أنه ابنه، فقال عبد بن زمعة: يا رسول الله، هذا أخي، هذا ابن زمعة ولد على فراشه، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ابن وليدة زمعة فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هو " - أي الولد " لك هو أخوك يا عبد بن زمعة، من أجل أنه ولد على فراشة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة، لما راى من شبه عتبة بن أبي وقاص بالولد.
رواه البخاري (1).
وعن عروة بن الزبير عن عائشة - رضي الله عنها -: أن امرأة سرقت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقيل: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعون به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أتكلمني " وفي لفظ " أتشفع في حد من حدود الله ؟ ! " قال أسامة: يا رسول الله إستغفر لي فلما كان العشي قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فاثنى على الله - تعالى - بما هو أهله، ثم قال: " أما بعد فانما أهلك الناس " وفي لفظ " هلك بنو إسرائيل " وفي لفظ " الذين من قبلكم " أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف وفي لفظ الوضيع قطعوه " وفي لفظ: أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتلك المرأة وفي رواية النسائي " قم يا بلال، فخذ بيدها فاقطعها " فحسنت توبتها بعد ذلك، وتزوجت رجلا من بني سليم، قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فارفع حاجتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه الامام أحمد والشيخان والنسائي والبيهقي (2).
ذكر من نذر ان فتح الله تعالى مكة على رسوله ان يصلوا ببيت المقدس عن جابر - رضي الله عنه - أن رجلا قال يوم الفتح، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " صل ههنا " فسأله فقال: " صل ههنا " فسأله: فقال شأنك إذن، رواه الامام أحمد، وأبو داود باسناد صحيح والحاكم وقال: على شرط مسلم، والامام أحمد وأبو داود وفي رواية عن بعض الصحابة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" والذي بعث محمدا بالحق لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس " (3).
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 371 (2745) ومسلم 2 / 1080 (36 / 1457).
(2) أخرجه البخاري 6 / 513 (3475) ومسلم 3 / 1315 (8 / 1688) أحمد 3 / 363.
(3) أحمد 3 / 363 وأبو داود (3305)، والبيهقي 10 / 82 والدارمي 2 / 185 والطحاوي في المعاني 3 / 115 والبخاري في التاريخ 6 / 170 والحاكم 4 / 304.
(*)(5/259)
ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تغزى مكة بعد اليوم عن الحارث بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم فتح مكة: " لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة " رواه الامام أحمد، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
قال العلماء: معنى قوله: " لا تغزى " يعني على الكفر.
ذكر ارساله - صلى الله عليه وسلم - السرايا لهدم الاصنام التي حول مكة، والاغارة على من لم يسلم روى محمد بن عمر عن عبيد بن عمير - رحمه الله تعالى - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم فتح مكة: لم تحل لنا غنائم مكة (1).
وروى أيضا عن يعقوب بن عتبة قال: لم يغنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة شيئا، وكان يبعث السرايا خارجة من الحرم، وعرفة، والحل، فيغنمون ويرجعون إليه، قالوا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد لهدم العزى، وخالد بن سعيد بن العاص قبل عرنة، وهشام بن العاص قبل يلملم، وسعد بن زيد الاشهلي إلى مناة، وغيرهم، وسيأتي بيان ذلك مبسوطا في السرايا - إن شاء الله تعالى ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - لا هجرة بعد الفتح وذلك أن مكة شرفها الله تعالى كانت قبل الفتح دار حرب، وكانت الهجرة منها واجبة إلى المدينة، فلما فتحت مكة صارت دار إسلام، فانقطعت الهجرة منها.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فتح مكة: " لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا " رواه الشيخان.
وعن عطاء بن أبي رباح - رحمه الله تعالى - قال: زرت عائشة - رضي الله عنها - مع عبيد بن عمير الليثي، وهي مجاورة بثبير فسألها عن الهجرة فقالت: " لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله ورسوله مخافة أن يفتن عنه، فاما اليوم فقد أظهر الله تعالى الاسلام، فالمؤمن يعبد ربه حيث كان، ولكن جهاد ونية ".
رواه الشيخان.
وعن يعلى بن صفوان بن أمية - رضي الله عنهما - قال: جئت بابي يوم الفتح، فقلت: يا رسول الله بايع أبي على الهجرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بل أبايعه على الجهاد فقد انقضت الهجرة ".
رواه الامام أحمد والنسائي.
وروى ابن أبي أسامة عن مجاهد - مرسلا.
قال: جاء يعلى بن صفوان بن أمية - رضي
__________
(1) أحمد 6 / 466.
(*)(5/260)
الله عنهما - بعد الفتح فقال: يا رسول الله - اجعل لابي نصيبا في الهجرة، فقال: " لا هجرة بعد اليوم " فاتى العباس فقال: يا أبا الفضل، ألست قد عرفت بلائي ؟ قال: بلى، وماذا ؟ قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابي ليبايعه على الهجرة فابى، فقام العباس معه في قيظ ما عليه رداء، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاك يعلى بابيه لتبايعه على الهجرة فلم تفعل، فقال: إنه لا هجرة اليوم " قال: أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعه، فمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فبايعه فقال: " قد أبررت عمي ولا هجرة ".
ذكر قدر إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمكة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة تسعة عشر يوما يصلى ركعتين، وفي لفظ " أقمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر نقصر الصلاة (1) " رواه البخاري.
وأبو داود، وعنده سبعة عشر بتقديم السين على الموحدة وعن عمران بن حصين
- رضي الله عنهما - قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفتح، فاقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ".
رواه أبو داود.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: " أقمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة نقصر الصلاة ".
رواه البخاري في باب مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة زمان الفتح.
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عام الفتح عشرة يقصر الصلاة " رواه أبو داود من طريق ابن إسحاق، والنسائي من طريق عراك بن مالك كلاهما عن عبيد الله، وصححه الحافظ.
ذكر اخباره - صلى الله عيه وسلم - ذا الجوشن بانه سيظهر على قريش روى ابن سعد عن ابن إسحاق السبيعي - رحمه الله تعالى - قال: قدم ذو الجوشن الكلابي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: " ما يمنعك من الاسلام ؟ " قال: رايت قومك كذبوك وأخرجوك وقاتلوك، فانظر، فان ظهرت عليهم امنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا ذا الجوشن لعلك إن بقيت قليلا أن ترى ظهوري عليهم (2) " قال فو الله إني لبضريه إذ قدم علينا راكب من قبل مكة، فقلنا ما الخبر ؟ قال: ظهر محمد على أهل مكة، فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الاسلام حين دعاه إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: وأسلم بعد ذلك، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) سيأتي في هديه - صلى الله عليه وسلم - في قصر الصلاة.
(2) أحمد في المسند 4 / 68 وابن أبي شيبة 14 / 375 وابن سعد 6 / 31.
(*)(5/261)
ذكر بعض ما قيل من الشعر في فتح مكة - زادها الله تعالى شرفا قال حسان بن ثابت - رضي الله عنه - في غزوة الحديبية مشيرا إلى الفتح، وبعضها في الجاهلية، كما ورد ذلك عنه، وهو ما أسقطته منها في وصف الخمر: عفت ذات الاصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء
ديار من بني الحسحاس قفر * تعفيها الروامس والسماء إلى أن قال: عدمنا خيلنا إن لم تروها * تثير النقع موعدها كداء ينازعن الاعنة مصغيات * على أكتافها الاسل الظماء تظل جيادنا متمطرات * يلطمهن بالخمر النساء فاما تعرضوا عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم * يعين الله فيه من يشاء وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء وقال الله قد أرسلت عبدا * يقول الحق إن نفع البلاء شهدت به فقوموا صدقوه * فقلتم لا نقوم ولا نشاء وقال الله قد سيرت جندا * هم الانصار عرضتها اللقاء لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء فنحكم بالقوافي من هجانا * ونضرب حين تختلط الدماء ألا أبلغ أبا سفيان عني * مغلظة فقد برح الجفاء بان سيوفنا تركتك عبدا * وعبد الدار سادتها الاماء هجوت محمدا وأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء * فشر كما لخيركما الفداء هجوت مباركا برا حنيفا * أمين الله شيمته الوفاء أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء فان أبي ووالدتي وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء فسوف يجبكم عنه حسام * يصوغ المحكمات كما يشاء لساني صارم لا عيب فيه * وبحري لا تكدره الدلاء
وقال كعب بن مالك - رضي الله عنه -: قضينا من تهامة كل إرب * وخيبر ثم أجملنا السيوفا(5/262)
نخبرها ولو نطلقت لقالت * قواطعهن دوسا أو ثقيفا فلست لحاضن إن لم تروها * بساحة دار كم منا ألوفا وننتزع العروس ببطن وج * وتصبح داركم منكم خلوفا وياتيكم لنا سرعان خيل * يغادر خلفه جمعا كثيفا إذا نزلوا بساحتكم سمعتم * لها مما أناخ بها رجيفا بايديهم قواضب مرهفات * يزرن المصطلين بها الحتوفا كامثال العقائق أخلصتها * قيون الهند لم تضرب كتيفا تخال جدية الابطال فيها * غداة الزحف جاديا مذوفا أجدهم أليس لهم نصيح * من الاقوام كان بنا عريفا يخبرهم بانا قد جمعنا * عتاق الخيل والنجب الطروفا وأنا قد أتيناهم بزحف * يحيط بسور حصنهم صفوفا رئيسهم النبي وكان صلبا * نقي القلب مصطبرا عزوفا رشيد الامر ذا حكم وعلم * وحلم لم يكن نزقا خفيفا نطيع نبينا ونطيع ربا * هو الرحمن كان بنا رؤوفا فان تلقوا إلينا السلم نقبل * ونجعلكم لنا عضدا وريفا وإن تابوا نجاهدكم ونصبر * ولايك أمرنا رعشا ضعيفا نجالد ما بقينا أو تنيبوا * الى الاسلام اذعانا مضيفا نجالد لا نبالي من لقينا * أأهلكنا التلاد أم الطريفا وكم من معشر ألبوا علينا * صميم الجذم منهم والحليفا
أتونا لا يرون لهم كفاء * فجدعنا المسامع والانوفا بكل مهند لين صقيل، نسوقهم بها سوقا عنيفا لامر الله والاسلام حتى * يقوم الدين معتدلا حنيفا وتنسى اللات والعزى وود * ونسلبها القلائد والشنوفا فامسوا قد أقروا واطمانوا * ومن لا يمتنع يقبل خسوفا وقال أنس بن زنيم الديلي - رضي الله عنه -: يعتذر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما كان قال فيه عمرو بن سالم الخزاعي - رضي الله عنه: أأنت الذي تهدى معد بامره * بل الله يهديهم وقال لك اشهد وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد أحث على خير وأسبغ نائلا * إذا راح كالسيف الصقيل المهند(5/263)
وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله * وأعطى لراس السابق المتجرد تعلم رسول الله أنك مدركي * وأن وعيدا منك كالاخذ باليد تعلم رسول الله أنك قادر * على كل صرم متهمين ومنجد تعلم بان الركب ركب عويمر * هم الكاذبون المخلفو كل موعد ونبوا رسول الله أني هجوته * فلا حملت سوطي إلي إذا يدي سوى أنني قد قلت ويل أم فتية * أصيبوا بنحس لا بطلق وأسعد أصابهم من لم يكن لدمائهم * كفاء فعزت عبرتي وتبلدي وإنك قد أخفرت إن كنت ساعيا * بعبد بن عبد الله وابنة مهود ذؤيب وكلثوم وسلمى تتابعوا * جميعا فالا تدمع العين أكمد وسلمى وسلمى ليس حي كمثله * واخوته أو هل ملوك كأعبد فاني لا ذنبا فتقت ولا دما * هرقت تبين عالم الحق واقصد
ويرحم الله تعالى الامام أبا محمد عبد الله بن أبي زكرياء الشقراطسي حيث قال: ويوم مكة إذ أشرفت في أمم * تضيق عنها فجاج الوعث والسهل خوافق ضاق ذرع الخافقين بها * في قاتم من عجاج الخيل والابل وجحفل قذف الارجاء ذي لجب * عرمرم كزهاء السيل منسحل وأنت صلى عليك الله تقدمهم * في بهو إشرق نور منك مكتمل ينير فوق أغر الوجه منتجب * متوج بعزيز النصر مقتبل يسمو أمام جنود الله مرتديا * ثوب الوقار لامر الله ممتثل خشعت تحت بهاء العز حين سمت * بك المهابة فعل الخاضع الوجل وقد تباشر أملاك السماء بما * ملكت إذ نلت منه غاية الامل والارض ترجف من زهو ومن فرق * والجو يزهر إشراقا من الجذل والخيل تختال زهوا في أعنتها * والعيس تنثال رهوا في ثنى الجدل لو لا الذي خطت الاقلام من قدر * وسابق من قضاء غير ذي حول أهل ثهلان بالتهليل من طرب * وذاب يذبل تهليلا من الذبل الملك لله هذا عز من عقدت * له النبوة فوق العرش في الازل شعبت صدع قريش بعدما قذفت * بهم شعوب شعاب السهل والقلل قالوا محمد قد زادت كتائبه * كالاسد تزار في أنيابها العصل فويل مكة من آثار وطاته * وويل أم قريش من جوى الهبل فجدت عفوا بفضل العفو منك ولم * تلمم ولا باليم اللوم والعذل(5/264)
أضربت بالصفح صفحا عن طوائلهم * طولا أطال مقيل النوم في المقل رحمت واشج أرحام أتيح لها * تحت الوشيج نشيج الروع والوجل عاذوا بظل كريم العفو ذي لطف * مبارك الوجه بالتوفيق مشتمل
أزكى الخليفة أخلاقا وأطهرها * وأكرم الناس صفحا عن ذوي الزلل زان الخشوع وقار منه في خفر * أرق من خفر العذراء في الكلل وطفت بالبيت محبورا وطاف به * من كان عنه قبيل الفتح في شغل والكفر في ظلمات الرجس مرتكس * ثاو بمنزلة البهموت من زحل حجزت بالامن أقطار الحجاز معا * وملت بالخوف عن خيف وعن ملل وحل أمن ويمن منك في يمن * لما أجابت إلى الايمان عن عجل وأصبح الدين قد حفت جوانبه * بعزة النصر واستولى على الملل قد طاع منحرف منهم لمعترف * وانقاد منعدل منهم لمعتدل أحبب بخلة أهل الحق في الخلل * وعز دولته الغراء في الدول أم اليمامة يوم منه مصطلم * وحل بالشام شؤم غير مرتحل تفرقت منه أعراف العراق ولم * يترك من الترك عظما غير منتثل لم يبق للفرس ليث غير مفترس * ولا من الجيش جيش غير منجفل ولا من الصين سور غير مبتذل * ولا من الروم مرمى غير منتضل ولا من النوب جدم غير منجدم * ولا من الزنج جزل غير منجدل ونيل بالسيف سيف البحر واتصلت * دعوى الجنود فكل بالجهاد صلى وسل بالغرب غرب السيف إذ شرقت * بالشرق قبل صدور البيض والاسل وعاد كل عدو عز جانبهم * قد عاد منكم ببذل غير مبتذل أصفى من الثلج إشراقا مذاقته * أحلى من اللبن المضروب في العسل تنبيهات الأول: لا خلاف أن هذه الغزوة كانت في رمضان، كما في الصحيح، وغيره، وعن ابن عباس قال: ابن شهاب كما عند البيهقي من طريق عقيل: لا أدري أخرج في شعبان فاستقبل رمضان، أو خرج في رمضان بعد ما دخل ؟ ورواه البيهقي من طريق ابن أبي حفصة
عن الزهري باسناد صحيح.
قال: صبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان.
وروى الامام أحمد باسناد صحيح عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع(5/265)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان، وهذا يدفع التردد، الماضي، ويعين يوم الخروج، وقول الزهري يعين يوم الدخول، ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يوما.
قال الحافظ: وأما ما قاله الواقدي أنه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقوي لمخالفته ما هو أصح منه، قلت: قد وافق الواقدي على ذلك ابن اسحاق وغيره، ورواه إسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عباس، وعند مسلم أنه دخل لست عشرة، ولاحمد لثماني عشرة، وفي أخرى لثنتي عشرة، والجمع بين هاتين بحمل احداهما على ما مضى والاخرى على ما بقي، والذي في المغازي: دخل لتسع عشرة مضت وهو محمول على الاختلاف في أول الشهر.
ووقع في أخرى: بالشك في تسع عشرة أو سبع عشرة وروى يعقوب بن سفيان من طريق الحسن عن جماعة من مشايخه: أن الفتح كان في عشرين من رمضان، فان ثبت حمل على أن مراده أنه وقع في العشر الاوسط قبل أن يدخل الاخير.
الثاني: اختلفت الروايات فيمن أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لياتي بكتاب حاطب: ففي رواية أبي رافع عن علي قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد.
وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا مرثد الغنوي، والزبير بن العوام، قال الحافظ: فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه، وذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكر الاخر، ثم قال: والذي يظهر، أنه كان مع كل واحد منهما آخر تبعا له.
الثالث: جزم ابن إسحاق بان جميع من شهد الفتح من المسلمين عشرة الاف.
ورواه البخاري في صحيحه عن عروة، وإسحاق بن راهويه من طريق آخر بسند صحيح عن ابن عباس، وقال عروة أيضا والزهري وابن عقبة كانوا اثني عشر ألفا، وجمع بان العشرة آلاف خرج
بها من نفس المدينة.
ثم تلاحق الالفان.
الرابع: وقع في الصحيح من رواية معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس " وذلك على راس ثمان سنين ونصف من مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة " قال الحافظ: وهو وهم، والصواب على راس سبع سنين ونصف، وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان، من أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء، والتحرير أنها سبع سنين ونصف ويمكن توجيه رواية معمر: بانه بناء على التاريخ باول السنة من المحرم، فإذا دخل من السنة الثانية شهران أو ثلاثة أطلق عليها سنة مجازا، من تسمية البعض باسم الكل، ويقع ذلك في آخر ربيع الاول.
ومن ثم إلى رمضان(5/266)
نصف سنة سواء، ويقال: كان آخر شعبان تلك السنة آخر سبع سنين ونصف، أو أن رأس الثمان كان أول ربيع الأول وما بعده نصف سنة.
الخامس: ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - أفطر بالكديد، وفي رواية بغير كما سبق في القصة، والكل في سفرة واحدة، فيجوز أن يكون فطره - صلى الله عليه وسلم - في أحد هذه المواضع حقيقة إما كديد، وإما كراع الغميم، وإما عسفان، وإما قديد، وأضيف إلى الاخر تجوزا لقربه منه، ويجوز أن يكون قد وقع منه - صلى الله عليه وسلم - الفعل في المواضع الاربعة، والفطر في موضع منها، لكن لم يره جميع الناس فيه، لكثرتهم، وكررة ليتساوي الناس في رؤية الفعل، فاخبر كل عن رؤية عين وأخبر كل عن محل رؤيته.
السادس: وقع في الصحيح: ثم جاءت كتيبة، وهي أقل الكتائب، أي عددا فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال القاضي - رحمه الله تعالى -: كذا لجميع رواة الصحيح بالقاف، وقد وقع في الجمع للحميدي " أجل " بالجيم بدل القاف - من الجلالة، قال القاضي: وهو أظهر انتهى.
وكل منهما ظاهر لاخفاء فيه ولا ريب كما في مصابيح الجامع للدماميني: أن المراد
قلة العدد لا الاحتقار، هذا ما لا يظن بمسلم اعتقاده وتوهمه، فهو وجه محيد عنه، ولا ضير فيه بهذا الاعتبار.
والتصريخ بان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في هذه الكتيبة التى هي أقل عددا مما سواها من الكتائب قاض بجلالة قدرها، وعظم شانها، ورجحانها على كل شئ سواها، ولو كان ملء الارض بل وأضعاف ذلك.
السابع: وقع في الصحيح عن عروة قال: وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء - أي بالمد - ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أسفل مكة من كدى، أي بالقصر.
وهذا مخالف للاحاديث الصحيحة.
ففي الصحيح وغيره أن خالد بن الوليد دخل من أسفل مكة، ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أعلاها، وبه جزم ابن عقبة، وابن إسحاق وغيرهما.
الثامن: الحكمة في نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - وبني هاشم إلى شعب أبي طالب، وحصروا بني هاشم وبني المطلب فيه، كما تقدم ذلك في أبواب البعثة، ليتذكر ما كان فيه من الشدة فيشكر الله - تعالى - على ما أنعم عليه من الفتح العظيم، وتمكنه من دخول مكة ظاهرا على رغم من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤوا، ومقابلتهم بالمن والاحسان، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.(5/267)
التاسع: قال القاضي أبو بكر بن العربي - رحمه الله تعالى - إنما أنكر العباس على أبي سفيان ذكر الملك مجردا من النبوة، مع أنه كان في أول دخوله الاسلام، وإلا فجائز أن يسمى مثل هذا ملكا وإن كان لنبي، فقد قال الله سبحانه وتعالى في داود (وشددنا ملكه) [ ص 20 ] وقال سليمان (وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) [ ص 35 ] غير أن الكراهة أظهر في تسمية حال النبي - صلى الله عليه وسلم - ملكا، لما جاء في الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خير بين أن يكون نبيا عبدا، أو نبيا ملكا، فالتفت إلى جبريل، فأشار إليه أن تواضع، فقال: بل نبيا عبدا، أشبع يوما وأجوع يوما ".
وإنكار العباس على أبي سفيان يقوي هذا المعنى، وأمر الخلفاء
الاربعة بعده أيضا يكره أن يسمى ملكا، لقوله - صلى الله عليه وسلم " تكون بعدي خلفاء، ثم تكون أمراء، ثم يكون ملوك، ثم يكون جبابرة ".
العاشر: الساعة التي أحل للنبي - صلى الله عليه وسلم - القتل فيها بمكة من صبيحة يوم الفتح إلى العصر كما رواه الامام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنهما.
الحادي عشر: لا مخالفة بين حديث نزوله - صلى الله عليه وسلم - بالمحصب، وبين حديث أم هانئ، أنه - صلى الله عليه وسلم - نزل في بيت أم هانئ، لانه - صلى الله عليه وسلم - لم يقم في بيت أم هانئ وإنما نزل به حتى اغتسل وصلى، ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته عند شعب أبي طالب، وهو المكان الذي حصرت فيه قريش المسلمين قبل الهجرة كما تقدم بيان ذلك.
الثاني عشر: اختلف في قاتل ابن خطل، روى ابن أبي شيبة من طريق أبي عثمان النهدي: أن أبا برزة الاسلمي قتل ابن خطل، وهو متعلق باستار الكعبة وإسناده صحيح مع إرساله، وله شاهد عند ابن المبارك في كتاب البر والصلة من حديث أبي برزة نفسه.
ورواه الامام أحمد من وجه آخر.
قال الحافظ: وهو أصح ما ورد في تعيين قاتله، وبه جزم البلاذري وغيره من أهل العلم بالاخبار.
وتحمل بقية الروايات على أنهم ابتدروا قتله، فكان المباشر له منهم أبو برزة، ويحتمل أن يكون غيره شاركه فيه، فقد جزم ابن هشام بان سعيد بن حريث وأبا برزة الاسلمي اشتركا في قتله، وقد قيل: قتله الزبير بن العوام.
وقيل شريك بن عبدة العجلاني.
الثالث عشر: وقع في حديث أم هانئ عند البخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل في بيتها، وفي حديثها عند مسلم: أنها ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو باعلى مكة، فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره، ويجمع بينهما بان ذلك تكرر منه، ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أم هانئ وفيه: أن أبا ذر ستره لما اغتسل، ويحتمل أن يكون نزل في بيتها باعلى مكة وكانت هي في بيت آخر بمكة، فجاءت إليه فوجدته يغتسل، فيصح القولان، وأما المتستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل، والاخر في أثنائه.(5/268)
الرابع عشر: قال السهيلي: ولا يجهر فيها بالقراءة أي صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت أم هانئ في ثمان ركعات، وهي صلاة الفتح، تعرف بذلك عند أهل العلم، وكان الامراء يصلونها إذا فتحوا بلدا.
قال أبو جعفر بن جرير: صلى سعد بن أبي وقاص حين افتتح المدائن ثمان ركعات في إيوان كسرى، قال: وهي ثمان ركعات لا يفصل بينها، ولا تصلى بامام، قال السهيلي: ولا يجهر فيها بالقراءة.
الخامس عشر: وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن ابن عمر: أنه سال أسامة وفي رواية أبي الشعثاء عن ابن عمر قال: أخبرني أسامة ان النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فيه ههنا، وفي رواية خالد بن حارث عن ابن عوف عن نافع عن ابن عمر: فقلت: أين صلى ؟ فقالوا، ههنا.
قال الحافظ: فان كان محفوظا حمل على أنه ابتدا بلالا بالسؤال، ثم أراد زيادة الاستثبات في مكان الصلاة، فسال أسامة، وعثمان أيضا.
ويؤيد ذلك رواية ابن عوف عند مسلم: " ونسيت أن أسالهم كم صلى " بصيغة الجمع قال الحافظ: وهذا أولى من جزم القاضي بوهم الرواية التي عند مسلم، وكانه لم يقف على بقية الروايات.
السادس عشر: قول من زعم أن يحيى بن سعيد القطان غلط في قوله ركعتين لقول ابن عمر: نسيت وأن الوهم دخل عليه من ذكر الركعتين بعد خروجه - صلى الله عليه وسلم - " [ والمغلط ] هو الغالط، وكلامه مردود، فان يحيى ذكر الركعتين قبل وبعد، فلم يهم من موضع إلى موضع، ولم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتى يغلط، بل تابعه من سبق ذكرهم في القصة، والعجب من الاقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خفي عليه وجه الجمع بين الحديثين، فقال بغير علم، ولو سكت لسلم.
السابع عشر: قال الحافظ: رحمه الله تعالى - جمع بين روايتي فليح، وأيوب، وابن عون عن نافع عن ابن عمر أنه قال: " نسيت أن أسال بلالا " وفي لفظ: " أسالهم كم صلى " وبين رواية غير نافع عن ابن عمر أنه سال عن ذلك، فقيل له ركعتان باحتمال أن ابن عمر اعتمد في قوله في رواية مجاهد، وابن أبي مليكة وغيرهما عنه ركعتين على القدر المتحقق، وذلك أن
بلالا أثبت له أنه صلى، ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنفل في النهار باقل من ركعتين، وكانت الركعتان متحققا وقوعهما، لما عرف بالاستقراء من عادته - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فقوله: ركعتين من كلام ابن عمر، لا من كلام بلال، قال الحافظ: ووجدت ما يؤيد هذا، ويستفاد منه جمع آخر بين الحديثين، وهو ما أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق عبد العزيز بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث: " فاستقبلني بلال فقلت: ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ههنا ؟ فاشار بيده أن صلى ركعتين بالسبابة والوسطي "، فعلى هذا فيحمل قوله: " نسيت أن(5/269)
أساله كم صلى على أنه لم يساله لفظا ولم يجبه لفظا وإنما استفاد منه صلاة ركعتين باشارته لا بنطقه، وأما قوله في رواية أخرى: ونسيت أن أساله كم صلى " فيحمل على أن مراده أنه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أو لا ؟، وقال شيخه الحافظ أبو الفضل العراقي: فيحتمل أن ابن عمر وإن كان سمع من بلال أنه صلى ركعتين لم يكتف بذلك في أنه لم يصلى غيرهما، لان من صلى أربعا أو أكثر، يصدق عليه أنه صلى ركعتين على القول بان مفهوم العدد ليس بحجة كما هو المرجح في الاصول، فلعل الذي نسي أن يسال عنه بلالا في أنه هل زاد على ركعتين بشئ أم لا ؟.
قال الحافظ ابن حجر: وأما قول بعض المتأخرين: يجمع بين الحديثين بان ابن عمر سال بلالا، ثم لقيه مرة أخرى، فسأله، ففيه نظر من وجهين: أحدهما أن الذي يظهر أن القصة وهو سؤال ابن عمر عن صلاته في الكعبة لم يتعدد، لانه أتى في السؤال بالفاء المعقبة في الروايتين معا، فدل على أن السؤال عن ذلك كان واحدا في وقت واحد.
ثانيهما أن راوي قول ابن عمر " نسيت " هو نافع مولاه، ويبعد مع طول ملازمته له إلى وقت موته أن يستمر على حكانة النسيان، ولا يتعرض لحكاية التذكر لقدر صلاته - والله تعالى أعلم.
الثامن عشر: قال الحافظ: لا يعارض إثبات أسامة في رواية ابن عمر عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في البيت ما رواه ابن عباس عن أسامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في البيت لامكان الجمع بينهما، لان أسامة حين أثبتها اعتمد في ذلك على غيره، وحيث نفاها
أراد ما في علمه بكونه لم يره - صلى الله عليه وسلم - حين صلى، وقال الحافظ في موضع آخر: تعارضت الرواية عن أسامة في ذلك فتترجح رواية بلال من جهة أنه مثبت وغيره ناف، ومن جهة أنه لم يختلف عليه في الاثبات، واختلف على من نفى.
وقال الامام النووي وغيره: يجمع بين إثبات بلال، ونفي أسامة بانهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء، فراى أسامة النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو، فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في ناحية، ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده منه واشتغاله بالدعاء، ولان باغلاق الباب تكون ظلمة مع احتمال أن يحجبه بعض الاعمدة، فنفاها عملا بظنه.
وقال الامام المحب الطبري: يحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته - انتهى.
ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده باسناد جيد رجاله ثقات عن ابن أبي ذؤيب عن عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة قال: " دخلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة فراى صورا، فدعا بدلو من ماء، فاتيته به، فضرب به الصور " قال القرطبي فلعله [ استصحب النفي ] بسرعة عوده انتهى قلت: هو مفرع على أن هذه(5/270)
القصة وقعت عام الفتح، فان لم يكن فقد روى عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق علي بن بذيمة بالموحدة، وزن عظيمة التابعي، قال: " دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة.
ودخل معه بلال، وجلس أسامة على الباب، فلما خرج وجد أسامة قد احتبى، فاخذ بجبوته فحلها ".
الحديث فلعله احتبى فاستراح فنعس، فلم يشاهد صلاته، فلما سئل عنها نفاها مستصحبا للنفي، لقصر زمن احتبائه، وفي كل ذلك إنما نفى رؤيته، لا ما في نفس الامر.
وبعض العلماء حمل الصلاة المثبتة على اللغوية، والمنفية على الشرعية، ويرد هذا الحمل ما تقدم في بعض طرقه الصحيحة: أنه صلى ركعتين، فظهر أن المراد الشرعية لا مجرد الدعاء.
وقال المهلب (1) شارح البخاري: يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرتين.
صلى في إحداهما ولم يصل في
الاخرى، وقال ابن حبان: الاشبة عندي في الجمع، أن يجعل الخبران في وقعتين، فيقال، لما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال، ويجعل نفي ابن عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها، لان ابن عباس نفاها وأسند ذلك إلى أسامة وأخيه الفضل، وابن عمر أثبتها، وأسند ذلك إلى أسامة، وإلى بلال وأسامة أيضا، فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض.
قال الحافظ: وهو جمع حسن لكن تعقبه النووي بانه لا خلاف أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم الفتح لا في حجة الوداع، ويشهد له ما رواه الازرقي عن سفيان بن عيينة عن غير واحد من أهل العلم: أنه - صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح، ثم حج فلم يدخلها، وإذا كان الامر كذلك فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرتين ويكون المراد بالواحدة التي في خبر ابن عيينة واحدة السفر لا الدخول، وقد قع عند الدار قطني من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع.
قلت: قال الدرا قطني في سننه: واعتمد القاضي عز الدين بن جماعة ذلك.
واستدل له أيضا بان الامام أحمد قال في مسنده: حدثنا هشيم قال: أخبرنا عبد الملك عن عطاء، قال: قال أسامة بن زيد: دخلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم البيت فجلس فحمد الله تعالى وأثنى عليه وهلله وكبره، وخرج ولم يصل، ثم دخلت معه في اليوم الثاني، فقام، ودعا ثم صلى ركعتين، ثم خرج فصلى ركعتين خارج البيت مستقبل وجه الكعبة، ثم انصرف، فقال: " هذه القبلة " ورواه أحمد بن منيع.
قلت: لم أقف على هذا الحديث في مجمع الزوائد للهيثمي، ولا في إتحاف المهرة للابو صيري، لا في كتاب الصلاة، ولا في كتاب الحج فالله أعلم.
والذي في مجمع الزوائد عن ابن عباس قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبة، فصلى بين الساريتين ركعتين، ثم خرج وصلى بين الباب وبين الحجر ركعتين، ثم قال: " هذه القبلة " ثم
__________
(1) هو المطلب بن أحمد بن أسيد الاسدي من تصانيفه شرح الجامع لصحيح البخاري توفي سنة 435، انظر معجم المؤلفين 13 / 32.
(*)(5/271)
دخل مرة أخرى، فقام يدعو ولم يصل.
رواه الطبراني في الكبير، قال الهيثمي: فيه أبو مريم،
روى عن صغار التابعين، ولم أعرفه، وبقية رجاله موثقون، وفي بعضهم كلام.
وروى الازرقي عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه قال: بلغني أن الفضل ابن عباس دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ - أي يوم الفتح - فقال: لم أره صلى فيها، قال أبي: وذلك فيما بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعانه في حاجة فجاء وقد صلى ولم يره.
قال عبد المجيد: قال أبي، وذلك أنه بعثه فجاء بذنوب من ماء زمزم يطمس به الصور التي في الكعبة، فلذلك لم يره صلى.
قلت: وأيضا أنه - صلى الله عليه وسلم - أرسله وأسامة في ذلك - كما تقدم في أسامة - واعتمد الامام تقي الدين الفاسي في تاريخه من هذه الاجوبة ما رواه أبو داود الطيالسي عن أسامة، وتعقب ما سواه بكلام نفس جدا فراجعه فانك لا تجده في غير كتابه، وذكره هنا ليس من غرضنا.
التاسع عشر: تقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة، وأنه جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، وفي رواية جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه وفي أخرى عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وفي رواية بين العمودين اليمانيين، وفي أخرى بين العمودين تلقاء وجهه، وبين العمودين المقدمين، قال المحب الطبري في الاحكام الكبرى: وهذا يؤيد رواية من روى أنه جعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره لان الباب قريب من الحجر الاسود، جانح إلى جهة اليمين، ويفتح في جهة المشرق فإذا دخل منه وصلى تلقاء وجهه بين العمودين المقدمين اليمانيين والبيت يومئذ على ستة أعمدة فقد جعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره، وثلاثة أعمدة وراءه، وصلى إلى جهة المغرب، وقوله اليمانيين قد يشكل فانها ثلاثة صف وجعل اثنين منها يمانيين ليس باولى من جعلهما شاميين، والجواب: أنه إنما جعل اثنين منهما يمانيين لان مقر الثلاثة بصفة يماني وبصفة شامي، فمن وقف بين المتمحض يمانيا وبين المشترك بين اليمن والشام جاز أن يقال فيه: وقف بين اليمانيين باعتبار ما نسب منه إلى اليمن تجوزا ومن وقف بين المتمحض شاميا وبين المشترك جاز أن يقال فيه: وقف بين الشاميين لما ذكرناه، أو تقول لما وقف بينهما كان هو إلى جهة اليمن أقرب، فاطلق عليهما يمانيين اعتبارا به، والأول أظهر، ولا تضاد بين هذا وبين قوله عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره،
فان من ضرورة جعل عمودين عن يمينه أن يكون عمودا عن يمينه والاخر مسكوتا عنه، وليس في اللفظ ما ينفيه، وقال الحافظ: ليس بين رواية: جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره مخالفة، لكن قوله في رواية مالك: وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة مشكل، لانه يشعر بكون ما عن يمينه أو يساره كان اثنين، ويمكن الجمع بين الروايتين بانه حيث ثنى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك، ويرشد إلى ذلك(5/272)
قوله: وكان البيت يومئذ، لان فيه إشعارا بانه تغير عن هيئته الاولى.
قال الكرماني: لفظ العمود جنس يشمل الواحد والاثنين فهو مجمل بينته رواية " وعمودين " ويحتمل أن يقال: لم تكن الاعمدة الثلاثة على سمت واحد، بل اثنان على سمت، والثالث على غير سمتهما، ولفظ المقدمتين في الحديث السابق مشعر به قال الحافظ: ويؤيده رواية مجاهد عن ابن عمر عند البخاري في باب " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى "، " فان فيها بين الساريتين اللتين عن يسار الداخل " وهو صريح في أنه كان هناك عمودان على اليسار، وأنه صلى بينهما، فيحتمل أنه كان ثم عمود آخر عن اليمين، لكنه بعيد أو على غير سمت العمودين فيصح قول من قال: جعل عن يمينه عمودين، وقول من قال: جعل عمودا عن يمينه، وجوز الكرماني احتمالا آخر، وهو أن يكون هناك ثلاثة أعمدة مصطفة، فصلى إلى جنب الاوسط فمن قال: جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره لم يعتبر الذي صلى الى جنبه، ومن قال: عمودين اعتبره وجمع بعض المتأخرين باحتمال تعدد الواقعة، وهو بعيد لاتحاد مخرج الحديث، وقد جزم البيهقي بترجيح رواية أنه جعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره.
وقال المحب الطبري في صفوة الفرى إنه الاظهر.
العشرون: لا خلاف في دخوله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة يوم الفتح، وتقدم في التنبيه الثامن عشر: أنه دخل في ثاني الفتح، وذكر بعضهم أنه دخلها في عمرة القضية، والصحيح خلافه، فقد قال البخاري عن عبد الله بن أوفى - رضي الله عنه - أنه لم يدخلها، وذكر بعضهم أنه
دخلها في عمرة القضية وحجة الوداع، وسيأتي هناك تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.
الحادي والعشرون: اختلف في قدر إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمكة كما تقدم في القصة، وجمع الامام البيهقي بين هذا الاختلاف بان من قال تسع عشرة عد يوم الدخول والخروج، ومن قال سبع عشرة حذفهما، ومن قال ثماني عشرة عد أحدهما.
وأما رواية خمس عشرة فضعفها النووي من الخلاصة.
قال الحافظ: وليس بجيد لان رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق كما تقدم بيانه في القصة، وإذا ثبت أنها صحيحة فلتحمل على أن الراوي ظن أن الاصل سبع عشرة فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسع عشرة، أرجح الروايات، ويرجحها أيضا أنها أكثر الروايات الصحيحة، قال الحافظ: وحديث أنس لا يعارض حديث ابن عباس أي السابق في آخر القصة، لان حديث ابن عباس في الفتح وحديث أنس كان في حجة الوداع، وبسط الكلام على بيان ذلك، وقال في موضع آخر: الذي أعتقده أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع فانها هي السفرة التي أقام فيها بمكة عشرة أيام، لانه دخل اليوم الرابع وخرج اليوم الرابع عشر، ثم قال الحافظ: ولعل(5/273)
البخاري أدخله في هذا الباب إشارة إلى ما ذكرت، ولم يفصح بذلك تشحيذا للاذهان، ووقع في رواية الاسماعيلي: فاقام بها عشرا يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة، وكذا هو في باب قصر الصلاة عند البخاري، وهو يؤيد ما ذكرته، فان مدة إقامتهم في سفرة الفتح حتى رجعوا إلى المدينة أكثر من ثمانين يوما.
الثاني والعشرون: في بيان غريب ما سبق.
الاطناب: جمع طنب - بضم الطاء المهملة والنون حبل الخباء - بكسر الخاء المعجمة أي الخيمة.
الجوزاء - بفتح الجيم وسكون الواو، وبالزاي والمد: نجم يقال إنها تعرض في جوز السماء، أي وسطها.
الافواج والافاويج - جمع فوج: الجماعة من الناس.
الابتهاج: السرور.
خزاعة - بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وعين مهملة الدئل - بكسر الدال المهملة، وسكون الهمزة وتسهل.
رزن - براء تفتح وتكسر - كما ذكره صاحبا المحكم والباهر - فزاي ساكنة، وتفتح، كما في الاملاء، فنون.
ذؤيب: تصغير ذئب.
سلمى - بفتح السين المهملة.
كلثوم - بضم الكاف، وسكون اللام، وبالثاء المثلثة.
أنصاب الحرم - بالنون، والصاد المهملة: حجارة تجعل علامات بين الحل والحرم.
منخر بني كنانة - بنون، فخاء معجمة، فراء: أي المتقدمون منهم: لان الانف هو المتقدم من الوجه.
كنانة - بكسر الكاف.
يودون - بضم التحتية، وبالمهملة: من الدية.
بنو - بكر - بفتح الموحدة، وسكون الكاف.
حجز الاسلام: منع.
الحديبية: تقدم الكلام عليها في غزوتها.(5/274)
الحلفاء: جمع حليف، وهو المحالف على النصرة.
السروات - بفتحات: جمع السراة، كذلك جمع سرى - وهو الرئيس.
ما أشرق: أي مدة إشراقه.
ثبير - بثاء مثلثة، فموحدة، فتحتية، وزن عظيم: جبل بمكة.
حراء - بكسر الحاء المهملة: تقدم الكلام عليه في المبعث.
السرمد: الدائم.
الحلف - بكسر الحاء المهملة، وسكون اللام، والمحالفة: المؤامرة والمناصرة بالحلف على ذلك.
شرح غريب ذكر نقض قريش العهد قوله: " بني نفاثة ": بنون مضمومة، ففاء مخففة، فالف، فثاء مثلثة.
الثار - بالثاء المثلثة: طلب دم القتيل.
ناشدوهم بارحامهم: ذكروهم وسالوهم بها.
الكراع - بضم الكاف، وبالراء، والعين المهملة: جماعة الخيل خاصة.
الوتير: بفتح الواو، وكسر الفوقية، وسكون التحتية، وآخره راء: اسم موضع أو ماء في ديار خزاعة.
حويطب - بضم الحاء المهملة، وفتح الواو، وسكون التحتية، وكسر الطاء المهملة، وبالموحدة.
مكرز - بكسر الميم، وحكى ابن الاثير فتحها، وسكون الكاف، وكسر الراء واخره زاي.
أجلبوا: استعانوا.
بيتوهم: قصدوهم ليلا من غير أن يعلموا فاخذوهم بغتة.
إلهك إلهك - بنصبهما محذوف، أي اتق.
عماية الصبح: بقية ظلمة الليل.
شرح غريب ذكر اعلامه - صلى الله عليه وسلم - بما حصل لخزاعة أترى - بفتح أوله، وضم ثانيه: أي أتظن.(5/275)
تجترئ عليه: تسرع بالهجوم عليه من غير ترو.
خير: خبر مبتدإ محذوف، أي هو خير.
المتوضأ - بميم مضمومة، فمثناة فوقية، فهمزة فضاد معجمة مفتوحات: مكان الوضوء.
لبيك: ياتي الكلام عليه مبسوطا في حجة الوداع.
الراجز: قائل الرجز، وهو نوع من الشعر بنو كعب بن عمرو: بطن من خزاعة.
استصرخني: استغاثني.
وائل - بكسر التحتية.
شرح غريب ذكر قدوم عمرو بن سالم ظاهرت: عاونت.
بين ظهري الناس: أي بينهم.
عمرو بن سالم: يجوز في عمرو الضم، وفي ابن الفتح، ويجوز فتحهما وضمهما.
ناشد: طالب ومذكر.
الا تلدا - بفتح أوله، وسكون الفوقية، وفتح اللام وبالذال المهملة: القديم.
ولدا - بضم الواو، وسكون اللام: أي ولدا وذلك أن بني عبد مناف أمهم من خزاعة، وكذلك أم قصي.
ثمت: حرف عطف، أدخل عليه تاء التأنيث.
أسلمنا - قال السهيلي: من السلم، لانهم لم يكونو أسلموا بعد، وقال غيره: إنه قال: ركعا وسجدا فدل على أنه كان فيهم من صلى فقتل، وقال غيره: إن قوله بعد " وقتلونا ركعا وسجدا " ينافيه إلا أن يحمل ذلك على المجاز، وقال بعضهم: مراده بقوله: " ركعا وسجدا " أنهم حلفاء الذين يركعون ويسجدون، قال الحافظ في الاصابة: ولا يخفى بعده.
لست - بفتح الفوقية على الخطاب، وبالضم، ووجهه ظاهر.
بيتونا: أخذونا بياتا، أي ليلا ونحن غافلون.
هجدا - بضم الهاء، وتشديد الجيم المفتوحة: جمع هاجد، وهو النائم هنا.
كداء - بفتح الكاف وبالمد: الثنية التي باعلى مكة.
الرصد: الطالب المراقب.(5/276)
عتدا - بعين مهملة مفتوحة، ففوقية مكسورة، فدال مهملة: والعتيد الشئ الحاضر المهيأ، ويحتمل أن يكون من القوة، ويروى نصرا أبدا من التأبيد.
تجردا - من رواه بحاء مهملة أراد: غضب، ومن رواه بالجيم أراد شمر وتهيأ لحربهم.
سيم - بكسر السين المهملة، وسكون التحتية، وبالميم، وبالبناء للمفعول.
خسفا - بفتح الخاء المعجمة، وضمها، وسكون السين المهملة، وبالفاء: يقال سمته خسفا إذا أوليته ذلا، ويقال كلفته مشقة.
تربدا - بفوقية - مفتوحة، فراء فموحدة - يقال اربد وجهه: أي تغير إلى الغبرة.
الفليق - بفاء مفتوحة، فتحتية ساكنة، فلام مفتوحة، فقاف: العسكر الكثير.
مزبدا - بميم مضمومة، فزاي ساكنة، فموحدة مفتوحة، فمهملة.
القرم - بفتح القاف: السيد، وأصله الفحل من الابل الذي أقرم، أي ترك من الركوب والعمل وودع للفحلة.
الاصيد: الذي يرفع راسه كثيرا، ومنه قيل للملك أصيد، وأصله البعير يكون به داء في راسه يرفعه، وقيل إنما قيل للملك أصيد، لانه لا يلتفت يمينا وشمالا.
ما برح: ما زال.
عنانة: واحدة العنان - بفتح العين المهملة، ونونين بينهما ألف، وهو السحاب.
تستهل: تبشر.
بديل - بضم الموحدة، وفتح الدال، وسكون التحتية، وباللام.
مر - بفتح الميم، وتشديد الراء.
الظهران - بفتح الظاء المعجمة المشالة، وسكون الهاء، بلفظ تثنيه ظهر، اسم أضيف إليه مر: اسم مكان قرب مكة.
شرح غريب ذكر ما قيل - ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه خبر خزاعة تهمتكم: من تتهمونه.
ظنتكم: من تظنون، وهو بمعنى ما قبله.
قصرة - بضم القاف، وسكون الصاد المهملة: أي خاصة.
ننبذ إليه على سواء: نطرح عهده وننقضه.(5/277)
الاندية: جمع ناد وهو متحدث القوم.
قرظة - بفتح القاف، والراء، والظاء المعجمة المشالة.
فيهم عرام - بضم العين المهملة: الشدة والقوة والشراسة، يقال رجل عارم خبيث شرير.
السبد - بسين، فموحدة مفتوحتين، فدال مهملة: الشعر.
اللبد - بفتح اللام والموحدة: أي الصوف، أي ما يبقى لنا شئ.
شرح غريب ذكر اخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بان أبا سفيان سيقدم قوله: الهدنة: الصلح.
يروعكم: يفزعكم.
الحجون - بحاء مفتوحة مهملة، فجيم: الجبل المشرف على مقبرة مكة.
الخندمة - بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة: جبل بمكة.
مليا: زمانا.
تحرجوا: وقعوا في الحرج، وهو الضيق، وفي لفظ: رهبوا - بكسر الهاء، خافوا.
عسفان: بعين مضمومة، فسين ساكنة، مهملتين، ففاء ونون.
تمور: جمع تمر.
تهامة - بالكسر.
قائلهم: اسم فاعل من قال، قيلا ومقيلا، وقيلولة: نام القائلة، وهي الظهيرة.
ائتمرت قريش: آمر بعضهم بعضا.
أم حبيبة: زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تاتي في تراجم الازواج - رضي الله عنهن.
مشرك تجس: أي نجس الاعتقاد، لا أنه نجس العين.
الذر: النمل الاصغار، وليس قول عمر: فو الله لو لم أجد إلا الذر لقاتلتكم عليه بكذب وإن كان الذر لا يقاتل به لانه جرى في كلامهم كالمثل.
أخلقه الله - بالقاف: أبلاه ومحقه.
المتين: القوي.
أمس القوم بي رحما: أقربهم رحما.(5/278)
البحيرة: من أسماء المدينة، تقدم بيانه فيها.
ويح: كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد يقال بمعنى التعجب والمدح، وهو منصوب على المصدر.
أجر بين الناس - بفتح الهمزة، وكسر الجيم، وسكون الراء: من الاجارة.
يدب بكسر الدال المهملة، وتشديد الموحدة: يمشي على هينة.
أو ترى - بتحريك الواو على الاستفهام، ويجوز فتح الفوقية وضمها.
يخفرني - بالخاء المعجمة، والفاء: ينقض عهدي.
النجح: الفوز بالمطلوب.
إساف - بكسر الهمزة ونائلة: أي أسماء صنمين.
أبى: أي امتنع.
أدنى العدو: أقرب أعدائنا عداوة.
لعمر الله - بفتح اللام والعين، وضم الراء: بقاء الله تعالى.
الحجر: جمع حجرة وهي البيت.
شرح غريب ذكر جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتاب حاطب الجهاز - بفتح الجيم وكسرها.
بغتة: فجأة، تقول بغته الامر، وفجأه إذا جاءه ولم يعلم به.
الانقاب - جمع نقب: الطريق.
سلمة: سالمة لا حرس فيها.
المحجة: الطريق المسلوك.
الفلوق - كذا ذكره محمد بن عمر ولم أر له ذكرا في مختصر معجم البلدان، ولا في النهاية، والصحاح، وتاريخ المدينة، ومعجم الكبرى.
العقيق: واد من أودية المدينة.
أبو مرثد - بفتح الميم، والثاء المثلثة، وسكون الراء بينهما.
روضة خاخ - بخاءين معجمتين بينهما ألف: على بريد من المدينة، وصحفه أبو عوانة كما في الصحيح فقال: حاج بحاء مهملة وجيم، ووهم في ذلك.(5/279)
الظعينة: الهودج كانت فيه امرأة أو لم تكن، والجمع الظعن بضمتين وتسكن [ العين ] وظعائن.
والظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، وكل بعير يوطا للنساء ظعينة، وقال في النهاية: الظعينة المرأة في الهودج، ثم قيل للمرأة بلا هودج وللهودج بلا امرأة.
الخليقة - بالقاف كسفينة: منزل على اثني عشر ميلا من المدينة.
بطن رئم - بكسر الراء، وسكون التحتية، بالهمز وتركه: واد بالمدينة.
الجد - بكسر الجيم، وتشديد الدال المهملة: ضد الهزل.
قرون راسها: ضفائر شعر راسها، وفي رواية عقاصها - بكسر العين المهملة، وبالقاف والصاد المهملة المكسورة: وهو الخيط الذي يعتقص به أطراف الذوائب، والشعر المضفور، وفي رواية: أخرجته من حجزتها - بضم الحاء المهملة، وسكون الجيم، وفتح الزاي: هو معقد الازار، قال في النور: وأيضا إن الكتاب كان في ضفائرها وجعلت الضفائر في حجزتها.
الملصق - بضم الميم وفتح الصاد المهملة: الرجل المقيم في الحي والحليف لهم.
اغرورقت عيناه: امتلاتا دموعا.
شرح غريب شعر حسان قوله عناني أهمني بطحاء مكة: ما بين الاخشبين.
تحز رقابها - بضم الفوقية وفتح الحاء المهملة، وبالزاي.
لم تجن - بالجيم والنون والبناء للمفعول: أي لم تستر، يريد أنهم قتلوا ولم يدفنوا.
ألا: حرف تنبيه واستفتاح.
ليت شعري: ليتني أعلم.
أو ليت علمي، هل يكون كذا.
حرها - بحاء مهملة مفتوحة فراء جمع للحرة بفتح الحاء: وهي الارض ذات حجارة سود نخره كالحرار، والحرات، والحرين والاحرين.
وعقابها - بعين مهملة مكسورة فقاف فموحدة: جمع عقبة، وهي مرقى صعبة من الجبال.
ابن أم مجالد: عكرمة بن أبي جهل.
أحتلبت - بسكون الحاء المهملة، وضم الفوقية، وكسر اللام.
الصرف - بكسر الصاد المهملة: اللبن الخالص هنا.
أعصل - بعين مهملة مفتوحة فلام: أعوج، والعصل اعوجاج الاسنان.(5/280)
الناب - بنون، فالف فموحدة: السن خلف بالرباعية، مؤنث.
أبو رهم - بضم الراء، وسكون الهاء.
كلثوم - بضم الكاف، وسكون اللام.
حصين - بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين في كل الاسماء إلا حصين بن المنذر بن سنان فانه بالضاد المعجمة، وهو فرد، والكنى بفتح الحاء وكسر الصاد.
شرح غريب ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة قوله - فما حل عقدة [ أي ما استراح ] الصلصل - بصادين مهملتين - مضمومتين، وسكون اللام الاولى بينهما: جبل معروف في أثناء البيداء، وهو الشرف الذي قدام ذي الحليفة.
يستهل بنصر بني كعب: قبيلة.
العرج - بفتح العين، وسكون الراء المهملتين، وبالجيم: قرية جامعة قريب مكة على نحو ثلاث مراحل من المدينة بطريق مكة.
الطلوب - بفتح الطاء المهملة: اسم ماء.
تهر: هرير الكلب: صوته، وهو دون النباح.
الجريدة: جماعة من الخيل جرددت من سائرها.
العين: الجاسوس.
قديد - بلفظ التصغير: قرية جامعة قريب مكة.
وكزهم - بفتح الواو، وسكون الكاف وبالزاي: طعنهم.
الحجفة - بضم الجيم - وسكون الحاء المهملة: قرية كبيرة على خمس مراحل وثلث مرحلة من المدينة.
شرح غريب ذكره فطره - صلى الله عليه وسلم - وأمره به
الكديد - بفتح الكاف، وكسر الدال المهملة الاولى، بعدها تحتية فدال مهملة: موضع بين مكة والمدينة بين منزلتي أمج وعسفان، وهو اسم ماء، وهو أقرب إلى مكة من عسفان.
عسفان - بضم العين، وسكون السين المهملتين، وبفاء ونون، قرية جامعة على ثلاث مراحل من مكة.
أمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم المخففة: اسم واد.(5/281)
كراع الغميم - بضم الكاف من كراع وفتح الغين المعجمة [ من الغميم ] موضع بن رابغ والحجفة يضاف إليه كراع: وهو جبل أسود بطرف الحرة.
عزيمة: أمر واجب حق.
شرح غريب ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران عميت الاخبار - بفتح العين وكسر الميم، ويجوز ضم العين وكسر الميم المشددة.
يتحسب الاخبار: يتعرفها.
الاراك - بفتح الهمزة: شجر معروف.
خمشتها - الحرب - بالخاء المعجمة، والجيم، والشين المعجمتين المفتوحات: أحرقتها وهيجتها، ومن رواه بالحاء، والسين المهملتين، فمعناه: اشتدت عليها، من الحماسة وهي الشدة والشجاعة.
شرح غريب ذكر منام أبي بكر - رضي الله عنه تشخب: تدر وتسيل.
كلبهم - بفتح الكاف واللام: شدتهم.
درهم - بفتح الدال المهملة: لبنهم.
شرح غريب ذكر اعلام - صلى الله عليه وسلم - بان أبا سفيان في الادراك وارادة أبي سفيان الانصراف
خطم الجبل - بفتح الخاء المعجمة، وسكون الطاء المهملة، والعقبة، شئ يخرج منه ويضيق معه الطريق، وفي رواية في الصحيح: حطم - بالحاء المهملة - الخيل - بالخاء المعجمة والتحتية: وهو موضع ضيق تتزاحم الخيل فيه حتى يحطم بعضهم بعضا.
واصباح قريش: منادى مستغاث: يقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه العنوة - بفتح العين المهملة أخذ الشئ قهرا.
الشهباء: البيضاء.
حطابا بحاء فطاء مشددة مهملتين.
يشتد: يعدو.
أقتحمت: رميت بنفسي من غير روية.
أجرته - بالراء: أمنته، فهو في أماني.(5/282)
لا يناجيه: لا يساره.
مهلا: يقال للمفرد والمثنى والجمع، يعني أمهل.
أرحها: اتركها.
ألم يان: يقرب.
الاوباش من الناس: الاخلاط.
الرحل بالحاء المهملة: المنزل والماوى.
أفرخ لروعتي بالفاء والخاء المعجمة: أذهب لخوفي.
أربأ بهم عن الشرك: أنزه مقامهم وأرفعه عن الاقامة على الشرك.
شرح غريب ذكر تعبئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ومن أمر بقتله أرحلت: أعدت رحلها.
الاداة: الالة.
الكتائب: جمع كتيبة وهي الطائفة من الجيش المجتمعة.
القادات: جمع قائد: وهو أمير الجيش.
على أثره بكسر أوله وسكون ثانيه، وبفتحهما.
أفناء العرب: جمع فنو، وهو الذي لا يعلم ممن هو.
الكتيبة الخضراء: سميت بذلك لغلبة الحديد على أهلها، شبه السواد بالخضرة، والعرب تطلق الخضرة على السواد.
سنابك الخيل: طرف حوافرها.
الحدق: العيون.
لعمر فيها زجل: صوت رفيع عال.
يزعها - بالزاي، يقال: وزعه يزعه وزعا فهو وازع: وهو الذي يكف الناس ويحمل أولهم على آخرهم.
رويدا: إسم فعل أمر، بمعنى أمهل.
اليوم يوم: برفع اليومين، ونصب الأول ورفع الثاني.(5/283)
الملحمة: الحرب وموضع القتال، والجمع ملاحم، ماخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسدى، وقيل هي من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيهما.
تستحل - بالبناء للمفعول.
الحرمة - بالرفع نائب الفاعل.
حبذا - بالحاء مهملة مفتوحة، فموحدة، فذال معجمة،: أي هو حبيب، جعل " حب " و " ذا " كشئ واحد، وهو اسم، وما بعده مرفوع به، ولزم " ذا " حب.
الذمار - بالذال المعجمة المكسورة، وتخفيف الميم، وبالراء: الهلاك أو حين الغضب للحريم والاهل، يعني الانتصار
لمن بمكة، قاله غلبة ومحجزا، وقيل: أراد حبذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من المكروه.
القصواء - كحمراء.
أنشدك الله - بفتح الهمزة، وضم الشين المعجمة - سألتك وأقسمت عليك به.
كذب سعد: أخطأ.
المرحمة: الرقة والتعطف.
صولة - بفتح الصاد المهملة، وسكون الواو: أي حملة.
شرح غريب شعر ضرار بن الخطاب - رضي الله عنه لجأ إليه بالهمز وتركه للوزن.
لات حين لجاء: أي ليس الوقت وقت لجاء.
سعة الارض - بفتح السين.
حلقتا: تثنية حلقة.
البطان - بكسر الموحدة - للقتب: الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير، يقال التقت حلقتا البطان للامر إذا اشتد.
نودوا - بالبناء للمفعول.
الصيلم - بصاد مهملة مفتوحة، فتحتية ساكنة، فلام مفتوحة: الداهية.
الصلعاء - بصاد مهملة مفتوحة، فلام ساكنة، فعين مهملة ممدودة، قال في النور: كانه عطف الصلعاء على الصيلم، وحذف حرف العطف للنظم، وهو جائز في غير النظم أيضا.
قاصمة الظهر: كاسرته.(5/284)
الحجون - بفتح الحاء المهملة، وضم الجيم المخففة: الجبل المشرف على مقبرة مكة.
البطحاء: الابطح.
النسر - بفتح النون: النجم المعروف، وهما نسران، النسر الطائر، والنسر الواقع.
العواء - بعين مهملة مفتوحة، فواو مشددة، ويقال بالعدوة من منازل القمر، وهي خمسة أنجم يقال لها ورك الاسد، ومن مدها فهي عنده من عويت الشئ إذا لويت طرفه.
وقال السهيلي: والاصح في معناها أن العواء من العوة، وهي الدبر، وكانهم أسموها بذلك لانها دبر الاسد من البروج.
وغر الصدر - بفتح الواو وكسر الغين المعجمة، وبالراء: إسم فاعل، والوغرة: شدة توقد الحر.
لا يهم - بفتح التحتية وضم الهاء.
تلظى: اصله تتلظى: تلهب.
جاءت: أخبرت.
هند: هي بنت عتبة.
بالسوءة السوءاء، بالخلة القبيحة.
ابن حرب: هو أبو سفيان بن حرب.
أقحم اللواء: الاقحام: إرسال في عجلة.
يا حماة الادبار: جمع دبر، والمراد به هنا الظهر.
ثابت - بثاء مثلثة وبعد الالف موحدة ففوقية ساكنة: أي رجعت.
البهم - بضم الموحدة، وفتح الهاء، قال أبو عبيدة البهمة بالضم: الفارس الذي لا يدري من أين يؤتي من شدة باسه، الجمع بهم، ويقال أيضا للجيش بهمة.
الهيجاء - بالمد وتقصر: الحرب.
الفقعة - بفاء مكسورة، فقاف، فعين مهملة مفتوحة، جمع فقع - بكسر الفاء وفتحها وسكون القاف ضرب من الكماة، وهي البيضاء الرخوة، يشبه به الرجل الذليل يقال هو فقع بقرقر (1)، لان الدواب تنجله بارجلها.
__________
(1) القرقر في الاراض المنخفضة اللينة، انظر المعجم الوسيط 2 / 736.
(*)(5/285)
القاع: المكان الواسع المستوي في وطاة من الارض.
الاماء: جمع أمة، وهي خلاف الحرة.
إنهينه: فعل أمر من نهى أكد بالنون.
الاسد - بضم الهمزة وسكون المهملة جمع أسد بفتح المهزة والمهملة.
لدى: بمعنى عند.
الغاب، والغابات: جمع غابة، وهي هنا أجمة الاسد.
والغ - بالغين المعجمة: إسم فاعل من ولغ في الاناء.
الحية الصماء: التي لا تسمع.
صنو أبيه، الصنو: المثل.
أما والله - بفتح الهمزة، وتخفيف الميم.
ركبوها منه: [ أي فعلوها معه ] لاضر منها عليهم نارا: أشعلها عليهم.
استبطنتم: يقال استبطن الوادي وتبطنه: دخل بطنه.
أشهب بازل: أي رموا بامر صعب شديد لا طاقة لهم به يقال يوم أشعب وسنة شهباء، وجيش أشهب: أي قوي شديد، وأكثر ما يستعمل في الشدة والكراهة، وجعله بازلا لان بزول البعير نهايته في الشدة والقوة.
النجاء: السرعة، يقال هو ينجو نجاء إذا أسرع.
قبل - بكسر القاف وفتح الموحدة: أي طاقة وإنما عطفها عليه لتغاير اللفظ.
قاتله الله: أي قتله ولعنه، أو عاداه، وقد ترد بمعنى التعجب من الشئ، كقولهم: تربت يداه، ولا يراد بها وقوع الشئ.
الحميت - بفتح المهملة، وكسر التحتية، وبالفوقية - وهي في الاصل المتين من كل
شئ، والمراد هنا: زق السمن..بالسين والميم متن بالرب ولا يسعر عليه، شبهته بنحى السمن في لونه وسمنه.
الدسم - بدال فسين مكسورة مهملتين: الكثير الودك.
ما الاحمس: الشجاع.
قبح: القبح: ضد الحسن، وقد قبح قباحة فهو قبيح، ويقال قبحه الله، أي نحاه عن(5/286)
الخير، فيجوز في لفظ الكثرة قبح - بفتح القاف، وضم الموحدة، وقبح بالبناء للمفعول.
الطليعة: الذي يحرس القوم.
شرح غريب من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله وشرح غريب ذكر دخوله - صلى الله عليه وسلم - مكة وأين نزل الساعي هنا: الذي ياخذ الزكاة، وفي رواية مصدقا - بفتح الصاد وتشديد الدال مع كسرها، ويجوز إسكان الصاد مع كسر الدال المخففة.
القينة - بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فنون فتاء تأنيث: الامة غنت أو لم تغن والماشطة، وكثيرا ما يطلق على المغنية من الاماء.
المغفر - بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة، وفتح الفاء، وبالراء: زرد ينسج منه الدروع على قدر الراس، يلبس تحت القلنسوة.
ذو طوى - بتثليث الطاء المهملة، والفتح أشهر: واد بمكة، مقصور منون، وقد يمد، يصرف ولا يصرف.
المدجج - بضم الميم، وفتح الدال المهملة والجيم الاولى المشددة.
شاك في السلاح تدجج في شكته وحد في سلاحه.
القناة: الرمح.
الافواه: جمع فوه: وهو الفم.
المزاد - بفتح الميم، والمزايد جمع مزادة، وهي شطر الرواية.
الخندمة - بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة، فميم فتاء تأنيث: اسم جبل بمكة.
الرعدة - بكسر الراء.
فرس عاير - بعين مهملة فتحتية: ذاهب.
معتجرا، الاعتجار: التعمم بغير ذؤابة.
شقة برد: نصفه.
حبرة - بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة: ضرب من ثياب اليمن.
استشرفه الناس، قال في الصحاح: استشرفت الشئ: رفعت نظرك لتنظر إليه، وبسطت كفك فوق حاجبك كالذي يستظل من الشمس.(5/287)
العثنون - بضم العين المهملة والنون وبينهما ثاء مثلثة ساكنة: اللحية.
واسطة الرحل: مقدمته.
تمعج: تسير في كل اتجاه.
ثابت - بثاء مثلثة فالف، فموحدة ففوقية: رجعت.
عمامة خرقانية - بفتح الخاء المعجمة وضمها، وسكون الراء، وبالقاف، وكسر النون، وتشديد التحتية، قال في النهاية كانه لواها ثم كورها كما يفعله أهل الرساتق (1)، ورويت بالحاء المهملة.
المرط - بكسر الميم، وسكون الراء، وبالطاء المهملة: كساء من صوف، أو خز، أو كتان، والجمع مروط.
مرحل - بضم الميم، وفتح الراء والحاء المهملة المشددة: ضرب من برود اليمن، عليه تصاوير رحل وما أشبهه، وفي التكملة هو الموشى بالرحال، كما أن المسهم الموشى تشبيها
بالسهام.
تثير: ترفع.
النقع: الغبار.
الاعنة: جمع عنان - بكسر العين وهو سير اللجام.
مسرجات - بميم مضمومة، فسين مهملة فراء فجيم: مشدود عليها السرج.
الخمر - بضم الخاء المعجمة، وبالراء: جمع خمار، وهو ثوب تغطي به المرأة راسها، والخمر - بفتح الخاء المعجمة، والميم: ما واراك من شجر.
مجنبة الجيش - بميم مضمومة فجيم مفتوحة: فنون مكسورة مشددة فموحدة فهاء: وهي التي تكون في الميمنة والميسرة وهما مجنبتان، وقيل: هي الكتيبة تأخذ إحدى ناحيتي الطريق، والأول أصح.
سليم - بضم السين المهملة.
غفار - بكسر الغين المعجمة.
مزينة - بضم الميم، وفتح الزاي، وسكون التحتية، وبالنون.
الليط - بكسر اللام الثانية، وسكون التحتية، وآخره طاء مهملة.
__________
(1) الرساتق: فارسي معرب وهو السواد، انظر اللسان 3 / 1640.
(*)(5/288)
الحسر - بضم الحاء، وفتح السين المشددة المهملتين وآخره راء: وهم الذين لا درع عليهم.
البياذقة بفتح الموحدة، وتخفيف التحتية، وبعد الالف ذال معجمة، فقاف، فتاء تأنيث: وفسر بالرجالة، وهي لفظة فارسية معربة.
أقبل بالصف من المسلمين...ينصب - بفتح التحتية، وسكون النون، وفتح الصاد المهملة، وتشديد الموحدة.
عنوة: يقال عنا عنوة: أخذ الشئ قهرا وصلحا، والمراد هنا الاول.
ضوى إليه: آوى إليه وانضم.
هذيل - بضم الهاء، وفتح الذال المعجمة، وسكون التحتية، وباللام.
الديل - بكسر الدال المهملة، وسكون التحتية.
فمالي علة...وألة - بفتح الهمزة، وتشديد اللام المفتوحة، فتاء تأنيث: الحربة التي في نصلها عرض، وجمعها أل - بفتح الهمزة، وتشديد اللام، والال كجفنة وجفان.
ذو غرارين بغين معجمة مكسورة، وراءين بينهما ألف: شفرتا السيف وكل شئ له حد فحده غرره، والجمع أغرة.
السلة - بكسر السين المهملة، وتشديد اللام المفتوحة فتاء تأنيث: الحالة من السيف ومن أراد المصدر فتح.
قال في الصحاح: أتيناهم عند السلة، أي عند إسلال السيوف.
الحزورة: بحاء مهملة مفتوحة فزاي ساكنة فواو مفتوحة فراء: كانت سوقا بمكة وأدخلت في المسجد لما زيد فيه.
لجة البحر - بضم اللام وتشديد الجيم: معظمه، ومنه بحر لجي، واسع اللجة.
نال...الفارسية...الشعار - ككتاب: العلامة في الحرب.
حماس - بكسر الحاء المهملة، وتخفيف الميم، وبعد الالف سين مهملة.
إنك - بكسر الكاف، خطاب المؤنث.
بويزيد: حذف همزته تخفيفا، لضرورة الشعر، وأراد به سهيل بن عمرو.(5/289)
المؤتمة - بميم، فواو، ففوقية مفتوحة: التي قتل زوجها وبقي لها أيتام، ومن رواه بكسر
الفوقية: أراد لها أيتام، يقال منه أيتمت فهي مؤتمة.
الجمجمة: الراس.
تسمع - بالبناء للمفعول.
وفي كثير من النسخ تسمعي.
الغمغمة - بغينين معجمتين مفتوحتين بعد كل واحدة ميم، الاولى ساكنة، والثانية مفتوحة: أصوات غير مفهومة من اختلاطها.
قال في الروض، وقال في الاملاء هي الاصوات الابطال في الحرب.
النهيت - بفتح النون، وكسر الهاء، وسكون التحتية ففوقية: نوع من صياح الاسد كالزئير إلا أنه دونه.
همهمة: صوت في الصدر.
كرز - بكاف مضمومة، فراء ساكنة فزاي.
الفهري - بكسر الفاء وسكون الهاء.
البارقة: لمعان السيوف.
فضض المشركين - بفاء وضادين معجمتين: كل متفرق ومنتشر.
فاتي - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ببنائهما للمفعول.
وبشت: بفتح الواو وبالموحدة المشددة وبالشين المعجمة: جمعت الاوباش الجموع من قبائل شتى.
اهتف: صح والهاتف الصائح.
المناوشة في القتال: تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا.
احصدوهم - بهمزة وصل، فان ابتدات ضممت، وبالحاء والصاد المهملتين: أي اقتلوهم وبالغوا في استئصالهم.
أبيدت - بالبناء للمفعول: أهلكت، وفي رواية أبيحت - بالبناء للمفعول أي انتهبت وتم هلاكها، والاباحة كالنهب وما لا يرد عنه.
خضراء قريش - بخاء مفتوحة فضاد ساكنة معجمتين وبالمد: جماعتهم وأشخاصهم والعرب تكني بالسواد عن الخضرة، وبالخضرة عن السواد ومنه سواد العراق.
لا قريش بعد اليوم:...(5/290)
تقاسموا: تحالفوا.
الخيف: ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء.
كنانة - بكسر الكاف، ونونين.
رجع صوته - بفتح الراء، والجيم المشددة: ردده في القراءة، قال...مضطربا بالحجون: مقيما به.
شرح غريب ذكر اغتساله - صلى الله عليه وسلم - ورن ابليس وإسلام أبي قحافة وغريب خطبته - صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى - بضم السين المهملة، وسكون الموحدة، وبالحاء المهملة: من التسبيح كالسحرة من التسحير، وأكثر استعمالها في التطوع من الذكر والصلاة.
الرنة - بفتح الراء والنون: الصوت بحزن.
النوح - بفتح النون، وواو ساكنة، فحاء مهملة: البكاء.
الشرر - بشين معجمة مفتوحة فراءين أولاهما مفتوحة: ما تطاير من النار.
التامات: الكاملات فلا يدخلهن نقص ولا عيب، وقيل: النافعات الشافيات.
لا يجاوزهن - بمثناة تحتية مضمومة، ثم جيم وزاي، لا يخلفهن ويتخطاهن.
البر - بفتح الموحدة، والبار: الصادق أو التقي، وهو خلاف الفاجر، وجمع الأول أبرار، والثاني بررة.
الطارق: الذي ياتي ليلا.
حبشية: منسوبة إلى الحبشة.
شمطاء: خالط سواد شعرها بياض.
خمشت المرأة وجهها بظفرها خمشا من باب ضرب: جرحت ظاهر البشرة، ثم أطلق الخمش على الاثر، والجمع خموش مثل فلس وفلوس.
الويل: كلمة تقال لمن وقع في هلكة أو بلية لا يترحم عليه.
إساف بكسر الهمزة، ونائلة - بنون فالف، فهمزة على صورة الياء: اسما صنمين.
أبو قحافة - بضم القاف، وبالحاء المهملة، والفاء، عثمان بن عامر والد أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنهما.
أشرفي بي، ارتفعي بي.(5/291)
الوازع - بالزاي: الذي يكف الجيش، أي يقدم بعضه على بعض يقال وزعته عن كذا إذا كففته عنه.
الطوق هنا: القلادة.
الورق - بفتح الواو، وكسر الراء، الفضة.
الثغامة - بثاء مثلثة مفتوحة، فغين معجمة: شجرة إذا يبست أبيضت أغصانها يشبه بها الشيب.
أنشد الله رجلا: أذكره به واستعطفه أو أساله به مقسما.
أخية: تصغير أخت.
لم قاتلت: ما الاستفهامية دخلت عليها اللام الجارة فحذفت ألفها.
رشقونا: رمونا.
وضعوا فينا السلاح: حطوه.
خبطوهم - بخاء معجمة فموحدة فطاء مهملة: ضربوهم ضربا شديدا.
أبو أحيحة - بمهملتين - مصغر.
الجياد - بجيم مكسورة، فتحتية مفتوحة، فالف، فدال مهملة، جمع جيد: ضد الردئ.
متمطرات - بضم الميم، وفتح الفوقية، وكسر الطاء المهملة المشددة، وبالراء، يقال: تمطر به فرسه: إذا جرى وأسرع، وجاءت الخيل متمطرة، أي سبق بعضها بعضا.
المحجن - بميم مكسورة، فحاء مهملة ساكنة، فجيم مفتوحة فنون، وهو عصا مقنعة الراس كالصولجان.
ارتجت مكة: اضطرب أهلها.
الرصاص - بفتح الراء، والمفرد رصاصة.
هبل - بضم الهاء وفتح الموحدة، وباللام.
وجاه - بواو مكسورة فجيم: مقابل.
آخذ بمد الهمزة، وكسر الخاء، وبالذال المعجمتين: اسم فاعل.
سية القوس - بكسر السين المهملة، وفتح التحتية المخففة: وهو ما عطف من طرف القوس.
يطعن - بضم العين وفتحها.(5/292)
الاستيلام: افتعال من السلام، كانه حياه بذلك، وقيل: هو افتعال من السلام بكسر السين، وهي الحجارة، ومعناه: لمسه.
الحجر - بفتح الحاء والجيم.
الملوح بضم الميم وفتح اللام، وتشديد الواو المفتوحة، فحاء مهملة.
إيه إيه...يستقسم: يضرب.
بالازلام، جمع زلم - بضم الزاي، ويقال: بفتحها، وهو السهم.
حمامة من عيدان - بفتح العين المهملة، وسكون التحتية، جمع عيدانة، وهي النخلة
الطويلة.
سطرين بسين مهملة، ووقع في رواية السهيلي بالشين المعجمة، وخطاه القاضي.
قوله: وعند المكان الذي صلي فيه مرمرة - بسكون الراء بين الميمين المفتوحين، واحدة المرمر، وهو جنس من الرخام لطيف نفيس معروف، وكان ذلك في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم غير بناء البيت بعد في زمن ابن الزبير كما تقدم.
برة - بموحدة مفتوحة، فراء مشددة فمثناة فوقية.
شرح غريب ذكر خطبته - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح استكف له الناس - بفتح أوله، وسكون السين المهملة، وفتح الكاف، وبالفاء: أي استجمع، من الكافة، وهي الجماعة، وقد يجوز أن يكون استكف هنا بمعنى نظروا إليه، وحدقوا أبصارهم فيه، كالذي ينظر في الشمس، من قولهم: استكف بالشئ إذا وضعت كفك على حاجبك ونظرت إليه، وقد يجوز أن يكون استكف هذا بمعنى استمد، قاله في الاملاء.
وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث " قال السهيلي، وابن حزم، البلاذري: كان لربيعة بن الحارث ابنا مسترضعا في بني سعد بن ليث فقتلته هذيل في الجاهلية، فاهدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمه في فتح مكة وسماه البلاذري، والزبير بن بكار، وابن حزم وغيرهم: ادم، وقيل: اسمه ثمام، وقيل إياس.
الاحزاب: وهم الذين تحزبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق من قريش وغيرهم.
لا تثريب: لا تعنيف ولا لوم.
الطلقاء - بطاء مهملة مضمومة، فلام مفتوحة فقاف: الذين خلى سبيلهم.(5/293)
ماثرة - بهمزة ساكنة فثاء مثلثة مفتوحة: الخصلة المحمودة التي تؤثر ويتحدث بها.
سدانة البيت: بكسر السين، وبالدال المفتوحة المهملتين، وبعد الالف نون: خدمته.
النخوة: العظمة والكبر.
لا يعضد - بالعين المهملة، والضاد: لا يقطع.
عضاها، العضاة ككتاب شجر الشوك كالطلح والعوسج.
ولا يختلى - بضم التحتية وسكون الخاء المعجمة: لا يقطع.
الخلى - بالقصر: الرطب من الحشيش، الواحدة خلاة.
وكان شيخا مجربا - بضم الميم، وفتح الجيم والراء: أي جربته الامور وأحكمته.
الاذخر - بكسر الهمزة وسكون الذال، وكسر الخاء المعجمتين: نبات معروف ذكي إذا جف ابيض.
القين - بفتح القاف، وسكون التحتية، وبالنون: الحداد، ويطلق على كل صانع، والجمع قيون، مثل عين وعيون.
وللعاهر الحجر: أي إنما ثبت الولد لصاحب الفراش وهو الزوج، وللعاهر الخيبة ولا يثبت له نسب، وهو كما يقال: وله التراب، أي الخيبة، لان بعض العرب كان يثبت النسب من الزاني، فابطله الشرع.
لا جلب - بفتح الجيم واللام، وبالموحدة، فسر بان رب الماشية لا يكلف جلبها إلى البلد لياخذ الساعي منها الزكاة، بل تؤخذ زكاتها عند المياه.
ولا جنب - بفتح الجيم والنون، وبالموحدة: أي إذا كانت الماشية في الافنية فتترك فيها ولا تخرج إلى المرعى، فيخرج الساعي لاخذ الزكاة لما فيه من المشقة.
فأمر بالرفق من الجانبين.
الافنية: جمع فناء ككتاب: الوصيد، وهو سعة أمام البيت، وقيل: ما امتد من جوانبه.
اشتمال الصماء: أي يجلل جسده كله بكساء أو إزار لا يرفع من جوانبه.
أخالكم: أظنكم.
خالدة: دائمة لكم.
تالدة - بالفوقية كصاحبة، والتالد: القديم، قال المحب الطبري - رحمه الله تعالى -: إنها
لكم من أول ومن آخر، وتكون تالدة إتباعا لخالدة بمعناه.(5/294)
مضطبع بثوبه: اسم فاعل من الاضطباع: وهو أن يدخل ثوبه من تحت إبطه اليمنى ويلقيه على عاتقه الايسر، ويتعدى بالباء، فيقال: اضطبع بثوبه، قال الازهري: والاضطباع والتوشح والتابط سواء.
أما الرجل - بفتح الهمزة وتشديد الميم.
يقضى - بالبناء للمفعول، وكذلك قضي، والوحي، نائب للفاعل.
الضن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكسر الضاد المعجمة الساقطة، وتشديد النون، أي بخلا به، وشحا أن يشاركنا فيه أحد غيرنا.
يطئون عقبه: يتبعونه، وموطأ العقب: سلطان يتبع.
تفوهت: تلفظت.
قرن - بقاف مفتوحة، فراء ساكنة، وهي في الاصل: الجبل الصغير.
المسفلة - بميم مفتوحة فسين مهملة ساكنة ففاء، فلام مفتوحتين: موضع باسفل مكة.
يوضع فيه: يسرع.
الجعرانة - لا خلاف في كسر الجيم، وأهل الحديث يكسرون عينه، وأهل الادب يسكنون العين ويخففون الراء.
قال في المراصد: والصحيح أنهما لغتان، قال علي بن المدني: أهل المدينة يثقلون الجعرانة، وأهل العراق يخففونها، وهي منزل بين الطائف ومكة، وهي إليها أقرب.
عرنة - بضم العين المهملة وفتح الراء وبالنون: واد قرب عرفات.
شرح غريب ذكر اسلام عبد الله بن الزبعرى - رضي الله عنه الزبعري هو بزاي، فموحدة مكسورتين، فعين مهملة ساكنة، فألف مقصورة.
لا تعد بفتح الفوقية وسكون العين الهملة.
من حرف جر، وفي رواية لا تعد من من العدم، أكد بالنون.
ورجلا - عليها - مفعول.
نجران - بنون مفتوحة، فجيم ساكنة، فالف فنون: مدينة باليمن.
الاحذ - بالحاء المهملة، والذال المعجمة: القليل المنقطع، ومن رواه بالجيم والدال المهملة: فهو منقطع أيضا.
وقد يجوز أن يكون معناه في عيش لئيم جدا بليت من البلى وهو العدم والقدم.
القناة: الرمح.(5/295)
خوارة - بخاء معجمة مفتوحة، فواو مشددة فراء: ضعيفة.
جوفاء - بجيم مفتوحة فواو ساكنة ففاء فالف فهمز -: واسعة.
ذات وصوم - بواو مضمومة فصاد مهملة فواو فميم: فتور وكسل وتوان أجلب عليه: جمع ما قدر عليه من جنده.
يجب ما قبله: يقطعه ويمحاه.
لساني راتق: ساد، تقول: رتقت الشئ إذا سددته.
ما فتقت: أحدثت من ذنب، فكل إثم فتق وتمزيق، وكل توبة رتق.
البور - بالموحدة: الهلاك..أباري: أعارض، وأجاري.
سنن الغي: طرقه.
المثبور: الهالك.
البلابل: الوساوس.
الهموم: الاحزان.
معتلج: مضطرب يركب بعضه بعضا.
الرواق: طائفة من الليل، وأرواقه: أثناء ظلمته.
البهيم: الذي لا ضياء فيه.
عيرانة: ناقة تشبه العير في شدته ونشاطه والعير - بفتح العين: حمار الوحش.
غشوم - بغين، فشين معجمة: ظلوم، يعني أن مشيها فيه خفاء، ومن رواه رسوم، فمعناه: أنها ترسم الارض وتؤثر فيها من شدة وطئها، والرسم: ضرب من سير الليل.
أسديت: صنعت وحكيت، يعني ما قاله من الشعر قبل إسلامه.
أهيم: أذهب على وجهي متحيرا.
اغوى بالغين المعجمة.
خطة - بضم الخاء المعجمة، وبطاء مهملة: أي باشر أمر وأقبحه.
سهم - بفتح السين المهملة، وسكون الهاء.
مخزوم - بالخاء والزاي المعجمتين.(5/296)
أسباب الردى: طرق الهلاك.
الوشاة - بضم الواو: جمع واش وهو النمام.
الاواصر: قرابة الرحم من الناس.
الحلوم - بضم الحاء المهملة، واللام: العقول.
فدى - بكسر الفاء، وتفتح، وقال في الصحاح: إذا كسر يمد ويقصر، وإذا فتح فهو مقصور انتهى والمفاداة: أن تدفع رجلا وتاخذ رجلا، فالفداء أن تشريه أو تنقذه بمال، وفديته بابي وأمي كانك اشتريته وخلصته بهما، إذا لم يكن أسيرا، فان كان أسيرا مملوكا قلت: فاديته، والمراد بالفداء هنا التعظيم، لان الانسان لا يفدي إلا من يعظمه.
فيذل نفسه، ومن يعز عليه به.
زللي: خطيئتي.
علم - بفتح العين واللام.
الجسيم: العظيم.
القرم - بفتح القاف، وسكون الراء: وأصله الفحل من الابل.
الذري - بضم الذال المعجمة: الاعالي.
الاروم: الاصول.
شرح غريب ذكر إسلام عكرمة وصفوان بن أمية وهند بنت عتبة ضوى إليه بفتح الضاد المعجمة: مال.
الشعيبة - بالشين المعجمة، والعين المهملة تصغير شعبة: مرفأ السفن بجدة.
والمرفأ - بميم فراء فهمز: الموضع الذي تشد فيه السفن.
عك - بفتح العين المهملة وتشديد الكاف: حي منسوب إلى عك بن عدنان - بضم العين، وسكون الدال المهملتين، وبالثاء المثلثة ابن عبد الله بن الازد.
تليح بمثناة فوقية فلام فمثناة تحتية فحاء مهملة: تبصر، يقال لحته أبصرته، والاستلاح التبصر.
النوتي: الملاح الذي يدبر أمر السفينة في البحر.
أغرب - بغين معجمة: أبعد.
الاعتجار بالعمامة: وهو أن يلفها على راسه، ويرد طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.(5/297)
آمنه - بمد الهمزة وفتح الميم المخففة.
سيره شهرين - بفتح السين والتحتية المشددة.
شفير النار: جانبها.
القدوم - بقاف مفتوحة، فدال مضمومة تخفف وتشدد هنا: آلة النجار.
أفلذه - بهمزة مضمومة ففاء ساكنة فذال معجمة: أقطعه.
مرضوفين - بميم فراء [ فضاد ] فواو ففاء مفتوحة: مشويين على الرضف وهي الحجارة
المحماة.
قد - بقاف مفتوحة فدال مهملة: جلد السخلة.
شرح غريب ذكر خطبته - صلى الله عليه وسلم - ثاني يوم الفتح قوله غزي - بغين فزاي معجمتين، وتشديد التحتية: جماعة القوم الذين يغزون.
جنيدب بن الادلع.
هذيل - بضم الهاء وفتح الذال المعجمة، وسكون التحتية، وباللام.
الغطيط: ما يسمع من صوت الادميين إذا ناموا، وهو صوت من الحلق.
الحاضر: القوم الذين ينزلون على الماء.
فمه: ما الاستفهامية أبدلت ألفها هاء في الوقف، والمعنى فما تريدون أن تضعوا [ يستجيش عليه: بمثناة فسين مهملة فمثناة فوقية فجيم فتحتية: أقبل إليهم يطلب سكون الجاش بهمز وقد لا يهمز.
وهو رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع وتنفس الانسان ].
هكذا عن الرجل: هي هنا اسم سمي به الفعل، ومعناه: تنحوا عن الرجل، وعن متعلقة بما في هكذا من معنى الفعل.
الحشوة - بالحاء المهملة المفتوحة: ما اشتمل عليه البطن من الامعاء وغيرها تسيل: تخرج.
تزنقان - بفوقية فزاي فنون فقاف أي قربتا أن تنغلقا، يقال زنقت الشمس إذا دنت للغروب وزنقه النعاس إذا ابتدأه قبل أن تنغلق عينه انجعف - بنون فجيم فعين مهملة ففاء: سقط سقوطا ثقيلا.(5/298)
شرح غريب قصيدة حسان بن ثابت - رضي الله عنه عفت: درست وتغيرت.
ذات الاصابع، والجواء - بكسر الجيم، وتخفيف الواو، وعذراء بفتح العين المهملة،
وسكون الذال وراء وبالمد: الثلاثة مواضع بالشام، والاخيرة قرية بقرب دمشق.
منزلها خلاء: فارغ.
الحسحاس - بحاء مفتوحة فسين فحاء فالف فسين مهملات: حي من بني أسد.
قفر - بفتح القاف، وسكون الفاء، وبالراء: المفازة التي لا نبت فيها ولا ماء.
تعفيها - بضم الفوقية، وفتح العين المهملة، وكسر الفاء المشددة: تغيرها.
الروامس - بالراء والسين المهملتين: الرياح التي ترمس الآثار، أي تغطيها وتسترها.
السماء - هنا - المطر.
تثير - بضم الفوقية وكسر الثاء المثلثة، وسكون التحتية وبالراء: ترفع.
النقع - بفتح النون وإسكان القاف وبالعين المهملة: الغبار.
كداء - بفتح الكاف والمد.
الاعنة: جمع عنان - بكسر العين المهملة: وهو سير اللجام.
مصغيات: مستمعات.
الاسل - بفتح الهمزة والسين المهملة: الرماح.
الظماء بكسر الظاء المعجمة المشالة وبالمد: العطاش.
الجياد - هنا: الخيل.
متمطرات - بطاء مهملة مكسورة مشددة مصونات أو مسرعات يسبق بعضهن بعضا.
يلطمهن: يضربهن بالخمر - بضم الخاء المعجمة، والميم، جمع خمار.
إما - بكسر الهمزة، وتشديد الميم، أصله إن الشرطية وما زائدة.
تعرضوا - حذف النون للجازم.
الجلاد - بكسر الجيم: الضرب بالسيوف ونحوها في القتال.
ليس له كفاء - بكسر الكاف وبالمد: أي مثلا.
وقال الله قد أرسلت عبدا: أي قال الله - تعالى - معناه، وليس هذا اللفظ في القرآن وكذا
وقال الله قد سيرت جندا.(5/299)
البلاء: الاختبار.
عرضتها - بضم العين المهملة، وسكون الراء وبالضاد المعجمة - اللقاء: عادتها تعرض للقاء عدوها.
نحكم بالقوافي من هجانا - بضم النون، وفتحها: أي نرد ونقدع، من حكمة الدابة بفتح المهملة وسكون الكاف وهو لجامها، والمعنى: نغمهم ونخزيهم فتكون قوافينا كالحكمات للدواب.
أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب - قيل أسلم في السفر، وهذا مما يقوي أن بعض هذا القصيدة قالها قبل السفر للفتح.
مغلغلة - بغينين معجمتين، الاولى مفتوحة، والثانية مفتوحة أيضا وبعد كل منهما لام الاولى ساكنة والثانية مفتوحة وهي الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد.
برح.
زال.
الجفاء: الاعراض والتباعد.
برا - بفتح الموحدة والراء: وهو الكثير الخير.
الحنيف: المسلم، وسمي بذلك لانه مال عن الباطل إلى الحق، والحنف: الميل.
الشيمة - بكسر الشين المعجمة، وسكون التحتية: الخلق بضم الخاء المعجمة، واللام وتسكن.
الكفو - بتثليث الكاف: المثل والنظير.
فشركما لخيركما الفداء: هذا نصف بيت قالته العرب، وهو من باب قوله - صلى الله عليه وسلم - شر صفوف الرجال آخرها، يريد نقصان حظهم عن حظ الصف الاول، ولا يجوز أن يريد - صلى الله عليه وسلم - التفضيل في الشر.
قال سيبويه - رحمه الله تعالى - تقول مررت برجل شر منك إذا نقص عن أن
يكون مثله.
صارم: قاطع.
لا عيب - بالتحتية والموحدة - وهو الظاهر - ويروي بالفوقية أي لا لوم فيه.
الدلاء - بكسر الدال المهملة: جمع دلو بفتحها.
شبيه وقع في صحيح مسلم في مناقب حسان رضي الله تعالى عنه في هذا القصيدة أبيات.(5/300)
أولها: هجوت محمدا إلى آخره، وثانيهما: هجوت محمدا برا تقيا، وثالثها: فان أبي ووالدتي وعرضي، ورابعها: ثكلت بنيتي إن لم تروها تثير النقع غايتها كداء، وخامسها: يبارين الاعنة مصعدات كذا في مسلم، وفي السيرة مصغيات، وسادسها تظل جيادنا إلى آخره، وسابعها: فان أعرضتم إلى آخره، وثامنها: وإلا فاصبروا لضراب يوم وتاسعها: قد أرسلت عبدا وقال الله يقول الحق ليس به خفاء.
وعاشرها: وقال الله قد سيرت جندا، وحادي عشرها: تلاقي كل يوم من معد، وثاني عشرها: فمن يهجو، وثالث عشرها: وجبريل رسول الله فينا.
شرح غريب ابيات أنس بن زنيم - رضي الله عنه وأبوه [ زنيم ] بضم الزاي، وفتح النون وسكون التحتية.
الذمة - بكسر الذال المعجمة: العهد.
أحث بالحاء المهملة، والثاء المثلثة: أسرع.
أسبغ - بالسين المهملة والموحدة والغين المعجمة: أكمل.
النائل: العطاء.
المهند: السيف المطبوع من حديد الهند.
الخال - بالخاء المعجمة: ضرب من برود اليمن، سمي بالخال الذي بمعنى الخيلاء
قبل ابتذاله: [ أي بلاه ] السابق - هنا - الفرس.
المتجرد - بكسر الراء: اسم فاعل.
الذي يتجرد من الخيل فيسبقها.
تعلم - بفتحات واللام مشددة:: بمعنى إعلم.
الوعيد: التهديد.
الصرم - بكسر الصاد المهملة وسكون الراء وبالميم: البيوت المجتمعة.
المتهمون: الذين يسكنون بتهامة، وهو ما انخفض من أرض الحجاز.
المنجد: من سكن بنجد، وهو ما ارتفع من الارض.
عويمر: تصغير عمرو، وهو بن سالم كذا في النور.
المخلفوا كل موعد - بجر كل باضافة اسم الفاعل إليها، ويجوز نسبها في لغة.
نبوا - بنون فموحدة مشددة: أخبروا.(5/301)
الطلق - بفتح الطاء، وسكون اللام: الايام السعيدة، يقال يوم طلق إذ لم يكن فيه برد ولا حر ولا شئ يؤذي، وكذلك ليلة طلق.
عزت: اشتدت.
العبرة - بفتح العين المهملة: الدمعة.
التبلد: التحير تبلدي: تصبري، أخفرت: نقضت العهد أكمد: من الكمد وهو الحزن.
فتقت - بفاء ففوقية فقاف: أحدثت، أو خرجت.
شرح غريب ابيات الشقراطيسي - رحمه الله تعالى وهو بشين معجمة فقاف ساكنة فراء مفتوحة فطاء فسين مهملات فتحتية.
يوم مكة - جوز الامام أبو شامة - رحمه الله تعالى نصب يوم ورفعه وجره.
إذا: ظرف
زمان بدل من يوم.
أشرفت / علوت عليها وظهرت على أخذها.
الامم: جمع أمة، وهي جماعة الحيوان على الاطلاق، ومن الزمان وغير ذلك.
تضييق - بالفوقية والتحتية.
الفجاج - جمع فج: الطريق الواسع بين جبلين.
الوعث - بواو مفتوحة، فعين مهملة ساكنة، فثاء مثلثة: المكان الواسع.
الدهس - بدال مهملة فهاء مفتوحتين فسين مهملة: مالان من الارض وسهل، ولم يبلغ أن يكون رملا تغيب فيه الاقدام ويشق على من مشى فيه.
السهل - بسكون الهاء - وفتحها ضرورة - وفي بعض النسخ بضمتين، جمع سهل وهو ما لان من الارض، والمعنى أن جميع الطرق تضيق عن ذلك الجيش.
الخوافق - بالصرف للضرورة، وبالجر بدل من أمم، أي أشرفت في أمم خوافق، يقال خفقت الراية تخفق وتخفق - بكسر الفاء وضمها خفقا وخفقانا، وكذلك القلب إذا اضطرب، ويجوز أن تكون خوافق صفة لام لا بدل، وصفها بالمفرد بعد أن وصفها بالجملة، من قولهم خفق الارض بنعله خفقا وهو صوت النعل، وكل ضرب بشئ عريض خفق ومنه خفقه بالسيف، وخفق في البلاد خفوقا: ذهب، وخفق البرق خفقا: لمع، وخفقت الريح خفقانا: وهو خفقها أي دوي جريها، وخفق الطائر، أي طار، وصف تلك الامم بسرعة الطير والسير ولمعان(5/302)
الحديد، وصوت وقع الحوافر، وما يناسب ذلك مما يليق بالمعنى المقصود المستنبط من هذه الالفاظ.
في اللغة، وفي بعض النسخ خوافق بالرفع جعل مبتدأ على تقدير لها خوافق يعنى رايات، أي خبرا أي هي خوافق، يعني الامم، ويجوز أن يكون التقدير في ذات خوافق وحذف المضاف، وكذا يجوز أن يكون التقدير على إعراب خوافق بالجر أي ذوي خوافق، فمهما قدرنا حذف مضاف، أو قلنا هي مبتدأ أو جررناها على البدل، فالمراد بخوافق الرايات، وإن
جررناها صفة لامم أو قلنا: التقدير هي خوافق فالخفق للامم لا الريات.
ضاق: ضعف.
ذرع الخافقين: وسعهما.
الخافقان: أفقا المشرق والمغرب، لان الليل والنهار يخفقان فيهما.
القاتم: المغبر والقتام: الغبار.
العجاج - بالعين المهملة وجيمين: الغبار.
الجحفل - بالجر: وهو الجيش العظيم، قال في المحكم: ولا يكون الجيش جحفلا حتى تكون فيه خيل.
قذف بفتح القاف والذال المعجمة، وبضمهما: أي متباعد.
الارجاء: النواحي والاطراف.
اللجب: الصوت والجلبة.
العرمرم: الكثير.
زهاء السيل - بضم الزاي: قدره.
المنسحل - بضم الميم، وسكون النون، وفتح السين، والحاء المهملتين: وهو الماضي في سيره، المسرع فيه.
يتبع بعضه بعضا كانه جار.
البهو: البناء العالي كالايوان ونحوه، شبه النور، الذي يغشاه - صلى الله عليه وسلم ببهو أحاط به.
مكتمل بضم الميم: تام.
ينير - بضم التحتية - أي النور المذكور ينير أي يضئ " أغر الوجه: أبيضه منتجب: متخير من أصل نجيب أي كريم.
المتوج: الذي لبس التاج وهو الاكليل الذي تلبسه الملوك، وهو شبه عصابة تزين بالجواهر، وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بانه أبدا متوج بعزة النصر - متقبل - بضم الميم، وسكون(5/303)
القاف، وفتح الفوقية، وكسر الموحدة: من اقتبل أمره أي استانفه، واقتبل الخطبة أي ارتجلها، والاقتبال: الاستئناف.
يسمو - بالتحتية: يعلو.
أمام: قدام.
جنود: جمع جند.
مرتديا: حال من الضمير في يسمو.
ثوب الوقار: مفعول مرتديا على إسقاط الخافض والوقار العظمة.
ممتثل: أي منتهج على مثاله، يقال: امتثل فلان الامر إذا فعله على المثال الذي رسم له.
خشعت: خضعت - حسا ومعنى.
البهاء: الحسن.
سمت: ارتفعت.
المهابة: الهيبة، فكلاهما مصدر هابه، ومعناها الاجلال والمخافة.
الوجل: الخائف، جمع الناظم بينهما لاختلاف اللفظ تأكيدا للمعنى، أي فعلت في زمان نهاية عزك ما يفعله الخائف الوجل.
تباشر القوم: بشر بعضهم بعضا فرحا.
أملاك: جمع ملك مثل حمل وأحمال.
ملكت - بضم الميم، وكسر اللام المشددة، وفي بعض النسخ بفتحهما من غير تشديد، وكلاهما واضح.
نلت: حصلت [ غاية الامل ]: مطلوبك.
ترجف: تهتز.
الزهو: الخفة من الطرب، يقال: زهاه الشئ ازدهاء: إذا استخفه، والزهو أيضا: الكبر، وليس مرادا هنا.
الفرق: الفزع، يقال اهتزت الارض فرحا بهذا الجيش وفرقا من صولته، أي كادت تهتز كما قال تعالى: (وبلغت القلوب الحناجر) [ الاحزاب 10 ] أي كادت تبلغ.
الجو: ما تحت السماء من الهواء.
يزهر: يضئ.(5/304)
الاشراق: الاضاءة.
الجذل - بفتح الجيم، والذال المعجمة: السرور والفرح.
تختال: تتبختر في مشيتها.
زهوا: كبرا وإعجابا، وهذا غير معنى الزهو السابق، فليس بتكرار.
العيس - بكسر العين: الابل في ألوانها عيس - بفتح العين والتحتية، وهو بياض مخالط بحمرة.
تنثال - بفوقية مفتوحة فنون ساكنة فثاء مثلثة ولام: أي تنصب من كل جهة، يقال تناثل الناس إليه إذا انصبوا.
رهوا بالراء: أي ذات رهو، وهو السير السهل.
ثنى - بكسر الثاء المثلثة، وفتح النون، كانه جمع ثنى، لان كل أحد له ثنى إلا أن هذا الجمع غير مسموع، وفي بعض النسخ بضم المثلثة وكسرها كحلي وحلى.
الجدل - بضم الجيم، والدال المهملة: جمع حديل، وهو الزمام المجدول، أي المضفور المحكم الفتل، والزمام ما كان في الانف، والخطام غيره، وثنى الجدل ما أثني منها على أعناق هذه الابل، أي انعطف وانطوى.
الحول - بكسر الحاء المهملة، وفتح الواو: التحول، وهو الانتقال والتغير.
أهل - بفتحات واللام مشددة: أي رفع صوته.
ثهلان - بثاء مثلثة، جبل.
التهليل: مصدر هلل إذا قال: لا إله إلا الله.
ذاب - بفتح الذال المعجمة.
يذبل - بفتح التحتية، وسكون الذال المعجمة وضم الموحدة وباللام: جبل.
التهليل - هنا: الجبن والفزع، يقال هل الرجل عن الشئ إذا فزع منه فرقا وجبنا.
الذبل - بضم الذال المعجمة، والموحدة: الرماح الذوابل التي لم تقطع من منابتها حتى ذبلت أي جفت ويبست، وإذا قطعت كذلك كانت أجود، وأصله لو لا القدر الذي خطته الاقلام في اللوح المحفوظ، ولما سبق من قضاء الله فيه الذي لا يتحول أن الجماد لا ينطق ولا يعقل لرفع ثهلان صوته فهلل الله - تعالى - من الطرب، ولذاب يذبل من الجزع والفرق.
عقدت: بالبناء للمفعول.(5/305)
الازل - بفتح أوله والزاي: القدم بكسر القاف.
شعبت - بفتح الشين المعجمة، والعين المهملة، وسكون الموحدة، وفتح الفوقية: أي جمعت وأصلحت.
الصدع: الشق.
قذفت: رمت.
شعوب، اسم علم على المنية لا ينصرف، لانه مشتق من شعب إذا تفرق، لانها تفرق الجماعات.
شعاب السهل، جمع شعب: الطريق في الجبل.
السهل: خلاف الجبل، وهو ما سهل ولان من الارض.
القلل: جمع قلة، وهي أعلى الجبل، وقلة كل شئ أعلاه.
زادت: من الزيادة.
الكتائب: جمع كتيبة، وهي الجماعة من الخيل.
الزئير - بالهمز: صوت الاسد في صدره.
العصل - بعين فصاد مهملتين: جمع أعصل، وهو الناب الشديد المعوج.
ويل: كلمة يعبر بها عن المكروه ويدعى بها فيه.
آثار وطئته: مصدر وطئ بقدمه يطأ وطأ ووطأة للمرة من ذلك، ويعبر بها أيضا عن موضع القدم، وعن الاخذة والوقعة، فالمعنى على الأول: من آثار وطأته الارض، وعلى الثاني من آثار نكايته.
الجوى - بفتح الجيم، في الاصل فساد الجوف، ثم سمي كل ما بطن من حزن أو هوى، أو هم جوى.
الهبل بفتح الهاء، والموحدة: الثكل، مصدر هبلته، أي ثكلته.
جدت عفوا - يقال أعطاني فلان كذا عفوا، أي سهلا من غير عناء ولا كد في السؤال والعفو: التجاوز عن الذنب، وترك العقوبة.
ولم تلمم من الممت بالشئ إذا دنوت منه ونلت منه نيلا يسيرا.
الاليم: الموجع.
اللوم والعذل - بفتح الذال المعجمة وسكونها متقاربان، فلما اختلف اللفظ حسن(5/306)
التكرير - يعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقابل أهل مكة - ولم يعذلهم، بل عفا عنهم وصفح.
أضربت: أعرضت وتركت.
بالصفح: بالعفو.
صفحا: أي إعراضا.
الطوائل: جمع طائلة، أي عداوة، أي أعرضت عن نتاج طوئلهم وهي جنايتهم عليه - صلى الله عليه وسلم -.
طولا - بفتح الطاء: المن والانعام والتفضل.
المقيل في الاصل مصدر قال يقيل قولا ومقيلا وقيلولة: إذا نام في الظهيرة أو استراح، وإن لم ينم، واستعار ذلك هنا للنوم، وجعل له مقيلا في أعينهم، وكنى بذلك عن لبثه واستقراره بسبب العفو عنهم والصفح، وكان قبل ذلك نافرا عنهم بسبب الخوف من القتل والغم من الطرد.
المقل - بضم الميم، وفتح القاف، جمع مقلة، وهي شحمة العين التي تجمع السواد والبياض.
واشج الارحام - بشين معجمة مكسورة، فجيم: مختلطها ومشتبكها، من قولهم وشجت العروق والاغصان أي اشتبكت وتداخلت والتفت وشجا ووشيجا.
أتيح - بضم أوله وكسر الفوقية، وسكون التحتية وبالحاء المهملة، قدر وقيض.
الوشيج - بفتح الواو، وكسر الشين المعجمة، وسكون التحتية، وبجيم، ما نبت من القنا والقضب ملتفا، وقيل: سميت بذلك لانها تنبت عروقها تحت الارض، وقيل: هي عامة الرماح.
النشيج - بفتح النون وكسر الشين المعجمة، وسكون التحتية، وبجيم: بكاء يخالطه شهيق وتوجع.
الروع: الفزع، والوجل: الخوف - وهما متقاربان أو مترادفان، عطف أحدهما على الآخر لما اختلف اللفظان، ومعنى البيت: إن القوم الذين رحمتهم فامنتهم قرابتهم شديدة الاتصال بك.
عاذوا - بذال معجمة: لجئوا بالجيم.
اللطف - بفتح اللام - والطاء المهملة، والفاء: اسم لما يبر به، يقال: ألطفه بكذا، أي بره به، أي لجئوا مما كانوا فيه من حر الخوف، والغم إلى ظل عفو رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
أزكى: أكثر وأوسع وأطهر الخليقة: الخلائق.(5/307)
أخلاقا: جمع خلق - بضم الخاء المعجمة، واللام: وهي السجية.
الزلل: التنحي عن الحق.
زان - من الزينة.
الخشوع: الخضوع.
الوقار: الحلم والرزانة.
الخفر - بفتح الخاء المعجمة، والفاء: شدة الحياء.
العذراء: البكر.
الكلل - بكسر الكاف: جمع كلة: وهي الصومعة، وهي الستر الرقيق يخاط كالبيت.
محبورا: مسرورا منعما.
في شغل - بضم الشين والغين المعجمتين: ممنوع من الوصول إليه.
الخزي: الهوان والذل، ويروى الرجس - وهو القذر - موضع الخزي.
الركس: رد الشئ مقلوبا، ويروى منتكس، أي منقلب.
ثاو بثاء مثلثة، مقيم.
البهموت: الحوت الذي عليه قرار الارض.
زحل: نجم معروف.
حجزت: منعت.
الاقطار: النواحي، واحدها قطر - بضم القاف الحجاز ارض خاصة في جزيرة العرب حاجز بين نجد وتهامة.
معا: ظرف لازم الاضافة، بمعنى المصاحبة، وموضعها نصب على الحال، ولما أن قطعت عن الاضافة نونت تنوين العوض.
ملت بالخوف: أي أملته ونحيته، وفي نسخة بالحيف وهو الجور والظلم، والأول أحسن لمقابلة الامن ويجانس الخيف بالخاء المعجمة: وهو ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، ومنه خيف منى الذي فيه مسجد الخيف، وخيف بني كنانة الذي نزل فيه
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع، وهو الابطح.
ملل - بفتح الميم واللام الاولى: موضع بين مكة والمدينة على سبعة عشر ميلا من المدينة.(5/308)
حل - بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام: نزل.
اليمن - بضم التحتية: البركة.
اليمن - بفتح التحتية: الاقليم المعروف.
حفت جوانبه - بالبناء للمفعول، يقال حفوا حوله، يحفون حفا: أي طافوا به واستداروا.
الملل - بكسر الميم، وفتح اللام الاولى: الاديان واحدها ملة.
أطاع: انقاد.
المنحرف: المائل عن دين الحق، وهو هنا الاسلام.
المعترف: المقر بالشئ.
المنعدل - بضم أوله، وسكون النون، وفتح العين المهملة وكسر الدال المهملة، وباللام: الناكب عن طريق الهدى.
المعتدل - بوزنه لكن بعد العين مثناة فوقية، وهو المستقيم على طريق الهدى.
أحبب - بحاء مهملة وموحدتين.
الخلة - بضم الخاء المعجمة: المودة والصداقة، وجمعها خلل - أي ما أحبها من خلة إلينا.
وعز دولته، أي أحبب بعز دولته، أي ما أحبها عزة.
الدولة - بفتح الدال المهملة: بمعنى الادالة وهي الغلبة.
الغراء: البيضاء الشريفة.
الدول - بضم الدال: جمع دولة.(5/309)
الباب الثامن والعشرون في غزوة حنين [ وتسمى أيضا غزوة هوازن، لانهم الذين أتوا لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال محمد بن عمر الاسلمي: حدثني ابن أبي الزناد عن أبيه: أقامت هوازن سنة تجمع الجموع وتسير رؤساؤهم في العرب تجمعهم - ] انتهى.
قال أئمة المغازي: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة مشت أشراف هوازن، وثقيف بعضها إلى بعض، وأشفقوا أن يغزوهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: قد فرغ لنا فلا ناهية له دوننا، والرأي أن نغزوه، فحشدوا وبغوا وقالوا: والله إن محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فاجمعوا أمركم، فسيروا في الناس وسيروا إليه قبل أن يسير إليكم، فاجمعت هوازن أمرها، وجمعها مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النصري بالصاد المهملة - وأسلم بعد ذلك، وهو - يوم حنين - ابن ثلاثين سنة، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ونصر وجشم كلها، وسعد بن بكر، وناس من بني هلال، وهم قليل.
قال محمد بن عمر: لا يبلغون مائة، ولم يشهدها من قيس عيلان - أي بالعين المهملة - إلا هؤلاء، ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، مشى فيها ابن أبي براء فنهاها عن الحضور وقال: والله لو ناوأوا محمدا من بين المشرق والمغرب لظهر عليهم.
وكان في جشم دريد بن الصمة وهو يومئذ ابن ستين ومائة.
ويقال عشرين ومائة سنة، وهو شيخ كبير قد عمي، ليس فيه شئ إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجربا قد ذكر بالشجاعة والفروسية وله عشرون سنة، فلما عزمت هوازن على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالت دريدا الرياسة عليها فقال: وما ذاك وقد عمي بصري وما استمسك على ظهر الفرس، ولكن أحضر معكم لان أشير عليكم برايي على أن لا أخالف، فان كنتم تظنون أني أخالف أقمت ولم أخرج قالوا: لا نخالفك، وجاءه مالك بن عوف، وكان جماع أمر الناس إليه، فقالوا له: لا نخالفك في أمر تراه.
فقال له دريد: يا مالك إنك تقاتل رجلا كريما، قد أوطأ العرب، وخافته العجم ومن بالشام، وأجلى يهود الحجاز، إما قتلا وإما خروجا على ذل وصغار، ويومك هذا الذي تلقى فيه محمدا له ما بعده.
قال مالك: إني لاطمع أن ترى غدا ما يسرك.
قال دريد: منزلي حيث ترى، فإذا جمعت الناس صرت إليك، فلما خرج من عنده طوي عنه أن يسير بالظعن والاموال مع الناس.(5/310)
فلما أجمع مالك المسير بالناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس فخرجوا معهم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم ثم انتهى إلى أوطاس، فعسكر به، وجعلت الامداد تاتي من كل جهة، وأقبل دريد بن الصمة في شجار له يقاد به من الكبر، فلما نزل الشيخ لمس الارض بيده وقال: باي واد أنتم ؟ قالوا: باوطاس.
قال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس.
مالى أسمع بكاء الصغير، ورغاء البعير، ونهاق الحمير، وبعار الشاء وخوار البقر ؟ قالوا: ساق مالك مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم فقال دريد: قد شرط لي ألا يخالفني فقد خالفني فانا أرجع إلى أهلي وتارك ما هنا.
قيل: أفتلقى مالكا فتكلمه ؟ فدعى له مالك، فقال: يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الايام.
مالي أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير وبعار الشاء وخوار البقر ؟ ! قال: قد سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم، قال: ولم قال: أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم، فانقض به دريد وقال: راعي ضأن والله، ما له وللحرب.
وصفق دريد باحدى يديه على الاخرى تعجبا وقال: هل يرد المنهزم شئ ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة، بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا، فارفع الاموال والنساء والذراري إلى عليا قومهم، وممتنع بلادهم، ثم الق القوم على متون الخيل والرجال بين أصفاف الخيل أو المتقدمة درية أمام الخيل فان كانت لك
لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك الفاك ذلك، وقد أحرزت أهلك ومالك.
فقال مالك بن عوف: والله لا أفعل ولا أغير أمرا صنعته، إنك قد كبرت وكبر علمك، أو قال عقلك.
وجعل يضحك مما يشير به دريد، فغضب دريد وقال: هذا أيضا يا معشر هوازن، والله ما هذا لكم برأي، إن هذا فاضحكم في عورتكم، وممكن منكم عدوكم ولاحق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا واتركوه، فسل مالك سيفه ثم نكسه، ثم قال: يا معشر هوازن ! ! والله لتطيعنني أو لاتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري - وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي - فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: والله - لئن عصينا مالكا ليقتلن نفسه وهو شاب، ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه، فاجمعوا رأيكم مع مالك، فلما راى دريد أنهم قد خالفوه قال: يا ليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع * كأنها شاة صدع قال ابن هشام: أنشدني غير واحد من أهل العلم: ثم قال دريد: ليتني فيها جذع يا معشر هوازن ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا: ما(5/311)
شهدها منهم أحد.
قال: غاب الحد والجد، لو كان يوم علاء ورفعة، وفي لفظ: لو كان ذكرا وشرفا ما تخلفوا عنه، يا معشر هوازن ارجعوا وافعلوا ما فعل هؤلاء، فابوا عليه، قال: فمن شهدها منكم ؟ قالوا: عمرو بن عامر وعوف بن عامر، قال: ذانك الجذعان من بني عامر لا ينفعان ولا يضران، قال مالك لدريد: هل من راي غير هذا فيما قد حضر من أمر القوم ؟ قال دريد: نعم تجعل كمينا، يكونون لك عونا، إن حمل القوم عليك جاءهم الكمين من خلفهم، وكررت أنت بمن معك، وان كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد، فذلك حين أمر مالك أصحابه أن يكونوا كمينا في الشعاب وبطون الاودية، فحملوا الحملة الاولى التي انهزم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال دريد - من مقدمة أصحاب محمد ؟ قالوا: بني سليم، قال: هذه
عادة لهم غير مستنكرة، فليت بعيري ينحى من سنن خيلهم، فنحي، بعيره موليا من حيث جاء.
ذكر استعماله - صلى الله عليه وسلم - عتاب بن أسيد أميرا على مكة ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - معلما لاهلها قالوا: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر هوازن وما عزموا عليه أراد التوجه لقتالهم، واستخلف عتاب بن أسيد أميرا على أهل مكة، ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه، وكان عمر عتاب إذ ذاك قريبا من عشرين سنة.
ذكر استعارته - صلى الله عليه وسلم - أدرعا من صفوان بن أمية روى ابن إسحاق من رواية يونس بن بكير عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وعن عمرو بن شعيب وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم والزهري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أجمع السير إلى هوازن ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدرعا وسلاحا، فارسل إليه - وهو يومئذ مشرك - فقال: [ يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلقى فيه عدونا ] فقال صفوان: أغصبا يا محمد ؟ قال: " لا بل عارية أعرنا مضمونة حتى نردها إليك " قال: ليس بهذا باس، فاعطي له مائة درع بما يكفيها من السلاح، فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفيهم حملها، فحملها إلى أوطاس.
ورواه الامام أحمد وأبو داود والنسائي عن أمية بن صفوان، وسيأتي في أبواب معاملاته - صلى الله عليه وسلم - ويقال إنه - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أربعمائة درع بما يصلحها.
قال السهيلي: واستعار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين من نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح، فقال - صلى الله عليه وسلم - كاني أنظر إلى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين.(5/312)
ذكر ارساله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد ليكشف خبر القوم روى ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - وعمرو بن شعيب، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم - رحمهم الله تعالى - أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمع بخبر هوازن بعث عبد الله بن أبي حدرد - رضي الله عنه - فأمره أن يدخل في القوم فيقيم فيهم، وقال: " إعلم لنا علمهم " فأتاهم فدخل فيهم فاقام فيهم يوما وليلة أو يومين، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمع من مالك، وأمر هوازن وما هم عليه.
وعند محمد بن عمر أنه انتهى إلى خباء مالك بن عوف فيجد عنده رؤساء هوزان، فسمعه يقول لاصحابه: إن محمدا لم يقاتل قوما قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فيظهر عليهم، فإذا كان السحر فصفوا مواشيكم ونساء كم من ورائكم، ثم صفوا، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون، واحملوا حملة رجل واحد، واعملوا أن الغلبة لمن حمل أولا.
انتهى.
ثم أقبل حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبره الخبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب " ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد " ؟ فقال: عمر: كذب، فقال ابن أبي حدرد: والله لئن كذبتني يا عمر لربما كذبت بالحق.
فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد " كنت ضالا فهداك الله ".
ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للقاء هوازن روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين أراد حنينا " منزلنا غدا - إن شاء الله تعالى بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر.
وفي رواية قال: منزلنا إن شاء الله تعالى إذا فتح الله الخيف حيث تقاسموا على الكفر " (1).
قال جماعة من أئمة المغازي: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اثنى عشر ألفا من المسلمين، عشرة آلاف من المدينة وألفين من أهل مكة.
وروى أبو الشيخ عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي - رحمه الله تعالى - قال: كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف من الانصار، وألف من جهينة وألف من مزينة.
وألف من أسلم.
وألف من غفار، وألف من أشجع، وألف من المهاجرين وغيرهم، فكان معه
__________
(1) تقدم.
(*)(5/313)
عشرة آلاف، وخرج باثني عشر ألفا، وعلى قول عروة والزهري وابن عقبة يكون جميع الجيش الذين سار بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر ألفا، لانهم قالوا: إنه قدم مكة باثني عشر ألفا، وأضيف إليهم ألفان من الطلقاء.
قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - غدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم السبت لست خلون من شوال.
وقال ابن إسحاق لخمس، وبه قال عروة، واختاره ابن جرير، وروي عن ابن مسعود.
قال ابن عقبة، ومحمد بن عمر - رحمهم الله تعالى - ثم بعد فتح مكة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحنين وكان أهل حنين وفي رواية أهل مكة يظنون حين دنا منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه مبادر بهوازن، وصنع الله لرسوله أحسن من ذلك، فتح له مكة وأقر بها عينه وكبت بها عدوه، فلما خرج إلى حنين خرج معه أهل مكة لم يغادر منهم أحدا - ركبانا ومشاة حتى خرج معه النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم، ولا يكرهون أن تكون الصدمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وكان معه أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وكانت امراته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما، وجعل أبو سفيان بن حرب كلما سقط ترس أو سيف أو متاع من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن أعطنيه أحمله حتى أوقر بعيره.
قال محمد بن عمر: وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجتاه أم سلمة وميمونة فضربت لهما قبة.
ذكر قول بعض من أسلم، وهو حديث عهد بالجاهلية: اجعل لنا ذات أنواط روى ابن إسحاق، والترمذي - وصححه - والنسائي وابن أبي حاتم عن أبي قتادة الحارث بن مالك - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين - ونحن
حديثو عهد بالجاهلية فسرنا معه إلى حنين، وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة، وعند الحاكم في الاكليل سدرة خضراء - يقال لها " ذات أنواط "، ياتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما، فراينا ونحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سدرة خضراء عظيمة، فتنادينا من جنباب الطريق: يا رسول الله، اجعل لنا " ذات أنواط " كما لهم " ذات أنواط " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الله اكبر الله أكبر الله أكبر، قلتم - والذي نفسي بيده، كما قال قوم موسى لموسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) [ الاعراف 138 ] إنها لسنن، لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ".(5/314)
ذكر الاية في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له ان هوازن قد اقبلت عن سهل بن الحنظلية - رضي الله عنه - إنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فأطنبوا في السير حتى إذا كان عشية حضرت صلاة الظهر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله، إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا بهوازن قد جاءت عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: " تلك غنيمة للمسلمين غدا إن شاء الله تعالى ".
