قال: فبينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أتى آت فنعى له المقعد، فنهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهضنا معه حتى دنا من الخص، قال لأصحابه: (لا يقربن أحد من الخص غيري، فدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخص، فإذا جبريل قاعد عند رأس المقعد فقال جبريل: (يا رسول الله، أما إنك لو لم تأتنا لكفيناك أمره، فأما إذا جئت فأنت أولى به، فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغسله بيده وكفنه، وصلى عليه وأدخله القبر) (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
الحقو بحاء مهملة مفتوحة، فقاف ساكنة، فواو الإزار وأصله: معقد الإزار.
الدرع - بدال مهملة مكسورة، فراء ساكنة، فعين مهملة: الزردية.
الخمار - بخاء مكسورة فميم، فراء: الساتر.
الملحفة - بميم مكسورة، فلام ساكنة، فحاء مهملة ففاء.
البكرة - بموحدة مفتوحة، فكاف ساكنة، فراء مفتوحة، فتاء تأنيث: الفتية من الإبل، والذكر بكر.
الضرع - بضاد معجمة مفتوحة، فراء ساكنة، فعين مهملة: معروف مجتمع اللين.
الظلف: للشاة والبقر ونحوها، وأما الناقة فخف.
السلاة - بسين مهملة مضمومة، فلام، فألف فتاء تأنيث: شوكة النخل، والجمع سلا.
رضاض - قطع البصاق على صدره.
الخص - بخاء معجمة مضمومة، فصاد مهملة: بيت يعمل وجمعه: أخصاص.
المقعد - بميم مفتوحة، فقاف، فعين مهملة: مكان القعود من الخشب والقصب.
__________
(1) ذكره ابن حجر في المطالب العالية 4 / 101 (4066) وتفرد به فائد أبو الورقاء وهو ضعيف.
(*).(8/359)
الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الجنازة
وفيه أنواع: الأول: في مشيه - صلى الله عليه وسلم - مع الجنازة.
وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة أمشي فإذا مشيت سبقني فأهرول فأسبقه، فالتفت إلى رجل إلى جنبي، فقلت: تطوى له الأرض، وخليل الرحمن إبراهيم).
وروى الطيالسي، ومسدد، عن أنس - رضي الله تعالى عنه.
(أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه بجنازة، وهي يسرع بها، وهي تمخض مخض الزق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم) قالها مرتين) (1).
وروى أبو داود، والترمذي، والبيهقي - بسند ضعيف - عن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تبع الجنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد، فعرض له حبر فقال: هكذا نصنع يا محمد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (خالفوهم) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى - برجال ثقات - عن عثمان - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى جنازة فقام لها) (3).
وروى الإمام أحمد، عن أبي سعيد بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت عليه جنازة فقام)) (4).
وروى الشيخان، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: مرت جنازة فقام لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقمنا معه فقلنا يا رسول الله: إنها يهودية، فقال: (إن للموت فزعا، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) (5).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 4 / 406.
(2) أخرجه أبو داود 3 / 203 (3173) والترمذي 3 / 340 (1020) والبيهقي 4 / 28.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 30 وعزاه لأحمد والبزار وقال وفيه موسى بن عمران بن مناح ولم أجد من ترجمه بما يشقي وهو في الكشف (1 / 392) (834).
(4) أخرجه أحمد 4 / 164 وذكره الهيثمي في المجمع 3 / 30 وعزاه لأحمد وقال وفيه جابر الجعفي وفيه كلام كثير وقد وثق.
(5) أخرجه البخاري 3 / 213 (1311) ومسلم 2 / 660، 78 661 - 960) والنسائي 4 / 46 (1922) وابن ماجه 1 / 492 (1543) وأحمد في المسند 2 / 278، 343.
(*)(8/360)
وروى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، عن سهل بن حنيف، وقيس بن سعد - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت به جنازة فقام، فقيل يا رسول الله: إنها جنازة يهودية، فقال: (أليس نفسا ؟) (1).
وروى النسائي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه، قال: (مرت جنازة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل يا رسول الله: إنها جنازة يهودي، فقال: (إنما قمنا للملائكة) (2).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فقمنا، وقعد فقعدنا، يعني في الجنازة) (3).
وروى الإمام مالك، والشافعي عنه، قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرنا بالقيام ثم جلس
فأمرنا بالجلوس) (4).
وروى الإمام أحمد، والنسائي عن ابن سيرين قال: مر بجنازة على الحسن بن علي، وابن عباس، فقام الحسن ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن لابن عباس: أما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال ابن عباس: قام ثم قعد) (5).
وروى الطحاوي، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت عليه جنازة فقام) (6).
وروى النسائي، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وأبي سعيد، قالا: (ما رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهد جنازة قط فجلس حتى توضع) (7).
الثاني: في مشيه - صلى الله عليه وسلم -.
أمام الجنازة وهيئة مشيه.
وروى الترمذي، وابن ماجه، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي أمام الجنازة وأبو بكر وعمر وعثمان) (8).
وروى الإمامان الشافعي، وأحمد، والأربعة، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال:
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 214 (1312) ومسلم 2 / 661 (81 - 961) والنسائي 4 / 54 (1921).
(2) أخرجه النسائي 3 / 47، 48 (1929).
(3) أخرجه مسلم 2 / 662 (84 / 962).
(4) أخرجه مالك في الموطأ 2 / 69 والشافعي في مسنده 1 / 215 (596).
(5) أخرجه أحمد 1 / 200 والنسائي 4 / 46 (1924).
(6) أخرجه النسائي 3 / 45 (1919).
(7) أخرجه النسائي 3 / 45 (1914).
(8) أخرجه الترمذي 3318 (1010) وابن ماجه 1 / 475 (1487).
(*)(8/361)
(رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر، وعمر يمشون أمام الجنازة) (1).
وروى أبو داود عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتي بدابة فركب، فقيل له، فقال: (إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت) (2).
وروى مسلم، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن، عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفرس معرورى فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح وفي لفظ (فركب حين انصرف من جنازة ابن الدحداح نمشي حوله).
وفي لفظ، ثم أتي بفرس عري فعقله رجل فركبه فجعل يتوقص، ونحن نتبعه نسعى حوله) (3).
وروى ابن سعد، عن معمر، عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال: (ما ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة قط) (4).
وروى الطبراني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا شهد جنازة رئيت عليه كآبة، وأكثر حديث النفس) (5).
الثالث: في رده - صلى الله عليه وسلم - النساء عن اتباع الجنازة ومن معه نار: روى أبو يعلى، عن أنس - رضي الله تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فرأى نسوة، فقال: (أتحملنه ؟) قلن: لا قال: أتدفنه ؟ قلن لا قال (فارجعن مأزورات غير مأجورات) (6).
وروى ابن ماجه، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا نسوة جلوس، فقال: ((ما يجلسكن ؟) قلن: ننتظر الجنازة قال: (هل تغسلنه ؟) قلن: لا، قال: (هل تحملنه ؟) قلن: لا، قال (هل تدلين فمن يدلي ؟) قلن: لا.
قال (فارجعن مأزورات غير مأجورات) (7).
وروى الطبراني، وأبو نعيم، عن ابن المعتمر حنش بن المعتمر، عن أبيه قال: (صلى
__________
(1) أخرجه الشافعي في مسنده 1 / 213 (591) وأحمد 2 / 140 وأبو داود 3 / 205 (3179) والترمذي 3 / 329 (329) والنسائي 3 / 56 (1944) وابن ماجه 1 / 475 (1482).
(2) أخرجه أبو داود 3 / 204 (3177).
(3) أخرجه مسلم 2 / 664 (89 - 965) وأبو داود 3 / 205 (3178) والترمذي 3 / 334 (1014).
(4) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6284).
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 32 وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه ابن لهيعة وفيه كلام.
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 31 وعزاه لأبي يعلى وقال وفيه الحارث بن زياد قال الذهبي ضعيف.
(7) أخرجه ابن ماجه 1 / 502 (1578).
(*)(8/362)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فأبصر امرأة معها مجمرة، فلم يزل يصيح بها حتى تغيبت في آجام المدينة يعني قصورها) (1).
الرابع - في زيادة خشوعه - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى جنازة.
روى ابن سعد، عن عبد العزيز بن أبي داود - رحمه الله تعالى - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا شهد جنازة أكثر الصمات، وأكثر حديث نفسه، فكانوا يرون أنما يحدث نفسه بأمر الميت، وما يرد عليه، وما هو مسؤول عنه) (2).
الخامس: فيما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر عليه بجنازة.
روى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، والنسائي، عن أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر عليه بجنازة فقال: (مستريح ومستراح منه)، فقالوا: يا رسول الله: ما المستريح ؟ وما المستراح منه ؟ فقال: (العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا، وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب)، (3).
والله تعالى أعلم.
تنبيهات الأول: قال أكثر الصحابة، والتابعين باستحباب القيام للجنازة، كما نقله ابن المنذر، وهو قول الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن.
وقال الشعبي، والنخعي: يكره القعود قبل أن توضع.
فقد روى البخاري، عن عامر بن ربيعة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رأى أحدكم جنازة، فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حين يراها حتى يخلفها أو تخلفه، أو توضع قبل أن تخلفه).
وروى أيضا عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع) (4).
الثاني: قوله إن للموت فزعا: قال القرطبي: أي: إن الموت يفزع منه، إشارة إلى استعظامه، ومقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت، فمن ثم
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 32 وعزاه للطبراني في الكبير وقال حنش أو حليس لم أجد من ذكره.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد 2 / 104.
(3) أخرجه البخاري 11 / 369 (6511) ومسلم 2 / 656 (60 / 950).
(4) أخرجه مسلم 2 / 662 (83 / 962) ومالك 1 / 232 (33).
(*)(8/363)
استوى فيه كون الميت مسلما، أو غير مسلم.
وقال غيره فجعل نفس المؤمن فزعا مبالغة، كما يقال: (رجل عدل))، قال البيضاوي: هو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة، وفيه تقدير.
أي: الموت ذو فزع.
انتهى.
ويؤيد الثاني رواية أبي سلمة، عن أبي هريرة بلفظ (إن للموت فزعا)، رواه ابن ماجه وعن ابن عباس مثله عند البزار، وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلق من أجلها ويضطرب، ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة.
وقوله في الرواية الأخرى أليست نفسا ؟ لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال: (إن للموت فزعا، وقد أتى أن الرواية الأخرى إنما قمنا للملائكة ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى ولأحمد، وابن حبان، و الحاكم، من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: (إنما تقومون
إعظاما للذي يقبض النفوس، ولفظ ابن حبان (إعظاما لله) يقبض الأرواح فإن ذلك أيضا لا ينافي التعليل السابق، لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله تعالى، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك، وهو الملائكة.
الثالث: روى الإمام أحمد من حديث الحسن بن علي، قال: (إنما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأذيا بريح اليهودي) (1) زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش بالتحتية والمعجمة.
فأذاه ريح بخورها فقام حتى جازته (2).
وللطبراني، والبيهقي من وجه آخر عن الحسن: كراهية أن تعلو رأسه وهذه الأحاديث لا تعارض الأخبار الأولى الصحيحة.
أما أولا: فلأن إسنادها لا تقاوم تلك في الصحة.
وأما ثانيا: فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي، والتعليل الماضي صريح من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه، فعلل باجتهاده، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلعت جنازة، فلما رآها قام وقام أصحابه حتى بعدت، والله ما أدري من شأنها أو من تضايق المكان، وما سألناه عن قيامه).
الرابع: اختلف أهل العلم في هذه المسألة: فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب، فقال: هذا إما أن يكون منسوخا أو يكون قام لعلة،
__________
(1) أحمد 1 / 200.
(2) الطبراني في الكبير انظر المجمع 3 / 28.
(*)(8/364)
وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إلي.
وأشار بالترك إلى حديث علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - (أنه - صلى الله عليه وسلم - قام للجنازة، ثم قعد) رواه مسلم، ورواه البيهقي، بلفظ (أن عليا أشار إلى قوم قاموا: أن اجلسوا،
ثم حدثهم بالحديث) ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة، منهم: سليم الرازي، وغيره، وقد ورد النهي عنه، روى أحمد، وأصحاب السنن، إلا النسائي قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود فقال: هكذا نفعل: فقال: (اجلسوا وخالفوهم)، وإسناده ضعيف.
قال القاضي ذهب جمع من السلف: إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، وهو هنا ممكن، قال: والمختار أنه مستحب وبه قال المتولي وقال ابن الماجشون: (كان قعوده - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز، فمن جلس فهو في سعة، ومن قام فله أجر).
الخامس في بيان غريب ما سبق.
الزق - بزاي مكسورة، فقاف: وعاء من جلد - يجز شعره، ولا ينتف نتف الأديم.
القصد - بقاف، فصاد، فدال مهملتين: عدم الإفراط والتفريط.
معرور - يميم مفتوحة، فعين مهملة ساكنة، فراءين بينهما واو: لا سرج عليه، ولا غيره.
عقله بعين مهملة، فقاف، فلام مفتوحات.
يتوقص - بفوقية فواو، فقاف مفتوحات فصاد مهملة: ينزو.
الكآبة - بكاف - فألف، فهمزة ممدودة، فموحدة، فتاء تأنيث.
مأزورات - بميم مفتوحة فهمزة ساكنة فزاي، فواو فراء فألف فتاء: آثمات.
الآجام: بهمزة ممدودة فجيم مفتوحة فألف.
الصمات - بصاد مهملة مضمومة، فميم فتاء: السكوت.(8/365)
الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة على الميت
وفيه أنواع: الأول: في موقفه - صلى الله عليه وسلم -.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن، وابن ماجه، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - صلى على جنازة رجل فقام حيال رأسه، ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة صلى عليها فقام حيال وسط السرير.
فقال له العلاء بن زياد: (هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه ؟ قال: نعم) (1).
وروى الجماعة، عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند وسطها) (2).
الثاني: في تكبيره - صلى الله عليه وسلم - أربعا أو خمسا ورفع يديه في الجنازة.
روى الترمذي، والدارقطني، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر على جنازة فرفع يديه مع أول تكبيرة، ووضع اليمنى على اليسرى) (3).
وروى ابن ماجه، عن عثمان بن عفان: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على عثمان بن مظعون فكبر [ عليه ] أربعا) (4).
وروى الدارقطني عن أبي هريرة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة فكبر عليها أربعا، وسلم تسليمة واحدة (5).
وروى ابن ماجه، عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر أربعا، ثم يمكث ساعة يقول ما شاء الله أن يقول ثم يسلم) (6).
__________
(1) أبو داود 3 / 208 (3194) والترمذي 3 / 352 (1034) وابن ماجه 1 / 479 (1494).
(2) أخرجه البخاري 3 / 201 (1332) ومسلم 2 / 664 (87 / 964) وأبو داود 3 / 209 (3195) والترمذي (1035) والنسائي 4 / 58 وابن ماجه 1 / 479 (1493).
(3) أخرجه الترمذي 3 / 388 (1077) وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(4) ابن ماجه 1 / 481 (1502) وفيه خالد بن إلياس تقدم الكلام عليه.
(5) الدارقطني 2 / 72.
(6) ابن ماجه 1 / 482 (1503) وفيه الهجري الكوفي ضعيف.
(*)(8/366)
وروى الدارقطني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (آخر ما كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجنازة أربعا، وكبر عمر على أبي بكر أربعا) (1).
وروى الدارقطني، عن مسروق، قال: (صلى عمر - رضي الله عنه - على بعض أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول: لأصلين عليها مثل آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثلها فكبر عليها أربعا) (2).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والأربعة، والدارقطني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله - قال: (كان زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه - يكبر على جنائزنا أربعا وأنه كبر على جنازة خمسا فسألته فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبرها) (3).
وروى الطبراني، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند كل تكبيرة في كل صلاة، وعلى الجنازة) (4).
الثالث: في قراءته - صلى الله عليه وسلم - الفاتحة، ودعائه للميت وسلامه: روى الإمام الشافعي والشيخان، والنسائي، والترمذي، عن طلحة بن عبد الله بن عوف - رحمه الله تعالى - قال: صليت خلف ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقرأ بفاتحة الكتاب وجهر حتى أسمعنا، فلما سلم سألته عن ذلك، فقال: (إنها سنة وحق) (5).
وروى الترمذي - وقال: إسناده ليس بالقوي -، والصحيح أنه موقوف وابن ماجه عنه، (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب) (6).
وروى الشافعي، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر على الميت أربعا، وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى) (7).
وروى الطبراني - برجال ثقات، غير ناهض بن القاسم فيحرر حاله - عن أبي هريرة
__________
(1) الدارقطني بإسناد ضعيف 2 / 72.
(2) الدارقطني 2 / 76 وفيه يحيى بن أبي أنيسة وجابر الجعفي وهما ضعيفان.
(3) أحمد 4 / 372 وأبو داود 3 / 210 (3197) والترمذي 3 / 343 (1023) والنسائي 4 / 59 وابن ماجه 1 / 482 (1505) والدارقطني 2 / 75.
(4) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3 / 32 فيه عبد الله بن محرز مجهول.
(5) البخاري 3 / 242 (1335).
أبو داود 3 / 210 (3198) والترمذي 3 / 346 (1027) والنسائي 4 / 61.
(6) الترمذي 3 / 345 (1026) وقال ليس إسناده بذلك القوي إبراهيم بن عثمان، هو أبو شيبة الواسطي منكر الحديث وهو عند ابن ماجه 1 / 479 (1495).
(7) الشافعي في المسند (1 / 209) حديث (578).
(*)(8/367)
- رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ على الجنازة أربع مرات بالحمد لله رب العالمين) (1).
وروى الطبراني - بسند ضعيف - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تقدم فكبر على جنازة خالد بن عتيك، أو قال: سهل بن عتيك وكان أول من صلي عليه في موضع الجنائز فتقدم فكبر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ بأم القرآن فجهر بها، ثم كبر الثانية فصلى على نفسه، وعلى المسلمين، ثم كبر الثالثة، فدعا للميت، فقال: (اللهم اغفر له وارحمه، وارفع درجته)، ثم كبر الرابعة فدعا للمؤمنين والمؤمنات ثم سلم) (2).
وروى الإمام أحمد، عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله تعالى عنه - أنه صلى على جنازة فكبر عليها أربعا، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين، يدعو ثم قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع بالجنازة هكذا) (3).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن واثلة بن الأسقع - رضي الله تعالى عنه -
قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رجل من المسلمين فسمعته يقول: (ألا إن فلانا بن فلان في دمتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له، وارحمه، فإنك أنت الغفور الرحيم) (4).
وروى الإمام أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، عن إبراهيم الأشهلي - رحمه الله تعالى - عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى على جنازة قال: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا) (5).
وروى الإمام أحمد - برجال ثقات - عن أبي قتادة، والإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهما - قالا: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى على جنازة قال: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان) زاد أبو داود وابن ماجه (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده) (6).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن ابن سماح، وقيل: شماخ قال: شهدت مروان يسأل
__________
(1) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 32 فيه ناهض بن القاسم لم أجد له ترجمة وبقية رجاله ثقات.
(2) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3 / 32 فيه يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي ضعيف.
(3) أخرجه أحمد 4 / 356.
(4) أحمد 3 / 491 وأبو داود 3 / 211 (3202) وابن ماجه 1 / 480 (1499).
(5) أحمد 4 / 170 والنسائي 4 / 61.
(6) أحمد 5 / 299 وأبو داود 3 / 211 (3201) وابن ماجه 1 / 480 (1498).
(*)(8/368)
أبا هريرة كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الجنازة ؟ قال أبو هريرة: (اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها، وعلانيتها، جئنا شفعاء [ فاغفر لها ]) (1).
وروى مسلم، والترمذي، وابن ماجه، عن عوف بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظت منه دعائه).
(اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا، كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خير من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر (2) أو من عذاب النار).
وفي لفظ (وقه فتنة القبر، وعذاب النار) (3) حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت لدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له) (4).
وروى أبو يعلى بإسناد حسن، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الصلاة على الميت: (اللهم اغفر له وصل عليه، وأورده حوض رسولك) (5).
وروى أبو يعلى، وأحمد بن حنبل، والبيهقي - بسند صحيح - عن أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - (أنه شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة قال فسمعته يقول: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا) (6).
وحدث أبو سلمة بها، وزاد فيهن (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان).
وروى الطبراني - بسند حسن - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن
__________
(1) أحمد 2 / 345 وأبو داود 3 / 210 (3200).
(2) أخرجه مسلم (2 / 662) حديث (15 / 963) والنسائي 4 / 73 وابن ماجه 1 / 481 (1500) وأحمد 6 / 23، 28 (3 / 40) وقال الهيثمي: فيه رجل لم يسم وحديث مجمع عند ابن ماجه 1 / 491 (1536) وحديث حذيفة عند ابن ماجه 1 / 491 (1538) وحديث ابن عمر 1 / 491 (1538) وحديث أنس عند الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (3 / 41).
وحديث أبي سعيد عند الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف وحديث
وحشي عند الطبراني في الكبير قال الهيثمي فيه سليمان بن أبي داود وهو ضعيف ومن حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 3 / 193 (1245) ومسلم 2 / 656 (62 / 951) ومالك 1 / 226 (14).
(3) ابن ماجه 1 / 481 (1500).
(4) عند الترمذي 3 / 345 (1025).
(5) أبو يعلى والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 33 فيه عاصم بن هلال وثقه أبو حاتم وضعفه غيره.
(6) أحمد 5 / 299 والبيهقي 4 / 41.
(*)(8/369)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى على الميت قال: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا ولأنثانا وذكورنا من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم عفوك عفوك عفوك) (1).
وروى الطبراني، عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - قال: (صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فسلم عن يمينه وعن شماله) (2).
وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (خلال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلهن فتركهن الناس.
إحداهن تسليم الإمام في الجنازة مثل تسليمة الصلاة) (3).
__________
(1) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3 / 33 إسناده حسن.
(2) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3 / 34 فيه خالد بن نافع ضعيف.
(3) الطبراني في الكبير انظر المجمع 3 / 34.
(*)(8/370)
الباب السابع فيمن كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي عليه
وفيه أنواع:
الأول: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - على من ليس عليه دين، وعلى الأطفال.
روى الطبراني برجال ثقات، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة صبي أو صبية فقال: (لو كان أحد نجا من ضمة القبر لنجا هذا الصبي) (1).
الثاني: في صلاته - صلى الله عليه وسلم - على القبر.
روى الإمام أحمد، والدارقطني - شطره -: أن أسود كان ينظف المسجد فمات فدفن ليلا، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبر فقال: (انطلقوا إلى قبره)، فانطلق إلى قبره، فقال: (إن هذه القبور مملوءة على أهلها ظلمة، وإن الله - عز وجل - ينورها بصلاتي عليهم)، فأتى القبر فصلى عليه، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله إن أخي مات ولم تصل عليه قال فأتى قبره، فانطلق مع الأنصاري فصلى) (2).
وروى الإمامان: مالك، والشافعي، والنسائي، وابن أبي شيبة عن أبي أمامة: سهل بن حنيف - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود فقراء أهل المدينة ويشهد جنائزهم إذا ماتوا، فاشتكت امرأة مسكينة فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمرضها وطال سقمها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود المساكين ويسأل عنهم، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنها، وقال: (إن ماتت فلا تدفنوها حتى أصلي عليها)، فتوفيت.
فجاؤوا بها إلى المدينة بعد العتمة فوجدوا رسول الله - قد نام، فكرهوا أن يوقظوه، فصلوا عليها، ودفنوها ببقيع الغرقد، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاؤوا فسألهم عنها فقالوا: قد توفيت يا رسول الله قال: (ألم آمركم أن تؤذنوني بها ؟) فقالوا يا رسول وجدناك نائما، فكرهنا أن نوقظك ونخرجك ليلا، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قبرها فصلى بهم على قبرها وكبر أربع تكبيرات) (3).
وروى الشيخان، وابن حبان، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها فقالوا: ماتت فقال: (أفلا آذنتموني ؟) قال: فكأنهم صغروا أمرها، فقال: (دلوني على قبرها) فدلوه فصلى على قبرها) (4).
__________
(1) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 47 رجاله موثقون.
(2) قال الهيثمي في الصحيح طرف منه رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح المجمع 3 / 36 وأخرجه الدارقطني 2 / 77.
(3) مالك في الموطأ 2 / 59 والشافعي في المسند 1 / 208، 209 (576) والنسائي 4 / 55.
(4) أخرجه البخاري 3 / 204 (1337) ومسلم 2 / 659 (71 / 956) والمرأة هي أم محجن كما ذكر الحافظ في الفتح.
(*)(8/371)
وروى مسدد، والحارث، عن حميد بن هلال، (رحمه الله تعالى) أن البراء بن معرور توفي قبل قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فلما قدم صلى على قبره وكبر عليه أربع تكبيرات.
وروى الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، عن يزيد بن ثابت - زاد ابن ماجه، وكان أكبر من زيد ثم اتفقوا - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد، فسأل عنه، فقالوا: فلانة، فعرفها، فقال (ألا آذنتموني بها ؟ فإن صلاتي عليها رحمة) قالوا: كنت قائلا صائما، فكرهنا أن نؤذيك، فقال: (لا تفعلوا لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به) ثم أتى القبر فصفنا خلفه) (1).
وروى الدارقطني عن ابن عباس (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر بعد شهر) (2).
وروى الترمذي مرسلا، عن ابن المسيب، رحمه الله تعالى (أن أم سعد - رضي الله تعالى عنها - ماتت والنبي - صلى الله عليه وسلم - غائب فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر) (3).
وروى الطبراني في (الأوسط) - قال الضياء المقدسي في (أحكامه) لا بأس بإسناده - عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلى على الجنازة بين القبور) (4).
الثالث.
في صلاته - صلى الله عليه وسلم - على الغائب.
روى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، عن جابر، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، عن عمران بن حصين، والإمام أحمد، عن ابن عباس وابن ماجه، عن مجمع بن جارية، والإمام أحمد، وابن ماجه عن حذيفة بن أسيد، والإمام أحمد عن جرير، وابن ماجه عن ابن عمر، وأبو يعلى عن سعيد بن زيد والطبراني برجال ثقات عن أنس، والطبراني عن أبي سعيد الخدري،
والطبراني عن وحشي بن حرب - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش) وفي رواية: (أخ لكم مات بغير بلادكم)، قالوا: من هو يا رسول الله ؟ قال: (أصحمة النجاشي فهلم فصلوا عليه) فقمنا فصففنا صفين فصلى عليه كما يصلي على الميت، وكبر أربعا، وقال: (استغفروا لأخيكم) (5).
__________
(1) أحمد 4 / 388 والنسائي 4 / 70 وابن ماجه 1 / 489 (1528).
(2) أخرجه الدارقطني 2 / 78 وقال تفرد به بشر بن آدم وخالفه غير عن أبي عاصم.
(3) الترمذي 3 / 356 (1038).
(4) ذكره الهيثمي وزاد نسبته إلى البزار وقال رجاله رجال الصحيح 2 / 27.
(5) من حديث جابر أخرجه أحمد 3 / 400 والبخاري (3 / 222) حديث (1320) مسلم (2 / 657) (63 / 951) والنسائي 4 / 57 ومن حديث عمران أخرجه مسلم (2 / 657) حديث (67 / 953) والترمذي 3 / 357 (1039) وابن ماجه (1 / 491) (535) وحديث ابن عباس أخرجه أحمد (3 / 295).
(*)(8/372)
وروى أبو يعلى، من طريق محمد بن إبراهيم بن العلاء، والطبراني من طريق محبوب بن هلال، عن أنس، والطبراني عن أبي أمامة من طريق نوح بن عمر، والطبراني عن معاوية من طريق صدقة بن أبي سهل، وبقية رجاله ثقات أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان غازيا بتبوك فأتاه جبريل - صلى الله عليه وسلم - فقال: (مات معاوية بن معاوية الليشي) وفي رواية: المزني: اشهد جنازته يا محمد، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل جبريل في سبعين ألف ملك من الملائكة، فضرب بجناحه الأرض فلم تبق شجرة، ولا أكمة إلا تصعصعت فرفع سريره فنظر إليه، فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجبريل والملائكة فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا جبريل بم نال معاوية هذه المنزلة ؟) قال: (قال بكثرة قراءته (قل هو الله أحد) وقراءته إياها قائما، وقاعدا، وراكبا، وماشيا، وعلى كل حال) (1).
تنبيهات
الأول: كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو الحسن الهيثمي - رحمه الله تعالى - في (مجمع الزوائد) في باب الصلاة على الغائب، وفي ذكر هذا الحديث في هذا الباب نظر لما ذكر في غالب طرقه أنه - صلى الله عليه وسلم - شاهد سريره.
الثاني: في الكلام على حكم هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وله طريق يقوي بعضها بعضا ذكرتها في ترجمة معاوية في الصحابة.
وقال في الفتح في باب الصفوف على الجنازة، إنه خبر قوي بالنظر إلى مجموع طرقه.
وقال في اللسان في ترجمة نوح بن عمران: طرقه أقوى طرق الحديث.
انتهى.
وأورد الحديث النووي في الأذكار في باب الذكر في الطريق.
الثالث: في الكلام على رجاله التي أعل بها محبوب بن هلال، قال الحافظ، لم أر لهذا الرجل ذكرا في تاريخ البخاري وذكره ابن أبي حاتم: وقال: سألت أبي عنه قال: ليس بالمشهور، وذكره ابن حبان في الثقات.
ونوح بن عمر.
قال ابن حبان يقال: إنه سرق هذا الحديث، كذا في (الميزان) قال
__________
(1) قال الهيثمي 3 / 37 حديث أنس رواه أبو يعلى والطبراني وفي إسناد أبي يعلى محمد بن إبراهيم بن العلاء وهو ضعيف جدا وفي إسناد الطبراني محبوب بن هلال قال الذهبي: لا يعرف، وحديثه منكر وحديث أبي أمامة عند الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي فيه نوح بن عمر قال ابن حبان يقال: إنه سرق هذا الحديث وتعقبه الهيثمي بقوله: ليس هذا يضعف الحديث، وفيه بقية وهو مدلس فيه علة غير هذا كما سيحكي هنا المصنف بعد قليل وحديث معاوية عند الطبراني في الكبير قال الهيثمي (3 / 41) فيه صدقة بن أبي سهل لم أعرفه.
(*)(8/373)
الحافظ لم يترجم ابن حبان نوحا هذا في الضعفاء ولا سماه، وإنما قال في ترجمة العلاء بن محمد الثقفي، بعد أن أورد هذا الحديث في ترجمته، وسرقه شيخ من أهل الشام، فرواه عن بقية عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة، قال الحافظ: والظاهر أنه غير هذا، لكن لا يحسن الجزم بهذا، قال شيخه أبو الحسن الهيثمي في (مجمع الزوائد) بعد كلام ابن حبان السابق،
قلت: ليس هذا بضعف، وبقية مدلس ليس فيه علة غير هذا.(8/374)
الباب الثامن فيمن ترك - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه
وفيه أنواع: الأول - في تركه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على المحدود وصلاته عليهم.
روى أبو داود، عن أبي بردة الأسلمي - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على ماعز بن مالك، ولم ينه عن الصلاة عليه) (1).
وروى الإمام أحمد، والبخاري وأبو داود، والنسائي، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - (أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (أبك جنون ؟) قال: لا، قال: (أحصنت ؟) قال: نعم فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجم بالمصلى، فلما أزلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرا، ولم يصل عليه) (2).
وروى مسلم عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنهما - أن امرأة من جهينة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنا، فقالت يا رسول الله: أصبت حدا فأقمه علي، فدعا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وليها، فقال: (أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها) ففعل فأمر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت ؟ قال: (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل) (3).
الثاني: في تركه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على أهل المعاصي.
روى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، والترمذي، عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه -: قال: (أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه) (4).
وروى الحارث من طريق بشر بن نمير - وهو ضعيف - عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة خيبر: (من كان مضعفا معنا فليرجع)، وأمر مناديا
__________
(1) أبو داود 3 / 206 - 207 (3186).
(2) أحمد 3 / 323 والبخاري (8 / 297) (6820) وأبو داود 4 / 148 (4430) والنسائي 4 / 50.
(3) أخرجه مسلم 3 / 1324 (24 / 1696).
(4) أحمد في المسند 5 / 87 ومسلم (2 / 672) حديث (107 / 978) والترمذي (1068) والنسائي 4 / 53.
(*)(8/375)
فنادى بذلك، فرجع ناس، وفي القوم رجل على بكر صعب، فمر من الليل على سواد فنفر به، فصرعه فوقصه، فلما جئ به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما شأن صاحبكم ؟)، قالوا: من أمره كذا وكذا، قال: (يا بلال: ما كنت أذنت في الناس: من كان مضعفا معنا فليرجع)، قال: بلى فأبي أن يصلي عليه) ورواه الطبراني - بسند جيد - ورواه أيضا الإمام أحمد، وسنده حسن عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - وفيه ثم (أمر مناديا ينادي في الناس، إن الجنة لا تحل لعاص ثلاث مرات) (1).
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح، وهو فيه باختصار عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنهما - أن رجلا أعتق عند موته ستة رجلة له وفي لفظ ستة مملوكين له وليس له مال غيرهم، فجاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما صنع، فقال: (أو فعل ذلك ؟)، وقال: (لو أعلمتنا إن شاء الله ما صلينا عليه) وفي لفظ (لقد هممت ألا أصلي عليه) (2).
وروى الإمام أحمد - برجال الصحيح - عن أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دعي إلى جنازة سأل عنها، فإن أثنوا عليها خيرا قام فصلى عليها وإن أثني عليها غير ذلك، قال لأهلها: (شأنكم بها)، ولم يصل عليها) (3).
وروى الطبراني - برجال ثقات - عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: توفي رجل على عهد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فقال: انظروا داخلة إزارة (فأصيبت دينار أو ديناران)، فقال لنا (صلوا على صاحبكم) (4).
الثالث: في تركه - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر الصلاة على من عليه دين، ولم يخلف وفاء.
روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤتى بالرجل الذي عليه دين فيسأل) (5).
وروى أحمد بن منيع، عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا توفي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك دينارين دينا عليه وليس له وفاء، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي عليه وقال: (صلوا على صاحبكم)، فقام إليه أبو قتادة، فقال: أنا أقضي عنه، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى عليه) (6).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 44 وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير وإسناد أحمد حسن.
(2) أحمد 4 / 431، 438 ورجاله ثقات.
(3) أحمد 5 / 299.
(4) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3 / 41 رجاله ثقات.
(5) أخرجه الترمذي 3 / 282 (1070).
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 43 وعزاه الطبراني في الكبير وفيه أبو عتبة الكندي ولم أعرفه.
(*)(8/376)
الباب التاسع في هديه - صلى الله عليه وسلم - في دفن الميت وما يلتحق بذلك
وفيه أنواع: الأول: في جلوسه على شفير القبر، وأمره باتساع القبر وتحسينه.
روى ابن ماجه، عن هشام بن عامر قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (احفرو، وأوسعوا، وأحسنوا) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والدارقطني، عن رجل من الأنصار، - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - قال: (خرجت في جنازة رجل من الأنصار مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام مع أبي فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حفيرة القبر فجعل يوصي الحافر ويقول: (أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين، لرب عذق له في الجنة) (2).
وروى البيهقي، وابن ماجه، والبغوي، وابن منده - قال: غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه -، وأبو نعيم، وفي سنده موسى بن عبيدة الربذي ضعيف عن الأدرع السلمي - رضي الله تعالى عنه - قال: جئت ليلة أحرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا رجل قراءته عالية فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله هذا مراء فقال: (هذا عبد الله ذو البجادين)، فمات بالمدينة، ففرغوا من جهازه فحملوا نعشه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أرفقوا به رفق الله به إنه كان يحب الله ورسوله) وحفر حفرته فقال: (أوسعوا له أوسع الله عليه) فقال بعض أصحابه: يا رسول الله لقد حزنت عليه، فقال: (أجل إنه كان يحب الله ورسوله) (3).
الثاني: في أمره - صلى الله عليه وسلم - بتعجيل الدفن.
روى أبو داود، عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء - رضي الله تعالى عنه - مرض فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقال: (إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) (4).
الثالث: في انتظاره - صلى الله عليه وسلم - في المقبرة حفر القبر.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 1 / 497 (1506).
(2) أحمد 5 / 408.
(3) ابن ماجه 1 / 497 (1559) وفي إسناده موسى بن عبيدة ضعيف.
(4) أبو داود 3 / 200 (3159).
(*)(8/377)
وروى الإمام أحمد - برجال الصحيح - عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، وبيده عود ينكث به الأرض فرفع رأسه، فقال: (نعوذ بالله من عذاب القبر) مرتين أو ثلاثا الحديث) (1).
الرابع: في اختياره - صلى الله عليه وسلم - اللحد.
روى الأربعة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللحد لنا، والشق لغيرنا) (2).
الخامس: في هديه - صلى الله عليه وسلم - في إدخال الميت القبر ونزوله قبر بعض أصحابه، ودفنه الميت ليلا ونهارا.
روى الإمام أحمد، والبخاري، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (شهدنا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدفن ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: (لعل فيكم أحد لم يقارف الليلة ؟) فقال أبو طلحة أنا قال (فانزل) فنزل في قبرها) (3).
روى ابن ماجه عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سل سعدا ورش على قبره ماء ؟) (4).
وروى أبو داود، والطبراني في الكبير، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأى الناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر يقول: (ناولوني صاحبكم)، وإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر) (5).
وروى عمر بن شبة عن عبد العزيز بن عمران، والطبراني، عن كثير بن عبد الله عن أبيه، عن جده - رحمهما الله تعالى - قال: (لم يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبر أحد إلا خمسة منهم: عبد الله المزني ذو البجادين قلت ويأتي حديثه في غزوة تبوك) (6).
وروى الطبراني، من طريق بسطام بن عبد الوهاب - فيحرر حاله - عن واثلة - رضي الله
تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وضع الميت في قبره قال: (بسم الله، وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ووضع خلف قفاه مدرة، وبين كتفيه مدرة وبين ركبتيه مدرة ومن ورائه
__________
(1) أحمد 4 / 287.
(2) أبو داود 3 / 213 (3208) والترمذي 3 / 363 (1045) والنسائي 4 / 66 وابن ماجه 1 / 496 (1554).
(3) أحمد 3 / 126 والبخاري (2 / 192) حديث (1342).
(4) ابن ماجه 1 / 495 (1551) وفي إسناده ضعيفان مندل بن علي ومحمد بن عبيد الله.
(5) أبو داود 3 / 201 (3164) والطبراني في الكبير 2 / 182.
(6) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي كثير ضعيف 3 / 46.
(*)(8/378)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ووضع خلف قفاه مدرة، وبين كتفيه مدرة وبين ركبتيه مدرة ومن ورائه أخرى) (1).
ورواه الطبراني برجال الثقات وعن عبد الله بن خراش مختلف فيه.
وروى أبو داود، والترمذي، وحسنه، وابن حبان عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان إذا دخل الميت القبر) وفي لفظ وضع الميت في لحده، قال: (بسم الله، وبالله وعلى ملة رسول الله) وفي لفظ (سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (2).
وروى ابن أبي شيبة، من طريق عطاء بن السائب، وبقية رجاله ثقات: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبره فاحتبس، فلما خرج قيل له يا رسول الله ما حبسك قال: (ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله أن يكشف عنه) (3).
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: (لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله في القبر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (منها خلقناكم وفيها لعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) ثم قال لا أدري أقال: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا ؟ فلما بنى عليها لحدها طفق يطرح إليهم الحبوب ويقول سدوا خلال
اللبن ثم قال: (أما إن هذا ليس بشئ ولكنه يطيب نفس الحي) (4).
وروى ابن ماجه عن سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى - عن أبيه قال حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد قال: باسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أخذ لي تسوية اللبن في اللحد قال: (اللهم أجرها من الشيطان، ومن عذاب القبر، اللهم جاف الأرض عن جنبيها وصعد روحها، ولقها منك رضوانا، فقلت له: أشئ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم قلته برأيك ؟ قال: إني إذا لقادر على القول، بل شئ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5).
وروى الطبراني - برجال ثقات - عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال لي أبي: يا بني إذا أنا مت فاتخذ لي لحدا فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله، وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم سن علي التراب سنا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني
__________
(1) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3 / 44 فيه بسطام بن عبد الوهاب وهو مجهول.
(2) أبو داود 3 / 214 (3213) والترمذي 3 / 364 (1046).
(3) ابن أبي شيبة 12 / 142.
(4) أحمد في المسند (5 / 254) وإسناده ضعيف المجمع 3 / 46.
(5) ابن ماجه 1 / 495 (1553) وفي إسناده حماد بن عبد الرحمن وهو متفق على تضعيفه.
(*)(8/379)
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذلك (1).
وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (رأى ناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر، وإذا هو يقول: (ناولوني صاحبكم) وإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر) (2).
وروى الترمذي - وقال: حسن - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة ثم قال: (رحمك الله إن
كنت لأواها تلاء للقرآن)، وكبر عليه أربعا) (3).
وروى أبو يعلى - بسند ضعيف - عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه أوه أوه وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إنه أواه)، قال: فخرجت ليلة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدفن ذلك الرجل ليلا بمصباح) (4).
السادس: في حثيه - صلى الله عليه وسلم - التراب على القبر وكراهته أن يزاد على تراب الحفر ورشه الماء عليه ووضعه عليه حصى.
وروى الدارقطني، عن عامر بن ربيعة - رضي الله تعالى عنه - قال (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفي عثمان بن مظعون صلى عليه، وكبر أربعا، وحثى على قبره بيده ثلاث حثيات من تراب وهو قائم عند رأسه) (5).
وروى ابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة، ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا) (6).
وروى الشافعي مرسلا عن جعفر بن محمد - رحمهما الله تعالى - عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حثى على ميت ثلاث حثيات بيديه جميعا) (7).
وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حضر ميتا يدفن فقال: (لا تقتلوا صاحبكم)، فقال سفيان: يعني لا يزاد
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3 / 44.
رجاله موثقون.
(2) تقدم.
(3) الترمذي 3 / 370 (1057).
(4) أخرجه أحمد 4 / 159 والحاكم في المستدرك 1 / 368 والهيثمي في المجمع 9 / 369 والطبراني في الكبير 17 / 295 والسيوطي في الدر المنثور 3 / 285.
(5) الدارقطني 2 / 76 وفيه ضعيفان القاسم العمري وعاصم بن عبيد الله.
(6) ابن ماجه 1 / 499 (1565).
(7) الشافعي في المسند (1 / 216) حديث (601).
(*)(8/380)
على تراب الحفرة، وربما قال في الحديث: (خففوا عن صاحبكم)، قال سفيان يعني من التراب في القبر).
وروى الطبراني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رش على قبر ابنه إبراهيم) (1) ورواه الشافعي - مرسلا - عن جعفر بن محمد - رحمهما الله تعالى - عن أبيه، وزاد ووضع عليه حصباء) (2).
وروى ابن ماجه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة) (3).
وروى مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن فضالة بن عبيد - رضي الله تعالى عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بتسوية القبور) (4).
وروى مسلم، وأبو داود، والترمذي، عن أبي الهياج الأسدي - رحمه الله تعالى - قال: قال لي علي - رضي الله تعالى عنه -: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذهب فلا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته) (5).
السابع: في وقوفه - صلى الله عليه وسلم - ودعائه بعد الدفن للميت، وبكائه عند دفن بعض الصحابة وكراهته وطء القبور، ووضعه للجريدة الخضراء على قبر ووعظه عند القبر.
روى أبو داود، عن عثمان - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) (6).
وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وأبو يعلى من طريق أبي رجاء عبد الله بن واقد الهروي، وثقه الإمام أحمد، وابن معين، وقال أبو زرعة الرازي: لم يكن به بأس، عن البراء - رضي الله عنه - قال: (بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصر جماعة، فقال: (علام اجتمع
هؤلاء ؟) قيل على قبر يحفرونه قال ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر فحثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل
__________
(1) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3 / 45 رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني.
(2) الشافعي في المسند (1 / 215) وانظر شرح السنة للبغوي 3 / 271.
(3) ابن ماجه 1 / 498 (3219).
(4) مسلم (2 / 666) حديث (92 / 968).
(5) مسلم (2 / 666) حديث (93 / 969) وأبو داود 3 / 215 (3218) والترمذي 3 / 364 (1049) وقال حسن.
(6) أخرجه أبو داود 3 / 215 (3221).
(*)(8/381)
الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا فقال: (إخواني لمثل هذا فأعدوا) (1).
وروى أبو أحمد الحاكم في (الكنى) عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تبع جنازة علاه كرب، وأقل الكلام، وأكثر حديث نفسه) (2).
وروى أبو يعلى - بسند صحيح - عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لأن أجلس على جمرة تحرق ثوبي ثم تحرق جلدي، أو أخصف نعلي بيدي، أحب إلي من أن أطأ قبر رجل منكم، وما أبالي وسط السوق قضيت حاجتي، أو وسط القبور)، ورواه ابن ماجه عن عمرو بن حزم (3).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، عن عثمان - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه) (4).
وروى الإمام أحمد، عن أبي بكرة، والطبراني، عن أبي أمامة، والإمام أحمد برجال الصحيح، عن أبي هريرة، والطبراني، وابن عمر، والإمام أحمد عن يعلى بن سيابة) (5).
وروى الشيخان عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنا في جنازة في بقيع الغرقد
فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقعدنا حوله، ومعه مخصرة) (6).
وروى الشيخان، عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - قال: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القبر، وجلسنا حوله، كأن على رؤوسنا الطير) (7) والله أعلم.
الثامن: في أمره - صلى الله عليه وسلم - أهله أن يصنعوا طعاما لمن مات لهم ميت، وسيرته في التعزية.
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن أسماء بنت عميس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه نعي جعفر خرج إلى أهله، فقال: (إن آل جعفر قد شغلوا بشأن
__________
(1) أحمد في المسند 4 / 294.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 32 من طريق ابن عباس وعزاه للطبراني في الكبير وقال وفيه ابن لهيعة وفيه كلام.
(3) ابن ماجه 1 / 499 (1567) وبنحوه عند مسلم 2 / 668 (97 / 972) وأبو داود 3 / 217 (3229) والترمذي (1050).
(4) أحمد في المسند 1 / 63 والترمذي 4 / 479 (2308) وقال حسن غريب وابن ماجه 2 / 1426 (4267).
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 60 وفيه حبيب بن أبي جبيرة قال الحسيني مجهول.
(6) البخاري 2 / 200 (1362) ومسلم (2 / 669) (102 / 974).
(7) أخرجه مسلم 2 / 667 (96 / 971) وأبو داود 3 / 213 (3212) والنسائي 4 / 64 وابن ماجه 1 / 494 (1549).
(*)(8/382)
ميتهم فاصنعوا لهم طعاما) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم) (2).
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن جرير بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: كنا نرى
الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة (3).
وروى البزار برجال الصحاح، عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن امرأة من الأنصار مات ابن لها، فجزعت عليه، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أصحابه فلما بلغ باب المرأة قيل للمرأة إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يدخل يعزيها، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أما إنه قد بلغني أنك جزعت على ابنك)، فقالت: يا رسول الله وما لي لا أجزع، وأنا رقوب لا يعيش لي ولد ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إنما الرقوب الذي يعيش ولدها، إنه لا يموت لامرأة مسلمة، أو امرئ مسلم نسمة - أو قال: ثلاثة من ولده فيحتسبهم إلا وجبت له الجنة)، فقال عمر وهو عن يمينه: بأبي أنت وأمي واثنين، قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: (واثنين) (4).
وروى الطبراني - بسند فيه ضعف - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عزي بابنته رقية قال: (الحمد لله (دفن) - وفي لفظ البزار: (موت) - البنات من المكرمات) (5).
__________
(1) أحمد 6 / 370 وابن ماجه 1 / 514 (1611) وفي إسناده أم عيسى مجهولة.
(2) أخرجه أحمد 1 / 205 وأبو داود 3 / 195 (3132) والترمذي 3 / 323 (998) وابن ماجه 1 / 514 (1610).
(3) ابن ماجه 1 / 514 (1612).
(4) البزار كما في الكشف 1 / 405 (857) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
(5) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي: 1 / 405 فيه عثمان بن عطاء ضعيف وأخرجه البزار كما في الكشف 1 / 375 (790).
(*)(8/383)
الباب العاشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في زيارة القبور
وفيه أنواع:
الأول: في إذنه - صلى الله عليه وسلم - في زيارتها بعد منعه.
روى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) (1).
وروى الإمام أحمد، عن أنس - رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي أنها تزق القلوب، وتدمع العين، فزوروها ولا تقولوا هجرا) (2).
وروى الإمام أحمد - برجال الصحيح - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة) (3).
الثاني: في زيارته - صلى الله عليه وسلم - القبور.
روى الإمام أحمد ومسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زار قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، ثم قال: (استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) (4).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله تعالى عنه - (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد قبور الشهداء، حتى إذا أشرفنا على حرة واقم، فدنونا منها فإذا قبور بمحنية فقلت يا رسول الله: قبور إخواننا هذه، قال: (هذه قبور أصحابنا)، فلما جئنا قبور الشهداء، قال: (هذه قبور إخواننا) (5).
__________
(1) أحمد في المسند 5 / 356 ومسلم 2 / 672 (106 / 977) وأبو داود 3 / 218 (3235) والترمذي 3 / 370 (1054).
(2) أحمد 3 / 250.
(3) أحمد 3 / 37.
(4) أحمد 2 / 441 ومسلم (2 / 671) حديث (108 / 976) وأبو داود 3 / 218 (3234) والنسائي 4 / 74 وابن ماجه 1 / 501 (1572).
(5) أحمد 1 / 161 وأبو داود 2 / 218 (2043).
(*)(8/384)
الثالث: في آدابه في زيارة القبور.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن يجلس أحدكم على جمر فيحرق ثيابه فيخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) (1).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والثلاثة، عن أبي مرثد الغنوي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا عليها) (2).
وروى الإمام أحمد والنسائي، عن عمرو بن حزم، - رضي الله تعالى عنه - قال: رأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أتكئ على قبر، فقال: (لا تؤذ صاحب القبر) (3).
وروى الطبراني، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يذهب إلى الجبان ماشيا، وأبو بكر وعمر) (4).
الرابع: فيما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا زار القبور.
روى الإمام أحمد والترمذي، وحسنه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبور أهل المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: (السلام عليكم يا أهل القبور، ويغفر الله لنا ولكم، أنتم السلف، ونحن بالأثر) (5).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون، أسأل الله لنا ولكم العافية) (6).
وروى مسلم، وأبو داود، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المقبرة فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون) (7).
زاد الطيالسي: (اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم).
__________
(1) أحمد 2 / 311 وأبو داود 3 / 217 (3228) والنسائي 4 / 78 وابن ماجه 1 / 499 (1566).
(2) أخرجه أحمد 4 / 135 ومسلم 2 / 668 (97 / 972) وأبو داود 3 / 217 (3229) والترمذي 3 / 367 (1050) والنسائي 2 / 53.
(3) أخرجه النسائي 4 / 78 وصححه الحافظ في الفتح 3 / 266 عقب شرحه لحديث (1361).
(4) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3 / 59 فيه من لم أعرفه.
(5) الترمذي 3 / 369 (1053).
(6) أحمد في المسند 5 / 353 ومسلم 2 / 671 حديث (104 / 975) والنسائي 4 / 77 وابن ماجه 1 / 494 (1547).
(7) مسلم (1 / 218) حديث (39 / 249) وأبو داود 3 / 219 (3237).
(*)(8/385)
وروى الطبراني - بسند جيد - عن مجمع بن جارية - رضي الله تعالى عنه - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المقبرة فلما انتهى إليها قال: (السلام على أهل القبور - ثلاث مرات - من كان منكم من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع، عافانا الله وإياكم) (1).
وروى مسلم، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما كان ليلتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لا حقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) (2).
وروى ابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (فقدته يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو بالبقيع، فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط، وإنا بكم لا حقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم) (3).
__________
(1) الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي 3 / 60 فيه إسماعيل بن عباس، وفيه كلام وقد وثق.
(2) مسلم 2 / 669 (102 / 974).
(3) ابن ماجه 1 / 493 (1546).
(*)(8/386)
الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الشهداء في الموت
روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، والبخاري، والأربعة، والدارقطني، عن جابر - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهما أكثر أخذا للقرآن، فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد)، وقال: (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم) (1).
وروى الثلاثة عنه، قال: (كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم فجاء منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم) (2).
وروى الإمام أحمد، عن هشام بن عامر الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - قال: (قتل أبي يوم أحد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (احفروا وأوسعوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا)، وكان أبي أكثرهم قرآنا فقدم)) (3).
وروى أبو داود عنه قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، فقالوا أصابنا قرح وجهد، فكيف تأمرنا ؟ فقال: (احفروا وأوسعوا القبر وعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر)، قيل: فأيهم يقدم ؟ قال (أكثرهم قرآنا) (4) ورواه النسائي بلفظ: (شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا يا رسول الله الحفر علينا بكل إنسان شديد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟: (احفروا وأوسعوا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر) إلى آخره) (5).
وروى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أمرنا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلى أحد أن تنزع عنهم الجلود والحديد، وأن يدفنوا بثيابهم ودمائهم (6).
وروى النسائي، عن عبد الله بن معية قال (أصيب رجلان من المسلمين يوم الطائف فحملا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر أن يدفنا حيث أصيبا) (7).
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 212 (1347) وأبو داود 3 / 196) (23138) والترمذي 3 / 354 (1036) والنسائي 4 / 50 وابن ماجه 1 / 485 (1014).
(2) أبو داود 3 / 202 (3165) والترمذي 4 / 187 (1717) وقال حسن صحيح والنسائي 4 / 65 وابن ماجه 1 / 486 (1516).
(3) أحمد 4 / 19 والترمذي 4 / 185 (1713).
(4) أبو داود 3 / 214 (3215).
(5) النسائي 4 / 68.
(6) أبو داود 3 / 195 (3134) وابن ماجه 1 / 485 (1515).
(7) النسائي 4 / 65.
(*)(8/387)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة
الباب الأول في بعثه - صلى الله عليه وسلم - العمال لأخذها من الأغنياء وردها على الفقراء ووصيته عماله بالعدل وآدابه في الصدقة
روى البخاري، عن عقبة بن الحارث (1) - رضي الله تعالى عنه - قال: ((صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر فأسرع ثم دخل البيت، فلم يلبث أن خرج، فقلت، أو قيل له، فقال: (كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته) (2).
وروى الشيخان، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: (غدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه، فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة) (3).
وروى الإمام أحمد عنه: قال: (دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسم غنما في آذانها) (4).
وروى أبو داود، والطبراني - برجال الصحيح - عن أنس مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعيا فقال: (انظر) وفي لفظ: (انطلق أبا مسعود، ولا ألقينك تجئ يوم القيامة على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء [ قد ] غللته))، قال: ما أنا بسائر في وجهي هذا، قال: (إذن لا أكرهك) (5).
وروى الطبراني - برجال الصحيح - عن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - والإمام الشافعي، عن طاوس - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه على الصدقة فقال: (يا أبا الوليد اتق الله، لا تأت يوم القيامة بيعير تحمله له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها يعار)،
__________
(1) عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل النوفلي أبو سروعة بكسر المهملة الأولى المكي - أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه.
له أحاديث.
انفرد له البخاري بثلاثة.
وعنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن أبي مليكة.
الخلاصة 2 / 235.
(2) أخرجه البخاري في كتاب العلم (1430).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة (1502).
(4) أحمد 3 / 171.
(5) أبو داود 3 / 135 (2947) والطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3 / 86 رجاله رجال الصحيح.
(*)(8/388)
ولفظ الشافعي (تيعر لها ثواج قال يا رسول الله: (إن ذلك لكذلك، قال: (أي والذي نفسي بيده) زاد الشافعي (إلا من رحم الله) قال: (والذي بعثك بالحق لا أعمل لك على شئ أبدا) ولفظ الشافعي (لا أعمل على اثنين أبدا) (1).
وروى البزار - برجال الصحيح - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (بعث
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن عبادة مصدقا فقال يا سعد: (اتق الله أن تجئ يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء) قال: لا آخذه أعفني، فأعفاه) (2).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، في زوائد المسند وأبو داود، عن أبي بن كعب، - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه مصدقا على بني عذرة، وجميع بني سعد بن هذيم بن قضاعة.
قال: فصدقتهم الحديث) (3).
وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله تعالى عنه - قال: (بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعيا فاستأذنته أن آكل من الصدقة، فأذن لي) (4).
وروى الترمذي، وحسنه، والدارقطني، عن أبي جحيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: بعث فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعيا فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردها على فقرائنا، فكنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصا) (5).