ثم قال: " من يحرسنا الليلة ؟ " قال أنس بن أبي مرثد: أنا يا رسول الله، قال " فاركب " فركب فرسا له، وجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة ".
فلما أصبحنا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى مصلاة فركع ركعتين ثم قال: " هل أحسستم فارسكم ؟ " قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه، فثوب بالصلاة فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: " أبشروا فقد جاءكم فارسكم " فجعل ينظر إلى خلال الشجر في الشعب، وإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال اني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما
أصبحت طلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هل نزلت الليلة ؟ " قال: لا إلا مصليا، أو قاضي حاجة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قد أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها " رواه أبو داود والنسائي.
ذكر شعر عباس بن مرداس - رضي الله عنه - ناصحا لهوازن أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها * مني رسالة نصح فيه تبيان إني أظن رسول الله صابحكم * جيشا له في فضاء الارض أركان فيهم سليم أخوكم غير تارككم * والمسلمون عباد الله غسان وفي عضادته اليمنى بنو أسد * والاجربان بنو عبس وذبيان تكاد ترجف منه الارض ترهبه * وفي مقدمه أوس وعثمان قال ابن إسحاق: أوس وعثمان قبيلا مزينة.
ذكر الاية في حفظه - صلى الله عليه وسلم - ممن أراد الفتك به روى محمد بن عمر عن شيوخه قالوا: قال أبو بردة - بضم الموحدة، وسكون الراء وبالدال المهملة - بن نيار - رضي الله عنه - لما كنا باوطاس نزلنا تحت شجرة ونظرنا إلى شجرة عظيمة فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحتها وعلق سيفه وقوسه، وكنت أقرب أصحابي إليه، فما(5/315)
راعني إلا صوته: يا أبا بردة، فقلت: لبيك يا رسول الله، فاقبلت سريعا فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وعنده رجل جالس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا الرجل جاءني وأنا نائم، فسل سيفي، وقام به على راسى، فانتبهت وهو يقول: يا محمد من يمنعك مني ؟ فقلت: الله تعالى، قال أبو بردة: فسللت سيفي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: شم سيفك فقلت: يا رسول الله، دعني أضرب عنق عدو الله، فانه من عيون المشركين.
فقال لي: " اسكت يا أبا بردة ".
فما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ولا عاقبه.
قال: فجعلت أصيح به في العسكر لاشهره للناس فيقتله قاتل بغير أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما أنا فقد كفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتله، فجعل
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يا أبا بردة كف عن الرجل: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا أبا بردة إن الله مانعي وحافظي حتى يظهر دينه على الدين كله " (1).
ذكر الآية التي حصلت لجواسيس المشركين في هذه الغزوة روى أبو نعيم والبيهقي من طريق ابن إسحاق قال: حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أنه حدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد انتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوال، وبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر من هوازن ينظرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأمرهم أن يتفرقوا في العسكر فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ويلكم ما شأنكم، فقالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، والله ما نقاتل أهل الارض، إن نقاتل إلا أهل السماوات وإن اطعتنا رجعت بقومك، فان الناس إن رأوا مثل الذي رأينا أصابهم مثل ما أصابنا.
فقال: أف لكم، أنتم أجبن أهل العسكر، فحبسهم عنده فرقا أن يشيع ذلك الرعب في العسكر، وقال: دلوني على رجل شجاع، فاجمعوا له على رجل، فخرج ثم رجع إليه قد أصابه كنحو ما أصاب من قبلة منهم، فقال: ما رأيت ؟ قال: رايت رجالا بيضا على خيل بلق، ما يطاق النظر إليهم، فو الله ما تماسكت أن أصابني ما ترى، فلم يثن ذلك مالكا عن وجهه (2)، وروى محمد بن عمر نحوه عن شيوخه.
ذكر تعبئة المشركين عسكرهم قال شيوخ محمد بن عمر: لما كان ثلثا الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين، وهو واد أجوف خطوط ذو شعاب ومضايق، وفرق الناس فيها، وأوعز إليهم أن يحملوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حملة واحدة.
وعبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 892.
(2) البيهقي في الدلائل 5 / 123.
(*)(5/316)
وصفهم صفوفا في السحر، ووضع الالوية والرايات في أهلها، ولبس در عين والمغفر والبيضة،
وركب بغلته البيضاء، واستقبل الصفوف، وطاف عليهما بعضها خلف بعض ينحدرون فحضهم على القتال وبشرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا، وقدم خالد بن الوليد في بني سليم وأهل مكة، وجعل ميمنة وميسرة وقلبا، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيه ذكر إعجاب المسلمين كثرتهم يوم حنين روى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن الربيع بن أنس قال: قال رجل يوم حنين: لن نغلب من قلة: فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت الهزيمة.
وروى ابن المنذر عن الحسن قال: لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا: الان نقاتل حين اجتمعنا، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا مما أعجبهم من كثرتهم، فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد على أحد.
وروى أبو الشيخ والحاكم - وصححه - وابن مردويه والبزار عن أنس - رضي الله عنه - قال: لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم فقال القوم: اليوم والله نقاتل، ولفظ البزار، فقال غلام من الانصار يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، لما هو إلا أن لقينا عدونا فانهزم القوم، وولوا مدبرين (1).
وروى محمد بن عمر عن ابن شهاب الزهري، قال رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو لقينا بني شيبان ما بالينا، ولا يغلبنا اليوم أحد من قلة.
قال ابن إسحاق: حدثني بعض أهل مكة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين فصل من مكة إلى حنين، وراى كثرة من معه من جنود الله تعالى: " لن نغلب اليوم من قلة "، كذا في هذه الرواية (2).
والصحيح أن قائل ذلك غير النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سبق.
قال ابن إسحاق: وزعم بعض الناس أن رجلا من بني بكر قالها.
وروى محمد بن عمر عن سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى - أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة كذا في هذه الرواية، وبذلك جزم ابن عبد البر.
قال ابن عقبة: ولما أصبح القوم ونظر بعضهم إلى بعض، أشرف أبو سفيان، وابنه
معاوية، وصفوان ابن أميه، وحكيم بن حزام على تل ينظرون لمن تكون الدائرة.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 6 / 181 باب غزوة حنين.
(2) المغازي للواقدي 3 / 896.
(*)(5/317)
ذكر كيفية الوقعة وما كان من اول الامر من فرار أكثر المسلمين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كانت العاقبة للمتقين، وما وقع في ذلك من الايات قال ابن سعد: أشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال.
روى ابن إسحاق، والامام أحمد وابن حبان عن جابر بن عبد الله، والامام أحمد من طريقين، وأبو يعلى.
ومحمد بن عمر عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنهما - لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد أجوف خطوط له مضايق وشعاب، وإنما ننحدر فيه انحدارا، وفي عماية الصبح، وقد كان القوم سبقونا إلى الوادي فمكثوا في شعابه وأجنابه ومضايقه وتهيئوا، فو الله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وكانوا رماة.
قال أنس - رضي الله عنه - استقلبنا من هوازن شئ، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان قط، من كثرة السواد، قد ساقوا نساءهم وأبناءهم وأموالهم ثم صفوا صفوفا، فجعلوا النساء فوق الابل وراء صفوف الرجال، ثم جاؤوا بالابل والبقر والغنم، فجعلوها وراء ذلك لئلا يفروا بزعمهم فلما رأينا ذلك السواد حسبناه رجالا كلهم، فلما انحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غبش الصبح إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه، فحملوا حملة رجل واحد، فانكشفت أوائل الخيل - خيل بني سليم - موليه وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شئ وارتفع النقع فما منا أحد يبصر كفه (1).
وقال جابر: وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين، ثم قال: " أيها الناس هلم إلي أيها
الناس، هلم إلي أنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا محمد بن عبد الله " (2).
قال: فلا شئ وحملت الابل بعضها على بعض، فانطلق الناس.
وذكر كثير من أهل المغازي: أن المسلمين لما نزلوا وادي حنين تقدمهم كثير ممن لا خبرة لهم بالحرب، وغالبهم من شبان أهل مكة، فخرجت عليهم الكتائب من كل جهة، فحملوا حملة رجل واحد والمسلمون غارون، فر من فر، وبلغ أقصى هزيمتهم مكة، ثم كروا بعد.
وفي الصحيح عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: عجل سرعان القوم - وفي
__________
(1) انظر مجمع الزوائد 6 / 181.
(2) انظر المجمع 6 / 182 - 183.
(*)(5/318)
لفظة: شبان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فانا لما حملنا على المشركين انكشفوا، فاقبل الناس على الغنائم، وكانت هوازن رماة فاستقبلتنا بالسهام كأنما رجل جراد، لا يكاد يسقط لهم سهم (1) انتهى.
قال: وكان رجل على جمل له أحمر، بيده راية سوداء على رمح طويل أمام هوازن، وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإن فاته الناس، رفع رمحه لمن وارءه فاتبعوه.
فبينما هو كذلك إذ هوى له علي بن أبي طالب، ورجل من الانصار يريدانه، فاتاه علي بن أبي طالب من خلفه فضرب عرقوبي الجمل، فوقع على عجزه، ووثب الانصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه، فانجعف عن رحله، واجتلد الناس، فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الاسرى مكتفين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: لما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم منهم رجال بما في أنفسهم من الضغن.
قال أبو سفيان بن حرب وكان إسلامه - بعد - مدخولا: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الازلام لمعه في كنانته، وصرخ
جبلة بن الحنبل - وقال ابن هشام: كلدة بن الحنبل - وأسلم بعد ذلك، وهو مع أخيه لامه صفوان بن أمية، وصفوان مشرك في المدة التي جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا بطل السحر اليوم ! ! فقال له صفوان: اسكت فض الله فاك ! والله أن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
وروى محمد بن عمر عن أبي بشير - ككريم - المازني - رضي الله عنهم - قال: لما كان يوم حنين صلينا الصبح، ثم رجعنا على تعبئه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما شعرنا - وقد كاد حاجب الشمس أن يطلع، وقد طلع - إلا بمقدمتنا قد كرب علينا، قد انهزموا، فاختلطت صفوفنا، وانهزمنا مع المقدمة، وأكر، وأنا يومئذ غلام شاب، وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقدم فجعلت أقول: يا للانصار، بابي وأمي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تولون ؟ وأكر في وجوه المنهزمين، ليس لي همة إلا النظر إلى سلامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصيح: " يا للانصار " فدنوت من دابته، والتفت من ورائها، وإذا الانصار قد كروا كرة رجل واحد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف على دابته في وجوه العدو، ومضت الانصار أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقاتلون، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائر معهم يفرجون العدو عنه، حتى طردناهم فرسخا، وتفرقوا في الشعاب، حتى فلوا من بين أيدينا، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله وقبته، وقد ضربت له - والاسرى مكتفون حوله، وإذا نفر حول قبته، وفي قبته زوجاته أم
__________
(1) اخرجه البخاري 7 / 622 (4317).
(*)(5/319)
سلمة وميمونة، حولها النفر الذين يحرسون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم عباد بن بشر، وأبو نائلة، ومحمد بن مسلمة.
قال ابن عقبة: ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فوالله لا يجبرونها أبدا.
فقال صفوان: أتبشرني بظهور الاعراب " فوالله لرب من قريش أحب إلى من رب من الاعراب، وغضب صفوان لذلك، وبعث صفوان غلاما له فقال: اسمع لمن الشعار
فجاءه فقال: سمعتهم يقولون: يا بني عبد الرحمن يا بني عبيدالله، يا بني عبد الله، فقال: ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب (1).
وروى محمد بن عمر عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: مضى سرعان الناس من المنهزمين، حتى دخلوا مكة، ساروا يوما وليلة - يخبرون أهل مكة بهزيمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعتاب بن أسيد بوزن أمير، على مكة ومعه معاذ بن جبل، فجاءهم أمر غمهم، وسر بذلك قوم من أهل مكة وأظهروا الشماتة، وقال قائل منهم: ترجع العرب إلى دين آبائها، وقد قتل محمد وتفرق أصحابه، فتكلم عتاب بن أسيد يومئذ فقال: إن قتل محمد، فان دين الله قائم - والذي - يعبده محمد حي لا يموت، فما أمسوا من ذلك اليوم حتى جاء الخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوقع بهوازن، فسر عتاب بن أسيد، ومعاذ بن جبل، وكبت الله - تعالى - من هناك ممن كان يسره خلاف ذلك.
فرجع المنهزمون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلحقوه باوطاس وقد رحل منها إلى الطائف (2).
ذكر ارادة شيبة بن عثمان - قبل أن يسلم - الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما راه في نفر قليل، وما وقع في ذلك من الايات روى ابن سعد وابن عساكر عن عبد الملك بن عبيد، وأبو القاسم البغوي، والطبراني، والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عكرمة - رحمهم الله تعالى - قالا: قال شيبة: لما كان عام الفتح دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة، وغزا حنينا، قلت أسير مع قريش إلى هوازن، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة، وتذكرت أبي وقتله حمزة، وعمي وقتله علي بن أبي طالب، فقلت: اليوم أدرك ثاري من محمد، وأكون أنا الذي قمت بثار قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما تبعته أبدا، فكنت مرصدا لما خرجت له، لا
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 910.
(2) انظر المصدر السابق.
(*)(5/320)
يزداد الامر في نفسي إلا قوة، فلما اختلط الناس، اقتحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بغلته، وأصلت السيف، ودنوت منه، أريد ما أريد - وفي رواية فلما انهزم أصحابه جئته من عن يمينه فإذا العباس قائم عليه درع بيضاء، قلت: عمه لن يخذله، فجئته من عن يساره، فإذا بابي سفيان بن الحارث فقلت: ابن عمه لن يخذله، فجئته من خلفه، فلم يبق إلا أن أسورة سورة بالسيف إذ رفع إلي فيما بيني وبينه شواظ من نار كانه برق.
فخفت أن يتمحشني فوضعت يدي على بصري، خوفا عليه "، ومشيت القهقرى، وعملت أنه ممنوع.
فالتفت إلى وقال: " يا شيب أدن مني " فدنوت منه، فوضع يده على صدري وقال: " اللهم أذهب عنه الشيطان ".
فرفعت إليه راسي وهو أحب إلي من سمعي وبصري وقلبي، ثم قال: " يا شيبة قاتل الكفار " قال: فتقدمت بين يديه أحب - والله - أن أقيه بنفسي كل شئ، فلما انهزمت هوازن رجع إلى منزله ودخلت عليه فقال: " الحمد لله الذي أراد بك خيرا مما أردت " (1) ثم حدثني بما هممت به - صلى الله عليه وسلم.
ذكر ارادة النضير بن الحارث الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما وقع في ذلك من الايات قال محمد بن عمر: حدثنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال: كان النضير من أحلم قريش.
وكان يقول: الحمد لله الذي أكرمنا بالاسلام ومن علينا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولم نمت على ما مات عليه الاباء، فذكر حديثا طويلا، ثم قال: خرجت مع قوم من قريش، هم على دينهم - بعد - أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، ونحن نريد إن كانت دبرة على محمد أن نغير عليه فيمن يغير، فلما تراءت الفئتان ونحن في حيز المشركين حملت هوازن حملة واحدة، ظننا أن المسلمين لا يجبرونها أبدا، ونحن معهم وأنا أريد بمحمد ما أريد.
وعمدت له فإذا هو في وجوه المشركين واقف على بغلة شهباء حولها رجال بيض الوجوه، فاقبلت عامدا إليه، فصاحوا بي: إليك، فارعب فؤادي وأرعدت جوارحي.
قلت: هذا مثل يوم بدر، إن الرجل لعلي حق، وإنه لمعصوم، وأدخل الله
تعالى في قلبي الاسلام وغيره عما كنت أهم به، فما كان حلب ناقة حتى كر اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كرة صادقة، وتنادت الانصار بينها: الكرة بعد الفرة: يا للخزرج، يا للخزرج، فحطمونا حطاما، فرقوا شملنا، وتشتت أمرنا، وهمة كل رجل نفسه فتنحيت في غبرات الناس حتى هبطت بعض أودية أوطاس فكمنت في خمر شجرة لا يهتدي إلي أحد إلا أن يدله الله - تعالى - علي، فمكثت فيه أياما وما يفارقني الرعب مما رايت، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف، فاقام ما أقام، ثم رجع إلى الجعرانة، فقلت: لو صرت إلى الجعرانة، فقاربت رسول
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 6 / 188، والمغازي للواقدي 3 / 910.
(*)(5/321)
الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلت فيه المسلمون، فما بقي فقد رأيت عبرا، وقد ضرب الاسلام بجرانه، ولم يبق أحد، ودانت العرب والعجم لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فعز محمد لنا عز، وشرفه لنا شرف، فو الله إني لعلى ما أنا عليه إن شعرت إلا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقاني بالجعرانة كنة لكنة فقال: " النضير ؟ " قلت: " لبيك، فقال: " هذا خير لك مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه " فاقبلت إليه سريعا، فقال: " قد آن لك أن تبصر ما أنت فيه توضع قلت: قد أرى أن لو كان مع الله - تعالى - إلها غيره لقد أغنى شيئا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " اللهم زده ثباتا " قال النضير: فو الله الذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجر ثباتا في الدين وبصيرة في الحق، وذكر الحديث (1).
ذكر ثبات رسول الله - صلى الله عليه و سلم - ورميه الكفار، ونزوله عن بغلته، ودعائه ربه سبحانه وتعالى، وما وقع في ذلك من الايات روى ابن إسحاق، والامام أحمد عن جابر بن عبد الله، وابن إسحاق، وعبد الرزاق، ومسلم عن العباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم، قال العباس: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم: يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له شهباء، قال عبد الرزاق: وربما قال معمر: بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة
الجذامي، قال فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: أكفها أن لا تسرع، وهو لا يالو ما أسرع نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحارث آخذ، بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية بغرزه، وفي رواية بثغره، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي سفيان بن الحارث وهو مقنع في الحديد، فقال: " من هذا " فقال: ابن عمك يا رسول الله، وفي حديث البراء: وأبو سفيان ابن عمه يقود به، قال ابن عقبة - رحمه الله تعالى: وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركابين، وهو على البغلة، فرفع يديه إلى الله - تعالى - يدعو يقول: " اللهم إني أنشدك ما وعدتني..اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا " انتهى.
قال العباس: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا عباس ! ! ناديا معشر الانصار، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة " (2).
قال العباس - وكنت رجلا صيتا - فقلت باعلى صوتي: أين الانصار، أين أصحاب
__________
(1) انظر المغازي للواقدي 3 / 911.
(2) أخرجه الطبراني في الكبير 10 / 188 وانظر المجمع 6 / 82، 8 / 619 والبيهقي في الدلائل 5 / 31 وعبد الرزاق في المصنف (9741) والحميدي (459) وابن سعد 2 / 1 / 112 واحمد 1 / 207.
(*)(5/322)
السمرة، أين أصحاب سورة البقرة، قال: والله لكانما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها.
وفي حديث عثمان بن شيبة عند أبي القاسم البغوي، والبيهقي " يا عباس، اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة، وبالانصار الذين آووا ونصروا " قال: فما شبهت عطفة الانصار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا عطفة الابل على أولادها.
حتى ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانه في حرجة، فلرماح الانصار كانت أخوف عندي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رماح الكفار - انتهى.
فقالوا: يا لبيك يا لبيك يا لبيك.
قال: فيذهب الرجل يثني بعيره ولا يقدر على ذلك،
أي لكثرة الاعراب المنهزمين - كما ذكره أبو عمر بن عبد البر - فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه وياخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره، فيخلي سبيله، فيؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا اجتمع منهم مائة، استقبلوا الناس فاقتتلوهم والكفار، والدعوة في الانصار يا معشر الانصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، وكانوا صبرا عند الحرب، وأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركابيه، فنظر إلى مجتلدهم وهم يجتلدون وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هذا حين حمي الوطيس، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: " انهزموا ورب محمد " فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فو الله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا، فو الله ما رجع الناس إلا وأسارى عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكتفون، قتل الله تعالى - منهم من قتل، وانهزم منهم من انهزم وأفاء الله تعالى على رسوله أموالهم ونساءهم وأبناءهم (1).
وروى ابن سعد، وابن أبي شيبة، والامام أحمد، وأبو داود، والبغوي في معجمة، والطبراني وابن مردويه، والبيهقي برجال ثقات عن أبي عبد الرحمن بن يزيد الفهري - يقال اسمه كرز - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حنين في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظلال السمر، فلما زالت الشمس لبست لامتي، وركبت فرسي فاتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمته، الرواح قد حان، الرواح يا رسول الله، قال: " أجل " ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا بلال " فثار من تحت سمرة كان ظله طائر، فقال: لبيك وسعديك، وأنا فداؤك.
قال: " أسرج لي فرسي " فاتاه بسرج دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب فرسه، ثم سرنا يومنا، فلقينا العدو، وتشامت الخيلان، فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى، فجعل رسول
__________
(1) اخرجه الطبراني في الكبير 7 / 358 وابن عساكر كما في التهذيب 6 / 351.
(*)(5/323)
الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يا عباد الله.
أنا عبد الله ورسوله، يأيها الناس إني أنا عبد الله ورسوله " فاقتحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرسه، وحدثني من كان أقرب إليه مني أنه أخذ حفنة من تراب فحثاها في وجوه القوم، وقال: " شاهت الوجوه " قال يعلى بن عطاء: وأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلات عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست، فهزمهم الله تعالى (1).
وروى أبو يعلى والطبراني برجال ثقات عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ يوم حنين كفا من حصى أبيض فرمى به وقال: " هزموا ورب الكعبة " وكان علي - رضي الله عنه - يومئذ أشد الناس قتالا بين يديه (2).
وروى أبو نعيم بسند ضعيف عن أنس - رضي الله عنه - والطبراني عن عكرمة - رحمه الله تعالى - قالا: لما انهزم المسلمون بحنين ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته الشهباء - وكان اسمها دلدل - فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " دلدل البدي " فالزقت بطنها بالارض، فاخذ حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم وقال: " حم لا ينصرون " فانهزم القوم، وما رمينا بسهم ولا طعنا برمح، كذا في هذه الرواية اسمها دلدل، والصحيح أن دلدل أهداها المقوقس فهي غير التي أهداها فروة بن نفاثة (3).
وروى أبو القاسم البغوي، والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر عن شيبة بن عثمان - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: يا عباس ناولني من الحصباء قال: وأفقه الله - تعالى - البغلة كلامه، فانخفضت به حتى كاد بطنها يمس الارض، فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم من البطحاء فحثا في وجوههم وقال: " شاهت الوجوه، هم لا ينصرون " (4).
وروى عبد بن حميد في مسنده، والبخاري في تاريخه، والبيهقي وابن الجوزي عن يزيد بن عامر السوائي - رضي الله عنه - وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قبضة من الارض، ثم أقبل على المشركين فرمى بها في وجوههم وقال: " ارجعوا، شاهت الوجوه " قال: فما من أحد يلقى أخاه إلا وهو يشكو القذى في عينيه
ويمسح عينيه (5).
__________
(1) أخرجه أبو داود (5233) وأحمد 1 / 255، 84، 3 / 438، 5 / 286، 372، 3881 وانظر الدر المنثور 5 / 205.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 6 / 180، 182 والمتقي الهندي في الكنز (30211، 30221).
(3) انظر المجمع 6 / 183.
(4) أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 6 / 351 والطبراني في الكبير 7 / 359، والجمع 6 / 184 وأبو نعيم في الدلائل 1 / 61 والبيهقي في الدلائل 5 / 141.
(5) البخاري في التاريخ 8 / 316 والطبري في التفسير 10 / 73 وابن حجر في المطالب (4372)، والمجمع 6 / 182 والسيوطي في الدر 3 / 226.
(*)(5/324)
وروى الامام أحمد، والطبراني، والحاكم، وأبو نعيم، والبيهقي برجال ثقات عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فولى الناس عنه، وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والانصار، فقمنا على أقدامنا ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله - تعالى - عليهم السكينة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته لم يمض قدما، فحادت به بغلته فمال عن السرج، فقلت له ارتفع رفعك الله.
فقال: " ناولني كفا من تراب " فناولته، فضرب وجوههم فامتلات أعينهم ترابا، ثم قال: " أين المهاجرون والانصار ؟ " قلت: هم أولاء، قال: " اهتف بهم " فجاؤوا وسيوفهم بايمانهم كأنها الشهب، وولى المشركون أدبارهم (1).
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أنس - رضي الله عنه - قال: جاءت هوازن يوم حنين بالنساء والصبيان والابل والغنم فجعلوهم صفوفا، ليكثروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالتقى المسلمون والمشركون، فولى المسلمون مدبرين - كما قال الله تعالى - وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله " ونادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نداءين لم يخلط بينهما كلاما، فالتفت عن يمينه
فقال: " يا معشر الانصار أنا عبد الله ورسوله " فقالوا: " لبيك يا رسول الله، نحن معك " ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الانصار أنا عبد الله ورسوله، فقالوا: لبيك يا رسول الله نحن معك فهزم الله تعالى المشركين، ولم يضرب بسيف، ولم يطعن برمح (2).
وروى ابن سعد وابن أبي شيبة، والبخاري، وابن مردويه، والبيهقي من طرق عن أبي إسحاق السبيعي - رحمه الله تعالى - قال: جاء رجل من قيس إلى البراء بن عازب - رضي الله عنهما - فقال: أكنتم وليتم ؟ وفي رواية: أوليت ؟ وفي أخرى: أوليتم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ وفي أخرى: أفررتم يوم حنين يا أبا عمارة ؟ فقال: أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ما ولى، وفي رواية: لا والله ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين دبره، ولكنه خرج بشبان أصحابه وهم حسر ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فاقبل الناس على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام كأنها رجل جراد لا يكادون يخطئون، وأقبلوا هناك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث يقود به، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا واستنفر، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " أنا
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 453 والطبراني في الكبير 10 / 209 وانظر المجمع 6 / 84، 183 والحاكم 2 / 117.
(2) أخرجه أحمد 3 / 190، 279، 5 / 286، وابن سعد 2 / 1 / 113 وابن أبي شيبة 14 / 530، 531 والبيهقي في الدلائل 5 / 141 وفي السنن 6 / 306 والدولابي في الكنز 1 / 42 وانظر الدر المنثور 3 / 224.
(*)(5/325)
النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، اللهم أنزل نصرك " (1).
قال البراء: وكنا إذا أحمر الباس نتقي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الشجاع منا الذي يحاذيه: يعني النبي - صلى الله عليه وسلم.
وروى البخاري، ومسلم، والبيهقي عن سلمة بن الاكوع - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا.
فلما واجهنا العدو تقدمت فاعلو ثنية فاستقبلني رجل من المشركين فارميه، بسهم، وتواري عني فما دريت ما صنع، ثم نظرت إلى القوم فإذا هم طلعوا
من ثنية أخرى، فالتقوا هم وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فولى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرجع منهزما.
وعلي بردتان مؤتزرا باحداهما مرتديا بالاخرى، فاستطلق ازاري، فجمعتهما جميعا، ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا منهمزم - وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لقد رأي ابن الاكوع فزعا " فلما غشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن بغلته ثم قبض قبضة من تراب من الارض، ثم إنه استقبل به وجوههم، وقال: شاهت الوجوه " فما خلى الله تعالى منهم إنسانا إلا ملا عينيه ترابا من تلك القبضة، فولوا مدبرين.
وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين (2).
وروى أبو الشيخ عن عكرمة - رحمه الله تعالى - قال: لما كان يوم حنين ولى المسلمون، وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أنا محمد رسول الله " ثلاث مرات، وإلى جنبه عمه العباس - الحديث (3).
وروى ابن سعد، والبخاري في التاريخ، والحاكم، والبيهقي عن عياض بن الحارث - رضي الله عنه - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفا من حصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا (4).
وروى البخاري في التاريخ، والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن سفيان - رضي الله عنه - قال: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قبضة من الحصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا، فما خيل إلينا أن كل حجر وشجر فارس يطلبنا.
وروى ابن عساكر عن الحارث بن زيد مثله (5).
وروى ابن أبي شيبة، والامام أحمد - برجال الصحيح - عن أنس بن مالك - رضي الله
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 622 (4317)، ومسلم 3 / 1400 (78) والبيهقي في الدلائل 5 / 134.
(2) أخرجه مسلم 3 / 1402 (81)، والبيهقي في الدلائل 5 / 140، 141، وانظر الدر المنثور 3 / 221.
(3) انظر الدر المنثور للسيوطي 3 / 225.
(4) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 142.
(5) المصدر السابق 50 / 143 وابن كثير في البداية 4 / 332.
(*)(5/326)
عنه - قال: كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: " اللهم إنك إن تشاء لا تعبد بعد اليوم " (1).
وذكر محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انكشف عنه الناس ولم يبق معه إلا المائة الصابرة " اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان " فقال له جبريل: " لقد لقنت الكلمات التي لقن الله - تعالى - موسى يوم فلق البحر، وكان البحر أمامه وفرعون خلفه " (2).
ذكر ما قيل إن الملائكة قاتلت يوم حنين والرعب الذي حصل المشركين روى ابن أبي حاتم عن السدى الكبير - رحمه الله تعالى - في قول الله عز وجل: (وأنزل جنودا لم تروها) قال: هم الملائكة (وعذب الذين كفروا) [ التوبة 26 ] قال: قتلهم بالسيف.
وروى أيضا عن سعيد بن جبير - رحمه الله تعالى - قال: في يوم حنين أمد الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، ويومئذ سمى الله تعالى الانصار مؤمنين قال: " ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين (3).
وروى ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن جبير ابن مطعم - رضي الله عنه - قال: رايت قبل هزيمة القوم - والناس يقتتلون - مثل البجاد الاسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوت قد ملا الوادي، لم أشك أنها الملائكة، ولم يكن إلا هزيمة القوم.
وروى محمد بن عمر عن يحيي بن عبد الله بن عبد الرحمن عن شيوخ من قومه من الانصار، قالوا: رأينا يومئذ كالبجد السود هوت من السماء ركاما، فنظرنا فإذا رمل مبثوت، فكنا ننفضه عن ثيابنا، فكان نصر الله - تعالى - أيدنا به.
وروى مسدد في مسنده، والبيهقي.
وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال: حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقوموا لنا حلب شاة أن كببناهم، فبينما نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا بصاحب البغلة
- وفي رواية - إذ غشينا، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلقتنا عنه، وفي رواية: إذ بيننا وبينه رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا، فرجعنا - وكانت إياها (4).
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 152 وابن أبي شيبة 10 / 351، 14 / 522 وابن سعد 2 / 1 / 52، وهو عند مسلم 3 / 1363 (23 / 1743).
(2) الطبراني في الصغير 1 / 122 وانظر المجمع 10 / 183، والترغيب 2 / 618.
(3) انظر الدر المنثور 3 / 225.
(4) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 143 وابن كثير في التاريخ 4 / 332.
(*)(5/327)
وروى ابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبي عن أبيه - رضي الله عنه - قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، والله ما خرجت إسلاما، ولكن خرجت أنفا أن تظهر هوازن على قريش، فاني لواقف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قلت: يا رسول الله إني لاري خيلا بلقا، قال: " يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر " فضرب بيده في صدري وقال: " اللهم اهد شيبة " فعل ذلك ثلاث مرات - فو الله ما رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله تعالى أحب إلي منه، فالتقى المسلمون فقتل من قتل، ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ باللجام، والعباس آخذ بالثغر، فنادى العباس: أين المهاجرون، أين أصحاب سورة البقرة - بصوت عال - هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقبل المسلمون والنبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب " فجالدوهم بالسيوف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الآن حمي الوطيس ".
وروى عبد بن حميد، والبيهقي عن يزيد بن عامر السوائي - رضي الله عنه - وكان حضر يومئذ، فسئل عن الرعب فكان ياخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن فيقول: أن كنا نجد في أجوافنا مثل هذا.
روى محمد بن عمر عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: حدثني عدة من قومي
شهدوا ذلك اليوم يقولون: " لقد رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرمية من الحصى فما منا أحد إلا يشكو القذى في عينيه، ولقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع الحصى في الطاس ما يهدأ ذلك الخفقان، ولقد رأينا يومئذ رجالا بيضا، على خيل بلق، عليهم عمائم حمر، قد أرخوها بين أكتافهم، بين السماء والارض كتائب كتائب ما يليقون شيئا، ولا نستطيع أن نتاملهم من الرعب منهم.
وروى أيضا عن ربيعة بن أبزي قال: حدثنى نفر من قومي، حضروا يومئذ قالوا: كمنا لهم في المضايق والشعاب، ثم حملنا عليهم حملة، ركبنا أكتافهم حتى انتهينا إلى صاحب بغلة شهباء، وحوله رجال بيض حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا.
فانهزمنا، وركب المسلمون أكتافنا، وكانت إياها، وجعلنا نلتفت وإنا لننظر إليهم يكدوننا فتفرقت جماعتنا في كل وجه، وجعلت الرعدة تستخفنا حتى لحقنا بعلياء بلادنا، فان كنا ليحكى عنا الكلام ما ندري به، لما كان بنا من الرعب، وقذف الله - تعالى - الاسلام في قلوبنا.
وروى أيضا عن شيوخ من ثقيف أسلموا بعد ما كانوا حضروا ذلك اليوم قالوا: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا فيما نرى - ونحن مولون حتى إن الرجل ليدخل منا حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة.(5/328)
ذكر من ثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين روى البيهقي عن حارثة بن النعمان - رضي الله عنه - قال: لقد حرزت من بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أدبر الناس، فقلت: مائة واحد.
وروى ابن مردويه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لقد رأينا يوم بدر وإن الفئتين لموليتان، وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل.
وروى الامام أحمد، والحاكم، والطبراني، والبيقهي، وأبو نعيم، برجال ثقات عن ابن مسعود قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فولى الناس وثبت معه ثمانون رجلا من
المهاجرين والانصار، فنكصنا على أعقابنا نحوا من ثمانين قدما، ولم نولهم الدبر إلى آخره، وتقدم.
قال محمد بن عمر يقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انكشف الناس عنه يوم حنين - قال لحارثة " يا حارثة، كم ترى الناس الذين ثبتوا " قال: فما التفت ورائي تحرجا، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فحزرتهم مائة، فقلت: يا رسول الله ! ! هم مائة فما علمت أنهم مائة حتى كان يوم مررت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي جبريل عند باب المسجد، فقال جبريل: " يا محمد من هذا ؟ " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " حارثة بن النعمان " فقال جبريل: هو أحد المائة الصابرة يوم حنين، لو سلم لرددت عليه، فاخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حارثة، قال: " ما كنت أظنه إلا دحية الكلبي واقفا معك ".
وروى ابن أبي شيبة عن الحكم بن عتيبة - بلفظ عتبة الباب - رحمه الله تعالى - قال: لما فر الناس يوم حنين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يقول: " أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب " فلم يبق معه إلا أربعة، ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم، علي بن أبي طالب، والعباس وهما بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من جانبه الايسر، قال: فليس يقبل أحد إلا قتل، المشركون حوله صرعى، فمن أهل بيته عمه العباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأخوه ربيعة أبناء عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والفضل بن العباس، وعلي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث وقثم بن العباس - قال في الزهر: وفيه نظر، لان المؤرخين قاطبة فيما أعلم عدوه فيمن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير، فكيف شهد حنينا ! ! وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، وأخوه لامه أيمن بن أم أيمن، وقتل يومئذ، ومن المهاجرين: أبو بكر - رضي الله عنه - وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -(5/329)
وعثمان بن عفان - رضي الله عنه - روى البزار عن أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رضي الله تعالى عنهم - ضرب كل منهم يومئذ بضعة عشر ضربة - وابن مسعود - رضي الله عنه - ومن الانصار: أبو دجانة، وحارثة بن النعمان - قد ذكر في ذلك عند محمد بن عمر - وسعد بن عبادة، وأبو بشير - كما في حديثه عند محمد بن عمر - وأسيد بن الحضير، ومن أهل مكة: شيبة بن عثمان الحجبي - كما تقدم - ومن نساء الانصار: أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وأم الحارث جده عمارة بن غزية - بفتح العين، وكسر الزاي المعجمتين - وأم سليط بنت عبيد - قال محمد بن عمر: يقال ان المائة الصابرة يومئذ ثلاثة وثلاثون من المهاجرين وستة وستون من الانصار.
ذكر ثبات أم سليم بنت ملحان، وام عمارة نسيبة - بفتح النون، وكسر السين المهملة، وسكون التحتية، وبالموحدة: بنت كعب - رضي الله تعالى عنها.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى أم سليم بنت ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة، وهي حامل بعبد الله بن أبي طلحة، وقد خشيت أن يغر بها الجمل، فادنت راسه منها، وأدخلت يدها في خزامه (1) مع الخطام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أم سليم " ؟ قالت: نعم بابي أنت وأمي يا رسول الله، أقتل المنهزمين عنك كما تقتل الذين يقاتلونك، فانهم لذلك أهل " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أو يكفي الله يا أم سليم ".
وعند محمد بن عمر: " قد كفى الله تعالى عافية الله تعالى أوسع ".
وروى ابن أبي شيبة، والامام أحمد، ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: اتخذت أم سليم خنجرا أيام حنين، فكان معها، فلقي أبو طلحة أم سليم ومعها الخنجر، فقال أبو طلحة: ما هذا ؟ قالت: إن دنا مني بعض المشركين أبعج به بطنه، فقال أبو طلحة: أما تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم ؟ فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله أقتل من يعدونا من الطلقاء، انهزموا عنك فقال: " إن الله تعالى قد كفى وأحسن يا أم سليم " (2).
وروى محمد بن عمر عن عمارة بن غزية قال: قالت أم عمارة: لما كان يوم حنين والناس منهزمون في كل وجه، وكنا أربع نسوة، وفي يدي سيف لي صارم، وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها، وإنها يومئذ حامل بعبد الله بن أبي طلحة، وأم سليط، وأم الحارث.
__________
(1) الخزام بكسر الخاء المعجمة حلقة تصنع من شعر وتجعل في أنف البعير، انظر اللسان (خزم).
(2) أخرجه مسلم في الجهاد (134)، وابن أبي شيبة 14 / 532 وأحمد 3 / 279، والبيهقي في السنن 6 / 307.
المغازي 3 / 904.
(*)(5/330)
قال شيوخ محمد بن عمر: فجعلت أم عمارة تصيح يا للانصار: أية عادة هذه.
مالكم والفرار ؟ ! قالت: وأنظر إلى رجل من هوازن على جمل أورق معه لواء يوضع جمله في أثر المسلمين، فاعترض له فاضرب عرقوب الجمل.
فيقع على عجزه وأشد عليه، ولم أزل أضربه حتى أثبته، وأخذت سيفا له.
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم، مصلت السيف بيده، قد طرح غمده ينادي: " يا أصحاب سورة البقرة " فكر الانصار، ووقفت هوازن قدر حلب ناقة فتوح، ثم كانت إياها، فوالله ما رايت هزيمة قط كانت مثلها، قد ذهبوا في كل وجه، فرجع إلي أبنائي جميعا: حبيب وعبد الله أبناء زيد بأسارى مكتفين، فأقوم إليه من الغيظ فأضرب عنق واحد منهم، وجعل الناس ياتون بالاسارى فرايت في بني مازن ابني النجار ثلاثين أسيرا، وكان المسلمون بلغ أقصى هزيمتهم مكة، ثم كروا بعد وتراجعوا، فاسهم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعا، وكانت أم الحارث الانصارية آخذة بخطام جمل الحارث زوجها، وكان يسمى المجسار فقالت: يا حار أتترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس يولون منهزمين ؟ ! وهي لا تفارقه، قالت: فمر علي عمر بن الخطاب فقلت: يا عمر ما هذا ؟ قال: أمر الله تعالى (1).
ذكر انهزام المشركين قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - لما نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الانصار كروا
راجعين فجعلوا يقولون: يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، يا خيل الله.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سمى خيله خيل الله، وجعل شعار المهاجرين: بني عبد الرحمن، وجعل شعار الاوس: بني عبيد الله، وشعار الخزرج: بني عبد الله.
روى محمد بن عمر عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة: أن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ: يا للخزرج ثلاثا، وأسيد بن الحضير يصيح: يا للاوس - ثلاثا فثابوا من كل ناحية كأنهم النحل تاوى إلى يعسوبها، قال أهل المغازي فحنق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشركين.
فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية ! ألا لا تقتل الذرية، ألا لا تقتل الذرية " ثلاثا (2) - فقال أسيد بن الحضير: يا رسول الله، أليس إنما هم أولاد المشركين ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أليس خياركم أولاد المشركين ! كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فابواها يهودانها أو ينصرانها ".
قال محمد بن عمر: قال شيوخ ثقيف، ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا، فيما نرى
__________
(1) المغازي 3 / 904.
(2) المغازي 3 / 905.(5/331)
ونحن مولون حتى إن الرجل منا ليدخل حصن الطائف وإنه على أثره، من رعب الهزيمة.
قال أنس بن مالك كما رواه الامام أحمد: كان في المشركين رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا فلما راى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل، فهزمهم الله - تعالى - فولوا، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين راى الفتح، فجعل يجاء بهم أسارى رجل رجل، فيبايعونه على الاسلام، فقال رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن علي نذرا لئن جئ بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لاضربن عنقه فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجئ بالرجل فلما راى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا نبي الله تبت إلى الله، فامسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مبايعته ليوفي الاخذ بنذره، وجعل ينظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليامره بقتله، وهاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما راى رسول الله - صلى الله عليه وسلم الرجل لا يصنع شيئا بايعه، فقال: يا رسول الله نذري ؟ قال: " لم أمسك عنه إلا لتوفي بنذرك " فقال: يا رسول الله ألا أو مات الي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه ليس لنبي أن يومئ.
قالوا: وهزم الله تعالى أعداءه من كل ناحية، واتبعهم المسلمون يقتلونهم، وغنمهم الله - تعالى - نساءهم وذراريهم وأموالهم، وفر مالك بن عوف حتى بلغ حصن الطائف.
هو وأناس من أشراف قومه، وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة رأوا نصر الله - تعالى - رسوله وإعزاز دينه.
قال ابن إسحاق: ولما هزم الله تعالى المشركين من أهل حنين، وأمكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم، قالت امرأة من المسلمين - رضي الله عنها - وعنهم: قد غلبت خيل الله خيل اللات * والله أحق بالثبات ويروى: وخيله أحق بالثبات.
زاد محمد بن عمر: إن لنا ماء حنين فخلوه * إن تشربوا منه فلن تعلوه هذا رسول الله لن تغلوه ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جهة المشركين بعد انهزامهم إلى العسكر، وأمر أن يقتل كل من قدر عليه، وثاب من انهزم من المسلمين.
روى البزار بسند رجاله عن أنس - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: " اجزروهم جزرا " وأومأ بيده إلى الحلق (1).
__________
(1) انظر المجمع 6 / 182.
(*)(5/332)
قال محمد بن عمر: وذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلا كان بحنين قاتل قتالا شديدا، حتى أشتدت به الجراح، قال: " إنه من أهل النار " فارتاب بعض الناس من ذلك، ووقع في قلوب بعضهم ما الله تعالى به أعلم، فلما آذته جراحته، أخذ مشقصا من كنانته فانتحر به، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا أن ينادي: ألا لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن الله - تعالى - يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " (1).
قال محمد بن عمر: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطلب العدو وقال لخيله إن قدرتم على " بجاد " رجل من بني سعد بن بكر فلا يفلتن منكم، وقد كان أحدث حدثا عظيما، كان قد أتاه رجل مسلم فاخذه فقطعه عضوا عضوا ثم حرقه بالنار، وكان قد عرف جرمه فهرب فاخذته الخيل فضموه إلى الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى، أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وأتعبوها في السياق، فتعبت الشيماء بتعبهم، فجعلت تقول: إني والله أخت صاحبكم، فلا يصدقونها، وأخذها طائفة من الانصار، وكانوا أشد الناس على هوازن - فاتوا بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا محمد ! ! إني أختك.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " وما علامة ذلك ؟ فارته عضة بإبهامها، وقالت: عضة عضضتنيها وأنا متور كتك بوادي السرر ونحن يومئذ نرعى البهم، وأبوك أبي، وأمك أمي، وقد نازعتك الثدى، وتذكر يا رسول الله حلابي لك عنز أبيك أطلان، فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلامة، فوثب قائما، فبسط رداءه، ثم قال: " اجلسي عليه " ورحب بها، ودمعت عيناه، وسالها عن أمه وأبيه، فاخبرته بموتهما فقال: " إن أحببت فاقيمي عندنا محببة مكرمة، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك ورجعت إلى قومك " (2) قالت: بل أرجع إلى قومي، فاسلمت، فاعطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أعبد وجارية وأمر لها ببعير أو بعيرين وقال لها: " ارجعي إلى الجعرانة تكونين مع قومك، فانا أمضي إلى الطائف " فرجعت إلى الجعرانة، ووافاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة فاعطاها نعما وشاء، ولمن بقي من أهل بيتها، وكلمته في بجاد أن يهبه لها ويعفو عنه ففعل - صلى الله عليه وسلم.
ذكر قتل دريد بن الصمة
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما: لما هزم الله - تعالى - هوازن أتوا للطائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم باوطاس، وتوجه بعضهم نحو نخلة بنو عيرة من ثقيف، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلا تتبع من سلك نخلة ولم تتبع من سلك الثنايا، وأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة من بني سليم دريد بن الصمة، فاخذ بخطام جمله، وهو يظن
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 917.
(2) المغازي للواقدي 3 / 913.
(*)(5/333)
أنه امرأة، وذلك أنه في شجار له، فإذا هو رجل، فاناخ به وهو شيخ كبير، ابن ستين ومائة سنة، فإذا هو دريد ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ما تريد ؟ قال: أقتلك.
قال: وما تريد إلى المرتعش الكبير الفاني ؟ قال الفتى: ما أريد إلا ذاك، قال له دريد: من أنت ؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي، قال: فضربه فلم يغن شيئا، فقال دريد: بئس ما سلحتك أمك، خذ سيفي من وراء الرحل في الشجار، فاضرب به وارفع عن العظم واخفض عن الدماغ، فاني كذلك كنت أقتل الرجال، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب يوم قد منعت فيه نساءك.
فزعمت بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف للموت فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه قالت: والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا في غداة واحدة، وجز ناصية أبيك فقال الفتى: لم أشعر.
ووقف مالك بن عوف على ثنية من الثنايا، وشبان أصحابه، فقال: قفوا حتى يمضي ضعفاؤكم وتلتئم إخوانكم.
فبصر بهم الزبير بن العوام - رضي الله عنه - فحمل عليهم حتى أهبطهم من الثنية، وهرب مالك بن عوف، فتحصن في قصر بلية، ويقال دخل حصن ثقيف (1).
ذكر من استشهد بحنين أيمن بن عبيدالله بن زيد الخزرجي وابن أم أيمن، وشراقة بن الحارث الأنصاري،
ورقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان، وأبو عامر الأشعري أصيب بأوطاس، كما سيأتي في السريا، ويزيد بن زمعة بن الأسود جمح به فرس يقال له الجناح فقتل.
واستحر القتل من ثقيف في بني مالك، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم، فيهم عثمان بن عبد الله بن الحارث، وكانت رايتهم مع ذي الخمار، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله، فقاتل حتى قتل، ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قتله، قال: (أبعده الله، فإنه كان يبغض قريشا (2).
وروى البيهقي عن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال: قتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر.
ذكر عيادته - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد رضي الله عنه - من جرح أصابه وروى عبد الرزاق، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن أزهر - رضي الله عنه - قال: كان
__________
(1) المغازي 3 / 914 - 915 (2) عبد الرزاق (19904) وابن أبي عاصم 2 / 638 وابن سعد 5 / 380، وابن أبي شيبة 12 / 173، والعقيلي في الضعفاء 4 / 350.
(*)(5/334)
خالد بن الوليد جرح يوم حنين، وكان على خيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجرح يومئذ، فلقد رايت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما هزم الله تعالى الكفار، ورجع المسلمون إلى رحالهم - يمشي في المسلمين ويقول: " من يدلني على رحل خالد بن الوليد ؟ " فاتي بشارب فامر من عنده فضربوه بما كان في أيديهم، وحثا عليه التراب (1).
قال عبد الرحمن: فمشيت، أو قال: سعيت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام محتلم، أقول: من يدل على رحل خالد، حتى دللنا عليه، فإذا خالد مستند إلى موخرة رحله، فاتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى جرحه، فتفل فيه فبرا - رضي الله تعالى عنه -.
ذكر بركة يده - صلى الله عليه وسلم - في برء جرح عائذ بن عمرو - رضي الله عنه
روى الحاكم، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عائذ بن عمرو - رضي الله عنه - قال: أصابتني رمية يوم حنين في جبهتي، فسال الدم على وجهي وصدري، فسلت النبي - صلى الله عليه وسلم - الدم بيده عن وجهي وصدري الى ثندؤتي، ثم دعا لي.
قال حشرج والد عبد الله: فرأينا أثر يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منتهى ما مسح من صدره، فإذا غرة سابلة كغرة الفرس.
ذكر بركة يده - صلى الله عليه وسلم - في الماء بحنين روى أبو نعيم عن سلمة بن الاكوع - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوازن فأصابنا جهد شديد، فدعا بنطفة من ماء في إداوة، فامر بها فصبت في قدح فجعلنا نطهر به حتى تطهرنا جميعا.
ذكر نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء يوم حنين روى الامام أحمد، وأبو داود عن رباح بن ربيع - رضي الله عنه - أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على امراة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، يعني ويعجبون من خلقها - حتى لحقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته، فانفرجوا عنها.
فوقف عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ما كانت هذه لتقاتل " فقال لاحدهم: " الحق خالدا وقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا (2).
(1) أخرجه أحمد في المسند 4 / 88، 351، والحميدي (897) والبيهقي في الدلائل 5 / 140.
(2) أخرجه أحمد 3 / 488 وأبو داود 2 / 50 في الجهاد وابن ماجه (2842) والحاكم 2 / 122، والطبراني في الكبير 5 / 70 والطحاوي في المعاني 3 / 222.
(*)(5/335)
ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين انا ابن العواتك روى الطبراني عن سيابة بن عاصم السلمي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: " أنا ابن العواتك " (1).
ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين من قتل كافرا فله سلبه روى ابن شيبة، والامام أحمد، وابن حبان عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من قتل قتيلا فله سلبه " قال: فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ اسلابهم.
وقال أبو قتادة: يا رسول الله اني ضربت رجلا على حبل عاتقه، وعليه درع فاجهضت عنه فانظر في أخذها، فقام رجل قال محمد بن عمر: اسمه أسود بن خزاعي الاسلمي، حليف بني سلمة - كذا قال وفي الصحيح كما سيأتي: أنه قرشي، فقال: يا رسول الله: أنا أخذتها فارضه منها وأعطينها، قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسال شيئا إلا أعطاه، أو سكت، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر: والله لا يغنها الله تعالى على أسد من أسد الله - تعالى - ويعطيكها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " صدق عمر " (2).
وروى الشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن أبي قتادة الحارث بن ربعي - رضي الله تعالى عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة.
فرايت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين.
وفي رواية نظرت إلى رجل من المسليمن يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله فضربته من ورائه على حبل عاتقة بالسيف فقطعت الدرع، وأقبل علي فضمني ضمة، وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت، فارسلني، فلحقت - وفي رواية - فلقيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الناس الذين لم يهزموا، فقلت: ما بال الناس ؟ قال: أمر الله تعالى، فرجعوا وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فقمت فقلت: من يشهد لي ؟ ثم جلست، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله.
" فقمت فقلت: من يشهد لي ؟ ثم جلست، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله، فقال: " مالك يا أبا قتادة ؟ " فاخبرته (3).
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 7 / 201، وانظر المجمع 8 / 219 والبيهقي في الدلائل 5 / 135 وسعيد بن منصور (2840، 2841) وابن عساكر كما في التهذيب 1 / 289.
(2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3973) وأحمد 1 / 245 وابن أبي شيبة 2 / 125، 14 / 531 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1671) والبيهقي 6 / 306 والطبراني في الكبير 12 / 216 والصغير 1 / 124.
(3) أخرجه البخاري 7 / 630 (4321) ومسلم 3 / 1370 (41 / 1751)، وأبو داود في الجهاد باب (146)، والبيهقي في السنن 6 / 306 والدلائل 5 / 148 والشافعي في المسند (223)، ومالك في الموطأ (454).
(*)(5/336)
وذكر محمد بن عمر: أن عبد الله بن أنيس شهد له فقال رجل: صدق سلبه عندي فارضه مني - أو قال منيه - فقال أبو بكر: لا ها الله إذا، لا تعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن الله - تعالى - ورسوله فيعطيك سلبه ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " صدق فاعطه إياه " فاعطانيه، وعند محمد بن عمر فقال لي حاطب بن أبي بلتعة: يا أبا قتادة، أتبيع السلاح ؟ فبعته بسبع أواق، فابتعت به مخرفا، وفي رواية: خرافا في بني سلمة، فانه لاول مال تاثلته، وفي رواية: اعتقبته - في الاسلام، زاد محمد بن عمر يقال له الرديني قال في البداية في الرواية السابقة عن أنس: إن عمر قال ذلك، وهو مستغرب، والمشهور أن قائل ذلك أبو بكر كما في حديث أبي قتادة، وقال الحافظ: الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة، وهو صاحب القصة، فهو أتقن لما وقع فيها من غيره، قالا: فلعل عمر قال ذلك متابعة لابي بكر ومساعدة له، وموافقة، فاشتبه على الراوي.
قال العلماء: لو لم يكن من فضيلة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلا هذا لكفى فانه بثاقب علمه، وشدة صرامته، وقوة إنصافه، وصحة توفيقه، وصدق تحقيقه بادر إلى القول بالحق، فزجر، وأفتى، وحكم، وأمضى، وأخبر في الشريعة عن المصطفى بحضرته وبين يديه، وبما صدقه فيه وأجراه على قوله.
وروى البخاري عن سلمة بن الاكوع - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوازن فبينما نحن نتضحى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على جمل أحمر، فاناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم فتغدى مع القوم وجعل ينظر
وفينا ضعفة ورقة من الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد فاتى الجمل فاطلق قيده، ثم أناخه ثم قعد عليه فاشتد به الجمل واتبعه رجل من أسلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقة ورقاء، وفي رواية: أتى عين من المشركين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في سفر، فجلس عند أصحابه يتحدث.
انتهى.
ثم انفتل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اطلبوه واقتلوه " قال سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل، فانخته، فلما وضع ركبته على الارض، اخترطت سيفي فضربت راس الرجل فندر، ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه، فقال: " من قتل الرجل " ؟ قالوا: ابن الاكوع، قال: " له سلبه أجمع " (1).
__________
(1) أخرجه البخاري في الجهاد (3051)، وأحمد 4 / 51 وأبو داود (2653)، والطبراني في الكبير 7 / 29 والبيهقي في السنن الكبرى 9 / 6، 147، 306، والطحاوي في المشكل 4 / 140.
(*)(5/337)
ذكر جمع غنائم حنين لما انهزم القوم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم بالغنائم أن تجمع، ونادى مناديه: من كانه يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يغل، وجعل الناس غنائهم في موضع حيث استعمل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وروى الحاكم بسند صحيح عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين وبرة من بعير، ثم قال: " يا أيها الناس، إنه لا يحل لي مما أفاء الله - تعالى - عليكم قدر هذه إلاا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط، وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة " وذكر الحديث (1).
وكان عقيل بن أبي طالب دخل على زوجته وسيفه ملطخ بدم، فقالت: إني علمت أنك قاتلت اليوم المشركين، فماذا أصبت من غنائمهم ؟ فقال: هذه الإبرة، تخيطين بها ثيابك، فدفعها إليها، ثم خرج فسمع منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من أصاب شيئا من المغنم
فليرده، فرجع عقيل إلى امرأته وقال: والله ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت منك، فأخذها فألقاها في المغانم.
وجاء رجل بكبة من شعر فقال: يا رسول الله أضرب بهذه برذعة لي: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك " (2).
وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس يوم حنين في قبائلهم يدعوهم وأنه ترك قبيلة من القبائل وجدوا في برذعة رجل منهم عقدا من جزع غلولا، فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبر عليهم، كما يكبر على الميت.
وأصاب المسلمون يومئذ السبايا، فكانوا يكرهون أن يقعوا عليهن ولهن أزواج فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فانزل الله تعالى (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) [ النساء 24 ] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ: " لا توطأ حامل من السبي حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض " (3).
ولما جمعت الغنائم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنحدر إلى الجعرانة، فوقف بها إلى أن انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حصار الطائف.
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 49 والبيهقي 6 / 303 والنسائي 7 / 131 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1693).
(2) أخرجه أحمد 2 / 184، 218 والنسائي 6 / 263.
(3) أخرجه أبو داود (2157) واحمد 3 / 62 والحاكم 2 / 95 والبيهقي في السنن الكبرى 5 / 359، 7 / 449، 9 / 124، والدارمي 2 / 171 وانظر نصب الراية 3 / 233.
(*)(5/338)
قال ابن سعد وتبعه في العيون: كان السبي ستة آلاف راس، والابل أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم أكثر من أربعين " ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة.
وروى الطبراني عن بديل - بموحدة مضمومة فدال مهملة فتحتية ساكنة فلام، بن ورقاء
- رضي الله تعالى عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن تحبس السبايا والاموال بالجعرانة حتى يقدم فحبست (1).
قال ابن إسحاق: وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري، وروى عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال: سبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ستة آلاف سبي بين امرأة وغلام، فجعل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب.
وقال البلاذري: بديل بن ورقاء الخزاعي - والله تعالى أعلم.
ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - الظهر بحنين وحكومته بين عيينة بن حصن والاقرع بن حابس في دم عامر بن الاضبط الاشجعي الذي قتله محلم بن جثامة كما سيأتي في نقل محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر يوما بحنين ثم تنحى إلى شجرة فجلس إليها، فقام إليه عيينة بن حصن يطلب بدم عامر بن الاضبط الاشجعي وهو يومئذ سيد قيس ومعه الاقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة لمكانه من خندف فاختصما بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعيينة يقول: يا رسول الله، والله لا أدعه حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " تأخذ الدية ؟ " فابى عيينة حتى ارتفعت الاصوات وكثر اللغط، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل - قصير مجتمع عليه شكة كاملة ودرقة في يده فقال: يا رسول الله، إني لم أحد لما فعل هذا شبها في غرة الاسلام إلا غنما وردت فرمي أولها فنفر آخرها.
فاسنن اليوم وغيره غدا فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده وقال تقبلون الدية خمسين في فورنا هذا، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة " فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقوم حتى قبلوا الدية وفي رواية: فقام الاقرع ابن حابس فقال: يا معشر قريش، سالكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه، أفامنتم أن يغضب عليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيغضب الله - تعالى عليكم - لغضبه، أو يلعنكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فيلعنكم الله تعالى بلعنته، والله لتسلمنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لا ياتين بخمسين من بني
__________
(1) الطبراني في الكبير والاوسط والبزار قال الهيثمي 6 / 189 لم يسم ابن بديل وبقية رجاله ثقات.
(*)(5/339)
ليث كلهم يشهدون أن القتيل قط فلابطلن دمه.
فلما قال ذلك قبلوها.
ومحلم القاتل في طرف الناس، فلم يزالوا يؤزونه ويقولون: إئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك، فقام محلم وهو رجل ضرب طويل آدم.
محمر بالحناء عليه حلة قد كان تهيأ فيها للقتل للقصاص، فجلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله، قد كان من الامر الذي بلغك وإني أتوب إلى الله، فاستغفر لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما إسمك " قال: أنا محلم بن جثامة.
فقال " أقتلته بسلاحك في غرة الاسلام ؟ اللهم لا تغفر لمحلم " بصوت عال ينفذ به الناس، قال فعاد محلم فقال: يا رسول الله، قد كان الذي بلغك، وإني أتوب إلى الله فاستغفر لي، فعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم لمقالته بصوت عال، ينفذ به الناس " اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة " حتى كانت الثالثة، فعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم لمقالته، ثم قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم " قم من بين يدي " فقام من بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه، فكان ضمرة السلمي يحدث - وقد كان حضر ذلك اليوم - قال: كنا نتحدث فيما بيننا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرك شفتيه بالاستغفار له، ولكنه أراد أن يعلم الناس قدر الدم عند الله تعالى (1).
ذكر البشير قدم المدينة بهزيمة هوازن روى محمد بن عمر عن داود بن الحصين قال: كان بشير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل المدينة بفتح الله - تعالى - عليه وهزيمة هوازن، نهيك بن أوس الاشهلي، فخرج في ذلك اليوم ممسيا، فاخذ في أوطاس حتى خرج على غمرة، فإذا الناس يقولون هزم محمد هزيمة لم يهزم هزيمة مثلها قط، وظهر مالك بن عوف على عسكره، قال: فقلت الباطل يقولون، والله لقد ظفر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم وغنمه نساءهم وأبناءهم، قال: فلم أزل أطا الخبر حتى انقطع
بمعدن بني سليم أو قريبا منها، فقدمت المدينة وقد سرت من أول أوطاس ثلاث ليال وما كنت أمسي على راحلتي أكثر مما كنت أركبها فلما انتهيت إلى المصلى ناديت: أبشروا يا معشر المسلمين بسلامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، ولقد ظفره الله - تعالى - بهوازن، وأوقع بهم، فسبى نساءهم، وغنم أموالهم، وتركت الغنائم في يديه تجمع، فاجتمع الناس يحمدون الله - تعالى - على سلامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، ثم انتهيت إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاخبرتهن، فحمدن الله - تعالى - على ذلك.
قال وكانت الهزيمة الاولى التي هزم المسلمون ذهبت في كل وجه حتى أكذب الله - تعالى - حديثهم.
__________
(1) انظر المغازي 3 / 920.
(*)(5/340)
ذكر ما انزل الله تبارك وتعالى في شان هذه الغزوة قال الله عز وجل يذكر المؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم (لقد نصر كم الله في مواطن) [ التوبة 25: 27 ] للحرب " كثيرة " كبدر وقريظة والنضير (و) اذكر " يوم حنين " واد بين مكة والطائف، أي يوم قتالكم فيه هوازن، وذلك في شوال سنة ثمان " إذ " بدل من يوم، (أعجبتكم كثرتكم) - فقلتم: لن نغلب اليوم من قلة، وكانوا إثني عشر إلفا، والكفار أربعة آلاف - كذا جزم به غير واحد، وجزم الحافظ وغيره بانهم كانوا ضعف عدد المسلمين، وأكثر من ذلك كما سيأتي، فعلى هذا كان المشركون أربعة وعشرين ألفا، (فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت) ما مصدرية أي مع رحبها أي سعتها.
فلم تجدوا مكانا تطمئنون إليه لشدة ما لحقكم من الخوف " ثم وليتم مدبرين " منهزمين وثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وليس معه غير العباس، وأبو سفيان آخذ بركابه، (ثم أنزل الله سكينته) طمانينته (على رسوله وعلى المؤمنين) فردوا إلى النبي لما ناداهم العباس باذنه وقاتلوا (وأنزل جنودا لم تروها) ملائكة (وعذب الذين كفروا) بالقتل والاسر (وذلك جزاء الكافرين.
ثم يتوب
الله من بعد ذلك على من يشاء) منهم بالاسلام (والله غفور رحيم).
ذكر ما قيل في هذه الغزوة من الشعر قال عباس بن مرداس السلمي يذكر قارب بن الاسود وفرازه من بني أبيه وذا الخمار وحبسه قومه للموت.
ألا من مبلغ غيلان عني * وسوف إخال يأتيه الخبير وعروة إنما أهدى جوابا * وقولا غير قولكما يسير بأن محمدا عبدا رسول * لرب لا يضل ولا يجور وجدناه نبيا مثل موسى * فكل فتى يخايره مخير وبئس الأمر أمر بني قسي * بوج إذا تقسمت الأمور أضاعوا أمرهم ولكل قوم * أمير والدوائر قد تدور فجئنا أسد غابات إليهم * جنود الله ضاحية تسير تؤم الجمع جمع بني قسي * على حنق نكاد له نطير وأقسم لو همو مكثوا لسرنا * إليهم بالجنود ولم يغوروا فكنا أسد لية ثم حتى * أبحناها وأسلمت النصور ويوم كان قبل لدى حنين * فأقلع والدماء به تمور من الأيام لم تسمع كيوم * ولم يسمع به قوم ذكور(5/341)
فتلنا في الغبار بني حطيط * على راياتها والخيل زور ولم تك ذو الخمار رئيس قوم * لهم عقل يعاقب أو نكير أقام بهم على سنن المنايا * وقد بانت لمبصرها الامور فافلت من نجا منهم جريضا * وقتل منهم بشر كثير ولا يغني الامور أخو التواني * ولا الغلق الصريرة الحصور
أمانهم وحان وملكوه * أمورهم وأفلتت الصقور بنو عوف تميج بهم جياد * أهين لها الفصافص والشعير فلولا قارب وبنو أبيه * تقسمت المزارع والقصور ولكن الرياسة عمموها * على يمن أشار به المشير أطاعوا قاربا ولهم جدود * وأحلام إلى عز تصير فان يهدوا إلى الاسلام يلفوا * أنوف الناس ما سمر السمير وإن لم يسلموا فهم أذان * بحرب الله ليس لهم نصير كما حكت بني سعد وحرب * برهط بني غزية عنقفير كان بني معاوية بن بكر * إلى الاسلام ضائنة تخور فقلنا أسلموا إنا أخوكم * وقد برئت من الترة الصدور كان القوم إذ جاؤوا إلينا * من البغضاء بعد السلم عور وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى: لولا الاله وعبده وليتم * حين استخف الرعب كل جبان بالجزع يوم حيالنا أقراننا * وسوابح يكبون للاذقان من بين ساع ثوبه في كفه * ومقطر بسنابك ولبان والله أكرمنا وأظهر ديننا * وأعزنا بعبادة الرحمن والله أهلكهم وفرق شملهم * وأذلهم بعبادة الشيطان " قال ابن هشام ويروي فيها بعض الرواة ".
إذ قام عم نبيكم ووليه * يدعون يا لكتيبة الايمان أين الذين هم أجابوا ربهم * يوم العريض وبيعة الرضوان " وقال عباس بن مرداس: فاني والسوابح يوم جمع * وما يتلوا الرسول من الكتاب لقد أحببت ما لقيت ثقيف * بجنب الشعب أمس من العذاب(5/342)
هم راس العدو من أهل نجد * فقتلهم الذ من الشراب هزمنا الجمع جمع بني قسي * وحكت بر كها ببني رئاب وصرما من هلال غادرتهم * باوطاس تعفر في التراب ولولا قين جمع بني كلاب * لقام نساؤهم والنقع كابي ركضنا الخيل فيهم بين بس * إلى الاوراد تنحط بالذهاب بذي لجب رسول الله فيهم * كتيبته تعرض للضراب " وقال عباس بن مرداس أيضا ": يا خاتم النباء إنك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا إن الاله بنى عليك محبة * في خلقه ومحمدا سماكا إن الذين وفوا بما عاهدتهم * جند بعثت عليهم الضحاكا رجلا به درب السلاح كانه * لما تكنفه العدو يراكا يغشى ذوي النسب القريب وإنما * يبغي رضي الرحمن ثم رضاكا أنبيك أني قد رأيت مكره * تحت العجاجة يدمغ الاشراكا طولا يعانق باليدين وتارة * يقري الجماجم صارما بتاكا [ يغشى به هام الكماة ولو ترى * منه الذي عاينت كان شفا كا ] وبنو سليم معنقون أمامه * ضربا وطعنا في العدو دراكا يمشون تحت لوائه وكأنهم * أسد العرين أردن ثم عراكا ما يرتجون من القريب قرابة * الا بطاعة ربهم وهواكا هذي مشاهدنا التي كانت لنا * معروفة وولينا مولاكا " وقال عباس بن مرداس أيضا ": عفا مجدل من أهله فمتالع * فمطلى أريك قد خلا فالمصانع
ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا * رخي وصرف الدهر للحي جامع حبيبة ألوت بها غربة النوى * لتبن فهل ماض من العيش راجع فان تبتغي الكفار غير ملومة * فاني وزير للنبي وتابع دعانا إليه خير وفد علمتهم * خزيمة والمرار منهم وواسع فجئنا بألف من سليم عليهم * لبوس لهم من نسج داود رائع نبايعه بالاخشبين وانما * يد الله بين الاخشبين نبايع فجسنا مع المهدي مكة عنوة * بأسيافنا والنقع كاب وساطع(5/343)
علانية والخيل يغشى متونها * حميم وان من دم الجوف ناقع ويوم حنين حين سارت هوازن * الينا وضاقت بالنفوس الأضالع صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا * قراع الأعادي منهم والوقائع أمام رسول الله يخفق فوقنا * لواء كخذروف السحابة لامع عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والموت كانع نذود أخانا عن أخينا ولو نرى * مصالا لكنا الأقربين نتابع ولكن دين الله دين محمد * رضينا به فيه الهدى والشرائع أقام به بعد الضلالة أمرنا * وليس لأمر حمه الله دافع " وقال عباس بن مرداس أيضا ": ما بال عينك فيها عائر سهر * مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر عين تأوبها من شجوها أرق * فالماء يغمرها طورا وينحدر كأنه نظم در عند ناظمة * تقطع السلك منه فهو منبتر يا بعد منزل من ترجو مودته * ومن أتى دونه الصمان فالحفر دع ما تقدم من عهد الشباب فقد * ولي الشباب وزار الشيب والزعر
واذكر بلاء سليم في مواطنها * وفي سليم لأهل الفخر مفتخر قوم همو نصروا الرحمن واتبعوا * دين الرسول وأمر الناس مشتجر لا يغرسون فسيل النخل وسطهم ولا تحاور في مشتاهم البقر إلا سوابح كالعقبان مقربة * في دارة حولها الأخطار والعكر تدعى كفاف وعوف في جوانبها * وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر الضاربون جنود الشرك ضاحية * ببطن مكة والأرواح تبتدر حتى رفعنا وقتلاهم كأنهم * نخل بظاهرة البطحاء منقعر ونحن يوم حنين كان مشهدنا * للدين عزا وعند الله مدخر إذ دركب الموت مخضرا بطائنه * والخيل ينجاب عنها ساطع كدر تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا * كما مشى الليث في غاباته الخدر في مأذق من مجر الحرب كلكلها * تكاد تأفل منه الشمس والقمر وقد صبرنا باوطاس أسنتنا * لله تنصر من شئنا وننتصر حتى تاوب أقوام منازلهم * لو لا المليك ولو لا نحن ما صدروا فما ترى معشرا قلوا ولا كثروا * إلا قد اصبح منا فيهم أثر(5/344)
وقال عباس بن مرداس أيضا: يا أيها الرحل الذي تهوي به * وجناء مجمرة المناسم عرمس إما أتيت على النبي فقل له * حقا عليك إذا اطمان المجلس يا خير من ركب المطي ومن مشى * فوق التراب إذا تعد الانفس إنا وفينا بالذي عاهدتنا * والخيل تقدع بالكماة وتضرس إذ سال من أفناء بهثة كلها * جمع تظل به المخارم ترجس حتى صبحنا أهل مكة فيلقا * شهباء يقدمها الهمام الاشوس
من كل أغلب من سليم فوقه * بيضاء محكمة الدخال وقونس يروي القناة إذا تجاسر في الوغى * وتخاله أسدا إذا ما يعبس يغشى الكتيبة معلما وبكفه * عضب يقد به ولدن مدعس وعلى حنين قد وفى من جمعنا * ألف أمد بها الرسول عرندس كانوا أمام المسلمين دريئة * والشمس يومئذ عليهم أشمس نمضي ويحرسنا الاله بحفظه * والله ليس بضائع من يحرس ولقد حبسنا بالمناقب محبسا * رضي الاله به فنعم المحبس وغداة أوطاس شددنا شدة * كفت العدو وقيل منها: يا احبسوا تدعو هوازن بالاخاوة بيننا * ثدي تمد به هوازن أيبس حتى تركنا جمعهم وكانه * عير تعاقبه السباع مفرس وقال عباس بن مرداس أيضا: نصرنا رسول الله من غضب له * بالف كمي لا تعد حواسره حملنا له في عامل الرمح راية * يزود بها في حومة الموت ناصره ونحن خضبناها دما فهو لونها * غداة حنين يوم صفوان شاجره وكنا على الاسلام ميمنة له * وكان لنا عقد اللواء وشاهره وكنا له دون الجنود بطانة * يشاورنا في أمره ونشاوره دعانا فسمانا الشعار مقدما * وكنا له عونا على من يناكره جزى الله خيرا من نبي محمدا * وأيده بالنصر والله ناصره " وقال عباس بن مرداس أيضا ": من مبلغ الاقوام أن محمدا * رسول الاله راشد حيث يمما دعا ربه واستنصر الله وحده * فأصبح قد وفى إليه وأنعما(5/345)
سرينا وواعدنا قديدا محمدا * يؤم بنا أمرا من الله محكما تمادوا بنا في الفجر حتى تبينوا * مع الفجر فتيانا وغابا مقوما على الخيل مشدودا علينا دروعنا * ورجلا كدفاع الاتي عرمرما فان سراة الحي إن كنت سائلا * سليم وفيهم منهم من تسلما وجند من الانصار لا يخذولونه * أطاعوا فما يعصونه ما تكلما فان تك قد أمرت في القوم خالدا * وقدمته فانه قد تقدما بجند هداه الله أنت أميره * تصيب به في الحق من كان أظلما حلفت يمينا برة لمحمد * فاكملتها ألفا من الخيل ملجما وقال نبي المؤمنين تقدموا * وحب إلينا أن تكون المقدما وبتنا بنهي المستدير ولم تكن * بنا الخوف إلا رغبة وتحزما أطعناك حتى أسلم الناس كلهم * وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما يضل الحصان الابلق الورد وسطه * ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما لدن غدوة حتى تركنا عشية * حنينا وقد سالت دوامعه دما سمونا لهم ورد القطازفة ضحى * وكل تراه عن أخيه قد احجما إذا شئت من كل رايت طمرة * وفارسها يهوي ورمحا محطما وقد أحرزت منا هوازن سربها * وحب إليها أن نخيب ونخرما تنبيهات الأول: قال أهل المغازي: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لست خلت من شوال، وقيل: لليلتين بقيتا من رمضان، وجمع بعضهم بانه بدأ بالخروج من أواخر رمضان، وسار سادس شوال، وكان وصوله إليها في عاشره.
قال في زاد المعاد: كان الله - تعالى - قد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق الوعد أنه إذا فتح مكة دخل الناس في دينه أفواجا، ودانت له العرب باسرها، فلما تم له الفتح
المبين، اقتضت حكمة الله - تعالى - أن أمسك قلوب هوازن ومن تبعها عن الاسلام وأن يتجمعوا ويتاهبوا لحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، ليظهر أمر الله - سبحانه وتعالى - وتمام إعزازه، لرسوله الله - صلى الله عليه وسلم - ونصره لدينه، ولتكون غنائمهم شكرا لاهل الفتح، ليظهر الله ورسوله وعباده وقهره لهذه الشوكة العظيمة التي لم يلق المسلمون مثلها، فلا يقاومهم بعد أحد من العرب.
ويتبين ذلك من الحكم الباهرة التي تلوح للمتاملين واقتضت حكمته(5/346)
- تعالى - أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة والكبوة مع كثرة عددهم وعددهم وقوة شوكتهم ليطأ من رؤوس رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضعا راسه منحنيا على فرسه، حتى إن ذقنه تكاد أن تمس سرجه تواضعا لربه تبارك وتعالى، وخضوعا لعظمته، واستكانة لعزته أن أحل له حرمة بلده، ولم يحله لاحد قبله، ولا لاحد بعده، وليبين عز وجل لمن قال: لن نغلب اليوم من قلة أن النصر إنما هو من عنده، وأنه من ينصره فلا غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له غيره، وأنه - تعالى - هو الذي تولى نصر رسوله ودينه لا كثرتكم التي أعجبتكم، فانها لم تغن عنكم شيئا فوليتم مدبرين فلما انكسرت قلوبهم أرسلت إليها خلع الج.
بر مع مزيد (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها) [ التوبة 26 ] وقد اقتضت حكمته - تبارك وتعالى - أن خلع النصر وجوائزه إنما تفضى على أهل الانكسار (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) [ القصص 5، 6 ] الثاني: وافتتح الله - سبحانه وتعالى - غزو العرب بدر، وختم غزوهم بغزوة حنين، ولهذا يقرن هاتين الغزاتين بالذكر فيقال " بدر وحنين " وإن كان بينهما سبع سنين والملائكة قاتلت بانفسها مع المسلمين بهاتين الغزاتين، والنبي - صلى الله عليه وسلم رمى وجوه المشركين بالحصا فيهما، وبهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين،
فالاولى خوفتهم وكسرت من حدتهم.
والثانية: استفرغت قواهم، واستنفدت سهامهم، وأذلت جمعهم، حتى لم يجدوا بدا من الدخول في دين الله - تعالى - وجبر الله تبارك وتعالى أهل مكة بهذه الغزوة، وفرحهم بما نالوا من النصر والمغنم، فكانت كالدواء لما نالهم من كسرهم، وإن كان عين جبرهم وقهرهم تمام نعمته عليهم بما صرفه عنهم من شر من كان يجاورهم من أشراف العرب من هوازن وثقيف، بما أوقع بهم من الكسرة، وبما قيض لهم من دخولهم في الاسلام، ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها.
ومن تمام التوكل استعمال الاسباب التي نصبها الله سبحانه وتعالى لمسبباتها قدرا وشرعا فان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكمل الخلق توكلا، فقد دخل مكة والبيضة على راسه، ولبس يوم حنين درعين، وقد أنزل الله - سبحانه وتعالى (والله يعصمك من الناس) [ المائدة 67 ] وكثير ممن لا تحقيق عنده يستشكل هذا ويتكايس في الجواب، تارة بان هذا فعله - صلى الله عليه وسلم - تعليما لامته، وتارة بان هذا كان قبل نزول الاية ! ! لو تأمل أن ضمان الله - سبحانه وتعالى - له العصمة لا ينافي تعاطيه لاسبابها فان هذا الضمان له من ربه - تبارك وتعالى - لا ينافى احتراسه من الناس ولا ينافيه، كما أن إخبار الله - عز وجل - له بانه يظهره على الدين كله ويعليه، لا يناقض أمره(5/347)
بالقتال، وإعداد العدة والقوة، ورباط الخيل، والاخذ بالجد والحذر، والاحتراس من عدوه، ومحاربته بانواع الحرب، والتورية، فكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها، وذلك لانه إخبار من الله - تعالى - عن عاقبة حاله وماله فما يتعاطاه من الاسباب التي جعلها الله - تعالى - بحكمته موجبة لما وعده به من النصر والظفر، وإظهار دينه وغلبته عدوه انتهى.
الثالث: اختلف العلماء في العارية هل تضمن إذا تلفت، فقال الشافعي وغيره يضمن، وقال أبو حنيفة وغيره: لا يضمن، وفي بعض طرق الحديث " بل عارية مضمونة، وقد اختلفوا في هذا القيد وهو مضمونة، أنه صفة موضحة أو مقيدة، فمن قال بالأول قال: تضمن، ومن قال مقيدة قال: لا إلا بشرط، قاله في النور.
الرابع: تضمن قول السائل للبراء في الرواية الثانية أوليتم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي الثالثة أفررتم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقول البراء رضي الله عنه - فاشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يول، وقوله في الرواية الثانية " لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقر إثبات الفرار، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بظاهر الرواية الثانية، ويمكن الجمع بين الثانية والثالثة بحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك وختم حديثه بانه لم يكن أحد يومئذ أشد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أن البراء فهم أن السائل اشتبه عليه حديث سلمة بن الاكوع، ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزما، فلذلك حلف البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يول، ودل ذلك على أن منهزما حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى " ومررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزما وهو على بغلته " فقال: لقد راى ابن الاكوع فزعا، ويحتمل أن يكون السائل أخذ العموم من قوله تعالى: (ثم وليتم مدبرين) [ التوبة 25 ] فبين البراء من العموم الذي أريد به الخصوص.
الخامس: يجمع بين قول أنس - رضي الله عنه -: بقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده وبين الاخبار الدالة أنه بقي معه جماعة بان المراد بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا كانوا وراءه، أو الوحدة بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة، ونحو ذلك.
السادس: لا تخالف بين قول ابن عمر، لم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل، وبين قول ابن مسعود، ثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانون من المهاجرين والانصار فان ابن عمر نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين.
وذكر النووي أن الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر رجلا، ووقع في شعر(5/348)
العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - أن الذين ثبتوا معه كانوا عشرة فقط، وذلك لقوله:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فاقشعوا وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه * لما مسه في الله لا يتوجع قال الحافظ: ولعل هذا هو الا ثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم.
السابع: البغلة البيضاء: وفي مسلم عن سلمة بن الاكوع الشهباء التي كان عليها يومئذ أهداها له فروة - بفتح الفاء، وسكون الراء، وفتح الواو، وبالهاء ابن نفاثة بنون مضمومة ففاء مخففة فالف فثاء مثلثة، ووقع في بعض الروايات عند مسلم فروة بن نعامة بالعين والميم، والصحيح المعروف الاول، ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن ألف في المغازي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان على بغلته دلدل، وفيه نظر، لان دلدل أهداها له المقوقس.
قال القطب: ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب يومئذ كلا من البغلتين، وإلا فما في الصحيح أصح.
الثامن: قال العلماء: ركوبه - صلى الله عليه وسلم - البغلة يومئذ دلالة على النهاية في الشجاعة والثبات، لان ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولى، وإذا كان راس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار والاخذ باسباب ذلك كان أدعى لاتباعه.
التاسع: وقع في الصحيح حديث البراء وأبو سفيان ابن عمه يقود به، وفي حديث العباس أنه كان آخذا بلجام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو سفيان آخذ بركابه، ويجمع بان أبا سفيان كان آخذا أولا بزمام البغلة، فلما ركضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جهة الكفار خشي العباس وأخذ بلجام البغلة يكفها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لانه كان عمه.
العاشر: وقع في حديث ابن عبد الرحمن الفهري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتحم عن فرسه " فاخذ كفا من تراب " انتهى قلت: وهي رواية شاذة، والصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان حينئذ على بغلة.
الحادي عشر: في قوله - صلى الله عليه وسلم - " أنا النبي لا كذب " إشارة إلى صفة النبوة يستحيل
معها الكذب، وكانه - صلى الله عليه وسلم - قال: لانا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن أن الذي وعدني به الله من النصر حق فلا يجوز علي الفرار، وقيل معنى قول " لا كذب " أي أنا النبي حقا لا كذب في ذلك.
الثاني عشر: قوله - صلى الله عليه وسلم - أنا النبي لا كذب " بسكون الموحدة من كذب وهذا وإن وقع موزونا لا يسمى شعرا لانه غير مقصود كما سيأتي بسط ذلك في الخصائص.(5/349)
الثالث عشر: انتسب - صلى الله عليه وسلم - إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فانه مات شابا ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب كما في حديث حماد في الصحيح وقيل لانه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب.
رجل يدعوا الى الله ويهدى الله - تعالى - الخلق على يديه، ويكون خاتم الانبياء، فانتسب ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قيل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد - صلى الله عليه وسلم - تنبيه أصحابه بانه لابد من ظهوره، وإن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه - صلى الله عليه وسلم - ثابت غير منهزم.
الرابع عشر: في إشهاره - صلى الله عليه وسلم - نفسه الكريمة في الحرب غاية الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو.
الخامس عشر: في تقدمة - صلى الله عليه وسلم - قبل الكفار نهاية الشجاعة، وفي نزوله - صلى الله عليه وسلم - عن البغلة حين غشوة مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر، وقيل: فعل ذلك مواساة لمن كان نازلا على الارض من المسلمين.
السادس عشر: في حديث سلمة بن الاكوع وغيره " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب " إلخ.
وفي حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له حين انهزم أصحابه " ناولني كفا من تراب " فناوله، وفي حديث ابن عباس عن البراء أن عليا ناول
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب فرمى به في وجوه الكفار، والجمع بين ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولا قال لصاحبه " ناولني " فناوله، فرماهم، ثم نزل عن البغلة فاخذ بيده فرماهم أيضا، فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين وفي الاخرى التراب، وأن كلا ممن ذكر ناوله.
السابع عشر: في رميه - صلى الله عليه وسلم - الكفار، وقوله: " انهزموا ورب الكعبة " إلخ، معجزتان ظاهرتان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما فعلية، والاخرى خبرية، فانه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بهزيمتهم ورماهم بالحصى فولوا مدبرين.
وفي رواية استقبل وجوههم فقال " شاهت الوجوه ".
وهنا أيضا معجزتان فعلية وخبرية.
الثامن عشر: في قول العباس: فو الله لكان في عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها.
إلخ دليل أن فرارهم لم يكن بعيدا.
التاسع عشر: في عقر علي - رضي الله عنه - بعير حامل راية الكفار دليل على جواز عقر فرس العدو ومركوبه إذا كان ذلك عونا على قتله.
العشرون: في انتظار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقسم غنائم هوازن إسلامهم جواز انتظار(5/350)
الامام بقسم الغنائم إسلام الكفار ودخولهم في الطاعة فيه ورده عليهم غنائمهم ومتاعهم.
الحادي والعشرون: اتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادعى السلب إلا ببينة تشهد له.
ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا شاهد واحد يكتفي به.
الثاني والعشرون: قال في العيون أخذا من الروض فرار من كان معه - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قد أعقبه رجوعهم إليه بسرعة وقتالهم معه حتى كان الفتح، وفي ذلك نزل (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا) إلى قوله: (غفور رحيم) [ التوبة 25: 27 ] كما قال فيمن تولى يوم أحد - (ولقد عفى الله عنهم) إن اختلف الحال في الوقعتين.
وقال الحافظ: العذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك، وكذا جزم في النور بان هوازن كانوا أضعاف الذين كانوا معه - صلى الله عليه وسلم.
الثالث والعشرون: في بيان غريب ما سبق: حنين - بحاء مهملة ونون مصغر: واد إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، قال أبو عبيد البكري سمي باسم حنين بن قانية بن مهلائيل.
والاغلب عليه التذكير، لانه اسم ماء.
وربما أنثته العرب، لانه اسم للبقعة.
فسميت الغزوة باسم مكانها.
هوازن - بفتح الهاء وكسر الزاي، قبيلة كبيرة من العرب، فيها عدة بطون، وهي: هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة - بخاء معجمة فصاد مهملة ففاء مفتوحتان - بن قيس عيلان - بعين مهملة، بن إلياس بن مضر أبو الزناد - بكسر الزاي، وبالنون، وبالدال المهملة.
ثقيف - بثاء مثلثة بوزن أمير: اسمه قسي - بفتح القاف وكسر السين المهملة وتشديد الياء - بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة - بفتح الخاء المعجمة، والصاد المهملة، وبالفاء - ابن قيس عيلان.
أشفقوا: خافوا.
لا ناهية له: أي نهي: أي مانع.
حشدوا: اجتمعوا.
أجمعوا أمرا: أي عزموا عليه.
نصر - بفتح النون، وسكون الصاد المهملة، وبالراء: اسم قبيلة.
جشم - بضم الجيم وفتح الشين المعجمة: لا ينصرف للعلمية والعدل عن جاشم: أبو قبيلة كبيرة، وهو معاوية بن بكر بن هوازن بن بكر بن هوازن بن قيس عيلان - بفتح المهملة، لقب قيس باسم عبد كان يملكه، وقيل باسم فرس له.(5/351)
كعب وكلاب بن أبي براء - بفتح الموحدة وتخفيف الراء وبالمد.
وحكى القصر.
ناوأه: عاداه.
دريد - بضم الدال المهملة، وفتح الراء، وسكون التحتية وبالدال المهملة.
الصمة - بكسر الصاد المهملة، وتشديد الميم - واسمه، الحارث بن بكر أو ابن الحارث بن بكر بن علقمة بن معاوية بن بكر هوازن الجشمي - بضم الجيم وفتح الشين - من بني محرب - بكسر الميم وإسكان الحاء المهملة ثم راء مفتوحة ثم موحدة يقال رجل محرب - بكسر الميم: صاحب حروب.
أوطأ العرب: علاهم وقهرهم.
أجلى يهود: أخرجهم.
الذل - بضم الذال المعجمة: الضعف والهوان.
الصغار - بفتح الصاد المهملة: الضيم.
يومك هذا له ما بعده.
طوى عنه الخبر: كتمه.
الظعن - بضم الظاء المعجمة المشالة، والعين المهملة.
أوطاس - بفتح أوله وسكون الواو وبالطاء والسين المهملتين: واد في ديار هوازن، والصحيح أنه غير وادي حنين، وسيأتي بيان ذلك في السرايا.
عسكر - موضع كذا: جمع عسكره به.
الامداد: جمع مدد بفتحتين، وهو الجيش.
الشجار - بكسر الشين المعجمة وبالجيم والراء: مركب مكشوف دون الهودج.
ويقال له شجر أيضا.
مجال الخيل - بفتح الميم، وبالجيم المخففة، وباللام.
الحزن - بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاي، وبالنون: ما غلظ من الارض.
الضرس - بكسر الضاد المعجمة، وسكون الراء، وبالسين المهملة: الاكمة الخشنة، وفي الاملاء: هو الموضع فيه حجارة محدده.
السهل: ضد الحزن.
دهس - بفتح المهملة، والهاء، وبالسين المهملة.
والدهاس مثل الليث واللباث:(5/352)
المكان السهل اللين الذي لا يبلغ أن يكون رملا وليس هو بتراب.
ولا طين، وفي الاملاء: لين كثير التراب.
رغاء الابل - بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: صوتها.
نهاق الحمير بضم النون وتخفيف الهاء وبالقاف: صوتها.
بعار الشاء - بضم التحتية وبالعين المهملة المخففة وبالراء: صوتها.
خوار البقر - بضم الخاء المعجمة، وبالواو والراء: صوتها.
ولم - بفتح الميم: على الاستفهام.
فانقض به - بفتح الهمزة، وسكون النون، وفتح القاف، وبالضاد المعجمة الساقطة قال في الروض: صوت بلسانه من فيه، من النقيض وهو الصوت، وقيل: الانقاض بالاصبع الوسطى والابهام كانه يدفع بهما شيئا، وفي الاملاء، أي زجره كما تزجر الدابة، والانقاض للدابة أن تلصق لسانك بحنكك الاعلى وتصوت به.
راعي ضأن: يجهله بذلك.
فضح - بالبناء للمفعول.
البيضة هنا - الجماعة، وبيضة الثانية بالجر بدلا من الاولى.
عليا - بضم العين المهملة مقصور.
ممتنع - بضم الميم الاولى، وسكون الثانية وفتح الفوقية، وكسر النون وبالعين المهملة.
الصباء - بضم الصاد المهملة، وتشديد الموحدة، قال في الاماء: جمع صابئ، وهم المسلمون عندهم كانوا يسمونهم بهذا الاسم لانهم صبئوا من دينهم أي خرجوا وقال في النور: أي الذين يشتهون الحرب وحرب ويميلون إليها، ويحبون التقدم فيها والبراز: قاله في النهاية.
المتون - جمع متن: الظهر.
بين أضعاف الخيل: بين أثنائها أو متقدمة دريئة.
ألفاك ذلك - بالفاء أي وجدك أو صادفك.
كبر عقلك - بكسر الموحدة: يشير إلى أنه قد خرف.
الجذع - بفتح الجيم، والذال المعجمة، وبالعين: ما قبل الثنى، والجمع جذعان وجذاع مثل جبل وجبال، والانثى جذعة، والجمع جذعات - بضم الجيم وكسرها: أي يا ليتني في هذه الحرب جذع، أي شاب.(5/353)
الخبب: ضرب من السير وهو خطو فسيح دون العنق.
الوضع: ضرب من السير وهو الاسراع، قال الفراء: هو مثل الخبب.
الوطفاء بفتح الواو وبطاء مهملة ساكنة وبالفاء والمد: الطويلة الشعر.
الزمع - بفتح الزاي، والميم، وبالعين المهملة: الشعر الذي فوق مربط قيد الدابة، يريد فرسا صفتها كذا، وهو محمود في وصف الخيل.
الشاة - هنا الوعل - بفتح الواو، وكسر العين المهملة، وتسكن، وباللام: ذكر الاروى وهي الشاة الجبلية والجمع: وعول مثل: فلس وفلوس، والانثى: وعلة - بكسر العين، وسكونها، والجمع: وعال، مثل كلبة وكلاب.
صدع - بفتح الصاد، والدال، وبالعين المهملات: وصف للوعل، وهو الوسط منها، وليس بالعظيم ولا الصغير، ولكنه وعل بين الوعلين.
الحد - بفتح الحاء وبالدال المهملة: المنع.
الجد - بجيم مكسورة: الشجاعة والجراة.
يوم علاء - بفتح العين المهملة وبالمد - الرفعة، وإنما عطفها عليه لاختلاف اللفظ.
ذانك: تثنية ذا اسم إشارة.
الجذعان: تثنية جذع، يريد أنهما ضعيفان في الحرب بمنزلة الجذع في سنه الكمين: الجيش المستخفي في مكمن - بفتح الميمين - بحيث لا يفطن به ثم ينهض على العدو وعلى غفلة منهم، وجمعه كمناء، كامير وأمراء، يقال كمن كمونا، من باب قعد
قعودا: توالى واستخفى.
كر - بفتح الكاف والراء المشددة: رجع.
الحملة لك: الغلبة.
لم يفلت - بضم التحتية وسكون الفاء.
مقدمة الجيش - بكسر الدال وقد تفتح: الجماعة تتقدمه.
بنو سليم: بالتصغير.
ينحى يعدل به.
السنن - بفتح السين المهملة والنون الاولى: الطريق.(5/354)
شرح غريب استعماله - صلى الله عليه وسلم - عتابا، واستعارته من صفوان بن أمية أدرعا، وبعثه عبد الله بن أبي حدرد، وخروجه للقاء هوازن عتاب - بفتح العين المهملة، والفوقية المشددة، وبالموحدة.
أسيد - بالسين والدال المهملتين وزن أمير.
أجمع السير: عزم عليه.
ذكر له: بالبناء للمفعول.
أعرنا - بفتح أوله.
أبو حدرد - بهملات كجعفر، واسمه سلامة بن عمير.
الخباء - بكسر الخاء المعجمة ككتاب: واحد الاخبية من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت.
الاغمار - بفتح أوله، وبالغين المعجمة: جمع غمر بضمتين وتسكن الميم: وهو الرجل الذي لم يجرب الامور.
الجفون - بضم الجيم: جمع جفن - بفتح الجيم، وهو هنا غلافة السيف، وقد يجمع
على أجفان.
الخيف - بفتح الخاء المعجمة، وسكون التحتية وبالفاء، وهو في الاصل المنحدر من غلظ الجبل، قد ارتفع من مسيل الماء، فليس شرفا ولا حضيضا.
كنانة - بكسر الكاف، وبنونين مخففا.
تقاسموا: تحالفوا وتعاهدوا جهينة - بالجيم: مصغر.
مزينة: مصغر، بالزاي والنون.
أسلم بهمزة مفتوحتة، فسين مهملة ساكنة، فلام مفتوحة، فميم غفار - بكسر الغين المعجمة وبالفاء.
أشجع - بفتح أوله، وبالشين المعجمة، والعين المهملة: الجميع أسماء قبائل.
الطقاء - بضم الطاء المهملة، وفتح اللام: الذين أسلموا يوم فتح مكة من أهلها ممن غلبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأطلقهم أو خلى سبيلهم دنا: قرب.(5/355)
بدا بكذا: قدمه.
كبت الله عدوك: أخزاه وأذله وصرفه وغاظه وأهلكه.
لم يغادر: لم يترك.
النظار - بضم النون: جمع ناظر.
الصدمة - بفتح الصاد المهملة.
أوقر بعيره: حمله.
ذات أنواط: شجرة عظيمة قرب مكة، كانت الجاهلية تأتيها كل سنة تعظمها وتعلق عليها سلاحها ويذبح عندها.
يقال ناط الشئ ينوطه نوطا علقة، وكل ما علق من شئ فهو نوط - بفتح النون، والجمع: أنواط، وهي المعاليق.
يعكفون عليها: يلزمونها ويواظبون على خدمتها.
الحذو - بفتح الحاء المهملة، وسكون الذال المعجمة.
القدر - بفتح القاف، وسكون الدال.
القذة بالقذة - بكسر القاف فيها أخص من القد: وهو سير يقد من جلد غير مدبوع.
أطنبوا السير: بالغوا فيه.
عن بكرة أبيهم - بفتح الموحدة، وسكون الكاف: هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفر العدد، وأنهم جاؤوا جميعا لم يتخلف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة، وهي التي يستقى عليها الماء، فاستعيرت في هذا الموضع.
أبو مرثد - بفتح الميم، وسكون الراء، وبفتح الثاء المثلثة، وبالدال المهملة.
نغرن - بضم النون وفتح الغين المعجمة والراء المشددة.
قبلك - بكسر القاف، وفتح الموحدة، واللام: أي من جهتك.
ثوب بالصلاة: التثويب هنا إقامة الصلاة، والاصل في التثويب أن يجئ الرجل مستصرخا فيلوع بثوبه ليرى ويشتهر، فسمي الدعاء تثويبا لذلك، وكل داع مثوب، وقيل إنما سمي تثويبا من ثاب يثوب إذا رجع، فهو رجوع - إلى الامر بالمبادرة إلى الصلاة، فان المؤذن إذا قال حي على الصلاة، فقد دعاهم إليها، فإذا قال بعده: الصلاة خير من النوم فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها.
خلال الشجرة: أي الفرج بينها.(5/356)
أوجبت: أي عملت موجبا للجنة.
التبيان: البيان.
سليم - بضم السين المهملة، وفتح اللام، وسكون التحتية.
غسان - بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة، قال النووي، المسموع في كتب [ أهل ] الحديث ورواياتهم غير منصرف وذكره ابن فارس في باب غسن، وهذا تصريح بانه يجوز صرفه.
العضادة - بكسر العين المهملة، وبالضاد المعجمة: جانب الشئ.
الاجربان: سماهم بذلك تشبيها بالاجرب الذي يغرب.
عبس - بفتح المهملة وسكون الموحدة: بطن من غطفان ومن الازد بن مراد.
ذبيان - بضم الذال المعجمة وكسرها من زبيت شفته أي ذبلت من العطش، وهو إذا فعلان ينصرف للعلمية والزيادة " شمر سيفك " أدخله في غمده " عيون المشركين " جمع عين وهو الجاسوس، يقال جس الاخبار وتجسسها تتبعها لانه يتبع الاخبار ويفحص عن بواطن الامور، ثم استعير لنظر العين " تفرقت أوصالهم ": أي مفاصلهم جمع وصل بالكسر، وهو كل عظم على حدة لا يكسر ولا يخلط به غيره " الذعر " بضم الذال المعجمة: الخوف.
لم يثنه الامر: لم يرده.
واد أجوف: متسع.
خطوط - بخاء مفتوحة فطاء مضمومة، فواو ساكنة فطاء أخرى مهملات منحدر، أو عز إليه بالعين المهملة والزاي: تقدم إليه ربيع بن أنس بلفظ اسم الشهرة.
بنو شيبان - بفتح الشين المعجمة، وسكون التحتية، وبالموحدة، والنون: هو شيبان بن ذهل، قبيلة من بكر بن وائل.
فصل من مكة: خرج.
حزام - بالزاي والد حكيم، وكذا كل مكى قرشي، وحرام بالراء في الانصار.
شرح غريب ذكر كيفية الوقعة مضايق - جمع مضيق.
عماية الصبح - بفتح العين المهملة وتخفيف الميم: بقية ظلمته.(5/357)
شعابه - جمع شعب: وهو ما انفرج بين الجبلين.
أجنابه: جوانبه.
راعنا: أفزعنا.
الكتائب - بالفوقية جمع كتيبة: وهي الطائفة المجتمعة من الجيش شدوا علينا: حملوا يقتلوننا.
سواد العسكر: ما يشتمل عليه من الدواب والمضارب وغيرهما.
الغبش - بفتح الغين المعجمة، وسكون الموحدة، وبالمعجمة: ظلامه.
إن شعرنا: ما علمنا.
انكشف الخيل وتبعهم الناس منهزمين هذا مجاز، لم ينهزم كل الناس، ولا نعرف في موطن من المواطن أن كل الناس انهزموا.
ما يلوون على شئ: لا يبقون عليه.
النقع - بفتح النون، وسكون القاف: الغبار.
انحاز: إلى كذا تنحى إليه.
هلم إلى: إسم فعل في لغة الحجازيين فلا يبرز فاعلها، وفعل في لغة تميم فيقولون هلم وهلمي وهلموا وهلممن.
الشبان - بضم الشين: جمع شاب، وهو سن قبل الكهولة.
سرعان الناس - بفتح السين والراء: أوائلهم.
كأنها رجل جراد بكسر الراء وسكون الجيم، الجماعة الكثيرة من الجراد خاصته، وهو جمع على غير لفظ الواحد.
أطن قدمه بنصف ساقه، قطعها، يراد بذلك صوت القطع.
انجعف: وقع.
اجتلد الناس: تضاربوا بالسيوف.
الجفاة - جمع جاف: وهو الغليظ الطبع، والمراد هنا - والله أعلم - من كان غليظا على الاسلام.
ممن لم يتمكن الايمان في قلبه.
الضغن - بكسر الضاد، وإسكان الغين - المعجمتين - وبالنون - الضغينة بالفتح - وهما:
الحقد.(5/358)
الازلام: القداح التي كانت في الجاهلية، واحدها زلم - بفتحات - عليها مكتوب الأمر والنهي، افعل ولا تفعل، كان الرجل من المشركين يضعها في وعاء له، فإذا اراد سفرا أو زواجا أو امرا مهما ادخل يده واخرج منها زلما، فان خرج الامر مضى لشانه، وان خرج النهي كف عنه فلم يفعله.
الكنانة: جعبة السهام.
جبلة: كذا عند ابن اسحق، وهو تصحيف، وصوابه كلدة - بفتح الكاف واللام بن الحنبل بفتح الحاء المهملة وسكون النون وبالموحدة، ويقال: ابن عبد الله بن الحنبل، أسلم بعد ما قال بحنين ما قال.
فض الله فاه: اسقط اسنانه، والفض: الكسر بالتفرقة.
يربني - بضم الراء: يملكني ويدبر امري ويصير لي ربا أي سيدا.
المازني - بكسر الزاي والنون.
كاد: قرب.
حاجب الشمس: ناحيتها.
يا للانصار - بفتح اللام.
عباد - بفتح العين المهملة وبالموحدة المشددة.
بشر بكسر الموحدة، وسكون المعجمة.
أبو نائلة - بهمزة بعد الالف على صورة الياء.
لا يجبرونها: اي: لا مجبر منها.
الشعار - بكسر الشين المعجمة، والعين المهملة: العلامة التي كانوا يتعارفون بها.
شرح غريب ذكر ارادة شيبة بن عثمان والنظير بالتصغير بن الحرث
الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم الفتك: القتل على غفلة، أو القتل مطمئنا مجاهرة.
عنوة - بعين مهملة مفتوحة، فنون ساكنة، فواو مفتوحة، فتاء تأنيث: قهرا وغلبة.
المرصد - بكسر الصاد المهملة: اسم فاعل.
اقتحم عن بغلته: القي نفسه عنها.
اصلت السيف: سله من غمده.(5/359)
أسوره - بفتح السين المهملة وكسر الواو المشددة: أعلوه.
سورة - بفتح السين المهملة، وسكون الواو، وفتح الراء، وسورة الخمر وغيره: حدتها، والمجد أثره وعلامته وارتفاعه، والبرد شدته، والسلطان شدته واعتداده.
الشواظ - بضم الشين المعجمة وكسرها: اللهب الذي لا دخان فيه.
يتمحشني - بتحتية ففوقية مفتوحتين، فميم مفتوحة، فحاء مشددة وشين معجمة: يحرقني.
مشيت القهقرى: المشي إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه.
يا شيب: منادى مرخم، ويجوز فيه ضم الموحدة وفتحها.
شرحبيل - يضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة، وكسر الموحدة، وباللام.
العبدري، بفتح العين المهملة، وسكون الموحدة، وآخره راء فياء نسب.
الدبرة - بفتح الدال المهملة وبالموحدة وتسكن: الهزيمة، وهو اسم من الادبار.
الفئتان - تثنية فئة بكسر الفاء وبالهمز: الفرقة من الناس جمعها فئون وفئات.
الحيز - بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية الساكنة وبالزاي الناحية.
عمدت له: قصدت.
إليك إليك: اسم فعل بمعنى الزم أو انتبه الرعب: الفزع.
حلب ناقة: أي قدر ذلك.
يا للخزرج - بفتح اللام.
أرعدت جوارحي: ارتعشت.
غبرات الناس بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة المشددة: جمع غبر كذفر: وهو جمع غابر، وهو هنا بمعنى الباقي.
خمر الشجر - بفتح الخاء المعجمة وميم وبالراء: ما وراك منه.
الجعرانه - بكسر الجيم وسكون العين - خفف الاكثر الراء وشددها غيرهم: موضع على سبعة أميال من مكة من جهة الطائف.
العبر - بكسر العين المهملة وفتح الموحدة جمع عبرة بفتح أوله وكسر ثانيه: وهي الاعتبار والتفكر في عواقب الامور.(5/360)
لقيته كفة كفة - بكسر الكاف فيهما، أي كفاحا، وذلك إذا استقبلته مواجهة، وهما آسمان جعلا واحدا وبنيا على الفتح مثل خمسة عشر.
آن لك وحان أي قرب فيه.
توضع: تسرع.
شرح غريب ذكر ثبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم فروة: بلفظ اسم الملبوس.
نفاثة - بضم النون وتخفيف الفاء وآخره ثاء مثلثه.
الجذامي بضم الجيم، وبالذال المعجمة.
طفق: شرع.
قبل - بكسر القاف، وفتح الموحدة، تلقاءه أي جهته.
يركض: يسرع.
آخذ - بمد أوله، وكسر الخاء المعجمة.
الحكمة - بفتح الحاء المهملة، والكاف، والميم، وبتاء تأنيث: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس، وحنكيه تمنعه من مخالفة راكبه.
شجرتها - بشين معجمة، أي ضربتها بالحكمة حتى فتحت فاها.
المقنع - بضم الميم وفتح القاف، والنون المشددة، وبالعين المهملة: الذي على راسه البيضة.
انشدك ما وعدتني: أسالك ذلك.
لا يظهروا علينا: يغلبونا.
أصحاب السمرة، يشير بذلك إلى أصحاب بيعة الحديبية، لانهم بايعوا تحت الشجرة، وكانت سمرة.
يا أصحاب سورة البقرة: خصت بالذكر حين الفرار لتضمنها (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله) [ البقرة 249 ] أو لتضمنها (وأوفو بعهدي أوف بعهدكم) [ البقرة 40 ] (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) [ البقرة 207 ].
الحرجة - بفتح الحاء المهملة والراء، وبالجيم: مجتمع شجر ملتف كالغيضة، والجمع حرج وحراج.(5/361)
يثني بعيره بفتح أوله: يدير رأسه صوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
الدرع من الحديد: مؤنثة، ولهذا قال فيقذفها، أي يرميها.
يؤم الصوت: يقصده.
صبر عند اللقاء - بضم الصاد المهملة، وتشديد الموحدة المفتوحة: أي أشداء أقوياء.
مجتلدهم - بميم مضمومة، فجيم ساكنة، فمثناة فوقية، فلام مفتوحتين: موضع
جلادهم، أي ضرابهم.
المتطاول: الذي مد عنقه لينظر إلى يبعد عنه.
الوطيس: هو شي كالتنور يخبز فيه شبه شدة الحرب به، وقيل: حجارة مدورة إذا حميت منعت الوطء عليها، فضرب مثلا للامر يشتد.
حدهم - بفتح الحاء: قوتهم.
كليلا: ضعيفا.
أفاء الله على رسوله أموالهم: غنمه ذلك.
الفهري - بكسر الفاء، وسكون الهاء.
كرز - بضم الكاف، وسكون الراء، وبالزاي.
قائظ: شديد الحر.
اللامة: الدرع.
الفسطاط - بضم الفاء وتكسر بيت من شعر: حان الرواح: قرب.
أجل: كنعم، وزنا ومعنى.
دفتاه: دف الرجل ودفته - بالفتح، وتشديد الفاء جانب كور البعير وهو سرجه، والدف والدفة: الجانب من كل شئ.
الاشر - بفتحتين: البطر وكفر النعة وعدم شكرها.
قال الراغب: الاشر: أبلغ من البطر، والبطر: أبلغ من الفرح، فان الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموما كما قال تعالى: (إن الله لا يحب الفرحين) [ القصص 76 ] فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب، وفي الموضع الذي يجب قال تعالى: (فبذلك فليفرحوا) [ يونس 58 ] وذلك أن الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل العقل فليس بمكروه، والاشر لا يكون إلا فرحا بحسب قضية الهوى.(5/362)
تسامت الخيلان: [ تبلدت وتطاولت ] حثاها: ألقاها.
شاهت وجوههم: تشوهت وقبحت.
الصلصلة: صوت كل ذي صوت.
الطست: تقدم الكلام عليه في الرضاع وفي الكلام على شق صدره الشريف فراجعه.
دلدل - بضم الدالين المهملتين، وسكون اللام الاولى بينهما، وسيأتي الكلام عليها في ذكر بغاله - صلى الله عليه وسلم.
حم: أشبعت الكلام على الحروف المقطعة في أوائل كتاب " القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز " فراجعه.
السوائي - بضم السين المهملة، وتخفيف الواو والهمزة بعد الالف.
القذي - بالقاف والذال المعجمة: ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو طين أو وسخ أو غير ذلك: جمع قذاة، وجمع القذى أقذاء.
اهتف بهم: صح وادعهم.
الشهب: جمع شهاب.
السبيعي - بفتح السين المهملة وكسر الموحدة فتحتية فعين مهملة.
حسر - بضم الحاء وفتح السين المهملتين وبالراء.
الثنية: كل عقبة مسلوكة.
احمر البأس - بكسر أوله، وسكون الحاء المهملة، وفتح الميم، وتشديد الراء، اشتدت الحرب.
غشوه: ازدحموا عليه وكثروا.
شرح غريب ما قيل أن الملائكة قاتلت يوم حنين قوله مسومين: معلمين.
البجاد - بكسر الموحدة، وتخفيف الجيم، وبالدال المهملة: الكساء، جمعه أبجد نمل مبثوت: متفرق.
أم برثن - بضم الموحدة، وسكون الراء، وضم الثاء المثلثة، وبالنون - وقيل بالميم كببناهم: قلبناهم راجعين.(5/363)
تطن - بفوقية، فطاء مهملة، تصوت.
الخفقان: الاضطراب والتحرك.
الطساس - جمع طست وتقدم الكلام عليه في الكلام على شق صدره الشريف.
الكتائب - جمع كتيبة بفتح الكاف، وكسر الفوقية: وهي الطائفة المجتمعة من الجيش.
ما يليقون - بيائين تحتيين بينهما لام مكسورة فقاف، يقال: لا يليق بك: لا يعلق.
الرعدة - بالكسر: اسم من ارتعد إذا اضطرب.
شرح غريب ذكر من ثبت معه - صلى الله عليه وسلم - يومئذ حارثة بن النعمان - بحاء مهملة، فالف، فراء، فمثلثة.
نكص على عقبه بنون، فكاف، فصاد مهملة مفتوحات رجع.
الحكم - بفتحتين.
عتبة بن أبي لهب - بضم العين المهملة، وسكون الفوقية، وبالموحدة.
معتب - أخوه بضم الميم، وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة.
أبو دجانة - بضم الدال المهملة، وبالجيم المخففة، والنون.
أبو بشير المازني كامير.
الحضير - بضم الحاء المهملة، وكسر الضاد المعجمة، وسكون التحتية أم سليم - بضم أوله.
ملحان - بكسر الميم، وفتحها، قال في المطالع: والأول أشهر، وعليه اقتصر ابن الاثير والنووي.
نسيبة ككريمة وقيل بالتصغير.
يغربها الجمل بالغين المعجمة.
الخزام - بكسر الخاء المعجمة.
برة - بضم الموحدة، وتخفيف الراء: حلقة من صفر ونحوه يشد في أنف الناقة، يشد بها الزمام.
الخطام - بكسر الخاء المعجمة: ما يقاد به الجمل.
الخنجر - بفتح الخاء المعجمة وكسرها سكين كبير.(5/364)
بعج بطنه: شقه.
جمل أورق: في لونه بياض إلى السواد، أو يضرب لونه إلى الخضرة.
يوضع به جمله: يسرع.
أثبته: أصاب مقتله.
مصلت السيف: مخرجه من غمده.
الغمد - بكسر الغين المعجمة: قراب السيف.
ناقة فتوح - بفتح الفاء، وضم الفوقية المخففة: واسعة الاحليل.
بنو مازن - بكسر الزاي.
الشعار: العلامة في الحرب.
صعصعة بمهملات وفتح أوله، وسكون ثانيه.
اليعسوب - بفتح التحتية، وسكون العين، وضم السين المهملتين وبالموحدة: ملك النحل.
النسمة - بفتحات: الانسان.
لن تعلوه: لن تشربوا منه مرة ثانية.
لن تغلوه: لن تعذبوه.
ثاب - بالمثلثة: رجع.
اجزروهم: استاصلوهم.
المشقص - بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح القاف: سهم فيه نصل عريض.
الكنانة - بكسر الكاف: ما يجعل فيه السهام.
بجاد - بفتح الموحدة وبالجيم والدال المهملة، ولم أر له ذكرا في الصحابة وكأنه لم يسلم.
الشيماء: تقدم الكلام عليها في الرضاع.
وما علامة ذلك - بكسر الكاف: خطاب المؤنث.
متور كتك: أي جعلتك على وركي.
وادي السرر - بكسر السين المهملة وبضمها وفتح الراء: على أربعة أميال من مكة.(5/365)
البهم بفتح الموحدة.
أطلان بفتح الطاء المهملة وباللام.
محببة - بضم الميم، والموحدة المشددة اسم مفعول وكذا مكرمة.
وافاها: [ لحق بها ] عسكروا بأوطاس: اجتمعوا.
نخلة - بالخاء المعجمة: اسم موضع.
بنو غيرة - بكسر الغين المعجمة، وفتح التحتية، وبالراء: بطن من ثقيف.
ربيعة - براء، فموحدة، فمثناة، فعين مهملة.
رفيع بالتصغير.
أهبان - بضم أوله.
العجان - بكسر العين المهملة، وبالجيم، والنون: ما بين الخصية وحلقة الدبر.
الثنية: الطريق في الجبل.
لية - بكسر اللام - وفتح التحتية المشددة: جبل بالطائف، كان به حصن مالك بن عوف.
سراقة - بضم السين المهملة.
رقيم - بضم الراء، وفتح القاف.
لوذان - بفتح اللام، وسكون الواو، وبالذال المعجمة.
زمعة - بفتح الزاي والميم وبسكونها، وبالعين المهملة.
جمح به فرسه: استعصى عليه.
الجناح - بلفظ جناح الطائر.
استحر القتل: اشتد وكثر.
وهو استفعل من الحر.
ذو الخمار: اسمه سبيع بن الحارث بن مالك لم يعلم له إسلام.
شرح غريب ذكر بركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في برء جرح عائذ بن عمرو وفي الماء، ونهيه عن قتل النساء، وقوله: انا بن العواتك عائذ - بهمزة بعد الالف، فذال معجمة.
الثندؤة - بالثاء المثلثة، وسكون النون، وضم الدال المهملة ومن ضم الثاء: همز، ومن فتحها لم يهمز كالثدي للمرأة.(5/366)
حشرج - بفتح الحاء المهملة، وسكون الشين المعجمة، وفتح الراء وبالجيم.
سابلة: مستطيلة عريضة.
غرة الفرس: بياض في جبهته فوق الدرهم.
النطفة - بضم النون: والمراد بها هنا الماء الصافي القليل.
الاداوة بكسر أوله وبالدال المهملة: المطهرة.
رباح - بفتح الراء، وتخفيف الموحدة، وبالحاء المهملة.
ربيع بفتح الراء.
العسيف: الاجير لفظا ومعنى، وهو أيضا المملوك.
سيابة - بفتح السين المهملة وتخفيف التحتية وبالموحدة.
شرح غريب ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - من قتل قتيلا فله سلبه السلب - بفتح السين المهملة، واللام: ما يسلب، أي ينزع.
حبل العاتق: وهو الوريد، والعاتق: موضع الرداء من المنكب.
أجهضت عنه: غيبت عنه وأزيلت.
أسود بن خزاعي - بضم الخاء المعجمة.
ربعي بكسر الراء.
الجولة: حركة فيها اختلاط.
يختله - بفتح التحتية، وسكون الخاء المعجمة، وكسر الفوقية: ياخذه على غرة.
فقطعت الدرع: أي التي كان لابسها، وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها.
وجدت منها ريح الموت: أي شدتها.
أرسلني: أطلقني.
أمر الله: حكمه وقضاؤه.
لا ها الله - قال الجوهري: " ها " للتنبيه، وقد يقسم بها، يقال: ها الله ما فعلت كذا، قال ابن مالك: فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه، قال: ولا يكون ذلك إلا مع الله، أي لم يسمع لاها الرحمن، كما سمع لا والرحمن، قال: وفي النطق بها أربعة
أوجه، أحدها: هالله باللام بعد الالف، بغير إظهار شئ من الالفين، ثانيها مثله، لكن باظهار ألف واحدة بغير همز، ثالثها بثبوت الالفين وبهمزة قطع، رابعها بحذف الالف وثبوت همزة القطع، انتهى.
والمشهور في الرواية الثالث ثم الاول.(5/367)
إذا - قال الحافظ أقوال كثيرة ممن تكلم على هذا الحديث: أن الذي وقع فيه بلفظ إذا خطأ، وإنما هو ذا تبعا لاهل العربية، ومن زعم أنه ورد في شئ من الروايات خلف ذلك فلم يصب، بل يكون ذلك من إصلاح بعض من قلد أهل العربية، قد ثبت في جميع الروايات المعتمدة والاصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الالف، ثم ذال معجمة منونة، قال الطيبي: ثبت في الروايات " لاها الله إذن " والحديث صحيح " والمعنى صحيح، وهو كقولك لمن قال لك: أفعل كذا ؟ فقلت: لا والله إذن لا أفعل، فالتقدير: والله إذن لا يعمد إلى أسد..إلخ.
قال أبو العباس القرطبي: الذي يظهر لي أن الرواية المشهورة صواب وليست بخطأ، وذلك أن الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى، والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم، وذلك أن العرب تقول في القسم: آلله لافعلن، بمد الهمزة وبقصرها، فكأنهم عوضوا من الهمزة هاء فقالوا " هالله " لتقارب مخرجيها، وكذلك قالوا: " ها " بالمد والقصر، وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كانه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا، إستثقالا لاجتماعهما، كما تقول: " آلله ".
والذي قصر كانه نطق بهمزة واحدة كما تقول: " الله ".
وأما إذا فهي بلا شك حرف جواب وتعليل، وهي مثل الذي وقعت في قوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال " أينقص الرطب إذا جف " قالوا: نعم قال: " فلا إذن " فلو قال: فلا والله إذا كان مساويا لما وقع هنا - وهو قوله: " لاها الله إذا " من كل وجه، لكنه لم يحتج هنا إلى القسم فتركه، قال: فقد وضح تقدير الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة، ولا سيما من ارتكب وأبعد وأفسد، فجعل " الهاء " للتنبيه " وذا للاشارة، وفصل بينهما بالمقسم به، قال: وليس هذا قياسا فيطرد، ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النبوي، ولا مرويا
برواية ثابتة.
قال: وما وجد للعذري والهروي في مسلم " لا ها الله ذا " فاصلاح ممن اغتر بما حكي عن بعض أهل العربية، والحق أحق أن يتبع.
وقال أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب - رحمه الله تعالى - استرسل جماعة من القدماء في هذا الاشكال إلى أن جعلوا المخلص من ذلك أن اتهموا الاثبات في التصحيف فقالوا: الصواب " لا ها الله ذا " باسم الاشارة، قال: ويا عجبا من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة.
ويطلقون لها تأويلا، وجوابهم أن " ها الله " لا يستلزم اسم الاشارة.