وروى الإمام الشافعي، عن ابن سعر عن سعر أخي بني عدي - رضي الله تعالى عنه - قال: (جاءني رجلان فقالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا نصدق أموال الناس قال (أخرجت لهما شاة ماخضا أفضل ما وجدت فرداها علي وقالا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى، فأعطيتهما شاة من وسط الغنم فأخذاها) (6).
وروى الطبراني - بسند ضعيف - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث السعاة على الصدقات أمرهم بما أخذوا من الصدقات أن تجعل في ذوي قرابة من أخذ منهم الأول فالأول إن لم يكن له قرابة، فلأولى العشيرة، ثم لذي الحاجة من الجبران وغيرهم) (7).
__________
(1) أخرجه الشافعي في المسند (1 / 246) حديث (667) والطبراني في الكبير قال الهيثمي 2 / 86 رجاله رجال الصحيح.
(2) أخرجه البزار كما في الكشف 1 / 425 (898) ورجاله رجال الصحيح.
(3) أحمد في المسند 5 / 142.
(4) أحمد في المسند 4 / 145.
(5) الترمذي 3 / 40 (649) والدارقطني 2 / 136.
(6) الشافعي في المسند 1 / 239 (652).
(7) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ضعيف المجمع 3 / 87.
(*)(8/389)
وروى الأئمة: إلا مالكا، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذا إلى اليمن، فقال إنك تقدم على قوم أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله عز وجل فأخبرهم أن الله عز وجل قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم أن الله - عز وجل - قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإذ أطاعوا فخذ منهم، توق كرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) (1).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والدارقطني، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد، والعباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس فعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي علي ومثلها معها) وفي رواية (فهي عليه ومثلها معها صدقة) ثم قال: (يا عمر: أما علمت أن العم صنو أبيه) (2).
وروى الدارقطني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر ساعيا، فأتى العباس يطلب صدقة ماله، فأغلظ له العباس فخرج إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام، والعام المقبل) (3) ورواه ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجل من العباس صدقة سنتين) (4).
وروى الحارث، والطبراني - بسند جيد - عن قرة بن دعموص - رضي الله تعالى عنه - قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الضحاك بن قيس ساعيا على قومي فلما رجع فجاء بإبل جلة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (أتيت هلال بن عامر، ونمير بن عامر، وعامر بن ربيعة، فأخذت جلة أموالهم)، فقال: يا رسول الله إني سمعتك تذكر الغزو فأردت أن آتيك بإبل تركبها، وتحمل أصحابك، فقال: (والله للذي تركت أحب إلي من الذي جئت به، اذهب فارددها عليها، وخذ من حواشي أموالهم) (5).
__________
(1) البخاري (3 / 307) حديث (1395، 1458، 1496) ومسلم (1 / 50) حديث (29 / 19) وأبو داود 2 / 104 (1584) والترمذي 3 / 21 (625) والنسائي 5 / 41 وابن ماجه 1 / 568 (1783).
(2) البخاري 3 / 388 (1468) ومسلم 2 / 676 (983) وأبو داود 2 / 115 والدارقطني 2 / 123 وانظر شرح السنة 3 / 340.
(3) الدارقطني 2 / 124.
(4) أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي 3 / 79 فيه محمد بن ذكوان فيه كلام وقد وثق.
(5) الطبراني في الكبير 19 / 34 وقال الهيثمي: 3 / 82 راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح.
(*)(8/390)
وروى الإمامان الشافعي، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال: (استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من الأزد يقال له ابن الأتبية) وفي لفظ (يدعي ابن اللتبية على صدقات بني سليم - فلما جاء حاسبه، فقال: هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فهلا جلست في بيت أمك وأبيك حتى تأتيك هديتك - إن كنت صادقا) ثم قام خطيبا، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: (أما بعد: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: (هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته ؟ إن كان، والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله تعالى يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء أو
بقرة لها خوار، أو شاة تيعر) ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، قال: (اللهم هل بلغت ؟) (1).
وروى مسلم، عن عدي بن عميرة الكندي - رضي الله تعالى عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة) فقام إليه رجل أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه، فقال يا رسول الله: اقبل عني عملك، قال: (وما لك ؟) قال: سمعتك تقول كذا وكذا قال: (وأنا أقوله الآن، من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ وما نهي عنه انتهى) (2).
وروى ابن ماجه عن العلاء الحضرمي - رضي الله تعالى عنه - قال: (بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البحرين - أو إلى هجر - فكنت آتي الحائط يكون بين الإخوة يسلم أحدهم فآخذ من المسلم العشر، ومن المشرك الخراج) (3).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق.
الميم بميم مكسورة، فتحتية ساكنة، فسين مهملة مكسورة، فميم: حديدة يكوى بها.
رغاء - براء مضمومة، فغين معجمة، فألف: صوت الإبل.
الغلول - بغين معجمة، فلام مضمومتين فواو فلام: الخيانة في الغنيمة.
__________
(1) الشافعي في المسند 1 / 246 (668) وأحمد 3 / 423 والبخاري 2 / 468 حديث (625، 1500، 2597، 6636).
وأبو داود 3 / 134 (2946).
(2) مسلم (3 / 1465) حديث (30 - 1833).
(3) ابن ماجه 1 / 586 (1831) قال البوصيري إسناده ضعيف.
(*)(8/391)
خوار - بضم الخاء المعجمة، وواو، وألف، وراء.
يعار - بتحتية، فعين مهملة، فألف، فراء: صياح.
القلوص - بقاف مفتوحة فلام، فواو، فصاد مهملة.
الشابة من البقر والغنم والظباء.
أعتاده - بهمزة مفتوحة، فعين مهملة ساكنة.
صنو أبيه - بصاد مهملة، فنون ساكنة، فواو: مثله.
اللتبية: بلام مضمومة، وفوقية ساكنة، فموحدة مكسورة، فتحتية فتاء تأنيث.(8/392)
الباب الثاني في وصيته - صلى الله عليه وسلم - لأرباب الأموال ودعائه لمن أحسن، وعلى من أساء في الصدقة
روى مسلم عن جرير بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إذا أتاكم المصدق فليصدر عنكم وهو عنكم راض) (1).
وروى أبو داود، والبزار، برجال ثقات، عن جابر بن عتيك - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا جاؤوكم فرحبوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يتبعون، فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليهم وارضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم، وليدعوا لكم) (2).
وروى ابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها، أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنما، ولا تجعلها مغرما) (3).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: (اللهم صلى على آل فلان)، فأتاه أبي بصدقته فقال: (اللهم صلى على آل أبي أوفى) (4).
وروى النسائي، عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعيا فأتى رجلا فأتاه فصيلا مخلولا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (بعثنا مصدق الله ورسوله، وإن فلانا أعطاه فصيلا مخلولا اللهم لا تبارك فيه، ولا في إيله) فبلغ ذلك الرجل،
فجاء بناقة حسناء، فقال: أتوب إلى الله، وإلى نبيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بارك فيه وفي إبله) (5).
وروى أبو يعلى عن جمرة - رضي الله تعالى عنها - قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإبل الصدقة، فمسح برأسي ودعا لى بخير) (6).
__________
(1) مسلم 2 / 757 (177 / 1989) والترمذي 3 / 39 (647) والشافعي 1 / 240 (653).
(2) أبو داود 2 / 105 (1588).
(3) ابن ماجه 1 / 573 (1797) قال البوصيري في الزوائد: في إسناده الوليد بن مسلم كان مدلس والبختري متفق على ضعفه.
(4) أحمد 4 / 353 والبخاري 3 / 423 (1497، 4166، 6332، 6359)، ومسلم 2 / 56 (176 / 1078) وأبو داود 2 / 106 (1590) والنسائي 5 / 22 وابن ماجه 1 / 572 (1796).
(5) النسائي 5 / 21.
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 266.
(*)(8/393)
الباب الثالث في فرضه - صلى الله عليه وسلم - الزكاة المالية وأنواعها على التعيين
وفيه أنواع: الأول: في زكاة النعم، وفيه فروع.
الأول: في أحاديث مشتركة.
روى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، والدارقطني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - لما استخلف كتب له حين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، (بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين والتي أمر الله - عز وجل - بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط).
في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى.
فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين، ففيها حقة طروقة الجمل.
فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة.
فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتالبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل.
فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
وإن تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة، وعنده حقة، فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما.
ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين، إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون، وليست عنده بنت لبون وعنده بنت مخاص، فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن(8/394)
استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض، وليس عنده إلا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه، وليس معه شئ ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل نليست فيها صدقة إلا أن يشاء ربها فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة.
وصدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإن زادت على
عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإن زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه فإن زادت على ثلاثمائة، ففي كل مائة شاة، (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المصدق وما كان خليطين فإنهما يتراجعان بينهما السوية فإن زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة، شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها).
ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة (1).
الفرع الثاني في فرضه - صلى الله عليه وسلم - زكاة البقر.
روى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدقة البقر إذا بلغ البقر ثلاثين، ففيها تبيع من البقر جذع أو جذعة، حتى تبلغ أربعين).
(فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، فإذا كثرت البقر ففي كل أربعين من البقر مسنة) (2).
وروى الإمام أحمد، واللفظ له، والأربعة، والدارقطني، عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - قال: (بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا، ومن كل أربعين مسنة، ففرضوا علي أن آخذ ما بين الأربعين أو الخمسين، وبين الستين و السبعين، وما بين الثمانين، والتسعين، فأبيت ذلك وقلت لهم: حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة والمائة مسنتين وتبيعا، ومن العشرين ومائة: ثلاث مسنات، أو أربعة أتباع، وأمرني ألا آخذ فيما بين ذلك، وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها.
والوقص ما بين الفريضتين (3).
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 365 (1448، 1450، 1451، 1453، 1455، 2487، 3106، 5878، 6955).
وأبو داود 2 / 96 (1567) والنسائي 5 / 13 والدارقطني 2 / 113 والبيهقي 4 / 85.
(2) أحمد 1 / 411 والترمذي 3 / 19 (622) وابن ماجه 1 / 577 (1804).
(3) أحمد 5 / 240 وأبو داود 2 / 101 (1576) والترمذي 3 / 20 (623) والنسائي 5 / 17 وابن ماجه 1 / 576 (1803).
(*)(8/395)
الثاني: في عفوه عن الخيل والرقيق.
روى أبو داود، عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قد عفوت لكم عن الخيل، والرقيق) (1).
وروى الأئمة، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس على المسلم صدقة في فرسه، ولا في عبده، إلا في صدقة الفطر) (2).
الفرع الثالث: في فرضه - صلى الله عليه وسلم - زكاة النقدين: الذهب والفضة.
روى الدارقطني، عن أبي كثير مولى بني جحش (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه - حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ من كل أربعين دينارا دينارا، ومن كل مائتي درهم خمسة دراهم) (3).
وروى ابن ماجه، والدارقطني، عن ابن عمر، وعائشة - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من كل عشرين دينارا فصاعدا نصف دينار، ومن الأربعين دينارا) (4).
الثالث: في فرضه - صلى الله عليه وسلم - زكاة الحلي.
وروى الإمام أحمد، والأربعة، والدارقطني، عن ابن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - (أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها، وفي أيديهما مسكتان فقال: (أتعطين زكاة هذا ؟) قالت: لا، قال: (أيسركما أن يسوركما الله عز وجل بسوارين من نار ؟ قلن: لا قال: (فأديا زكاته) فخلعتاهما، وقالتا: هما لله ورسوله) (5).
الفرع الرابع: في فرضه - صلى الله عليه وسلم - زكاة المعشرات، والثمار والخضراوات.
روى الإمام الشافعي، والبخاري، والأربعة، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (فيما سقت السماء، والعيون، والأنهار، أو كان بعلا) وفي لفظ (عثريا، العشر وما سقي بالسواقي أو النضح نصف العشر) (6).
__________
(1) أبو داود 2 / 101 (1574).
(2) أبو داود 2 / 108 (1595) والترمذي 3 / 23 (628) والنسائي 5 / 25 وابن ماجه 1 / 579 (1812).
(3) الدارقطني 2 / 95.
(4) ابن ماجه 1 / 571 (1791) وفيه إبراهيم بن إسماعيل ضعيف.
(5) أحمد 2 / 208 وأبو داود 2 / 95 (1563) والنسائي 5 / 28 والدارقطني 2 / 108.
(6) البخاري 3 / 407 (1483) ومسلم 2 / 75 (982) وأبو داود 2 / 108 (1596) والنسائي 5 / 31 والترمذي 3 / 32 (640) وابن ماجه 1 / 581 (1817).
(*)(8/396)
وروى النسائي، والبيهقي، والدارقطني، عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - قال: (بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وأمرني أن آخذ مما سقت السماء وما سقي بعلا العشر وما سقي بالدوالي نصف العشر) (1).
الفرع الخامس: في هديه - صلى الله عليه وسلم - في خرص العنب والرطب.
روى الإمام الشافعي، والترمذي، وابن ماجه، عن عتاب بن أسيد - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرمهم وثمارهم) (2).
وروى الدارقطني عنه، قال: (أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أخرص أعناب ثقيف كخرص النخل، ثم يؤدى زكاته، كما يؤدى زكاة النخل تمرا) (3).
وروى الإمام أحمد، والثلاثة، عن سهل بن أبي حثمة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا خرصتم فجدوا ودعوا الثلث، فإن لن تدعوا الثلث فدعوا الربع) (4).
وروى الإمام أحمد، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث ابن رواحة إلى خيبر، يخرص عليهم، ثم خيرهم أن يأخذوا أو يردوا فقالوا هذا الحق، بهذا قامت السماء والأرض) (5).
وروى الطبراني مرسلا - بسند صحيح - عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم قال (إنما خرص ابن رواحة على أهل خيبر عاما واحدا، فأصيب يوم مؤتة، ثم إن جبار بن صخر بن خنساء كان يبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ابن رواحة فيخرص عليهم) (6).
وروى الطبراني - عن رافع بن خديج - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث فروة بن عمرو يخرص النخل، فإذا دخل الحائط حسب ما فيه من الأقناء ثم ضرب ببعضها على بعض على ما فيها ولا يخطئ (7).
وروى الحارث بلفظ: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا إلى قوم يطمس عليهم نخلهم،
__________
(1) النسائي 5 / 31 والدارقطني 2 / 97 والبيهقي 4 / 131.
(2) الشافعي في المسند (1 / 243) حديث (661) والترمذي 3 / 36 (644) وابن ماجه 1 / 582 (1819).
(3) أخرجه الدارقطني 2 / 132 والبيهقي 4 / 121.
(4) أحمد 3 / 448 وأبو داود 2 / 110 (1605) والترمذي 3 / 35 (643) و النسائي 5 / 32.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 79 وعزاه لأحمد وقال وفيه العمري فيه كلام.
(6) الطبراني في الكبير قال الهيثمي مرسل، وإسناده صحيح المجمع 3 / 79.
(7) الطبراني في الكبير بإسناد ضعيف المجمع 3 / 76.
(*)(8/397)
فأتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أتانا فلان يطمس علينا نخلنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد بعثته وإنه في نفسي لأمين، فإن شئتم أخذتم ما طمس عليكم، وإن شئتم أخذناه ورددناه عليكم، فقالوا هذا الحق، وبالحق قامت السموات والأرض) (1).
وروى الطبراني، والدارقطني، عن سهل بن أبي حثمة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أباه
خارصا فجاء رجل فقال: يا رسول الله إن أبا حثمة زاد علي، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا حثمة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن ابن عمك يزعم أنك قد زدت عليه، فقال: يا رسول الله قد تركت له عرية أهله وما تطعمه المساكين، وما يصيب الريح، فقال: قد زادك ابن عمك وأنصف) (2).
وروى أبو داود، والدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث ابن رواحة فيخرص النخل، حين تطيب الثمار، قبل أن يؤكل منه، ثم يخير يهود بذلك الخرص، أو يدفعوه إليه، لكي يحصي الزكاة قبل أن تؤكل الثمار، أو تفرق) (3).
وروى أبو داود، والنسائي، والبيهقي، والدارقطني، عن عوف بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: (دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وبيده عصا، وقد علق رجل منا حشفا فطعن بالعصا في ذلك القنو وقال: (لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها، وقال: إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة) (4).
وروى أبو داود، والدارقطني، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (أفاء الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر فأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كانوا وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها) زاد الدارقطني فقال: (يا معشر يهود: أنتم أبغض الخلق إلي، قتلتم أنبياء الله وكذبتم على الله) (5).
السادس: في زكاة العروض والمعدن والركاز.
روى أبو داود، عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه - قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا أن نخرج الصدقة فيما نعده للبيع) (6).
__________
(1) ذكره ابن حجر في المطالب العالية 1 / 243 (842).
(2) الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف المجمع 3 / 76.
(3) أبو داود 2 / 110 (1606) والدارقطني 2 / 134.
(4) أبو داود 2 / 111 (1608) والنسائي 5 / 32 والبيهقي 4 / 136.
(5) أبو داود 3 / 263 (3410).
(6) أبو داود 2 / 95 (1562).
(*)(8/398)
وروى الأئمة، إلا الدارقطني، عن أبي هريرة والإمام أحمد عن جابر وابن ماجه عن ابن عباس والإمام أحمد عن أنس والإمام الشافعي عن ابن عمرو: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (في الركاز الخمس) (1).
وروى أبو داود، والبيهقي، عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب - رضي الله عنها - (وكانت تحت المقداد قالت: ذهب المقداد) (2).
السابع: في زكاة مال اليتيم.
روى الترمذي، والدارقطني، عن ابن عمرو - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فقال: ألا من ولي يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) (3).
وروى الإمام الشافعي، مرسلا، عن يوسف بن ماهك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ابتغوا في مال اليتامى لا تذهبها أو لا تستأصلها الصدقة) (4).
تنبيه في بيان غريب ما سبق.
الجذع - تقدم غير مرة.
المسنة - بميم مضمومة، فسين مهملة مكسورة، من البقر والغنم التي طلع سنها في السنة الثالثة.
الوقص - بواو فقاف مفتوحتين فصاد، مهملة: ما بين الفريضتين كالزيادة على خمس من الإبل إلى تسع.
المسكة - بميم فسين مهملة فكاف، فتاء تأنيث: السوار.
السواني - بسين مهملة، فواو مفتوحتين، فألف، فنون، فتحتية: جمع سانية، وهي الناقة
التي يستقى عليها.
__________
(1) حديث أبي هريرة عند أحمد 2 / 228 والبخاري 3 / 426 حديث (1499، 2355) ومسلم (3 / 1334) حديث (45 / 1710) وأبو داود 3 / 181 (3085) والترمذي 3 / 134 (642) وقال حسن صحيح والنسائي 5 / 33 وابن ماجه 2 / 839 (2509).
وحديث جابر عند أحمد 3 / 335 وحديث أنس أخرجه أحمد والشافعي في المسند (1 / 248) باب في الركاز والمعادن.
(3) أخرجه الترمذي 3 / 32 (641) وفيه المثنى بن الصباح ضعيف.
(4) الشافعي في المسند (1 / 224) حديث (614).
(*)(8/399)
الأقناء - بهمزة مفتوحة، فقاف ساكنة جمع قنو.
بقاف مكسورة فنون ساكنة فواو العذق بما فيه من الرطب.
يطمس - بتحتية، فطاء مهملة ساكنة، وميم مكسورة وهو استئصال أثر الشئ.
العرية - بعين مهملة مفتوحة، فراء مكسورة، فتحتية مشددة، فتاء تأنيث، هبة تمر النخل.
التبيع - بمثناة فوقية مفتوحة، فموحدة مكسورة، فمثناة تحتية، فعين مهملة: ولد البقر أول سنة.(8/400)
الباب الرابع في الحول، وأخذه الزكاة ممن عجلها
روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن العباس - رضي الله تعالى عنه - (سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل الزكاة قبل أن يحول عليه الحول، مسارعة إلى الخير فأذن له) (1).
وروى الدارقطني، عن موسى بن طلحة.
عن طلحة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا عمر -
أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه، إنا كنا احتجنا إلى مال، فتعجلنا من العباس صدقة ماله لسنتين) (2).
وروى أيضا عن ابن عباس قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر ساعيا) (3).
وروى الترمذي، والدارقطني، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه (4).
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 104 وأبو داود 2 / 115 (1624) والترمذي 3 / 63 (678) والدارقطني 2 / 123.
(2) الدارقطني 2 / 124.
(3) الدارقطني 2 / 124.
(4) الترمذي 3 / 25 (631) وأخرجه البيهقي 4 / 104 وابن الجوزي في العلل المتناهية 2 / 4.
(*)(8/401)
الباب الخامس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الفطر
روى الأئمة، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل عبد وحر، وصغير وكبير، من المسلمين) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود والدارقطني، عن عبد الله بن ثعلبة - رضي الله تعالى عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس قبل الفطر بيومين، فقال: (أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر، وعبد، صغير، وكبير)) (2).
وروى الدارقطني، عن ابن عمرو (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث مناديا في فجاج مكة ألا إن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم، على كل ذكر وأنثى، حر وعبد، وصغير وكبير: مدان من قمح، أو صاع مما سواه من الطعام) (3).
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 432 (1504) ومسلم 2 / 677 (984) وأبو داود 2 / 112 (1612) والترمذي 3 / 61 (676)
والنسائي 5 / 34 وابن ماجه 1 / 584 (1829).
(2) أحمد 5 / 432 وأبو داود 2 / 114 (1620) والدارقطني 2 / 147.
(3) الدارقطني 2 / 141.
(*)(8/402)
الباب السادس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المد والصاع والوسق (1).
الباب السابع فيمن حرم - صلى الله عليه وسلم - الصدقة عليه ومن أحلها له
وفيه أنواع: الأول: روى مسلم عن قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها)، قال ثم قال: (يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا) (2).
__________
(1) سقطت الأخبار التي أوردها في هذا الباب.
(2) أخرجه مسلم (2 / 722) حديث (109 / 1044) وأبو داود 2 / 120 (1640) والنسائي (2579) (2580) وأحمد 3 / 477.
(*)(8/403)
الباب الثامن في حثه - صلى الله عليه وسلم - على صدقة التطوع إذا نظر المحتاج
روى الشيخان، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انفحي، أو انضحي، أو أنفقي، ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك) (1).
وروى الشيخان، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، والنسائي، عن أم بجيد، وكانت ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئا أعطيه إياه فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن لم تجدي شيئا تعطيه إياه إلا ظلفا محرقا فادفعيه إليه في يده) (3).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، عن جرير بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر النهار فجاءه قوم عراة، مجتابي النعال والعباء، متقلدي السيوف (4).
تنبيهات انفحي - بهمزة فنون ساكنة ففاء فحاء مهملة من النفح وهو: الضرب.
انضحي - بهمزة فنون ساكنة فضاد معجمة فحاء مهملة من النضح وهو الرش، فأمرها بكثرة ما يخرج من رشاش النضح.
والفرسن - بفاء مكسورة فراء ساكنة فسين مهملة فنون.
عظم قليل اللحم.
وهو خف البعير كالحافر للدابة.
وقد يستعار للشاة فيقال فرسن شاة.
وهو الظلف بظاء معجمة مشالة مكسورة فلام ساكنة.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الهبة (2591): ومسلم 2 / 713 (88 / 1029).
(2) أخرجه البخاري 10 / 459 (6017) ومسلم (2 / 714) حديث (90 / 1030).
(3) أحمد 6 / 382 وأبو داود 2 / 126 (1667) والترمذي 3 / 52 (665) والنسائي 5 / 61.
(4) مسلم (2 / 704) حديث (69 / 1017) وأحمد 4 / 361 والنسائي 5 / 56 وابن ماجه 1 / 74 (203).
(*)(8/404)
الباب التاسع في تصدقه - صلى الله عليه وسلم - بقليل وكثير
وروى الإمام أحمد بسند جيد، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائل فأمر له بتمرة، فلم يأخذها أو وحش بها، ثم أتى سائل آخر فأمر له بتمرة فقال سبحان الله، تمرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للجارية (اذهبي إلى أم سلمة، فأعطيه الأربعين درهما التي عندها) (1).
وروى الزجاجي في (آماليه) عن أنس بن مالك أن سائلا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه تمرة، فقال السائل نبي من الأنبياء يتصدق بتمرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إنما علمت فيها مثاقيل ذر كثيرة).
ووحش - بواو أي رمى بها.
__________
(1) أحمد 3 / 155، 260.
(*)(8/405)
الباب العاشر في أوقافه - صلى الله عليه وسلم - وهي الصافية
معروفة اليوم شرقي المدينة بجرع زهيرة تصغير زهرة.
وبرقة - بموحدة مفتوحة، فراء ساكنة، فقاف مفتوحة فتاء تأنيث، وهي هنا ما مال من قبل المدينة، مما يلي الشرق، وناحيتها شهدت بها.
والدلال - بفتح الدال المهملة، وهي في الأصل حسن الشكل والقبح مال بالمدينة مريح ومعروف قبل الصافية قبل المليكي وقف المدرسة الشهابية.
الميثب - بميم مكسورة فتحتية ساكنة فمثلثة مفتوحة، فموحدة، وهو في الأصل: الأرض السهلة، وهو هنا: مال بالمدينة وهو غير معروف اليوم.
ويؤخذ من كلام الزهري الآتي قرية من الثلاثة قبله.
قال ابن شهاب الأربع متجاورات بأعلى الصورين، من خلف قصر مروان بن الحكم.
والأعواف بهمزة مفتوحة فعين مهملة ساكنة، فواو كما ذكره أو راء وحسنى يسقيه مهزور وضبط المراغي، بخطه - بضم الحاء وسكون السين المهملتين ثم نون مفتوحة، وأقره السيد في النور: هو بكسر الحاء وإسكان السين المهملتين ثم نون مقصور هكذا في النسخ أي نسخ العيون.
قال ابن شهاب يسقيها مهزور، وهو من ناحية القف.
انتهى.
وقول المراغي: إنه لا يعرف اليوم، ولعله تصحيف من الحنا بالنون بعد الحاء، وهو معروف غير صحيح أنه من عدة مواضع من كتب أخبار المدينة بخاء فسين فنون وقد سبق أنه بالقف ويثرب بمهزور والحنا شرقي الماجشونية، ولا يثرب بمهزور.
قال السيد: ويظهر لي أنه الموضع المعروف بالحسنيات قرب جزع الدلال.
إذ هو بجهة القف أو يثرب لمهزور.
ومشربة أم إبراهيم - رضي الله تعالى عنهما - أما المشربة في الأصل: الإناء يشرب فيه.
قال ابن شهاب: إذا خلفت بيت مدارس اليهود فجئت مال عبيدة بن عبيد الله بن مرة فمشربة أم إبراهيم إلى جنبه.
وإنما سميت مشربة أم إبراهيم، لأن أمه مارية ولدته فيها وهي معروفة بالعالية.
تنبيهات الأول: روى ابن سعد، عن محمد بن كعب القرظي.
قال: كانت الحبس على عهد(8/406)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبس سبعة حوائط بالمدينة.
الأعواف، والصافية، والدلال والميثب وبرقة وحسنى ومشربة أم إبراهيم (1).
الثاني: اختلفوا في يد من كانت قبل أن تصل إلى يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل إنها
كانت من أموال مخيريق.
وروى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: (أول صدقة في الإسلام وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قتل مخيريق بأحد وأوصى إن أصبت فأموالي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتصدق بها) (2).
وروى أيضا عن عمر بن عبد العزيز قال في خلافته بخناصرة سمعت بالمدينة - والناس بها يومئذ كثير - من مشيخة المهاجرين والأنصار أن حوائط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني التي وقف - من أموال مخيريق.
وقال: إن أصبت فأموالي إلى محمد يضعها حيث أراه الله.
وقتل يوم أحد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مخيريق خير يهود) (3).
وقيل: (إنها من أموال بني النضير) (4).
وروى ابن سعد، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة قال: (كانت صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أموال بني النضير وهي سبعة، ثم ذكر ما تقدم، ثم قال: وكان ذلك المال، لسلام بن مشكم النضيري) (5).
وروى أيضا عن عثمان بن وثاب قال: (ما هذه الحوائط إلا من أموال بني النضير، لقد رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحد ففرق أموال مخيريق) (6).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الصافية جرع - بجيم فراء مفتوحتين فعين مهملة: الضيعة.
مهزور - بميم فهاء فزاي فواو فراء.
القف - بقاف مضمومة، ففاء، واد من أودية المدينة عليه ماء لأهلها.
مخيريق - بالخاء المعجمة والقاف مصغرا.
__________
(1) انظر الطبقات 1 / 183.
(2) الطبقات 1 / 182.
(3) الطبقات الكبرى 1 / 182.
(4) الطبقات 1 / 183.
(5) الطبقات الكبرى 1 / 183.
(6) المصدر السابق.
(*)(8/407)
الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في السائلين
وفيه أنواع: الأول: في إرشاده - صلى الله عليه وسلم - السائل القوي إلى الاكتساب: روى الإمام أحمد، والنسائي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله، فقال: (أما في بيتك شئ ؟) قال: بلى حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء، قال: (ائتني بهما)، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
الثاني: لم يكن - صلى الله عليه وسلم - يكل صدقته إلى غير نفسه.
روى أحمد بن منيع، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكل صدقته إلى غير نفسه، حتى يكون هو الذي يضعها في يد السائلين).
(ورواه ابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -) (2).
وروى ابن سعد، عن زياد بن أبي زياد - مولى عياش بن أبي ربيعة - قال: (كانت خصلتان لا يكلهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحد: الوضوء من الليل حين يقوم، والسائل يقوم حتى يعطيه) (3).
الثالث: في إعطائه لقوم وتركه لآخرين: روى الإمام أحمد، برجال ثقات، عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والبزار عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: (إني لأعطي أقواما أتألفهم
ورجالا لا أعطيهم شيئا أكلهم إلى إيمانهم منهم فرات بن حيان) (4).
__________
(1) أحمد في المسند 3 / 114 وأبو داود 2 / 120 (1641) والترمذي 3 / 522 (1218).
(2) بنحوه أخرجه ابن ماجه (362).
(3) الطبقات 1 / 93.
(4) أحمد (1 / 176) البزار كما في الكشف 3 / 280.
(*)(8/408)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصوم والاعتكاف
الباب الأول في ابتدائه ودعائه - صلى الله عليه وسلم - ببلوغ رمضان، وبشارته أصحابه بقدومه.
صام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات
وفيه أنواع: الأول: [ في ابتدائه ].
روى الإمام أحمد، وأبو داود، عن معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه - قال: (أحيل الصيام ثلاثة أحوال، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويصوم يوم عاشوراء فأنزل الله عز وجل (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) [ البقرة: 183 ] (1).
الثاني: في دعائه - صلى الله عليه وسلم - ببلوغ رمضان: روى البزار، والطبراني، من طريق زائدة بن أبي الرقاد، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل رجب يقول: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) (2).
الثالث: في بشارته - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بقدوم رمضان.
روى الإمام أحمد، واللفظ له، والنسائي، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشر أصحابه بقدومه، يقول (قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عز وجل عليكم صيامه.
يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم) (3).
وعن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (سبحان الله ماذا استقبلكم وماذا تستقبلون)، ثلاث مرات، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أوحي
__________
(1) أحمد في المسند 5 / 246 وأبو داود 1 / 140 (507).
(2) البزار والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: 4 / 14 فيه زائدة بن أبي الرقاد فيه كلام وقد وثقه.
(3) أحمد في المسند 2 / 384 والنسائي 4 / 104.
(*)(8/409)
نزل ؟ قال: لا، قال: عدو حضر ؟ قال: لا، قال: فماذا ؟ قال: (إن الله عز وجل يغفر في أول ليلة من شهر رمضان لكل أهل هذه القبلة)، وأشار إليها بيده الحديث (1)، رواه ابن خزيمة، من طريق عمرو بن حمزة القيسي عن أبي الربيع، وقال: إن صح الخبر فإني لا أعرف خلفا أبا الربيع بعدالة ولا جرح، ولا عمرو بن حمزة القيسي الذي دونه.
انتهى.
وروى ابن خزيمة من زوائد كثير بن زيد، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أظلكم شهركم هذا، بمحلوف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما مر بالمسلمين شهر هو خير لهم منه ولا يأتي على المنافقين شهر شر لهم منه) الحديث (2).
وروى ابن سعد، عن ابن عباس وعائشة - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل شهر رمضان، أطلق كل أسير، وأعطى كل سائل) (3).
__________
(1) أخرجه ابن خزيمة في الصحيح بإسناد ضعيف (3 / 189) حديث (1885).
(2) أخرجه ابن خزيمة في الصحيح بإسناد ضعيف (3 / 188) (1884).
(3) الطبقات الكبرى 1 / 99.
(*)(8/410)
الباب الثاني فيما كان يقوله إذا رأى الهلال - وصيامه برؤية الهلال إذا رآه، وصومه بشهادة عدل واحد
وفيه أنواع: الأول: فيما كان يقوله إذا رأى الهلال، وأن الشهر يكون تسعا وعشرين.
روى ابن أبي شيبة، والطبراني، عن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: (الله أكبر، الله أكبر - الحمد لله، لا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وأعوذ بك من شر القدر، ومن شر الحشر) (1).
وروى الطبراني - برجال ثقات - عن عثمان بن إبراهيم الحاطبي - فيه ضعف - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: (اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله) (2).
وروى الطبراني - بسند حسن - عن رافع بن خديج - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: (هلال خير ورشد).
ثم قال: (اللهم إني أسألك من خير هذا الشهر وخير القدر، وأعوذ بك من شره)، ثلاث مرات (3).
وروى الطبراني - برجال ثقات - غير أحمد بن عيسى اللخمي فيحرر حاله، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: (هلال خير ورشد آمنت بالذي خلقك فعدلك) (4).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وحسنه، عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال قال: (اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله، هلال خير ورشد) (5).
وروى أحمد، ومسلم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - (الشهر هكذا، وهكذا)، وصفق بيديه مرتين بكل أصابعهما ونقص في الصفقة
__________
(1) قال الهيثمي 10 / 139 فيه راو لم يسم.
(2) رواه الطبراني قال الهيثمي فيه عثمان الحاطبي ضعيف المجمع 10 / 139.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 10 / 139.
(4) قال الهيثمي عن أحمد بن عيسى: لم أعرفه وبقية رجاله ثقات المجمع 10 / 139.
(5) أخرجه أحمد 1 / 162 والترمذي 5 / 470 (3451).
وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (18042).
(*)(8/411)
الثالثة إبهام اليمنى واليسرى ونحوه البخاري (1).
وروى الشيخان، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا، يعني: مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين)، ولفظ مسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، ثلاثا يعني: تمام الثلاثين) (2).
وروى الدارقطني عن جابر، والإمام أحمد، والترمذي، وأبو داود، عن ابن مسعود، والدارقطني، وقال: إسناده حسن صحيح، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالوا (ما صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين) (3).
الثاني: في صيامه - صلى الله عليه وسلم - يرؤية الهلال: وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والدارقطني، وصححه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه مد ثلاثين يوما ثم صام) (4).
وروى الأئمة، إلا الترمذي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان، فقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له) (5).
الثالث: في صيامه - صلى الله عليه وسلم - بشهادة عدل واحد: وروى أبو داود، وابن حبان، والدارقطني، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته فصام، وأمر الناس بالصيام) (6).
وروى أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: تمارى الناس في هلال رمضان، فقال بعضهم اليوم وقال بعضهم غدا، فجاء أعرابي من الحرة فشهد أنه رأى الهلال، فأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: رأيت الهلال
__________
(1) أخرجه أحمد 2 / 28 وأخرجه البخاري (4 / 143) حديث (1908، 1913) ومسلم (2 / 759) حديث (4 / 1080).
(2) البخاري 4 / 151 (1913) ومسلم 2 / 761 (15 / 1080).
(3) الدارقطني من حديث جابر 2 / 198 وفيه المسور وهو ضعيف وحديث ابن مسعود عند أحمد 1 / 397 وأبو داود 2 / 297 والترمذي 3 / 73 (689).
(4) أحمد 6 / 149 وأبو داود 2 / 298 (2325) والدارقطني 2 / 156.
(5) البخاري 4 / 143 (1906) ومسلم 2 / 759 (3 / 1080).
وأبو داود 2 / 297 (2320) والنسائي 4 / 108 وابن ماجه 1 / 529 (1654).
(6) أبو داود 2 / 302 (2342) والدارقطني 2 / 156.
(*)(8/412)
يعني: هلال رمضان، قال: (تشهد أن لا إله إلا الله) ؟ قال نعم قال: (تشهد أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية (وأن محمدا عبده ورسوله) وفي رواية (وأني رسول الله) قال نعم وشهد أنه رأى الهلال، قال: يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا) (1).
ورواه أبو داود والنسائي، والدارقطني، عن عكرمة مرسلا (2).
وروى الدارقطني، عن طاوس، - رحمه الله تعالى - قال (شهدت المدينة وبها ابن عمر، وابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - فجاء رجل إلى واليها، فشهد عنده على رؤية الهلال هلال رمضان فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزه، وقالا: (إن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان، قالا: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين) (3).
__________
(1) أبو داود 2 / 302 (2340) والترمذي 3 / 74 (691) وابن ماجه 1 / 529 (1652) والدارقطني 2 / 157.
(2) أبو داود 2 / 302 (2341) والنسائي 4 / 106 والدارقطني 2 / 159.
(3) الدارقطني 2 / 156 وقال: تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف الحديث.
(*)(8/413)
الباب الثالث في وقت إفطاره - صلى الله عليه وسلم - وما كان يفطر عليه، وما كان يقوله عند إفطاره وما كان يقوله إذا أفطر عند أحد، وسحوره، وإتمامه الصوم إذا رأى الهلال يوم الثلاثين
وفيه أنواع: الأول: في وقت إفطاره، وكونه قبل الصلاة.
روى مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعجل الفطر، ويؤخر السحور) (1).
وروى الشيخان، وأبو داود عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر في شهر رمضان، فلما غابت الشمس قال، (يا بلال: انزل فاجدع لنا، قال: لو انتظرت حتى تمسي) وفي لفظ (إن عليك نهارا)، قال: (انزل فاجدع لنا)، قال: يا رسول الله إن عليك نهارا قال: (انزل فاجدع لنا إذا رأيت)، وفي لفظ (إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، فقد أفطر الصائم) فنزل فجدع لهم فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (2).
وروى الإمام أحمد، عن قطبة بن قتادة السدوسي قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر إذا غربت الشمس) (3).
وروى ابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن حبان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط يصلي حتى يفطر ولو على شربة ماء (4).
وروى الطبراني، عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان صائما أمر رجلا يقوم على نشر من الأرض، فإذا قال: قد وجبت الشمس أفطر) (5).
وروى الطبراني، برجال الصحيح، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل فطرنا، وأن نؤخر سحورنا، وأن نصع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) (6).
__________
(1) أبو داود 2 / 305 (2354) والترمذي 3 / 83 (702) وقال حسن صحيح.
والنسائي 4 / 17.
(2) أخرجه البخاري 4 / 211 (1941، 1955، 1956، 1958، 5297) ومسلم 2 / 772 (52، 53 / 1101) وأبو داود 2 / 305 (2352).
(3) أحمد 4 / 78.
(4) انظر المجمع 3 / 155.
(5) الطبراني في الكبير قال الهيثمي فيه الواقدي وهو ضعيف المجمع 3 / 155.
(6) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 155 رجاله رجال الصحيح.
(*)(8/414)
وروى الطبراني، وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط صلى صلاة المغرب حتى يفطر، ولو كان على شربة من ماء) (1).
الثاني فيما كان يفطر عليه - صلى الله عليه وسلم -: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه، والدارقطني وصححه، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء) (2).
وروى الحارث برجال ثقات، والطبراني، إلا أن فيه انقطاعا عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم في الصيف ولا يصلي في الصيف المغرب إذا كان صائما حتى آتيه برطب، فيأكل ويشرب ثم يقوم فيصلي، وإذا كان الشتاء أتيته بتمر فيأكل ويشرب، ثم يقوم فيصلي) (3).
وروى عبد بن حميد، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرطب لم يفطر إلا على الرطب وإذا لم يكن الرطب لم يفطر إلا على التمر) (4).
وروى ابن عدي، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على الرطب، ويتسحر به ويجعله آخر سحوره) (5).
وروى أبو يعلى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يفطر على ثلاث ثمرات أو شئ لم تصبه النار) (6).
وروى الطبراني، عن طريق عباد بن كثير عنه أيضا، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر إذا كان صائما على اللين وجئته بقدح من لبن فوضعه إلى جانبه وهو يصلي) (7).
وروى الطبراني عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر في رمضان، فأفظر على تمر العجوة) (8).
__________
(1) تقدم.
(2) أحمد 3 / 164 وأبو داود 2 / 306 (2356) والترمذي 3 / 79 (696).
(3) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 156 فيه من لم أعرفه.
(4) ذكره الحافظ في المطالب (943) والمتقي الهندي في الكنز (18063).
(5) أخرجه ابن عدي في الكامل 6 / 2113.
(6) أبو يعلى وقال الهيثمي 3 / 155 فيه عبد الواحد بن ثابت ضعيف.
(7) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 156 فيه عباد بن كثير فيه كلام وقد وثق.
(8) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 156 فيه أحمد بن حفص البلخي لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات.
(*)(8/415)
وروى ابن عدي عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه أن يفطر قبل أن يصلي، وكان يفطر زمن الرطب على رطبات، وعلى التمر إذا لم يكن رطب فيجعلهن وترا ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا).
الثالث: فيما كان يقوله عند إفطاره وما يقوله إذا أفطر عند أحد: روى الطبراني، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: (باسم الله اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) (1).
وروى أبو داود مرسلا، عن معاذ بن زهرة: أنه بلغه أن رسول الله كان إذا أفطر قال: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) (2).
وروى أبو داود، والنسائي، والدارقطني وحسنه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر، قال: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى) (3).
وروى الطبراني، والدارقطني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر قال: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل إنك أنت السميع العليم) (4).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر عند أهل بيت قال: (أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار وتنزلت عليكم الملائكة) (5).
(وروى ابن ماجه عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - قال أفطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند سعد بن معاذ - رضي الله تعالى عنه - قال: (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة) (6).
و روى أحمد بن منيع، موقوفا وعبد بن حميد مرفوعا واللفظ له بسند صحيح، عن أنس
- رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد في الدعاء لأحد قال: (جعل الله عليكم صلاة قوم أبرار ليسوا بأثمة ولا فجار، يقومون الليل، ويصومون النهار).
__________
(1) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي فيه داود بن الزبرقان ضعيف المجمع 3 / 156.
(2) أبو داود 3 / 306 (2358).
(3) أبو داود 2 / 306 (2357) والدارقطني 2 / 185 (25) وأخرجه الحاكم 2 / 422.
(4) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي فيه عبد الملك بن هارون ضعيف المجمع 3 / 156.
(5) أحمد 3 / 118 والنسائي في السنن الكبرى.
(6) ابن ماجه 1 / 556 (1747) وضعف إسناده البوصيري في الزوائد.
(*)(8/416)
الرابع: في سحوره وتأخيره إياه: روى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن الحارث، عن رجل من الصحابة، والنسائي عن أبي هريرة قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتسحر، فقال: (إن السحور بركة، أعطاكم الله إياها، فلا تدعوها) (1).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان، عن العرباض بن سارية - رضي الله تعالى عنه - دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السحور في رمضان فقال: (هلم إلى الغداء المبارك) (2).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أمرنا معشر الأنبياء أن نؤخر سحورنا) (3).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، والشيخان، والترمذي والنسائي عن أنس عن زيد بن ثابت قال: (تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة، قال أنس بن مالك قلت كم كان قدر ما بينهما قال قدر خمسين آية) (4).
وروى النسائي عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك عند السحور: (يا أنس إني أريد
الصيام أطعمني شيئا)، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعد ما أذن بلال وقال (يا أنس انظر رجلا يأكل معي)، فدعوت زيد بن ثابت فجاء، فقال: إني شربت شربة سويق وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وأنا أريد الصيام)، فتسحر معه ثم قال فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة) (5).
وروى الإمام أحمد، عن بلال - رضي الله تعالى عنه - قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوذنه بالصلاة، وهو يريد الصيام، فشرب ثم ناولني وخرج إلى الصلاة) (6).
وروى البخاري، عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال: (كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (7).
وروى أحمد بن منيع، وأبو يعلى، برجال ثقات، عن بلال - رضي الله تعالى عنه - قال:
__________
(1) أحمد 5 / 370 والنسائي 4 / 115.
(2) أحمد 4 / 126 وأبو داود 2 / 303 (2344) والنسائي 4 / 119.
(3) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 155 رجاله رجال الصحيح.
(4) البخاري 4 / 164 (1921) ومسلم 2 / 771 (47 / 1097) والترمذي 3 / 84 (703) وابن ماجه 1 / 540 (1694).
(5) النسائي 4 / 120 (564).
(6) ورجاله رجال الصحيح قاله الهيثمي في المجمع 3 / 152.
(7) أخرجه البخاري (577).
(*)(8/417)
(أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوذنه بالصلاة، وهو يريد الصيام فشرب، وناولني، ثم خرج إلى الصلاة).
وروى البزار من طريق سوار بن مصعب، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل علقمة بن علاثة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل يأكل معه فجاءه بلال فدعاه إلى الصلاة فلم يجب، فرجع فمكث في المسجد ما شاء الله، ثم رجع فقال: (الصلاة يا رسول الله، قد والله
أصبحت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (رحم الله بلالا لو لا بلال لرجونا أن يرخص لنا ما بيننا وبين طلوع الشمس) قال علي: لو لا أن يلالا حلف لأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يقول له جبريل ارفع يدك) (1).
وروى الطبراني - برجال ثقات - عن عامر بن مطر - رضي الله تعالى عنه - قال: (تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة) (2).
وروى أبو يعلى - برجال ثقات - عن علقمة بن سفيان الثقفي، (أنه وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان قال: وكان بلال يأتينا بفطرنا وسحورنا ونحن في قبة قد ضربت لنا في المسجد، فيأتينا بفطرنا وإنا لمسفرون جدا وإنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الإسفار فيضع عشاءنا بين أيدينا فيقول: (كلوا) فنقول: بلال رده إنا نرى سفرا فيقول: ما جئتكم حتى أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يضع يده في الطعام، فيلتقم منه ويقول: كلوا ويأتينا بسحورنا وإنا لمستدفئون ونحن نتمارى في الصبح ويقول: كلوا قد كاد الفجر يطلع فنقول: يا بلال قد أصبحنا فيقول: لقد تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتسحر فتسحروا) (3).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول: لا يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يريد أن يصوم، وما صام شهرا متتابعا غير رمضان منذ قوم المدينة) (4).
وروى النسائي، عن زر بن حبيش قال: قلت لحذيفة (أي ساعة تسحرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع) (5).
__________
(1) البزار كما في الكشف 1 / 465 (980) وفي إسناده سوار بن مصعب وهو ضعيف.
(2) الطبراني في الكبير المجمع 3 / 153.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 466 (981) والطبراني في الكبير والأوسط المجمع 3 / 152.
(4) البخاري 3 / 50 مسلم في الصيام حديث (174) وأحمد 1 / 241 وأبو داود 2 / 323 (2430) والنسائي في الصيام باب 69 وابن ماجه (1711).
(5) النسائي 4 / 116.
(*)(8/418)
الخامس.
في إتمامه الصوم إذا رأى الهلال يوم الثلاثين: روى الدارقطني، والبيهقي، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -: قالت (أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما صبح ثلاثين يوما فرأى هلال شوال نهارا فلم يفطر حتى أمسى)) (1).
تنبيهات الأول: قال في الهدي: (وإنما خص - صلى الله عليه وسلم - الفطر بما ذكر لأن إعطاء الطبيعة الشئ الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله، وانتفاع القوى به، لا سيما القوة الباصرة وحلاوة المدينة التمر، ومرباهم عليه وهو عندهم قوت وأدم، ورطبه فاكهة وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس، فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده).
الثاني: في بيان غريب ما سبق: السحور - بفتح السين المهملة: ما يتسحر به من الطعام، والشراب.
الجدع - بجيم ثم دال مهملة ثم حاء مهملة: خلط الشئ بغيره، والمراد خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي، ومعنى الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا صياما، فلما غربت الشمس أمره - صلى الله عليه وسلم - بالجدع ليفطروا، فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة التي تبقى بعد غروب الشمس، فظن أن الفطر لا يحصل إلا بعد ذهاب ذلك، واحتمل عنده أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرها فأراد تذكيره وإعلامه، ويؤيد هذا قوله: (إن عليك نهارا لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار يجب صومه)، وهو معين في الرواية الأخرى: لو أمسيت، وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم الأكل فيه، مع تجويزة أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما فقصد زيادة الإعلام ببقاء الضوء قاله النووي.
النشر: بنون مفتوحة، فمعجمة ساكنة فزاي: المكان المرتفع، وجبت الشمس: غابت.
حسا - بحاء، فسين مهملتين مفتوحتين: شرب، والحسوة بالضم: الجرعة من الشراب، بقدر ما يحسى مرة واحدة، وبالفتح: المرة.
الظمأ - بظاء معجمة مشالة فميم فهمزة العطش.
الأبرار - بهمزة مفتوحة، فموحدة ساكنة، فراءين بينهما ألف جمع بار، وكثيرا ما يخص بالأولياء والزهاد والعباد.
علاثة - بعين مهملة مضمومة، فلام، فألف فمثلثة: سمن وأقط يخلط وكل شيئين خلطا.
__________
(1) الدارقطني 2 / 173.
(*)(8/419)
الباب الرابع فيما كان يفعله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم
وفيه أنواع: الأول: في احتجامه - صلى الله عليه وسلم -: روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم) (1).
وروى ابن أبي عاصم في كتاب (الصيام) له عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم.
وروى الدارقطني، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسبع عشرة خلت من رمضان بعد ما قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) (2).
وروى أبو يعلى - بسند ضعيف - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم محرم فغشي عليه فنهى الناس يومئذ أن يحتجم الصائم كراهة الضعف) (3).
الثاني: في اكتحاله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم: روى ابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (اكتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم) (4).
وروى أبو يعلى، وابن أبي عاصم، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيت حفصة، وقد اكتحل بالإثمد في رمضان.
وروى أبو نعيم عنه - قال: (انتظرنا رسول الله - صلى الله عليه و سلم - أن يخرج في رمضان إلينا فخرج من بيت أم سلمة وقد كحلته وملأت عينيه كحلا).
وروى أبو يعلى، وابن عدي، عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه -، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكتحل وهو صائم) (5).
__________
(1) أحمد 1 / 215 والبخاري (4 / 205) حديث (1938) وأبو داود 2 / 309 (2373) والترمذي 3 / 146 (775) والنسائي في السنن الكبرى وابن ماجه 1 / 537 (1682).
(2) الدارقطني 2 / 183.
(3) انظر المجمع 3 / 170.
(4) ابن ماجه 1 / 536 (1678) وضعفه البوصيري في الزوائد.
(5) الطبراني في الكبير بإسناد ضعيف المجمع 3 / 167.
(*)(8/420)
وروى الطبراني، عن بريرة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكتحل بالإثمد وهو صائم).
الثالث: في اغتساله بعد الفجر وهو صائم: روى الأئمة عن عائشة، وأم سلمة - رضي الله تعالى عنهما - قالتا: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان فيغتسل ويصوم ولا يقضي) (1).
وروى الشيخان، وأبو داود، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبا في رمضان من جماع - غير احتلام - ثم يصوم) (2).
وروى الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، ومسلم، وأبو داود، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رجلا جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستفتيه وهو يسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب أفأصوم ؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم)، فقال: لست مثلنا يا رسول الله - قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: (والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي) (3).
وروى الطبراني، عن عقبة بن عامر، وفضالة بن عبيد - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصبح جنبا ثم يستحم فيصوم) (4).
الرابع: في سواكه - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم: روى الإمام أحمد، والبخاري - تعليقا - ومسدد، والترمذي - وحسنه - والدارقطني، وأبو داود، عن عامر بن ربيعة - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا أعد وما لا أحصي يتسوك وهو صائم) (5).
وروى أحمد بن منيع برجال ثقات، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسوك وهو صائم).
__________
(1) البخاري 4 / 180، 181 (1925، 1930، 1931، 1932) ومسلم 2 / 779 (80 / 1109) وأبو داود 2 / 312 (2388) والترمذي 3 / 149 (779) وابن ماجه 1 / 544 (174).
(2) انظر المصادر السابقة.
(3) أحمد 6 / 67 ومسلم في الصيام (79) وأبو داود 2 / 312 (2389) والبيهقي 4 / 215.
(4) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3 / 149 فيه جماعة لم أجد من ذكرهم.
(5) أحمد 3 / 445 والترمذي 3 / 104 (725) وأبو داود 2 / 307 (2364) والدارقطني 2 / 202 والبخاري معلقا بصيغة الجزم 4 / 187 وانظر شرح السنة 3 / 492.
(*)(8/421)
الخامس: في تقيئه - صلى الله عليه وسلم - في النفل: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، - وقال: حسن صحيح - والدارقطني، وابن ماجه، عن معدان بن طلحة، أن أبا الدرداء حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر، فلقيت ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد دمشق فقلت: إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر، قال: صدق وأنا صببت له وضوءه) (1).
وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن فضالة بن عبيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عليهم في يوم كان يصومه فدعا بإناء فشرب، فقلنا يا رسول الله: هذا يوم كنت تصومه قال: (أجل ولكن قئت) (2).
وروى الدارقطني - بسند ضعيف - عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما في غير رمضان، فأصابه غم آذاه فتقيأ فدعا بوضوء فتوضأ ثم أفطر، فقلت يا رسول الله أفريضة الوضوء من القئ ؟ قال (لو كان فريضة لوجدته في القرآن)، ثم صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد فسمعته يقول: هذا مكان إفطار أمس) (3).
السادس: في تقبيله - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه وهو صائم: روى الإمامان: مالك، والشافعي، والشيخان، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت) (4).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، والدارقطني عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه) (5).
وروى أبو داود عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها وهو صائم) (6).
وروى مسلم عن عمر بن أبي سلمة، أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيقبل الصائم ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سل هذه - لأم سلمة -)، فأخبرته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك،
__________
(1) أحمد 5 / 195 وأبو داود 2 / 310 (2381) والترمذي 3 / 99 (720).
(2) أحمد 6 / 18 وابن ماجه 1 / 535 (1675) وقال البوصيري في الزوائد في إسناده محمد بن إسحاق مدلس وقد روى بالعنعنة والحديث منقطع.
(3) الدارقطني 2 / 184 وقال عتبة بن السكن متروك الحديث.
(4) البخاري 4 / 180 (1928) ومسلم 2 / 776 (62 / 1106).
(5) البخاري 4 / 176 (1927، 1928) ومسلم 2 / 777 (65 / 1106) وأحمد 6 / 42.
(6) أبو داود 2 / 213 (2386).
(*)(8/422)
فقال يا رسول الله قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له) (1).
وروى مسلم، وابن ماجه، عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم) (2).
وروى الإمام أحمد، عن أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم) (3).
السابع: في صبه - صلى الله عليه وسلم - الماء على رأسه في شدة الحر وهو صائم: روى الإمام أحمد، وأبو داود عن رجل من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصب الماء على رأسه من الحر وهو صائم.
الثامن: في وصاله - صلى الله عليه وسلم -: روى الإمامان: مالك، [ والشافعي ] وأحمد، والشيخان، وأبو داود عن عمر - والإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، عن أنس - والشيخان عن عائشة، والإمام أحمد، والإمام مالك، والبخاري، وأبو داود، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - والإمام أحمد والبخاري، وأبو داود، عن أبي سعيد الخدري، والإمام أحمد، عن بشير بن الخصاصية - رضي الله تعالى عنهم - (أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واصل فواصل الناس، فشق عليهم، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يواصلوا، فقالوا: إنك تواصل، قال: (إني لست كهيئتكم إني أظل) وفي لفظ (أبيت أطعم وأسقى) وفي لفظ (إني أظل يطعمني ربي ويسقيني) وفي لفظ (إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني) (4).
__________
(1) مسلم (2 / 779) حديث (74 / 1108).
(2) مسلم 1 / 778 - 779 (73 / 1107) وابن ماجه 1 / 538 (1685).
(3) أحمد 6 / 325.
(4) من حديث ابن عمر أخرجه أحمد 2 / 143 والبخاري 4 / 238 (1962) ومسلم (2 / 774) حديث (55، 56 / 1102) وأبو داود 2 / 306 (2360).
ومن حديث أنس عند أحمد 3 / 200، والبخاري 4 / 338 (1961) ومسلم (2 / 775) (59، 60 / 1104) والترمذي 3 / 148 (778).
ومن حديث أبي هريرة عند أحمد 2 / 253 والبخاري (4 / 242) حديث (1965، 6851) ومن حديث عائشة عند البخاري (4 / 238) حديث (1964) ومسلم (2 / 776) حديث (61 / 1105) وحديث أبي سعيد أخرجه أحمد 3 / 8 والبخاري 4 / 238 (1963، 1967) وأبو داود 2 / 307 (2361) وحديث بشير ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 158 وقال ليلى - امرأة بشير - لم أجد من ذكرها.
(*)(8/423)
وروى الإمام أحمد، والطبراني، برجال الصحيح، عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواصل إلى السحر) (1).
ورواه الطبراني بسند حسن، عن جابر بن عبد الله (2).
التاسع: في زيادته - صلى الله عليه وسلم - في فعل الخير في رمضان: روى الطبراني والبزار، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل) (3).
رواه ابن سعد عن ابن عباس وعائشة (4).
وروى الشيخان عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه القرآن، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) (5).
والله أعلم.
تنبيهات الأول: أحاديث (أفطر الحاجم والمحجوم) قال بها جماعة من الصحابة، والتابعين وغيرهم، ومعناه عند بعضهم: عرضا صيام أنفسهما للإفطار...وقال بعضهم: إن ذلك منسوخ واحتجوا بأحاديث منها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم في حجة الوداع، وهو صائم محرم، وما عاش بعدها إلا قليلا.
واعترض ابن خزيمة بأن في هذا الحديث أنه كان صائما محرما.
قال: ولم يكن محرما مقيما ببلده، إنما كان محرما وهو مسافر، والمسافر إن كان ناويا للصوم، فمضى عليه بعض النهار وهو صائم أبيح له الأكل.
الثاني: الوصال.
عبارة عن صوم يومين فصاعدا من غير أكل أو شرب بينهما وقوله: (أظل يطعمني ربي ويسقيني قيل معناه: يجعل الله تعالى في قوة الطاعم الشارب وقيل هو على
__________
(1) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3 / 158 رجاله رجال الصحيح.
(2) انظر المصدر السابق.
(3) البزار كما في الكشف 1 / 460 (968) وضعفه الهيثمي 3 / 150.
(4) الطبقات 1 / 92.
(5) أخرجه البخاري 1 / 5، 2 / 33 ومسلم في الفضائل حديث (48، 50) وأحمد 4 / 305 والترمذي في الشمائل 9 / 102 وابن سعد 1 / 2 / 93.
(*)(8/424)
ظاهره، وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والصحيح الأول: لأنه لو أكل حقيقة لم يكن مواصلا.
الثالث: في بيان غريب ما سبق: الحجامة.
الاكتحال.
القئ.
الإرب - بهمزة مكسورة فراء فموحدة: الفرج والعقل والدين والحاجة والفكر والخبث و العائلة والعضو - والمراد هنا الفرج.(8/425)
الباب الخامس في إفطاره - صلى الله عليه وسلم - في رمضان في السفر وصومه فيه:
روى أبو يعلى، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فصام وأفطر) (1).
وروى أيضا عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر ويفطر (2).
وروى الترمذي عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: (غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان غزوتين: يوم بدر، والفتح فأفطرنا فيهما) (3).
وروى الإمام الشافعي، ومسلم، وابن ماجه، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء فوضعه على يده وأمر من بين يديه أن يحبسوا فلما حبسوا ولحقه من وراءه رفع الإناء إلى فيه فشرب، وذلك بعد العصر، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: (أولئك العصاة، أولئك
العصاة) (4).
وروى الإمام الشافعي، والشيخان، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح في رمضان فصام، حتى بلغ الكديد، ثم أفطر فأفطر الناس معه، وكانوا يأخذون بالأحداث من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (5).
وروى الأئمة: مالك والشافعي، وأحمد عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: (تقووا لعدوكم) وصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو بكر الذي حدثني قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بالعرج) يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر، ثم قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله إن
__________
(1) الطبراني في الكبير وقال الهيثمي 3 / 159 له طريق رجالها ثقات كلهم.
(2) انظر المجمع 3 / 158.
(3) الترمذي 3 / 93 (714) وقال حديث عمر لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(4) الشافعي في المسند (1 / 268) حديث (712) ومسلم (2 / 785) حديث (90 / 1114) والترمذي 3 / 86 (710).
(5) البخاري 4 / 213 (1948، 2953) (4275) ومسلم 2 / 784 (88 / 1113).
(*)(8/426)
طائفة من الناس قد صاموا حين صمت قال فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس (1).
وروى الشيخان، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس).
وفي رواية لمسلم دعا بإناء فيه شراب فشربه نهارا ليراه الناس، فأفطر حتى بلغ مكة،
وذلك في رمضان، وكان ابن عباس يقول: (قد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر) (2).
وروى أبو يعلى، والإمام أحمد بسند صحيح، وابن حبان، عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على نهر من ماء السماء في يوم صائف والمشاة كثير، والناس صيام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له، فوقف عليه حتى إذا تتام الناس قال: (يا أيها الناس اشربوا)، فجعلوا ينظرون ما يصنع، قال: (إني لست مثلكم إني راكب وأنتم مشاة، قال فجعلوا ينظرون فلما أبوا حول وركه) وفي رواية: فثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذه فنزل فشرب وشرب الناس، وما أراد أن يشرب (3).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان حتى بلغ عسقان ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهارا ليراه الناس، وأفطر حتى قدم مكة، وكان ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - يقول: (صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر، وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان في حر شديد حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة (4).
وروى الإمام أحمد، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم في السفر ويفطر) (5).
__________
(1) الشافعي في المسند (1 / 269) (713).
(2) البخاري (4 / 186) حديث (1948) ومسلم (2 / 785) حديث (88 / 1113).
(3) أحمد 3 / 21 وأبو يعلى 3 / 338 (106 / 1080).
(4) أحمد 5 / 194 والبخاري 4 / 215 (1945) ومسلم (2 / 790) حديث (109 / 1122).
(5) تقدم.
(*)(8/427)
وروى الدارقطني، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم في السفر ويفطر) (1).
وروى الدارقطني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (وافق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمضان في سفره، فصام، ووافق رمضان في سفره فأفطر) (2).
وروى الحاكم، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى خيبر، والناس مختلفون، فصائم، ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن، أو من ماء فوضعه على راحلته، أو راحته، ثم نظر الناس فقال المفطرون للصوام: أفطروا، وقال: قال عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، قال الحافظ الضياء المقدسي في (الأحكام): والصحيح: عام الفتح، وقول من قال خيبر وهم من قائله) (3).
__________
(1) الدارقطني 2 / 189.
(2) الدارقطني وضعفه 2 / 190.
(3) بنحوه عند الشافعي في المسند 1 / 269 (714).
(*)(8/428)
الباب السادس في صومه - صلى الله عليه وسلم - التطوع
وفيه أنواع: الأول: في نيته - صلى الله عليه وسلم - صوم التطوع نهارا.
روى الإمامان: الشافعي، وأحمد، ومسلم، والأربعة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: (هل عندكم من شئ ؟) فقلنا لا قال: (فإني صائم)، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت يا رسول الله: أهديت لنا هدية وجاءنا زور،
وقد خبأت لك شيئا، قال (ما هو ؟) قلت: حيسا، قال: (هاتيه)، فجئت به فأكل، قال: (قد كنت أصبحت صائما)) (1).
الثاني: في صيامه على سبيل الإجمال: روى الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى نظن ألا يصوم، ويصوم حتى نظن ألا يفطر منه شيئا) (2).
روى الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، برجال ثقات - إلا عثمان بن سعيد ضعفه ابن معين، ووثقه ابن حبان - عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم فلا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفطر العام، ثم يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان) (3).
وروى مسلم، والبرقاني، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى يقال: صام، ويفطر حتى يقال: أفطر) (4).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم) (5).
وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، عن عائشة - رضي الله تعالى
__________
(1) أحمد 6 / 207 ومسلم (2 / 808) حديث (169، 170 / 1154) وأبو داود 2 / 329 (2455) والترمذي 3 / 111 (734) والنسائي 4 / 163 وانظر شرح السنة 3 / 477.
(2) أحمد 3 / 179 والترمذي (769).
(3) أحمد 3 / 236 وأبو يعلى 6 / 240 (3535).
(4) أخرجه مسلم في الصوم حديث (1158) وأحمد 3 / 104، 179، 236.
(5) أخرجه أحمد 1 / 227 والبخاري (4 / 251) حديث (1969) ومسلم (2 / 811) حديث (174 / 175 / 1156).
(*)(8/429)
عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا
يصوم)) (1).
وروى النسائي، وأبو يعلى، عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسرد الصوم فيقال لا يفطر، ويفطر فيقال لا يصوم) (2).
وروى الشيخان، والنسائي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: ما صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا كاملا غير رمضان، وكان يصوم حتى يقول القائل لا والله ما يفطر، ويفطر حتى يقول القائل لا والله لا يصوم، زاد النسائي (وما صام شهرا متتابعا غير رمضان منذ قدم المدينة) (3).
الثالث: في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في صيامه يوم عاشوراء: روى الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه في الجاهلية - فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، وترك عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه) (4).
وروى الإمامان: الشافعي، وأحمد والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامه والمسلمون قبل أن ينزل فرض رمضان، فلما افترض رمضان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن عاشوراء من أيام الله فمن شاء صامه، ومن شاء تركه) (5).
وروى مسلم عن جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده) فلما فرض رمضان لم يأمرنا، ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده (6).
وروى ابن أبي عاصم، وابن منده، عن رزينة خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 153 والبخاري 4 / 251 حديث (1969 ومسلم (2 / 810) حديث (172 / 1156) وأبو داود 2 / 324 (2434) والبغوي في شرح السنة 3 / 511.
(2) النسائي 4 / 171.
(3) تقدم.
(4) البخاري 4 / 287 حديث (2002) ومسلم (2 / 792) حديث (113 / 1125) وأبو داود 2 / 326 (2442) والترمذي 3 / 127 (753) وابن ماجه (1733).
(5) أحمد 2 / 143 وانظر التخريج السابق.
(6) مسلم (2 / 794) حديث (125 / 1128).
(*)(8/430)
عنها - قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصومه - يعني عاشوراء، ويأمرنا بصيامه، حتى إن كان ليدعو بصبيانه وصبيان فاطمة المراضع في ذلك اليوم، فيتفل في أفواههم، ويقول لأمهاتهم: لا ترضعوهم إلى الليل وكان ريقه يجزئهم) (1).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: (ما هذا اليوم ؟) قالوا: يوم صالح نجا الله عز وجل فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نحن أحق وأولى بموسى منكم) فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه) (2).
وروى الإمام أحمد، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوم من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال: (ما هذا من الصوم ؟) قالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى، وبني إسرائيل من الغرق، وأغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى شكرا لله عز وجل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أحق بموسى ونوح، وأحق بصيام هذا اليوم، فأمر أصحابه بالصوم) (3).
وروى الشيخان، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء - وهذا الشهر يعني
شهر رمضان) (4).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، والبزار عن علي - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم عاشوراء ويأمر به) (5).
وروى الطبراني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يتوخى فضل صوم يوم على يوم بعد رمضان إلا عاشوراء) (6).
وروى مسلم، والبرقاني، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لئن بقيت) وفي لفظ (إن عشت - إن شاء الله - إلى قابل لأصومن التاسع)
__________
(1) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3 / 86 هذا الخبر روته عليلة من أمها رزينة وعليلة ومن فوقها لم أجد من ترجمهن.
(2) أحمد 1 / 291 والبخاري 4 / 287 حديث (2004) ومسلم (2 / 795) حديث (127 / 1130) وأبو داود 2 / 326 (2444) وابن ماجه 1 / 352 (1734).
(3) أحمد في المسند 2 / 359.
(4) البخاري (4 / 287) حديث (2006) ومسلم (2 / 797) حديث (131 / 1132).
(5) البزار كما في الكشف 1 / 490 (1044) وفيه جابر الجعفي ضعيف.
(6) ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 186.
(*)(8/431)
قاله مخافة أن يفوته عاشوراء، وفي لفظ: (مخافة أن يفوتني) يعني: عاشوراء وأمر بصيامه، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (1).
الرابع: في صيامه - صلى الله عليه وسلم - رجب وشعبان: روى الطبراني، من طريق يوسف بن عطية الصفار، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتم صوم شهر بعد رمضان إلا رجب وشعبان) (2).
وروى الإمامان مالك وأحمد والشيخان والأربعة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -
قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان ولفظ ابن ماجه: لم أره صام من شهر قط أكثر من صيامه في شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا.
وفي رواية: (كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله حتى يصله برمضان) (3).
وروى النسائي عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شعبان ورمضان) (4).
وروى الإمام أحمد، والترمذي - وحسنه - والنسائي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان) (5).
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عنها قالت: (لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان كان يصل شعبان برمضان) (6).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال: (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)، وفي لفظ (يعرض عملي) (7).
وروى أبو نعيم في (المعرفة) عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدع صيام يوم الاثنين والخميس)، فقيل يا رسول الله: ما نراك تدع صيام هذين اليومين ؟ قال: (هما يومان
__________
(1) مسلم (2 / 797) حديث (133 / 1134) وأبو داود 2 / 327 (2445).
(2) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3 / 191 فيه يوسف بن عطية الصفار وهو ضعيف.
(3) أحمد في المسند 6 / 39 والبخاري 4 / 251 (1969) ومسلم (2 / 810) (172 / 1156) وأبو داود 2 / 300 (2336) والنسائي 4 / 170 والترمذي 3 / 113 (736) وابن ماجه 1 / 528 (1649).
(4) النسائي 4 / 169.
(5) أحمد 6 / 293 والترمذي 3 / 113 (736) والنسائي 4 / 170.
(6) أحمد 6 / 300 والنسائي 4 / 170 وابن ماجه 1 / 528 (1648).
(7) أحمد في المسند 5 / 201 والنسائي 4 / 171.
(*)(8/432)
تعرض فيها الأعمال على الله، فأحب أن يعرض لي فيهما عمل صالح) (1).
وروى أبو يعلى - بإسناد حسن - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم شعبان كله، قلت يا رسول الله: أحب الشهور إليك أن تصومه شعبان)، قال: (إن الله يكتب كل نفس منية تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم) (2).
وروى الحارث بن أبي أسامة، عن كثير بن مرة - رحمه الله تعالى - مرسلا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن ربكم - عز وجل - يطلع ليلة النصف من شعبان لإى خلقه، فيغفر لهم كلهم، إلا أن يكون مشركا، أو مصارما)، قال: وما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شعبان، فيدخل رمضان، وهو صائم.
الخامس: في صيامه - صلى الله عليه وسلم - عشر ذي الحجة، والمراد بها: الأيام التسعة من أول ذي الحجة: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وسماها في رواية النسائي: حفصة، قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة) (3).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن حفصة - رضي الله تعالى - قالت: (أربع لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعهن: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة) (4).
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - صائما في العشر قط) (5).
وروى الطبراني، من طريق إبراهيم بن إسحاق الصيني، عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فاته شئ من رمضان قضاه في عشر ذي الحجة) (6).
وروى الشيخان، عن أم الفضل بنت الحارث - رضي الله تعالى عنها - (أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة، في صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم هو صائم، وقال بعضهم: ليس
__________
(1) أحمد في المسند 5 / 201.
(2) قال الهيثمي 3 / 192 فيه مسلم بن خالد الزنجي وفيه كلام وقد وثق.
(3) أحمد في المسند 5 / 171 والنسائي 4 / 190.
(4) أحمد 6 / 287 والنسائي 4 / 189.
(5) أبو داود 2 / 325 (2439) والترمذي 3 / 129 (756) وابن ماجه 1 / 551 (1729).
(6) الطبراني في الأوسط والصغير قال الهيثمي 3 / 179 فيه إبراهيم بن إسحاق ضعيف.
(*)(8/433)
بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه) (1).
وروى الشيخان، عن ميمونة بنت الحارث - رضي الله تعالى عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: (إن الناس شكوا في صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة فأرسلت إليه ميمونة بحلاب اللبر، وهو واقف في الموقف، فشرب منه والناس ينظرون إليه) (2).
وروى ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، ومع أبي بكر، ومع عثمان، فلم يصوموه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه) (3).
السادس: في صيامه - صلى الله عليه وسلم - الأسبوع والأيام البيض: وروى الإمام أحمد، والترمذي - وحسنه - وابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم الاثنين، والخميس، قيل يا رسول الله: إنك تصوم الاثنين والخميس ؟ فقال: (إن يوم الاثنين والخميس، يغفر الله تعالى فيهما لكل مسلم، إلا كل متهاجرين يقول: دعهما حتى يصطلحا، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) (4).
وروى الترمذي - وحسنه - والنسائي، وابن ماجه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صيام الاثنين، والخميس) (5).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت يا رسول الله: تصوم لا تكاد تفطر، وتفطر لا تكاد تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما ؟، قال: (أي يومين) ؟ قلت: يوم الاثنين، ويوم الخميس قال: (ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) (6).
وروى مسلم، عن أبي قتادة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم الاثنين، فقال: (فيه ولدت، وفيه أنزل علي) (7).
وروى النسائي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفطر الأيام البيض في حضر ولا سفر) (8).
__________
(1) البخاري 4 / 278 حديث (1988) ومسلم 2 / 791 حديث (110 / 1123).
(2) البخاري 4 / 278 (1989) ومسلم (2 / 791) حديث (112 / 1124).
(3) الترمذي 3 / 125 (751).
(4) الترمذي 3 / 122 (747) وابن ماجه 1 / 553 (1740).
(5) الترمذي 3 / 121 (745) والنسائي 4 / 172 وابن ماجه 1 / 553 (1739).
(6) أحمد 5 / 201 وأبو داود 2 / 325 (2436) والنسائي 4 / 171.
(7) مسلم (2 / 818) حديث (196، 197، 198 / 1161) وانظر البغوي في الشرح 3 / 525.
(8) النسائي 4 / 168.
(*)(8/434)
وروى الإمام أحمد عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدع صيام الأيام البيض من كل شهر (1).
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن معاذة العدوية - رحمها الله تعالى - قالت: (سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت: نعم، قلت لها: أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت: لم يكن
يبالي من أي أيام الشهر يصوم) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، الاثنين، والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى) (3).
وروى النسائي، عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام: الاثنين والخميس من هذه الجمعة، والاثنين من المقبلة)، وفي رواية له: (أول اثنين من الشهر، ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه) (4).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، وأبو داود، عن هنيدة بن خالد الخزاعي عن امرأته عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، أول اثنين من الشهر، وخميسين).
(لفظ أبي داود: والخميس.
قال ابن الجوزي: هذا الحديث معروف لحفصة بنت عمر) (5).
وروى الترمذي وحسنه، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من الشهر: السبت، والأحد، والاثنين، ومن الشهر الآخر: الثلاثاء، والأربعاء، والخميس) (6).
وروى البزار، عن ابن عباس والبزار وأبو يعلى، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قالا: (لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفطرا في يوم جمعة قط) (سندهما ضعيف)) (7).
__________
(1) لم أجده في مظانه من المسند.
(2) أحمد 6 / 145 ومسلم (2 / 818) حديث (194 / 1160) وأبو داود 2 / 328 (2453) والترمذي 3 / 135 (763) وابن ماجه 1 / 545 (1709).
(3) أحمد 6 / 287 وأبو داود 2 / 328 (2451).
(4) النسائي 4 / 190.
(5) أحمد في المسند 6 / 289 وأبو داود 2 / 328 (2452) والنسائي 4 / 190.
(6) الترمذي 3 / 122 (746).
(7) البزار كما في الكشف 1 / 499 (1071) وانظر المجمع 3 / 200.
(*)(8/435)
خاتمة: حاصل الأحاديث التي تقدمت: أن صومه - صلى الله عليه وسلم - من الشهر كان على أوجه: الأول: (أنه كان يصوم الاثنين والخميس والاثنين).
الثاني: (أنه كان يصوم أول اثنين من الشهر، ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه).
الثالث: (أنه كان يصوم من الشهر: السبت، والأحد، والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء، والأربعاء والخميس).
الرابع: (أنه كان يصوم ثلاثة من أول الشهر).
الخامس: (كان يصوم ثلاثة غير معينة)...السادس: (كان يصوم الأيام البيض: ثالث عشر، ورابع عشر، وخامس عشر، وسميت هذه الثلاثة أيام بذلك، لأن القمر يكون فيها من أول الليل إلى آخره، وليس في الشهر يوم أبيض كله، إلا هذه الأيام لأن ليلها أبيض، ونهارها أبيض، فصح قول من قال: الأيام البيض على الوصف، واليوم الكامل هو النهار بليلته وفيه رد لقول الجواليقي من قال: الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ من قاله.
تنبيهات الأول: في سبب صيام قريش في الجاهلية يوم عاشوراء.
روي عن عكرمة - رحمه الله تعالى - قال: (أذنبت قريش في الجاهلية ذنبا عظيما، فتعاظم في صدورهم فسألوا ما توبتهم ؟ قيل صوم عاشوراء).
الثاني: قول عائشة (فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أي سفر الهجرة - كما صرح به
العلماء - زعم بعض من يطلب العلم من أهل زماننا، أنه سفر غيره، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصمه إلا سنة واحدة قبل موته، وهذا كلام غير صواب، لم يسبق قائله إليه أحد من العلماء).
الثالث: روى مسلم، والبرقاني، عن الحكم بن الأعرج، قال (سألت ابن عباس عن عاشوراء، فقال: عن أي حالها تسأل ؟ قلت عن صيامه، أي يوم أصومه ؟، قال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ثم أصبح من يوم تاسعه صائما، فقلت أكذلك كان يصومه ؟ قال: نعم) (1).
__________
(1) أخرجه مسلم (2 / 797) حديث (132 / 1133) وانظر شرح السنة 3 / 517.
(*)(8/436)
الرابع: استفيد من حديث عائشة: تعيين الوقت الذي وقع فيه بصيام عاشوراء، وهو أول قدومه المدينة، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول، فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية.
وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان، فعلى هذا لم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة، ثم فوض الأمر بصومه إلى رأي المتطوع.
الخامس: استشكل بعضهم حديث ابن عباس، بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قدم المدينة في شهر ربيع الأول، فكيف يقول ابن عباس إنه قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء ؟.
وأجاب ابن القيم: بأنه ليس في الحديث أن يوم قدومه وجدهم يصومونه، فإنه قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشره، ولكن أول علمه بذلك ووقوع القصة في اليوم الذي كان بعد قدومه المدينة ولم يكن وهو بمكة.
قال الحافظ: غابته أن في الكلام حذفا: تقديره قدم عليه الصلاة والسلام المدينة، (فأقام إلى يوم عاشوراء) فوجد اليهود صياما (ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية).
السادس: قال في حديث: كان يصوم شعبان إلا قليلا أي: يصوم معظمه.
ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر، أن يقول: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى فاشتغل ببعض أمره، قال الترمذي: كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك.
وحاصله: أن الرواية الأولى: مفسرة للثانية، ومخصصة لها، وأن المراد بالكل الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال، واستبعده الطيبي، وقال: يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة، ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان.
وقال ابن المنير: إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة، والمراد الأكثر، وإما أن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول.
فأخبرت عن أول أمره: أنه كان يصوم أكثر شعبان، وأخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله.
قال الحافظ: ولا يخفى تكلفه، والأول هو الصواب.(8/437)
الباب السابع في اعتكافه - صلى الله عليه وسلم - وشدة اجتهاده في العشر الأخير من رمضان وتحريه ليلة القدر
روى الطيالسي، والحارث - بسند حسن - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف هو وخديجة شهرا فوافق ذلك رمضان.
الحديث).
وروى الجماعة عنها، قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر) (1).
وروى الإمام أحمد، ومسلم عنها، قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره) (2).
وروى الإمام أحمد عنها: قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر وشمر) (3).
وروى الإمام أحمد، والشيخان عنها، قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله) (4).
وروى الشيخان عنها، قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان، فإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي يعتكف فيه، وأنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائه فضرب، فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها، فضربت فيه قبة، فسمعت حفصة فضربت قبة، وسمعت زينب فضربت قبة أخرى فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغداة أبصر أربع قباب، فقال: (ما هذا ؟) فأخبر خبرهن، فقال: (ما حملهن على هذا ؟ البر ؟) وفي رواية: (البر أردن بهذا) وفي لفظ مرة واحدة، (ما أنا بمعتكف انزعوها فلا أرها) فنزعت، وأمر بخبائه فقوض، فلم يعتكف حتى اعتكف في آخر العشر من شوال)، وفي رواية: (حتى اعتكف في العشر الأول من شوال، وفي رواية: اعتكف عشرين من شوال)) (5).
وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى - بسند حسن - عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوقظ أهله في العشر الأخير من رمضان، ويرفع المئزر) (6).
__________
(1) أخرجه البخاري 4 / 316 (2024) ومسلم (2 / 832) حديث (7 / 1174) وأبو داود 2 / 50 (1376) والنسائي (3 / 177) وابن ماجه 1 / 562 (1768).
(2) مسلم (2 / 832) حديث (8 / 1175) وأحمد 6 / 82 والترمذي 3 / 161 (796).
(3) أحمد 6 / 146.
(4) البخاري 4 / 318 (2025) ومسلم (2 / 831) حديث (5 / 1172) وأحمد 6 / 160.
(5) البخاري 4 / 323 حديث (2033) ومسلم 2 / 831 حديث (6 / 1173).
(6) أحمد 1 / 132 وأبو يعلى 1 / 243 (22 / 282).
(*)(8/438)
وروى البخاري، وأبو داود والنسائي، عن نافع، عن ابن عمر قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر والأواخر من رمضان) (1).
وروى الطبراني، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الأواخر، طوى فراشه، واعتزل النساء [ وجعل عشاءه سحورا ] (2).
وروى ابن ماجه، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف طرح له فراشه أو يوضع له سريره، وراء أسطوانة التوبة) (3).
وروى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما) (4).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاما فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين) (5).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر سنة فلم يعتكف، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يوما) (6).
وروى الإمام مالك، والجماعة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أنها كانت ترجل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان)، زاد أبو داود وكان يمر بالمريض فيمر ولا يعرج يسأل عنه) (7).
وروى الإمام أحمد، عن أبي ليلى عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف في قبة من خوص) (8).
__________
(1) أخرجه البخاري (4 / 318) حديث (2025) وأبو داود (2465).
(2) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 3 / 174 فيه حفص بن واقد له أحاديث منكرة.
(3) ابن ماجه 1 / 564 (1774).
(4) أحمد 2 / 336، 355 والبخاري 8 / 600 حديث (4998) (2044) وأبو داود 2 / 332 (2466) وابن ماجه 1 / 562 (1769) والدارمي 2 / 37.
(5) الترمذي 3 / 166 (803) (2463) وابن ماجه (1770).
(6) أحمد 5 / 141 وأبو داود حديث (2463).
(7) البخاري 2 / 333 (2469) والترمذي 3 / 167 (804) وابن ماجه 1 / 565 (1778).
(8) أحمد 4 / 348.
(*)(8/439)
وروى الطبراني من طريق النضر بن يزيد البهرتيري، يحرر حاله عن معيقيب - رضي الله تعالى عنه - قال: (اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة من خوص بابها من حصير، والناس في المسجد) (1).
وروى الإمام مالك، عن ابن شهاب - رحمه الله تعالى - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يذهب لحاجة الإنسان في البيوت وهو معتكف) (2).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، عن صفية - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي يقلبني) (3).
وروى مسلم، وابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير، قال: (فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه فقال: (إني كنت اعتكف العشر الأول التمس هذه الليلة، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف)،
فاعتكف الناس معه، قال: (وإني أريتها ليلة وتر وإني أسجد في صبيحتها في طين وماء، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين).
وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد، فأبصرت الطين والماء فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر) (4).
وروى الإمامان: مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: (اعتكفنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط، فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا، فأتاه جبريل - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن الذي تطلب أمامك، فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (من اعتكف فليرجع إلى معتكفه، فإني أريت هذه الليلة، ورأيتني أسجد في ماء وطين)، فلما رجع إلى معتكفه هاجت السماء من آخر ذلك اليوم، وكان المسجد من عريش، فلقد رأيت على أنفه وأرنبته أثر الماء والطين) (5).
__________
(1) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 183 فيه النضر بن يزيد لم أجد من ترجمه.
(2) مالك في الموطأ (1 / 313) في كتاب الاعتكاف باب ذكر الاعتكاف.
(3) أحد 6 / 337 والبخاري 4 / 326 (2035) (2038، 2039، 3101، 3281، 6219، 7171).
وأبو داود 2 / 333 (2470) وابن ماجه 1 / 566 (1779).
(4) مسلم (2 / 824) حديث (1167) وهو عند البخاري 4 / 318 (2027).
وابن ماجه 1 / 561 (1766).
(5) أخرجه أحمد 3 / 7 والبخاري 4 / 318 حديث (2027) ومسلم (2 / 824) حديث (213 / 1167) وأبو داود 2 / 52 (1382).
(*)(8/440)
وروى الطبراني - بسند حسن - عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول سنة: العشر (الأول ثم اعتكف العشر) الوسطى ثم العشر الأواخر وقال: (إني رأيت ليلة القدر فيها فأنسيتها)، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف فيهن حتى توفي) (1).
وروى أبو بكر أحمد بن عمر وأبو عاصم، عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: (قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة من رمضان في حجرة من جريد النخل، فصب عليه دلوا من ماء).
وروى أيضا عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان رمضان ونام فإذا دخل العشر شمر المئزر، واجتنب النساء واغتسل بين الأذانين وجعل العشاء سحورا.
__________
(1) الطبراني في الكبير وحسنه الهيثمي في المجمع 3 / 173.
(*)(8/441)
جماع أبواب حجه - صلى الله عليه وسلم - وعمره
الباب الأول في الاختلاف في وقت ابتداء فرضه:
قال الحافظ - رحمه الله تعالى -: (في ابتداء فرضه، فقيل: قبل الهجرة، وهو شاذ، وقيل: بعدها ثم اختلف في سنته، فالجمهور على أنها سنة ست، قلت: وصححه الرافعي في السير، وشبه عليه في (الروضة)، ونقله في (المجموع) عن الأصحاب، وصححه ابن الرفعة، انتهى، لأنها نزلت فيها قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) [ البقرة / 196 ] وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده قراءة علقمة، ومسروق، وإبراهيم بلفظ: (وأقيموا)، أخره الطبري بأسانيد صحيحة عنهم (1).
وقيل: المراد بالإتمام: الإكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك، وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج، وكان قدومه على ما ذكره الواقدي سنة خمس، وهذا يدل - إن ثبت - على تقدمه على سنة خمس، أو وقوعه فيها قلت: وبهذا جزم الرافعي في الحج: فرض سنة خمس.
وقال الحافظ - رحمه الله تعالى - إن عكرمة بن خالد المخزومي، قال: قدمت المدينة في نفر من أهل مكة، فلقيت عبد الله بن عمر فقلت: إذا لم تحج قط أفنعتمر من المدينة ؟ قال: نعم، وما يمنعكم من ذلك ؟ فقد اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمره كلها قبل حجه، قال: فاعتمر، رواه الإمام أحمد - بسند صحيح - وهو في البخاري بنحوه (2).
قال ابن بطال: هذا يدل على أن فرض الحج كان قد نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل اعتماره، ويتفرع عليه: هل الحج على الفور ؟ أو التراخي ؟ وهذا يدل أنه على التراخي، قال أي ابن بطال: كذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة، دال على ذلك.
انتهى.
قال الحافظ: وقد نوزع في ذلك إذ لا يلزم من صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية، انتهى، وقيل: فرض سنة ثمان، وقيل: تسع، وقيل: عشر حكاها الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي.
__________
(1) انظر تفسير الطبري (4 / 7) (3185).
(2) انظر فتح الباري لشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر (3 / 378).
(*)(8/442)
الثاني: قال العلماء - رحمهم الله تعالى - فرض الله تعالى الحج على من استطاع إليه سبيلا، وقد كان السبيل إليه ممنوعا بقوة المشركين.
وأيضا كانوا ينقلون الحج عن وقته، فقد ذكر أنهم ينقلونه عن حساب الشهور الشمسية، ويؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما، فلم توجد الاستطاعة إلا عند فتح مكة سنة ثمان، فمنع - صلى الله عليه وسلم - من التعجيل به، أن المشركين لم يكونوا منعوا منه، لعهود كانت لهم إلى آجال مضروبة، وكانوا يشركون في تلبيتهم، ويطوفون عراة، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يحج مقفله من تبوك، وذلك بأثر الفتح بيسير، ثم ذكر بقايا المشركين يحجون، ويطوفون عراة فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - سماع إشراكهم في تلبيتهم ولا رؤيتهم عراة، فأخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج حتى نبذ إلى كل ذي عهد عهده، وذلك في السنة التاسعة فحج بالمسلمين كما قال
الماوردي في الحاوي في (باب السير) سير الفتح - عتاب بن أسيد بوزن أمير الذي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة - رضي الله تعالى عنه - فلما كان وقت الحج حج المسلمون والمشركون، وكان المسلمون بمعزل يدفع بهم عتاب ببن أسيد، ويقف بهم، لأنه أمير البلد.
وفي السنة الثانية وهي سنة تسع حج بهم أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - وأرسل معه - صلى الله عليه و سلم - علي بن أبي طالب، فنادى في الناس بنبذ العهد كما في سورة براءة، وأنه لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فلما زالت رسوم الشرك، و سير الجاهلية حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع سنة عشر، وقال فيها: (إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض).
فائدة: قال في (زاد المعاد): دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة بعد الهجرة خمس مرات، سوى المرة الأولى، فإنه وصل إلى الحديبية وصد عن الدخول إليها أحرم في أربع منهن من الميقات لا قبله فأحرم عام الحديبية من ذي الحليفة، ثم دخلها المرة الثانية فقضى عمرته، وأقام بها ثلاثا، ثم خرج، ثم دخلها المرة الثالثة، عام الفتح في رمضان بغير إحرام، ثم خرج منها إلى حنين، ثم دخلها المرة الرابعة بعمرة من الجعرانة، ودخلها في هذه العمرة ليلا وخرج ليلا فلم يخرج من مكة إلى الجعرانة ليعتمر، كما يفعل أهل مكة اليوم، المرة الخامسة في حجة الوادع.(8/443)
الباب الثاني في بيان عدد حجاته - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة وعمره
وفيه نوعان: الأول: في بيان حجاته - صلى الله عليه وسلم -: روى الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، عن ابن عباس أو جابر قال: (حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعدما هاجر) (1).
قال الحافظ: (وهو مبني على عدد وفود الأنصار إلى العقبة بمنى بعد الحج، وهذا لا يقتضي نفي الحج بعد ذلك).
وقال سفيان الثوري: (حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يهاجر حججا)، رواه الحاكم بسند صحيح.
وقال أبو الفرج - رحمه الله تعالى -: في كتاب (منير العزم الساكن): (حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حججا قبل النبوة وبعدها، لا يعرف عددها).
وقال ابن الأثير - رحمه الله تعالى - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحج كل سنة قبل أن يهاجر لم يترك الحج وقال الحافظ الذي لا أرتاب فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - يحج كل سنة قبل أن يهاجر لم يترك الحج وهو بمكة قط لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، وإنما يتأخر منهم من لم يكن بمكة، أو عاقه ضعف، وإذا كانوا وهم على غير دين يحرصون على إقامة الحج، ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب، فكيف يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يتركه، وقد ثبت حديث جبير بن مطعم أنه رآه في الجاهلية واقفا بعرفة، وأن ذلك من توفيق الله تعالى له ولبث دعاؤه قبائل العرب إلى الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية كما تقدم في الهجرة إلى المدينة.
قال السهيلي - رحمه الله تعالى -: ولا ينبغي أن يضاف إليه في الحقيقة إلا حجة الوداع، وإن كان حج مع الناس إذ كان بمكة كما روى الترمذي، فلم يكن ذلك الحج على سنة الحج وكما له، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان مغلوبا على أمره، وكان الحج منقولا عن وقته، فقد ذكر أنهم كانوا ينقلونه على حساب السنة والشهر، يؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما).
__________
(1) الترمذي 3 / 178 (815) وابن ماجه 2 / 1027 (3076).
(*).(8/444)
الثاني: في بيان عدد عمره - صلى الله عليه وسلم -: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر، كلهن في ذي القعدة.
الأولى: عمرة الحديبية وهي أولاهن سنة ست فصده المشركون عن البيت فنحر البدن حيث صد بالحديبية، وحلق هو وأصحابه رؤوسهم، وحلقوا من إحرامهم ورجع من عامه - صلى الله عليه وسلم -.
الثانية: عمرة القضية من العام المقبل دخلها فأقام بها ثلاثا، ثم خرج بعد كمال عمرته.
الثالثة: عمرته - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة - لما خرج إلى حنين ثم رجع إلى مكة فاعتمر من الجعرانة داخلا إلى مكة.
الرابعة: التي قرنها مع حجة الوداع.
ذكر أدلة بعض ما تقدم: روى الإمام أحمد، والشيخان، عن عروة بن الزبير قال: (كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة - رضي الله تعالى عنها - وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن، فقلت: يا أبا عبد الرحمن اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجب ؟ قال: نعم.
فقلت لعائشة: أي أمتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ قالت: وما يقول ؟، قلت يقول: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجب ؟ فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما اعتمر في رجب وما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قال: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم.
سكت) (1).
وروى الشيخان والدارقطني عن مجاهد بن جبر قال دخلت أنا وعروة المسجد فإذا ابن عمر جالس إلى جنب حجرة عائشة فسألناه كم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال أربعا إحداهن في رجب فكرهنا أن نرد عليه وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة فقال عروة: يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ قالت وما يقول ؟ قال يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع مرات إحداهن في رجب قالت رحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو معه، وما اعتمر في رجب قط (2).
وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن سعد، عن أنس قال: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته: عمرة من الحديبية أو
__________
(1) انظر التخريج الآتي.
(2) البخاري 7 / 581 (4253، 4254) ومسلم 2 / 917 (219، 220 / 1255).
(*)(8/445)
زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة في ذي القعدة، وعمرة مع حجته) (1).
ولفظ البخاري، عن قتادة - رحمه الله تعالى - قال: قلت لأنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - كم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: أربعا: عمرته التي، صده عنها المشركون عن البيت من الحديبية من ذي القعدة وعمرته - من العام المقبل - حين صالحوه في ذي القعدة، وعمرته الجعرانة حين قسمت غنيمة حنين في ذي القعدة، وعمرته مع حجته) (2).
قوله: عمرته بالنصب يدل من أربع بدل بعض من كل، ويجوز رفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف أي: هي عمرته وكذا الباقي.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر فذكر نحوه) (3).
وروى الإمام أحمد، والثلاثة، وحسنه الترمذي، وابن سعد، عن محرش الكعبي: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من الجعرانة ليلا معتمرا، فدخل مكة ليلا فقضى عمرته، ثم خرج عن ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج من بطن سرف حتى جاء مع الطريق ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس)، وفي لفظ: (على كثير من الناس) (4).
وروى الإمام أحمد، ومسدد، عن ابن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عمر كل ذلك في ذي القعدة، يلبي حتى يستلم الحجر، ولفظ مسدد، كل ذلك لا يقطع التلبية حتى يستلم الحجر).
وروى ابن أبي شيبة، عن البراء - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر
قبل أن يحج).
وفي رواية له، وأبي يعلى، وأحمد (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عمر) (5).
وروى ابن أبي شيبة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف نزل الجعرانة، فقسم بها الغنائم، ثم اعتمر منها، وذلك من ليلتين بقيتا من شوال) (6).
__________
(1) البخاري 3 / 710 (1778، 1779، 1780، 3066، 4148) ومسلم 2 / 916 (217 / 1253) وأبو داود 2 / 206 (1994) والترمذي 3 / 179 (815).
(2) انظر التخريج السابق.
(3) أبو داود 2 / 205 (1993) والترمذي 3 / 180 (816) وابن ماجه 2 / 999 (3003).
(4) أحمد في المسند 3 / 426 وأبو داود 2 / 206 (1996) والترمذي 3 / 273 (935) والنسائي في الكبرى.
(5) قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات 3 / 278.
(6) ابن أبي شيبة 14 / 11.
(*)(8/446)
وروى أحمد بن منيع - برجال ثقات - عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعا، إحداهن في رجب).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي - وحسنه - وابن ماجه، وابن سعد، والبيهقي، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر، عمرة الحديبية، وهي عمرة الحصر، وعمرة القضاء من قابل، وعمرة الجعرانة، والرابعة مع حجته) (1).
وروى ابن سعد، عن سعيد بن جبير - رحمه الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر عام الحديبية من ذي القعدة واعتمر عام صالح قريشا في ذي القعدة واعتمر مرجعه من الطائف في ذي القعدة من الجعرانة) (2).
وروى ابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وعائشة، قال: (قالا: لم
يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ذي القعدة) (3).
وروى ابن سعد، عن ابن أبي مليكة - رحمه الله تعالى - قال: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلها في ذي القعدة) (4).
وروى - أيضا - عن عامر الشعبي - رحمه الله تعالى - عنه قال: (لم يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرة قط إلا في ذي القعدة) (5).
وروى أيضا - عن ابن جريج، عن عطاء - رحمهما الله تعالى - قال: (عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها في ذي القعدة) (6).
وروى أيضا - عن عكرمة - رحمهما الله تعالى - قال: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عمر في ذي القعدة، قبل أن يحج) (7).
تنبيهات الأول: والله سبحانه وتعالى أعلم قال في الهدي: عمره - صلى الله عليه وسلم - كلها كانت في أشهر الحج، مخالفة لهدي المشركين، فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج، ويقولون: هي أفجر الفجور.
__________
(1) أبو داود 2 / 206 (1993) والترمذي 3 / 180 (816) وابن ماجه 2 / 999 (3003).
(2) الطبقات الكبرى 2 / 123.
(3) ابن ماجه 2 / 997 (2996) وقال البوصيري حديث ابن عباس ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
(4) الطبقات الكبرى 2 / 123.
(5) المصدر السابق.
(6) المصدر السابق.
(7) المصدر السابق.
(*)(8/447)
الثاني: قال ابن القيم: له يحفظ عنه - صل الله عليه وسلم - أن اعتمر في السنة إلا مرة واحدة وقد
ظن بعض الناس أنه اعتمر في سنة مرتين، واحتج بما رواه أبو داود في (سننه) عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر عمرتين: في ذي القعدة وعمرة في شوال، قالوا: وليس المراد بهذا ذكر مجموع ما اعتمره فإن أنسا وعائشة، وابن عباس وغيرهم، قد قالوا: إنه اعتمر أربع عمر، فعلم أن مرادها أنه اعتمر في سنة مرتين.
مرة في ذي القعدة، ومرة في شوال، وهذا الحديث وهم وإن كان محفوظا عنها فإن هذا لم يقع قط، وتقدم بيان عمره، ومتى وقعت، فمتى اعتمر في شوال، ولكن لقي العدو في شوال وخرج فيه من مكة وقضى عمرته لما فرغ من أمر العدو، وفي ذي القعدة ليلا ولم يجمع ذلك العام بين عمرتين لا قبله ولا بعده، ومن له عناية بأيامه، وسيرته، وأحواله، لا يشك ولا يرتاب في ذلك.
الثالث: قال: في (زاد المعاد): لم يقل أحد من أهل العلم، أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر من التنعيم بعد حجه، وإنما يظنه العوام ومن لا خبرة له بالسنة.
الرابع: قال فيه أيضا: غلط من قال: إنه لم يعتمر في حجته أصلا، والسنة الصحيحة المستفيضة التي لا يمكن ردها تبطل هذا القول.
الخامس: قال فيه أيضا غلط من قال: إنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر عمرة حل منها ثم أحرم بعدها بالحج من مكة، والأحاديث الصحيحة تبطل هذا القول وترده.
السادس: روى البخاري، عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين) (1).
وروى أبو داود، عن مجاهد، قال: سئل ابن عمر: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: مرتين فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع (2).
قال في (زاد المعاد) أراد العمرة المفردة المستقلة التي تمت ولا ريب أنهما اثنتان، فإن عمرة القران لم تكن مستقلة، وعمرة الحديبية صد عنها وحيل بينه وبين إتمامها.
وقال في موضع آخر: (لا يناقض حديث ابن عمر - أي السابق - قوله: (إن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قرن بين الحج والعمرة)، لأنه أراد العمرة الحاصلة المفردة.
ولا ريب أنهما عمرتان: عمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وعائشة أرادت العمرتين المستقلتين: فإن عمرة القران، لم تكن مستقلة وعمرة الحديبية صد عنها، ولا ريب أنها أربع،
__________
(1) البخاري 3 / 702 (1781، 1844، 2998، 2999، 2700، 3184، 4251).
(2) أبو داود 2 / 205 (1992).
(*)(8/448)
السابع: قول أنس: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت مع حجته قال في (زاد المعاد): وهذا لا يناقض ما تقدم عن عائشة، وابن عباس وغيرهما، أي أنهن كلهن في ذي القعدة، لأن مبدأ عمرة القران في ذي القعدة ونهايتها كان في ذي الحجة مع انقضاء الحج، فعائشة، وابن عباس أخبرا عن ابتدائها وأنس أخبر عن انقضائها.
الثامن: قول عروة، عن ابن عمر: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعتمر في رجب، قال في (الهدي): هو غلط، فإن عمره - صلى الله عليه وسلم - مضبوطة محفوظة، لم يخرج في رجب إلى شئ منها.
التاسع: روى أبو حاتم: وابن حبان (أن عمرة القضاء كانت في رمضان، وعمرة الجعرانة، كانت في شوال، قلت: ذكر أبو حاتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان معتمرا عام الفتح، وذلك في رمضان).
قال المحب الطبري: ولم أر ذلك لأحد غيره.
والمشهور: أن عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة.
العاشر: روى الدارقطني، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عمرة في رمضان فأفطر، وصمت وقصر وأتممت، الحديث).
قال في (زاد المعاد): هذا الحديث غلط، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رمضان قط، وعمره مضبوطة العدد، والزمان، ونحن نقول: يرحم الله أم المؤمنين: ما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
رمضان قط، وقد قالت: - رضي الله تعالى عنها - (لم يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ذي القعدة.
كما رواه ابن ماجه، وغيره، ولا خلاف أن عمره - صلى الله عليه وسلم - لم تزد على أربع، فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا، ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال: بعضهن في رجب، وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة، وهذا لم يقع، وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس، وابن عباس، وعائشة - رضي الله تعالى عنهم -.
الحادي عشر: روى أبو داود، في (سننه) وابن سعد في ((طبقاته) واللفظ له، في عمرة الجعرانة حين خرج في شوال، ولكن إنما أحرم بها في ذي القعدة، قلت: قال ابن سعد حدثنا ابن سابق التميمي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير عن عتبة مولى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: (لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم، ثم اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال.
وقال ابن القيم في موضع آخر: هذا أي اعتماره - صلى الله عليه وسلم - في شوال وهم، والظاهر والله تعالى أعلم، أن بعض الرواة غلط في هذا، وأنه اعتكف في شوال فقال إنه اعتمر في شوال لكن سياق الحديث، وقوله اعتمر ثلاث عمر عمرة في شوال وعمرتين في ذي القعدة، يدل على أن عائشة، أو من دونها إنما قصد العمرة).(8/449)
الباب الثالث في سياق حجة الوداع
أفردها بالتصنيف الحافظ أبو بكر محمد بن المنذر، وأبو جعفر أحمد بن عبد الله المحب الطبري، وأبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعيون، وأبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، وبسط الكلام عليها أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن القيم الحنبلي في (زاد المعاد)، والحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الشافعي في كتاب السيرة في تاريخه المسمى (بالبداية والنهاية)، وهو أوسع من الذي قبله، كل منهم ذكر أشياء لم يذكرها الآخر، وظفرت بأشياء لم يذكروها، ورأيت سياق ابن القيم أحسنهم سياقا، فاعتمدته وجردته من الأدلة غالبا، ومن الأبحاث الطويلة، وأدخلت فيه ما أجمل به مميزا له غالبا بقولي: (قلت) في أوله، (والله أعلم) في آخره، وإذا أتيت بضمير تثنية لا مرجع له كقالا، أو رجحا أو جزما، فمرادي: ابنا كثير، والقيم، وضمير مفرد مذكر لا مرجع له فمرادي: ابن القيم، أو أبا محمد فمرادي: ابن حزم، والله سبحانه وتعالى أعلم، وأسأله التوفيق للصواب، وحسن المرجع، والمآب، وهو حسبي ونعم الوكيل، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ذكر إعلامه - صلى الله عليه وسلم - بأنه حاج في هذه السنة: قلت: قال ابن سعد: قالوا: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة عشر سنين يضحي كل عام، ولا يلحق، ولا يقصر ويغزو المغازي، ولا يحج حتى كان في ذي القعدة سنة عشر أجمع الخروج إلى الحج والله تعالى أعلم، ولما عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحج أذن في الناس أنه حاج في هذه السنة فسمع بذلك من حول المدينة، فلم يبق أحد يريد وفي لفظ: يقدر أن يأتي راكبا، أو راجلا إلا قدم، فقدم المدينة بشر كثير، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون، وكانوا من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، مد البصر، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعمل مثل عمله، وأصاب الناس جدري، أو حصبة، منعت من شاء الله أن تمنع من الحج، قال أبو محمد: فأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عمرة في رمضان، تعدل حجة معه.
وصوبا أن هذا الإعلام كان بعد رجوعه - صلى الله عليه وسلم - وهو كما قال.
ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة الشريفة: قلت: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد الخروج على المدينة أبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي ويقال: بل سباع بن عرفطة ذكره ابن هشام والله تعالى أعلم.(8/450)
وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعا، وخطب الناس وعلمهم ما أمامهم من المناسك ثم ترجل وادهن بزيت، قلت اغتسل قبل ذلك، وتجرد في ثوبين صحاريين إزار ورداء
كما ذكره ابن سعد، زاد محمد بن عمر الأسلمي: وأبدلهما بالتنعينم بثوبين من جنسهما، والله تعالى أعلم، ولبس إزاره، ورداءه، قلت وركب كما قال أنس على رحل وكانت زاملته، وقال أيضا حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رحل رث، وقطيفة خلقة تستوي أربعة دراهم ولا تستوي، ثم قال: (اللهم اجعله حجا مبرورا، لا رياء فيه، ولا سمعة) (1) رواه البخاري تعليقا وابن ماجه، والترمذي، في (الشمائل) وأبو يعلى موصولا، والله تعالى أعلم.
وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة نهارا بعد الظهر لخمس بقين من ذي القعدة وصوبا أن خروجه كان يوم السبت، وبسط الكلام على ذلك الحافظ الدمياطي، قلت: ورواه الحاكم في (الاكليل) عن جبير بن مطعم، وبه جزم ابن سعد، ومحمد بن عمر الأسلمي، خلافا لابن حزم في أنه كان يوم الخميس، واستدل بأشياء نقضا عليه، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة، كان يخرج منها، وصلى في مسجدها، رواه البخاري عن ابن عمر.
ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة وبياته بها: فسار - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى ذا الحليفة، وهو من وادي العقيق فنزل به، قلت: تحت سمرة في موضع المسجد بذي الحليفة، دون الروسة عن يمين الطريق كما في الصحيح، عن عبد الله بن عمر، ليجتمع إليه أصحابه، كما ذكره محمد بن عمر الأسلمي والله تعالى أعلم.
وصلى بهم العصر ركعتين، قلت: وأمر بالصلاة في ذلك الوادي، رواه الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، عن ابن عباس، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بوادي العقيق: (أتاني آت من ربي)، ولفظ البيهقي: (جبريل) فقال: (صل في هذا الوادي المبارك)، وقال: (عمرة في حجة، فقد دخلت العمرة في الحج، إلى يوم القيامة والله تعالى أعلم) (2).
ثم بات بذي الحليفة، وصلى المغرب والعشاء، والصبح والظهر فصلى بها خمس صلوات، وكان نساؤه معه كلهن في الهوداج، وكن تسعة وطاف عليهن تلك الليلة واغتسل، قلت: وطيبته عائشة قبل طوافه عليهن تلك الليلة، واغتسل.
(كما رواه مسلم - عن عائشة، والبيهقي، عنها، قالت: طيبته بالطيب) والله تعالى أعلم.
وساق هديه مع نفسه، قلت: كان معه - صلى الله عليه وسلم - قبل وصوله أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا ببدنته،
__________
(1) ابن ماجه 2 / 965 (2890).
(2) أخرجه أحمد 1 / 257 وابن ماجه 2 / 991 (2976).
(*)(8/451)
وفي رواية: بناقته فأشعرها في صفحة سنامها من الشق الأيمن ثم سلت الدم عنها، وقلدها نعلين، قلت: وتولى إشعار بقية الهدي وتقليده غيره، قال: كان صلى الله عليه وسلم معه هدي كثير.
قال ابن سعد: وكان على هديه ناجية بن جندب الأسلمي وكان جميع الهدي الذي ساقه من المدينة (1).
ذكر إحرامه - صلى الله عليه وسلم -: (فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح أخذ في الإحرام، فاغتسل غسلا ثانيا، غير الغسل الأول، وغسل رأسه بخطمي وأشنان، قلت: ودهن رأسه بشئ من زيت غير كثير)، رواه الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، والدارقطني عن عائشة (2).
وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدهن بالزيت - وهو محرم - غير المقتت)، رواه الترمذي، وابن ماجه (3).
في حديث أبي أيوب عند الشيخين: أنه - صلى الله عليه وسلم - في غسله حزك رأسه بيديه جميعا فأقبل بهما وأدبر، والله تعالى أعلم، وطيبته بذريرة وطيب فيه مسك (4)، قلت: وبالغالية الجيدة كما رواه الدارقطني والبيهقي والله أعلم في بدنه ورأسه حتى كان وبيص المسك يرى من مفارقه، ولحيته الشريفة - صلى الله عليه وسلم - (5) ثم استدامه، ولم يغسله، قلت وروى الإمام أحمد، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أيام وهو محرم (6)، ورواه الحميدي في مسنده بلفظ: بعد ثالثة، وهو محرم) والله تعالى أعلم.
ثم لبس إزاره ورداءه، قلت: (ولم ينه عن شئ من الأردية إلا المزعفرة، التي تردع على
الجلد)، رواه البخاري، وأبو يعلى، عن ابن عباس والله تعالى أعلم.
وسأله - صلى الله عليه وسلم - رجل: (ما يلبس المحرم من الثياب ؟) فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تلبسوا القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أن تكون نعالا، فإن لم تكن نعالا فخفين دون الكعبين)، وفي رواية: (إلا أن لا يجد نعلين)، وفي رواية: (فمن لم يجد نعلين)، وفي رواية: (فليحرم أحدكم في إزار، ونعلين).
__________
(1) الطبقات الكبرى 2 / 124.
(2) أحمد 6 / 78 والبزار كما في الكشف 2 / 11 (1085) والدارقطني 2 / 226.
(3) الترمذي 3 / 294 (962) وابن ماجه 2 / 1030 (3083 وضعفه البوصيري في الزوائد.
(4) البخاري 10 / 384 (5930) ومسلم 2 / 147 (35 / 1189) والدارقطني 2 / 222 والبيهقي 5 / 35.
(5) البيهقي 5 / 34.
(6) أحمد 6 / 124 وهو عند البخاري 3 / 463 (1538) ومسلم (39 / 1190).
(*)(8/452)
فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليجعلهما أسفل الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران، ولا الورس، إلا أن يكون غسيلا، ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين)، رواه الإمام أحمد، والشيخان، عن ابن عمر، والله تعالى أعلم (1).
وولدت أسماء بنت عميس - زوجة أبي بكر - بذي الحليفة محمد بن أبي بكر - فأرسلت أبا بكر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول: كيف أصنع ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اغتسلي واستثفري بثوب، وأهلي)، وفي رواية: (وأحرمي)، رواه مسلم في حديث جابر الطويل (2).
وزاد النسائي، وابن ماجه، عن أبي بكر: وتصنع ما يصنع الناس إلا أنها لا تطوف بالبيت (3).
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين، قال في الاطلاع: صلى ركعتي الإحرام، وهما الركعتان اللتان كان يودع بهما المنزل.
قال ابن القيم: (ولم ينقل عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى للإحرام ركعتين) قلت: روى الشيخان عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل) (4).
قال النووي في (شرح مسلم) فيه استحباب صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام، ويصليهما قبل الإحرام إلى آخره.
والله تعالى أعلم.
ثم ركب راحلته القصواء، قلت: (واستقبل القبلة قائما، ثم لبى) (5) رواه البخاري، عن ابن عمر والله تعالى أعلم.
ذكر إهلاله - صلى الله عليه وسلم - وفي أي مكان أهل: اختلف في الموضع الذي أهل فيه - صلى الله عليه وسلم - فقيل: أهل من المسجد الذي بذي الحليفة، فروى الخمسة عن سالم، عن أبيه عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنه - صلى الله عليه وسلم - أهل من عند المسجد يعني: مسجد ذي الحليفة، وفي رواية الشيخين، عن ابن عمر قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على
__________
(1) البخاري 3 / 469 (1542) ومسلم 2 / 835 (3 / 1177) ومالك 1 / 324 (1) وأحمد 2 / 54.