كما قال ابن مالك، وأما من جعل لا يعمد جواب فارضه فهو سبب الغلط وليس بصحيح ممن زعمه وإنما هو جواب شرط مقدر يدل قوله " إن صدق فارضه " فكان " أبو بكر " قال: إذا صدق في أنه صاحب السلب إذا لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه، فالجزاء على هذا صحيح لان صدقه سبب الا يفعل ذلك، قال: وهذا واضح لا تكلف فيه، قال الحافظ: فهو توجيه حسن، والذي قبله أقعد ويؤيده كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الاحاديث.
وسردها الحافظ، وبسط الكلام على(5/368)
هذا اللفظ هو والشيخ في شرح الموطأ، فمن أراد الزيادة على ما هنا فليراجع كلامهما رحمهما الله تعالى.
لا يعمد بالتحتية للاكثر، وللنووي بالنون: أي لا يقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم إلى رجل كانه أسد في الشجاعة يقاتل يقاتل على دين الله ورسوله - فيأخذ حقه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه.
كلا: حرف ردع وزجر.
أصيبغ بمهملة، ثم معجمة عند القابسي.
وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر، قال ابن التين: وصفه بالضعف والمهانة.
والاصيبغ نوع من الطير، أو شبهه بنبات ضعيف يقال له الصيغا إذا طلع من الارض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر، ذكر ذلك الخطابي، وهذا على رواية القابسي، وعلى الرواية الثانية تكون تصغير الضبع على غير قياس، كانه لما عظم أبو قتادة " بانه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه، وما يوصف به من العجز، وقال ابن مالك:
أضيبع - بمعجمة وعين مهملة - تصغير أضبع، ويكنى به عن الضعيف.
ويدع - بالرفع والنصب والجزم أي يترك.
صدق: أي القائل.
فاعطه - بصيغة الامر، يقول: اعترف بان السلب عنده.
المخرف - بفتح الميم، والراء، وسكون الخاء المعجمة بينهما، ويجوز كسر الراء، أي بستانا سمي بذلك لانه يخترف منه التمر أي يجتنى، وأما بكسر الميم فهو اسم الالة التي يخترف بها.
في رواية خرافا - بكسر الخاء: وهو التمر الذي يخترف أي يجتنى، وأطلقه على البستان مجازا فكأنه قال: بستان خراف.
في بني سلمة - بكسر اللام: بطن من الانصار، وهم قوم أبي قتادة.
تاثلته بالفوقية والثاء المثلثة: أي تاصلته، وأثلة كل شئ أصله.
اعتقدته جعلته عقدة، والاصل فيه من العقد لان من ملك شيئا عقد عليه.
نتضحى معه: ناكل وقت الضحى.
انتزع طلقا: قيدا من جلود.
من حقبه - بفتح المهملة والقاف: حبل يشد به الرحل إلى بطن البعير مما يلي ثيله.
رقة من الظهر: ضعف.(5/369)
ناقة ورقاء في لونها بياض إلى السواد ويضرب لونها إلى الخضرة.
اخترط سيفه: سله من غمده، وهو افتعل من الخرط.
الوبرة من البعير - بفتح الواو والموحدة.
عيينة - بضم العين المهملة وكسرها وفتح التحتية الاولى وسكون الثانية.
حصن - بكسر الحاء، وسكون الصاد المهملتين، وبالنون.
ابن الاضبط - بوزن الاحمر بالضاد المعجمة، والموحدة، والطاء المهملة.
محلم - بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وكسر اللام المشددة، وبالميم.
جثامة - بفتح الجيم، وتشديد الثاء المثلثة وبعد الالف ميم مفتوحة وتاء تأنيث واسمه زيد بن قيس.
خندف - بكسر الخاء المعجمة وسكون النون، وكسر الدال المهملة، وبالفاء.
مكيتل - بضم الميم، وفتح الكاف، وسكون التحتية، وكسر الفوقية، واللام، ويروى بكسر الثاء المثلثة، وباللام.
الشكة بكسر الشين المعجمة: السلاح.
والرجل المجتمع: الذي بلغ أشده.
غرة الاسلام بالغين المعجمة أوله " فورنا " بفتح الفاء وسكون الواو وبالراء هنا: الوقت الحاضر: الذي لا تأخير فيه، ثم استعمل في الحالة التي لا بطء فيها يؤزونه - بالزاي يغرون ويهيجون.
ضرب - بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء، وبالموحدة، وهو هنا الخفيف اللحم الممشوق المستدق.
آدم - بالمد: أسمر.
ينفذ به الناس - بالنون، والفاء، والذال المعجمة: يسمعهم.
الحصين - بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين مصغر.
نهيك - ككريم - آخره كاف.
غمرة - بغين - معجمة مفتوحة، فميم ساكنة: منهل من مناهل طريق مكة، يصل بين تهامة ونجد.
أطأ الخبر: أعلنه وأبينه.(5/370)
معدن - بفتح الميم، وكسر الدال المهملة.
سليم - بضم السين.
المصلى - بضم الميم، وفتح الصاد المهملة، واللام المشددة: موضع الصلاة، وهو موضع مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم في الاعياد خارج المدينة بالعقيق معروف.
شرح غريب شعر العباس بن مرداس رضي الله عنه الرابية: المكان المرتفع.
إخال - بالخاء المعجمة.
يخايره: يقول أنا خير منه.
المخير - بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة: يغلبه في الخير.
قسي - بفتح القاف، وكسر السين المهملة، وتشديد التحتية: تقدم.
وج - بفتح الواو وتشديد الجيم: موضع بالطائف.
الغابات - جمع غابة.
ضاحية - بالضاد المعجمة، والحاء المهملة: بارزة لا تخفى نؤم: نقصد.
الحنق - بالحاء المهملة والنون: الغضب.
يغوروا - بالغين المعجمة: يذهبوا.
لية - بكسر اللام تقدم.
ثم - بفتح الثاء المثلثة.
النصور - بضم النون، والصاد المهملة: يعني بني نصر.
تمور: تسيل.
ويروى قوله: بني خطيط بالخاء المعجمة والحاء المهملة، وبطاءين مهملتين بينهما تحتية.
زور - بضم الزاي: مائلة.
سنن المنايا - بفتح السين والنون: طرقها.
الجريض - بفتح الجيم، وكسر الراء، وسكون التحتية، وبالضاد المعجمة الساقطة: المنخنق بريقة.(5/371)
التواني: الفترة، والابطاء والكسل.
الغلق - بفتح الغين المعجمة، وكسر اللام: الكثير الحرج كانه تنغلق عليه أموره.
الصريرة - تصغير صرورة: وهو الذي لا ياتي النساء وهو في الاسلام الذي لم يحج.
الحصور - بفتح الحاء، وضم الصاد المهملتين: وهو هنا العيي.
أحانهم: أهلكهم.
تميح: تمشي مشيا حسنا.
الفصافص - بفتح الفاء، وكسر الثانية بعد كل صاد مهملة جمع فصفصة: وهو النبات الذي تأكله الدواب.
عمموها - بضم العين وكسر الميم الاولى: أسندت إليهم وقدموا لها.
يمن بضم التحتية وسكون الميم.
الجدود: الحظوظ.
أنوف الناس: المقدمون فيهم.
ما سمر السمير: أي أهله، فحذف المضاف ويكون فيهم السمير، أسماء الجماعة السمار.
غزية - بفتح الغين المعجمة، وكسر الزاي، وتشديد التحتية.
العنقفير - بفتح العين المهملة، وسكون النون، وفتح القاف، وكسر الفاء، وسكون التحتية، وبالراء: من أسماء الداهية.
شرح غريب قصيدة العباس بن مرداس - رضي الله عنه - العينية عفا: درس.
المجدل - بكسر الميم، وسكون الجيم، وفتح الدال المهملة، وباللام: وهو هنا بلد طيب بالخابور إلى جانبه، عليه قصر، والاصل فيه اسم القصر، ويقال الحصن.
ومتالع - بضم الميم، وكسر اللام: جبل بنجد، وبناحية البحرين بين السودة والاحساء، وقيل: جبل لغني: وقيل: لبني عبيلة، وقيل: اسم ماء في شرقي الظهران عند الفوارة في جبل القنان.
المطلى - بكسر الميم، وسكون الطاء المهملة يمد ويقصر: أرض تقعد الرجل عن المشي.(5/372)
أريك - بفتح الهمزة، وكسر الراء، وسكون التحتية، وبالكاف: موضع في ديار غني أو ذبيان.
المصانع - بفتح الميم، وتخفيف الصاد المهملة، وبعد الالف نون، فعين مهملة: مواضع تصنع للماء، تشبه الصهاريج.
جمل - بجيم مضمومة، فميم ساكنة، فلام: اسم امرأة، لا ينصرف للعلمية والتانيث المعنوي.
جل - بضم الجيم: معظم.
الرخي: الواسع.
صرف الدهر: تغيره.
حبيبية - بضم الحاء المهملة، وفتح الموحدة، وسكون التحتانية الاولى وكسر الموحدة، وفتح التحتية المشددة: منسوبة إلى بني حبيب بالتصغير، وحبيبة منسوبة إلى بني حبيب بوزن عليم وحبيبية تصغير حبيبة، وكلها روايات.
ألوت: ذهبت.
غربة - بفتح الغين المعجمة، وسكون الراء، وفتح الموحدة، فتاء تأنيث: بعد.
النوى: الفراق.
ملومة - من اللوم: وهو العتاب.
خزيمة - بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي، وسكون التحتية بن جزئ بفتح الجيم وقيل بضمها وكسر الزاي، وآخره بعد المد همزة، أو تسهل فتصير الياء مدغمة كذا ذكر الحافظ في التبصير.
وقال في الاصابة: إنه بكسر الزاي.
وقال في التقريب: بفتح الجيم، وسكون الزاي، بعدها همزة: صحابي.
والمرار - بفتح الميم، وتشديد الراء، وبعد الالف راء أخرى ابن صحابي.
وواسع: صحابي أيضا لم أقف على اسم أبويهما الثلاثة سليميون.
وفدوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
لبوس - بفتح اللام، وضم الموحدة المخففة.
رائع - براء، وبعد الالف تحتية، وبعين مهملة: معجب.(5/373)
الاخشبان - بالخاء، والشين المعجمتين فموحدة، يضافان مرة إلى مكة، ومرة إلى منى، وهما واحد، أحدهما أبو قبيس، والاخر قعيقعان، ويقال بل الجبل المشرق الاحمر هنالك وقال.
ابن وهب: الاخشبان: الجبلان اللذان تحت العقبة بمنى فوق المسجد.
يد الله - منصوب على التعظيم.
نبايع: نقدم عليه.
جسنا: وطئنا، قال تعالى (...فجاسوا خلال الديار...) [ الاسراء 5 ]: تخللوها فطلبوا ما فيها.
عنوة - بفتح العين المهملة: قهرا.
النقع - بفتح النون، وسكون القاف، وبالعين المهملة: الغبار.
كاب - بالموحدة: مرتفع.
ساطع: متفرق.
علانية - بعين مهملة مفتوحة فلام فالف فنون مكسورة فتحتية مفتوحة فتاء تأنيث: أي جهرا من غير استخفاء.
الخيل مبتدأ.
متونها: مفعول مقدم، والفاعل: حميم، وهو هنا العرق.
آن - بمد الهمزة: الدم المسخن الحار.
ناقع - بنون وبعد الالف قاف مكسورة فعين مهملة: طري، وقال أبو ذر: كثير.
الاضالع - جمع ضلع، بضاد معجمة مكسورة، فلام مكسورة وقد تسكن تخفيفا فعين مهملة سمي بذلك من الضلع وهو الاعوجاج.
الضحاك بن سفيان السلمي وليس الكلبي كما ذكره ابن البرقي.
لا يستفزنا: يستخفنا.
قراع الاعادي - بقاف مكسورة فراء فالف فعين: ضربهم.
أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدام.
يخفق: يضطرب.
الخذروف - بضم الخاء، وسكون الذال المعجمة فراء مضمومة، فواو ساكنة، ففاء: البرق اللامع المتقطع منها، وقال أبو ذر: خذروف السحابة طرفها، وأراد به هنا السرعة في تحرك هذا اللواء واضطرابه.(5/374)
معتص بالسيف - بميم مضمومة، فعين مهملة ساكنة، ففوقية مفتوحة، فصاد مهملة، قال في الاملاء: أي ضارب، يقال: اعتصوا بالسيوف إذا ضاربوا بها، وفي الصحاح: العصى مقصور مصدر قولك عصي - بالكسر - بالسيف يعصى: إذ ضرب، وفلان يعتصى على عصى: أي
يتوكأ عليها، ويعتصي بالسيف: أي يجعله عصى.
كانع - بنون مكسورة، فعين مهملة: حاضر نازل، وفي الاملاء أنه يقال: كنع به عند الموت إذا دنا.
نذود أخانا من أخينا: أي يريد أنه من سليم، وسليم من قيس كما أن هوازن من قيس كلاهما ابن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس، والمعنى: نقاتل إخوتنا ونذودهم، أي نمنعهم عن إخوتنا من سليم.
ولو نرى: أي حكم الدين.
مصالا: بفتح الميم، وبالصاد المهملة: من الصولة.
لكنا الاقربين: يعني هوازن.
نتابع بنون ففوقية.
ولكن - بتشديد النون.
دين الله بالنصب - اسم لكن.
دين محمد بالرفع: خبرها.
حمه الله - بفتح الحاء المهملة، وتشديد الميم فهاء حمه: أي قصده، يقال حمتت حمك، أي قصدت قصدك.
شرح غريب قصيدة العباس الرائية قوله: العائر - بعين مهملة وبعد الالف تحتية وبالراء: وجع العين.
سهر - بكسر الهاء: اسم فاعل من السهر، وهو امتناع النوم، وجعله سهرا، وإنما السهر أمر جميل لانه لم يفتر فكأنه قد سهر ولم ينم.
الحماطة - بفتح الحاء وتخفيف الميم وبعد الالف طاء مهملة فتاء تأنيث: وهي هنا بزة تكون في جفن العين، وقال في الروض: هي من ورق الشجر ما فيه خشونة.
أغضى - بالعين، والضاد المعجمتين وزن أعطى.
الشفر - بضم الشين المعجمة، والفاء.
قال في الاملاء: جفون العين.(5/375)
تاوبها - بفوقية، فهمزة مفتوحة، فواو مشددة مفتوحة فموحدة،: جاءها مع الليل.
الشجو - بفتح الشين المعجمة، وسكون الجيم وبالواو: الحزن.
الارق - بفتح الهمزة والراء والقاف: السهر، وهو امتناع النوم.
والماء: المراد به هنا الدمع.
يغمره - بالغين المعجمة وضم الميم: يغطيه.
طورا: تارة.
السلك - بكسر السين المهملة، وسكون اللام، وبالكاف: الخيط الذي ينظم فيه.
منبتر - بميم مضمومة، فنون ساكنة فموحدة مفتوحة ففوقية مثناة: أي منقطع، ويروى منتثر - بالنون ففوقية فثاء مثلثة.
الصمان - بضم الصاد المهملة، وتشديد الميم، وبعد الالف نون: موضع إلى جنب أرض عالج، أي بالعين المهملة، فالف، فلام مكسورة فجيم: مكان بالبادية كثير الرمال.
الحفر - بفتح الحاء المهملة والفاء، كما ذكره أبو عبيد البكري، والحازمي وخلائق: اسم لعدة مواضع والله أعلم أيها أراد العباس.
وقول من قال يعني به: حفر الذي بالكوفة أو بالبصرة ليس ببين لان العباس قال هذه القصيدة في غزوة حنين، والبصرة والكوفة حدثتا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بدهر.
الزعر - بفتح الزاي والعين: قلة الشعر، وفي نسخة: الذعر - بالذال المعجمة والعين المهملة المضمومتين: وهو الفزع.
البلاء - بفتح الموحدة: الصنع.
سليم الاولى والثانية - بضم السين المهملة وفتح اللام.
مفتخر - بالخاء المعجمة.
مشتجر - بكسر الجيم.
لا يغرسون فسيل النخل - بفتح الفاء وكسر السين المهملة، فتحتية ساكنة، فلام والجمع فسلات، وهو الودي بفتح الواو، وكسر الدال وتشديد التحتية: النخل.
وسطهم - باسكان السين، وإن جاز فيه الفتح من حيث اللغة، لكنه ساكن لاجل الوزن مضموم الميم يعير بلك أهل المدينة الشريفة.
ولا تخاور - بفوقية، فخاء معجمة، فالف، فواو مفتوحة وبالراء من الخوار، وهو أصوات(5/376)
البقر، ويروى: يجاور بالجيم والراء، ويحاوز بالحاء المهملة والزاي، وصوب في الاملاء الاول.
السوابح - بفتح السين المهملة وبعد الالف موحدة مكسورة: جمع سابح يقال: سبح الفرس في جريه فهو سابح.
العقبان - جمع كثرة للعقاب، وهو طائر من الجوارح، ولفظه مؤنث.
مقرب - بضم الميم، وسكون القاف وفتح الراء وبالموحدة، الفرس الذي يدنى ويكرم والانثى مقربة ولا تترك أن ترود وإنما يفعل ذلك بالاناث لئلا يقرعها فحل لئيم.
الدارة: أخص من الدار.
الاخطار - جمع خطر - بكسر الخاء المعجمة وإسكان الطاء المهملة والراء، وهو القطيع من الابل.
العكر - بفتح العين المهملة والكاف، ويجوز إسكانها، وهنا محركة لا غير للوزن: جمع عكرة: وهو القطيع الضخم من الابل ما بين الخمسين إلى المائة، وقيل: الخمسون إلى الستين إلى السبعين، وقيل إلى المائة، وقيل ما فوق الخمسمائة من الابل، يقال: أعكر الرجل إذا كان عنده عكرة.
خفاف - بضم أوله، وتخفيف الفاء - بن عمير بن الحارث بن رشيد السلمي المعروف بابن ندبة - وهو أمه، كان من فرسان قيس وشعرائها المذكورين، شهد حنينا، وثبت
على إسلامه في الردة.
وعوف بن مالك بن أبي عوف الاشجعي شهد الفتح وكانت معه راية أشجع - رضي الله عنه.
وحي ذكوان - بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف.
الميل: بكسر الميم وإسكان التحتية وباللام جمع أميل: وهو الذي لا سلاح معه.
الضجر - بضم الضاد المعجمة والجيم، جمع ضجور، والضجر: الحرج وسوء الاحتمال.
الضاربون: جمع ضارب.
جنود - بالنصب: مفعول اسم الفاعل.
ضاحية - بفتح الضاد المعجمة، وبعد الالف حاء مهملة مكسورة، فتحتية فتاء تأنيث: منكشفة بارزة.
الظاهر بالظاء المعجمة المشالة وهو من الارض ما غلظ منها.(5/377)
منقعر: منقلع من أصله.
ينجاب - بفتح التحتية وسكون النون وبالجيم والموحدة: ينكشف.
الساطع هنا: الغبار.
كدر: متغير إلى السواد.
تحت اللواء مع الضحاك، يقدمنا: كذا في الرواية، وقال في الاملاء، ورواه الخشني: تحت اللوامع.
والضحاك هو ابن سفيان السلمي.
الليث - بالثاء المثلثة من أسماء الاسد.
الخدر: الداخل في خدره، والخدر هنا غابة الاسود.
المأزق - بهمزة ساكنة: بعد الميم، والزاي المكسورة وبالقاف: موضع الحرب، وأصله
الضيق.
الكلكل - بفتح الكافين وإسكان اللام الاولى: الصدر.
يكاد يقرب: يافل - بضم الفاء: يغرب.
تاوب - بتشديد الواو المفتوحة وبالموحدة: رجع.
منازلهم: بالنصب.
إلا قد أصبح بالنقل للوزن.
شرح غريب قصيدته السينية قوله: تهوي به: تسرع.
الوجناء - غليظة الوجنات بارزتها، وذلك يدل على غور عينيها، وهم يصفون الابل بغور العينين عند طول السفاد، ويقال في الوجنة من الآدميين رجال موجنة وامرأة موجنة، ولا يقال وجناء.
مجمرة: مجتمعة منضمة.
المناسم - جمع منسم، بفتح الميم، وسكون النون وكسر السين المهملة، وهو مقدم طرف خف البعير.
العرمس - بكسر العين المهملة، وسكون الراء، وكسر الميم وبالسين المهملة: الحجارة الصلبة، تشبه بها الناقة الشديدة الجلدة، وهي المراد هنا.
المطي - جمع مطية: البعير لانه يركب مطاه أي ظهره.(5/378)
تقدع - بفتح الفوقية، وسكون القاف، وفتح الدال، وبالعين المهملة: تكف.
الكماة - بضم الكاف.
الشجعان واحدهم كمي.
تضرس - بضم الفوقية، وسكون الضاد المعجمة، وفتح الراء، وبالسين المهملة، قال في الاملاء: تجرح، وقال في الروض: تضرب أطرافها باللجم، يقال ضرس أي أصيبت أضراسه،
كما تقول: راس أي أصبت راسه.
سال: ارتفع.
الافناء - كاحمال: هنا أخلاط الناس.
بهثة - بفتح الموحدة وسكون الهاء، وبالثاء المثلثة، وبتاء التأنيث: قبيلة من سليم.
المخارم - بالخاء المعجمة والراء: الطرق في الجبال، واحدها مخرم.
ترجس - بالجيم: تهتز وتتحرك.
الفيلق - بالفاء المفتوحة فالتحتية الساكنة، فاللام، فالقاف: الجيش.
شهباء: كثيرة السلاح.
الهمام - بضم الهاء: السيد.
الاشوس - بفتح أوله وسكون الشين المعحمة، وفتح الواو، وبالسين المهملة: الذي ينظر بمؤخر عينيه متكبرا.
الاغلب: الشديد الغليظ.
محكمة: متقنة.
الدخال - بكسر الدال المهملة وبالخاء المعجمة واللام: يعني نسيج الدروع.
القونس - بفتح القاف، وسكون الواو، وفتح النون وبالسين المهملة: أعلى بيضة الخوذة.
يروي - بضم التحتية، وسكون الراء.
القناة - بالقاف والنون: الرمح.
الوغى - بفتح الواو، والغين المعجمة: الحرب.
تخاله: تظنه.
العضب - بفتح العين المهملة، وسكون الضاد المعجمة الساقطة وبالموحدة: السيف القاطع.(5/379)
لدن - بفتح اللام وسكون الدال المهملة اللين من كل شئ: مدعس: بكسر الميم وسكون الدال، وفتح العين وبالسين المهملتين - الشديد من الرماح الغليظ.
العرندس - بفتح العين وبالسين المهملتين الاسد الشديد.
دريئة - من روى دريئة بالهمز فمعناه: مدافعة، ومن رواه درية بتشديد التحتية فمعناه: تستر، وفي الروض الدرية: الحلقة التي يتعلم عليها الرمي: أي كانوا كالدرية للرماح.
والشمس يومئذ عليهم أشمس، يريد لمعان الشمس في كل بيضة من بيضات الحديد كأنها شمس، وهو معنى صحيح وتشبيه مليح.
كفت: قلبت ومنعت.
الاخاوة: مصدر أخا وآخى، والمعنى طلب اتخاد الأخوة.
العير - بفتح المهملة: حمار الوحش.
تعاقبه السباع: مفرس - بضم الميم، وفتح الفاء، والراء المشددة وبالسين المهملة: تعتور فرسته السباع.
شرح غريب قصيدته الهائية قوله: الحواسر: الجموع الذين لا درع عليهم، ويقال: رجل حاسر إذا لم يكن عليه درع.
عامل الرمح: أعلاه.
يذود - بالذال المعجمة، وبعد الواو المهملة: يطرد.
حومة الموت: معظمه.
شاجره: مخاصمه ومخالطه، ويحتمل أن يكون شاجره هنا مخالطه بالرمح، يقال شجرته بالرمح إذا طعنته به وشجرت الرماح إذا دخل بعضها في بعض.
بطانة الرجل: من كان حاط به مطلعا على سره.
الشعار: ما يلي جسد الانسان من الثياب، فاستعاره هنا.
شرح غريب قصيدته الميمية قوله قديدا: تصغير قد، اسم موضع.
تماروا بنا: شكوا فينا.(5/380)
فتيان - جمع فتى.
الغاب بالمعجمة هنا: الرماح.
دفاع - بضم الدال المهملة وتشديد الفاء.
الاتي - بفتح أوله، وكسر الفوقية، وتشديد التحتية: السيل ياتي من بلد إلى بلد.
العرمرم: الكثير الشديد.
سراة: سادتهم.
تسلما - بتشديد اللام، يريد في سليم من اعتزى أي انتهى إليهم من حلفائهم فتسلم بذلك كما تقول تقيس الرجل إذا اعتزى إلى قيس.
وحب إلينا - بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة فعل ماض وأصله حبب - بضم الموحددة، ثم أسكنت وأدغمت في الثانية.
النهي - بفتح النون، وكسرها، وسكون الهاء، وآخره تحتية: الغدير من الماء.
يلملما - بفتح التحتية، واللامين، وسكون الميم بينهما: اسم موضع.
الحصان - بكسر الحاء المهملة: الفرس العتيق، ثم كثر حتى سمي به كل ذكر من الخيل.
الورد - بلفظ المشموم، ما بين الكميت والاشقر.
يسوما - بضم التحتية وتشديد الواو: يعلم نفسه بعلامة يعرف بها.
لدن: ظرف مكان بمعنى عند.
غدوة - بالنصب والتنوين.
دوافعه: مجاري السيول فيها.
زفه - بالزاي، والفاء: ساقه سوقا رفيقا.
قد أحجما - بحاء مهملة، فجيم: رجع وانقبض.
وأحجم بالجيم فالحاء بمعناه.
الطمرة: الفرس السريعة الوثابة.
محطم: مكسر.
السرب - بفتح السين وسكون الراء: المال الراعي.(5/381)
الباب التاسع والعشرون في غزوة الطائف
لما قدم فل ثقيف الطائف رموا حصنهم وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم، وتهيئوا للقتال، وكانوا أدخلوا فيه قوت سنة لو حصروا وجمعوا حجارة كثيرة، وأعدوا سككا من الحديد وأدخلوا معهم قوما من العرب من عقيل وغيرهم، وأمروا بسرحهم أن يرفع في موضع يامنون فيه، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه خالد بن الوليد في ألف من أصحابه إلى الطائف، فاتى خالد الطائف فنزل ناحية من الحصن، وقامت ثقيف على حصنها بالرجال والسلاح، ودنا خالد في نفر من أصحابه فدار بالحصن من كان متنحيا عنه، ونظر إلى نواحيه، ثم وقف في ناحية من الحصن فنادى باعلى صوته: ينزل إلي بعضكم أكلمه وهو آمن حتى يرجع، أو اجعلوا لي مثل ما جعلت لكم، وأدخل عليكم حصنكم أكلمكم.
قالوا: لا ينزل إليك رجل منا ولا تصل إلينا، وقالوا: يا خالد إن صاحبكم لم يلق قوما يحسنون قتاله غيرنا.
قال خالد: فاسمعوا من قولي، نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باهل الحصون والقوة بيثرب وخيبر، وبعث رجلا واحدا إلى فدك فنزلوا على حكمه، وأنا أحذركم مثل يوم بني قريظة، حصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أياما، ثم
نزلوا على حكمه، فقتل مقاتلتهم في صعيد واحد ثم سبى الذرية، ثم دخل مكة فافتتحها وأوطأ هوازن في جمعها، وأنتم في حصن في ناحية من الارض، لو ترككم لقتلكم من حولكم ممن أسلم.
قالوا: لا نفارق ديننا، ثم رجع خالد بن الوليد إلى منزله.
وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خالد ولم يرجع إلى مكة، ولا بها عرج على شئ إلا على غزو الطائف قبل أن يقسم غنائم حنين وقبل كل شئ وترك السبي بالجعرانة وملئت عرش مكة منهم.
وكان مسيره في شوال سنة ثمان، وقال شداد بن عارض الجشمي - رضي الله عنه - في مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تنصروا اللات إن الله مهلكها * وكيف ينصر من هو ليس ينتصر ؟ إن التي حرقت فاشتعلت * ولم تقاتل لدى أحجارها هدر إن الرسول متى ينزل بلادكم * يظعن وليس بها من أهلها بشر قال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - فسلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني من حنين إلى الطائف على نخلة اليمانية، ثم على قرن ثم على المليح، ثم على بحرة الرغاء من لية، فابتنى، بها مسجدا فصلى فيه، وأقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم، وهو أول دم أقيد به في الاسلام، أتي برجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به.
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم.
وصلى الظهر بلية.
ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة،(5/382)
فلما توجه إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسال عن اسمها فقيل: عن اسمها فقيل: الضيقة، فقال: " بل هي اليسرى " فخرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريبا من مال رجل من ثقيف، قد تمنع فيه، فارسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إما أن تخرج وإما أن نحرق عليك حائطك " (1) فابى أن يخرج فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باحراقه.
ذكر إعلامه - صلى الله عليه وسلم - بقبر أبي رغال،
وما وقع في ذلك من الايات روى ابن إسحاق، وأبو داود، والبيهقي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه " (2).
قال: فابتدره الناس فنبشوه فاستخرجوا منه الغصن.
ذكر محاصرته - صلى الله عليه وسلم - الطائف قال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى -: ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل قريبا من الطائف، فضرب عسكره، وأشرفت ثقيف على حصنهم - ولا مثال له في حصون العرب - وأقاموا رماتهم، وهم مائة رام، فرموا بالسهام والمقاليع من بعد من حصنهم، ومن دخل تحت الحصن دلوا عليه سكك الحديد محماة بالنار يطير منها الشرر، فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا، كانه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراح، وقتل منهم اثنا عشر رجلا، فارتفع - صلى الله عليه وسلم - إلى موضع مسجده اليوم، الذي بنتهه ثقيف بعد إسلامها، بناه أمية بن عمرو بن وهب بن معتب بن مالك، وكانت فيه سارية لا تطلع عليها الشمس صبيحة كل يوم حتى يسمع لها نقيض أكثر من عشر مرات، فكانوا يرون أن ذلك تسبيح، وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب، فضرب لهما فبتين وكان يصلي بين القبتين طول حصار الطائف كله، وقال عمرو بن أمية الثقفي - وأسلم بعد ذلك، ولم يكن عند العرب أدهى منه - لا يخرج إلى محمد أحد إذا دعا أحد من أصحابه إلى البراز، ودعوه يقيم ما أقام، وأقبل خالد بن الوليد ونادى: من يبارز ؟ فلم يطلع إليه أحد، ثم عاد فلم ينزل إليه أحد، ثم عاد فلم ينزل إليه أحد، فنادى عبد
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 925.
(2) أخرجه أبو داود (3088) وعبد الرزاق (20989) والبيهقي في السنن الكبرى 4 / 156 وفي الدلائل 6 / 297، 7 / 497.
(*)(5/383)
ياليل: لا ينزل إليك أحد، ولكنا نقيم في حصننا، خبانا فيه ما يصلحنا سنين، فإذا أقمت حتى يذهب هذا الطعام خرجنا إليك باسيافنا جميعا حتى نموت عن آخرنا.
فقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرمي عليهم وهو يقاتلونه بالرمي من وراء الحصن، فلم يخرج إليه أحد، وكثرت الجراحات له من ثقيف بالنبل، وقتل جماعة من المسلمين.
ذكر بعثه مناديا ينادي: من نزول من العبيد فهو حر قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير: حدثني عبد الله بن المكرم الثقفي، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر " فخرج من الحصن بضعة عشر رجلا: المنبعث، وكان اسمه المضطجع فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبعث حين أسلم، وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب، وكان جوادا روميا، والازرق بن عقبة بن الازرق وكان عبدا لكلدة - بفتح الكاف وسكون اللام، وبالدال المهملة - الثقفي ثم صار حليفا في بني أمية، ووردان وكان عبدا لعبد الله بن ربيعة الثقفي، ويحنس - بضم التحتية وفتح الحاء المهملة والنون المشددة وبالسين المهملة - النبال وكان عبدا ليسار بن مالك الثقفي، وأسلم سيده بعد، فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه ولاءه، وإبراهيم بن جابر، وكان عبدا لخرشة - بفتح الخاء المعجمة والراء والشين المعجمة الثقفي، ويسار، وكان عبدا لعثمان بن عبد الله.
وأبو بكرة نفيع - بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية - بن مسروح - بفتح الميم وسكون السين المهملة وضم الراء وبالحاء المهملة - وكان عبدا للحارث بن كلدة، وإنما كني بابي بكرة لانه نزل في بكرة من الحصن، ونافع أبو السايب وكان عبدا لغيلان بن سلمة، فاسلم غيلان بعد، فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولاءه إليه، ونافع بن مسروح، ومرزوق غلام لعثمان بن عبد الله.
وروى الامام أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الطائف " من خرج إلينا من العبيد فهو حر " فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة، فاعتقهم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
وروى الشيخان عن أبي عثمان النهدي قال: سمعت سعدا - وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله - وأبا بكرة - وكان قد تسور حصن الطائف قالا: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " (2).
وفي رواية نزل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 248 وابن سعد 2 / 1 / 115، وانظر المجمع 4 / 245 والبداية 4 / 347.
(2) أخرجه البخاري 12 / 54 (6766)، ومسلم 1 / 80 (115 / 63).
(*)(5/384)
وعشرون من الطائف - فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة، واغتاظوا على غلمانهم - فاعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه ويحمله فكان أبو بكرة إلى عمرو بن سعيد بن العاص، وكان الازرق، إلى خالد بن سعيد بن العاص، وكان وردان إلى أبان بن سعيد بن العاص، وكان يحنس النبال إلى عثمان بن عفان، وكان يسار بن مالك إلى سعد بن عبادة، وكان إبراهيم بن جابر إلى أسيد بن الحضير وأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرئوهم القران، ويعلموهم السنن، فلما أسلمت ثقيف تكلمت أشرافهم في هؤلاء المعتقين، منهم الحارث بن كلدة يردونهم إلى الرق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أولئك عتقاء الله، لا سبيل إليهم " (1).
ذكر رميه - صلى الله عليه وسلم - حصن الطائف بالمنجنيق قال محمد بن عمر: قالوا: وشاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، فقال له سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنينق على حصنهم، فانا كنا بارض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون.
وتنصب علينا، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق، وإن لم يكن منجنيق طال الثواء، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعمل منجنيقا بيده، فنصبه على حصن الطائف، وهو أول منجنينق رمي به في الاسلام.
وروى ابن سعد عن مكحول - رحمه الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصب المنجنيق
على أهل الطائف أربعين يوما، ويقال: قدم به يزيد بن زمعة بن الاسود وبدبابتين، ويقال: الطفيل بن عمرو، ويقال: خالد بن سعيد قدم من جرش بمنجنيق وبدبابتين، ونثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسك، شقتين من حسك من عيدان حول حصنهم، ودخل المسلمون من تحت الدبابة، وهي من جلود البقر.
وذلك اليوم يقال له الشدخة لما شدخ فيه من الناس، ثم زحفوا بها الى جدار الحصن ليحفروه، فأرسلت ثقيف بسكك الحديد المحماة بالنار، فحرقت الدبابة، فخرج المسلمون من تحتها وقد أصيب منهم من أصيب، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتل منهم رجال فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع أعنابهم ونخيلهم وتحريقها، قال عروة: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل رجل من المسلمين أن يقطع خمس نخلات وخمس حبلات، فقطع المسلمون قطعا ذريعا.
فنادت ثقيف: لم تقطع أموالنا ؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا، وإما أن تدعها لله وللرحم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فاني أدعها لله وللرحم فتركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكان رجل يقوم على الحصن فيقول: روحوا رعاء الشاء روحوا جلا بيب محمد أتروننا نبتئس على أصبتموها من كرومنا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اللهم روح مروحا إلى النار ".
__________
(1) انظر نصب الرابة 3 / 281.
(*)(5/385)
قال سعد بن أبي وقاص فأرميه بسهم فوقع في نحره فهوى من الحصن ميتا، فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
ذكر استئذان عيينة بن حصن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اتيان أهل الطائف يدعوهم إلى الاسلام، وما وقع في ذلك من الايات روى أبو نعيم والبيهقي عن عروة بن الزبير - رحمه الله تعالى - قال استاذن عيينة ابن حصن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ياتي أهل الطائف يكلمهم لعل الله تعالى - أن يهديهم، فاذن له، فأتاهم ودخل في حصنهم، وقال بابي أنتم تمسكوا بمكانكم فو الله لنحن باذل من العبيد، وأقسم بالله لو حدث به حدث ليملكن العرب عزا ومنعة، وإياكم أن تعطوا بايديكم، ولا يتكاثر
عليكم قطع هذا الشجر، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: " ما قلت لهم يا عيينة ؟ " قال: أمرتهم بالاسلام، ودعوتهم إليه، وحذرتهم النار، ودللتهم على الجنة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كذبت، بل قلت لهم كذا وكذا " (1) وقص عليه قوله، فقال: صدقت يا رسول الله، أتوب إلى الله وإليك من ذلك.
ذكر اشتداد الامر وحثه - صلى الله عليه وسلم - على الرمي قال: وعن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - حاصرنا قصر الطائف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول: " من بلغ بسهم فله درجة في الجنة " فبلغت يومئذ ستة عشر سهما، وسمعته يقول: " من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة، وأيما رجل أعتق رجلا مسلما فان الله سبحانه وتعالى جاعل كل عظم من عظامه وقاء كل عظم بعظم، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فان الله عز وجل جاعل كل عظم من عظامها وقاء كل عظم من عظامها في النار " (2) رواه يونس بن بكير وأبو داود الترمذي وصححه النسائي.
ذكر نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن دخول المخنثين على النساء روى يونس بن بكير في زيادة المغازي، والشيخان عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كان عندي مخنث - وهو في عرف السلف: الذي لاهم له إلى النساء لا غير ذلك.
كما سيأتي:
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 157.
(2) اخرجه أبو داود (3965) وأحمد 4 / 384 والنسائي 7 / 104، والحاكم 3 / 50 واحمد 4 / 113، والبيهقي في الدلائل 5 / 159، وفي السنن 10 / 272.
(*)(5/386)
فقال لعبد الله أخي: إن فتح الله عليكم الطائف غدا فاني أدلك على ابنه غيلان فانها تقبل باربع وتدبر بثمان.
فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله.
فقال: " لا أرى هذا يعلم ما ها هنا لا
تدخلن هؤلاء عليكن " وكانوا يرونه من غير أولى الاربة من الرجال، قال ابن جريج: اسمه هيت.
قال ابن إسحاق: كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولى لخالته فاختة بنت عمرو بن عايد مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكون في بيته ولا يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يفطن لشئ من أمور النساء مما يفطن الرجال إليه، ولا يرى أن له في ذلك إربا، فسمعه وهو يقول لخالد بن الوليد: يا خالد إن فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف فلا تفلتن منك بادية بنت غيلان، فانها تقبل باربع وتدبر بثمان.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سمع هذا منه " لا أرى الخبيث يفطن لما أسمع " ثم قال لنسائه " لا تدخلنه عليكن " فحجب عن بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على عدم فتح الطائف حينئذ واذنه بالرجوع واشتداد الرجوع على الناس قبل الفتح قال ابن إسحاق: وبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لابي بكر: " إني رأيت أنى أهديت لي قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك، فهراق ما فيها " فقال أبو بكر: ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا لا أرى ذلك ".
وروى محمد بن عمر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف، استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوفل بن معاوية الديلي - رضي الله عنه - فقال: " يا نوفل ما ترى في المقام عليهم " قال: يا رسول الله ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.
قال ابن إسحاق: ثم إن خولة بنت حكيم السلمية، وهي امرأة عثمان بن مظعون، قالت: يا رسول الله، اعطني، إن فتح الله عليك الطائف - حلي بادية بنت غيلان، أو حلي الفارعة بنت عقيل - وكانتا من أحلى نساء ثقيف - فروى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: " وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة ؟ " فخرجت خولة، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة ؟ " زعمت
أنك قلته ؟ قال " قد قلته " قال " أو ما أذن فيهم " قال: " لا " قال: أفلا أوذن الناس بالرحيل ؟ قال: " بلى " فاذن عمر بالرحيل.
__________
(1) أخرجه البخاري (4324، 4325)، ومسلم 3 / 1715 (32)، والبيهقي في السنن الكبرى 8 / 224، وفي الدلائل 5 / 161.
(*)(5/387)
وروى الشيخان عن ابن عمرو أو ابن عمر - رضي الله عنهم - قال: لما حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف ولم ينل منهم شيئا قال " إنا قافلون غدا إن شاء الله تعالى، فثقل عليهم، وقالوا: أنذهب ولا نفتح ؟ وفي لفظ فقالوا: لا نبرح أو نفتحها، فقال: " اغدوا على القتال " فغدوا فقاتلوا قتالا شديدا، فأصابهم جراح، فقال: " إنا قافلون غدا إن شاء الله تعالى " قال: فاعجبهم، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عروة - رحمه الله تعالى - كما رواه البيهقي - وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن لا يسرحوا ظهرهم، فلما أصبحوا، ارتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ودعا حين ركب قافلا وقال: " اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم " (1).
وروى الترمذي - وحسنه عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال يا رسول الله أحرقتنا نار ثقيف، فادع الله - تعالى - عليهم فقال: " اللهم اهد ثقيفا وأت بهم " (2).
قال ابن إسحاق في رواية يونس وحدثني عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصر أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك ثم انصرف عنهم ولم يؤذن فيهم، فقدم وفدهم في رمضان فاسلموا، قلت: وسيأتي بيان ذلك في الوفود إن شاء الله تعالى.
قال ابن إسحاق في رواية زياد: " وحاصرهم بضعا وعشرين ليلة، وقيل: عشرين يوما وقيل: بضع عشرة ليلة " قال ابن حزم: وهو الصحيح بلا شك.
وروى الامام أحمد، ومسلم عن أنس أنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة واستغربه في البداية.
قال محمد بن عمر: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاصحابه حين أرادوا أن يرتحلوا: " قولوا لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الاحزاب وحده " فلما ارتحلوا واستقبلوا قال: " قولوا آيبون، إن شاء الله تائبون عابدون لربنا حامدون ".
ذكر من استشهد من المسلمين بالطائف وهو اثنا عشر رجلا سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية.
وعرفطة - بضم العين المهملة، وسكون الراء، وضم الفاء، وبالطاء المهملة - ابن حباب - بضم الحاء المهملة، وتخفيف الموحدة.
ويزيد بن زمعة - بفتح الزاي - وسكون الميم - ابن الاسود - جمح به فرسه إلى حصن الطائف فقتلوه.
__________
(1) أخرجه البخاري (4325) ومسلم في الجهاد باب غزوة الطائف (82)، والبيهقي في الدلائل 5 / 169.
(2) أخرجه الترمذي (3942) وأحمد 3 / 343 وابن سعد 2 / 1 / 115 وابن أبي شيبة 12 / 201، 14 / 508 وانظر البداية 4 /، 350، 352.
(*)(5/388)
وعبد الله بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - رمي بسهم فلم يزل جريحا حتى مات المدينة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غير شهيد عند الشافعية لانه توفي بعد انقضاء الحرب بمدة مديدة.
وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي، رمي في الحصن.
و عبد الله بن عامر بن ربيعة.
والسائب بن الحارث بن قيس السهمي، وأخوه عبد الله بن الحارث بن قيس.
وجليحة - بضم الجيم، وفتح اللام، وسكون التحتية، وبالحاء المهملة، ابن عبد الله.
وثابت بن الجذع - بفتح الجيم والذال المعجمة وبالعين المهملة، واسمه ثعلبة السلمي - بفتح السين، واللام.
والحارث بن سهل بن أبي صعصعة.
والمنذر بن عبد الله بن نوفل.
وذكر في العيون هنا: رقيم بن ثعلبة مع ذكره له فيمن استشهد بحنين، تبع هناك ابن إسحاق، وهنا ابن سعد.
ذكر مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف إلى الجعرانة قالوا: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف فاخذ على دحنا، ثم على قرن المنازل، ثم على نخلة، ثم خرج إلى الجعرانة وهو على عشرة أميال من مكة، قال سراقة بن جعشم رضي الله عنه: لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو منحدر من الطائف إلى الجعرانة فتخلصت إليه - والناس يمضون أمامه أرسالا - فوقفت في مقنب من خيل الانصار، فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك إليك، ما أنت ؟ وأنكروني، حتى إذا دنوت وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع صوتي أحذت الكتاب الذي كتبه لي أبو بكر فجعلته بين إصبعين من أصابعي، ثم رفعت يدي به وناديت: أنا سراقة بن جعشم، وهذا كتابي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هذا يوم وفاء وبر، ادنوه فادنيت منه، فكاني أنظر إلى ساق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غرزه كأنها الجمارة، فلما انتهيت إليه سلمت وسقت الصدقة إليه، وما ذكرت شيئا أساله عنه إلا أني قلت: يا رسول الله أرأيت الضالة من الابل تغشى حياضي وقد ملاتها لابلى هل لي من أجر إن سقيتها ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نعم في كل ذات كبد حرى أجر " قال رواه قال محمد بن عمر: وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب لسراقة كتاب موادعة سال سراقة أياه، فامر به فكتب له أبو بكر، أو عامر بن فهيرة، وتقدم بيان ذلك في أبواب الهجرة إلى المدينة.(5/389)
وروى محمد بن عمر عن أبي رهم الغفاري - رضي الله عنه - قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير وأنا إلى جنبه، وعلي نعلان غليظان، إذ زحمت ناقتي ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأوجعته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أوجعتني أخر رجلك " وقرع رجلي بالسوط فاخذني ما تقدم من أمري وما تأخر، وخشيت أن ينزل في قران لعظم ما صنعت، فلما أصبحنا بالجعرانة، خرجت أرعى الظهر وما هو يومي، فرقا أن ياتي
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله يطلبني، فلما روحت الركاب سالت: فقيل لي طلبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إحداهن والله، فجئت وأنا أترقب، فقال " إنك أوجعتني برجلك، فقرعتك بالسوط فاوجعتك، فخذ هذه الغنم عوضا عن ضربي " قال أبو رهم: فرضاه عني كان أحب إلي من الدنيا وما فيها.
وقال ابن إسحاق في رواية سلمة: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رجلا ممن شهد حنينا قال والله إني لاسير إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقة لي وفي رجلي نعل غليظة إذ زحمت ناقتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاوجعته فقرع قدمي بالسوط، وقال: " أوجعتني فتأخر عني " فانصرفت، فلما كان من الغد إذا رسول الله ا - صلى الله عليه وسلم - يلتمسني، فقلت: هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالامس، قال فجئته وأنا أترقب فقال " إنك أصبت رجلي بالامس فاوجعتني فقرعت قدمك بالسوط فدعوتك لاعوضك منها " فاعطاني ثمانين نعجة بالضربة التي ضربني.
قال ابن إسحاق وغيره: ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجعرانة فيمن معه، ومعه سبئ هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء، ومن الابل والشاء ما لا ندري عدته.
وذكر محمد بن عمر، وابن سعد، أن السبي كان ستة آلاف راس.
والابل أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم لا يدري عدتها وقال ابن سعد: أكثر من أربعين ألفا، وأربعة آلاف أوقية فضة، فاستانى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسبي لكي يقدم عليه وفدهم.
قدوم وفد هوازن ورد السبي إليهم قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عن ابن عمرو - رضي الله عنهما - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحنين، فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة، وهم أربعة عشر رجلا، وراسهم زهير بن صرد، وفيهم أبو برقان عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة وقد أسلموا - فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك.
وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إن ما في الحظائر من السبايا عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك.
ولو أنا ملحنا - وقيل: منحنا - للحرث بن أبي(5/390)
شمر، أو للنعمان بن المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت يا رسول الله خير المكفولين، ثم أنشأ يقول: فذكر بعض الشعر الآتي: أخبرنا الائمة المسندون، أبو فارس عبد العزيز.
الحافظ عمر بن فهد الهاشمي العلوي بقراءتي عليه بالمسجد الحرام، وأبو الفتح جمال الدين بن الامام أبو الفتح علاء الدين القلقشندي.
قرأه عليه وأنا أسمع بمنزله بحارة بهاء الدين من القاهرة، وأبو الفضل عبد الرحيم بن الامام محب الدين بن الاوجاقي في إجازة خاصة - الشافعيون رحمهم الله تعالى.
قال الأول: أخبرنا المشايخ الاربعة قاضي القضاء شهاب الدين أبو جعفر محمد بن شهاب الدين أحمد بن عمر بن الضياء القرشي الاموي الشهير بابن العجمي، وابن أمير الدولة محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عبد الغفور الحلبيان، وقاضي المسلمين عز الدين أبو محمد عبد الرحيم بن ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن الفرات الحنفي، والاصلية أم محمد سارة بنت عمر بن عبد العزيز بن جماعة المصريان مكاتبة في كل منهم، قالوا: أنبانا مسند الدنيا صلاح الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أبي عمر الصالحي - زاد ابن الفرات وسارة فقالا: والنجم أحمد بن النحم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي عمر، البهاء حسن بن أحمد بن هلال بن الهبل، وزين الدين أبو حفص عمر بن حسن بن يزيد بن أمية المراغي، وزاد ابن الفرات فقال: وأم محمد ست العرب ابنة محمد بن علي بن البخاري، قالوا: أخبرنا رحالة الدنيا فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري، قالت حفيدته: حضورا - وقال الاخرون: أجازة، قال في رواية حفيدته: أنبانا أبو جعفر محمد بن نصر الصيدلاني، وقال في رواية الاخرين: أنبانا أبو القاسم عبد الواحد بن القاسم
الصيدلاني، وأم هانئ عفيفة ابنة أحمد الاصبهانية، وقال شيخنا الثاني: أخبرنا المسند الرحالة زين الدين أبو زيد عبد الرحمن القباني إحازة مكاتبة وأم الحسن فاطمة ابنة الخليل بن أحمد وقريبتهما أم أحمد عائشة بنت علي بن أحمد الحنبليتان - إحازة، إن لم يكن سماعا، قالوا: أخبرنا أبو الحزم محمد بن محمد القلانسي قال الاولون إجازة، وقالت الاخيرة قراءة وأنا حاضرة، أنباتنا المسندة مؤنسة خاتون ابنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب قراءة عليها وأنا أسمع: أنبانا أبو الفخر سعد بن سعيد بن روح.
وأبو سعد أحمد بن محمد بن أبي نصر، وأم هانئ عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارقاني، وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر، - إجازة - وقال شيخنا الثالث أخبرنا شهاب الواسطي - قراءة عليه وأنا أسمع - قال: أخبرنا مسند الوقت، الصدر أبو الفتح الميدومي عن أبي العباس أحمد بن عبد الدايم بن يحيى بن محمود أخبره - إن لم يكن سماعا فاجازة - قالوا: أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة بنت عبد الله بن أحمد(5/391)
الجوز دانية، زاد يحيى بن محمود ومحمد بن أحمد بن المظفر - حضورا - قالوا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن المظفر ريذة الضبي قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني قال: حدثنا عبيد الله بن رماحس القيسي برمادة الرملة سنة أربع وسبعين ومائتين قال: حدثنا أبو عمر، وزياد بن طارق، وكان قد أتت عليه مائة وعشرون سنة قال: أبا جرول زهير بن صرد الجشمي - رضي الله عنه - يقول: لما أسرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ويوم هوازن وذهب يفرق السبي والشاء أتيته وأنشات أتيته وأنشات أقول هذا الشعر.
امنن علينا رسول الله في كرم * فانك المرء نرجوه وننتظر (1) امنن على بيضة قد عاقها قدر * مشتت شملها في دهرها غير أبقت لنا الدهر هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركها (2) نغماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك مملؤة (3) من مخضها الدرر
إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا فانا معشر زهر إنا لنشكر للنعما (4) إذا كفرت * وعندنا بعد هذا اليوم مدخر فالبس العفو من قد كنت ترضعه * من أمهاتك إن العفو مشتهر يا خير من مرحت كمت الجياد به * عند الهياج إذا ما استوقد الشرر إنا نؤمل عفوا منك تلبسه * هادي البرية إن تعفوا وتنتصر فاعف عفا الله عما أنت راهبه * يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الشعر قال: " ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم " (1) وقالت قريش: ما كان لنا فهو لله ولرسوله.
هذا حديث جيد الاسناد عال جدا، رواه الضياء المقدس في صحيحه ورجع الحافظ بن حجر أنه حديث حسن.
وبسط الكلام عليه في بستان الميزان.
قال ابن إسحاق: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ " (2).
وفي الصحيح عن المسور بن مخرمة - رضي الله عنهما - ومروان بن الحكم: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فيمن ترون ؟ وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختارو إحدى الطائفتين، إما
__________
(1) تقدم.
(2) أخرجه البيهقي في السنن 6 / 336، 9 / 75، وفي الدلائل 5 / 195 والبداية 4 / 353.
(*)(5/392)
السبي، وإما المال وقد كنت إستانيت بكم " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير راد عليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا: يا رسول الله خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا ؟ بل إبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا بعير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو
لكم، وإذا أنا صليت بالناس فاظهروا إسلامكم، وقولوا: إنا إخوانكم في الدين، وإنا نستشفع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاني سأعطيكم ذلك، وأسال لكم الناس " وعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد، وكيف يكلمون الناس.
فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس الظهر قاموا فاستاذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكلام، فاذن لهم، فتكلم خطباؤهم بما أمرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصابوا القول فابلغوا فيه ورغبوا إليهم في رد سبيهم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فرغوا ليشفع لهم.
وفي الصحيح عن المسور ومروان: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام في المسلمين فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: " أما بعد فان إخوانكم قد جاءونا تائبين، وإني قد رايت أن أراد عليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول فئ يفيئه الله علينا فليفعل " فقال الناس قد طبنا ذلك يا رسول الله، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم ياذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم " (1) فرجع الناس [ فكلمهم ] فرفاؤهم.
قال ابن إسحاق: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم " فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لله ولرسوله، وقالت الانصار: وما كان لنا فهو لله ولرسوله.
فقال الاقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا.
وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا.
وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنوا سليم فلا.
فقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال العباس بن مرداس: وهنتموني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من كان عنده منهن شئ فطابت نفسه أن يرده فسبيل ذلك، ومن أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فئ يفيئه الله فرد المسلمون الى الناس نساءهم وأبناهم، ولم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن فانه أخذ عجوزا فابى أن يردها كما سيأتي ".
قال محمد بن عمرو بن سعد: وكسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السبي قبطية، قال ابن عقبة كساهم ثياب المعقد.
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 627 (4318، 4319).
(*)(5/393)
ذكر دعائه - صلى الله عليه وسلم - على من أبي أن يرد شيئا من السبي أن يخيس روى أبو نعيم عن عطية السعدي - رضي الله عنه - أنه كان ممن كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبي هوازن، وكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، فردوا عليهم سبيهم الا رجلا واحدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم أخس سهمه " فكان يمر بالجارية فيدع ذلك حتى مر بعجوز، فقال آخذ هذه فانها أم حي فيفدونها عليه.
فكبر عطية وقال: خذها.
خذها والله ما فوها ببارد * ولا ثديها بناهد ولا زوجها بواحد * عجوز يا رسول الله ما لها أحد فلما رأى أنه لا يعرض لها أحد تركها.
وذكر ابن إسحاق ومحمد بن عمر واللفظ له: أن عيينة بن حصن حين أبي أن يرد حظه من السبي خيروه في ذلك، فنظر إلى عجوز كبيرة، فقال: هذه أم الحي، لعلهم أن يغلوا فداءها، فانه عسى أن يكون لها في الحي نسب، فجاء ابنها الى عيينة فقال: هل لك في مائة من الابل ؟ فقال عيينة: لا، فرجع عنه وتركه ساعة فقالت العجوز: ما أربك في، بعد مائة ناقة، أتركه فما أسرع أن يتركني بغير فداء، فلما سمعها عيينة قال: ما رأيت كاليوم خدعة، قال: ثم مر عليه ابنها فقال له عيينة: هل لك في العجوز لما دعوتني إليه ؟ قال ابنها: لا أزيدك على خمسين.
قال عيينة: لا أفعل، قال: فلبث ساعة ثم مر به أخرى وهو يعرض عنه فقال له عيينة: هل لك في العجوز بالذي بذلت لي ؟ قال الفتى: لا أزيدك على خمس وعشرين فريضة هذا الذي أقوى عليه، قال عيينة: لا أفعل والله، بعد مائة فريضة خمس وعشرون ! ! فلما تخوف عيينة أن يتفرق الناس ويرتحلوا، جاء عيينة فقال: هل لك إلى ما دعوتني إليه إن شئت ؟ فقال الفتى: هل لك في عشر فائض أعطيكها، قال عيينة: والله لا أفعل، قال الفتى:
والله ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد، ولا صاحبها بواجد، فاخذتها من بين من ترى، قال عيينة: خذها لا بارك الله لك فيها، فقال الفتى: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كسا السبي فاخطأها من بينهم بالكسوة، فهل أنت كاسيها ثوبا ؟ فقال: لا والله ما ذلك لها عندي، قال: لا وتفعل، فما فارقه حتى أخذ منه سمل ثوب، ثم ولى الفتى وهو يقول: والله إنك لغير بصير بالفرض.
وذكر محمد بن إسحاق إنه ردها بست فرائض.
وروى البيهقي عن الامام الشافعي - رضي الله عنه - أنه ردها بلا شئ.(5/394)
ذكر قسمته - صلى الله عليه وسلم - أموال هوازن بعد ان رد عليهم سبيهم روى بن اسحاق في رواية يونس عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من رد سبايا هوازن، ركب بعيره وتبعه الناس يقولون: يا رسول الله، اقسم علينا فيئنا حتى اضطروه إلى شجرة فانتزعت رداءه، فقال: " يا أيها الناس، ردوا علي ردائي، فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عندي عدد شجر تهامة نغما لقسمته عليكم ثم ما القيتموني بخيلا ولا كذبا "، ثم قام رسول الله - - الى جنب بعيره، فأخذ من سنامه وبرة فجعلها بين اصبعيه فقال: " ايها الناس والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة الا الخمس، والخمس مردود عليكم، فادوا الخياط والمخيط واياكم والغلول فان الغلول عار وشنار على اهله يوم القيامة " فجاء رجل من النصار بكبة خيط من خيوط شعر، فقال: يا رسول الله، اخذت هذه الوبرة لأخيط بها برذعة بعير لي دبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اما حقي منها فهو لك " فقال الرجل: أما إذ بلغ الامر فيها هذا فلا حاجة لي بها، فرمى بها من يده (1).
وروى عبد الرزاق في جامعه عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عقيل بن أبي طالب - رضى الله عنه - دخل يوم حنين على امراته فاطمة بنت شيبة وسيفه ملطخ دما، فقال: دونك هذه الابرة تخيطين بها ثيابك فدفعها إليها، فسمع منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أخذ شيئا فليرده
حتى الخياط والمخيط، فرجع عقيل وقال: ما أجد إبرتك إلا ذهبت منك، فاخذها فالقاها في المغنم.
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين إلى جنب بعير من المغانم فلما سلم تناول وبرة بين أنملتين وفي رواية فجعلها بين إصبعية ثم قال: " أيها الناس، إن هذه من مغانمكم، وليس لي فيها إلا نصيبي معكم، الخمس، والخمس مردود عليكم فادوا الخيط والمخيط، وأكثر من ذلك وأصغر، ولا تغلوا فانه عار ونار وشنار على أهله في الدنيا والاخرة " رواه الامام أحمد وابن ماجة.
وروى عبد الرزاق والبخاري عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أنه بينما هو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه الناس مقفلة من حنين علقت الاعراب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسالونه، حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: " اعطوني ردائي فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته عليكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا " (2).
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6 / 337.
(2) أخرجه البخاري (2821)، وأحمد 4 / 82 والطبراني في الكبير 2 / 135، وانظر البداية والنهاية 4 / 354.
(*)(5/395)
وعن أنس قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فادر كه أعرابي فجذبه جذبة شديدة ثم قال: مرلي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، ثم أمر له بعطاء ورداء.
قالوا: وجمعت الغنائم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه أبو سفيان بن حرب وقال: يا رسول الله أصبحت أكثر قريش مالا، فتسبم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ذكر إعطائه - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم قبل غيرهم قال ابن إسحاق: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم، وكانوا أشرفا من أشراف العرب، يتالفهم ويتالف بهم قومهم.
قال محمد بن عمر، وابن سعد: بدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاموال فقسمها، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس، قلت: فمنهم من أعطاه مائة بعير وأكثر، ومنهم من أعطاه خمسين، وجميع ذلك يزيد على الخمسين، وقد ذكرهم أبو الفرج ابن الجوزي في التلقيح، وابن طاهر في مبهماته، والحافظ في الفتح، والبرهان الحلبي في النور، وهو أحسنهم سياقا وأكثرهم عددا، وعند كل منهم ما ليس عند الاخر، ولم يتعرض أحد منهم لما أعطى كل واحد، وقد تعرض محمد بن عمر، وابن سعد، وابن إسحاق لبعض ذلك كما سانبه عليه وهم: أبي - بضم الهمزة، وتشديد التحتية وهو الاخنس - بالخاء المعجمة والنون والسين المهملة، بن شريق - بالشين المعجمة والقاف.
أحيحة - بمهملتين مصغر - بن أمية.
أسيد - بفتح أوله وكسر السين المهملة - بن جارية.
بالجيم والتحتية - الثقفي، أعطاه مائة.
الاقرع - بالقاف والراء - ابن حابس - بالحاء المهملة وبالموحدة والسين المهملة - التميمي، أعطاه مائة.
جبير - بالجيم والموحدة مصغر - بن مطعم - بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين المهملتين.
الجد - بكسر الجيم وتشديد الدال المهملة - بن قيس الهمي، كذا أورده التلقيح، ولم يذكره الحافظ في الفتح ولا في الاصابة، وإنما ذكره فيهما الجد بن قيس الانصاري، ولم يتعرض لكونه من المؤلفة ولم يذكر في النور أنه سهمي أو أنصاري، فان صح أنه سهمي فهو وارد على الاصابة.
الحارث بن الحرث بن كلدة - بفتح الكاف واللام وبالدال المهملة.
أعاطه مائة.
الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، أعطاه مائة.(5/396)
حاطب بن عبد العزى العامري.
حرملة بن هوذة - بفتح الهاء وسكون الواو وبالذال المعجمة بن ربيعة بن عمرو بن عامر العامري.
حكيم - بوزن أمير - بن حزام - بكسر الحاء المهملة، وبالزاي - بن خويلد، أعطاه مائة، ثم ساله مائة أخرى، فاعطاه أياها.
روى الشيخان وغيرهما ومحمد بن عمر - واللفظ له - عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحنين مائة من الابل فاعطانيها ثم سألته مائة من الابل فاعطانيها ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا حكيم إن هذا المال حلوة خضيرة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي ياكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدا بمن تعول " فقال: والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا، فكان عمر بن الخطاب يدعوه إلى عطائه فيابي، أن ياخذه، فيقول عمر: أيها الناس أشهدكم على حكيم بن حزام، أدعوه إلى عطائه فيابى أن ياخذه (1).
قال ابن أبي الزناد: أخذ حكيم المائة الاولى فقط وترك الباقي.
حكيم بن طليق - بوزن أمير - ابن سفيان.
حويطب - بضم المهملة، وفتح الواو، وسكون التحتية، وكسر الطاء المهملة وبالموحدة - ابن عبد العزى القرشي العامري، أعطاه مائة.
خالد بن أسيد - بوزن أمير - ابن أبي العيص بن أمية.
خالد بن قيس السهمي.
خالد بن هوذة - بفتح الهاء وبالذال المعجمة - ابن ربيعة بن عامر العامري.
خلف بن هشام، نقله في النور عن بعض مشايخه عن الصغاني، ثم قال في النور: أنا لا أعرفه في الصحابة قلت: لم يذكره الذهبي في التجريد، ولا الحافظ في الاصابة، فان صح فهو وارد عليه.
وذكر في العيون: رقيم بن ثابت بن ثعلبة، وتقدم أنه استشهد بحنين والله أعلم.
زهير بن أبي أمية بن المغيرة أخو أم المؤمنين أم سلمة.
زيد الخيل بن مهلهل الطائي، عزاه في الفتح لتلقيح ابن الجوزي، ولم أجده في نسختين.
السائب بن أبي السائب
__________
(1) أخرجه البخاري (1472).
(*)(5/397)
صيفي بن عائذ - بهمزة بعد الالف فذال معجمة - المخزومي.
سعيد بن يربوع بن عنكثة - بفتح العين المهملة - وسكون النون وفتح الكاف، والثاء المثلثة، أعطاه خمسين.
سفيان - بالحركان الثلاث في سينه وبسكون الفاء وبالتحتية - بن عبد الاسد المخزومي.
سهل بن عمرو بن عبد شمس العامري وأخوه سهيل بن عمرو، أعطاه مائة.
شيبة بن عثمان القرشي العبدري.
صخر بن حرب أبو سفيان، أعطاه مائة من الابل وأربعين أوقية فضة.
صفوان بن أمية الجمحي، أعطاه مائة، وروى البخاري عن صفوان قال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني من غنائم حنين وهو أبغض الخلق إلي حتى ما خلق الله - تعالى - شيئا هو أحب إلي منه.
وفي صحيح مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاه مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة (1)، قال محمد بن عمر: يقال إن صفوان طاف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتصفح الغنائم إذ مر بشعب مملوء إبلا مما أفاء الله به على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء، فاعجب صفوان وجعل ينظر إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أعجبك هذا الشعب يا أبا وهب ؟ " قال: نعم.
قال: " هو لك بما فيه " فقال صفوان: أشهد أنك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما طابت بهذا نفس أحد قط
إلا نبي.
طليق بن سفيان والد حكيم السابق.
العباس بن مرداس - بكسر الميم وسكون الراء وبالدال المهملة.
قال ابن أسحاق: أعطاه أبا عر، وقال محمد بن عمر وابن سعد: أربعا من الابل فسخطها.
وروى الامام أحمد، ومسلم، والبيهقي عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين كل رجل منهم مائة من الابل، فذكر الحديث فيه (2): وأعطى العباس بن مرداس دون المائة، نقص من المائة ولم يبلغ به أولئك، فانشا العباس بن مرداس يقول: أتجعل نهبي ونهب العب * - يد بين عيينة والاقرع فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجمع وقد كنت في الحرب ذا تدرإ * فلم أعط شيئا ولم أمنع
__________
(1) مسلم 2 / 737.
(2) أخرجه مسلم 2 / 737 (137 / 1060).
(*)(5/398)
وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع فأتم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المائة، ورواه البيهقي (1) عن ابن إسحاق رحمه الله بلفظه: فقال العباس بن مرداس يعاتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الاجرع وإيقاظي القوم أن يرقدوا * إذا أهجع الناس لم أهجع فاصبح نهبي ونهب العبي * - د بين عيينة والاقرع وقد كنت في الحرب ذا تدرا * فلم أعط شيئا ولم أمنع وإلا أفائل أعطيتها * عديد قوائمها الاربع
وما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاه وقال: " أنت القائل فاصبح نهبي، ونهب العبيد بين الاقرع وعيينة ؟ " فقال أبو بكر الصديق: - رضي الله عنه - بابي أنت وأمي لم يقل كذلك، ولا والله ما أنت بشاعر، وما ينبغي لك، وما أنت برواية.
قال: " فكيف قال " ؟ فانشده أبو بكر - رضي الله عنه - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " اقطعوا عني لسانه " ففزع منها ناس، وقالوا: أمر بالعباس بن مرداس أن يمثل به، وإنما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " اقطعوا عني لسانه " أي يقطعوه بالعطية من الشاء والغنم.
عبد الرحمن بن يربوع الثقفي.
عثمان بن وهب المخزومي أعطاه خمسين.
عدي بن قيس بن حذافة السهمي أعطاه خمسين.
عكرمة بن عامر العبدري.
عكرمة بن أبي جهل.
عمرو بن هشام، نقله في النور عن بعض مشايخه عن ابن التين.
علقمة بن علاثة - بضم العين والتخفيف، وبالثاء المثلثة - بن عوف - بالفاء عمرو بن الاهتم - بالفوقية.
عمرو بن بعكك - بموحدة، فعين مهملة، فكافين، وزن جعفر، أبو السنابل - جمع سنبلة عمرو بن مرداس السلمي أخو عباس.
__________
(1) البيهقي في الدلائل 5 / 181.
(*)(5/399)
بضم أوله، وفتح الميم، وسكون التحتية - بن ودقة - بفتح الواو والدال المهملة.
عمير بن وهب الجمحي، أعطاه خمسين.
العلاء بن جارية - بالجيم والتحتية - الثقفي أعطاه خمسين.
وقال ابن إسحاق: مائة.
عيينة - بضم العين المهملة، وكسرها، وفتح التحتية الاولى - بن حصن - بكسر الحاء، وبالصاد المهملتين وبالنون - الفزاري، أعطاه مائة.
قيس بن عدي السهمي، أعطاه مائة كذا ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر.
وقال بعضهم: صوابه عدي بن قيس - على العكس - وقال الحافظ: هما واحد فانقلب، أم اثنان ؟ قلت: وهو الظن، لاتفاق ابن إسحاق والواقدي على ذلك.
قيس بن مخرمة - بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الراء، والميم - ابن المطب بن عبد مناف.
كعب بن الاخنس نقله في النور عن بعض مشايخه، ثم قال: ولا أعرفه أنا.
قلت: لا ذكرته في التجريد، ولا في الاصابة.
لبيد - بوزن أمير - بن ربيعة العامري.
مالك بن عوف بالفاء - النصرى بالنون، والصاد المهملة - راس هوازن، أعطاه مائة.
مخرمة - بفتح الميم، والراء، وسكون الخاء المعجمة بينهما، - بن نوفل الزهري، أعطاه خمسين.
مطيع بن الاسود القرشي العدوي.
معاوية بن أبي سفيان.
أبو سفيان صخر بن حرب، أعطاه مائة من الابل وأربعين أوقية فضلة.
المغيرة بن الحارث أبو سفيان القرشي الهاشمي.
النضير - بالضاة المعجمة والتصغير - بن الحرث بن علقمة، أعطاه مائة من الابل.
نوفل بن معاوية الكناني.
هشام بن عمرو القرشي العامري أعطاه خمسين.
هشام بن الوليد المخزومي.
يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب أعطاه مائة بعير وأربعين أوقية.
أبو الجهم بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي.(5/400)
أبو السنابل، اسمه عمرو، تقدم.
فهؤلاء بضع وخمسون رجلا لعلك لا تجدهم مجموعين محررين هكذا في كتاب غير هذا الكتاب والله الموفق للصواب.
وروى البخاري عن أبي موسى الاشعري (1) - رضي الله عنه - قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة - ومعه بلال - فاتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرابي فقال: ألا تنجزني ما وعدتني ؟ فقال له: " أبشر " فقال: قد أكثرت علي من البشر.
فاقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال: " رد البشرى فاقبلا أنتما، قالا قبلنا " ثم دعا بقدح فغسل يديه ووجهه، ومج فيه، ثم قال: " اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما، وأبشرا " فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن أفضلا لامكما، فافضلا منه طائفة.
قالوا: ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت باحضار الناس والغنائم، ثم فضها على الناس فكانت سهامهم، لكل رجل أربع من الابل أو أربعون شاة، فان كان فراسا أخذ اثنتي عشرة من الابل أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له.
ذكر بيان الحكمة في إعطائه - صلى الله عليه وسلم - اقواما من غنائم حنين ومنعه آخرين قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، أن قائلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه، قال محمد بن عمر: هو سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله، أعطيت عيينة بن حصن، والاقرع بن حابس مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمري ؟ ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الارض كلهم مثل عيينة بن حصن، والاقرع بن حابس، ولكني تالفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى
إسلامه ".
وروى البخاري عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطا وأنا جالس فترك منهم رجلا هو أعجبهم إلي، فقمت فقلت: مالك عن فلان والله إني لاراه مؤمنا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أو مسلما " ذكر ذلك ثلاثا، وأجابه بمثل ذلك، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إني لاعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله - تعالى - في النار على وجهه " (2).
__________
(1) سيأتي في شرح الغريب أن الصواب بين مكة والطائف.
(2) البخاري 3 / 399 (1478).(5/401)
وروى البخاري عن عمرو بن تغلب قال: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال: " إني أعطي أقواما أخاف هلعهم وجزعهم، وأكل أقواما إلى ما جعل الله - تعالى - في قلوبهم من الخبر والغنى، منهم عمرو بن تغلب " (1).
قال عمرو: فما أحببت أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم.
ذكر عتب جماعة من الانصار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أعطى قريشا ولم يعط الانصار شيئا وجمعه إياهم واستعطافه لهم روى ابن إسحاق، والامام أحمد عن أبي سعيد الخدري، والامام أحمد، والشيخان من طريق أنس بن مالك، والشيخان عن عبد الله بن يزيد بن عاصم - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب غنائم حنين، وقسم للمتالفين من قريش وسائر العرب ما قسم، وفي رواية: طفق يعطي رجلا المائة من الابل، ولم يكن في الانصار منها شئ قليل ولا كثير، فوجد هذا الحي من الانصار في أنفسهم، حتى كثر فيهم القالة حتى قال قائلهم: يغفر الله - تعالى - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن هذا لهو العجب يعطي قريشا، وفي لفظ الطلقاء والمهاجرين، ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا وددنا أنا نعلم
ممن كان هذا، فان كان من أمر الله تعالى صبرنا، وإن كان من راي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعتبناه (2).
وفي حديث أبي سعيد: فقال رجل من الانصار لاصحابه: لقد كنت أحدثكم أن لو استقامت الامور لقد آثر عليكم.
فردوا عليه ردا عنيفا.
قال أنس: فحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمقالتهم، وقال أبو سعيد: فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم.
قال: " فيم " قال: فيما كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب ولم يكن فيهم من ذلك شئ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فأين أنت من ذلك يا سعد " ؟ قال: ما أنا إلا امرؤ من قومي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، وفي لفظ في هذه القبة، فإذا اجتمعوا فاعلمني "، فخرج سعد يصرخ فيهم حتى جمعهم في تلك الحظيرة.
وقال أنس: فارسل إلى الانصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع غيرهم، فجاء رجال من المهاجرين فاذن لهم فيهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، حتى إذا لم يبق أحد من الانصار إلا اجتمع له.
أتاه فقال يا رسول الله: قد اجتمع لك هذا الحي من الانصار حيث أمرتني أن
__________
(1) أخرجه البخاري 6 / 288 (3145).
(2) أخرجه البخاري من حديث أنس (3147).
(*)(5/402)
أجمعهم، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " هل منكم أحد من غيركم " ؟ قالوا: لا يا رسول الله إلا ابن أختنا، قال: " ابن أخت القوم منهم " فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " يا معشر الانصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله - تعالى - وعالة فاعناكم الله، وأعداء فالف بين قلوبكم، وفي رواية متفرقين فالفكم الله ؟ - قالوا: بلى يا رسول الله، الله ورسوله أمن وأفضل.
وفي رواية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا تجيبون يا معشر الانصار ؟ " قالوا: وما نقول يا
رسول الله ؟ وماذا نجيبك ؟ المن لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -: " والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم، جئتنا طريدا فاويناك، وعائلا فاسيناك، وخائفا فامناك، ومخذولا فنصرناك، ومكذبا فصدقناك " فقالوا: المن لله - تعالى - ورسوله، فقال: " وما حديث بلغني عنكم ؟ " فسكنوا، فقال: " ما حديث بلغني عنكم " ؟ فقال فقهاء الانصار: أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم ! ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني لاعطي رجالا حديثي عهد بكفر لا تالفهم بذلك " (1).
وفي رواية إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتالفهم، أوجدتم يا معشر الانصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تالفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله - تعالى - لكم من الاسلام، أفلا ترضون يا معشر الانصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم تحوزونه إلى بيوتكم، فو الله لمن تنقلبون به خير مما ينقلبون به، فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار.
وفي رواية لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا - أنتم الشعار والناس دثار، الانصار كرشي وعيبتي، ولو لا أنها الهجرة لكنت امرأ من الانصار، اللهم ارحم الانصار، وأبناء الانصار فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ورسوله حظا وقسما.
وذكر محمد بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد حين إذا دعاهم أن يكتب بالبحرين لهم خاصة بعده دون الناس، وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الارض، فقالوا: لا حاجة لنا بالدنيا بعدك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " وكان حسان بن ثابت - رضي الله عنه - قال قبل جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - الانصار.
__________
(1) أخرجه البخاري (3146، 3147، 3528، 3778، 3793، 4331، 4332، 4333، 4334).
(*)(5/403)
زاد الهموم فماء العين منحدر * سحا إذا حفلته عبرة درر وجدا بشماء إذ شماء بهكنة * هيفاء لا ذنن فيها ولا خور دع عنك شماء إذ كانت مودتها * نزرا وشر وصال الواصل النزر وائت الرسول فقل يا خير مؤتمن * للمؤمنين إذا ما عدد البشر علام تدعى سليم وهي نازحة * قدام قوم هموا آووا وهو نصروا سماهم الله أنصارا بنصرهم * دين الهدى وعوان الحرب تستعر وسارعوا في سبيل الله واعترضوا * للنائبات وما خافوا وما ضجروا والناس إلب علينا فيك ليس لنا * إلا السيوف وأطراف القنا وزر نجالد الناس لا نبقي على أحد * ولا نضيع ما توحي به السور ولا تهر جناة الحرب نادينا * ونحن حين تلظى نارها سعر كما رددنا ببدر - دون ما طلبوا - * أهل النفاق ففينا ينزل الظفر ونحن جندك يوم النعف من أحد * إذ حزبت بطرا أحزابها مضر فما ونينا وما خمنا وما خبروا * منا عثارا وكل الناس قد عثروا ذكر اعتراض بعض الجهلة من أهل الشقاق والنفاق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القسمة العادلة، وما وقع في ذلك من الايات روى الشيخان والبيهقي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا هوازن يوم حنين آثر أناسا من أشراف العرب، قال رجل من الانصار: هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله، فقلت: والله لاخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبرته، فتغير وجهه حتى صار كالصرف وقال: " فمن يعدل إذا لم يعدل ورسوله، رحمة الله على موسى قد أوذي باكثر من هذا فصبر " (1).
والرجل المبهم: قال محمد بن عمر هو معتب بن قشير.
قصة أخرى: وروى ابن إسحاق عن ابن عمرو، والامام والشيخان عن جابر، والشيخان
والبيهقي عن أبي سعيد - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينا هو يقسم غنائم هوازن إذ قام إليه رجل - قال ابن عمر وأبو سعيد: من تميم يقال له ذو الخويصرة، فوقف عليه وهو يعطي الناس فقال: يا محمد قد رايت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أجل، فكيف رايت ؟ " قال: لم أرك عدلت، اعدل.
فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: " شقيت إن لم
__________
(1) البخاري (1138) ومسلم 2 / 739 (140).
(*)(5/404)
أعدل، ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ؟ " فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني أقتل هذا المنافق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، دعوه فانه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يوجد فيه شئ، ثم في القدح فلا يوجد فيه شئ، ثم في الفوق فلا يوجد فيه شئ، وفي لفظ ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر إلى نصيبه وهو قدحه، فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر ألى قذذه فلا يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم " ولفظ رواية جابر: " إن هذا وأصحابه يقرؤون القران لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية، آيتهم أن فيهم رجلا أسود، إحدى عضديه مثل ثدى المرأة، أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس " وفي رواية " على حين فرقة ".
قال أبو سعيد: فاشهد أني سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فالتمس حتى أتي به، حتى نظرت إليه على نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي نعت.
ذكر قدوم مالك بن عوف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن يذكر معه قالوا: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوفد هوازن: " ما فعل مالك بن عوف " قالوا يا رسول
الله: هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الابل " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بحبس أهل مالك بمكة عند عمتهم أم عبد الله بنت أبي أمية، فقال الرفد: يا رسول الله - أولئك سادتنا وأحبنا إلينا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما أريد بهم الخير " فوقف مال مالك فلم يجر فيه السهام، فلما بلغ مالكا ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قومه وما وعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن أهله وماله موفور وقد خاف مالك ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ما قال، فيحبسونه، فامر راحلته فقدمت له حتى وضعت لديه بدحنا، وأمر بفرس له فاتي به ليلا فخرج من الحصن فجلس على فرسه ليلا، فركضه حتى أتى دحنا فركب بعيره حتى لحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فادركه بالجعرانة - أو بمكة - فرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهله وماله، وأعطاه مائة من الابل وأسلم فحسن إسلامه، فقال مالك حين أسلم: ما إن رايت ولا سمعت بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا احتذي * ومتى تشأ يخبرك عما في غد(5/405)
وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهري وضرب كل مهند فكأنه ليث على أشباله * وسط الهباءة خادر في مرصد فاستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من قومه، ومن تلك القبائل من هوازن وفهم وسلمة وثمالة.
وكان قد ضوى إليه قوم مسلمون، واعتقد له لواء، فكان يقاتل بهم من كان على الشرك ويغير بهم على ثقيف فيقاتلهم بهم، ولا يخرج لثقيف سرح إلا أغار عليه، وقد رجع حين رجع - وقد سرح الناس مواشيهم، وأمنوا فيما يرون حين انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهم، وكان لا يقدر على سرح إلا أخذه، ولا على رجل إلا قتله، وكان يبعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخمس مما يغنم، مرة مائة بعير، ومرة ألف شاة، ولقد أغار على سرح لاهل الطائف فاستاق لهم ألف شاة في غداوة واحدة.
ذكر مجئ أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبيه وأخيه من الرضاعة روى أبو داود، وأبو يعلي، والبيهقي، عن أبي الطفيل - رضي الله عنه - قال: كنت غلاما أحمل نضو البعير ورأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقيم بالجعرانة وامرأة بدوية، فلما دنت من النبي - صلى الله عليه وسلم - بسط لها رداءه فجلست عليه، فقلت: من هذه ؟ فقالوا: أمه التي أرضعته.
وروى أبو داود في المراسيل عن عمر بن السائب - رحمه الله تعالى - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا يوما، فجاء أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الاخر فجلست عليه ثم جاء أخوه من الرضاعة فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأجلسه بين يديه.
ذكر رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة قال محمد بن عمر وابن سعد: انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فاقام بالجعرانة ثلاث عشرة ليلة، وأمر ببقايا السبي فحبس بمجنة بناحية مر الظهران.
قال في البداية والظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما استبقى بعض المغنم ليتالف به من يلقاه من الاعراب بين مكة والمدينة: فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الاربعاء لثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا، فاحرم بعمرة من المسجد الاقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى، ودخل مكة فطاف وسعى ماشيا، وحلق ورجع إلى الجعرانة من ليلته، وكانه كان بائتا بها، واستخلف عتاب - بالمهملة وتشديد الفوقية وبالموحدة - ابن أسيد بالدال - كأمير - على مكة - وكان عمره حينئذ نيفا وعشرين سنة - وخلف معه معاذ بن جبل - زاد محمد بن عمر والحاكم: وأبا موسى الاشعري - رضي الله عنهم يعلمان الناس القران(5/406)
والفقه في الدين، وذكر عروة بن عقبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف عتابا ومعاذا بمكة قبل خروجه إلى هوازن، ثم خلفهما حين رجع إلى المدينة.
قال ابن هشام: وبلغني عن زيد بن أسلم - رحمه الله تعالى - أنه قال: لما استعمل رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عتابا على مكة رزقه كل يوم درهما، فقام فخطب الناس فقال: " أيها الناس، أجاع الله كبد من جاع على درهم ! ! فقد رزقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - درهما كل يوم، فليست لي حاجة إلى أحد ".
قلت: ترجمته وبعض محاسنه في تراجم الامراء.
قال محمد بن عمر وابن سعد: فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمره غدا يوم الخميس راجعا إلى المدينة، فسلك في وادي الجعرانة، حتى خرج على سرف، ثم أخذ في الطريق إلى مر الظهران، ثم إلى المدينة يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي القعدة - فيما زعمه - أبو عمرو المدني.
قال أبو عمرو: وكانت مدة غيبته - صلى الله عليه وسلم - من حين خرج من المدينة إلى مكة فافتتحها، وواقع هوازن، وحارب أهل الطائف إلى أن رجع إلى المدينة شهرين وستة عشر يوما.
ذكر بعض ما قيل من الشعر في هذه الغزوة قال بجير بن زهير بن أبي سلمى - بضم أوائل الثلاثة - رضي الله عنه - يذكر حنينا والطائف: كانت علالة يوم بطن حنين * وغداة أوطاس ويوم الابرق جمعت باغواء هوازن جمعها * فتبددوا كالطائر المتمزق لم يمنعوا منا مقاما واحدا * إلا حبارهم وبطن الخندق ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا * فتحصنوا منا بباب مغلق ترتد حسرانا إلى رجراحة * شهباء تلمع بالمنايا فيلق ملمومة خضراء لو قذفوا بها * حصنا لظل كانه لم يخلق مشي الضراء على الهراس كاننا * قدر تفرق في القياد وتلتقي في كل سابغة إذا ما استحصنت * كالنهي هبت ريحه المترقرق جدل تمس فضولهن نعالنا * من نسج داود وآل محرق
وقال كعب بن مالك - رضي الله عنه - في مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف.
قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أجممنا السيوفا نخبرها ولو نطقت لقالت * قواطعهن دوسا أو ثقيفا(5/407)
فلست بحاضن إن لم تروها * بساحة داركم منا ألوفا وننتزع العروش ببطن وج * وتصبح دوركم منكم خلوفا وياتيكم لنا سرعان خيل * يغادر خلفه جمعا كثيفا إذا نزلوا بساحتكم سمعتم * لها مما أناخ بها رجيفا بايديهم قواضب مرهفات * يزدن المصطلين بها الحتوفا كامثال العقائق أخلفتها * قيون الهند لم تضرب كتيفا تخال جدية الابطال فيها * غداة الزحف جاديا مدوفا أجدهم أليس لهم نصيح * من الاقوام كان بنا عريفا يخبرهم بأنا قد جمعنا * عتاق الخيل والنحت الطروفا وأنا قد أتيناهم بزحف * يحيط بسور حصنهم صفوفا رئيسهم النبي وكان صلبا * نقي القلب مصطبرا عزوفا رشيد الامر ذا حكم وعلم * وحلم لم يكن نزقا خفيفا نطيع نبينا ونطيع ربا * هو الرحمن كان بنا رؤوفا فان تلقوا إلينا السلم نقبل * ونجعلكم لنا عضدا وريفا وإن تابوا نجاهدكم ونصبر * ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا نجالد ما بقينا أو تنيبوا * إلى الاسلام إذعانا مضيفا نجاهد لا نبالي من لقينا * أأهلكنا التلاد أم الطريفا وكم من معشر ألبوا علينا * صميم الجذم منهم والحليفا
أتونا لا يرون لهم كفاء * فجذعنا المسامع والانوفا بكل مهند لين صقيل * نسوقهم بها سوقا عنيفا لامر الله والاسلام حتى * يقوم الدين معتدلا حنيفا ونفني اللات والعزى وودا * ونسلبها القلائد والشنوفا فامسوا قد أقروا واطمانوا * ومن لا يمتنع يقبل خسوفا تنبيهات الأول: الطائف بلد كثير الاعناب والنخيل على ثلاث مراحل من مكة من جهة المشرق، قال في القاموس: سمي بذلك لانه طاف بها في الطوفان، أو لان جبريل - صلى الله عليه وسلم - طاف بها على البيت، أو لانها كانت بالشام فنقلها الله تعالى إلى الحجاز بدعوة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أو لان رجلا من الصدف أصاب دما بحضرموت ففر إلى وج، وحالف مسعود(5/408)
بن معتب، وكان معه مال عظيم، فقال: هل لكم أن أبني لكم طرفا عليكم يكون لكم ردءا من العرب ؟ فقالوا: نعم.
فبناه بماله وهو الحائط المطيف به.
الثاني: اقتضت حكمة الله تعالى - تأخير فتح الطائف في ذلك العام لئلا يستاصلوا أهله قتلا، لانه تقدم في باب سفره إلى الطائف أنه - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى الطائف دعاهم إلى الله - تعالى - وأن يؤوه حتى يبلغ رسالة ربه تبارك وتعالى، وذلك بعد موت عمه أبي طالب فردوا عليه ردا عنيفا، وكذبوه ورموه بالحجارة حتى أدموا رجليه، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهموما فلم يستفق من همومه إلا عند قرن الثعالب (1) فإذا هو بغمامة وإذ فيها جبريل - صلى الله عليه وسلم - ومعه ملك الجبال - صلى الله عليه وسلم - فناداه ملك الجبال، فقال: يا محمد إن الله - تعالى - يقرئك السلام، وقد سمع قولة قومك وما ردوا عليك فان شئت أن أطبق عليهم الاخشبين فعلت "، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بل أستاني بهم لعل الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله - تعالى - وحده لا يشرك به شيئا " فناسب قوله: بل أستاني بهم أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم، وإن يؤخر
الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام القابل كما سيأتي في الوفود.
الثالث: لما منع الله سبحانه وتعالى - الجيش غنائم مكة فلم يغنموا منها ذهبا ولا فضة ولا متاعا ولا سبيا ولا أرضا، وكانوا قد فتحوها بانجاب الخيل والركاب، وهم عشرة آلاف وفيهم حاجة إلى ما يحتاجه الجيش من أسباب القوة، حرك الله - سبحانه وتعالى - قلوب المشركين في هوازن لحربهم، وقذف في قلب كبيرهم مالك بن عوف إخراج أموالهم ونعمهم وشابهم وشيبهم معهم نزلا وكرامة وضيافة لحرب الله - تعالى - وجنده، وتمم تقديره تعالى بأن أطمعهم في الظفر، وألاح لهم مبادئ النصر ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
ولو لم يكن يقذف الله - تعالى - في قلب رئيسهم مالك بن عوف أن سوقهم معهم هو الصواب لكان الرأي ما أشار به دريد، فخالفه فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين، فلما أنزل الله تعالى نصره على رسوله وأوليائه وردت الغنائم لاهلها وجرت فيها سهام الله - تعالى - ورسوله، قيل لا حاجة لنا في دمائكم ولا في نسائكم وذراريكم، فأوحى الله - تعالى - إلى قلوبهم التوبة فجاءوا مسليمن.
فقيل من شكران إسلامكم وإتيانكم أن ترد عليكم نساؤكم وأبناؤكم وسبيكم و (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) [ الانفال 70 ].
الرابع: اقتضت حكمة الله - تعالى - أن غنائم الكفار لما حصلت قسمت على من لم يتمكن الايمان من قلبه من الطبع البشرى من محبة المال، فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم،
__________
(1) وقرن المنازل، وهو قرن الثعالب: ميقات أهل نجد تلقاء مكة، على يوم وليلة.
مراصد الاطلاع 3 / 1082.
(*)(5/409)
وتجتمع على محبته، لانها جبلت على حب من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من كبار المجاهدين ورؤساء الانصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها، لانه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم بخلاف قسمة على المؤلفة لان فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الاسلام ولتقوية قلب من
دخل إليه قبل، تبعهم من دونهم في الدخول، فكان ذلك مصلحة عظيمة.
الخامس: ما وقع في قصة الانصار، اعتذر رؤساؤهم بان ذلك من بعض أتباعهم وأحداثهم، ولما شرح لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنعوا رجعوا مذعنين، وعلموا أن الغنيمة: ما حصل لهم من عود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بلادهم.
فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا بما حازوه من الفوز العظيم ومجاوره النبي الكريم حيا وميتا، وهذا داب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه.
السادس: رتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من الله - تعالى - به على الانصار على يديه من النعم ترتيبا بالغا، فبدا بنعمة الايمان التي لا يوازنها شئ من أمور الدنيا، وثنى بنعمة الايمان وهي أعظم من نعمة المال، لان الاموال قد تبذل في تحصيلها وقد لا تحصل، فقد كانت الانصار في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها، فزال ذلك بالاسلام كما قال تعالى: (لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) [ الانفال 103 ].
السابع: قوله - صلى الله عليه وسلم - " لو لا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ".
قال الخطابي: أراد بهذا الكلام: تأليف الانصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم، حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما منعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبة الانسان تقع على وجوه: الولادة والاعتقادية والبلادية والصناعية، ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لانه ممتنع قطعا، وأما الاعتقادي فلا معنى للانتقال عنه فلم يبق إلا القسمان الاخيران، كانت المدينة دار الانصار والهجرة إليها أمرا واجبا، أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم.
وقال القرطبي: معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم لما كانوا يتناسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وترتيبها سبقت فمنعت ما سوى ذلك، وهي أعلى وأشرف فلا تبدل بغيرها.
الثامن: قوله - صلى الله عليه وسلم - " لسلكت وادي الانصار " أو " شعب الانصار " أراد رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا أو ما بعده التنبيه على جزيل ما حصل للانصار من ثواب النصرة والقناعة بالله(5/410)
ورسوله عن الدنيا، ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله.
قال الخطابي: لما كانت العادات أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه - وأرض الحجاز كثيرة الاودية والشعاب - فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا، فاراد أنه مع الانصار قال: ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب، كما يقال فلان في واد وأنا في واد.
التاسع: في شرح غريب ما سبق: الفل - بفتح الفاء وتشديد اللام: القوم المنهزمون.
رموا - بتشديد الميم المضمومة.
عقيل - بضم العين.
السرح - بفتح السين المهملة، وسكون الراء: المال السائم.
خيابر - لغة في خيبر، وتقدم ذلك في غزوتها.
فدك - بفتح الفاء والدال المهملة - مكان، قال ابن سعد: على ستة أميال من المدينة.
أرضنا هوازن: دخل أرضهم قهرا.
لم يعرج عليه: لم يمل.
عرش - بضم العين والراء والشين المعجمة: جمع عريش..بيوت مكة سميت بذلك لانها كانت عيدانا تنصب ويظلل عليها.
عارض - بالعين المهملة والضاد المعجمة بينهما راء مكسورة.
هرقت - بهاء مهملة فراء فقاف مفتوحات.
الهدر: الباطل الذي لا يؤخذ بثاره.
يظعن - بالظاء المعجمة المشالة: يرحل.
نخلة - بلفظ واحدة النخل بالخاء المعجمة: موضع على ليلة من مكة.
قرن - بفتح القاف وسكون الراء، وغلطوا من فتحها، وهو قرن الثعالب والمنازل يبعد عن مكة نحو مرحلتين.
المليح - بالحاء المهملة والتصغير واد بالطائف.
بحرة - بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة.
وبالراء.
الرعاء - براء مكسورة، فعين مهملة، فالف ممدودة: جمع راع.
لية: تقدم.
أقاد من القاتل: قتله بمقتوله.(5/411)
الضيقة: ضد الواسعة.
نخب - بفتح النون وكسر الخاء المعجمة، وقيل بسكونها، فموحدة: واد بالطائف قيل بينه وبينه ساعة.
الصادرة - بصاد ودال مهملتين بينهما ألف فراء فتاء موضع.
أبو رغال - بكسر الراء وبالغين المعجمة واللام.
الغصن - بضم الغين المعجمة: واحد الاغصان، وهي أطراف الشجر، والمراد به هنا قضيب من ذهب.
شرح غريب ذكر محاصرته - صلى الله عليه وسلم - الطائف وذكر بعثه - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي: من نزل من العبيد فهو حر وذكر رميه - صلى الله عليه وسلم - حصن الطائف بالمنجنيق رجل جراد - بكسر الراء وإسكان الجيم وهو الجراد الكثير، وتقدم بزيادة في غريب ألفاظ غزوة حنين.
السارية: الاسطوانة.
النقيض - بفتح النون وكسر القاف، وسكون التحتية وبالضاد المعجمة: الصوت.
عبد ياليل - بتحتيتين وكسر اللام الاولى.
معتب - بضم الميم وفتح المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة.
النبال - بفتح النون وتشديد الموحدة وباللام.
البكرة - بفتح الموحدة: وبالكاف وتسكن آلة يستقى عليها.
الغيظ - بالظاء المعجمة المشالة: الغضب.
يمونه: يقوم بامره.
المنجنيق - بفتح الميم وقد تكسر، يؤنث وهو أكثر، ويذكر، فيقال: هي المنجنيق، وعلى التذكير: هو المنجنيق: ويقال: المنجنوق ومنجليق، وهو معرب، وأول من عمله قبل الاسلام إبليس حين أرادوا رمي سيدنا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وهو أول منجنيق رمي به في الاسلام، أما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة - بضم الجيم، وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية ابن مالك المعروف بالابرش أول من رمى بها، وهو من ملوك الطوائف.
الثواء - بفتح الثاء المثلثة: الاقامة.(5/412)
ابن زمعة - بفتح الزاي والميم وبسكونها، فعين مهملة.
الدبابة - بالدال المهملة: فموحدة مشددة، وبعد الالف موحدة فتاء تأنيث: آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال فيندفعون بها الى الاسوار لينقبوها.
جرش - بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة: من مخاليف اليمن من جهة مكة.
الحسك - بحاء فسين مهملتين فكاف مفتوحات: نبات تعلق ثمرته بصوف الغنم وورقه كورق الرجلة وأدوره وعند ورقه شكوك ملوز صلب ذو ثلاث شعب.
والشدخة - بفتح الشين المعجمة وسكون الدال المهملة، وفتح الخاء المعجمة فتاء تأنيث، والشدخ: كسر الشئ.
الحبلات - بحاء مهملة، فباء فلام مفتوحات فألف فتاء جمع حبلة بفتحات وربما
سكنت الباء: الاصل أو القضيب من شجر الاعناب.
النفر: ما دون العشرة من الرجال.
الذريع - بالذال المعجمة: السريع.
الجلابيب - بالجيم [ فالام فألف ] فموحدة فتحتية فموحدة - وزن دنانير - الغرباء.
يدعها الله - بفتح الدال: يتركها.
تبتئس: تحزن.
أحبل - بفتح أوله وسكون الحاء المهملة وضم الموحدة: جمع حبلة - بفتح الحاء والموحدة: شجر العنب.
تسور حصن الطائف: صعد الى أعلاه ثم تدلى منه.
ثالث ثلاثة وعشرين بنصب ثالث.
شرح غريب ذكر اشتداد الامر وما يذكر معه عبسة بفتح العين المهملة والموحدة والسين المهملة.
عدل - بفتح العين وسكون الدال المهملة - مثل الاجر.
المحرر: المعتق.
المخنث - بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، والنون المشددة - وكسرها أفصح، وفتحها أشهر - فمثلثة: وهو من فيه انخناث أي تكسر وتثن كالنساء.
غيلان بن سلمة - بفتح الغين المعجمة، أسلم بعد فتح الطائف.(5/413)
تقبل بأربع: أي من العكن - بضم العين المهملة جمع عكة وهي ما انطوى وتثنى من لحم البطن، سمنا، والمراد أطراف العكن التي في بطنها.
تدبر بثمان في جنبيها لم يقل ثمانية، والاطراف مذكرة لانه لم يذكرها كما يقال هذا الثوب سبع في ثمان أي سبعة أذرع في ثمانية أشبار، فلما لم يذكر أشبار أنث لتأنيث الأذرع
التي قبلها، قال الدماميني في المصابيح: أحسن من هذا أنه جعل كلا من الاطراف عكنة تسمية للجزء باسم الكل، فأنث بهذا الاعتبار.
من غير أولي الاربة: الحاجة الى النكاح.
جريج - بضم الجيم وفتح الراء وسكون التحتية وبالجيم.
هيت: بهاء وياء تحتية ففوقية، وضبطه ابن درستويه بهاء مكسورة فنون ساكنة فموحدة، وزعم أن ما سواه تصحيف.
عائذ - بالهمز والذال المعجمة.
ماتع - بميم فألف ففوقية فعين مهملة.
أرى - بضم أوله: أظن.
فلا تفلتن - تطلقن - بالبناء للمفعول فيهما.
بادية - بموحدة فالف فدال مهملة مكسورة فتحتية، وقيل: بالنون بدل التحتية - أسلمت.
الخبيث: خلاف الطيب.
شرح غريب ذكر منام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدال على عدم فتح الطائف وما يذكر معه أهديت - بالبناء للمفعول.
القعبة: كالقصعة (1).
هراق - بفتح الهاء.
الديلي - بكسر الدال المهملة وسكون التحتية.
الجحر - بضم الجيم وسكون الحاء المهملة.
__________
(1) القعب: القدح الضخم الغليظ الجافي، انظر اللسان (قعب).
(*)(5/414)
خوله: بالخاء المعجمة.
حكيم - وزن أمير.
مظعون - بالظاء المعجمة المشالة -.
حلي - بضم الحاء المهملة وكسر اللام.
الفارعة - بالفاء وكسر الراء.
عقيل - بوزن أمير.
زعمت - بزاي فعين مهملة فميم فتاء: تحدثت بما لا يوثق به.
أؤذن الناس: أعلمهم بالرحيل.
قافلون: راجعون إلى المدينة.
اغدوا على القتال، سيروا أول النهار لاجل القتال.
سرح الظهر: أرسله.
آيبون: راجعون.
الاحزاب: أهل الخندق الذين تحزبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قريش وغيرهم، أو أحزاب الكفر.
جمح به فرسه: أسرع به نحو عدوه.
شرح غريب ذكر مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف وما يذكر معه / قوله - دحنا - بفتح الدال وسكون الحاء المهملتين وبالنون، وبالقصر والمد: أرض بين الطائف والجعرانة.
الجعرانة - بكسر الجيم وسكون العين المهلمة وقد تكسر وتشدد الراء.
سراقة - بضم السين المهملة.
جعشم - بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الشين المعجمة.
المقنب - بكسر الميم وسكون القاف وفتح النون وبالموحدة، جماعة الخيل والفرسان، وقيل: هي دون المائة.
إليك إليك - اسم فعل أمر: معناه تنح وابعد.
الغرز - بفتح الغين المعجمة وسكون الراء والزاي، ركاب الابل.(5/415)
الجمارة - بضم الجيم: قلب النخلة.
الضالة من الابل: الضائعة.
تغشى: تاتي.
كبد حرى: بتشديد الراء: تأنيث حران، وهما للمبالغة من الحر، يريد أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش، والمعنى أن في سقي كل ذي كبد حرى أجرا.
أبو رهم - بضم الراء وسكون الهاء " الغفاري " بكسر الغين المعجمة.
الفرق - بفتحتين: الخوف.
روحت - بفتح الراء والواو المشددة والحاء المهملة.
الركاب: الابل.
أترقب: أنتظر.
السبي: ما غنم من النساء والاولاد.
الذراري: الاولاد.
أستاني بهم: انتظر مجيئهم.
زهير - بضم الزاي وفتح الهاء وسكون التحتية.
صرد - بضم الصاد المهملة وفتح الراء وبالدال المهملة، وهو مصروف وليس معدولا.
أبو برقان - بفتح الموحدة وسكون الراء وبالقاف والنون، وهو عمه - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة.
إنا أصل وعشيرة - بعين مهملة مفتوحة فشين مكسورة فتحتية فراء: بنو الاب الادنون أو القبيلة، والجمع: عشائر.
الحظائر - بالظاء المعجمة المشالة: جمع حظيرة وهو الزرب الذي يصنع للابل والغنم ليكنها، وكان السبي في حظائر مثلها.
عماتك وخالاتك: أي من الرضاع.
حواضنك: يعني اللاتي أرضعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحضنه من بني سعد هوازن.
ملحنا - بفتح الميم واللام وسكون الحاء المهملة: أرضعنا، والملح: الرضاع.
الحارث بن أبي شمر: ملك الشام من العرب.
النعمان بن المنذر: ملك العراق من العرب.(5/416)
عائديهما: فضلهما ونيلهما وشفقتهما.
الاوجاقي (1).
الهبل (2): ابن يزيد بالزاي والدال المهملة وزن أمير.
أمينة - بوزن عظيمة.
عفيفة بعين مهملة وفائين وزن عظيمة.
الصيدلاني (3) بفتح الصاد المهملة وسكون التحتية وبالدال المهملة وبالنون.
القبابي - بكسر القاف وتخفيف الموحدة وبعد الالف موحدة أخرى.
مؤنسة روح - بفتح الراء.
الفارقاني: بالفاء وسكون الراء وفاء أخرى.
معمر - بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة.
الفاخر - بالفاء والخاء المعجمة.
الجوزدانية - بجيم مضمومة فواو ساكنة فزاي فدال مهملة فالف فنون.
ريذة - بكسر الراء وسكون التحتية وفتح الذال المعجمة فتاء تأنيث.
الضبي - بفتح الضاد وبالموحدة المشددة.
رماحس - بضم الراء وتخفيف الميم وبعد الالف حاء فسين مهملتين.
قال في النور: الذي يظهر أنه غير منصرف للعلمية والعجمة وليس فيما يظهر من أسماء العربية.
القيسي.
بالقاف المفتوحة والتحتية الساكنة.
رمادة الرملة - بفتح الراء: قرية بقربها.
__________
(1) 127 - (محمد) بن محمد بن أحمد بن عز الدين المحب أبو عبد الله القاهري الشافعي والد الرضى محمد وعبد الرحيم وأحمد المذكورين، ويعرف بابن الاوجاقي.
ولد سنة سبعين وسبعمائة أو التي قبلها بالدرب المعروف بوالده في خط باب اليانسية خارج باب زويلة من القاهرة ونشابها فاخذ الفقه عن البلقيني والملقن وغيرهما.
الضوء اللامع 9 / 549 / 50.
(2) الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدي ثم الصالحي المعروف بابن هبل الطحان ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة وسمع من الفخر بن البخاري ومن التقي الواسطي وأجازا له وسمع بنفسه من التقي سليمان وأخيه وفاطمة بنت سليمان والدمشقي وعثمان الحمصي وعيسى المغاري وغيرهم وحدث بالكثير ورحل إليه الناس وتوفي في صفر، الشذرات 6 / 261، 262.
(3) الصيدلاني [ بفتح الصاد المهملة، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وفتح الدال المهملة، وبعدها اللام ألف، والنون...هذه النسبة لمن يبيع الادوية والعقاقير.
] واشتهر بهذه النسبة جماعة كثيرة، منهم: الانساب 3 / 573.
(*)(5/417)
زياد بن طارق [ بالزاي المكسورة والياء التحتية والالف الممدودة ] والدال المهملة.
أبو جرول - بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الواو ولام.
زهير - بالزاي والتصغير.
الجشمي - بضم الجيم وفتح الشين المعجمة.
امنن - بهمزة مضمومة فميم ساكنة فنون مضمومة وأخرى ساكنة، أي أحسن إلينا من
غير طلب ثواب ولا جزاء.
المرء - بفتح الميم وبالراء والهمز: الرجل، وأل هنا لاستغراق أفراد الجنس، أي أنت المرء الجامع للصفات المحمودة المتفرقة في الرجال.
البيضة هنا: الاهل والعشيرة.
الغير - بكسر الغين المعجمة: تغيير الحال وانتقالها عن الصلاح إلى الفساد.
هتافا - بفتح الهاء وبالفوقية وبالفاء: أي ذا هتف، أي صوت.
الغماء - بفتح الغين المعجمة وتشديد الميم.
الحزن: سمي بذلك لانه يغطي السرور.
الغمر - بغين معجمة مفتوحة وتكسر، فميم فراء: الحقد.
يختبر بالبناء للمفعول.
ترضعها - بضم الفوقية.
إذ: حرف تعليل.
فوك: فمك.
المحض - بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبالضاد المعجمة الساقطة، اللبن الخالص.
الدرر - بكسر الدال المهملة وفتح الراء الاولى: جمع درة، وهي كثرة اللبن وسيلانه.
يزينك - بتحتية مفتوحة فزاي مكسورة فتحتية فنون.
تذر: تترك.
ولا تجعلنا - بفوقية مفتوحة فجيم ساكنة فعين فلام مفتوحة فنون مشددة فالف.
شالت نعامته: أي هلكت والنعامة باطن القدم، وشالت: ارتفعت، ومن هلك ارتفعت رجلاه وسكن راسه فظهرت نعامة قدامه.(5/418)
استبق: بسين مهملة فمثناة فتحتية موحدة فقاف.
زهر بضم الزاي والهاء.
نعماء - بنون مفتوحة فعين ساكنة فميم فالف ممدودة: النعمة.
كفرت - بضم الكاف وكسر الفاء وفتح الراء.
مدخر - بميم مضمومة فدال مشددة فخاء معجمة مفتوحتين أصله مذتخر، فلما أرادوا الادغام ليخف النطق قلبو التاء إلى ما يقاربها من الحروف، وهي الدال المهملة لانهما في مخرج واحد فصارت متخر مدخر، والاكثر أن تقلب الذال المعجمة دالا مهملة ثم تدغم فيها فتصير دالا مشددة.
فالبس - بفتح الهمزة وكسر الموحدة.
مشتهر - بميم مضمومة فشين معجمة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فهاء مكسورة فراء: ظاهر.
مرحت - بفتح الميم والراء والحاء المهملة: نشطت وخفت.
الكمت - بضم الكاف وسكون الميم ومثناة فوقية جمع كميت، وهو من الخيل.
يستوى فيه المذكر والمؤنث من الكمتة وهي حمرة خالطتها قنوة، قال الخليل: إنما صغر لانه بين السواد والحمرة كانه لم يخلص له واحدة منهما فارادوه بالتصغير لانه منها قريب.
الجياد تقدم تفسيره.
الهياج - بكسر الهاء وتخفيف التحتية وبالجيم: القتال.
استوقد بالبناء للمفعول.
الشرر: تقدم تفسيره.
نؤمل: نرجو.
تلبسه - بضم الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة.
راهبة - بالموحدة خائفة.
يهدى - بالبناء للمفعول.
الظفر: الفوز.
المسور - بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو.
مخرمة - بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء.(5/419)
البضع - في العدد بكسر الموحدة، وبعض العرب يفتحه: من الثلاثة الى التسعة، يقال بضع رجال وبضع نسوة ومن ثلاثة عشر بضعة مع المذكر وبضع مع المؤنث.
قفل - بفتح القاف والفاء: رجع.
الاحساب: جمع حسب بفتحتين: الشرف.
قال الازهري: له ولآبائه من الحساب.
وهو عد المناقب لانهم كانوا إذا تفاخروا عد كل واحد مناقبه ومناقب آبائه.
العرفاء - جمع عريف وهو مدبر أمر القوم والقائم بأمر ساستهم.
يفئ الله علينا - بضم التحتية وكسر الفاء، وهمز آخره.
سليم - بضم أوله وفتح اللام.
وهنتموني: ضعفتموني.
فسبيل ذلك - بفتح اللام على أنه مفعول بفعل مقدر وبضمها على أنه خبر مبتدأ محذوف.
الفرائض - جمع فريضة، وهو البعير المأخوذ في الزكاة، سمي فريضة لانه فرض، على رب المال، ثم اتسع فيه حتى سمي البعير فريضة.
المعقد - بضم الميم وفتح العين وتشديد القاف، وهو ضرب من برود هجر.
شرح غريب ذكر دعائه - صلى الله عليه وسلم - على من أبى أن يرد شيئا من السبي أن يخيس سهمه قال في الصحاح: خاست الجيفة أي أروحت، ومنه قيل خاس البيع والطعام كأنه كسد حتى فسد.
السهم هنا: النصيب.
قبطية - بضم القاف: ثياب بيض رقاق من كتان وقطن.
هل لك في كذا [ هل تريد كذا ].
بناهد - بنون فألف فهاء فدال: يقال نهد الثدى: كعب.
بواجد - من الوجد وهو الحزن: أي لا يحزن زوجها عليها لانها عجوز كبيرة.
الدر: اللبن.
المالد: القربة هنا.
السمل - بفتح السين المهملة والميم وباللام: الخلق - بفتح الخاء وكسر اللام.(5/420)
الفرص - بضم الفاء وفتح الراء وبالصاد المهملة جمع فرصة، وهي اسم من تفارص القوم الماء القليل لكل منهم نوبة وأطلق على النهزة - بضم النون وسكون الهاء وبالزاي.
شرح غريب - ذكر قسمه - صلى الله عليه وسلم - أموال هوازن انتزعت رداءه: اقتلعته.
تهامة - بكسر الفوقية: ما انخفض من الارض.
النعم - بفتح النون والعين: المال الراعي، وأكثر ما يقع على الابل.
ألفيتموني: وجدتموني.
السنام: أعلى ظهر البعير.
الوبرة: واحدة الوبر.
الخياط والمخيط: الابرة.
الشنار - بفتح الشين المعجمة وبالنون: أقبح العار.
الكبة من الشعر ونحوه - بضم الكاف وتشديد الموحدة.
عبادة - بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة.
الانملة - بتثليث الهمزة مع تثليث الميم: العقد من الاصابع أو رؤوسها.
علقت به الاعراب: لزموه وجبذوا أثوابه.
اضطروه إلى شجرة: ألجأوه إليها وأحوجوه.
السمرة - بفتح السين وضم الميم من شجر الطلح.
العضاة - ككتاب: شجر الشوك كالطلح والعوسج، والهاء أصلية، الواحدة عضة بالهاء والتاء، والاصل عضهة كعنبة.
برد نجراني - منسوب إلى نجران - بفتح النون وسكون الجيم وبالنون: إقليم معروف.
جذبه - بفتح الجيم وبالذال المعجمة: شدة إلى نفسه: أي سحبه إليه.
شرح غريب ذكر إعطائه - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم وقول العباس بن مرداس كانت: أي الابل والماشية.
النهاب بكسر النون وبالهاء وبعد الالف موحدة جمع نهب - وهو ما ينهب ويغنم.
تلافيتها: تركتها.
الكر - بفتح الكاف وتشديد الراء: عود الفارس للقتال.(5/421)
المهر - بضم الميم وسكون الهاء: ولد الخيل.
الاجرع - بفتح أوله وسكون الجيم وفتح الراء وبالعين المهملة: المكان السهل.
الايقاظ: مصدر أيقظه من نومه إذا نبهه.
القوم - بالفتح مفعول.
هجع هنا: نام.
العبيد - بلفظ تصغير عبد - اسم فرسه.
ذو تدرأ - بضم الفوقية وسكون الدال المهملة وبالراء وبالهمز، أي ذو دفع من قولك
درأه إذا دفعه.
الافائل - جمع أفأل - بفتح أوله وسكون الفاء وبالهمز وهي الصغار من الابل.
عديد قوائمها الاربع - بعين فدالين مهملات بينهما تحتية كالعدد اسمان للعد.
وهو الاحصاء.
وما كان حصن: والد عيينة.
ولا حابس: والد الاقرع.
يفوقان - بتحتية ففاء فواو فقاف، يعلوان شرفا.
شيخي: يعني أباه مرداس، ومن قال شيخي تثنية شيخ فيعني أباه وجده، ويروى يفوقان مرداس.
بين مكة والمدينة كذا في الصحيح.
والصواب بين مكة والطائف، وبه جزم النووي.
ألا تنجز لي ما وعدتني من غنيمة حنين، وكان ذلك وعدا خاصا به.
أبشر - بقطع الهمزة أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر.
فاقبلا بفتح الموحدة.
مج فيه: بميم مفتوحة فجيم مشددة: رمى.
وأفرغا بقطع الهمزة وكسر الراء: صبا.
أفضلا - بقطع الهمزة وكسر الضاد المعجمة.
لامكما: تعني نفسها.
طائفة: بقية.(5/422)
شرح غريب ذكر بيان الحكمة في عطائه - صلى الله عليه وسلم - أقواما جعيل - بالتصغير.
سراقة - بضم السين.
طلاع الارض - بكسر الطاء: ما ملاها حتى يطلع عنها ويسيل.
الرهط - بفتح الراء وسكون الهاء وفتحها.
ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة، أو منها إلى الاربعين.
مالك عن فلان: [ ما صرفك عنه ].
تغلب - بفتح الفوقية وسكون الغين المعجمة وكسر الموحدة لا ينصرف.
الهلع: اشد الجزع.
الجزع كالتعب: ضد الصبر.
حمر النعمر [ خيارها ].
شرح غريب ذكر عتب جماعة من الانصار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائر الناس - هنا باقيهم، ويكون بمعنى جميعهم كما ذكره الجوهري وابن الجواليقي وابن بري، وغلط من غلط الجوهري، واستشهد له قال ابن ولاد: سائر توافق بقية: نحو أخذت من المال وتركت سائره لان المتروك بمنزلة البقية وتفارقها من حيث أن السائر - لما كثر والبقية لما قل - لهذا نقول: أخذت من الكتاب بقيته وتركت سائره، ولا نقول تركت بقيته.
وجدوا - بفتح الواو والجيم: حزنوا.
وفي رواية وجد بضم الواو والجيم جمع واحد، ووجد عليه في نفسه: غضب.
القالة: الكلام الردئ.
يغفر الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - قالوه توطئة وتمهيدا لما يرد بعده من العتاب لقوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) [ التوبة 43 ] الطلقاء بضم الطاء المهملة وفتح اللام وبالقاف والمد: جمع طليق، فعيل بمعنى مفعول - منقول وهم من من عليهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ولم ياسرهم ولم يقتلهم.
وسيوفنا تقطر من دمائهم: جملة في محل النصب على الحال مقررة لجهة الاشكال،
وهو من باب عرضت الناقة على الحوض.(5/423)
إذا كانت شديدة - بالرفع والنصب.
استعتبناه: طلبنا منه العتبى - بضم العين وسكون التاء وفتح الباء: طلب الرضى.
فحدث - بضم الحاء وكسر الدال مبنيا للمفعول، أي أخبر بمقالتهم.
أين أنت من ذلك.
الحظيرة - بالحاء المهملة والظاء المعجمة المشالة، يشبه الزرب للماشية والابل.
في قبة من أدم - بفتح الهمزة المقصورة والدال المهملة: جلد بلا دبغ.
فجاء رجل من المهاجرين.
ضلالا بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الاولى: أي بالشرك.
عالة - بعين مهلمة فلام مخففة: فقراء لا مال لكم.
الله ورسوله أمن: من المنة وهي النعمة.
المخذول: الذي ترك قومه نصره.
حديثو عهد بجاهلية ومصيبة من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم.
أجبرهم - بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الموحدة: من الجبر عند الكسر.
وفي رواية أجيزهم - بضم الهمزة وكسر الجيم بعدها تحتية ساكنة فزاي: من الجائزة.
اللعاعة - بضم اللام وبعينين مهملتين، بقلة خضراء ناعمة شبه بها زهرة الدنيا ونعيمها في قلة بقائها.
القسم - بكسر القاف: الحظ والنصب.
الرحل هنا: منزل الرجل ومسكنه وبيته الذي فيه أثاثه، ذكرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما غفلوا عنه من عظم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من عرض الدنيا الفانية.
الشاة والبعير اسما جنس يقع يقع كل منهما على الذكر والانثى.
يحوزونه - بالحاء المهملة.
الشعب - بكسر الشين المعجمة وسكون العين: الطريق في الجبل.
الوادي: المكان المنخفض، وقيل: الذي فيه ماء، والمراد بلدهم.
لو سلك الانصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الانصار أو شعبهم، أشار - صلى الله عليه وسلم - بذلك إلى ترجيحهم بحسن الجوار والوفاء بالعهد لا وجوب متابعته إياهم إذ هو - صلى الله عليه وسلم - المتبوع المطاع لا التابع المطيع، فما أكثر تواضعه - صلى الله عليه وسلم -.(5/424)
الشعار - بكسر الشين المعجمة: الثوب الذي يلي الجسد.
الدثار - بكسر الدال المهملة وبالثاء المثلثة المفتوحة: ما يجعل فوق الشعار، أي أن الانصار بطانته وخاصته وأنه أحق به أقرب إليه من غيرهم، وهو تشبيه بليغ.
أخضلوا لحاهم - بفتح أوله وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين: بلوها بالدموع.
أثرة - بفتح الهمزة والثاء المثلثة، وبضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحتين، ويجوز كسر أوله مع إسكان ثانيه، أي يستاثر عليكم بما لكم فيه اشتراك في الاستحقاق.
فاصبروا حتى تلقوني على الحوض يوم القيامة فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم على الثواب الجزيل على الصبر.
شرح غريب شعر حسان - رضي الله عنه السح - بفتح السين وتشديد الحاء المهملتين: يقال: سح المطر إذا صب.
حفلته - بفتح الحاء المهملة والفاء واللام وسكون الفوقية: أي جمعته، ومنه المحفل وهو مجتمع الناس.
العبرة - بفتح العين المهملة وسكون الموحدة: الدمع.
درر - بدال مهملة ورائين: سائلة الوجد: الحزن.
شماء - بشين معجمة مفتوحة فميم مشددة [ فالف ] فهمز: اسم امرأة.
البهكنة - بتفح الموحدة وسكون الهاء وفتح الكاف وبالنون: المرأة ذات الشباب غضة، وقال في الاملاء كثيرة اللحم.
هيفاء: ضامرة الخاصرة، ومن روى قوله لا دنن بالدال المهملة فمعناه: تطامن الصدر وغوره، ومن رواه بالمعجمة فمعناه: القذر بالقاف المفتوحة والذال المعجمة المكسورة، ومنه الذنين وهو ما يسيل من الانف، ومن رواه لا أذن فمعناه: [ الذي يسيل منخراه جميعا ].