(2) مسلم 2 / 886 حديث (147 / 1218) والشافعي في المسند 1 / 296 (770) وأبو داود 2 / 182 (1905) والنسائي 1 / 654 وابن ماجه 2 / 1022 (3074) وأحمد 3 / 320.
(3) النسائي 5 / 97 وابن ماجه 2 / 972 (2912).
(4) أخرجه البخاري 6 / 82 (2865) ومسلم 2 / 845 (27 / 1187).
(5) أخرجه البخاري 3 / 482 (1553).
(*)(8/453)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أهل من المسجد (1).
روى الطبراني، عن أبي داود المازني، وكان من أهل بدر، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل مسجد ذي الحليفة، فصلى فيه أربع ركعات، ثم أهل في المسجد فسمعه
الذين كانوا في المسجد فقالوا أهل من المسجد، وأهل حين ركب راحلته، فقال الذين عند المسجد أهل حين استوت به راحلته، ثم لما استوى على البيداء أهل فسمعه الذين على البيداء فقالوا أهل من البيداء وصدقوا كلهم)) (2).
وقيل: أهل حين استوت به راحلته - صلى الله عليه وسلم - وروى الستة، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: بات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة حتى أصبح، فلما زالت راحلته واستوت به أهل (3).
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة، وركب راحلته حتى استوت على البيداء [ أهل ] هو وأصحابه) ورواه الإمام أحمد من طريق آخر نحوه (4).
وروى مسلم من طريق زين العابدين بن علي بن الحسين، والبخاري من طريق عطاء، كلاهما عن جابر - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل حين استوت به راحلته).
وروى الشيخان من طريق عبيد بن جريج، عن ابن عمر قال: (أما الإهلال فإني لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل حتى تنبعث به راحلته) (5).
وروى مسلم، من طريق موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه عبد الله بن عمر قال: (بيداؤكم التي تكذبون فيها ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة، حين قام به بعيره) (6).
وروى الإمام أحمد، من طريق أبي حسان: مسلم بن عبد الله البصري الأعرج، والبخاري من طريق كريب، كلاهما عن ابن عباس قال: (لما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 468 (1541) ومسلم 2 / 843 (23 / 1186) ومالك 1 / 332 (30) وأبو داود 2 / 150 (1771) والترمذي 3 / 181 (818) والنسائي 5 / 126.
(2) الطبراني في الكبير قال الهيثمي 3 / 221 فيه إسحاق بن سعيد بن جبير قال الذهبي مجهول، وفيه جماعة لم أعرفهم.
(3) أخرجه البخاري 3 / 476 (1546) وأبو داود 1 / 151 (1773) والنسائي 5 / 97.
(4) أحمد 1 / 260.
(5) البخاري 1 / 320 (166، 1514، 1552، 1609، 2865، 5851) ومسلم 2 / 844 (25 / 1187) ومالك في الموطأ 1 / 333 (31).
(6) تقدم.
(*)(8/454)
الحليفة ودعا براحلته فلما استوت على البيداء أهل بالحج) (1).
وروى الشيخان، عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل حين استوت به راحلته).
قال ابن كثير: وهذه الرواية المثبتة المفسرة أنه أهل حين استوت به راحلته عن ابن عمر مقدمة على الأخرى لاحتمال أنه أراد أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته، وتكون رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الأخرى، ورواية أنس وجابر وكذا رواية ابن عباس التي في الصحيح سالمات من المعارض، قال: وهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم بعد الصلاة وبعد ما ركب راحلته وابتدأت به السير، زاد ابن عمر.
وهي مستقبلة القبلة.
قال: وما في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل حين استوت به راحلته أصح وأثبت، من رواية خصيف الحروري، عن سعيد بن جبير.
قلت: وجعل أبو جعفر الطحاوي والحافظ حديث ابن عباس هذا جامعا بين الأقوال، وأورده ابن القيم ساكتا عليه.
ذكر الاختلاف فيما أهل به - صلى الله عليه وسلم -: اختلف في ذلك على أربعة أقول: الأول: الإفراد بالحج.
روى الإمامان: الشافعي وأحمد، والشيخان، والنسائي عن عائشة وأحمد، ومسلم، وابن
ماجه، والبيهقي عن جابر بن عبد الله، وأحمد، ومسلم، والبزار، عن عبد الله بن عمر، ومسلم، والدارقطني، والبيهقي، عن ابن عباس (أنه - صلى الله عليه وسلم - أهل بالحج مفردا) (2).
الثاني: القران.
روى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه والبيهقي عن عمر بن الخطاب وأحمد عن عثمان وأحمد والبخاري، وابن حبان، عن علي، وأحمد، والنسائي، والشيخان، والبزار، والبيهقي، عن أنس، والترمذي، وابن ماجه، والبزار، والدارقطني، والبيهقي، عن جابر بن عبد الله، والإمام أحمد، وابن ماجه، عن أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - وأحمد، عن سراقة بن مالك، والإمامان: مالك، وأحمد،
__________
(1) أحمد 1 / 254.
(2) حديث عائشة عند الشافعي في المسند 6 / 104 والبخاري 3 / 492 (1562) ومسلم 2 / 875 (122 / 1211) ومالك 1 / 335 (37) والنسائي 5 / 112 وأخرجه ابن ماجه 2 / 988 (2966) وحديث جابر أخرجه مسلم (2 / 881) حديث (136 / 1213).
(*)(8/455)
والترمذي وصححه، والنسائي عن سعد بن أبي وقاص، والطبراني، عن عبد الله بن أبي أوفى والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن ابن عباس، وأحمد ومسلم، والنسائي، والدارقطني، عن الهرماس بن زياد، وأبو يعلى، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأحمد، والشيخان، عن ابن عمرو، وأحمد، عن عمران بن حصين، والدارقطني، عن أبي قتادة، والترمذي - وحسنه - عن جابر بن عبد الله، وأحمد، عن حفصة، والشيخان، والبيهقي، عن عائشة - رضي الله تعالى عنهم - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا) (1).
الثالث: التمتع.
روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عمر قال: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة، إلى الحج، وأهدى، فساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج.
الحديث (2).
وروى الشيخان، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تمتعه بالعمرة إلى الحج: وتمتع الناس معه (3).
وروى مسلم، عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - قال: (تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتمتعنا معه).
وروى مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (هذه عمرة استمعتعنا بها، فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحل كله، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة) (4).
وروى البخاري، عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت يا رسول الله: ما شأن الناس حلو بعمرة ؟ ولم تحلل أنت من عمرتك ؟ قال: (إني لبدت رأسي، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر) (5).
__________
(1) من حديث عمر رضي الله عنه أحمد في المسند 1 / 174 - والبخاري من حديث عبد الله بن عمر 3 / 640 (1691).
ومن حديث عثمان أحمد في المسند 1 / 57.
ومن حديث علي أحمد 1 / 57.
ومن حديث جابر الترمذي 3 / 170 وابن ماجه 2 / 990.
ومن حديث أبي طلحة أحمد 4 / 28.
ومن حديث سراقة أخرجه أحمد 4 / 75.
ومن حديث سعد أحمد 1 / 174 والنسائي 5 / 118.
ومن حديث ابن أبي أوفى البزار كما في الكشف 2 / 27.
ومن حديث ابن عباس أبو داود 2 / 159.
ومن حديث الهرماس أحمد 3 / 485، ومن حديث عمران بن حصين أحمد 4 / 427.
ومن حديث أبي قتادة الدارقطني 2 / 261.
ومن حديث حفصة أحمد 6 / 285.
ومن حديث عائشة البخاري 3 / 630 حديث (1692).
(2) وهو عند أبي داود (1805) والنسائي 5 / 179.
(3) البخاري 3 / 630 (1692).
(4) أخرجه مسلم في الحج (203) وأبو داود 1790، وابن أبي شيبة 4 / 102 والدارمي 2 / 51 وأحمد 1 / 236.
(5) أخرجه البخاري 3 / 635 (1697).
(*)(8/456)
وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وأول من نهى عنه معاوية) (1).
وروى الشيخان، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - عن معاوية - رضي الله تعالى عنه - قال: (قصرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقص)، زاد مسلم، فقلت: (لا أعلم هذه إلا حجة عليك) (2).
وروى النسائي، عن عطاء، عن معاوية قال: (أخذت من أطراف شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقص كان معي، بعد ما طاف بالبيت وبالصفا والمروة، في أيام العشر) (3).
قال قيس بن سعد الراوي، عن عطاء: (والناس ينكرون هذا على معاوية) (4).
وروى البخاري عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يحج).
الرابع: - الإطلاق.
روى الشيخان، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نذكر حجا ولا عمرة وفي لفظ (نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة)، وفي لفظ (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نرى إلا الحج.
حتى إذا دنونا من مكة، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بين الصفا والمروة، أن يحل) (5).
قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان، أخبرنا ابن طاوس (6)، وإبراهيم ابن ميسرة، وهشام بن حجير (7) سمعوا طاوسا يقول: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة، ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة الحديث) (8) ويأتي الكلام عليه في التنبيهات.
__________
(1) أحمد 1 / 313 والترمذي 3 / 85 (822).
(2) أخرجه البخاري 3 / 656 (1730) ومسلم في الحج باب (209) وأبو داود (1802) والنسائي 5 / 244.
(3) النسائي 5 / 197.
(4) تقدم.
(5) أخرجه البخاري 3 / 492 (1561).
(6) عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقة فاضل عابد، من السادسة، مات سنة اثنين وثلاثين.
التقريب 1 / 424.
(7) هشام بن حجير بمهملة وجيم مصغرا المكي، عن طاوس.
وعنه ابن جريج وشبل بن عباد، وثقه العجلي، قال أحمد: ليس بالقوي، قرنه بآخر، وله عنده حديثان، وله في البخاري فرد حديث.
الخلاصة 3 / 113.
(8) أخرجه الشافعي في المسند 1 / 372 (960).
(*)(8/457)
فهذه أربعة أقوال: الإفراد، والقران، والتمتع، والإطلاق، ورجحا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا، ورجحه المحب الطبري، والحافظ، وغيرهم، ويأتي تحقيقه بعد تمام القصة، قال: أهل في مصلاه، ثم ركب ناقته، فأهل أيضا، ثم أهل لما استقلت به على البيداء وكان يهل بالحج والعمرة تارة، وبالعمرة تارة، وبالحج تارة لأن العمرة جزء منه، فمن ثم قيل: قرن.
وقيل: تمتع، وقيل: أفرد، وكل ذلك وقع بعد صلاة الظهر، خلافا لابن حزم، وصاحب الاطلاع، قال النووي، والحافظ: وطريق الجمع بين الأحاديث وهو الصحيح: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أولا مفردا بالحج، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها على الحج فصار: قارنا، فمن روى الإفراد هو الأصل، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق.
ذكر لفظ تلبيته [ - صلى الله عليه وسلم - ثم ]: لبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ورفع صوته بالتلبية حتى سمعها أصحابه، قلت: وروى البزار،
عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كانت تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لبيك حجا حقا تعبدا ورقا) (1).
وروى الطبراني - بسند حسن - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف بعرفات فلما قال: (لبيك اللهم لبيك) قال: (إنما الخير خير الآخرة) (2) وعند الإمام أحمد، والنسائي عن أبي هريرة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في تلبيته: (لبيك إله الحق لبيك) (3).
وروى الطبراني، عن خزيمة بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من تلبيته، سأل الله عز وجل مغفرته ورضوانه واستعتقه من النار) (4).
وأمرهم بأمر الله - تعالى - بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج.
وأمره جبريل - عليه الصلاة والسلام - (أن يعلن بالتلبية)، وروى الإمام أحمد، عن السائب بن خلاد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا
__________
(1) البزار 2 / 13 (1090) قال الهيثمي رواه البزار مرفوعا وموقوفا، ولم يسم شيخه في المرفوع وانظر التلخيص الحبير 2 / 240.
(2) الطبراني في الأوسط ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 223.
(3) أحمد 2 / 341 والنسائي 5 / 115 والبيهقي 5 / 45.
(4) الطبراني في الكبير 4 / 99 وقال الهيثمي 3 / 224 فيه صالح بن محمد بن زائدة وثقه أحمد وضعفه خلق.
(*)(8/458)
أصواتهم بالتلبية)، وقال: (يا محمد كن عجاجا ثجاجا) (1)، (رواه الطبراني وغيره).
قلت: جاء جبريل وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد - صلى الله عليه وسلم - شيئا منه، ولزم - صلى الله عليه وسلم - تلبيته)، رواه مسلم، وعند أبي داود، والناس يزيدون (ذا المعارج) ونحوه من الكلام.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع، فلا يقول لهم شيئا، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - خيرهم عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة.
ثم ندبهم عند دنوهم من مكة إلى فسخ الحج، والقران إلى العمرة لمن لم
يكن معه هدي، ثم حتم ذلك عليهم عند المروة، ثم سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يلبي تلبيته المذكورة، والناس معه يزيدون فيها، وينقصون، وهو يقرهم، ولا ينكر عليهم، ولزم تلبيته.
ذكر مسيره - صلى الله عليه وسلم -: من قال إهلاله ومروره بالروحاء، ثم الأثاية قلت: قال ابن سعد: ومضى - صلى الله عليه وسلم - يسير المنازل ويؤم أصحابه في الصلوات في مساجد له، قد بناها الناس وعرفوا مواضعها.
والله تعالى أعلم.
ثم سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يلبي تلبيته المذكورة، فلما كان بالروحاء رأى حمارا وحشيا عقيرا، قال: (دعوه يوشك أن يأتي صاحبه)، فجاء صاحبه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: هو رجل من بهز، واسمه الله تعالى أعلم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (شأنكم بهذا الحمار)، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فقسمه بين الرفاق، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان بالأثاية بين الرويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل وفيه سهم، فأمر رجلا - قلت هو أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - كما رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن طلحة بن عبيد الله، والله تعالى أعلم - فأمره أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزوه (2)، قال: والفرق بين قصة الظبي، وقصة الحمار: أن الذي صاد الحمار كان حلالا، فلم يمنع من أكله، وهذا لم يعلم أنه حلال، وهو محرمون، فلم يأذن لهم في أكله، ووكل من يقف عنده لئلا يأخذه أحد حتى يجاوزوه.
ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بالعرج: وضياع زاملته التي بينه وبين أبي بكر، ثم سار - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا نزل بالعرج، وكانت زاملته وزاملة أبي بكر واحدة، وكانت مع غلام لأبي بكر، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر
__________
(1) أحمد 4 / 55، 56 ومالك في الموطأ 1 / 334 (34) والشافعي في الأم 2 / 156 والدارمي 2 / 34 وأبو داود (1814) والترمذي (829) والنسائي 5 / 162 وابن ماجه 2 / 975 (2922) وابن خزيمة 4 / 173 والحاكم 1 / 450.
(2) أحمد 3 / 452 والنسائي 5 / 143.
(*)(8/459)
إلى جانبه وعائشة إلى جانبه الآخر، وأسماء بنت أبي بكر إلى جانبه وأبو بكر ينتظر الغلام أن يطلع عليه فطلع وليس معه البعير، فقال: أين بعيرك ؟ فقال: أضللته البارحة، فقال أبو بكر - وكان فيه حدة: بعير واحد تضله، فطفق يضرب الغلام بالسوط، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم ويقول: (انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ؟)، وما يزيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يقول ذلك ويتبسم، ترجم أبو داود على هذه القصة (باب المحرم يؤدب) (1).
قلت سبق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حج على رحل، وكانت زاملة، قال المحب الطبري: فيحتمل أن يكون بعض الزاملة عليها، وبعض الزاملة مع زاملة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - ولما بلغ آل فضالة الأسلمي، أن زاملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضلت حملوا له جفنة من حيس فأقبلوا بها حتى وضعوها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (هلم يا أبا بكر، فقد جاء الله تعالى بغذاء أطيب، وجعل أبو بكر يغتاظ على الغلام، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (هون عليك يا أبا بكر، فإن الأمر ليس إليك، ولا إلينا معك، وقد كان الغلام حريصا على ألا يضل بعيره، وهذا خلف مما كان معه)، ثم أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله، وأبو بكر، ومن كان معه يأكل حتى شبعوا، فقال فأقبل صفوان بن المعطل - رضي الله تعالى عنه - وكان على ساقة الناس، والبعير معه، وعليه الزاملة، فجاء حتى أناخ على باب منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: (متاعك ؟، فقال: (ما فقدت شيئا إلا قعبا كنا نشرب فيه، فقال الغلام: هذا القعب معي) فقال أبو بكر لصفوان: أذى الله عنك الأمانة.
وجاء سعد بن عبادة، وابنه قيس - رضي الله تعالى عنهما - ومعهما زاملة تحمل زادا يؤمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفا ببات منزله، قد رد الله - عز وجل - عليه زاملته، فقال سعد يا رسول الله: بلغنا ان زاملتك ضلت الغداة، وهذه زاملة مكانها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد جاء الله بزاملتنا، فارجعا بزاملتكما بارك الله فيكما).
ذكر مروره - صلى الله عليه وسلم - بولأبواء: وإهداء الصعب بن جثامة له - ثم مضى رسول الله حتى إذا كان بالأبواء أهدى له الصعب بن جثمامة حمار وحش، وفي رواية (عجز حمار وحش) وفي رواية (لحم حمار وحش، يقطر دما)، وفي رواية (شق حمار وحشي) وفي رواية (رجل حمار وحش فرده) وقال: (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم) (2).
__________
(1) أبو داود 2 / 161 (1818).
(2) البخاري 4 / 31 (1825، 2573) ومسلم 2 / 850 (50 / 1193).
(*)(8/460)
ذكر مروره - صلى الله عليه وسلم - بوادي عسفان: فلما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوادي عسفان، قال: (يا أبا بكر أي واد هذا ؟) قال: (وادي عسفان)، قال: (لقد مر به هود، وصالح، على بكرين أحمرين خطمهما ليف، وأوزرهم العباء، وأرديتهم النماز يلبون، يحجون البيت العتيق (1).
ذكر مروره - صلى الله عليه وسلم - بسرف: قلت: قال ابن سعد: وكان يوم الاثنين بمر الظهران فغربت له الشمس بسرف.
فلما كان - صلى الله عليه وسلم - بسرف حاضت عائشة وقد كانت أهلت بعمرة، فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي، فقال: (ما بيكيك ؟ لعلك نفست ؟) قالت: نعم، قال: (هذا شئ كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت).
وقال - صلى الله عليه وسلم - لما كان بسرف لأصحابه: (من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا).
قال ابن القيم: وهذا رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات، فلما كان بمكة، أمر أمرا حتما من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، ويحل من إحرامه، ومن معه هدي أن يقيم على إحرامه، ولم ينسخ ذلك شئ البتة بل سأله سراقة بن مالك، عن هذه العمرة التي أمرهم
بالفسخ إليها هل هي لعامهم ذلك أم للأبد ؟ فقال: (بل للأبد، وإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة).
وقد روى عنه - صلى الله عليه وسلم - الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وأحاديثهم صحاح، وسرد أسماءهم، والدليل على صحة مذهبه في نحو عشر ورقات وسيأتي التحقيق فيه بعد تمام القصة.
ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بذي طوى، ودخوله مكة، وطوافه وسعيه: ثم نهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن نزل بذي طوى، وهي المعروفة اليوم بآبار الزاهر، فبات بها ليلة الأحد، لأربع خلون من ذي الحجة، وصلى بها الصبح، ثم اغتسل من يومه، ونهض إلى مكة من أعلاها من الثنية العليا، التي تشرف على الحجون وكان في العمرة يدخل من أسفلها وفي الحج دخل من أعلاها وخرج من أسفلها، ثم سار حتى دخل المسجد ضحى.
وروى الطبراني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أحمد 1 / 232 - (*)(8/461)
ودخلنا معه من باب عبد مناف، وهو الذي تسميه الناس: (باب بني شيبة) - رجاله رجال الصحيح إلا مروان بن أبي مروان، قال السليماني: فيه نطر) (1).
وروى البيهقي: وخرج من باب بني مخزوم [ إلى الصفا ] فلما نظر إلى البيت، واستقبله ورفع يديه وكبر، وقال: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تشريفا، وتعظيما، وتكريما، ومهابة، وزد من عظمة، ممن حجه أو اعتمره، تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا) (2).
وروى الطبراني، عن حذيفة بن أسيد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نظر إلى البيت قال: (اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا ومهابة) (3).
فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد عمد إلى البيت، ولم يركع تحية المسجد، فإن
تحية المسجد الحرام الطواف.
وكان طوافه - صلى الله عليه وسلم - في هذه المرة ماشيا فقد روى البيهقي - بإسناد جيد - كما قال ابن كثير عن جابر بن عبد الله قال: (دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، ثم رمل ثلاثا، ومشى أربعا، حتى فرغ قبل الحجر، ووضع يديه عليه، ومسح بهما وجهه) (4).
وأما ما رواه مسلم، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بعيره يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس)، وما رواه أبو داود، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة يشتكي فطاف على راحلته وكلما أتى الركن استلم بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين (5).
وقول أبي الطفيل - رضي الله تعالى عنه - (يطوف حول البيت على بعير يستلم الركن بمحجن) رواه البيهقي (6).
قال: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته بالبيت على ناقته الجدعاء، وعبد الله ابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز فقالا، واللفظ لابن كثير، إن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف، هذا الأول، والثاني طواف الإفاضة، وهو طواف الفرض وكان يوم النحر.
والثالث: طواف
__________
(1) الطبراني في الأوسط انظر المجمع 3 / 238.
(2) البيهقي 5 / 73.
(3) الطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي 3 / 238 فيه عاصم بن سليمان متروك.
(4) البيهقي 5 / 74.
(5) أبو داود 2 / 177 (1881).
(6) البيهقي 5 / 100.
(*)(8/462)
الوداع فلعل ركوبه - صلى الله عليه وسلم - كان في أحد الأخيرين، أو في كليهما، فأما الأول: وهو طواف
القدوم فكان ماشيا فيه، وقد نص على هذا الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - والدليل على ذلك ما رواه البيهقي بإسناد جيد، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، ثمن رمل ثلاثا، ومشى أربعا، حتى فرغ يقبل الحجر، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه).
قال ابن القيم: وحديث ابن عباس إن كان محفوظا فهي في إحدى عمره، وإلا فقد صح عنه: الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي: إنه رمل على بعيره، فقد رمل لكن ليس في شئ من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم.
فلما حاذى - صلى الله عليه وسلم - الحجر الأول استلمه، ولم يزاحم عليه قلت: وقال لعمر: (يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر تؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر) رواه الإمام أحمد وغيره والله تعالى أعلم) (1).
قال: ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني، ولم يرفع يديه، ولم يقل: نويت بطوافي هذا الأسبوع، كذا وكذا ولا افتتحه بالتكبير، كما يكبر للصلاة كما يفعله من لا علم عنده، بل هو من البدع المنكرات، ولا حاذي الحجر الأسود بجميع يديه، ثم انفتل عنه وجعله على شقه، بل واستقبله، واستلمه، ثم أخذ على يمينه وجعل البيت على يساره ولم يدع عند الباب بدعاء، ولا تحت الميزاب، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ولا وقت الطواف ذكرا معينا، لا بفعله ولا تعليمه، بل حفظ عنه بين الركنين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
قلت: وروى ابن سعد، عن عبد الله بن السائب - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بين الركنين: اليماني، والحجر الأسود (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) (2).
ورمل - صلى الله عليه وسلم - في طوافه هذا الثلاثة الأشواط، الأول قلت: (من الحجر إلى الحجر) رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى) (3).
__________
(1) أحمد 1 / 28.
(2) الطبقات 2 / 128.
(3) انظر المجمع 3 / 239.
(*)(8/463)
وكان يسرع مشيه، ويقارب بين خطاه واضطبع بردائه فجعله على أحد كتفيه، وأبدى كتفه الآخر، ومنكبه، وكلما حاذي الحجر الأسود أشار إليه واستلمه بمحجنه وقبل المحجن، وهو عصا محنية الرأس.
وثبت عنه: أنه استلم الركن اليماني، ولم يثبت عنه أنه قبله، ولا قبل يده حين استلامه.
وقول ابن عباس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الركن اليماني، ويضع خده عليه، رواه الدارقطني، من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز.
قال ابن القيم: (المراد بالركن اليماني ها هنا الحجر الأسود، فإنه يسمى الركن اليماني مع الركن الآخر يقال لهما: اليمانيان، ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب العراقيان، ويقال للركنين اللذين يليان الحجر الشاميان، ويقال للركن اليماني، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة الغربيان، ولكن ثبت عنه أنه قبل الحجر الأسود، وثبت عنه أنه استلمه بيده، فوضع يده عليه ثم قبلها.
وثبت عنه: أنه استلمه بمحجنه، فهذه ثلاث صفات.
وروي عنه (أنه وضع شفته عليه طويلا يبكي).
وروى الطبراني بإسناد جيد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استلم الركن اليماني قال: بسم الله، والله أكبر، وكان كلما أتى الحجر الأسود قال: (الله أكبر).
وروى أبو داود الطيالسي، عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله -
قبل الركن، ثم سجد عليه، ثم قبله، ثم سجد عليه، ثلاث مرات، ولم يمس من الركنين إلا اليمانيين فقط.
قلت: (واستسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في طوافه).
ورواه الطبراني، عن العباس، وفي سنده رجل لم يسم، والله تعالى أعلم) (1).
فلما فرغ من طوافه جاء إلى خلف المقام، فقرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فصلى ركعتين - والمقام بينه وبين البيت - قرأ فيهما بعد الفاتحة: بسورة الإخلاص، وقراءته الآية المذكورة، قلت في حديث جابر: (أنه قرأ فيهما (قل هو الله أحد) و (قل يا أيها الكافرون) والله تعالى أعلم.
فلما فرغ من صلاته أقبل إلى الحجر الأسود فاستلممه ثم خرج إلى الصفا من الباب الذي يقابله، فلما دنا منه قرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله) أبدأ بما بدأ الله به).
وفي رواية النسائي: (ابدأوا) على الأمر ثم رقى على حتى إذا رأى البيت فاستقبل
__________
(1) الطبراني في الكبير المجمع 3 / 246.
(*)(8/464)
البيت فوحد الله - تعالى - وكبره وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، ثم دعا بين ذلك، قال مثل ذلك ثلاث مرات).
وقام ابن مسعود على الصدع، وهو: الشق الذي في الصفا، فقيل له ها هنا يا أبا عبد الرحمن، قال: هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، ثم نزل إلى المروة يمشي، فلما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا جاوز الوادي وأصعد مشى كذا في حديث جاب عند الإمام أحمد ومسلم من طريق جعفر بن محمد (1).
قالا: لكن روى الإمام أحمد، ومسلم عن محمد بن بكر، والنسائي عن شعيب بن إسحاق ومسلم عن علي بن شهر وعيسى بن يونس كلهم عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت، وبين الصفا والمروة
ليراه الناس، قلت وبكونه سعى راكبا جزم ابن حزم.
وظاهر الأحاديث عن جابر وغيره، يقتضي أنه مشى خصوصا قوله فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى.
وجزم ابن حزم: بأن الراكب إذا انصب به بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه أيضا مع سائر جسده.
قال ابن كثير وهذا بعيد جدا.
قالا: وفي المجمع بينهما وجه أحسن من هذا وهو: أنه سعى ماشيا أولا، ثم أتم سعيه راكبا، وقد جاء ذلك مصرحا به، ففي صحيح مسلم، عن أبي الطفيل، قال قلت لابن عباس: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا، أسنة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة.
قال: (صدقوا وكذبوا)، قال: قلت: ما قولك صدقوا وكذبوا قال: ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد، حتى خرج عليه العواتق من البيوت قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يضرب الناس بين يديه، قال: فلما كثر عليه الناس ركب، المشي أفضل.
قلت: (وفي حديث يعلى بن أمية عند الإمام أحمد أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد نجراني) (2).
وروى النسائي والطبراني برجال الصحيح، عن أم ولد شيبة بن عثمان (أنها أبصرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: (لا يقطع الأبطح إلا شدا) (3).
__________
(1) أحمد 3 / 320.
(2) أحمد 4 / 223.
(3) النسائي 5 / 194 والطبراني في الكبير قال الهيثمي 3 / 248 رجاله رجال الصحيح.
(*)(8/465)
وروى البيهقي، عن قدامة بن عمار، قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسعي بين الصفا والمروة على بعير، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك) (1).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، والبزار - برجال ثقات - عن علي - رضي الله تعالى
عنه (أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاشفا عن ثوبه حتى بلغ ركبتيه) (2).
وروى الإمام أحمد، والطبراني، عن حبيبة بنت أبي تجراة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي، يدور به إزاره وهو يقول: (اسمعوا فإن الله - عز وجل - كتب عليكم السعي) وفي الكبير قال: (ولقد رأيته من شدة السعي يدور الإزار حول بطنه وفخذيه حتى رأيت بياض فخذيه) (3).
قلت: وفي حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سعى في بطن المسيل، قال: (اللهم اغفر وارحم، وأنت الأعز الأكرم) رواه الطبراني) (4).
وفي حديث ابن علقمة، عن عمه (أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جاء مكانا من دار يعلى - نسبه عبيد الله - استقبل البيت ودعا).
رواه الإمام أحمد، وأبو داود إلا أنه قال: (عن أمه والله تعالى أعلم) (5).
قال ابن حزم وطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكبا على بعير يخب ثلاثا ويمشي أربعا.
قالا: وكونه خب ثلاثة أشواط بين الصفا والمروة، ومشى أربعا لم يتابع على هذا القول، ولم يتفوه به أحد قبله، وإنما هذا في الطواف بالبيت.
وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا وصل إلى المروة رقي عليها واستقبل البيت وكبر الله ووحده وفعل كما فعل على الصفا، فلما أكمل سعيه عند المروة أمر كل من لا هدي معه أن يحل حتما ولا بد قارنا مكان أو مفردا، وأمرهم أن يحلوا الحل كله، من وطء النساء، والطيب ولبس المخيط، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية، ولم يحل هو من أجل هديه، فحل الناس كلهم إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدي، ومنهم أبو بكر وعمر، وطلحة والزبير، قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة)، وهناك سأله سراقة بن مالك بن
__________
(1) البيهقي 5 / 101.
(2) انظر المجمع 3 / 247.
(3) أحمد 6 / 421 وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وغيره المجمع 3 / 147.
(4) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي 3 / 248 فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس.
(5) أحمد 6 / 437 وقال الهيثمي 3 / 249 فيه عبد الرحمن لم أجد من وثقه ولا جرحه وبقية رجاله رجال الصحيح.
(*)(8/466)
جشم وهو في أسفل الوادي، لما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة والإحلال، يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابعه واحدة في الأخرى فقال: (لا)، ثلاث مرات، ثم قال: (دخلت العمرة في الحج مرتين أو ثلاثا إلى الأبد)، بل الأبد فحل الناس كلهم إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدي).
قلت: وأمره - صلى الله عليه وسلم - من لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة، رواه عنه خلائق من الصححابة.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال مالك، والشافعي، كان ذلك من خصائص الصحابة، ثم نسخ جواز الفسخ كغيرهم، وتمسكوا بما رواه مسلم، عن أبي ذر لم يكن فسخ الحج إلى العمرة إلا إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وأما الإمام أحمد فرد ذلك وجوز الفسخ لغير الصحابة.
وهناك دعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثا، وللمقصرين مرة.
فأما نساؤه فأحللن وكن قارنات إلا عائشة فإنها لم تحل من أجل تعذر الحل عليها بحيضتها، وفاطمة حلت، لأنها لم يكن معها هذي، وعلي لم يحل من أجل هديه، وأمر من أهل بإهلال كإهلاله - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم على إحرامه، إن كان معه هدي، وأن يحل من لم يكن معه هدي.
قلت: ورواه الطبراني - برجال ثقات - والله تعالى أعلم.
وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل يوم التروية بيوم، فقلنا عدا إن شاء الله تعالى بالخيف حيث استقسم المشركون، ثم سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه حتى نزل الأبطح شرقي مكة
في قبة حمراء من أدم ضربت له هناك، وهناك كما قال ابن كثير - قدم علي من اليمن ببدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرشا لفاطمة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (صدقت) ثلاثا (أنا أمرتها، يا علي بم أهللت ؟)، قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال: ومعي هدي قال: (فلا تحل)، فكان جملة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي ساقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة مائة بدنة، وكان يصلي مدة مقامه هنا إلى يوم التروية بمنزله الذي هو نازل فيه بالمسلمين بظاهر مكة، فأقام بظاهر مكة أربعة أيام يقصر الصلاة.
الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء.
قلت: ولم يعد إلى الكعبة كما في الصحيح عن ابن عباس.
وفي حديث ابي جحيفة عند الإمام أحمد، والشيخين، أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأبطح وهو في قبة له حمراء فخرج بلال بفضل وضوئه فمن ناضح ومن نائل، قال: فأذن بلال، فكنت أتتبع فاه ها هنا وها هنا، يعني يمينا وشمالا - ثم خرج بلال بالعنزة بين يديه،(8/467)
فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه حلة حمراء، فكأني أنظر إلى بريق ساقيه، فصلى بنا الظهر والعصر ركعتين ركعتين تمر المرأة والكلب والحمار من وراء العنزة، فقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت يديه فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك، والله تعالى أعلم.
قلت: قال ابن سعد: فلما كان قبل يوم التروية بيوم خطب بمكة بعد الظهر فلما كان يوم الخميس ضحى توجه بمن معه من المسلمين إلى منى فأحرم بالحج من كان أحل منهم في رحالهم، ولم يدخلوا المسجد فأحرموا منه، بل أحرموا ومكة خلف ظهورهم فلما وصل إلى منى نزل بها فصلى بها الظهر والعصر، وبات بها، وكانت ليلة الجمعة، فلما طلعت الشمس ساروا منها إلى عرفة وأخذ على طريق ضب على يمين طريق الناس اليوم، وكان من الصحابة الملبي والمكبر، وهو يسمع ذلك ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء.
قلت: وفي حديث ابن عباس قال: غدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة من منى، فلما
انبعثت به راحلته وعليها قطيفة قد اشتريت بأربعة دراهم، قال: (اللهم اجعله حجا مبرورا، لا رياء فيه ولا سمعة) رواه الطبراني بسند جيد.
وفي حديث جابر ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى نمرة، فوجد القبة قد ضربت له هناك بأمره فنزل فيها، حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي من أرض عرفة.
قال ابن سعد: فوقف بالهضبات من عرفات وقال: (كل عرفة موقف إلا بطن عرنة) أي بالنون قال ابن تيمية وهو يعني بطن عرنة وادي من حدود عرفة.
فخطب الناس قبل الصلاة على راحلته خطبة عظيمة.
قلت وهو قائم في الركابين - كما عند أبي داود - عن العداء بن خالد - (1) رضي الله تعالى عنه -.
ونص الخطبة بعد الحمد لله، والثناء عليه، (أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليردها لمن ائتمنه عليها، ألا إن كل شئ من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي، وإن أول دمائكم أضع، وفي رواية: وإن أول
__________
(1) أبو داود 2 / 189 (1917).
(*)(8/468)
دم أضع من دمائنا دم ربيعة، وفي رواية: دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعا في بني سعد بن بكر فقتلته هذيل (1).
وعند ابن إسحاق، والنسائي، في بني ليث فقتلته هذيل، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية، وإن كل ربا موضوع، ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا ربا، وإن أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله.
أما بعد أيها الناس الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ولكنه إن يطمع فيما
سوى ذلك فقد رضي بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم.
أيها الناس إن النسئ زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا يحلونه عاما، ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، وفي رواية (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية: ذي القعدة وذي الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان).
(أما بعد أيها الناس: اتقوا الله واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهم شيئا وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله).
وفي رواية (بكتاب الله، ولكم عليهن حق، ولهن عليكم حق، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، وعليهن ألا يأتين تفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين فلهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
فاعقلوا أيها الناس قولي - فإني قد بلغت - وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي أبدا - إن اعتصمتم به - أمرين، وفي رواية أمرا بينا كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
أيها الناس اسمعوا قولي واعقلواه، تعلمن أن كل مسلم أخ لمسلم، وفي رواية: أخو المسلم وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، فلا تظلمن أنفسكم واعلموا أن القلوب لا تغل على ثلاث: إخلاص العمل لله عز وجل ومنا صحة أولي الأمر، وعلى لزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، ومن تكن الدنيا نيته يجعل الله فقره بين عينيه ويشتت عليه ضيعته، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له، ومن تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه، ويكفيه ضيعته وتأتيه الدنيا وهي راغمة، فرحم الله امرأ سمع مقالتي حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه وليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه،
__________
(1) مسلم 2 / 886 - 892 (147 / 1218) وأبو داود 2 / 185 (1905) وابن ماجه 2 / 1025 (3074).
(*)(8/469)
أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، فإن جاء بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله، ولا تعذبوهم، أوصيكم بالجار - حتى أكثر - فقلنا إنه سيورثه.
أيها الناس: إن الله قد أدى لكل ذى حق حقه، وإنه لا يجوز وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، العارية مؤداة، والنحلة مردودة، والدين مقضي والزعيم غارم.
أما بعد: فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشمس حتى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها.
هدينا مخالف هديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها.
ويقولون: أشرق ثبير كيما نغيرر فأخر الله هذه وقدم هذه، يعني: قدم المزدلفة قبل طلوع الشمس، وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغيب الشمس، وندفع من المزدلفة حتى تطلع الشمس، وهدينا مخالف لهدي الأوثان والشرك).
قلت: وفي حديث المسور بن مخرمة - رضي الله تعالى عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفات فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد: أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذا الموضع إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منبسطة)، رواه الطبراني برجال الصحيح (1).
(وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟) قالوا: نشهد أنك بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس (اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد).
ثلاث مرات.
قلت: روى البيهقي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب بعرفات، فلما قال: (لبيك اللهم لبيك، قال إنما الخير خير الآخرة) (2).
قال أبو محمد: وأرسلت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي أم عبد الله بن عباس بقدح لبن فشربه أمام الناس ووهماه في ذلك وقال: (إنما كان ذلك بعد ذلك حين وقف بعرفة كما سيأتي).
__________
(1) الطبراني في الكبير 20 / 24.
(2) البيهقي 5 / 45.
(*)(8/470)
وروى ابن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: كان الرجل الذي يصرخ في الناس (تحت لبة ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفة: ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي قال: يقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اصرخ.
وكان صيتا) قل أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول: هل تدرون أي شهر هذا ؟ فيقول لهم وفي رواية فيصرخ فيقولون نعم الشهر الحرام، فيقول قل لهم إني وفي رواية: فإن الله قد حرم.
(فلما أتمها أمر بلالا فأذن ثم أقام الصلاة فصلى الظهر، ركعتين أسر فيهما بالقراءة وكان يوم جمعة، فلما فرغ من صلاته ركب حتى أتى الموقف، فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات واستقبل القبلة).
قلت في حديث جابر، وجعل بطن ناقته القصواء وهو عليها إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه.
وأمر الناس أن يرتفعوا عن بطن عرنة - بالنون - ووقف - صلى الله عليه وسلم - من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس وهو يدعو الله تبارك وتعالى وبيتهل ويتضرع إليه رافعا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين وأخبرهم أن خير الدعاء يوم عرفة.
ومما حفظ من دعائه - صلى الله عليه وسلم - هناك: (اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، وإليك مآبي، ولك تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر اللهم إني أعوذ بك من شر ما يجئ به الريح، ومن شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر بوائق الدهر.
اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شئ من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته وذل جسده، ورغم أنفه لك، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا، وكن بي رؤوفا رحيما يا خير المسؤولين.
ويا خير المعطين).
(لا إله إلا أنت وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير، اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي صدري نورا وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وفتنة القبر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، ومن شر بوائق الدهر) رواه البيهقي.(8/471)
أنزل عليه هناك (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [ المائدة / 5 ].
وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفن في ثوبه، ولا يمس بطيب، وأن يغسل بماء وسدر، ولا يغطى رأسه ولا وجهه وأخبر أنه يبعث يوم القيامة يلبي.
فلما غربت الشمس واستحكم غروبها بحيث ذهبت الصفرة أفاض من عرفة، وأردف أسامة بن زيد خلفه، وأفاض بالسكينة، وضم إليه زمام ناقته القصواء حتى إن رأسها ليصيب طرف رجله، وهو يقول: (أيها الناس عليكم السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع)، أي ليس بالإسراع، وأفاض من طريق المأزمين وكان دخل مكة من طريق ضب).
قلت: وفي حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفاض من عرفات وهو يقول:
(إليك تغدو قلفا وضينها مخالفا دين النصارى دينها) رواه الطبراني وقال: المشهور في الرواية أنه من فعل ابن عمر أي: لا مرفوعا، والله تعالى أعلم (1).
ثم جعل يسير العنق وهو ضرب من السير ليس بالسريع ولا البطئ، فإذا وجد فجوة - وهو المتسع - نص سيره أي رفعه فوق ذلك وكلما أتى ربوة من تلك الربى أرخى للناقة - وهي العضباء - زمامها قليلا حتى تصعد، وكان يلبي في مسيره ذلك لا يقطع التلبية، فلما كان في أثناء الطريق مال إلى الشعب وهو شعب الأذاخر عن يسار الطريق بين المأزمين - نزل - صلى الله عليه وسلم - فبال وتوضأ خفيفا، فقال أسامة: الصلاة يا رسول الله: فقال: (الصلاة أمامك)، ثم سار حتى أتى المزدلفة.
قلت: نزل قريبا من النار التي على قزح فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أمر بالأذان فأذن المؤذن، ثم أقام الصلاة فصلى المغرب قبل حط الرحال، وتبريك الجمال، فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة، ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان، ولم يصل بينهما شيئا ثم نام حتى أصبح ولم يحيي تلك الليلة، وأذن في تلك الليلة، قلت عند السحر لمن استأذنه من أهل الضعف من الذرية والنساء، ومنهن سودة وأم حبيبة أن يتقدموا إلى منى قبل حطمة الناس،
__________
(1) الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي 3 / 256 فيه عاصم بن عبد الله ضعيف.
(*)(8/472)
وذلك طلوع الفجر، وكان ذلك عن غيبوبة القمر.
وأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، ورمى من النساء أسماء بنت أبي بكر، وأم سلمة قبل الفجر.
قال في البداية فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الفجر، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهن أثقل حالا، وأبلغ في الستر.
وفي حديث ابن عباس -: قدمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغيلمة بني عبد المطلب على نساء محمد يلطح أفخاذنا ويقول: (أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) (1) رواه أحمد.
وجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببقية نسائه حتى يدفعن معه حين يصبح.
فلما برق الفجر، صلاها في أول الوقت خلافا لمن زعم أنه صلاها قبل الوقت بأذان وإقامة، يوم النحر، وهو يوم العيد، وهو يوم الحج الأكبر، وهو يوم الأذان ببراءة الله ورسوله من كل مشرك، ثم ركب القصواء حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام فوقف على قزح وقال: (كل المزدلفة موقفنا إلا بطن محسر)، فاستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع والتهليل، والتكبير، والذكر، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، وذلك قبل طلوع الشمس.
قلت: وكان أهل الجاهلية لا يدفعون حتى تطلع الشمس على ثبير، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن قريشا خالفت هدي إبراهيم، فدفع طلوع الشمس.
وهنالك سأله عروة بن مضرس بن الطائي، فقال: يا رسول الله: إني جئت من جبل طيئ أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا، فقد أتم حجه وقضى تفثه) (2).
ثم سار بمزدلفة مردفا للفضل بن عباس، وهو يلبي في مسيره، وانطلق أسامة بن زيد على رجليه في سباق قريش، وفي طريقه ذلك، أمر الفضل بن عباس أن يلقط له حصى الجمار سبع حصيات، ولم يكسرها من الجبل، تلك الليلة كما يفعل من لا علم عنده ولا التقطها بالليل، فالتقط له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: (أمثال هؤلاء، فارموا، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، وفي طريقه تلك عرضت له امرأة من خثعم جميلة، فسألته عن الحج عن أبيها.
وكان شيخا كبيرا
__________
(1) * أحمد 1 / 234.
(2) الترمذي 3 / 138 (891) وأبو داود 2 / 196 (1950) والنسائي 5 / 213 وابن ماجه 2 / 1004 (3016).
(*)(8/473)
لا يستمسك على الراحلة - فأمرها أن تحج عنه، وجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فوضع يده
على وجهه فصرفه إلى الشق الآخر لئلا تنظر إليه ولا ينظر إليها.
قلت في حديث جابر وكان الفضل رجلا حسن الشعر أبيض وسيما، والله تعالى أعلم.
فقال العباس لويت عنق ابن عمك، فقال: (رأيت شابا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما).
وسأله آخر هناك عن أمه، وقال: (إنها عجوز كبيرة، وإن حملتها لم تستمسك وإن ربطتها خشيت أن أقتلها)، قال: (أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضيه ؟) قال: نعم.
قال (فحج عن أمك) فلما أتى بطن محسر حرك ناقته وأسرع السير، وهذه كانت عادته - صلى الله عليه وسلم - في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه، فإن هنالك أصاب الفيل ما قص الله علينا.
ولذلك سمي الوادي وادي محسر، لأن الفيل حسر فيه أي أعيى وانقطع عن الذهاب.
ومحسر برزخ بين منى ومزدلفة لا من هذه ولا من هذه، وعرنة برزخ بين عرفة والمشعر الحرام، فبين كل مشعرين برزخ ليس منها، فمنى من الحرم، وهي مشعر، ومحسر من الحرم وليس بمشعر، ومزدلفة حرم ومشعر، وعرنة ليست بمشعر، وهي من الحل وعرفة حل ومشعر.
قلت: كذا في أكثر الروايات.
وفي حديث أم جندب، عند أبي داود وغيره، أنه كان راكبا يظله الفضل بن العباس وهو غريب مخالف للروايات الصحيحة (1).
وسلك الطريق الوسطى بين الطريقين، وهي التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى منى.
قلت: قال ابن سعد: ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة.
(فأتى جمرة العقبة فوقف في أسفل الوادي وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، واستقبل الجمرة، وهو على راحلته فرماها راكبا بعد طلوع الشمس، واحدة بعد واحدة، يكبر مع كل حصاة، وحينئذ قطع التلبية وكان في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي، وبلال وأسامة معه، أحدهما آخذ بخطام ناقته، والآخر يظله بثوب من الحر).
قلت: الذي كان يظله بلال كما في حديث أبي أمامة، عن بعض الصحابة رواه ابن سعد (2).
__________
(1) أبو داود 2 / 200 (1966) وابن ماجه 2 / 1008 (3031).
(2) الطبقات الكبرى 2 / 127.
(*)(8/474)
وفي حديث أم جندب الأزدية أنه الفضل بن العباس، رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي فإنهما كانا يتناوبان (1).
قلت وروى مسلم وابن سعد والبيهقي عن جابر قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته يوم النحر) ويقول لنا: (خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) (2)، وفي حديث أم جندب: فازدحم الناس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف)، ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى ورمى الناس) (3).
وفي حديث حذافة بن عبد الله العلائي أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى جمرة العقبة في بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك (4).
قلت: (ولم يقف عند جمرة العقبة، ثم رجع إلى منى فخطب الناس خطبة بليغة)).
وروى الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بمنى وأنزلهم منازلهم، فقال: (لينزل المهاجرون ها هنا) وأشار إلى يمين القبلة، (والأنصار ها هنا) وأشار إلى ميسرة القبلة، (ثم لينزل الناس حولهم)، وعلمهم مناسكهم، فقتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم (5).
قال ابن كثير: ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت، أو بعد رجوعه منه إلى مني ؟.
قلت جزم - صاحب الهدي: (بأنها كانت قبل ذهابه إلى البيت، وكان عمرو بن خارجة تحت جران ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تقصع بجرتها وإن لعابها ليسيل بين كتفيه قال
الحافظ: قال بعض الشراح: إنه بلال، والصواب: أنه أبو بكرة - فقال - صلى الله عليه وسلم - وهو على ناقته العضباء بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، والسنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم.
ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ألا أي، وفي رواية: ألا تدرون، وفي رواية: أتدرون أي يوم هذا ؟) قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: (أليس هذا يوم النحر ؟) قلنا: بلى، قال: (أي شهر هذا ؟) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى
__________
(1) أبو داود 2 / 200 (1966).
(2) أخرجه مسلم 2 / 943 (310 / 1297) وأبو داود 2 / 201 (1970) والنسائي 5 / 219 والبيهقي 5 / 125 وأحمد 3 / 301.
(3) أبو داود 2 / 200 (1966، 1967).
(4) تقدم.
(5) أحمد 4 / 61.
(*)(8/475)
ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: ((أليس ذو الحجة ؟) قلنا: بلى، قال: (فأي بلد هذا ؟) قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: (أليس البلدة ؟) قلنا: بلى.
قال فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد - وأحسبه قال: وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه)، ثم قال: ((ألا هل بلغت ؟) قلنا: نعم، قال: (اللهم فاشهد).
رواه الإمام أحمد والشيخان (1).
وروى الإمام أحمد، والبخاري، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، فقال: (أيها الناس: أي يوم هذا ؟ قالوا يوم حرام، قال: فأي بلد
هذا ؟ قالوا بلد حرام، قال: فأي شهر هذا ؟ قالوا: شهر حرام، قال: (فإن دماءكم، وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا).
فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه [ إلى السماء ] فقال: (اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ؟) (2).
وروى الشيخان نحوه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: (ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة ؟) قالوا شهرنا هذا، قال: (ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة ؟) قالوا: بلدنا هذا، قال: (ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة ؟) قالوا: يومنا هذا، قال: (فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت ثلاثا ؟) كل ذلك يجيبونه ألا نعم قال: (ويحكم أو قال: ويلكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) (3).
ثم انصرف إلى النحر بمنى، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده بالحربة وكان ينحرها قائمة معقولة اليسرى وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنين عمره - صلى الله عليه وسلم - ثم أمسك وأمر عليا أن ينحر ما بقي من المائة، ثم أمره أن يتصدق بجلالها وجلودها ولحومها، في المساكين، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئا منها، وقال: (نحن نعطيه من عندنا، وقال: من شاء اقتطع).
قلت: في حديث ابن جريج عن جعفر بن محمد عن جابر ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها والله تعالى أعلم.
قال ابن جريج: قلت من الذي أكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وشرب من المرق ؟ قال جعفر:
__________
(1) انظر مسند أحمد 5 / 37.
(2) أحمد 1 / 230 والبخاري (3 / 670) حديث (1739) (7079).
(3) البخاري 3 / 671 (1742، 4403، 6043، 6166، 6785.
6868، 7077).
(*)(8/476)
علي بن أبي طالب أكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وشرب من المرق.
وقول أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر بيده سبع بدن قياما.
حمله أبو محمد - رحمه الله تعالى - على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين، ثم زال عن ذلك المكان، وأمر عليا فنحر ما بقي، أو أنه لم يشاهد إلا نحره - صلى الله عليه وسلم - سبعا فقط بيده، وشاهد جابر تمام نحره - صلى الله عليه وسلم - للباقي، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشاهد، وأنه - صلى الله عليه وسلم - نحر بيده مفردا سبع بدن كما قال أنس ثم أخذ هو وعلى الحربة معا فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين كما قال عروة بن الحارث الكندي أنه شاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ أخذ بأعلى الحربة، وأمر عليا فأخذ بأسفلها، ونحرا بها البدن، ثم انفرد علي ينحر الباقي من المائة كما قال جابر.
وحديث عبد الله بن قرط - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرب له بدنات خمس فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها.
تكلم بكلمة خفية لم أفهمها.
فقلت: ما قال ؟ قال من شاء اقتطع لا يلزم منه أنه نحر خمسا فقط، فإن المائة لم تقرب إليه جملة، وإنما كانت تقرب إليه أرسالا، فقرب منها خمس بدنات رسلا، وكان ذلك الرسل يبادرن ويتقربن إليه، لكي يبدأ بكل واحدة منهن.
قلت: وضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه بالبقر (1).
ونحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنحره بمنى، وأعلمهم أن منى كلها منحر، وأن فجاج مكة طريق ومنحر وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى له بناء بمنى يظله من الحر، فقال: لا منى مناخ لمن سبق إليه (2).
فلما أكمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحره استدعى بالحلاق فحلق رأسه، فقال للحلاق - وهو معمر بن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف - وحضر المسلمون يطلبون من شعره - وهو قائم على رأسه بالموسى، ونظر في وجهه وقال: (يا معمر أمكنك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شحمة أذنه وفي يدك الموسى)، قال معمر، فقلت: أما والله يا رسول الله إن ذلك من نعم الله علي ومنه.
قال للحلاق: (خذ)، وأشار إلى جانبه الأيمن، فلما فرغ منه قسم شعره على من يليه، ثم
__________
أخرجه مسلم (357 / 1319).
(أحمد 6 / 207 والحاكم 1 / 467 وابن ماجه (3006، 3007) وانظر صحيح مسلم (1218) وأبو داود (1907).
(*)(8/477)
أشار إلى الحلاق، فحلق جانبه الأيسر، ثم قال: (ها هنا أبو طلحة)، فدفعه إليه.
قال ابن سعد: وحلق رأسه وأخذ من شاربه وعارضيه وقلم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن (1).
وروى البخاري، عن ابن سيرين، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ شعره، قال: وهذا لا يناقض رواية مسلم: لجواز أن يصيب أبا طلحة من الشق الأيمن مثل ما أصاب غيره، ويختص بالشق الآخر، لكن قد روى مسلم - أيضا - من حديث أنس (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال: (احلق) فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال: (اقسمه بين الناس).
ففي هذه الرواية، كما ترى أن نصيب أبي طلحة كان الشق الأيمن وفي الأولى أنه كان الأيسر وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاه أم سليم ولا يعارض هذا دفعه لأبي طلحة لأنها امرأته، وفي لفظ: فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قال: بالأيسر فصنع به مثل ذلك ثم قال: (ها هنا أبو طلحة) فدفعه إليه، وفي لفظ ثالث: دفع إلى أبي طلحة شعر شق رأسه الأيسر، ثم أظفاره وقسمها بين الناس.
وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق فدفعها إليه فكان يجعلها في مقدم قلنسوته، فلا يلقى جمعا إلا فضه.
وحلق أكثر أصحابه - صلى الله عليه وسلم - وقصر بعضهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اللهم اغفر للمحلقين)، ثلاثا كل ذلك يقال: والمقصرين يا رسول الله، فقال: (والمقصرين في الرابعة).
قلت قال ابن سعد: وأصاب الطيب بعد أن حلق، ولبس القميص، وحل الناس، وجاءه رجل فقال: يا رسول الله حلقت قبل أن انحر قال: (انحر ولا حرج)، ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله إني أفضت قبل أن أنحر.
قال: (احلق ولا حرج)، فما سئل عن شئ يومئذ قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) (2).
وبعث عبد الله بن حذافة السهمي، وقيل: كعب بن مالك ينادي في الناس، بمنى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنها أيام أكل وشرب وذكر الله) (3).
__________
(1) البخاري 1 / 273 (171) ومسلم 2 / 947 (323 / 1305) (326 / 1305).
(2) الطبقات 2 / 125 وأخرجه مسلم 2 / 949 - 950 (333 / 1306).
(3) أحمد 3 / 415.(8/478)
قلت: ونادى مناديه بمنى أنها أيام أكل وشرب وباءة ذكره ابن سعد (1).
فانتهى المسلمون عن صيامهم إلا محصورا بالحج أو متمتعا بالعمرة إلى الحج، فإن الرخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصوموا أيام منى، والله تعالى أعلم.
ثم أفاض - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة قبل الظهر راكبا، (وأردف معاوية بن أبي سفيان من منى إلى مكة)، فطاف طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة، وهو طواف الصدر، ولم يطف غيره، قال: هو الصواب.
في حديث عائشة، وابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر طواف يوم النحر إلى الليل (2)، علقه البخاري، وروراه الأربعة.
قلت: قال ابن كثير: والأشبه أن هذا الطواف كان قبل الزوال، ويحتمل أنه كان بعده.
فإن حمل هذا أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول: إلى العشي صح ذلك، وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا، ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف يوم النحر نهارا، وشرب من سقاية زمزم، وأما الطواف بالليل، فهو طواف الوداع، ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة ثم أتى زمزم بعد أن قضى طوافه، وهم يسقون،
فقال: (لو لا أن يغلبكم الناس عليها يا ولد عبد المطلب لنزلت، فسقيت معكم) (3).
ويقال: إنه نزع دلوا لنفسه، ثم ناوله الدلو، قلت: ثم مج فيها فأفرغ على سقايتهم في زمزم.
وفي حديث ابن عباس عند البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشراب من عندها، فقال: اسقني، فقالت: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: (اسقني (مما يشرب الناس))، فشرب منه، ثم أتى زمزم (4)، والله تعالى أعلم.
قال: فشرب وهو قائم.
قال: والأظهر أن ذلك كان للحاجة، وهل كان في طوافه هذا راكبا ؟ أو ماشيا ؟.
وقد تقدم ما رواه مسلم وغيره، عن جابر، قال: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه، لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه.
__________
(1) الطبقات 2 / 125.
(2) أخرجه أبو داود (2000).
(3) تقدم.
(4) أخرجه 2 / 303 (1635) والبيهقي 5 / 147 والطبراني في الكبير 11 / 345 وابن سعد 4 / 1 / 17.(8/479)
وروى الشيخان، عن ابن عباس قال: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنه.
قال ابن القيم: وهذا الطواف ليس بطواف الوداع فإنه كان ليلا، وليس بطواف القدوم، لوجهين: أحدهما: أنه قد صح عنه.
أن الرمل في طواف القدوم.
ولم يقل أحد قط رملت به راحلته وإنما قالوا رمل نفسه.
والثاني قول عمرو بن الشريد: أفضت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما مست قدماه الأرض حتى أتى جمعا، وهذا ظاهره، أنه من حين أفاض معه، ما مست قدماه الأرض إلى أن رجع، ولا ينقض هذا بركعتي الطواف، فإن شأنهما معلوم، قال: والظاهر أن عمرو بن الشريد إنما أراد الإفاضة معه من عرفة، ولهذا قال: حتى أتى جمعا وهي مزدلفة، ولم يرد الإفاضة إلى البيت يوم النحر، ولا ينقض هذا بنزوله عند الشعب حين بال ثم ركب، لأنه ليس بنزول مستقر، وإنما مست قدماه الأرض مسا عارضا.
ثم رجع - صلى الله عليه وسلم - إلى منى.
واختلف: أين صلى الظهر يومئذ ؟ ففي الصحيحين عن ابن عمر: أنه - صلى الله عليه وسلم - أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى.
وفي مسلم عن جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بمكة، وكذلك قالت عائشة واختلف في ترجيح أحد القولين على الآخر.
ورجح أبو محمد بن حزم وغيره الثاني، ورجح ابن القيم الأول.
وقال ابن كثير: فإن علمنا بها أمكن أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر بمكة، ثم رجع إلى منى فوجد الناس ينتظرونه، فصلى بأصحابه بمنى أيضا.
وطافت عائشة في ذلك اليوم طوافا واحدا وسعت سعيا واحدا أجزأها عن حجها وعمرتها وقال في موضع آخر: يحتمل أنه رجع إلى منى، في آخر وقت الظهر، فصلى وطافت صفية ذلك اليوم.
ثم حاضت، قال: فأجزأها طوافها ذلك عن طواف الوداع ولم تودع.
وكان رمي الجمار حين تزول الشمس قبل الصلاة، وكان إذا رمى الجمرتين علاهما ورمى جمرة العقبة من بطن الوادي.
وكان يقف عند الجمرة الأولى أكثر مما يقف عند الثانية، ولا يقف عند الثالثة، وإذا رماها انصرف، وكان إذا رمى الجمرتين وقف عندهما، ورفع يديه لا يقول ذلك في رمي العقبة فإذا رماها انصرف.(8/480)
ونهى أن يبيت أحد بليالي منى، ورخص للرعاة أن يبيتوا عند منى، من جاء منهم فرمى بالليل أرخص له في ذلك وقال: ارموا بمثل حصى الخذف (1).
كان أزواجه يرمين مع الليل، ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منى من يومه ذلك فبات بها، فلما أصبح انتظر زوال الشمس، فلما زالت الشمس مشى من رحله إلى الجمار ولم يركب، فبدأ بالجمرة الأولى، التي تلي مسجد الخيف فرماها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة، يقول مع كل حصاة: (الله أكبر) ثم يقدم على الجمرة أمامها حتى أسهل فقام مستقبل القبلة ثم رفع يديه ودعا دعاء طويلا بقدر سورة البقرة، ثم أتى - صلى الله عليه وسلم - إلى الجمرة الوسطى فرماها كذلك، ثم انحدر ذات اليسار، مما يلي الوداع فوقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو قريبا من وقوفه الأول ثم أتى الجمرة الثالثة، وهي جمرة العقبة، فاستبطن الوادي واستعرض الجمرة، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه فرماها بسيع حصيات كذلك، ولم يرمها من أعلاها كما يفعل الجهال، ولا جعلها عن يمينه، واستقبل البيت وقت الرمي كما ذكره غير واحد من الفقهاء.
فلما أكمل الرمي من فوره ولم يقف عندها، فقيل: لضيق المكان بالجبل، وقيل: وهو الأصح أن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها، فلما رمى جمرة العقبة فرغ الرمي، والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها، وذكر ما يتعلق بالدعاء بعد الصلاة، وقد تقدم بما فيه.
قال: والذي يغلب على الظن أنه كان يرمي قبل الصلاة، ثم يرجع فيصلي، لأن جابرا وغيره قالوا: كان يرمي إذا زالت الشمس فعقبوا زوال الشمس برميه وأيضا فإن وقت الزوال للرمي أيام منى، كطلوع الشمس لرمي يوم النحر.
وروى الترمذي، وابن ماجه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمي الجمار إذا زالت الشمس زاد ابن ماجه.
قدر ما إذا فرغ من رميه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر (2).
وذكر الإمام أحمد: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرمي يوم النحر راكبا، وأيام منى ماشيا، في ذهابه ورجوعه.
قال ابن القيم: وقد تضمنت حجته - صلى الله عليه وسلم - ست وقفات للدعاء في الموقف: الأول:
__________
(1) أخرجه مالك 1 / 284 و الترمذي (954، 955) وأبو داود 1975 و 1976 والنسائي 5 / 273 وابن ماجه (3036) (3037) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1015) والحاكم 1 / 478 ورواية الحصى انظر مسلم (1282).
(2) الترمذي 3 / 243 (898) وابن ماجه 2 / 1014 (3052).
(*)(8/481)
على الصفا، والثاني: على المروة، والثالث: بعرفة، والرابع: بمزدلفة، والخامس: عند الجمرة الأولى، والسادس: عند الجمرة الثانية.
وخطب - صلى الله عليه وسلم - الناس بمنى خطبة عظيمة.
قلت قال ابن سعد: على راحلته القصواء.
قال عمرو بن خارجة وهي تقصع بجرتها، وإن لعابها ليسيل بين كتفي في وسط أيام التشريق.
فقيل: هو ثاني يوم النحر، وهو أوسطها - أي خيارها - لما سيأتي.
وهو الحادي عشر من ذي الحجة، وهو يوم الرؤوس سمي بذلك لأنهم كانوا يذبحون يوم النحر ثم يطبخون الرؤوس تلك الليلة فيبكرون على أكلها، وكان عم أبي حرة الرقاشي آخذ بزمام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذود عنه الناس.
وسببها أنه - صلى الله عليه وسلم - أنزلت عليه سورة النصر في هذا اليوم، فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت له، فوقف للناس بالعقبة، فاجتمع إليه الناس، وفي رواية: ما شاء الله من المسلمين، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، ألا وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ألا هل بلغت ؟) قالوا: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من
سامع)، ثم قال: (أي شهر هذا ؟) فسكتوا قال: يوم حرام ثم قال: (إن الله تعالى قد حرم دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، كحرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا، في يومكم هذا، إلى أن تلقوا ربكم، ألا هل بلغت ؟) قالوا: نعم، قال: (اللهم اشهد، ثم قال: إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم)، ألا هل بلغت ؟ قال: الناس نعم، قال: (اللهم اشهد، ألا وإن من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع وأن كل دم في الجاهلية موضوع وأن أول دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد بن ليث فقتلته هذيل)، ألا هل بلغت ؟ قالوا: نعم قال: (اللهم فاشهد فليبلغ الشاهد الغائب، ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم.
ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا.
ألا لا تظلموا إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).
فقال عمرو بن يثربي يا رسول الله أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي فأخذت شاة فاحترزتها، فقال: إن لقيتها تحمل شفرة وأزنادا بخبت الجميش فلا تهجها.
ثم قال أيها الناس: (إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما(8/482)
ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله) [ التوبة / 37 ] ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)، ثم قرأ (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) [ التوبة / 36 ] ثلاث متواليات: ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي يدعى شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون، ألا هل بلغت ؟ قال الناس: نعم فقال: اللهم اشهد).
ثم قال: (أيها الناس.
إن للنساء عليكم حقا، وإن لكم عليهن حقا، فعليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا، ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن الله تعالى قد أذن لكم أن تهجروهن بالمضاجع، وأن تضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم، فلهن
رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا، ألا هل بلغت ؟ قال الناس: نعم، قال: اللهم اشهد.
ثم قال: أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه، فقد رضي به، إن المسلم أخو المسلم، إنما المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب نفس منه، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، لا تظلموا أنفسكم، لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله تعالى، ألا هل بلغت ؟ قال الناس: نعم قال: اللهم اشهد.
ثم انصرف إلى منزله وصلى الظهر والعصر يوم النفر بالأبطح، قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - إنما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمحصب، لأنه كان أسمح لخروجه.
واستأذنه العباس عمه في المبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له، واستأذنه رعاء الإبل في البيتوتة خارج منى، فأرخص لهم أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما، قال مالك: ظننت أنه قال: في أول يوم منهما، ثم يرمون يوم النفر قال ابن عيينة في هذا الحديث.
رخص للرعاء أن يرموا يوما، ويتركوا يوما.
ولم يتعجل - رضي الله تعالى عنه - في يومين، بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة، وأفاض - رضي الله تعالى عنه - يوم الثلاثاء بعد الظهر، إلى المحصب وهو الأبطح، وهو خيف بني كنانة فوجد، أبا رافع قد ضرب فيه قباء هنالك، وكان على ثقله توفيقا من الله تعالى دون أن يأمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد رقدة ثم نهض إلى مكة(8/483)
فطاف للوداع ليلا سحرا، ولم يرمل في هذا الطواف.
ثم خرج إلى أسفل مكة قلت: من المسجد من باب الحرورية وهو باب الخياطين.
رواه
الطبراني، عن ابن عمر.
وأخبرته صفية أنها حائض، فقال: (أحابستنا هي ؟) فقيل إنها قد أفاضت، قال: (فلتنفر إذن)، ورغبت إليه عائشة تلك الليلة أن يعمرها عمرة مفردة فأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد أجزأ عن حجها وعمرتها فأبت إلا أن تعتمر عمرة منفردة فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم، ففرغت من عمرتها ليلا، ثم وافت المحصب مع أخيها فأتيا في جوف الليل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فرغتما ؟ قالت: نعم.
فنادى بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس، ثم طاف بالبيت قبل صلاة الصبح، هذا لفظ البخاري عنها من طريق القاسم.
وفي الصحيح من طريق الأسود عنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى إلا الحج فذكر الحديث.
فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة، فقال: (أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة ؟)، قلت: لا: قال: (فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم، فأهلي بعمرة، ثم موعدك مكان كذا وكذا).
قالت عائشة: فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصعدا على أهل مكة وأنا منهبطة، أو أنا مصعدة وهو منهبط منها.
وظاهر هذا أنهما تقابلا في الطريق، وفي الأول أنه انتظرها في منزله فلما جاءت نادى بالرحيل في أصحابه، وقولها تعني وهو مصعد من مكة، وأنا منهبطة عليها للعمرة، وهذا ينافي انتظاره لها في المحصب، قال: فإن كان حديث الأسود محفوظا عنها فصوابه (لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مصعدة من مكة وهو منهبط إليها فإنها طافت وقضت عمرتها ثم أصعدت لميعاده فوافته وهو قد أخذ في الهبوط إلى مكة للوداع، فارتحل وأذن في الناس بالرحيل)، ولا وجه لحديث الأسود غير هذا.
ويؤيد هذا ما رواه الشيخان عنها من طريق - قالت: حين قضى الله الحج ونفرنا من منى،
فنزلنا بالمحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: اخرج بأختك من الحرم ثم افرغا من طوافها، ثم ائتياني بها بالمحصب، قالت: فقضى الله العمرة وفرغنا من طوافنا من جوف الليل، وأتيناه بالمحصب وقال: (فرغتما ؟) قلنا: نعم فأذن في الناس بالرحيل.(8/484)
قلت: أتى سعد بن أبي وقاص بعد حجه يعوده من وجع أصابه، فقال: يا رسول الله بي ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة فأتصدق بثلثي مالي ؟ قال: لا.
قلت فالشطر ؟، قال: لا.
قال: (الثلث و الثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس، إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعله في في امرأتك)، فقال: يا رسول الله: أخلف بعد أصحابي ؟ فقال: (إنك لن تخلف، فتعمل عملا صالحا إلا تزداد خيرا ورفعة ثم لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم)، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مات بمكة وخلف على سعد بن أبي وقاص رجلا وقال: إن مات بمكة فلا تدفنه بها يكره أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها.
ثم سار - صلى الله عليه وسلم - راجعا إلى المدينة فلما كان بالروحاء لقي ركبا فسلم عليهم فقال: (من القوم ؟) فقالوا المسلمون فمن القوم ؟ فقال: (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فرفعت امرأة صبيا لها من محفة فقالت: يا رسول الله: ألهذا حج ؟ قال: نعم.
ولك أجر ؟.
فلما أتى ذا الحليفة باب بها حتى أصبح، وصلى في بطن الوادي.
قلت: ورأى وهو معرس بذي الحليفة ببطن الوادي قيل له إنك ببطحاء مباركة.
فلما رأى المدينة كبر ثلاث مرات وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، آيبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده).
وكان إذا قفل من حج أو عمرة أو غزوة فأوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثا وقال: (لا إله
إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد (يحيي ويميت)، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) (1).
(اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد، اللهم بلغنا بك بلاغا صالحا يبلغ إلى الخير بمغفرة منك ورضوان).
ولما نزل المعرس نهى أن يطرقوا النساء ليلا، فطرق رجلان أهليهما فكلاهما وجد ما يكره، وأناخ بالبطحاء، وكان إذا خرج إلى الحج سلك على الشجرة، وإذا رجع من مكة دخل المدينة من معرس الأبطح وكان في معرسه في بطن الوادي، وكان فيه عامة الليل.
__________
(1) أخرجه مسلم (1218) وانظر خلاصة البدر المنبر 2 / 12.
(*)(8/485)
الباب الرابع في تنبيهات وفوائد تتعلق بحجة الوداع
الأول: (لم يصح أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت في حجة الوداع).
الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى صبيحة ليلة الوداع بمكة.
لما رواه الشيخان، عن أم سلمة، قالت: شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني اشتكي، فقال: (إذا أقمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك، والناس يصلون) ففعلت ذلك، فلم تصل حتى خرجت، وفي رواية: (فطوفي من وراء الناس، وأنت راكبة)، قالت: فطفت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ (والطور وكتاب مسطور).
قال ابن القيم: وهذا محال قطعا أن يكون يوم النحر، فهو طواف الوداع بلا شك، فظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح يومئذ عند البيت وسمعته أم سلمة يقرأ بالطور فيها.
الثالث: صح أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف بالملتزم في غزوة الفتح، كما رواه أبو داود، عن عبد الرحمن بن أبي صفوان، روى أبو داود أيضا، عن ابن عباس: أنه قام بين الركن والباب،
فوضع صدره وجبهته وذراعيه، وكفيه هكذا وبسطهما بسطا، وقال: هكذا إذ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله، فهذا يحتمل أن يكون وقت الوداع، وأن يكون غيره.
فصل: في ترجيح قول من رأى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا: وذلك من وجوه، كما قال في زاد الميعاد.
الأول: أنهم أكثر.
الثاني: أن طريق الاخبار بذلك تنوعت.
الثالث: أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظه - صلى الله عليه وسلم - صريحا، وفيهم من أخبر عن نفسه بأنه فعل ذلك، ومنهم من أخبر عن أمر ربه بذلك، ولم يجئ شئ من ذلك في الإفراد.
الرابع: تصديق روايات من روى أنه اعتمر أربع، وأوضح ذلك ابن كثير بأنهم اتفقوا على أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر عام حجة الوداع، فلم يتحلل بين النسكين، ولا أنشأ إحراما آخر للحج، ولا اعتمر بعد الحج فلزم القران، قال: وهذا مما يفسر الجواب عنه انتهى.
الخامس: أنها صريحة لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الإفراد، كما سيأتي.
السادس: أنها متضمنة زيادة سكت عنها من روى الإفراد، أو نفاها، والذاكر والزائد مقدم على الساكت، والمثبت مقدم على النافي.
السابع: روى الإفراد أربعة: عائشة، وابن عمر، وجابر، وابن عباس، وغيرهم رووا(8/486)
القران، فإن صرنا إلى تساقط رواياتهم سلمت رواية من عداهم للقران عن معارض، وإن صرنا إلى الترجيح وجب الأخذ برواية من لم تضطرب الرواية عنه ولا اختلفت كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب وأنس، والبراء وعمران بن حصين، وأبي طلحة، وسراقة بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن أبي أوفى، وهرماس بن زياد.
الثامن: أنه النسك الذي أمر به من ربه، كما تقدم فلم يكن ليعدل عنه.
التاسع: أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدي، فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا
الهدي ثم يسوق هو الهدي ويخالفه.
العاشر: أنه النسك الذي أمر به له ولأهل بيته، واختاره لهم، ولم يكن يختار لهم إلا ما اختار لنفسه.
الحادي عشر: قوله: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، يقتضي أنها صارت جزءا منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينه وبينه، وإنما يكون كالداخل في الشئ معه.
الثاني عشر: قول عمر: للصبي بن معبد - وقد أهل بحج وعمرة - فأنكر عليه زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة فقال له عمر: هديت لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - وهذا يوافق رواية عمر أنه الوحي جاء من الله بالإهلال بهما جميعا، فدل على أن القران سنة التي فعلها وامتثل أمر الله تعالى بها.
قال ابن كثير: والجمع بين رواية من روى أنه أفرد الحج وبين رواية من روى القران، أنه أفرد أفعال الحج ودخلت فيه العمرة نية وفعلا وقولا، واكتفى بطواف الحج وسعيه عنه وعنها، كما في مذهب الجمهور في القارن خلافا لأبي حنيفة.
وأما من روى التمتع وصح عنه: أنه روى القران، فالتمتع في كلام السلف أعم من التمتع الخاص والأوائل يطلقونه على الاعتمار في أشهر الحج وإن لم يكن معه حج، قال سعد بن أبي وقاص تمتعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما يريد بهذا إحدى العمرتين المتقدمتين: إما الحديبية، وإما القضاء، فأما عمرة الجعرانة، فقد كان معاوية قد أسلم - فإنها كانت بعد الفتح، وحجة الوداع بعد ذلك سنة عشر.
قلت: وأما حديث ابن عمر وعائشة السابقان فقد رويا التمنع فهو مشكل على الأقوال، أما قول الإفراد ففي هذا إثبات عمرة إما قبل الحج أو معه، وإما على قول التمتع الخاص فإنه ذكر أنه لم يحل من إحرامه بعد ما طاف بالصفا والمروة، وليس هذا شأن المتمتع، ومن زعم أنه إنما منعه من التحلل سوق الهدي، كما قد يفهم من حديث ابن عمر.(8/487)
التنبيه الرابع: وهم من قال إنه خرج يوم الجمعة بعد الصلاة، والذي حمله على هذا الوهم القبيح قوله في الحديث خرج لست بقين فظن أن هذا لا يمكن أن يكون الخروج يوم الجمعة إذ تمام الست يوم الأربعاء وأول الحجة كان الخميس بلا تردد، وهذا خطأ فاحش، فإنه من المعلوم الذي لا ريب فيه أنه صلى الظهر يوم خروجه من المدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين.
الخامس: أنه حل بعد طوافه وسعيه.
السادس: أنه دخل مكة يوم الثلاثاء وصوابه: يوم الأحد، صبح رابعة من ذي الحجة.
السابع: أنه - صلى الله عليه وسلم - قصر عنه بمقص في حجته.
الثامن: أنه كان يقبل الركن اليماني في طوافه وإنما ذلك الحجر الأسود كما تقدم بيانه.
التاسع: أنه رمل في سعيه ثلاثة أشواط، ومشى أربعة، وأعجب من صاحب هذا الوهم حكاية الاتفاق على هذا القول الذي لم يقله أحد سواه.
العاشر: أنه طاف بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا، فكان ذهابه وسعيه مرة واحدة وهذا باطل لم يقله غير قائله.
الحادي عشر: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح يوم النحر قبل الوقت.
الثاني عشر: أنه صلى الظهر يوم عرفة، والمغرب والعشاء تلك الليلة بأذانين وإقامتين.
الثالث عشر: أنه صلاهما بلا أذان أصلا.
الرابع عشر: أنه جمع بينهما بإقامة واحدة، والصحيح أنه صلاهما بأذان واحد وإقامة لكل صلاة والله أعلم.
الخامس عشر: أنه خطب بعرفة خطبتين، جلس بينهما ثم أذن المؤذن فلما فرغ أخذ في الخطبة الثانية فلما فرغ أقام الصلاة، وهذا لم يجئ في شئ من الأحاديث البتة، وحديث
جابر صريح في أنه لما أكمل خطبته أذن بلال وأقام الصلاة فصلى الظهر بعد الخطبة.
السادس عشر: أنه لما صعد أذن المؤذن فلما فرغ قام فخطب، وصوابه أن الأذان كان بعد الخطبة.
السابع عشر: قدم أم سلمة ليلة النحر، وأمرها أن توافيه صلاة الصبح بمكة.
الثامن عشر: أنه أخر طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل والصواب أن الذي أخره إلى الليل طواف الوداع.(8/488)
التاسع عشر: أنه أفاض مرتين: مرة بالنهار، ومرة مع نسائه ليلا، وهذا غلط، والصحيح عن عائشة خلاف هذا أنه أفاض نهارا إفاضة واحدة.
العشرون: أنه طاف للقدوم يوم النحر، ثم طاف للزيارة بعده.
الحادي والعشرون: أنه سعى يومئذ مع هذا الطواف أعني طواف القدوم، ويرده قول عائشة وجابر أنه لم يسع إلا سعيا واحدا.
الثاني والعشرون: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر يوم النحر بمكة، والصحيح أنه صلاها بمنى.
الثالث والعشرون: أنه لم يسرع في وادي محسر حين أفاض من جمع إلى منى وإنما ذلك هو فعل الأعراب.
الرابع والعشرون: أنه كان يفيض كل ليلة من ليالي منى إلى البيت.
الخامس والعشرون: أنه ودع مرتين.
السادس والعشرون: أنه جعل مكة دائرة في دخوله وخروجه فبات بذي طوى ثم دخل من أعلاها، ثم خرج من أسفلها ثم رجع إلى المحصب عن يمين مكة فكملت الدائرة.
السابع والعشرون: أنه انتقل من المحصب إلى ظهر العقبة، وقد نبه ابن القيم على هذه الأوهام مفصلة مع بيان رد كل فليراجعه من أراده.
تنبيهات في بيان غريب ما سبق، وحجة الوداع: قال النووي: المعروف في الرواية: حجة الوداع - بفتح الحاء، وقال الهروي وغيره من أهل اللغة: المسموع من العرب في واحدة الحج حجة بكسر الحاء، قالوا: والقياس فتحها لكونها اسما لمرة واحدة، وليست عبارة عن الهيئة حين تكسر، قالوا: فيجوز الكسر بالسماع، الفتح بالقياس، وسميت بذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودع الناس فيها وعلمهم في خطبه فيها أمر دينهم، وأوصاهم بتبليغ الشرع إلى من غاب.
الجدري - بجيم مضمومة، فدال مهملة مفتوحة، فراء: قروح في البدن تسقط وتقيح.
الحصبة - بحاء مهملة، وصاد ساكنة وتحرك مهملتين، وموحدة: بئر يخرج بالجسد.
طريق الشجرة (1)...القطيفة بقاف مفتوحة، فطاء مهملة مكسورة، فتحتية ففاء فتاء تأنيث: كساء له خمل.
__________
(1) بياض في الأصول.
(*)(8/489)
وادي العقيق - بعين مهملة فقافين أولاهما مكسورة بينهما تحتية: واد من أودية المدينة، وهو الذي ذكر في الحديث: أنه واد مبارك.
ذو الحليفة بحاء مهملة مضمومة، فلام مفتوحة، فتحتية ساكنة، ففاء، فتاء تأنيث.
الهوداج - جمع هودج: مركب للنساء معروف.
الهدي - بهاء مفتوحة، فدال مهملة ساكنة، فتحتية تخفف وتشدد: ما يهدى من الأنعام إلى البيت الحرام.
الإشعار - بهمزة مكسورة، فشين معجمة ساكنة، فعين مهملة مفتوحة، فألف، فراء: شق سنام البدنة حتى يسيل دمها.
ناجية - بنون، فألف، فجيم مكسورة فتحتية.
جندب بجيم مضمومة، فنون ساكنة فدال مهملة.
الخطمي - بخاء معجمة.
الإشنان - بهمزة مكسورة فشين معجمة ساكنة فنونين بينهما ألف.
المقتت - بميم مضمومة فقاف مفتوحة فمثناتين فوقيتين.
طبخ فيه الرياحين أو خلط بأدهان طيبة.
الذريرة: طيب وقد تقدم.
المسك بميم مكسورة، فسين مهملة ساكنة، فكاف نوع من الطيب معروف.
الوبيص - بواو مفتوحة، فموحدة مكسورة، فتحتية ساكنة فصاد مهملة: البريق.
المفرق كمقعد الذي يفرق به الشعر.
الأردية - بهمزة مفتوحة فراء ساكنة، فدال مهملة مكسورة فتحتية فتاء تأنيث جمع رداء وهو الثوب أو البرد الذي يضعه الإنسان فوق عاتقه وبين كتفيه فوق ثيابه.
المزعفرة: المصبوغة بالزعفران وهو معروف.
تردع بفوقية مفتوحة فراء ساكنة فدال مفتوحة فعين مهمملتين: تنفض ردعها وهو الطبخ الذي لم يعم.
السراويلات - جمع سراويل، والجمهور على أنها مفردة أعجمية معربة.
الورس: بفتح الواو، وسكون الراء: نبت أصفر يكون باليمن يصبغ به.
القفاز: بقاف مضمومة ففاء فألف فزاي: شئ يعمل لليدين يحشى بقطن، ويكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد.(8/490)
استشفري - بهمزة مكسورة، فسين مهملة ساكنة فمثناة فوقية فمثلثة ففاء فراء أمرها أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا، وتوثق طرفيها بشئ تشده في وسطها، فيمنع بذلك سيل الدم، وهو مأخوذ من ثفر الدابة التي تجعل تحت ذنبها.
البيداء: بموحدة مفتوحة، فتحتية ساكنة، فدال مهملة فألف: المفازة التي لا شئ فيها.
الراحلة - براء، فألف فحاء مهملة، فلام، فتاء تأنيث...من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال، والذكر والأنثى فيه سواء، والهاء فيه للمبالغة، وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة، وتمام الخلق، وحسن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل عرفه.
الإهلال - بهمزة مكسورة، فهاء ساكنة، فلامين بينهما ألف: رفع الصوت بالتلبية.
المشقص - بميم مكسورة، فشين معجمة ساكنة، فقاف، فصاد مهملة: نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض.
لبيك من لب بالمكان إذا أقام به، ومعناه: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، وهي تثنية لبى، وأصله لبين حذفت نونه للإضافة.
أن الحمد - بهمزة تفتح وتكسر الخطا، رواية العامة بالفتح وقال ثعلب: الاختيار الكثير، لأن المعنى: إن الحمد لك على كل حال.
ومعنى الفتح لبيك بهذا السبب، فمن كسر عم، ومن فتح خص.
العج - بفتح المهملة، والجيم: رفع الصوت.
والثج - بثاء مثلثة مفتوحة، فجيم: سيلان دم الهدي.
الروحاء - براء مفتوحة، فواو ساكنة، فحاء مهملة، فألف، وبالمد: موضع بين الحرمين على ثلاثة، أو أربعة أميال من المدينة.
الأثاية: بهمزة مضمومة، فمثلثة، فألف، فتحتية، فتاء تأنيث، الموضع المعروف بطريق الجحفة إلى مكة.
الرويثة - براء مهملة مضمومة، فواو مفتوحة، فتحتية ساكنة، فمثلثة، فتاء تأنيث، وبالتصغير: موضع بين الحرمين.
العرج - بمهملة، فراء مفتوحتين فجيم: مدينة باليمن.
الحاقف - بحاء مهملة، فألف، فقاف، ففاء: نائم قد انحنى في نومه.
الزمالة - بزاي مكسورة، فميم، فألف، فلام، فتاء تأنيث: المركوب أي كان لمركوبها وأداتهما وما كان معهما في السفر واحدا.(8/491)
حقة - بحاء مهملة مضمومة، فقاف، فتاء تأنيث.
الحيس - بحاء مهملة مضمومة، فتحتية ساكنة، فسين مهملة تقدم مرارا.
القعب - بقاف مفتوحة، فمهملة ساكنة، فموحدة: القدح الجافي، أو إلى الصغر ويروي الرجل.
عسفان - بعين مهملة مضمومة، فسين مهملة ساكنة، ففاء، فألف، فنون: قرية جامعة بين مكة والمدينة.
سرف - بسين مهملة مفتوحة، مخففة: موضع من مكة على عشرة أميال، وقيل: أقل وأكثر.
طوى - بطاء مهملة مضمومة، وواو مفتوحة مخففة: موضع عند باب مكة يستحب لمن دخل مكة أن يغتسل به.
الثنية - بمثلثة مفتوحة، فنون مكسورة، فتحتية، فتاء تأنيث: في الجبل كالعقبة فيه.
الجحون - بحاء مفتوحة، فجيم مضمومة، فواو فنون: الجبل المشرف مما يلي الجزارين بمكة وقيل: هو موضع بمكة فيه اعوجاج والأول المشهور.
المحجن: عصى معقفة الرأس، وقد تقدم، والميم زائدة.
الجدعاء (1)...الخطام - بمعجمة مكسورة، فطاء مهملة مفتوحة فألف فميم حبل من ليف، أو شعر، أو كتان فيجعل في أحد طرفيه حلقة، ثم يشد فيه الطرف الآخر حتى يصير كالحلقة، ثم يقلد البعير، ثم يثنى على خطمه، وهو مقاديم أنوفها، وأفواهما.
حاذى - بحاء مهملة فألف، فذال معجمة مفتوحة، فتحتية: قابل الاستلام: افتعال من السلام، وهو التحية، وقيل: من السلام بكسر المهملة وهي الحجارة واحدتها سلمة بكسر اللام يقال استلم الحجر إذا لمسه وتناوله.
الصفا - بصاد مهملة، ففاء مفتوحتين: اسم موضع بمكة معروف، وذكر لوقوف آدم عليه الصلاة والسلام، وقيل: لأنه كان عليه صنم يقال له: إساف.
والمروة - بميم مفتوحة، فراء ساكنة، فواو: اسم موضع، وأنث لأن حواء وقفت عليها، وقيل: كان عليها صنم يقال له نائلة.
انتصبت قدماه بهمزة مكسورة، فنون ساكنة، فموحدة مفتوحة، فتاء تأنيث: انحدرت في المسعى.
__________
(1) بياض في الأصول.
(*)(8/492)
بطن الوادي - بموحدة مفتوحة فطاء ساكنة فنون: داخله.
الرمل - براء، وميم مفتوحتين: الهرولة.
العواتق - بعين مهملة مفتوحة، فواو فألف، ففوقية مكسورة فقاف: جمع عاتق: وهي الشابة أول ما تدرك، وقيل هي التي لم تبن من والديها، ولم تتزوج، وقد أدركت وشبت.
الأبطح - بألف، فموحدة، فطاء، فحاء مهملتين: سيل واسع دقاق الحصى.
القران: بقاف مكسورة، فراء، فألف، فنون: الجمع بين الحج والعمرة.
التروية - بمثناة فوقية مفتوحة فراء ساكنة فواو مكسورة فتحتية مفتوحة، فتاء تأنيث: هو اليوم الثامن من ذي الحجة، كانوا يرتوون فيه الماء بعده.
المطين (1)...العنزة بعين مهملة، فنون، فزاي مفتوحات.
الجبة: تقدم تفسيرها وكذلك الحلة.
الثلج - بمثلثة مفتوحة، فلام ساكنة، فجيم معروف.
شرح غريب خطبته - صلى الله عليه وسلم - بعرفة: النسئ - بنون مفتوحة، فسين مكسورة مهملة، فهمزة: التأخير.
عوان - (بعين مهملة مفتوحة أي كبر عليه معاشها).
العاهر - بعين مهملة، فألف، فهاء، مكسورة، فراء: الزاني.
الصرف بصاد مفتوحة، فراء ساكنة، ففاء: التوبة: وقيل: النافلة.
العدل - بعين مهملة مفتوحة، فدال ساكنة مهملة، فلام: الفدية.
وقيل: الفريضة.
العارية - بعين مهملة فألف فراء فتحتية.
المنحة - بميم مكسورة، فنون ساكنة، فحاء مهملة، فتاء تأنيث: الإعطاء.
ومنحه الناقة جعل له وبرها ولبنها وولدها.
الزعيم - بزاي مفتوحة فعين مهملة مكسورة، فتحتية فميم: الضامن.
المزدلفة - بميم مضمومة: فزاي ساكنة فدال مهملة فلام مكسورة فتاء تأنيث: المشعر الحرام لأنه يتقرب إلى الله تعالى فيها والازدلاف: التقرب.
اللبة - بلام فموحدة مفتوحتين، فتاء تأنيث الهمزة التي تنحر فيها الإبل.
الابتهال: أصله التضرع، ثم استعمل في مد اليدين جميعا لذلك.
__________
(1) بياض في الأصول.
(*)(8/493)
التضرع - بفوقية فضاد معجمة مفتوحتين، فراء مضمومة فعين مهملة: التذلل.
المآب - بميم، فهمزة مفتوحة، فألف فموحدة، وبالمد: المرجع.
التراث - بمثناة فوقية، فراء، فألف فمثلثة.
ما يخلفه الرجل لورثته والتاء فيه بدل من الواو.
الولوج - بواو، فلام مضمومتين فواو فجيم.
الدخول.
البوائق - بموحدة، فواو مفتوحتين فألف فهمزة مكسورة فقاف: الدواهي.
الدهر - بدال مهملة مفتوحة فهاء ساكنة، فراء: الزمان الطويل، ومدة الحياة الدنيا.
الوجل - بواو مفتوحة فجيم مكسورة فلام: الفزع.
المشفق - بميم مضمومة.
فمعجمة ساكنة ففاء مكسورة، فقاف: الخائف.
القلق - بقاف مفتوحة، فلام مكسورة فقاف من القلق: وهو الانزعاج.
الوضين - بواو مفتوحة، فضاد معجمة مكسورة، فتحتية ساكنة، فنون: بطان منسوج بعضه على بعض.
يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج.
الربوة - براء مضمومة، فموحدة ساكنة، فواو مفتوحة، فتاء تأنيث: ما ارتفع من الأرض.
شعب الأذاخر - بهمزة معجمة فألف، فخاء معجمة مكسورة فراء: موضع بين مكة والمدينة.
المأزمين - بميم مفتوحة فهمزة ساكنة، فزاي مكسورة فميم، فنون فتحتة فنون، تثنية مأزم: وهو المضيق في الجبال حيث يلتقي بعضها ببعض ويتسع ما وراءه والميم زائدة، وكأنه من الأزم، وهو القوة والشدة.
قزح - بقاف مضمومة، فزاي مفتوحة: جبل بالمزدلفة.
حطمة الناس - بحاء فطاء ساكنة مهملتين فميم فتاء تأنيث: ازدحامهم.
القمر - بقاف فميم مفتوحتين فراء.
الظعن - بظاء معجمة مشالة فعين مهملة مضمومتين فنون النساء.
ثبير كأمير: اسم لجبل بظاهر مكة.
نفير ((بنون مفتوحة، ففاء مكسورة، فتحتية فراء: تنفر.
جبل طيبئ - بطاء مهملة مفتوحة، فتحتية مشددة.
التفث - بمثناة فوقية ففاء مفتوحتين.
فمثلثة.
الشعر وما كان من نحو قص الأظافر والشارب، وحلق الشعر، وحلق العانة وغير ذلك.(8/494)
حصى الخذف - بخاء مفتوحة فذال ساكنة معجمتين ففاء وروي بالحاء المهملة.
وهو الرمي بالحصى بالأصابع وكانت العرب ترمي بها على وجه اللعب تجعلها بين السبابة والإبهام من اليد اليسرى.
ثم تقذف بالسبابة اليمنى زاد الليث: أو تجعلها ما بين سبابتيك واختلف في قدرها فقيل: مثل الباقلاء.
وقيل: مثل النواة، وقيل: دون الأنملة طولا وعرضا.
معرس (1)...الطامي - بطاء مهملة، فألف، فميم، فتحتية: العظيم.
الوسيم: بواو مفتوحة فسين مهملة مكسورة فتحتية فميم: الحسن الوضئ.
الصهباء: بصاد مهملة مفتوحة، فهاء ساكنة، فموحدة، فألف، وبالمد: نافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الصهوبة: حمرة يعلوها سواد.
الجران - بكسر الجيم، وراء مفتوحة، فألف، فنون: باطن العنق، وقد تقدم.
تقصع - بفوقية مفتوحة فقاف ساكنة فصاد مفتوحة فعين مهملتين: تمضغ مضغا شديدا وتحك بعض أسنانها ببعض، وقيل: قصع الجرة: خروجها من الجوف إلى الشدق ومتابعة بعضهم بعضا، وإنما تفعل ذلك الناقة إذا اطمأنت، أو خافت شيئا.
اللعاب - بلام مضمومة فعين مهملة فألف، فموحدة: الماء السائل من الفم.
شرح غريب خطبته - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر: الأعرض - بهمزة مفتوحة فعين مهملة ساكنة، فراء فألف فضاد معجمة جمع عرض: وهو موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه، أو في سلفه، أو من يلزمه أمره، وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عليه أن ينتقص ويثلب.
وقال ابن قتيبة: عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير.
ويحكم - بواو مفتوحة، فتحتية، فحاء مهملة: كلمة ترحم، وتوجع.
ويلكم - بواو مفتوحة، فتحتية ساكنة، فلام.
المراد بها هنا: التعجب.
البضعة - بباء مفتوحة، وقد تكسر، فضاد معجمة ساكنة، فعين مهملة مفتوحة.
فتاء تأنيث: القطعة من اللحم.
يزدلفن - بتحتية مفتوحة، فزاي ساكنة، فدال مهملة، مفتوحة، فلام مكسورة، ففاء ساكنة فنون: يقربن.
وجبت جنوبها - بواو، فجيم، فموحدة مفتوحات: سقطت.
__________
(1) بياض في الأصول.
(*)(8/495)
رسلا: براء - فسين مهملة فلام مفتوحات.
ما كان من الإبل والغنم من عشر إلى خمس وعشرين.
الموسى - بميم مضمومة، فواو فسين مهملة: آلة الحلاق.
الناصية: بنون، فألف، فصاد مهملة مكسورة، فتحتية: أعلى الرأس.
الباءة - بموحدة فألف فهمزة فتاء تأنيث: الجماع.
طواف الصدر - بصاد، فدال مهملتين مفتوحتين من الرجوع.
المج - بميم مفتوحة فجيم: القذف.
السقاية بسين مهملة مكسورة، فقاف، فألف، فتحتية، إناء يشرب فيه.
مسجد الخيف - بخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة، ففاء: ما ارتفع من مجرى السيل ولذا يسمى مسجد الخيف.
لأنه بمنى في سفح جبلها.
الجمرة - بجيم مفتوحة فميم ساكنة فراء: الحصى الصغار، والمراد هنا: مجتمع الحصى.
العقبة - بعين مهملة، فقاف، فموحدة، مفتوحات: كل مرقى صعب من الجبال، والمراد به هنا التي بمنى.
شرح غريب خطبته - صلى الله عليه وسلم - في ثاني يوم النحر: بدور الشفرة - بشين مفتوحة، ففاء ساكنة، فراء، فتاء تأنيث: السكين العريضة.
الأزناد (1)...خبت الجميش (1)...الخبت بخاء معجمة مفتوحة، فموحدة ساكنة، فمثناة فوقية: الأرض الواسعة.
والجميش بجيم مفتوحة، فميم مكسورة، فتحتية، فشين معجمة: التي لا نبات فيها.
المحصب - بميم مضمومة فحاء.
فصاد.
مهملتين مفتوحتين للشعب الذي مخرجه إلى الأبطح، أو موضع رمي الجمار.
القبة - بقاف مضمومة.
فموحدة: بناء مرتفع.
الحزورة - بحاء مهملة مفتوحة فزاي ساكنة فراء مفتوحتين: موضع بمكة عند باب الحناطين: باعة الحنطة.
__________
(1) بياض في الأصول.
(*)(8/496)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في قراءة القرآن
الباب الأول في قراءة كان كثيرا ما يقرأ بها:
روى ابن أبي شيبة، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي.
في (الشمائل) والنسائي، والبيهقي، عن عبد الله بن مغفل قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في مسيره سورة على راحلته، فرجع فيها (1).
وروى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن نصر عن قتادة: قال: (بلغنا أن عامة قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المد).
وروى الخطيب عن النعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) قال محمد بن المنتشر بنصبه السين.
وروى أبو نصر السجزي في الإنابة، عن عبد الرحمن بن أبزى، إلى السلم بنصب السين.
وروى الحاكم، وابن مردويه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الأحرف (ادخلوا في السلم) (وإن جنحوا للسلم) ويدعو).
وعن علي - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: (من الذين استحق عليهم الأوليان) ابن مردويه والخطيب عنه.
(أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ (وعلم أن فيكم ضعفا) وقرأ كل شئ في القرآن.
__________
(1) البخاري 8 / 710 (5047) ومسلم 1 / 547 (237 / 794) وأحمد 4 / 86 وأبو داود (1467).(8/497)
الباب الثاني في آدابه - صلى الله عليه وسلم - في تلاوة القرآن
وفيه أنواع: الأول: في مده - صلى الله عليه وسلم - صوته بالقرآن وترتيله.
وروى البخاري وابن سعد عن قتادة - رحمه الله تعالى - قال: (سئل أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - كيف كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: يمد مدا.
ثم قال: (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم) رواه عبد بن حميد، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن نصر، عن قتادة قال: بلغنا أن عامة قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المد (1).
ورواه الدارقطني، عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا قرأ (مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقطعها آية آية وعدها عد
الأعراب، وعد (بسم الله الرحمن الرحيم) آية ولم يعد عليهم يقطع بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين (2).
وروى الحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين يقطعهما حرفا حرفا) (3).
ورواه الخلعي عنها.
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعد - بسم الله الرحمن الرحيم) آية فاصلة، (الحمد لله رب العالمين.
مالك يوم الدين).
وكذا كان يقرؤها (إياك نعبد وإياك نستعين.
اهدنا الصراط المستقيم) إلى آخرها آية سبع وعقد بيده اليسرى.
وجمع بكفيه.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود والترمذي.
عن أم سلمة - أنها سئلت عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: (كان يقطع قراءته آية آية.
(بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين.
الرحمن الرحيم.
مالك يوم الدين) (4).
وروى إسحاق بن راهويه، عن ابن أبي مليكة أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - سئلت عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: افتقدرون على ذلك ؟ كان يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين.
الرحمن الرحيم) يرتل آية آية.
__________
(1) أخرجه البخاري 8 / 709 (5046) (2) الدارقطني 1 / 307.
(3) الحام 1 / 232.
(4) أحمد 6 / 320 وأبو داود 4 / 37 (4001) والترمذي 5 / 170 (2927).
(*)(8/498)
وروى ابن أبي خيثمة عنه عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها سئلت عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنكم لا تستطيعون، فقالوا أخبرينا بها.
فقرأت قراءة مترسلة).
وروى النسائي عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته.
قالت: ما لكم وصلاته ؟.
ثم تعتت حرفا حرفا (1).
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها حرفا حرفا.
لا يمر بذكر جنة إلا وقف وسأل، ولا يذكر نارا إلا تعوذ حتى قرأ النساء، والبقرة، وآل عمران، على تأليف عبد الله بن مسعود، ثم رفع وذكر الحديث).
وروى أيضا عن محمد بن كعب القرظي - رضي الله تعالى عنه - قال: (كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفسرة حرفا حرفا) (2).
وروى أيضا عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها).
وروى ابن أبي شيبة، عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة لأصلي بصلاته، فافتتح الصلاة، فقرأ قراءة ليست بالخفيضة ولا بالرفيعة يرتل فيها، ويسمعنا)) قال ابن سعد، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث (3).
الثاني: في جهره - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة أحيانا: وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن كريب - رحمه الله تعالى - قال: سألت ابن عباس فقلت: كيف كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: (كان يقرأ في بعض حجره فيسمع قراءته من كان خارجا).
وروى الطيالسي - برجال ثقات - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كنت أسمع قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيت وأنا في الحجرة) (4).
وروى ابن أبي عمر عن يحيى بن يعمر - رحمه الله تعالى - قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع صوته من الليل إذا قرأ ؟ قالت: (ربما رفع،
__________
(1) النسائي 2 / 141 وأبو داود 2 / 73 (1466) والترمذي 5 / 167 (2923).
(2) أحمد 6 / 285.
(3) الطبقات 2 / 98.
(*)(8/499)
وربما خفض) قال: (الحمد لله الذي جعل في الدين سعة).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي في (الشمائل) عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - على قدر ما يسمعه من في الحجرة) (1).
وروى أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: ((كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل يرفع طورا ويخفض طورا) (2).
وروى الإمام أحمد، والنسائي، عن عبد الله بن أبي قيس قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - كيف كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل ؟ أيجهر أم يسر ؟ قالت: (كل ذلك كان يفعل وربما جهر وربما أسر) (3).
وروى الإمام أحمد، والبيهقي، عن أم هانئ قالت: (كنت أسمع قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل وأنا على عريشي هذا وهو عند الكعبة) (4).
وروى أبو داود، والبيهقي، عن غضيف بن الحارث: قال: سألت عائشة أكان رسول الله يجهر بالقرآن أم يخافت به ؟ قالت: (ربما جهر وربما خافت) (5).
وروى ابن عدي، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل الزمزمة، فقيل يا رسول الله لو رفعت صوتك فقال: (إني أكره أن أوذي جليسي، أو أؤذي أهل بيتي)، في سنده عمرو بن موسى وهو متروك (6).
الثالث: في ترجيعه - صلى الله عليه وسلم - في قراءته وتركه ذلك أحيانا: روى الشيخان عن معاوية بن قرة قال: (سمعت عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله تعالى عنه - يقول: (قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته، فرجع في قراءته قال معاوية: لولا أني أخاف أن يجتمع علي الناس لحكيت لكم قراءته)، وفي لفظ (لو شئت أن أحكي لكم قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على ناقته أو جمله وهو يسير به، وهو يقرأ سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع فيها، وفي لفظ ثم قرأ معاوية قراءة ابن مغفل وقال:
لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، وهو
__________
(4) بنحوه عند البيهقي في دلائل النبوة (6 / 257).
(1) أبو داود 2 / 37 (1327).
(2) المصدر السابق (1328).
(3) أحمد 6 / 149 والنسائي 3 / 184.
(4) أحمد 6 / 342.
(5) أبو داود 1 / 58 (226) وابن ماجه 1 / 430 (1354).
(6) أخرجه ابن عدي في الكامل 5 / 10 (220 / 1187) وعمرو هذا اتهموه بالكذب انظر لسان الميزان 4 / 332 والميزان (3 / 224).
(*)(8/500)
على ناقته، أو على حمار، وهو يسير وهو يقرأ سورة الفتح ثم رجع، فقال ابن أبي إياس: لو لا أني أخشى أن يجتمع الناس علينا قرأت ذلك اللحن وقال: هاه: ومده (1).
ورواه ابن أبي شيبة، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي في (الشمائل) والنسائي، والبيهقي، عن عبد الله بن مغفل قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في مسيره سورة على راحلته فرجع فيها).
وروى أبو الحسن بن الضحاك وقال: في سنده عمرو بن موسى وهو متروك، عن أبي بكرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المد ليس فيه ترجيع) (2).
وروى أيضا عن قتادة - رضي الله تعالى عنه - قال: (لم يبعث الله تعالى نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أحسنهم وجها، وأحسنهم صوتا، وكان من قبله يرجعون ولا يمدون، وكان هو يمد ولا يرجع)، رواه ابن سعد بلفظ: (كان لا يمد كل المد) (3).
الرابع: فيما كان يقوله إذا مر بآية رحمة أو بآية عذاب أو بغير ذلك في الصلاة وخارجها:
وروى مسلم، عن حذيفة - رضي الله تعالى عنه - قال: (صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة وفيه: وقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن عوف بن مالك - رضي الله تعالى عنه -
__________
(1) تقدم.
(2) [ هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله الترديد، وترجيع الصوت ترديده في الحلق ].
وقد فسره كما سيأتي في حديث عبد الله بن مغفل المذكور في هذا الباب في كتاب التوحيد بقوله (أاأ بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى) ثم قالوا: يحتمل أمرين: أحدهما أن ذلك حدث من هز الناقة، والآخر أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك، وهذا الثاني أشبه بالسياق فإن في بعض طرقه (لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن) أي النغم.
وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع، فأخرج الترمذي في (الشمائل) والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ (كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن) والذي يظهر أن في الترجيع قدرا زائدا على الترتيل، فعند ابن أبي داود من طريق أبي إسحاق عن علقمة قال (بت مع عبد الله بن مسعود في داره، فنام ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله، ويرتل ولا يرجع).
[ وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: معنى الترجيع تحسين التلاوة لا ترجيع الغناء، لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة.
قال: وفي الحديث ملازمته صلى الله عليه وسلم لأنه حالة ركوبه الناقة وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة، وفي جهره بذلك إرشاد إلى أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الإسرار، وهو عند التعليم وإيقاظ الغافل ونحو ذلك ].
(3) تقدم.
(*)(8/501)
قال: (قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدأ فاستاك، ثم توضأ، ثم قام يصلي وقمت معه فبدأ فاستفتح (البقرة) لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف يتعوذ).
وروى الإمام أحمد، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كنت أقوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التمام، وكان يقرأ بسورة (البقرة وآل عمران، والنساء) ولا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ، ولا يمر بآية فيها بشارة إلا دعا - لله عز وجل - ورغب إليه).
رواه ابن داود، عن مسلم بن مخراق، وقال: سألت عائشة فذكره.
وروى الإمام أحمد، عن أبي ليلى - رضي الله تعالى عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة ليست بفريضة، فمر بذكر الجنة والنار، فقال: (أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار) (1).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال: (سبحان ربي الأعلى) (2).
وروى أبو داود وغيره عن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ (ولا الضالين) فقال: (آمين)) يمد بها صوته) (3) أخرجه الطبراني بلفظ ثلاث مرات (4)، وأخرجه البيهقي بلفظ قال: (رب اغفر لي آمين) (5).
وروى أبو داود عن موسى بن أبي عائشة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رجل من الصحابة - رضي الله تعالى عنه - يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) قال: سبحانك: بلى، فسألوه عن ذلك فقال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (6).
وروى عبد بن حميد، عن قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ (أليس الله بأحكم الحاكمين) يقول: (بلى وأنا على ذلك من الشاهدين).
وروى أيضا عن صالح أبي الخليل قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى هذا الآية، قال (سبحانك فبلى).
__________
(1) أحمد 4 / 437.
(2) أحمد 1 / 321 وأبو داود 1 / 233 (883).
(3) أبو داود 1 / 246 (932) والترمذي 2 / 27 (248).
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 113.
(5) في إسناده أحمد بن عبد الجبار وثقه الدارقطني وضعفه جماعة المجمع 2 / 113 (6) أبو داود 1 / 233 (884).
(*)(8/502)
وروى عبد الرزاق، وعبد، عن قتادة، (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) قال: سبحانك، وبلى).
وروى ابن مردويه، عن البراء، عن أبي هريرة وابن النجار، عن أبي أمامة وعبد بن حميد، وأبو داود، والبيهقي، عن رجل من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ هذه الآية قال: (سبحانك ربي، وبلى).
الخامس: في قدر ما كان يقرأ من القرآن في كل ليلة: روى الإمام أحمد، وأبو داود، والبيهقي، والطبراني، عن أوس بن حذيفة قال: (قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف وذكر الحديث وفيه: فأنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك في قبة له فكان يأتينا في كل ليلة بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه، حتى يراوح بين رجليه من طول القيام فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه.
فقلنا له: لقد أبطأت عنا الليلة فقال: إنه طرأ علي جزئي من القرآن فكرهت أن أجئ حتى أتمه، قال أوس: سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: ولفظ الطبراني: كيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحزب القرآن ؟ قالوا: كان يحزبه ثلاثا وخمسا وسبعا وتسعا، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل من قاف حتى يتمه (1).
وروى الطبراني، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران في كل ليلة (2).
وروى الإمام أحمد - برجال ثقات - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في كل ليلة ببني إسرائيل والزمر) (3).
وروى الإمام أحمد - برجال الصحيح - عن أبي روح الكلاعي قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة، فقرأ فيها، سورة الروم فتردد في آية، فلما انصرف قال: (إنه يلبس علينا القرآن إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء) (4).
تنبيهات الأول: حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قرئ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرآن
__________
(1) أحمد 4 / 343 وأبو داود 2 / 55 (1393).
(2) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: 2 / 274 فيه مظاهر بن أسلم وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وجماعة.
(3) أحمد 6 / 68.
(4) أحمد 3 / 471.
(*)(8/503)
وأنشد شعر، فقيل يا رسول الله أقرآن وشعر ؟ قال: (نعم).
رواه أبو يعلى من طريق الكلبي وهو متروك.
الثاني: قال أبو الحسن الضحاك: أصح طرق الحديث الواردة في صفة قراءته - صلى الله عليه وسلم - حديث أنس وعبد الله بن مغفل.
والجمع بين حديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرتل ويمد صوته، وأنه كان يرجع: أن مد الصوت والترتيل لا ينافي الترجيع، فقد يمد صوته مرجعا، وأما رواية أنه كان لا يرجع، فحديث عبد الله بن مغفل في الترجيع أثبت، ويصح الجمع بينهما بأن يقال: كل واحد من الرواة روى عنه ما سمع.
فكان ابن مغفل قد سمع قراءته بالترجيع، وسمعه غيره يقرأ ولا يرجع، إذا لا يصح أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - على حال واحد في قراءته إذ صح عنه أنه كان مرة يجهر بالقراءة ومرة لا يجهر.(8/504)
الباب الثالث في محبته - صلى الله عليه وسلم - لسماع القرآن من غيره:
روي عن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة مرا بأبي موسى - وهو يقرأ في بيته فقاما يسمعان لقراءته، ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقي أبا موسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا أبا موسى مررت البارحة ومعي عائشة، وأنت تقرأ في بيتك، فقمنا واستمعنا)، فقال له أبو موسى يا رسول الله: لو علمت لحبرته تحبيرا (1).
وروى أيضا بسند حسن، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قعد أبو موسى في بيته واجتمع إليه ناس فأنشأ يقرأ عليهم القرآن قال: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: ألا أعجبك من أبي موسى أنه قعد في بيت واجتمع إليه ناس فأنشأ يقرأ عليهم القرآن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أتستطيع أن تقعدني من حيث لا يراني أحد منهم ؟) قال: نعم.
فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقعده الرجل من حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبي موسى، فقال: (إنه يقرأ على مزمار من مزامير آل داود) (2).
وروى الشيخان عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اقرأ علي القرآن).
فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال: (أحب أن أسمعه من غيري)، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال: (حسبك الآن).
فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان (3).
__________
(1) أخرجه البخاري (5048) ومسلم 1 / 546 (235، 236 / 793) وأبو نعيم في الحلية 1 / 258 وانظر المجمع 7 / 271، 359.
(2) أبو يعلى 7 / 134 (1341 / 4096) قال الهيثمي: 9 / 360 رواه أبو يعلى وإسناده حسن.
(3) أخرجه البخاري 8 / 250 (4582، 5049) (5050) ومسلم 1 / 551 (248 / 800).
(*)(8/505)
الباب الرابع في قراءته - صلى الله عليه وسلم - على أبي بن كعب سورة (لم يكن الذين كفروا) بأمر الله تعالى
روى الشيخان، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب - رضي تعالى عنه: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك): (لم يكن الذين كفروا) قال: وسماني ؟ قال: (نعم).
فبكى (1).
وروى الإمام أحمد، والحاكم، والترمذي، وقال حسن صحيح، والضياء والطبراني عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ عليه (لم يكن)، وقرأ عليه: إن ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة لا المشركة ولا اليهودية، ولا النصرانية، ومن يعمل خيرا فلن يكفره، وقرأ عليه، لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانيا ولو كان له ثانيا لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) (2).