الخور - بفتح الخاء المعجمة والواو وبالراء: الضعف.
دع: أترك.
النزر: القليل.
علام - حذفت ألف ما الاستفهامية لدخول حرف الجر عليها.
نازحة بالنون والزاي والحاء المهملة: بعيدة.(5/425)
الحرب العوان: هي التي قوتل فيها مرة بعد مرة.
تستعر: تلتهب وتشتعل.
اعترفوا: صبروا.
النائبات: ما ينوب الانسان وما ينزل به من المهمات والحوادث.
وما خاموا - بالخاء المعجمة ما جبنوا وما ضجروا، أي ما أصابهم حرج ولا ضيق.
الناس ألب - بهمزة مفتوحة فلام ساكنة فموحدة، أي مجتمعون على التدبير للعدو من حيث لا نعلم.
القنا - بالقاف والنون: الرماح.
الوزر - بفتح الواو والزاي: الملجأ.
نجالد الناس: نقاتلهم.
توحي - بمثناة فوقية مضمومة فواو ساكنة فحاء مهملة مفتوحة فتحتية من الوحي.
لا تهر - بفوقية مفتوحة فهاء مكسورة فراء: لا تكره.
جناة الحرب - بجيم مضمومة فنون فالف فتاء تأنيث: جمع جان.
النادي - بالنون: المجلس.
تلظى - بفوقية فلام فظاء معجمة مفتوحات فتحتية.
تلتهب وتضطرم، وهو من لظى من أسماء النار لا ينصرف للعلمية والتأنيث.
نسعر: نوقد الحرب ونشعلها.
النعف - بفتح النون وسكون العين وبالفاء: أسفل الجبل.
حزبت - بفتح الحاء المهملة وتشديد الزاي: أجمعت وأعان بعضها بعضا.
ما ونينا - بواو مفتوحة فنون فتحتية ساكنة فنون ما فترنا.
وما خمنا: تقدم.
شرح غريب ذكر اعتراض بعض الجهلة من أهل الشقاق وما يذكر معه قوله: الشقاق - بكسر الشين: الخلاف والمعاندة.
الصرف - بكسر الصاد، وهو هنا صبغ يصبغ به الاديم.
معتب - بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة.(5/426)
قشير - بقاف وشين معجمة وبالتصغير.
ذو الخويصرة - بالخاء المعجمة تصغير خاصرة.
أجل: كنعم وزنا ومعنى.
شقيت - بشين معجمة مفتوحة فقاف مكسورة فتحتية فتاء، روي ضمها وفتحها.
معاذ الله: أي أعوذ بالله معاذا، يقال: معاذ الله ومعاذة الله وعوذ الله وعياذة الله بمعنى واحد، أي أستجير بالله.
شيعة الرجل - بشين معجمة مكسورة فمثناة تحتية فعين مهملة: أتباعه.
يتعمقون: يتبعون أقصاه، وعمق الشئ بعد قعره، وهو بعين مهملة.
الرمية - براء مفتوحة فميم مكسورة فتحتية مشددة فتاء تأنيث: الصيد: الذي ترميه فتصيده وينفذ فيه سهمك، وقيل: هي كل دابة مرمية.
النصل - حديدة السهم.
القدح - بكسر القاف: السهم، قبل أن يراش ويركب نصله.
الفوق - بضم الفاء يذكر ويؤنث: طرف السهم الذي يباشر الوتر.
الرصاف - بكسر الراء وبالصاد المهملة والفاء عقب بفتحتين - يلوى على مدخل النصل في السهم.
النضى - بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة: نصل السهم، وقيل: هو السهم قبل أن ينحت إذا كان قدحا.
قال أبو موسى المديني وابن الاثير: وهو أولى، لانه قد جاء في الحديث ذكر النصل بعد النضي، وقيل: هو من السهم ما بين الريش والنصل قالوا سمي نضيا لكثرة البري والنحت، فكأنه جعل نضوا أي هزيلا.
القذذ - بفتح القاف وفتح الذال المعجمة وآخره [ ذال ] أخرى: ريش السهم واحدتها قذذة.
الفرث: ما يوجد في كرش ذي الكرش.
الحناجر - جمع حنجرة: الحلقوم.
يمرقون من الدين يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يخرق السهم الشئ المرمي به ويخرج منه.
آيتهم: علامتهم.(5/427)
العضد بتثليث العين كرجل - ويسكن وكبد وحمل، وبضمتين ويسكن: ما بين المرفق الى الكتف.
الثدي - بمثلثة مفتوحة فدال مهملة ساكنة.
البضعة - بفتح الموحدة: القطعة.
تدردر - بفتح الفوقية والدال المهملة، وسكون الراء وبالدال المهملة آخره [ راء ] تترجرج.
مضارع مرفوع حذفت منه التاء.
يخرجون على حين - بالحاء والنون.
فرقة - بضم الفاء: أي افتراق من المسلمين، وروي على خير بالمعجمة والراء، فرقة بالكسر: وهو علي وأصحابه.
شرح غريب ذكر قدوم مالك بن عوف - رضي الله عنه - الموفور: الكثير.
دحنا - بضم الدال وتفتح وسكون الحاء المهملتين، بالقصر والمد: أرض بين الطائف والجعرانة.
ركضه: استحثه الجري.
العطاء الجزيل: العطاء الكثير.
إذا اجتدى - بضم أوله وسكون الجيم وضم الفوقية وكسر الدال المهملة: أي طلبت منه العطية.
الكتيبة - بالفوقية: الطائفة المجتمعة من الجيش.
عردت - بعين مهملة فراء فدال مهملة مفتوحات فتاء: اعوجت.
أنيابها - جمع ناب: السن خلف الرباعية، مؤنث.
السمهري - بفتح السين المهملة وسكون الميم وفتح الهاء وبالراء: الرماح المنسوبة الى سمهر: قرية بالهند.
المهند: السيف المطبوع من حديد الهند.
الليث: الاسد.
الاشبال: جمع شبل وهو: ولد الاسد.(5/428)
الهباءة: الغيرة، ويروى المباءة، بفتح الميم والموحدة والهمز: منزل القوم في كل موضع.
الخادر: الداخل في خدره، والخدر هنا غابة الاسد.
المرصد: الموضع الذي يرصد منه ويترقب.
فهم - بفتح الفاء وسكون الهاء.
سلمة - بكسر اللام.
ثمالة - بضم الثاء المثلثة.
قد ضوى: [ أي انضم ].
اعتقد لواء: عقده.
السرح: [ المال يسام في المرعي من الانعام ].
شرح غريب ذكر رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى المدينة قوله مجنة - بفتح الميم والجيم والنون المشددة.
مر - بفتح الميم وتشديد الراء مضاف الى الظهران تثنية ظهر الحيوان: موضع على مرحلة من مكة.
سرف - بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء: موضع.
شرح غريب شعر بجير بجير - بموحدة مضمومة فجيم فتحتية ساكنة فراء.
زهير بالتصغير ابن أبي سلمى - بضم السين المهملة وسكون اللام وفتح الميم.
العلالة: بضم العين المهملة " من العلل "، وهو الشرب بعد الشرب، وأراد به هنا معنى التكرار.
وقال في الاملاء وفي الروضة: العلالة جرى بعد جرى، أي قتال بعد قتال، يريد أن
هوازن جمعت جمعها علالة في ذلك اليوم، وحذف التنوين من علالة ضرورة وأضمر في كانت اسمها وهو ضمير القصة.
يوم - بالخفض في عدة نسخ صحيحة من السيرة، وجاز على هذا في علالة النصب خبر كان، ويكون اسمها عائدا على شئ تقدم ذكره، ويجوز الرفع في علالة مع اضافتها الى اليوم على أن تكون كان تامة مكتفية باسم واحد، ويجوز أن تجعل اسما على المصدر مثل برة وفجار، وبنصب يوما على الظرف.(5/429)
أوطاس: اسم موضع يأتي ذكره في السرايا.
الابرق: موضع، وأصله الجبل الذي فيه ألوان من الحجارة والرمل.
الاغواء - بالغين المعجمة: من الغي الذي هو خلاف الرشد.
حسرانا: يعني الذين أعيوا منا من الحسير وقد يجوز أن يكون الحسرى هنا الذين لا درع لهم.
الرجراجة - بفتح الراء وسكون الجيم الاولى: الكتيبة التي يموج بعضها في بعض.
المنايا - جمع منية: وهي الموت.
الفيلق - بفتح الفاء وسكون التحتية وفتح اللام وبالقاف: الجيش الكثير الشديد.
ملمومة: مجتمعة.
خضراء: يعني من لون السلاح.
حضن - بفتح الحاء المهملة والضاد المعجمة وبالنون: اسم جبل.
الضراء - بكسر الضاد المعجمة الساقطة وبالراء: الاسود الضارية.
الهراس - بفتح الهاء والراء والسين المهملة: نبات به شوك.
فدر - بضم أوله والدال المهملة وتسكن وبالراء، فمن رواه بالقاف عنى خيلا تجعل أرجلها في موضع أيديها إذا مشت، ومن رواه بالفاء عنى الوعول، واحدها فادر.
القياد - بقاف مكسورة فتحتية فألف فدال مهملة.
السابغة بالغين المعجمة: الدرع الكاملة.
استحصنت: احتمت بالحصن.
النهي - بكسر النون وسكون الهاء: الغدير من الماء.
المترقرق: المتحرك.
جدل - بضم الجيم والدال المهملة وباللام: جمع جدلاء: وهي: الدرع الجيدة النسج.
فضولهن: ما انجر منهن.
محرق: لقب عمرو بن هند ملك الحيرة.
شرح غريب شعر كعب بن مالك - رضي الله عنه - تهامة: ما انخفض من أرض الحجاز.(5/430)
الريب: الشك.
أجممنا: بالجيم: أرحنا.
الحاضن: المرأة التي تحضن ولدها.
ساحة الدار: وسطها، ويقال فناؤها.
العروش بالشين المعجمة: وهي هنا سقف بيوت مكة.
وج - بفتح الواو وتشديد الجيم: اسم موضع.
الخلوف - بضم الخاء المعجمة واللام وبالفاء: الغائبون، وفي غير هذا الموضع بمعنى الحاضرين، وهو من الاضداد.
السرعان - بفتح السين والراء وبالعين المهملات: المتقدمون.
الكثيف - بالثاء المثلثة: الملتف، ومن رواه كشيفا بالشين المعجمة، فمعناه [ مكشوف، أو منكشف، والكشف: رفعك الشئ عما يواريه ويغطيه ].
الرجيف - براء مفتوحة فجيم مكسورة فتحتية ففاء: الصوت الشديد مع زلزال ماخوذ من الرجفة، ومن رواه: وجيفا بالواو والباقي كما تقدم: عنى سريعا يسمع صوت سرعته.
قواضب - بالقاف والضاد المعجمة والموحدة: السيوف القاطعة.
المرهفات: جمع مرهف وهو السيف المرقق الحواشي القاطع.
المصطلون: المبشرون لها.
العقائق - جمع عقيقة: وهي شعاع البرق هنا.
القيون - بالقاف: جمع قين، وهو الحداد.
الكتيف - بالفوقية - جمع كتيفة: وهو صفائح الحديد تضرب للأبواب وغيرها.
تخال - بالخاء المعجمة: تظن.
الجدية - بفتح الجيم وكسر الدال وتشديد التحتية: الطريقة من الدم.
الجادي - بالجيم والدال المهملة المكسورة: الرعفران.
مدوفا - بالدال المهملة وتعجم: مختلطا.
أجدهم - بفتح الهمزة وفتح وكسر الجيم وتشديد الدال المهملة، أي: العريف هنا - بمعنى عارف.
النجب: جمع نجيب، وهو العتيق الكريم من الخيل.(5/431)
الطروف - بضم الطاء المهملة: جمع طرف.
وهو الكريم من الخيل أيضا.
الروع: الفزع.
الزحف: دنو الناس بعضهم من بعض.
العزوف - بالعين المهملة والزاي وبالفاء: الصابر.
النزق - بفتح النون وكسر الزاي: الخفيف الطائش.
الريف - بكسر الراء وبالفاء: الموضع الخصب الذي على الماء.
الرعش: المتقلب غير الثابت.
الاذعان - بكسر أوله وبالذال المعجمة: الانقياد.
المضيف - بضم الميم وكسر الضاد المعجمة وبالفاء وهو هنا: المشفق الخائف، يقال أضاف من الامر إذا أشفق منه وخاف.
التالد - بالفوقية وكسر اللام وبالدال المهملة: المال القديم.
الطريف - بفتح الطاء المهملة وبالفاء: المال المحدث.
باء: رجع.
ألبوا - بتشديد اللام، وبالموحدة جمعوا.
الصميم - مفعول ألبوا: وهو خلاصة الشئ.
الجذم - بجيم مفتوحة وذال معجمة ساكنة: الاصل.
الجذع - بالجيم والذال المعجمتين: القطع، وأكثر ما يستعمل في الانوف، ويقال في المسامع صلمتا، فلما جمعهما، أعمل فيهما فعلا واحدا.
لين: مخفف لين بتشديد التحتية.
عنيف - بفتح العين وكسر النون وسكون التحتية وبالفاء: ليس برقيق.
الشنوف بضم الشين المعجمة والنون جمع شنف: وهو القرط الذي يكون في الاذن.
الخسوف: الذل.(5/432)
الباب الثلاثون في غزوة تبوك ويقال إنها غزوة العسرة والفاضحة:
اختلف في سببها، فقيل إن جماعة من الانباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة ذكروا للمسلمين أن الروم جمعوا جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معهم لخم وجذام وعاملة وغسان وغيرهم من
متنصرة العرب، وجاءت مقدمتهم إلى البلقاء ولم يكن لذلك حقيقة، ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ندب الناس إلى الخروج - نقله محمد بن عمر ومحمد بن سعد.
وروى الطبراني بسند ضعيف عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما قال: كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل /: إن هذا الرجل الذي قد خرج يدعي النبوة هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم.
فان كنت تريد أن تلحق دينك فالان، فبعث رجلا من عظمائهم وجهز معه أربعين ألفا فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بالجهاد (1).
وقيل: إن اليهود قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا القاسم إن كنت صادقا فالحق بالشام فانها أرض الانبياء، فغزا تبوك لا يريد الشام.
فلما بلغ، تبوك أنزل الله تعالى الايات من سورة بني إسرائيل: (وإن كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا) [ الاسراء 76 ] رواه ابن أبي حاتم، وأبو سعد، النيسابوري، والبيهقي باسناد حسن.
وقيل: إن الله سبحانه وتعالى لما منع المشركين من قربات المسجد الحرام في الحج وغيره قالت قريش: لتقطعن عنا المتاجر والاسواق وليذهبن ما كنا نصيب منها، فعوضهم الله تعالى - عن ذلك بالامر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم، قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون) [ التوبة 28، 29 ] وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا ان الله مع المتقين) [ التوبة 123 ] وعزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتال الروم، لانهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدعوة الى الحق لقربهم الى الاسلام رواه ابن مردويه عن ابن عباس وابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد، وابن جرير عن سعيد بن جبير.
__________
(1) انظر المجمع 6 / 194 وقال فيه العباس بن الفضل الانصاري وهو ضعيف.
(*)(5/433)
ذكر عزمه - صلى الله عليه وسلم - على قتال الروم وبيان ذلك للناس لما عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتال الروم عام تبوك، وكان ذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس، يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على تلك الحال من الزمان الذي هم عليه، وبين - صلى الله عليه وسلم - للناس مقصده، وكان - صلى الله عليه وسلم - قل أن يخرج في غزوة إلا كنى عنها وورى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك، فانه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتاهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز، ودعا من حوله من أحياء العرب للخروج معه، فأوعب معه بشر كثير، وبعث إلى مكة، وتخلف آخرون، فعاتب الله - تعالى - من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين، ووبخهم وبين أمرهم، فقال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير) [ التوبة 38، 39 ] ثم قال تعالى (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا باموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) [ التوبة 41، 42 ] إلى آخر الايات.
وروى ابن شيبة، والبخاري، وابن سعد عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قيظ شديد، واستقبل سفرا بعيدا، وغزى وعددا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتاهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريده (1).
ذكر حثه - صلى الله عليه وسلم - على النفقة والحملان
في سبيل الله تبارك وتعالى في حديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - عند الطبراني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس كل يوم على المنبر فيدعو فيقول: " اللهم أن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الارض.
فلم يكن للناس قوة (2).
__________
(1) أخرجه البخاري (2948).
(2) أخرجه مسلم 3 / 1383، 1384 واحمد 1 / 32.
(*)(5/434)
قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - حض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصدقات فجاءوا بصدقات كثيرة، فكان أول من جاء أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - جاء بماله كله أربعة آلاف درهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هل أبقيت لاهلك شيئا ؟ " (1) فقال: أبقيت لهم الله ورسوله.
وجاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بنصف ماله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هل أبقيت لاهلك شيئا ؟ " قال: نعم مثل ما جئت به، وحمل العباس، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن عبادة - رضي الله عنهم - وحمل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - مائتي أوقية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتصدق عاصم بن عدي - رضي الله عنه - بسبعين وسقا من تمر، وجهز عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ثلث ذلك الجيش حتى أنه كان يقال: ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم شيق أسقيتهم.
قلت: كان ذلك الجيش زيادة على ثلاثين ألفا، فيكون - رضي الله عنه - جهز عشرة آلاف.
وذكر أبو عمرو في الدرر، وتبعه في الاشارة: أن عثمان حمل على تسعمائة بعير ومائة فرس بجهازها، وقال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها.
ونقل ابن هشام عمن يثق به: أن عثمان - رضى الله عنه - أنفق في جيش العسرة ألف
دينار قلت غير الابل والزاد وما يتعلق بذلك.
قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم ارض عن عثمان فاني عنه راض ".
وروى الامام أحمد، والترمذي وحسنه، والبيهقي عن عبد الرحمن بن سمرة - رضى الله عنه - قال: جاء عثمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالف دينار في كمه حين جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش العسرة، فصبها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها بيده ويقول: " ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم " (2) يرددها مرارا.
وروى عبد الله بن الامام أحمد في زوائد المسند، والترمذي، والبيهقي عن عبد الرحمن بن خباب - بالمعجمة وموحدتين - رضى الله عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحث على جيش العسرة، فقال عثمان - رضى الله عنه - علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثم نزل مرقاة أخرى من المنبر فحث فقال عثمان - رضي الله عنه -: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها ثم نزل مرقاة أخرى فحث فقال عثمان - رضى الله عنه -: علي مائة أخرى
__________
(1) الواقدي في المغازي 3 / 991.
(2) أخرجه الترمذي (3701) والحاكم 3 / 102 وابن أبي عاصم 2 / 587 (592) والبيهقي في الدلائل 5 / 215، وانظر البداية والنهاية 5 / 4.
(*)(5/435)
بأحلاسها وأقتابها.
، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بيده - هكذا - يحركها كالمتعجب " ما على عثمان ما عمل بعد هذا اليوم " أو قال: - بعدها - (1).
وروى الطيالسي، والامام أحمد، والنسائي عن الاحنف بن قيس - رحمه الله تعالى - قال: سمعت عثمان رضى الله عنه - يقول لسعد بن أبي وقاص وعلي والزبير وطلحة: أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من جهز جيش العسرة غفر الله له " فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا ؟ قالوا: اللهم نعم (2).
ويأتي في ترجمة عثمان - رضي الله عنه - أحاديث كثيرة في ذلك.
قال محمد بن عمر - رحمه الله: وحمل رجال، وقوى ناس دون هؤلاء من هم أضعف
منهم، حتى ان الرجل ليأتي بالبعير الى الرجل والرجلين فيقول: هذا البعير بيننا نعتقبه، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج حتى أن كان النساء يبعثن بما يقدرن عليه، وحمل كعب بن عجرة واثلة بن الاسقع، وروى أبو داود، ومحمد بن عمر عن واثلة بن الاسقع، - رضي الله عنه - قال: نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فخرجت الى أهلي - وقد خرج أول أصحابه - فطفت في المدينة أنادي: ألا من يحمل رجلا وله سهمه ؟ فإذا شيخ من الانصار - سماه محمد بن عمر: كعب بن عجره - فقال: سهمه على أن تحمله عقبة وطعامه معنا ؟ فقلت: نعم، فقال: سر علي بركة الله تعالى، فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا.
قال محمد بن عمر: بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع خالد بن الوليد الى أكيدر دومة.
قال: فأصابني قلائص - قال محمد بن عمر: ستة - فسقتهن حتى أتيته بهن، فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله ثم قال: سقهن مقبلات.
قسقتهن، ثم قال: سقهن مدبرات، فقال: ما أرى قلائصك إلا كراما، فقلت: إنما هي غنيمتك التي شرطت لك، قال: خذ قلائصك يا ابن أخي، فغير سهمك أردنا.
ذكر بعض ما دار بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض المنافقين وتثبيطهم الناس عن الخروج معه روى ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة عن ابن عباس وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهم - وابن عقبة، ومحمد بن إسحاق،
__________
(1) أخرجه الترمذي (3700) وأحمد 4 / 75 وابن سعد 7 / 55، وأبو نعيم في الحلية 1 / 99، والدولابي في الكني 2 / 17، والبخاري في التاريخ 5 / 247.
(2) أخرجه البيهقي 6 / 167 أو الدار قطني 4 / 200 والنسائي في الاحباس باب (4) والبيهقي في الدلائل 5 / 215.
(*)(5/436)
ومحمد بن عمر - رحمهم الله تعالى - عن شيوخهم (1) زاد ابن عقبة: أن الجد بن قيس أتى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد معه نفر، فقال: يا رسول الله ائذن لي في القعود، فاني ذو ضبعة وعلة فيها عذر لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تجهز فانك موسر "، ثم اتفقوا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " تجهز تجهز فانك موسر، لعلك تحقب من بنات بني الاصفر ؟ " قال الجد: أو تأذن لي ولا تفتني، فو الله لقد عرف قومي ما أحد أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رايت نساء بني الاصفر ألا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله سلم - وقال: (قد أذنا لك) زاد محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - فجاءه ابنه عبد الله بن الجد - وكان بدريا - وهو أخو معاذ بن جبل لأمه، فقال لأبيه: لم ترد على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مقالته فوالله ما في بني سلمة أحد أكثر مالا منك، فلا تخرج ولا تحمل ؟ ! فقال: يا بني ما لي وللخروج في الريح والحر الشديد والعسرة إلى بني الأصفر، فوالله ما آمن - خوفا - من بني الأصفر وأنا في منزلي، أفأذهب إليهم أغزوهم ؟ ! إني والله يا بني عالم بالدوائر، فأغلظ له ابنه وقال: لا والله ولكنه النفاق، والله لينزلن على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيك قرآن يقرأ به، فرفع نعله فضرب به وجه ولده، فانصرف ابنه ولم يكلمه، وأنزل الله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) [ التوبة 49 ] أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والرغبة بنفسه عن نفسه، يقول: وإن جهنم لمن ورائه.
وجعل الجد وغيره من المنافقين يثبطون المسلمين عن الخروج، قال الجد لجبار بن صخر ومن معه من بني سلمة: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكا في الحق، وإرجافا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم (وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون.
فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانو يكسبون) [ التوبة 81، 82 ].
وروى ابن هشام - رحمه الله تعالى - عن عبد الله بن حارثة - رضي الله تعالى عنه - قال: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون
الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم اليهودي ففعل طلحة، واقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا.
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن 9 / 33 وفي الدلائل 5 / 225 وانظر الدر المنثور 3 / 248.
(*)(5/437)
وجاء أهل مسجد الضرار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، ونحب أن ياتينا فتصلي فيه، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنا في شغل السفر، وإذا انصرفت سيكون ".
ذكر خبر المخلفين والمعذرين والبكائين قال ابن عقبة - رحمه الله تعالى -: وتخلف المنافقون، وحدثوا أنفسهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرجع إليهم أبدا، فاعتذروا.
وتخلف رجال من المسلمين بامر كان لهم فيه عذر، منهم السقيم والمعسر.
قال محمد بن عمر: وجاء ناس من المنافقين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستاذنوه في القعود من غير علة، فاذن لهم - وكانوا بضعة وثمانين رجلا.
وروى ابن مردويه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - استدار برسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجال من المنافقين حين أذن للجد بن قيس يستاذنون يقولون: يا رسول الله ائذن لنا فانا لا نستطيع أن نغزو في الحر، فاذن لهم، وأعرض عنهم (1).
وجاء المعذرون من الاعراب فاعتذروا إليه يعذرهم الله، قال ابن إسحاق: وهم نفر من بني غفار: قال محمد بن عمر، كانوا اثنين وثمانين رجلا، منهم، خفاف ابن أيماه.
وروى ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنه - وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وابن إسحاق، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن الزهري، ويزيد بن رومان،
وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن محمد بن عمر بن قتادة وغيرهم: أن عصابة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءوه يستحملونه، وكلهم معسر ذو حاجة لا يحب التخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا أجد ما أحملكم تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون "، وهو سبعة، واختلفوا في أسمائهم، فالذي اتفقوا عليه سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف الاوسي وعلبة - بضم العين المهملة وسكون اللام وبالموحدة - بن زيد - وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب.
وهرمي - ويقال باسقاط التحتية - ابن عبد الله - وهو بها - والذي اتفق عليه القرظي، وابن إسحاق، وتبعهم ابن سعد، وابن حزم، وأبو عمرو، والسهيلي ولم يذكر الاخير، والواقدي.
عرباض - بكسر العين المهملة وسكون الراء وبالضاد المعجمة بن سارية بالمهملة وبالتحتية، وجزم بذلك ابن حزم، وأبو عمرو، ورواه أبو نعيم عن ابن عباس، والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة وابن إسحاق.
عبد الله بن مغفل - بميم
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 318، والدر المنثور 3 / 268.
(*)(5/438)
مضمومة فغين معجمة ففاء مشددة مفتوحتين - المزني، وفي حديث ابن عباس: عبد الله بن مغفل فيهم، وروى ابن سعد ويعقوب بن سفيان وابن أبي حاتم عن ابن مغفل قال: إني لاجد الرهط الذين ذكر الله تعالى: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) [ التوبة 92 ] الاية.
والذين اتفق عليهم القرظي وابن عمر: سلمة بن صخر، ولفظ القرظي سلمان، والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة: عمرو بن عنمة بفتح العين المهملة والنون - ابن عدي - وعبد الله بن عمرو المزني - حكاه ابن إسحاق قولا بدلا عن ابن مغفل، وانفرد القرظي بذكر عبد الرحمن بن زيد أبي عبلة من بني حارثة، وبذكر هرمي بن عمرو من بني مازن.
قال محمد بن عمر: ويقال إن عمرو بن عوف منهم.
قال ابن سعد: وفي بعض الروايات من يقول فيهم: معقل - بالعين المهملة والقاف ابن يسار، وذكر فيهم الحاكم حرمى بن مبارك بن النجار كذا في المورد ولم أر له ذكرا في كتب
الصحابة التي وقفت عليها.
وذكر ابن عائذ فيهم: مهدي بن عبد الرحمن، كذا في العيون، ولم أر له ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصحابة، وذكر فيهم محمد بن كعب: سالم بن عمرو الواقفي، قال ابن سعد: وبعضهم يقول: البكاءون بنو مقرن السبعة، وهم من مزينة انتهى، وهم: النعمان، وسويد، ومعقل، وعقيل، وسنان وعبد الرحمن والسابع لم يسم، قيل اسمه عبد الله، وقيل النعمان، وقيل ضرار، وقيل [...] وحكى ابن فتحون - قولا - أن بني مقرن عشرة فيتعين ذكر السبعة منهم.
وذكر ابن إسحاق في رواية يونس وابن عمر: أن عبلة بن زيد لما فقد ما يحمله ولم يجد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يحمله خرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله تعالى، ثم بكى وقال: اللهم إنك أمرتنا بالجهاد ورغبت فيه، واني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بهها في مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أين المتصدق هذه الليلة " فلم يقم أحد، ثم قال: " أين المتصدق فليقم " فقام إليه فاخبره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أبشر، فو الذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة ".
قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: لما خرج البكاءون من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أعلمهم أنه لا يجد ما يحملهم عليه لقي يامين بن عمرو النضري أبا ليلي وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان، فقال: ما يبكيكما ؟، قالا: جئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحملنا، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج، ونحن نكره أن تفوتنا غزوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعطاهما ناضحا له، وزود كل واحد منهما صاعين من تمر، زاد محمد بن عمر:(5/439)
وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين، وحمل عثمان بن عفان منهم ثلاثة نفر بعد الذي جهز من الجيش.
ذكر حديث أبي موسى في حلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
انه لا يحملهم ثم حملهم روى الشيخان عن أبي موسى الاشعري - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من الاشعريين ليحملنا، وفي رواية: أرسلني أصحابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أساله لهم الحملان، فقلت: يا رسول اله إن أصحابي أرسلوني لتحملهم، فقال: " والله لا أحملكم على شئ، وما عندي ما أحملكم عليه " ووافقته وهو غضبان ولا أشعر، فرجعت حزينا من منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن مخافة أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد في نفسه، فرجعت إلى أصحابي فاخبرتهم بالذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنهب إبل فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي: أين عبد الله بن قيس ؟ فاجبته، فقال: أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوك، فلما أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " خذ هذين القرينين وهذين القرينين وهذين القرينين " لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد، وفي رواية: فأمر لنا بخمس ذود غر الذري، فقال " انطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله - أو قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحملكم على هؤلاء فاركبوا " قال أبو موسى فانطلقت إلى أصحابي فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحملكم على هؤلاء، ولكن والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سألته لكم ومنعه في أول مرة، ثم إعطائه إياي بعد ذلك، لا تظنوا إني حدثتكم شيئا لم يقله، فقالوا لي والله إنك عندنا لمصدق ولنفعلن ما أحببت فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منعه إياهم ثم إعطائه بعد ذلك فحدثوهم بمثل ما حدثهم به أبو موسى، قال أبو موسى، ثم قلنا: تغفلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه، والله لا يبارك لنا، فرجعنا فقلنا له، فقال " ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم " قال: " إني والله لا أحلف على يمين فارى غيرها خيرا منها إلا أتيت التي هي خير وتحللتها " فقال: " كفرت عن يميني " (1).
ذكر مجئ المعذرين من الاعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لياذن لهم فلم يعذرهم
قال محمد بن عمر، وابن سعد: وهما اثنان وثمانون رجلا من بني غفار، وأنزل الله
__________
(1) أخرجه البخاري 11 / 601 (6718)، ومسلم 3 / 1269 (7 / 1649).
(*)(5/440)
- تبارك وتعالى - في ذلك كله (وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استاذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين.
رضوا بان يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون.
لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا باموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون.
أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم.
وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم.
ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم.
ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون.
إنما السبيل على الذين يستاذنونك وهو أغنياء رضوا بان يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون) [ التوبة 86: 93 ].
ذكر من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صحيح الايمان غير شاك قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر رحمه الله تعالى: وكان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا ارتياب منهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، وأبو خيثمة، وأبو ذر الغفاري.
وكانوا نفر صدق لا يتهمون في إسلامهم - انتهى - وسيأتي أن أبا خيثمة، وأبا ذر لحقا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وستاتي قصة الثلاثة.
ذكر من استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهله، ومن استخلفه على المدينة
قال ابن إسحاق: وخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على أهله، وأمره بالاقامة فيهم، فارجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له، وتخففا منه، فلما قالوا ذلك أخذ علي سلاحه وخرج حتى لحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بالجرف، فاخبره بما قالوا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ الا أنه لا نبي بعدي " فرجع علي إلى المدينة - وهذا الحديث رواه الشيخان (1)، وله طرق تاتي في ترجمة سيدنا على - رضي الله عنه.
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 71 (3706) ومسلم 4 / 1870 (30 / 2404).
(*)(5/441)
واستخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة محمد بن سلمة الانصاري - رضي الله عنه - قال: وذكر الدراوردي: أنه استخلف عام تبوك سباع بن عرفطة، زاد محمد بن عمر - بعد حكاية ما تقدم - ويقال ابن أم مكتوم، وقال: والثابت عندنا محمد بن مسلمة، ولم يتخلف عنه في غزوة غيرها، وقيل: علي بن أبي طالب، قال أبو عمرو وتبعه ابن دحية: وهو الا ثبت، قلت: ورواه عبد الرزاق في المصنف بسند صحيح عن سعد بي أبي وقاص - رضي الله عنه - ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى تبوك استخلف على المدينة علي بن أبي طالب، وذكر الحديث.
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل بطن من الانصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء ورواية، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشه من الاستكثار من النعال، وقال " إن الرجل لا يزال راكبا مادام منتعلا " (1) وأمر أبا بكر - رضي الله عنه - أن يصلى بمن تقدمه - صلى الله عليه وسلم -.
ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأين عسكر ؟ وخروج عبد الله بن أبي معه مكرا ومكيدة، ورجوعه أخزاه الله تعالى قالوا: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجب سنة تسعة فعسكر - صلى الله عليه وسلم - في ثنية الوداع
ومعه زيادة على ثلاثين ألفا، قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، ورواه محمد بن عمر ونقله ابن الامين عن زيد بن ثابت، وروى الحاكم في الاكليل عن معاذ بن جبل قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا، ونقل الحاكم في الاكليل عن أبي زرعة قال: كانوا بتبوك سبعين ألفا، وجمع بين الكلامين بان من قال: ثلاثين ألفا لم يعد التابع.
ومن قال سبعين ألفا عد التابع والمتبوع.
وكانت الخيل عشرة آلاف فرس، وقيل بزيادة ألفين.
وروى عبد الرزاق وابن سعد عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك يوم الخميس، وكانت آخر غزوة غزاها، وكان يستحب أن يخرج يوم الخميس، وعسكر عبد الله بن أبي معه على حدة، عسكره أسفل منه نحو ذباب، قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: وكان فيما يزعمون ليس باقل العسكرين.
قال ابن حزم: وهذا باطل، لم يتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما بين السبعين إلى الثمانين فقط، فاقام ابن أبي ما أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو تبوك تخلف ابن أبي راجعا إلى المدينة، فيمن تخلف من المنافقين، وقال: يغزو محمد بن الاصفر مع جهد الحال والحر
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب اللباس (66).
(*)(5/442)
والبلد البعيد الى ما لا طاقة له به، يحسب محمد ان قتال بني الاصغر معه اللعب، والله لكأني انظر الى أصحابه مقرنين في الحبال، ارجافا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وباصحابه.
قال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: خرج المسلمون في غزوة تبوك الرجلان والثلاثة على بعير واحد.
رواه البيهقي، وخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناس من المنافقين لم يخرجوا الا رجاء الغنيمة.
ولما رحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية الوداع عقد الاولوية والرايات، فدفع لواءه الاعظم الى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ورايته العظمى الى الزبير بن العوام، ودفع راية الاوس
الى أسيد بن الحضير، وراية الخزرج الى أبي دجانة، ويقال الى الحباب بن المنذر، وأمر كل بطن من الانصار أن يتخذ لواء، ورأى رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - برأس الثنية عبدا متسلحا، فقال العبد: أقاتل معك يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ارجع الى سيدك لا تقتل معي فتدخل النار "، ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج معنا الا مقو فخرج رجل على بكر صعب فصرعه بالسويداء، فقال الناس: الشهيد الشهيد فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا: لا يدخل الجنة عاص.
وكان دليله - صلى الله عليه وسلم - الى تبوك علقمة بن الفغواء الخزاعي - رضي الله عنه -.
ذكر تخلف أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - لما عجز بعيره، وما وقع في ذلك من الايات وروى ابن اسحاق عن ابن مسعود - رضى الله عنه - قال: لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى تبوك جعل بتخلف عنه الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان، فيقول " دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه " حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله تعالى منه " (1) وتلوم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماشيا، قال محمد بن عمر: قالوا: وكان أبو ذر الغفاري يقول: أبطأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك من أجل بعيري.
وكان نضوا أعجف، فقلت أعلفه أياما ثم ألحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلفته أياما، ثم
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 221.
(*)(5/443)
خرجت فلما كنت بذي المروة أذم بي فتلومت عليه يوما فلم أر به حركة، فأخذت متاعي فحملته.
قال ابن مسعود: وأدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض منازله، قال محمد بن عمر: قال
أبو ذر: فطلعت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصف النهار وقد أخذ مني العطش، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، ان هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " كن أبا ذر " فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، ويبعث وحده " فكان كذلك كما سيأتي في المعجزات في أبواب اخباره - صلى الله عليه وسلم - بأحوال رجال، فلما قدم أبو ذر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره خبره، فقال " قد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنبا الى أن بلغتني " (1) ووضع متاعه عن ظهره، ثم استقى فأتي باناء من ماء فشربه.
قصة أبي خيثمة - رضى الله عنه - روى الطبراني عن أبي خيثمة - رضي الله عنه - وابن اسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخهما قالوا: لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أياما دخل أبو خيثمة على أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه، وقد رشت كل منهما عريشها وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب العريش فنظر الى امرأتيه وما صنعتا له فقال: سبحان الله ! رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في الضح والريح والحر يحمل سلاحه على عنقه وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ، وامرأة حسنة، في ماله مقيم ؟ ! ! ما هذا بالنصف ! ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى الحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهيئا لي زادا، ففعلتا، ثم قدم ناضحه فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحى في الطريق يطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: ان لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعل، حتى إذا دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كن أبا خيثمة " فقال رجل: هو والله يا رسول الله أبو خيثمة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أولى لك يا أبا خيثمة " ثم أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خيرا، ودعا له بخير،
قال ابن هشام: وقال أبو خيثمة في ذلك: لما رأيت الناس في الدين نافقوا * أتيت التي كانت أعف وأكرما
__________
(1) أخرجه مسلم في التوبة باب 9 (53) والطبراني في الكبير 6 / 38، 19 / 43، 85 والبيهقي في الدلائل 5 / 223، 226، وانظر البداية لابن كثير 5 / 8 والطبري 11 / 43.
(*)(5/444)
وبايعت باليمنى يدي لمحمد * فلم أكتسب اثما ولم أغش محرما تركت خضيبا في العريش وصرمة * صفايا كراما بسرها قد تحمما وكنت إذا شك المنافق اسمحت * الى الدين نفسي شطره حيث يمما ذكر اخباره - صلى الله عليه وسلم - بما قاله جماعة من المنافقين الذين خرجوا معه قال محمد بن اسحاق، ومحمد بن عمر - رحمهم الله تعالى - كان رهط من النافقين يسيرون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخرجوا الا رجاء الغنيمة منهم: وديعة بن ثابت أخو بني عمرو بن عوف.
والجلاس بن سويد بن الصامت.
ومخشن بالنون - قال أبو عمرو وابن هشام مخشي بالتحتية - ابن حمير من أشجع، حليف لبني سلمة، زاد محمد بن عمر: وثعلبة بن حاطب.
فقال بعضهم لبعض، عند محمد بن عمر: فقال ثعلبة بن حاطب: أتحسبون جلاد بني الاصفر كجلاد العرب بعضهم بعضا، لكأني بكم غدا مقرنين في الحبال، ارجافا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وارهابا للمؤمنين.
وقال الجلاس بن عمرو، وكان زوج أم عمير، وكان ابنها عمير يتيما في حجره: والله لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير، فقال عمير: فأنت شر من الحمير، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - صادق وأنت الكاذب، فقال مخشن بن حمير: والله لوددت أن أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، واننا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه ! !.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمار بن ياسر -: " أدرك القوم فانهم قد اخترقوا، فاسألهم عما قالوا، فان أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا " (1) فانطلق عمار إليهم فقال لهم ذلك، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقته وقد أخذ وديعة بن ثابت بحقبها ورجلاه تسفيان الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم) [ التوبة 65، 66 ] وحلف الجلاس ما قال من ذلك شيئا، فأنزل الله سبحانه وتعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) [ التوبة 74 ].
__________
(1) انظر المغازي للواقدي 3 / 1003، والدر المنثور للسيوطي 3 / 254.
(*)(5/445)
وقال مخشن: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن أو عبد الله، وكان الذي عفي عنه في هذه الآية، وسأل الله تعالى أن يقتل شهيدا ولا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة، ولم يعرف له أثر.
ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بذي المروة، وما وقع في ذلك من الايات روى الطبراني عن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مر بالخليجة في سفره إلي تبوك قال له أصحابه: المبرك يا رسول الله الظل والماء - وكان فيها دوم وماء، فقال " إنها أرض زرع نفر "، دعوها فانها مأمورة - يعني ناقته - فأقبلت حتى بركت تحت الدومة التي كانت في مسجد ذي المروة (1).
ذكر مروره - صلى الله عليه وسلم - بوادي القرى قال أبو حميد الساعدي - رضي الله عنه - خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك حتى جئنا وادي القرى، فإذا امرأة في حديقة لها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاصحابه " اخرصوا " فخرص
القوم وخرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة أوسق، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمرأة " احفظي ما يخرج منها حتى أرجع اليك ان شاء الله تعالى " ولما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك الى وادي القرى قال للمرأة " كم جاءت حديقتك ؟ " قالت: عشرة أوسق خرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) رواه ابن أبي شيبة، والامام أحمد، ومسلم.
قال محمد بن عمر: ولما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وادي القرى أهدى له بنو عريض اليهودي هريسة فأكلها وأطعمهم أربعين وسقا، فهي جارية عليهم الى يوم القيامة قال محمد بن عمر: فهي جارية عليهم الى الساعة.
ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر، وما وقع في ذلك من الآيات روى الامام مالك، وأحمد، والشيخان عن عبد الله بن عمر، والامام أحمد عن جابر بن عبد الله، الامام أحمد بسند حسن عن أبي كبشة الانماري، وابن اسحاق عن رواية ابن يونس عن الزهري، والامام أحمد عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنهم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مر بالحجر تقنع بردائه وهو على الرحل، فاتضع راحلته حتى خلف أبيات ثمود، ولما نزل هناك سارع الناس الى أهل الحجر يدخلون عليهم، واستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا ونصبوا القدور باللحم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنودي في الناس: الصلاة جامعة، فلما اجتمعوا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا أن
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 6 / 196، وقال فيه راو لم يسم.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة 14 / 540، ومسلم 4 / 1785 (11)، وأحمد 5 / 424 والبيهقي 4 / 22 وفي الدلائل 4 / 239.
(*)(5/446)
تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم، ولا تشربوا من مائها ولا تتوضئوا منه للصلاة، واعلفوا العجين الابل " ثم ارتحل بهم حتى نزل على العين كانت تشرب منها الناقة، وقال: " لا تسألوا الايات.
فقد سالها قوم صالح، سألوا نبيهم أن تبعث آية، فبعث الله تبارك وتعالى لهم الناقة، فكانت ترد هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، وكانت تشرب مياههم
يوما، ويشربون لبنها يوما، فعقروها فاخذتهم صيحة أهمد الله تعالى من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله تعالى، قيل: من هو يا رسول الله ؟ قال " أبو رغال " فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه، ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم " فناداه رجل منهم: تعجب منهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم فينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا، فان الله تعالى لا يعبأ بعذابكم شيئا، وسيأتي الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم بشئ، وإنها ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد، ومن كان له بعير فليوثق عقاله، ولا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له "، ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا رجلين من بني ساعدة، خرج أحدهما لحاجته والاخر في طلب بعيره، فأما الذي خرج لحاجته فانه خنق على مذهبه - أي موضعه - وأما الذي خرج في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طئ اللذين يقال لاحدهما أجا ويقال للاخر سلمى، فاخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ألم أنهكم عن أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي، وأما الاخر طيئا أهدته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رجع إلى المدينة (1).
ذكر استسقائه - صلى الله عليه وسلم - ربه حين شكوا إليه العطش، وما وقع في ذلك من الايات روى البيهقي عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب رحمه الله - تعالى - قال: خرج المسلمون إلى تبوك في حر شديد فأصابهم يوم عطش حتى جعلوا ينصرون إبلهم ليعصروا أكراشها ويشربوا ماءها، فكان عسرة في الماء، وعسرة في النفقة، وعسرة في الظهر (2) وروى الامام أحمد وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال عمر: خرجنا إلى تبوك في يوم قيظ شديد، فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى أن كان الرجل يذهب يلتمس
__________
(1) أخرجه البخاري 8 / 125 (4419) ومسلم 4 / 2286 (38، 39 / 2980، وأحمد 2 / 9، 58، 72، 74، 113،
137، والبيهقي في الدلائل 5 / 233، وفي السنن 2 / 451 والحميدي (653) وعبد الرزاق (1625) والطبراني في الكبير 12 / 457 وانظر الدر المنثور 4 / 104.
(2) البيهقي في الدلائل 5 / 227.
(*)(5/447)
الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستقطع حتى أن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيرا، فادع الله تعالى لنا، قال " أتحب ذلك ؟ " قال نعم فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فاظلت ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر (1)، وروى ابن أبي حاتم عن ابن حرزة - رحمه الله تعالى - قال: نزلت هذه الاية في رجل من الانصار في غزوة تبوك.
ونزلوا الحجر فامرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن لا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل، ثم نزل منزلا آخر وليس معهم ماء، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام فصلى ركعتين، ثم دعا فارسل الله سبحانه وتعالى سحابة فامطرت عليهم حتى استقوا منها، فقال رجل من الانصار لاخر من قومه يتهم بالنفاق: ويحك قد ترى ما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فامطر الله علينا السماء، فقال: إنما أمطرنا بنو كذا وكذا، فانزل الله تعالى: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) [ الواقعة 82 ] ذكر ابن إسحاق أن هذه القصة كانت بالحجر، وروى عن محمود بن لبيد عن رجال من قومه قال: كان رجل من المنافقين معروف نفاقه يسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيثما سار، فلما كان من أمر الحجر ما كان، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دعا فارسل الله تعالى السحابة فامطرت حتى ارتوى الناس، قالوا أقبلنا عليه نقول ويحك، هل بعد هذا شئ ؟ قال: سحابة مارة (2).
ذكر إضلال ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما وقع في ذلك من الايات قال محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر - رحمه الله تعالى: ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سار حتى إذا كان ببعض الطريق متوجها إلى تبوك فاصبح في منزل فضلت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال محمد بن عمر: هي القصوا - فخرج أصحابه في طلبها وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمارة بن حزم، وكان عقبيا بدريا، قتل يوم اليمامة شهيدا، وكان في رحله زيد بن اللصيت، أحد بني قيقاع، كان يهوديا فاسلم فنافق وكان فيه خبث اليهود وغشهم، وكان مظاهرا لاهل النفاق، فقال زيد وهو في رحل عمارة بن حزم، وعمارة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: محمد يزعم أنه نبي وهو يخبركم عن خبر السماء أين ناقته ! ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده: " أن منافقا قال هذا محمد يزعم أنه نبي ويخبركم بامر السماء ولا يدري أين ناقته، وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله تعالى، وقد دلني الله عز وجل عليها، وهي في
__________
(1) أخرجه البيهقي 9 / 357 والدلائل 5 / 231 وابن خزيمة (101) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1707) وانظر المجمع 6 / 195.
(2) المغازي (3 / 1009).
(*)(5/448)
الوادي في شعب كذا وكذا - لشعب أشار لهم إليه حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها " فذهبوا فجاءوا بها.
قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - الذي جاء بها الحارث بن خزيمة الاشهلي، فرجع عمارة إلى رحله فقال: والله، العجب لشئ حدثناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آنفا عن مقالة قائل أخبرها الله تعالى، عنه، قال كذا وكذا للذي قال زيد، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة - قال محمد بن عمر: وهو عمرو بن حزم أخو عمارة - ولم يحضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد - والله - قائل هذه المقالة، قبل أن تطلع علينا، فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول: يا عباد الله، إن في رحلي لداهية وما أشعر، أخرج يا عدو الله من رحلي فلا تصحبني.
قال ابن اسحاق: زعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك، وقال بعض الناس: لم يزل متهما بشر حتى هلك.
ذكر اقتدائه - صلى الله عليه وسلم - بعبد الرحمن بن عوف في صلاة الصبح
روى ابن سعد بسند صحيح عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: كنا فيما بين الحجر وتبوك ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته وكان إذا ذهب أبعد، وتبعه بماء بعد الفجر وفي رواية قبل الفجر فأسفر الناس بصلاتهم، وهي صلاة الفجر حتى خافوا الشمس، فقدموا عبد الرحمن بن عوف - رضى الله عنه - فصلى بهم فحملت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أداوة فيها ماء، وعليه جبة رومية من صوف، فلما فرغ صببت عليه فغسل وجهه، ثم أراد أن يغسل ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يديه من تحت الجبة فغسلهما، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: " دعهما فانني أدخلتهما طاهرتين " فمسح عليهما، فانتهينا الى عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع ركعة، فسبح الناس لعبد الرحمن بن عوف حين رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كادوا يفتنون، فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص وراءه، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أثبت، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة، فلما سلم عبد الرحمن تواثب الناس، وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي الركعة الباقية ثم سلم بعد فراغه منها، ثم قال: " أحسنتم، أو - قد أصبتم - فغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها - انه لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من أمته " ورواه مسلم بنحوه (1).
ذكر حكومته - صلى الله عليه وسلم - في رجل عض آخر فانتزع ثنيته عن يعلي بن أمية - رضي الله عنه - أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأجير له قد نازع رجلا من العسكر فعضه ذلك الرجل فانتزع الاجير يده من فم العاض فانتزع ثنيته.
فلزمه العاض فبلغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقمت مع أجيري لانظر ما يصنع، فأتى بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 1012.
(*)(5/449)
" أيعمد أحدكم فيعض أخاه كما يعض الفحل " فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصاب من ثنيته، وقال " أفيدع يده في فيك تقضمها كأنها في فم فحل يقضمها ؟ " (1) رواه البخاري وغيره.
ذكر اردافه - صلى الله عليه وسلم - سهيل بن بيضاء
عن سهيل بن بيضاء - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أردفه على رحله في غزوة تبوك، قال سهيل ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته " يا سهيل " كل ذلك يقول سهيل: يا لبيك يا رسول الله - ثلاث مرات - حتى عرف الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدهم فانثنى عليه من أمامه ولحقه من خلفه من الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من شهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له حرمه الله على النار " (2) رواه الامام أحمد والطبراني ومحمد بن عمر.
ما ذكر أن حية عظيمة عارضت الناس في مسيرهم ان صح الخبر ذكر محمد بن عمر، وأقره أبو نعيم في الدلائل، وابن كثير في البداية، وشيخنا في الخصائص الكبرى قال: عارض الناس في مسيرهم حية - ذكر من عظمها وخلقها فانصاع الناس عنها، فاقبلت حتى واقفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على راحتله طويلا والناس ينظرون إليها، ثم التوت حتى اعتذلت الطريق، فقامت قائمة فأقبل الناس حتى لحقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " هل تدرون من هذا ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا الي يستمعون القرآن، فرأى عليه من الحق - حين ألم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسلم عليه، وها هو يقرئكم السلام، فسلموا عليه فقال الناس جميعا: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته (3).
ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك وما وقع في ذلك من الايات روى الامام مالك، وابن إسحاق، ومسلم عن معاذ بن جبل والامام أحمد برجال الصحيح عن حذيفة - رضي الله عنهما - قال معاذ: إنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك قال: فكان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، قال: فاخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل فصلى المغرب والعشاء جميعا، ثم قال: " إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى - عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى " وفي حديث حذيفة " بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن في الماء قلة، فامر مناديا ينادي في الناس أن لا يسبقني إلى الماء أحد "، قال فجئناها وقد سبق إليها رجلان
__________
(1) أخرجه البخاري (4417).
(2) أخرجه أحمد 5 / 318، 236، 318، وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد، وانظر المجمع 6 / 252.
(3) المغازي للواقدي 3 / 1015.
(*)(5/450)
والعين مثل الشراك تبض بشئ من مائها، فسألهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هل مسستما من مائها شيئا " قالا: نعم.
فسبهما وقال لهما " ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شن، ثم غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وجهه ويديه ومضمض ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير.
ولفظ ابن إسحاق فانخرق الماء حتى كان يقول من سمعه: إن له حسا كحس الصواعق وذلك الماء فوارة تبوك.
انتهى، فاستسقى الناس، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا معاذ يوشك أن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا ملي جنانا ".
وروى البيهقي وإبو نعيم عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين نزل تبوك - وكان في زمان قل ماؤها فيه فاغترف غرفة بيده من ماء فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلات.
فهي كذلك حتى الساعة (1).
وروى الخطيب في كتاب الرواة عن الامام مالك عن جابر - رضي الله عنه - قال: انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك وعينها تبض بماء يسير مثل الشراك فشكونا العطش، فامرهم فجعلوا فيها ما دفعها إليهم فجاشت بالماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: " يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا " (2).
ذكر نومه - صلى الله عليه وسلم - حتى طلعت الشمس قبل وصوله إلى تبوك روى البيهقي عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فلما كان منها على ليلة استرقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يستيقظ حتى كانت الشمس قيد رمح قال " ألم أقل لك يا بلال اكلا لنا الفجر " فقال يا رسول الله ذهب بي النوم،
وذهب بي مثل الذي ذهب بك، قال: فانتقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منزله غير بعيد، ثم صلى، وسار مسرعا بقية يومه وليلته فاصبح بتبوك.
ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - تبوك واتخاذه مسجدا قال شيوخ محمد بن عمر: لما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك وضع حجرا قبلة مسجد تبوك وأومأ بيده إلى الحجر وما يليه ثم صلى بالناس الظهر، ثم أقبل عليهم فقال: " ما ها هنا شام، وما ها هنا يمن ".
__________
(1) البيهقي في الدلائل 5 / 226.
(2) أخرجه مسلم 4 / 1784 - 1785 حديث (10 / 706) وأحمد 5 / 238 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (549)، والبيهقي في الدلائل 5 / 236 وابن خزيمة (968) ومالك في الموطأ 144، وانظر كنز العمال (35398).
(*)(5/451)
وروى الامام أحمد: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال: " ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس، إن من خير الناس رجلا يحمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى ياتيه الموت.
وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شئ منه " (1).
وروى البيهقي عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أصبح بتبوك حمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: " أيها الناس أما بعد فان أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث الحديث ذكر الله، وأحسن القصص القرآن، هذا وخير الامور عوازمها، وشر الامور محدثاتها وأحسن الهدى هدى الانبياء، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الاعمال ما نفع وشر العمى عمى القب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة يوم القيامة،
ومن الناس من لا ياتي الجمعة إلا دبرا، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذاب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وراس الحكمة مخافة الله عز وجل، وخير ما وقر في القلوب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من أعمال الجاهلية، والغلول من جثى جهنم، والسكركة من النار، والشعر من إبليس، والخمر جماع الاثم، والنساء حبالة الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر الماكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع، والامر إلى الاخرة، وملاك العمل خواتمه، وشر الرؤيا رؤيا الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتال المؤمن كفر، وأكل لحمه من معصية الله عز وجل، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتال على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ ياجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن يصبر يضعف الله له، ومن يعص الله يعذبه الله.
اللهم اغفر لي ولامتي - قالها ثلاثا - استغفر الله لي ولكم " (2).
وذكر ابن عائد - رحمه الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل تبوك في زمان قل ماؤها
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 37، 58، 414، والحاكم 2 / 67 والنسائي 6 / 12.
(2) البيهقي 5 / 241 قال الحافظ ابن كثير في البداية 5 / 13، 14 هذا حديث غريب، وفيه نكارة، وفي اسناده ضعيف.
(*)(5/452)
فيه، فاغترف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غرفة بيده من مائها فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت حتى امتلات، فهي كذلك حتى الساعة.
ذكر من استعمله - صلى الله عليه وسلم - على الحرث بتبوك قال شيوخ محمد بن عمر: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حرسه بتبوك من يوم قدم إلى أن رحل منها عباد - بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة - ابن بشر - بكسر الموحدة - رضي الله عنه - فكان عباد يطوف في أصحابه على العسكر، فغدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يوما فقال: يا رسول الله، ما زلنا نسمع صوت تكبير نم ورائنا حتى أصبحنا، فوليت أحدنا يطوف على الحرس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما فعلت، ولكن عسى أن يكون بعض المسلمين انتدب " فقال سلكان - بكسر السين المهملة وسكون اللام - ابن سلامة: يا رسول الله، خرجت في عشرة من المسلمين على خيلنا فكنا نحرس الحرس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " رحم الله حرس الحرس في سبيل الله، ولكم قيراط من الاجر على كل من حرستم من الناس جميعا أو دابة ".
ذكر أكله - صلى الله عليه وسلم - من جبن أهداه له أهل الكتاب بتبوك عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجبنة في تبوك فدعا بالسكين فسمى وقطع (1)، رواه أبو داود.
ذكر دعائه - صلى الله عليه وسلم - على غلام مر بينه وبين القبلة وهو في الصلاة روى الامام أحمد، وأبو داود عن يزيد بن نمران - بكسر النون وسكون الميم - قال: رايت رجلا بتبوك مقعدا، فقال: مررت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا على حمار، وهو يصلى - فقال " اللهم اقطع أثره " فما مشيت عليها بعدها.
وروى أيضا عن سعيد بن غزوان - بفتح المعجمة وسكون الزاي - عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا رجل مقعد قال: سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت أني حي، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل بتبوك إلى نخلة فقال: " هذه قبلتنا "، ثم صلى إليها، فاقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: " قطع صلاتنا قطع الله أثره " فما قمت عليها إلى يوم هذا (2).
__________
(1) الطبراني في الكبير 11 / 303.
(2) أخرجه أبو داود (701) و (705)، وأحمد 4 / 64، والبيهقي في السنن 2 / 275، والدلائل 5 / 234 والبداية 5 / 14، والبخاري في التاريخ 8 / 366.
(*)(5/453)
ذكر الاية في التمر والاقط الذي جاء بهما بلال بتبوك روى محمد بن عمر (1) عن شيوخه قالوا: قال رجل من بني سعد هذيم: جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس بتبوك في نفر فقال " يا بلال أطعمنا ".
فبسط بلال نطعا ثم جعل يخرج من حميت له فاخرج خرجات بيده من تمر معجون بسمن وأقط، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كلوا " فاكلنا حتى شبعنا، فقلت: يا رسول الله، إن كنت لاكل هذا وحدي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الكافر ياكل في سبعة أمعاء والمؤمن ياكل في معاء واحد "، ثم جئت في الغد متحينا لغدائه لازداد في الاسلام يقينا، فإذا عشرة نفر حوله فقال: " هات أطعمنا يا بلال " فجعل يخرج من جراب تمرا بكفه قبضة قبضة فقال: " أخرج ولا تخش من ذي العرش إقلالا " فجاء بالجراب ونشره.
فقال: فحزرته مدين، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على التمر وقال: " كلوا باسم الله " فاكل القوم وأكلت معهم، وأكلت حتى ما أجد له مسلكا.
قال: وبقي على النطع مثل الذي جاء به بلال كانا لم ناكل منه تمرة واحدة.
قال: ثم غدوت من الغد وعاد نفر فكانوا عشرة أو يزيدون رجلا أو رجلين.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا بلال أطعمنا " فجاء بلال بذلك الجراب بعينه، أعرفه، فنثره، ووضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده عليه وقال: " كلوا باسم الله " فأكلنا حتى نهلنا ثم رجع مثل الذي صب ففعل ذلك ثلاثة أيام.
قصة أخرى: روى محمد بن عمر، وأبو نعيم، وابن عساكر عن رياض بن سارية - رضي الله عنه - قال: كنت ألزم باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحضر والسفر، فرأيتنا ليلة ونحن بتبوك وذهبنا لحاجة فرجعنا إلى منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تعشى ومن معه من أضيافه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يدخل قبته - ومعه زوجته أم سلمة - فلما طلعت عليه قال: أين كنت منذ الليلة ؟ فاخبرته، فطلع جعال بن سراقة وعبد الله بن مغفل المزني فكنا ثلاثة كلنا جائع إنما نغشى باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت فطلب شيئا ناكله فلم يجده، فخرج إلينا فنادى: " يا بلال هل من عشاء لهؤلاء النفر " فقال: والذي بعثك بالحق لقد نفضنا جربنا وحمتنا، قال: " انظر عسى أن تجد شيئا "، فاخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا، فتقع
التمرة والتمرتان حتى رايت في يده سبع تمرات، ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها، ثم وضع يده على التمرات، وسمى الله - تعالى - فقال: " كلوا باسم الله " فاكلنا، فحصيت أربعا وخمسين تمرة، أعدها عدا ونواها في يدي الاخرى، وصاحباي يصنعان مثل ما أصنع، وشبعنا، فاكل كل واحد منا خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي.
فقال: " يا بلال ارفعها فانه لا ياكل منها أحد إلا نهل شبعا " فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الصبح
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 1017.
(*)(5/454)
ثم انصرف إلى فناء قبته فجلس وجلسنا حوله، فقرأ من " المؤمنون " عشرا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هل لكم في الغذاء ؟ " قال عرباض: فجعلت أقول في نفسي أي غداء، فدعا بلالا بالتمرات، فوضع يده عليهن في الصحفة، ثم قال: " كلوا بسم الله فاكلنا - فو الذي بعثه بالحق - حتى شبعنا وإنا لعشرة، ثم رفعوا أيديهم منها شبعا وإذا التمرات كما هي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لو لا أني أستحي من ربي لاكلنا من هذا التمر حتى نرد المدينة عن آخرنا "، وطلع عليهم غلام من أهل البدو فاخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التمرات فدفعها إليه فولى الغلام يلوكهن (1).
ذكر طوافه - صلى الله عليه وسلم - على الناس بتبوك قال شيوخ محمد بن عمر: كان رجل من بني عذرة يقال له عدي يقول: جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك فرأيته على ناقة حمراء يطوف على الناس، يقول " يا أيها الناس، يد الله فوق يد المعطي ويد المعطي الوسطى، ويد المعطي السفلى، أيها الناس فتغنوا ولو بحزم الحطب اللهم هل بلغت " ثلاثا فقلت: يا رسول الله إن امرأتي اقتتلتا، فرميت إحداهما فرمي في رميتي - يريد أنها ماتت - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تعقلها ولا ترثها " فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موضع مسجده بتبوك فنظر نحو اليمين، ورفع يده يشير إلى أهل اليمن فقال " الايمان يمان " ونظر نحو الشرق فأشار بيده إن الجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر من نحو المشرق
حيث يطلع الشيطان قرنيه (2).
ذكر إخباره - صلى الله عليه وسلم - بموت عظيم من المنافقين لما هبت ريح شديدة قال محمد بن عمر رحمه الله تعالى: وهاجت ريح شديدة بتبوك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هذا لموت منافق عظيم النفاق " (3) فقدموا المدينة فوجدوا منافقا عظيم النفاق قد مات.
وروى محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: " قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر من سعد هذيم فقالوا: يا رسول الله، إنا قدمنا إليك وتركنا أهلنا على بئر لنا قليل ماؤها، وهذا القيظ، ونحن نخاف إن تفرقنا أن نقتطع، لان الاسلام لم يفش حولنا بعد، فادع الله تعالى لنا في مائها، فانا ان روينا به فلا قوم أعز منا لا يعبر بنا أحد مخالف لديننا.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبغوا لي
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 1017.
(2) المغازي 3 / 1017.
(3) أخرجه أحمد في المسند 3 / 341.
(*)(5/455)
حصيات فتناول بعضهم ثلاث حصيات فدفعهن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففركهن بيده ثم قال: " اذهبوا بهذه الحصيات إلى بئركم فاطرحوها واحدة واحدة وسموا الله تعالى " (1) فانصرف القوم من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعلوا ذلك، فجاشت بئرهم بالرواء، ونفوا من قاربهم من أهل الشرك ووطئوهم فما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة حتى أوطئوا من حولهم غلبة ودانوا عليه بالاسلام.
ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك أعطيت خمسا ما أعطيهن أحد قبلي روى محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك، فقام من الليل يصلي، وهو كثير التهجد من الليل ولا يقوم إلا استاك - فقام
ليلة فلما فرغ أقبل على من كان عنده فقال: " أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي: بعثت إلى الناس كافة - وكان النبي يبعث إلى قومه - وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا، أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت، وكان من قبلي لم يعطوا ذلك، وكانوا لا يصلون الا في الكنائس والبيع وأحلت لي الغنائم آكلها، وكان من قبلي يحرمونها، والخامسة هي ما هي، هي ما هي، هي ما هي، " ثلاثا - قالوا: يا رسول الله، وما هي ؟ قال: " قيل لي سل فكل نبي قد سال، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله " (2).
ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - على معاوية بن معاوية المزني في اليوم الذي مات فيه بالمدينة روى الطبراني - في الكبير والاوسط - من طريق نوح بن عمر الطبراني في الكبير - من طريق صدقة بن أبي سهيل عن معاوية بن أبي سفيان، وبن سعد والبيهقي من طريق العلاء أبو محمد الثقفي، وابن سعد وابن أبي يعلي والبيهقي عن طريق عطاء بن أبي ميمونة كلاهما عن أنس - رضي الله عنهم - قالوا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك، قال أنس: فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بمثلهم فيما مضى فاتى جبريل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا جبريل مالي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بمثلهم فيما مضى " قال: " ذلك معاوية بن معاوية المزني مات بالمدينة اليوم، فبعث الله تعالى سبعين ألف ملك يصلون عليه، فهل لك في الصلاة عليه ؟ قال: " نعم "، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي، فقال جبريل بيده هكذا يفرج له عن الجبال والاكام، ومع جبريل سبعون
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 1034.
(2) المصدر السابق.
(*)(5/456)
ألف ملك، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف الملائكة خلفه صفين، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل " بم بلغ هذه المنزلة " قال: " بحبه (قل هو الله أحد) يقرؤها قائما أو
قاعدا، أو راكبا أو ماشيا وعلى كل حال " قال الحافظ في لسان الميزان في ترجمة محبوب بن هلال: هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وله طرق يقوي بعضها ببعض، وقال في فتح الباري، في باب الصفوف على الجنازة: إنه خبر قوي بالنظر إلى مجموع طرقه، وقال في اللسان في ترجمة نوح بن عمر طريقة أقوى طرق الحديث - انتهي.
وأورد الحديث النووي في الاذكار في باب " الذكر في الطريق " فعلم من ذلك رد قول من يقول: إن الحديث موضوع لا أصل له (1).
ذكر إرساله - صلى الله عليه وسلم - دحية إلى هرقل يدعوه إلى الاسلام وقدوم [ رسول ] هرقل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما وقع في ذلك من الايات لما وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك كان هرقل بحمص، ولم يكن يهم بالذي بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه من جمعه، ولا حدثته نفسه بذلك.
وروى الحارث بن أبي أسامة عن بكر بن عبد الله المزني - رحمه الله تعالى - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من يذهب بهذا الكتاب إلى قيصر وله الجنة " ؟ فقال رجل: وإن لم يقبل ؟ قال: " وإن لم يقبل " فانطلق الرجل فاتاه بالكتاب، فقرأه فقال: اذهب إلى نبيكم فاخبره أني متبعه، ولكن لا أريد أن أدع ملكي، وبعث معه بدنانير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع فاخبره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كذب " وقسم الدنانير (2).
وروى الامام أحمد.
وأبو يعلى بسند حسن لا باس به عن سعيد بن أبي راشد قال: لقيت التنوخي رسول هرقل الى رسول الله - صلى الله صلى الله عليه وسلم - بحمص، وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ المائة أو قرب، فقلت: ألا تحدثني عن رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل ؟ فقال: بلى، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك، فبعث دحية الكلبي الى هرقل، فلما أن جاء كتاب رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا قسيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم الدار فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل يدعوني إلى ثلاث خصال: أن أتبعه على دينه، أو أن أعطيه مالنا على
أرضنا والارض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب.
والله لقد عرفتم فيما تقرأون من الكتب لياخذن
__________
(1) انظر البداية والنهاية 4 / 14.
(2) انظر الطبراني في الكبير 12 / 442 والمجمع 5 / 306.
(*)(5/457)
أرضنا فهلم فلنتبعه على دينه، أو نعطه مالنا على أرضنا، فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم وقالوا: تدعونا أن نذر النصرانية أو نكون عبيدا لاعرابي جاء من الحجاز ؟ فلما ظن أنهم إذا خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رقاهم ولم يكد وقال: إنما قلت ذلك لاعلم صلابتكم على أمركم، ثم دعا رجلا من عرب تجيب كان على نصارى العرب قال.
ادع لي رجلا حافظا للحديث عربي اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه، فجاءني فدفع إلي هرقل كتابا، فقال: اذهب بكتابي هذا إلى هذا الرجل، فما سمعته من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال هل يذكر صحيفته التي كتب بشئ ؟ وانظر إذا قرأ كتابي هذا هل يذكر الليل ؟ وانظر في ظهره هل فيه شئ يريبك ؟ قال: فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوكا فإذا هو جالس بين ظهري أصحابه محتبيا على الماء، فقلت: أين صاحبكم ؟ قيل ها هو ذا، قال فاقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال: " ممن أنت ؟ " فقلت: أنا أخو تنوخ، فقال: " هل لك في الاسلام.
الحنيفية ملة أبيك إبراهيم ؟ " فقلت: إني رسول قوم وعلى دين قوم [ لا أرجع عنه ] حتى أرجع إليهم.
فضحك وقال (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) [ القصص 56 ] يا أخا تنوخ، إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه، والله ممزقه وممزق ملكه، وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فمزقها، والله ممزقه وممزق ملكه.
وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فامسكها فلن يزال الناس يجدون منه باسا ما دام في العيش خير قلت: هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي، فاخذت سهما من جعبتي فكتبتها في جفن سيفي، ثم ناول الصحيفة رجلا عن يساره، قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم ؟ قالوا: معاوية.
فإذا في كتاب صاحبي: تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والارض
أعدت للمتقين، فاين النار ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " سبحان الله أين النهار إذا جاء الليل " قال: فاخذت سهما من جعبتي فكتبته في جفن سيفي، فلم فرغ من قراءة كتابي قال: " إن لك حقا، وإنك لرسول، فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها، إنا سفر مرملون " قال قتادة فناداه رجل من طائفة الناس قال: أنا أجوزه ففتح رحله فإذا هو بحلة صفورية فوضعها في حجري، قلت من صاحب الجائزة ؟ قيل لي: عثمان، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أيكم ينزل هذا الرجل ؟ " فقال فتى من الانصار: أنا، فقام الانصاري وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " تعال يا أخا تنوخ " فاقبلت أهوى حتى كنت قائما في مجلسي الذي كنت بين يديه، فحل حبوته عن ظهره وقال: " ها هنا امض لما أمرت له، فجلت في ظهره فإذا أنا بخاتم النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة " (1)
__________
(1) قال الحافظ ابن كثير 5 / 16 " هذا حديث غريب وإسناده لا باس به، تفرد به الامام أحمد ".
(*)(5/458)
قال محمد بن عمر: فانصرف الرجل إلى هرقل فذكر ذلك له.
فدعا قومه إلى التصديق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فأبو حتى خافهم على ملكه، وهو في موضعه بحمص لم يتحرك ولم يزحف، وكان الذي خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من تعبئة أصحابه ودنوه إلى وادي الشام لم يرد ذلك ولا هم به.
وذكر السهيلي رحمه الله تعالى: أن هرقل أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدية - فقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هديته وفرقها على المسلمين.
ثم إن هرقل أمر مناديا ينادي: ألا إن هرقل قد آمن بمحمد واتبعه، فدخلت الاجناد في سلاحها وطافت بقصره تريد قتله، فارسل إليهم: إني أردت أن أختبر صلابتكم في دينكم، فقد رضيت عنكم، فرضوا عنه.
ثم كتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا مع دحية يقول فيه: إني معكم ولكني مغلوب على أمري، فلما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابه قال: " كذب عدو الله، وليس بمسلم بل هو على نصرانيته ".
ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ذي البجادين رضي الله عنه
روى ابن إسحاق، وابن مندة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: كان عبد الله ذو البجادين من مزينة، مات أبوه وهو صغير فلم يورثه شيئا، وكان عمه ميلا فاخذه فكفله حتى كان قد أيسر، وكانت له إبل وغنم ورقيق، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الاسلام ولا يقدر عليه من عمه، حتى مضت السنون والمشاهد كلها، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتح مكة راجعا إلى المدينة، فقال عبد الله ذو البجادين لعمه: يا عم قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا، فائذن لي في الاسلام، فقال: والله لئن اتبعت محمدا لا تركت بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا انتزعته منك حتى ثوبيك، فقال: وأنا والله متبع محمدا ومسلم وتارك عبادة الحجر والوثن، وهذا ما بيدي فخذه، فأخذ كل ما أعطاه حتى جرده من إزاره، فجاء أمه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالاخر، ثم أقبل إلى المدينة فاضطجع في المسجد، ثم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح، فنظر إليه فانكره، فقال " من أنت ؟ " فانتسب له، فقال: " أنت عبد الله ذو البجادين " ثم قال: " أنزل مني قريبا " فكان يكون في أضيافه ويعلمه القران، حتى قرأ قرآنا كثيرا، وكان رجلا صيتا فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته في القراءة، فقال عمر: يا رسول الله ألا تسمع هذا الاعرابي يرفع صوته بالقران حتى قد منع الناس القراءة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " دعه يا عمر: فانه قد خرج مهاجرا إلى الله تعالى والى رسوله " فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى تبوك قال: يا رسول الله.
ادع الله تعالى لي بالشهادة، فقال: أبلغني بلحاء سمرة فأبلغه بلحاء سمرة، فربطها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(5/459)
على عضده، وقال: " اللهم إني أحرم دمه على الكفار " فقال: يا رسول الله، ليس هذا أردت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنك إذا خرجت غازيا في سبيل الله فاخذتك الحمى فقتلتك فانت شهيد.
وإذا وقصتك دابتك فانت شهيد لا تبالي باية كان " فلما نزلوا تبوك أقاموا بها أياما، ثم توفي عبد الله ذو البجادين، فكان بلال بن الحارث المزني يقول: حضرت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر، وإذا أبو بكر وعمر يدليانه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: " أدنيا لي أخاكما " فلما هيأه لشقه في اللحد قال: " اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه " فقال ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب اللحد (1).
وروى الطبراني برجال وثقوا، وأبو نعيم عن محمد بن حمزة بن عمرو الاسلمي عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك، وكنت على خدمته ذلك، فنظرت إلى نحي السمن قد قل ما فيه، وهيات للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما فوضعت النحي في الشمس، ونمت فانتبهت بخرير النحي، فقمت فاخذت راسه بيدي.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورآني: " لو تركته لسال الوادي سمنا " (2).
ذكر مصالحته - صلى الله عليه وسلم - ملك أيلة وأهل جربا وأذرح وهو ميقم بتبوك قبل رجوعه لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى أكيدر بدومة - كما سيأتي بيان ذلك في السرايا - أشفق ملك أيلة يحنة بن رؤبة أن يبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما بعث إلى أكيدر، فقدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقدم معه أهل جربا وأذرع ومقنا وأهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلة.
قال أبو حيمد المساعدي - رضي الله عنه - قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاهدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلة بيضاء، وكساه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردا وكتب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببحرهم.
رواه ابن أبي شيبة والبخاري.
روى محمد بن عمر عن جابر - رضي الله عنه - قال: رايت يحنة بن رؤبة يوم أتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه صليب من ذهب، وهو معقود الناصية فلما راى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر وأومأ برأسه فأومأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده أن ارفع راسك، وصالحه يومئذ، وكساه
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 1014.
(2) أخرجه أبو نعيم في الدلائل (155).
(*)(5/460)
بردا يمنية فاشتراه بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار وأمر له بمنزل عند بلال انتهى.
قالوا: وقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية جزية معلومة ثلاثمائة دينار كل سنة، وكانوا ثلاثمائة رجل، وكتب لهم بذلك كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب أمنة من الله تعالى ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة لسفنهم وسائرهم السارح في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولمن كان معهم من أهل الشام، وأهل اليمن، وأهل البحر، ومن أحدث حدثا فانه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يردونه من بر أو بحر.
هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة باذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاهل أذرح كتابا قال محمد بن عمر: نسخت كتابهم فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - لاهل أذرح وجربا، إنهم آمنون بامان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والاحسان الى المسلمين، ومن لجأ من المسلمين من المخافة والتعزير إذا خشوا على المسلمين فهم آمنون، حتى يحدث إليهم محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل خروجه " قالوا: وأتى أهل جربا وأذرح بجزيتهم بتبوك فاخذها.
وصالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل مقنا على ربع ثمارهم وربع غزولهم.
وروى ابن أبي شيبة، والامام أحمد، ومسلم عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهدى له بردا (2).
ذكر مشاورته - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في مجاوزة تبوك إلى نحو دمشق قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى: شاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في المقدم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إن كنت أمرت بالمسير فسر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو أمرت بالمسير لما استشرتكم فيه " فقال: يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 1032.
(2) أخرجه مسلم 3 / 1011 (503 / 1392).
(*)(5/461)
أحد من أهل الاسلام، وقد دنونا منهم، وقد أفزعهم دنوك، فلو رجعنا هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله لك أمرا.
وروى البيهقي وغيره بسند جيد عن عبد الرحمن بن غنم: أن اليهود أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فقالوا: يا أبا القاسم، إن كنت صادقا أنك نبي فالحق بالشام، فان الشام أرض المحشر وأرض الانبياء، فصدق ما قالوا، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة (وإن كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) [ الاسراء 76، 77 ] فأمره الله تعالى بالرجوع إلى المدينة وقال: فيها محياك ومماتك ومنها تبعث.
فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره جبريل فقال: اسأل ربك عز وجل، فان لكل نبي مسالة - وكان جبريل له ناصحا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له مطيعا، قال: " فما تأمرني أن أسال " قال: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) [ الاسراء 80 ] (1) فهؤلاء الايات أنزلت عليه في مرجعه من تبوك.
وفي هذه الغزوة قال - صلى الله عليه وسلم - ما رواه عكرمة عن أبيه أو عن عمه عن جده - رضي الله
عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة تبوك: " إذا وقع الطاعون بارض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها " (2) رواه الامام أحمد والطبراني من طرق قال في بذل الطاعون يشبه - والله أعلم - أن يكون السبب في ذلك أن الشام كانت قديم الزمان ولم تزل معروفة بكثرة الطواعين، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - تبوك غازيا الشام لعله بلغه أن الطاعون في الجهة التي كان يقصدها، فكان ذلك من أسباب رجوعه من غير قتال - والله أعلم.
انتهى.
قلت: قد ذكر جماعة أن طاعون شيرويه أحد ملوك الفرس، كان في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان بالمدائن.
ذكر إرادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الانصراف من تبوك إلى المدينة، وما وقع في ذلك من الايات، وقدر إقامته - صلى الله عليه وسلم - بتبوك روى مسلم عن أبي هريرة.
وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ومحمد بن عمر عن شيوخه قال شيوخ ابن عمر: ولما
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 254.
(2) أحمد 1 / 175، 3 / 416، 5 / 373، والطبراني في الكبير 1 / 90 وانظر المجمع 2 / 315 والدولابي في الكني 1 / 100، والطحاوي في المعاني 4 / 306.
(*)(5/462)
أجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السير من تبوك أرمل الناس إرمالا، فشخص على ذلك من الحال.
انتهى.
قال أبو هريرة: فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فاكلنا وادهنا ؟ قال شيوخ محمد بن عمر: فلقيهم عمر بن الخطاب وهو على نحرها فامرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيمة له ثم اتفقوا فقال يا رسول الله أأذنت للناس في نحر حمولتهم ياكلونها ؟ قال شيوخ محمد: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " شكوا إلي ما بلغ منهم
الجوع فاذنت لهم ينحر الرفقة البعير والبعيرين ويتعاقبون فيما فضل منهم فانهم قافلون إلى أهليهم " - انتهى.
فقال عمر: يا رسول الله لا تفعل، فان يك في الناس فضل من الظهر يكن خيرا، فالظهر اليوم رقاق انتهى.
ولكن يا رسول الله ادع بفضل أزوادهم، ثم اجمعها، وادع الله تعالى فيها بالبركة لعل الله تعالى أن يجعل فيها البركة.
زاد شيوخ محمد كما فعلت في منصرفنا من الحديبية حين أرملنا، فان الله تعالى مستجيب لك انتهى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نعم " فدعا بنطع فبسط - قال شيوخ محمد: بالانطاع فبسطت - ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كان عنده فضل من زاد فليات به - انتهى فجعل الرجل ياتي بكف ذرة، ويجئ الاخر بكف تمر، ويجئ الاخر بكسرة.
وقال شيوخ محمد: وجعل الرجل ياتي بالدقيق أو التمر أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر فيوضع كل صنف من ذلك على حدة وكل ذلك قليل وكان جميع ما جاءوا به من السويق والدقيق والتمر ثلاثة أفراق حزرا - والفرق ثلثة آصع.
انتهى قال: فجزأنا ما جاءوا به فوجدوه سبعة وعشرين صاعا.
قال شيوخ محمد: ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ وصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى أن يبارك فيه.
قال عمر: فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنبه فدعا فيه بالبركة، ثم قال: " أيها الناس خذوا ولا تنتهبوا " فاخذوه في الجرب والغرائر، حتى جعل الرجل يعقد قميصه فيأخذ فيه، قال أبو هريرة - رضي الله عنه وما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة.
قال شيوخ محمد بن عمر: قال بعض من الصحابة: لقد طرحت كسرة يومئذ من خبز وقبضه من تمر، ولقد رايت الانطاع تفيض، وجئت بجرابين فملات أحدهما سويقا والاخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا كفاني إلى المدينة - قال: فاخذوا حتى صدروا.
وإنه نحو ما كانوا يحرزون - قالوا كلهم: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا ياتي بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة " وفي لفظ (لا ياتي بها عبد محق إلا وقاه الله حر النار) (1)، وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما رواه ابن سعد أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 1038.
(*)(5/463)
وعلى ذلك جرى محمد بن عمر وابن حزم وغيرهم، وقال ابن عقبة، وابن اسحاق: بضع عشرة ليلة.
والله أعلم.
ذكر بعض آيات وقعت في رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك الى المدينة روى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: بينا نحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجيش ليلا وهو قافل وأنا معه إذ خفق خفقة - وهو على راحلته فمال على شقة فدنوت منه فدعمته فانتبه، فقال: " من هذا ؟ " فقلت: أبو قتادة يا رسول الله، خفت أن تسقط فدعمتك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " حفظك الله كما حفظت رسوله " ثم سار غير كثير ثم فعل مثل ذلك هذا فدعمته فانتبه فقال: يا أبا قتادة، هل لك في التعريس ؟ " فقلت: ما شئت يا رسول الله، فقال: " انظر من خلفك " فنظرت فإذا رجلان أو ثلاثة، فقال " ادعهم " فقلت: أجيبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءوا فعرسنا - ونحن خمسة - برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعي اداوة فيها ماء وركوة لي أشرب فيها، فنمنا فما انتبهنا إلا بحر الشمس، فقلنا: إنا لله فاتنا الصبح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لنغيظن الشيطان كما غاظنا " فتوضأ من ماء الاداوة ففضل فضلة فقال: " يا أبا قتادة احتفظ بما في الاداوة والركوة، فان لهما شانا " وصلى - صلى الله عليه وسلم - بنا الفجر بعد طلوع الشمس، فقرأ بالمائدة، فلما انصرف من الصلاة قال: " أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر لرشدوا " وذلك أن أبا بكر وعمر أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فابوا ذلك عليهما، فنزلوا على غير ماء بفلاة من الارض، فركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلحق الجيش عند زوال الشمس ونحن معه.
وقد كادت أعناق الخيل والرجال والركاب تقطع عطشا، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالركوة فافرغ ما في الاداوة فيها.
ووضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى رووا، ورووا خيلهم، وركابهم، وكان في العسكر اثنا عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، والخيل اثنا عشر ألف فرس، فذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " احتفظ بالركوة والاداوة ".
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: قالوا: وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له: وادي الناقة - وابن إسحاق: يقال له وادي المشقق - وكان فيه وشل يخرج منه في أسفله قدر ما يروي الراكبين أو الثلاثة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى ناتيه " فسبقه إليه أربعة من المنافقين: معتب بن قشير، والحارث بن يزيد الطائي حليف في بني عمرو بن عوف، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللصيت، فلما أتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف عليه فلم ير فيه شيئا.
فقال " من سبقنا إلى هذا الماء ؟ " فقيل يا رسول الله فلان وفلان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألم أنهكم ؟ " فلعنم ودعا(5/464)
عليهم، ثم نزل ووضع يده تحت الوشل، ثم مسحه باصبعيه حتى اجتمع منه في كفه ماء قليل، ثم نضحه به، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو، فانخرق منه الماء - قال معاذ بن جبل: والذي نفسي بيده لقد سمعت له من شدة انخراقه مثل الصواعق - فشرب الناس ما شاءوا، واستقوا ما شاءوا، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس " لئين بقيتم.
أو من بقي منكم " - لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب مما بين يديه ومما خلفه " (1) قال سلمة بن سلامة بن وقش: قلت لوديعة بن ثابت: ويلك أبعد ما ترى شئ ؟ أما تعتبر ؟ قال: قد كان يفعل بهذا مثل هذا قبل هذا، ثم سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن جماعة من أهل المغازي قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير منحدرا إلى المدينة، وهو في قيظ شديد، عطش العسكر بعد المرتين الاوليين عطشا شديدا حتى لا يوجد للشفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسل أسيد بن الحضير في يوم صائف، وهو متلثم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " عسى أن تجد لنا ماء " فخرج أسيد وهو فيما بين تبوك والحجر في كل وجه فيحد راوية من ماء مع امرأة من بلي، فكلمها أسيد، وأخبرها خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: فهذا الماء، فانطلق به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وصفت له الماء وبينه وبين الطريق هنيهة، فلما جاء
أسيد بالماء دعا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا فيه بالبركة، ثم قال: " هلم أسقيتكم " فلم يبق معهم سقاء إلا ملئوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم، فسقوها حتى نهلت، ويقال إنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بما جاء به أسيد فصبه في قعب عظيم من عساس أهل البادية فادخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه يده، وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلى ركعتين، ثم رفع يديه مدا، ثم انصرف وإن القعب ليفور، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس " ردوا " فاتسع الماء وانبسط الناس حتى يصنف عليه المائة والمائتان فارتووا، وإن القعب ليجيش بالرواء، ثم راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبردا مترويا (2).
وروى الطبراني بسند صححه الشيخ وحسنة الحافظ - خلافا لمن ضعفه - عن فضالة ابن عبيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة تبوك فجهد الظهر جهدا شديدا فشكوا ذلك إليه، ورآهم يزجون ظهرهم، فوقف في مضيق والناس يمرون فيه، فنفخ فيها وقال: " اللهم احمل عليها في سبيلك فانك تحمل على القوي والضعيف والرطب واليابس في البر والبحر " فاستمرت فما دخلنا المدينة إلا وهي تنازعنا أزمتها (3).
__________
(1) المغازي للواقدي 3 / 1039.
(2) المصدر السابق.
(3) الطبراني في الكبير 11 / 301 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1706) وانظر المجمع 6 / 193 والبيهقي في الدلائل 6 / 155، وابن كثير في البداية 6 / 186.
(*)(5/465)
ذكر ارادة بعض المنافقين الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة التي بين تبوك والمدينة واطلع الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك روى الامام أحمد عن ابي الطفيل، والبيهقي عن حذيفة، وابن سعد عن جبير بن مطعم - رضي الله عنهم - وابن ابي حاتم وابو الشيخ عن الضحاك والبيهقي عن عروة، والبيهقي عن ابن اسحاق.
ومحمد بن عمر عن شيوخه - رحمهم الله تعالى - ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان
ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين وائتمروا بينهم ان يطرحوه من عقبة في الطريق.
وفي رواية كانوا قد اجمعوا ان يقتلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يلتمسون غرته، فلما اراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان يسلك العقبة ارادوا ان يسلكوها معه، وقالوا: إذ اخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فاخبر الله تعالى رسوله بمكرهم، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك العقبة نادى مناديه للناس: ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اخذ العقبة فلا ياخذها احد، واسلكوا بطن الوادي، فانه اسهل لكم واوسع: فسلك الناس بطن الوادي الا النفر الذين مكروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا، وسلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة، وامر عمار بن ياسر ان ياخذ بزمام الناقة ويقودها وامر حذيفة بن اليمان ان يسوق من خلفه، فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير من العقبة إذ سمع حس القوم قد غشوه، فنفروا ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سقط بعض متاعه وكان حمزة بن عمرو الاسلمي لحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة، وكانت ليلة مظلمة، قال حمزة: فنور لي في أصابعي الخمس، فأضاءت حتى جمعت حتى جمعت ما سقط من السوط والحبل وأشباههما، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم، وقد رأى غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه محجن يضرب وجوه رواحلهم وقال: اليكم اليكم يا أعداء الله تعالى، فعلم القوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اطلع على مكرهم، فانطحوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استوى باعلاها، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العقبة ينتظر الناس وقال لحذيفة: هل عرفت أحدا من الركب، الذين رددتهم ؟ قال: يا رسول الله قد عرفت رواحلهم، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل.
قال: " هل علمتم ما كان من شأنهم وما أرادوا " ؟ قالوا: لا والله يا رسول الله.
قال: " فانهم مكروا ليسيروا معي فإذا طلعت العقبة زحموني فطرحوني منها - أن شاء الله تعالى - قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبركم بهم ان شاء الله تعالى " قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاء الناس أن تضرب أعناقهم ؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: ان محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم
لهما ثم قال: " اكتماهم " فانطلق إذا أصبحت فاجمعهم لي، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال(5/466)
له أسيد بن الحضير: يا رسول الله، ما منعك البارحة من سلوك الوادي ؟ فقد كان أسهل من العقبة ؟ فقال: " أتدري يا أبا يحي أتدري ما أراد بي المنافقون وما هموا به " ؟ قالوا: نتبعه من العقبة، فإذا أظلم عليه الليل قطعوا أنساع راحلتي ونخسوها حتى يطرحوني عن راحلتي فقال أسيد: يا رسول الله، قد اجتمع الناس ونزلوا، فمر كل بطن أن يقتل الرجل الذي هم بهذا، فيكون الرجل من عشيرته هو الذي يقتله، وان أحببت - والذي بعثك بالحق - فنبئني بأسمائهم فلا أبرح حتى آتيك برؤوسهم.
قال " يا أسيد اني أكره أن يقول الناس ان محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم ".
وفي رواية " اني أكره أن يقول الناس ان محمدا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه " فقال: يا رسول الله، فهؤلاء ليسوا بأصحاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أليس يظهرون شهادة أن لا اله الا الله ؟ " قال: بلى [ ولا شهادة لهم ] قال: " أليس يظهرون أني رسول الله ؟ " قال: بلى.
ولا شهادة لهم، قال: " فقد نهيت عن قتل أولئك " (1).
وقال ابن اسحاق في رواية يونس بن بكير: فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لحذيفة: " ادع عبد الله " قال البيهقي (2): أظن ابن سعد بن أبي سرح، وفي الاصل: عبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح، لم يعرف له اسلام كما نبه إليه في زاد المعاد، قال ابن اسحاق: وأبا حاضر الاعرابي، وعامرا وأبا عمر، والجلاس بن سويد بن الصامت وهو الذي قال: لا ننتهي حتى نرمي محمدا من العقبة، ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا انا إذا لغنم وهو الراعي، ولا عقل لنا وهو العاقل، وأمره أن يدعوا مجمع بن جارية، وفليح التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الاسلام، وانطلق هاربا في الارض فلا يدري أين ذهب، وأمره أن يدعو حصين بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ويحك، ما حملك على هذا ؟ " قال: حملني عليه أني ظننت أن الله تعالى لم يطلعك عليه أما إذا أطلعك عليه فانى
أشهد اليوم أنك لرسول الله، فاني لم أؤمن بك قط قبل الساعة، فأقاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعفا عنه بقوله الذي قاله، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذيفة أن يأتيه بطعمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة، وهو الذي قال لاصحابه: اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله، فو الله ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت يا عدو الله ؟ " فقال عدو الله: يا نبي الله، والله ما تزال بخير ما أعطاك الله تعالى النصر على
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 257، وانظر المغازي للواقدي 3 / 1043، 1044، والدر المنثور 3 / 259 وابن كثير في البداية 5 / 19.
(2) البيهقي في الدلائل 5 / 258.
(*)(5/467)
عدوك، فانما نحن بالله وبك فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لحذيفة " ادع مرة بن الربيع " وهو الذي ضرب بيده على عاتق عبد الله بن أبي ثم قال: تمطى، أو قال: تمططي والنعيم كائن لنا بعده، نقتل الواحد المفرد فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ويحك، ما حملك على أن تقول الذي قلت ؟ " فقال: يا رسول الله إن كنت قلت شيئا من ذلك فانك العالم به، وما قلت شيئا من ذلك.
فجمعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو اثنا عشر رجلا الذين حاربوا الله تعالى ورسوله، وأرادوا قتله، فاخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم، وأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك يعلمه، وذلك قوله عز وجل: (وهموا بما لم ينالوا) [ التوبة 74 ] ومات الاثنا عشر منافقين محاربين الله تعالى ورسوله.
قال حذيفة - كما رواه البيهقي: ودعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " اللهم ارمهم بالدبيلة " قلنا: يا رسول الله.
وما الدبيلة ؟ قال: " شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك " (1).
وروى مسلم عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " في أصحابي اثنا عشر رجلا منافقا لا
يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية يكفيهم الدبيلة: سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم " (2).
قال البيهقي: وروينا عن حذيفة - رضي الله عنه - أنهم كانوا أربعة عشر - أو خمسة عشر (3).
ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا إلا كانوا معكم روى البخاري وابن سعد عن أنس، وابن سعد عن جابر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: " إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم " فقالوا: يا رسول الله، وهم في المدينة ؟ قال: " وهم بالمدينة حبسهم العذر " (4).
__________
(1) انظر المصدر السابق.
(2) اخرجه مسلم في صفات المنافقين (9)، وأحمد 5 / 390 والبيقهي في الدلائل 5 / 261 وفي السنن 8 / 198 وانظر البداية 5 / 20.
(3) انظر الدلائل المصدر السابق.
(4) أخرجه البخاري 6 / 46 في الجهاد باب من حبسه العذر عن الغزو وفي المغازي (4423) وأبو داود (2508) وأحمد 3 / 103، 106، 182، 300 وابن ماجه 2 / 923 (2764) والبيهقي في الدلائل 5 / 267.
(*)(5/468)
ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - لما أشرف على المدينة " هذه طابة " روى الامام أحمد والشيخان عن أبي حميد الساعدي، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، والامام أحمد والبخاري عن انس والامام أحمد ومسلم عن جابر، وابن أبي شيبة في مسنده عن أبي قتادة - رضي الله عنهم - قالوا: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك حتى أشرفنا على المدينة قال: " هذه طابة - وزاد ابن أبي شيبة: أسكننيها ربي - تنفي خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد " انتهى.
فلما رأى أحدا قال " هذا أحد جبل يحبنا ونحبه،
ألا أخبركم بخير دور الانصار " قلنا بلى يا رسول الله، قال " خير دور الانصار بنو النجار، ثم دار بني عبد الاشهل، ثم دار بني ساعدة " فقال أبو أسيد: ألم تر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير دور الانصار فجعلنا آخرها دارا ؟ فادرك سعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله خيرت دور الانصار فجعلتنا آخرها دارا.
فقال: " أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار ؟ " (1).
ذكر ملاقاة النساء والصبيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى البخاري وأبو داود والترمذي عن السائب بن زيد - رضي الله عنه - قال: أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثنية الوداع مقدمة من تبوك (2).
وروى البيهقي عن ابن عائشة - رحمه الله تعالى - قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن: طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع (3) وروى الطبراني، والبيهقي عن خريم بن أوس بن لام - رضي الله عنه - قال: هاحرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصرفه من تبوك فسمعت العباس ابن عبد المطلب يقول: يا رسول الله إني أريد أمتدحك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قل لا يفضض الله فاك " فقال: من قبلها طبت في الظلال وفي * مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر * أنت ولا نطفة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد * ألجم نسرا وأهله الغرق تنقل من صالب إلى رحم * إذا مضى عالم مضى طبق
__________
(1) أخرجه البخاري 8 / 125 (4422)، ومسلم في الحج (503) والبيهقي في الدلائل 5 / 266 وفي السنن 6 / 372، وانظر الكنز (34993) وابن عساكر كما في التهذيب 7 / 226.
(2) أخرجه البخاري 6 / 191 (3082)، وأبو داود 3 / 90 (2779).
(3) البيهقي في الدلائل 50 / 226 وابن كثير في البداية 5 / 33.
(*)(5/469)
وردت نار الخليل مكتتما * في صلبه أنت كيف يحترق حتى احتوى بيتك المهيمن من * حندق علياء تحتها النطق وأنت لما ولدت أشرقت الار * ض فضاءت بنورك الافق فنحن في ذلك الضياء وفي * النسور وسبل الرشاد نخترق ولما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بدأ بالمسجد بركعتين، ثم جلس للناس كما في حديث كعب بن مالك.
قال ابن مسعود: ولما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة قال: " الحمد لله الذي رزقنا في سفرنا هذا أجرا وحسنة " (1) وكان قدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة في رمضان وكان المنافقون الذين تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبرون عنه أخبار السوء، ويقولون: إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا.
فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فساءهم ذلك، فانزل الله تعالى: (إن تصبك حسنة تسؤهم) [ التوبة 50 ].
ذكر بيع المسلمين أسلحتهم وقولهم: قد انقطع الجهاد قال ابن سعد: وجعل المسلمون يبيعون أسلحتهم ويقولون: قد انقطع الجهاد فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهاهم وقال: " لا تزال عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال " (2).
ذكر أمر مسجد الضرار عند رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك روى ابن إسحاق عن أبي رهم كلثوم بن الحصين الغفاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق آخر.
والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس - رضي الله عنه - وابن أبي حاتم وابن مردويه عن طريق آخر عن ابن عباس، وابن المنذر عن سعيد بن جبير ومحمد بن عمر عن يزيد بن رومان - رحمه الله تعالى - أن بني عمرو بن عوف بنوا مسجدا فبعثو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ياتيهم فيصلي فيه، فلما رأى ذلك ناس من بني غنم بن عوف
فقالوا: نبني نحن أيضا مسجدا كما بنوا، فقال لهم أبو عامر الفاسق قبل خروجه الى الشام: ابنوا مسجدكم واستمدوا فيه بما استطعتم من قوة وسلاح فاني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فاتي بجيش من الروم فاخرج محمدا وأصحابه، فكانوا يرصدون قدوم أبي عامر الفاسق، وكان خرج من المدينة محاربا لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغوا من مسجدهم أرادوا أن يصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليروج لهم ما أرادوه من الفساد والكفر والعناد، فعصم الله تبارك وتعالى
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 267، 268، وابن كثير في البداية 5 / 27، 28.
(2) أخرجه ابن سعد 2 / 1 (120).
(*)(5/470)
رسوله - صلى الله عليه وسلم - رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة فيه، فاتى جماعة منهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوجه إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلية المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه قال: " إني على جناح سفر وحال شغل، وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا لكم فيه " (1) فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك ونزل بذي أوان - مكان بينه وبين المدينة ساعة - أنزل الله سبحانه وتعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) [ التوبة 107 ] الاية.
روى البيهقي في الدلائل عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في قوله تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) هم أناس من الانصار، ابتنوا مسجدا، فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم واستمدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح فاني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فاتي بجند من الروم فاخرج محمدا وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: فرغنا من بناء مسجدنا [ نحن نحب ] أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة، فانزل الله عز وجل: (لا تقم أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم) - يعني مسجد قباء - (أحق أن تقوم فيه رجال) إلى قوله: (إلى جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين) [ التوبة 109 ] قال الحافظ بن حجر: والجمهور على أن المسجد
المراد به الذي أسس على التقوى مسجد قباء، وقيل هو مسجد المدينة.
قال: والحق أن كلا منها أسس على التقوى.
وقوله تعالى - في بقية الاية (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) يؤكد أن المسجد مسجد قباء.
قال الداودي وغيره: ليس هذا اختلاف، فان كلا منهما أسس على التقوى، وكذا قال السهيلي وزاد أن قوله: (من أول يوم) يقتضي مسجد قباء، لان تأسيسه كان من أول يوم وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - بدار الهجرة.
وروى ابن أبي شيبة، وابن هشام عن عروة عن أبيه قال: كان موضع مسجد قباء لامرأة يقال لها ليه كانت تربط حمارا لها فيه، فابتنى سعد بن خيثمة مسجدا، فقال أهل مسجد الضرار: نحن نصلى في مربط حمار ليه ؟ لا لعمر الله، لكنا نبني مسجدا فنصلي فيه، وكان أبو عامر برئ من الله ورسوله، ولحق بعد ذلك بالشام فتنصر فمات بها، فانزل الله تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) [ التوبة 109 ].
قال ابن النجار: هذا المسجد بناه المنافقون مضاهيا لمسجد قباء، وكانوا مجتمعين فيه يعيبون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستهزئون به،
__________
(1) أخرجه البيقهي في الدلائل.
(*)(5/471)
وقال ابن عطية: روي عن ابن عمر أنه قال: المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمراد بقوله (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله) وهو مسجد قباء، وأن البنيان الذي أسس على شفا جرف هار فهو مسجد الضرار بالاجماع.
قال ابن إسحاق، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا: خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد، ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة بن الازعر من بني ضبيعة بن زيد، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وجارية بن عامر، وابناه مجمع بن جارية وزيد بن جارية، ونفيل بن الحرث من بني ضبيعة، وبحزج بن عثمان من بني
ضبيعة، ووديعة بن ثابت من بني أمية بن عبد المنذر.
وقال بعضهم: إن رجالا من بني عمرو بن عوف وكان أبو عامر المعروف بالراهب - وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفاسق - منهم، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي وأخاه عاصم بن عدي - زاد البغوي: وعامر بن السكن ووحشي قاتل حمزة، زاد الذهبي في التجريد: سويد بن عباس الانصاري - فقال: " انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فهدموه وحرقوه " فخرجوا مسرعين حتى أتو بني سالم بن عوف، فقال مالك لرفيقيه: أنظراني حتى أخرج إليكما، فدخل إلى أهله وأخذ سعفا من النخيل فاشعل فيه نارا، ثم خرجوا يشتدون حتى أتوا المسجد بين المغرب والعشاء، وفيه أهله وحرقوه وهدموه حتى وضعوه بالارض وتفرق عنه أصحابه، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة عرض على عاصم بن عدي المسجد يتخذوه دارا، فقال عاصم يا رسول الله: ما كنت لاتخذ مسجدا - قد أنزل الله فيه ما أنزل - دارا، ولكن أعطه ثابت بن أقرم فانه لا منزل له، فاعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثابت بن أقرم.
فلم يلد في ذلك البيت مولود قط.
ولم ينعق فيه حمام قط ولم تحضن فيه دجاجة قط.
وروى ابن المنذر عن سعيد بن جبير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة، وابن المنذر عن ابن جريج - رحمهم الله تعالى - قالوا: ذكر لنا أنه حفر في مسجد الضرار بقعة فابصروا الدخان يخرج منها.
ذكر ملاقاة الذين تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عقبة: لما دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا عنه، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لاصحابه " لا تكلموا رجلا منهم ولا تجالسوهم حتى آذن لكم " (1) فاعرض
__________
(1) أخرجه البيقهي في الدلائل 5 / 280.
(*)(5/472)
عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون حتى أن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه، وحتى إن المرأة
لتعرض عن زوجها، فمكثوا كذلك أياما حتى ركب الذين تخلفوا، وجعلوا يعتذرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجهد والاسقام، ويحلفون له فرحمهم وبايعهم واستغفر لهم.
ذكر حديث كعب بن مالك وأصحابه - رضي الله عنهم - روى ابن إسحاق، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والامام أحمد، والشيخان عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت عن غزوة بدر ولم يعاتب الله أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تواثقنا على الاسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر - وفي رواية: وإن كانت بدر أكثر ذكرا في الناس منها.
كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا ورى بغيرها، وكان يقول: " الحرب خدعة " حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعددا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتاهبوا أهبة غزوهم - وفي لفظ أهبة عدوهم - فاخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرون - وعند مسلم يزيدون على عشرة آلاف (1).
وروى الحاكم في الاكليل عن معاذ - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا (2)، وقال أبو زرعة الرازي: لا يجمعهم كتاب حافظ - قال الزهري: يريد الديوان، قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله تعالى.
وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والغلال في قيظ شديد، في حال الخريف والناس خارفون في نخليهم، وتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجهز المسلمون معه، فخرج في يوم الخميس وكان يحب إذا خرج في سفر جهاد أو غيره أن يخرج يوم الخميس،
فطفقت أغدوا لكي أتجهز معهم فارجع ولم أقض شيئا، فاقول في نفسي: أنا قادر عليه، وفي رواية: وأنا أقدر شيئا في نفسي على الجهاد وخفة الجهاد، وأنا في ذلك أصبوا إلى الظلال
__________
(1) أخرجه البخاري 8 / 113 (4418) ومسلم 4 / 2120 - 2128 (53)، والبيهقي في الدلائل 5 / 273، والمغازي للواقدي 3 / 997 والبداية 5 / 23.
(3) انظر البداية 5 / 23.
(*)(5/473)
والثمار، ولم يزل يتمادى بي الحاذ حتى اشتد بالناس الجد، فاصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غاديا والمسلمون معه يوم الخميس، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين، ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لاتجهز فرجعت ولم أقض شيئا.
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أمعن القوم وأسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فادركهم - وليتني فعلت - ! ! فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه بالنفاق، أو رجلا ممن عذر الله - تعالى - من الضعفاء - وعند عبد الرزاق: وكان جميع من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعة وثمانين رجلا - ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوك.
فقال وهو جالس في القوم بتبوك: " ما فعل كعب ابن مالك ؟ " فقال رجل من بني سلمة، وفي رواية من قومي - قال محمد بن عمر: هو عبد الله بن أنيس السلمي - بفتح اللام - لا الجهني: يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه.
فقال معاذ بن جبل - قال محمد بن عمر: وهو أثبت، ويقال: أبو قتادة: بئس ما قلت ! والله يا رسول الله ما علمت عليه إلا خيرا.
فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال كعب بن مالك: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توجه قافلا حضرني همي، وطفقت أعد عذرا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهيئ الكلام، وأقول: بماذا أخرج من سخطه - صلى الله عليه وسلم - غدا، واستعنت على ذلك بكل ذي راي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أطل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لم أخرج منه أبدا بشئ فيه كذب، فأجمعت صدقه،
وعرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق، وأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادما، قال ابن سعد: في رمضان، قال كعب: وكان إذا قدم من سفر لا يقدم إلا في الضحى فيبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم يدخل على فاطمة ثم على أزواجه، فبدأ بالمسجد فركعهما، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، فجئته، فلما سلمت عليه، تبسم تبسم المغضب، فقال: " تعال " فجئت أمشي حتى جلست بين يديه - وعند ابن عائذ: فاعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، لم تعرض عني ؟ فو الله ما نافقت، ولا ارتبت، ولا بدلت - قال كعب: فقال لي: " ما خلفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ " فقلت: بلى إني والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني - والله - لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله تعالى أن يسخطك على، ولئن حدثتك اليوم حديث صدق تجد علي فيه، إني لارجو فيه عفو الله عني، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أما هذا فقد صدق، فقم(5/474)
حتى يقضي الله تعالى فيك ما يشاء " فقمت، فمضيت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا: ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اعتذر به إليه المخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك.
فو الله ما زالوا يؤنبوني، حتى أردت أن أرجع فاكذب نفسي، فقلت: ما كنت لاجمع أمرين: أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكذبه، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما ؟ قالونا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي.
وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن أن سبب تخلف الأول أنه كان له حائط حين
زها، فقال في نفسه: قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا ؟ ! فلما تذكر ذنبه قال: اللهم أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك.
وأن الثاني كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت هذا العام عندهم.
فلما تذكر قال: اللهم لك على أن لا أرجع إلى أهلي ولا مالي.
قال كعب: فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي.
ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا - وعند ابن أبي شيبة.
فطفقنا نغدو في الناس لا يكلمنا أحد، ولا يسلم علينا أحد، ولا يرد علينا سلاما، وعند عبد الرزاق وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذي نعرف وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالتي نعرف انتهي.
ما من شئ أهم إلي من أموت فلا يصلي علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد ولا يصلي علي - حتى تنكرت في نفسي الارض حتى ما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فاشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف الاسواق فلا يكلمني أحد، ولا يرد علي سلاما وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مجلسه بعد الصلاة فاسلم عليه وأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه فاسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل علي، فإذا التفت نحوه أعرض عني.
حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي: أي أنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخو أبيه الاقرب، قال كعب: وهو أحب الناس إلي، فسلمت عليه فو الله ما رد علي، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت [ فعدت له فنشدته ] فلم يكلمني، حتى إذا كان في الثالثة أو الرابعة قال: الله ورسوله أعلم.
ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، قال فبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا بنبطي من(5/475)
أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك ؟ فطفق الناس
يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلى كتابا من ملك غسان، وعند ابن أبي شيبة: من بعض من بالشام كتب إلي كتابا في سرقة حرير فإذا فيه: أما بعد فانه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك فاقصاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فان تك متحولا فالحق بنا نواسيك.
فقلت: لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء، قد طمع في أهل الكفر، فتيممت بها التنور فسجرته بها.
وعند ابن عائذ: أنه شكا قدره إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ما زال إعراضك عني حتى رغب في أهل الشرك، قال كعب: حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ياتيني.
قال محمد بن عمر: وهو خزيمة بن ثابت، وهو الرسول إلى مرارة وهلاك بذلك.
قال كعب: فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يامرك أن تعتزل امراتك: أي عمرة بنت حمير ابن صخر بن أمية الانصارية أو خيرة - بفتح الخاء المعجمة فالتحتانية - فقلت: أطلقها أو ماذا أفعل ؟ قال: لا بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك.
فقلت لامراتي الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الامر.
قال كعب: وجاءت امرأة هلال بن أمية، أي خولة بنت عاصم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم - وعند ابن أبي شيبة: إنه شيخ قد ضعف بصره - انتهى.
فهل تكره أن أخدمه ؟ قال: " لا، ولكن لا يقربك " قالت: إنه والله ما به حركة إلى شئ ! ! والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
قال كعب: فقال لي بعض أهلي: لو استاذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امراتك كما أذن لهلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا أستاذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يدريني ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استاذنته فيها، وأنا رجل شاب، فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا.
وعند عبد الرزاق: وكانت توبتنا نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلث الليل - فقالت أم سلمة: يا نبي الله ألا نبشر كعب بن مالك ؟ قال: إذا يحطمكم الناس ويمنعونكم النون سائر الليلة قال: وكانت أم سلمة تجيئه في ثاني عشرة بامري فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال الذي ذكره الله تعالى قد ضاقت علي نفسي
وضاقت علي الارض بما رحبت، سمعت صوتا صارخا أوفى على جبل سلع يقول باعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر - وعند محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - أن الذي أوفى على سلع أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فصاح: قد تاب الله - تعالى - على كعب، يا كعب: أبشر.
وعند ابن عقبة أن رجلين سعيا يريدان كعبا يبشرانه، فسبق أحدهما، فارتقى المسبوق على سلع فصاح يا كعب، أبشر بتوبة الله - تعالى - وقد أنزل الله - تعالى - عز وجل فيكم القران، وزعموا أن اللذين أبو بكر وعمر، قال كعب: فخررت ساجدا أبكي فرحا بالتوبة،(5/476)
وعرفت أن قد جاء فرج فرج، واذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله - تعالى - علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض الي رجل على فرس - وعند محمد بن عمر: هو الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال كعب: وسعى ساع من أسلم حتى أوفى على الجبل وعند محمد بن عمر: أنه حمزة بن عمرو الاسلمي: قال كعب: وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته، وهو حمزة الاسلمي يبشرني، نزعت له ثوبي فكسوته اياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ.
واستعرت ثوبين من أبي قتادة - كما عند محمد بن عمر - فلبستهما.
قال: وكان الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد، فما ظننت أنه يرفع رأسه حتى تخرج نفسه، أي من الجهد، فقد كان امتنع عن الطعام حتى كان يواصل الايام صياما لا يفتر عن البكاء، وكان الذي بشر مرارة بن الربيع بتوبته سلكان بن سلامة أو سلامة بن وقش.
قال كعب: وانطلقت الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله - تعالى - عليك.
قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس حوله الناس، فقام الي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صاحفني وهنأني.
والله ما قام الى رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة.
قال كعب: فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبرق وجهه من السرور [ أبشر بخير يوم مر
عليك منذ ولدتك أمك ] فقلت: يا رسول الله، امن عندك أم من عند الله ؟ قال: " لا بل من عند الله، انكم صدقتم الله فصدقكم الله " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك: منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، ان من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقه الى الله - تعالى - والى رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " قلت: نصفه ؟ قال " لا " قلت: ثلثة ؟ قال: " نعم " قلت: فاني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت: يا رسول الله انما نجاني الله - تعالى - بالصدق وان من تويتي الا أحدث الا صدقا ما بقيت، فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله - تعالى - في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى يومي هذا كذبا، واني لأرجوا أن يحفظني الله - تعالى - فيما بقيت، فانزل الله - تبارك وتعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار) الى قوله: (وكونوا مع الصادقين) [ التوبة 117، 119 ] فوالله ما أنعم الله علي من نعمة - بعد أن هداني للاسلام - أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فان الله تعالى قال في الذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لاحد، فقال تبارك وتعالى: (سيحلفون بالله لكم إذا(5/477)
انقلبتم إليهم) الى قوله: (فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) [ التوبة 95، 96 ].
قال كعب: وكنا قد تخلفنا ايها الثلاثة عن امر اولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله سبحانه وتعالى فيه بذلك قال الله تعالى: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) [ التوبة 118 ] وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما تحليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه، فقبل منه.
وروى ابن عساكر عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: لما نزلت توبتي قبلت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر روى ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والبيهقي عن سعيد بن المسيب رحمه الله - في قوله تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) [ التوبه 102 ] قال ابن عباس كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك منهم: أبو لبابة، وسمى قتاده منهم: جد بن قيس وجذام بن أوس - رواه ابن أبي حاتم.
فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رجع من السمجد عليهم، فلما راهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من هؤلاء الموثقون أنفسهم " قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يارسول الله، فعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم فترضى عنهم وتعذرهم، وقدا اعترفوا بذنوبهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأنا أقسم بالله أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين " (1) فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يطلقنا، فانزل الله تبارك وتعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم) [ التوبة 102 ] وعسى من الله واجب، (إنه هو التواب الرحيم) [ البقرة 37 ] فلما نزلت أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فاطلقهم وعذرهم.
قال ابن المسيب: فارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي لبابة ليطلقه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطلقه بيده، فجاءوا باموالهم فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما أمرت أن آخذ أموالكم " فانزل الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) يقول: استغفر لهم (إن صلاتك سكن لهم) [ التوبة 103 ]
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 272.
(*)(5/478)
يقول: رحمة لهم فاخذ منهم الصدقة، واستغفر لهم وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فارجئوا سنة لا يدرون يعذبون أو يتاب عليهم، فانزل الله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) [ التوبة [ 114 ] إلى آخر الاية.
وقوله: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) إلى قوله: (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) [ التوبة 118 ] يعني استقاموا فانزل الله تبارك - وتعالى - في شان هذه الغزوة كثيرا من سورة براءة تقدم كثير من ذلك في محاله.
قال البيهقي: وزعم ابن إسحاق أن ارتباط أبي لبابة كان في وقعة بني قريظة، وقد روينا عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ما دل على أن ارتباطه كان بتخلفه في غزوة تبوك.
تنبيهات الأول: تبوك - بفتح الفوقية وضم الموحدة وهو أقصى أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي في طرف الشام من جهة القبلة، وبينها وبين المدينة المشرفة اثنتا عشرة مرحلة.
قال في النور: وكذا قالوا، وقد سرناها مع الحجيج في اثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة.
والمشهور ترك صرفها للعلمية والتانيث.
وفي حديث كعب السابق: ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوكا كذا في جميع النسخ في صحيح البخاري وأكثر نسخ صحيح مسلم تغليبا للموضع، وكذا قال النووي والحافظ وجمع.
قال في التقريب: وهو سهو لان علة منع كونه على مثال الفعل " تقول " فالمذكر والمؤنث في ذلك سواء.
قال في الروض تبعا لابن قتيبة: سميت الغزوة بعين تبوك، وهو العين التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا يمسوا من مائها شيئا فسبق إليها رجلان، وهي تبض بشئ من ماء فجعلا يدخلا فيها سهمين ليكثر ماءها، فسبهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما زلتما تبوكانها منذ اليوم، فلذلك سميت العين تبوك.
البوك كالنقش والحفر في الشئ، ويقال: منه باك الحمار الاتان يبوكها إذا نزا عليها.
قال الحافظ: وقعت تسميتها بذلك في الاحاديث الصحيحة " إنكم ستأتون غدا عين تبوك ".
رواه مالك ومسلم.
قلت: صريح الحديث دال على أن تبوك اسم على ذلك الموضع الذي فيه العين المذكورة.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا القول قبل
أن يصل تبوك بيوم.
وذكرها في المحكم في الثلاثي الصحيح، وذكرها ابن قتيبة والجوهري وابن الاثير وغيرهم في المعتل في بوك.
الثاني: وقع في الصحيح ذكرها بعد حجة الوداع.
قال الحافظ: وهو خطأ، ولا خلاف أنه قبلها ولا أظن ذلك إلا من النساخ، فان غزوة تبوك كانت في رجب سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف.
وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس: أنها كانت بعد الطائف بستة أشهر،(5/479)
وليس مخالفا لقول من قال إنها في رجب إذا حذفنا الكسور لانه - صلى الله عليه وسلم - قد دخل المدينة من رجوعه إلى الطائف في ذي الحجة.
الثالث: قول أبي موسى: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " خذ هذين القرينين وهذين القرينين، أي الجملين المشدودين أحدهما إلى الاخر " لستة أبعرة، لعله قال: هذين القرينين ثلاثا، فذكر الرواة مرتين اختصارا.
ولابي ذر عن الحموي والمستملي: وهاتين القرينتين وهاتين القريتنين، أي الناقتين.
وفي رواية في باب قدوم الاشعريين وأهل اليمن في الصحيح: فامر لنا بخمس ذود.
وفي باب الاستثناء في الايمان بثلاثة ذود.
والرواية الاولى تجمع بين الروايات، فلعل رواية الثلاثة باعتبار ثلاثة أزواج، ورواية الخمس باعتبار أن أحد الازواج كان قرينة تبعا فاعتد به تارة ولم يعتد به أخرى، ويمكن أن يجمع بينهما بانه أمر لهم بثلاثة ذود أولا ثم زادهم اثنين، فان لفظ زهدم أحد رواة الحديث: ثم أتي بنهب ذود غر الذرى فاعطانا خمس ذود فوقعت في رواية زهدم جملد ما أعطاهم، ورواية غيلان: مبدأ ما أمر لهم به ولم يذكر الزيادة، وأما رواية: خذ هذين القرينين ثلاث مرار، وفي رواية: ستة أبعرة، فعلى ما تقدم أن تكون السادسة كانت تبعا فلم تكون ذودتها موصوفة بذلك، قال الحافظ في رواية: ستة أبعرة إما أن يحمله على تعدد القصة أو زاداهم على الخمس واحدا.
الرابع: في رواية أبي موسى قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنهب إبل فامر لنا بخمس ذود.
وفي رواية بعد قوله " خذ هذين القرينين " ابتاعهن من سعد ولم ينبه الحافظ على الجمع
بين الروايتين فيحتمل - والله أعلم - أن يكون ما جاء من النهب أعطاه لسعد ثم اشتراه منه لاجل الاشعريين، ويحتمل على التعدد.
الخامس: قال الحافظ: إنما غلظ الامر على كعب وصاحبيه وهو جروا، لانهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر لان الامام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير ولحق اللوم بكل فرد، أي لو تخلف قال ابن بطال: إنما اشتد الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الانصار خاصة فرض عين لانهم بايعوا على ذلك، ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق: نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا وكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة لانها كالنكث لبيعتهم / قاله ابن بطال: قال السهيلي: ولا أعرف له وجها غير الذي قاله ابن بطال.
قال الحافظ: قد ذكرت وجها غير الذي ذكره، ولعله أقعد ويؤيده قوله سبحانه وتعالى: (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) الاية.
وعند الشافعية: أن الجهاد كان فرض عين في(5/480)
زمنه - صلى الله عليه وسلم - فعلى هذا فيتوجه العتاب على كل من تخلف مطلقا.
السادس: قول أبي قتادة لم ساله كعب: الله ورسوله أعلم.
قال القاضي: لعل أبا قتادة لم يقصد بهذا تكليمه، لانه منهى عن كلامه.
وإنما قال ذلك لنفسه لما ناشده، فقال أبو قتادة مظهرا لاعتقاده لا ليسمعه.
السابع: قول كعب: قال لي بعض أهلي.
قال في النور: الظن أن القائل له من بعض أهل امرأة، وذلك أن النساء لم يدخلن في النهي، لان في الحديث " ونهى المسلمين عن خطابنا " وهذا الخطاب لا يدخل فيه النساء، وأيضا فان امراته ليست داخلة في النهي، فدل على ان المراد الرجال، وقال الحافظ: لعل القائل بعض ولده أو من النساء، ولم يقع النهي عن كلام الثلاثة للنساء اللائي في بيوتهن أو أن الذي كلمه كان منافقا أو الذي يخدمه.
ولم يدخل في النهي.
الثامن: قال في النور: لعل الحكمة في هجران كعب وصاحبيه خمسين ليلة أنها كانت مدة غيبته - صلى الله عليه وسلم - لانه خرج في رجب على ما قاله ابن إسحاق، وقدم في رمضان، وقال بعضهم: في شعبان، وتقدم أنه أقام في تبوك بضعة عشر يوما، ويقال عشرين، هذا ما ظهر لى وأنت من روائها للبحث والتنقيب.
التاسع: دل صنع كعب بكتاب ملك غسان على قوة ايمانه ومحبته لله - تبارك وتعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر والاعراض قد يضعف عن احتمال ذلك، وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره، ولا سيما مع أنه من الملك الذي استدعاه إليه، لانه لا يكرهه على فراق دينه لكن لما احتمل عنده أنه لا يامن من الافتنان حسم المادة وأحرق الكتاب ومنع الجواب، هذا مع كونه من البشر الذين طبعت نفوسهم على الرغبة ولا سيما مع الاستدعاء والحث على الوصول إلى المقصود من الجاه والمال، ولا سيما والذي استدعاه قريبة، ومع ذلك فغلب عليه دينه، وقوى عنده يقينه، ورجع ما فيه من النكر والتعذيب على ما دعى إليه من الراحة والتنعيم حبا في الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كما قال - صلى الله عليه وسلم - " وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ".
العاشر: قال بعضهم: سبب قيام طلح لكعب رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان آخي بينهما لما آخى بين المهاجرين والانصار، والذي ذكره أهل المغازي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أخا الزبير لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين فهو أخو أخيه.
الحادي عشر: استشكل إطلاق قوله - صلى الله عليه وسلم - " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " بيوم إسلامه، فانه مر عليه بعد أن ولدته أمه، وهو خير ما مر فقيل هو مستثنى تقديرا، وإن لم ينطق به لعدم خفائه، قال الحافظ: " والاحسن في الجواب أن يوم توبته يكمل يوم إسلامه(5/481)
فيوم اسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها، فهو خير من جميع أيامه، وان كان يوم اسلامه خيرها فيوم توبته المضاف الى اسلامه خير يوم من يوم اسلامه المجرد عنها ".
الثاني عشر: في بيان غريب ما سبق: العسرة - بمهملتين الاولى مضمومة والثانية ساكنة، مأخوذ من قوله تعالى: (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) [ التوبة 120 ] أي الشدة والضيق.
الانباط: نسبة الى استنباط الماء واستخراجه، وهؤلاء كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة، ويقال: ان النبط ينسبون الى نبيط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح.
الروم - جيل من الناس معروف كالعرب والفرس، وهم الذين يسميهم أهل بلادنا الفرنج، من ولد روم بن عيص بن اسحاق، غلب عليهم اسم أبيهم فصار كالاسم للقبيلة، وان شئت قلت: هو جمع رومي منسوبا الى الروم بن عيص.
هرقل - بكسر الهاء وفتح الراء وبالقاف هذا هو المشهور، ويقال بكسر الهاء والقاف وسكون الراء، وهو اسم علم له، ولقبه قيصر، وهو أعجمي تكلمت به العرب.
أجليت - بالجيم، والبناء للمفعول.
لخم نائب الفاعل بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة.
جدام - بضم الجيم وبالدال المهملة.
البلقاء - بفتح الموحدة وسكون اللام وبالقاف والمد.
حصين - والد عمران - بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وسكون التحتية وبالنون.
السنون جمع سنة - بفتح السين المهملة، وهو الجذب ضد الخصب.
يستفزونك: يزعجونك ويقتلونك.
والارض هنا أرض المدينة.
قربان المسجد - بضم القاف وكسرها فراء ساكنة فألف فنون: الدنو منه.
لتقطعن: بضم الفوقية.
والمتاجر نائب الفاعل.
عن يد: قهر واذلال.
صاغرون: ذليلون مهانون.
زمان عسرة: شدة.
الجدب - بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالموحدة: القحط.
المقام - بضم الميم وفتحها: الاقامة وعدم السفر.
الشخوص - بضم الشين والخاء والمعجمتين: الذهاب، يقال شخص من بلد الى بلد شخوصا إذا ذهب.
الشقة - بضم الشين المعجمة وتشديد القاف: وهو هنا السفر البعيد.(5/482)
الجهاز - بكسر الجيم وفتحها ما يحتاجه المسافر في قطع المسافة.
أوعب معه: خرجوا بأجمعهم.
انفروا: اسرعوا.
اثا قلتم الى الارض: اضطجعتم واطمأننتم، وأصله اتثاقلتم.
متاع الحياة الدنيا: المتاع كل شئ ينتفع به ثم يفني، وأضيف الى الحياة الدنيا اشارة الى عدم بقائه.
خفافا: جمع خفيف.
وثقالا: جمع ثقيل، أي شبانا وشيوخا، أو ركبانا ومشاة وأغنياء وفقراء، وقيل غير ذلك.
عرضا قريبا - بفتح العين والراء: ناحية قريبة.
وسفرا قاصدا: قريبا أو غير شاق.
الشقة - بضم الشين المعجمة المشددة هي في الاصل السفر البعيد، والمراد هنا الناحية التي ندبوا إليها.
ورى بغيرها: سترها، وكنى عنها وأوهم أنه يريد غيرها، وأصله من الورى، أي ألقى البيان وراء ظهره شرح غريب حثه - صلى الله عليه وسلم - على النفقة والحملان الحملان - بضم الحاء المهملة وسكون الميم: أي الشئ الذي يركبون عليه ويحملهم.
العصابة - بكسر العين المهملة - هنا: الجماعة من الناس.
الاحلاس: جمع حلس - بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وبالسين المهملة: كساء يكون تحت البرذعة.
المرقاة والمرقى والمرتقى: موضع الرقي - بفتح الميم وكسرها.
يقول بيده هكذا: تقدم في شرح غريب غزوة الفتح.
الطيالسي - بفتح الطاء المهملة وكسر اللام.
الخطام - بكسر الخاء المعجمة: كل ما يقاد به البعير.
العقال - بكسر العين المهملة وبالقاف والالف واللام، يقال عقلت البعير أعقله - بالكسر: ثنيت ضبعه أي خفه مع ذراعه فشددتهما معا في وسط الذراع بحبل.
الاحتساب: ادخار أجر العمل وأن يحسبه العامل في حسناته.(5/483)
شرح غريب بعض ما دار بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض المنافقين الجد بن قيس - بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة.
النفر - بفتح النون والفاء: جماعة الرجال من ثلاثة الى عشرة أو الى سبعة.
الضبعة - بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية: واحدة الضباع.
تحقب: تردف خلفك.
بنات بني الاصفر: يعني الروم، قال في الاملاء، يقال انهم من أولاد عيص بن اسحاق، وكان فيما يقال مصفر اللون، وأما الروم القديمة فهم بزنان.
لجلاد - بكسر اللام وبكسر الجيم: الضراب بالسيوف.
الدوائر: جمع دائرة، وهي النائبة التي تنزل بالانسان فتهلكه.
محيطة بالكافرين: مهلكتهم وجامعتهم.
ثبطة عن أمره: عوقه عنه.
جبار - بفتح الجيم وتشديد الموحدة.
صخر - بفتح الصاد المهملة وبالخاء المعجمة وبالراء.
الارجاف: الخوض في الاخبار الكاذبة في الفتنة ليضطرب الناس.
عبد الله بن حارثة بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة.
سويلم - بسين مهملة مضمومة فواو فتحتية ساكنة فلام مكسورة فميم.
اقتحم: ألقى نفسه.
مسجد الضرار - بكسر الضاد المعجمة، وفي الاصل فعال من الضر - بفتح المعجمة: أي مجازي من أضره بمثل فعله.
على جناح سفر: أي نريده.
شرح غريب خبر المخلفين والمعذرين والبكائين المعذرون - جمع معذر بتشديد الذال المعجمة، وقد يكون صادقا، وقد يكون كاذبا.
فالصادق أصله المعتذر ولكن التاء قلبت ذالا فادغمت في الذال، والكاذب معذر على أصله وهو المعرض المقصر الذي يتعلل بغير عذر صحيح.
القرظي بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة المشالة.(5/484)
هرمي - بفتح الهاء وكسر الراء ويقال هرم.
علبة - بضم العين المهملة وسكون اللام وبالموحدة وتاء تأنيث.
عرباض - بكسر العين المهملة وسكون الراء وبالموحدة وبالضاد المعجمة.
سارية - بالسين المهملة وكسر الراء وبالتحتية.
حمام - والد عمرو - بضم الحاء المهملة والتخفيف.
الجموح - بفتح الجيم وضم الميم وبالحاء المهملة.
عنمة: والد عمر بفتح العين المهملة والنون والميم.
مغفل: والد عبد الله - بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة وباللام.
معقل بن يسار - بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف، وأبوه بالتحتية والمهملة.
بنو مقرن - بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة.
ابن يامين - كذا في نسخة من السيرة الهشامية، والعيون " ابن يامين " وصوابه " يامين " باسقاط ابن.
النضري - بفتح النون وسكون الضاد المعجمة.
الناضح - بنون وبعد الالف ضاد معجمة فحاء مهملة، وهو من الابل الذي يستقي عليه الماء.
شرح غريب حديث أبي موسى الاشعري - رضي الله عنه - وما بعده لا أشعر: لا أعلم.
وجد عليه: حزن.
جئ - بالبناء للمفعول: أتي بضم الهمزة.
نهب إبل: بتنوين الموحدة واللام.
البث: امكث.
سويعة: تصغير ساعة من الزمان.
القرينين: الجملين المشدودين أحدهما إلى الآخر، وقيل النظيرين المتساويين، وفي رواية: هاتين القرينتين: أي الناقتين.
بخمس ذود - بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة: ما بين الستة إلى التسعة من الابل، وهي مؤنثة.(5/485)
غر - بضم الغين والراء.
الذرى - بضم الذال المعجمة وفتح الراء: جمع ذروة، وهي أعلى كل شئ: أي بيض الاسنمة.
الجرف - بضم الجيم والراء وبالفاء على ثلاثة أميال من المدينة إلى جهة الشام.
سباع - بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة.
عرفطة - بضم العين المهملة وسكون الراء وضم الفاء وبالطاء المهملة.
شرح غريب ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: عسكر - بعين فسين مهملة فكاف فراء: جمع.
ثنية الوداع - تقدم الكلام عليها مبسوطا في أبواب دخوله - صلى الله عليه وسلم - المدينة.
على حدة - بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين: أي منفردا وحده بعسكره لم يختلط بعسكر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ذباب - بذال معجمة وزن كتاب وغراب - لغتان: جبل بقرب المدينة.
مقرنين: مجعولين قرنا باليدين.
السويداء - تصغير سوداء: موضع على ليلتين من المدينة.
الفغواء - بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة وبالواو.
الخزاعي - بضم الخاء المعجمة - وبالزاي.
أسيد - بضم أوله وفتح ثانية وسكون ثالثة وبالدال المهملة.
وحضير - بالحاء المهملة والضاد المعجمة كذلك.
دجانة - بضم الدال المهملة وتخفيف الجيم وبالنون.
شرح غريب قصة تخلف أبي ذر وأبي خيثمة - رضي الله عنهما وإخباره صلى الله عليه وسلم - بما قاله جماعة من المنافين نضو - بنون مكسورة فضاد معجمة فواو: الدابة التي اهتزلتها الاسفار، وأذهبت لحمها.
أعجف: ضعيف.
أذم بي - بفتح أوله والذال المعجمة وتشديد الميم: حبسني.
التلوم - بفتح الفوقية واللام وتشديد الواو وبالميم: الانتظار والمكث.(5/486)
أبطا - بهمز أوله وآخره.
يتبع - بالتخفيف والتشديد.
أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتح الهمزة والثاء المثلثة، وبكسر الهمزة وسكون الثاء، وحكى بتثليث الهمزة.
يمشي وحده، وكذا الباقي: أي منفردا.
كن أبا ذر - بلفظ الامر، ومعناه الدعاء، كما تقول اسلم، أي سلمك الله.
العريش - بفتح العين وكسر الراء: كل ما استظل به.
الحائط: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط.
الضح بكسر الضاد المعجمة وتشديد الحاء المهملة، قال في الاملاء: الشمس، وفي النهاية هو ضوء الشمس إذا استمكن من الارض وهو كالقمر، وهذا أصل الحديث ومعناه، وهو أشبه مما فسره به الهروي فقال: أراد كثرة الخيل والجيش، يقال: حافلان بالضح والريح، أي لما طلعت عليه الشمس وهبت عليه الريح يعنون المال الكثير.
النصف - بفتح بنون والصاد المهملة وبالفاء.
أن تخلف عني - بحذف إحدى التاءين وتشديد اللام المفتوحة.
أولى لك - قال في الاملاء: كلمة فيها معنى التهديد، وهي اسم سمي به الفعل، ومعناها فيما قاله المفسرون دين من الهلكة.
الرهط: ما دون العشرة من الرجال.
وديعة - بفتح الواو وكسر الدال وبالعين المهملة.
ثابت - بالثاء المثلثة وبالموحدة والفوقية.
الجلاس - بضم الجيم والتخفيف وآخره سين مهملة.
مخشي - بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الشين المعجمتين بعدها ياء كياء النسبة.
ابن حمير: بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة وتشديد التحتية.
فليات - بهمزة مفتوحة قبل تاء التأنيث الساكنة.
أقاضي - بضم الهمزة وفتح الضاد المعجمة بالبناء للمفعول.
حقب الناقة: عجزها.
فتسفان التراب: ترفعانه.(5/487)
عفي عنه: بالبناء للمفعول.
ولا يعلم مكانه: كذلك.
اليمامة - بفتح التحتية: بلد باليمن.
شرح غريب ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بالمروة ونزوله بوادي القرى ذي المروة بلفظ أخت الصفا من أعمال المدينة على ثمانية برد منها الخليجة.
الدوم - بفتح الدال المهملة: جمع دومة كذلك وهي ضخم الشجر، وقيل هو شجر المقل.
وادي القرى - بضم القاف وفتح الراء: جمع قرية.
الحديقة: كل ما أحاط به البناء من البساتين، ويقال للقطعة من النخل حديقة وإن لم تكن محاطا بها.
الخرص - بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وبالصاد المهملة، وهو هنا الحزر الذي حزر ما على النخل من الرطب تمرا.
الوسق - بفتح الواو وكسرها: ستون صاعا.
بنو العريض - بفتح العين المهملة وكسر الراء وبالضاد المعجمة.
شرح غريب ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر [ الحجر ] بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء: اسم ديار ثمود، بين المدينة
والشام.
أبو كبشة - بفتح الكاف وسكون الموحدة وبالشين المعجمة.
الانماري بفتح أوله وبالنون.
أبو حميد - بضم الحاء المهملة وسكون التحتية وبالدال المهملة.
تقنع برادئه - بفتحات والنون مشددة: أي ستر راسه.
أوضع راحلته - بالضاد المعجمة والعين المهملة: أسرع بها.
ثمود - إن أريد به اسم القبيلة لم ينصرف للعلمية والتانيث المعنوي، وإن أريد به اسم الاب انصرف.
أن يصيبكم - بفتح الهمزة مفعول له، أي كراهة الاصابة.
أهريقوها: صبوا ما فيها.(5/488)
الفج - بفتح الفاء وتشديد الجيم: الطريق الواسع، والجمع فجاج بكسر الفاء.
تصدر: ترجع بعد ورود مياههم.
" عتوا عن أمر ربهم ": جاوزوا الحد في التكبر والتجبر وركوب البهتان.
أهمده الله تعالى: أهلكه.
أبو رغال - بكسر الراء وبالغين المعجمة واللام.
من أنفسكم: منكم.
لا يعبا بعذابكم: ما يصنع به، أو ما يبالي به.
خنق - بضم الخاء المعجمة وبالنون والبناء للمفعول.
مذهبه - بفتح الميم والهاء وسكون الذال المعجمة بينهما: وهو الموضع الذي يتغوط فيه.
جبلي طيئ: هما أجأ بفتح الهمزة والجيم وهمز آخره، وبالقصر، وسلمى - بفتح السين
المهملة وسكون اللام وبالقصر.
شرح غريب استسقائه - صلى الله عليه وسلم - حين شكوا إليه العطش وأخباره باضلال ناقته، وما بعد ذلك قوله: القيظ: بفتح القاف وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة: شدة الحر.
الفرث - بفتح الفاء وسكون الراء وبالثاء المثلثة: السرجين في الكرش.
أبو حرزة الانصاري - بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها زاي فتاء تأنيث.
النوء - بفتح النون وبالهمز: مصدر ناي النجم ينوء نوءا، والمراد سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق، وكانوا يعتقدون أنه لا بد عند ذلك من مطر أو ريح فمنهم من يجعله للطالع.
لانه ناء ومنهم من ينسبه للمغارب، فنفى - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ونهى عنه، وكفر من اعتقد أن النجم فاعل ذلك، ومن جعله دليلا فهو جاهل بمعنى الدلالة، قال في النهاية: ومن أسند ذلك للعادة التي يجوز إنخرامها فقد كرهه قوم وجوزه قوم.
القصواء: كحمراء.
عقبيا: شهد بيعة العقبة.
اللصيت: والد زيد، تصغيرا لصت بتثليث اللام وسكون الصاد وبالفوقية: وهو اللص في لغة طئ.(5/489)
قينقاع: تقدم في غزوتها.
الشعب - بكسر الشين وسكون العين المهملة: ما انفرج بين الجبلين.
الزمام - بكسر الزاي: المقود الذي تقاد به الدابة.
آنفا - بفتح أوله وكسر النون وبالفاء " والمد والقصر ": قريبا.
يجأ في عنقه: يطعن.
الاداوة - بكسر أوله: المطهرة.
نكص على عقبيه نكوصا، أي من باب قعد: رجع، قال ابن فارس: والنكوص الاحجام عن الشئ.
تواثب الناس: قاموا.
الغبطة: أن تحب أن يكون لك مثل ما أعجبك من أمر أخيك دون أن يسلبه.
الفحل: الذكر من الحيوان، والمراد هنا ذكر الابل.
في في فحل - في الاولى حرف جر، والثانية اسم للفم.
يقضمها - بفتح الضاد المعجمة وضمها: أي يعضها، والقضم في الاصل الاكل بأطراف الاسنان، فاستعير هنا للعض.
انصاع الناس عنها - بكسر أوله وسكون النون وبالصاد وبالعين المهملتين: تفرقوا مسرعين.
شرح غريب ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بقرب تبوك وغريب نزوله بتبوك، وما بعد ذلك قوله الشراك: للنعل - بكسر الشين المعجمة: سيرها الذي على ظهر القدم.
تبض: بفتح الفوقية وكسر الموحدة وبالضاد المعجمة وتهمل: تسيل.
الشن بفتح الشين: القربة الخلق.
الجنان - بكسر الجيم جمع جنة بتفحها، سميت بذلك لجنها أي سترها الارض بالشجر.
جاش الماء: ارتفع وجرى.(5/490)
استرقد: رقد، أي نام.
قيد رمح - بكسر القاف وبالدال المهملة: قدره.
اكلالنا: احفظنا وارصد لنا الصبح.
أوثق: أحكم.
العرى - بضم العين المهملة: وفتح الراء: جمع عروة وهذا ماخوذ من قوله تعالى: (فقد استمسك بالعروة الوثقى) [ البقرة 256 ] تأنيث الاوثق أي المحكمة، قال الزجاج: معناه فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا.
كلمة التقوى: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
الملل - بكسر الميم: جمع ملة.
السنن: جمع سنة، وهي الطريقة.
خير الامور عوازمها: فرائضها التي عزم الله تعالى عليك بفعلها.
والمعنى ذوات عزمها التي فيها عزم، وقيل، هي ما وكدت رايك وعزمك عليه ووفيت بعهد الله فيه، والعزم: الجد والصبر.
لا ياتي الجمعة إلا ذبرا - بفتح الذال المعجمة وضمها وسكون الموحدة وضمها منصوب على الظرف: أي بعد ما يفوت وقتها.
إلا هجرا - بفتح الهاء وسكون الجيم: يريد الترك له والاعراض عنه.
وقر الشئ: تمكن وثبت.
الارتياب: الشك.
جثى جهنم - بضم الجيم وفتح الثاء المثلثة: جمع جثوة بتثليث الجيم وسكون الثاء المثلثة، وهي الشئ المجموع.
السكركة بضم السين المهملة والكاف الاولى وسكون الراء نوع من الخمور، يتخذ من الذرة.
حبالة الشيطان - بكسر الحاء المهملة والجمع حبائل - بفتح الحاء: أي مصيدته التي يصيد بها.(5/491)
الشباب شعبة من الجنون: الشعبة - بضم الشين وسكون العين المهملة: الطائفة.
من الشئ والقطعة منه، وإنما جعل الشباب شعبة منه لان الشباب يزيل العقل وكذلك الشباب قد يسرع إلى قلة العقل لما فيه من كثرة الميل إلى الشهوات والاقدام على المضار.
من يتال على الله يكذبه - بفتح أوله.
وبعد الفوقية همزة فلام مشددة: أي من حكم عليه ويحلف، كقولك: فلان في الجنة وفلان في النار.
لا يرعوي بشئ منه: لا ينفك لا ينزجر، من رعا يرعو إذا كف عن الامور، وقد ارعوى عن القبيح يرعوي ارعواء.
سعد هذيم - باضافة سعد إلى هذيم - بضم الهاء - وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية وبالميم.
النطع: المتخذ من الاديم معروف، وفيه اربع لغات: فتح النون وكسرها ومع كل واحد فتح الطاء وسكونها، والجمع أنطاع ونطوع.
الحميت - بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وسكون التحتية وبالفوقية: زق السمن.
الأقط ككتف - ويسكن، مثلث الهمزة: شئ يتخذ من اللبن المخض، قال ابن الاعرابي: من ألبان الغنم خاصة.
الامعاء: جمع معا بالقصر مثل عنب وأعناب، وبالمد جمعه أمعية مثل حمار وأحمرة: وهو المصران، قوله: ياكل في معاء واحد: مثل ضرب لزهد المؤمن وحرص الكافر، وهو خاص في رجل بعينه كان ياكل كثيرا، فاسلم كما في هذه القصة.
تحينا لفدائه: طلبنا حينه وهو وقته.
الجراب - بالكسر: وعاء من جلد، وقد يفتح، ومنعه ابن السكيت، وعزاه الجوهري للعامة، والجمع جرب مثل كتاب وكتب وأجربة.
نثره نثرا - من بابي قتل وضرب: رمي به متفرقا.
تهجد: قام، وصلى، والاخير المراد هنا.
بعثت إلى الناس كافة: تقدم الكلام عليه في الاسماء الشريفة في حرف الكاف.
هل لك [ أي هل تريد ].
الاكام: جمع أكم مثل جبل وجبال، وهو وأكمات جمع أكمة، مثل قصبة وقصبات وجمع آكام أكم ككتب وجمعه آكام كأعناق: تل، وقيل شرفه كالرابية، وهو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد وربما غلظ وربما لم يغلظ.(5/492)
شرح غريب ذكر إرساله - صلى الله عليه وسلم - دحية إلى هرقل دحيه - بكسر الدال المهملة وفتحها.
التنوخي - بفتح الفوقية وضم النون المخففة وبالخاء المعجمة.
قسيسى الروم بكسر القاف: جمع قسيس كذلك حذفت النون للاضافة، وهو عالم النصارى، ويجمع بالواو والنون تغليبا لجانب الاسمية، والقس - بالفتح لغة فيه وجمعه قسوس مثل فلس وفلوس.
البطارقة - بتفح الموحدة وكسر الراء: جمع بطريق - بكسر الموحدة، وهو كالقائد من العرب.
نخروا - بالخاء المعجمة: تكلموا وكانه كلام مع غضب ونفور، ونخر الحمار وغيره - ينخر بالضم - بخياشيمه.
رقاهم: من الرقي - بضم الراء وهو الصعود.
لم يكد: لم يقرب.
تجيب - بفتح الفوقية وهو أكثر، وبضمها: قبيلة من كندة.
يريبك - بفتح التحتية وتضم: ما تشك فيه.
كسرى - بفتح الكاف وكسرها: وهو أفصح، وهو لقب من يملك من ملوك الفرس مزق الكتاب يمزقه - بالكسر - شقه، ومزقه مشددا، ومزقهم الله كل ممزق: أهلكهم.
خرقت الثوب: قطعته، وخرقته بالتشديد تخريقا مبالغة.
الباس: القوة.
الجعبة للنشاب - بفتح الجيم والجمع جعاب مثل كلبة وكلاب، وجعبات مثل سجدات.
سفر - بفتح السين المهملة وسكون الفاء: جمع مسافر كراكب وركب.
مرملون: بالراء: فرغ زادنا.
الحلة - بضم الحاء المهملة: برد من برود اليمن لا يكون إلا ثوبين من جنس واحد.
صفورية - بصاد مهملة مضمومة ففاء فراء فمثناة تحتية مشددة: جنس من النبات فكان الحلة صبغت به.
أهوى: أقصد.
الغضروف - بضم العين - وسكون الضاد الساقطة المعجمتين: راس لوح الكيف.
المحجمة والمحجم - بالكسر: قاروة الحجام.
الضخمة: العظيمة.(5/493)
شرح غريب ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ذي البجادين - رضي الله عنه - وما بعده ميلا: بميم فتحتية مشددة فلام مفتوحات فالف: ذا مال.
لتتوق نفسه إلى كذا - بمثناتين فوقيتين فواو فقاف: تشتاق.
البجاد - بكسر الموحدة فالجيم والدال المهملة، الكساء الغليظ الجافي.
يتصفح الناس: ينظر في صفحات وجوههم وهي جلدة بشرتها.
لحاء شجر - بكسر اللام وبالحاء المهملة والمد والقصر: ما على العود من قشر، ولحوت العود لحوا من باب قال، ولحيته لحيا من باب باع: قشرته.
سمرة - بفتح السين المهملة وضم الميم، ويجوز إسكانها.
وقصته دابته وقصا من باب وعد: رمت به فدقت عنقه، فالعنق موقوصة.
النحي - بكسر النون وسكون الحاء المهملة والتحتية: سقاء السمن، والجمع أنحاء.
مثل حمل وأحمال، ونحاء أيضا مثل بئر وبئار.
الخرير - بالخاء المعجمة: صوت الماء، واستعير هنا للسمن.
شرح غريب ذكر مصالحته - صلى الله عليه وسلم - ملك أيلة وغريب ما بعده قوله: أكيدر - تصغير أكدر.
دومة بضم الدال المهملة وفتحها وسكون الواو فيهما.
أشفق: بفتح أوله وسكون الشين المعجمة وفتح الفاء وبالقاف: خاف.
أيلة - بفتح الهمزة وإسكان التحتية: مدينة بالشام على النصف ما بين مصر ومكة على ساحل البحر.
يحنة - بضم التحتية وفتح الحاء المهملة والنون المشددة وتاء تأنيث، ويقال: يحنا بالالف بدل التاء، ولم أعلم له إسلاما، وكانه مات على شركة.
روبة - بضم الراء وسكون الهمزة وبالموحدة.
جربا - بجيم مفتوحة فراء ساكنة فموحدة، تقصر وتمد: بلد بالشام تلقاء السراة.
أذرح - بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء وبالحاء المهملة: مدينة بالشام، قيل هي فلسطين، قال في القاموس: يجنب جربا، وغلطه من قال بينهما ثلاثة أيام.
مقنا: قرية قرب أيلة.(5/494)
البحر - هنا بلدهم وأرضهم.
الامنة - بفتح الهمزة والميم والنون فتاء تأنيث: الامان لسفنهم وسائرهم.
يمنعوا - بالبناء للمفعول.
جهيم - بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية.
الصلت - بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وبالفوقية.
شرحبيل - بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة.
حسنة: ضد سيئة.
وافية: كاملة تامة.
شخص: رجع.
النواضح - بفتح النون وكسر الضاد المعجمة: جمع ناضح، وهو البعير الذي يستقى عليه الماء، ثم استعمل في كل بعير.
الحمولة - بفتح الحاء المهملة: الابل التي تحمل.
رقاق: ضعاف.
الحديبية: تقدم في غزوتها.
أرملنا - بالراء: أنفد زادنا، وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل.
أفراق - بالفاء والقاف: جمع فرق بفتح الفاء والراء وتسكن: مكيال يسع ستة عشر رطلا، وهي اثنا عشر مدا وثلاثة آصع.
آصع - بفتح أوله وضم الصاد المهملة جمع صاع: مكيال، وهو أربع أمداد، وهي خمسة أرطال وثلث بالبغدادي.
صدروا: رجعوا، والصدر الانصراف عن الورد وكل شئ.
شرح غريب ذكر بعض آيات وقعت في رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك قوله: قافل - بالقاف والفاء المكسورة: راجع.
خفق - بفتح الخاء المعجمة والفاء والقاف: أخذته سنة من النعاس فمال براسه دون سائر جسده.
دعمته - بفتح الدال والعين المهملتين وسكون الميم: أسندته لئلا يميل.(5/495)
التعريس: النزول ليلا.
الفلاة: البرية التي لا ماء بها.
المشقق - بضم الميم وفتح الشين المعجمة فقافين الاولى مفتوحة: اسم ماء أو واد.
الوشل: بفتح الواو والشين المعجمة وباللام: الماء القليل، ووشل الماء وشلا إذا قطر وفي الاملاء: الوشل حجارة جبل يقطر منه الماء قليلا، والوشل أيضا القليل من الماء.
سبقنا - بفتح الموحدة.
معتب - بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية وبالموحدة.
قشير - بالقاف والشين المعجمة.
نضحه - بالضاد المعجمة وبالحاء المهملة: رشه.
امرأة من بلي بموحدة وكسر اللام وتشديد التحتية.
هنيهة - بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية وفتح الهاء وبتاء تأنيث: أي قليل من الزمان.
نهلت: رويت.
القعب - بفتح القاف وسكون العين المهملة وبالموحدة: قدح من خشب.
العساس - بعين فسين فالف فسين مهملات وزن سهام، والاعساس وزن أقفال: جمع عس - بضم العين وتشديد السين: وهو القدح الكبير.
يجيش: يفور.
الرواء - ككتاب جمعه ريان وريا.
فضالى - بفتح الفاء - وبالضاد المعجمة المخففة.
يزجون ظهرهم - بالزاي والجيم: يعوقون.
فاستمرت: قويت وسارت.
شرح غريب ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: الفتك: القتل غفلة.
يلتمسون: يطلبون.
غرته - بكسر الغين المعجمة: غفلته.(5/496)
إليكم إليكم: اسما فعل بمعنى تنحوا.
سرح: بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالحاء المهملة.
أبو حاضر: ضد غائب.
الجلاس - بضم الجيم وبالسين المهملة والتخفيف.
مجمع - بالجيم بلفظ اسم الفاعل.
جارية: والد مجمع - بالجيم والتحتية.
مليح - تصغير ملح.
حصين - بضم الحاء وفتح الصاد المهملة.
نمير - بوزنه.
أقاله عثرته: جبر زلته وسميت الزلة عثرة لانها سقوط في الاثم.
طعمة - بضم الطاء المهملة وسكون العين المهملة.
أبيرق تصغير أبرق.
عيينة - والد عبد الله بلفظ تصغير عين.
مرة بن الربيع - بلفظ ضد حلوة.
الدبيلة - بضم الدال المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية: خرج أو دمل كبير يظهر
في الجوف تقتل صاحبها غالبا.
نياط القلب - بكسر النون: عرق علق به القلب من الوتين إذا قطع مات صاحبه.
شرح غريب أمر مسجد الضرار قوله: أبو رهم - بضم الراء وسكون الهاء.
كلثوم - بضم الكاف - وبالثاء المثلثة.
الحصين - بلفظ تصغير حصن.
الغفاري - بكسر الغين المعجمة.
ابن عوف - بالفاء.
بني غنم - بفتح الغين المعجمة وسكون النون.
يرصدون قدومه: ينتظرونه.(5/497)
العلة: المرض.
جناح سفر: أي مفارقة الاوطان.
ذو أوان - بفتح الهمزة وتخفيف الواو وبالنون: موضع قريب من المدينة.
الدخشم - بضم الدال المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمتين وبالميم، ويقال بالنون بدلها، ويقال كذلك بالتصغير.
أنظرني - بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الظاء المعجمة المشالة: أي أخرني ولا تعجلني، هكذا الرواية، ويصح أن يقرأ بضم الهمزة أن انتظرني.
السعف - بضم السين والعين المهملتين وبالفاء: أغصان النخل مادامت بالخوص، فان زال الخوص عنها قيل جريدة، الواحدة سعفة.
شرح غريب ذكر حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - لم يعاتب - بكسر الفوقية، ولم يعاتب الله تعالى أحدا، وفي رواية لم يعاتب بفتح الفوقية.
العير - بكسر العين، الابل التي تحمل الميرة.
حين تواثقنا - بفوقية وثاء مثلثة فقاف: تعاهدنا وتعاقدنا.
وإن كانت بدر أذكر: أعظم ذكرا.
ورى بغيرها - بفتح الواو والراء المشددة: أي أوهم غيرها، والتورية، أن يذكر لفظا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الاخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد.
المفازة - بفتح الميم والفاء وبالزاي: الفلاة التي لا ماء فيها.
فجلى - بالجيم واللام المشددة، ويجوز تخفيفها: أوضح.
الاهبة - بضم الهمزة والهاء: ما يحتاج إليه في السفر والحرب.
كتاب - بالتنوين - حافظ: كذلك، وفي مسلم بالاضافة.
الديوان: بكسر الدال المهملة وتفتح.
يتغيب: يستخفي.
خارفون - بالخاء المعجمة: يقيمون في الحيطان وقت اختراف الثمار، وهو الخريف هنا.
طفقت - بكسر الفاء أفصح من فتحها: أخذت وشرعت.(5/498)
أغدو - بالغين المعجمة.
يتمادى - بتحتية ففوقية فميم مفتوحات فالف فدال مهملة.
الحاذ - بحاء مهملة وبعد الالف ذال معجمة: الحال وزنا ومعنى.
الجد - بكسر الجيم والرفع فاعل وهو الجهد في الشئ والمبالغة فيه، وفي رواية: حتى اشتد الناس الجد وضبطوا الناس بالرفع على أنه فاعل، والجد بالنصب على نزع الخافض.
أو نعت لمصدر محذوف أي اشتد الناس الاشتداد الجد.
أصبوا: بصاد مهملة فباء موحدة: أميل.
جهازي - بفتح الجيم وكسرها.
غدوت - بالغين المعجمة.
فصلوا - بصاد مهملة: خرجوا.
تفارط - بالفاء فالراء والطاء المهملتين: فات وسبق.
يقدر - بالبناء للمفعول.
أني لا أرى - بفتح همزة إن، وهي وصلتها فاعل أحزنني خلافا لمن قال للتعليل.
مغموصا - بفتح الميم وسكون الغين المعجمة بعدها ميم أخرى مضمومة فواو فصاد مهملة، متهما أي يظن به النفاق.
بني سلمة - بكسر اللام.
السلمي بفتحتين.
برداه: تثنية برد.
عطفيه - بكسر العين المهملة تثنية عطف: أي جانبه، كناية عن كونه معجبا في نفسه ذا زهو وتكبر، أو يكنى به عن مسيرته لتعجبه، والقريب الرداء وسمي عطفا لوقوعه على عطف الرجل.
قافلا: راجعا.
قد أظل - بالظاء المشالة المعجمة: دنا.
زاح - بالزاي والحاء المهملة: زال.
أجمعت صدقة: جزمت به وعقدت عليه قصدي.
بضعة - بكسر الموحدة وسكون الضاد المعجمة: ما بين الثلاث إلى التسع على المشهور.(5/499)
بدا - بفتح الهمزة.
المخلفون: الذين خلفهم كسلهم ونفاقهم عن غزوة تبوك.
ووكل - بفتحات مع التخفيف.
المغضب - بفتح الضاد المعجمة.
خلفك تشديد اللام المفتوحة.
ابتعت ظهرك: شريته.
أن - بفتح الهمزة مخففة من الثقيلة.
سأخرج - بالضم.
جدلا - بفتح الجيم والدال المهملة: فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما نسب إلي مما يقبل ولا يرد.
يوشكن - بضم التحتية وكسر الشين المعجمة: يسرعن.
تجد - بكسر الجيم: تغضب.
أما هذا - بفتح الهمزة وتشديد الميم.
ثار رجال: وثبوا.
سلمة - بكسر اللام.
عجزت - بفتح الجيم أفصح من كسرها.
كافيك: خبر كان.
ذنبك: مفعول كافيك.
استغفار: اسم كان، وذكر بعضهم أن ذنبك منصوب بنزع الخافض، أي من ذنبك.
يؤنبونني بهمزة مفتوحة فنون مشددة فموحدة مضمومة ونونين: يلومونني لوما عنيفا.
مرارة - بضم الميم وتخفيف الراءين.
الربيع - بفتح الراء.
العمري - بفتح العين المهملة وسكون الميم، نسبة إلى عمرو بن عوف.
الواقفي، بتقديم القاف على الفاء نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن أوس.(5/500)
أسوة - بكسر الهمزة وضمها.
أيها الثلاثة - بالرفع، ومحله النصب على الاختصاص، أي خصوصا، الثلاثة، كقولهم اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، وقال أبو سعيد السيرافي: إنه مفعول فعل محذوف أي أريد الثلاثة أي أخص الثلاثة، وخالفه الجمهور وقالوا: إنه منادي، والثلاثة صفة له، وإنما أوجبوا ذلك لانه في الاصل كان كذلك فنقل إلى الاختصاص، وكل ما نقل من باب إلى باب فاعرابه بحسب أصله كافعال التعجب.
اجتنبنا [ بهمزة وصل وجيم ساكنة وفوقية مفتوحة ونون وباء ونون مفتوحات: بعد عنا ].
الناس: فاعل اجتنب.
استكان: رجع.
أجلدهم: أقواهم.
أطوف: أدور.
أسارقة - بالسين المهملة والقاف - النظر: أنظر إليه في خفية.
جفوة الناس - بفتح الجيم وسكون الفاء: إعراضهم.
تسورت: علوت.
أنشدك - بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة: أسالك.
فنشدته - بفتح المعجمة: سألته به.
نبطي - بفتح النون والموحدة وكسر الطاء: فلاح، وكان نصرانيا، ولم يسم.
من أنباط الشام - بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة.
يشيرون - بضم أوله.
غسان - بفتح الغين وتشديد السين المهملة.
جبلة بن الايهم، وهو الحرث بن أبي شمر.
السرقة - بسين مهملة فراء فقاف مفتوحات فهاء تأنيث: الابيض من الحرير، أو الحرير عامة.
دار هوان: [ ذلة ومهانة ].
مضيعة - بفتح الميم وسكون الضاد المعجمة، وفتح التحتية وبكسر الضاد وسكون التحتية: أي حيث يضيع حقك.(5/501)
متحولا - بالحاء المهملة وفتح الواو مكان تتحول فيه بفتح الحاء المهملة.
نواسيك - بضم النون وكسر السين المهملة من المواساة.
تيممت: قصدت.
التنور - بفتح الفوقية: الذي يخبز فيه.
سجرته - بسين مهملة مفتوحة: أو قدته.
وأرسل إلى صاحبي - بتشديد التحتية.
الحقي باهلك - بفتح الحاء.
حتى كملت - بفتح الميم.
ضاقت علي نفسي [ ضد اتسعت، كناية عن ما يعانيه من الشدة والحزن وضيق الصدر ].
ضاقت علي الارض بما رحبت: أي بما هي عليه من السعة.
صارخ - بالخاء المعجمة.
أوفى - بالفاء مقصورا: صعد.
سلع - بفتح السين المهملة وسكون اللام.
يا كعب بن مالك - بفتح كعب وابن، وضم كعب وفتح ابن وضمها.
أبشر - بهمزة.
قد جاء فرج - بالجيم.
آذن بالمد: أعلم.
وذهب قبل - بكسر القاف وفتح الموحدة: جهة.
صاحبي: مرارة وهلال.
ركض إلي - بتشديد التحتية: استحث.
ثوبي: تثنية ثوب.
فوجا فوجا: جماعة جماعة.
لتهنك: بكسر النون.
توبة الله - بالرفع.
فقام إلي - بتشديد التحتية.
يهرول: يسر بين المشي والعدو.
ولا أنساها لطلحة: أي هذه الخصلة، وهي بشارته إياي بالتوبة، أي لا أزال أذكر إحسانه إلى بذلك وكنت رهين مسرته.(5/502)
يبرق - بفتح أوله.
إذا سر - بضم السين وتشديد الراء، مبنيا للمفعول.
كأنه قطعة قمر: تقدم الكلام عليه في الصفات النبوية.
أن أنخلع: أخرج من مالي صدقة.
قال الزركشي والحافظ والبرماوي هي مصدر، فيجوز انتصابه بأنخلع، لان معنى انخلع أتصدق، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال، وتعقب ذلك الشيخ بدر الدين الدماميني: بأنا لا نسلم أن الصدقة مصدر وانما هي اسم لما يتصدق به
على الفقراء، فعلى هذا نصبها على الحال من مالي.
ما بقيت - بكسر القاف.
أبلاه الله - بالموحدة الساكنة: أنعم الله عليه.
أحسن مما أبلاني: أنعم علي، وفيه نفي المساواة، لانه شاركه في ذلك هلال بن أمية.
أن لا أكون كذبته - بتخفيف الذال وسكون الموحدة، ولا زائدة كقوله تعالى: (ما منعك ألا تسجد) [ الاعراف 12 ] أي حدثته حديث كذب.
فأهلك بكسر اللام وفتح الكاف.
شر ما قال لاحد: أي قال قولا شرا - ما قال بالاضافة، أي شر القول الكائن لاحد من الناس.
أرجأ أمرنا - بالجيم والهمزة: أخر.
مما خلفنا - بضم الخاء المعجمة وكسر اللام المشددة - وسكون الفاء.
ارجاؤه: تأخيره وتركه.
شرح غريب ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر أبو لبابة - بضم اللام وتخفيف الموحدة الاولى.
جد بن قيس - بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة.
جذام بن أوس...قفل - بفتح القاف والفاء واللام: رجع.
نجز الجزء الثاني من كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
يتلوه الجزء الثالث " جماع أبواب سراياه "
أحسن الله تعالى عاقبتنا آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين آمين، والحمد الله رب العالمين - على يد الفقير الراجي عفو الله علي بن ابراهيم الباجي غفر الله له ولوالديه ولمشايخه آمين.(5/503)
سبل الهدى والرشاد
الصالحي الشامي
ج 6(6/)
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي
المتوفي سنة 942 هـ
تحقيق وتعليق
الشيخ عادل أحمد عبد الموجود
الشيخ علي محمد معوض
الجزء السادس
دار الكتب العلمية بيروت - لبنان(6/1)
الطبعة الاولى 1414 هـ.
1993 م(6/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
جماع أبواب سراياه وبعوثه وبعض فتوحاته صلى الله عليه وسلم
الباب الأول في عدد سراياه وبعوثه ومعنى السرية
وفيه نوعان الأول: قال ابن اسحاق رحمه الله تعالى: السرايا والبعوث ثمانيا وثلاثين وذكرها أبو عمر رحمه الله تعالى في اول باب الاستيعاب سبعا وأربعين.
وذكرها محمد بن عمر رحمه الله تعالى ثمانيا واربعين، وأبو الفضل ستا وخمسين.
ونقل المسعودي عن بعضهم أنها ستون.
وعلى ذلك جرى الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى في ألفية السيرة، وذكر فيها أن الامام الحافظ محمد بن نصر (1) اوصلها إلى السبعين، وان الامام الحافظ ابا عبد الله الحاكم
رحمه الله تعالى قال: انه ذكر في الاكليل انها فوق المائة.
قال العراقي: ولم أجد هذا القول لاحد سواه.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: لعل الحاكم أراد بضم المغازي إليها.
قلت عبارة الحاكم كما رواها عنه ابن عساكر بعد أن روى عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه كانت ثلاثا وأربعين.
قال الحاكم: هكذا كتبناه.
واظنه اراد السرايا دون الغزوات، فقد ذكرت في كتاب الاكليل على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه زيادة على المائة.
قال: (واخبرني الثقة من اصحابنا ببخارى انه قرأ في كتاب ابي عبد الله محمد بن نصر السرايا والبعوث دون الحروب بنفسه نيفا وسبعين).
انتهى.
قال في البداية: وهذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا، وحمله كلام قتادة على ما قال، فيه نظر فقد روى الامام أحمد (عن ازهر بن القاسم الراسبي عن هشام الدستوائي) عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث واربعون: اربعة وعشرون بعثا وتسع عشرة غزوة.
قلت والذي وقفت عليه من السرايا والبعوث لغير الزكاة يزيد على السبعين كما سيأتي بيان ذلك مفصلا ان شاء الله تعالى.
__________
(1) محمد بن نصر المروزي، أبو عبد الله: امام في الفقه والحديث.
كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة فمن بعدهم في الاحكام.
ولد ببغداد.
ونشأ بنيسابور، ورحل رحلة طويلة استوطن بعدها بسمرقند وتوفي بها.
له كتب كثيرة، منها (القسامة) في الفقه، قال أبو بكر الصيرفي: لو لم يكن له غيره لكان من أفقه الناس، (والمسند) في الحديث، وكتاب (ما خالف به أبو حنيفة عليا وابن مسعود).
الاعلام 7 / 125.
(*)(6/3)
الثاني: في معنى السرية.
قال ابن الاثير في النهاية: (السرية: الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها اربعمائة تبعث إلى العدو، وجمعها سرايا سموا بذلك لانهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشئ السري النفيس.
وقيل سموا بذلك لانهم ينفذون سرا وخفية، وليس بالوجه الن لام السر راء وهذه ياء.
انتهى.
وقال الامام شهاب الدين أحمد بن علي الشهير بابن خطيب الدهشة رحمه الله تعالى
في كتابه المصباح (1): (السرية: قطعة من الجيش، فعلية بمعنى فاعلة لانها تسري في خفية والجمع سرايا وسريات مثل عطية وعطايا وعطيات) انتهى.
فقوله: (خفية) احسن من قول من قال (سرا) لما ذكره ابن الاثير من ان لام السرراء وهذه ياء.
وقال الحافظ: السرية: قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه وهي من مائة إلى خمسمائة، فما زاد على خمسمائة يقال له: منسر بالنون والسين المهملة أي بفتح الميم وكسر السين وبعكسهما.
فان زاد على الثمانمائة سمي جيشا، وما بينهما يسمى هيضلة، فان زاد على أربعة آلاف سمي جحفلا بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الفاء، فان زاد فجيش جرار، بفتح الجيم وبراءين مهملتين الاولى مشددة.
والخميس أي بلفظ اليوم: الجيش العظيم.
وما افترق من السرية يسمى بعثا.
فالعشرة فما بعدها حضيرة.
والاربعون عصبة، وإلى ثلاثمائة مقنب بقاف ونون وموحدة أي بكسر الميم وسكون القاف وفتح النون.
فان زاد سمي جمرة بجيم مفتوحة وسكون الميم.
والكتيبة - بفتح الكاف فتاء مكسورة وتحتية ساكنة فموحدة فتاء تأنيث - ما اجتمع ولم ينتشر، انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الاصحاب أربعة.
وخير السرايا اربعمائة، وخير الجيوش، اربعة آلاف، وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا).
رواه أبو يعلى وابن حبان وأبو داود والترمذي، دون قوله (إذا صدقوا وصبروا) (1).
__________
(1) اخرجه أحمد في المسند 1 / 299 والبيهقي في السنن 9 / 156 والدارمي 2 / 215 وذ كره الهيثمي في المجمع 5 / 258.
(*)(6/4)
الباب الثاني في اي وقت كان يبعث سراياه ووداعه بعضهم ومشيه مع بعضهم وهو راكب إلى خارج المدينة ووصيته صلى الله عليه وسلم لامراء السرايا
وفيه أنواع: الأول: في أي وقت كان يبعث سراياه، عن صخر - بصاد مهملة فخاء معجمة - ابن وداعة - بفتح الواو والدال المهملة - الغامدي - بغين معجمة فألف فميم مكسورة فدال مهملة فياء نسب - رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لامتي في بكورها (1).
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها اول النهار، وكان صخر رجلا تاجرا وكان لا يبعث غلمانه الا من أول النهار فكثر ماله حتى لا يدري أين يضع ماله.
رواه الامام أحمد والثلاثة وحسنه الترمذي.
وعن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية أغزاها اول النهار وقال: (اللهم بارك لامتي في بكورها).
رواه الطبراني.
الثاني: في وداعة صلى الله عليه وسلم بعض سراياه.
روى الامام أحمد عن البراء بن عازب، والامام أحمد وأبو يعلى باسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى مع الذين وجههم لقتل كعب بن الاشرف إلى بقيع الغرقد.
ثم وجههم وقال: (انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم) (2) ثم رجع.
البقيع بفتح الموحدة وكسر القاف وسكون التحتية وبالعين المهملة، والغرقد بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف وبالدال المهملة.
من شجر العضاة أو العوسج أو العظام منه.
وعن عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شيع جيشا فبلغ عقبة الوداع قال: (استودع الله تعالى دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم) (3) الحديث رواه ابن ابي شيبة رحمه الله.
الثالث: في مشيه صلى الله عليه وسلم مع بعض أمراء سراياه، وذلك البعض راكب.
عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن خرج معه يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت ظل راحلته، فلما فرغ قال: (يا معاذ انك عسى ألا تلقاني بعد
__________
(1) اخرجه الترمذي (1212) وأبو داود (2606) وابن ماجه (236) واحمد في المسند 3 / 416 - 417 والطبراني في الكبير 8 / 28، 10 / 257.
(2) اخرجه أحمد في المسند 1 / 66 والحاكم 2 / 9 والطبراني في الكبير 11 / 221 وانظر البداية والنهاية 4 / 7.
(3) اخرجه أبو داود (2601) والحاكم 2 / 97 وذكره ابن حجر في المطالب (3194) والمتقي الهندي في الكنز (18136).
(*)(6/5)
عامي هذا ولعلك ان تمر بمسجدي وقبري) فبكى معاذ رضي الله عنه جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث (1)، رواه الامام أحمد ويعلى برجال ثقات وسيأتي بتمامه في موضعه من السرايا والبعوث.
جشعا بفتح الجيم وكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة أي جزعا لفراقه صلى الله عليه وسلم.
ورى ابن عساكر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى معه ميلا ومعاذ راكب لامره صلى الله عليه وسلم بذلك.
النوع الرابع: في وصيته صلى الله عليه وسلم لامراء السرايا.
عن بريدة بالموحدة والتصغير رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أو صاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا (ولا تمثلوا) ولا تقتلوا وليدا.
وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فايتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنه وادعهم إلى الاسلام، فان أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، واخبرهم، انهم ان فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فان أبوا أن يتحولوا منها فاخبرهم ان يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفئ شئ الا أن يجاهدوا مع المؤمنين، فان هم أبوا فسلهم الجزية، فان هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فان هم أبوا فاستعن عليهم بالله وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن فارادوك ان تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فال تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه.
ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة اصحابك فانكم وان تخفروا ذممكم وذمم اصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله.
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك ان تنزلهم على
حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن انزلهم على حكمك فانك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا.
ثم اقضوا فيهم بعد ما شئتم) (2).
رواه مسلم وأبو داود والترمذي واللفظ لمسلم ورواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه
__________
(1) اخرجه أحمد في المسند 5 / 235 والبيهقي في الدلائل 5 / 404 وابن حبان (2504) وذكره الهيثمي في المجمع 3 / 36.
(2) اخرجه مسلم في كتاب الجهاد (3) وأبو داود (2613) وابن ماجه (2858) والترمذي (1408) واحمد في المسند 4 / 240 والبيهقي في السنن 9 / 49 والحاكم في المستدرك 4 / 541 وعبد الرزاق (9428) وابن ابي شيبة في المصنف 12 / 362.
(*)(6/6)
قال: (اخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوالدين ولا اصحاب الصوامع) (1).
رواه ابن ابي شيبة والامام وأبو يعلى.
وعن عبد الرحمن بن عائذ - رحمه الله تعالى - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا قال: تألفوا الناس وتأتوهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم إلى الاسلام فما على الارض من أهل بيت مدر ولا وبر الا تأتوني بهم مسلمين أحب إلى من أن تقتلوا رجالهم وتأتوني بنسائهم) (2).
رواه مسدد والحارث بن أبي أسامة مرسلا.
وعن علي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وجها، ثم قال لرجل الحقه ولا تدعه من خلفه فقل له: ان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تنتظره وقل له: (لا تقاتل قوما حتى تدعوهم) (3).
رواه اسحقاق بن راهويه بسند فيه انقطاع.
وعن ابي موسى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث احدا من اصحابه في بعض أمره قال: (بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا) (4) رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا قال: (انطلقوا
باسم الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا واحسنوا ان الله يحب المحسنين) (5) رواه أبو داود والترمذي.
وعن ابن عصام المزني - بالزاي والنون - رضي الله عنه عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول: (إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا) (6).
رواه أبو داود والترمذي.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل معإذا وأبا موسى فقال: (تشاورا وتطاوعا ويسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا (7) رواه البزار.
__________
(1) اخرجه أبو يعلى في المسند 4 / 423 (222 - 2549) واحمد في المسند 1 / 300 وا لبيهقي 9 / 90 والبزار (1677) والطحاوي في شرح معاني الاثار 3 / 220 وذكره الهيثمي في المجمع 5 / 316 وعزاه لاحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني في الكبير والاوسط وقال: وفي رجال البزار وابراهيم بن اسماعيل بن حبيبة وثقه أحمد وضعفه الجمهور.
(2) ذكره ابن حجر في المطالب (1962 - 1963).
(3) اخرجه ابن ابي شيبة في المصنف 12 / 363 والبخاري في التاريخ 3 / 377 وذكره في المجمع 5 / 305.
(4) اخرجه البخاري 1 / 27 ومسلم في كتاب الجهاد (6) وأبو داود (4835) واحمد في المسند 4 / 399.
(5) اخرجه أبو داود (2614) والبيهقي في السنن 9 / 60 وعبد الرزاق (9430).
(6) اخرجه أبو داود (2635) والترمذي (1549) واحمد في المسند 3 / 448 وذكره الهيثمي في المجمع 6 / 210.
(7) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 260 وعزاه البزار وقال: فيه عمرو بن أبي خليفة العبدي ولم اعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح، والحديث في مسلم بنحوه.
(*)(6/7)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: لا تغدروا بكسر الدال المهملة.
ذمة الله بكسر المعجمة: أمانه وعهده.
الوليد بفتح الواو: الصبي.
على حكم الله: قضاؤه.
المدر: قطع الطين.(6/8)
الباب الثالث في اعتذاره عن تخلفه عن صحبة السرايا صلى الله عليه وسلم واعطائه سلاحه لمن يقاتل به
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله ابدا، ولكن لا أجد سعة فاحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني، ويشق عليهم ان يقعدوا بعدي) - وفي لفظ: (ولا تطيب أنفسهم ان يتخلفوا عني - (والذي نفسي بيده لوددت اني أغزو في سبيل الله وأقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا) (1) بتكريره ست مرات، رواه الامامان مالك واحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة.
وعن (جبلة بن حارثة) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يغز أعطى سلاحه عليا أو أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما (2)، رواه أحمد وأبو يعلى.
تنبيهات
الأول: الحكمة في بيان ايراد قوله: (والذي نفسي بيده) مرة ثانية عقب الاولى ارادة تسلية الخارجين في الجهاد عن مرافقته صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: الوجه الذي تسيرون فيه له من الفضل ما أتمنى لاجله ان أقتل مرات، فمهما فاتكم من مرافقتي والقعود معي من الفضل، يحصل لكم مثله أو فوقه من فضل الجهاد، فراعى خواطر الجميع.
وقد خرج صلى الله على يه وسلم في بعض المغازي، وتخلف عن المشار إليهم وكان ذلك حيث (رجحت) مصلحة خروجه على مراعاة حالهم.
الثاني: استشكل صدور هذا التمني من النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بأنه لا يقتل، وأجيب بأن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وددت لو أن موسى صبر) (3)، فكأنه صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المسلمين عليه.
الثالث: قال النووي رحمه الله تعالى: (في هذا الحديث حسن النية وبيان شدة شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واستحباب القتل في سبيل الله تعالى، وجواز قول وددت
__________
(1) اخرجه الترمذي 6 / 20 (2797) والبيهقي في السنن 9 / 24.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 286 وعزاه لاحمد والطبراني في الكبير والاوسط ورجال أحمد ثقات.
(3) اخرجه البيهقي في الاسماء والصفات (117) واخرجه البخاري بنحوه 4 / 190.
(*)(6/9)
حصول كذا من الخير، وان علم انه لا يحصل، وفيه ترك بعض المصالح لمصلحة راجحة أ و أرجح، أو لدفع مفسدة، وفيه جواز تمني ما يمتنع في العادة).
الرابع: قال الطيبي رحمه الله تعالى ثم في قوله: (ثم أقتل) إلى آخره، وان حملت على التراخي في الزمان هنا لكن الحمل على التراخي في الرتبة هو الوجه، لان التمني حصو ل درجات بعد القتل، والاحياء لم يحصل من قبل، ومن ثمة كررها لنيل مرتبة بعد مرتبة إلى أن ينتهي إلى المقام الاعلى منه.(6/10)
الباب الرابع في سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه إلى سيف البحر من ناحية العيص في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة في ثلاثين رجلا من المهاجرين والانصار
قال ابن سعد: (والمجمع عليه انهم كانوا جميعا من المهاجرين، ولم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم احدا من الانصار مبعثا حتى غزا بهم بدرا، وذلك انهم كانوا شرطوا له أنهم يمنعونه في دارهم. وهذا الثبت عندنا). وصححه في المورد. وعقد له لواء أبيض حمله أبو مرثد كناز بن الحصين الغنوي، حليف حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما، وهو أ ول لواء عقد في الاسلام كما قال عروة وابن عقبة ومحمد بن عمر وابن سعد وابن عائذ والبيهقي وابن الاثير والدمياطي والقطب وغيرهم وصححه أبو عمر رحمهم الله تعالى. وذكر ابن اسحاق رحمه الله تعالى ان اول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء عبيدة بن الحارث. ثم قال: (واختلف الناس في راية عبيدة وحمزة فقال بعض الناس كانت راية حمزة قبل راية عبيدة وقال بعض الناس راية عبيدة كانت قبل راية حمزة، وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم شيعهما جميعا فأشكل ذلك على بعض الناس). انتهى. فخرج حمزة رضي الله تعالى عنه بمن معه يعترض عير قريش التي جاءت من الشام تريد مكة، وفيها أبو جهل في ثلثمائة ر جل وقيل في مائة وثلاثين، فبلغ سيف البحر ناحية العيص من أرض جهينة. فما تصافوا حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفا للفريقين جميعا فأطاعوه وانصرفوا ولم يقتتلوا فتو جه أبو جهل في اصحابه وعيره إلى مكة وانصرف حمزة واصحابه رضي الله تعالى عنهم إلى المدينة. ولما عاد حمزة بمن معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبره بما حجز بينهم مجد ي بن عمرو وانهم رأوا منه نصفة. وقدم رهط مجدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساهم وقال صلى الله عليه وسلم فيما ذكره محمد بن عمر عن مجدي أيضا: ((انه - ما) علمت - ميمون النقيبة مبارك الامر) أو قال : (رشيد الامر). تنبيهات الأول: ذكر ابن سعد هذه السرية والتي بعدها قبل غزوة الابواء، وذكرهما ابن اسحاق قبل غزوة بواط. الثاني: اختلف في أي شهر كانت ؟ فقال المدائني: في ربيع الاول سنة اثنتين، وقال أبو عمرو: بعد ربيع الاخر.(6/11)
الثالث: في بيان غريب ما سبق: سيف البحر: بكسر السين المهملة، ساحله العيص: بكسر العين المهملة وسكون التحتية فصاد مهملة.
عبيدة: بضم اوله وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالهاء.
جهينة: بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وبالنون.
حجز: بفتح المهملة والجيم والزاي: فصل.
مجدي: بفتح الميم وسكون الجيم فدال مهملة فياء كياء النسب، لا يعلم له اسلام.
حليفا: أي محالفا ومسالما.
أبو مرثد: بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة، واسمه كناز بفتح الكاف وتشديد النون وبالزاي.
الغنوي: بفتح الغين المعجمة والنون وبالواو.
الحصين: بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين.
مأمون النقيبة: منجح الافعال مظفر المطالب، والنقيبة: بفتح النون وكسر القاف وسكون التحتية وبالهاء.
الخليقة والطبيعة أو النفس.(6/12)
الباب الخامس في سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، رضي الله تعالى عنه إلى بطن رابغ في شوال من السنة الاولى في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم انصاري وكان لواؤه أبيض حمله مشطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف رضي الله تعالى عنه.
فخرج فلقي أبا سفيان بن حرب، في أناس من اصحابه على ماء يقال له أ حياء من بطن رابغ (على عشرة أميال من الجحفة وانت تريد قديدا على يسار الطريق، وانما) نكبوا عن الطريق ليرعوا ركابهم.
وأبو سفيان في مائتين وعلى المشركين أبو سفيان، قال محمد بن عمر:
وهو الثبت عندنا، وقيل مكرز بن حفص، وقيل عكرمة بن أبي جهل.
فكان بينهم الرمي، ولم يسلوا سيفا ولم يصطفوا للقتال، وانما كانت بينهم المناوشة الا ان سعد بن أبي وقا ص رضي الله تعالى عنه رمي بسهم في سبيل الله فكان اول سهم رمي به في الاسلام فنثر كنا نته وتقدم امام اصحابه وقد تترسوا عنه فرمي بما في كنانته وكان فيها عشرون سهما ما منها سهم الا ويجرح انسانا أو دابة.
ولم يكن بينهم يومئذ الا هذا، ثم انصرف الفريقان على حاميتهم.
وفر من الكفار إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان المازني حليف (بني نوفل) بن عبد مناف، وكانا مسلمين، ولكنهما خرجا ليتوصلا بالمشركين.
تنبيهان الأول: كذا ذكر غير واحد من أهل السير ان هذه السرية كانت في السنة الاولى.
وذكر أبو الاسود في مغازيه، ووصله ابن عائذ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الابواء بعث عبيدة بن الحارث في ستين رجلا، فذكر القصة، فتكون في السنة الثانية، وصرح به بعض أهل السير، فالله تعالى أعلم.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: بطن رابغ: بالموحدة المكسورة والغين المعجمة.
مشطح: بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء وبالحاء المهملات.
أثاثة: بضم أوله وثاءين مثلثتين مخففتين.
عباد: بفتح اوله وتشديد الموحدة.
أحياء: جمع حي ماء اسفل ثنية المرة بكسر الميم وتشديد الراء وخففها ياقوت.(6/13)
مكرز: بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء: لا يعلم له اسلام، وانفرد ابن حبان بذكره في الصحابة، فانه قال: يقال له صحبة، فان صح ذلك فقد أسلم والا فلا.
الاخيف: بالخاء المعجمة والتحتية وبالفاء وزن أحمد.
المناوشة في القتال تداني الفريقين واخذ بعضهم بعضا.
الكنانة: بكسر الكاف جعبة السهام من أدم.
على حاميتهم: أي جماعتهم، والحامية الرجل يحمي القوم، وهو على حامية القوم أي آخر من يحميهم في مضيهم.
المقداد: بكسر الميم وسكون القاف وبدالين مهملتين.
البهراني: بفتح الموحدة وسكون الهاء فراء فنون.
بنو زهرة: بضم الزاي وسكون الهاء.
عتبة: بضم العين المهملة وسكون الفوقية وبالموحدة.
غزوان: بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي وبالواو والنون.
المازني: بكسر الزاي والنون.(6/14)
الباب السادس في سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه في عشرين رجلا من المهاجرين رضي الله تعالى عنهم وقيل: في ثمانية إلى الخزاز في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من الهجرة.
وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو البهراني، وعهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يجاوز الخزاز، يعترض عيرا لقريش تمر بهم، فخرجوا على اقدامهم يكمنون النهار ويسيرون الليل حتى صبحوا صبح خمس الخزاز من الجحفة قريبا من خم فوجدوا العير قد مرت بالا مس فانصرفوا إلى المدينة.
تنبيهان الأول: ذكر محمد بن عمر وابن سعد هذه السرايا جميعها في السنة الاولى من الهجرة
وجعلها ابن اسحاق في السنة الثانية.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: الخزاز: بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاي الاولى، واد يصب في الجحفة.
في ذي القعدة: بكسر القاف وفتحها.
يكمنون: بضم الميم: يستترون.
الجحفة: بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء قرية كبيرة على خمس مراحل من مكة ونحو ثلثي مرحلة من المدينة الشريفة.
خم: بضم الخاء المعجمة اسم غدير أو واد بقرب الجحفة.(6/15)
الباب السابع في سرية فيها سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
روى الامام أحمد عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا له: انك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتى نأتيك وقومنا.
فأوثق لهم فأسلموا.
قال: فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب (أي من السنة الثانية) ولا نكمل مائة.
وأ خبرنا ان نغير على حي من كنانة إلى جنب جهينة، فأغرنا عليهم، فكانوا كثيرا، فلجأنا إلى جهينة فمنعونا، وقالوا: لم تقاتلون في الشهر الحرام ؟ فقال بعضنا لبعض: ما ترون ؟ فقال بعضنا: نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره.
وقال قوم: لا بل نقيم ههنا.
وقلت أنا في أناس معي: لا، بل نأتي عير قريش فنقتطعها.
فانطلقنا إلى العير (وكان الفئ إذ ذاك من أخذه فهو له) وانطلق اصحابنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه الخبر، فقام غضبان محمرا وجهه فقال: أذهبتم من عندي جميعا وقمتم متفرقين وانما أهلك من كان قبلكم الفرقة، لابعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، أصبركم على الجوع والعطش) (1).
فبعث علينا عبد الله بن جحش أميرا فكان أول أمير في الاسلام.
الباب الثامن في سرية أمير المؤمنين المجدع في الله تعالى عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه في رجب من السنة الثانية إلى بطن نخلة
دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى العشاء فقال: (واف مع الصبح، معك سلاحك، أبعثك وجها).
قال: فوافيت الصبح وعلي قوسي وسيفي وجعبتي ومعي درقتي.
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالناس، ثم انصرف، فيجدني قد سبقت واقفا عند بابه، وأجد نفرا من قريش.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، فدخل عليه، فأمره فكتب كتابا، ثم دعاني فأعطاني صحيفة من أديم خولاني وقال: (قد استعملتك على هؤلاء النفر، فامض حتى إ ذا سرت ليلتين فانظر كتابي هذا ثم امض لما فيه).
قلت: يارسول الله: أي ناحية ؟ قال: (اسلك النجدية تؤم ركبة).
قال ابن اسحاق وأبو عمرو: وأرسل معه ثمانية رهط من المهاجر ين، ليس فيهم أنصاري وهم: أبو حذيفة بن عتبة، وسعد بن ابي وقاص، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله الليثي، وخالد بن البكير، وسهيل بن بيضاء.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 6 / 69 وعزاه لاحمد وقال: ورواه ابنه عنه وجادة ووصلة عن غير أبيه ورواه البزار وفيه المجالد بن سعيد وهو ضعيف عند الجمهور ووثقه النسائي في رواية رجال أحمد رجال الصحيح.
(*)(6/16)
وذكر ابن عائذ فيهم: سهل بن بيضاء ولم يذكر سهيلا ولا خالدا ولا عكاشة.
وذكر ابن سعد فيهم المقداد بن عمرو - وهو الذي أسر الحكم بن كيسان - وقال ابن سعد: كا نوا اثني عشر (من المهاجرين) كل اثنين يعتقبان بعيرا.
وروى الطبراني بسند حسن عن ز ر (بن حبيش) رحمه الله تعالى قال: أول راية رفعت في الاسلام راية عبد الله بن جحش).
فانطلق عبد الله بن جحش حتى إذا كان مسيرة يومين فتح الكتاب فإذا فيه: (سر با سم الله وبركاته ولا تكرهن احدا من اصحابك على السير معك، وامض لامري فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة فترصد غير قريش وتعلم لنا أخبارهم).
فلما نظر في الكتاب قال: سمعا وطاعة.
وقرأه على اصحابه وقال: (قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر) وقد نهاني أن استكره احدا منكم، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها
فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع.
(فأما أنا فماض لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم)) فقالوا أجمعون: (نحن سامعون مطيعون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولك، فسر على بركة الله).
فسار ومعه أصحابه لم يتخلف منهم أحد، وسلك على على الحجاز، حتى إذا كان بمكان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه، فتخلفا في طلبه يومين، ولم يشهدا الموقعة، وقدما المدينة بعدهم بأيا م.
ومضى عبد الله بن جحش في بقية أصحابه حتى نزل بنخلة.
فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش جاؤوا بها من الطائف، فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي واخوه نوفل بن عبد الله، وقيل بل أخوهما المغيرة، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة.
فلما رآهم اصحاب العير هابوهم وأنكروا امرهم، وقد نزلوا قريبا منهم.
فحلق عكاشة بن محصن رأسه، وقيل واقد بن عبد الله، ثم وافى ليطمئن القوم.
فلما رأوه قالوا: لا بأس عليكم منهم، قوم عمار.
فأمنوا وقيدوا ركابهم وسرحوها وصنعوا طعاما.
فاشتور المسلمون في أمرهم وذلك في آخر يوم من رجب ويقال أول يوم من شعبان وقيل في آخر يوم من جمادى الاخرة.
فشكوا في ذلك اليوم أهو من الشهر الحرام ؟ أم لا.
فقالوا: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام.
فتردد القوم وهابوا (الاقدام عليهم).
ثم شجعوا أنفسهم.
واجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم.
فرمى واقد بن عبد الله (التميمي) عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وشد المسلمون عليهم فأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان، أسره المقداد بن عمرو،(6/17)
وأعجز القوم نوفل بن عبد الله بن المغيرة، عند من يقول انه كان معهم، ومن قال ا ن نوفلا لم يكن معهم جعل الهارب المغيرة.
وحاز المسلمون العير، وعزل عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس تلك الغنيمة، وقسم سائرها بين أصحابه، فكان أول خمس خمس في الاسلام، واول غنيمة، واول قتيل بأيدي المسلمين عمرو بن الحضرمي، واول أسير كان في الاسلام عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان.
وذلك قبل أن (يفرض الخمس من المغانم، فلما أحل الله تعالى الفئ بعد ذلك وأ مر بقسمه وفرض الخمس فيه) وقع على ما كان صنع عبد الله بن جحش في تلك العير، وقال بعضهم: بل قدموا بالغنيمة كلها.
وروى الطبراني بسند حسن عن زر (بن حبيش) رضي الله تعالى عنه قال: أول مال خمس في الاسلام مال عبد الله بن جحش.
ثم سار عبد الله بالعير والاسيرين إلى المدينة، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام).
فأوقف العير والاسيرين وأبى ان يأخذ من ذلك شيئا.
ويقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقف غنائم أهل نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم أهل بدر، وأعطى كل قوم حقهم.
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سقط في أيدي القوم وظنوا انهم قد هلكوا وعنفهم اخوانهم من المسلمين فيما صنعوا.
وقالت قريش: (قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدماء، واخذ وا فيه الاموال، وأسروا فيه الرجال).
فقال: (من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة، انما أصابوا ما أصابوا في شعبان) ؟ وقال يهود تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله: عمرو، عمرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله، وقدت الحرب).
فجعل الله تعالى ذلك عليهم لا لهم.
فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل اله وكفر به والمسجد الحرام واخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) (البقرة 217).
أي ان كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به
وعن المسجد الحرام واخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم.
(والفتنة أكبر من القتل) وقد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد ايمانه فذلك أكبر عند الله من القتل.
فلما نزل القرآن بهذا الامر، وفرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة أو خمسها والاسيرين.(6/18)
وبعثت إليه قريش في فداء الاسيرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نفديكموها حتى يقدم صاحبانا - يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان - فانا نخشاكم عليهما فان تقتلوهما نقتل صاحبيكم).
فقدم سعد وعتبة، فأفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسيرين عند ذلك بأربعين أوقية كل أسير، فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن اسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا.
وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات كافرا.
فلما تجلى عن عبد الله بن جحش واصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الاجر فقالوا: (يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين) ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: (ان الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجوه رحمة الله والله غفور رحيم) (البقرة 218) فوضعهم الله تعالى من ذلك على أعظم الرجاء.
تنبيهات الأول: في هذه الغزوة سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين كما ذكره ابن سعد، والقطب وجزم أبو نعيم بانه اول أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما سبق عن سعد (بن أبي وقاص) في الباب قبله.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: بطن نخلة.
الاديم: بوزن عظيم الجلد.
أنشر كتابي: أفتحه.
النجدية: منسوبة إلى نجد، وهو ما ارتفع من أرض تهامة إلى العراق، وهو مذكر.
يؤم: يقصد.
ركبة: بضم الراء وسكون الكاف وبالموحدة.
ابن عتبة: بضم العين المهملة وسكون الفوقية وبالموحدة.
محصن: بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين وبالنون.
البكير بالتصغير.
سهيل: بالتصغير ووقع في بعض نسخ العيون مكبرا والصواب الاول.(6/19)
تعلم بمعن اعلم.
الحجاز ما بين نجد والسراة.
الفرع: بضم الفاء وسكون الراء وبالعين المهملة من أضخم أعراض المدينة.
بحران: بضم الموحدة وسكون الحاء المهملة وبالراء والنون.
الحضرمي: بالحاء المهملة والضاد المعجمة.
واف: أشرف.
واقد: بالقاف والدال المهملة بلفظ اسم الفاعل.
كيسان: بفتح الكاف وسكون التحتية وبالسين المهملة وبالنون.
أمنوا: بفتح اوله وكسر الميم.
أفلت: بفتح الهمزة، القوم بالنصب مفعول أفلت.
نوفل: مرفوع فاعل.
عمار: بضم العين المهملة وتشديد الميم.
سقط في أيديهم: بالبناء للمفعول، أي ندموا، يقال ذلك لكل من ندم.
وقال يهود تفاءل بذلك: بالفوقية المفتوحة وحذفت التاء الثانية، وبالفاء والهمزة من
الفأل.
عمرت الحرب: بضم العين المهملة وكسر الميم (المشددة وبالراء والتاء المفتوحة تاء الخطاب).
والله تعالى أعلم.(6/20)
الباب التاسع في بعث عمير بن عدي الخطمي رضي الله تعالى عنه لخمس ليال بقين من رمضان من السنة الثانية إلى عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد، زوجة يزيد بن زيد بن حصن الخطمي، وكانت تعيب الاسلام وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحرض عليه وتعيب الاسلام وتقول الشعر وكانت تطرح المحايض في مسجد بني خطمة.
فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها فنذر عمير بن عدي لئن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة ليقتلنها، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر، جاء عمير ليلا حتى دخل عليها بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام، منهم من تر ضعه في صدرها، فحبسها بيده وكان ضرير البصر، فنحى الصبي عنها، ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها.
وروى ابن عساكر في ترجمة أحمد بن أحمد البلخي، من تاريخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا رجل يكفنا هذه).
فقال رجل من قومها: أنا، فأتاها وكانت تمارة.
فقال لها: أعندك أجود من هذا التمر ؟ قالت: نعم، (فدخلت إلى بيت لها، وانكبت لتأخذ شيئا فالتفت يمينا وشمالا فلم أر أحدا فضربت رأسها حتى قتلتها).
انتهى.
ثم أتى المسجد فصلى الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (أقتلت ابنة مروان ؟) قال: نعم، فهل علي في ذلك شئ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينتطح فيها عنزان) فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: (إذا أحببتم ان تنظروا إلى رجل نصر الله عز وجل ورسوله فانظروا إلى عمير بن عدي).
فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (انظروا إلى هذا الاعمى الذي يسري في طاعة الله تعالى).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقل الاعمى ولكن البصير).
فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم عميرا البصير.
فلما رجع عمير وجد بنيها في جماعة يدفنونها.
فقالوا: يا عمير أنت قتلتها ؟ قال: (نعم، فكيدوني جميعا ثم لا تنظر ون، فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم).
فيومئذ ظهر الاسلام في بني خطمة وكان يستخفي باسلامه فيهم من أسلم فكان أول من أسلم من بني خطمة عمير بن عدي، وهو الذي يدعى القارئ.(6/21)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الخطمي: بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة (وبالميم وياء النسب).
عصماء: بفتح العين وسكون الصاد المهملتين.
جسها: لمسها بيده.
تمارة: أي تبيع التمر.
لا ينتطح فيها عنزان: (لا يعارض فيها معارض) يعني أن قتلها هين.(6/22)
الباب العاشر في بعثه صلى الله عليه وسلم سالم بن عمير رضي الله تعالى عنه في شوال من السنة الثانية إلى أبي عفك اليهودي
من بني عمرو بن عوف وكان شيخا كبيرا قد بلغ مائة وعشرين سنة وكان يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لي بهذا الخبيث) (1).
فقال سالم بن عمير، وكان قد شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأحد البكائين وتوفي في خلافة معاوية: (علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه).
فأمهل يطلب له غرة.
فلما كانت ليلة صائفة نام أبو عفك بفناء منزله وعلم به سا لم ن عمير، فأقبل ووضع السيف على كبده ثم اعتمد عليه حتى خش في الفراش وصاح عدو الله فثاب إليه ناس ممن نجم نفاقهم وهم على قوله، فأدخلوه منزله وقبروه، فقالت امامة المريدية في ذلك: تكذب دين الله والمرء أحمدالعمر الذي أمناك ان بئس ما يمني حباك حنيف آخر الليل طعنة أبا عفك خذها على كبر السن تنبيهات الأول: ذكر هذه القصة محمد بن عمر وابن سعد، وتبعهما في المورد والامتاع بعد التي قبلها.
وقدمها ابن اسحاق وأبو الربيع.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: أبو عفك: بفتح العين المهملة والفاء الخفيفة وبالكاف، يقال رجل أعفك بين العفك أي أحمق.
أحد البكائين: تقدم الكلام عليهم في أوائل غزوة تبوك.
الغرة: بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء المفتوحة: الغفلة.
بفناء المنزل: بكسر الفاء وبالنون والمد، ما امتد من جوانبه.
صائفة: حارة.
__________
(1) انظر البداية والنهاية 5 / 221.
(*)(6/23)
خش في الفراش: دخل فيه.
ثاب: بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة: أي اجتمع.
نجم: بفتح النون والجيم أي ظهر وطلع.
أمامة: بضم أوله ويقال فيه أسامة.
المريدية: بضم الميم وكسر الراء كذا في التبصير تبعا للذهبي، وقال في الانساب بفتحها، وعليه جرى ابن الاثير، وبسكون التحتية وبالدال المهملة بعدها تحتية مشدد ة، بطن من بلي.
لعمر زيد: أي وحياته.
حباك: بفتح المهملة والموحدة أي أعطاك.
حنيف: مسلم.
على كبر السن: تقدم انه بلغ مائة وعشرين سنة.(6/24)
الباب الحادي عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى كعب بن الاشرف وذلك لاربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في السنة الثالثة
كان كعب يهوديا.
قال ابن عقبة هو من بني النضير، يكنى أبا نائلة.
وقال ابن اسحاق وأبو عمر هو من بني نبهان من طيئ، وامه من بني النضير.
وكان شاعرا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويهجو الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ويحرض عليهم الكفار.
وروى ابن سعد عن الزهري في قوله تعالى: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) (آل عمران 186) قال هو كعب بن الاشرف فانه كان يحرض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعني في شعره يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ولما قدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بالبشارة من بدر بقتل المشركين وأسر من أسر منهم، قال كعب: (أحق هذا ؟ أترون محمدا قتل هؤلاء الذي يسمي هذان الرجلان ؟ - يعني
زيدا وعبد الله بن رواحة - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خير من ظهرها).
فلما تيقن عدو الله الخبر، ورأى الاسرى مقرنين كبت وذل.
ثم قال لقومه: (ما عندكم ؟) قالوا: (عداوته ما حيينا).
قال: (وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم.
ولكن اخرج إلى قريش فأحرضها وأبكي قتلاها لعلهم ينتدبون فأخرج معهم).
فخرج حتى قدم مكة، فوضع رحله عند المطلب بن أبي وداعة (بن ضبيرة) السهمي، وعنه عا تكة بنت أسيد بن أبي العيص، وأسلمت هي وزوجها بعد ذلك.
فأنزلته وأكرمته، وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينشد الاشعار ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر.
قال محمد بن عمر رضي الله تعالى عنه: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت وأخبره بنزول كعب على من نزل عليه فقال حسان: ألا أبلغن عني أسيدا رسالة فخالك عبد بالشراب مجرب لعمرك ما أوفى أسيد لجاره ولا خالد وابن المفاضة زينب وعتاب عبد غير موف بذمة كذوب شئون الرأس قرد مدرب(6/25)
وذكر ابن عائذ ان كعبا حالف قريشا عند أستار الكعبة على قتال المسلمين.
وروي عن عروة أن قريشا قالت لكعب: أديننا أهدى أم دين محمد ؟ قال: دينكم.
فلما بلغها هجاؤه نبذت رحله وقالت: مالنا ولهذا اليهودي ألا ترى ما يصنع بنا حسان ؟ فتحول، فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسانا فقال: (ابن الاشرف نزل على فلان).
فلا يزال يهجوهم حتى ينبذ رحله.
فلما لم يجد مأوى قدم المدينة.
انتهى.
قال ابن اسحاق: ثم رجع كعب بن الاشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم.
وروى عبد الله بن اسحاق الخراساني في فوائده عن عكرمة ان كعبا صنع طعاما وواطأ
جماعة من اليهود ان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى وليمة، فإذا حضر فتكوا به.
ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه.
فأعلمه جبريل عليه السلام بما أضمروه فرجع فلما فقدوه تفرقوا.
انتهى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اكفني بن الاشرف بما شئت في اعلانه الشر) (1).
وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (فقد آذانا وقوى المشركين علينا).
فقال محمد بن مسلمة: أنا لك به يا رسول الله، أنا اقتله.
قال: (أنت له فافعل ان قدرت على ذلك).
(وفي رواية عروة عند ابن عائذ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان قلت (بهذا) احتمل ان يكون سكت اولا ثم أذن).
فرجع محمد بن مسلمة، فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب الا ما تعلق به نفسه.
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه فقال له: (لم تركت الطعام والشراب ؟) فقال: يارسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفين لك به أم لا ؟ فقال: (انما عليك الجهد).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شاور سعد بن معاذ في أمره) فشاوره فقال له: توجه إليه واذكر له الحاجة وسله ان يسلفكم طعاما.
فاجتمع (في قتله) محمد بن مسلمة، وعباد بن بشر، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس بن معاذ، بعثه عمه سعد بن معاذ، وأبو عبس بن جبر، فقالوا: (يارسول الله نحن نقتله فأذن لنا فلنقل شيئا فانه لابد لنا من أن نقول).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك).
فخرج أبو نائلة كما قال جل ائمة المغازي وكان أخا كعب من الرضاعة.
وفي الصحيح خرج إليه محمد بن مسلمة.
فلما رآه كعب انكر شأنه وذعر منه.
فقال أبو نائلة أو محمد بن مسلمة: حدثت حاجة.
__________
(1) اخرجه البيهقي في الدلائل 3 / 191.
2) اخرجه البخاري 7 / 390 (4037) ومسلم في كتاب الجهاد (119) وأبو داود (2768).
(*)(6/26)
فقال كعب وهو في نادي قومه وجماعتهم: ادن إلى فخبرني بحاجتك.
فتحدثنا ساعة، وأبو نائلة أو محمد بن مسلمة يناشده الشعر.
فقال كعب: ما حاجتك، لعلك تحب ان تقو م من عندنا.
فلما سمع القوم قاموا.
فقال محمد بن مسلمة أو أبو نائلة: (ان هذا الرجل قد سألنا صدقة، ونحن لا نجد ما نأكل، وانه قد عنانا).
قال كعب: وايضا والله لتملنه).
وفي غير الصحيح: فقال أبو نائلة: (اني قد جئتك في حاجة اريد ان اذكرها لك فاكتم عني).
قال: (افعل).
قال: كان قدو م هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل، حتى ضاع العيال وجهدت الانفس، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا).
فقال كعب بن الاشرف: (أما والله لقد كنت اخبرك يا ابن سلامة ان الامر سيصير إلى ما أقول، ولكن اصدقني ما ا لذي تريدون من أمره ؟) قال: (خذلانه والتنحي عنه).
قال: (سررتني ألم يأن لكم ان تعرفوا ما عليه من الباطل ؟).
فقال له أبو نائلة أو محمد بن مسلمة: (معي رجال من اصحابي على مثل رأيي، وقد اردت ان آتيك بهم فنبتاع منك تمرا وطعاما وتحسن الينا، ونرهنك ما يكون ذلك فيه ثقة).
وفي صحيح مسلم (1): (وو اعده ان يأتيه بالحارث وابي عبس بن جبر، وعباد بن بشر.
قال (كعب): (أما والله ما كنت احب يا أبا نائلة أن ارى بك هذه الخصامة وان كنت من أكرم الناس، على مإذا ترهنوني ؟ (أترهنوني) أبناءكم ؟) قال: (انا نستحي ان يعير أبناؤنا فيقال، هذا رهينة وسق، وهذا رهينة وسقين).
قال: (فارهنوني نساءكم).
قال: (لقد أردت ان تفضحنا وتظهر أمرنا، أنت أجمل النا س ولا نأمنك، وأي امرأة تمتنع منك لجمالك، ولكنا نرهنك من السلاح والحلقة ما ترضى به، ولقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم).
قال كعب: (ان السلاح لوفاء).
وأراد أبو نائلة الا ينكر السلاح إذا جاؤوا به.
فسكن إلى قوله وقال: (جئ به متى شئت).
فرجع أبو نائلة من عنده على ميعاد.
فأتى اصحابه فأخبرهم، فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده.
ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء فأخبروه فمشى (معهم).
وروى ابن اسحاق والامام أحمد بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الفرقد، ثم وجههم وقال: (انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم) وعند ابن سعد: (امضوا على بركة الله وعونه).
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته في ليلة
مقمرة مثل النهار، ليلة اربع عشرة من شهر ربيع الاول.
__________
(1) اخرجه مسلم في الموضع السابق في باب قتل كعب بن الاشرف.
(*)(6/27)
فمضوا حتى انتهوا إلى حصن ابن الاشرف.
وفي الصحيح: فقال محمد بن مسلمة - وفي كتب المغازي أبو نائلة - لاصحابه: (إذا ما رأكم كعب فاني قائل بشعره فأسمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه).
فهتف أبو نائلة، وكان ابن الاشرف حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: (انك امرؤ محارب وان اصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة).
فقال: (انه ميعاد علي وانما هو أخي أبو نائلة لو وجدني نائما لما أيقظني).
فقالت: (والله اني لاعرف في صوته الشر).
فكلمهم من فوق البيت.
وفي رواية: (أسمع صوتا كأنه يقط ر منه الدم).
قال: فقال لها كعب: (ان الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب).
ثم نزل إليهم متوشحا بملحفة وهو ينفح منه ريح الطيب.
فجاءهم ثم جلس فتحدث معهم ساعة حتى انبسط إليهم.
فقالوا: (هل لك يا ابن الاشرف ان نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا هذه ؟) فقال: (ان شئتم).
فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة.
فقال أبو نائلة: (نجد منك ر يح الطيب).
قال: (نعم تحتي فلانة من أعطر نساء العرب).
قال: (أفتأذن لي أن أشم (رأسك) ؟) قال: نعم.
فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب ثم شم يده فقال: (ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط).
وانما كان كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه وكان جعدا جميلا.
ثم مشى أبو نائلة ساعة ثم عاد لمثلها (حتى اطمأن إليه وسلسلت يده في شعره) فأخذ بقرون رأسه وقال لاصحابه: (اضربوا عدو الله).
فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا ورد بعضها بعضا.
ولصق أبو نائلة.
قال محمد بن سلمة: (فذكرت مغولا كان في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا، فأخذته وقد صاح عدو الله عند أول ضربة صيحة لم يبق حولنا
حصن من حصون يهود الا أوقدت عليه نار).
قال: (فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله).
وعند ابن سعد: فطعنه أبو عبس في خاصرته وعلاه محمد بن مسلمة (بالسيف) وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رجله، أصابه بعض أسياف القوم.
فلما فر غوا حزوا رأس كعب ثم خرجوا يتسترون، وهم يخافون من يهود، الارصاد حتى سلكوا على بني أمية بن زيد، ثم على قريظة، وان نيرانهم في الحصون لعالية، ثم على بعاث، حتى إذا كانوا بحرة العريض تخلف الحارث فأبطأ عليهم فناداهم: (اقرئوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام).
فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما بلغوا بقيع الفرقد كبروا.
وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع(6/28)
كبر وعرف ان قد قتلوه.
ثم أتوه يعدون حتى وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على باب المسجد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلحت الوجوه).
فقالوا: (ووجهك يا ر سول الله.
ورموا برأسه بين يديه.
فحمد الله تعالى على قتله.
ثم أتوا بصاحبهم الحارث، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرحه فلم يؤذه، فرجعوا إلى منازلهم.
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلو ه) (1).
فخافت اليهود، فلم يطلع عظيم من عظمائهم وخافوا ان يبيتوا كما بيت ابن الاشرف.
وعند ابن سعد: فأصبحت اليهود مذعورين فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قتل سيدنا غيلة، فذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعه، وما كان يحض عليهم ويحرض في قتالهم ويؤذيهم.
ثم دعاهم إلى أن يكتبوا بينه وبينهم صلحا (أحسبه).
فكان ذلك الكتاب مع علي ر ضي الله تعالى عنه بعد.
تنبيهات الأول: قال العلماء رحمهم الله تعالى (في حديث كعب بن الاشرف دليل على جواز
قتل من سب سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو انتقصه أو آذاه، سواء أكان بعهد أم بغير عهد، ولا يجوز ان يقال ان هذا كان غدرا وقد قال ذلك رجل كان في مجلس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فضرب عنقه.
وانما يكون الغدر بعد أمان، وهذا نقض العهد، وهجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهده ألا يعين عليه أحدا، فنقض كعب العهد، ولم يؤمنه محمد بن مسلمة ولا رفقته بحال، وانما كلمه في أمر البيع والرهن إلى أن تمكن منه.
الثاني: وقع في صحيح مسلم في قول كعب بن الاشرف: (انما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة) (2).
قال القاضي (عياض) قال لنا شيخنا القاضي الشهيد: صوابه أن يقول: (انما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه أبو نائلة) أي باسقاط الواو، كذا ذكر أ هل السير أن أبا نائلة كان رضيعا لمحمد بن مسلمة).
ووقع في صحيح البخاري: (ورضيعي أبو نائلة) (3).
قال: (وهذا له عندي وجه ان صح انه كان رضيعا لكعب.
الثالث: وقع في الصحيح ان الذي خاطب كعبا هو محمد بن مسلمة وجل أهل المغازي على أنه أبو نائلة وأومأ الدمياطي إلى ترجيحه، قال الحافظ: ويحتمل بجمع أن يكون
__________
(1) اخرجه البيهقي 3 / 256 والحاكم 3 / 434 وعبد الرزاق (5382) وانظر البداية والنهاية 4 / 139.
(2) اخرجه مسلم في باب قتل كعب بن الاشرف في الموضع السابق.
(3) في البخاري في كتاب المغازي باب قتل كعب بن الاشرف (4037).
(*)(6/29)
كل منهما كلمه في ذلك لان ابا نائلة اخوه من الرضاعة، ومحمد بن مسلمة هو ابن اخت كعب كما رواه عبد الله بن اسحاق الخراساني في فوائده.
الرابع: وقع في الصحيح عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ان محمد بن مسلمة جاء معه برجلين، قال سفيان.
وقال غير عمرو: وأبو عبس بن جبر، والحارث بن أو س، وعباد بن بشر.
قال الحافظ: فعلى هذا كانوا خمسة وهو أولى من رواية من روى انهم كانوا ثلاثة
فقط ويمكن الجمع بأنهم كانوا مرة ثلاثة وفي أخرى خمسة.
الخامس: في بيان غريب ما سبق: الاشرف: بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وبالفاء.
النضير: بالضاد المعجمة وزن عليم.
نائلة: بنون وبعد الالف تحتية.
طيئ: بفتح الطاء وتشديد التحتية وآخر همزة.
اليقين: العلم وزوال الشك.
مقرونين: مجعولين قرنا بالشد والاثبات، يقال قرنهما تقرينا أي جعلهما قرنين.
كبت: بضم أوله وكسر الموحدة: أذله الله وصرفه عن مراده.
أبو وداعة: اسمه الحارث بن صبيرة بضم الصاد المهملة.
السهمي: بفتح السين المهملة وسكون الهاء.
العيص: بكسر العين المهملة وسكون التحتية وبالصاد المهملة، واد من ناحية ذي المروة على أربع ليال من المدينة.
القليب: البئر.
فشبب بنساء المسلمين: تقول فيهن وذكرهن بسوء.
من لكعب ؟: أي من الذي ينتدب لقتله ؟.
يعلق به نفسه: مأخوذ من العلقة والعلاق أي بلغة من الطعام إلى وقت الغذاء يعني ما يسد به رمقه من الغذاء.
ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناء للمفعول.
الجهد: بفتح الجيم وضمها: الطاقة.
عباد: بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة.
ابن بشر: بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة.(6/30)
سلكان: بكسر السين المهملة واسكان اللام.
أبو عبس: بفتح العين المهملة وبعد الموحدة الساكنة سين مهملة واسمه: عبد الرحمن ابن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة والجبر ضد الكسر.
من أن نقول: حقه ان يقول، يريد نفتعل قولا نحتال به، قال السهيلي: يعني الكذب أباحه له لانه من خدع الحرب.
مابدا لكم، بلا همز: أي ظهر.
عنانا: بمهملة وتشديد النون الاولى من العناء وهو التعب.
وأيضا: أي وزيادة على ذلك وقد فسره بقوله ولتملنه: بفتح الفوقية والميم وتشديد اللام من الملال وهو السآمة.
الوسق: بفتح الواو وكسرها.
ارهنوني: ادفعوا إلى شيئا يكون رهنا على الشئ الذي تريدونه.
نرهنك: بفتح اوله وثالثه من الثلاثي، ويجوز من الرباعي نرهنك فيضم اوله ويكسر ثالثه.
قائل: باللام.
بشعره: بفتحتين من اطلاق القول على الفعل.
هتف: صاح.
محارب: بفتح الراء وكسرها.
ينفح: بالفاء والحاء المهملة.
المغول: بميم مكسورة فغين معجمة ساكنة فواو مفتوحة قال في الاملاء.
الحلقة: السلاح كله وأصله في الدرع، ثم سمي السلاح كله حلقة.
اللأمة: بتشديد اللام وسكون الهمزة: قال ابن عيينة كما في الصحيح: يعني السلاح، وقال أهل اللغة الدرع.
بعاث: بضم الموحدة وبالعين المهملة بثاء مثلثة.
العريض: بعين مهملة فتحتية فضاد معجمة تصغير عرض اسم واد شامي بالحرة الشرقية قرب قناة أبطا بفتح همز أوله وآخره.(6/31)
الباب الثاني عشر في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى القردة في اول جمادى الاخرة سنة ثلاث
وهي اول سرية خرج فيه زيد أميرا.
وسببها ان قريشا لما كانت وقعة بدر خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكونه إلى الشام، فسلكوا طريق العراق.
فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب، ومعه فضة كثيرة، وهي عظم تجارتهم، وخرج صفوان بن أمية بمال كثير نقر فضة وآنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم، وأرسل معه أبو زمعة ثلاثمائة مثقال ذهب ونقر فضة، وبعث معه رجال من قريش ببضائع، وخرج معه عبد الله بن أبي ربيعة، وحويطب بن عبد العزي في رجال من قريش.
واستأجروا فرات بن حيان.
قال ابن اسحاق: من بني بكر بن وائل.
وقال محمد بن عمر، وابن سعد وابن هشام: من بني عجل وزاد ابن هشام حليف لبني سهم.
فخرج بهم على طريق ذات عرق.
فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم، فأرسل ز يد بن حارثة في مائة راكب فاعترضوا لها بالقردة، فأصابوا العير، وأفلت اعيان القوم، وأسر وا رجلين أو ثلاثة، وقدموا بالعير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخمسها، فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم، وقسم الباقي على أهل السرية.
وكان في الاسارى فرات بن حيان، وكان أسر يوم بدر، فأفلت على قدميه، فكان الناس عليه أحنق شئ.
وكان الذي بينه وبين أبي بكر حسنا، فقال له: (أما آن لك أن تقصر ؟.
قال: (ان أفلت من محمد هذه المرة لم أفلت أبدا).
فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه: (فأسلم).
فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تنبيهان الأول: ذكر ابن اسحاق هذه السرية قبل سرية كعب بن الاشرف، وذكرها محمد بن
عمر، وابن سعد، والقطب بعدها.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: حارثة: بالحاء المهملة والثاء المثلثة.
القردة: كسجدة بالقاف ويقال بالفاء، ماء من مياه نجد.
تجار: بكسر الفوقية وتخفيف الجيم، وبضم الفوقية وتشديد الجيم.
عظم تجارتهم: بضم العين المهملة واسكان الظاء المعجمة المشالة أي أكثرها.(6/32)
نقر فضة: جمع نقرة بنون مضمومة فقاف ساكنة فراء: القطعة المذابة من الذهب أو الفضة.
حويطب: بضم الحاء المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر الطاء المهملة وبالموحدة.
فرات: بضم الفاء وبالفوقية.
ابن حيان: بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية.
وأيل: بكسر التحتية.
حليف: معاهد.
سهم: بلفظ واحد السهام.
ذات عرق: بكسر العين المهملة وسكون الراء وبالقاف.
أفلت: بالبناء للفاعل.(6/33)
الباب الثالث عشر في سرية ابي سلمة عبد الله بن عبد الاسد رضي الله تعالى عنه إلى قطن في اول المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسببها ان رجلا من طيئ اسمه الوليد بن زهير بن طريف قدم المدينة زائرا ابنة أخيه زينب، وكانت تحت طليب بن عمير بن وهب، فأخبر ان طليحة، وسلمة ابني خويلد تركهما قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنهاهم قيس بن الحارث بن عمير.
فقال: (يا قوم والله ماهذا برأي، مالنا قبلهم وتر، وما هم نهبة لمنتهب (ان دارنا لبعيدة من يثرب، ومالنا جمع كجمع قريش، مكثت قريش دهرا تسير في العرب تستنصرها، ولهم وتر يطلبونه، ثم ساروا قد امتطوا الابل وقادوا الخيل وحملوا السلاح مع العدد الكثير، ثلاثة آلاف مقاتل سوى أتباعهم) وانما جهدكم ان تخرجوا في ثلاثمائة رجل ان كملوا فتفرون بأنفسكم وتخرجون من بلادكم (ولا آمن من ان تكون الدبرة عليكم) فعصوه.
فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ابا سلمة رضي الله تعالى عنه وقال: (اخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها).
وعقد له لواء، وقال: (سر حتى ترد أرض بني اسد بن خزيمة، فأغر عليهم قبل ان تلاقى عليكم جموعهم).
وأوصاه بتقوى الله تعالى وبمن معه من المسلمين خيرا.
فخرج معه في تلك السرية خمسون ومائة رجل، ومعه الرجل الطائي دليلا، فأغذ السير ونكب بهم عن سنن الطريق، وسار بهم ليلا ونهارا فسبقوا الاخبار وانتهوا إلى ذي قطن: ماء من مياه بني أسد وهو الذي كان عليه جمعهم.
فأغاروا على سرح لهم فضموه وأخذوا رعاء لهم مماليك ثلاثة وأفلت سائرهم.
فجاؤوا جمعهم فأخبروهم الخبر وحذروهم جمع ابي سلمة، وكثروه عندهم، فتفرق الجمع في كل وجه، وورد أبو سلمة الماء، فوجد الجمع قد تفرق.
فعسكر وفرق أصحابه في طلب النعم الشاء.
فجعلهم ثلاث فرق.
فرقة أقامت معه وفرقتان أغارتا في ناحيتين شتى وأوعز اليهما ألا يمعنوا في الطلب وألا يبيتوا الا عنده ان سلموا، وأمرهم ألا يفترقوا واستعمل على كل فرقة عاملا منهم فآبوا إليه جميعا سالمين قد أصابوا ابلا وشاء ولم يلقوا أحدا.
فانحدر أبو سلمة بذلك كله راجعا إلى المدينة ورجع معه الطائي.
فلما ساروا ليلة قسم أبو سلمة الغنائم وأخرج صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا وأخرج
الخمس وأعطى الطائي الدليل رضاه من المغنم ثم قسم ما بقي بين أصحابه فأصاب كل انسان سبعة أبعرة، وقدم بذلك إلى المدينة ولم يلق كيدا.
وذكر أبو عمر، وأبو عبيدة ان مسعود بن عروة قتل في هذه السرية.(6/34)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: عبد الاسد: بسن مهملة.
قطن: بفتح القاف والطاء المهملة وبالنون جبل أو ماء بنجد.
فيد: بفتح الفاء وسكون التحتية وبالدال المهملة.
طليب: بضم الطاء المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وبالموحدة، وابوه عمير بوزنه وعين وراء مهملتين.
طليحة: بالتصغير وأسلم بعد ذلك.
وسلمة: لم يسلم.
قيس بن الحارث: لا أعلم له اسلاما.
عميرة: بفتح العين المهملة وكسر الميم.
الوتر: بكسر الواو وسكون الفوقية: الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أ و نهب أو سبي.
النهبة: بضم النون وسكون الهاء وبالموحدة وتاء التأنيث والنهبي بألف التأنيث المقصورة اسم للمنهوب.
أغذ السير: بفتح الهمزة والغين والذال المشددة المعجمتين أي أسرع.
نكب عن الطريق: بالنون والكاف المخففة وزن نصر وفرح نكبا بالفتح والسكون عدل عنه.
السنن: هنا بفتح السين المهملة وبضمها وبضم اوله وفتح ثانيه جهة الطريق ونهجه.
السرح: بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال السائم.
أفلت: بالبناء الفاعل.
سائرهم: أي باقيهم.
شتي: أي متفرقون يقال شت الشي إذا تفرق.(6/35)
الباب الرابع عشر في بعثه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس بن أسعد الجهني القضاعي الانصاري السلمي، بفتحتين حليف بني سلمة، من الانصار، رضي الله تعالى عنه إلى سفيان بن خالد (بن نبيح) بعرنة
روى أبو داود باسناد حسن، والبيهقي (1) وأبو نعيم عن عبد الله بن أنيس رضي الله تعالى عنه، ومحمد بن عمر عن شيوخه، والبيهقي وأبو نعيم عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وعن عروة قال شيوخ محمد بن عمر: خرج عبد الله بن أنيس من المدينة يوم ا لاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا - واللفظ لمحمد بن عمر - (بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي ثم اللحياني، وكان ينزل عرنة وما والاها في أناس من قومه، وغيرهم يريد ان يجمع الجموع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس).
قال عبد الله بن أنيس رضي الله تعالى عنه: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (انه بلغني ان سفيان بن خالد بن نبيح يجمع لي الناس ليغزوني وهو بنخلة أو بعرنة فأته فاقتله).
فقلت: يا رسول الله صفه لي حتى أعر فه فقال: (آية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته هبته وفرقت منه ووجدت له قشعريرة وذكرت الشيطان).
قال عبد الله وكنت لا أهاب الرجال فقلت: يارسول الله، ما فرقت من شئ قط.
فقال: (بلى آ ية ما بينك وبينه ذلك أن تجد له قشعريرة إذا رأيته).
قال: واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول.
فقال: (قل ما بدا لك).
وقال: (انتسب لخزاعة).
فأخذت سيفي ولم أزد عليه وخرجت أعتزي لخزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ووراءه الاحابيش.
فلما رأيته هبته وعرفته بالنعت الذي نعت
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: صدق الله ورسوله، وقد دخل وقت العصر حين رأيته، فصليت وأنا أمشي أؤمي برأسي ايماء.
فلما دنوت منه قال: (من الرجل ؟).
فقلت: (رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لاكون معك عليه).
قال: (أجل اني لفي الجمع له).
فمشيت معه وحدثته فاستحلي حديثي وأنشدته وقلت: (عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث، فارق الاباء وسفه أحلامهم).
قال: (لم ألق أحدا يشبهني ولا يحسن قتاله).
وهو يتوكأ على عصا يهد الارض، حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه، وهم يطيفون به.
فقال: (هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه.
فقال: (اجلس) فجلست معه حتى إذا هدأ الناس ونام اغتررته.
وفي أكثر الروايات انه قال: (فمشيت
__________
(1) اخرجه البيهقي في السنن 3 / 256 وفي الدلائل 4 / 42 وابن حبان (519).
(*)(6/36)
معه حتى إذا أمكنني حملت عليه السيف فقتلته وأخذت رأسه.
ثم أقبلت فصعدت جبلا فدخلت غارا وأقبل الطلب من الخيل والرجال تمعج في كل وجه وأنا مكتمن في الغار، وضربت العنكبوت على الغار.
وأقبل رجل معه ادواته ونعله في يده وكنت خائفا.
فوضع ادواته ونعله وجلس يبول قريبا من فم الغار، ثم قال لاصحابه: ليس في الغار أحد، فانصرفوا راجعين، وخرجت إلى الادواة فشربت ما فيها وأخذت النعلين فلبستهما.
فكنت أسير الليل وأكمن النهار حتى جئت المدينة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما رآني قال: (أفلح الوجه).
فقلت: وأفلح وجهك يا رسول الله).
فوضعت الرأس بين يديه وأخبرته خبري، فدفع إلى عصا وقال: (تخصر بها في الجنة فان المتخصرين في الجنة قليل).
فكانت العصا عند عبد الله بن أنيس حتى إ ذا حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدرجوا العصا في أكفانه.
ففعلوا ذلك.
قال ابن عقبة: فيزعمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بقتل عبد الله بن أنيس، سفيان بن خالد، قبل قدوم عبد الله بن أنيس رضي الله تعالى عنه.
تنبيهان الأول: تردد الامام محب الدين الطبري رحمه الله تعالى في عبد الله بن أنيس قاتل سفيان بن خالد لا معنى له، لانه هو الجهني بلا تردد، وهو أشهر ذكرا من الخمسة الذين وافقوه في الاسم واسم الاب من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: أنيس: بضم اوله وفتح النون وسكون التحتية.
الجهني: بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون، القضاعي: بضم القاف وبالضاد المعجمة الساقطة وبالعين المهملة، وجهينة في قضاعة.
الحليف: كأمير المحالف.
بنو سلمة: بكسر اللام.
سفيان: بالحركات الثلاث بعدها فاء.
نبيح: بضم النون وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالحاء المهملة.
الهذلي: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة.
عرنة: بضم العين المهملة وفتح الراء والنون فتاء تأنيث موضع بقرب عرفة موقف الحجيج.(6/37)
ضوى إليه: بالضاد المعجمة يضوي.
الماضي بالفتح والمستقبل بالكسر ضويا أوى إليه.
أفناء الناس: كأحمال: أخلاطهم، يقال للرجل إذا لم يعرف من أي قبيلة هو: من أ فناء القبائل.
نخلة: بفتح النون وسكون الخاء المعجمة وباللام وتاء التأنيث اسم مكان.
الاية: العلامة.
فرقت: بفتح الفاء وكسر الراء فزعت.
القشعريرة: انقباض الجلد واجتماعه.
أن أقول: بسطت الكلام عليه في سرية كعب بن الاشرف.
بدالك: بلا همز أي ظهر لك.
اعتزى: بالزاي انتمى.
خزاعة: بضم الخاء المعجمة والزاي والعين المهملة: قبيلة كبيرة من العرب.
الاحابيش: أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا، وتقدم في أحد مبسوطا.
أجل: بالجيم واللام كنعم وزنا ومعنى.
الخباء: بكسر الخاء المعجمة وبالموحدة والمد: بيت من بيوت الاعراب، قال أبو عبيد رحمه الله تعالى لا يكون الا من صوف أو وبر ولا يكون من شعر.
هلم: اسم فعل بمعنى الدعاء إلى الشئ كما يقال تعال.
يا أخا خزاعة: يا واحدا منهم.
هدأ الناس: بهمزة مفتوحة في آخره: ناموا وسكنوا.
اغتررته: بالغين المعجمة، أي أخذته في غفلة والغرة الغفلة.
يمعج: بفتح الفوقية وسكون الميم وفتح العين المهملة وبالجيم، قال في الصحاح المعج سرعة السير.
الادواة: بكسر اوله المطهرة.
التخصر: بفتح الفوقية والخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة الاتكاء على قصب ونحوه.(6/38)
الباب الخامس عشر في سرية الرجيع كانت في صفر سنة ثلاث.
واختلف في سببها وفي عدد رجالها فقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه كما في الصحيح وعروة، وابن عقبة كما رواه البيهقي عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عشرة عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش وجزم ابن سعد بأنهم عشرة وسمى منهم سبعة:
1.عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح.
2.ومرثد بن أبي مرثد (1) كناز بن (حصين بن يربوع بن طريف الغنوي).
3.وعبد الله بن طارق (حليف بني ظفر).
4.وخبيب بن عدي (2) (احد بني جحجبي بن كلفة بن عمرو بن عوف).
5.وزيد بن الدثنة (3) (بن معاوية اخو بني بياضة بن عمرو بن زريق).
6.وخالد بن البكير (4) (الليثي).
7.ومعتب بن عبيد ويقال ابن عوف.
وذكرهم محمد بن عمر رحمه الله تعالى ثم قال: (ويقال كانوا عشرة).
انتهى.
والظاهر ان الثلاثة كانوا تبعا فلم يحصل الاعتناء بتسميتهم.
وذكر ابن اسحاق انهم كانوا ستة وهم (من ذكرنا) ما عدا متعب.
وذكر ابن عقبة، وابن اسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد وغيرهم، ولفظ محمد بن عمر أحسن سياقا.
__________
(1) (مرثد) بن أبي مرثد الغنوي..صحابي وابوه صحابي واسمه كناز - بنون ثقيلة وزاي - ابن الحصين وهما ممن شهد بدرا قال ابن اسحاق: استشهد مرثد في صفر سنة ثلاث في غزاة الرجيع وجاءت عنه رواية عند أحمد بن سنان القطان في مسنده والبغوي والحاكم في مستدركه والطبراني في الاوسط من طريق القاسم بن أبي عبد الرحمن السامي عن مرثد بن أبي مرثد وكان بدريا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان سركم ان تقبل منكم صلاتكم فليؤمكم خياركم) وفي رواية الطبراني: فليؤمكم علماؤكم فانهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم) قال ابن عبد البر قال القاسم السامي في حديثه: حدثني أبو مرثد وهو وهم لان من يقتل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدركه القاسم وانما هو مرسل قلت: الوهم ممن قال
عن القاسم حدثني مرثد وانما الصواب انه قال عن مرثد كذا عند جمهور من أخرج الحديث المذكور بالعنعنة والله تعالى أعلم قاله الحافظ في الاصابة 6 / 78.
(2) خبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة بن جحجي بن عوف بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس الانصاري الاوسي شهد بدرا واستشهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر القيرواني من حلى العلي ان خبيبا لما قتل جعلوا وجهه إلى غير القبلة فوجدوه مستقبل القبلة فأدركوه مرارا ثم عجزوا فتركوه.
الاصابة 2 / 103.
(3) زيد بن الدثنة - بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون - ابن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الانصاري البياضي..شهد بدرا وأحدا وكان في غزوة بئر معونة فأسره المشركون وقتلته قريش بالتنعيم انظر الا صابة 3 / 27.
(4) خالد بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن بكر بن ليث بن عبد مناة الليثي..حليف بن عدي بن كعب مشهور من السابقين وشهد بدرا وهو أحد الاخوة الاصابة 2 / 86.
(*)(6/39)
قال نقلا عن شيوخه: (مشت بنو لحيان من هذيل، بعد قتل سفيان (بن خالد) بن نبيح الهذلي إلى عضل والقارة، وهما حيان، فجعلوا لهم فرائض أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكلموه فيخرج إليهم نفرا من أصحابه يدعونهم إلى الاسلام.
قالوا: فنقتل من أردنا ونسير بهم إلى قريش بمكة، فنصيب بهم ثمنا، فانه ليس شئ أحب إليهم من أن يؤتوا بأحد من أصحاب محمد يمثلون به ويقتلونه بمن قتل منهم ببدر.
فقدم سبعة نفر من عضل والقارة (وهما حيان إلى خزيمة) مقرين بالاسلام.
فقالوا: (يارسول الله، ان فينا اسلاما فاشيا، فابعث معنا نفرا من أصحابك يقرئوننا القرآن ويفقهوننا في الاسلام).
فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة نفر، وأمر عليهم مرثد بن أبي مرثد، ويقال عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح.
قلت وهو الصحيح، فقد رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا بالهدة - وفي رواية بالهدأة بيت عسفان ومكة.
قال أبو هريرة وعروة وابن عقبة: فغدروا بهم فنفروا لهم، وفي لفظ: فاستصرخوا عليهم قريبا من مائة رام، وفي رواية في الصحيح في الجهاد: (فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل).
والجمع واضح بأن تكون المائة الاخرى غير رماة.
وذكر أبو معشر في مغازيه ان الصحابة رضي الله تعالى عنهم نزلوا بالرجيع سحرا، فأكلوا تمر عجوة فسقط نواة في الارض وكانوا يسيرون بالليل ويكمنون النهار.
فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت النوي فأنكرت صغرهن، وقالت هذا تمر يثرب، فصاحت في قومها: (قد أتيتم، فاقتصوا آثارهم حتى نزلوا منزلا فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فجاءوا في طلبهم فوجدوهم قد ركنوا في الجبل، انتهى.
فلم يرع القوم الا بالرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم.
فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، وفي لفظ قردد، بواد يقال له غران.
وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: (لكم العهد والميثاق ان نزلتم الينا ألا نقتل منكم رجلا، انا والله لا نريد قتلكم، انما نريد ان نصيب منكم شيئا من أهل مكة).
فقا ل عاصم: (أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم اني أحمي لك اليوم دينك فاحم لحمي، اللهم اخبر عنا رسولك).
قال ابراهيم بن سعد كما رواه أبو داود الطيالسي: (فاستجاب الله تعالى لعاصم فأ خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وخبر اصحابه بذلك يوم أصيبوا).
وفي حديث ا بي هريرة رضي الله تعالى عنه كما في الصحيح: (1) وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم اصيبوا خبرهم، فقاتلوهم فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة (نفر بالنبل).
وبقي خبيب، وزيد، وعبد الله بن طارق كما عند ابن
__________
(1) اخرجه البخاري 7 / 437 (4086).
(*)(6/40)
اسحاق.
قال ابن اسحاق وغيره: (فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد (بن شهيد)، وأسلمت بعد ذلك، وكانت قد نذرت حين قتل ابنيها مسافع الجلاس ابني طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان عاصم قتلهما يوم أحد، لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر في قحفه، وجعلت لمن جاء به مائة ناقة، فمنعته الدبر.
وفي حديث ابي هريرة في الصحيح: (وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشئ من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل
عظيما من عظمائهم يوم بدر)، قال الحافظ: (لعله عقبة بن أبي معيط فان عاصما قتله صبرا باذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر، وكأن قريشا لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الدبر لها من أخذ رأس عاصم، فأرسلت من يأخذه أو عرفوا بذلك ورجوا أن تكون الد بر تركته فيتمكنوا من أخذه).
انتهى.
فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر يطير في وجوههم ويلدغهم فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شئ.
انتهى.
فلما حالت بينهم وبينه، قالوا: دعوه حتى يمسي فتذهب عنه فنأخذه، فبعث الله تبارك وتعالى الوادي فاحتمله فذهب به.
وكان عاصم رضي الله تعالى عنه قد أعطى الله عهدا ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك، فبر الله عز وجل قسمه، فلم يروه ولا وصلوا منه إلى شئ.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول حين بلغه خبره: (يحفظ الله تبارك وتعالى العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه كما يحفظه في حياته).
وصعد خبيب، وز يد، وعبد الله الجبل، فلم يقدروا عليهم حتى أعطوهم العهد والميثاق، فنزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال عبد الله بن طارق: (هذا أول الغدر والله لا أصحبكم ان لي بهؤلاء القتلى أسوة) فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلهوه، كذا في الصحيح (1).
وعند ابن اسحاق: وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فلانوا ورقو ا ورغبوا في الحياة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران، ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبروه بالظهران، وانطلقوا بزيد وخبيب فباعوهما بمكة، قال والذي باعهما زهير، وجامع الهذليان.
قال ابن هشام باعوهما بأسيرين من هذيل (كانا بمكة) وقال محمد بن عمر: بيع الأول بمثقال ذهبا ويقال بخمسين فريضة، وبيع الثاني بخمسين فريضة ويقال اشترك فيه ناس من قريش ودخلوا بهما في شهر حرام في ذي القعدة فحبسوهما حتى خرجت الاشهر الحرم.
__________
(1) أخرجه البخاري في الموضع السابق.
(*)(6/41)
ذكر قتل زيد بن الدثنة رضي الله تعالى عنه قال ابن اسحاق وابن سعد: فاشترى زيدا صفوان بن أمية، وأسلم بعد ذلك ليقتله بأبيه أمية بن خلف وحبسه عند ناس من بني جمح ويقال عند نسطاس غلامه.
فلما انسلخت الاشهر الحرم بعثه صفوان مع غلامه نسطاس إلى التنعيم واخرجه من الحرم ليقتله، واجتمع رهط من قريش، منهم أبو سفيان بن حرب.
فقال أبو سفيان حين قدم ليقتل: (أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الان في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك ؟) قال: (والله ما أحب أن محمدا الان في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي).
فقال أبو سفيان: (ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب اصحاب محمد محمدا).
ثم قتله نسطاس، وأسلم بعد ذلك.
وذكر ابن عقبة ان زيدا وخبيبا قتلا في يوم واحد وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع يوم قتلا وهو يقول: (وعليكما السلام).
ذكر قصة قتل خبيب بن عدي رضي الله تعالى عنه وما وقع في ذلك من الايات قال أبو هريرة كما في الصحيح (1): (فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل).
وقال ابن عقبة: (واشترك في ابتياع خبيب، زعموا أبا اهاب بن عزيز، وعكرمة بن أبي جهل، والاخنس بن شريق (2)، وعبيدة بن حكيم بن الاوقص، وامية بن ابي عتبة، وصفوان بن أمية وبنو الحضرمي، وهم ابناء من قتل من المشركين يوم بدر) وقال ابن اسحاق: (فابتاع خبيبا حجير بن ابي اهاب التميمي حليف بني نوفل، وكان اخا الحارث بن عامر لامه).
وقال ابن هشام: كان ابن اخته لا ابن اخيه عقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه الحارث.
قال أبو هريرة كما في الصحيح: (وكان خبيب بن عدي قتل الحارث يوم بدر).
انتهى.
فجلس خبيب في بيت امرأة يقال لها ماوية مولاة حجير بن أبي أهاب، واسلمت بعد ذلك فأساؤوا اساءة.
فقال لهم: (ما يصنع القوم الكرام هنا بأسيرهم) فأحسنوا إليه بعد.
وروى ابن سعد عن موهب مولى الحارث انهم جعلوا خبيبا عنده، فكأنه كان زوج ماوية.