وروى الطبراني في الأوسط عن أبي - رضي الله تعالى عنه - قال: (إني عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن وقال: أمرني جبريل أن أعرض عليك القرآن) (3).
وروى الطبراني في الأوسط، وابن عساكر عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا المنذر (إني أمرت أن أعرض عليك القرآن): قلت يا رسول الله، بالله آمنت، وعلى يديك أسلمت، ومنك تعلمت.
فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - القول، فقال: يا رسول الله، وذكرت هناك، قال: (نعم.
باسمك ونسبك في الملأ الأعلى)، قال: فأقرأني رسول الله (4).
وروى ابن أبي شيبة عن عكرمة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب: (إني أمرت أن أقرئك القرآن) قال: وذكرني ربي ؟ قال: (نعم).
قال: فأقرأني آية فأعدتها عليه ثانية (5).
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 127 (3809)، (4959، 4960).
(2) أحمد 5 / 132 والترمذي 5 / 668 (3898).
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 312.
(4) ذكره الهيثمي في المصدر السابق.
(5) ابن أبي شيبة 12 / 141.
(*)(8/506)
الباب الخامس في عرضه القرآن على جبريل في شهر رمضان كل سنة مرة، وفي آخر رمضان صامه مرتين
روى الإمام أحمد، وابن سعد، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض القرآن على جبريل في كل رمضان فلما كان العام الذي مات فيه، عرض عليه مرتين (1).
وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف من كل شهر رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما وكان جبريل يعرض عليه القرآن كل رمضان مرة، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين) (2).
وسيأتي لهذا تتمة في أبواب مرضه - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أحمد 1 / 325.
(2) تقدم.
(*)(8/507)
جماع أبواب أذكاره ودعواته - صلى الله عليه وسلم -
الباب الأول في آدابه - صلى الله عليه وسلم - في دعائه
وفيه أنواع:
الأول: في استفتاح دعائه - صلى الله عليه وسلم - بالثناء على الله تعالى.
روى ابن أبي شيبة، عن سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: (ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح دعاء إلا استفتحه ب (سبحان ربي الأعلى العلي الوهاب).
ورجاله رجال الصحيح، غير عمر بن راشد اليماني، وثقه جماعة) (1).
الثاني: في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يسجع في دعائه.
روى الإمام أحمد، عن الشعبي - رحمه الله تعالى - أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: له: اجتنب السجع من الدعاء، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا لا يفعلون) (2).
الثالث: في تكراره - صلى الله عليه وسلم - في دعائه (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) الآية.
روى أبو الحسن بن الضحاك، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له دعاء بمائة مرة يفتح بها ويختم بها (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ولو دعا بدعوتين لجعلها إحداهما).
وروى بقي بن مخلد عنه - قال: كان في أول دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي وسطه، وفي آخره (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
الرابع: في رفعه - صلى الله عليه وسلم - يديه في دعائه وكيفية رفعهما: وروى الطيالسي، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لما أصابه الكرب يوم الأحزاب ألقى رداءه، وقام متجردا ورفع يديه مدا ودعا).
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 10 / 266.
(2) أخرجه أحمد 6 / 217.
(*)(8/508)
وروى مسدد برجال الصحيح، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أنها رأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو يرفع يديه) الحديث (1).
وروى أبو يعلى، عن البراء - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصابته شدة ودعا رفع يديه في الدعاء حتى رئي بياض إبطيه (2).
وروى ابن أبي شيبة، عن إبراهيم بن محمد، قال: (أخبرني من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أحجار الزيت يدعو هكذا، ببياض كفيه).
وروى الإمام أحمد - بسند حسن - عن خلاد بن السائب الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سأل جعل باطن كفيه إليه، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه) (3).
وروى أيضا الإمام أحمد - برجال الصحيح - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه، يدعو حتى أني لأسألم له مما يرفعهما) (4).
وروى البزار، والطبراني - برجال ثقات - وفيه إرسال عن أنس - رضي الله تعالى عنه -: (رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه بعرفة يدعو، فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الابتهال، ثم حاصت الناقة ففتح إحدى يديه، فأخذها وهو رافع الأخرى) (5).
وروى الطبراني عن خلاد بن السائب، عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا رفع راحتيه إلى وجهه (6).
وروى الطبراني - برجال ثقات - عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته (7).
وروى أبو داود، عن أنس - رضي الله تعالى عنهما - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما).
رواه ابن عدي بسند ضعيف، وزاد: (والله - يدعو بظاهرهما).
__________
(1) أحمد 6 / 160.
(2) انظر المجمع 10 / 168.
(3) أحمد 4 / 56.
(4) انظر المجمع 10 / 168.
(5) البزار والطبراني في الأوسط انظر المجمع 10 / 168.
(6) الطبراني وقال الهيثمي 10 / 169 فيه حفص بن هاشم مجهول.
(7) انظر المجمع 10 / 169.
(*)(8/509)
وروى الإمام أحمد، وأبو الحسن بن الضحاك، عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه) (1).
وروى القاضي أبو بكر الشافعي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه يدعو لأسأم مما يرفعهما).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة بالموقف، ويده إلى صدره كاستطعام المسكين) (2).
وروى أيضا عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بعرفة هكذا، ورفع علي بن الجعد يديه إلى السماء باطنهما إلى الأرض، وظاهرهما إلى السماء) (3).
وروى ابن عدي - بسند ضعيف - عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو هكذا وبسط سريج كفه اليسرى، وقال بأصبعه اليمنى يحركهما، وفي لفظ: يحركها بسبابته).
وروى أبو بكر بن خيثمة، عن عمارة - رضي الله تعالى عنه - قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على المنبر يشير بأصابعه) (4).
وروى مسلم، والبرقاني، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسقى فمد يديه هكذا وأومأ بيده حيال ثندوتيه وفي لفظ: ثندوته، وجعل بطونهما إلى الأرض، حتى رأينا بياض إبطيه وهو على المنبر).
الخامس: في مسحه بيده بعد فراغه من الدعاء، وتكريره الدعاء بنفسه إذا دعا، وتأمينه على دعاء غيره: روى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (ما مد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه في دعاء فقبضهما إليه حتى يمسح بهما وجهه).
وروى الإمام أحمد، والبيهقي - بسند فيه ابن لهيعة - عن يزيد ابن أخت النمر الكندي: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا رفع يديه، ومسح وجهه بيديه) (5).
__________
(1) أحمد 3 / 181.
(2) الطبراني في الأوسط انظر المجمع 10 / 168.
(3) انظر المصدر السابق.
(4) أحمد في المسند 4 / 136.
(5) أحمد 4 / 221 من حديث السائب بن يزيد عن أبيه.
(*)(8/510)
وروى الترمذي - وقال: غريب - عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) (1).
وروى الطبراني - برجال ثقات - وأبو داود، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو ثلاثا، ويستغفر ثلاثا).
وروى البرقاني في (صحيحه) عنه، قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا دعا ثلاثا) (2).
وروى الطبراني - بسند حسن - عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا بدأ بنفسه) (3).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وعن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه).
__________
(1) الترمذي 5 / 432 (3386).
(2) الطبراني في الأوسط بإسناد منقطع المجمع 10 / 151.
(3) انظر المجمع 10 / 152.
(*)(8/511)
الباب الثاني فيما كان يقوله ويفعله إذا أوى إلى فراشه
قال: (باسمك أموت وأحيا) رواه مسلم من حديث البراء: (1).
روى أبو عبد الله المحاملي، عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نام قال: (باسمك اللهم أحيا وأموت) (2).
وروى البخاري، عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا آوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: (اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من قالهن ثم مات ليلته مات على الفطرة).
ورواه هو وبقية الجماعة من تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - للبراء (3).
وروى الجماعة إلا مسلما، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس).
ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات) (4).
وروى مسلم، والثلاثة، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا آوى إلى فراشه)، قال: (الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي) (5).
وروى أبو داود، والنسائي عن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) ثلاث مرات) (6).
__________
(1) أخرجه البخاري من حديث حذيفة 11 / 115 (6314).
(2) من حديث حذيفة أخرجه أحمد 5 / 385.
(3) البخاري 11 / 115 (6315) ومسلم 4 / 2081 (56 / 2710) والترمذي 5 / 437 (3394).
(4) البخاري 7 / 244 (5748) وأبو داود 4 / 313 (5056) والترمذي 5 / 441 (3402) وابن ماجه 2 / 1275 (3875).
(5) مسلم 4 / 2085 (64 / 2715) وأبو داود 4 / 312 (3053) والترمذي 5 / 438 (3396).
(6) أبو داود 4 / 310 (5045).
(*)(8/512)
ورواه الترمذي، من حديث البراء بمعناه وحسنه، ومن حديث حذيفة وقال: حسن صحيح (1).
وروي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند رقاده: (اللهم رب السماوات السبع، ورب العرض العظيم، ربنا ورب كل شئ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن العظيم، أعوذ بك من شر كل دابة) (2).
__________
(1) الترمذي 5 / 439 (3398) (3399).
(2) الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: 1 / 121 فيه السري بن إسماعيل متروك.
(*)(8/513)
الباب الثالث فيما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا طلع الفجر وإذا طلعت الشمس:
روى الإمام أحمد - برجال ثقات - عن عبد الله بن القاسم - رضي الله تعالى عنه - قال:
(حدثتني جارة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند طلوع الفجر يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة القبر) (1).
وروى البزار، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصبح فطلعت الشمس قال: (اللهم أصبحت وشهدت بما شهدت به على نفسك وأشهدت ملائكتك وأولي العلم، ومن لم يشهد بما شهدت فاكتب شهادتي مكان شهادته: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يعود السلام، يا ذا الجلال والإكرام نسألك أن تستجيب لنا دعوتنا، وأن تعطينا رغبتنا، وأن تغنينا عمن أغنيته عنا من خلقك، اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معيشتي، وأصلح لي آخرتي التي إليها منقلبي) (2).
والله تعالى أعلم.
__________
(1) أحمد 5 / 270.
(2) البزار كما في الكشف 4 / 23 وقال الهيثمي فيه 10 / 615 داود بن عبد الحميد ضعيف.
(*)(8/514)
الباب الرابع في استعاذته المطلقة
روى الطبراني، وابن أبي شيبة - بسند صحيح - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع) (1).
ورواه ابن حبان بلفظ: (اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع، وأعوذ بك من صلاة لا تنفع، وأعوذ بك من دعاء لا يسمع، وأعوذ بك من قلب لا يخشع).
ورواه مسدد، وأبو يعلى، والنسائي، عن ابن عمرو، وابن أبي شيبة عن ابن مسعود والطبراني عن ابن عباس، ورواه الطبراني، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بلفظ: (اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع، ونفس لا تشبع) (2).
وروى الحميدي - بسند صحيح - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ من غلبة الدين).
وروى الحارث، والبزار - بسند حسن - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الصمم والبكم، وأعوذ بك من المأثم والمغرم) زاد البزار (وأعوذ بك من الغم) يعني الغرق وأعوذ بك من الهم (وأعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من موت الجوع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) (3).
وروى الطبراني، وأبو يعلى، وابن حبان عن أنس - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من ضلع الدين، وغلبة الرجال) (4).
وروى الطبراني - برجال الصحيح - عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من القسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء، وأعوذ بك من الصمم والبكم، والجنون والجذام وسيئ الأسقام) (5).
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 10 / 188 وابن حبان (2441) وأحمد 2 / 167.
(2) النسائي 8 / 223 والترمذي 5 / 485 (3482) وانظر المجمع 10 / 143.
(3) البزار كما في الكشف 4 / 63 وانظر المجمع 10 / 188.
(4) أخرجه البخاري 11 / 178 (6369) ومسلم 4 / 2079 (50 / 2706).
(5) أخرجه أبو داود الطيالسي في المسند 268 (2008) وأحمد في المسند 3 / 192 وأبو داود 2 / 194، 195 (1554) والحاكم 1 / 530).
(*)(8/515)
وروى ابن قانع، عن عطاء بن ميسرة الرهاوي: (اللهم إني أعوذ بك من البؤس والتباؤس).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن ابن عمر: (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه، وعقابه، وشر عباده، وهمزات الشياطين، وأن يحضرون) (1).
وروى البخاري، عن أنس (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر) (2).
وروى البرقاني في صحيحه عنه قال: (كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا يقول (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والجبن وضلع الدين، وغلبة الرجال).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن عطاء بن أبي رباح: (اللهم إني أعوذ بك من الأسد والأسود، وأعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من بوار الأيم).
وروى ثابت - عن قاسم عن ابن جريج - هو وابن أمية: (أعوذ بك من كل حية وعقرب) قال ثابت، وابن أمية: هو الذي يقال له السهمي وهو صغير مع بنات نعش.
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس: اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدو، ومن بوار الأيم.
وروى ثابت بن قاسم: (اللهم إني أعوذ بكلمات الله التامة وأسمائه كلها عامة من شر السامة والهامة، ومن شر عين لامة ومن شر حاسد إذا حسد ومن شر قترة وما ولد).
وروى أبو الحسن بن الضحاك: (اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا).
وروى أبو داود، وأبو الحسن بن الضحاك، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وكل أمر لا يطاق) (3) وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (اللهم أعوذ بك من الصم والبكم والمغارم والمآثم، وأعوذ بك من موت المعرة، ومن موت الهدمة، ومن موت الهدم، ومن شتات الأمر، اللهم لا تجعل الخيانة لي بطانة، ولا تجعل الجوع لي ضجيعا فبئس الضجيع).
وروى البخاري، عن عائشة - رضي الله عنها -: (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم،
__________
(1) ابن أبي شيبة 10 / 363.
(2) أخرجه البخاري 11 / 178 (6369) ومسلم 4 / 2079 (50 / 2706).
وأخرجه مسلم من حديث زيد بن أرقم 4 / 2088 (73 / 2722).
(3) أخرجه النسائي 8 / 264 وعبد الرزاق في المصنف (19639) والخطيب في التاريخ 38219.
(*)(8/516)
والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر، وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) (1).
وروى الإمام أبو الحسن بن الضحاك: (اللهم إني أعوذ بك أن أموت هما أو غما أو أموت غرقا وأن يتخبطني الشيطان).
وروي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -: (اللهم إني أعوذ بك من موت الغم، ومن موت الهدم، ومن سوء الأمر، اللهم إني أعوذ بك من الخيانة، فبئست البطانة، وأعوذ بك من الجوع فبئس الضجيع).
وروى أيضا عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من دبر الصلاة: يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من الفتنة ظاهرا وباطنا، اللهم إني أعوذ بك من مال يطغيني وفقر ينسيني، وهوى يرديني، وبوار الأيم، وأعوذ بك من الرياء والشكوك والسمعة).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، وفتنة الصدر وعذاب القبر) (2).
وروى البزار عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه ومن عذاب القبر) (3).
وروى الطبراني عن عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أعوذ بوجهك الكريم، وباسمك الكريم من الكفر و الفقر) (4).
وروى الطبراني برجال ثقات عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة) (5).
وروى الطبراني، عن عائشة بنت قدامة بن مطعون - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان
__________
(1) أخرجه البخاري 11 / 181 (6275) واللفظ له ومسلم 4 / 2078 (49 / 589).
(2) الطبراني وقال الهيثمي 10 / 143 فيه قابوس بن أبي ظبيان وقد وثق، وفيه خلاف وبقية رجاله ثقات.
(3) الكشف 4 / 65 وقال الهيثمي 10 / 188 فيه رشدين بن كريب وهو ضعيف.
(4) قال الهيثمي 10 / 143 فيه من لم أعرفهم.
(5) قال الهيثمي 10 / 144 رجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت البزار وهو ثقة.
(*)(8/517)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر الأعميين)، قيل يا رسول الله، وما الأعميان ؟ قال (السيل والبعير الصؤول) (1).
وروى البزار - بسند حسن - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الصمم والبكم، وأعوذ بك من المأثم والمغرم، وأعوذ بك من الغم - يعني الغرق وأعوذ بك من الهم) (2).
وروي عن عبد الله بن عمرو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والهرم والجبن والبخل) (3).
وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني ولا بأس بسنده عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (استعاذ من سبع موتات: موت الفجاءة ومن لدغ الحية ومن السبع، ومن الغرق ومن الحرق وأن يخر على شئ أو يخر عليه شئ، ومن القتل عند فرار الزحف) (4).
وروى البزار برجال ثقات عن قطبة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الأسواء والأهواء (5).
وروى الترمذي عنه التعوذ من الأهواء (6).
وروى الطبراني - بسند ضعيف - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من موت الفجأة، وكان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت) (7).
وروى الإمام أحمد - برجال ثقات غير إبراهيم بن إسحاق فيحرر حاله، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اللهم إني أعوذ بك أن أموت هما أو غما، وأن أموت غرقا، وأن يتخبطني الشيطان عند الموت، أو أموت لديغا) (8).
تنبيه في بيان غريب ما سبق.
يشبع بتحتية مفتوحة، فشين معجمتين، فعين مهملة.
__________
(1) قال الهيثمي 10 / 144 فيه عبد الرحمن بن عثمان ضعيف.
(2) البزار كما في الكشف 4 / 63 وانظر المجمع 10 / 188.
(3) انظر المصدرين السابقين.
(4) الكشف 1 / 371 (782) والمجمع 2 / 318.
(5) البزار كما في الكشف 4 / 64 والمجمع 10 / 188.
(6) أخرجه الترمذي 5 / 536 (3591).
(7) انظر المجمع 2 / 318.
(8) ذكره الهيثمي في المجمع 2 / 321 وعزاه لأحمد وقال وفيه إبراهيم بن إسحاق ولم أجد من وثقه، وبقية رجاله ثقات وذكره المتقي الهندي في الكنز (3792).
(*)(8/518)
لا يخشع - بتحتية مفتوحة وخاء ساكنة، فشين مفتوحة معجمتين فعين مهملة.
المأثم - بميم مفتوحة، فهمزة ساكنة، فمثلثة مفتوحة فميم: الذي يأثم به الإنسان أو هو
الإثم نفسه.
المغرم بميم مفتوحة فغين معجمة ساكنة، فراء فميم: أراد به مغرم الذنوب والمعاصي.
الخيانة - بخاء معجمة مكسورة فتحتية، فألف، فنون فتاء تأنيث: عدم أداء الأمانات إلى أهلها.
وتضييعها.
البطانة - بباء موحدة مكسورة، فطاء مفتوحة فألف فنون فتاء تأنيث.
الأسقام - بهمزة مفتوحة فسين مهملة ساكنة، فقاف، فألف، فميم جمع سقم - المرض -.
ضلع - بضاد معجمة مكسورة، فلام مفتوحة فعين مهملة.
ثقله.
البوس - بموحدة مضمومة فواو، فسين مهملة: الفقر.
التباؤس - بمثناة فوقية، فموحدة مفتوحتين، فألف فواو فسين.
همزات الشياطين - بهاء فميم فزاي مفتوحات، فألف فتاء تأنيث نخسهم وهمزهم، والشياطين جمع شيطان وهو بشين معجمة.
الكسل - بكاف، فسين مهملة مفتوحتين فلام.
الهرم - بهاء فراء مفتوحتين، فميم: الكبر، البوار - بموحدة فواو، مفتوحتين فألف فراء الهلاك.
الأيم بهمزة مفتوحة فتحتية فميم.
وهو الجنون.
السامة - بسين مهملة، فألف، فميم فتاء تأنيث، ما يسم ولا يقتل.
الهامة - ذات السم، الجمع هوام.
العين اللامة بلام، فألف، فميم مشددة فتاء تأنيث.
أبو قبر (1)...الشقاق (1)...النفاق.
بنون مكسورة.
ففاء فألف فقاف.
__________
(1) بياض في الأصول.
(*)(8/519)
المعرة (1)...الهدر - بهاء فدال مهملة مفتوحة فراء: الباطل.
الضجيع (1)...الثلج (1)...البرد - بباء فراء مفتوحتين، فدال: حب الغمام.
فتنة الصدر (1)...النفخ - بنون مفتوحة ففاء ساكنة فمعجمة.
إخراج الريح من الفم.
النفث - بنون مفتوحة ففاء ساكنة فمثلثة: شبيه النفخ وأقل من التفل.
دار المقامة (1)...الصؤول: بصاد مهملة مفتوحة فهمزة مضمومة فواو فلام الهياج.
الجبن - بجيم مضمومة، فموحدة ساكنة فنون: ضد الشجاعة.
الفجأة - بفاء مفتوحة فجيم ساكنة فهمزة مفتوحة: الهجوم على غير موعد.
يتخبطه الشيطان بتحتية ففوقية، فخاء معجمة، فموحدة مفتوحات، فطاء، يصرعه فيضربه -.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) بياض في الأصول.
(*)(8/520)
الباب الخامس (في أذكاره ودعواته المقترنة بالأسباب غير ما سبق في الأبواب المتقدمة) - صلى الله عليه وسلم -
روى الطبراني برجال الصحيح عن أبي وائل قال: جاء رجل من بجيلة إلى عبد الله بن مسعود قال: إني تزوجت جارية بكرا وإني خشيت أن تفركني.
فقال عبد الله إن الإلف من الله وإن الفرك من الشيطان ليكره إليه ما أحل الله، فإذا دخلت عليها فمرها فلتصل خلفك ركعتين قال الأعمش فذكرته لإبراهيم فقال: قال عبد الله: قل: (اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم في.
اللهم ارزقهم مني، وارزقني منهم، اللهم اجمع بيننا ما جمعت إلى خير، وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير) (1).
ورواه من طريق آخر: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دخلت المرأة على زوجها فيقوم الرجل فتقوم المرأة من خلفه فيصليان ركعتين ويقول: اللهم بارك لي في أهلي إلى آخره) (2).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا خطبة الحاجة فيقول: (الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) (3).
قال أبو عبيدة: سمعت من أبي موسى يقول: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ثم تصل خطبتك بثلاث آيات من القرآن) تقول: (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [ آل عمران / 102 ] (اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) [ النساء / 1 ] (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) [ الأحزاب / 70، 71 ] ثم تذكر حاجتك).
__________
(1) انظر المجمع 4 / 295.
(2) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 4 / 294 فيه إسماعيل بن المغيرة لم أجد من ذكره.
(3) الطبراني في الكبير 10 / 121.
(*)(8/521)
الباب السادس في أذكاره ودعواته المطلقة - صلى الله عليه وسلم -:
روى الشيخان، عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو هذا الدعاء: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شئ قدير) (1).
ورواه الإمام أحمد بسند حسن، والطيالسي - بسند صحيح - بلفظ: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت (2).
وروى أيضا عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: (اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) (3).
وروى أبو يعلى عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو فيقول: (اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهر قلبي من الخطايا كما طهرت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع، وعلم لا ينفع، اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع.
اللهم إني أسألك عيشة نقية، وميتة سوية، ومردا غير مخز ولا فاضح) (4).
ورواه مسلم والترمذي والنسائي مختصرا وباعد بيني وبين ذنوبي إلى آخره (5).
ورواه الطبراني عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه - بلفظ: (اللهم باعد بيني وبين ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقني من خطيئتي كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) (6).
__________
(1) أخرجه البخاري 11 / 196، 197 (6398، 6399) ومسلم 4 / 2087 (70 / 2719).
(2) أحمد 4 / 417.
(3) أحمد 6 / 57.
(4) أحمد 4 / 381.
(5) أخرجه مسلم 1 / 346 (204 / 476) والنسائي 1 / 198، 199 وأحمد في المسند 4 / 381 والبيهقي 1 / 5 وذكره المتقي الهندي في الكنز (3801).
(6) الطبراني في الكبير 7 / 276.(8/522)
وروى الترمذي، وابن ماجه عنه: (اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى) (1).
وروى مسلم، والنسائي، عن ابن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) (2).
وروى مسلم، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: (اللهم أصلح لي في ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة لي زيادة في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر) (3).
وروى ابن حبان، والحاكم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: (رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر على، وأمكن لي، ولا تمكن علي) وفي لفظ (امكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر لي الهدي، وانصرني على من بغى علي.
رب اجعلني لك شكارا ذكارا لك، راهبا لك، مطواعا لك، مخبتا إليك أواها منيبا، رب تقبل توبتي وأجب دعوتي واغسل حوبتي، وثبت حجتي وسدد لساني، (واهد قلبي)، واسلل سخيمة قلبي) (4).
وروى ابن ماجه وأبو داود: (اللهم اغفر لنا وارحمنا، وارض عنا، وتقبل منا، وأدخلنا الجنة، ونجنا من النار، وأصلح لنا شأننا كله) (5).
وروى الترمذي، والنسائي، والحاكم: (اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا) (6).
وروى الترمذي - وقال: حسن عن أم سلمة وابن ماجه، عن أنس - والحاكم عن جابر: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) (7).
وروى الترمذي - وقال حسن غريب - والحاكم: (اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني - وانصرني على من ظلمني، وخذ منه ثأري) (8).
وروى الترمذي - وقال: حسن غريب -: (اللهم ارزقني حبك، وحب من يحبك، وحب
__________
(1) الترمذي 5 / 488 (3489) وابن ماجه 2 / 1260 (3832).
(2) مسلم 4 / 245 (17 / 2654) وذكره المتقي الهندي في الكنز (1702).
(3) مسلم 4 / 2087 (71 / 2720).
(4) أخرجه أبو داود (1510، 1511) والترمذي (3551) وابن حبان (2414) والحاكم 1 / 519.
(5) أخرجه ابن ماجه 1 / 1261 (3836).
(6) أخرجه الترمذي 5 / 305 (3173) وأحمد 1 / 34 والحاكم 1 / 535.
(7) الترمذي 5 / 503 (3522) وأحمد 6 / 315 وابن ماجه 2 / 1260 (3834).
(8) الترمذي 5 / 493 (3502).
(*)(8/523)
من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، اللهم وما زويت عني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب) (1).
وروى الحاكم، والنسائي، عن أنس: (اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علما تنفعني به) (2).
وروى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - نحوه، وفيه (وزدني علما، الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار).
انتهى (3).
وروى النسائي وابن ماجه، والحاكم، عن عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنهما -: اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الإخلاص في الرضا والغضب وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفذ، وقرة عين لا تنقطع.
وأسألك الرضى بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة، وفتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين) (4).
وروى ابن حبان، والحاكم، عن بسر - بضم أوله وسكون المهملة: ابن أبي أرطاة - رضي الله تعالى عنه -: (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة)، زاد الطبراني: (ومن كان ذلك دعاءه مات قبل أن يصيبه البلاء) (5).
وروى الحاكم، عن ابن مسعود وابن حبان، عن عمر - رضي الله تعالى عنه -: (اللهم احفظني بالإسلام قائما، واحفظني بالإسلام قاعدا، واحفظني بالإسلام راقدا، لا تشمت بي عدوا ولا حاسدا، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك وفي لفظ: (أنت آخذ بناصيته) (6).
وروى الحاكم عن ابن مسعود: (اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، [ والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر ]، والفوز بالجنة، والنجاة من النار) (7).
__________
(1) الترمذي 5 / 489 (3491).
(2) الحاكم 1 / 510.
(3) الترمذي 5 / 540 (3599) وابن ماجه 2 / 1260 (3833).
(4) النسائي 3 / 46 وأحمد 4 / 264 والحاكم 1 / 524.
(5) أخرجه أحمد 4 / 181 والحاكم 3 / 591 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (2424) والبخاري في التاريخ 1 / 2230 / 123.
(6) الحاكم 1 / 525.
(7) المصدر السابق.
(*).(8/524)
وروى الطبراني في (الدعاء) عن أنس: وزاد: (اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها برحمتك، وأنت أرحم الراحمين) (1) انتهى.
وروى الحاكم، عن ابن عمر: (اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائب لي بخير) (2).
وروى الحاكم عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - (اللهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة وخير الممات، وثبتني وثقل موازيني وحقق إيماني، وارفع درجتي، وتقبل صلاتي، واغفر خطيئتي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة: اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه، وأوله وآخره، وظاهره وباطنه، والدرجات العلى من الجنة آمين.
اللهم إني أسألك خير ما آتي وخير ما أفعل، وخير ما أعمل، وخير ما بطن، وخير ما ظهر، والدرجات العلى من الجنة آمين.
اللهم إني أسألك أن ترفع ذكري، وتضع وزري، وتصلح أمري، وتطهر قلبي، وتحصن فرجي وتنور لي قلبي، وتغفر لي ذنبي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة آمين.
اللهم إني أسألك أن تبارك لي في نفسي وفي سمعي، وفي بصري، وفي وجهي، وفي خلقي وفي خلقي، وفي أهلي، وفي محياي، وفي مماتي، وفي عملي وتقبل حسناتي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة، آمين) - (3).
وروى الترمذي - وحسنه - وأبو الحسن بن عرفة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - والطبراني عنها - (اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني، وانقطاع عمري).
أبو الحسن بن الضحاك كان يكثر هذا الدعاء فذكره) (4).
وروى ابن حبان، عن عثمان بن أبي العاص وامرأة من قريش - رضي الله تعالى عنهما -: (اللهم اغفر لي ذنبي وخطئي وعمدي، اللهم إني أستهديك لأرشد أمري، وأعوذ بك من شر نفسي) (5).
__________
(1) فيه عباد بن عبد الصمد ضعيف المجمع 10 / 157.
(2) الحاكم في المستدرك 1 / 510، 2 / 356، 357 وذكره السيوطي في الدر المنثور 4 / 301.
(3) الحاكم 1 / 520.
(4) انظر المجمع 10 / 182.
(5) أخرجه أحمد 4 / 21، 217.
(*)(8/525)
وروى البزار وابن الضحاك: (اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني) (1).
وروى ابن الضحاك، والإمام أحمد - برجال ثقات - غير أبي سعيد الحمصي، وفي رواية.
المدني - فيحرر حاله - (اللهم اجعلني أعظم شكرك، وأكثر ذكرك، وأتبع نصيحتك، وأحفظ وصيتك.
اللهم أقلني عثرتي، واستر عورتي، واكفني، وأعني على من ظلمني، وأرني ثأري.
اللهم إنك لست بإله استحدثناه، ولا برب ابتدعناه ولا كان لنا قبلك إله نلجأ إليه ونذرك، ولا أعانك على خلقنا أحد، فنشك فيك)، وفي لفظ (نشركه فيك، تباركت وتعاليت إنك أنت التواب الرحيم) (2).
وروى أيضا: (اللهم أنت فالق الإصباح، وجاعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، اقض عنا الدين، وأغنني من الفقر، ومتعني بسمعي وبصري، وقوتي في سبيلك) (3).
وروى أيضا: (اللهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء، اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير
مفتون) (4).
وروى ابن عدي، وابن الضحاك عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: (اللهم إني أدعوك دعاء من تقطعت دنياه وأردفته آخرته).
وروى البزار - بسند حسن - عن ثوبان - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب علي، وإن أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون) (5).
وروى ابن عدي، وابن الضحاك، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - (اللهم واقية كواقية الوليد).
قال أبو يعلى، يعني (المولود) (6).
وروى الخطيب، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - (اللهم إني أدفع بك منا لا أطيق، وبك استعين على ما أريد، يا ذا الجلال والإكرام).
__________
(1) البزار كما في الكشف 4 / 58 وقال الهيثمي 10 / 181 فيه إبراهيم بن يزيد الخوزي متروك.
(2) أحمد 2 / 311 وانظر المجمع 10 / 172 - 179.
(3) أخرجه الديلمي وذكره العراقي في تخريجه الإحياء 1 / 327، 331.
(4) أخرجه الخطيب في التاريخ 5 / 268.
(5) البزا كما في الكشف 4 / 60.
(6) أبو يعلى 9 / 396 (113 / 5527).
(*)(8/526)
وروى ابن الضحاك، عن عبد الله بن وهب، عن محمد بن عمر: (اللهم حبب إلي لقاءك، كما حببت إلي عطاءك، وأعوذ بك من حب الرجعة إلي عند حضور الوفاة).
وروى - أيضا - عن أبي عمرو الأوزاعي، قال: (بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضائي، اللهم إني ضعيف فقوني، وإني ذليل فأعزني، وإني فأغنني، اللهم بلغني من رحمتك ما
أرجو من رحمتك، واجعل لي ودا عند الذين آمنوا وعهدا عندك) (1).
وروى البزار، والطبراني، بلفظ الصحة بدل العصمة، ورجاله ثقات، غير عبد الرحمن بن زياد بن أنعم (2)، وهو ضعيف في حفظه، ورواه ابن أبي عمر، عن عبد الله بن عمرو (اللهم إني أسألك العصمة والعفة والأمانة، وحسن الخلق والرضا بالقدر)، ورواه أبو الحسن بن الضحاك، بلفظ: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر الدعاء بأن يقول: فذكره) (3).
وروى ابن الضحاك، عن أبي الحسن الشيباني منقطعا: (اللهم إني أسألك العافية لي، ولأهل بيتي) (4).
وروى أيضا عن شيخ من كنانة صحابي: (اللهم لا تخزني يوم القيامة، ولا تخزني يوم البأس) (5).
وروى أيضا (اللهم لا تسلط علي عدوا أبدا، ولا تشمت بي عدوا أبدا، ولا تنزع مني صالحا اكتسبته أبدا، وإذا أردت فتنة قوم، فتوفني إليك غير مفتون، وأرني الحق حقا أتبعه، وأرني المنكر منكرا أجتنبه، ولا تجعل شيئا من ذلك علي اشتباها فأتبع هواي بغير هدى منك، وأتبع هواي محبتك ورضا نفسك، واهدني لما اختلف فيه من الحب بإذنك).
وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى، ورجالهما ثقات ولفظ أحمد - فأحسن -، ورواه أحمد برجال الصحيح، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وابن الضحاك، عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنها - (اللهم حسنت خلقي فحسن خلقي) (6).
__________
(1) ابن أبي شيبة 10 / 268.
(2) عبد الرحمن بن زياد بن أنعم بضم المهملة الشعباني أبو أيوب قاضي إفريقية.
عن أبيه.
وعنه ابن المبارك وابن وهب.
وثقه يحيى بن سعيد القطان.
قال أحمد: حديثه منكر.
قال يعقوب بن شيبة: رجل صالح من الآمرين بالمعروف.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
قال البخاري: هو مقارب الحديث.
قال أبو عبد الرحمن المعري: مات سنة ست وخمسين ومائة.
الخلاصة 2 / 132، 133.
(3) البزار كما في الكشف 4 / 57 وفيه عبد الرحمن بن زياد ضعيف.
(4) عند أحمد 2 / 25.
(5) أخرجه أحمد 4 / 234 وابن السني (125) والطبراني في الكبير 3 / 4 وانظر المجمع 10 / 109.
(6) أحمد 1 / 403.
(*)(8/527)
وروى أبو الحسن بن الضحاك، [ والبزار - برجال ثقات - عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) (1).
(اللهم إني أعوذ بك أن يغلبني دين أو عدو، وأعوذ بك من غلبة الرجال (2).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن أبي هلال، مرسلا،: (اللهم لا تمتني غما، ولا غرقا، ولا هدما، ولا حرقا، ولا يسقط علي شئ، ولا أسقط على شئ ولا موليا ولا يتخبطني الشيطان).
وروى - أيضا - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول يوم الخروج إلى العيد: (اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا رياء، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، فعافني اللهم بعافيتك من النار) (3).
وروى ابن عدي، عن واثلة - رضي الله تعالى عنه - قال: لقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد فقلنا: (تقبل الله منا ومنك، قال: (نعم تقبل الله منا ومنك) (4).
وروى الإمام أحمد، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر قال: (لا إله إلا الله الحكيم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض، ورب العرش الكريم ثم يدعو) (5).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن محمد بن عبد الله قال: (كان دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الكرب: (يا حي، يا قيوم، برحمتك أستغيث) (6).
(الله، الله، الله، لا شريك لك شيئا يا صريخ المكروبين، ويا مجيب المضطرين، ويا
كاشف كرب المؤمنين، ويا أرحم الراحمين، اكشف كربي وغمي فإنه لا يكشفه إلا أنت.
تعلم حالي وحاجتي) (7).
وروى ابن أبي شيبة - بسند صحيح - عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول (لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، ولا شئ بعده).
__________
(1) انظر المجمع 10 / 172.
(2) ابن أبي شيبة 10 / 284.
(3) ابن أبي شيبة 10 / 211.
(4) ضعيف انظر المجمع 2 / 206.
(5) أحمد 1 / 268.
(6) انظر المجمع 10 / 117.
(7) أخرجه أحمد 2 / 307.
(*)(8/528)
وروى مسلم، والنسائي، وابن الضحاك، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يدعو: (اللهم) وفي لفظ: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) (1).
وروى ابن أبي شيبة، عن شهر بن حوشب، قال: (قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين: ما كان أكثر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندك ؟ قالت: كان أكثر دعائه: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
رواه عبد بن حميد بسند جيد (2).
وروى أبو الحسن بن الضحاك، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل) (3).
وروى أيضا عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر أن يقول:
(اللهم سلمني وسلم مني).
وروى الطبراني - بسند ضعيف - والبزار بعض آخره من قوله: (أمتعني بسمعي) بنحوه وسنده جيد، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء: (اللهم اجعلني أخشاك حتى كأني أراك أبدا حتى ألقاك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت، واجعل غنائي في نفسي، وامتعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني فيه ثأري، وأقر بذلك عيني) (4).
وروى البزار - بسند حسن - جيد عن جابر منه: (اللهم متعني بسمعي) إلى آخره (5).
وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، برجال ثقات، عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنهما - كان عامة دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم اغفر لي ما أخطأت وما تعمدت، وما أسررت، وما أعلنت، وما جهلت وما تعمدت) (6).
وروى الإمام أحمد، والطبراني، وأبو يعلى - بسند حسن - عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو: (اللهم اغفر لنا ذنوبنا وظلمنا
__________
(1) مسلم 4 / 2070 (26 / 2690) والبخاري 11 / 191 (6389).
(2) ابن أبي شيبة 10 / 210.
(3) أحمد 6 / 100.
(4) الطبراني في الأوسط قال الهيثمي 10 / 178 فيه إبراهيم بن خيثم متروك وانظر الكشف 4 / 59.
(5) البزار كما في الكشف 4 / 59.
(6) أحمد 4 / 437 والطبراني في الكبير 18 / 121 والبزار كما في الكشف 4 / 61.
(*)(8/529)
وهزلنا وجدنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا) (1).
وروى ابن حبان، وزاد: (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العيال، وشماتة
الأعداء).
وروى البزار، والطبراني، - وسنده جيد - وأبو الحسن بن الضحاك عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم إني أسألك عيشة تقية، وميتة سوية، ومردا غير مخزي ولا فاضح) (2).
وروى أبو يعلى - بسند جيد - عن رجل من الصحابة - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اللهم اغفر لنا وارحمنا) (3).
وروى الإمام أحمد، والحارث (عن أبي الأحوص وزيد بن علي، عن وفد عبد القيس أنهم سمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (اللهم اجعلنا من عبادك المخبتين الغر المحجلين الوفد المتقبلين)، فقالوا يا رسول الله، ما عباده المخبتون ؟ قال: (عباد الله الصالحون) قالوا: فما الغر المحجلون ؟ قال: (الذين تبيض منهم مواضع الطهور)، قالوا: فما الوفد المتقبلون ؟ قال: (وفد يفدون مع نبيهم إلى ربهم - تبارك وتعالى - يوم القيامة) (4).
وروى الطبراني - برجال ثقات - عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم أنت الأول فلا شئ قبلك، وأنت الآخر فلا شئ بعدك، اللهم إني أعوذ بك من كل دابة ناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإثم والكسل، ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة الغنى ومن فتنة الفقر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم).
(اللهم نق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس).
((اللهم باعد بيني وبين خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب)، هذا ما سأل محمد ربه.
(اللهم إني أسألك خير المسألة وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة، وخير الممات، وثبتني وثقل موازيني وأحق إيماني، وارفع درجتي، وتقبل صلاتي، واغفر خطيئتي، وأسألك الدرجات العلا من الجنة) آمين.
اللهم إني أسألك فواتح الخير، وخواتمه، وجوامعه، وأوله، وآخره، وظاهره، وباطنه
والدرجات العلا من الجنة آمين.
__________
(1) أحمد 2 / 173 وانظر المجمع 10 / 172.
(2) البزار كما في الكشف 4 / 57 وانظر المجمع 10 / 179.
(3) انظر المجمع 10 / 172.
(4) قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم المجمع 10 / 174.
(*)(8/530)
اللهم إني أسألك خلاصا من النار سالما، وأدخلني الجنة آمنا، اللهم إني أسألك أن تبارك لي في نفسي، وفي سمعي، وفي بصري، وفي روحي، وفي خلقي، وفي خليقتي، وأهلي، ومحياي، وفي مماتي).
(اللهم تقبل حسناتي، وأسألك الدرجات العلا من الجنة آمين) (1).
وروى الإمام أحمد - برجال الصحيح - عن عجوز من بني نمر أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اللهم اغفر لي ذنبي، خطئي وجهلي) (2).
وروى الإمام أحمد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن لؤلؤة عن أبي صرمة، والطبراني - برجال ثقات - عن أبي صرمة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي) (3) رواه مسدد برجال ثقات، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه، ورواه عنه أحمد بن منيع إلا أنه قال: عن محمد بن يحيى أن عمه أبا صرمة كان يحدث فذكره.
وروى الطبراني، عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو يقول: (اللهم متعني بسمعي، وبصري، واجعلهما الوارث مني، وعافني في ديني، واحشرني على ما أحييتني وانصرني على من ظلمني، حتى تريني منه ثأري، اللهم إني أسلمت ديني إليك، وخليت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت برسولك الذي أرسلت، وكتابك الذي أنزلت) (4).
وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد، والطبراني - برجال الصحيح - عن عثمان بن أبي العاصي وامرأة من قيس - رضي الله تعالى عنهما - أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أحدهما يقول: (اللهم اغفر لي ذنبي خطئي وعمدي)، وقال الآخر سمعته يقول: (إني أستهديك لأرشد أمري، وأعوذ بك من شر نفسي) (5).
وروى أبو يعلى، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه: (يا ولي الإسلام وأهله ثبتني به حتى ألقاك به) (6).
وروى أبو يعلى - بسند حسن - عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول
__________
(1) الطبراني في الكبير 23 / 316 وانظر المجمع 10 / 177.
(2) أحمد 4 / 55.
(3) أحمد 3 / 453.
(4) الطبراني في الأوسط والصغير قال الهيثمي فيه عبد الله بن جعفر المديني متروك المجمع 10 / 178.
(5) ابن أبي شيبة 10 / 282 وأحمد 4 / 21 وانظر المجمع 10 / 177.
(6) الطبراني في الأوسط انظر المجمع 10 / 176.
(*)(8/531)
الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اللهم أقبل بقلبي إلى دينك، واحفظ من وراءنا برحمتك) (1).
وروى - أيضا - عن عون بن عبد الله قال: لقيت شيخا بالشام، فقلت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: (اللهم اغفر لنا وارحمنا) (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو يعلى - بسند حسن - عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بهؤلاء الكلمات: (اللهم اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم).
وروى الطبراني، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتب لي، ورضا من المعيشة بما قسمت لي)) (3).
وروى البزار - برجال ثقات - عن الزبير - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم بارك لي في ديني الذي هو عصمة أمري، وفي آخرتي التي إليها مصيري وفي دنياي التي فيها بلاغي، واجعل حياتي زيادة في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر) (4).
وروى أيضا أبو الحسن بن الضحاك - عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (اللهم اجعلني شكورا، واجعلني صبورا واجعلني في عيني صغيرا، وفي عين الناس كبيرا) (5).
وروى الطبراني، عن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم أحيني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين) (6).
وروى أبو بكر بن خيثمة، عن أبي طارق بن الأشيم، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني) ثم يقول: (هؤلاء جمعن خير الدنيا والآخرة) (7).
تنبيه - في بيان غريب ما سبق: الثلج والبرد: تقدما في شق صدره الشريف - صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) أخرجه أبو يعلى 6 / 202 (730، 3485).
(2) تقدم.
(3) انظر المجمع 10 / 181 وكشف الأستار 4 / 58.
(4) البزار كما في الكشف 4 / 57 وانظر المجمع 10 / 181.
(5) انظر المجمع 10 / 181.
(6) أخرجه الترمذي (2352) وابن ماجه (4126) والحاكم 4 / 322 والبيهقي 7 / 12 وانظر الفوائد المجموعة للشوكاني (240) وابن عراق في تنزيه الشريعة 2 / 304.
(7) أحمد 3 / 472.
(*)(8/532)
الدنس - بدال مهملة، فنون مفتوحتين، فسين مهملة: الوسخ.
الراهب - براء مفتوحة، فألف، فهاء، فموحدة: الكثير الخوف.
الأواه - بهمزة مفتوحة، فواو مشددة، فألف فهاء: المتأوه المتضرع، وقيل: الكثير البكاء، وقيل: الكثير الدعاء.
المنيب - بميم مضمومة فنون مكسورة، فمثناة تحتية، فموحدة: بمعنى التائب.
الحوبة - بمهملة مفتوحة، فواو ساكنة، فموحدة فمثناة: الإثم.
سخيمة القلب - بسين مهملة مفتوحة، فخاء معجمة مكسورة، فتحتية ساكنة، فميم، فتاء تأنيث: الحقد في النفس.
الثأر: الدم والطلب به.
زويت عني - بزاي، فواو مفتوحتين، فتحتية ساكنة.
الخشية - بخاء معجمة مفتوحة، فشين معجمة ساكنة.
الغيب - بغين معجمة مفتوحة، فمثناة تحتية، فموحدة: كل ما غاب عنك.
الشهادة: الحضور والخبر القاطع.
كلمة الإخلاص - بهمزة مكسورة، فخاء معجمة ساكنة، فلام فألف، فصاد مهملة، لأنها خالصة في صفة الله خاصة.
لا تشمت (1)...لا تنفد - بمثناة فوقية مفتوحة، فنون ساكنة، ففاء فدال مهملة: لا يذهب.
بر العيش (1)...الموجبات.
بميم مضمومة (1)...العزائم - بعين مهملة، فزاي، فألف، فهمز، فميم، جمع عزيمة وهو ما أكد وصمم.
النجاح - بنون، فجيم، فألف، فحاء مهملة الظفر.
الوزر - بواو مكسورة، فزاي ساكنة فراء: أكثر ما يطلق في الحديث على الذنب والإثم.
والعثرة: الروعة.
العورة - بعين مفتوحة، فواو ساكنة، فزاء.
الرياء، الخيانة تقدم تفسيرها.
الواقية - بواو مفتوحة، فألف، فقاف، فتحتية، فتاء تأنيث.
الود - بواو مضمومة، فدال مهملة: الحب.
__________
(1) بياض في الأصول.
(*)(8/533)
القدر - بقاف، فدال مهملة مفتوحتين، فراء.
الهوى - بهاء فواو فألف: الحب.
الخزي - بخاء معجمة مكسورة، فزاي ساكنة (1)...الخلق - بخاء معجمة مفتوحة، فلام ساكنة (1)...الخلق - بخاء مضمومة، ولام مضمومة: الأوصاف، والمعاني حسنة، أو قبيحة.
أشر - بهمزة مفتوحة، فشين معجمة، فراء مفتوحات: البطر، وقيل أشده.
بطر - بموحدة، فطاء مهملة، فراء: أن يجعل ما جعله الله حقا من توحيده، وعبادته باطلا، وقيل: هو أن يتجبر عند الحق فلا يراه حقا.
السخط - بسين مهملة مضمومة، فخاء معجمة ساكنة، فطاء مهملات.
المرجفات العرش - بعين مهملة مفتوحة، فراء ساكنة، فشين معجمة مفتوحة، فميم احتباس النفس.
السعادة.
التقوى - بفوقية مفتوحة، فقاف ساكنة.
الشقاوة - بشين معجمة، فقاف، فألف (1)...الهزل - بهاء مفتوحة، فزاي ساكنة (1)...أشر - بهمزة مفتوحة، فشين معجمة، فراء مفتوحات: البطر، وقيل أشده.
بطر - بموحدة، فطاء مهملة، فراء: أن يجعل ما جعله الله حقا من توحيده، وعبادته باطلا، وقيل: هو أن يتجبر عند الحق فلا يراه حقا.
السخط - بسين مهملة مضمومة، فخاء معجمة ساكنة، فطاء مهملات.
المرجفات العرش - بعين مهملة مفتوحة، فراء ساكنة، فشين معجمة مفتوحة، فميم احتباس النفس.
السعادة.
التقوى - بفوقية مفتوحة، فقاف ساكنة.
الشقاوة - بشين معجمة، فقاف، فألف (1)...الهزل - بهاء مفتوحة، فزاي ساكنة (1)...الجد - وهو بجيم مفتوحة فدال مهملة: الحظ والسعة.
العيشة النقية - بنون مفتوحة فقاف مكسورة فتحتية.
خبث الميتة - بميم مكسورة، فتحتية ساكنة.
ففوقيتين: حالة الموت.
السوية - بسين مهملة مفتوحة، فواو مكسورة، فتحتية: متوسطة.
المخزي - بميم مفتوحة، فخاء معجمة ساكنة، فزاي (1)...الفاضح - بفاء، فألف، فضاد معجمة، فحاء مهملة (1)...فوضت أمري - بفاء، فواو مفتوحتين، فضاد معجمة (1)...ألجأت ظهري - بهمزة مفتوحة، فلام ساكنة، فجيم، فهمزة، فتاء: أسندت.
الملجأ: ما يستند إليه.
المنجا - بميم مفتوحة، فنون ساكنة، فجيم، فألف.
العصمة - بعين مهملة فصاد مهملة فميم: المنعة.
البلاغ - بموحدة مفتوحة، فألف، فلام، فغين معجمة (1)...
__________
(1) بياض في الأصول.
(*)(8/534)
سبل الهدى والرشاد
الصالحي الشامي
ج 9(9/)
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي
المتوفي سنة 942 هـ
تحقيق وتعليق
الشيخ عادل أحمد عبد الموجود
الشيخ علي محمد معوض
الجزء التاسع
دار الكتب العلمية بيروت - لبنان(9/1)
جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
الطبعة الأولى 1414 هـ - 1993 م
دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
ص.ب: 9424 / 11 - تلكس: - 4125 LE NASHER
هاتف: 366135 - 602133 - 868051 - 815573
فاكس: 478373 / 1212 / 00 - 602133 / 9611 / 00(9/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في المعاملات وما يلتحق بها
الباب الأول في الكلام على النقود التي كانت تستعمل في زمانه - صلى الله عليه وسلم -
قال الامام أبو سليمان أحمد بن الخطابي - رحمه الله تعالى -: كان أهل المدينة يتعاملون بالدرهم عددا وقت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قول عائشة - رضي الله عنها - في قصة شرائها بريرة إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فقلت تريد الدراهم (1) التي هي ثمنها فأرشدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى الوزن وجعل العيار وزن أهل مكة، وكان الوزن الجاري بينهم في الدرهم ستة دوانق وهو درهم الاسلام في جميع البلدان، وكانت الدراهم قبل الاسلام مختلفة الاوزان في البلدان، فمنها البغلي، وهو ثمانية دوانق، والطبري وهو أربعة دوانق، وكانوا يستعملونها (مناصفة) (2) مائة بغلية ومائة طبرية، فكان في المائتين منها خمسة دراهم زكاة، فلما كان زمن بني أمية، قالوا إن ضربنا البغلية ظن الناس أنها التي تعتبر للزكاة ضد الفقراء، وإن ضربنا الطبرية، ضر أرباب الاموال، فجمعوا الدراهم البغلي والطبري وجعلوهما درهمين، كل درهم ستة دوانق، وأما الدنانير: فكانت تحمل إليهم من بلاد الروم فلما أراد عبد الملك بن مروان ضرب الدنانير والدراهم سأل عن أوزان الجاهلية فأجمعوا له على أن المثقال ثمان وعشرون قيراطا إلا حبة بالشامي وأن كل عشرة من الدراهم سبعة مثاقيل فضربها.
انتهى كلام الخطابي.
قال الماوردي (في الاحكام السلطانية): استقر في الاسلام وزن الدرهم ستة دوانق، كل عشرة سبعة مثاقيل، واختلف في سبب استقرارها على هذا الوزن، فقيل كانت في الفرس ثلاثة أوزان، منها درهم على وزن المثقال عشرون قيراطا، ودرهم اثنا عشر، ودرهم عشرة فلما احتيج في الاسلام إلى تقدير، أخذ الوسط من جميع الاوزان الثلاثة، وهو اثنان وأربعون قيراطا من قيراط المثقال وقيل: إن عمر بن الخطاب رأى الدراهم مختلفة، منها البغلي ثمانية دوانق، والطبري أربعة دوانق، واليمني دانق واحد، فقال: انظروا أغلب ما يتعامل الناس به من أعلاها
وأدناها، فكان البغلي والطبري، فجمعهما فكانا اثني عشر دانقا، فأخذ نصفهما، فكان ستة
__________
(1) انظر معالم السنن 3 / 61 وما بعدها.
(2) سقط في ج.
(*)(9/3)
دوانق، فجعله درهم الاسلام، واختلف في أول من ضربها في الاسلام، فحكي عن سعيد بن المسيب أن أول من ضربها في الاسلام عبد الملك بن مروان.
قال أبو الزناد: أمر عبد الملك الحجاج بضربها في العراق سنة أربعة وسبعين من الهجرة.
وقال المدايني: بل ضربها في آخر سنة خمس وسبعين، ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين وقال: وقيل أول من ضربها مصعب بن الزبير بأمر أخيه عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الاكاسرة، ثم غيرها الحجاج انتهى كلام الماوردي.
وقال القاضي عياض: لا يصح أن تكون الاوقية والدرهم مجهولة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجب الزكاة في أعداد منها، وتقع بها المبايعات والانكحة كما ثبت في الاحاديث الصحيحة، قال: وهذا يبين في الاحاديث أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء وأن جعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانق قول باطل، وأن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شئ من ضرب الاسلام، وعلى صفة لا تختلف بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم وصغارا وكبارا، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ويمنية ومغربية، فزاد صرفها في الاسلام ونقصها وتصييرها وزنا واحدا أو أعيانا يستغنى بها عن الموازين، فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم.
وقال الرافعي: أجمع أهل العصر الأول على التقدير على هذا الوزن وهو أن الدرهم ستة دوانق، كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا الاسلام.
وقال النووي في [ شرح ] المهذب الصحيح: الذي يتعين اعتماده واعتقاده أن الدراهم المطلقة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معلومة الوزن معروفة المقدار، وهي السابقة إلى الافهام عند الاطلاق، وبها تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشرعية ولا يمنع من هذا كونه كان هناك دراهم أخرى أقل أو أكثر من هذا القدر، فإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الدراهم محمول على المفهوم عند الاطلاق، وهو كل درهم ستة دوانق، كل عشرة سبعة مثاقيل، وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم إلى يومنا هذا على هذا.
ولا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وأما مقدار الدراهم والدنانير فقال الحافظ أبو محمد عبد الحق في كتاب (الاحكام): قال ابن حزم: بحثت غاية البحث عن من وثقت بتمييزه، فكل اتفق على أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة من حب الشعير المطلق، والدراهم سبعة أعشار المثقال، فوزن الدرهم المكي سبع وخمسون حبة وستة(9/4)
أعشار حبة، والرطل مائة درهم وثمانية وعشرون درهما بالدراهم المذكورة، هذا كلام ابن حزم.
قال النووي - بعد إيراده - في شرح المهذب: وقال غير هؤلاء: وزن الرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وهو تسعون مثقالا انتهى.
قال ابن سعد في الطبقات: حدثنا محمد بن عمر الواقدي، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: ضرب عبد الملك بن مروان الدنانير والدراهم سنة خمسة وسبعين " وهو أول من أحدث ضربها، ونقش عليها ".
وفي (الاوائل) للعسكري: أنه نقش عليها اسمه، وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق الحميدي عن سفيان، قال: سمعت أبي يقول: أول من وضع وزن سبعة الحارث بن ربيعة، يعني: العشرة عدها سبعة وزنا.
وأخرج ابن عساكر عن مغيرة، وقال: أول من ضرب الدراهم الزيوق عبيد الله بن زياد،
وهو قاتل الحسين، وفي تاريخ الذهبي: أول من ضرب الدراهم في بلاد العرب عبد الرحمن بن الحكم الاموي القائم بالاندلس في القرن الثالث، وإنما كانوا يتعاملون بما يحمل إليهم من دراهم المشرق، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي جعفر، قال: القنطار خمسة عشر ألفا مثقال، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا، وأخرج ابن جرير في تفسيره عن السدي في قوله تعالى: (والقناطير المقنطرة) (آل عمران / 14).
يعني المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم (1) انهى.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الوزن: بواو مفتوحة فزاي ساكنة.
الدانق: بدال مهملة فألف فنون فقاف سدس الدينار.
والدرهم البغلية: بموحدة مفتوحة فعين معجمة ساكنة فلام فتحتية فتاء تأنيث قيل: إنها ضرب ملك يسمى رأس البغل.
الطبرية: (هي من الدراهم الخفاق كل درهم منها أربعة دوانيق).
القيراط: الحبة بحاء مهملة فموحدة مفتوحتين - الحنطة والشعير وغيرهما.
المثقال: بميم مكسورة فمثلثة ساكنة فقاف.
__________
(1) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره 6 / 250.
(6727).
(*)(9/5)
الباب الثاني في شرائه وبيعه - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع: الأول: في بيعه: روى البخاري عن جابر - رضي الله عنه - قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر ولم يكن له مال غيره، فباعه بثمانمائة درهم ثم أرسل ثمنه إليه (1).
وروى مسلم والاربعة عنه، قال: جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر صلى الله عليه وسلم أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنيه فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدا بعد ذلك حتى يسأله " أعبد هو " ؟ (2).
وروى البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه والدراقطني عن عبد المجيد بن وهب - رحمه الله تعالى - قال: قال لي العداء بن خالد - رضي الله تعالى عنه - ألا أقرؤك كتابا كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى منه عبدا أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم (3).
الثاني: في ذكر من اشتراه صلى الله عليه وسلم: روى الاربعة وصححه الترمذي عن سويد بن قيس - رضي الله تعالى عنه - قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي برا من هجر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فساومنا من شراء سراويل وعندنا وزان يزن بالاجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان زن وأرجح (4).
وروى الامام أحمد وابن ماجه وأبو داود والنسائي عن أبي صفوان مالك بن عميرة - رضي الله تعالى عنه - قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر، فاشترى مني رجل سراويل فأرجح لي.
وروى الطبري برجال ثقات والامام أحمد وأبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عيرا قدمت فربح فيها أوقية فتصدق بها على أرامل بني
__________
(1) أخرجه البخاري 11 / 362 (6716) ومسلم 3 / 1289 (58 / 997).
(2) أخرجه مسلم 3 / 1225 (123 / 1602).
(3) أخرجه الترمذي 3 / 520 في البيوع (1216) وقال حسن غريب لا نعرف إلا من حديث عياد بن ليث وابن ماجه 2 / 756 في التجارات باب شراء الرقيق (2251) والبخاري تعليقا 4 / 309 في كتاب البيوع باب إذا بين البيعان وقال قتادة الغائلة الزنا والسرقة والاباق وابن سعد 7 / 36 والدراقطني 3 / 77 والبيهقي 5 / 328.
(4) أخرجه أبو داود (3336) (3337) والترمذي (1305) وابن ماجه (2220) وأحمد (4 / 352) والدارمي 2 / 260
وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1440) والحاكم 2 / 30، 4 / 192 والبخاري في التاريخ 4 / 142.
(*)(9/6)
عبد المطلب وقال: " لا أشتري شيئا ليس عندي ثمنه " (1) وروى ابن عمر - رضي الله تعالى عنه -: قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على بكر صعب لعمر، فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده، ثم يتقدم فيزجره عمر، ويرده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: " بعنيه "، قال: هو لك يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعنيه "، فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هو لك يا عبد الله بن عمر، تصنع به ما شئت " (2).
وروي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت على جمل (3) (لي قد أعيا، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربه، فسار سيرا ليس يسير مثله)، ثم قال: " بعنيه بوقية "، قال: فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمت المدينة أتيته بالجمل ونقدني ثمنه (3)).
وروى الامام أحمد بإسناد صحيح وعبد بن حميد والحاكم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الاعراب جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذخرة والذخرة العجوة، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فقال له يا عبد الله، إنا قد ابتعنا منك جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذخرة فالتمسنا فلم نجد، قال: فقال الاعرابي، واغدراه واغدراه ! فتهمه الناس وقالوا: قاتلك الله ! أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ بل أنت يا عدو الله أغدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، ثم دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عبد الله، إنا ابتعنا جزائرك، ونحن نظن عندنا ما سمينا لك فالتمسناه فلم نجده، فقال الاعرابي واغدراه، فتهمه الناس، وقالوا: قاتلك الله ! أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا فلما رآه لا يفقه عنه، قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية، فقل لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك إن كان عندك وسق تمر من تمر الذخرة - فأسلفيناه، حتى نؤديه إليك إن شاء الله، فذهب إليها الرجل،
ثم رجع الرجل، فقال: قالت: نعم، هو عندي يا رسول الله، فابعث من يقبضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل اذهب فأوفه الذي له قال فذهب به، فأوفاه الذي له، قالت فمر الاعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه، فقال: جزاك الله خيرا فقد أوفيت وأعطيت وأطيبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خيار عباد الله عند الله الموفون المطيبون (4).
__________
(1) أخرجه أبو داود 2 / 267 (3344) وأحمد 1 / 235، 323.
(2) أخرجه البخاري 4 / 312 (2115).
(3) أخرجه البخاري 5 / 314 في الشروط (2718) ومسلم 3 / 1221 (109 / 715).
(4) أخرجه أحمد في المسند 2 / 416، 6 / 268 والبيهقي 5 / 351، 6 / 20، 21، 52 وعبد الرزاق (15358).
ومن حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 4 / 483 (2306) ومسلم 3 / 1225 (120 / 1601).
(*)(9/7)
الثالث: في اختياره صلى الله عليه وسلم موضع السوق: روى الطبراني من طريق الحسن بن علي بن الحسن بن أبي الحسن البراد يحرر حاله عن أبي أسيد - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي، يا رسول الله، إني قد رأيت موضعا للسوق، أولا تنظر إليه ؟ قال: بلى، فقام معه حين جاء موضع السوق فلما جاءه أعجبه، وركضه، برجله، وقال: نعم سوقكم، فلا ينقض ولا يضربن عليكم خراج (1).
ورواه ابن ماجه بلفظ: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق النبيط فنظر إليه، وقال ليس لكم هذا بسوق، ثم ذهب إلى سوق، فقال: هذا ليس لكم بسوق، ثم رجع إلى هذا السوق فطاف فيه، ثم قال: هذا سوقكم، فلا ينتقض ولا يضرب عليه خراج (2).
الرابع: في دخوله صلى الله عليه وسلم السوق، وما كان يقوله إذا دخله ووعظه أهله: وروى أبو بكر أحمد بن عمر وابن أبي عاصم في كتاب البيوع والحاكم في المستدرك والطبراني عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل
السوق، قال: " بسم الله " وفي لفظ إذا خرج إلى السوق، قال: " اللهم إني أسألك من خير هذا السوق وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرا وصفقة خاسرة " (3).
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى جماعة من التجار، فقال: يا معشر التجار، فاستجابوا له وأمدوا أعناقهم، فقال: " إن الله تعالى باعثكم يوم القيامة، فجارا إلا من صدق وبر وأدى الامانة " (4).
وروى الطبراني برجال ثقات إلا محمد بن إسحاق الغنوي فيحرر حاله عن واثلة بن الاسقع - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلينا وكنا تجارا، وكان يقول يا معشر التجار، إياكم والكذب (5).
وروى الطبراني عن طريق محمد بن أبان الحنفي عن بريدة - رضي الله تعالى عنه -
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 19 / 265 وانطر المجمع 4 / 76 وكنز العمال (34877).
(2) أخرجه ابن ماجه (2233) وضعفه البوصيري في الزوائد.
(3) أخرجه ابن السني 177 وانظر المجمع 4 / 77.
(4) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5 / 226 والطبراني في الكبير 12 / 68 وانظر المجمع 4 / 78 وانظر الكنز (9336، 9869).
(5) ذكره المنذري في الترغيب 2 / 590.
(*)(9/8)
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق قال: " اللهم إني أسألك من خير هذه السوق وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة " (1)، وفي رواية: اللهم إني أعوذ بك من شر هذه السوق، وأعوذ بك من الكفر والفسوق.
وروى ابن ماجه والترمذي، وقال حسن صحيح عن رفاعة بن رافع - رضي الله تعالى
عنه - قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فإذا الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التجار، فاستجابوا ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: التجار يبعثون يوم القيامة، فجارا إلا من اتقى الله عز وجل وبر وصدق (2).
وروى الامام أحمد والاربعة عن قيس بن أبي غرة البجلي - رضي الله عنه - قال: كنا نبتاع بالمدينة، وكنا نسمى السماسرة، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن، وفي لفظ: فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع، فقال: " يا معشر التجار " فسمانا بأحسن أسمائنا: إن البيع يحضره الحق والكذب، وفي لفظ: إن الشيطان والاثم يحضران السوق، وفي لفظ: إن هذه السوق يخالطها اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة (3).
الخامس: في تعاهده صلى الله عليه وسلم السوق ودخوله لحاجة وإنكاره على من غش: وروى الطبراني برجال ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق فرأى طعاما مصبرا، فأدخل يده فيه، فأخرج طعاما رطبا قد أصابته السماء، فقال لصاحبه: ما حملك على هذا ؟ قال: والذي بعثك بالحق، أنه لطعام واحد، قال أفلا عزلت الرطب على حدته، واليابس على حدته، فيبتاعون ما يعرفون، من غشنا فليس منا (4).
وروى الطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه قال -: انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق البقيع، فأدخل يده في غرارة، فأخرج طعاما مختلفا أو قال مغشوشا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من غشنا (5).
وروى ابن ماجه عن أبي الحمراء - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجنبات رجل عنده طعام في وعاء فأدخل يده فيه، وقال: لعلك غششت، من غشنا فليس
__________
(1) انظر المجمع 4 / 77 وقال رواه الطبراني في الاوسط وفيه محمد بن إبان الجعفي وهو ضعيف.
(2) أخرجه الدارمي 2 / 247 والترمذي 3 / 515 (1210) وقال حسن صحيح وابن ماجه 2 / 726 (2145).
(3) أخرجه أبو داود 3 / 620 (3326) والترمذي 3 / 514 وقال حديث صحيح والنسائي 7 / 14 - 15 وابن ماجه 2 / 726 (2145).
(4) انظر المجمع 4 / 79 والمطالب (2206) وعبد الرزاق (17932).
(5) انظر المجمع 4 / 79.
وقال رواه الطبراني في الكبير والاوسط وفيه يحيى بن عقبة وقد قيل أنه يفتعل الحديث.
(*)(9/9)
منا (1).
وروى الترمزي مرفوعا عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحاب الكيل والميزان: إنكم قد وليتم أمرا هلكت فيه الامم السالفة قبلكم، ورواه عنه بسند صحيح موقوفا (2) وروى الامام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في السوق على صبرة طعام، فسأله كيف تبتاع ؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك فيه، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول، فقال: " ما هذا يا صاحب الطعام " ؟ فقال: يا رسول الله، أصابته السماء، قال: " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا " (3).
وروى الامام أحمد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام قد حسنه صاحبه، فأدخل يده فيه، فإذا هو طعام ردئ، فقال: " بع هذا على حدة وهذا على حدة، فمن غشنا فليس منا " (4).
وروى البخاري والترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما دعوت هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي " (5).
وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى أتى سوق بني قينقاع ثم انصرف...الحديث (6).
السادس في اشترائه الحيوان متفاضلا وامتناعهم من التفسير: روى أبو داود عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين (7).
وقد روى مسلم وابن ماجه والامام أحمد وأبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح عن
أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي (8).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (2225) والدولابي في الكنى 1 / 25.
قال البوصيري: في سنده أبو داود وهو نفيع بن الحارث الاعمى أحد الضعفاء والمتروكين.
(2) أخرجه الترمذي 3 / 521 (1217) والحاكم 2 / 31 وابن كثير في التفسير 3 / 358.
(3) أخرجه مسلم 1 / 99 (164 / 102) وأبو عوانة 1 / 157) والحاكم 2 / 9 والبيهقي في السنن الكبرى 5 / 320.
(4) أخرجه أحمد 2 / 50 والمجمع 4 / 78 والترغيب 2 / 572.
(5) أخرجه البخاري 4 / 339 (2120) واللفظ له ومسلم 3 / 1682 (1 / 2131).
(6) أخرجه البخاري 4 / 397، 398 (2122)، (5884) ومسلم 4 / 1882 (57 / 2421).
(7) أخرجه الترمذي 3 / 540 (1239).
(8) أخرجه مسلم 2 / 1045 - 1046 (87 / 1365).
(*)(9/10)
وروى الامام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن أبي سعيد والطبراني برجال الصحيح، وأبو داود عن أبي هريرة والطبراني عن ابن عباس والبزار عن علي والطبراني عن أبي جحيفة والطبراني عن فضلة والامام أحمد وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنهم - قالوا: غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أما تسعر لنا ؟ وفي رواية: قوم لنا سعرنا وفي رواية: فقال الناس: يا رسول الله، سعر، وفي رواية: إن رجلا جاء، فقال: يا رسول الله، سعر، فقال: بل ادعوا، ثم جاءه رجل فقال، يا رسول الله، هلا تسعر لنا ! وفي رواية: أن رجلا جاء فقال: يا رسول الله، سعر، فقال: بل ادعوا، ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله، سعر، وفي رواية: لو قومت لنا السعر فقال إن الله تعالى هو المسعر القابض الباسط، وفي رواية: بل الله يرفع ويخفض، وفي رواية إن الله هو المقوم والمسعر، إني لا أريد أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في عرض وفي رواية ولا نفس ولا مال وفي رواية لا
يسألني الله تعالى عن سنة أحدثتها عليكم لم يأمرني بها ولكن أسأل الله تعالى من فضله (1).
تنبيهات الأول: قال في زاد المعاد: باع رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترى وكان شراؤه بعد أن أكرمه الله تعالى برسالته أكثر من بيعه، وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد، وبيعه يعقوب المدبر غلام أبي مذكور وشراؤه عبدا أسود بعبدين وأما شراؤه فكثير.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: داء: (بدال مهملة مفتوحة فألف فهمز) المعيب.
الغائلة: (أي ولا فجور، وقيل المراد الاباق).
الخبثة: (بخاء معجمة مكسورة فموحدة ساكنة بعد هاء مثلثة أي سبيا).
سامني: (سين مهملة فألف فميم مفتوحة فنون فتحتية من المساومة).
تمر الذخرة: (تقدم تفسيره).
الاواقي: (بهمزة فواو مفتوحتين فألف فقاف).
وسق: (بواو مفتوحة فسين مهملة ساكنة فقاف).
__________
(1) من حديث أنس أخرجه أحمد 3 / 156، 286 والدارمي 2 / 249 وأبو داود 3 / 731 (3451) والترمذي 3 / 605 (1314) وقال حسن صحيح وابن ماجه 2 / 741 (2200) والبيهقي في الكبرى 6 / 29 والطبراني في الصغير 2 / 7 والطبري في التفسير 2 / 372 وانظر المجمع 4 / 99، 100 ونصب الراية 4 / 263 والتلخيص 3 / 14.
(*)(9/11)
ركضه برجله: (ضربه).
الخراج: (بخاء معجمة فراء مفتوحتين فجيم ما يجعل من غلة).
السوق: (بسين مهملة فواو ساكنة يؤنث ويذكر، وسميت به لقيام الناس فيها على
سوقهم).
الفاجرة: (بفاء فألف فجيم مكسورة فراء فتاء تأنيث الكاذبة).
الصفقة: (بصاد مهملة مفتوحة ففاء ساكنة فقاف فتاء العقدة الخاسرة).
البر: (بكسر الموحدة وبالراء الصلة).
السماسرة: (جمع سمسار، وهو القيم بالامر الحافظ له).
البقيع: (بموحدة مفتوحة فقاف مكسورة فتحتية فعين مهملة المكان المتسع من الارض).
الغرار: الغش: (بغين معجمة مكسورة فشين معجمة ضد النصح).
الصبرة: (بصاد مهملة مضمومة فموحدة ساكنة فراء فتاء تأنيث الطعام).(9/12)
الباب الثالث في إيجاره - صلى الله عليه وسلم - واستئجاره
وفيه أنواع: الأول: في إيجاره نفسه صلى الله عليه وسلم قال في زاد المعاد: أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأجر واستئجاره أكثر من إيجاره، وإنما يحفظ عنه أنه أجر نفسه الكريمة قبل النبوة في رعاية الغنم، وأجر نفسه من خديجة في سفره بما لها إلى الشام.
وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم، فقال الصحابة وأنت ؟ فقال: نعم كنت أرعاها على قراريط لاهل مكة (1).
وروى الحاكم عن طريق الربيع بن بدر عن أبي الزبير عن جابر، قال: أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه من خديجة بنت خويلد سفرتين إلى جرش كل سفرة (2) بقلوص.
قلت: الربيع ضعيف، قال ابن العربي: إن صح الحديث فإنما هو المفتوح الذي بالشام.
قال في النهاية: جرش بضم الميم وفتح الراء من مخاليف اليمن وهو بفتحها بلد في الشام.
الثاني: في استئجاره صلى الله عليه وسلم: روى البخاري عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - في حديث العجوة قالت: واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني الديل (3).
الثالث: في مساقاته صلى الله عليه وسلم: روى الامام أحمد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - وأحمد وأبو داود وابن ماجه والدراقطني عن ابن عباس وابن ماجه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر، أراد إجلاء يهود منها، وكانت الارض حين ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم لله ورسوله وللمسلمين، وأراد إخراج يهود منها، فسألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوا أهلها، ولهم النصف، وفي لفظ فعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر وزرع، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نقركم بها على ذلك ما شئنا وفي لفظ ما أقركم الله فقروا بها حتى أجلاهم عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - (4).
__________
(1) أخرجه البخاري 4 / 441 (2262) والقيراط = 2125 و 0 جراما بالذهب.
(2) البيهقي في الدلائل 2 / 66 وإسناده ضعيف لضعف الربيع بن بدر.
(3) سقط في ج.
(4) أخرجه البخاري 4 / 462 (2285) من حديث ابن عمر (5 / 26) (2338).
(*)(9/13)
الباب الرابع في استعارته - صلى الله عليه وسلم - وإعارته
وفيه نوعان: الأول: في استعارته صلى الله عليه وسلم:
روى الامام أحمد وأبو داود والنسائي: والدارقطني عن صفوان بن أمية - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين، فقال: أغصب يا محمد ؟ فقال: بل عارية مضمونة فضاع بعضها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت غرمتها، قال: لا، إن قلبي من الاسلام اليوم غير ما كان يومئذ (1).
وروى أبو داود عن أناس من آل عبد الله بن صفوان ومسدد وابن أبي شيبة عن عطاء بن رباح عن أناس عن عبد الله بن صفوان قال: استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية سلاحا وفي لفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا صفوان، هل عندك من سلاح ؟ فقال له صفوان: أعارية أم غصب ؟ قال: بل عارية، فأعاره ما بين ثلاثين إلى أربعين درعا، فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فلما هزم الله المشركين جمعوا، وفي لفظ: جمعت أدراع صفوان، ففقد من أدراعه وفي لفظ: " منها أدراعا "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا صفوان، إن شئت غرمناها لك "، وفي لفظ: " بل نغرم لك " فقال: يا رسول الله، إن في قلبي من الايمان، وفي لفظ: " اليوم ما لم يكن حينئذ " (2).
وروى الترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار قصعة فضاعت فضمنها لهم (3).
وروى الشيخان عنه قال: كان فزع بالمدينة فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لابي طلحة يقال له مندوب فركبه فلما رجع، قال: ما رأينا من شئ وإن وجدناه لبحرا (4) وروى عنه البخاري أن أهل المدينة فزعوا مرة فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لابي طلحة، وكان يقطف أو كان به قطاف، فلما رجع قال وجدنا فرسكم هذا بحرا فكان بعد ذلك لا يجاري (5).
وروى الامام أحمد عن صفوان بن يعلى عن أبيه - - رضي الله تعالى عنه - قال: قال لي
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 401، 6 / 465 وأبو داود (3562) والحاكم (2 / 47) وانظر نصب الراية 3 / 377 والتلخيص 3 / 52.
(2) أخرجه أبو داود (3563) وابن أبي شيبة 6 / 144 والدارقطني 3 / 40 والبيهقي 6 / 89، 7 / 18 وانظر نصب الراية 4 / 116.
(3) أخرجه الترمذي 3 / 641 (1360).
(4) أخرجه البخاري 5 / 240 (2627) (2928) ومسلم 4 / 1803 (49 / 2307).
(5) البخاري 6 / 83 (2867).
(*)(9/14)
النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا "، قال: فقلت يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة ؟ قال: " بل مؤداة " (1).
الثاني في إعارته صلى الله عليه وسلم: تنبيه في بيان غريب ما سبق.
الدرع: تقدم تفسيره وكذلك القصعة.
مندوبا: من قوله ندبه لامر انتدبه له، دعاه له فأجاب، ويقال: فرس ندب بسكون الدال أي ماض، ورجل ندب أي خفيف في الحاجة.
القطوف: من الدواب البطئ الشئ، وقيل: الضيق الشئ، قطفت الدابة تقطف قطفا والاسم القطاف.
(يجارى): بضم المثناة التحتية وفتح الراء يساير.
__________
(1) أخرجه أبو داود (3566) وأحمد 4 / 222 والدارقطني 3 / 29 وانظر نصب الراية 3 / 377، 4 / 117.
(*)(9/15)
الباب الخامس في مشاركته - صلى الله عليه وسلم -
روى الامام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن السائب بن أبي السائب - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام في التجارة، فلما كان يوم الفتح جاءه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري، يا سائب قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية، لا تقبل منك وهي اليوم تقبل منك وكان ذا سيف وصلة " (1).
وروى أبو يعلى والبزار بإسناد حسن عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد تمرتين، فأخذ تمرة وأعطاني تمرة (2).
وروى الطبراني برجال الصحيح غير عبد الله بن الامام أحمد وهو ثقة مأمون عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى تمرة عائرة فأخذها فناولها سائلا، فقال: " إنك لو لم تأتها لا تأتك ".
(بيان الغريب) مرحبا: بميم مفتوحة فراء ساكنة فحاء مهملة فموحدة مفتوحة أي لتأتي رحبا وسعة.
لا يداري: بالهمزة من المدارة، وهي مدافعة الحق فإن ترك الهمزة صارت من المداراة وهي الدفع بالتي هي أحسن.
لا يماري: من المماراة وهي المجادلة بغير حق.
العائرة: بعين مهملة مفتوحة فهمزة مكسورة فراء فتاء تأنيث، الساقطة.
__________
(1) أخرجه أبو داود 4 / 260 (4836) والحاكم 2 / 61 صححه ووافقه الذهبي.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 4 / 173 وقال رواه البزار وأبو يعلى وفيه عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي وهو ثقة وفيه ضعف.
(*)(9/16)
الباب السادس في وكالته وتوكيله - صلى الله عليه وسلم -
قال في زاد المعاد: وكان توكيله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من توكله.
وروى الامام أحمد والترمذي وأبو داود والدارقطني عن عروة البارقي - رضي الله تعالى عنه - قال عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا، وقال: " أي عروة ائت الجلب، فاشتر لنا شاة "، فأتيت الجلب، فساومت صاحبه، فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما، أو قال أقودهما، فلقيني رجل فساومني فبايعته شاة بدينار فجئت بالدينار وجئت بالشاة، فقلت يا رسول الله هذا
ديناركم، وهذه شاتكم، قال وصنعت كيف ؟ قال: فحدثته الحديث، فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه، فقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفا قبل أن أصل إلى أهلي، زاد أحمد وكان يشتري الجواري ويبيع، زاد الترمذي فيربح الربح العظيم، وكان من أكثر أهل الكوفة مالا، زاد الامام أحمد والبخاري في رواية: فكان لو اشترى التراب لربح فيه (1).
وروى أبو داود والترمذي والدارقطني عن حكيم بن حزام - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حكيم بن حزام يشتري له أضحية بدينار، فاشتراها بدينار،.
وباعها بدينارين فاشترى أضحية بدينار، وجاء بدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضح بالشاة، وتصدق بالدينار، ودعا له أن يبارك له في تجارته (2).
وروى البخاري تعليقا عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان (3).
وروى أبو داود عن جابر قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، وقلت له: إني أريد الخروج إلى خيبر، فقال: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته (4).
وروى الامام أحمد في رواية حميد الشامي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الجلب: بجيم فلام مفتوحتين فموحدة ما يجلب من مكان إلى آخر.
الترقوة: (العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق).
__________
(1) أخرجه البخاري 6 / 632 في المناقب (3642) وأبو داود 3 / 256 (3384) والترمذي 3 / 559 (1258) وابن ماجه 2 / 803 (2402) وأحمد في المسند 4 / 375، 376.
(2) أخرجه الترمذي (1257).
(3) أخرجه البخاري 8 / 672 (5010).
(4) أخرجه أبو داود 4 / 47، 48 (3632).
(*)(9/17)
الباب السابع في شرائه - صلى الله عليه وسلم -
وروى الامام أحمد والشيخان والنسائي، وابن ماجه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي وأعطاه درعه رهنا وفي رواية: رهنه درعا من حديد (1).
وروى الامام أحمد والبخاري والبزار عن أنس قال: لقد رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا له من يهودي بالمدينة وأخذ منه عشرين صاعا من طعام، وفي لفظ " من شعير " لاهله (2).
وروى الامام أحمد والترمذي وصححه النسائي وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن درعه مرهون عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله (3).
وروى الامام الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي (4).
وروى الامام أحمد وابن ماجه عن أسماء بنت يزيد قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم توفي ودرعه مرهون عند رجل من يهود قريش من شعبة (5).
وروى الحارث عن أبي زرعة بن عمر وابن جرير أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه تمرا، فاستنظره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن ينتظره، فانتهره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخرج عليك أن أخرج من المدينة وأنا أطلبك منه بشئ، فإني والله لا أرجع إلى أرضي حتى ينتهب منها أكثر مما أطلبك به فأرسل إلى امرأة من بني سليم يقال لها جدامة، يستلفها تمرا، فقالت اذهب فاكتل واستوفه، ثم قال: هو كان إلى نصرتكم أحوج وأنا إلى ما أمر به ربي بارا أمانتي أحوج إن الله لا يقدس أمة لا ينصر ضعيفها، أو قال: لا يقوى قويها.
وروى ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه، فاشتد عليه، حتى قال له أخرج عليك إن قضيتني،
__________
(1) أخرجه البخاري 4 / 302 (2068) ومسلم 3 / 1226 (126 / 1603) والنسائي 7 / 288 وابن ماجه 2 / 815 (2436).
(2) أخرجه البخاري (4 / 354) (2068) وهو عند البخاري 6 / 99 (2916) (4467).
(3) أخرجه ابن ماجه 2 / 815 (2439).
(4) أخرجه الشافعي في المسند 2 / 163 (565).
(5) أخرجه ابن ماجه (2438).
ابن أبي شيبة 6 / 575 والبيهقي 6 / 37 في الدلائل 7 / 274.
(*)(9/18)
فانتهره أصحابه، وقالوا ويحك أتدري من تكلم ؟ قال: إني أطلب حقي ! فقال صلى الله عليه وسلم " هلا مع صاحب الحق كنتم " ثم أرسل إلى خولة بنت قيس، فقال لها: " إن كان عندك تمر فأقرضينا تمرنا فنقضيك " فقالت: نعم، بأبي أنت يا رسول الله، فأقرضته، فقضى الاعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت أوفى الله لك، فقال: " أولئك خيار الناس لا قدمت أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع " (1).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (2426) وقد تقدم.
(*)(9/19)
الباب الثامن في استدانته - صلى الله عليه وسلم - برهن وبغيره وحسن وفائه
وروى إسحاق وابن أبي شيبة والطبراني والبزار عن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف، فبعثني إلى يهودي، فقال: قل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بعني أو أسلفني إلى رجب، فأتيته فقلت له ذلك، فقال: والله، لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: والله، لو باعني أو أسلفني إني لامين في السماء، أمين في
الارض، اذهب بدرع الحديد إليه، قال: فنزلت هذه الاية فيه، تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) (1).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل تمر لون، فلما جاء يتقاضاه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عندنا اليوم من شئ، فلو تأخرت عنا حتى يأتينا شئ، فنقضيك، فقال الرجل: واغدراه ! فقام له عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعه يا عمر فإن لصاحب الحق مقالا "، انطلق إلى خولة بنت حكيم الانصارية، فالتمسوا عندها تمرا، فانطلقوا، فقالت يا رسول الله، ما عندنا إلا تمر الذخيرة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا فاقضوا فلما قضوه، أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: استوفيت ؟ قال: نعم، أوفيت وأطيبت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن خيار عباد الله من هذه الامة الموفون الطيبون " (2).
وروى الامام أحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلف منه حين غزا حنينا ثلاثين ألفا أو أربعين ألفا وفي لفظ أحمد: ثمانين ألفا أو أربعين ألفا، فلما قدم قضاها إياه ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد ورواه ابن أبي عمر، وابن أبي شيبة عن إسماعيل بن إبراهيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلف (3)...فذكره.
وروى الامامان الشافعي وأحمد والشيخان والاربعة إلا أبا داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دينار وفي لفظ سن من الابل، فجاءه يتعاطاه، فأغلظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هم به وفي لفظ: فهم به بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " دعوه فإن لصاحب الحق مقالا "، فأعطوه فطلبوا سنا فلم يجدوا إلا سنا فوقها وفي لفظ " خيرا
__________
(1) انظر الدر المنثور (4 / 313) وعزاه لابن أبي شيبة وابن راهويه وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(2) تقدم.
(3) أخرجه النسائي 6 / 437 وابن ماجه (2424) وأحمد 4 / 36 وابن السني 272 وأبو نعيم في الحية 7 / 8 111 / 375
والبيهقي في السنن الكبرى 5 / 335 والبخاري في التاريخ 5 / 10.
(*)(9/20)
منها " قال: فاشتروه فأعطوه فإن من خياركم أحسنكم قضاء، وفي لفظ: " فأمر له بأفضل من سنه، فقال: أوفيتني، أوفاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خياركم أحسنكم قضاء " (1).
وروى البخاري وأبو جعفر عن جرير وأحمد وأبو داود عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: كان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني (2).
وروى البزار عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه وقد استسلف منه شطر وسق فأعطاه وسقا، فقال: نصف وسق لك، ونصف وسق لك منا (3).
وروى البزار برجال ثقات عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل أربعين صاعا فاحتاج الانصاري فأتاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما جاءنا شئ " فقال الرجل: وأراد أن يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقل إلا خيرا، فأنا خير من تسلف " فأعطاه أربعين وأربعين لسلفه، فأعطاه ثمانين (4).
وروى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: جاء رجل يطلب نبي الله صلى الله عليه وسلم بدين أو بحق فتكلم ببعض الكلام، فهم به بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن صاحب الدين له سلطان على صاحبه حتى يقضيه " (5).
وروى الامام أحمد وأبو يعلى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم حليق النصراني ليبعث له أثوابا إلى الميسرة فأتيته فقال: ما الميسرة ؟ والله ما لمحمد ثاغية ولا داعية، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كذب عدو الله، أنا خير من باع، لان يلبس أحدكم من رقاع شتى خير له من أن يأخذ بأمانته ما ليس عنده " (6).
وروى الطبراني عن خولة بنت قيس امرأة حمزة بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنهما - قالت كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسق من تمر لرجل من بني ساعدة فأتاه يقتضيه، فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الانصار أن يقتضيه، فقضاه إياه تمرا دون تمره فأبى أن يقبله، فقال: أترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال، نعم، ومن أحق بالعدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتحلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدموعه، ثم قال: صدق، من أحق بالعدل مني، لاقدس الله أمة لا يأخذ
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 72 (2393) ومسلم 3 / 1225 (120 - 1601).
(2) أخرجه البخاري في الصحيح من حديث جابر 5 / 72 (2394) وأبو داود 2 / 268 (3347).
(3) انظر المجمع 4 / 141 والبيهقي 5 / 351 قال الهيثمي: رواه البزار وفيه أبو صالح الفراد ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.
(4) انظر المجمع 4 / 141.
رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار وهو ثقة.
(5) أخرجه ابن ماجه (242) وانظر الترغيب 2 / 565 والكنز (15482) وضعفه البوصيري في الزوائد.
(6) أحمد 3 / 244 والحاكم 3 / 572 انظر المجمع 4 / 125، 126.
(*)(9/21)
ضعيفها حقه من قويها ولا يتعتعه يا خولة عديه وأذهبيه واقضيه (1).
وروى الامام مالك عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكرا، فقلت: لم أجد في الابل إلا جملا خيارا رباعيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء " (2).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن عبد الله بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء رجل يهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه تمرا فأغلظ للرسول صلى الله عليه وسلم فهم به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما قدس الله، أو ما يرحم الله أمة لا يأخذون للضعيف منهم حقه غير متعتع " ثم أرسل إلى خولة بنت حكيم، فاستقرضها تمرا، فقضاه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذلك يفعل عباد الله الموفون، أما إنه قد كان عنده تمر لكنه كان خيرا " (3).
وروى النسائي وابن ماجه عن العرباض بن سارية - رضي الله تعالى عنه - قال كنت عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: اقضني بكري فأعطاه بعيرا مسنا، فقال الاعرابي: يا رسول الله، هذا أسن من بعيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس خيرهم قضاء (4).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: التعزية: بفوقية مفتوحة فعين مهملة ساكنة فزاي مكسورة فتحتية مفتوحة فتاء تأنيث، الحمل على الناس والصبر.
لون، بلام مفتوحة فواو ساكنة فنون: نزع.
ثاغية: بمثلثة فألف فغين معجمة فتحتية فتاء تأنيث أي ليس لها شئ من الغنم.
واغدراه: (...).
راغية: براء فألف فغين معجمة فتحتية فتاء تأنيث.
البكر: بفتح الموحدة وسكون الكاف وبالراء، الناقة والفتي منها إلى أن يجزع إلى أن يثنى وابن اللبون أو الذي لم ينزل.
الخيار: من الخيرة بخاء معجمة مكسورة فتحتية فراء فتاء تأنيث أي ليس له شئ من الغنم.
الرباعي: براء فموحدة مفتوحتين فعين مهملة يقال للذكر من الابل إذا طلعت رباعيته رباع، والانثى رباعية إذا دخلا في السنة السابعة.
__________
(1) انظر المجمع 4 / 140.
(2) وأخرجه مسلم 3 / 1224 (118) (1600) وأبو داود 3 / 247 (3346) والترمذي 3 / 609 (1318) والنسائي 7 / 291 وابن ماجه 2 / 767 (2285).
(3) انظر المجمع 4 / 131، 141 والترغيب 2 / 610 والكنز (5590، 5591) ورجاله رجال الصحيح.
(4) أخرجه النسائي (4619) وابن ماجه (2286).
(*)(9/22)
الباب التاسع في ضمانه - صلى الله عليه وسلم -
وفيه أنواع: الأول: في ضمانه صلى الله عليه وسلم ضمانا خاصا عن ربه تبارك وتعالى على أعمال من أعمال أمته: وروى أبو داود عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " (1).
وروى الطبراني بسند جيد عن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اضمنوا ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم " (2).
وروى الامام أحمد والطبراني برجال الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا قال: يا رسول الله إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أعطها إياه بنخلة في الجنة "، فأبى، فأتاه أبو الدحداح فقال بعني نخلتك بحائطي، ففعل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إني ابتعت النخلة بحائطي فاجعلها له فقد أعطيتكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عذق راح لابي الدحداح، قالها مرارا فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح، اخرجي من الحائط، فإني قد ابتعته بنخلة في الجنة، فقالت: ربح البيع أو كلمة تشبهها (3).
الثاني: في ضمانه - صلى الله عليه وسلم - دين بعض الصحابة: روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير، فقال: والله ما أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني تحميل اجره الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتاه بقدر ما وعده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من اين اصبت هذا ؟ ! قال: من معدن، قال: لا حاجة لنا فيها، خير فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
__________
(1) اخرجه أبو داود (4800) والطبراني في الكبير 8 / 117 والدولابي في الكنز 2 / 13329 والبيهقي 10 / 241 وانظر المجمع 1 / 157، 8 / 23.
(2) واخرجه أحمد 5 / 323 والحاكم 4 / 358.
(3) اخرجه أحمد 3 / 146.
(4) اخرجه أبو داود (2 / 262 (3328) وصححه الحاكم 2 / 10 ووافقه الذهبي.
(*)(9/23)
الثالث: في ضمائه صلى الله عليه وسلم عن مات وعليه دين ولم يترك وفاء (1): روى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتى بالرجل المتوفي عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه قضاء ؟ فان محدث انه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال للمسلمين: صلو على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح قام فقال: انا اولى بالمؤمنين من انفسهم: فمن توفي من المؤمنين فترك فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته.
تنبيه، في بيان غريب ما سبق: ربض الجنة: براء فموحدة مفتوحتين معجمة، ما حولها خارجا عنها.
المراء: بميم مكسورة فراء فالف فهمزة الجذال.
غضوا ابصاركم بغين وبضاد معجمتين مضومتين احفظوها.
العدق: بعين مهلمة مفتوحة فذال معجمة ساكنة، النخلة وبكسر العين العرجون.
الحائط: بحاء مهملة فالف فهمزة مكسورة فطاء مهملة البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار.
المعدن: بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فذال مهملة فنون، الموضع الذي يستخرج منه جواهر الارض الذهب والفضة.
__________
لم يذكر المصنف شيئا من الحديث وذكر الحديث في الاصل تتميما للفائدة والحديث اخرجه البخاري 4 / 477 (2298) ومسلم 3 / 1237 (14 / 1619).
(*)(9/24)
جماع أبواب سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الهدايا والعطايا والاقطاعات
الباب الأول في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الهدية
وفيه أنواع: الأول: في أمره صلى الله عليه وسلم بالتهادي: روى إبراهيم الحربي وأبو بكر أحمد بن أبي عاصم في (كتاب الاموال) عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الهدية تذهب وحر الصدر (1).
الثاني: في قوله صلى الله عليه وسلم الهدية ولو قلت وإثابته عليها: روى الامام أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها (2).
وروى الامام أحمد والترمذي وصححه ابن سعد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: لو أهدي الي كراع لقبلت ولو دعيت عليه لأجبت وفي لفظ (إذا دعيت الى ذراع) وفي لفظ (الى كراع لأجبت) ورواه البخاري عن أبي هريرة (3).
وروى الامام أحمد والطبراني برجال الصحيح وابن سعد عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: كانت أمي وفي لفظ (أختي) تبعثني بالهدية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ بالشئ فيقبلها مني وروى الطبراني عنه قال: بعثني أمي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب فأكلته، فقالت أمي: هل أتاك عبد الله بقطف ؟ قال: لا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال: (غدر غدر) ورواه تمام بن محمد الرازي بلفظ: بقطف من العنب، فناولت منه فأكلته قبل أن أبلغه الى النبي صلى الله عليه وسلم فلما جئته مسح على رأسي، وقال: (يا غدر !) (5)
__________
(1): أخرجه أبو داود الطيالسي ص 307 (2333) وأحمد 2 / 405 والترمذي 4 / 441 (2130) وفيه أبو معشر المدني ضعيف تفرد به.
(2) أخرجه البخاري 5 / 210 (2585) وأبو داود (3536) والترمذي (1953) وأحمد 6 / 90 وابن أبي شيبة 6 / 551 والبيهقي 6 / 180.
(3): أخرجه البخاري من رواية أبي هريرة (5 / 236) (2568).
(4) انظر المجمع 4 / 147.
(5) البخاري في التاريخ 2 / 339 وانظر المجمع 4 / 147 (*).(9/25)
وروى الامام أحمد عن عبد اله بن سرجس - رضي الله تعالى عنه - قال: كانت أختي ربما تبعثني بالشئ الى النبي صلى الله عليه وسلم تطرقه إياه فيقبله مني (1).
وروى الامام أخمد والبزار عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن أعرابيا أهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فأثابه عليها، قال، أرضيت ؟، قال: لا، فزاده، قال: أرضيت ؟ قال: لا، فزاده، قال: أرضيت ؟ قال: نعم (2).
وروى أبو يعلى برجال الصحيح وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم بسند صحيح عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا كان يلقب حمارا وكان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم العكة من السمن والعكة من العسل، فإذا جاء صاحبها يتقاضاه جاء به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله، أعط هذا ثمن متاعه فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبتسم أو يأمر به فيعطى (3).
وروى الطبراني عن أم سلمة والامام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى والبزار عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت أم سنبلة أتيت رسول الله بهدية وقالت عائشة: أهدت أم سنبلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا فلم تجده، فقلت لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نأكل من طعام الاعراب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه، فقال: (ما هذا معك يا أم سنبلة) فقالت: لبنا أهديته لك يا رسول الله، فقال: (اسكبي، أم سنبلة) فسكبت فنادى عائشة، فناولها فشربت فقال: (اسكبي أم سنبلة) فسكبت فناولته رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب، فقالت عائشة: فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبن أسلم، ثم قالت: قد كنت حدثت أنك قد نهيت عن طعام الاعراب، فقال: يا عائشة، هم ليسوا بأعراب، هم أهل باديتنا، ونحن أهل حاضرتهم، وإذا دعوا أجابوا، فليسوا بأعراب، زاد الطبراني: وأعطاها كذا وكذا واديا وزود فاشترى عبد الله بن حسن
الوادي منهم (4).
وروى الطبراني برجال الصحيح عن عياض بن عبد الله عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل عكة من عسل فقبلها وقال إحم شعبي فحماه وكتب له كتابا (5).
__________
(1): أحمد 4 / 189 وانظر المجمع 4 / 147.
(2): المجمع 4 / 148 قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
(3) المجمع 4 / 148.
المطالب للحافظ ابن حجر - 1429).
(4): أخرجه أحمد 6 / 133 وانظر المجمع 4 / 149.
(5): المجمع (4 / 152) قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
(*)(9/26)
وروى عبد الرزاق عن زيد بن أسلم مرسلا قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تخرج من عند عائشة، ومعها شئ تحمله، فقال لها: طعاما هذا ؟ قالت: أهديت لعائشة، فأبت أن تقبله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا قبلته منها مرة واحدة ؟) قالت: يا رسول الله، إنها محتاجة وإنها كانت أحوج إليه مني، قال: (فهلا قبلته منها وأعطيتها خيرا) (1).
وروى الامام أحمد وابن حبان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه) (2).
وروى ابن أبي شيبة عن الربيع بنت معوذ - رضي الله تعالى عنها - قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب وآخر من ذغب فأكل منها، وأعطاني مل ء كفي حليا أو ذهبا، وقال: تحلي (3) به وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن الحجاج بن غلاط السلمي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذات الفقار ودحية أهدى له بغلة شهباء (4).
وروى أبو يعلى عن أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فبعث له امرأة مع ابن لها بشاة، فحلب ثم قال: انطلق به الى أمك، فشربت حتى رويت، ثم جاء بشاة أخرى فحلب ثم شرب (5).
الثالث: في قبوله صلى الله عليه وسلم جرة من جماعة من ملوك أهل الكتاب: وروى الامام أحمد والترمذي وحسنه عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل منه، وأهدى له الملوك فقبل منهم.
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرة من من فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي أصحابه منها قطعة قطعة وأعطى جابرا قطعة ثم عاد، فأعطاه قطعة أخرى، فقال: يا رسول الله، لقد أعطيتني، فقال: هذا لبنات عبد الله يعني أخواته (6).
__________
(1) أخرجه البغوي في شرح السنة 8 / 302 والكنز (14482).
(2) أحمد 3 / 161 وعبد الرزاق (19688) والترمذي في الشمائل (121، 122) والبيهقي 6 / 196.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة 8 / 278.
(4) انظر المجمع 5 / 45، 4 / 156.
قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة، وهو متروك.
(5): أخرجه ابن سعد 1 / 123 وانظر المجمع 4 / 147، 5 / 83 والمطالب (2388).
(6): أخرجه أحمد 3 / 122 والحاكم في المستدرك 4 / 135.
(*)(9/27)
وروى أحمد ومسلم عن البراء بن عازب قال: أهدى البدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها، فقال: والذي نفسي بيده، إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا (1).
وروى الحارث بن أبي أسامة والبزار والطبراني وابن خزيمة وإبراهيم الحربي وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي شيبة بسند صحيح عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال: أهدى أمير
القيط الى النبي صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين، وبغلة فكان يركب البغلة بالمدينة واتخذ إحدى الجاريتين لنفسه، فولدت له إبراهيم، ووهب الاخرى لحسان بن ثابت، فولدت له محمدا (2).
وروى البزار عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن ملك ذي يزن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرة من من فقبلها (3).
وروى الطبراني برجال ثقات عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت أهدى المقوقس ملك القيط الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة عيدان شامية ومرآة ومشطا (4).
وروى البزار عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أهدى المقوقس لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير (5).
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من حلة السيراء أهداها له فيروز (6).
وروى البخاري عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم (7).
ورواه مسلم بلفظ: جاء رسول صاحب أيلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بردا.
وروى إبراهيم الحربي في كتاب هدي الاموال عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: أهدى يوحنا بن رؤبة - الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء.
وروى أبو داود عن أنس - رضي الله
__________
(1): أخرجه البخاري 7 / 122 (3802) ومسلم 4 / 1916 (126 / 2468).
(2) المجمع 4 / 153 وعزاه للطبراني والبزار قال الهيثمي ورجال البزار رجال الصحيح.
(3) انظر المجمع 4 / 153.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 4 / 153 وقال: رواه في الاوسط ورجاله ثقات.
(5) انظر المجمع 4 / 153.
(6) المجمع 5 / 121 أخرجه ابن أبي شيبة 8 / 165 والمجمع 5 / 123.
(7) البخاري (6 / 308) (3161).
(*)(9/28)
عنه أن ملك الروم أهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس كما تقدم في رواية أحمد ومسلم أو شقية فليحرر.
الرابع: في رده صلى الله عليه وسلم الهدية وسيرته في هدية الامراء وعدم قبوله الصدقة: وروى الامامان الشافعي وأحمد والشيخان عن الصعب بن جثامة - رضي الله تعالى عنه - أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالابراء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه، وفي رواية ما في وجهي من الكراهة قال: (ليس بنا رد عليك) وفي رواية (إنا لم نرده) اليك إلا أنا حرم) (1).
وروى الامام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنه - أنه قد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيقة ظبي، ولم يأكلها (2).
وروى الشيخان عن أبي حميد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الازد يقال له ابن اللتبية فلما قدم، قال: هذا لكم وهذا أهدي الي، قال: فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رأينا غفرة إبطيه: اللهم هل بلغت ثلاثا (3).
وروى ابن سعد عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وعون بن عبد الله عن حبيب بن عبيد الرجي ورشيد بن مالك، قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أو غيره، قال: صدقة أم هدية فإن قيل من صدقة صرفها الى أهل الصدقة، أو قال: كلوا ولم يأكل، وإن قيل هدية أمر بها، فوضعت ثم أهدى أهل الصدقة منها ولفظ أبي هريرة قبل الهدية ولم يقبل الصدقة (4).
وتقدمت قصة سلمان في أوائل الكتاب.
الخامس في رده صلى الله عليه وسلم هدية المشركين: وروى الامام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وأبو بكر وأحمد بن عمر بن أبي عاصم في كتاب (الهدايا) عن عياض بن حمار المجاشعي - رضي الله تعالى عنه - وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة قبل أن يبعث فلما بعث أهدى إليه هدية أحسبها إبلا فأبى أن يقبلها، وقال: إنا لا نقبل زبد المشركين، قال: قلت: وما زبد المشركين ؟ قال: وفدهم هديتهم
__________
(1): أخرجه البخاري 4 / 31 (1825، 2573 ومسلم 2 / 850 (50 / 1193 وقد تقدم.
(2): ذكره الهيثمي في المجمع 3 / 233 وعزاه لاحمد وأبي يعلى وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح.
(3): أخرجه البخاري 5 / 220 (2597) ومسلم 3 / 1463 (26 / 1832).
(4): مجمع الزوائد (8 / 268) وابن سعد (6 / 117).(9/29)
وفي لفظ أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو هدية فقال لي: أسلمت ؟ قلت: لا قال: إني نهيت أن أقبل زبد المشركين (1).
وروى موسى بن عقبة - رضي الله تعالى عنه - بسند رجاله ثقات عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ورجاله من أهل الكتاب مرسلا أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الاسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له فقال: إني لا أقبل هدية المشركين (2).
وروى البزار عن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الاسنة - رضي الله تعالى عنه - قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية فقال: إنا لا نقبل هدية المشرك (3).
وروى الامام أحمد والطبراني برجال ثقات عن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام - رضي الله تعالى عنه - قال: كان محمدا أحب رجل في الناس إلي في الجاهلية، فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر، فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى، قال عبيد الله حسبت أنه قال إنا لا نقبل شيئا من المشركين ولكن إن شئت أخذناها بالثمن،
فأعطيته إياها حين أبى الهدية زاد الطبراني، فلبسها فرأيتها عليه على المنبر فلم أر شيئا أحسن منه فيها يومئذ ثم أعطاها أسامة بن زيد فرآها حكيم على أسامة، فقال: يا أسامة، أنت تلبس حلة ذي يزن فقال نعم، والله لانا خير من ذي يزن ولابي خير من أبيه، فانطلقت إلى أهل مكة أعجبهم بقول أسامة (4).
السادس: في امتناعه من قبول الهدية من غير قريش والانصار وثقيف ودوس وأسلم وأمره - صلى الله عليه وسلم بعد قصة الشاة المسمومة من أهدى له هدية ولم يثق به أن يأكل منها وسؤاله بعض أصحابه أن يهب له دابة أو رقيقا: روى الامام أحمد والترمذي والحارث ابن أبي أسامة والبخاري في الادب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: أهدى رجل من بني فزارة، وفي لفظ أن أعرابيا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة " وفي لفظ بكرة فعوضه، فسخطه وفي لفظ فعوضه منها ست بكرات فسخطه " فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن فلانا أهدى إلي ناقة
__________
(1) أحمد 4 / 162 وابن أبي شيبة 12 / 469.
(2) أخرجه عبد الرزاق 9741، 19658 والطبراني في الكبير 19 / 70، 71 والبيهقي في الدلائل 3 / 343 وانظر المجمع 6 / 127.
(3) انظر المصادر السابقة.
(4) أخرجه أحمد 3 / 403.
(*)(9/30)
أعرفها كما أعرف (بعض) (1) أهلي ذهبت مني يوم زغابات فعوضته ست بكرات، فظل ساخطا، لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي وفي لفظ: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول " يهدي أحدكم فأعوضه بقدر ما عندي ثم يسخطه وايم الله لا أقبل بعد عامي هذا هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي " ورواه أبو داود والنسائي مختصرا (1).
وروى أبو يعلى عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا أقبل هدية من أعرابي " فجاءته أم سنبلة الاعرابية، الحديث المتقدم أول الباب.
وروى الامام أحمد والطبراني وابن أبي شيبة عن يعلى بن مرة الثقفي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: " هب لي هذا البعير أو بعنيه " قال: هو لك يا رسول الله، فوسمه سمة الصدقة ثم بعث به (2).
تنبيهات الأول: عياض، بكسر العين المهملة وتخفيف المثناة التحتية وبضاد معجمة، ابن حمار، - بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم - في رده صلى الله عليه وسلم هديته مع قبوله لهدية غيره من الكفار مخالفة، قال الخطابي: يشبه أن يكون الحديث منسوخا، لانه قبل هدية غير واحد من المشركين، وأهدى له المقوقس مارية والبغلة وأهدى له البدر دومة فقبل منهما، فقيل إنما رد هديته، ليغيظه بردها، فيحمله على الاسلام وقيل: ردها لان المهدى موضعا من القلب وقد روي.
تهادوا تحابوا، ولا يجوز عليه الصلاة والسلام - أن يميل بقلبه إلى مشرك فردها قطعا لسبب الميل وليس ذلك مخالفا لقبوله هدية المقوقس والبدر ومارية ودومة ونحوهما، لانهم أهل كتاب وليسوا بمشركين، وقد أبيح له طعام أهل الكتاب ونكاحهم، وذلك خلاف حكم أهل الشرك، وقال البيهقي: يحتمل رد هديته التحريم ويحتمل قصد به التنزيه، والاخبار في قبول هداياهم أصح وأكثر، وقال الحافظ: جمع الطبري بين هذه الاحاديث بأن الامتناع فيما أهدى له خاصة، والقبول فيما أهدي للمسلمين وفيه نظر، لان جملة أدلة الجواز ما وقفت الهدية له خاصة، وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته والموالاة والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الاسلام، وهذا أقوى من الاول، وقيل: يحمل القبول في حق من كان من أهل الكتاب والرد على من كان من أهل الاوثان، وقيل: يمتنع ذلك لغيره من
__________
(1) أخرجه أبو داود 3 / 807 (3537) والترمذي 5 / 730 (3945) والنسائي 6 / 280 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1145) وأحمد 2 / 292.
(2) انظر المجمع 4 / 156.
(*)(9/31)
الامراء وإن ذلك من خصائصه، وادعى بعضهم نسخ المنع بأحاديث القبول، ومنهم من عكس، وهذه الاوجه الثلاثة ضعيفة فالنسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: " كراع " بكاف فراء فألف فعين مهملة، قيل هو اسم مكان ولا يثبت ويرده حديث أنس الاتي بعده.
" القطف " بقاف مكسورة فطاء مهملة ساكنة ففاء، العنقود.
" غدر " بغين معجمة مضمومة فدال مهملة مفتوحة، معدول عن غادر للمبالغة وللانثى، غدار كقطام وهما مختصان بالنداء في الغالب.
" العكة " بعين مهملة مضمومة فكاف مفتوحة فتاء تأنيث وعاء من جلد مختص بالسمن والعسل.
" البادية " الصحراء وقد تقدم تفسيرها مرارا.
" الحاضرة " بحاء مهملة فألف معجمة مكسورة فراء فتاء تأنيث، خلاف البادية.
" الاعراب " بفتح الهمزة وسكون العين والراء وألف وآخره موحدة، ساكنة البادية لا واحد له وجمعه أعاريب.
" القناع " بقاف مكسورة فنون فألف فعين مهملة الطبق الذي يؤكل عليه ويقال له قنع بالكسر والضم.
" الزغب " بزاي مضمومة فغين معجمة ساكنة فموحدة صغار القثاء.
" الجرة " بجيم مفتوحة فراء مشددة فتاء تأنيث، إناء من خزف والجمح جرار.
" المن " بميم مفتوحة فنون، العسل العفو الذي ينزل من السماء عفوا بلا علاج.
" السندس " بسين مهملة مضمومة فنون ساكنة فدال مهملة فسين مهملة، ما رق من
الديباج ورقع المنديل.
" القيط " بقاف مكسورة فموحدة ساكنة وطاء مهملة أهل مصر.
" القدح " بقاف فدال مفتوحتين فحاء مهملتين.
" القوارير " (إناء من زجاج رقيق).
الحلة - بحاء مهملة مضمومة فلام مفتوحة فتاء تأنيث، برود اليمن، ولا يسمى حلة إلا أن يكون لونين من جنس واحد.(9/32)
السيراء: - بسين مهملة مكسورة فتحتية مفتوحة فراء مفتوحة فألف فهمزة، نوع من البرود يخالطه حرير كالسيور وهو فعلاء من السير، يقال: حلة سيراء على الاضافة.
أيلة: بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية، بلد معروف بساحل البحر بطريقة المسافرين إلى مكة وهي الان خراب.
" يحرهم " أي يملدهم تقدم معناه مرارا.
وكذلك ودان: (هي موضع قريب من الجحفة).
وشيق ظبي (الوشيقة أن يؤخذ اللحم فيغلى قليلا ولا ينضج ويحمل في الاسفار).
الرغاء: - براء مضمومة فغين معجمة فألف فهمزة - صوت الابل.
الخوار: - بخاء معجمة مضمومة فواو فألف فراء - صوت البقر.
" زبد المشركين " بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة، الرفد والعطاء.
البكرة: الفتى من الابل تقدمت.(9/33)
الباب الثاني في العطايا
وفيه أنواع:
الأول: في وعظه من أعطاه شيئا فرده: والثاني: في إعطائه صلى الله عليه وسلم شيئا لقوم يتألفهم للايمان وتركه الاخرين لوثوقه بإيمانهم: عن عمرو بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشئ فقسمه فأعطى رجلا وترك رجلا فبلغه.
الثالث: في إهدائه صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه وغيرهم: وروى الامام أحمد والطبراني عن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، قال لها: " إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة علي، فإن ردت علي فهي لك " فكان كما قال صلى الله عليه وسلم وردت عليه هديته، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة، ورواه مسدود والامام أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - (1).
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 404 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1144) والبيهقي 6 / 26.
(*)(9/34)
الباب الثالث في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الاقطاع
وفيه أنواع: الأول: في إقطاعه صلى الله عليه وسلم جماعة: وروى الامام أحمد والترمذي وأبو داود عن وائل بن حجر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا، بحضرموت وأرسل معه معاوية، ليقتطعه إياها، فقال له معاوية: أردفني خلفك، قال لست من إرداف الملوك، فقلت، أعطني نعلك، فقلت: انتعل ظل ناقتي فلما استخلف معاوية أتيته فأقعدني معه على البساط (1).