قالت ماوية كما عند محمد بن عمر، وموهب كما عند ابن سعد أنهما قالا لخبيب: (ألك حاجة ؟) فقال: (نعم، لا تسقوني الا العذب ولا تطعموني ما ذبح على النصب وتخبروني إذا أرادوا قتلي).
__________
(1) اخرجه البخاري في الموضع السابق (4086).
(2) الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيق الثقفي أبو ثعلبة حليف بني زهرة..اسمه ابي وانما لقب الاخنس لانه رجع ببني زهرة من بدر لما جاءهم الخبر ان أبا سفيان نجا بالعير فقيل: خنس الاخنس ببني زهرة فسمي بذلك ثم أسلم الاخنس فكان من المؤلفة وشهد حنينا ومات في أول خلافة عمر ذكره أبو موسى عن ابن شاهين.
الاصابة 1 / 23.
(*)(6/42)
وروى البخاري عن بعض بنات الحارث بن عامر، قال خلف في الاطراف: اسمها زينب، وابن اسحاق ومحمد بن عمر عن ماوية قالت زينب: (ما رأيت أسيرا قط خير ا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وانه لموثق في الحديد، وما كان الا رزقا رزقه الله تعالى خبيبا).
وقالت ماوية: (اطلعت عليه من صير الباب وانه لفي الحديد وان في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه وما أعلم في أرض الله تعالى عنبا يؤكل).
زاد محمد بن عمر: كان خبيب يتهجد بالقرآن فكان يسمعه النساء فيبكين ويرفقن عليه.
فلما انسلخت الاشهر الحرم، وأجمعوا على قتله قالت ماوية كما عند محمد بن عمر: (فأتيته فأخبرته فوالله ما اكترث بذلك).
وقال: ابعثي بحديدة أستصلح بها).
قالت: (فبعثت إليه بموسى مع ابي حسين بن الحارث).
قال محمد بن عمر: وكانت تحضنه ولم يكن ا بنها.
فلما ولى الغلام قلت: (والله ادرك الرجل ثأره، أي شئ صنعت ؟ بعثت هذا الغلا م بهذه الحديدة، فيقتله ويقول: رجل برجل).
فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال: (لعمرك أما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة ؟) ثم خلى سبيله.
فقلت: (يا خبيب انما أمنتك
بأمانة الله) فقال خبيب: (ما كنت لاقتله وما نستحل في ديننا الغدر).
وفي الصحيح عن أبي هريرة (1): ((فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله) استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته، قالت فغفلت عن صبي لي حتى أتا ه، فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني، وفي يده الموسى.
فقال: (أتخشين أن أقتله ؟ ما كنت لافعل ذلك ان شاء الله).
قال الحافظ: والجمع بين الروايتين انه طلب الموسى من كل منهما، وكان الذي أوصله إليه ابن احدهما.
واما ابن الذي خشيت عليه حين درج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فهذا غير الذي احضر إليه الحديدة.
والله تعالى أعلم.
فأخرجوه في الحديد حتى انتهوا به إلى التنعيم، وخرج معه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة.
فلم يتخلف احد اما موتور فهو يريد ان يتشفى بالنظر من وتره، واما غير موتور فهو مخالف للاسلام وأهله.
فلما انتهوا به إلى التنعيم أمروا بخشبة طويلة فحفروا لها.
فلما انتهو بخبيب إليها قال: (هل انتم تاركي فأصلي ركعتين ؟) قالوا: نعم.
فركع ركعتين أتمهما من غير أن يطول فيهما.
ثم أقبل على القوم فقال: (أما والله لولا أن تظنوا اني ا نما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة).
__________
(1) أخرجه البخاري (4068).
(*)(6/43)
وذكر ابن عقبة رحمه الله تعالى أنه صلى الركعتين في موضع مسجد التنعيم.
قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، كما في الصحيح (1): (فكان خبيب رضي الله تعالى عنه أول من سن هاتين الركعتين عند القتل) انتهى.
ثم قال خبيب: (اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا).
قال معاوية بن أبي سفيان: (لقد حضرت مع ابي سفيان، فلقد رأيتني وان أبا سفيان ليضجعني إلى الارض فرقا من دعوة خبيب).
وكانوا يقولون ان الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه.
وقال حويطب بن عبد العزي: وأسلم بعد ذلك: (لقد رأيتني
أدخلت اصبعي في أذني وعدوت هاربا فرقا ان اسمع دعاءه)، وكذلك قال جماعة منهم.
فلما صلى الركعتين جعلوه على الخشبة ثم وجهوه إلى المدينة وأوثقوه رباطا، ثم قالوا له: (ارجع عن الاسلام نخل سبيلك).
قال: (لا والله ما أحب اني رجعت عن الاسلام وان لي ما في الارض جميعا).
قالوا: (أفتحب ان محمدا في مكانك وانت جالس في بيتك ؟) قال: (لا والله ما أحب ان يشاك محمد شوكة وانا جالس في بيتي).
فجعلوا يقولون: (ارجع يا خبيب).
فقال: (لا أرجع أبدا).
قالوا: (أما واللات والعزى) لئن لم تفعل لنقتلنك.
فقال: (ان قتلي في الله لقليل).
ثم قال: (اللهم اني لا أرى الا وجه عدو الله، انه ليس هنا أحد يبلغ ر سولك عني السلام، فبلغه أنت عني السلام).
فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء.
وروى محمد بن عمر عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في اصحابه فأخذته غمية كما كانت تأخذه فلما نزل عليه الوحي سمعناه يقول: (وعليه السلام ورحمة الله وبركاته).
ثم قال: (هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام).
وفي رواية ابي الاسود عن عروة: (فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأخبر أصحابه بذلك).
قال ابن عقبة رحمه الله تعالى: فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس: (وعليك السلام، خبيب قتلته قريش).
ثم دعا المشركون أربعين ولدا ممن قتل آباؤهم ببدر كفارا، فأعطوا كل غلام رمحا وقا لوا: هذا الذي قتل آباءكم، فطعنوه برماحهم طعنا خفيفا فاضطرب على الخشبة، فانقلب فصار وجهه إلى الكعبة، فقال: (الحمد الله الذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه) ثم قتلوه رحمه الله تعالى.
وفي حديث ابي هريرة: (ثم قام إليه أبو سروعة) - واسمه كما في الصحيح في غزوة بدر عن أبي هريرة، وجزم جماعة من أهل النسب انه أبو سروعة اخو عقبة بن الحارث، وأسلم
__________
(1) اخرجه البخاري (4086).
(*)(6/44)
بعد ذلك، - (فقتله) وذكر أبو عمر في الاستيعاب ان أبا صبيرة بن العبدري قتل خبيبا مع عقبة وصوابه أبو ميسرة كما عند ابن اسحاق رحمه الله تعالى.
وروى ابن اسحاق بسند صحيح عن عقبة بن الحارث قال: (لانا كنت أضعف من ذلك، ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي وبالحربة.
ثم طعنته بها حتى قتلته) وذكر محمد بن ا سحاق، ومحمد بن عمر وغيرهما ان خبيبا رضي الله تعالى عنه حين رأى ما صنعوا به قال: لقد جمع الاحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وكلهم مبدي العداوة جاهدعلي لاني في وثاق مضيع وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم وقربت من جذع طويل ممنع وقد خيروني الكفر والموت دونه وقد هملت عيناي من غير مجزع وما بي حذار الموت اني لميت ولكن حذاري حر نار تلفع إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي وما أرصد الاحزاب لي عند مصرعي فذا العرش صبرني على ما يراد بي فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع لعمرك ما آسي إذا مت مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي فلست بمبد للعدو تخشعاولا جزعا اني إلى الله مرجعي وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ان خبيبا رضي الله تعالى عنه قال: فلست أبإلى حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع وروى الامام أحمد بن عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا إلى قريش قال: (فجئت خشبة خبيب وانا اتخوف العيون فرقيت - وفي لفظ فصعدت فيها - فحللت خبيبا فوقع إلى الارض فانتبذت غير بعيد، فسمعت وجبة خلفي فالتفت فلم أر خبيبا، وكأنما ابتلعته الارض فلم أر لخبيب أثرا حتى الساعة) وذكر أبو يوسف رحمه الله تعالى
في كتاب اللطائف عن الضحاك رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أ رسل المقداد والزبير في انزال خبيب عن خشبته ودخلا إلى التنعيم فوجدا حوله أربعين رجلا نشاوى فأنزلاه فحمله الزبير على فرسه وهو رطب لم يتغير منه شئ، فنذر بهم المشركون فلما لحقوهم قذفه الزبير فابتلعته الارض فسمي بليع الارض.
وذكر القيرواني في حلى العلي ان خبيبا لما قتل جعلوا وجهه إلى غير القبلة فوجدوه مستقبلا لها فأداروه مرارا ثم عجزوا فتركوه.
وروى ابن اسحاق عن ابن عباس رضي الله تعالى(6/45)
عنهما قال: (لما اصيبت السرية التي كان فيها مرثد وعاصم بالرجيع قال رجال من ا لمنافقين: (يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا، لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدوا رسا لة صاحبهم).
فأنزل الله عز وجل في ذلك من قول المنافقين: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه) (البقرة 204) وهو مخالف لما يقوله بلسانه، (وهو ألد الخصام) (البقرة 205) أي لا يحب عمله ولا يرضاه.
(وإذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) (البقرة 206).
كذا ذكر ابن اسحاق ان هذه الايات نزلت في شأن هذه السرية، وذكر غيره انها نزلت في الاخنس بن شريق والله تعالى أ علم.
(ومن الناس من يشري نفسه) أي يبيع نفسه في الجهاد (ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) (البقرة 207) قالوا نزلت هذه الاية في صهيب رضي الله تعالى عنه.
تنبيهات الأول: وقع في الصحيح في حديث: (وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر).
واعتمد على ذلك البخاري، فذكر خبيب بن عدي فيمن شهد بدرا قال في الفتح وهو اعتماد متجه.
وتعقب الحافظ أبو محمد الدمياطي، وتبعه في العيون بأن أهل المغازي لم يذ كر أحد منهم ان خبيب بن عدي ممن شهد بدرا ولا قتل الحارث بن عامر، انما ذكروا ان الذي قتل الحارث بن عامر ببدر هو خبيب بن اساف، وهو غير خبيب بن عدي وهو خزرجي، خبيب
بن عدي أوسي.
قال الحافظ: (ويلزم من الذي قال ذلك رد هذا الحديث الصحيح، فلولم يقتل خبيب بن عدي الحارث بن عامر، ما كان لاعتناء آل الحارث بن عامر بأسر خبيب معنى، ولا بقتله مع التصريح في الحديث الصحيح انهم قتلوه به.
ولكن يحتمل ان يكونوا قتلوا خبيب بن عدي لكون خبيب بن اساف - بهمزة مكسورة وقد تبدل تحتية وبسين مهملة - قتل الحارث بن عامر، على عادتهم في الجاهلية بقتل بعض القبيلة عن بعض، ويحتمل ان يكون خبيب بن عدي شرك في قتل الحارث والعلم عند الله.
الثاني: قال أبو هريرة كما في الصحيح: (فكان اول من سن الركعتين عند القتل) وجزم بذلك خلائق لا يحصون.
وقدمه في الاشارة ثم قال: وقيل اسامة بن زيد حين أراد المكر ي الغدر به، قلت كذا في نسختين من الاشارة: أسامة، وصوابه زيد بن حارثة والد أسا مة كما في الروض: (قال أبو بكر بن أبي خيثمة: حدثنا يحيى بن معين قال: أخبرنا يحيى (بن عبد الله) بن بكير قال: حدثنا الليث بن سعد رحمه الله تعالى قال: (بلغني أن زيد بن حارثة ا كترى من رجل(6/46)
بغلا إلى الطائف واشترط عليه المكري ان ينزله حيث شاء قال: فمال به إلى خربة فقال له: انزل، فنزل فإذا في الخربة قتلى كثيرة.
قال: فلما أراد ان يقتله قال له: دعني اصلي ر كعتين.
قال: صل، فقد صلى هؤلاء قبلك فلم تنفعهم صلاتهم شيئا.
قال فلما صليت أتاني ليقتلني.
قال فقلت: (يا أرحم الراحمين).
قال فسمع صوتا قال: لا تقتله.
قال: فهاب ذلك فخرج يطلب احدا فلم ير شيئا، فرجع إلى، فناديت: يا أرحم الراحمين، ففعل ذلك ثلاثا.
فإ ذا أنا بفارس على فرس في يده حربة من حديد في رأسها شعلة من نار فطعنه بها فأنفذها من ظهره فوقع ميتا.
ثم قال لي: (لما دعوت المرة الاولى يا أرحم الراحمين كنت في السماء السابعة، فلما دعوت المرة الثانية يا أرحم الراحمين كنت في السماء الدنيا فلما دعوت المرة الثالثة يا أرحم الراحمين أتيتك).
انتهى.
فهذا كما ترى غير متصل فلا يقاوم ما في الصحيح.
الثالث: قال السهيلي رحمه الله تعالى: (وانما صار فعل خبيب رضي الله تعالى عنه
سنة (حسنة).
والسنة انما هي أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله واقرا ره غيره على قول أو فعل لان خبيبا فعلهما في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحسن ذلك من فعله.
الرابع: قال في الروض: (فان قيل: فهل أجيبت فيهم دعوة خبيب ؟ والدعوة على تلك الحال من مثل ذلك العبد مستجابة.
قلنا: أصابت منهم من سبق في علم الله ان يمو ت كافرا، ومن اسلم منهم فلم يعنه خبيب ولا قصده بدعائه، ومن قتل منهم كافرا بعد هذه الدعو ة فانما قتلوا بددا غير معسكرين ولا مجتمعين كاجتماعهم في أحد، وقبل ذلك في بدر، وان كا نت الخندق بعد قصة خبيب فقد قتل فيها منهم آحاد متبددون، ثم لم يكن لهم بعد ذلك جمع ولا معسكر غزوا فيه فنفذت الدعوة على صورتها وفيمن أراد خبيب رحمه الله تعالى وحاشا له أن يكره ايمانهم واسلامهم.
الخامس: قول سيدنا خبيب: (ذلك في ذات الاله) إلى آخره قال أبو القاسم الرا غب: (الذات تأنيث ذو وهي كلمة يتوصل بها إلى الوصف بأسماء الاجناس والانواع وتضاف إلى الظاهر دون المضمر وتثنى وتجمع ولا يستعمل شئ منها الا مضافا وقد يسبقها لفظ الذات لعين الشئ، واستعملوها مفردة ومضافة وأدخلوا عليها الالف واللام وأجروها مجرى النفس والخاصة (فقالوا ذاته ونفسه وخاصته) وليس ذلك من كلام العرب).
وقال القاضي: ذات الشئ نفسه وحقيقته.
وقد استعمل أهل الكلام (الذات) بالالف واللام وغلطهم أكثر النحاة وجوزه بعضهم لانها ترد بمعنى النفس وحقيقة الشئ، وجاء في الشعر لكنه شاذ.
وقال ابن برهان - بفتح الباء الموحدة - (اطلاق المتكلمين الذات في حق الله تعالى من جهلهم لان ذات تأنيث ذو، وهو جلت عظمته لا يصح له الحاق تأنيث، ولهذا امتنع أن يقال علامة وا ن كان(6/47)
أعلم العالمين).
قال: (وقولهم الصفات الذاتية جهل منهم أيضا لان النسب إلى ذ ات دور).
وقال التاج الكندي في الرد على الخطيب ابن نباتة (1) في قوله: كنه ذاته، ذات بمعنى صاحبة تأنيث ذو، وليس لها في اللغة مدلول غير ذلك، واطلاق المتكلمين وغيرهم ا لذات
بمعنى النفس خطأ عند المحققين.
وتعقب بأن الممتنع استعمالها بمعنى صاحبة، أما إذا قطعت عن هذا المعنى واستعملت بمعنى الاسمية فلا محذور كقوله تعالى: (ان الله عليم بذات الصدور) (آل عمران 119) أي بنفس الصدور.
وقد حكى المطرزي (2) رحمه الله تعالى ان كل ذات شئ وكل شئ ذات.
وقال الامام النووي رحمه الله تعالى في تهذيبه: (مراد الفقهاء بالذات الحقيقية) وهذا اصطلا ح المتكلمين وقد أنكره بعض الادباء عليهم وقال انه لا يعرف في لغة العرب ذات بمعنى الحقيقة (وانما ذات بمعنى صاحبة) وهذا الانكار منكر بل الذي قاله الفقهاء والمتكلمون صحيح فقد قال الامام أبو الحسن الواحدي (في أول سورة الانفال) في قوله تعالى: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) قال: (أبو العباس أحمد بن يحيى) ثعلب: معنى ذات بينكم أي الحالة التي بينكم فالتأنيث عنده للحالة (وهو قول الكوفيين) وقال الزجاج: معنى ذات بينكم حقيقة وصلكم والمراد بالبين الوصل فالتقدير: فأصلحوا حقيقة وصلكم.
قال الواحدي: فذات عنده بمعنى النفس (كما يقال ذات الشئ ونفسه).
انتهى.
وعلى جواز ذلك مشى الامام البخاري فقال في كتاب التوحيد من صحيحه: (باب ما يذكر في الذات والنعوت) (3).
فاستعملها على نحو ما تقدم من أن المراد بها نفس الشئ وحقيقته على طريقة المتكلمين في حق الله تعالى، ففرق بين النعوت والذات واستدل البخاري على ذلك بقول خبيب السابق.
وتعقبه السبكي رحمه الله تعالى بأن خبيبا لم يرد با لذات الحقيقة التي هي مراد البخاري، وانما مراده: في سبيل الله أو في طاعته.
__________
(1) عبد الرحيم بن محمد بن اسماعيل بن نباتة الفارقي، أبو يحيى: صاحب الخطب ا لمنبرية.
كان مقدما في علوم الادب، واجمعوا على ان خطبه لم يعمل مثلها في موضوعها وسكن حلب فكان خطيبها.
واجتمع بالمتنبي في خدمة سيف الدولة الحمداني.
وكان سيف الدولة كثير الغزوات، فأكثر ابن نباتة من خطب الجهاد والحث عليه.
وكان تقيا صالحا.
توفي بحلب.
له (ديوان خطب) الاعلام 3 / 347، 348.
(2) ناصر عبد السيد ابي المكارم بن علي، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المط رزي: أديب، عالم باللغة، من فقهاء
الحنفية.
ولد في جرجانية خوارزم سنة 528 هجرة ودخل بغداد حاجا سنة 601 وتوفي في خوارزم سنة 610 هجرة كان رأسا في الاعتزال ولما توفي دثي بأكثير من 300 قصيدة من كتبه الايضاح في شرح مقامات الحريري والمصباح في النحو والمعرب في اللغة شرحه ورتبه في كتابه (المغرب في ترتيب المعرب) وغير ذلك...انظر الاعلام 7 / 348.
(3) البخاري 13 / 393.
(*)(6/48)
قال الكرماني: وقد يجاب بأن غرضه اطلاق الذات في الجملة، قال في الفتح: والاعتراض أقوى من الجواب.
واستدل غيره بقوله صلى الله عليه وسلم: (لم يكذب ابراهيم عليه السلام الا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله عز وجل) (1).
وفي رواية: (كل ذلك في ذا ت الله تعالى).
وبحديث ابي الدرداء رضي الله تعالى عنه: (لا يفقه كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله تعالى (2).
رواه برجال ثقات الا أن فيه انقطاعا.
بقول حسان بن ثابت: وان أخا الاحقاف إذ قام فيهم يجاهد في ذات الاله ويعدل ونعقب بما تعقب به البخاري بأن المراد بالذات هنا الطاعة أو بمعنى حق أو من أجل فهي كقوله تعالى: (ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) (الزمر 56).
وأصرح من ذلك كله حديث ابن عباس مرفوعا: (تفكروا في كل شئ ولا تفكروا في ذات الله (3).
فان الطاعة وما ذكر معها لا تأتي هنا.
قال في الفتح: (فالذي يظهر جواز اطلاق ذات لا بالمعنى الذي أحدثه المتكلمون ولكنه غير مردود إذا عرف ان المراد به النفس لثبوت لفظ النفس في الكتاب العزيز).
قلت حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صريح بما ذهب إليه المتكلمون.
السادس: في بيان غريب ما سبق: الرجيع: بفتح الراء وكسر الجيم وسكون التحتية وبالعين المهملة: وهو ماء لهذيل.
العيون: جمع عين، وهو هنا الجاسوس.
ثابت: بالثاء المثلثة والموحدة والفوقية.
الاقلح: بالقاف والحاء المهملة.
مرثد: بفتح الميم وسكون الراء.
وفتح المثلثة وبالدال المهملة ابن أبي مرثد اسمه.
خبيب: بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالموحدة.
الدثنة: بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وتسكن فنون فتاء تأنيث من قولهم دثن الطائر إذا طاف حول وكره ولم يسقط.
ابن البكير: بضم الموحدة وفتح الكاف وسكون التحتية وبالراء.
معتب: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة، ويقال بدله مغيث بغين معجمة فتحتية فثاء مثلثة، والأول أصح.
__________
(1) اخرجه البخاري 4 / 171 ومسلم في كتاب الفضائل (154).
(2) انظر اتحاف السادة 4 / 527).
(3) ذكره العجلوني في كشف الخفا 1 / 371 وعزاه للاصبهاني في ترغيبه وأبي نعيم.
(*)(6/49)
لحيان: بفتح اللام وكسرها وبالحاء المهملة وبالنون، وهو ابن هذيل بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية وباللام وهو ابن مدركة بن الياس بن مضر.
وذكر الهمذ اني النسابة أن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلوا في هذيل فنسبوا إليهم.
عضل: بفتح العين المهملة والضاد المعجمة وباللام بطن من بني الهون.
القارة: بالقاف والراء المخففة بعد الالف فتاء تأنيث بطن من بني الهون أيضا وينسبون إلى الدس أيضا بدال وسين مهملتين.
الفرائض: جمع فريضة وهو البعير المأخوذ في الزكاة، سمي فريضة لانه فرض واجب على رب المال، ثم اتسع فيه حتى سمي البعير فريضة في غير الزكاة.
مثلت بالقتيل: مثلا من باب قتل وضرب إذا جدعته وظهر آثار فعلك عليه تنكيلا،
والتشديد مبالغة.
البعث: اسم للمبعوث إليه أي المرسل والموجه من باب تسمية المفعول بالمصدر.
النفر: بفتح النون والفاء جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة أو إلى تسعة.
الهدة: بفتح الهاء والدال المهملة تشدد وتخفف، المفتوحتين، موضع بين عسفان ومكة.
والهدأة لاكثر رواة الصحيح بسكون الدال بعدها همزة مفتوحة، وللكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة.
عسفان: بضم العين وسكون السين المهملتين وبالفاء قرية جامعة على نحو أربعة برد من مكة.
نفروا لهم: خرجوا لقتالهم.
استصرخوا عليهم: استغاثوا.
أبو معشر: بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الشين المعجمة وبالراء.
وظلوا يكمنون: يستترون.
أتيتم: بالبناء للمفعول.
اقتص أثره وتقصصه: تتبعه.
ركنوا إلى الجبل: من الركون وهو السكون إلى الشئ والميل إليه.
لم يرعهم الا بالرجال: لم يبغتهم ويفجأهم.
غشوهم: بغين فشين معجمتين.(6/50)
أحس بهم: علم، هذه لغة القرآن، ووقع في بعض نسخ السيرة حس.
لجأوا إليه: بالهمزة في آخره: تحرزوا واعتصموا.
الفدفد: بفاءين مفتوحتين ودالين مهملتين الاولى ساكنة: وهي الرابية المشرفة.
القردد: بقاف فاء ودالين مهملتين وهو الموضع المرتفع.
غران: بضم الغين المعجمة وتشديد الراء والنون: واد بن أمج وعسفان منازل بني لحيان.
في ذمة الكفر: بكسر الذال المعجمة وتشديد الميم أمانته وعهده.
حمى: زيد عمرا إذا أجاره ومنعه.
سلافة: بضم السين المهملة وتخفيف اللام وبالفاء بنت سعد بن شهيد بضم الشين المعجمة وفتح الهاء، وصحف من قال سلامة بالميم بدل الفاء.
مسافع: بضم الميم وسين مهملة وفاء مكسورة.
الجلاس: بضم الجيم وتخفيف اللام وبالسين المهملة.
العبدري: بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح الدال المهملة وبالراء.
قحف الرأس: بكسر القاف وسكون الحاء المهملة وبالفاء أعلى الدماغ.
الدبر: بفتح الدال المهملة وسكون الموحدة وبالراء، وهو هنا الزنابير والنحل.
الظلة: بضم الظاء المعجمة المشالة وتشديد اللام المفتوحة هي السحابة.
حمته: بفتح الحاء المهملة والميم منعته منهم.
بعث الله تعالى الوادي أي السيل.
صعد الجبل: علاه.
الغدر: هو ترك الوفاء بالعهد.
الاسوة: بكسر الهمزة وضمها القدوة.
القران: بكسر القاف وتخفيف الراء الحبل وهو القرن بفتح القاف والراء.
الظهران: بفتح الظاء المعجمة المشالة وسكون الهاء، وهو مر الظهران وهو الذي تسميه العامة بطن مر.
دخل بهما: في شهر حرام بالبناء للمفعول.
ذو القعدة: بفتح القاف وتكسر شهر كانوا يقعدون فيه عن الاسفار.(6/51)
شرح غريب ذكر قتل زيد وخبيب رضي الله تعالى عنهما جمح: بجيم فميم فحاء مهملة مفتوحات، اغتر وغلب.
نسطاس: (بنون مفتوحة وسين وطاء مهملتين وألف وسين مهملة).
التنعيم: بفتح اوله والفوقية وسكون النون وكسر العين المهملة وسكون التحتية وبالميم وهو المكان الذي يقال له الان مساجد عائشة سمي بذلك لان عن يمينه جبلا يقال له نعيم وعن شماله جبل يقال له ناعم والوادي نعمان، وهو من الحل بن مر وسرف على فرسخين من مكة نحو المدينة.
الرهط: بفتح الراء وسكون الهاء وفتحها وبالطاء المهملة، دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة ومنها إلى الاربعين رجلا.
أنشدك بالله تعالى: بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي أسألك به.
حجير: بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية وبالراء.
اهاب: بكسر اوله وبالموحدة.
ابن عزيز: ضد ذليل.
الحليف: بفتح الحاء المهملة المعاهد بكسر الهاء.
نوفل: بنون مفتوحة فواو ساكنة ففاء مفتوحة فلام.
ماوية: بواو مكسورة وتشديد التحتية في رواية يونس بن بكير عن ابن اسحاق، وفي رواية غيره عنه بالراء والتخفيف.
تسقوني العذب: أي الماء العذب.
النصب: بفتح النون والصاد المهملة والموحدة.
القطف: بكسر القاف العنقود.
الثمرة: بفتح الثاء المثلثة والميم.
صير الباب: بكسر الصاد المهملة وسكون التحتية وبالراء أي شق الباب.
يتهجد بالقرآن: أي يصلي به في الليل.
يرققني: بتحتية مفتوحة فراء ساكنة فقافين الاولى مكسورة عليه أي برحمه.
انسلخت: أي الاشهر الحرم فرغت وخرجت.
أجمعوا على قتله: أي عزموا عليه.(6/52)
ما اكترث بذلك: بفوقية فراء فثاء مثلثة أي ما بإلى به ولا يستعمل الا في النفي.
بنو الحضرمي: العلاء وعامر وعمرو، وقتل عمرو كافرا في سرية عبد الله بن جحش قتله واقد بن عبد الله.
الاستحداد: حلق العانة بالحديد.
الموسى: يذكر ويؤنث ويجوز تنوينه وعدم تنوينه.
أبو حسين: هو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف.
تحضنه: تضمه إليها.
أدرك ثأره: لحقه والثأر بالثاء المثلثة وسكون الهمزة يقال ثأرت القتيل وثأرت به إذا قتلت قاتله.
لعمرك: بفتح اللام والعين المهملة أي وحياتك.
غفل: عن كذا بغين معجمة ففاء مفتوحتين شغل عنه وتلهى.
درج الصبي: هو أبو حسين بن الحارث بن عامر.
الموتور: بالفوقية الذي قتل له قتيل.
وتر وترا: بكسر الواو وفتحها ومعناه هنا قتلت له قتيلا.
أما والله: بفتح اوله وتخفيف الميم.
الجزع: كالتعب ضد الصبر.
أحصهم عددا: بفتح الهمزة وبالحاء والصاد المهملتين أي أهلكهم بحيث لا تبقي من
عددهم أحدا.
بددا: بفتح الموحدة ودالين مهملتين مفتوحتين أي متباعدين متفرقين عن أهليهم وأوطانهم ويحتمل ان يكون من قولهم بايعته بددا أي معارضة والمعنى عارضهم بقتلهم كما فعلوا بنا، ومن قولهم: مالك به بدة أي طاقة والمعنى خذهم بحولك أخذة رابية، لكنه انما أورده اللغويون منفيا.
قال في النهاية: (ويروى بكسر الباء جمع بدة وهي الحصة والنصيب أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد منهم حصته ونصيبه (ويروى بالفتح أي متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد).
قال: ولا طائل تحت هذا المعنى.
وقال في الروض: (فمن رواه بكسر الباء فهو جمع بدة وهي الفرقة والقطعة من الشئ المتبدد ونصبه على الحال من المدعو عليهم، ومن رواه بفتح(6/53)
الموحدة فهو مصدر بمعنى التبدد أي ذوي بدد أي أصابت دعوة خبيب رضي الله تعالى عنه من سبق في علم الله تعالى أن يموت كافرا بعد هذه الدعوة، فانما قتلوا بددا غير معسكرين ولا مجتمعين، وان كانت قصة الخندق بعد قصة خبيب رضي الله تعالى عنه وحاشا لله ان ينكر ايمانهم واسلامهم).
لا تغادر: لا تترك.
الفرق: بالفاء والراء والقاف: الفزع بلفظه ومعناه.
رعي عليهم: بالبناء للمفعول.
حويطب: بضم الحاء المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر الطاء المهملة وبالموحدة.
أخذته غمية: كما كان يأخذه إذا أنزل عليه الوحي.
أبو سروعة: بفتح السين المهملة اكثر من كسرها وبسكون الراء وفتح الواو وبالعين المهملة.
الاحزاب: جمع حزب وهي الطائفة.
والاحزاب الطوائف التي تجتمع على محاربة الانبياء عليهم الصلاة والسلام.
ألبوا: أجمعوا.
القبائل: جمع قبيلة.
مجمع: مكان الاجتماع.
مجزع: بالجيم والزاي والعين المهملة من الجزع ضد الصبر.
وما بي حذار الموت: أي ليس كلامي هذا خوفا من الموت.
تلمع: أي تضئ.
الكربة: بالضم اسم من كربه الامر يكربه بالضم كربا إذا أخذ بنفسه والجمع كرب مثل غرفة وغرف.
أرصد: أعد.
بضعوا: بتشديد الضاد المعجمة وبالعين المهملة قطعوه، ويجوز بالتخفيف.
يأس: (لغة في يئس) انقطع رجاؤه.
مطمعي: أملي.(6/54)
الذات: هنا بمعنى الطاعة أو السبيل كما ذكره السبكي والكرماني لا بمعنى الحقيقة كما تقدم بسطه.
الاوصال: بالصاد المهملة واللام.
الاعضاء.
الشلو: بكسر الشين المعجمة واسكان اللام وبالواو: العضو من اللحم، قاله أبو عبيدة.
وقال الخليل رحمه الله تعالى هو الجسد لقوله في أوصال يعني أعضاء جسد إذ لا يقال أ عضاء عضو.
الممزع: بضم الميم الاولى وفتح الثانية والزاي المشددة وبالعين المهملة: المقطع.
ما آسي: أي ما أحزن.
صعدت: بكسر العين في الماضي وبفتحها في المستقبل.
انتبذت: انفردت.
الوجبة: بفتح الواو وسكون الجيم وتاء التأنيث المربوطة.
حسبه جهنم: كافيه.
المهاد: أي بئس ما مهد لنفسه في معاده، يقال مهد لنفسه بالتخفيف والتشديد أي جعل لها مكانا ووطنا ممهدا.
يشري نفسه: أي يبيعها بالجنة يبذلها بالجهاد.
الحرث: بحاء فراء مهملتين فمثلثة: الزرع.
النسل: بنون فسين مهملة فلام: الولد.
العزة: بعين مهملة مكسورة فزاي: القوة.
شرح غريب شعر حسان رضي الله تعالى عنه وافاه: أشرف عليه.
ثم: بفتح المثلثة بمعنى هناك.
الحمام: بكسر الحاء وتخفيف الميم نذر الموت.
المنسكب: المرسل السائب.
لم يؤب: لم يرجع.
الصقر: من الجوارح جمعه أصقر (وصقور) وصقورة وقال بعضهم الصقر ما يصيد من الجوارح كالشاهين وغيره.
وقال الزجاج يقع الصقر على كل صائد من البزاة والشواهين، وشبه الرجل الشجاع به.(6/55)
السجية: بفتح السين المهملة وكسر الجيم وسكون التحتية: الغريزة والجمع سجايا.
المحض: بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبالضاد المعجمة: بالخالص، وأراده هنا.
المؤتشب: بضم الميم وسكون الهمزة وفتح الفوقية وكسر الشين المعجمة وبالموحدة: المختلط، والاشواب من الناس الاوباش، قال في التقريب وهم الضروب المتفرقون وقال في النهاية الاخلاط من الناس والرعاع بضم الراء.
قال في المجمل هم السفلة من الناس الحمقى.
هاج: تحرك.
علات: مشقات.
العبرة: الدمعة.
النص: بفتح النون وبالصاد المهملة المشددة من النص في السير وهو أرفعه.
كهيبة: بضم الكاف وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح الموحدة وبتاء التأنيث.
قال في الاملاء قبيلة.
وفي الروض: (جعل كهيبة كأنه اسم علم لامهم وهذا كما يقال بنو ضوط رى وبنو الغبراء وبنو درزة وهذا كله اسم لمن يسب وعبارة عن السفلة من الناس، وكهيبة من الكهبة وهي الغبرة).
الطية: بطاء مهملة مكسورة فتحتية مشددة ما انطوت عليه نيتك من الجهة التي تتوجه إليها.
الوعيد: التهديد.
لقحت الحرب: ازداد شرها.
محلوبها: لبنها.
الصاب: العلقم.
تمرى: تمشح لتحلب.
المعصوصب: بميم مضمومة فعين فصادين بينهما واو مهملات فموحدة وهو هنا الجيش الكثير الشديد.
اللجب: بالجيم: الكثير الاصوات.(6/56)
الباب السادس عشر في سرية المنذر بن عمرو (الساعدي) رضي الله تعالى عنه إلى بئر معونة وهي سرية القراء رضي الله تعالى عنهم في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة
روى الشيخان والبيهقي عن أنس، والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، والبخاري عن عروة بن الزبير، ومحمد بن اسحاق عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهما، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قال أنس في رواية قتادة كما في الصحيح ان رعلا وذكواه وعصية ونبي لحيان أ توا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعموا انهم قد أسلموا واستمدوه على عدوهم.
ورواه البخاري والاسماعيلي في مستخرجه في كتاب الوتر، واللفظ للاسماعيلي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ناسا يقال لهم القراء وهم سبعون رجلا إلى أناس من المشركين بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فقتلهم قوم مشركون دون اولئك.
وقال ابن اسحاق عن مشايخه، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب أسماء الطائفتين وان اصحاب العهد بنو عامر، ورأسهم أبو براء عامر بن مالك، وان الطا ئفة الاخرى من بني سليم وكان رأسهم عامر بن الطفيل العامري، وهو ابن اخي أبو براء.
فروى ابن اسحاق عن المغيرة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن ابي بكر وغيرهما، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: قدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الاسنة ا لعامري على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدى إليه فرسين وراحلتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أقبل هدية من مشرك) (1).
وفي رواية: (اني نهيت عن زبد المشركين) (2).
وعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال: (يا محمد اني أرى أمرك هذا حسنا شريفا وقومي خلفي، فلو أنك بعثت معي نفرا من أصحابك لرجوت ان يتبعوا أمرك فانهم ان اتبعوك فما أعز أمرك).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اني أخاف عليهم أهل نجد).
فقال عامر: لا تخف اني لهم جار
ان يعرض لهم أحد من أهل نجد.
وخرج عامر بن مالك إلى ناحية نجد فأخبرهم انه قد أجار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعرضوا لهم.
وكان من الانصار سبعون رجلا شببة يسمون القراء.
كانوا إذا أمسوا أتوا ناحية من المدينة إلى معلم لهم فتدارسوا القرآن وصلوا حتى إ ذا كان وجه الصبح استعذبوا من الماء وحطبوا من الحطب فجاءوا به إلى حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) اخرجه الطبراني (3 / 216) والبخاري في التاريخ (5 / 304) وذكره المتقي ا لهندي في كنز العمال (14473).
(2) اخرجه أبو داود في كتاب الخراج (3057) والترمذي (1577) والطبراني في الكبير 17 / 364 وابن عبد البر في التمهيد 2 / 12.
(*)(6/57)
وفي رواية يحتطبون فيبعونه ويشترون به (الطعام) لاهل الصفة وللفقراء.
وفي رواية: ومن كان عنده سعة اجتمعوا واشتروا الشاة فأصلحوها فيصبح ذلك معلقا بحجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أهلوهم يظنون انهم في المسجد، وكان أهل المسجد يظنون انهم في أهليهم (1).
وذكر ابن عقبة رحمه الله تعالى أنهم أربعون.
وقال أنس كما في الصحيح انهم سبعون كما سيأتي بيان ذلك.
فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث معهم كتابا، وأمر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي.
فخرج المنذر بن عمرو بدليل من بني سليم يقال اله المطلب (السلمي) فخرجوا حتى إذا كانوا على بئر معونة عسكروا بها وسرحوا ظهرهم مع عمرو بن أمية الضمري، والحارث بن الصمة فيما ذكره أبو عمر، وذكر ابن اسحاق وتبعه ابن هشام بدل الحارث المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح.
وبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل في رجال من بني عامر، فلما انتهى عامر إليهم لم يقرأوا الكتاب، ووثب عامر بن الطفيل في رجال من بني عامر على حرام فقتلوه.
وفي الصحيح عن أنس (2): (فتقدمهم خإلى حرام بن ملحان ورجل أ عرج قال ابن هشام اسمه كعب بن زيد، زاد البيهقي ورجل آخر من بني فلان.
فقال لهما خإ لى حرام بن ملحان: (إذا تقدمكم فكونا قريبا مني فان أمنتوني حين أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتيا، وان قتلوني لحقتما بأصحابكما).
فتقدم فأمنوه فبينما هو يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أومأوا إلى رجل منهم، فأتى من خلفه فطعنه فأنفذه فقال: (الله أكبر فزت ورب الكعبة).
ثم قال: (بالدم هكذ ا) فنضحه على وجهه (3).
ونجا كعب بن زيد لانه كان في جبل.
واستصرخ عامر بن الطفيل عليهم ببني عامر فأبوا ان يجيبوه إلى ما دعاهم وقالوا: لن نخفر جوار أبي براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا.
فلما أبت بنو عامر أن تنفر مع عامر بن الطفيل استصرخ عليهم قبائل بني سليم: عصية ورعل وذكوان وزعب.
فنفروا معه ورأسوه عليهم.
فقال عامر بن الطفيل: أحلف بالله ما أقبل هذا وحده.
فاتبعوا أثره حتى وجدوا القوم.
فلما استبطأوا صاحبهم أقبلوا في أثرهم فلقيهم القوم.
والمنذر بن عمرو معهم فأحاطوا بهم في رحالهم.
فلما رآهم المسلمون أخذوا سيوفهم ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم.
وفي رواية قتادة عن أنس: فلما كانوا ببئر معونة قتلوهم
__________
(1) اخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 36.
(2) انظر صحيح البخاري مع الفتح 7 / 446.
(2) انظر البخاري الموضع السابق (4092).
(*)(6/58)
وغدروا بهم.
قال ابن اسحاق: (الا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار فانهم تر كوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا).
وقال محمد بن عمر: وبقي المنذر بن عمرو فقالوا له: ان شئت آمناك.
فقال: لن أعطي بيدي ولن أقبل لكم أمانا حتى آتي مقتل حرام (ثم برئ مني جواركم، فآمنوه حتى أتى مصرع حرام) ثم برئوا إليه من جوارهم.
ثم قاتلهم حتى قتل.
فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعنق ليموت).
وأقبل المنذر بن محمد بن عقبة كما ذكره ابن اسحاق وغيره.
وقال ابن عمر: الحارث ابن الصمة، وعمرو بن أمية بالسرح، وقد ارتابا بعكوف الطير على منزلهم (أو قريب من منزلهم) فجعلا يقولان: (قتل والله أصحابنا) فأوفيا على نشز من الارض، فإذا اصحابهما
مقتولون وإذا الخيل واقفة.
فقال المنذر بن محمد بن عقبة أو الحارث بن الصمة (لعمرو بن امية): (ما ترى ؟) قال: (أرى ان نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر).
فقال الاخر: (ما كنت لأتأخر عن موطن قتل فيه المنذر، ما كنت لتخبرني عنه الرجال).
فأقبلا فلقيا القوم فقاتلهم الحارث حتى قتل منهم اثنين، ثم أخذوه أسيرا وأسروا عمرو بن أمية.
وقالوا للحار ث: (ما تحب ان نصنع بك ؟ فانا لا نحب قتلك).
قال: (أبلغوني مصرع المنذر بن عمرو، وحرام بن ملحان ثم برئت مني ذمتكم).
قالوا: (نفعل).
فبلغوا به ثم أرسلوه فقاتلهم، فقتل منهم اثنين، ثم قتل، وما قتلوه حتى شرعوا له الرماح فنظموه فيها.
وأخبرهم عمرو بن أمية وهو أسير في أيديهم انه من مضر ولم يقاتل، فقال عامر بن الطفيل: (انه قد كان على أمي نسمة فأنت حر عنها).
وجز ناصيته.
ذكر مقتل عامر بن فهيرة وما وقع في ذلك من الايات روى البخاري من طريق هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال: (لما قتل الذين قتلوا ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية، قال عامر بن الطفيل لعمرو من هذا ؟ وأشار إلى قتيل فقا ل هذا عامر بن فهيرة قال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى أني لانظر إلى السماء بينه وبين الارض ثم وضع).
وروى محمد بن عمر عن أبي الاسود عن عروة ان عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية: هل تعرف أصحابك ؟ قال: نعم، قال: فطاف في القتلى وجعل يسأله عن أنسابهم.
فقال: هل تفقد منهم أحدا ؟ قال: أفقد مولى لابي بكر يقال له عامر بن فهيرة فقال: كيف كان فيكم ؟ قال: قلت: كان من أفضلنا ومن أول اصحاب نبينا فقال: ألا اخبرك خبره ؟ وأشار إلى رجل فقال هذا طعنه برمحه ثم انتزع رمحه فذهب بالرجل علوا في السماء حتى ما أراه.
وكان الذي طعنه رجل من بني كلاب يقال له: جبار بن سلمى وأسلم بعد ذلك.
وذكر أبو عمر في الاستيعاب(6/59)
في ترجمة عامر بن فهيرة ان عامر بن الطفيل قتله، مع ذكره في ترجمة جبار انه هو ا لذي قتل
ابن فهيرة والله أعلم.
وروى البيهقي عنه انه قال لما طعنته: فزت ورب الكعبة، قلت في قلبي: ما معنى قوله: (فزت) أليس قد قتلته ؟ قال: فأتيت الضحاك بن سفيان الكلابي، فأخبرته بما كان وسألته عن قوله فزت، فقال بالجنة.
فقلت ففاز لعمر الله.
قال وعرض علي الاسلام فأسلمت و دعاني إلى الاسلام ما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة من رفعه إلى السماء علوا.
وكتب الضحاك بن سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره باسلامي وما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الملائكة وارت جثته وأنزل عليين) (1) قال البيهقي رحمه الله تعالى: يحتمل انه رفع ثم وضع ثم فقد بعد ذلك، ليجتمع مع رواية البخاري السابقة عن عروة، فان فيها ثم ضع، فقد رويناه في مغازي موسى بن عقبة في هذه القصة.
قال فقال عروة لم يوجد جسد عامر، يروون ان الملائكة وارته.
ثم رواه البيهقي عن عائشة موصولا بلفظ (لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى أني لانظر إلى السماء بينه وبين الارض) (2) ولم يذكر فيها ثم وضع.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: فقويت الطرق وتعددت لمواراته في السماء.
وقال ابن سعد: أخبرنا الواقدي حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنهم: قالت: (رفع عامر بن فهيرة إلى السماء ثم لم توجد جثته يروون ان الملائكة وارته، ورواه ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن عروة.
ذكر اعلام الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بخبر اصحابه وما نزل في ذلك من القرآن ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم.
روى الشيخان والامام أحمد والبيهقي عن أنس، والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، والبخاري عن عروة أن ناسا جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة.
فبعث إليهم سبعين رجلا من الانصار يقال لها القراء، فتعر ضوا لهم وقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان.
قالوا: (اللهم بلغ عنا نبينا - وفي لفظ اخواننا - انا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا) فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقام ر سول الله صلى الله عليه وسلم
فحمد الله وأثنى عليه فقال: (ان اخوانكم قد لقوا المشركين واقتطعوهم فلم يبق منهم أحد، وانهم قالوا: ربنا بلغ قومنا انا قد رضينا ورضي عنا وأنا رسولهم اليكم أنهم قد ر ضوا ورضي عنهم).
قال أنس: فكنا نقرأ أن بلغوا قومنا عنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأر ضانا ثم نسخ بعد،
__________
(1) اخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 37.
(2) اخرجه البخاري في الموضع السابق من كتاب المغازي باب غزوة الرجيع.
(*)(6/60)
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله.
وفي رواية عن أنس في الصحيح: (فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا في صلاة الغداة بعد القراءة، وفي رواية بعد الركوع، وذلك بعد القنوت وما كنا نقنت).
وفي رواية الامام أحمد قال أنس رضي الله تعالى عنه: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد علي شئ وجده عليهم، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يده فدعا عليهم.
فلما كان بعد ذلك، إذا أبو طلحة يقول: (هل لك في قاتل حرام ؟) قلت: ماله ؟ فعل الله تعالى به وفعل.
قال: مهلا فانه قد أسلم.
ذكر من استشهد يوم بئر معونة رضي الله تعالى عنهم 1.
عامر بن فهيرة (1): بضم الفاء وفتح الهاء وسكون التحتية وبالراء وتاء التأنيث، (مولى ابي بكر الصديق، أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم بن أبي الارقم).
2.
الحكم بن كيسان (2): الحكم بفتحتين وكيسان بفتح الكاف وسكون التحتية وبالسين المهملة وبالنون مولى بني مخزوم.
3.
المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح: المنذر بلفظ اسم الفاعل والدال المعجمة، وأحيحة بمهملتين مصغر.
وذكر ابن عائذ انه استشهد ببني قريظة.
4.
أبو عبيد ة بن عمرو بن محصن: محصن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين وبالنون.
5.
الحارث بن الصمة: (بن عمرو بن عتيك الانصاري الخزرجي ثم النجاري ولقبه مبذول بن مالك) والصمة بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم.
6.
أبي بن معاذ بن أنس بن قيس: أبي بضم أوله وفتح الموحدة وتشديد التحتية.
7.
وأخوه أنس: وابن اسحاق وابن عقبة يسميانه أوسا ومحمد بن عمر يقول ان أنسا هذا مات في خلافة عثمان.
8.
أبو شيخ بن أبي ثابت: عند ابن اسحاق، وقال ابن هشام أبو شيخ اسمه أبي بن ثابت فعلى قول ابن اسحاق هو ابن أخي حسان بن ثابت وعلى قول ابن هشام هو أخوه.
__________
(1) عامر بن فهيرة مولى ابي بكر الصديق احد السابقين..وكان ممن يعذب في الله، له ذكر في الصحيح الاصابة 4 / 14.
(2) الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة المخزومي والد ابي جهل..أسر في أول سر ية جهزها رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وأميرها عبد الله بن جحش فأسر الحكم المذكور فقدموا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الاصابة / 2 / 30.
(*)(6/61)
9 - 10.
حرام بن ملحان: حرام بفتح الحاء والراء المهملتين.
وسليم بن ملحان: سليم بالتصغير ابنا ملحان بفتح الميم وكسرها وهو أشهر، واسمه مالك، وهما خالا أ نس بن مالك.
11 - 12.
سفيان بن ثابت: سفيان بالحركات الثلاث في السين المهملة وبالفاء ومالك بن ثابت وهما ابنا ثابت من بني النبيت بفتح النون وكسر الموحدة وسكون ا لتحتية انفرد بذكرهما محمد بن عمر.
13.
عروة بن أسماء بن الصلت: عروة بضم العين المهملة والصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام والفوقية.
14.
قطبة بن عبد عمرو بن مسعود بن عبد الاشهل: قطبة بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبالموحدة والاشهل بالشين المعجمة.
15.
المنذر بن عمرو بن خنيس: بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون التحتية وبالسين المهملة.
16.
معاذ بن ماعص بن قيس: ماعص بعين فصاد مهملتين وزن عالم، ذكره محمد بن عمر فيهم.
وغيره يقول جرح معاذ ببدر ومات بالمدينة.
17.
وأخوه عائذ: بالتحتية والذال المعجمة وقيل مات باليمامة.
18.
مسعود بن سعد بن قيس (1): ذكره محمد بن عمر، وأما ابن القداح فقال مات بخيبر.
19.
خالد بن ثابت بن النعمان (2): وقيل استشهد بمؤتة.
20.
سفيان بن حاطب بن أمية: حاطب بالحاء والطاء المكسورة المهملتين وبالموحدة.
21.
سعد بن عمرو بن ثقف: بفتح الثاء المثلثة فقاف ساكنة ففاء، واسمه كعب بن مالك.
22 - 23.
وابنه الطفيل، وابن اخيه: سهل بن عامر بن سعد بن عمرو بن ثقف.
24.
عبد الله بن قيس بن صرمة بن أبي أنس: صرمة بكسر الصاد المهملة والراء والميم وتاء مربوطة.
__________
(1) مسعود بن عبد سعد بن عامر هو مسعود بن عامر..جعله أبو عمر اثنين وهو واحد واختلف في تسمية أبيه، الاصابة 6 / 202.
(2) خالد بن ثابت بن النعمان بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر الانصاري الظفري..ا لاصابة 2 / 87.
(*)(6/62)
25.
نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي: وفيه يقول عبد الله بن رواحة يرثيه: رحم الله نافع بن بديل رحمة المبتغي ثواب الجهاد صابرا صادق اللقاء إذا ما أكثر القوم قال قول السداد
ووقع في بعض نسخ العيون فوات الجهاد بالفاء أخت القاف وهو تصحيف من الناسخ.
وهذا ما ذكره أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه ذيل المذيل.
وزاد ابن سعد الضحاك ابن عبد عمرو بن مسعود، وهو أخو قطبة.
وزاد ابن القداح عمير بن معبد بن الازعر، بالزاي والعين المهملة وسماه ابن اسحاق عمرا.
وزاد ابن الكلبي: خالد بن كعب بن عمرو بن عوف.
وزاد أبو عمر (النمري في الاستيعاب) سهيل بن عامر بن سعد، قال في العيو ن: (واظنه سهل بن عامر الذي ذكرناه (على انه ذكر ذلك في ترجمتين احداهما في باب سهل والاخرى في باب سهيل) والمختلف في قتله (في هذه الواقعة مختلف في حضوره) فأرباب مغازي متفقون على ان الكل قتلوا الا عمرو بن أمية الضمري، وكعب بن زيد بن قيس فانه جر ح يوم بئر معونة ومات بالخندق).
انتهى.
ونقل في الاصابة عن عروة ان سهيلا عم سهل أو أخوه.
فصح ما قاله أبو عمر النمري.
ذكر رجوع عمرو بن أمية الضمري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره خبر أصحابه ورجع عمرو بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر ثم من بني كلاب أو من بني سلمة، حتى نزلا معه في ظل هو فيه.
وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار، ولم يعلم به عمرو.
فسألهما حين نزلا: ممن أنتما ؟ فقالا من بني عامر.
فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى انه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر فيما أصابوا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد قتلت قتيلين لأدينهما) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا عمل أبي بر اء قد كنت لهذا كارها متخوفا).
فبلغ ذلك أبا براء، فشق عليه اخفار عامر بن الطفيل اياه وما أصاب أ صحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه وجواره.
وقال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يحرض بني أبي براء على عامر بن الطفيل:
بني أم البنين ألم يرعكم وأنتم من ذوائب أهل نجد تهكم عامر بأبي براء ليخفره وما خطأ كعمد ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي فما أحدثت في الحدثان بعدي(6/63)
أبوك أبو الحروب أبو براء وخالك ماجد حكم بن سعد قال ابن هشام: أم البنين (1) بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
وهي أم ابي براء وحكم بن سعد من القين بن جسر.
قال ابن اسحاق: فحمل ربيعة بن عامر بن مالك، على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح، فوقع في فخذه فأشواه ووقع عن فرسه، فقال: هذ ا عمل أبي براء، ان أمت فدمي لعمي فلا يتبعن به وان أعش فسأرى رأيي فيما أتى إلى.
وقال حسان بن ثابت يبكي قتلى بئر معونة: على قتلى معونة فاستهلي بدمع العين سحا غير نزر على خيل الرسول غداة لاقوا ولاقتهم مناياهم بقدر أصابهم الفناء بعقد قوم تخون عقد حبلهم بغدر فيالهفي لمنذر إذ تولى وأعنق في منيته بصبر فكائن قد أصيب غداة ذاكم من ابيض ماجد من سر عمرو تنبيهات الأول: ذكر أبا براء في الصحابة خليفة بن خياط - بالخاء المعجمة والتحتية المشددة - والبغوي وابن البرقي، والعسكري، وابن نافع، والباوردي - بالموحدة - وابن شاهين، وابن السكن، وقال الدارقطني (2): له صحبة.
وروى عمر بن شبة (3) - بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة - في كتاب الصحابة له عن مشيخة من بني عامر، قالوا: قد م على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرون رجلا من بني جعفر، ومن بني بكر، فيهم عامر بن مالك الجعفري، فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (قد استعملت عليكم هذا) وأشار إلى الضحاك
بن سفيان الكلابي وقال لعامر بن مالك بن جعفر: (أنت على بني جعفر) وقال للضحا ك: (استوص به خيرا) قال الحافظ رحمه الله تعالى: (فهذا يدل على أنه وفد بعد ذلك مسلما).
إذا علمت ذلك فقول الذهبي في التجريد الصحيح: انه لم يسلم، فيه نظر.
__________
(1) ام البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري لوالدها صحبة ولها ادراك وتزوجها عثمان وله معها قصة.
من طبقات ابن سعد الاصابة 8 / 216.
(2) علي بن عمر بن أحمد بن مهدي، أبو الحسن الدارقطني الشافعي: امام عصره في الحديث، وأول من صنف القراءات وعقد لها أبوابا من تصانيفه كتاب (السنن) و (العلل الواردة في الاحاديث النبو ية) و (المجتبى من السنن المأثورة) و (المؤتلف والمختلف) و (الضعفاء) توفي 385.
الاعلام 2 / 314.
(3) عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريسطة النميري أبو زيد: شاعر، راوية مؤرخ، حافظ للحديث من أهل البصرة توفي بسامراء له تصانيف منها (كتاب الكتاب) والنسب وأخبار بني نمير وغير ذلك توفي 262 هجرة الاعلام 5 / 47، 48.
(*)(6/64)
الثاني: في الصحيح ان القراء كانوا سبعين رجلا وعند ابن اسحاق أربعين قال الحافظ: ووهم من قال انهم ثلاثين، وما في الصحيح هو الصحيح.
ويمكن الجمع بأن الاربعين كانوا رؤساء، وبقية العدة كانوا أتباعا وجرى على ذلك في الغرر وزاد أن رواية القليل لا تنافي رواية الكثير وهو من باب مفهوم العدد وكذا قول من قال ثلاثين.
الثالث: انفرد المستغفري (1) بذكر عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر الكلابي في الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
قال الحافظ: (وهو خطأ صريح فان عامرا مات كافرا وقصته معروفة (2) أي كما سيأتي بيان ذلك.
وقال في النور: أجمع أهل النقل على أن عامر بن الطفيل مات كافرا وما ذكره المستغفري خطأ).
انتهى.
الرابع: قول أنس: (ثم نسخ بعد) قال السهيلي: (فثبت هذا في الصحيح وليس عليه رونق الاعجاز.
فيقال انه لم ينزل بهذا النظم معجز كنظم القرآن، فان هذا خبر، وا لخبر
لا يدخله النسخ.
قلنا لم ينسخ منه الخبر وانما نسخ منه الحكم فان حكم القرآن أن يتلى به في الصلاة وألا يمسه الا طاهر، وان يكتب بين اللوحين، وان يكون تعلمه من فروض الكفاية.
فكل ما نسخ ورفعت منه هذه الاحكام وان بقي محفوظا فانه منسوخ (فان تضمن حكما جاز أن يبقى ذلك الحكم معمولا به)، وان تضمن خبرا جاز أن يبقى ذلك الخبر مصدقا به وأحكام التلاوة منسوخة عنه).
الخامس: وقع في الصحيح في رواية أنس: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا، على رعل ولحيان وعصية (3) إلى آخره.
قال الحافظ أبو محمد الدمياطي وتبعه في العيون كذا وقع في هذه الرواية، وهو يوهم ان بني لحيان كانوا ممن أصاب القراء يوم بئر معونة وليس كذلك، وانما أصاب هؤلاء رعل وذكوان وعصية ومن صحبهم من سليم.
واما بنو لحيان فهم الذين أصابوا بعث الرجيع.
وانما أتى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم كلهم في وقت واحد، فدعا على الذين أصابوا الصحابة في الموضعين دعاء واحدا.
وذكر محمد بن عمر ان خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة.
__________
(1) جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر النسفي أبو العباس فقيه له اشتغال بالتاريخ من رجال الحديث كان خطيب نسف (من بلاد ما وراء النهر) وتوفي بها له (الدعوات) في الحديث والتمهيد في التجويد وغير ذلك ورجال الحديث يأخذونه عليه رواية الموضوعات من غير تنبيه.
الاعلام 2 / 128.
(2) أخرجه البخاري 7 / 446 عن أنس رضي الله تعالى عنه...كان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خير - النبي صلى الله عليه وسلم - بين ثلاث خصال فقال: (يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك، أو أغز وك بأهل غطفان بألف وألف) فطعن عامر في بيت فلان فقال: (غدة كغدة البكر...).
(3) أخرجه البخاري 7 / 446 (4091).
(*)(6/65)
السادس: في بيان غريب ما سبق:
بئر معونة: بميم مفتوحة فعين مهملة مضمومة فواو ساكنة فنون فتاء تأنيث، موضع في بلا هذيل بن مكة وعسفان.
رعل: بكسر الراء وسكون العين المهملة وباللام، بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف - بالفاء - ابن مالك بن امرئ القيس بن بهثة بضم الموحدة وسكون الهاء وبالثاء المثلثة فتاء تأنيث.
ذكوان: بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف وبالواو والالف، بطن من بني سليم أيضا.
عصية: بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد التحتية فتاء تأنيث: قبيلة.
لحيان: بفتح اللام وكسرها وسكون الحاء المهملة وبالتحتية والنون.
استمده: طلب منه مده.
أبو براء: بفتح الموحدة وبالراء والمد ملاعب الاسنة: وهي الرماح لقب بذلك مبالغة في وصفه بالشجاعة.
زبد المشركين: الزبد بفتح الزاي وسكون الباء الرفد والعطاء يقال منه زبده يزبده بالكسر فأما يزبده بالضم فهو اطعام الزبد.
قال الخطابي: يشبه ان يكون هذا الحديث (انا لا نقبل زبد المشركين) منسوخا لانه قد قبل هدية غير واحد من المشركين (أهدى له المقوقس مارية والبغلة وأهدى له أكيدر دومة فقبل منهما) وقيل انما رد هديته ليغيظه بردها فيحمله ذلك على الاسلام، وقيل ردها لان للهدية موضعا من القلب ولا يجوز عليه أن يميل بقلبه إلى مشر ك، فردها قطعا لسبب الميل، وليس ذلك مناقضا لقبوله هدية النجاشي والمقوقس وأكيد ر لانهم أهل كتاب).
وقال السهيلي في غزوة تبوك: قال صلى الله عليه وسلم: (اني نهيت عن زبد المشر كين) ولم يقل عن هديتهم.
لانه انما كره ملاينتهم ومداهنتهم إذا كانوا حربا له لان الزبد مشتق من الز بد كما أن المداهنة مشتقة من الدهن فعاد المعنى إلى معنى اللين والملاينة ووجوب الجد في حربهم
والمخاشنة وسيأتي في سيرته صلى الله عليه وسلم في الهدية زيادة على ذلك.
ولم يبعد: بفتح أوله وضم العين.
رجوت: بضم التاء على المتكلم.
نجد: ما أشرف من الارض.(6/66)
أنا لهم جار: أي هم في ذمامي وعهدي وجواري.
أن يعرض: بفتح الهمزة.
شببة: بفتح الشين المعجمة والموحدتين، جمع شاب وهو من دون الكهولة.
استعذبوا الماء: استقوه عذبا.
الحجر: بضم الحاء المهملة وفتح الجيم جمع حجرة وهي البيت.
المنذر: بالذال المعجمة بلفظ اسم الفاعل.
الساعدي: بسين وعين ودال مهملات.
من بني سليم: بضم السين المهملة وفتح اللام.
عسكروا بها: جمعوا عسكرهم أي جيشهم بها.
سرحوا: أرسلوا.
الظهر: أي الركاب التي تحمل الاثقال في السفر.
حرام: ضد حلال.
ملحان: بفتح الميم وكسرها وهو أشهر.
عامر بن الطفيل: بن مالك ابن أخي أبي براء مات كافرا.
أومأوا: الايماء الاشارة ببعض الاعضاء كالرأس واليد والعين والحاجب، يقال أومأت إليه بالهمز أومئ ووميت لغة فيه ولا يقال أوميت.
أنفذه: أي الرمح حتى خرج منه من الجانب الاخر.
الفوز: بفاء فواو فزاي: النجاة والظفر بالخير أي فاز بالشهادة.
ثم قال بالدم: من اطلاق القول على الفعل وفسره بأنه نضحه على وجهه بنون فضاد معجمة فحاء مهملة مفتوحات أي رشه عليه.
استصرخ عليه: استغاث.
لن نخفر: بضم النون وكسر الفاء، يقال أخفره إذا نقض عهده وذمامه، رباعي.
وخفره ثلاثي إذا أوفى بعهده وحفظه.
الجوار: بضم الجيم وكسرها الامان.
زعب: بكسر الزاي وسكون العين المهملة وبالموحدة، بطن من سليم ينتسبون إلى زعب.(6/67)
رأسوه: عليهم براء مفتوحة فهمزة مشددة فسين مهملة مضمومة أي شرفوه وعظموا قدره.
حتى قتلوا: بالبناء للمفعول.
الرمق: بفتح الراء والميم وبالقاف: بقية الحياة.
ارتث: بهمزة وصل فان ابتدأت بها ضممتها فثاء وبالبناء للمفعول أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق.
برئ من كذا: بفتح الموحدة وكسر الراء وبالهمز، تخلص وتنزه وتباعد.
المعنق ليموت: بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر النون وبالقاف: أي المتقدم أو المسرع وانما لقب بذلك لتقدمه أو لاسراعه إلى الشهادة.
السرح: بسين مفتوحة وحاء مهملتين بينهما راء ساكنة: المال السائم.
ارتابا: خافا.
عكوف الطير: اقامتها.
أوفيا: بفتح أوله وسكون الواو وفتح التحتية: أشرفا.
النشز: بفتح النون والشين المعجمة وقد تسكن وبالزاي: المرتفع من الارض.
مصرع حرام: مكان صرعه أي قتله.
أشرعوا الرماح: أمالوها إليه.
نظموه بها: اختلعوه بالرماح.
من مضر: بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وبالراء: حي من العرب.
النسمة: بفتح النون والميم والسين المهملة بينهما: المراد به الانسان هنا.
جز: قطع الناصية والناصية منبت الشعر من مقدم الرأس ويطلق على الشعر وهو المرا د هنا.
شرح غريب ذكر مقتل عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه واعلامه تبارك وتعالى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم علوا في السماء جبار: بفتح الجيم والموحدة المشددة وبالراء.
5 سلمى: بضم السين المهملة وسكون اللام وبالقصر.
لعمر الله: أي بقاؤه ودوامه، وهو رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره لعمر الله قسمي(6/68)
أو ما أقسم به.
واللام للتوكيد.
فان لم تأت اللام نصبته نصب المصادر: عمر الله وعمرك الله أي باقرارك لله وتعميرك بالبقاء.
وارت: أخفت وسترت.
الجثة: الجسد قال في المصباح المنير: (الجثة للانسان إذا كان قاعدا أو نائما فا ن كان منتصبا فهو طلل).
عليون: اسم لاعلى الجنة.
اقتطعوهم: أي حالوا بينهم وبين النجاة.
وجد عليه: حزن عليه.
الغداة: صلاة الصبح.
هل لك في كذا: تقدم تفسيره.
مهلا: بفتح الميم وسكون الهاء منصوب بفعل محذوف أي اتئد في أمرك ولا تعجل.
شرح غريب ذكر رجوع عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه القرقرة: بقافين مفتوحتين بعد كل منهما راء، الاولى ساكنة.
قناة: بضم القاف وبالنون واد بأرض المدينة الشريفة.
سليم: بضم السين المهملة.
معه عقد: بفتح العين المهملة أي عهد.
جوار: بضم الجيم وكسرها: الذمام والعهد.
أمهله: سكنه وأخر أمره.
عدا عليه: بالعين المهملة عدوا وعدوا وعداء وعدوانا ظلم وتجاوز الحد.
يرى: بضم التحتية يظن.
الثؤرة: بضم الثاء المثلثة فهمزة ساكنة والثأر بالهمز ويجوز تخفيفه.
الذحل: بفتح الذال المعجمة وبالحاء المهملة واللام الحقد بكسر الحاء المهملة ويجمع أذحال مثل سبب وأسباب ويسكن فيجمع على ذحول مثل فلس وفلوس، يقال ثأرت القتيل إذا قتلت قاتله.
أم البنين: هي أم أبي براء واسمها ليلى بنت عامر قاله في الروض.
وقال في الاملاء يريد(6/69)
قول لبيد: (نحن بني أم البنين الاربعة) وكانوا نجباء فرسانا.
ويقال انهم كانوا خمسة لكن لبيد جعلهم أربعة لاقامة الوزن.
يرعكم: بمثناة تحتية مفتوحة فراء مضمومة مهملة يفزعكم.
الذوائب: بالذال المعجمة وهي هنا الاعإلى.
التهكم: الاستهزاء.
عامر بن الطفيل: بضم الطاء المهملة وكسر الفاء وسكون التحتية ثم لام.
ليخفره: بضم التحتية (وتسكين الخاء المعجمة وكسر الفاء) أي لينقض عهده.
ربيعة: هو ابن أبي براء ذكره الحافظ في الاصابة وذكر ما يدل على اسلامه.
المساعي: جمع مسعاة وهي السعي في طلب المجد والمكارم.
الحدثان: بكسر الحاء وسكون الدال المهملتين مصدر حدث حدثانا كالوجدان وهو قريب العهد.
حكم بن سعد: بحاء مهملة وكاف مفتوحتين لا يعلم له اسلام.
القين: بفتح القاف وسكون التحتية وبالنون الحداد والقينة: الامة مغنية كانت أ م لا والماشطة، وكثيرا ما تطلق على المغنية من الاماء.
جسر: بفتح الجيم وسكون السين وبالراء المهملتين.
أشواه: بهمزة مفتوحة فشين معجمة أي لم يصب المقتل.
فلا يتبعن به: بالبناء للمفعول.
أتي إلى: بالبناء للمفعول.(6/70)
الباب السابع عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى القرطاء (وهي بطون من بني بكر من قيس عيلان) وكانوا ينزلون البكرات بناحية ضرية، على رأس تسعة وخمسين شهرا من الهجرة.
روى محمد بن عمر بن جعفر بن محمود قال: قال محمد بن مسلمة: خرجت لعشر ليال خلون من المحرم فغبت عشرين ليلة الا ليلة وقدمت المدينة لليلة بقيت من المحرم.
وروى محمد بن عمر عن شيوخه، وابن عائذ عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث محمد بن مسلمة في ثلاثين رجلا ركبانا، فيهم عباد بن بشر، وسلمة بن سلامة بن وقش، والحارث بن خزيمة إلى بني بكر بن كلاب، وأمره أن يسير الليل ويكمن النهار، وان يشن الغارة عليهم حتى إذا كان بالشربة لقي ظعنا فأرسل رجلا من اصحابه يسأل: من هم ؟ فذهب الرجل ثم رجع إليه فقال: قوم من محارب.
فنزلوا قريبا منه وحلوا وروحوا ماشيتهم فأمهلهم حتى إذا عطنوا أغار عليهم فقتل نفرا منهم وهرب سائرهم، فلم يطلب من هرب واستاق نعما وشاء ولم يتعرض للظعن.
ثم انطلق حتى إذا كان بموضع يطلعه على بني بكر بعث عائذ بن بسر إليهم فأ وفى على الحاضر فأقام.
وخرج محمد في اصحابه فشن عليهم الغارة فقتل منهم عشرة واستاقو ا النعم والشاء، ثم انحدر إلى المدينة فما أصبح الا بضرية مسيرة ليلة أو ليلتين، م حدر بالنعم وخاف الطلب فطرد الشاء أشد الطرد فكانت تجري معهم كأنها الخيل حتى بلغ العداسة فأبطأ عليهم الشاء بالربذة فخلفه مع نفر من أصحابه وطرد النعم، فقدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصل بعده الشاء فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به ثم فض على اصحابه ما بقي فعدلوا الجزور بعشر من الغنم.
وذكر البلاذري والحاكم انها كانت في المحرم سنة ست وان ثمامة بن أثال الحنفي أخذ فيها، وذكر حديث اسلامه.
روى الشيخان والبخاري مختصرا ومسلم مطولا وابن اسحاق عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة ولا يشعرون من هو حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أتدرون من أخذتم ؟ هذا ثمامة بن أثال الحنفي، أحسنوا اساره).
فربطوه بسارية من سواري المسجد).
وروى البيهقي عن ابن اسحاق ان ثمامة كان رسول مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وأراد اغتياله، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى أن يمكنه منه، فدخل المدينة معتمرا وهو مشرك فدخل المدينة حتى تحير فيها فأخذ، انتهى.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: (اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إليه).
وأمر بلقحته ان يغدى عليه بها ويراح، فجعل(6/71)
لا يقع من ثمامة موقعا ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (ما عندك يا ثمامة ؟) فيقول: (عندي خير يا محمد).
وفي لفظ: (أسلم يا ثمامة).
فيقول: (ايها يا محمد، ان تقتل تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على شاكر وان ترد الفداء فسل منه ما شئت).
فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الغد فقال: (ما عندك يا ثمامة ؟) قال: عندي ما قلت لك.
وذكر مثله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطلقوا ثمامة) فأطلقوه فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: (أ شهد ألا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان على الارض وجه أبغض إلى من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلى، والله ما كان من دين أبغض إ لى من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلى، والله ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلى، وان خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟) فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر.
فلما أسلم جاءوه بما كانوا يأتونه به من الطعام وباللقحة فلم يصب من حلابها الا يسيرا فعجب المسلمون من ذلك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حين بلغه ذلك): (مم تعجبون ؟ أمن رجل أكل اول النهار في معي كافر وأكل في آخر النهار في معي مسلم ؟ ان الكافر يأكل في سبعة أمعاء وان المسلم يأكل في معي واحد).
قال ابن هشام رحمه الله تعالى: فبلغني انه خرج معتمرا حتى إذا كان ببطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة يلبي.
فأخذته قريش فقالوا: لقد اجترأت علينا.
فلما قدمو ه ليضربوا عنقه قال قائل منهم: دعوه فانكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم فخلوه.
فقال الحنفي في ذلك: ومنا الذي لبى بمكة معلنا برغم ابي سفيان في الاشهر الحرم وقالوا: أصبوت يا ثمامة ؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعت خير دين، دين محمد، ووالله لا تصل اليكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا منها شيئا إلى مكة حتى أكلت قريش العلهز.
فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية قال: (ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ قال: (بلى).
قال: (فقد قتلت الاباء بالسيف والابناء بالجوع).
وفي رواية: فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انك تأمر بصلة الرحم وانك قد قطعت أرحامنا).
فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل، وأنزل الله عز وجل: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) (المؤمنون 76).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: القرطاء: بضم القاف وسكون الراء وبالطاء المهملة وهم قرط بضم القاف وسكون الراء(6/72)
وقريط بفتح الراء وقريط بكسرها بنو عبد بغير اضافة (ابن عبيد) وهو أبو بكر ابن كلاب من قيس عيلان - بعين مهملة وسكون التحتية ذكره أبو محمد الرشاطي رحمه الله تعالى.
البكرات: بفتح الموحدة وسكون الكاف فراء فألف فمثناة فوقية جمع بكرة، كذا فيما وقفت عليه من كتب المغازي.
قال الصفاني رحمه الله تعالى: (البكرة ماء لبني ذ ؤيب من الضباب وعندها جبال شمخ يقال لها البكرات).
وذكر شيئا آخر، والبكران يعني با لموحدة وسكون الكاف وآخره نون بلفظ التثنية موضع بناحية ضرية - بفتح الضاد المعجمة وكسر الراء وفتح التحتية المشددة فتاء - قرية لبني كلاب، وتبعه في المراصد.
قال في النور: ولعل ما في العيون بلفظ التثنية وتصحف على الناسخ فذكرها بلفظ الجمع.
انتهى.
ولم يذكر أبو عبيد البكري في معجمه بحمى ضرية الا بكرة بالافراد.
قلت وهو بعيد جدا لتوارد ما وقفت عليه من كتب المغازي.
ضرية: بفتح الضاد المعجمة الساقطة وكسر الراء وفتح التحتية المشددة فتاء تأنيث، قرية لبني كلاب.
بشر: بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة.
وقش: بفتح الواو والقاف وبالشين المعجمة.
خزمة: بفتح الخاء المعجمة وسكون الزاي وقيل بفتحها وبه جزم في الاصابة وقيل بالتصغير.
يكمن النهار: يستتر فيه ويختفي.
ويشن: بفتح التحتية وضم الشين المعجمة وبالنون، يفرق.
الغارة: وهي الخيل المغيرة، والغارة الاسم من الاغارة على العدو.
الشربة: بشين معجمة فراء موحدة مشددة مفتوحات فتاء تأنيث، اسم موضع.
الظعن: بضمتين ويسكن، والظعائن جمع ظعينة قال في النهاية: وهي المرأة في الهو دج ثم قيل للمرأة بلا هودج ثم قيل للهودج بلا امرأة.
محارب: بميم مضمومة فحاء مهملة فألف فراء مكسورة فموحدة، بطن من قريش ومن عبد القيس.
حلوا: بفتح الحاء المهملة وضم المشددة: نزلوا.
روحوا ماشيتهم: بفتح الراء والواو المشددة، أرسلوها للمرعى.
أمهلهم: تركهم.(6/73)
عطنوا: بفتح العين والطاء المشددة المهملتين وبالنون، أناخوا الابل وبركوها حول الماء.
النعم: بفتح النون والعين المهملة.
والشاء: عطف الاخص على الاعم.
يعرض: بكسر الراء.
أوفى: أشرف.
الحاضر: بالحاء المهملة والضاد المعجمة الساقطة المكسورة: القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه.
العداسة: بفتح العين والدال المشددة بعد الالف سين مهملات، كذا في نسخة صحيحة من مغازي محمد بن عمر الاسلمي، ولم أر لها ذكرا فيما وقعت عليه من كتب الاماكن والبلدان.
الربذة (1): بفتح الراء والموحدة وبالذال المعجمة اسم بلد.
البلاذري: بفتح الموحدة والذال المعجمة نسبة إلى البلاذر المعروف.
ثمامة: بضم الثاء المثلثة وميمين.
أثال: بهمزة مضمومة فثاء مثلثة مخففة وبالصرف.
الحنفي: من بني حنيفة.
نجد (3): بفتح النون وسكون الجيم موضع مشرف، وهو ضد تهامة (4).
لا يشعرون: أي لا يعلمون.
اليمامة (5): بفتح التحتية مدينة معروفة باليمن.
__________
(1) الربذة بفتح اوله وثانيه، ودال معجمة مفتوحة: من قرى المدينة، على ثلاثة أميال منها قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز وثلاثمائة بالقرامطة، مراصد الاطلاع 2 / 601.
(2) البلاذري: بفتح الباء الموحدة وبعدها لام ألف وضم الذال المعجمة وفي آخرها الراء هذه النسبة إلى البلاذر وهو معروف، الانساب 1 / 423.
(3) نجد بفتح اوله وسكون ثانيه، قال النضر: النجد قفاف الارض وصلاييها وما غلظ منها وأشرف، والجماعة النجاد، ولا يكون الا قفا أو صلاية من الارض من ارتفاع من الجبل معترضا بين يديك يرد طرفك عما وراءه.
معجم البلدان 5 / 303.
(4) انظر مراصد الاطلاع 14 / 283.
(5) اليمامة واحد اليمام، وهو طائر، وهو بلد كبير، فيه قرى وحصون ونخل، وكان اسمها أولا جوا، واليمامة هي الزرقاء التي يضرب بها المثل في النظر البعيد.
قلع تبع عينيها وصلبها على باب جو، فسميت بها.
مراصد الاطلاع 3 / 1483.(6/74)
الاسار: بكسر الهمزة: القيد.
السارية: الاسطوانة بضم الهمزة والطاء المهملة.
الاغتيال: أن يوصل إليه الشر أو القتل من حيث لا يعلم.
تحير: بفتح الفوقية والحاء المهملة والتحتية المشددة وبالراء.
اللقحة: بكسر اللام وفتحها: الناقة ذات اللبن.
يغدو: يصبح.
يراح: يمسي.
الحلاب: بكسر الحاء المهملة وهو هنا اللبن.
ان تقتل تقتل ذا دم: بدال مهملة على الصحيح أي صاحب يشتفى بقتله ويدرك به قاتله ثأره، فاختصر اعتمادا على مفهوم الكلام.
ورواه بعضهم: ذا دم بذال معجمة وفسره بالذمام والحرمة في قومه إذا عقد ذمة وفي له ولم يخفره.
وقال القاضي: وكونه بالمهملة أصح لكونه ذا ذمام لم يجز قتله.
قال في المطالع: وكان شيخنا القاضي حمله على الذمة أي انتقل من عقدت له ذمة وهذا لا يليق بالحديث.
ان تنعم: بضم اوله وكسر ثالثه.
الفداء: بكسر الفاء وبالمد والقصر وهو أن تشتري الرجل أو تنقذه بمال.
أطلقوا: بفتح الهمزة وكسر اللام.
نخل: بفتح النون وسكون الخاء المعجمة، هكذا الرواية أي إلى نخل فيه ماء فاغتسل منه، وذكره ابن دريد بالجيم وهو الماء الجاري.
مم تعجبون ؟ أصله مما، حذفت ألف ما الاستفهامية لدخول الجار.
المعي كعنب ويمد، المصران (مذكر وقد يؤنث) وتذكيره أكثر.
وقوله: والكافر يأكل (في سبعة أمعاء).
قال في النهاية والتقريب: هو مثل ضربه لزهد المؤمن وحرص ا لكافر.
وهو
خاص في رجل بعينه كان يأكل كثيرا فأسلم فقل أكله.
بطن مكة: قبل الحديبية، وقيل وادي مكة، وقيل التنعيم.
اجترأ عليه: معلنا: بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر اللام: مظهرا.
برغم فلان: بفتح الموحدة وتثليث الراء (في المصدر) يقال رغم أنفه، كذلك التصق(6/75)
بالرغام وهو (التراب).
هذا هو الاصل ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والا نقياد على كره.
صبأ: بالهمز.
العلهز: بكسر العين المهملة وسكون اللام وكسر الهاء وبالزاي، شئ كانوا يتخذونه في سني المجاعة يخلطون فيه الدم بأوبار الابل ثم يشوونه بالنار ويأكلونه وقيل كانوا يخلطون فيه القردان، ويقال للقراد الضخم علهز.
استكان: خضع.
تضرعوا: ذلوا وخشعوا.(6/76)
الباب الثامن عشر في سرية عكاشة بن محصن (بن حرثان الاسدي) رضي الله تعالى عنه إلى غمر مرزوق (1)، ماء لبني أسد
في شهر ربيع الأول سنة ست روى محمد بن عمر رحمه الله تعالى عن القاسم بن محمد رحمه الله تعالى قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن في أربعين رجلا منهم ثابت بن أقرم (2)، وذكر ابن عائذ أنه كان الامير، وشجاع بن وهب (3)، ويزيد بن رقيش (ابن رئاب بن يعمر) زاد ابن عائذ: ولقيط بن أعصم حليف بني عمرو بن عروة، ثم من بني معاوية بن مالك بن بلي.
فخرج سريعا يغذ السير، ونذر القوم بهم، فهربوا من مالهم، فنزلوا علينا بلادهم، فانتهوا إلى الماء.
فوجد الدار
خلوفا.
فبعث شجاع بن وهب طليعة يطلبون خبرا، أو يرون أثرا، فرجع شجاع بن وهب فأخبره أنه رأى أثر نعم قريبا، فتحملوا فأصابوا ربيئة لهم قد نظروا ليلة يسمع الصوت، فلما أصبح قام، فأخذوه وهو نائم، فقالوا: أتخبر عن الناس ؟ قال: وأين الناس ؟ قد لحقوا بعليا بلادهم.
قالوا: فالنعم ؟ قال: ما معهم.
فضربه أحدهم بسوط في يده فقال: أتؤمنوني على دمي أطلعكم على نعم لبني عم له لم يعلموا بمسيركم إليهم.
قالوا: نعم.
فآمنوه فانطلقوا معه فأمعن حتى خافوا أن يكون ذلك غدرا منه لهم فقالوا: والله لتصدقنا أو لنضربن عنقك.
قال: تطلعون عليهم من هذا الظريب فدنوا فإذا نعم رواتع فأغاروا عليها وأصابوها وهربت الاعراب في كل وجه، ونهى عكاشة عن الطلب.
واستاقوا مائتي بعير، فحدروها إلى المدينة، وأرسلوا الرجل.
وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصب منهم أحد ولم يلقوا كيدا.
تنبيهات الأول: قول من قال ان ثابت بن أقرم أصيب فيها ليس بشئ فانه استشهد أيام الردة.
الثاني: وقع في نسخة أبي الفتح من الاكليل للحاكم بعث سباع بن وهب طليعة.
__________
(1) وردت بلفظ غمرة.
قال في المراصد: غمرة منهل من مناهل طريقة مكة فصل ما بين تهامة ونجد.
انظر مراصد الاطلاع 24 / 1001.
(2) (ثابت) بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان البلوي حليف الانصار..ذكره مو سى بن عقبة في البدريين وقال ابن اسحاق في المغازي: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن مروة قال: ثم أخذ الراية يعني في غزاة مؤتة ثابت بن أقرم بعد قتل ابن رواحة فدفعها إلى خالد بن الوليد وكذا رواه ابن مندة من حديث ابي اليسر باسناد ضعيف، الاصابة 1 / 197، 198.
(3) شجاع بن وهب ويقال: ابن ابي وهب بن ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الاسدي ذكره ابن اسحاق في السابقين الاولين وفيمن هاجر إلى الحبشة وفيمن شهد بدرا وكذا ذكره موسى بن عقبة وابن الكلبي وعروة وقال ابن ابي حاتم: شجاع بن وهب اخو عقبة من المهاجرين الاولين استشهد باليمامة وكنيته أبو وهب.
الاصابة 3 / 194.(6/77)
والذي في النسخ منه شجاع بن وهب، ولا وجود لسباع بن وهب في الصحابة.
الثالث: في بيان غريب ما سبق: عكاشة: بضم العين المهملة وتشديد الكاف وقد تخفف.
محصن: بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين وبالنون.
الغمر: بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالراء.
مرزوق: بلفظ اسم المفعول.
ثابت: بالثاء المثلثة والموحدة والفوقية.
ابن أقرم: بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الراء وبالميم.
ابن عايذ: بتحتية وذال معجمة.
لقيط بن أعصم: بألف فعين فصاد مهملتين فميم كذا في العيون عن ابن عائذ ولم أر فيما وقفت عليه من كتب الصحابة من اسمه لقيط واسم ابيه أعصم والذي رأيته لقيط بن عصر.
يغذ: بضم التحتية وكسر الغين وبالذال المشددة المعجمتين: يسرع.
نذز به القوم: بفتح النون وكسر الذال المعجمة وبالراء: علموا.
عليا الشئ: بضم العين المهملة أعلاه.
الدار: المحل، مجمع البناء.
والعرصة: الدارة وقد يذكر.
الخلوف: بخاء معجمة فلام مضمومة ففاء الغيب.
وفي الكلام حذف تقديره وجد أصحاب الدار خلوفا.
طليعة القوم: يبعثون أمام الجيش يتعرفون طلع العدو، وبالكسر أي خبره.
الربيئة: براء مفتوحة فموحدة مكسورة فهمزة مفتوحة ممدودة فتاء تأنيث.
فآمنوه: بمد الهمزة وفتح الميم المخففة من الامان.
أمعن في الطلب: بالغ في الاستقصاء.
الظريب: بظاء معجمة مشالة مضمومة فراء مفتوحة فتحتية ساكنة فموحدة، تصغير ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهو ما نتأ من الحجارة وحدد طرفه أو الجبل المنبسط أو الصغير.
رواتع: جمع رتوع وهي الدابة الراعية كيف شاءت.
لم يلق كيدا: حربا.(6/78)
الباب التاسع عشر في سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه إلى بني معاوية وبني عوال بذي القصة (1) طريق الربذة في أول ربيع الاخر سنة ست
روى محمد بن عمر رضي الله تعالى عنه عن شيوخه قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة في عشرة نفر منهم: أبو نائلة، والحارث بن أوس، وأبو عبس بن جبر (2)، ونعمان بن عصر، ومحيصة بن مسعود، وحويصة أخوه، وأبو بردة بن نيار (3)، ورجلان من مزينة، (ورجل) من غطفان، فوردوا عليهم ليلا.
فكمن القوم لمحمد بن مسلمة وأصحا به حتى ناموا، فأحدقوا بهم وهم مائة رجل، فما شعر المسلمون الا بالنبل قد حاطهم، فوثب محمد بن مسلمة ومعه قوس فصاح في أصحابه (السلاح)، فوثبوا فتراموا ساعة من الليل.
ثم حملت الاعراب عليهم بالرماح فقتلوا من بقي.
ووقع محمد بن مسلمة جريحا، يضرب كعبه فلا يتحرك، وجردوهم الثياب وانطلقوا.
فمر رجل (من المسلمين) على القتلى فاسترجع.
فلما سمعه محمد بن مسلمة تحرك له، فعرض عليه طعاما وشرابا وحمله حتى ورد به المدينة.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح إلى مصارعهم فلم يجد أحدا، وو جد نعما وشاء فساقه ورجع فخمسه وقسم أربعة أخماسه فيهم.
قال محمد بن مسلمة: فلما كانت غزوة خيبر نظرت إلى أحد النفر الذين كانوا ولوا ضربي يوم ذي القصة فلما رآني قال: اني أسلمت
وجهي، فقلت: أولى.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: مسلمة: بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح اللام المخففة وبالميم وبتاء تأنيث.
معوية: بفتح الميم والعين المهملة وكسر الواو وسكون التحتية وبتاء تأنيث.
بنو عوال: بعين مهملة مضمونة فواو مخففة، هم من العرب من بني عبد الله بن غطفان، ووقع في بعض نسخ العيون غزال وهو تصحيف.
ذو القصة: بفتح القاف والصاد المهملة وحكى في العيون اعجام الصاد، موضع قريب
__________
(1) ينظر معجم البلدان 4 / 416.
(2) أبو عبيس بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس الانصاري الاوسي..قيل: كان اسمه في الجاهلية عبد العزى وقيل: معبد فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن الاصابة 7 / 126.
(3) (هانئ) بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذئبان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن بلي البلوي أبو بردة بن نيار حليف الانصار خال البراء بن عازب مشهور بكنيته..الاصابة 6 / 278.(6/79)
من المدينة، بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا.
الربذة: بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة وبتاء التأنيث موضع قريب من المد ينة الشريفة.
أبو نائلة: بالنون وهمزة بعد الالف على صورة التحتية وباللام.
أبو عبس: بفتح العين والسين المهملتين وسكون الموحدة بينهما.
ابن جبر: بجيم مفتوحة فموحدة ساكنة فراء.
عصر: بفتح العين والصاد والراء المهملات، وقيل بكسر العين وقيل بفتحها وسكون الصاد بينهما.
محيصة: بميم مضمومة فحاء مهملة فتحتية مشددة فصاد مهملة مفتوحات فتاء تأنيث.
حويصة: بالحاء المهملة وزن الذي قبله.
أبو بردة: بضم الموحدة.
ابن نيار: بنون وتخفيف التحتية وبالراء.
مزينة: بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية وبالنون.
غطفان: بفتح العين المعجمة والطاء المهملة والنون بعد الالف.
كمن: استتر.
أحدقوا بهم: أحاطوا.
ما شعر: ما علم.
النبل: بفتح النون وسكون الموحدة: السهام العربية، وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها.
بل الواحد سهم فهي مفرد اللفظ مجموعة المعنى.
انحاز إلى القوم: تحير إليهم أي مال.
الكعب: كل مفصل للعظام، والعظم الناتئ فوق القدم والناشز من جانبها مباشرة.(6/80)
الباب العشرون في سرية ابي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه إلى ذي القصة أيضا
روى محمد بن عمر عن شيوخه رحمهم الله تعالى قالوا: أجدبت بلاد بني ثعلبة وأنمار..ووقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين.
فسارت بنو محارب وبنو ثعلبة وأنمار إلى تلك السحابة، وكانوا قد أجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة، وسرحها يرعى يومئذ ببطن هيفاء، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا، صلوا المغرب ليلة السبت لليلتين بقيتا من ربيع الاخر سنة ست.
فباتوا ليلتهم يمشون حتى وافوا ذا القصة مع عماية ا لصبح، فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال، وأخذ رجلا واحدا، ووجد نعما من نعمهم فا ستاقه
ورثة من متاع القوم، فقدم به المدينة.
وغاب ليلتين، وأسلم الرجل فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قدم به أبو عبيدة وقسم الباقي عليهم.
تنبيه في بيان غريب ما سبق: الجدب: بفتح الجيم وسكون الدال المهملة نقيض الخصب.
المراض: بضاد معجمة كسحاب.
تغلمين: بفتح الفوقية وسكون الغين المعجمة وفتح اللام والميم وسكون التحتية وبالنون، كذا ألفيته مضبوطا في نسخة صحيحة من مغازي محمد بن عمر الواقدي ولم أجد له ذكرا فيما وقفت عليه من الكتب الاماكن والجبال والمياه.
محارب: بضم الميم وكسر الراء وبالموحدة.
أجمعوا: اتفقوا.
أن يغيروا: يدفعوا الخيل.
على السرح: بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال الراعي.
وافوا: أشرفوا.
عماية الصبح: بفتح العين المهملة وتخفيف الميم وبالقصر.
هربا: بفتح الهاء والراء وبالموحدة.
رثة: بكسر الراء وتشديد الثاء المثلثة وبتاء تأنيث - السقط من متاع البيت من الخلقان.(6/81)
الباب الحادي والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى بني سليم بالجموم(6/82)
الباب الثاني والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما في سبعين ومائة راكب إلى العيص
فأخذوا العير وما فيها وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية وأسروا ناسا منهم أبو العاص بن الربيع قال ابن اسحاق: لما كان قبل الفتح خرج أبو العاص بن الربيع تاجرا بمال له وأموال لرجال من قريش أبضعوها معه.
فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابوا ما معه.
وذكر الزهري وتبعه ابن عقبة ان الذين أخذوا هذه العير وأسروا من فيها أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما بمنزلهم بسيف البحر، وأنهما لم يقتلا منهم أحدا لصهر أ بي العاص.
قال ابن اسحاق، ومحمد بن عمر: انه هرب منهم من السرية.
فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على امرأته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجار بها فأجارته قال ابن اسحاق ومحمد بن عمر: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فكبر وكبر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء، وعند محمد بن عمر: قامت على بابها فنادت بأعلى صوتها وقالت: أيها الناس اني قد أجرت ابا العاص بن الربيع.
قال: فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال: (يا أهل الناس هل سمعتم ما سمعت ؟) قالوا: نعم.
قال: (أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشئ من ذلك حتى سمعت ما سمعتم، المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم) زاد محمد بن عمر: (وقد أجرنا من أجارته).
انتهى.
قال ابن اسحاق ومحمد بن عمر: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله، فدخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه فقبل.
وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن اليك فانك لا تحلين له).
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص فقال لهم: (ان هذا الرجل منا حيث علمتم وقد أصبتم له مالا، فان تحسنوا وتردوا عليه الذي له فانا نحب ذلك، وان أبيتم فهو فئ الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به).
فقالوا: يارسول الله بل نرده عليه.
وعند ابن عقبة: فكلمها أبو العاص في أصحابه الذين أسرهم أبو جندل وأبو بصير وما أخذا لهم.
فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قام، فخطب الناس وقال: (انا صاهرنا ناسا وصاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه وانه أقبل من الشا م في اصحاب له من قريش فأخذهم أبو جندل وأبو بصير فأسروهم وأخذوا ما كان معهم ولم يقتلوا منهم أحدا وان زينب بنت رسول الله سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون ابا العاص وأصحابه ؟) فقال(6/83)
الناس: نعم.
فلما بلغ ابا جندل واصحابه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أ بي العاص واصحابه الذين كانوا عنده من الاسرى، رد إليهم كل شئ حتى العقال.
قال ابن اسحاق ومحمد بن عمر: فردوا عليه كل شئ حتى ان الرجل ليأتي بالدلو ويأتي الرجل بالشنة والادواة حتى ان أحدهم ليأتي بالشظاظ حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا.
قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة ان أبا العاص بن الربيع لما قدم من الشام ومعه أ موال المشركين قيل له: هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الاموال فانها أموال المشركين ؟ فقال أبو العاص: بئس ما أبدأ به اسلامي أن أخون أمانتي.
قال ابن هشام: وحدثني عبد الوارث بن سعيد التنوري (1) عن (داود) بن أبي هند (2)، عن أبي عمرو وعامر بن شراحيل الشعبي بنحو من حديث ابي عبيدة عن أبي العاص قلت: هذا سند صحيح، رواه أبو عبد الله الحاكم في الكنى بسند صحيح عن الشعبي رحمه الله تعالى ان المسلمين قالوا لابي العاص: يا أبا العا ص انك في شرف من قريش وأنت ابن عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره، فهل لك ان تسلم وتغنم ما معك من أموال أهل مكة ؟ فقال: بئس ما أمرتموني به أن أفتتح ديني بغدرة.
قال ابن اسحاق، ومحمد بن عمر، والشعبي: ثم أحتمل أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه.
ثم قام فقال: (يا أهل مكة هل بقي لاحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟ يا أهل مكة هل أوفيت ذمتي ؟) قالوا: اللهم نعم، فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما.
قال: (فاني أشهد ألا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الاسلام عند ه الا أني
خشيت أن تظنوا اني انما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله اليكم وفرغت منها أسلمت).
ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.
قال ابن عباس: رد ر سول الله صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئا.
وفي رواية عنه ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ست سنين.
وفي رواية بعدها: ستة بالنكاح الأول وفي الرواية: ولم يحدث نكاحا.
رواه ابن جرير.
تنبيهات الأول: كذا ذكر محمد بن عمر، وابن سعد، والبلاذري، والقطب، والعراقي، وجرى عليه في العيون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة لاهل هذه العير.
واقتضى كلام ابن
__________
(1) عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة التنوري، مولى بني العنر، أحد الحفاظ.
روى عن أيوب، ويزيد الرشك، وطبقتهما.
وعنه مسدد، وحميد بن مسعدة، وأبو معمر المقعد، وخلق.
وكان يضرب المثل بفصاحته، واليه المنتهى في التثبت.
الا أنه قدري متعصب لعمرو بن عبيد.
وكان حماد بن زيد ينهى المحدثين عن الحمل عنه للقدر.
وقال يزيد بن زريع: من أتى مجلى عبد الوارث فلا يقربني.
ميزان الاعتدال 2 / 677.
(2) داود بن أبي هند، القشيري مولاهم، أبو بكر أو أبو محمد البصري ثقة متقن، كا ن يهم بآخره من الخامسة.
مات سنة أربعين.
وقيل قبلها.
التقريب 1 / 235.
(*)(6/84)
اسحاق ان سرية من السرايا صادفت هذه العير لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل السرية لاجلها.
الثاني: صرح محمد بن عمر ومن ذكر معه ان هذه السرية كانت سنة ست قبل الحديبية، والا فبعد الهدنة لم تتعرض سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش أصلا، وجزم به الزهري وتبعه موسى بن عقبة كما رواه البيهقي عنهما بأن الذي أخذ هذه العير أبو جندل وأبو بصير وأصحابهما الذين كانوا بسيف البحر لما وقع صلح الحديبية، ولم يكن ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانهم كانوا منحازين عنه بسيف البحر، وكان لا يمر بهم عير لقريش الا أخذوها، كما سبق ذلك في غزوة الحديبية.
وقول ابن اسحاق ان هذه السرية كانت قبل الفتح يشعر بما ذهب إليه الزهري وصوبه في زاد المعاد واستظهر في النور.
قلت: ويؤيد قول الزهري قوله صلى الله عليه وسلم فيما ذكره محمد بن اسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما لزينب: (لا يخلص اليك فانك لا تحلين له).
فان تحريم المؤمنات على المشركين انما نزل بعد صلح الحديبية.
الثالث: قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على أبي العاص بالنكاح).
يأتي الكلام عليه في ترجمة السيدة زينب رضي الله تعالى عنها.
الرابع: في بيان غريب ما سبق: العيص: بكسر العين المهملة وسكون التحتية وبالصاد المهملة: واد من ناحية ذي المروة على ليلة منه وعلى أربع من المدينة.
الغابة: بفتح الغين المعجمة فألف فموحدة فتاء تأنيث واد في أسفل سافلة المدينة.
العير: بكسر العين المهملة: الابل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة، وهي مؤنثة.
أبضعوها معه: بفتح أوله وسكون الموحدة وفتح الضاد المعجمة وضم العين المهملة: دفعوها.
قفل: بفتح القاف والفاء واللام: رجع.
أبو نصير: بموحدة مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فتحتية ساكنة فراء.
أبو جندل: بجيم مفتوحة فنون ساكنة فدال مهملة مفتوحة فلام.
سيف البحر: بكسر السين المهملة: ساحله.
صفة النساء: بضم الصاد المهملة وبالفاء، الموضع المظلل للجلوس.
المؤمنون يد على من سواهم: يجير عليهم أدناهم.
يجير: بضم الياء وكسر الجيم وسكون التحتية وبالراء، يحمي ويمنع.(6/85)
أدناهم: أقلهم.
المثوى: بفتح الميم وسكون الثاء المثلثة وفتح الواو: الاقامة.
لا يخلص اليك: لا يطؤك.
العقال: بكسر العين المهملة وبالقاف: ما يعقل به البعير.
الشنة: بشين معجمة مفتوحة فنون مشددة السقاء البإلى.
الادواة: بكسر الهمزة وبالدال المهملة: المطهرة التي يتطهر بها.
الشظاظ: بشين معجمة مكسورة فظاءين معجمتين مشالين بينهما ألف، عود معقف في عروة الغرارة.
بأسره: بجميعه.
التنور: بفتح الفوقية وتشديد النون وبالراء.
وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أراد بهذين العمومة إذ أن جده عبد شمس بن عبد مناف، فيلتقي معه النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.
الغدرة: بضم الغين المعجمة: الغدر وهو نقض العهد وعدم الوفاء.
احتمل: ارتحل.(6/86)
الباب الثالث والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى الطرف في جمادى الاخرة سنة ست
روى محمد بن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى الطرف إلى بني ثعلبة بن سعد فخرج في خمسة عشر رجلا، حتى إذا كان بالطرف أصاب نعما وشاء، وهربت الاعراب وخافوا ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار إليهم.
فانحدر زيد بن حارثة بالنعم حتى أصبح في المدينة، وخرجوا في طلبه فأعجزهم فقدم بعشرين بعيرا وغاب أربع ليال، ولم يلق كيدا وكان شعارهم أمت أمت.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
الطرف: بفتح الطاء وبالراء المكسورة وبالفاء: ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلا من المدينة كما في ذيل الصغاني وقال: هو بطريق العراق على خمسة وعشرين ميلا من المدينة، والراضة بالراء والضاد المعجمة كسحاب.
الشعار: بكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة وبالراء: العلامة التي يتعارفون بها عند القتال.
أمت أمت: أمر بالموت والمراد القتال بالنصر بعد الامر بالاماتة مع حصول الغرض للشعار فانهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لاجل ظلمة الليل.(6/87)
الباب الرابع والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى جذام من أرض حسمى وراء وادي القرى في جمادى الاخرة سنة ست
روى ابن اسحاق عمن لا يتهم عن رجال من جذام كانوا علماء بها، ومحمد بن عمر عن شيوخه وموسى بن محمد بن ابراهيم التيمي عن شيخ من بني سعد هذيم كان قديما يخبر عن أبيه، قال ابن اسحاق رحمه الله تعالى ان رفاعة بن زيد الجذامي، لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الاسلام فاستجابوا له.
ثم لم يلبث أن قدم دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وقد أجازه وكساه.
فلقيه الهنيد بن عوص وابنه عوص (بن الهنيد) كما عند ابن اسحاق فيهما، وقال ابن سعد عارض فيهما: (الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد) الصلعيان - والصليع بطن من جذ ام - فأصابا كل شئ كان مع دحية ولم يتركوا عليه الا سمل ثوب.
فبلغ ذلك قوما من بني الضبيب رهط رفاعة بن زيد ممن كان أسلم وأجاب، فنفروا إلى الهنيد وابنه فاقتتلوا واستنقذوا لدحية متاعه.
وقدم دحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره، واستسقاه دم الهنيد وا بنه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية.
فكان زيد يسير الليل ويكمن النهار، ومعه
دليل له من بني عذرة.
وقد اجتمعت بطون، منهم: غطفان كلها، ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزلوا حرة الر جلاء ورفاعة بكراع ربة لم يعلم.
وأقبل الدليل العذري بزيد بن حارثة واصحابه حتى هجم بهم مع الصبح على ا لهنيد وابنه ومن كان في محلتهم فأغاروا عليهم وقتلوا فيهم.
فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه.
وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم فأصابوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف شاة ومن السبي مائة من النساء والصبيان.
فلما سمع بنو الضبيب بما صنع زيد بن حارثة ركبوا فيمن ركب.
فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان بن ملة: (انا قوم مسلمون).
فقال زيد بن حارثة: (فاقرأ أم الكتاب).
فقرأها حسان فقال زيد: نادوا في الجيش أن يهبطوا إلى ورائهم الذي جاءوا منه فأمسوا في ناديهم.
فلما أمسكوا ركبوا الى رفاعة بن زيد فصبحوه وقال له حسان بن ملة: (انك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرك كتابك الذي جئت به).
فدعا رفاعة بجمل فشد عليه رحله وخرج معه أبو زيد (بن عمرو) - وعند ابن سعد أبو يزيد بن عمرو - وجماعة، فساروا(6/88)
ثلاث ليال، فلما دخلوا المدينة وانتهوا الى المسجد دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما رآهم ألاح لهم بيده أن تعالوا من وراء الناس فاستفتح رفاعة بن زيد المنطق، فقام رجل من الناس فقال: (يا رسول الله، ان هؤلاء قوم سحرة) فرددها مرتين، فقال رفاعة بن زيد: رحم الله من لم يحذنا في يومه هذا الا خيرا).
ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له، فقال: دونك يا رسول الله (قديما كتابه حديثا غدره) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقر أه يا غلام وأعلن).
فلما قرأ كتابه استخبرهم فأخبروه بما صنع زيد بن حارثة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أصنع بالقتلى ؟) ثلاث مرار.
فقال رفاعة: (أنت يارسول الله أعلم، لا نحرم عليك حلالا ولا نحل
لك حراما).
فقال أبو زيد بن عمرو: (أطلق لنا يارسول الله من كان حيا، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق أبو زيد).
فقال القوم: فابعث معنا يارسول الله رجلا يخلي بيننا وبين حرمنا وأموالنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انط لق معهم يا علي).
فقال علي: (يارسول الله ان زيدا لا يطيعني) قال: (فخذ سيفي هذا).
فأخذه.
فقال له علي: (ليس لي راحلة يارسول الله).
فحملوه على بعير ثعلبة بن عمرو ويقال له مكحال.
فخرجوا حتى لقوا رافع بن مكيث الجهني، بشير زيد بن حارثة يسير على ناقة من ابل القوم، فردها على على القوم.
ورجع رافع بن مكيث مع علي رديفا حتى لقوا زيد بن حارثة بفيفاء الفحلتين فقال علي: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترد على هؤلاء القوم ما كان بيدك من أسير أو سبي أو مال).
فقال زيد: (علامة من رسول الله) فقال علي: (هذا سيفه) فعرفه زيد، فنزل وصاح في ا لناس، فاجتمعوا فقال: (من كان معه شئ من سبي أو مال فليرده، فهذا (رسول) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد على الناس كافة كل ما كان أخذ لهم حتى كانوا ينزعون المرأة من تحت فخذ الرجل).
وروى محمد بن عمر رحمه الله تعالى عن محجن الديلي رضي الله تعالى عنه قال: (كنت في تلك السرية، فصار لكل رجل سبعة أبعرة أو سبعون شاة وصار له من السبي امرأة والمرأتان حتى رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كله الى أهله).
قال في زاد المعاد: (وهذه السرية كانت بعد الحديبية بلا شك).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: جذام: بجيم مضمومة فذال معجمة فميم، قبيلة بجبال حسمى من معد.
حسمى: بحاء مكسورة فسين ساكنة مهملتين، أرض بالبادية غليظة لا خير فيها ينزلها جذام، ويقال آخر ما نضب من ماء الطوفان حسمى فبقيت منه بقية الى اليوم وفيها جبال(6/89)
شواهق ملس الجوانب لا يكاد القتام يفارقها قاله الجوهري في الصحاح.
وادي القري: واد كثير القرى.
رفاعة: بكسر الراء وبالفاء وبالعين المهملة.
يلبث: يمكث.
دحية: بفتح الدال المهملة.
قيصر: لقب لكل من ملك الروم، واسمه هرقل.
هنيهة: بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية.
عوض: بكسر العين المهملة وفتح الواو وبالضاد المعجمة.
الصليع: بضم الصاد المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وبالعين المهملة.
سمل ثوب: بسين مهملة فميم فلام: ثوب خلق بال.
الضبيب: بضاد معجمة فموحدتين الاولى مفتوحة بينهما تحتية ساكنة.
استنقذوه: خلصوه ونجوه.
استسقاه دمه: طلب منه الاذن في قتله.
يكمن: يستتر.
عذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة، بطن من قضاعة.
غطفان: اسم قبيلة.
بهراء: بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالراء والمد وقد تقصر، قبيلة.
الحرة: بفتح الحاء المهملة والراء: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار.
الرجلى: بالجيم كسكرى ويمد، الرجلاء أرض خشنة يترجل فيها أو كثيرة الحجارة.
كراع ربة: مكان، وربة بفتح الراء وتشديد الموحدة.
ملة: باللام وروي مكة بالبيت الحرام.
ختر: بخاء معجمة فمثناة فوقية فراء مفتوحات: غدى.
ألاح له بيده: لمع بها.
سحرة: أي عندهم فصاحة لسان وبيان.
يحذنا: (يقال أحذيته أي أعطيته).(6/90)
دونك: (أمامك).
أطلق لنا: بهمزة مفتوحة فطاء مهملة فلام مكسورة فقاف.
مكحال: بميم مكسورة فكاف ساكنة فحاء مهملة فألف فلام.
مكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالثاء المثلثة.
فيفاء: بفاءين مفتوحين بينهما تحتية ساكنة.
الفحلتين: بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة وفتح اللام والفوقية وسكون التحتية وبالنون.
لبيد: بضم اللام وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالدال المهملة تصغير لبد.
محجن: بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم وبالنون.
الديلي: بكسر الدال المهملة وسكون التحتية وباللام.(6/91)
الباب الخامس والعشرون في سرية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقيل زيد بن حارثة الى بني فزارة بوادي القرى
روى الامام أحمد ومسلم وابن سعد والاربعة والطبراني عن سلمة بن الاكوع رضي الله تعالى عنه قال: غزونا فزارة وعلينا أبو بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان بيننا وبين السماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرسنا، ثم شن الغارة فورد الماء فقتل من قتل عليه فأنظر الى عنق من الناس فيهم الذراري، فخشيت ان يسبقوني الى الجبل فرميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما ر أوا السهم وقفوا فجئت بهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم معها ابنة لها من أحسن العرب.
فسقتهم حتى أتيت ابا بكر.
فنقلني أبو بكر ابنتها، فقدمنا المدينة وما كشفت
لها ثوبا.
فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال: (يا سلمة هب لي المرأة).
فقلت: (يا رسول الله قد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا).
فسكت، حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق ولم أكشف لها ثوبا فقال: (يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك).
فقلت: هي لك يارسول الله، قال: فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أهل مكة ففدا بها أسرى (من المسلمين) كانوا في أيدي المشركين.
وفي رواية عند أحمد، وابن سعد: وكان شعارنا: أمت أمت قال: فقتلت بيدي سبعة - وعند الطبراني تسعة بتقديم الفوقية - أهل أبيات من المشركين.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: فزارة: بفتح الفاء وبالزاي والراء.
أمره: بتشديد الراء، جعله أميرا.
التعريس: النزول آخر الليل (للنوم) والاستراحة.
شن الغارة: فرقها في كل وجه.
العنق من الناس: الطائفة منهم.
الذراري: بالذال المعجمة جمع ذرية وهي الاولاد الصغار، وفيها ثلاث لغات أفصحها ضم الذال والثانية كسرها والثالثة فتح الذال مع تخفيف الراء وتجمع على ذريات.
القشع: بفتح القاف وكسرها وسكون الشين المعجمة وبالعين المهملة.
لله أبوك: إذا أضيف الشئ الى عظيم شريف اكتسب عظما وشرفا كما يقال: بيت الله، وناقة الله، فإذا وجد من الولد ما يحسن موقفه ويحمد فعله قيل: لله أبوك في معر ض المدح والتعجب، أي أبوك لله خالصا حيث أنجب بك وأتى بمثلك.(6/92)
الباب السادس والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما الى وادي القرى في رجب،
كما ذكره ابن اسحاق والبلاذري وزاد وقد تجمع بها قوم من مذحج وقضاعة ويقال بل تجمع بها قوم من أفناء مضر، فلم يلق كيدا.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: وادي القرى: بضم القاف وفتح الراء، تقدم.
البلاذري: بفتح الموحدة وضم الذال المعجمة.
مذحج: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة، وبالجيم: قبيلة من اليمن.
الافناء: بالفاء والنون كأحمال.
الاخلاط: للرجل إذا لم يعرف من أي قبيلة.
الباب السابع والعشرون في سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما الى دومة الجندل في شعبان سنة ست
روى ابن اسحاق، ومحمد بن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال له: (تجهز فاني باعثك في سرية من يومك هذا أو من الغد ان شاء الله تعالى) (1).
قال عبد الله: فسمعت ذلك فقلت لادخلن فلأصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة ولاسمعن وصيته لعبد الرحمن بن عوف قال: كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، وأبو سعيد الخدري (رضي الله تعالى عنهم، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذ أقبل فتى من الانصار فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس، فقال: يارسول الله أي المؤمنين أفضل ؟ فقال: (أحسنهم خلقا).
قال: فأي المؤمنين أكيس ؟ قال: (أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل بهم، أولئك الاكياس).
ثم سكت الفتى وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا نزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن انه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى
يعلنوا بها الا ظهر فيهم الطاعون والاوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا
__________
أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 3 / 86 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (30289).
(*)(6/93)
المكيال والميزان الا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكا ة من أموالهم الا أمسك الله عنهم قطر السماء ولولا البهائم لم يسقوا، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله الا سلط عليهم عدو من غيرهم فأخذ بعضهم ما كان في أيديهم وما حكم قوم بغير كتاب الله الا جعل بأسهم بينهم).
وفي رواية: (الا ألبسهم شيعا وإذاق بعضهم بأس بعض).
ثم قال: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يسير من الليل الى دومة الجندل.
وكان رجاله معسكرين بالجرف وكانوا سبعمائة.
فقال عبد الرحمن: (أحب يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك وعلي ثياب سفري).
فأقعده بين يديه ثم نفض عمامته بيده ثم عممه بعمام (من كرابيس) سوداء.
فأرخى بين كتفيه منها أربع أصابع أو نحو ذلك.
ثم قال: (هكذ ا يا ابن عوف فاعتم فانه أحسن وأعرف) (1).
ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه، فحمد الله تعالى وصلى على نفسه، ثم قال: (خذه يا ابن عوف اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تنكثوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسنة نبيكم فيكم).
فأخذ عبد الرحمن اللواء وخرج حتى لحق بأصحابه، فسار حتى قدم دومة الجندل.
فلما حل بها دعاهم الى الاسلام فمكث ثلاثة أيام يدعوهم الى الاسلام.
وقد كانوا أبوا أول ما قدم ألا يعطوا الا السيف.
فلما كان اليوم الثالث أسلم الاصبغ بن عمرو الكلبي.
وكن نصرانيا وكان رئيسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام منهم على اعطاء الجزية.
فكتب عبد الرحمن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك وانه اراد أن يتز وج فيهم.
وبعث الكتاب مع رافع بن مكيث الجهيني فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بنت الاصبغ تماضر، فتزوجها عبد الرحمن وبنى بها، ثم أقبل بها وهي أم ابي سلمة بن عبد الرحمن.
وذكر ابن اسحاق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح في سرية الى دومة الجندل كما سيأتي.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: دومة: بدال مهملة مضمومة وتفتح فواو ساكنة فميم فتاء تأنيث ويقال دوماء بالمد.
الجندل: بفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال وباللام: حصن وقرى من طرف الشام بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة الشريفة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة.
أكيس: يقال كاس الرجل في عمله لدنيا أو آخرة كيسا جاد عقله.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 123 وعزاه للطبراني في الاوسط وقال: اسناده حسن وانظر البداية والنهاية 5 / 220.
(*)(6/94)
السنين: جمع سنة وهي الجدب.
البأس: بالموحدة والهمز: الحرب.
ألبسهم شيعا: خلط أمرهم خلط اختلاف واضطراب لا خلط اتفاق.
إذاق بعضهم بأس بعض: ابتلاهم وعرفهم شدته.
معسكرون: مجتمعون.
الجرف: بجيم مضمومة فراء - قال أبو عبيد البكري، والقاضي، والحازمي - مضمومة أيضا.
قال صاحب القاموس بالضم ثم السكون.
على ثلاثة أميال من المدينة.
الكرابيس: بفتح الكاف جمع كرباس وهي الثوب الخشن، فارسي معرب.
أحسن وأعرف: (أفضل وأظهر).
غل من المغنم: خان.
الغدر: ترك الوفاء.
الوليد: بفتح الواو: الصبي.
الاصبغ: بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الموحدة وبالغين المعجمة.
مكيث: بميم فكاف فتحتية فثاء مثلثة وزن عظيم.
تماضر: بفوقية مضمومة وتخفيف الميم وبعد الالف ضاد معجمة مكسورة فراء، لا ينصرف للعلمية والتأنيث.
بنى بها: دخل عليها.
وقال ابن السكيت: زفت إليه، وأصله ان الرجل إذا تزوج بن للعرس خباء جديدا وعمره بما يحتاج إليه وبنى له تكريما، ثم كثر حتى كني به عن ا لجماع وهو لغة.
قال ابن دريد: بنى عليها وبنى بها والأول أصح.(6/95)
الباب الثامن والعشرون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما الى مدين
روى ابن اسحاق عن فاطمة بنت الحسن بن علي رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين ومعه ضميرة مولى علي بن أبي طالب وأخ له، قالت: فأصاب سببا من أهل ميناء وهي السواحل وفيها جماع من الناس فبيعوا ففرق بينهم.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال: (مالهم ؟) فقيل: يا رسول الله فرق بينهم فقال: (لا تبيعوهم الا جميعا).
قال ابن هشام: أراد الامهات والاولاد.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: مدين: بفتح الميم وسكون الدال المهملة وفتح التحتية وآخره نون: مدينة قوم شعيب عليه السلام وهي تجاه تبوك على بحر القلزم بينهما ست مراحل وهي أكبر من تبوك.
ضميرة: بضم الضاد المعجمة وفتح الميم وسكون التحتية وبالراء وتاء التأنيث، كذ ا في سيرة ابن هشام مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم أر له ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الصحابة.
ميناء: بكسر الميم وسكون التحتية وبالنون.
والمد والقصر.
جماع الناس: بضم الجيم وتشديد الميم: أخلاطهم وهم الفرق المختلفة من قبائل
شتى.
فرق: بضم الفاء وكسر الراء المشددة.(6/96)
الباب التاسع والعشرون في سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة ست
روى محمد بن عمر عن يعقوب بن زمعة رحمهم الله تعالى قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا في مائة رجل الى حي بن سعد بن بكر بفدك.
قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر.
فسار علي الليل وكمن النهار حتى انتهى الى الغمج، وهو ماء بين خيبر وفدك.
فوجدوا به رجلا فقالوا: (ما أنت ؟) فقال: (باغ)، فقالوا: (هل لك علم بما وراءك من جمع بني سعد ؟) قال: (لاعلم لي به) فشددوا عليه، فأقر أنه عين لهم بعثون ا لى خيبر يعرض على يهودها نصرهم على أن يجعلوا لهم من تمرهم كما جعلوا لغيرهم ويقومون عليهم فقالوا له: (فأين القوم ؟) قال: (تركتهم قد تجمع منهم مائتا رجل ورأسهم وبر بن عليم).
قالوا: (فسر بنا حتى تدلنا) قال: (على أن تؤمنوني).
قالوا: (ان دللتنا عليهم أو على سرحهم آمناك والا فلا أمان لك).
قال: (فذاك).
فخرج بهم دليلا حتى ساء ظنهم به وأوفى على فدفد وآكام ثم أفضى بهم الى ارض مستوية فإذا نعم كثيرة وشاء فقال: (هذه نعمهم وشاؤهم).
فأغاروا عليها.
فقال: (أرسلوني).
فقالوا: حتى نأمن الطلب.
ونذر بهم رعاء النعم وا لشاء فهربوا في جمعهم (وتفرقوا) (1) فقال الدليل: (علام تحبسني ؟ قد تفرقت الاعراب).
قال علي: (حتى نبلغ معسكرهم) فانتهى بهم إليه فلم ير أحدا.
فأرسلوه وساقوا النعم والشاء وكانت النعم خمسمائة بعير والشاء ألفي شاة.
وعزل علي صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوحا تدعى الحفدة ثم عزل الخمس وقسم سائر الغنائم على أصحابه وقدم علي ومن معه المدينة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
فدك: بفتح الفاء والدال المهملة وبالكاف، قال المجد اللغوي انها على يومين من المدينة وقال القاضي (عياض) يومين وقيل ثلاثة وقال ابن سعد على ست ليال من المدينة قال السيد وأظنه الصواب واستبعد صحته في النور وقال انه سأل بعض أهل المدينة عنها فقال بينهما يومان.
يمدوا: بضم التحتية وكسر الميم.
الغمج: من المياه ما لم يكن عذبا، وهي بغين معجمة وميم مكسورة وبالجيم.
العين: هنا الجاسوس.(6/97)
آمنوه: بمد الهمزة وفتح الميم من الايمان.
وبر: بفتح الواو وسكون الموحدة وبالراء.
عليم: بضم العين المهملة.
أوفى على كذا: أشرف.
الفدفد: بفاء ودال ثم فاء ودال مهملة: المكان الصلب الغليظ المرتفع من الارض، والارض المستوية.
لقوحا: بفتح اللام وضم القاف المخففة وبالحاء المهملة واحدة اللقاح وهي الحلوب.
الحفدة: بفتح الحاء المهملة وكسر الفاء وفتح الدال المهملة وتاء التأنيث وهي السريعة السير.(6/98)
الباب الثلاثون في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما الى وادي القرى أيضا في رمضان سنة ست
قال موسى بن عائذ رحمه الله تعالى: أخبرني الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة رضي الله تعالى عنه قال: ارتث زيد بن حارثة من وسط القتلى.
وقال محمد بن عمر: حدثنا عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب قال: خرج زيد بن حارثة رضي الله عنهما في تجارة الى الشام وأبضع معه جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان دون وادي القرى ومعه ناس من اصحابه لقيه نا س كثيرون من بني فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه حتى ظنوا انهم قد قتلوا، وأخذوا ما معهم.
فقدموا المدينة ونذر زيد بن حارثة ألا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة.
فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وقال لهم: (اكمنوا النهار وسيروا الليل).
فخرج بهم دليل من بني فزارة وقد نذرت بنو بدر، فكانوا يجعلون ناظورا لهم حين يصبحون فينظر على جبل مشرف (على) وجه الطريق الذي يرون أنهم يؤتون منه، فينظر قدر مسيرة يوم، فيقول أسرحوا فلا بأ س عليكم، فإذا أمسوا وكان العشاء أوفى على منظره ذلك فينظر مسيرة ليلة فيقول: ناموا فلا بأس عليكم هذه الليلة.
فما كان زيد بن حارثة واصحابه على نحو مسيرة ليلة، أخطأ بهم الطريق دليلهم فأخذ بهم طريقا أخرى حتى أمسوا وهو على خطأ ففرجوا خطاهم، ثم صمدوا لهم في الليل حتى صبحوهم، فأحاطوا بالحاضر، ثم كبر وكبر اصحابه.
وخرج سلمة بن الاكوع رضي الله عنه يطلب رجلا منهم حتى قتله وقد كان أمعن في طلبه.
وقتل قيس بن المسحر النعمان (وعبيد الله) ابني مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر، وأسر عبد الله بن مسعدة، وأخذت جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر وأمها أم قرفة واسمها فاطمة بنت ربيعة بن بدر وكانت عند حذيفة بن بدر، وهي عجوز كبيرة كانت في بيت شرف من قومها.
وكانت العرب تقول: (لو كنت أعز من أم قرفة (ما زدت) لانها كانت تعلق في بيتها خمسين سيفا كلهم لها ذ ومحرم، وكان لها اثنا عشر ولدا كما في الزهر، كنيت بابنها قرفة قتله النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر بنيها قتلوا مع طليحة في الردة فلا خير فيها ولا في بنيها.
فأمر زيد بن حارثة بقتل أم قرفة لسبها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت قتلا عنيفا.
قال محمد بن عمر، وابن سعد: ولما قدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك قرع باب النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه عريانا يجر ثوبه حتى أعنقه وقبله فأخبره زيد بما ظفره الله تعالى به.(6/99)
وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وبعبد الله بن مسعدة، فذ كر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر له جمالها فقال: (يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك).
فقال: يا رسول الله جارية رجوت ان أفتدي بها امرأة منا في بني فزارة فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام مرتين أو ثلاثا حتى عرف سلمة انه يريدها فوهبها له، فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم لخاله حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن (عمران) بن مخزوم، فولدت له (عبد الرحمن بن حزن).
تنبيهان الأول: ذكر ابن اسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وابن عائذ هذه السرية وان أمير ها زيد بن حارثة رضي الله عنهما وتقدم في سرية أبي بكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها الى مكة ففدى بها أسر كانوا في أيدي المشركين ولم أر من تعرض لتحرير ذلك.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: ابن عائذ: بالتحتية والذال المعجمة.
الوليد بن مسلم: أحد الاعلام، عالم أهل الشام.
ابن لهيعة: عالم مصر وقاضيها.
أبو الاسود: اسمه محمد بن عبد الرحمن بن نوفل.
ورد: بلفظ الريحان المشموم.
مرداس: بكسر الميم وسكون الراء وبالسين المهملة نسب ورد الى جده وهو ورد بن عمرو بن مرداس احد بني سعد بن هذيم، ذكره أبو جعفر بن جرير الطبري فيمن استشهد مع زيد بن حارثة في بعض سراياه الى وادي القرى.
أرتث: بضم اوله وسكون الراء وضم الفوقية وبالثاء المثلثة، أي حمل من المعركة رثيثا
أي جريحا وبه رمق.
وسط: بسكون السين المهملة وفتحها.
أبضع معه: (من أبضع الشئ جعله بضاعة).
دون: وادي القرى بالقرب منه.
فزارة: بفتح الفاء وبالزاي وبعد الالف تاء تأنيث.
بدر: بفتح الموحدة وسكون الدال المهملة وبالراء.
نذر: ألا يمس رأسه غسل من جنابة الخ.
أي لا يأتي امرأته فكني بالغسل عن ذلك.(6/100)
استبل: بكسر اوله وسكون السين المهملة وفتح الفوقية والموحدة واللام المشددة، يقال بل من مرضه يبل بالكسر بلا وبللا وبلولا أي صح منه وكذلك أبل واستبل.
نذرت: بفتح النون وكسر الذال المعجمة وفتح الراء: علمت.
الناظور: بظاء معجمة مشالة.
أوفى: أشرف.
صمد له: بفتح الصاد المهملة والميم (أي ثبت واستمر).
مسعدة: بفتح الميم وسكون السين وفتح العين والدال المهملات وبتاء تأنيث.
حكمة: بفتح الحاء المهملة والكاف والميم وبتاء تأنيث.
قيس: بالرفع فاعل.
قتل المسحر: بتقديم السين المهملة عند الطبري وبتقديم الحاء المهملة عند غيره وفتح السين ومن الناس من يكسرها.
قرفة: بكسرها القاف وسكون الراء وبالفاء وتاء تأنيث.
قتلها قتلا عنيفا: أي لم يرفق بها.
لخاله حزن: بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وبالنون.
عايذ: بالتحتية والذال المعجمة، وأم فاطمة جدة النبي صلى الله عليه وسلم أم أبيه هي بنت عايذ بن عمرو بن مخزوم.
فهذه الخؤولة التي ذكرت.(6/101)
الباب الحادي والثلاثون في سرية عبد الله بن عتيك الى ابي رافع عبد الله ويقال سلام بن أبي الحقيق بخيبر ويقال بحصن له بأرض الحجاز
وهو الثابت في الصحيح عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما.
قال ابن اسحاق: لما انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة، وكان سلام بن أبي الحقيق - وهو رافع - فيمن حزب الاحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الاوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الاشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريضه عليه استأذنت ا لخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق.
وهو بخيبر فأذن لهم.
وكان مما صنع الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم ان هذين الحيين من الانصار: الاوس والخزرج كانا يتصاولا ن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين، لا تصنع الاوس شيئا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غناء الا قالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الاسلام.
فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها.
وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الاوس مثل ذلك.
ولما أصابت الاوس كعب بن الاشرف لعداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج: والله لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا - وكانوا رضي الله عنهم يتنافسون فيما يزلف الى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم - فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الاشرف ؟ فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر أو بأرض الحجاز.
قال ابن سعد: (قالوا: كان أبو رافع بن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب وجعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فاستأذن الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله فأذن لهم.
فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر: عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله بن أنيس الجهني حليف
الانصار، وأبو قتادة الحرث بن ربعي، وخزاعي بن أسود.
وعند محمد بن عمر، ومحمد بن سعد أسود بن خزاعي، حليف لهم من أسلم.
زاد البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما - كما في الصحيح (1) - عبد الله بن عتبة - بضم العين المهملة وسكون الفوقية - فيكونون ستة.
وزاد موسى بن عقبة والسهيلي أسعد بن حرام - بالراء - فيكونون سبعة.
وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة.
فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا - وفي الصحيح من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه: (وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه، وكان
__________
(1) في البخاري 7 / 395 كتاب المغازي باب قتل ابي رافع.
(*)(6/102)
في حصن له بأرض الحجاز.
فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس يسرحهم قال عبد الله بن عتيك لاصحابه: امكثوا أنتم مكانكم فاني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أن أدخل فأقبل حتى دنا من الباب.
قال ابن عتيك: فتلطفت ان أدخل الحصن ففقدوا حمارا لهم فخرجوا بقبس يطلبونه فخشيت ان أعرف فغطيت رأسي ورجلي فتقنعت وجلست كأني اقضي حاجة.
ثم هتف صاب الباب، فدخلت ثم اختبأت، وفي لفظ: فكمنت في مربط حمار ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة.
وفي رواية: فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الاغاليق على وتد.
وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علالي له.
فتعشوا عنده وتحد ثوا حتى ذهبت ساعة من الليل ثم رجعوا الى بيوتهم.
وفي رواية فلما ذهب عنه أهل سمره وهد أت الاصوات فلا أسمع حركة خرجت وقمت الى الاقاليد ففتحت باب الحصن.
وقلت ان نذر بي القوم انطلقت على مهل ثم عمدت الى أبواب بيوتهم فأقفلتها من ظاهر.
ثم صعدت ا لى أبي رافع فجعلت كلما فتحت بابا أغلقته علي من داخل.
قلت: ان القوم نذروا بي لم يخلصوا الي حتى أقتله.
فانتهيت إليه فإذا هو في بيت
مظلم قد طفئ سراجه (وهو) في وسط عياله لا أدري اين هو من البيت.
فقلت: يا أ با رافع فقال: من هذا ؟ فعمدت - وفي لفظ - فأجويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش - أو قال: داهش فلم تغن شيئا، وصاح فخرجت من البيت فما مكثت غير بعيد ثم جئت فقلت: مالك يا أبا رافع ؟ وغيرت صوتي.
فقال: (ألا أعجبك ؟ لامك الويل، دخل علي رجل فضربني بالسيف).
قال ابن عتيك: فعمدت له أيضا فأضربه أخرى فلم تغن شيئا، فصاح وقام أهله.
ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث فإذا هو مستلق على ظهره فأضع ظبة السيف في بطنه ثم انكفئ عليها حتى سمعت صوت العظم فعرفت اني قتلته، ثم خرجت دهشا فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت الى درجة له.
وفي لفظ: حتى أتيت السلم اريد ان أنزل.
فوضعت رجلي وأنا أرى اني قد انتهيت الى الارض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت سا قي - وفي رواية فانخلعت رجلي - فعصبتها بعمامة ثم أتيت أصحابي احجل فقلت: (النجاء فقد قتل الله أبا رافع).
وفي رواية: فقلت لهم: انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاني لا أبرح حتى أسمع الناعية فجلست على الباب حتى صاح الديك.
وفي لفظ: فلما كان وجه الصبح صعد الناعية على السور فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز.
فقمت أمشي ما بي قلبة، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته.
وفي رواية فحدثته فقال لي: (ابسط رجلك) فبسطت(6/103)
رجلي فمسها فكأنها لم أشتكيها قط.
هذا ما ذكره البخاري في الصحيح من حديث البراء بن عازب، وصرح فيه بأن عبد الله بن عتيك انفرد بقتله.
وذكر ابن عقبة وابن اسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وغيرهم خلاف ذلك، أدخلت حديث بعضهم في بعض، قالوا: ان عبد الله بن عتيك واصحابه قدموا خيبر ليلا حين نام أهلها، وأتوا دار ابن ابي الحقيق فلم يدعوا بيتا في الدار الا أغلقوه على أهله (وكان في علية له فأسندوا فيها) حتى قاموا على بابه فاستأذنوا عليه.
قال ابن سعد: وقدموا عبد الله بن عتيك
لانه كان يرطن باليهودية - وكانت أمه يهودية ارضعته بخيبر - فخرجت إليهم امرأته فقالت: من أنتم ؟ فقالوا: ناس من العرب نلتمس الميرة - وفي لفظ: فقال عبد الله بن عتيك ورطن باليهودية: جئت أبا رافع بهدية - ففتحت لهم وقالت: ذاكم صاحبكم.
فادخلوا عليه.
قال: فما دخلنا أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوفا أن تكون دونه مجادلة تحول بيننا وبينه.
قالت: فصاحت امرأته فنوهت بنا.
ولفظ ابن سعد: (فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشاروا إليها بالسيف فسكتت) وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل الا بياضه كأنه قبطية ملقاة.
قال: ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل.
قال: فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس (بسيفه) في بطنه حتى أنفذه وهو يقول: قطني قطني، أي حسبي حسبي.
قال: وخرجنا، وكان عبد الله بن عتيك رجلا سئ البصر، فوقع من الدرجة فوثئت يد ه وثئا شديدا - ويقال رجله فيما قال ابن هشام - وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم فندخل فيه.
وصاحت امرأته فتصايح أهل الدار بعد قتله، فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبوننا.
وعند ابن سعد أن (الحارث أبا زينب اليهودية التي سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في آثار الصحابة في ثلاثة آلاف يطلبونهم بالنيران فلم يروهم فرجعوا، ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب.
ثم خرجوا مقبلين الى المدينة).
فلما أيس اليهود رجعوا الى صا حبهم فاكتنفوه وهو يفيض بينهم.
قال عبد الله بن أنيس: فقلنا كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات ؟ فقال رجل منا - قال محمد بن عمر: هو الاسود بن خزاعي - أنا أذهب فانظر لكم.
قال: فانطلق حتى دخل في الناس.
قال: فوجدت امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول: (أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي وقلت: أنى ابن عتيك بهذه البلاد) ؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه وتحدثهم ثم قالت: (فاظ واله يهود).
فما سمعت كلمة
كانت الذ الى نفسي منها.(6/104)
ثم جاءنا فأخبرنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم - زاد بن عقبة، ومحمد بن عمر: وهو على المنبر - فقال: (أفلحت الوجوه) فقالوا: أفلح وجهك يارسول الله.
فأخبرناه بقتل عدو الله.
واختلفنا عنده في قتله، كلنا يدعيه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هاتوا أسيافكم).
فجئناه بها، فنظر الى سيف عبد الله بن أنيس فقال: (هذا قتله، أ رى فيه أثر الطعام) فقال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يذكر بقتل كعب بن الاشرف وقتل سلام بن أبي الحقيق: لله در عصابة لاقيتهم يابن الحقيق وأنت يابن الاشرف يسرون بالبيض الخفاف اليكم مرحا كأسد في عرين مغرف حتى أتوكم في محل بلادكم فسقوكم حتفا ببيض ذفف مستبصرين لنصر دين نبيهم مستصغرين لكل أمر مجحف تنبيهات الأول: اختلفوا في وقت خروجهم مت كان فذكرها البخاري قبل غزوة أحد، وقال الزهري: كانت بعد قتل كعب بن الاشرف، ووصله يعقوب بن سفيان في تاريخه.
قال ابن سعد: كانت في رمضان سنة ست.
وقيل من ذي الحجة سنة خمس، وقدمه في الاشارة، وقيل في ذي الحجة سنة أربع.
وقيل في رجب سنة ثلاث والله أعلم.
الثاني: وقع في الصحيح: وهو بخيبر، ويقال في حصن له بأرض الحجاز، فيحمل أن حصنه كان قريبا من خيبر في طرف أرض الحجاز.
وقال في النور: خيبر من الحجاز.
الثالث: في حديث البراء رضي الله تعالى عنه في الصحيح ان عبد الله بن عتبة كا ن فيهم كما تقدم ذكره.
قال الحافظ الدمياطي صوابه: عبد الله بن أنيس.
وقال في ا لزهر: زعم البخاري ان عبد الله بن عتبة كان معهم ولم أر من قاله غير البخاري حتى قال بعض ا لعلماء في
الصحابة: عبد الله بن عتبة اثنان لا ثالث لهما.
الأول الذكواني وليس من هؤلاء بشئلانهم قالوا ان كلهم من الانصار.
الرابع: عبد الله بن عتبة ذكره بعضهم في الصحابة والاكثرون على أنه تابعي.
قلت: ظاهر كلام صاحب الزهر ان البخاري ذكره من عند نفسه، وليس كذلك بل الذي قاله هو البراء بن عازب كما روى البخاري عنه، وكون عبد الله بن عتبة ذكواني لا يخالف قو ل من قال انهم من الانصار لاحتمال انه كان حليفا للانصار.
وفي الحديث: (وحليفنا منا)، وعبد الله بن أنيس كان معهم وليس هو من الانصار قطعا بل هو جهني حالفهم.
ولم يعرج في الفتح(6/105)
والاصابة على ما ذكره الدمياطي ومغلطاي والصحيح ما في الصحيح لصحة سنده والله تعالى أعلم.
وقال ابن الاثير في جامع الاصور انه عبد الله بن عنبة بكسر العين المهملة وفتح النو ن، قال الحافظ في الفتح: (وهو غلط منه فانه خولاني لا أنصاري ومتأخر الاسلام، وهذه القصة متقدمة.
والرواية بضم العين المهملة وسكون التاء الفوقية لا بالنون).
الخامس: في حديث عبد الله بن عتيك: فانكسرت ساقي، وفي الرواية عنه فانخلعت رجلي ويجمع بينهما بأنها انخلعت من المفصل وانكسرت من الساق.
السادس: قول عبد الله بن عتيك: (فأدركت اصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته) يحمل على انه لما سقط من الدرجة وقع له جميع ما تقدم، لكنه من شدة ما كان فيه من الاهتمام بالامر ما أحس بالالم وأعين على المشي أولا وعليه ينزل قوله: (فقمت أمشي ما بي قلبة).
ثم لما تمادى على المشي أحس بالالم فحمله اصحابه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على رجله فزال عنه جميع الالم ببركته صلى الله عليه وسلم.
السابع: ذكر ابن عتبة فيمن توجه لقتل ابن أبي الحقيق أسعد بن حرام.
قال في الروض: ولا نعرف أحدا ذكره غيره.
وفي الاكليل للحاكم عن الزهري انه ذكر فيهم أسعد بن
حرام.
قال في الزهر: ولما ذكر ابن الكلبي عبد الله بن أنيس قال: هو أسعد بن حرام، فيحتمل ان يكون اشتبه على بعض الرواة عن هذين الامامين يعني الزهري وابن عقبة.
قلت: ا لزهري شيخ ابن عقبة فهو متابع له.
الثامن: في بيان غريب ما سبق: سلام: اختلف في تشديد لامه وتخفيفها وجزم في الفتح بالتشديد.
الحقيق: بضم الحاء المهملة وفتح القاف وسكون التحتية وبقاف اخرى.
خيبر: تقدم الكلام عليها في غزوتها.
الحجاز: بكسر الحاء المهملة: مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها قال الامام الشا فعي: وقال غيره ما بين نجد والسراة.
وقال الكلبي: ما حجز بين اليمامة والعروض، وما بين نجد والسراة.
حزب: بفتحتين والزاي مشددة: جمع.
الاحزاب: الطوائف التي تجتمع على محاربة الانبياء صلى الله عليهم وسلم.
يتصاولان: يقال تصاول الفحلان إذا حمل كل منهما على الاخر، وأراد بهذا الكلام أن(6/106)
كل واحد من الاوس والخزرج كان يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتفاخران بذلك، فإذا فعل أحدهما شيئا فعل الاخر مثله.
الفحل: بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة وباللام: الذكر من الابل.
الغناء: بغين معجمة فنون كسحاب: النفقة.
يزلف: يقرب.
أجلب عليه: بفتح اوله وسكون الجيم وفتح اللام والموحدة: جمع ما قدر عليه ممن أطاعه.
غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء وبعد الالف نون: قبيلة نسبت الى
جدها.
بنو سلمة: بكسر اللام.
عتيك: بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية وبالكاف.
سنان: بكسر السين المهملة وبالنون..نيس: بضم أوله وفتح النون وسكون التحتية وسين مهملة.
ربعي: بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة.
خزاعي: بضم الخاء المعجمة وبالزاي وبعد الالف عين مهملة مكسورة فتحتية مشددة.
البراء: بفتح الموحدة المخففة وبالمد على المشهور، وحكى أبو عمر الزاهد القصر.
الوليد: بفتح الواو وكسر اللام وسكون التحتية والدال المهملة، وهو هنا الصبي.
دنوا: قربوا.
راح: براء فألف فحاء مهملة: رجع هنا.
السرح: بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال السائم من ابل وبقر وغنم.
القبس: بفتح القاف والموحدة وبالسين المهملة: الشعلة من النار.
تقنع ثوبه: بفتح الفوقية والقاف والنون المشددة وبالعين المهملة: تغطى به ليخفي شخصه لئلا يعرف.
هتف: بفتح الهاء والفوقية والفاء: ناداه.
يا عبد الله: لم يرد اسمه لانه لو كان كذلك لكان قد عرفه، والواقع انه كان مستخفيا منه، فالذي يظهر انه أراد معناه الحقيقي لان الجميع عباد الله تعالى.(6/107)
كمنت: فتح الكاف والميم: اختبأت.
الكوة: بفتح الكاف وتضم: النقب في الحائط.
وقيل بالفتح غير النافذة وبالضم النافذة.
الاغاليق: بغين معجمة بفتح اوله: ما يغلق به الباب والمراد هنا المفاتيح لانه يفتح بها
ويغلق وفي رواية في الصحيح بالعين المهملة وهو المفتاح.
الوتد: بفتح الواو ويقال فيه الود بفتح الواو وتشديد الدال المهملة.
يسمر عنده: بالبناء للمفعول أي يتحدث عنده ليلا.
العلالي: بفتح العين المهملة جمع علية بضم العين وفتح اللام.
وتشديد التحتية: ا لغرفة.
هدأت الاصوات: بالهمز: سكنت.
الاقاليد: بالقاف جمع اقليد: وهو المفتاح.
نذر: بفتح النون وكسر الذال المعجمة والراء: علم.
المهل: بفتح الميم وسكون الهاء وباللام خلاف العجلة.
عمدت: بفتح العين المهملة والميم: قصدت.
ان القوم: بتخفيف ان وهي شرطية دخلت على فعل محذوف يفسره ما بعده مثل قوله تعالى: (وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) (التوبة 6).
لم يخلصوا: بضم اللام.
الي: بتشديد التحتية.
أهويت نحو الصوت: قصدت صاحب الصوت.
الدهش: بفتح الدال المهملة وكسر الهاء وبالشين المعجمة: الحيران.
لامه الويل: أتى بالويل هنا للتعجب.
فأضربه: ذكره بلفظ المضارع مبالغة لاستحضاره صورة الحال وان كان ذلك قد مضى.
لم تغن شيئا: أي لم تقتله.
ظبة السيف: بضم الظاء المعجمة المشالة وفتح الموحدة المخففة: حده ووقع في غير رواية أبي ذر في الصحيح.
ضبيب: بضاد معجمة وموحدتين وزن رغيف.
قال الخطابي: هكذا يروى وما أراه
محفوظا وانما هو ظبة السيف وهو حده، لان الضبيب لا معنى له هنا لانه سيلان الدم من الفم.(6/108)
قال القاضي عياض: هو في رواية ابي ذر بالصاد المهملة.
أرى: بضم اوله: أظن.
انخلعت رجله: انقلبت.
الحجل: بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وباللام: أن يرفع رجلا ويقفز على الاخرى، وقد يكون بالرجلين الا انه قفز، وقيل الحجل مشي المقيد.
النجاء: بالنصل أي أسرعوا.
لا أبرح: لا أذهب.
الناعية: مؤنثة.
أنعى أبا رافع: كذا ثبت في روايات البخاري.
قال ابن التين هي لغية والمعروف أنعو، والنعي خبر الموت والاسم الناعي.
القلبة: بقاف فلام فباء موحدة مفتوحات فتاء تأنيث الداء.
يدعوا: بفتح الفوقية والدال المهملة: يتركوا.
الميرة: بكسر الميم: طعام يمتاره الانسان.
الحجرة: بضم الحاء المهملة وسكون الجيم (الغرفة).
توه به: رفع ذكره.
القبطية: بضم القاف وسكون الموحدة وكسر الطاء المهملة: ثوب من كتان حرير يعمل بمصر نسبة الى القبط على غير قياس فرقا بينه وبين الانسان.
قال الخليل: إذا جعلت ذلك اسما قلت قبطية وأنت تريد الثوب بضم القاف وكسرها.
قطني: بفتح القاف وسكون الطاء المهملة فنون فتحتية: ومعناه حسبي أي كفايتي.
وثئت يده: بفتح الواو وكسر الثاء المثلثة فهمزة مفتوحة ففوقية.
قال الحافظ: الصواب:
وثئت رجله.
قال في الاملاء: يقال وثئت يده إذا أصابه شئ ليس بكسر.
وقال بعض اللغويين الوثء انما هو توجع في اللحم لا في العظم.
وقال في القاموس: الوثء والوثاءة وصم يصيب اللحم لا يبلغ العظم أو توجع في العظم بلا كسر أو هو الفك.
المنهر: بفتح الميم والهاء وسكون النون بينهما.
اشتدوا: بالشين المعجمة والفوقية: عدوا.
وفي رواية بالمهملة والنون أي علوا.
يفيض بينهم: بتحتية ففاء مسكورة فتحتية ساكنة فضاد معجمة ساقطة، في لغة تميم،(6/109)
وفي لغة غيرهم بظاء معجمة مشالة: أي يموت.
أكذبت نفسي: بالهمزة والكاف والذال المعجمة والفوقية (ألفاها كاذبة) أنى: بفتح اوله والنون المشددة.
فاظ: بفاء فألف فظاء معجمة مشالة في لغة غير تميم وتقدم.
اليهود: بفتح الدال المهملة لانه لا ينصرف للعلمية والتأنيث لانه اسم للقبيلة وفيه أيضا وزن الفعل.
ألذ: بفتح اوله واللام والذال المعجمة المشددة.
أرى: بفتح الهمزة من رؤية العين.
العصابة: الجماعة من الناس.
البيض الرقاق: وفي لفظ الخفاف والمراد بذلك السيوف.
مرحا: المرح بفتح الميم والراء وبالحاء المهملة: النشاط هنا.
الاشد: بضم أوله وسكون السين والدال المهملتين.
العرين والعرينة: بعين فراء مهملتين فتحتية ساكنة فنون مأوى الاسد يقال: ليث عرينة وليث غابة وأصل العرين جماعة الشجر.
المغرف: بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الراء وبالفاء: الشجر الملتف
الاغصان.
ذفف: بذال معجمة مضمومة ففاء مفتوحة مشددة وفاء أخرى: سريعة القتل.
المجحف: بضم الميم وسكون الجيم وكسر الحاء المهملة وبالفاء.(6/110)
الباب الثاني والثلاثون في سرية عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه الى أسير أو يسير بن رزام بخيبر في شوال سنة ست
لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق أمرت يهود عليهم أسير بن رزام.
فقام في يهو د فقال: (والله ما سار محمد الى أحد من يهود ولا بعث أحدا من اصحابه الا أصاب منهم ما أراد، ولكني أصنع ما لم يصنع اصحابي).
فقالوا: وما عسيت ان تصنع ؟ قال: (أ سير في غطفان فأجمعهم ونسير الى محمد في عقر داره فانه لم يغز أحد في عقر داره الا أدرك منه عدوه بعض ما يريد).
قالوا له: نعم ما رأيت.
فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه عبد الله بن رواحة في شهر رمضان ومعه ثلاثة نفر سرا ليكشف له الخبر.
فأتى ناحية خيبر فدخل في الحوائط وفرق اصحابه في النطاة والشق والكتيبة، فوعوا ما سمعوا من أسير بن رزام أو غيره، ثم خرجوا بعد مقام ثلاثة أيا م.
فرجع الى النبي صلى الله عليه وسلم لليال بقين من شهر رمضان فأخبره بكل ما رأى وسمع، وقدم عليه أيضا خارجة بن حسيل الاشجعي فاستخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وراءه.
فقال: تركت بن ر زام يسير اليك في كتائب يهود، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب له ثلاثون رجلا.
وذكر ابن عائذ ان عبد الله بن عتيك كان فيهم.
وروى محمد بن عمر عن عبد الله بن أنيس قال: (كنت فيهم فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا عبد الله بن رواحة).
قال: (فخرجنا حتى قدمنا خيبر فأرسلنا الى أسير انا آمنون حتى نأتيك فنعرض عليك ما جئنا له.
قال: نعم ولي
مثل ذلك منكم.
قلنا: نعم.
فدخلنا عليه فقلنا: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا اليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن اليك).
فلم يزالوا به حتى خرج معهم.
وطمع في ذلك.
وشاور يهود فخالفوه في الخروج وقالوا: (ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني اسرائيل).
قال: (بلى قد مللنا الحرب).
فخرج معه ثلاثون رجلا من يهود مع كل رجل رديف من المسلمين.
قال ابن اسحاق: وحمل عبد الله بن أنيس أسير بن رزام على بعيره.
قال عبد الله بن أنيس: (فسرنا حتى إذا كنا بقرقرة ثبار وندم أسير وأهوى بيده الى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري.
وقلت: (أ غدرا أي عدو الله ؟) فدنوت منه لانظر ما يصنع، فتناول سيفي فغمزت بعيري وقلت: (هل من رجل ينزل يسوق بنا ؟) فلم ينزل أحد، فنزلت عن بعيري فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير، فضربته(6/111)
بالسيف فقطعت مؤخرة الرجل واندرت عامة فخذه وساقه، وسقط عن بعيره وفي يده مخر ش من شوحط فضربني فشجني مأمومة، وملنا على اصحابه فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شدا.
ولم يصب من المسلمين أحد.
ثم أقبلنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث اصحابه إذا قالوا: (تمشوا بنا الى الثنية لنبحث عن اصحابنا)، فخرجوا معه.
فلما أشرفوا على الثنية إذ هم بسرعان اصحابنا فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في اصحابه فانتهينا إليه فحدثناه الحديث فقال: (قد نجاكم الله من القوم الظالمين).
قال عبد الله بن أنيس: (فدنوت من النبي صلى الله عليه وسلم فنفث في شجتي فلم تقح بعد ذلك اليوم ولم تؤذني، وكان العظم قد نغل.
ومسح وجهي ودعا لي، وقطع لي قطعة من عصاه فقال: (أمسك هذه معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها فانك تأتي يوم القيامة متحصرا).
فلما دفن عبد اللن بن أنيس جعلت معه على جلده دون ثيابه (1).
تنبيهان
الأول: ذكر البيهقي وتبعه في زاد المعاد: هذه السرية بعد خيبر.
قال في النور: (وهو الذي يظهر فانهم قالوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا اليك ليستعملك على خيبر، وهذا الكلام لا يناسب ان يقال انها قبل الفتح والله أعلم).
قلت: كونها قبل خيبر أظهر، قال في القصة انه سار في غطفان وغيرهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بموافقة يهود ذلك، وذلك قبل فتح خيبر قطعا إذ لم يصدر من يهود بعد فتح خيبر شئ من ذلك.
وقول الصحابة لاسير بن رزام ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا اليك ليستعملك على خيبر لا ينافي ذلك لان مر ادهم باستعماله المصالحة وترك القتال والاتفاق على أمر يحصل له بذلك والله أعلم.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: أمرت: بفتح أوله والميم المشددة والراء وسكون حرف التأنيث.
أسير: بضم الهمزة وفتح السين وسكون التحتية وبالراء.
رزام: براء مكسورة فزاي مخففة وبعد الالف ميم.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 67.
(*)(6/112)
يغز: بتحتية مضمومة فغين معجمة فزاي.
عقر الدار: بفتح العين المهملة وضمها: أصلها.
غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء فألف فنون: قبيلة من مضر.
الحوائط: جمع حائط وهو هنا البستان.
النطاة: بفتح النون وبالطاء المهملة.
الشق: بفتح الشين المعجمة أو بكسرها وبالقاف: من حصون خيبر أو موضع لها به حصون من حصونها.
الكتيبة: بفتح الكاف وكسر المثناة الفوقية.
وقال أبو عبيدة بالثاء المثلثة حصن بخيبر.
وعوا ما سمعوا: حفظوه.
المقام: بضم الميم.
خارجة: بخاء معجمة وبالراء والجيم، ولم أقف له على ذكر فيما وقفت عليه من كتب الصحابة.
حسيل: بضم الحاء وفتح السين المهملتين وسكون التحتية وباللام.
الاشجعي: بفتح أوله وسكون السين المعجمة وفتح الجيم وبالعين المهملة.
الكتائب: بالمثناة الفوقية.
ندب الناس: دعاهم.
عتيك: بعين مهملة مفتوحة ففوقية مكسورة وتحتية ساكنة وبالكاف.
القرقرة: بفتح القافين وبعد كل منهما راء الاولى ساكنة والثانية مفتوحة بعدها تاء تأنيث، وهي في الاصل الضحك إذا استغرب فيه ورجع وهدير البعير.
دفعت بعيري: حثثته على سرعة المشي.
أغدرا: منصوب بفعل محذوف أي أتريد غدرا ؟ أو تغدر غدرا ؟.
مؤخرة الرجل: بضم الميم وسكون الهمزة وتخفيف الخاء المعجمة وشددها بعضهم.
وانددت عامة فخذه وساقه: ساقه بالنصب.
قال في النور: ولا يجوز جره لانه لا يصح المعنى.
المخرش: بميم مكسورة فخاء معجمة ساكنة فراء مفتوحة: عصا معوجة الرأس.(6/113)
شوحط: بفتح الشين المعجمة وسكون الواو وفتح الحاء وبالطاء المهملتين، وهو نوع من شجر الجبال تتخذ منه القسي.
المأمومة: الشجة التي بلغت أم الرأس وهي الجلدة التي تجمع الدماغ.
أعجزنا: بفتح الجيم والزاي.
تقح: بفتح الفوقية وكسر القاف وبالحاء المهملة يقال: قاح الجرح يقيح، وقيح
بالتضعيف وتقيح.
والقيح مدة يخالطها دم.
نغل العظم: من باب تعب فهو نغل بالكسر وقد تسكن للتخفيف.
المختصر: اسم فاعل من اختصر العصا إذا أمسكها بيده.
واتكأ عليها.(6/114)
الباب الثالث والثلاثون في سرية كرز بن جابر أو سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنهما الى العرنيين.
ذكر الامام أحمد والشيخان، وابن جرير، وابن عوانة، وأبو يعلى، والاسماعيلي عن أنس، والبيهقي عن جابر (وروى البخاري والبيهقي) عن ابن عمر، وأبو جعفر الطبر ي عن جرير بن عبد الله، والطبراني باسناده عن صالح، ومحمد بن عمر عن سلمة بن الاكوع رضي الله تعالى عنهم، ومحمد بن عمر عن يزيد بن رومان، وابن اسحقاق عن عثمان بن عبد الرحمن رحمهم الله تعالى: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب في غزوة بني محارب وبني ثعلبة عبدا يقال له يسار، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن الصلاة فاعتقه وبعثه في لقاح له كا نت ترعى في ناحية الحمى فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر، وفي حديث أنس عند البخاري في الجهاد (1) وفي الديات (2) ان ثمانية من عكل وعرينة وعند ابن جرير وابي عوانة كانوا أربعة من عر ينة وثلاثة من عكل فكان الثامن ليس من القبيلتين فلم ينسب.
فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالاسلام.
وفي رواية: فبايعوه على الاسلام وكان بهم سقم.
وعند ابي عوانة انه كان بهم هزال شديد وصفرة شديدة وعظمت بطونهم.
فقالوا يا رسول الله آونا وأطعمنا.
فكانوا في الصفة، فلما صلحوا اجتووا - وفي لفظ - استوخموا المدينة.
وعند ابن اسحاق فاستوبأوا وطلحوا.
وفي رواية: ووقع بالمدينة الموم وهو البرسام وقالوا: (هذا الوجع قد وقع وان المدينة وخمة وانا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فابغنا رسلا).
قال: (ما أجد لكم الا أن تلحقوا برعاء فيفاء الخبار).
وفي رواية: (فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود).
وفي رواية: (فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا ابل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها).
فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فلما صحوا ورجعت
إليهم أبدانهم وانطوت بطونهم كفروا بعد اسلامهم عدوا على اللقاح فاستاقوها.
فأدر كهم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسار ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يديه ورجليه وغرزوا ا لشوك في لسانه وعينيه حتى مات.
وفي رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس عند مسلم: (ثم مالوا على الر عاء فقتلوهم) (3) بصيغة الجمع.
ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس، وانطلقوا بالسرح، وفي لفظ: الصريخ عند أبي عوانة: فقتلوا الراعيين وجاء الاخر فقال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالابل.
وعند محمد بن عمر: فأقبلت امرأة من بني عمرو بن عوف على حمار لها
__________
(1) أخرجه البخاري 6 / 177 باب إذا حرق المشرك المسلم (3018).
(2) أخرجه البخاري 12 / 239 باب القسامة (6899).
(3) أخرجه مسلم في كتاب القسامة 3 / 1296 (9 - 1671).
(*)(6/115)
فمرت بيسار تحت شجرة، فلما رأته ومرت به وقد مات رجعت الى قومها فأخبرتهم ا لخبر، فخرجوا حتى جاءوا بيسار الى قباء ميتا.
وعند مسلم: (وكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شباب من الانصار قريب من عشرين فأرسلهم).
وفي رواية: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم عشرين فارست سمي منهم: سلمة بن الاكوع كما عند محمد بن عمر، وأبو رهم وأبو ذر الغفاريان، وبريدة بن الحصيب، ورافع بن مكيث وأخوه جندب، وبلال بن الحارث، وعبد الله بن عمرو ابن عوف المزنيان، وجعال بن سراقة الثعلبي، وسويد بن صخر الجهني، وهؤلاء من المهاجرين.
فيحتمل أن يكون من لم يسمه محمد بن عمر من الانصار، فأطلق في رواية الانصار تغليبا، أو قيل للجميع أنصار بالمعنى الاعم.
واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري.
وروى الطبراني وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم، وسنده ضعيف.
والمعروف ان جريرا تأخر قدومه عن هذا الوقت بنحو أربعة أعوام.
وبعث معهم قائفا يقوف أثرهم ودعا عليهم فقال: (أعم عليهم الطريق واجعله عليهم
أضيق من مسك جمل).
فعمى الله عليهم السبل، فأدركوا في ذلك اليوم فأخذوا.
فلما ارتفع النهار جئ بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال محمد بن عمر: فخرج كرز وأصحابه في طلبهم حتى أدركهم الليل فباتوا بالحرة ثم أصبحوا ولا يدرون اين سلكوا فإذا بامرأة تحمل كتف بعير فأخذوها فقالوا: ما هذ ا ؟ قالت: مررت بقوم قد نحروا بعيرا فأعطوني هذه الكتف وهم بتلك المفازة إذا وافيتم عليها رأيتم دخانهم.
فساروا حتى أتوهم حين فرغوا من طعامهم.
فسألوهم أن يستأسروا فاستأسروا بأجمعهم لم يفلت منهم أحد.
فربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرغابة، فخرجوا بهم نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أنس كما عند ابن عمر: خرجت أسعى في آثارهم مع الغلمان حتى لقي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرغابة بمجتمع السيول، فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها.
وفي رواية فسمرهم.
وفي رواية فسمر أعينهم.
قال أنس كما عند مسلم: (انما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين اولئك لانهم سملوا أعين الرعاء).
وفي رواية: (فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا).
وفي رواية: (وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون).
قال أنس: (فلقد رأيت أحدهم يكدم الارض بفيه من العطش).
وفي رواية: (ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة حتى ماتوا ولم يحسمهم) قال أبو قلابة: (فهؤلاء قتلوا وسرقوا وكفروا بعد اسلامهم وحاربوا الله ورسوله).(6/116)
قال ابن سيرين: كانت هذه القصة العرنيين قبل أن تنزل الحدود.
وعند ابن عوانة عن ابن عقيل عن أنس انه صلب اثنين وسمل اثنين.
قال الحافظ: كذا ذكر ستة فقط فان كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة.
فأنزل الله تبارك وتعالى: (انما جزاء الذين يحا ربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم).
(المائدة 33).
فلم يسمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا ولم يقطع لسانا ولم يزد على قطع اليد والرجل ولم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا بعد ذلك الا نهاهم عن المثلة.
وكان بعد ذلك يحث على الصدقة وينهى عن المثلة.
قال محمد بن عمر وابن سعد: كانت اللقاح خمس عشرة لقحة ذهبوا منها بالحناء.
تنبيهات الأول: تقدم ان نفرا من عكل وعرينة بالواو العاطفة من غير شك.
قال الحافظ: (وهو الصواب.
وهي رواية البخاري في المغازي وان وقع غيرها بأو)، وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل).
قال الحافظ: (وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان: عكل قبيلة من تيم الرباب بكسر الراء وتخفيف الموحدة: الاولى من عدنان، وعرينة من قحطان في بجيلة وقضاعة.
فالذي في بجيلة - وهو المراة هنا - عرينة بن نذير - بفتح النون وكسر الذ ال المعجمة - ابن قسر - بقاف مفتوحة فسين مهملة ساكنة فراء - ابن عبقر، وعبقر أمه بجيلة.
وا لعرن حكة تصيب الخيل والابل في قوائمها.
ووقع عند عبد الرزاق بسند ساقط ان عكلا وعرينة من بني فزارة وهو غلط لان بني فزارة من مضر، لا يجتمعون مع عكل وعرينة أصلا.
الثاني: ذكر ابن اسحاق ان قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد، وكانت في جمادى الاخرة سنة ست.
وذكرها البخاري بعد الحديبية، وكانت في ذي القعدة منها.
وذكر محمد بن عمر انها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد، وابن حبان وغيرهما.
الثالث: اختلف في أمير هذه السرية فقال ابن اسحاق والاكثرون: كرز - بضم الكاف وسكون الراء وزاي - ابن جابر الفهري - بكسر الفاء.
وقال موسى بن عقبة ان أميرها سعيد - كذا عنده بزيادة ياء تحتية - والذي ذكره غيره سعد - بسكون العين - ابن زيد الانصاري الا شهلي.
قال الحافظ: فيحتمل انه كان رأس الانصار، وكان كرز أمير الجماعة.
وذكر بعضهم ا ن أمير هذه السرية جرير بن عبد الله البجلي، وتعقب بأن اسلامه كان بعد هذه السرية بنحو أربع
سنين.(6/117)
الرابع: ظاهر بعض الروايات ان اللقاح كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرح بذلك في رواية البخاري في المحاربين فقال: الا أن تلحقوا بابل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: (فأمرهم ان يأتوا ابل الصدقة).
والجمع بينهم ان ابل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاحه الى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج الى الصحراء لشرب ألبان الابل، فأمرهم ان يخرجوا مع راعيه، فخرجوا معه الى الابل ففعلوا ما فعلوا، وظهر مصداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المدينة تنفي خبثها.
الخامس: احتج من قال بطهارة بول ما أكل لحمه بما في قصة العرنيين من أمره لهم بشرب ألبانها وأبوالها، وهو قول الامام مالك وأحمد، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري والروياني.
وذهب الامام الشافعي والجمهور الى القول بنجاسة الابوال والارواث كلها من مأكول اللحم وغيره.
واحتج ابن المنذر بقوله توزن الاشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة.
قال: ومن زعم ان هذا خاص بأولئك الاقوام لم يصب إذ الخصائص لا تثبت الا بدليل.
قال: وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الابل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل ظاهر قال الحافظ: وهو استدلال ضعيف لان المختلف فيه لا يجب انكاره فلا يدل ترك انكاره على جوازه فضلا عن طهارته.
وقد دل على نجاسة الابوال حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فانما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)).
وكان القاضي أبو بكر بن العربي الذي تعلق بهذا الحديث ممن قال بطها رة أبوال الابل، وعورض بأنه أذن لهم في شربها للتداوي.
وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرور ة بدليل انه لا يجب، فكيف يباح الحرام بما لا يجب ؟ وأجيب بمعنى أنه ليس بحال ضرورة، بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره، وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقد تأوله
لقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) (الانعام 119) فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر، والله تعالى أعلم.
قال الحا فظ: وما تضمنه كلامه من ان الحرام لا يباح ولا الامر واجب غير مسلم فان الفطر في رمضان حرام، ومع ذلك فيباح لامر جائز كالسفر مثلا.
واما قول غيره.
ولو كان نجسا ما جاز التدا وي به لقوله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها).
رواه أبو داود من حديث أم سلمة، فجوابه ان الحديث محمول على حالة الاختيار.
واما في حالة الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر، ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخبر انها ليست بدواء، انهاداء في سؤال من سأل من التداوي بها فيما رواه مسلم فان ذلك خاص بالخمر ويلتحق بها غيرها من المسكر.
والفرق بين المسكر وغيره من النجاسات ان الحديث باستعماله في حالة الاختيار دون غيره(6/118)
ولان شربه يجر الى مفاسد كثيرة لانهم كانوا في الجاهلية يعتقدون ان في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم.
قاله الطحاوي بمعناه.
قال الشيخ تقي الدين السبكي: كان في الخمر منفعة في التداوي بها فلما حرمت نزع الله الدواء منها، وأما أبوال الابل فقد روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ان ر سول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان في أبوال الابل شفاء للذربة بطونهم).
والذرب بذال معجمة فساء المعدة.
فلا يقاس ما ثبت ان فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، وبهذا الطريق يحصل الجمع بين ا لادلة والعمل بمقتضاها.
السادس: لم تختلف روايات البخاري في ان المقتول راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكره في الافراد، وكذا مسلم لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس: (ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم) بصيغة الجمع، ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد بن أنس.
فيحتمل أن ابل الصدقة كان لها رعاة فقتل بعضهم مع راعي اللقاح، فاقتصر بعض الرواة على راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر بعضهم معه غيره.
ويحتمل ان يكون بعض الروا ة ذكره بالمعنى فتجوز
في الاتيان بصيغة الجمع.
قال الحافظ: وهو الراجح لان اصحاب المغازي لم يؤكد أحد منهم انهم قتلوا غير يسار والله تعالى أعلم.
السابع: في صحيح مسلم فيمن أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب العرنيين انهم من الانصار، فأطلق الانصار تغليبا، وقيل للجميع أنصار بالمعنى الاعم.
الثامن: استشكل القاضي عدم سقيهم بالماء بالاجماع على ان من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع.
وأجاب بان ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا وقع منه نهي عن سقيهم.
قال الحافظ: وهو ضعيف جدا لان النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وسكوته كا ن في ثبوت الحكم.
واجاب النووي بان المحارب المرتد لاحرمة له في سقي الماء ولا غيره، ويدل عليه ان من ليس معه الا ماء طهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات مطلقا، وقيل ان الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الابل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم، ولان النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالعطش على من عطش آل بيته، في قصة رواها النسائي، فيحتمل انهم تلك الليلة منعوا ارسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به الى النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة كما ذكر ابن سعد.
التاسع: في رواية: (سمر أعينهم)، بتشديد الميم.
وفي رواية بالتخفيف.
ولم تختلف روايات البخاري في أنها بالراء ووقع عند مسلم: (فسمل) باللام.
قال الخطابي: (السمل) هو فقء العين بأي شئ كان.
والسمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب وقد يكون من المسمار(6/119)
يريد انهم كحلوا بأميال قد أحميت كما في رواية الصحيح: فكحلهم بها.
فهذا يوضح ما تقدم ولا يخالف رواية السمل لانه فقء العين بأي شئ كان.
العاشر: في بيان غريب ما سبق: محارب: بضم الميم وبالحاء المهملة وكسر الراء وبالموحدة.
يسار: بفتح التحتية والسين المهملة وبالراء.
اللقاح: بكسر اللام جمع لقحة بفتح اللام وكسرها وسكون القاف: الناقة ذات اللبن.
قال أبو عمر: ويقال لها ذلك الى ثلاثة أشهر.
الحمى: بكسر الحاء المهملة وفتح الميم المخففة.
عكل: بضم العين المهملة وسكون الكاف بعها لام.
عرينة: بعين مهملة فراء فتحتية فنون فهاء تأنيث مصغر.
السقم: بفتح السين المهملة وضمها طول مدة المرض.
الهزال: بضم الهاء وتخفيف الزاي ضد السمن.
عظمت بطونهم: انتفخت.
الصفة: بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء والمراد ههنا موضع مظلل في آخر المسجد النبوي في شماليه يسكنه الغرباء ممن ليس لهم موضع يأوون إليه ولا أهل.
اجتووا المدينة: قال الفزاري لم يوافقهم طعامها.
وقال أبو بكر بن العربي: هو بمعنى استوخموا.
وقال غيره: داء يصيب الجوف.
استوخموا المدينة: لم يوفق هواؤها أبدانهم.
طحلوا: بضم الطاء وكسر المهملتين وباللام: أعيوا وهزلوا.
الموم: بضم الميم وسكون الواو (وهو) البرسام بكسر الموحدة سرياني معرب، يطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وورم الصدر والمراد هنا الاخير.
الضرع: بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء وبالعين المهملة وهو لذات الظلف كالثد ي للمرأة.
ابغنا: اطلب.
الرسل: بكسر الراء وسكون السين المهملة وباللام: اللبن.
الذود: بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة وهو (الابل إذا كانت) ما(6/120)
بين الثلاثة الى العشرة، وقيل غير ذلك.
فيفاء: بفاءين، الاولى مفتوحة بينهما تحتية ساكنة وبالالف الممدودة موضع، ويقا ل له فيفاء الخبار، كغزال.
وفيف من غير اضافة.
والخبار: بخاء معجمة مفتوحة فموحدة مخففة.
وبعد الالف راء.
قال في النهاية: وبعضهم يقول بالحاء المهملة والتحتية المشددة.
عدوا عليه: ظلموه.
استاقوا: من السوق وهو السير العنيف.
السرح: بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالحاء المهملة: المال السائم، وسرحتها أرسلتها ترعي.
الصريخ: بفتح الصاد وكسر الراء المهملتين وبالخاء المعجمة، فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالاعلام بما وقع منهم.
وهذا الصارخ أحد الراعيين.
آثارهم: جمع أثر أي: بقية الشئ أي في طلبهم.
الاكوع: بفتح اوله وسكون الكاف وفتح الواو وبعين مهملة.
أبو رهم: بضم الراء وسكون الهاء.
الغفاري: بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء.
أبو ذر: بفتح الذال المعجمة.
بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية وبالدال المهملة.
مكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالثاء المثلثة.
جعال: بجيم مكسورة فعين مهملة فلام ككتاب.
سويد: بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وبالدال المهملة.
كرز: بضم الكاف وسكون الراء فزاي.
القايف: بالقاف والتحتية والفاء: الذي يتتبع الاثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه
وأبيه والجمع القافة، يقال: قاف الرجل الاثر قوفا من باب قال..المسك: بفتح الميم وسكون السين المهملة: الجلد.
أدركوا: بالبناء للمفعول.
الحرة: أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وانما ألقوا فيها لانها أقرب الى ا لمكان(6/121)
الذي فعلوا فيه ما فعلوا.
الكتف: بفتح الكاف وكسر الفوقية والفاء: وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب.
الرغابة: بكسر الراء وبالغين المعجمة والموحدة: أرض متصلة بالجرف بضم الجيم والراء كما قاله أبو عبيد البكري والقاضي والحازمي، وقال المجد اللغوي: (واد ر غيب صخم كثير الاخذ واسع كرغب بضمتين) مجتمع الاسيال.
سمر: بفتح السين والميم المشددة وبتخفيفها ثم راء.
كسمل: بفتح السين والمهملة والميم وباللام: فقأ أعينهم بأي شئ كان.
قطع يده ورجله من خلاف: أي احداهما من جانب والاخرى من جانب آخر.
نبذ الشئ: طرحه.
كدم يكدم: بكسر الدال المهملة وضمها عض بمقدم أسنانه.
لم يحسمهم: لم يقطع سيلان دمائهم بالكي.
أبو قلابة: بكسر القاف والموحدة.
سيرين: بكسر السين المهملة وسكون التحتية وكسر الراء وتحتية وبالنون.
المثلة: بضم الميم وسكون المثلثة، ويروى بفتح اوله، ويروى بضمهما معا: وهي ما يفعل من التشويه بالقتلى، وجمعه مثلات بضمتين.
وقال أبو عمر: المثلة بالضم فالسكون والمثل بفتح أوله وسكون ثانية قطع أنف القتيل وأذنه.
الحناء: بحاء مهملة فنون مشددة.(6/122)
الباب الرابع والثلاثون في بعثه صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه ليفتك بأبي سفيان بن حرب قبل اسلامه.
روى البيهقي عن عبد الواحد بن عوف وغيره قالوا ان ابا سفيان قال لنفر من قريش: ألا أحد يغتر محمدا فانه يمشي في الاسواق.
فأتاه رجل من الاعراب فدخل عليه منزله فقال: (قد وجدت أجمع الرجال قلبا وأشدهم بطشا وأسرعهم شدا فان أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأسوره ثم آخذ في عير فأسير وأسبق القوم عدوا فاني هاد بالطريق خريت).
قال: (أنت صاحبنا).
فأعطاه بعيرا ونفقة وقال: (اطو أمرك).
فخرج ليلا فسار على راحلته خمسا وصبح ظهر الحرة صبح سادسة.
ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دل عليه.
فعقل راحلته ثم أقبل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد بني عبد الاشهل، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان هذا ليريد غدرا.
والله تعالى حائل بينه وبين ما يريد).
فذهب ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة ازاره، فإذا بالخنجر فسقط في يديه وقال: دمي دمي فأخذ أسيد بلببه فدعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصدقني ما أنت ؟) قال: (وأنا آمن).
قال: (نعم).
فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان.
فخلى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وقال: (يا محمد والله ماكنت أفرق الرجال فما هو الا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت نفسي، ثم اطلعت على ما هممت به مما سبقت به الركبان ولم يعلمه أحد فعرفت انك ممنوع وأنك على حق وان حزب ابي سفيان حزب الشيطان).
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم.
فأقام الرجل أياما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج ولم يسمع له ذكر (1).
وروى الامام اسحاق بن راهويه عن عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه قال: بعثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث معي رجلا من الانصار) - قال ابن هشام هو سلمة بن أسلم بن حريس الله الى ابي سفيان بن حرب وقال: (ان أصبتما فيه غرة فاقتلاه).
وقال ابن اسحا ق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه وبعث معه جبار بن صخر الانصاري فخرجا حتى قدما مكة وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج.
ثم دخلا مكة ليلا فقال جبا ر - أو سلمة - لعمرو: (لو أنا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين).
فقال عمرو: (ان ا لقوم إذا تعشوا جلسوا بأقنيتهم وانهم ان رأوني عرفوني فاني أعرف بمكة من الفرس الابلق).
فقال: (كلا ان
__________
(1) اخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 68.
(*)(6/123)
شاء الله).
فقال عمرو: (فأبى أن يطعمني).
(قال عمرو): (فطفنا بالبيت وصلينا ثم خرجنا نريد أبا سفيان، فوالله انا لنمشي بمكة إذ نظر الي رجل من أهل مكة فعرفني.
قال ابن سعد: هو معاوية بن أبي سفيان.
فقال معاوية: (عمرو بن أمية فوالله ان قدمها الا لشر).
فأخبر قريشا بمكانه فخافوه وطلبوه وكان فاتكا في الجاهلية وقالوا: (لم يأت عمرو بخير).
فحشدوا له وتجمعوا.
قال عمرو، (فقلت لصاحبي: (النجاء).
فخرجنا نشتد حتى أصعدنا في جبل، وخرجوا في طلبنا حتى إذا علونا الجبل يئسوا منا فرجعنا فدخلنا كهفا في الجبل فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا فلما أصبحنا غدا رجل من قريش.
قال ابن سعد: هو عبيد الله بن مالك بن عبيد الله التيمي.
قلت: قال ابن اسحاق: هو عثمان بن مالك أو عبد الله.
يقود فرسا له ويخلي عليها فغشينا ونحن في الغار، فقلت ان رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا.
قال: ومعي خنجر قد أعددته لابي سفيان فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة وصاح صيحة فأسمع أهل مكة، وأرجع فأدخل مكاني.
وجاءه الناس يشتدون وهو بآخر رمق فقالوا: من ضربك ؟ فقال عمرو بن أمية: وغلبه الموت فمات مكانه ولم يدلل على مكاننا.
ولفظ رواية اسحاق بن راهو يه: فما أدركوا منه ما استطاع ان يخبرهم بمكاننا.
فاحتملوه فقلت لصاحبي لما أمسينا: النجاء، فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدي، فقال
أحدهم: (والله ما رأيت كالليلة اشبه بمشية عمرو بن أمية لولا انه بالمدينة لقلت هو عمرو بن أمية).
قال: فلما حاذى الخشبة شد عليها فاحتملها وخرجا شدا، وخرجوا وراءه حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج، فرمى بالخشبة في الجرف فغيبه الله تعالى عنهم فلم يقدروا عليه.
ولفظ رواية ابن اسحاق: ثم خرجنا فإذا نحن بخبيب على خشبة فقال لي صاحبي: (هل لك ان تنزل خبيبا عن خشبته ؟) قلت: (نعم فتنح عني فان أبطأت فخذ الطريق) فعمدت لخبيب فأنزلته عن خشبته، فحملته على ظهري، فما مشيت به عشرين ذراعا حتى نذر بي الحرس.
ولفظ ابن أبي شيبة، واحمد بن عمرو: (فخليت خبيبا، فوقع الى الارض فانتبذت غير بعيد فالتفت فلم أر خبيبا وكأنما الارض ابتلعته فما رئي لخبيب رمة حتى الساعة).
قال: (وقلت لصاحبي: (النجاء النجاء حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه، وكان الانصاري لا ر جلة له).
قال: (ومضيب حتى أخرج على ضجنان، ثم أويت الى جبل فأدخل كهفا فبينا أنا فيه إذ دخل علي شيخ من بني الديل أعور في غنيمة له فقال: (من الرجل ؟) فقلت: (من بني بكر، فمن أنت ؟) قال: (من بني بكر).
فقلت: (مرحبا) فاضطجع ثم رفع عقيرته فقال: ولست بمسلم مادمت حيا ولا دان بدين المسلمينا(6/124)
فقلت في نفسي: سيعلم.
فأمهلته حتى إذا نام أخذت قوسي فجعلت سيتها في عينه الصحيحة، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم، ثم خرجت النجاء حتى جئت العرج، ثم سلكت ركوبة حتى إذا هبطت النقيع إذا رجلان من مشركي قريش كانت قريش قد بعثتهما عينا الى المدينة ينظران ويتجسسان، فقلت: (استأسرا).
فأبيا فأرمي أحدهما بسهم فأ قتله، واستأسر الاخر، فأوثقته رباطا وقدمت به المدينة، وجعل عمرو يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، ثم دعا له بخير.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
فتك به: يفتك بكسر الفوقية وضمها فتكا بتثليث الفاء وسكون الفوقية قتله على غفلة.
يغتر: بفتح التحتية وسكون الغين المعجمة وفتح الفوقية وتشديد الراء: يأخذه غفلة.
الشد: بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال المهملة: هنا العدو والجري.
اغتاله: أخذه من حيث لا يدري وكذلك غاله.
الخنجر: بفتح الخاء المعجمة وكسرها وسكون النون وفتح الجيم وبالراء.
خافية النسر: بخاء معجمة وبعد الالف فاء مكسورة فتحتية ساكنة فتاء تأنيث: ريشة صغيرة في جناحه، يريد أنه خنجر صغير.
النسر: بفتح النون وسكون السين المهملة فراء: طائر معروف والجمع أنسر ونسور.
أسوره: بضم الهمزة وفتح السين المهملة وكسر الواو المشددة وبالراء فضمير غائب.
عير: بفتح العين المهملة وسكون التحتية وبالراء: جبل بالمدينة كما أخبر بذلك من عرفه، ولا يلتفت لقول من أنكر وجوده بالمدينة.
الخريت: بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وسكون التحتية ففوقية مثناة.
الحرة: بفتح الحاء المهملة والراء المشددة فتاء تأنيث: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار والجمع حرار، ككلاب، وحرتا المدينة: لابتاها من جانبيها.
دل عليه: بضم الدال المهملة وتشديد اللام مبني للمفعول.
عبد الاشهل: بشين معجمة.
الغدر: بغين معجمة مفتوحة فدال مهملة ساكنة فراء: ضد الوفاء.
يجني عليه: يكسب.
أسيد: بضم اوله وفتح السين المهملة وسكون التحتية وبالدال المهملة.(6/125)
الحضير: بحاء مهملة مضمومة فضاد معجمة مفتوحة ساكنة فراء.
داخلة الازار: طرفه وحاشيته من داخل.
بلببه: بموحدتين الاولى مفتوحة.
فدعته: بدال مهملة وتعجم فعين مهملة ففوقية مفتوحات: خنقه أشد الخنق.
ما أنت ؟ ما صفتك ؟ أو خاطبه خطاب مالا يعقل لان هذا فعل مالا يعقل.
آمن: بمد الهمزة وكسر الميم.
فأفرق الرجال: أخافهم.
حريس: بحاء مهملة فراء فتحتية ساكنة فسين مهملة: قال الزمخشري في المشتبه: كل ما في الانصار حريس فهو بالسين المهملة الا حريش بن جحجبي بجيم مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فجيم مفتوحة فموحدة.
غرة: بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء فتاء تأنيث: غفلة.
جبار: بفتح الجيم وتشديد الموحدة.
الشعب: بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة فموحدة: الطريق في الجبل.
يأجج: بتحتية فهمزة فجيمين الاولى مفتوحة وقد تكسر: مكان قرب مكة.
الافنية: جمع فناء ككتاب.
الوصيلة: بفتح الواو وكسر الصاد المهملة وهو سعة أمام البيت وقيل ما امتد من جوانبه.
حشدوا: بالحاء المهملة والشين المعجمة: جمعوا له.
النجاء: بالمد وقد تقصر: الاسراع في الذهاب.
يخلى عليها: يجر لها الخلا بالخاء المعجمة والقصر: النبات الرطب الرقيق ما دام رطبا.
الرمق: بفتح الراء والميم وبالقاف: بقية الحياة، وقد تطلق على القوة.
الجرف: بضم الجيم والراء وسكونها: مكان يأكله السيل.
انتبذت: بفتح أوله وسكون النون وفتح الفوقية والموحدة وسكون الذال المعجمة: تنحيت.
ضجنان: بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم فنون فألف فنون: مكان قرب مكة.
الديل: بكسر الدال المهملة وسكون التحتية وباللام.(6/126)
العقيرة: بفتح العين المهملة وكسر القاف وسكون التحتية وبالراء: وأصله ان رجلا قطعت رجله فكان يرفع المقطوعة على الصحيحة ويصبح من شدة وجعها بأعلى صوته فقيل لكل رافع صوته رفع عقيرته.
سية القوس: بكسر السين المهملة وفتح التحتية: ما عطف من طرفها والهاء عوض من الواو.
العرج: بفتح العين المهملة وسكون الراء والجيم: قرية جامعة على نحو ثلاث من المدينة بطريق مكة.
ركوبة: بفتح الراء وضم الكاف وسكون الواو وبالموحدة فتاء تأنيث.
النقيع: بفتح النون وكسر القاف وسكون التحتية وبالعين المهملة.
العين: الجاسوس و.
يتجسسان الاخبار: يتعرفانها.(6/127)
الباب الخامس والثلاثون في سرية أبان بن سعيد بن العاص بن أمية رضي الله تعالى عنه قبل نجد في جمادى الاخرة سنة سبع
روى أبو داود في سننه وأبو نعيم في مستخرجه وتمام الرازي في فوائده: موصولات البخاري في صحيحه تعليقا عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحها.
وان حزم خيلهم لليف - وفي رواية الليف قال أبو هريرة: (قلت يارسول الله: لا تقسم
لهم) قال أبان: (وأنت بهذا وبر تحدر من رأس ضأن) - وفي رواية: (من رأس ضال).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبان اجلس)، فلم يقسم لهم (1).
تنبيهات الأول: قال الحافظ: لا أعرف هذه السرية.
الثاني: وقع في الصحيحين (2) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعدما فتحها، فقلت: يا رسول الله أسهم لي ؟).
فقال بعض ولد سعيد بن العاص: (لا تسهم له يا رسول الله).
فقلت: (هذا قتل ابن قوقل).
فقال ابان بن سعيد بن العاص: (واعجبا لوبر تدلي علينا).
- وفي رواية: (واعجبا لك وبر تدأدأ من قدوم ضأن ينعي علي قتل رجل أكرمه الله على يدي ومنعه أن يهينني بيده) الحديث.
وابن سعيد هذا هو أبان بلا شك، ففي الرواية ان ابا هريرة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسهم له.
وفي الرواية الاولى ان ابان هو السائل وان ابا هريرة أشار بمنعه فلذلك قيل وقع في احدى الروايتين ما يدخل في قسم المقلوب.
ورجح الامام محمد بن يحيى الذهلي الرواية السابقة ويريد وقوع التصريح فيها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبان اجلس) ولم يقسم له.
ويحتمل الجمع بينهما بأن يكون أبان نعي عليه بأنه قاتل ابن قوقل وان أبان احتج على ابي هريرة بانه ليس ممن له في الحرب يد ليستحق بها النفل فلا يكون فيه قلب.
الثالث: في بيان غريب ما سبق: نجد: بفتح النون وسكون الجيم.
أبان: بالصرف وعدمه وجحه ابن مالك.
__________
(1) انظر البداية والنهاية 4 / 207.
(2) أخرجه البخاري 7 / 529 كتاب المغازي.
(*)(6/128)
خيبر: تقدم الكلام عليها في غزوتها.
حزم: بضم الحاء والزاي كما في الفتح وفي اليونينية بسكون الزاي جمع حزام.
الليف: بتشديد اللام معروف.
المسد: بفتح الميم وبالسين والدال المهملتين: حبل ليف أو من جلود (الابل) والا ول هو المراد هنا.
وأنت بهذا المكان: المنزلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده.
يا وبر: بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية تسمى غنم بني اسرائيل، ونقل أبو علي القالي - بالقاف واللام - عن أبي حاتم ان بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا.
تحدر: تدلى بلفظ الماضي على طريق الالتفات من الخطاب الى الغيبة.
من رأس ضأن: بضاد معجمة ساقطة وبعد الهمزة نون: اسم جبل في أرض دوس قوم أبي هريرة، وقيل هو رأس الجبل لانه في الغالب مرعى الغنم.
ضال: بضاد معجمة ساقطة ولام مخففة بدل النون من غير همز: قال الخطابي أراد تحقير ابي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع وأنه قليل القدرة على القتال.
ابن قوقل: اسمه النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بصاد مهملة وزن أحمد، وقوقل: بقافين مفتوحتين بينهما واو ساكنة وآخره لام وزن جعفر، لقب ثعلبة أو أصرم.
واعجباه: بفتح العين المهملة والجيم وبالموحدة والهاء الساكنة: اسم فعل بمعنى أعجب.
تدأدأ: بفوقية ودالين مهملتين مفتوحتين بعد كل همزة الاولى ساكنة والثانية مفتوحة أي هجم علينا بغتة.
وفي رواية تدارى براء بدل الدال الثانية بغير همز.
قدوم: بفتح القاف لاكثر رواة الصحيح وضم الدال المهملة المخففة وسكون الواو، وبالميم: الطرف - بالفاء - ووقع في رواية الاصيلي بضم القاف.
تنعى: بفتح الفوقية وسكون النون فعين مهملة مفتوحة: تعيب، يقال نعا فلان على فلان أمرا إذا عابه ووبخه عليه.
يهني: بالتشديد، أصله يهنني بنونين فأدغمت احداهما في الاخرى أي لم يقدر موتي كافرا.(6/129)
الباب السادس والثلاثون في سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الى تربة في شعبان سنة سبع
قال محمد بن عمر، وابن سعد: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ثلاثين رجلا الى عجز هوازن بتربة، فخرج عمر معه دليل من بني هلال فكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار، فأتى الخبر الى هوازن فهربوا وجاء عمر الى محالهم فلم يلق منهم أحدا.
فانصرف راجعا الى المدينة حين سلك النجدية، فلما كان بذي الجدر قال الهلالي لعمر: (هل لك في جمع آخر تركته من خثعم جاءوا سائرين قد أجدبت بلادهم ؟) فقال عمر: (لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم انما أمرني ان أصمد لقتال هو ازن بتربة، وانصرف عمر راجعا الى المدينة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: تربة: بضم الفوقية وفتح الراء وبالموحدة وتاء التأنيث: واد بقرب مكة على يومين منها يصب في بستان ابن عامر، وقيل في مكان غير ذلك.
عجز هوازن: بفتح العين المهملة وضم الجيم وبالزاي: عجز الشئ: آخره، وهوازن: بفتح الهاء وكسر الزاي وبالنون.
محالهم: بتشديد اللام المفتوحة جمع محلة وهي منزل القوم.
النجدية: نسبة الى نجد وهو اسم للارض التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام.
الجدر: بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالراء: مسرح الغنم على ستة أميال من المدينة بناحية قباء.
خثعم: بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين.
الجدب: بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ضد الخصب.
أصمد: بضم الميم: أقصد.(6/130)
الباب السابع والثلاثون في سرية أمير المؤمنين ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه الى بني كلاب بنجد في شعبان سنة سبع.
قال محمد بن عمر رحمه الله تعالى: حدثني أحمد بن عبد الواحد، وقال ابن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم (الكناني) قال حدثنا عكرمة بن عمار (1) قال حدثنا اياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره علينا.
قال حمزة: فسبينا هوازن، وقال هشام بن القاسم: فسب ناسا من المشركين فقتلناهم، فكان شعارنا: أمت أمت، قال : فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين.
ثم روى ابن سعد من الطريق السالفة عن سلمة القصة السابقة في السرية الى بني فزارة، وقتل أم قرفة بناحية وادي القرى، مع ذكره لها أولا، وتبعه على ذلك في العيون هنا، وشيخه الواقدي اقتصر على ما ذكرناه هنا عن سلمة فسلم من الوهم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: كلاب: بكسر الكاف وتخفيف اللام.
الشعار: بكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة.
أمت أمت: مرتين: أمر بالموت والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الامر بالاماتة مع حصول الغرض للشعار فانهم جعلوا هذه الكلمة علامة يتعارفون بها لاجل ظلمة الليل.
__________
(1) عكرمة بن عمار الحنفي العجلي أبو عمار اليمامي أحد الائمة.
عن الهرماس بن زياد ثم عن عطاء وطاووس.
وعنه شعبة والسفيانان، ويحيى القطان، وابن المبارك، وابن مهدي وخلق.
وثقه ابن معين والعجلي، وتكلم البخاري وأحمد والنسائي في روايته عن يحيى بن أبي كثير، واحمد في اياس بن سلمة.
مات سنة تسع وخمسين ومائة (قلت) روايته عن يحيى في (خ) معلقة.
الخلاصة 2 / 239.(6/131)
الباب الثامن والثلاثون في سرية بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه الى بني مرة بفدك في شعبان سنة سبع
قال محمد بن عمر، وابن سعد رحمهما الله تعالى: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا الى بني مرة بفدك، فخرج يلقى رعاء الشاء فسأل عن الناس فقالو ا هم في بواديهم - والناس يومئذ شاتون لا يحضرون الماء - فاستاق النعم والشاء وانحدر الى المدينة، فخرج الصريخ فأخبرهم فأدركه الدهم منهم عند الليل، فباتوا يرامونهم بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير، واصبحوا فحمل المريون عليهم فأصابوا اصحاب بشير وولى منهم من ولى، وقاتل بشير قتالا شديدا حتى ارتث، وضرب كعبه فقيل قد مات، ورجعوا بن عمهم وشائهم، وكان أول من قدم بخبر السرية ومصابها علبة بن زيد الحارثي.
واستمر بشير بن سعد في القتلى فلما أمسى تحامل حتى انتهى الى فدك فأقام عند يهود بها أياما حتى ارتفع من الجرا ح ثم رجع الى المدينة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بشير: بموحدة فشين معجمة فتحتية فراء وزن أمير.
مرة: بضم الفاء والدال وبالكاف.
فدك: بفتح الفاء والدال وبالكاف.
البوادي: جمع بادية.
الدهم: بفتح الدال المهملة وسكون الهاء وبالميم: العدد الكثير، وجمعه الدهوم بضم الدال.
ارتث: بضم أوله وسكون الراء وضم الفوقية وبالمثلثة: حمل من المعركة وثيثا أي جريحا وبه رمق.
علبة: بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الموحدة وتاء تأنيث.(6/132)
الباب التاسع والثلاثون في سرية غالب بن عبد الله الليثي الى الميفعة في رمضان سنة سبع.
روى ابن اسحاق عن يعقوب بن عتبة رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له مولاه يسار: (يا نبي الله اني قد علمت غرة من بني عبد بن ثعلبة فأرسل معي إليهم).
فأرسل معه غالبا في مائة وثلاثين رجلا.
قال ابن سعد رحمه الله تعالى: قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الى بني عوال، وبني عبد بن ثعلبة وهم بالميفعة وهي وراء بطن نخل الى النقرة قليلا بناحية نجد (بينها وبين المدينة ثمانية برد).
بعثه في مائة وثلاثين رجلا، ودليلهم يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجموا عليهم جميعا، ووقعوا في وسط محالهم، فقتلو ا من أشرف لهم، واستاقوا نعما وشاء فحدروه الى المدينة ولم يأسروا أحد.
تنبيهات الأول: ذكر ابن سعد وتبعه في العيون والمورد ان في هذه السرية قتل أسامة بن زيد ر ضي الله تعالى عنه نهيك بن مرداس الذي قال: (لا اله الا الله)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب ؟) (1) الخ وسيأتي الكلام على ذلك في سرية أسامة الى الحرقات.
الثاني: خلط البيهقي وتبعه في البداية هذه السرية بالسرية الاتية بالباب (الثاني والاربعون) والصحيح انها غيرها.
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
الميفعة: بميم مكسورة فتحتية ساكنة ففاء مفتوحة فعين مهملة فتاء تأنيث، قال في النور والقياس فيها فتح الميم: اسم موضع.
يسار: بتحتية مفتوحة فسين مهملة.
بنو عوال: بعين مهملة مضمومة فواو وبعد الالف لام.
بنو عبد: بغير اضافة الى معبود.
ثعلبة: بالثاء المثلثة.
نخل: بفتح النون فخاء معجمة ساكنة فلام: مكان من نجد من أرض غطفان ولا يخالف ذلك قول نصر والحازمي انها بالحجاز.
النقرة: بفتح النون وسكون القاف، وقيل بكسر القاف.
وسط: بفتح السين المهملة وبسكونها.
لم يأسروا: بكسر السين المهملة.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 5 / 207 وابن سعد في الطبقات والطبري في التفسير 5 / 129.
(*)(6/133)
الباب الاربعون في سرية بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه الى يمن وجبار في شوال سنة سبع
قال ابن سعد رحمه الله تعالى: قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان بالجناب قد واعدهم عيينة بن حصن الفزاري - أي قبل أن يسلم - ليكون معهم ليزحفوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد فعقدله لواء، وبعث معه ثلثمائة رجل، وخرج معه حسيل بن نويرة دليلا، فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا يمن وجبار، وهما نحو الجناب - والجناب: معارض سلاح - وخيبر ووادي القرى، فنزلوا سلاح ثم دنوا من القوم
فأصابوا نعما كثيرا ونفر الرعاء فحذروا الجمع وتفرقوا ولحقوا بعليا بلادهم.
وخرج بشير بن سعد في أصحابه حتى أتى محالهم، فيجدها وليس فيها أحد، فلقوا عينا لعيينة فقتلو ه، ثم لقوا جمع عيينة وهو لا يشعر بهم فناوشوهم، ثم انكشف جمع عيينة، وتبعهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا منهم رجلين فأسروهما ورجع الصحابة بالنعم وا لرجلين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما فأرسلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بشير: بالموحدة والشين المعجمة وزن أمير.
يمن: بفتح الياء آخر الحروف أو ضمها.
ويقال أمن بفتح أوله أو ضمه وسكون الميم وبالنون.
جبار: بفتح الجيم وبالموحدة والراء اسم موضع وصاحب القاموس يقتضي فتح الجيم.
عيينة: بضم العين المهملة وكسرها فتحتية مفتوحة فأخرى ساكنة فنون فتاء تأنيث.
حصن: بكسر الحاء وسكون الصاد المهملتين فنون.
حسيل: بضم الحاء وفتح السين المهملتين وسكون التحتية وباللام، وقيل بالتكبير.
نويرة: بضم النون وفتح الواو وسكون التحتية فراء فتاء تأنيث.
سلاح: قال البكري: بكسر السين المهملة وبالحاء المهملة وتبعه في العيون وقال في القاموس كقطام فاقتضى فتح أوله.
الرعاء: بكسر الراء.(6/134)
عليا بلادهم: بضم العين المهملة وسكون اللام وبالقصر: نقيض السفلى.
محالهم: بفتح الميم والحاء المهملة وكسر اللام المشددة جمع محلة وهي منزل القوم.
العين: الجاسوس.
ناوشهم: المناوشة في القتال تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا.
انكشف جمعهم: انهزم.(6/135)
الباب الحادي والاربعون في سرية الاخرم بن أبي العوجاء السلمي رضي الله تعالى عنه الى بني سليم في ذي الحجة سنة سبع
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي العوجاء السلمي في خمسين رجلا الى بني سليم، فخرج إليهم وتقدمه عين لهم كان معه فحذرهم.
فجمعوا له جمعا كثيرا فأتاهم ابن أبي العوجاء وهم معدون له، فدعاهم الى الاسلام.
فقالوا: لا حاجة لنا الى ما دعوتنا.
فتراموا بالنبل ساعة وجعلت الامداد تأتي حتى أحدقوا بهم من كل ناحية.
فقاتل القوم قتالا شديدا حتى قتل عامتهم.
وأصيب ابن أبي العوجاء جريحا مع القتلى، ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قدموا المدنية في اول يوم من صفر سنة ثمان.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الاخرم: بخاء معجمة فميم.
ابن أبي العوجاء: كذا ذكر ابن اسحاق وابن سعد (باثبات لفظ ابن وهو الذي عزاه في الاصابة والتجريد للزهري) وأغرب الذهبي في الكنى فقال (أبو العوجاء) ونقله عن الزهري.
سليم: بضم السين المهملة وفتح اللام.
العين: هنا الجاسوس معدون: بضم الميم وكسر العين وضم الدال المشددة المهملتين.
الامداد: الاعوان والانصار.(6/136)
الباب الثاني والاربعون في سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه الى بني الملوح بالكديد في صفر سنة ثمان
روى ابن اسحاق والامام أحمد وأبو داود من طريق محمد بن عمر، وابن سعد رحمهم الله تعالى عن جندب بن مكيث الجهني رضي الله تعالى عنه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي، ليث كلب بن عوف في سرية كنت فيهم، وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح بالكديد، وهم من بني ليث.
قال: فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن البرصاء (الليثي) فأخذناه فقال: انما جئت أريد الاسلام وانما خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا لن يضرك رباط يوم وليلة ان كنت تريد الاسلا م وان يكن غير ذلك فنستوثق منك.
قال: فشددناه وثاقا وخلفنا عليه رويجلا منا أسود، يقال له سويد بن منحر، وقلنا ان نازعك فاحتز رأسه.
ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس، فكمنا في نا حية الوادي، وبعثني اصحابي ربيئة لهم، فخرجت حتى أتيت تلا مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم حتى إذا اسندت فيه وعلوت رأسه انبطحت - وفي رواية: فاضطجعت على بطني - قال: فوالله اني لانظر إذا خرج رجل منهم من خباء له، فقال لامرأته: اني ارى على هذا التل سوادا ما رأيته عليه صدر يومي هذا فانظري الى أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا.
قال: فنظرت، فقالت: والله ما أفقد من أوعيتي شيئا.
فقال لامرأته: ناوليني قوسي ونبلي.
فناولته قوسه وسهمين معها، فأرسل سهما فوالله ما أخطأ به جنبي - ولفظ ابن اسحاق، وابن سعد: بين عيني - قال: فانتزعته وثبت مكاني.
ثم رمى بالاخر فخالطني به - ولفظ ابن اسحاق، وابن سعد: فوضعه في منكبي - فانتزعته فوضعته وثبت في مكاني.
فقال لامرأته: والله لو كان ربيئة لقد تحرك بعد، لقد خالطه سهمان لا أبا لك، فإذا أصبحت فابتغيهما لا تمضغهما الكلاب.
قال: ثم دخل الخباء، وراحت ماشية الحي من ابلهم وأغنامهم، فلما احتلبوا وعطنو ا واطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية واستقنا النعم والشاء فخرجنا نحدرها قبل المدينة حتى مررنا بابن البرصاء فاحتملناه واحتملنا صاحبنا وخرج صريخ القوم في قو مهم فجاءنا ما لا قبل لنا به، فجاءنا القوم حتى نظروا الينا ما بيننا وبينهم الا الواد ي وهم موجهون
الينا إذا جاء الله تعالى بالوادي من حيث شاء بماء يملأ جنبتيه، وأيم الله ما ر أينا قبل ذلك سحابا ولا مطرا فجاء بما لا يستطيع أحد أن يجوزه، فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون الينا وقد اسندناها في المشلل (نحدرها) وفي لفظ في المسيل - وفتناهم (فوتا) لا يقدرون فيه على طلبنا، ثم قدمنا(6/137)
المدينة، وروى محمد بن عمر، عن حمزة بن عمرو الاسلمي قال: كنت معهم وكنا بضعة عشر رجلا وكان شعارنا: أمت أمت.
تنبيهان الأول: نقل في البداية عن الواقدي انه ذكر هذه القصة باسناد آخر وقال فيه: وكان معه من الصحابة مائة وثلاثون رجلا.
والواقدي ذكر ذلك في سرية لغالب غير هذه.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: الملوح: بميم مضمومة فلام مفتوحة فواو مشددة مكسورة.
الكديد: بفتح الكاف وكسر الدال المهملة فتحتية ساكنة فدال مهملة.
جندب: بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها.
مكيث: بميم فكاف فتحتية فثاء مثلثة وزن أمير.
يشن: يفرق من كل وجه.
الغارة: اسم من أغار ثم أطلقت الغارة على الخيل.
لقينا: بسكون التحتية.
الحارث: بالنصب مفعول لقينا.
ابن البرصاء: اسم أبيه مالك.
رويجلا: تصغير رجل.
الربيئة: بفتح الراء وكسر الموحدة وسكون التحتية وفتح الهمزة وبتاء التأنيث.
الحاضر: القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه (ويقال للمناهل المحاضر
للاجتماع والحضور عليها) قال الخطابي: ربما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور يقال نزلنا حاضر بني فلان فهو فاعل بمعنى مفعول.
يطلعني: بضم أوله.
اسندت: بفتح اوله وسكون السين المهملة وفتح النون وسكون الدال المهملة أي صعدت.
الخباء: بكسر الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبالمد، بيت من بيوت الاعراب.
لا أبا لك: بكسر الكاف هنا، ويذكر للحث على الفعل تارة بمعنى جد في أمرك وشمر لان من له أب اتكل عليه في بعض شأنه، وللمدح تارة أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر(6/138)
في معرض الذم (كما يقال لا أم لك) وقد يذكر في معرض التعجب ودفعا للعين كقولهم لله درك وقد تحذف اللام فيقال لا أباك بمعناه.
تمضغهما: بضم الضاد المعجمة وفتحها.
نحدرها: بضم الدال المعجمة.
واحتملنا صاحبنا: هو الرويجل الاسود.
أدركنا: بفتح الكاف والضمير في محل النصب.
القوم: فاعل.
بالوادي: أي بالسيل في الوادي.
المشلل: بضم الميم وفتح الشين المعجمة وفتح اللام الاولى.
المسيل: موضع سيل الماء.
الشعار: العلامة.
أمت أمت: تقدم الكلام عليها من سرية ابي بكر.(6/139)
الباب الثالث والاربعون في سرية غالب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه الى مصاب أصحاب بشير بن سعد في صفر سنة ثمان.
قال محمد عمر، وابن اسحاق في رواية يونس ومحمد بن سلمة رحمهم الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ما حصل لبشير بن سعد واصحابه هيأ الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه وقال له: (سر حتى تنتهي الى مصاب اصحاب بشير بن سعد فان أظفرك الله بهم فلا تبق فيهم) (1) وهيأ معه مائتي رجل وعقد له لواء.
فقدم غالب بن عبد الله الليثي من الكديد قد ظفره الله عليهم فقال صلى الله عليه وسلم للزبير: (اجلس) وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل فيهم أسامة بن زيد، وعلبة بن زيد الحارثي وأبو مسعود عقبة بن عمرو، وكعب بن عجرة فلما دنا غالب منهم بعث الطلائع، فبعث علبة بن زيد في عشرة ينظرون الى محالهم، فأوفى على جماعة منهم ثم رجع الى غالب فأخبره الخبر.
فأقبل غالب يسير حتى إذا كان منهم بنظر العين ليلا وقد عطنوا وهدأ وا وقام غالب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (أما بعد فاني أوصيكم بتقوى الله وحد ه لا شريك له وأن تطيعوني ولا تعصوني ولا تخالفوا لي أمرا فانه لا رأي لمن لا يطاع).
ثم ألف بينهم فقال: (يا فلان أنت وفلان، يا فلان أنت وفلان لا يفارق رجل منكم زميله، واياكم ان يرجع الي رجل منكم، فأقول: أين صاحبك ؟ فيقول لا أدري فإذا كبرت فكبروا وجردوا السيوف.
فلما أحاطوا بالحاضر كبر غالب فكبروا وجردوا السيوف فخرج الرجال فقاتلوا ساعة ووضع المسلمون فيهم السيف حيث شاءوا.
وروى ابن سعد عن ابر اهيم بن حويصة بن مسعود عن أبيه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية مع غالب بن عبد الله الى بني مرة فأغرنا عليهم مع الصبح وقد أوعز الينا أميرنا ألا نفترق وواخى بيننا فقال: لا تعصوني فاني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني) وانكم متى ما عصيتموني فانما تعصون نبيكم.
قال: فآخى بيني وبين ابي سعيد
الخدري.
قال: فأصبنا القوم وكان شعارهم أمت أمت.
قال محمد بن عمر: وفي هذه السرية خرج أسامة بن زيد في اثر رجل منهم يقال له نهيك بن مرداس أو مرداس بن نهيك وهو الصواب، فأبعد وقوي المسلمون على الحاضر وقتلوا من قتلوا، واستاقوا نعما وشاء.
وذكر ابن سعد ذلك في سرية غالب الى الميفعة.
وتفقد
__________
(1) أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 10 / 151.
(*)(6/140)
غالب بن اسامة بن زيد، فجاء أسامة بعد ساعة من الليل فلامه الامير لائمة شديدة وقا ل: ألم تر الى ما عهدت اليك ؟ فقال: خرجت في اثر رجل منهم يقال له نهيك جعل يتهكم بي حتى إ ذا دنوت منه قال: (لا اله الا الله).
فقال الامير: (أأغمدت سيفك ؟) فقال: (لا والله ما فعلت حتى أوردته شعوب).
فقال: بئس ما فعلت وما جئت به تقتل امرءا يقول لا اله الا الله.
فندم اسامة وسقط في يده وساق المسلمون النعم والشاء والذرية، وكانت سهمانهم عشرة أبعرة لكل رجل أو عدلها من الغنم وكانوا يحسبون الجزور بعشرة من الغنم.
تنبيهان الأول: كذا ذكر ابن اسحاق في رواية يونس ومحمد بن عمر، أن قتلة أسامة لمرداس كانت في هذه الغزوة وسيأتي الكلام على ذلك في سرية أسامة بن زيد الى الحرقات.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: مصاب: بضم الميم وبالصاد المهملة.
بشير: بموحدة وشين معجمة كأمير.
فدك: بفتح الفاء والدال المهملة.
هيأ: بفتح الهاء التحتية المشددة وبالهمز.
الكديد: بفتح الكاف وكسر الدال المهملة الاولى.
عللة: بضم العين المهملة وسكون اللام وبالموحدة وتاء التأنيث.
عقبة: بالقاف.
عجرة: بضم العين المهملة وسكون الجيم وبالراء وتاء التأنيث.
الطلائع: جمع طليعة من يبعث ليطلع طلع العدو للواحد والجمع.
أوفى: أشرف.
الزميل: بفتح الزاي وكسر الميم وسكون التحتية وباللام، وهو هنا الرفيق في السفر الذي يعينك على أمورك.
الحاضر: تقدم في الباب الذي قبله.
حويصة: بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتخفيف التحتية ساكنة وتشديدها مكسورة وبالصاد المهملة.
مرة: بضم الميم وفتح الراء المشددة.
أوعز إليه: بفتح اوله وسكون الواو وفتح العين المهملة والزاي تقدم.
أمت أمت: تقدم الكلام عليه في سرية ابي بكر رضي الله عنه.(6/141)
الباب الرابع والاربعون في سرية شجاع بن وهب الاسدي رضي الله تعالى عنه الى بني عامر بالسي في ربيع الأول سنة ثمان
روى محمد بن عمر رحمه الله تعالى عن عمر بن الحكم رحمه الله تعالى قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلا الى جمع من هوازن بالسي ناحية ركبة من وراء المعدن وهي من المدينة على خمس ليال، وأمره ان يغير عليهم فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى صبحهم وهم غارون، وقد أوعز الى اصحابه ألا يمعنوا في الطلب، فأصابوا نعما كثيرا وشاء واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة (واقتسموا الغنيمة) فكانت سهمانهم خمسة عشر بعيرا لكل رجل وعدلوا البعير بعشر من الغنم، وغابت السرية خمس عشرة ليلة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: شجاع: بضم الشين المعجمة.
السي: بكسر السين المهملة ومد الهمزة.
ركبة: بضم الراء وسكون الكاف وبالموحدة.
المعدن: بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملتين وبالنون.
غارون: بالغين المعجمة وبعد الالف راء مشددة مضمومة فنون: غافلون.
أوعز: بفتح أوله وسكون الواو وفتح العين المهملة والزاي، تقدم.
أمعن في طلب العدو: بالغ وأبعد.(6/142)
الباب الخامس والاربعون في سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله تعالى عنه الى ذات أطلاح في شهر ربيع الأول سنة ثمان.
قال محمد بن عمر حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا الى ذات أطلاح من أرض الشام، فوجدوا جمعا من جمعهم كثيرا فدعوهم الى الاسلام فلم يستجيبوا لهم، ورشقوهم بالنبل، فلما رأى ذلك اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا، وأفلت منهم رجل جريح في القتلى فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فشق ذلك عليه وهم بالبعث إليهم، فبلغه انهم قد ساروا الى موضع آخر فتركهم.
قال محمد بن عمر حدثني ابن أبي سبرة عن الحرث بن فضيل قال: كان كعب بن عمير يكمن النهار ويسير الليل حتى دنا منهم فرآه صيدهم فأخذهم بعلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءوا إليهم على الخيول فقتلوهم.
قال ابن عمر: قتلوهم بقضاعة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
عمير: بعين مهملة مضمومة فميم مفتوحة فتحتية ساكنة فراء.
الغفاري: بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء.
أطلاح: بفتح الهمزة وسكون الطاء وبالحاء المهملة وهو من وراء وادي القرى.
محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن الزهري يروى عنه.
قتلوا: بالبناء المفعول.
أفلت: وتفلت وانفلت: أي تخلص ونجا.(6/143)
الباب السادس والاربعون في سرية مؤتة وهي بأدنى البلقاء دون دمشق في جمادى الاولى سنة ثمان
قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الى مؤتة في جمادى الاولى سنة ثمان واستعمل زيد بن حارثة، وقال: (ان أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فان أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس فان قتل فليرتض المسلمون منهم رجلا فليجعلوه عليهم) (1).
قال محمد بن عمر رحمه الله عن عمر بن الحكم عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلى الظهر جلس، وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زيد بن حارثة أمير الناس فان قتل زيد فجعفر بن أبي طالب، فان أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فان أصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون رجلا منهم فليجعلوه عليهم).
فقال النعمان بن مهض: (يا أبا القاسم ان كنت نبيا فسميت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا لان أنبياء بني اسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا ان أصيب فلان ففلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا) ثم ان اليهودي جعل يقول لزيد بن حارثة: (اعهد فانك لا ترجع الى محمد ان كان نبيا).
قال زيد: (فاشهد انه رسول صادق بار).
وعقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه الى زيد بن حارثة وأوصاهم أن يأتوا مقتل
الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك الى الاسلام فان أجابوا والا استعينوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم.
ذكر طعن الصحابة في امارة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه روى البخاري عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا وأمر عليهم اسامة بن زيد (2) فطعن (بعض) الناس في امارته، وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعد ان حمد الله وأثنى عليه: (قد بلغني انكم قلتم في اسامة، ان تطعنوا في امارته فقد كنتم تطعنون في امارة أبيه من قبل، وأيم الله ان
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 583 (4261).
(2) (ع) اسامة بن زيد بن حارثة الكلبي أبو محمد وأبو زيد الامير حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه وابن حاضنته أم أيمن.
له مائة وثمانية وعشرون حديثا، اتفقا على خمسة عشر وانفرد كل منهما بحديثين، وعنه ابن عباس وابراهيم بن سعد بن أبي وقاص وعروة وأبو وائل وكثيرون أمره النبي صلى الله عليه وسلم على جيش فيهم أبو بكر وعمر، وشهد مؤتة، قالت عائشة: من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة.
توفي بوادي القرى، وقيل بالمدينة سنة أربع وخمسين عن خمس وسبعين سنة الخلاصة 1 / 66.
(*)(6/144)
كان لخليقا للامارة وان كان لمن أحب الناس الي وان هذا لمن أحب الناس الي بعده) (1).
وروى الامام أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه، والبيهقي عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الامراء وقال: (عليكم زيد بن حارثة فان أصيب زيد فجعفر فأن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة) قال: فوثب جعفر رضي الله عنه وقال: (بأبي أنت وأمي) يا رسول الله ماكنت أرهب أن تستعمل علي زيدا) فقال: (امض فانك لا تدري أي ذلك خير) (2).
ذكر مسير المسلمين ووداع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته اياهم
قال عروة بن الزبير (3): (فتجهز الناس ثم تهيأوا للخروج وهم ثلاثة آلاف.
فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم.
فلما ودع عبد الله بن رواحة مع من ودع من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى، فقالوا: (ما يبكيك يا ابن روا حة ؟) فقال: (أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل يذكر فيها النار: (وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا) (مريم 71) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؟) صحبكم الله ودفع عنكم وردكم الينا صالحين).
فقال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه: لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الاحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا قال ابن اسحاق: ثم ان القوم تهيأوا للخروج فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعه ثم قال: فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا اني تفرست فيك الخير نافله الله يعلم أني ثابت البصر أنت الرسول فمن يحرم نوافله والوجه منك فقد أزرى به القدر هكذا أنشد ابن هشام هذه الابيات وانشدها ابن اسحاق بلفظ فيه اقواء قال ابن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4468).
(2) أخرجه أحمد في المسنة 5 / 299 والبيهقي في الدلائل 4 / 367 وأبو نعيم في الحلية 9 / 26 وابن سعد في الطبقات 3 / 1 / 32.
(3) عروة بن الزبير بن العوام الاسدي، أبو عبد الله المدني، احد الفقهاء السبعة، واحد علماء التابعين.
(قال الزهري: عروة بحر لا تكدره الدلاء).
قال ابن شؤذب: كان يقرأ كل ليلة ربع القرآن، ومات وهو صائم.
الخلاصة 2 / 231.
(*)(6/145)
اسحاق: (ثم خرج القوم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيعهم حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مشيع وخليل وروى محمد بن عمر عن خالد بن يزيد رحمه الله تعالى قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيعا لاهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله فقال: (اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم وستجدو ن آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فافلقوها بالسيوف، لا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا ولا كبيرا فانيا ولا تقربن نخلا ولا تقطعن شجرا ولا تهدمن بيتا) (1).
وروى محمد بن عمر (الواقدي) عن زيد بن ارقم (رفعه) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أو صيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا، اغزوا باسم الله في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم الى احدى ثلاث فأيتهن ما أجابوكم ا ليها فاقبلوا منهم وكفوا عنهم الاذى ثم ادعوهم الى التحول من دارهم الى دار المهاجرين فان فعلوا فأخبروهم ان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فان أبوا أن يتحولوا منها فاخبروهم انهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله (الذي يجري على المؤمنين) ولا يكون لهم في الغنيمة والفئ شئ الا أن يجاهدوا مع المسلمين فان هم أبوا فسلهم الجزية، فان فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم فان هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم وقاتلوهم وان حاصرتم أهل حصن أو مدينة فأرادوكم ان تجعلوا لهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تجعلوا لهم ذمة الله ولا ذمة رسوله ولكن اجعلوا لهم ذمتكم وذمة آبائكم ان تخفروا ذممكم وذمم أ صحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله).
وذكر نحو ما سبق.
وروى محمد بن عمر عن عطاء بن مسلم (2) رحمه الله تعالى قال: (لما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة قال ابن رواحة: يا رسول الله مر ني بشئ أحفظه عنك قال: (انك قادم غدا بلدا السجود فيه قليل فأكثر السجود) قال عبد الله بن رواحة: زد ني يا
رسول الله.
قال: (اذكر الله فانه عون لك على ما تطالب).
فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهبا رجع فقال: يارسول الله ان الله وتر يحب الوتر فقال: (يا ابن رواحة ما عجزت فلا تعجزن ان
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن 9 / 69.
(2) عطاء بن أبي مسلم مولى المهلب بن أبي صفرة أبو أيوب الخراساني نزيل الشام واحد الاعلام عن ابي الدرداء ومعاذ، وابن عباس مرسلا، وروى عن يحيى بن يعمر ونافع وعكرمة وعنه ابن جريج والاوزاعي، ومالك وشعبة وحماد بن سلمة قال عبد الرحمن بن يزيد: كان يحيى الليل.
وثقه ابن معين وأبو حاتم.
قال ابنه عثمان: مات سنة خمس وثلاثين ومائة، عن خمس وثمانين سنة.
قاله أبو نعيم.
الخلاصة 2 / 231.
(*)(6/146)
أسات عشرا أن تحسن واحدة) (1).
قال ابن رواحة: لا أسألك عن شئ بعدها.
ذكر رجوع عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه ليصلي الجمعة روى الامام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الى مؤتة فاستعمل زيدا وذكر الحديث وفيه: فتخلف ابن رواحة فجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه، فقا ل: (ما منعك ان تغدو مع أصحابك ؟) قال: أردت ان أصلي معك الجمعة ثم ألحقهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنفقت ما في الارض جمعيا ما أدركت غدوتهم).
وفي لفظ: (لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها) (2).
ذكر مسير المسلمين بعد وداع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق، ومحمد بن عمر: ثم مضى الناس.
قال محمد بن عمر: قالوا: كان ز يد بن أرقم يقول - وقال ابن اسحاق -: حدثني عبد الله بن أبي بكر انه حدث عن زيد بن أرقم قال: (كنت يتيما في حجر عبد الله بن رواحة فلم أر ولي يتيم كان خيرا منه فخرجنا الى مؤتة فكان يردفني خلفه على حقيبة رحله فوالله انه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه: إذا أديتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك أنعم وخلاك ذم ولا أرجع الى أهلي ورائي وآب المسلمون وغادروني بأرض الشام مشتهي الثواء وردك كل ذي نسب قريب الى الرحمن منقطع الاخاء هنالك لا أبالي طلع بعل ولا نخل أسافلها رواء قال: فلما سمعتهن منه بكيت فخفقني بالدرة وقال: (ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة فأستريح من الدنيا ونصبها وهمومها وأحزانها وترجع بين شعبتي الرحل).
زا د ابن اسحاق: قال ثم قال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه في بعض شعره وهو يرتجز: يا زيد زيد اليعملات الذبل تطاول الليل هديت فانزل زاد محمد بن عمر: ثم نزل من الليل، ثم صلى ركعتين ودعا فيهما دعاء طويلا ثم قال: يا غلام.
قلت: لبيك.
قال: هي ان شاء الله الشهادة.
قالوا: ولما فصل المسلمون من المدينة سمع العدو بمسيرهم فتجمعوا لهم وقام فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع أكثر من مائة ألف،
__________
(1) ذكره السيوطي في الدر 3 / 189 وعزاه لابن عساكر.
(2) أخرجه الترمذي (527) وأحمد في المسند 1 / 224 وابن عساكر في تهذيب تاريخ د مشق 7 / 393.
(*)(6/147)
وقدم الطلائع أمامه.
فلما نزل المسلمون وادي القرى بعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين من المشركين فاقتتلوا وانكشف اصحاب سدوس وقد قتل، فشخص أخوه.
ومضى المسلمون حتى نزلوا معان من أرض الشام أ وبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء فيى مائة ألف من الروم وانضم إليهم مائة ألف أخرى من لخم وجذام وقبائل قضاعة من بلقين وبهراء وبلي عليهم رجل من بلي ثم أحد اراشة يقال له مالك بن رافلة.
فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وقالوا نكتب ا لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بكثرة عدونا فاما أن يمدنا بالرجال واما أن يأمرنا بأمر فنمضي له.
فشجع الناس عبد الله بن رواحة فقال: (يا قوم والله ان التي تكرهون للتي خرجتم تطلبو ن الشهادة، وما
نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة وما نقاتلهم الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فانما هي احدى الحسنيين اما ظهور واما شهادة وليست بشر المنزلتين).
فقال الناس: صد ق والله ابن رواحة.
فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون الى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها.
فتعبأ لهم المسلمون.
وروى أبو يعقوب اسحاق بن ابراهيم، ومحمد بن القراب في تاريخه عن برذع بن زيد قال: قدم علينا وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مؤتة وعليهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، وخرج معهم منا عشرة الى مؤتة يقاتلون معهم.
قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يأتوا فركبت القوم ضبابة فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة.
وروى محمد بن عمر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (شهدت مؤتة فلما دنا العدو منا رأينا مالا قبل لاحد به من العدد والعدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب فبرق بصري فقال لي ثابت بن أقرم: (يا أبا هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة).
قلت: نعم.
قال: انك لم تشهد معنا بدرا، انا لم ننصر بالكثرة.
قال ابن اسحاق: وتعبأ المسلمون للمشركين، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى مسيرتهم رجلا من الانصار يقال له عباية بن مالك - (قال ابن هشام) -: ويقال له عبادة بن مالك.
ذكر التحام القتال قال ابن عقبة، وابن اسحاق، ومحمد بن عمر: ثم التقى الناس واقتتلوا قتالا شديدا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم.
ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعرقبها ثم قاتل القوم حتى قتل فكان جعفر أول رجل من المسلمين عرقب فرسا له في سبيل الله.(6/148)
وروى ابن اسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني ابي الذي أرضعني وكان
أحد بني مرة بن عوف، وكان في غزوة مؤتة قال: والله لكأني انظر الى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل وهو يقول: ياحبذا الجنة واقترابها طيبة وباردا شرابها والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إذ لاقيتها ضرابها وهذا الحديث رواه أبو داود من طريق ابن اسحاق ولم يذكر الشعر، وفي حديث أبي عامر رضي الله تعالى عنه عند ابن سعد أن جعفرا رضي الله تعالى عنه لبس السلاح ثم حمل على القوم حتى إذ هم أن يخالطهم رجع فوحش بالسلاح ثم حمل على العدو وطاعن حتى قتل.
قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم ان جعفر بن أبي طالب أخذ الواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله تعالى عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء.
ويقال: ان رجلا من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه نصفين.
وروى البخاري والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وستين من طعنة ورمية، وفي رواية عنه قال: (وقفت على جعفر بن أبي طالب يومئذ وهو قتيل فعددت به خمسين من طعنة وضربة ليس منها شئ في دبره).
ذكر مقتل عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه روى ابن اسحاق (يحيى بن) عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه الذي أرضعه قال: فلما قتل جعفر أخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم تقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ثم قال: أقسمت يا نفس لتنزلنه طائعة أو لتكرهنه ان أجلب الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة هل أنت الا نطفة في شنة وقال أيضا رضي الله تعالى عنه: يا نفس الا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت ان تفعلي فعلهما هديت(6/149)
يريد صاحبيه زيدا وجعفرا، ثم نزل.
فلما نزل أتاه ابن عمر له بعرق من لحم فقال: (شد بهذا صلبك فانك لقيت في أيامك هذه ما لقيت).
فأخذه من يده، ثم انتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال: وأنت في الدنيا ؟ ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه، ووقع اللواء من يده فاختلط المسلمون والمشركو ن وانهزم بعض الناس، فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم يقتل الرجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا.
قال سعيد بن أبي هلال رحمه الله تعالى: وبلغني ان زيدا وجعفرا وعبد الله بن رواحة ذفنوا في حفرة واحدة.
وفي حديث ابي عامر رضي الله تعالى عنه عند ابن سعد ان عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه لما قتل (انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى لم أر اثنين جميعا.
ثم أخذ اللواء رجل من الانصار ثم سعى به حتى إذا كان أمام الناس ركزه ثم قال: الي أيها الناس.
فاجتمع إليه الناس حتى إذا كثروا مشى باللواء الى خالد بن الوليد.
فقال له خالد: لا آخذه منك أنت أحق به، فقال الانصاري والله ما أخذته الا لك).
ذكر تأمير المسلمين خالد بن الولية بعد قتل امراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهزمه المشركين، واعلام الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح قال ابن اسحاق: ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم.
فقالوا: أنت.
قال: ما أنا بفاعل.
فاصطلح الناس على خالد بن الوليد.
وروى الطبراني عن ابي اليسر الانصاري رضي الله تعالى عنه قال: أنا دفعت الراية ا لى
ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة فدفعت الى خالد.
وقال (له ثابت بن أقرم): أنت أعلم بالقتال مني.
قال ابن اسحاق: (فلما أخذ الراية خالد بن الوليد دافع القوم وحاشى بهم ثم انحاز وانحيز عنه وانصرف الناس).
هكذا ذكر ابن اسحاق انه لم يكن الا المحاشاة والتخلص من أيدي الروم الذين كانوا مع من انضم إليهم أكثر من مائتي ألف والمسلمون ثلاثة آلاف.
ووافق ابن اسحاق على ذلك شرذمة.
وعلى هذا سمي هذا نصرا وفتحا باعتبار ما كانوا فيه من احاطة العدو وتراكمهم وتكاثرهم عليهم وكان مقتضى العادة أن يقتلوا بالكلية وهو محتمل لكنه خلاف الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى فتح الله عليكم) (1).
والاكثرون على ان خالدا ومن معه رضي الله تعالى عنهم قاتلوا المشركين حتى هزموهم.
ففي حديث ابي عامر عند ابن سعد ان خالدا لما أخذ
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 585 (4262).
(*)(6/150)
اللواء (حمل على القوم فهزمهم الله أسوأ هزيمة رأيتها قط.
حتى وضع المسلمون أسيافهم حين شاءوا).
وروى الطبراني برجال ثقات عن موسى بن عقبة قال: ثم اصطلح المسلمون بعد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد المخزومي فهزم الله تعالى العدو وأظهر المسلمين.
وروى محمد بن عمر الاسلمي عن عطاف بن خالد لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة، فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيأتهم وقالوا قد جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين.
قال: فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم.
وذكر ابن عائذ في مغازيه نحوه.
وروى محمد بن عمر عن الحارث بن الفضل رحمه الله تعالى: لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الان حمي الوطيس) (1).
وروى القرا ب في تاريخه عن برذع بن زيد رضي الله تعالى عنه قال: اقتتل المسلمون مع المشركين سبعة أيام.
وروى الحاكم في
المستدرك عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما وهذا الذي ذكره أبو عامر والزهري، وعروة، وابن عقبة، وعطاف بن خالد، وابن عائذ وغيرهم هو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: (ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه) (2).
وفي حديث ابي قتادة رضي الله تعالى عنه مرفوعا كما سيأتي.
ثم أخذ خالد بن الوليد اللواء ولم يكن من الامراء، هو أمر نفسه.
ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه، ثم قال: (اللهم انه سيف من سيوفك فانصره) (3).
فمن يومئذ سمي خالد بن الوليد (سيف الله)، رواه الامام أحمد بر جال ثقات ويزيده قوة ويشهد له بالصحة ما رواه الامام احمد، ومسلم، وأبو داود، والبرقاني عن عوف بن مالك الاشجعي رضي الله تعالى عنه قال: (خرجت (مع من خرج) مع زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما في غزوة مؤتة ورافقني مددي من المسلمين من اليمن، ليس معه غير سيفه.
فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المددي طائفة من جلد، فأعطاه اياه فاتخذه كهيئة الد رقة، ومضينا ولقينا جموع الروم فيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرومي يغزو المسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرمي فعرقب فرسه بسيفه وخر الرومي فعلاه بسفه فقلته وحاز سلاحه وفرسه.
فلما فتح الله تعالى على المسلمين بعث خالد بن الوليد فأخذ منه بعض السلب.
قال عوف: فأتيت خالدا وقلت له: أما
__________
(1) أخرجه مسلم 3 / 1398 كتاب الجهاد (76 - 1775) من حديث عباس واحمد في المسند 1 / 207 وعبد الرزاق (9741).
(2) أخرجه البخاري (4262).
(3) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 368 وابن أبي شيبة في المصنف 14 / 513.
(*)(6/151)
علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ؟ قال: بلى ولكني استكثرته.
فقلت لتردنه أو لاعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأبى أن يرد عليه.
قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما صنعت ؟) قال:
استكثرته.
قال: (رد عليه ما أخذت منه).
قال عوف: دونكما يا خالد ألم أف لك ؟ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك ؟) فأخبرته).
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركون أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره) (1) ذكر بعض ما غنمه المسلمون يوم مؤتة روى محمد بن عمر، والحاكم في الاكليل عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أصيب بمؤتة ناس من المسلمين، وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين، وكان فيما غنموا خاتم جاء به رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلت صاحبه يومئذ فنفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتقدم حديث عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه.
وروى محمد بن عمر، عن خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: (حضرت مؤتة فبارزني رجل منهم يومئذ فأصبته وعليه بيضة له فيها ياقوتة، فلم تكن همتي الا الياقوتة، فأخذتها.
فلما رجعنا الى المدينة أتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفلنيها، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار فاشتريت بها حديقة نخل).
قال في البداية: (وهذ ا يقتضي أنهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من امرائهم).
وروى البخاري عن خالد رضي الله تعالى عنه قال: (لقد اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وما ثبت في يدي الا صفيحة يمانية) (2) وهذا يقتضي أنهم اثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم - إذ كان المسلمون ثلاثة آلاف والمشركون اكثر من مائتي ألف - وهذا وحده دليل مستقل والله أ علم.
وقد ذكر ابن اسحاق ان قطبة بن قتادة العذري الذي كان على ميمنة المسلمين حمل على مالك بن رافلة ويقال ابن رافلة، وهو أمير أعراب النصارى، فقتله، وقال قط بة يفتخر بذلك: طعنت ابن رافلة ابن الاراش برمح مضى فيه ثم انحطم ضربت على جيده ضربة فمال كما مال غصن السلم وسقنا نساء بني عمه غداة رقوقين سوق النعم وهذا يؤيد ما نحن فيه لان من عادة أمير الجيش إذا قتل أن يفر أصحابه، ثم انه صرح في شعره بأنهم سبوا من نسائهم، وهذا واضح فيما ذكرناه.
وروى الامام أحمد وابن ماجه عن
__________
(1) أخرجه مسلم 3 / 1473 كتاب الجهاد (43 - 1753).
(2) أخرجه البخاري 7 / 588 كتاب المغازي (4265).
(*)(6/152)
أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أصيب جعفر وأصحابه فقال: (ايئتني ببني جعفر).
فأتيته بهم فشمهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شئ ؟ قال: (نعم أصيبوا هذا اليوم).
قالت: فقمت أصيح واجتمع الي النساء وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أهله فقال: (لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد شغلوا بأمر صاحبهم).
وروى البخاري والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس يوم أصيبوا قبل أن يأتيه خبرهم فقال: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله عليهم (1).
وروى النسائي والبيهقي عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الامراء فانطلقوا فلبثوا ما شاء الله، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنودي: الصلاة جامعة.
فاجتمع الناس ا لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أخبركم عن جيشكم هذا.
انهم انطلقوا فلقوا العدو زيد شهيدا، فاستغفر له ثم أخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيدا، فاستغفر له، ثم أخذه خالد بن الوليد، ولم يكن من الامراء، هو أمر نفسه).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم انه سيف من سيوفك فأنت تنصره).
فمن يومئذ سمي خالد: (سيف الله).
وروى البيهقي عن ابن عقبة رحمه الله تعالى قال: (قدم يعلى بن أمية رضي الله تعا لى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر أهل مؤتة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وان شئت أخبرني وان شئت أخبرك، بخبرهم).
قال: بل أخبرني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأخبره ر سول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كله فقال: (والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره وان أمرهم لكما
ذكرت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله عز وجل رفع لي الارض حتى رأيت معتركهم ورأيتهم في المنام على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صا حبيه فقلت: عم هذا ؟ فقيل لي: مضيا وتردد بعض التردد ثم مضى) (2).
وروى عبد الرز اق عن ابن المسيب رحمه الله تعالى مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل جعفر وزيد وابن رواحة في خيمة من در، فرأيت زيدا، وابن رواحة في أعناقهما صدودا، ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود، فسألت أو قيل لي انهما حين غشيهما الموت اعترضا أو كأنهما صدا بوجهيهما، وأما
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 92 واحمد في المسند 3 / 113 والبيهقي في السنن 8 / 154 والحاكم في المستدرك 3 / 42 وابن سعد في الطبقات 4 / 1 / 25.
(2) انظر البداية والنهاية 4 / 247.
(*)(6/153)
جعفر فانه لم يفعل وان الله تعالى أبدله جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء).
وروى البخاري والنسائي عن عامر الشعبي قال: (كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا حيا عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين) (1).
قال ابن اسحاق: (ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني -: (أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا).
قال: ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الانصار وظنوا انه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون ثم قال: (ثم أخذهاعبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا)، ثم قال: (لقد رفعوا الي في الجنة فيما ير ى النائم على سرر من ذهب).
فذكر مثل ما سبق.
وروى ابن سعد عن أبي عامر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه مصاب أصحابه شق ذلك عليه فصلى الظهر ثم دخل وكان إذا صلى الظهر قام فركع ركعتين ثم أقبل بوجهه على القوم، فشق ذلك على الناس، ثم صلى ا لعصر ففعل مثل ذلك، (ثم صلى المغرب ففعل مثل ذلك) ثم صلى العتمة ففعل مثل ذلك حتى إذا كان صلاة الصبح دخل المسجد ثم تبسم، وكان تلك الساعة لا يقوم إليه انسان من ناحية
المسجد حتى يصلي الغداة.
فقال له القوم (حين تبسم): (يا نبي الله بأنفسنا أنت لا يعلم الا الله ما كان بنا من الوجد منذ رأينا منك الذي رأينا).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الذي رأيتم مني انه أحزنني قتل أصحابي حتى رأيتهم في الجنة اخوانا على سرر متقابلين، ورأيت في بعضهم اعراضا كأنه كره السيف ورأيت جعفرا ملكا ذا جناحين مضرجا بالدماء مصبوغ القوادم) (2).
وروى الحكيم الترمذي في الثالث والعشرين بعد المائة من فوائده عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: بعثني خالد بن الوليد بشيرا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة.
ذكر من استشهد بمؤتة من المسلمين رضي الله تعالى عنهم جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، ومسعود بن الاسود بن حارثة (بن نضلة)، ووهب بن سعد بن أبي سرح، وعباد بن قيس - عباد بفتح المهملة وتشديد الموحدة، ويقال عبادة بضم أوله وتخفيف الموحدة وزيادة تاء التأنيث - والحارث بن النعمان (بن اساف بن نضلة)، وسراقة بن عمرو بن عطية (بن خنساء) وزاد بن هشام نقلا عن ابن شهاب الزهري: أبا كليب - أو كلاب بكسر الكاف وتخفيف اللام - ابن عمرو بن زيد، وأخاه جابر بن عمرو بن زيد، وعمرو، وعامر ابنا سعد ابن الحارث (بن عباد بن سعد) وز اد الكلبي
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 94 (3709).
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 99.
(*)(6/154)
والبلاذري: هوبجة بن بجير بن عامر الضبي - هوبجة بفتح الهاء وسكون الواو وفتح الموحدة وبالجيم وتاء التأنيث، وبجير: بضم الموحدة وفتح الجيم وسكون التحتية وبالراء، والضبي بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة - ولما قتل فقد جسده، ولا ذكر لهوبجة فيما وقفت عليه من نسخ الاصابة للحافظ ولا للقاموس مع ذكر الذهبي له في التجريد وان له وفادة وهجر ة.
وزاد ابن سعد، والعدوي، وابن جرير الطبري: زيد بن عبيد بن المعلى الانصاري.
وز اد ابن
اسحاق كما في الاصابة، وجزم بن في الزهر: عبد الله بن سعيد بن العاص بن أمية قال ابن الاثير: قتل باليمامة في الاكثر، وقال الذهبي الاصح ببدر وقيل باليمامة وقيل بمؤتة.
وزاد ابن الكلبي، وابن سعد، والزبير بن بكار: هبار بن سفيان بن عبد الاسد المخزومي، وقا ل عروة، وابن شهاب الزهري وابن اسحاق وابن سعد استشهد بأجنادين، وقال سيف بن عمر: استشهد باليرموك.
وزاد ابن عقبة: عبد الله بن الربيع الانصاري، ومعاذ بن ماعص - بالعين والصاد المهملتين، ووقع في نسخة من مغازي موسى بن عقبة أن الذي استشهد بمؤتة أخوه عباد.
وقال في البداية بعد ان ذكر جميع من قتل بمؤتة من المسلمين: ((فالمجموع على القولين) اثنا عشر رجلا، وهذا عظيم جدا أن يتقاتل جيشان متعاديان في الدين أحدهما وهو الفئة التي تقاتل في سبيل الله عدتها ثلاثة آلاف، واخرى كافرة عدتها مائتا ألف مقاتل: من الروم مائة ألف، ومن نصارى العرب مائة ألف، يتبارزون ويتصاولون، ثم مع هذا كله لا يقتل من المسلمين سوى اثني عشر رجلا وقتل من المشركين خلق كثير هذا خالد وحده يقول: (لقد اندقت في يدي يومئذ تسعة أسياف وما صبرت في يدي الا صفيحة يمانية).
فما ذا ترى قد قتل بهذه الاسياف كلها ؟ دع غيره من الابطال والشجعان من حملة القرآن وهذا مما يدخل في قوله تعالى: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار (آل عمران 13).
ذكر رجوع المسلمين الى المدينة وتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين لهم قال ابن عائذ رحمه الله تعالى: وقفل المسلمون فمروا في طريقهم بقرية لها حصن كان (أهلها) قتلوا في ذهاب المسلمين رجلا من المسلمين فحاصروهم حتى فتحه الله عليهم عنوة وقتل خالد مقاتليهم.
وروى اسحاق عن عروة قال: لما أقبل اصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه.
قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون: يا(6/155)
فرار فررتم في سبيل الله.
قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار ان شاء الله تعالى) (1).
وروى الامام احمد، وأبو داود، وابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس وكنت فيمن حاص.
وفي رواية: فلما لقينا العدو في أول غادية فأردنا ان نركب البحر فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف ؟ ثم قلنا لو دخلنا المدينة (قتلنا)، فقدمنا المدينة في نفر ليلا فاختفينا.
ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرنا إليه، فان كانت لنا توبة والا ذهبنا.
فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال: (من القوم ؟).
قلنا نحن الفرارون، قال: (بل أنتم الكرارون وأنا فئتكم)..أو قال: (وأنا فئة كل مسلم).
قال: فقبلنا يده (2).
وروى ابن اسحاق عن أم سلمة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها انها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة: مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين ؟ قالت: والله ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس: يا فرار فررتم في سبيل الله، حتى قعد في بيته فما يخرج، وكان في غزوة مؤتة.
وعن خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: (حضرت مؤتة وبرز لي رجل منهم فأصبته وعليه بيضة فيها ياقوتة فلم يكن همي الا الياقوتة فأخذتها.
فلما انكشفنا ر جعنا الى المدينة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفلنيها، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار فاشتريت بها حديقة نخل).
رواه البيهقي.
قال في البداية: لعل طائفة منهم فروا لما عاينوا كثرة جموع العدو على ما ذكروه مائتي ألف، وكان المسلمون ثلاثة آلاف، ومثل هذه يسوغ الفرار، فلما فر هؤلاء ثبت باقيهم وفتح الله عليهم وتخلصوا من أيدي اولئك وقتلوا منهم مقتلة عظيمة كما ذكره الزهري وموسى بن عقبة والعطاف بن خالد، وابن عائذ، وحديث عوف بن مالك السابق يقتضي أنهم غنموا
منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من أمرائهم وقد تقدم فيما رواه البخاري أن خالدا ر ضي الله تعالى عنه قال: (اندقت في يدي تسعة أسياف الخ) يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم وهذا وحده دليل مستقل.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 93.