وروى الامام الشافعي عن يحيى بن جعدة - رحمه الله تعالى - قال: لما قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الناس الدور، فقال حي من بني زهرة يقال لهم بنو عبد زهرة نكب عنا ابن أم عبد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم ابتعثني الله إذن ؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه (2).
وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصار ليقطع لهم بالبحرين، فقالت الانصار حتى تقطع لاخواننا المهاجرين مثل الذي تقطع لنا، فلم يكن ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني " (3).
وروى الطبراني عن بلال بن الحارث - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه هذه القطعة وكتب له بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المزني أعطاه معادن القبلية غوريها وجلسيها عشبة وذات النصب وحيث يصلح الزرع من قدس إن كان صادقا وكتب معاوية (4).
وروى الامام أحمد عن عمر بن عوف المزني وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبيلة جلسيها وغوريها وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يقطعه حق مسلم (5).
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 399 وأبو داود الطيالسي ص 137 (1017) وأبو داود 3 / 443 (3058) والترمذي 3 / 665 (1381) والبيهقي 6 / 144 وانظر التلخيص 4 / 64.
(2) الشافعي 2 / 133 (435) والطبراني في الكبير 11 / 274 (10534) والبغوي في شرح السنة 8 / 271 وابن حجر في المطالب (3290) وابن سعد 3 / 1 / 108.
(3) أخرجه البخاري (5 / 59) (2377).
(4) الحديث عن أبي داود (3063).
(5) وانظر التمهيد لابن عبد البر 3 / 237، 7 / 33.
(*)(9/35)
وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المزني، أعطاه
معادن القبلية غوريها وحيث يصلح الزرع من قدس " (1) (وكتب إلى أبي بن كعب).
وروى الامام مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن - رحمه الله تعالى - عن غير واحد من علمائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبيلة وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة (2).
وروى أبو يعلى عن يحيى بن عمرو بن يحيى بن سلمة الهمداني عن أبيه عن جده عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيس بن مالك: " سلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته أما بعد، فإني استعملتك على قومك عربيهم وجمهورهم، ومواليهم وحواشيهم وأعطيتك من ذرة بسار مائتي صاع من زبيب خيران، مائتي صاع جاري ذلك لك ولعقبك من بعدك أبدا أبدا، أحب إلي أن لا أرجو أن يبقى عقبي أبدا، عربهم أهل البادية وجمهورهم أهل القرس " (3).
وروى الامام أحمد وأبو داود عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير حضر فرسه بأرض يقال لها داوي، فأجرى الفرس حتى قام ثم رمى بسوطه ثم قال أعطوه من حيث بلغ السوط (4).
وروى إسحاق بن راهويه برجال ثقات منقطعا عن أبي جعفر - رحمه الله تعالى - قال: جاء العباس إلى عمر - رضي الله عنهما - فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعني البحرين، قال: من يشهد لك ؟ قال: المغيرة بن شعبة.
وروى أبو داود عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير نخلا (5).
وروى الشيخان عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير وهي على ثلاثة فراسخ (6).
وروى البخاري عن عروة - رحمه الله تعالى - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أرض بني النضير (7).
__________
(1) سقط في ج.
(2) انظر التمهيد 3 / 32.
(3) مجمع (3 / 87) قال الهيمني: رواه أبو يعلى وفيه عمرو بن يحيى بن سلمة وهو ضعيف.
(4) أخرجه أحمد 2 / 6 156 / 144 والطبراني في الكبير 12 / 263 وأبو داود (3072).
(5) أخرجه أبو عبيدة في الاموال ص 347 (678) وأبو داود 3 / 451 (3069) وأبو يوسف في الحزانة ص 61 والشافعي في المسند 2 / 133 (436) والبخاري معلقا 6 / 252 في كتاب فرض الخمس باب ما كان النبي (ص) يعطي المؤلف.
(6) أخرجه البخاري (6 / 290) (3151) وابن أبي شيبة 12 / 354.
(7) البخاري (6 / 290) (3151) معلقا.
(*)(9/36)
وروى أيضا عن عمرو بن حريث - رضي الله تعالى عنه - قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قوس، وقال: أزيدك أزيدك (1).
وروى الطبراني والبغوي برجال الثقات عن مجاعة بن مرارة - رضي الله تعالى عنه - قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجاعة بن مرارة أرضا باليمامة يقال لها العوذة وكتب له بذلك كتابا: من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجاعة بن مرارة من بني سلمى إني قد أعطيتك العوذة فمن خالفني فيها فالنار، وكتب يزيد (2).
وروى ابن أبي حاتم والطبراني وسماه عن عثير بمثلثة، ويقال بالفوقية مصغر ويقال عسير بضم العين المهملة وتشديد السين المهملة أي لبيد العدوي - رضي الله تعالى عنه - أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا بوادي القرى فأقطعه إياها فهي إلى الان تسمى بويرة عثير (3).
وروى الطبراني عن أبي السائب عن جدته - رضي الله تعالى عنها - وكانت من المهاجرات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها بئرا بالعقيق (4).
وروى الطبراني وابن مرة عن أوفى بن موله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأقطعني العميم، وشرط علي ابن السبيل أول ريان، وأقطع ساعدة رجل منا بئرا بالفلاة يقال لها: الجعوبية وهي
بئر يخبأ فيها المال، وليست بالماء العذب، وأقطع الناس معادة العرى، وهي دون اليمامة، وكنا أتيناه جميعا، وكتب لكل رجل منا بذلك في أديم (5).
وروى البخاري عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة - رحمه الله تعالى - أن بني صهيب مولى بني جدعان ادعوا ببيتين وحجرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ذلك صهيبا، فقال مروان: من يشهد لكم على ذلك ؟ فقالوا: ابن عمر فدعاه فشهد لعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيبا بيتين وحجرة فقضى مروان بشهادته لهم.
وروى الامام أحمد عن ربيعة الاسلمي - رضي الله عنه - قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى أبا بكر أرضا.
وروى أبو داود عن سبذة بن عبد العزيز بن الربيع الجهني عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة فأقام ثلاثا ثم خرج إلى
__________
(1) أبو داود (3060) والطبراني في الكبير 3 / 230.
(2) انظر المجمع 6 / 9 والكنز (3 / 1113) وقال: رواه الطبراني في الاوسط ورجاله ثقات.
(3) انظر مجمع الزوائد (6 / 12) ووقع في المجمع عتير.
(4) مجمع الزوائد (6 / 12) قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه أبو السائب قال الذهبي مجهول.
(5) مجمع الزوائد (6 / 12).
(*)(9/37)
تبوك وإن جهينة لحقوه بالرحبة فقال لهم: من أهل ذي المروة ؟ فقالوا: بنو رفاعة بن جهينة، فقال لهم: قد أقطعتها لبني رفاعة فاقتسموها فمنهم من باع ومنهم من أمسك (1).
وروى أبو بكر أحمد بن عمر بن عاصم النبيل بن مجاعة بن مرارة من بني سلمة اليماني - رضي الله تعالى عنه - قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعني الغورة وعوانة والجبل وكتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم إني أقطعتك العورة والعوانة والجبل فمن حاجك فإلي ثم أتيت أبا بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعني الغواة ثم أتيت عمر بن أبي بكر فأقطعني.
وروى أيضا عن سراج بن هلال بن سراج بن مجاعة قال: وفدت على عمر بن عبد العزيز فأخرجت إليه هذا الكتاب فقبله ووضعه على عينيه (2).
الثاني: في ارتجاعه صلى الله عليه وسلم بعد ما أقطعه إذا تبين له أنه لا يقطع: وروى الباوردي عن أبيض بن حمال - رضي الله تعالى عنه - أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فاستقطعه الملح الذي يقال له شدا بمأرب فأقطعه له فلما ولى قال الاقرع بن حابس: يا رسول الله، إني قد وردت الملح في الجاهلية، وهي بأرض ليس بها ماء ومن ورده أخذه، وهو مثل الماء العذب فانتزعه منه وفي رواية واستقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض بن حمال في قطيعته في الملح، فقال: لقد أقلتك منه على أن تجعله صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو منك صدقة وهو مثل العد " (3) وهو مثل الماء العذب من ورده أخذه فقطع له النبي صلى الله عليه وسلم أرضا وغيلا بالجوف جوف مراد حين أقاله منه.
وروى الدارمي وأبو داود والترمذي وقال غريب والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني في الكبير وابن أبي عاصم والباوردي وابن قانع وأبو نعيم في الصحابة عن أبيض بن حمال أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح الذي بمأرب فقطعه له فلما أن ولى، قال رجل من المجلس: أتدري ما أقطعت له الماء العد فانتزع منه ؟ قال وسأله عن ما يحمى من الاراك، قال: ما لم تنله خفاف الابل ورواه البغوي إلى قوله " العد " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إذن.
وروى أبو داود عن محمد بن الحسن المخزومي " ما لا تنله أخفاف الابل - يعني أن الابل تأكل منتهى رؤوسها ويحمى ما فوقه ".
__________
(1) أخرجه أبو داود (3068) والبيهقي 6 / 149.
(2) مجمع الزوائد (6 / 12) ورجاله ثقات.
(3) أبو داود (3064) الترمذي 606 وابن أبي شيبة 7 / 519 مالك في الموطأ 412، 413.
أخرجه ابن حبان (1140، 1642) (114) والطبراني في الكبير 1 / 254.
(*)(9/38)
الثالث: في إقطاعه صلى الله عليه وسلم ما لم يفتحه قبل فتحه: وروى الامام أحمد برجال الصحيح عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله تعالى عنه - قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله اكتب لي بكذا وكذا الارض من الشام لم يظهر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده ليظهرن عليها، قال فكتب لي بها الحديث.
وروى الطبراني برجال ثقات عن تميم الداري - رضي الله تعالى عنه - قال استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا بالشام قبل أن تفتح فأعطانيها فاستفتحها عمر في زمانه فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني أرضا من كذا فجعل عمر - رضي الله تعالى عنه - ثلثها لابن السبيل وثلثها لعماريها وثلثها لنا.
الرابع: في بعض ما حمى لله: روى الطبراني والبزار برجال الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حمى إلا لله ولرسوله " (1).
وروى الامام أحمد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى البقيع لخيل المسلمين (2).
وروى الطبراني برجال الصحيح عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى الربذة لابل الصدقة (3).
تنبيهات الأول: قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي: قال الصاحب الامام سفير الخلافة أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي الحسن البادرائي - رحمه الله تعالى -، قلت وهو صاحب المدرسة البادرائية العظيمة بدمشق: إنه شاهد صورة بخط أمير المؤمنين علي - رضي الله تعالى عنه - الذي كتبه بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما أعطى محمد رسول الله تميما الداري وأخواته (4)، عيرون والمرطوم وبنت عينون وبنت إبراهيم وما فيهن عطية البيت برمتهم،
ونفذت وسلمت ذلك لهم ولاعقابهم، فمن أذاهم أذاه الله، ومن أذاهم لعنه الله شهد عتيق بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علي بن أبي طالب وشهدت، قلت (أبو) في الموضعين بالواو على الحكاية.
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 73271 وابن أبي شيبة 7 / 303 والطبراني في الكبير 8 / 95 والدارقطني 4 / 238 وانظر المجمع 4 / 158.
(2) مجمع الزوائد (4 / 161).
الخطيب في التاريخ 3 / 22.
(3) انظر المجمع 4 / 158 ورجاله رجال الصحيح.
(4) انظر جمع الجوامع 2 / 704 وابن عساكر كما في التهذيب 3 / 354، 355، 357، 10 / 465.
(*)(9/39)
الثاني قد تواردت الحكايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع تميما وأخاه نعيما وأصحابهما وذريتهم قرى بأرض بيت المقدس وكتب لهم بذلك كتابا، ولعن فيه من عارضهم ولم يزل هذا الكتاب بأيديهم إلى وقتنا هذا، وقد ألف الحافظ أبو الفضل بن حجر والحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي وشيخنا الحافظ أبو الفضل جلال الدين السيوطي في صحة ذلك مؤلفا وفي كل ما ليس في الاخر، ومن أراد الزيادة على ما هنا فليراجع ذلك.
الثالث: نازع بعض الظلمة من زمن الامام الغزالي لما كان بدمشق ذرية تميم الداري في ذلك وأراد نزعه منهم فأفتى الامام الغزالي بكفره.
الرابع: في بيان غريب ما سبق: البساط: (ضرب من الفرش ينسج من الصوف ونحوه).
نكب: - بنون فكاف فموحدة مفتوحات - عدل.
البحرين: تقدم تفسيره.
الاثرة: بهمزة فمثلثة فراء مفتوحات فتاء تأنيث - الاسم من آثر يستأثر عليكم فيفضل
غيركم في نصيبه من الفئ.
معادن: جمع معدن قد تقدم.
القبلية: بقاف فموحدة مفتوحتين فلام فتحتية مشددة فتاء تأنيث موضع من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام.
غوريها: بغين معجمة مفتوحة فواو ساكنة فراء مكسورة فتحتية من الغور ما ارتفع من الارض.
ذات النصب: بنون فصاد مهملتين مضمومتين فموحدة موضع على أربعة برد من المدينة.
قدس: بقاف مضمومة فدال ساكنة فسين مهملتين.
الفرع: بفاء مضمومة فراء ساكنة فعين مهملة موضع معروف بين مكة والمدينة.
الارحى: بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فحاء مهملة مفتوحة جبل معروف، وقيل: هي الموضع المرتفع الذي يصلح للزراعة.
الحضر: بحاء مهملة مضمومة فضاد معجمة ساكنة فراء العدد.
الفرسخ: بفاء مفتوحة فراء ساكنة فسين مهملة مفتوحة فخاء معجمة.(9/40)
اليمامة: بتحتية فميمين بينهما ألف مفتوحات فتاء تأنيث الموضع المعروف شرقي الحجاز، ومدينتها العظمى حجر اليمامة.
العوزة: وادي، القرى والعقيق، تقدم الكلام عليها.
الغميم: بغين معجمة فميمين بينهما مثناة تحتية موضع رابع.
الرحبة: حركة ناحية بين المدينة والشام.
ثعلبة: بمثلثة مفتوحة فعين مهملة ساكنة فلام فموحدة فتاء تأنيث.
الخشف: بخاء معجمة مضمومة فشين معجمة ساكنة.
الحمى: بحاء مهملة في اللغة الموضع الذي فيه كلا يحمى والله أعلم.(9/41)
جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في النكاح والطلاق والايلاء
الباب الأول في آداب متفرقة
وفيه أنواع: الأول في حثه صلى الله عليه وسلم على النكاح ونهيه عن التبتل: روى ابن أبي الدنيا عن أبي أيوب - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سنن المسلمين الحياء والنكاح والتعطر والسواك " رواه ابن عدي عن جابر وعن ابن عباس بلفظ من سنن المرسلين الحلم والحياة والتعطر وكثرة الازواج (1).
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " (2).
الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى المخطوبة وصرفه وجهه من نظر إلى غير زوجته ومحارمه: وروى الامام أحمد وأبو داود، والعقيلي في الضعفاء والطحاوي والحاكم والبيهقي والضياء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه من نكاحها فليفعل " (3).
وروى أبو داود عن جابر والامام أحمد والطبراني عن أبي حميد الساعدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته وإن كانت لا تعلم " (4).
وروى الدبلي عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب أحدكم المرأة فليسأل عن شعرها كما يسأل عن جمالها، فإن الشعر أحد الجمالين " (5).
وروى عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب
__________
(1) انظر تلخيص الجسر 1 / 66.
(2) أخرجه البخاري 9 / 117 (5073) ومسلم 2 / 1020 (6 / 1402).
(3) أحمد 3 / 334 وأبو داود 2 / 565 (2082) والحاكم 2 / 165 والبيهقي 7 / 85 والمجمع 4 / 276 ونصب الراية 4 / 241 والتلخيص 3 / 147.
(4) انظر مجمع الزوائد 4 / 276.
(5) انظر كنز العمال (44528) وكشف الخفاء 2 / 13.
(*)(9/42)
أحدكم المرأة وهو يخضب بالسواد فليعلمها أنه يخضب " (1).
وروى الامام أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي والدارقطني عن المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ولا تنظر إلا إلى وجهها وكفيها " (2).
وروى الامام أحمد برجال ثقات والبزار عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أم سليم تنظر إلى جارية، فقال: شمي عوارضها وانظري إلى عرقوبيها (3).
وروى الطبراني عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد خطبة امرأة بعث أم سليم تنظر إليها فشمت أعقابها وبطون عراقيبها.
وروى الائمة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان الفضل بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الاخر، وفي رواية فجعل الفضل يلاحظ النساء، وينظر إليهن، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه مرارا وجعل الفضل يلحظ إليهن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي، هذا
يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه، غفر له (4).
الثالث: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الخطبة: روى الائمة إلا الدارقطني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " (5).
الرابع: في خطبته صلى الله عليه وسلم في النكاح: روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - وروى الائمة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة فيقول: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
__________
(1) انظر الكنز (44529).
(2) أخرجه أحمد 4 / 246 والدارمي 2 / 134 والترمذي 3 / 397 (1087) وابن ماجه 1 / 599 (1865) والنسائي 6 / 69 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 303 (1236).
(3) أحمد 3 / 231 والحاكم 2 / 166 والبيهقي 7 / 87.
(4) تقدم وهو عند البخاري 3 / 442 (1513).
(5) أخرجه البخاري 4 / 352 (2139، 5142) ومسلم 2 / 1032 (50 / 1412).
(*)(9/43)
سيدنا محمدا عبده ورسوله، قال أبو عبيدة: وسمعت من أبي موسى يقول: فإن شئت أن تسأل أتيتك بآي من القرآن تقول: (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (آل عمران / 102) (اتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا) (النساء / 1) (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) (الاحزاب / 70، 71) أما بعد، ثم تكلم بحاجتك (1).
وروى أبو داود والامام أحمد والنسائي والترمذي والبيهقي عن ابن معسود أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد (ذكر نحوه، وقال بعد قوله " ورسوله " " أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا " (2).
وروى الامام أحمد عن أبي أيوب الانصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اكتم الخطبة " (3).
الخامس: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى امرأة: روى الامام أحمد والطبراني برجال ثقات والحكيم الترمذي عن أبي كبشة الانصاري - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، وفي لفظ كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت بنا امرأة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل وخرج واغتسل فقلنا: يا رسول الله، قد كان شئ ؟ قال: " نعم نعم، مرت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها فكذلك فافعلوا فإنه من أمانات أعمالكم إتيان الحلال "، وفي لفظ: " فدخل منزله ثم خرج إلينا قد اغتسل، قلنا نرى أنه قد كان شئ يا رسول الله، قال مرت فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء فقمت إلى بعض أهلي فوضعت شهوتي فيها، وكذلك فافعلوا، فإنه لمن أماثل أعمالكم إتيان الحلال " (4).
وروى الطبراني في كتاب العشرة عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند سودة بنت زمعة فإذا امرأة مشوقة قاعدة على الطريق رجاء أن يتزوجها - فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى زوجته سودة فقضى حاجته ثم اغتسل، فخرج إلى
__________
(1) أخرجه الدارمي 2 / 142 أخرجه أبو داود الطيالسي ص 45 عقب حديث (338) وأبو داود 2 / 591 (2118) والبيهقي 7 / 146 وأخرجه الترمذي 3 / 413 (1105) والنسائي 6 / 89 وابن ماجه 1 / 609.
(2) أخرجه أبو داود (2119).
(3) أحمد 5 / 423 والطبراني في الكبير 4 / 159 وابن خزيمة (1220) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (685) والحاكم 1 / 314، 2 / 165 وانظر نصيب الراية 1 / 71.
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية 2 / 20 وانظر المجمع 4 / 292 وعزاه لاحمد والطبراني وقال: ورجال أحمد ثقات.
(*)(9/44)
أصحابه، فقال: إنما حبسني عنكم امرأة عرضت لي في الطريق قد تشوقت رجاء أن أتزوجها فلما رأيتها، رجعت إلى سودة فقضيت حاجتي، فمن رأى منكم امرأة تعجبه فليرجع إلى زوجته، فإن الذي مع زوجته مثل الذي معها.
السادس: في سيرته صلى الله عليه وسلم في نكاح المتعة: روى البخاري ومسلم عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا شغار في الاسلام " (2) وأيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار (3).
الثامن: في هديه صلى الله عليه وسلم نكاح الجاهلية (4): التاسع: في رده - صلى الله عليه وسلم - بالعيب في النكاح: روى سعيد بن منصور عن كعب بن زيد أو زيد بن كعب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار وفي لفظ: من بني بياضة فوجد بكشحها بياضا فردها فقال: دلستم علي فلما دخل عليها ودفع ثوبه وقعد على الفراش، أبصر بكشحها بياضا فانحاز عن الفراش ثم قال: خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا (5).
العاشر: فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحد من أصحابه: روى الشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا ؟ فقال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: بارك الله أولم ولم بشاة (6).
وروى الامام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الانسان تزوج، قال: بارك الله لك، وبارك
__________
(1) لم يذكر المصنف شيئا هنا وذكرنا ذلك تتميما للفائدة والحديث أخرجه البخاري 7 / 481 (4216) ومسلم 2 / 1027 (29 / 1407).
(2) أخرجه مسلم 2 / 1035 (60 / 1415).
(3) أخرجه البخاري 9 / 162 (5112) ومسلم 2 / 1034 (57 / 1415).
والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الاخر ابنته ليس بينهما صداق وأبو داود 2 / 227 (2074) والترمذي 3 / 431 (1124) والنسائي 6 / 110 وابن ماجه 1 / 606 (1883).
(4) ذكره المصنف رحمه الله هذا لم يذكر شيئا من الاحاديث والاثار كأنه اكتفى بنكاح المتعة والشغار باعتبارهما ضرب من ضروب الجاهلية.
(5) أخرجه أحمد 3 / 493 وانظر المجمع 4 / 300 والبيهقي 7 / 256.
(6) أخرجه البخاري 9 / 204 (5148) ومسلم 2 / 1042 (79 / 1427).
(*)(9/45)
عليك وجمع بينكما في خير (1).
الحادي عشر: فيما يحرم من النسب والصهر والرضاع: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها " (2).
وروى البخاري ومسلم عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة " (3).
الثاني عشر: في الاولياء والشهود والاستئذان والاخبار بحكم البكر والثيب في ذلك والكفارة: روى الامامان الشافعي، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، والدارقطني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل " (4).
وروى الامام أحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي والدارقطني عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل " (5).
وروى الامام أحمد والاربعة عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة يزوجها وليها فهي للاول منهما " (6).
وروى أبو داود عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: " أترضى أن أزوجك فلانة ؟ " قال: نعم، وقال للمرأة " أترضين أن أزوجك فلانا " قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها (7).
__________
(1) أخرجه الدارمي 2 / 134 وأبو داود (1320) والترمذي (1091) وأحمد 3 / 451 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1284) وسعيد بن منصور (522) الحاكم 2 / 183 والبيهقي 7 / 148 وابن السني 596 والخطيب 11 / 42 وانظر التلخيص 3 / 152.
(2) لم يذكر المصنف هنا شيئا وأتممنا ذلك للفائدة والحديث أخرجه البخاري 9 / 160 (5109) ومسلم 2 / 1028 (33 / 1408).
(3) البخاري 9 / 139 (5099) ومسلم 2 / 1068 (2 / 1444).
(4) أخرجه الشافعي في المسند 2 / 11 (19) وأحمد 6 / 66 والدارمي 2 / 137 وأبو داود 2 / 566 (2083) والترمذي 3 / 407 (1102) وابن ماجه 1 / 605 (1879) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 305 (1248) والحاكم 2 / 168.
(5) أخرجه أحمد 4 / 394 والدارمي 2 / 137 وأبو داود 2 / 568 (2085) والترمذي 3 / 407 (1101) وابن ماجه 1 / 605 (1881) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص 304 (1243) والحاكم 2 / 169.
(6) أخرجه أحمد 5 / 8 والدارمي 2 / 139 وأبو داود 2 / 571 (2088) والترمذي 3 / 418 (1110) والنسائي 7 / 314 وابن ماجه 2 / 738 (2190).
(7) أخرجه أبو داود (2117) والحاكم 2 / 181.
(*)(9/46)
وروى الامام أحمد وأبو يعلى عن عائشة، والبزار برجال ثقات عن أبي هريرة، والطبراني في الاوسط عن أنس والطبراني عن ابن عباس والطبراني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهم -
قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليه بعض بناته جلس إلى خدرها، فقال: " إن فلانا يخطب فلانة "، يسميها ويسمي الرجل الذي خطبها فإن طعنت في الخدر لم يزوجها وإن سكتت كان سكوتها رضاها (1).
وروى الائمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الايم أحق من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها " (2).
وروى الستة والدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها " (3).
وروى الامام أحمد والشيخان والنسائي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قلت: يا رسول الله، إن البكر تستحي قال " رضاها صمتها " (4).
وروى الامام أحمد وأبو داود والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم (5).
وروى الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير " وقال الترمذي حسن غريب (6) والبيهقي عن أبي حاتم المزني وقال غيره إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض " (7).
وروى الحاكم في تاريخه والديلمي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جاءكم الاكفاء فأنكحوهن ولا تربصوا بهن الحدثان " (8).
__________
(1) أحمد 6 / 78 وعبد الرزاق (10379) والطبراني 11 / 355 وابن أبي شيبة 4 / 136 والمجمع 4 / 278.
(2) مسلم 2 / 1037 (67 / 4121) وأخرجه من حديث أبي هريرة البخاري 12 / 355 (9968) ومسلم (64 / 1419) وأبو داود 2 / 231 (2092) والترمذي 3 / 415 (1107) والنسائي 6 / 85 وابن ماجه 1 / 601 (1871).
(3) أخرجه ابن ماجه 1 / 606 (1882) والدارقطني 3 / 227 (25) والبيهقي 7 / 110 وانظر تحفة المحتاج 2 / 364.
(4) أخرجه البخاري 9 / 98 (5137).
(5) أخرجه أبو داود 2 / 232 (2096).
(6) أخرجه الترمذي 3 / 394 (1084) وابن ماجه 1 / 632 (1967) والحاكم 2 / 164 وعبد الرزاق (10325) والدولابي في الكني 1 / 25.
(7) أخرجه البيهقي 7 / 82.
(8) ذكره السيوطي في جميع الجوامع (1603) وعزاه للحاكم في التاريخ والديلمي وذكره في الصغير (547) ورمز له بالضعف والحدثان بالتحريك أو بكسر فسكون الليل والنهار أي نوائب الدهر وحوادثه.
(*)(9/47)
الباب الثاني في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الصداق
روى مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - رحمه الله تعالى - قال: سألت عائشة - رضي الله تعالى عنها - كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: كان صداقه لزوجه ثنتي عشرة أوقية ونشا، وقالت: تدري ما النش ؟ قال: قلت: لا، قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لازواجه (1).
وروى الامام أحمد والاربعة والترمذي وقال حسن غريب عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا نكح شيئا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية (2).
وروى سعيد بن منصور وأبو يعلى بسند جيد عن مسروق - رحمه الله تعالى - أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: أيها الناس ما أكثركم في صداق النساء.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك (3).
وذكر الحديث وسيأتي بتمامه في مناقب عمر - رضي الله تعالى عنه -.
وروى الطبراني عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم على
متاع يساوي أربعين درهما (4).
وروى أبو يعلى والطبراني عن أنس - رضي الله تعالى عنه - والطبراني عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنهما - قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة على متاع بيت قيمته عشرة دراهم (5).
وروى الامام أحمد والشيخان عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية بنت حيي فاتخذها لنفسه وخيرها بين أن يكون زوجها أو يلحقها بأهلها فاختارت أن يعتقها، وجعل عتقها صداقها (6).
__________
(1) أخرجه مسلم 2 / 1042 (78 / 1426).
(2) أخرجه عبد الرزاق 6 / 175 (10399) وأحمد 1 / 40 والدارمي 2 / 141 وأبو داود 2 / 582 (2106) والترمذي 3 / 422 (1114) وقال حسن صحيح والنسائي 6 / 117 وابن ماجه 1 / 607 (1887) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (307) حديث (1259) والحاكم في المستدرك 2 / 176.
(3) ابن مجمع الزوائد 3 / 286 سعيد بن منصور 1 / 96.
(4) انظر المجمع 4 / 282.
(5) انظر المجمع 4 / 282 وابن عدي في الكامل 5 / 1785.
(6) أخرجه البخاري 9 / 232 (5169) ومسلم 2 / 1043 (84 / 1365).
(*)(9/48)
وروى الائمة عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله، جئت أهب نفسي لك فقامت طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة فقال: هل عندك من شئ تصدقها ؟ قال ما عندي إلا إزاري هذا...الحديث (1).
وروى الدارقطني عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، رأ في رأيك فقال: من ينكح هذه ؟ فقام رجل عليه بردة عاقدها في عنقه،
فقال: أنا يا رسول الله، فقال: ألك مال ؟ قال: لا، يا رسول الله، قال: اجلس، ثم جاءت مرة أخرى، فقالت: يا رسول، رأ في رأيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ينكح هذه " ؟ فقام ذلك الرجل، فقال: أنا يا رسول الله، فقال: ألك مال ؟ قال لا يا رسول الله فقال: اجلس، ثم جاءت الثالثة فقالت يا رسول الله...رأ في رأيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينكح هذه ؟ فقام ذلك الرجل، فقال: أنا يا رسول الله، فقال ألك مال ؟ قال: لا، يا رسول الله، قال: فهل تقرأ من القرآن شيئا ؟ قال: نعم، سورة البقرة وسورة فصلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله تعالى عرضتها فتزوجها الرجل على ذلك.
وروى الامام أحمد والترمذي والبيهقي عن عامر بن ربيعة - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا من بني فزارة (أتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه امرأة له فقال: إني تزوجتها بنعلين، فقال لها: أرضيت ؟ فقالت: نعم، ولو لم يعطني لرضيت قال شأنك وشأنها) (2).
تنبيه: في غريب ما سبق: التعطر - بفوقية فعين مهملة مفتوحتين فطاء مهملة فراء - اتخاذ العطر وهو الطيب.
العوارض - بعين مهملة فواو مفتوحتين فألف فراء مكسورة فضاد معجمة - الاسنان التي في عرض الفم، وهي التي بين الثنايا والاضراس وأحدها عارض.
العرقوب - بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فقاف فواو فموحدة عصب غليظ فوق عقب الانسان من الدابة في رجلها بمنزلة الركبة.
الاعطاف - بهمزة مفتوحة فعين مهملة فطاء فألف ففاء نواحي العنق -.
__________
(1) أخرجه البخاري 9 / 190 (5135) ومسلم 2 / 1040 (76 / 1425).
(2) ما بين المعكوفتين سقط من أ، ب، ج، وأثبتناها من المراجع الحديثية والحديث أخرجه أبو داود الطيالسي ص 156 (1143) وأحمد 3 / 445 والترمذي 3 / 420 (1113) وقال حسن صحيح وابن ماجه 1 / 608 (1888).
(*)(9/49)
الكشح - بكاف مفتوحة فشين معجمة فحاء مهملة ما بين الخاصرة إلى الضلع
الخلفي.
النش - بنون فشين معجمة، نصف أوقية وهو عشرون درهما.
الخدر - بخاء معجمة مكسورة فدال مهملة ساكنة فراء، ناحية من البيت يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية البكر.
الايم - بهمزة مفتوحة فتحتية مكسورة مشددة فميم - أنثى لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا مطلقة كانت أو متوفى عنها.
(رأ) أمر من (رأى) والحديث عند غيره براء واحدة مفتوحية (ر).(9/50)
الباب الثالث في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الولائم
وفيه أنواع: الأول: في أمره صلى الله عليه وسلم في إجابة الدعوة: روى مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم، وإن شاء ترك ".
الثاني: في أمره صلى الله عليه وسلم بإكرام الضيف: روى البخاري ومسمل عن أبي شريح الكعبي - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يخرجه ".
الثالث: في استئذانه صلى الله عليه وسلم: روى البخاري في الادب وأبو داود عن عبد الله بن بشر - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الايمن أو الايسر، ويقول: السلام عليكم، وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور (1).
وروى الامام أحمد والشيخان والطبراني والترمذي عن أبي مسعود البدري الانصاري والامام أحمد عن جابر - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رجل من الانصار يكنى أبا شعيب، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه الجوع، فأتيت غلاما لي، قصابا فأمرته أن يصنع طعاما لخمسة رجال ثم دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء خامس خمسة وتبعهم رجل، فلما بلغ الباب، قال: هذا تبعنا فإن شئت أن تأذن له وإلا رجع فأذنت له، رواه الطبراني برجال الصحيح عن أبي شعيب نفسه (2).
وروى مسند برجال ثقات عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فقال: أتأذن لي في سعد ؟ فأذن له، ثم صنع طعاما، فقال أتأذن لي في سعد ؟ فأذن له ثم صنع طعاما، فقال أتأذن لي في سعد فأنت صاحبه (3).
__________
(1) أخرجه أبو داود (5186) وانظر الدر المنثور 5 / 39 والكنز (18495) وابن كثير في التفسير 6 / 37.
(2) أخرجه البخاري 4 / 312 (2081) (2456، 5434، 5461) ومسلم 3 / 1608 (138 / 2036).
(3) ذكره الحافظ في المطالب (2383).
(*)(9/51)
الرابع في أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقطع دارا ولا نسلا: روى الامام أحمد عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمدت إلى عنز لاذبحها فثغت فسمع ثغوتها، فقال: يا جابر، لا تقطع دارا ولا نسلا فقلت يا رسول الله، إنما هي عتودة علفتها البلح والرطبة، حتى سمنت (1).
الخامس: في أمره صلى الله عليه وسلم بإعلان النكاح والضرب عليه بالدف وكراهته لنكاح السر (2): وروى الطبراني من طريق داود بن الجراح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما فعلت فلانة ليتيمة كانت عندها " فقالت: أهديناها إلى زوجها، فقال: هلا بعتم معها جارية، تضرف بالدف وتغني، قالت: تقول ماذا ؟ قال: تقول: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
ولولا الذهب الاحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ما شمت عذاريكم وروى الطبراني عن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جوار يلغين، يقلن: فحيونا نحييكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى، ثم دعاهن، فقال: لا تقلن هكذا ولكن قلن أحيانا، وإياكم (3).
وروى الامام أحمد والبزار برجال ثقات عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: " أهديتم الجارية إلى بيتها ؟ قالت: نعم، قال: فهل بعثتم معها من يغنيهم يقول: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم، فإن الانصار قوم فيهم غزل (4).
وروى عبد الله بن الامام أحمد في زوائد المسند عن عمرو بن يحيى المازني عن جده أبي الحسن - رضي الله تعالى عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره نكاح السر حتى يضرب عليه بدف، ويقال.
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم (5).
وروى البخاري عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها زفت امرأة إلى رجل من الانصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة، ما كان معكم لهو ؟ فإن الانصار يعجبهم اللهو " (6).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 396.
(2) انظر المجمع 4 / 289 وعزاه للطبراني في الاوسط.
(3) انظر المجمع 4 / 290.
(4) أحمد 3 / 391 والمجمع 4 / 4 289 / 289 وابن الجوزي في التلبيس (225).
(5) أخرجه أحمد 4 / 78 والبيهقي في السنن الكبرى 7 / 290 وانظر المجمع 4 / 288.
(6) أخرجه البخاري 9 / 225 (5162).
(*)(9/52)
وروى أيضا عن الربيع بنت معوذ بن عفراء - رضي الله تعالى عنها - قالت جاء النبي
- صلى الله عليه وسلم - فدخل حين بنى علي فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، وقالت له إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال: دعي هذه، وقولي بالذي كنت تقولين (1).
وروى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أنكحت عائشة ذات قرابة من الانصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهديتم الفتاة ؟ قالوا: نعم، قال: أرسلتم معها من يغني ؟ قالت: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الانصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم (2).
السادس: في إجابته صلى الله عليه وسلم الدعوة في أي وقت كان على أي شئ كان: وروى الامام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح وأبو يعلي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت إليه لاجبت " (3).
وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى ذراع أو كراع لاجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت (4).
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كراع لاجبت.
وروى ابن ماجه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوه المملوك (5).
وروى الامام أحمد وابن سعد وابن شيبة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه (6).
وروى مسدد مرسلا برجال ثقات عن مجاهد - رحمه الله تعالى - قال: إن كان الرجل من أهل العوالي ليدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم شطر - وفي لفظ " نصف " الليل على خبز الشعير فيجيبه ورواه الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (7).
__________
(1) أخرجه البخاري 9 / 202 (5147).
(2) أخرجه ابن ماجه (1900) والطحاوي في الشكل (4 / 297) والبيهقي 7 / 289.
(3) تقدم.
(4) تقدم.
(5) أخرجه ابن ماجه (2296) وابن أبي شيبة 3 / 164 وأبو نعيم في الجلية 7 / 312 وابن سعد 1 / 2 / 2 95 / 66 وانظر المجمع 9 / 20.
(6) تقدم وهو عند أحمد 3 / 210.
(7) تقدم.
(*)(9/53)
وروي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فذهب معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير، ومرقا فيه دباء، الحديث (1).
وروى الشيخان عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي - رضي الله تعالى عنه - دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد بلت ثلاث ثمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحقه بذلك (2).
السابع: في اشتراطه صلى الله عليه وسلم حضور بعض أصحابه: روى الطبراني بسند جيد رجاله رجال الصحيح.
وفيه انقطاع، عن صهيب - رضي الله تعالى عنه - قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتيته وهو في نفر جالس، فقمت حياله فأومأت إليه فأومأ إلي، وهؤلاء، قلت: لا، فسكت، فقمت مكاني، فلما نظر إلي أومأت إليه، فقال: وهؤلاء، قلت: مرتين يفعل ذلك أو ثلاثا، فقلت: نعم، وهؤلاء وإنما كان شيئا يسيرا صنعته له، فجاؤوا معه فأكلوا حسية قال وفضل منه.
وروى الامام أحمد ومسلم والنسائي عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن جارا لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فارسيا وكان طيب المرق، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه، فقال: وهذه لعائشة، فقالا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، فعاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه قال: لا، قال رسول الله: لا، ثم عاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قال: نعم، في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله (3).
الثامن: في امتناعه صلى الله عليه وسلم من الدخول في محل الضيافة لامر شرعي: وروى النسائي وابن ماجه عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت سترا فيه تصاوير فرجع، وقال: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير (4).
وروى الامام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن أبي عبد الرحمن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا أضاف علي بن أبي طالب، فصنع له طعاما، فقالت فاطمة: لو دعونا
__________
(1) تقدم.
(2) أخرجه البخاري 7 / 43 (5182) ومسلم 3 / 1590 (86 / 2006).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الاشربة (139) وأحمد 3 / 123.
(4) أخرجه ابن ماجه (3650).
(*)(9/54)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معنا، فأرسل فجاء فوضع يده على عضادتي الباب، فإذا قداما قد ضرب في ناحية البيت، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فقالت فاطمة لعلي: اتبعه فقل له: ما رجعك ؟ قال: فتبعته، فقال: ما رجعك يا رسول الله ؟ فقال: إنه ليس لنبي أو ليس لنبي أن يدخل بيتا مزوقا (1).
وروى البخاري وأبو داود عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيت فاطمة فوجد على بابها سترا مؤشيا (2)...الحديث.
وروى الامام أحمد والدارقطني من طريق عيسى بن المسيب، قال الدارقطني: صالح
الحديث حدثنا أبو زرعة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الانصار.
ودونهم دور لا يأتيهم فشق ذلك عليهم، فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في داركم كلبا " قالوا فإن في دارهم سنورا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " السنور سبع " (3).
التاسع: في وليمته - صلى الله عليه وسلم - على بعض نسائه: وروى البخاري في رواية كريمة وأبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بمدين من شعير (4).
وروى الطبراني من طريق جدول بن جيفل قال الذهبي: صدوق وقال ابن المديني: له مناكير عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم على بعض نسائه بقدر من هريس (5).
وروى الطبراني برجال ثقات عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن (6).
وروى الامام أحمد والطبراني وابن ماجه بسند جيد عن أسماء بنت يزيد بن السكن - رضي الله تعالى عنها - قالت: قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته لجلوتها فجلس إلى جنبها بعس لبن ثم ناولها، فخفقت رأسها، واستحيت فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 221، 222 وأحمد في الزهد (7) وأبو داود (3755، 3756) والحاكم 2 / 186 وابن ماجه (3360) وابن عبد البر، في التمهيد 10 / 181.
(2) أخرجه أبو داود 2 / 470 (4149).
(3) أخرجه الدارقطني 1 / 63 والطحاوي في المشكل 3 / 272 والحاكم 1 / 183 وانظر المجمع 1 / 278.
(4) أخرجه البخاري 9 / 146 (5172).
(5) المجمع 4 / 53.
(6) انظر المجمع (4 / 53).
(*)(9/55)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فشربت شيئا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أعطي تربك فقلت: يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي ثم طفقت أديره، وأتبعه بشفتي لاصيب منه مشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لنسوة عندي: ناوليهن، فقلن: لا نشتهيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجمعن جوعا وكذبا " (1).
وروى الامام مالك في الموطأ عن يحي بن سعيد أنه قال: قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم، ووصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس، وزاد: قلت: بأي شئ، يا أبا حمزة قال: تمر وسويق (2).
وروى الطبراني عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق (3).
عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: لما دخلت صفية بنت حيي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسطاطه حضرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا عن أمكم فلما كان من العشي حضرنا ونحن نرى أن ثم قسما فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف من تمر عجوة، فقال: كلوا من وليمة أمكم (4).
وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة، ورواه مسلم بلفظ: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب، فقال ثابت: بم أولم ؟ قال: أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه (5).
وروى الشيخان وأبو يعلى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا بيني عليه بصفية بنت حيي، فقال من كان عنده فضل زاد فليأتنا به، فجعل الرجل يأتي بفضل التمر، وفضل السويق حتى جعلوا من ذلك سوادا حبسا وفحصت
الارض أفاحيص، وجئ بالانطاع فوضعت فيها، وجئ بالاقط والسمن، فشبع الناس من ذلك الحين وشربوا من حياض إلى جنبهم من ماء السماء وفي لفظ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليمة
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 438، 453 وابن ماجه (3298) وانظر المجمع 4 / 51 والحميدي (367).
(2) أخرجه مالك في الموطأ 2 / 546 (48) وابن ماجه في السنن (1910).
(3) من حديث أنس أخرجه أحمد 3 / 110 وأبو داود 4 / 126 (3744) والترمذي 3 / 403 (1095) والنسائي ذكر المزي في التحفة 1 / 377 وابن ماجه 1 / 615 (1909) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1062).
(4) أخرجه أحمد 3 / 333 وابن سعد 8 / 89 وانظر المجمع 4 / 49.
(5) البخاري 9 / 232 (5168) و 8 / 528 (2794) ومسلم 2 / 1049 (90 / 1428).(9/56)
على صفية ثلاثة أيام وبسط نطعا جاءت به أم سليم عليه أقطا وتمرا، وأطعم الناس ثلاثة أيام (1).
العاشر: في حضوره صلى الله عليه وسلم أملاك رجال من أصحابه - رضي الله تعالى عنهم -: وروى الطبراني برجال ثقات غير حازم مولى بني هاشم عن لمازة وليس بابن زياد عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاك رجل من أصحابه، فقال على الخير والبركة والالفة والطائر الميمون والسعة في الرزق، بارك الله لكم دفوا على رأسه فجئ بالدف، فضرب فأقبلت الاطباق عليها فاكهة وسكر، فنشر عليه، وكف الناس أيديهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تنتهبون ؟ قالوا: يا رسول الله، أولم تنه عن النهبة ؟ قال: إنما نهيتكم عن نهبة العساكر، فأما العرسات فلا، فجاذبهم وجاذبوه (2).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الولائم - بواو فلام مفتوحتين فهمزة مكسورة فميم جمع وليمة، الطعام الذي يصنع عند العرس.
الستر - بسين مهملة مكسورة ففوقية ساكنة فراء - كل ما ستر ما وراءه وصانه.
الدر - بدال مهملة مفتوحة فراء اللبن إذا كثر وسال.
النسل - بنون مفتوحة فسين مهملة ساكنة فلام: الذرية.
ثغت - بمثلثة فغين معجمة مفتوحتين فتاء تأنيث بالغنم صاحت (الثغوة) مرة مع الثغاء وهو الصياح.
عتودة - بعين مهملة مفتوحة ففوقية مضمومة فواو فدال مهملة - الصغير من أولاد المعز إذا قوى ورعى وأتى عليه سنة والذكر عتود والجمع أعتدة.
الدف - بدال مهملة تضم وتفتح ففاء - معروف من آلات الملاهي يضرب به في النكاح.
الحنطة - القمح، وقد تقدم.
الفتاة - بفاء فمثناتين فوقيتين بينهما ألف - الجارية.
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 479 (4213) ومسلم 2 / 1047 (88 / 1365).
(2) ذكره السيوطي في اللائي 2 / 91 وأخرجه الطحاوي في المعاني 3 / 50 وأخرجه البيهقي 7 / 288 وذكره الشوكاني في الفوائد (124) وابن الجوزي في الموضوعات 2 / 265، 266 وابن حجر في اللسان 2 / 66 والذهبي في الميزان (1181).
(*)(9/57)
الكراع تقدم.
الاهالة السنخة - تقدم الكلام عليها في جماع أبواب صفاته المعنوية.
الثلمة - بمثلثة مفتوحة فلام ساكنة فميم فتاء تأنيث موضع الكسر ونهي عن الشرب منها، لانه لا ينالها التنظيف التام.
عضادتي الباب - بعين مهملة فضاد معجمة فألف فدال مهملة فتاء تأنيث - جانباه الذي بهما يتقوى.
القرام - بقاف مكسورة فراء فألف فميم: الستر الرقيق الموشى.
الفشطاط: تقدم.
الطائر - بطاء مهملة فألف فهمز فراء الحظ.
والميمونة - بميم مفتوحة فتحتية ساكنة فميم فواو فنون، المباركة ويجوز أن يكون من الطير السانح والبارح.(9/58)
الباب الرابع في طلاقه - صلى الله عليه وسلم - ورجعته وإيلائه وهجره نساءه والعدة والاستبراء
وفيه أنواع: الأول: في طلاقه ورجعته: روى أبو يعلى والبزار والحاكم عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلق حفصة أمر أن يراجعها فراجعها (1).
روى أبو يعلى والبزار برجال ثقات عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: دخل عمر على حفصة، وهي تبكي، فقال: ما يبكيك ؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم - طلقك مرة ثم راجعك من أجلي، والله لئن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا (2).
وروى الطبراني بسند فيه ضعف عن الهيثم أو أبي الهيثم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق سودة بنت زمعة تطليقة فجلست في طريقه فلما مر سألته الرجعة، وأن تهب قسمها لاي أزواجه شاء رجاء أن تبعث يوم القيامة زوجته فراجعها وقبل ذلك منها (3).
وروى الطبراني برجال ثقات إلا عمر بن صالح الحضرمي فيحرر رجاله عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فوضع التراب على رأسه، وقال: ما يعبأ الله بك يا ابن الخطاب بعدها.
فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة ثم راجعها رحمة بعمر (4).
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة (ثم راجعها) (5).
الثاني: في إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه وهجره لهن: روى البخاري والنسائي عن أنس والامام أحمد والشيخان والترمذي عن أم سلمة ومسلم عن جابر والبخاري والنسائي عن ابن عباس.
والامام أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن الزهري وابن ماجه عن عائشة والامام أحمد عن ابن عمر.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 4 / 336 وقال رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 4 / 336 وقال رواه أبو يعلى والبزار.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 249 وقال رواه الطبراني وفي إسناده ضعف.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع 4 / 337 وقال رواه الطبراني وفيه عمرو بن صالح الحضرمي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
(5) أخرجه أبو داود 1 / 695 (2283) وابن ماجه 1 / 650 (2016) والنسائي 6 / 213.
(*)(9/59)
روى الطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال ابن عباس: كنت أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن قول الله - عز وجل - (وإن تظاهرا عليه) (التحريم / 4)، فكنت أهابه حتى حججنا معه حجة، فقلت لان لم أسأله في هذه الحجة لا أسأله فلما قضينا (حجنا) أدركناه، وهو ببطن مروقد تخلف لبعض حاجاته، فقال: مرحبا بك يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك ؟ قلت: شئ كنت أريد أن أسألك عنه يا أمير المؤمنين، فكنت أهابك فقال سلني عما شئت، فإنا لم نكن نعلم شيئا حين تعلمنا، فقلت: أخبرني عن قول الله تعالى: " وإن تظاهرا عليه " من هما ؟ قال: لا تسأل أحدا أعلم بذلك مني، كنا بمكة لا يكلم أحدنا امرأته، إنما هي خادم البيت، فإن كان له حاجة سفع برجليها فقضى حاجته، فلما قدمنا المدينة، تعلمنا من نساء الانصار، فجعلن يكلمننا ويراجعننا وإني أمرت غلمانا لي ببعض الحاجة، فقالت امرأتي: بل اصنع كذا وكذا، فقمت إليها بقضيب
فضربتها به، فقالت: يا عجبا لك، يا بن الخطاب ! تريد أن لا تكلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمه نساؤه فخرجت فدخلت على حفصة، فقلت ؟ يا بنية، انظري لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عنده دينار ولا درهم يعطيكهن، فما كانت لك من حاجة حتى دهن رأسك فسليني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس، ثم دخل على نسائه امرأة امرأة يسلم عليهن ويدعو لهن، فإذا كان يوم إحداهن جلس عندها، وإنها أهديت لحفصة بنت عمر عكة عسل من الطائف أو من مكة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يسلم عليها حبسته حتى تلعقه منها أو تسقيه منها، وأن عائشة أنكرت احتباسه عندها فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فادخلي عليها، فانظري ما يصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل، فأرسلت عائشة إلى صواحبتها، فأخبرتهن، وقالت إذا دخل عليكن فقلن: إنا نجد منك ريح معافير ثم إنه دخل على عائشة فقالت: يا رسول الله، أطعمت شيئا منذ اليوم فإني أجد منك ريح مغافير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد شئ عليه أن يوجد منه ريح شئ، فقال: هو عسل، والله لا أطعمه أبدا حتى إذا كان يوم حفصة قالت: يا رسول الله، إني لي حاجة إلى إن نفقت لي عنده، فأذن لي أن آتيه فأذن لها، ثم وإنه أرسل إلى جاريته مارية، فأدخلها بيت حفصة، فوقع عليها، فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا، فجلست عند الباب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع ووجهه يقطر عرقا، وحفصة تبكي، فقال: ما يبكيك ؟ فقالت: إنما أذنت لي من أجل هذا، أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها على فراشي، ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن، أما والله ما يحل لك هذا يا رسول الله، فقال: والله، ما صدقت: أليس هي جاريتي، قد أحلها الله تعالى لي، أشهدك أنها علي حرام، ألتمس بذلك رضاك، انظري لا تخبري بذلك امرأة منهن، فهي عندك أمانة، فلما خرج(9/60)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت ألا أبشري، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته، فقد أراحنا الله منها، فقالت عائشة أما والله، إنه كان يريبني أنه كان يقبل
من أجلها، فأنزل الله تعالى: (يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) (التحريم / 1) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإن تظاهرا عليه " فهي عائشة وحفصة، وزعموا أنهما كانتا لا تكتم إحداهما للاخرى شيئا، وكان لي أخ من الانصار إذا حضرت، وغاب في بعض ضيعته، حدثته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا غبت في بعض ضيعتي، حدثني فأتاني يوما وقد كنا نتخوف جبلة بن الايهم الغساني.
فقال: ما دريت ما كان ؟ فقلت: وما ذاك ؟ لعله جبلة بن الايهم الغساني، تذكر قال: لا ولكنه أشد من ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فلم يجلس كما كان يجلس، ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع، وقد اعتزل في مسربته، وقد ترك الناس يموجون ولا يدرون ما شأنه، فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون فقال: يا أيها الناس كما أنتم، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسربته قد جعلت له عجلة، فرقى عليها، فقال لغلام له أسود وكان يحجبه استأذن لعمر بن الخطاب، فاستأذن لي فدخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسربته فيها حصير وأهب معلقة وقد أفضى بجنبه إلى الحصير، فأثر الحصير في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم محشوة ليفا، فلما رأيته بكيت، قال: ما يبكيك ؟ قلت يا رسول الله، فارس والروم أحدهم يضطجع في الديباج والحرير فقال: إنهم عجلت لهم طيباتهم، والاخرة لنا، ثم قلت يا رسول الله، ما شأنك ؟ فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض، فعن خبر أتاك فقال: اعتزلهن ؟ فقال: لا، ولكن كان بيني وبين أزواجي شئ فأحببت ألا أدخل عليهن شهرا، ثم خرجت على الناس، فقلت يا أيها الناس، ارجعوا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بينه وبين أزواجه شئ فأحب أن يعتزل، فدخلت على حفصة، فقلت: يا بنتي، أتكلمين رسول الله وتغيظينه وتغارين عليه ؟ فقالت: لا أكلمه بعد بشئ يكرهه، ثم دخلت على أم سلمة وكانت خالتي، فقلت لها كما قلت لحفصة، فقالت: عجبا لك يا عمر بن الخطاب، كل شئ تكلمت فيه، حتى تريد أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه، وما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم، فأنزل الله تعالى (يأيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة
الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) (الاحزاب / 28) حتى فرغ منها (1).
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 13 من طريق عبد الله بن صالح وعزاه للطبراني في الاوسط وهو في الصحيحين من حديث عائشة 8 / 656 (4912) (6691) ومسلم 2 / 1100 (20 / 1474).
(*)(9/61)
وروى الطبراني وأبو داود بسند جيد واللفظ له عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وفي رواية " حجة الوداع "، ونحن معه، فاعتل بعير لصفية وكان مع زينب فضل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بعير صفية قد اعتل فلو أعطيتها بعيرا لك ! قالت: أنا أعطي هذه اليهودية ؟ ! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرها بقية ذي الحجة ومحرم وصفر وأياما من ربيع الأول حتى رفعت متاعها وسريرها فظنت أنه لا حاجة له فيها فبينما هي ذات يوم قاعدة نصف النهار، إذ رأت ظله قد أقبل فأعادت سريرها ومتاعها (1).
وروى الامام أحمد بسند لا بأس به عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه قال شعبة أحسبه قال شهرا فأتاه عمر بن الخطاب وهو في غرفة وهو على حصير قد أثر الحصير بظهره، فقال: يا رسول الله كسرى يشربون في الذهب والفضة وأنت هكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، ثم قال رسول الله الشهر هكذا وهكذا وهكذا وكسر في الثالثة الابهام (2).
وروى الحاكم والبيهقي والحارث واللفظ عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحفصة، قيل له: من أمهات المؤمنين أم من غير أمهات المؤمنين ؟ قال: من أمهات المؤمنين.
تنبيهات الأول: سبب نزول قوله تعالى (يأيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا) (الاحزاب / 28):
إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه في عرض الدنيا ومتاعها أشياء وطلبن منه زيادة في النفقة وأذينه بغيرة بعضهن بعضا فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أي حلف لا يقربهن شهرا ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا: ما شأنه وكانوا يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: لاعلمن لكم شأنه، فاستأذن عليه صلى الله عليه وسلم كما تقدم.
الثاني: قال في (زاد المعاد): وطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراجع، وآلى إيلاء مؤقتا بشهر ولم يظاهر أبدا، وأخطأ من قال: إنه ظاهر خطأ عظيما، وإنما ذكر هنا تنبيها على ذكر خطائه ونسبته إليه ما أمره الله تعالى به.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 4 / 326 وقال رواه أبو داود مختصرا، والطبراني في الاوسط.
(2) أخرجه أحمد 2 / 298 وانظر المجمع 6 / 7، 10 / 327.
(*)(9/62)
الثالث: في بيان غريب ما سبق: سفع برجلها: بسين فعين مهملتين بينهما فاء مفتوحات.
أخذ القضيب: بقاف مفتوحة فضاد معجمة فمثناة تحتية فموحدة، الغصن والجمع قضبان بضم القاف وكسرها.
العكة: إناء من جلد للسمن والعسل.
تلعقه: بفوقية مفتوحة فلام ساكنة فعين مهملة مفتوحة فقاف فهاء: تلحسه.
ريح مغافير: (...).
ضيعتي: بضاد معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فعين مهملة فتاء تأنيث: ما يكون معه معايش الرجل كالصنعة والزراعة وغير ذلك.
جبلة: بجيم فموحدة فلام مفتوحات فتاء تأنيث.
الايهم: بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فهاء فميم.
عرجون: بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فجيم فواو فنون: العود الاصفر الذي يكون فيه شماريخ العذق من الانعراج وهو الانعطاف (1).
__________
(1) ثبت في قوله " وهذا عصيب في القصة، يموجون: من ماج فعدل في الشرح عنه، وكتب يعوجون ولعله من فهم الكتاب لا المؤلف ".
(*)(9/63)