(2) أخرجه أبو داود 2 / 52 (2647).
والترمذي 4 / 186 (1716).
واحمد في المسند 2 / 111 والبيهقي في السنن 9 / 78 وأبو نعيم في الحلية 9 / 57.
(*)(6/156)
تنبيهات الأول: مؤتة: بضم الميم وسكون الواو وبغير همز لاكثر رواة الصحيح وبه جزم المبرد، ومنهم من همز وبه جزم ثعلب، والجوهري، وابن فارس، وحكى صاحب الوافي الوجهين.
وأما الموتة التي وردت الاستعاذة منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز والاولى قرية من قرى البلقاء وهي كورة من أعمال دمشق.
الثاني: المعروف بين أهل المغازي أن مسيرة مؤتة كانت سنة ثمان لا يختلفون في ذلك الا ما ذكر خليفة بن خياط - بالخاء المعجمة وتشديد التحتية - في تاريخه أنها سنة سبع.
الثالث: وقع في جامع الترمذي في الاستئذان وفي الادب في باب ما جاء في انشاد الشعر ان غزوة مؤتة كانت قبل عمرة القضاء، قال في النور: وهذا غلط لا شك فيه.
قلت: وتقدم بيان ذلك مبسوطا في عمرة القضاء.
الرابع: عقر جعفر رضي الله تعالى عنه فرسه، رواه أبو داود من طريق محمد بن سلمة عن ابن اسحاق قال عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال حدثني أبي الذي أرضعني فذكره وقال: ليس هذا الحديث بالقوي.
وقد جاء نهي كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن تعذيب البهائم وقتلها عبثا) كذا قال أبو داو د: انه ليس بقوي وابن
اسحاق حسن الحديث وقد صرح بالتحديث في رواية زياد البكائي فقال: حدثني يحيى بن عباد، ويحيى وأبوه ثقتان، وجهالة اسم الصحابي لا تضر، ورواه أيضا عن ابن اسحاق عبد الله بن ادريس الاودي كما في مستدرك الحاكم فسند الحديث قوي.
وانما عقره لئلا يظفر به العدو، فرخص فيه مالك وكره ذلك الاوزاعي والشافعي، واحتج الشافعي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل عصفورا فما فوقه بغير حقه يسأله الله تعالى عن قتله).
واحتج بنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان الا لمأكلة.
قال: وأما أن يعقر الفرس من المشركين فله ذلك لان ذلك أمر يجد به السبيل الى قتل من أمر بقتله.
الخامس: في رواية سعيد بن أبي هلال كما في الصحيح عن أبي معشر كما في سنن سعيد بن منصور عن نافع عن ابن عمر انه أخبره (انه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها - أو قال فيها - شئ في دبره).
وفي رواية عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفزاري كما في الصحيح والعمري كما عند(6/157)
ابن سعد عن نافع عن ابن عمر قال: (التمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى في جسده بضع وتسعون من طعنة ورمية).
فظهر ذلك التخالف، قال الحافظ: ويجمع بأن العدد قد لا يكون له مفهوم أو بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام فان ذلك لم يذكر في الرواية الاولى أو الخمسين مقيدة بكونها ليس فيها شئ في دبره أي ظهره، فقد يكون الباقي في بقية جسده، ولا يستلزم ذلك أنه ولى دبره، وانما هو محمول على ان الرمي جاءه من جهة قفاه أو جانبيه، ولكن يريد الأول ان في رواية العمري عن نافع: فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده بعد أن ذكر العدد بضعا وتسعين.
ووقع في رواية البيهقي في الدلائل بضع وسبعون - بتقديم السين على الموحدة - وأشار أن بضعا وتسعين بتقديم الفوقية على السين أثبت.
السادس: قوله: (فأثابه الله تعالى جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء).
أي عوضه الله تعالى جناحين عن قطع يديه في تلك الوقعة حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت، ثم أخذه
بشماله فقطعت ثم احتضنه فقتل.
وروى البيهقي أحد رواة الصحيح عن البخاري انه قال: يقال لكل ذي ناحيتين جناحان، أشار بذلك الى أن الجناحين ليس على ظاهرهما.
وقال السهيلي: ((ومما ينبغي الوقوف عليه في معنى الجناحين انهما) ليسا كما يسبق الى الوهم على مثل جناحي الطائر وريشه، لان الصورة الادمية أشرف الصور وأكملها...فالمراد بالجناحين صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر (كما أعطيتها الملائكة) وقد عبر القرآن عن العضد بالجناح توسعا في قوله تعالى: (وضمم يدك الى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى) (طه 22) وقال العلماء في أجنحة الملائكة انها ليست كما يتوهم من أجنحة الطير ولكنها صفات ملكية لا تفهم الا بالمعاينة.
فقد ثبت ان لجبريل ستمائة جناح ولا يعد للطائر ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك، وإذا لم يثبت خبر في بيان كيفيتها فيؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها).
انتهى.
قال الحافظ: (وهذا الذي جزم به في مقام المنع والذي نقله عن العلماء ليس صريحا في الدلالة على ما ادعاه ولا مانع من الحمل على الظاهر الا من جهة ما ذكره من المعهو د وهو من قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره لان الصورة باقية)، وقد روى البيهقي في الدلائل من مرسل عاصم بن عمر بن قتادة الانصاري ان جناحي جعفر من ياقوت وجاء في جناحي جبريل انهما من لؤلؤ، أخرجه ابن منده في ترجمة ورقة بن نوفل من كتاب المعرفة.
السابع: أكثر الاثار تدل على ان المسلمين هزموا المشركين، وفي بعضها ان خالدا انحاز بالمسلمين، وقد تقدم بيان ذلك.
قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن يكون المسلمون(6/158)
هزموا جانبا من المشركين وخشي خالد ان يتكاثر الكفار عليهم.
فقد مر أنهم كانوا أ كثر من مائتي ألف، فانحاز عنهم حتى رجع بالمسلمين الى المدينة.
وقال الحافظ ابن كثير في البداية يمكن الجمع بان خالدا لما انحاز بالمسلمين بات ثم
أصبح وقد غير بقية العسكر كما تقدم، وتوهم العدو انهم قد جاءهم مدد، حمل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم، ورأى الرجوع بالمسلمين مع الغنيمة الكبرى.
الثامن: انما رد صلى الله عليه وسلم السلب الى خالد بعد الامر الأول باعطائه للقا تل نوعا من النكير، ودعا له، لئلا يتجرأ الناس على الائمة، وكان خالد مجتهدا في صنيعه ذلك، فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتهاده لما رأى في ذلك من المصلحة العامة بعد أن خطأه في رأيه الاول، ويشبه ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم عوض المددي من الخمس الذي هو له وأرضى خالدا بالصفح عنه وتسليم الحكم له في السلب.
التاسع: في بيان غريب ما سبق: أدنى البلقاء من أرض الشام: أي أقرب.
البلقاء: بفتح الموحدة وسكون اللام وبالقاف وألف تأنيث مقصورة كورة ذات قرى ومزارع من أعمال دمشق.
لهب: بكسر اللام وسكون الهاء وبالموحدة: بطن من الازد.
تلك بصرى: اسمه: (الحارث بن أبي شمر الغساني).
عرض له: تصدى له ومنعه من الذهاب.
شرحبيل: بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة: اسم أعجمي لا ينصرف.
الغساني: بفتح الغين المعجمة وبالسين المهملة المشددة.
قتل صبرا: أمسك حيا ثم رمي بشئ حتى مات.
ندب الناس: دعاهم.
الجرف: بضم الجيم والراء كما قال الحازمي وأبو عبيد البكري والقاضي وقال ياقوت وتبعه المجد اللغوي بالضم فالسكون: على ثلاثة أميال من المدينة لجهة الشام.
رواحة: بفتح الراء وتخفيف الواو وبالحاء المهملة.(6/159)
شرح غريب ذكر طعن بعض الصحابة في امارة زيد بن حارثة وغريب ذكر سير المسلمين قوله تطعنون: بضم العين وفتحها.
وأيم الله: من ألفاظ القسم كقولك: لعمر الله، وفيها لغات، وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها همزة وصل وقد تقطع.
لخليق: بفتح اللام والخاء المعجمة وكسر اللام الثانية وسكون التحتية وبالقاف أي حقيق وجدير.
أرهب: أخاف.
ودع الناس: بالرفع فاعل.
أمراء: بالنصب مفعول، وبالعكس فان ودعك فقد ودعته والأول أولى لما سيأتي.
ودع عبد الله: بالبناء للمفعول.
أما والله: بتخفيف الهمزة وتخفيف الميم.
الصبابة: بفتح الصاد المهملة: رقة الشوق وحرارته، وهي بالرفع تقديره: ولا لي صبابة.
الورود: في الاية (مريم 71) الحضور والموافاة من غير دخول أو الدخول، والعرب تطلق الورود على هذين المعنيين.
الصدر: بفتح الصاد والدال المهملتين وبالراء، اسم من قولك صدرت عن البلد أي رجعت.
ذات فرغ: بفتح الفاء وسكون الراء وبالغين المعجمة: أي واسعة.
تقذف: بالقاف والذال المعجمة والفاء: ترمي.
الزبد: بفتح الزاي والموحدة وبالدال المهملة ما يعلو الماء (من الرغوة وكذلك) الدم.
حران: بفتح الحاء المهملة والراء المشددة وبالنون: تلهب الجوف.
مجهزة: بميم مضمومة فجيم ساكنة فهاء مكسورة وبالزاي فتاء تأنيث: سريعة القتل.
الاحشاء: جمع حشا وهو ما في البطن.
الجدث: بالجيم والدال المهملة وبالمثلثة: القبر والجمع أجداث واجدث.
رشد: بفتح الشين المعجمة وكسرها.
نافلة: هبة من الله وعطية منه، والنوافل العطايا والمواهب.(6/160)
أزرى به القدر: قصر به تقول أزريت بفلان إذا قصرت به.
خلف السلام: دعاء منه للنبي صلى الله عليه وسلم بالسلامة.
ثنية الوداع: تقدم الكلام عليها في شرح غريب الهجرة، وفي هذا دليل على أنها شا مي المدينة.
المفاحص: جمع مفحص بفتح الميم والحاء المهملة بينهما فاء ساكنة، وبالصاد المهملة، وهو في الاصل مكان مجثم القطاة لتبيض، يقال فحصت القطاة فحصا من باب نفع حفرت في الارض موضعا لتبيض فيه، فاستعير هنا لتمكن الشيطان منهم.
الافحاص: الحفر.
الضرع: بفتح الصاد المعجمة والراء والعين المهملة: والضارع بكسر الراء النحيف الضاوي الجسم.
الذمة: الامانة.
غدا يغدو غدوا من باب قعد: ذهب غدوة وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس.
الروحة: بفتح الراء وسكون الواو: وقت لما بين زوال الشمس الى الليل.
شرح غريب ذكر مسير المسلمين بعد الوداع أرقم: بفتح أوله وسكون الراء وبالقاف.
الحقيبة: بفتح الحاء المهملة وكسر القاف وسكون التحتية وبالموحدة وتاء التأنيث: ما
يجعله الراكب وراءه.
الحسا: بكسر الحاء وبالسين المهملة والمد.
قال في المصباح: اسم موضع.
وقال في المراحل: مياه لبني فزارة بين الربذة ونخل يقال لمكانها ذو حس.
وقال في الاملاء: الحساء جمع حسي وهو ماء يغور في الرمل وإذا بحث عنه وجد.
فشأنك: أمرك.
أنعم: جمع نعمة أي احسان.
وخلاك ذم بالخاء في خلاك والذال في ذم المعجمتين: فارقك فلست بأهل له.
ولا أرجع: مجزوم بالدعاء أي اللهم لا أرجع.
آب: بالمد رجع.
غادره: تركه.(6/161)
مشتهي الثواء: بضم الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الفوقية وكسر الهاء: أي لا أر يد الرجوع، ومن رواه مستنهي بسين مهملة ففوقية فنون فهو مستفعل من النهاية والانتهاء حيث انتهى مثواه، والثواء بالثاء المثلثة فواو فهمزة ممدودة: الاقامة.
البعل: بفتح الموحدة وسكون العين المهملة وباللام: الذي يشرب بعروقه من الارض.
أسافلها رواء: من رواه بكسر الراء فمعناه ممتنعة من الماء ومن رواه بالرفع فهو ا قواء.
خفقني: ضربني.
اللكع: بضم اللام: الاحمق والصغير وغير ذلك، والأول والثاني المراد به، كأنه قال: يا صبي.
النصب: بنون فصاد مهملة مفتوحتين فموحدة: التعب.
شعبتي الراحل: طرفاه المقدم والمؤخر.
يا زيد: أي ابن ارقم كما ذكر ابن اسحاق، وقال غيره: بل أراد زيد بن حارثة، ويجوز
فيه الضم والنصب، وزيد الثاني بالنصب.
اليعملات: بتحتية مفتوحة فعين مهملة ساكنة فميم مفتوحة جمع يعلمة وهي الناقة النجيبة المطبوعة على العمل.
الذبل: بذال معجمة مضمومة فموحدة مشددة مفتوحة وباللام جمع ذابل وهي التي أضعفها السير فقل لحمها.
قال في النور فسرها بالفرد وفيه نظر.
هديت: بضم الهاء وكسر الدال المهملة وفتح الفوقية على الخطاب.
معان: بفتح الميم كما في المراحل والقاموس وفي عدة نسخ من معجم ابي عبيد البكري بضم الميم، ونقل عنه في الزهر بباء موحدة بعد الالف وبغير همز، كذا قال، ونص في المراحل على أنه مهموز.
لخم: بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وبالميم.
جذام: بضم الجيم وبالذال المعجمة وبعد الالف ميم.
قضاعة: بضم القاف وبالضاد المعجمة وبعد الالف عين مهملة.
بلقين: (وهم بنو القين من قضاعة).
بهراء: بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالراء ومد الهمزة.
بلي: بفتح الموحدة وكسر اللام وتشديد التحتية.(6/162)
اراشة: (من بلي).
رافلة: براء فألف ففاء مسكورة فلام فتاء تأنيث.
يمدنا: بضم التحتية وكسر الميم.
التخوم: بضم الفوقية والخاء المعجمة جمع تخم بضم الفوقية وسكون الخاء المعجمة: الحد الذي يكون بين أرض وأرض.
وقال ابن الاعرابي وابن السكيت: الواحد تخوم (الجمع تخم) كرسول ورسل.
مشارف: بفتح الجيم وبالشين المعجمة المخففة وبعد الالف راء مكسورة ثم فاء، وظاهر كلام ابن اسحاق انها غير مؤتة.
وقال في الزهر: وليس كذلك بل هما اسمان على مكان واحد.
وقال المبرد: المشرفية سيوف نسبت الى المشارف من أرض الشام وهو الموضع الملقب بمؤتة الذي قتل به جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
الضبابة: سحاب رقيق كالدخان.
الكراع: وزن غراب، وهو هنا جماعة الخيل خاصة.
برق بصره: بكسر الراء تحير فزعا وأصله من برق الرجل إذا نظر الى البرق فدهش بصره وقوي، برق بفتح الراء من البريق أي لمع.
ثابت: بالثاء المثلثة فألف فموحدة ففوقية.
أقرم: بفتح أوله وسكون القاف.
فتعبأ: بفتح الهمزة في آخره.
عذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء وتاء تأنيث.
قطبة: بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبالموحدة.
عباية: بفتح العين المهملة وتخفيف الموحدة وبالتحتية آخره.
شرح غريب ذكر التحام القتال شاط في رماح القوم: قتل برماحهم.
ألحم الرجل واستلحم - بالبناء للمفعول - فيها إذا نشب في الحرب فلم يجد له مخلصا وألحمه غيره فيها ولحم إذا قتل فهو ملحوم ولحيم.
اقتحم الانسان: رمى بنفسه في الامر العظيم من غير روية، وقد قيل ان هذا يفعله الفارس من العرب إذا أرهق وعرف أنه مقتول فينزل ويجالد العدو راجلا.(6/163)
عرقب الدابة: قطع عرقوبها وهو الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم وبالساق
من ذوات الاربع، وهو من الانسان فويق العقب.
العقر: بفتح العين المهملة وسكون القاف وبالراء، وهو هنا ضرب قوائم الدابة وهي قائمة بالسيف.
احتضنه بعضديه: أخذه بحضنه، والحضن ما تحت العضد الى أسفل منه.
قطعه: بفتح القاف والطاء المهملة المشددة، وقطعه بمعنى واحد.
أجلب الناس: أصاحوا.
الرنة: بفتح الراء وبالنون المشددة: الصوت بحزن.
النطفة: الشئ اليسير جدا من الماء.
الشنة: بفتح الشين المعجمة والنون المشددة: السقاء البالي فيوشك أن تهراق النطفة وينخرق السقاء، ضرب ذلك مثلا له لنفسه في جسده.
الحمام: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم.
صليت: بفتح الصاد المهملة وكسر اللام وسكون التحتية.
أعطيت: بالبناء للمفعول.
فعلهما: يعني زيد بن حارثة وجعفرا.
العرق: بفتح العين وسكون الراء وبالقاف: العظم بما عليه من بقية اللحم.
انتهس: بكسر أوله وسكون النون وفتح الفوقية وبالسين المهملة: أخذ اللحم بمقدم أسنانه.
الحطمة: بفتح الحاء وسكون الطاء المهملتين: ازدحام الناس وحطم بعضهم بعضا.
ثابت: بثاء مثلثة وموحدة وفوقية.
أقرم: بفتح اوله وسكون القاف وبالراء والميم.
خاشى بهم: بالخاء والشين المعجمتين فاعل من الخشية أي أبقى عليهم وحذر (فانحاز) يقال: خاشيت فلانا أي تاركته.
انحاز: تنحى عن موضعه وانحيز عنه بالبناء للمفعول.
الشرذمة: بالكسر القليل من الناس.
العطاف: كشداد الذي يكر مرة بعد أخرى.(6/164)
ابن عايذ: بالتحتية والذال المعجمة.
الوطيس: شبه التنور أو الضراب في الحرب.
والوطيس الذي يطس الناس أي يدقهم وقال الاصمعي: هو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطئوها، ولم يسمع هذا الكلام من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم (وهو من فصيح الكلام) عبر عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق.
البرقاني: بضم الموحدة فراء فقاف.
الاشجعي: (بفتح أوله فشين معجمة فعين مهملة فتحتية).
المددي: بدالين مهملتين جمعه أمداد، وهم من أهل اليمن أي الغزاة الذين يمدون جيوش الاسلام.
صفو الشئ: خلاصته بفتح الصاد لا غير، فإذا ألحقوا التاء ثلثوا الصاد ومنه لكم صفوة أمرهم يعني أن مقاساة جمع المال وحفظ البلاد ومداراة الناس على الامراء، وللناس أعطيناهم، ثم ما كان من خطأ في ذلك أو غفلة أو سوء فانه على الامراء، والناس منه براء.
الكدر: بفتح الكاف والدال المهملة ضد الصفاء.
في يدي: بكسر الدال.
اندقت: انقطعت.
الفيحة: بصاد مهملة مفتوحة ففاء مكسورة فتحتية ساكنة فحاء مهملة: السيف العريض.
يمانية: بتخفيف التحتية الثانية وحكي تشديدها.
ابن زافلة: بزاي فألف ففاء مكسورة.
الاراشة: منسوب الى اراشة بكسر الهمزة وبالشين المعجمة.
انحطم: انكسر.
الجيد: العنق.
السلم: بفتح السين المهملة واللام ضرب من الشجر الواحدة سلمة.
رقوقين: قال في الاملاء اسم موضع.
قال: ويروى رقوفين بالفاء بعد الواو وقبل التحتية.
قلت ولم أجد له ذكرا فيما وقفت عليه من أسماء الاماكن.
يعلى: بفتح التحتية وسكون العين المهملة وفتح اللام.
منية: بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية.(6/165)
المعترك: بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية والراء وبالكاف: المعر كة بفتح الميم موضع القتال.
الازورار: العدول والانحراف.
الصدود: الاعراض.
الفئة: بكسر الفاء وفتح الهمزة.
قال الراغب الطائفة المتضافرة التي يرجع بعضها الى بعض، وقال ابن الاثير في الجامع: الفئة الجماعة الذين يرجع إليهم عن موقف الحر ب، يجتمعون إليهم أي يفيئون إليهم، انتهى.
ولا واحد لها من لفظها، وجمعها فئات، وقد تجمع بالواو والنون.
حاص الناس: بحاء وصاد مهملتين: جاءوا منهزمين.
العكار: الكرار الى الحرب والعطاف نحوها، يقال للرجل يولي عن الحرب ثم يكر راجعا إليها عكر واعتكر.(6/166)
الباب السابع والاربعون في سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه الى ذات السلاسل في جمادى الاخرة سنة ثمان
قال ابن عقبة وابن اسحاق، وابن سعد، ومحمد بن عمر رحمهم الله تعالى واللفظ له: (بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة يريدون أن يدنوا الى أطراف مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول سالله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص بعد اسلامه بسنة).
وعند ابن اسحاق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرا يستنفر العرب الى الشام، فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والانصار، وأمره ا ن يستعين بمن مر به من العرب: من بلي (1)، وعذرة، وبلقين، وذلك ان عمرا كان ذا رحم فيهم، كانت أم العاص بن وائل بلوية، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم بعمرو.
وفي حديث بريدة عند اسحاق بن راهويه أن أبا بكر قال: (ان عمرا لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم الا لعلمه بالحرب).
انتهى.
وكان معه ثلاثون فرسا، فكان يكمن النهار ويسير الليل حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلاسل ويقال السلسل وبذلك سميت الغزوة ذات السلاسل بلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث عمرو رافع بن مكيث الجهني الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره ان لهم جمعا كثيرا ويستمده.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه، وعقد له لواء، وبعث معه سراة المهاجرين كأبي بكر وعمر بن الخطاب، وعدة من الانصار رضي الله تعالى عنهم.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة أن يلحق بعمرو - فلما أراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو: (انما قدمت علي مددا لي وليس لك أن تؤمني وأنا الامير).
فقال المهاجرون، (كلا بل أنت أمير اصحابك وهو أمير اصحابه).
فقال عمرو: (لا، أنتم مدد لنا).
فلما رأى أبو عبيدة الاختلاف وكان رجلا لينا حسن الخلق سهلا هينا عليه أمر الدنيا، يسعى لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده قال: (يا عمرو تعلمن ان آخر شئ عهد الي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: (إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا، وانك والله ان عصيتني
لاطيعنك).
وأطاع أبو عبيدة عمرا.
فكان عمرو يصلي بالناس.
وقال عمرو: (فاني الامير عليك وأنت مددي).
قال: (فدونك).
__________
(1) انظر معجم البلدان 1 / 586.
(*)(6/167)
وروى الامام أحمد عن الشعبي مرسلا قال: (انطلق المغيرة بن شعبة الى أبي عبيدة فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعملك علينا وان ابن فلان قد اتبع أ مير القوم فليس لك معه أمر).
فقال أبو عبيدة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ان نتطاوع فأنا أطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وان عصاه عمرو).
انتهى.
فأطاع أبو عبيدة عمرا فكان عمرو يصلي بالناس، وصار معه خمسمائة، فسار حتى نزل قريبا منهم وهم شاقون، فجمع أصحابه الحطب يريدون ان يوقدوا نارا ليصطلو ا عليها من البرد، فمنعهم، فشق عليهم ذلك، حتى كلمه في ذلك بعض المهاجرين فغا لظه.
فقال له عمرو: (قد أمرت أن تسمع لي).
قال: نعم.
قال: فافعل.
وروى ابن حبان، والطبراني برجال الصحيح عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في غزوة ذات السلاسل فسأله أصحابه أن يوقدو ا نارا فمنعهم.
فكلموا أبا بكر رضي الله تعالى عنه، فكلمه فقال: (لا يوقد أحد منهم نارا الا قذفته فيها) (1).
وروى الحاكم (2) عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في سرية فيهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، فلما انتهوا الى مكان الحرب أمرهم عمرو ألا يوقدوا نارا فغضب عمر بن الخطاب وهم أن يأتيه، فنها ه أبو بكر وأخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستعمله الا لعلمه بالحرب.
فهدأ عنه، فسار عمرو الليل وكمن النهار حتى وطئ بلاد العدو ودوخها كلها حتى انتهى الى موضع بلغه أنه قد كان به جمع فلما سمعوا به تفرقوا، فسار حتى إذا انتهى الى أقصى بلادهم ولقي في آخر ذلك جمعا ليسو ا بالكثير، فاقتتلوا ساعة وحمل المسلمون عليهم فهزموهم وتفرقوا ودوخ عمرو ما هنالك وأقام أياما لا يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه (الا قاتلهم).
وكان يبعث اصحاب الخيل فيأتون
بالشاء والنعم فكانوا ينحرون ويأكلون ولم يكن أكثر من ذلك، لم يكن في ذلك غنائم تقسم، كذا قال جماعة.
قال البلاذري: فلقي العدو من قضاعة، وعاملة، ولخم، وجذام، وكانوا مجتمعين ففضهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وغنم.
وروى ابن حبان والطبراني عن عمرو انهم لقوا ا لعدو، فأراد المسلمون ان يتبعوهم فمنعهم.
وبعث عمرو عوف بن مالك الاشجعي رضي الله تعالى عنه بشيرا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقفولهم وسلامتهم وما كان في غزاتهم.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 323، وقال: رواه الطبراني باسنادين ورجال الأول رجال الصحيح.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 42 في كتاب المغازي وقال: هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
(*)(6/168)
ذكر وصية ابي بكر رضي الله تعالى عنه لرافع بن أبي رافع بن عميرة الطائي رضي الله تعالى عنه روى ابن اسحاق، ومحمد بن عمر، عن رافع رضي الله تعالى عنه قال: (كنت امرءا نصرانيا وسميت سرجس فكنت أدل الناس وأهداه بهذا الرمل، كنت ادفن الماء في بيض النعام بنواحي الرمل في الجاهلية، ثم أغير على ابل الناس فإذا أدخلتها الرمل غلبت عليها، فلم يستطع أحد ان يطلبني فيه حتى أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه فأشرب منه.
فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى ذات السلاسل).
قال: (فقلت والله لاختارن لنفسي صاحبا).
قال: (فصحبت ابا بكر رضي الله تعا لى عنه فكنت معه في رحله.
وكانت عليه عباءة فدكية فكان إذا نزلنا بسطها، وإذا ركبنا لبسها ثم شكها عليه بخلال له.
وذلك الذي يقول أهل نجد - حين ارتدوا كفارا - نحن نبايع ذا العباءة).
قال: (فلما دنونا من المدينة قافلين قلت: يا أبا بكر رحمك الله، انما صحبتك لينفعني الله تعالى بك، فانصحني وعلمني).
قال: (لو لم تسألني ذلك لفعلت.
آمرك ا ن توحد الله تعالى
ولا تشرك به شيئا وان تقيم الصلاة وان تؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت وتغتسل من الجنابة ولا تتأمرن على رجلين من المسلمين أبدا).
قال: (قلت يا أبا بكر: أما ما أمرتني به من توحيد الله عز وجل فاني والله لا أشرك به أحدا أبدا، وأما الصلاة فلن أتركها أبدا ان شاء الله تعالى، وأما الزكاة فان يكن لي مال اؤدها ان شاء الله تعالى، واما رمضان فلن أتركه ابدا ان شاء الله تعالى، واما الحج فان أستطع أحج ان شاء الله تعالى، واما الجنابة فسأغتسل منها ان شاء الله تعالى، واما الامارة فاني رأيت الناس يا أبا بكر لا يصيبون هذا الشرف وهذه المنزلة عند الناس الا بها فلم تنهاني عنها) ؟.
قال: (انك استنصحتني فجهدت لك نفسي وسأخبرك عن ذلك ان شاء الله، ان الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الدين، فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه ط وعا وكرها، فلما دخلوا فيه أجارهم الله من الظلم، فهم عواذ الله وجيرانه وفي ذمته وأمانته، فايا ك ان تخفر ذمة الله في جيرانه فيتبعك الله تعالى في خفرته فان أحدكم يخفر في جاره فيظل ناتئا عضله غضبا لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير فالله أشد غضبا لجاره).
وفي لفظ: (فالله من وراء جاره).
قال: ففارقته على ذلك، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر على الناس قدمت عليه فقلت له: يا أبا بكر ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين ؟ قال: (بلى وأنا الان أنهاك عن ذلك).
فقلت له: (فما حملك على أن تلي أمر الناس ؟) قال: (اختلف(6/169)
الناس وخشيت عليهم الهلاك).
وفي رواية: (الفرقة ودعوا الي فلم أجد بدا من ذلك).
ذكر احتلام عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه روى محمد بن عمر، عن أبي بكر بن حزم رحمه الله تعالى قال: (احتلم عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه حين قفلوا في ليلة باردة كأشد ما يكون البرد، فقال لاصحابه: ما ترون ؟ قد والله احتلمت فان اغتسلت مت.
فدعا بماء وتوضأ وغسل فرجه وتيمم، ثم قام وصلى بالناس، فلما قدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن صلاته فأخبره وقال: والذي
بعثك بالحق اني لو اغتسلت لمت، لم أجد بردا قط مثله، وقد قال الله تعالى: (ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما) (النساء 29).
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يبلغنا انه قال له شيئا.
وروى أبو داود عن عمرو نحوه وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟) (1).
ذكر قصة عوف بن مالك الاشجعي رضي الله تعالى عنه في الجزور روى البيهقي من طريق ابن اسحاق قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب (2) قال: حدثت عن عوف بن مالك.
ومن طريقين عن سعيد بن أبي أيوب (3) وابن لهيعة (4) عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط (5) أخبره عن مالك بن هرم أظنه عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه واللفظ لابن اسحاق، قال: (كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص، وهي غزوة ذات السلاسل، فصحبت أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فمررت بقوم وهم على جزور قد نحروها وهم لا يقدرون على أن يبعضوها.
وكنت امرءا (لبقا) جازر ا.
فقلت
__________
(1) أخرجه أبو داود (334) واحمد في المسند 4 / 203 والبيهقي في السنن 1 / 225 والدلائل 4 / 402 والحاكم في المستدرك 1 / 117 والدارقطني 1 / 178.
(2) يزيد بن أبي حبيب مولى شريك بن الطفيل الازدي أبو رجاء المصري عالمها عن عبد الله بن الحارث بن جزء، وأبي الخير اليزني، وعطاء وطائفة.
وعنه يزيد بن أبي أنيسة وحيوة بن شريح، ويحيى بن أيوب وخلعه قال ابن يونس: كان حليما عاقلا، وقال الليث: يزيد عالمنا وسيدنا.
وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث مات سنة ثمان وعشرين ومائة الخلاصة 3 / 167.
(3) سعيد بن أبي أيوب الخزاعي مولاهم أبو يحيى بن مقلاص بكسر الميم، وسكون القاف وآخره صاد مهملة المصري.
عن جعفر بن ربيعة ويزيد بن أبي حبيب.
وعنه ابن جريج، وابن وهب، وثقه ابن معين.
وقال ابن يونس: توفي سنة احدى وستين ومائة.
الخلاصة 1 / 374.
(4) عبد الله بن لهيعة بن عقبة المصري الفقيه أبو عبد الرحمن قاضي مصر ومسندها.
وروى عن عطاء بن أبي رباح،
وعمرو بن دينار، والاعرج، وخلق.
وعنه الثوري، والاوزاعي، وشعبة وماتوا قبله، والليث وهو أكبر منه، وابن المبارك، وخلق.
وثقه أحمد وغيره.
وضعفه يحيى القطان وغيره.
مات سنة أربع وسبعين ومائة طبقات السيوطي 107.
(5) ربيعة بن لقيط، ذكره أبو الحسن العسكري في الافراد، انظر أسد الغابة 3 / 217.
(*)(6/170)
لهم: أتعطوني منها عشيرا على أن أقسمها بينكم ؟ قالوا: نعم.
فأخذت الشفرة فجز أتها مكاني وأخذت جزءا، فحملته الى اصحابي فاطبخناه وأكلناه.
فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما: اني لك هذا اللحم يا عوف ؟ فأخبرتهما.
فقالا: والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا.
ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما منه.
فلما قفل الناس (من ذلك السفر).
كنت أول قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفي رواية مالك بن هرم: ثم أبردوني في فيج لنا فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئته وهو يصلي في بيته فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
فقال: (أعوف بن مالك ؟) فقلت: نعم، بأبي أنت وأمي.
فقال: (أصاحب الجزور ؟) ولم يزدني على ذلك شيئا.
وليس في رواية مالك بن هرم انهما أكلا، بل ذكر لابي بكر فيها.
زاد محمد بن عمر: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخبرني).
فأخبرته بما كان من سيرنا وما كان بين أبي عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص ومطاوعة ابي عبيدة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله ابا عبيدة بن الجراح) (1).
وروى ابن حبان، والطبراني عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه ان الجيش لما رجعوا ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منعي لهم من ايقاد النار ومن اتباعهم العدو فقلت: يا رسول الله اني كرهت ان يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم وكرهت ان يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعط فوهم عليهم.
فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره.
وروى البخاري عن ابي عثمان النهدي رحمه الله تعالى، موقوفا عليه، ومسلم والاسماعيلي والبيهقي عنه قال: سمعت عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذي السلاسل، وفي القوم ا بي بكر، وعمر، فحدثت نفسي انه لم يبعثني على أبي بكر وعمر الا لمنزلة عنده.
قال: فأتيته حتى قعدت بين
يديه وقلت: يا رسول الله من أحب الناس ؟ قال: (عائشة).
قلت: اني لست أ سألك عن أهلك.
قال: (فأبوها).
قلت: ثم من ؟ قال: (عمر).
قلت: ثم من ؟ حتى عد رهطا.
قلت في نفسي لا أعود أسأل عن هذا، وفي رواية الشيخين: فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم (2).
تنبيهات الأول: السلاسل بسينين مهملتين الاولى مفتوحة على المشهور الذي جزم به أبو عبيد البكري، وياقوت، والحازمي، وصاحب القاموس، والسيد وخلق لا يحصون، والثانية مكسورة واللام مخففة.
وقال ابن الاثير بضم السين الاولى.
وقال في زاد المعاد بضم السين وفتحها لغتان كذا قال.
وصاحب القاموس مع اطلاعه لم يحك في الغزوة الا الفتح.
وعبارته: (السلسل
__________
(1) اخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 402 وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 1 / 50.
(2) أخرجه البخاري 5 / 6 ومسلم في كتاب الفضائل (7) واحمد في المسند 4 / 203 والبيهقي في السنن 6 / 170.
(*)(6/171)
كجعفر وخلخال الماء العذب أو البارد كالسلاسل بالضم).
ثم قال: (وتسلسل الماء جرى في حدور...والسلسلة اتصال الشئ بالشئ، والقطعة الطويلة من السنام، ويكسر، وبا لكسر دائر من حديد ونحوه.
والسلاسل رمل يتعقد بعضه على بعض وينقاد..وثوب مسلسل فيه وشئ مخطط، وغزوة ذات السلاسل هي وراء وادي القرى).
وقال النووي في التهذيب: أظن ان ابن الاثير استنبطه من صحاح الجوهري من غير نقل عنده فيه ولا دلالة في كلامه.
قلت وعبارة الجوهري: (وماء سلسل وسلسال سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه، والسلاسل بالضم مثله، ويقال معنى يتسلسل انه إذا جرى أو ضربته الريح يصير كالسلسلة).
وقال ابن اسحاق وجمع: (هو ماء بأرض جذام وبه سميت الغزوة).
وقال أبو عبيد البكري: (ذات السلاسل بفتح اوله على لفظ جمع سلسلة رمل بالبادية).
انتهى.
فعلى هذا سمي المكان بذلك لان الرمل الذي كان به كان بعضه على بعض كالسلسلة.
وأغرب من
قال: سميت الغزوة بذلك لان المشركين ارتبط بعضهم الى بعض مخافة ان يغزوا.
الثاني: ذكر الجمهور ومنهم ابن سعد انها كانت في جمادى الاخرة سنة ثمان.
وقيل كانت سنة سبع، وبه جزم ابن أبي خالد في صحيح التاريخ.
الثالث: نقل النووي في تهذيبه، والحافظ في الفتح عن الحافظ ابي القاسم بن عساكر انه نقل الاتفاق، على انها كانت بعد غزوة مؤتة الا ابن اسحاق قال قبلها قال الحافظ: وهو قضية ما ذكر عن ابن سعد وابن أبي خالد.
قلت: أما انه قضية ما ذكر عن ابن سعد فغير واضح فان ابن سعد قال: كانت في جمادى الاخرة سنة ثمان، وذكر في غزوة مؤتة انها كانت في جمادى الاولى سنة ثمان.
واما ما نقل عن ابن اسحاق فالذي في رواية زياد البكائي تهذيب ابن هشام عن ابن اسحاق تأخر غزوة ذات السلاسل عن مؤتة بعدة غزوات وسرايا، ولم يذكر انها كانت قبل مؤتة فيحتمل انه نص على ما ذكره ابن عساكر في رواية غير زياد.
الرابع: ليس في تأمير رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا على ابي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما تفضيله عليهما بل السبب في ذلك معرفته بالحرب كما ذكر ذلك أبو بكر لعمر كما في حديث بريدة، فان عمرا كان أحد دهاة العرب، وكون العرب الذين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعين بهم أخوال أبيه كما ذكر في القصة فهم أقرب اجابة إليه من غيره.
وروى البيهقي عن أبي معشر عن بعض شيوخه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اني لاؤمر الرجل على القوم وفيهم من هو خير منه لانه أيقظ عينا وأبصر بالحرب) (1).
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 400.
(*)(6/172)
الخامس: في حديث بريدة ان عمر أراد ان يكلم عمرا لما منع الناس أن يوقدوا نار ا.
وفي حديث عمرو ان أبا بكر كلم عمرا في ذلك.
ويجمع بين الحديثين بأن أبا بكر سلم لعمرو أمره ومنع عمر بن الخطاب من كلامه، فلما ألح الناس على أبي بكر في سؤاله سأله حينئذ فلم يجبه ويحتمل ان منع ابي بكر لعمر بن الخطاب كان بعد سؤال ابي بكر لعمر و.
السادس: قال في الروض: (انما كره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أجرة مجهولة لان العشير واحد الاعشار على غير قياس.
أو بمعنى العشر (كالثمين بمعنى الثمن) ولكنه عاملهم عليه قبل اخراج الجزور من جلدها وقبل النظر إليها أو يكونا كرها أجر الجزار على كل حال واله أعلم.
السابع: في بيان غريب ما سبق: قضاعة: بضم القاف وبالضاد المعجمة والعين المهملة.
السراة: بفتح السين المهملة جمع سري بفتح أوله وكسر الراء وهو الشريف أو ذو المروءة والسخاء.
بلي: بفتح الموحدة وكسر اللام وتشديد التحتية.
عذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء.
بلقيس: بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح القاف وسكون التحتية وبالسين والنون يعني بني القيس وهو من شواذ التخفيف وهم من بني أسد، وإذا نسبت إليهم قلت قيسي ولا تقل بقليس.
كمن النهار: استتر فيه واختفى.
رافع: بالراء والفاء.
مكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالثاء المثلثة.
الجهني: بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون.
المددي: منسوب الى المدد وجمعه أمداد وهم الغزاة الذين يمدون جيوش الاسلام.
الشيمة: بكسر الشين المعجمة: الغريزة والطبيعة والجبلة التي خلق عليها الانسان.
يصطلون: يستدفئون، والاصطلاء: افتعال من صلا النار والتسخن بها.(6/173)
قذف الشئ: رماه.
بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية.
هدأ عنه: بفتح الهاء والدال المهملة والهمز: سكن.
دوخ البلاد: بفتح الدال المهملة وتشديد الواو وبالخاء المعجمة: قهر واستولى.
عاملة: بعين مهملة وبعد الالف ميم مكسورة حي من قضاعة.
فضهم: بفتح الفاء والضاد المعجمة الساقطة المشددة أي فرق جمعهم وكسرهم.
قفل: بفتح القاف والفاء واللام: رجع.
والقفول بضم القاف والفاء: الرجوع.
سرجس: بفتح السين المهملة وسكون الراء وكسر الجيم وبالسين المهملة: اسم أعجمي لا ينصرف.
الرحل: بفتح الراء وسكون الحاء المهملة وباللام، وهو هنا منزل الشخص ومسكنه وبيته الذي فيه أثاثه ومتاعه.
العباية: بالمثناة التحتية والعباة والعبا ممدودين: كساء معروف.
فدكية: من عمل فدك بفتح الفاء والدال المهملة وبالكاف.
شكها: انتظمها.
الخلال: بالخاء المعجمة وزن كتاب: العود يخلل به الثوب والاسنان وخللت الرداء خلا من باب قتل ضممت طرفيه بخلال.
جهدت لك نفسي: أي (بذلت وسعي).
العواذ: بضم العين المهملة وتشديد الواو وبالذال المعجمة: وهو (جمع العائذ) الملتجئ والمستجير.
الذمة: العهد والامان.
تخفر: بضم الفوقية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء وبالراء: تنقض العهد يقال أخفرته نقضت عهده.
وخفرته أخفره بكسر الفاء وأخفره بالضم خفارة مثلثة أجرته من ظالم فأنا خفير، أمنته ومنعته وبالعهد وفيت له فهو من الاضداد.
يظل: بفتح التحتية والظاء المعجمة المشالة: يصير.(6/174)
ناتئا: منتفخا مرتفعا.
عضله: منعه ظلما، وعضل عليه ضيق وبه الامر اشتد.
لهيعة: بفتح اللام وكسر الهاء وسكون التحتية وفتح العين المهملة فتاء تأنيث.
ابن أبي حبيب: بالحاء المهملة.
لقيط: بفتح اللام وكسر القاف وسكون التحتية وبالطاء المهملة.
هرم: بفتح الهاء وكسر الراء.
الجزور: بفتح الجيم وضم الزاي وسكون الواو وبالراء الابل خاصة تقع على الذكر والانثى الا أن اللفظ مؤنثة والجمع جزر بضمتين.
بعضوها: بعاضا أي أجزاء.
ابن حبان: بكسر الحاء المهملة وبالموحدة.
النهدي: بفتح النون المشددة وسكون الهاء وبالدال المهملة.(6/175)
الباب الثامن والاربعون في سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه يرصد عيرا لقريش
عند محمد بن عمر، وابن سعد، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله ومن معه لحي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر وتعرف بسرية الخبط وسرية سيف البحر.
قال جمهور ائمة المغازي كانت في رجب سنة ثمان.
روى عن البخاري من طرق عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، ومسلم من طرق أخر عنه، وابن اسحاق عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال جابر رضي الله تعالى
عنه، (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب، زاد محمد بن عمر وابن سعد، والقطب من المهاجرين والانصار فيهم عمر بن الخطاب) (1).
انتهى.
قال جابر: وأمر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا عبيدة بن الجراح نرصد عيرا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكنا ببعض الطريق، وفي رواية فأقمنا بالساحل نصف شهر ففني الزاد، فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكن مزود تمر، وكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا، وفي رواية فكان يعطينا قبضة قبضة، ثم صار يعطينا تمرة تمرة حتى فني.
قيل كيف كنتم تصنعون بها ؟ قال: كنا نمصها كما يمص الصبي (الثدي)، ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا الى الليل.
وفي رواية وهب بن كيسان قلت لجابر ما تغني عنكم تمرة، قال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت.
وفي حديث عبادة بن الصامت: فقسمها يوما بيننا فنقصت تمرة عن رجل فوجدنا فقدها ذلك اليوم فأصابنا جوع شديد وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء.
وفي رواية عبادة بن الوليد (2) بن عبادة ابن الصامت، رضي الله تعالى عنهما، وكان قوت كل منا في كل يوم تمرة فكان يمصها ثم يصرها في ثوبه، وكنا نخبط بقسينا ونأكل حتى تقرحت أشداقنا.
فأقسم أخطأها رجل منا يوما فان انقلب به تنعشه، فشهدنا له انه لم يعطها فأعطيها فقام فأخذها، انتهى.
زاد محمد بن عمر: حتى ان شدق أحدهم بمنزلة مشفر البعير.
انتهى.
فمكثنا على ذلك أياما، وعند ابي بكر، ومحمد بن الحسن بن علي المقري عن جابر: كنا نأكل الخبط ثلاثة أشهر.
انتهى.
حتى قال قائلهم: لو لقينا عدوا ما كان بنا حركة إليه لما نالنا من الجهد.
__________
(1) اخرجه البخاري في كتاب المغازي (61 / 43).
(2) عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري المدني.
عن جده، وابيه، وابي ايوب وجابر.
وعنه يحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمرو.
وثقه أبو زرعة والنسائي.
الخلاصة 2 / 33.
(*)(6/176)
وفي مغازي محمد بن عمر، والغيلانيات: قال قيس بن سعد بن عبادة (1): من يشتري مني تمرا بجزور أنحرها هاهنا وأوفيه الثمن بالمدينة ؟ فجعل عمر بن الخطاب يقول: واعجباه لهذا الغلام لا مال له يدين في مال غيره.
فوجد قيس رجلا من جهينة فقال قيس: بعني جزورا وأوفيك ثمنه من تمر المدينة.
قال الجهني: والله ما أعرفك من أنت ؟ قال: أنا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم.
قال الجهني: ما أعرفني بنسبك ان بيني وبين سعد خلة سيد أهل يثرب، فابتاع منه خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر، واشترط عليه البدوي تمر ذخرة من تمر آل دليم، فقال قيس: نعم.
قال الجهني: أشهد لي.
فأشهد له نفرا من الانصار ومعهم نفر من المهاجرين.
فقال عمر بن الخطاب: لا أشهد، هذا يدان ولا مال له انما المال لابيه.
فقال الجهني: والله ما كان سعد ليخني بابنه في شقة من تمر وأرى وجها حسنا وفعلا شريفا.
فأخذ قيس الجزر فنحرها لهم في مواطن ثلاثة كل يوم جزورا.
فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره وقال: تريد ان تخفر ذمتك ولا مال لك.
وفي حديث جابر عن الشيخين: نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم ثلاث جزائر ثم ان أبا عبيدة نهاه.
وروى محمد بن عمر عن رافع بن خديج (2) رضي الله تعالى عنه ان ابا عبيدة قال لقيس: عزمت عليك الا تنحر، أتريد ان تخفر ذمتك ولا مال لك ؟ فقال قيس: يا أبا عبيدة أترى أبا ثابت وهو يقضي ديون الناس ويحمل الكل ويطعم في المجاعة لا يقضي عني شقة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله ؟ فكاد أبو عبيدة يلين له وجعل عمر يقول اعزم عليه فعز م عليه وأبى عليه أن ينحر فبقيت جزوران فقدم بهما قيس المدينة يتعاقبون عليهما.
وبلغ سعد بن عبادة ما كان أصاب الناس من المجاعة فقال: (ان يكن قيس كما أعرف فسوف ينحر القوم) انتهى.
قال جابر: وانطلقنا على ساحل البحر فألقى الينا البحر دابة يقال لها العنبر، وفي لفظ حوتا لم نر مثله كهيئة الكثيب الضخم، وفي رواية مثل الضريب الضخم فأتيناه فأكلنا منها.
وفي لفظ منه نصف شهر.
وفي رواية عند البخاري ثماني عشرة ليلة.
وفي رواية عند مسلم
شهرا، ونحن ثلاثمائة حتى سمنا وادهنا من ودكه حتى ثابت منه أجسادنا وصلحت ولقد رأيتنا
__________
(1) قيس بن سعد بن عبادة الانصاري الخزرجي أبو الفضل، صحابي له ستة عشر حديثا اتفقا على حديث، وانفرد البخاري له بطرف من حديث آخر.
وعنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو تميم الجيشاني.
قال أ نس: كان قيس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الامير.
وقال عمرو بن دينار: كان إذا ركب الحمار خطت رجلاه في الارض.
مات في خلافة معاوية بالمدينة.
وله في الجود حكايات.
الخلاصة 2 / 356.
(2) رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن يزيد بن جشم بن حارثة الاوسي، صحابي شهد أحدا وما بعدها، له ثمانية وسبعون حديثا.
اتفقا على خمسة.
وانفرد (م) بثلاثة.
وعنه ابنه رفاعة، وبشير بن يسار وسليمان بن يسار وطاؤس.
قال خليفة: مات سنة أربع وسبعين.
الخلاصة 1 / 314.
(*)(6/177)
نغترف من وقب عينيه بالقلال: الدهن وأخرجنا من عينيه كذا وكذا قلة ودك ونقطع منه القدر كالثور أو كقدر الثور.
وأمر أبو عبيدة بضلع من أضلاعه فنصب.
وفي رواية: ضلعين فنصبا، ونظر الى أطول رجل في الجيش - أي وهو قيس بن سعد بن عبادة فيما يظنه الحافظ - وأطول جمل فحمله عليه ومر من تحته راكبا فلم يصبه أو يصبهما.
وتزودنا من لحمه وسائق، وفي رواية ابي حمزة الخولاني: وحملنا منه ما شئنا من قديد وودك في الاسقية انتهى.
قال جابر: فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك فقال: (زرق أخرجه الله تعالى لكم، فهل معكم من لحمه شئ فتطعمونا ؟) قال: فأرسلنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله، وفي رواية: فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله.
وفي رواية ابي حمزة الخولاني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو نعلم انا ندركه لم يروح لاجبنا لو كان عندنا منه) (1).
وفي مغازي محمد بن عمر، والغيلانيات: فلما قدم قيس بن سعد بن عبادة لقيه أبوه فقال: ما صنعت في مجاعة القوم حيث أصابتهم ؟ قال: نحرت، قال أصبت ثم ماذا ؟ قال:
نحرت.
قال: أصبت ثم ماذا ؟ قال: نهيت.
وفي الصحيح عن ابي صالح ذكوان السما ن ان قيس بن سعد بن عبادة قال لابيه.
وفي مسند الحميدي عن أبي صالح عن قيس قلت لابي: كنت في الجيش فجاعوا.
قال: أنحرت ؟ قال: نحرت.
قال ثم جاعوا قال: أنحرت ؟ قال : نهيت.
وفي مغازي محمد بن عمر، والغيلانيات قال: من نهاك ؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح.
قال: ولم ؟ قال: زعم انه لا مال لي وانما المال لابيك.
قال: لك أربعة حوائط أدنى حائط منها تجد منه خمسين وسقا.
وكتب بذلك كتابا وأشهد ابا عبيدة وغيره.
وقدم الجهني مع قيس فأو فاه أوسقه وحمله وكساه.
وعند ابن خزيمة عن جابر قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل قيس فقال: (ان الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت).
انتهى.
وجاء سعد بن عبادة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يعذرني من ابن الخطاب يبخل علي ابني (2).
تنبيهات الأول: قال جماعة من أهل المغازي: كانت هذه السرية سنة ثمان.
قال في زاد المعا د، والبداية والنور: وفيه نظر لما رواه الشيخان من حديث جابر رضي الله تعالى عنه ا ن
__________
(1) اخرجه أحمد في المسند 3 / 311 عبد الرزاق (8668).
(2) ذكره العراقي في تخريجه على الاحياء 3 / 246 وقال: اخرجه الدارقطني وفيه من ر واية ابي حمزة الحميري عن جابر ولا يعرف اسمه ولا حاله.
(*)(6/178)
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم يرصدون عيرا لقريش، وظاهر هذا الحديث ان هذه السرية كانت قبل الهدنة بالحديبية، فانه من حين صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا لم يكن ليرصد لهم عيرا بل كان زمن أمن وهدنة الى حين الفتح.
ويبعد ان تكون سرية الخبط على هذا الوجه اتفقت مر تين مرة قبل الصلح ومرة بعده.
قلت وسيأتي في الثالث من كلام الحافظ ما يروي الغليل.
الثاني: قال في الهدي: قول من قال انها كانت في رجب وهم غير محفوظ، إذ لم
يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه غزا في الشهر الحرام ولا أغار فيه ولا بعث فيه سرية، وقد عير المشركون المسلمين بقتالهم في أول رجب في قصة العلاء بن الحضرمي، وقالوا: استحل محمد الشهر الحرام، وأنزل الله تعالى في ذلك: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله) (البقرة 217) ولم يثبت نسخ هذا بنص يجب المصير إليه ولا أجمعت الامة على نسخه.
قال (البرهان) في النور: وهو كلام حسن مليح لكنه على ما اختاره من عدم نسخ القتال في الشهر الحرام وسلفه عطاء وأهل الظاهر وشيخه ابي ا لعباس بن تيمية وهو خلاف ما عليه المعظم.
وقوله في قصة العلاء بن الحضرمي صوابه عمرو بن الحضرمي اخو العلاء، والعلاء ليس صاحب هذه السرية بل صاحبها وأميرها عبد الله بن جحش.
الثالث: قال في الفتح: لا يغاير ما في الصحيح ان هذه السرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم لترصد عيرا لقريش، وما ذكره ابن سعد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم لحي من جهينة وان ذلك كان في شهر رجب لامكان الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيا من جهينة، ويقوي هذا الجمع ما عند مسلم من طريق عبيد الله بن مقسم عن جابر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا الى أرض جهينة، فذكر القصة.
لكن تلقي عير قريش ما يتصور ان يكون في الوقت الذي ذكره ابن سعد في رجب سنة ثمان لانهم حينئذ كانوا في الهدنة بل قتضي ما في الصحيح ان تكون هذه السرية في سنة ست، أو قبلها قبل الهدنة يحتمل ان يكون لقيهم العير ليس لمحاربتهم بل لحفظهم من جهينة.
ولهذا لم يقع في شئ من طرق الخبر انهم قاتلوا احدا بل أنهم أقاموا نصف شهر وأكثر في مكان واحد والله تعالى أعلم.
الرابع: وقع في رواية ابي حمزة الخولاني عن جابر عن ابن ابي عاصم في كتاب الاطعمة ان أمير هذه السرية قيس بن سعد بن عبادة.
قال الحافظ: والمحفوظ ما اتفقت عليه روايات الصحيحين انه أبو عبيدة بن الجراح.
وكان أحد الرواة ظن من صنيع قيس بن سعد في تلك الغزاة ما صنع من نحر الابل التي نحرها انه كان أمير السرية وليس كذلك.
الخامس: ظاهر قول جابر: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا فخرجنا وكنا ببعض الطريق فني(6/179)
الزاد الخ).
انه كان لهم زاد بطريق العموم وزاد بطريق الخصوص.
فلما فني الذي بطريق العموم اقتضى رأى ابي عبيدة ان يجمع الذي بطريق الخصوص لقصد المساواة بينهم ففعل فكان جميعه مزودا واحدا.
ووقع عند ملسلم في رواية الزبير عن جابر: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا ابا عبيدة نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره.
فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة (1)).
وظاهره مخالف لهذه الرواية.
ويمكن الجمع بأن الزاد العام كان قدر جراب.
فلما تعدد وجمع أبو عبيدة الزاد الخاص اتفق انه صار قدر جراب، ويكون كل من الراويين ذكر ما لم يذكر الاخر.
واما تفرقة ذلك تمرة تمرة، فكان في ثاني الحال.
وقد روى البخاري في الجهادمن طريق وهب بن كيسان عن جابر: (خرجنا ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا ففني ز ادنا حتى كان الرجل منا يأكل (كل يوم) تمرة).
واما قول عياض: (يحتمل انه لم يكن في أزوادهم تمر غير الجراب المذكور) فمردود لان حديث جابر الذي صدر به البخاري صريح في ان الذي اجتمع من أزوادهم كان مزود تمر.
ورواية ابي الزبير صريحة في ان النبي صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر فيصح ان التمر كان معهم من غير الجراب.
وأما قول غيره يحتمل ان يكون تفرقته عليهم تمرة تمرة كان من الجراب النبوي صلى الله عليه وسلم قصدا للبركة، وكان يفرق عليهم من الازواد التي اجتمعت أكثر من ذلك فبعيد من ظاهر السياق، بل في رواية هشام بن عر وة عند ابن عبد البر.
فقلت أزوادنا حتى كان يصيب الرجل منا التمرة.
السادس: في رواية وهب بن كيسان عن جابر: (فأكل منه القوم ثماني عشرة ليلة).
وفي رواية عمرو بن دينار: (فأكلنا منه نصف شهر).
وفي رواية ابي الزبير: (فأقمنا عليها شهرا).
ويجمع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال: ثماني عشرة، ضبط ما لم يضبط غيره أو أن من قال نصف شهر ألغى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام، ومن قال شهرا جبر الكسر وضم بقية
المدة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها.
ورجح النووي رواية ابي الزبير لما فيها من الزيادة.
قال ابن التين: احدى الروايتين وهم.
ووقع في رواية الحاكم: اثنا عشر يوما، وهي شاذة وأشذ منها رواية الخولاني: أقمنا قبلها ثلاثا.
ولعل الجمع الذي ذكرته أولى.
السابع: لا تخالف رواية ابي حمزة الخولاني رواية ابي الزبير في لحم الحوت لان رواية ابي حمزة تحمل على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ازديادا منه بعدأن أحضروا له منه ما ذكر، أو قال ذلك قبل أن يحضروا له منه، وكان الذي أحضروه معهم لم يروح فأكل منه صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) اخرجه مسلم 3 / 1535 (17 - 1935).
(*)(6/180)
الثامن: وقع في آخر صحيح مسلم من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم.
فذكر الحديث، وفيه فرأينا جابر بن عبد الله في سجده.
الحديث.
وفيه سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط.
الحديث.
وفيه سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (عسى الله أن يطعمكم).
فأتينا سيف البحر، فزجر البحر زجرة فألقى دابة، فأورينا على شقها النار فاطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا.
قال جابر: فدخلت أنا وفلان حتى عد خمسة في فجاج عينها ما يرانا أحد، وأخذنا ضلعا من أضلاعها فقومناه ود عونا أعظم رجل في الركب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحته ما يطأطئ رأسه.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: وظاهر سياقه ان ذلك وقع في غزوة لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن يمكن حمل قوله: فأتينا سيف البحر على انه معطوف على شئ محذوف تقديره: فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأتينا الخ، فتتحد مع القصة التي في صحيح البخاري.
التاسع: في بيان غريب ما سبق: يرصد: بفتح التحتية.
العير: بكسر العين المهملة وبالراء الابل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة
الحي الواحد من أحياء العرب يقع على بني أب كثروا أم قلوا، وعلى شعب يجمع القبائل من ذلك.
جهينة: بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح النون فتاء تأنيث.
القبلية: بفتح القاف والموحدة.
ساحل البحر: شاطئه وهو جانبه.
الخبط: بفتح الخاء المعجمة والموحدة ما سقط من ورق الشجر إذا خبط بالعصا لتعلفه الابل.
سيف البحر: بكسر السين المهملة وسكون التحتية وبالفاء جانبه.
عبادة: بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة.
الصامت: بلفظ اسم الفاعل.
الجراب: بكسر الجيم، قال في التقريب: وقد تفتح.
المزود: بكسر الميم وعاء التمر من أدم.(6/181)
يقوتنا: بفتح الفوقية وضم القاف والتخفيف من الثلاثي، وبضم التحتية والتشديد من التقويت ومنعه ابن السكيت - بكسر السين المهملة والكاف المشددة وسكون التحتية فتاء.
العصي: بضم العين وكسر الصاد المهملتين جمع عصا.
يمصها: بفتح الميم وحكي ضمها.
تخبط: الشجرة تضربها فيتحات ورقها فتأكله (الابل).
القسي: بكسر القاف جمع قوس.
تقرحت: تجرحت من خشونة الورق وحرارته.
الشدق: بفتح الشين المعجمة وكسرها وسكون الدال المهملة وبالقاف جانب الفم.
فأقسم: أحلف.
أخطأها: فاتته ومعناه انه كان للتمر قاسم يقسمه بينهم، فيعطي كل انسان تمرة كل يوم، فقسم في بعض الايام ونسي انسانا فلم يعطه تمرته وظن انه أعطاه فتنازعا في ذ لك، فذهبنا معه وشهدنا له ان لم يعطها فأعطيها بعد الشهادة.
فنعشه: فرفعه وتقيمه من شدة الضعف والجهد أو معناه تشد جانبه في دعواه وتشهد له.
مشفر البعير: بكسر الميم كالجحفلة من الفرس وهو لذي الحافر كالشفة للانسان.
ناله: أصابه.
الجهد: بفتح الجيم - وتضم - وبالدال: المشقة، وقيل بالفتح المشقة وبالضم الطا قة.
الغيلانيات: أجزاء من الحديث منسوبة لابن غيلان من المحدثين.
الجزور: بفتح الجيم من الابل خاصة يقع على الذكر والانثى والجمع جزر بضمتين.
شقة من تمر: (أي قطعة تشق منه).
دليم: بضم الدال المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وبميم.
أما: بفتح الهمزة وتخفيف الميم.
يخني به بضم التحتية وسكون المعجمة وبالنون يسلمه.
فعلا: بكسر الفاء وسكون العين.
وفي نسخة من العيون فعالا بفتح الفاء أي الكرم ولهذا وصفه بالمفرد فقال شريفا.
ولو أراد الفعال بكسر الفاء الذي هو جمع فعل لقال ريفة.
خديج: بخاء معجمة فدال مهملة فتحتية فجيم وزن عظيم.(6/182)
عزم عليه: أمره أمر جد بكسر الجيم.
أخفره: إذا نقض عهده واختفره إذا وفى له بالعهد والمراد الاول.
الذمة: بكسر الذال المعجمة تفسر تارة بالعهد والامان وتارة بالضمان.
أبو ثابت: بثاء مثلثة وموحدة: كنية سعد بن عبادة.
الكل: بفتح الكاف وتشديد اللام: وهو الاعياء ثم استعمل في كل ضائع وأمر ثقيل.
الدابة: بالدال المهملة وتشديد الموحدة: كل حيوان في الارض ويطلق على الذكر والانثى.
العنبر: بلفظ المشموم: حوت كبير بليغ طوله خمسون ذراعا فأكثر.
الحوت: اسم جنس لجميع السمك وقيل مخصوص بما عظم منها.
الكثيب: بفتح الكاف وكسر الثاء المثلثة: التل من الرمل.
الظرب: بفتح الظاء المعجمة المشالة وكسر الراء وبالموحدة: الجبل الصغير.
الضخم: بفتح الضاد وسكون الخاء المعجمتين: العظيم.
الودك: بفتح الواو والدال المهملة: الشحم.
ثابت: بثاء مثلثة وموحدة ففوقية: رجعت.
الوقب: بفتح الواو وسكون القاف والموحدة: النقرة التي تكون فيها الحدقة.
القلال: بكسر القاف جمع قلة: وهي هنا (الحب العظيم).
القدر: بكسر القاف وفتح الدال المهملة: جمع قدرة بفتح فسكون: وهي القطعة من اللحم ومن غيره.
الثور: بالثاء المثلثة: الذكر من البقر، والانثى ثورة والجمع ثيران وأثوار وثيرة مثل عنبة.
الضلع: بكسر الضاد المعجمة وسكون اللام تؤنث، وجمعها أضلع وضلوع وهي عظام الجنبين.
وقوله بضلعين فنصبا، الوجه فنصبتا، وكأنه أوله بعظمين أو عضوين.
ونحو ذلك وان التأنيث غير حقيقي فيجوز التذكير.
لم يروح: لم ينتن.
المجاعة: والمجوعة بفتح الجيم من الجوع ضد الشبع.
نهيت: بالبناء للمفعول.
ذكوان: بفتح الذال المعجمة.(6/183)
الحوائط: جمع حائط وهو هنا البستان.
أوفى: بمعنى أتم.
يجذ: يقال جذذت التمر وغيره قطعته وهذا زمن الجذاذ.
الشيمة: بكسر الشين المعجمة: الغريزة والطبيعة والجبلة.
يبخل علي ولدي (أي رماه بالبخل).
الهدنية: بضم الهاء وسكون الدال المهملة وبضمها: الصلح والموادعة بين المتماريين.
الغليل: بفتح الغين المعجمة.
العطشان.
مقسم: بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة.
الكفل: بكسر الكاف وسكون الفاء وباللام هنا: الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط.(6/184)
الباب التاسع والاربعون في سرية ابي قتادة الانصاري رضي الله تعالى عنه الى خضرة ووقعة ابن أبي حدرد في شعبان سنة ثمان.
روى ابن اسحاق، والامام احمد، ومحمد بن عمر عن عبد الله بن أبي حدرد الاسلمي رضي الله تعالى عنه قال: تزوجت ابنة سراقة بن حارثة النجاري وقد قتل ببدر، فلم أصب شيئا من الدنيا كان أحب الي من نكاحها، وأصدقها مائتي درهم، فلم أجد شيئا أسوقه إليها، فقلت: على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم المعول.
فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: (كم سقت إليها ؟) فقلت: مائتي درهم يا رسول الله.
فقال: (سبحان الله والله لو كنتم تغترفونه من ناحية بطحان - وفي رواية - (لو كنتم تغترفون الدراهم من واديكم هذا ما زدتم).
فقلت: يا رسول الله أعني على صداقها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ولكن
قد أجمعت ان أبعث أبا قتادة في أربعة عشر رجلا في سرية فهل لك أن تخرج فيها ؟ فاني أرجو أن يغنمك الله مهر امرأتك).
فقلت: نعم (1).
وعند اسحاق: فلبثت أياما ثم أقبل رجل من بني جشم حتى نزل بقومه وبمن معه الغابة يريد ان يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا اسم وشر ف في جشم.
فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين فقال: (اخرجوا الى هذا الرجل حتى تأتوني منه بخبر وعلم).
وقدم لنا شارفا عجفاء يحمل عليها أحدنا فوالله ما قامت به (ضعفا) حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلت وما كادت، ثم قال: (تبلغوا عليها واعتقبوها).
وفي حديث محمد بن عمر، واحمد واللفظ للاول: فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف فكنا ستة عشر رجلا بأبي قتادة وهو أميرنا.
فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى غط فان نحو نجد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيروا الليل واكمنوا النهار وشنوا الغارة ولا تقتلوا النساء والصبيان).
قال: فخرجنا حتى جئنا ناحية غطفان.
وفي حديث احمد: فخرجنا حتى جئنا الحاضر ممسين، فلما ذهبت فحمة العشاء قال محمد بن عمر قال: وخطبنا أبو قتادة وأوصانا بتقوى الله تعالى وألف بين كل رجلين وقال: (لا يفارق كل رجل زميله حتى يقتل أو يرجع الي فيخبرني خبره، ولا يأتين رجل فأسأله عن صاحبه فيقول لا علم لي به، وإذا كبرت فكبروا، وإذا حملت فاحملوا ولا تمعنوا في الطلب).
__________
(1) اخرجه أحمد في المسند 3 / 448، والبيهقي في السنن 7 / 235، والحاكم في المستدرك 2 / 178، وذكره الهيثمي في المجمع 4 / 282.
(*)(6/185)
فأحطنا بالحاضر، فسمعت رجلا يصرخ: يا خضرة، فتفاءلت وقلت: لاصيبن خيرا ولاجمعن الي امرأتي، وقد أتيناهم ليلا.
قال: فجرد أبو قتادة سيفه وكبر، وجردنا سيوفنا وكبرنا معه فشددنا على الحاضر وقاتلنا رجالا، وإذا أنا برجل طويل قد جرد سيفه وهو يمشي القهقرى، مرة يقبل علي بوجهه، ومرة يدبر
عني بوجهه، كأنه يريد أن يستطردني فأتبعه، ثم يقول: يا مسلم هلم الى الجنة فأتبعه، ثم قال: ان صاحبكم لذو مكيدة أمره هذا الامر، وهو يقول الجنة الجنة، يتهكم بنا، فعرفت انه مستقتل فخرجت في أثره وناديت أين صاحبي ؟ لا تبعد فقد نهانا أميرنا عن أن نمعن في الطلب فأدركته وملت عليه فقتلته، وأخذت سيفه، وقد جعل زميلي يناديني أين تذهب ؟ اني والله ان ذهبت الى ابي قتادة فسألني عنك أخبرته.
قال: فلقيته قبل أبي قتادة.
فقلت: أسأل ا لامير عني ؟ قال: نعم وقد تغيظ علي وعليك.
وأخبرني انهم قد جمعوا الغنائم وقتلوا من أشرافهم.
فجئت أبا قتادة فلامني فقلت: قتلت رجلا كان من أمره كذا وكذا وأخبرته بقوله كله.
ثم سقنا النعم وحملنا النساء وجفون السيوف معلقة بالاقتاب، فأصبحت وبعيري مقطور بامرأة كأنها ظبي.
فجعلت تكثر الالتفات خلفها وتبكي، فقلت: الى أي شئ تنظرين ؟ قالت: انظر والله الى رجل لئن كان حيا لاستنقذنا منكم.
فوقع في نفسي انه هو الذي قتلت.
فقلت: قد والله قتلته، وهذا والله سيفه معلق بالقتب.
قالت: فألق الي غمده.
فقلت: هذا غمد سيفه.
قالت: فشمه ان كنت صادقا.
قال: فشمته فطبق.
قال: فبكت ويئست.
وفي حديث ابن اسحاق: قال عبد الله بن أبي حدرد: فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر (عشيشية) مع غروب الشمس كمنت في ناحية وأمرت صاحبي فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم، وقلت لهما: إذا (سمعتماني قد) كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي.
قال: فوالله انا لكذلك ننتظر غرة القوم أو أن نصيب منهم شيئا غشينا الليل فذهبت فحمة العشاء، وكان راعيهم قد أبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه.
فقام صاحبهم رفاعة بن قبس فأخذ سيفه فجعله في عنقه ثم قال: والله لاتبعن أثر راعينا هذا فلقد أصابه شر.
فقال بعض من معه.
نحن نكفيك فلا تذهب.
فقال: والله لا يذهب الا أنا.
فقالوا: ونحن معك.
قال: والله لا يتبعني أحد منكم.
وخرج حتى مر بي، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤداه فوالله ما تكلم ووثبت إليه فاحتززت رأسه وشددت في ناحية العسكر وكبرت وشد صاحباي وكبرا.
فوالله ما كان الا النجاء ممن فيه عندك عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم واستقنا ابلا عظيمة وغنما كثيرة.(6/186)
وعند محمد بن عمر عن جعفر بن عمر: وقالوا: غابوا خمس عشرة ليلة وجاءوا بمائتي بعير وألف شاة وسبوا سبيا كثيرا وجمعوا الغنائم فأخرجوا الخمس فعزلوه وعدل البعير بعشرين من الغنم.
وروى الامام أحمد والشيخان وأبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فخرجت فيها فغنمنا ابلا وغنما كثيرة فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا كل انسان، ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم علينا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس، وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع.
وفي رواية نفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعير ا بعيرا فكان لكل انسان ثلاثة عشر بعيرا (1).
قال عبد الله بن أبي حدرد: فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئت برأس رفا عة أحمله معي فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الابل ثلاثة عشرة بعيرا فدخلت بزوجتي ورزقني الله خيرا كثيرا.
وروى محمد بن عمر عن عبد الله بن أبي حدرد قال: أصابنا في وجهنا أربع نسوة فيهن فتاة كأنها ظبي، بها من الحداثة والحلاوة شئ عجيب، وأطفال وجوار، فاقتسمنا السبي وصارت تلك الجارية الوضيئة لابي قتادة فجاء محمية بن جزء الزبيدي فقال: يا رسول الله ان أبا قتادة قد أصاب في وجهه هذا جارية وضيئة، وقد كنت وعدتني جارية من أول فيئ يفئ الله به عليك.
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبي قتادة.
فقال: (هب لي الجارية).
فقال: نعم يا رسول الله: فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها الى محمية بن جزء الزبيدي.
تنبيهان
الأول: جعل في العيون سرية أبي قتادة الى خضرة غير سرية عبد الله بن أبي حدرد التي سأل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعانة على مهر امرأته.
وجعلهما محمد بن عمر (سرية) واحدة.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: خضرة: بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين: أرض لمحارب بنجد.
حدرد: بمهملات وزن جعفر.
__________
(1) اخرجه البخاري 7 / 653 كتاب المغازي (4338) ومسلم 3 / 1368 (37 - 1749) وأبو داود واحمد في المسند 2 / 10 - 62.
(*)(6/187)
سراقة: بضم السين المهملة.
حارثة: بالحاء المهملة والثاء المثلثة.
أسوقه إليها: أي أمهرها اياه.
سبحان الله: أتى هنا التسبيح للتعجب.
بطحان: بضم الموحدة وسكون الطاء وبالحاء المهملتين، وقيل بفتح اوله وكسر ثانيه، وحكي فتح الأول وسكون الثاني: واد بالمدينة.
أجمعت: عزمت.
لبثت: بفتح اللام وكسر الموحدة وبالثاء المثلثة: مكثت.
جشم: بضم الجيم وفتح الشين المعجمة.
الغابة: بالغين المعجمة وبالموحدة: واد أسفل المدينة.
الشارف: المسن من الدواب.
العجفاء: بالمد: المهزولة.
دعمها الرجال: بدال فعين مهملتين: قوموها بأيديهم.
غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وبالفاء.
شن الغارة: فرقها من كل وجه.
الحاضر: القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه.
فحمة العشاء: يقال للظلمة التي بين صلاتي العشاء.
الزميل: العديل الذي حمله مع حملك على البعير، وقد زاملني عادلني، والزميل أ يضا الرفيق في السفر الذي يعينك على أمورك، وهو الرديف أيضا.
فصرخ رجل منهم: يا خضرة: (ياء) حرف نداء، وخضرة منادى.
ووقع في العيون ما خضرة.
قال في النور: (أي من خضرة)، وتقع (ما) مكان (من)، و (من) مكان (ما).
ولكن الاكثر على اطلاق (من) على من يعقل، و (ما) على ما لا يعقل).
انتهى.
قلت: والذي وقفت عليه من كتب المغازي: يا خضرة كما ذكرته أولا.
القهقرى: الرجوع الى خلف.
وفي النهاية: المشي الى خلف من غير أن يعيد وجهه الى جهة مشيه.
استطرده: خادعه ليمسكه من طراد الصيد.(6/188)
قبل أبي قتادة: بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته.
جفون السيوف: بضم الجيم والفاء وأغمادها، واحدها جفن بفتح الجيم وسكون الفاء.
شام السيف: سله وأغمده أيضا من الاضداد.
طبق: بطاء مهملة فموحدة مشددة فقاف: ساوى.
الغرة: بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء: الغفلة.
نفحه بسهم: بفتح النون والفاء وبالحاء المهملة: رماه به.
عندك عندك: بمعنى الاغراء.
فعدل: بالبناء للمفعول.
البعير: بالرفع: نائب فاعل.
وضيئة بمد الهمزة المفتوحة: حسنة جميلة.
محمية: بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم الثانية وتخفيف التحتية.
جزء: بفتح الجيم وسكون الزاي وبالهمزة.
الزبيدي: بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالدال المهملة.
عشيشية: تصغير عشية.
بطن: هو دون القبيلة.(6/189)
الباب الخمسون في سرية ابي قتادة رضي الله تعالى عنه أيضا الى بطن اضم في أول شهر رمضان قبل فتح مكة
قال محمد بن عمر: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم التوجه الى مكة بعث أبا قتادة الحارث بن ربعي رضي الله تعالى عنه في ثمانية نفر الى بطن اضم ليظن ظان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه الى تلك الناحية ولأن تذهب بذلك الاخبار.
وروى محمد بن اسحاق ومحمد بن عمر، وابن سعد، وابن أبي شيبة، والامام أحمد والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي في مكارم الاخلاق، والطبراني، وأبو نعيم، والبيهقي في دلائلهما رحمهم الله تعالى، عن عبد الله بن أبي حدرد، والطبراني عن جندب البجلي، وابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وابن أبي حاتم عن الحسن، وعبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة رضي الله تعالى عنه، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اضم (في نفر من المسلمين) أميرنا أبو قتادة الحارث بن ربعي وفينا محلم بن جثامة الليثي وأنا، فخرجنا حتى إذا كنا ببط ن اضم مر بنا عامر بن الاضبط الاشجعي على قعود له ومعه متيع له ووطب من لبن.
قال: فلما مر بنا سلم علينا بتحية الاسلام فأمسكنا عنه، وحمل عليه ملحم بن جثامة
فقتله لشئ كان بينه وبينه وسلبه بعيره ومتيعه.
فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة) (النساء 94).
فانصرف القوم ولم يلقوا جمعا حتى انتهوا الى ذي خشب.
فبلغهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه الى مكة فأخذوا على يين حتى لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم بالسقيا (1).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمحلم: (أقتلته بعد ما قال آمنت بالله ؟).
وفي حديث ابن عمر، والحسن: فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقتلته بعد ما قال اني مسلم ؟) قال: يا رسول الله انما قالها متعوذا.
قال (أفلا شققت عن قلبه ؟) قال: لم يا رسول الله ؟ قال: (لتعلم أصادق هو أم كاذب).
قال: وكنت عالما بذلك يا رسول الله.
هل قلبه ا لا مضغة من لحم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما كان ينبئ عنه لسانه).
وفي رو اية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ما في قلبه تعلم ولا لسانه صدقت).
فقال: استغفر لي يا رسول الله.
فقال: (لا غفر الله لك).
فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه.
فما مضت سابعة حتى مات (2).
__________
(1) انظر مراصد الاطلاع 2 / 72.
(2) ذكره السيوطي في الدر 2 / 201، وعزاه لابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن الحسن.
(*)(6/190)
وفي حديث ابن اسحاق: فما لبث ان مات فحفر له أصحابه، فأصبح وقد لفظته الارض، ثم عادوا وحفروا له فأصبح وقد لفظته الارض الى جنب قبره.
قال الحسن: لا أدري كم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كم دفناه مرتين أو ثلاثا.
وفي حديث جندب وقتادة: أما ذلك فوقع ثلاث مرات، كل ذلك لا تقبله الارض، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: (ان الارض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله تعالى (يريد أن) يعظكم فأ خذوا برجليه فألقوه في بعض الشعاب وألقوا عليه الحجارة.
وتقدم في غزوة حنين حكومته صلى الله عليه وسلم بين عيينة بن حصن، والاقرع بن حابس في دم عامر بن الاضبط.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: اضم: بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة وبالميم: واد وجبل بالمدينة بينه وبينها ثلاثة برد.
محلم: بميم مضمومة وحاء مهملة مفتحة فلام مكسورة مشددة وبالميم.
جثامة: بجيم مفتوحة فثاء مثلثة مشددة وبعد الالف ميم مفتوحة وبتاء تأنيث.
عامر بن الاضبط: بضاد معجمة ساكنة وموحدة مفتوحة فطاء مهملة: تابعي كبير لانه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ويقال له مخضرم.
الوطب: بفتح الواو وسكون الطاء المهملة وبالموحدة: زق اللبن خاصة.
فتبينوا: من التبين، قال في الكشاف: (وهما من التفعل بمعنى الاستفعال أي اطلبوا بيان الامر (وثباته) ولا تقتحموه من غير روية).
وقرأ حمزة والكسائي: فتثبتوا من التثبت والتأني.
ألقى اليكم السلام: حياكم بتحية الاسلام، وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة: السلم بغير ألف أي الاستسلام والانقياد وفسر به السلام أيضا.
عرض الدنيا: ما كان من مال قل أو كثر.
ذو خشب: بضم الخاء والشين المعجمتين وبالموحدة: واد على ليلة من المدينة.
يين: بتحتانيتين، الاولى مفتوحة والثانية ساكنة وبالنون، وضبطه الصغاني بفتح التحتانيتين: واد به عين من أعراض المدينة.
السقيا: بضم السين المهملة وسكون القاف: قرية في جامعة من عمل الفرع.(6/191)
الباب الحادي والخمسون في بعث اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما الى الحرقات
روى الامام احمد، وابن أبي شيبة، والشيخان، وأبو داود، والنسائي عن أسامة بن ز يد رضي الله تعالى عنهما، وابن جرير عن السدي، وابن سعد عن جعفر بن برقان الحضرمي رجل
من أهل اليمامة قال أسامة رضي الله تعالى عنه: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرقة من جهينة.
قال: فصبحناهم، وكان رجل منهم - قال السدي - يدعى مرداس بن نهيك، انتهى.
إذ ا أقبل القوم كان من أشدهم علينا وإذا أوبروا كان حاميتهم، فهزمناهم، فغشيته أنا ورجل من الانصار.
وقال السدي.
وكان مع مرداس غنيمة له وجمل أحمر، فلما رآهم آوى الى كهف جبل وتبعه أ سامة.
فلما بلغ مرداس الكهف وضع غنمه.
ثم أقبل إليهم.
قال أسامة: فلما غشينا - قال السدي - قال: السلام عليكم.
قال أسامة في رواية: فرفعت عليه السيف.
فقال: لا اله الا الله - زاد السدي - محمد رسول الله.
قال أسامة: فكف الانصاري وطعنته برمحي حتى قتلته، أي رفع عليه السيف فلما لم يتمكن منه طعنه بالرمح.
قال السدي: فشد عليه أسامة من أجل جمله وغنيمته.
قال أسامة: فلما قدمنا بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي ر واية: فوقع في نفسي من ذلك.
وعند محمد بن عمر: قال أسامة: فلما أصبت الرجل وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى رأيتني ما أقدر على أكل الطعام حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلني واعتنقني.
وقال السدي: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أسامة أحب أن يثني عليه خيرا ويسأل عنه أصحابه.
فلما رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدثون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: (يا رسول سالله لو رأيت أسامة، ولقيه رجل فقال الرجل لا اله الا الله فشد عليه فقتله).
وهو يعرض عنهم.
فلما أكثروا عليه رفع رأسه الى أسامة وقال: (يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا اله الا الله ؟) وفي رواية: (فكيف تصنع بلا اله الا الله ؟) قال السدي: (كيف أنت ولا اله الا الله ؟) قال أسامة: قلت يارسول الله انما قالها خوفا من السلاح.
وفي رواية: انما كان متعوذ ا من القتل.
قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم ؟) قال السدي: فنظرت إليه (1)، وعن ابن سعد: (فتعلم أصادق هو أم كاذب ؟) وعن ابن اسحاق: (فو الذي بعثه بالحق ما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت الا يومئذ) وفي رواية: (حتى تمنيت اني لم أسلم قبل ذلك اليوم) وعن ابن اسحاق: (وأني لم أقتله) وعن ابن سعد، قال أسامة: (لا أقاتل أحدا يشهد أن لا اله الا الله) وعن ابن اسحاق قلت: انظرني يا رسول الله اني أعاهد الله أن لا أقتل رجلا يقول لا اله ا لا الله.
قال: (تقول بعدي يا أسامة).
قال قلت: بعدك.
قال السدي: فأنزل الله تعالى خبر هذا وأخبر
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 183، ومسلم في كتاب الايمان (159)، وانظر البداية والنهاية 4 / 222.
(*)(6/192)
انما قتله من أجل جمله وغنمه فذلك حين يقول: (تبتغون عرض الحياة الدنيا) فلما بلغ (فمن الله عليكم) يقول: فتاب الله عليكم.
فحلف أسامة ان لا يقاتل رجلا يقول لا اله الا الله بعد ذلك وما لقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.
وروى ابن أبي حاتم رضي الله تعالى عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل مرداس بديته ورد ماله إليهم.
تنبيهات الأول: قال الحافظ ليس في قول اسامة تعشيا الخ قد يدل على أنه كان أمير الجيش كما هو ظاهر قول البخاري (باب بعث أسامة بن زيد الى الحرقات) وقد ذكر أهل المغازي سرية غالب بن زيد وسرية غالب بن عبد الله الليثي الى الميفعة في رمضان سنة سبع وقالوا: ان أسامة قتل الرجل في هذه السرية.
قال: ثبت ان أسامة كان أمير الجيش فالذي صنعه البخاري هو الصواب، لانه ما أمر الا بعد قتل أبيه بغزوة مؤتة، وذلك في رجب سنة ثمان، وان لم يثبت انه كان أميرها رجح ما قاله أهل المغازي.
وقال في موضع آخر: هذه السرية يقال لها سرية غالب بن عبيد الله، وكانت في رمضان سنة سبع فيما ذكره ابن سعد عن شيخه، وكذا ذكره ابن اسحاق في المغازي، قال: حدثني شيخ من أسلم عن رجال من قومه قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبيد الله الى أرض بني مرة وبها مرداس بن نهيك حليف لهم من بني الحرقة فقتله أسامة فهذا يبين السبب في قول أسامة (بعثنا الى الحرقات (من جهينة والذي يظهر ان قصة الذي قتل ثم مات فدفن ولفظته الارض غير قصة أسامة لانه عاش بعد ذلك دهرا طويلا) وترجم البخاري في المغازي (باب
بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد الى الحرقات من جهينة) فجرى الداود ي في شرحه على ظاهره فقال فيه (تأمير من لم يبلغ) وتعقب من وجهين: أحدهما انه ليس فيه تصريح بأن أسامة كان الامير، إذ يحتمل ان يكون جعل الترجمة باسمه لكونه وقعت له تلك الواقعة لا لكونه كان الامير الخ ما ذكره الحافظ قد قال بعض الشراح الصحيح ما ذكره أهل المغازي مخالفا لظاهر ترجمة البخاري أن أميرها أسامة ولعل المصير الى ما في البخاري فهو الراجح بل الصو اب انتهى.
وروى ابن جرير عن السدي قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها أسامة بن زيد فذكر القصة وروى ابن سعد عن جعفر بن برقان قال: حدثنا الحضرمي رجل من أهل اليمامة قال: بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أسامة بن زيد على جيش فذكر القصة.(6/193)
الثاني: قال النووي الفاعل في قوله: (أقالها) هو القلب ومعناه: انك انما كلفت العمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق الى معرفة ما فيه، فأنكر عليه العمل بما ظهر من اللسان فقال: (أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل كانت فيه حين قالها واعتقدها أو لا)، والمعنى انك إذا كنت لست قادرا على ذلك فاكتف منه باللسان.
الثالث: قال الخطابي لعل أسامة تأول قوله تعالى: (فلم يك أن ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا) ولذلك عذره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلزمه دية ولا غيرها.
وقال الحافظ: لعله حمل نص النفع على عمومه دنيا وأخرى، وليس ذلك المراد للفر ق بين المقامين انه في مثل تلك الحالة ينفعه نفعا مقيدا بأن يجب الكف عنه حتى يختبر أمره هل قال ذلك خالصا من قلبه أو خشية من القتل، وهذا الخلاف ما لو هجم عليه الموت (ووصل خروج الروح الى الغرغرة، وانكشف الغطاء فانه إذا قالها لم تنفعه بالنسبة لحكم ا لاخرة) وهو المراد من الاية.
الرابع: قول الخطابي: لم يلزمه دية ولا كفارة فتوقف فيه الداودي وقال: لعله سكت
عنه لعلم السامع أو كان قبل نزور آية الدية والكفارة.
وقال القرطبي: لا يلزم من السكوت عدم الوقوع، لكن فيه بعد، لان العادة جرت بعد م السكوت عن مثل ذلك ان وقع، قال: يحتمل انه لم يجب عليه شئ، لانه كان مأذونا من أجل القتل فلا يضمن ما أتلفه من نفس ولا مال كالخاتن والطبيب، ولأن المقتول كان من ا لعدو ولم يكن له ولي من المسلمين يستحق ديته.
قال: وهذا يتمشى على بعض الاراء الخ ما ذكره وتقدم عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لاهل مرداس بدية.
الخامس: قول أسامة: (حتى تمنيت اني لم أكن أسلم قبل ذلك اليوم) أي ان اسلامي كان ذلك اليوم، لان الاسلام يجب ما قبله فتمنى ان يكون ذلك الوقت أول دخوله في الاسلام ليأمن من جريرة تلك الفعلة ولم يرد به تمنى انه لا يكون مسلما قبل ذلك.
قال القرطبي: وفيه اشعار بأنه كان استصغر ما سبق له قبل ذلك من عمل صالح في مقابلة هذه الفعلة لما سمع من الانكار الشديد، وانما أورد ذلك على سبيل المبالغة.
السادس: في بيان غريب ما سبق: الحرقات: بضم الحاء المهملة وفتح الراء والقاف والفوقية بطن من جهينة نسبة ا لى الحرقة واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة الحضرمي بن جهينة، قال ابن الكلبي: سمي بذلك لوقعة كانت بينهم وبين مرة بن عوف بن سعد فأحرقوهم بالسهام لكثرة من حرقو ا منهم.(6/194)
برقان: بضم الموحدة وسكون الراء وبالقاف.
الحضرمي: بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء.
صبحنا القوم: هجمنا عليهم صباحا قبل أن يشعروا بنا.
مرداس: بكسر الميم.
نهيك: بفتح النون وكسر الهاء وسكون التحتية وهذا القول جرى عليه ابن الكلبي وجزم
به ابن بشكول، قال ابن عبد البر: مرداس بن عمرو الفدكي وبه جزم أبو الفضل بن طاهر.
حاميتهم: ناصرهم ومانعهم.
فغشينا: بفتح الغين وكسر الشين المعجمتين: لحقنا به حتى تغطى بنا.
(أنا ورجل من الانصار): قال الحافظ: لم أقف على اسم الانصاري.
غنيمة له: بالتصغير.
آوى: لجأ الكهف.
انظرني: أخرني.(6/195)
الباب الثاني والخمسون في سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الى العزى
قال ابن سعد: ثم سرية خالد بن الوليد الى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان، وكانت بيتا بنخلة.
قال ابن اسحاق وابن سعد: وكان سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، وكانت أعظم أصنام قريش وجميع كنانة.
وذلك ان عمرو بن لحي كان قد أخبرهم ان الرب يشتي بالطائف عند اللات ويصيف عن العزى، فعظموها وبنوا لها بيتا وكان يهدون إليها كما يهدون للكعبة.
وروى البيهقي عن أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه: وكانت بيتا على ثلاث سمرات.
انتهى.
قال محمد بن عمر، وابن سعد: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة خا لد بن الوليد الى العزى ليهدمها.
فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه.
قال ابن اسحاق: فلما سمع سادنها السلمي بسير خالد إليها علق عليها سيفه وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول: ياعز شدي شدة لا شوى لها على خالد ألقي القناع وشمري يا عز ان لم تقتلي المرء خالدا فبوئي باثم عاجل أو تنصري قال أبو الطفيل، ومحمد بن عمر، وابن سعد: فأتاها خالد فقطع السمرات وهدمها ثم
رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: (هل رأيت شيئا ؟) قال: لا.
قال: (فانك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها).
فرجع خالد وهو متغيظ.
فلما رأت السدنة خالدا انبعثوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى خبليه، يا عزى عوريه ولا تموتي برغم، فخرجت إليه (امرأة عجوز) سوداء عريانة ثائرة الرأس، زاد أبو الطفيل: تحثو التراب على رأسها ووجهها.
فضربها خالد وهو يقول: ياعز كفرانك لا سبحانك اني رأيت الله قد أهانك فجزلها اثنتين، ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: (نعم، تلك العزى قد يئست ان تعبد ببلادكم أبدا) (1).
تنبيهان الأول: ذكر ابن اسحاق ومن تابعه هذه السرية بعد سرية خالد الى بني جذيمة، وذكرها محمد بن عمر، وابن سعد، والبلاذري، وجرى عليه في المورد والعيون، وجزم به في ا لاشارة قبلها.
وارتضاه في الزهر، وقال ان في الأول نظر من حيث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وجد على خالد في أمر بني جذيمة ولا يتجه ارساله بعد ذلك في بعث.
والذي ذكره غير واحد،
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 110 - 111.
(*)(6/196)
منهم الواقدي وتلميذه محمد بن سعد ان سرية خالد الى العزى كانت لخمس ليال من شهر رمضان، وسرية خالد الى بني جذيمة كانت في شوال سنة ثمان.
قلت: ان صح ما ذكره ابن اسحاق من كون سرية خالد لهدم العزى بعد سرية بني جذيمة فوجهه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي عليه وعذره في اجتهاده.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: العزي: بضم العين المهملة وفتح الزاي.
نخلة: بلفظ الشجرة.
السدنة: بفتح السين والدال المهملتين وبالنون: الخدمة.
الحجاب: البوابون.
شيبان: بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية.
سليم: بضم السين المهملة وفتح اللام.
كنانة: بكسر الكاف.
لحي: بضم اللام وفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية.
يشتي: بضم التحتية وفتح الشين المعجمة والفوقية المشددة.
السمرات: بفتح السين المهملة وضم الميم جمع سمرة: بفتح السين وضم الميم وفتح الراء وتاء التأنيث.
أسند في الجبل: ارتفع.
لا شوى لها: لا بقيا لها.
القناع: بكسر القاف.
باء: رجع.
انبعثوا: ذهبوا.
خبليه: الخبال بالفتح: الجنون والفساد، وأصله من النقصان، ثم صار الهلاك خبا لا.
الرغم: يقال رغم انفه بفتح الراء وكسرها رغما، لصق بالرغام بالفتح: وهو الترا ب ذبلا.
جزلها: بفتح الجيم والزاي المشددة: قطعها.
أن تعبد: بالبناء للمفعول.(6/197)
الباب الثالث والخمسون في سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لهدم سواع في شهر رمضان سنة ثمان في غزوة الفتح
قال محمد بن عمر، وابن سعد: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى سواع: صنم
هذيل بن مدركة، وكان على صورة امرأة ليهدمه.
قال عمرو: فانتهيت إليه وعنده السادن.
فقال: ما تريد ؟ فقلت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه.
قال: لا تقدر على ذلك.
قلت: لم ؟ قال: تمنع.
قلت: حتى الان أنت على الباطل ويحك، وهل يسمع أو يبصر ؟ قال: فدنوت منه فكسرته، وأمرت اصحابه فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيه شيئا.
ثم قلت للسادن كيف رأيت ؟ قال: أسلمت لله تعالى.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: سواع: بسين مضمومة وعين مهملتين بينهما ألف سمي سواع بن شيث بن آدم عليه السلا م قال الجوهري (وسواع اسم صنم) كان لقوم نوح عليه السلام ثم صار لهذيل كان برهاط - بضم الراء: قرية جامعة على ثلاثة أميال من مكة ساحل البحر - يحجون إليه.
هذيل: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية وباللام.
السادن: بسين ودال مكسورة مهملتين وبالنون: الخادم.
الخزانة: بكسر الخاء المعجمة.(6/198)
الباب الرابع والخمسون في سرية سعد بن زيد الاشهلي رضي الله تعالى عنه الى مناة وهو بالمشلل لست بقين من رمضان سنة ثمان في فتح مكة
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة سعد بن زيد الاشهلي الى مناة وكانت (بالمشلل) للاوس والخزرج وغسان.
فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الاشهلي لهدمها فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعليها سادن.
فقال السادن: ما تريد ؟ قال: هدم مناة.
قال: أنت وذاك.
فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج إليه امر أة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها.
فقال السادن: مناة دونك بعض غضباتك ويضربها سعد بن زيد الاشهلي فقتلها.
ويقبل الى الصنم معه أصحابه فهدموه.
ولم يجد في خزانتها
شيئا وانصرف راجعا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الاشهلي: بالشين المعجمة والهاء واللام والتحتية.
مناة: بفتح الميم.
المشلل: بضم الميم وفتح الشين المعجمة فلام مفتوحة مشددة ثم لام أخرى: من ناحية البحر وهو الجبل الذي يهبط منه الى قديد.
ثائرة: بثاء مثلثة: أي منتشرة الشعر.
السادن: الخادم.(6/199)
الباب الخامس والخمسون في بعثه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الى بني جذيمة من كنانة وكانوا أسفل مكة على ليلة بناحية يلملم في شوال سنة ثمان وهو يوم الغميصاء وذلك في غزوة الفتح
روى ابن اسحاق عن ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم، ومحمد ابن عمر عن ابن سعد قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد - حين افتتح مكة - داعيا ولم يبعثه مقاتلا، وبعث معه ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والانصار (ومعه قبائل من العرب) سليم بن منصور، ومدلج بن مرة فوطئوا بني جذيمة (بن عامر بن عبد مناة بن كنانة) فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد: ما أنتم ؟ قالوا: مسلمون قد صلينا وصدقنا وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذنا فيها.
قال: فما بال السلاح عليكم ؟ قالوا: (ان بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا ان تكونوا هم فأخذنا السلاح).
فقال خالد: ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا.
فقال رجل من بني جذيمة يقال له جحدم: (ويلكم يا بني جذيمة انه خالد، والله ما بعد وضع السلاح الا الاسار وما بعد الاسار الا ضرب الاعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا).
فأ خذه
رجال من قومه فقالوا: (يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ان الناس قد أسلموا ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس).
فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول خالد.
وروى الامام احمد، والبخاري، والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالدا الى بني جذيمة فدعاهم الى الاسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع الى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم (أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره).
قال ابن عمر: (فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل أحد من اصحابي أسيره).
قال أبو جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم: فلما وضعوا السلاح أمرهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم.
وعند ا بن سعد أنهم لما وضعوا السلاح قال لهم: استأسروا فاستأسر القوم فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرقهم في أصحابه.
فلما كان السحر نادى خالد: من كان معه أسير فليدافه.
والمدا فة الاجهاز عليه بالسيف.
فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم.
وأما المهاجرون والانصار فأرسلوا أساراهم.
قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم انه حدث عن ابراهيم بن جعفر المحمودي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت كأني لقمت لقمة من حيس فالتذ ذت طعمها فاعترض في حلقي منها شئ حين ابتلعتها فأدخل علي يده فنزعه).
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:(6/200)
يا رسول الله هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله.
قال ابن اسحاق: ولما أبى جحدم ما صنع خالد قال: يا بني جذيمة ضاع الضرب قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه.
قال: وحدثني أهل العلم انه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل أنكر عليه أحد ؟) قال: نعم، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه
خالد فسكت عنه، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراجعه فاشتدت مراجعتهما.
فقا ل عمر بن الخطاب: يا رسول الله: أما الأول فابني عبد الله وأما الاخر فسالم مولى أ بي حذيفة.
قال عبد الله بن عمر في حديثه السابق: (فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له فرفع يديه وقال: (اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد).
مرتين.
رواه الامام أحمد وا لبخاري والنسائي.
قال أبو جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ابن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: (يا علي اخرج الى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر ا لجاهلية تحت قدميك).
فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الاموال حتى انه لودى لهم ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شئ من دم ولا مال الا وداه بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي حين فرغ منهم: (هل بقي لكم مال لم يؤد اليكم ؟) قالوا: لا.
قال: فاني أعطيكم من هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ومما لا تعلمون).
ففعل ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال: (أصبت وأحسنت).
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة شاهرا يديه حتى انه ليرى ما تحت منكبيه يقول: (اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد بن الويد) (1).
ثلاث مرات.
وروى ابن اسحاق عن ابن ابي حدرد الاسلمي، وابن سعد عن عبد الله بن عصام (المزني) عن أبيه، والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهم قال ابن أبي حدرد: كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد.
وقال عصام: لحقنا رجلا فقلنا له: كافر أو مسلم ؟ فقال: ان كنت كافرا فمه ؟ قلنا له: ان كنت كافرا قتلناك.
قال: دعوني أقضي الى النسوان حاجة.
وقال ابن عباس: فقال اني لست منهم اني عشقت امرأة فلحقتها فدعوني انظر إليها نظرة ثم اصنعوا بي ما بدا لكم.
وقال ابن ابي حدرد: فقال فتى من بني جذيمة - وهو في سني وقد جمعت يداه الى عنقه برمة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه - يا فتى.
فقلت ما تشاء ؟ قال، هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي الى هؤلاء النسوة حتى أقضي اليهن حاجة، ثم تردني بعد فتصنعوا بي ما بدا لكم ؟
__________
(1) اخرجه البخاري 4 / 122، والنسائي 8 / 237، وأحمد في المسند 2 / 151، والبيهقي في السنن 9 / 115.
(*)(6/201)
قال: قلت: والله ليسير ما طلبت.
فأخذت برمته فقدته بها حتى أوقفته عليهن.
قال عصام: فدنا الى امرأة منهن.
وقال: (سفيان) فإذا امرأة كثيرة النحض - يعني اللحم -.
وقا ل ابن عباس: فإذا امرأة طويلة أدماء فقال: اسلمي حبيش على نفد من العيش أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم بحلية أو ألفيتكم بالخوانق ألم يك أهلا أن ينول عاشق تكلف ادلاج السرى والودائق فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معاأثيبي بود قبل احدى الصفائق أثيبي بود أن يشحط النوى وينأى لأمر بالحبيب المفارق زاد ابن اسحاق، ومحمد بن عمر رحمهما الله تعالى: فاني لا ضيعت سر أمانة ولا راق عيني عنك بعدك رائق سوى أن ما نال العشيرة شاغل عن الود الا ان يكون التوامق قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين الاخيرين منها له.
انتهى.
ولفظ حديث ابن عباس: أما كان حقا أن ينول عاشق، أو أدركتكم بالخوانق.
فقالت: نعم وأنت فحيت سبعا وعشرا وترا وثمانيا تترى.
قال ابن ابي حدرد: ثم انصرفت به فضربت عنقه.
وقال عصام: فقربناه فضربنا عنقه، فقامت المرأة إليه حين ضربت عنقه فأكبت عليه فما زالت تقبله حتى ماتت عليه.
وقال ابن عباس: فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر فقال: (أما كان فيكم رجل رحيم ؟) (1).
ذكر رجوع خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكار عبد الرحمن بن عوف على خالد بن الوليد رضي الله عنهما روى محمد بن عمر، وأبو النيسابوري في الشرف، والحاكم في الاكليل، وابن عساكر عن سلمة بن الاكوع رضي الله عنه قال: قدم خالد بن الوليد على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما صنع ببني جذيمة ما صنع وقد عاب عبد الرحمن بن عوف على خالد ما صنع.
قال: يا خالد، أخذ ت بأمر
الجاهلية في الاسلام، قتلتهم بعمك الفاكه.
وأعانه عمر بن الخطاب على خالد، فقا ل خالد: أخذتهم بقتل أبيك، وفي لفظ: فقال: انما ثأرت بأبيك.
فقال عبد الرحمن: كذبت والله لقد قتلت قاتل أبي، وأشهدت على قتله عثمان بن عفان.
ثم التفت الى عثمان فقال: أ نشدك الله هل علمت اني قتلت قاتل أبي ؟ فقال عثمان: اللهم نعم.
ثم قال عبد الرحمن: ويحك يا خالد ولو لم أقتل قاتل أبي أكنت تقتل قوما مسلمين بأبي في الجاهلية ؟ قال خالد: ومن أخبرك أنهم
__________
(1) اخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 118، والطبراني في الكبير 11 / 370.
(*)(6/202)
أسلموا ؟ فقال: أهل السرية كلهم يخبرونا انك قد وجدتهم بنوا المساجد وأقروا بالا سلام، ثم حملتهم على السيف.
قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغير عليهم.
وعند ابن اسحاق (وقد قال بعض من يعذر خالدا انه) قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة لسهمي وقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الاسلام، انتهى.
فقال عبد الرحمن: كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغالظ عبد الرحمن قال ابن اسحاق: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انتهى.
فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خالد وغضب عليه وقال: (يا خالد ذر لي أصحابي، متى ينكأ المرء ؟ ينكأ المرء ولو كان لك أحد ذهبا تنفقه قيراطا قيراطا في سبيل الله لم تدرك غدوة أو روحة من غدوات أو روحات عبد الرحمن) (1).
وعند ابن اسحاق: غدوة رجل من أصحابي.
وروى البخاري عن ابي سعيد الخدري - بالخاء المعجمة المضمومة وسكون الدال المهملة - رضي الله عنه قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شئ فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فان أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصفه) (2).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: جذيمة: بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة وبالتحتية.
كنانة: بكسر الكاف ونونين فتاء تأنيث.
يلملم: بفتح التحتية واللامين واسكان الميم بينهما وبالميم في آخره.
الغميصاء: بضم الغين المعجمة وفتح الميم وسكون التحتية وبالصاد المهلمة.
موضع في بادية العرب قرب مكة كان يسكنه بنو جذيمة بن عامر.
سليم: بضم السين المهملة وفتح اللام.
ملج: بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام وبالجيم.
ما أنتم: قال في النهر: الظاهر انه سألهم عن صفتهم: أي مسلمون أنتم أم كفار ؟ ولهذا أتى بما، ولو أراد غير ذلك لقال: من أنتم ؟ وانه استعمل (ما) فيمن يعقل وهو شائع.
جحدم: بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وبالدال (المهملة).
الاسار: بكسر الهمزة وهو القيد.
وضعت الحرب أوزارها: كناية عن الانقضاء، والمعنى على حذف مضاف، والتقدير
__________
(1) اخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 5 / 103، وذكره المتقي الهندي في الكنز (33497).
(2) اخرجه البخاري في كتاب المناقب (3673) واحمد في المسند 3 / 11، والبيهقي في السنن 1 / 203.
(*)(6/203)
حتى تضع الحرب أثقالها، فأسند الفعل الى الحرب مجازا وسمى السلاح وزرا لثقله على لابسه.
صبأنا: من دين الى دين يصبأ مهموز بفتحتين: خرج، فهو صابئ، وأرادوا هنا دخلنا في دين محمد.
كتف بعضهم بعضا.
عرضهم على السيف: قتلهم.
الدف: بالدال المهملة وتعجم وبالفاء المشددة: الاجهاز على الاسير - بكسر الهمزة وسكون الجيم وبالزاي - الاسراع في قتله.
الحيس: خلط الاقط بالتمر والسمن يعجن حتى يندر النوى منه وربما يجعل فيه
السويق، والاقط شئ يعقد من اللبن.
الربعة من الرجال: بفتح الراء وسكون الموحدة وتفتح: المعتدل أي بين الطول والقصر.
نهمه: بنون مفتوحة فهاء فميم: زجره.
اجعل أمر الجاهلية تحت قدميك: ودى لهم قتلاهم: أعطاهم ديات قتلاهم لانهم قتلوا خطأ.
ميلغة الكلب: بميم مفتوحة فتحتية ساكنة فلام فغين معجمة: شئ يحفر من خشب ويجعل فيه الماء ليلغ الكلب في أي يشرب.
المنكب: كمسجد مجتمع رأس العضد والكتف.
أبو حدرد: بمهملات كجعفر.
مه: اسم فعل بمعنى اكفف.
ما بدا له: بغير همز: ظهر.
الرمة: بضم الراء وفتح الميم المشددة: قطعة حبل بالية والجمع رمم ورمام وأصله ان رجلا دفع الى رجل بحبل في عنقه فقيل لكل من دفع شيئا بجملته دفعه برمته.
النحض: (المكتنز من) اللحم.
أدماء: بدال مهملة وبالمد: سمراء.
اسلمي: دعا لها بالسلامة.
حبيش: بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالشين المعجمة: ترخيم(6/204)
حبشية.
النفد: والنفاد مصدر نفد الشئ كسمع نفادا ونفدا فني وذهب، وقال في الاملاء: على أنفد عيش، يريد على تمامه.
حلية: بحاء مهملة مفتوحة فلام ساكنة فمثناة تحتية فتاء تأنيث، قال في الصحاح: مأسدة
بناحية اليمن.
الخوانق: بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الواو وبعد الالف نون مكسورة وبالقاف: قال نصر: موضع عند طرف أجأ ملتقى الرمل والجلد.
الادلاج: سير الليل.
السرى: بضم السين المهملة وفتح الراء: جمع سرية بضم السين وفتحها: الذهاب في الليل.
الودائق: جمع وديقة بفتح الواو وكسر الدال المهملة وسكون التحتية وبالقاف وتاء التأنيث: وهي شدة الحر في الظهيرة.
الصفائق: بصاد مهملة مفتوحة ففاء فألف تحتية مكسورة وبالقاف: الحالات.
الشحط: بشين معجمة مفتوحة فحاء ساكنة فطاء مهملتين هنا البعد يقال شحط المزار.
النوى: بفتح النون: القصد والوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد وهي مؤنثة لا غير.
ينأى: يبعد.
راق: ماء الحجب كذا في نسختين من الاملاء ولم أفهمه.
التوامق: بفوقية مفتوحة فواو فألف فميم مضمومة فقاف: الحب.
تترى: بفوقيتين: الاولى مفتوحة والثانية ساكنة أي تتوالى.
أثأر: بالهمز ويجوز تخفيفه يقال ثأرت القتيل وثأرت من باب نفع إذا قتلت قاتله.(6/205)
الباب السادس والخمسون في سرية ابي عامر الاشعري رضي الله تعالى عنه الى أوطاس بين غزوة حنين وغزوة الطائف
روى الجماعة عن ابي موسى الاشعري رضي الله تعالى عنه، وابن اسحاق عن رجاله عن سلمة بن الاكوع، وابن هشام عمن يثق به من أهل العلم، ومحمد بن عمر، وابن سعد عن رجالهم ان هوازن لما انهزموا يوم حنين ذهبت فرقة منهم فيهم رئيسهم مالك بن عوف النصري فلجأوا الى الطائف فتحصنوا وصارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له أوطاس: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى هذه سرية وأمر عليهم ابا عامر الاشعري رضي الله تعالى عنه.
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة الى الطائف فحاصرها، وتقدم ذلك في غزوة الطائف.
قال أبو موسى رضي الله تعالى عنه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الاشعري على جيش الى أوطاس فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله تعالى أصحابه.
قال أبو موسى بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابي عامر، قال سلمة بن الاكو ع رضي الله تعالى عنه، وابن هشام رحمه الله تعالى: لما نزلت هوازن عسكروا بأوطاس عسكرا عظيما وقد تفرق منهم من تفرق وقتل من قتل وأسر من أسر فانتهينا الى عسكرهم، فإذا هم ممتنعو ن، فبرز رجل معلم يبحث للقتال، فبرز له أبو عامر فدعاه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقال الرجل: اللهم لا تشهدوا علي.
فكف عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم بعد فحسن اسلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول: (هذا شريد ابي عامر).
وقال ابن هشام: ورمى ابا عامر أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث من بني جشم بن معاوية فأصاب احدهما قلبه والاخر ركبته قتلاه.
قال أبو موسى: رمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي.
وعند ابن عائذ، والطبراني بسند حسن عن ابي موسى رضي الله تعالى عنه: قتل ابن دريد بن الصمة ابا عامر.
قال ابن اسحا ق: اسمه سلمة ولم أر له اسلاما.
وفي حديث سلمة ان العاشر ضرب ابا عامر فأثبته قال سلمة: فاحتملناه وبه رمق.
وقال أبو موسى: فانتهيت الى ابي عامر فقلت له: يا أبا عامر من رماك ؟ فأشار الى ا بي موسى وقال: ذاكه قاتلي الذي رماني.
وفي حديث سلمة بن الاكوع ان ابا عامر أعلم ابا موسى ان قاتله صاحب العصابة الصفراء.
قال أبو موسى: فقصدت له فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت ؟ فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته.
ثم قلت لابي عامر: قتل
الله صاحبك.
قال: فانزع هذا السهم فنزعته، فنزا منه الماء.
فقال: يا ابن أخي أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم(6/206)
السلام وقل له استغفر لي.
قال أبو موسى: واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات.
وفي حديث سلمة: وأوصى أبو عامر الى ابي موسى ودفع إليه الراية وقال: ادفع فرسي وسلاحي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلهم أبو موسى حتى فتح الله تعالى عليه وانهزم المشركون بأوطاس وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا، وقتل قاتل ابي عامر وجاء بسلاحه وتركته وفرسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ان ابا عامر أمرني بذلك.
وفي حديث ابي موسى رضي الله تعالى عنه: (فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وهو على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر ابي عامر، وقال: قل له: استغفر لي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوظأ ثم رفع يديه فقال: (اللهم اغفر لعبيد ابي عامر) ورأيت بياض ابطيه ثم قال: (اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس).
فقلت: ولي فاستغفر فقال: (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما) (1).
تنبيهات الأول: أوطاس: بفتح اوله وسكون الواو وبالطاء والسين المهملتين.
قال القاضي: هو واد في ديار هوازن وهو موضع قرب حنين.
قال الحافظ: وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض أهل السير والراجح ان وادي أوطاس غير وادي حنين ويوضح ذلك ما ذكره ابن اسحاق ان الو قعة كانت في وادي حنين وان هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم الى الطائف وطائفة الى نخيلة وطائفة الى أوطاس.
قال أبو عبيد البكري رحمه الله تعالى: أوطاس واد في ديار هوازن وهناك عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين.
الثاني: أبو عامر اسمه عبيد - بالتصغير - ابن سليم - بضم السين وفتح اللام - ابن حضار - بحاء مهملة مفتوحة وتشديد الضاد المعجمة الساقطة وبعد الالف راء - ابن حرب بن عنز
- بفتح العين المهملة وسكون النون وبالزاي - ابن بكر بفتح الموحدة وسكون الكاف - ابن عامر بن عذرة - بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة - ابن وائل - بكسر التحتية - ابن ناجية - بالنون والجيم والتحتية - ابن الجماهر - بالجيم والميم وكسر الهاء - ابن الاشعر، وهو عم ابي موسى.
وقال ابن اسحاق هو ابن عمه.
قال الحافظ: والأول أشهر.
الثالث: اختلف في اسم الجشمي الذي رمى ابا عامر فقال ابن اسحاق: زعموا انه سلمة بن دريد بن الصمة فهو الذي رمى ابا عامر بسهم فأصاب ركبته.
وعند ابن عائذ،
__________
(1) أخرجه البخاري 4 / 41، ومسلم 4 / 1944 (165 - 2498).
(*)(6/207)
والطبراني في الاوسط بسند حسن من وجه آخر عن أبي موسى الاشعري قال: لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل الطلب ابا عامر الا شعري وأنا معه، فقتل ابن دريد أبا عامر فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء.
الرابع: قال الحافظ في الفتح كما رأيته بخطه ان ابن اسحاق ذكر ان أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة اخوة فقتلهم واحدا واحدا حتى كان العاشر، فحمل عليه أبو عامر وهو يد عوه الى الاسلام ويقول: اللهم اشهد عليه فقال الرجل: اللهم لا تشهد علي.
فكف عنه أبو عامر ظنا منه انه أسلم، فقتله العاشر ثم أسلم بعد، فحسن اسلامه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه (شهيد ابي عامر).
ثم قال الحافظ: وهذا مخالف لحديث الصحيح في ان ابا موسى قتل قاتل ابي عامر، وما في الصحيح أولى بالقبول، ولعل الذي ذكره ابن اسحاق شرك في قتله.
قلت: وما نقله الحافظ عن ابن اسحاق ليس في رواية البكائي، وانما زاده ابن هشام عن بعض من يثق به ولم يذكر ان العاشر قتل أبا عامر أصلا بل قال: ورمى أبا عامر أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث بن جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والاخر ركبته فقتلاه.
ثم ظهر لي ان الحافظ لم ير اجع السيرة وانما قلد القطب في المورد فانه ذكره كذلك.
وجزم محمد بن عمر، وابن سعد بأن العاشر لم يسلم وانه قتل ابا عامر وتقدم ذلك في القصة.
وفي خط الحافظ (شهيد) بلفظ
شهيد المعركة والذي رأيته في نسخ السيرة (الشريد) بعد الشين المعجمة راء فتحتية فدال مهملة.
الخامس: قول ابن هشام: (وولى الناس أبا موسى) يخالفه ما تقدم في القصة عن أ بي موسى كما في الصحيح ان أبا عامر استخلفه، وكذا في حديث سلمة بن الاكوع وبه جزم ا بن سعد.
السادس: في بيان غريب ما سبق: مالك بن عوف: بالفاء.
النضري: بالنون والضاد المعجمة.
عسكروا: اجتمعوا.
دريد: بمهملات تصغير أدرد.
الصمة: بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم.
قتل: بالبناء للمفعول.
برز رجل: ظهر.(6/208)
الشديد: الطويل.
العلاء: بفتح العين.
وأوفى: لم أر لهما اسلاما.
جشم: بضم الجيم وفتح الشين المعجمة.
فأثبته: بقطع الهمزة أي أثبت السهم.
الرمق: بفتحتين وبالقاف: بقية الحياة.
اختلفا ضربتين: ضرب كل واحد منهما الاخر في غير الموضع الذي ضرب فيه.
تستحي: بكسر الحاء المهملة، وفي رواية تستحيي بسكونها وزيادة تحتية مكسورة: أي
خجل.
نزا منه الدم: سال.
وقل له استغفر لي: بلفظ الطلب يعني ان ابا عامر سأل أبا موسى ان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له.
سرير مرمل: بضم الميم الاولى وفتح الثانية بينهما راء ساكنة، وفي رواية بفتح الراء والميم الثانية مشددة أي منسوج بحبل ونحوه وهي حبال الحصر التي يضفر بها الاسرة.
وعليه فراش: نقل السفاقسي عن ابي الحسن وأظنه ابن بطال أو القابسي انه قال: ا لذي أحفظه في هذا: ما عليه فرلاش، قال ان (ما) سقطت هنا وقال ابن التين: أنكر قوله: (وعليه كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر انه لا يكون على سريره دائما فراش.
قلت ويؤيد قول ابي الحسن قول ابي موسى: قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه.
والله تعالى أعلم.
مدخلا: بضم الميم وفتحها وكلاهما بمعنى المكان والمصدر.
كريما: حسنا.(6/209)
الباب السابع والخمسون في سرية الطفيل بن عمرو (الدوسي) رضي الله تعالى عنه الى ذي الكفين في شوال سنة ثمان.
قال ابن سعد: قالوا لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير الى الطائف بعث الطفيل بن عمرو الى ذي الكفين صنم من خشب كان لعمرو بن حممة الدوسي، يهدمه، وأمره ان يستمد قو مه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعا الى قرية فهدم ذا الكفين وجعل يحيي النار في وجهه ويحرقه ويقول: يإذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا اني حشوت النار في فؤادكا
وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدم بدبابة ومنجنيق وقال: (يا معشر الازد من يحمل رايتكم ؟) فقال الطفيل: من كان يحملها في الجاهلية النعمان بن الرازية اللهبي.
قال: (أصبتم).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الطفيل: بضم الطاء وفتح الفاء وسكون التحتية.
ذو الكفين: بلفظ تثنية كف الانسان وخفف في الشعر للوزن.
حممة: بضم الحاء المهملة وفتح الميمين.
الدوسي: بفتح الدال وسكون الواو وبالسين المهملتين.
الدبابة: بدال مهملة مفتوحة فموحدة مشددة فألف فموحدة فتاء تأنيث: آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال فيدبون بها الى الاسوار لينقبوها.
الازد: بفتح أوله وسكون الزاي.
الرازية: براء فألف فزاي مكسورة فتحتية.
اللهبي: بفتح اللام.(6/210)
الباب الثامن والخمسون في سرية قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما لصداء ناحية اليمن
قال ابن اسحاق لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة سنة ثمان بعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن وأمره ان يطأ صداء، فعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين.
فقدم رجل من صداء فسأل عن ذلك البعث فأخبر به فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقا ل: (يا رسول الله جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش فأنا لك بقومي).
فردهم من قناة وخرج الصدائي الى قومه، فقدم منهم بعد ذلك خمسة عشر (رجلا) فأسلموا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انك مطاع في قومك يا أخا صداء).
فقال: بل الله هداهم.
ثم وافاه في حجة الوداع بمائة منهم.
وهذا الرجل هو الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ان يؤذن ثم جاء بلال ليقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أخا صداء هذا أذن ومن أذن فهو يقيم) (1).
واسم أخا صداء هذا زياد بن الحارث، نزل مصر.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: صداء: بضم الصاد وفتح الدال المهملتين وبالمد: حي من العرب.
الجعرانة: بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء (أو كسر العين المهملة) وتشديد الراء.
يطأ صداء: أي يدخل أرضهم.
عسكر: جمع عسكرة.
قناة: بفتح القاف وبالنون واد بالمدينة.
أنا لك بقومي: أتكفل لك بقومي أي بمجيئهم مسلمين.
وفي رواية: وأنا لك باسلام قومي وطاعتهم.(6/211)
الباب التاسع والخمسون في سرية عيينة بن حصن الفزاري رضي الله تعالى عنه الى بني تميم في المحرم سنة تسع وكانوا فيما بين السقيا وأرض بني تميم.
وسبب ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني سعد هذيم على صدقاتهم وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يأخذ العفو ويتوقى كرائم اموالهم.
فخرج بشر بن سفيان الكعبي الى بني كعب، فأمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منها الصدقة، فحشرت عليهم خزاعة الصدقة في كل ناحية فاسكثرت ذلك بنو تميم فقالوا: ما لهذا يأخذ أموالكم منكم بالباطل ؟ فشهر وا السيوف، فقال الخزاعيون: نحن قوم ندين بدين الاسلام وهذا أمر ديننا.
فقال التميميون: لا يصل الى بعير منها أبدا.
فهرب المصدق وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فوثبت خزاعة على
التميميين فأخرجوهم من محالهم وقالوا: لولا قرابتكم ما وصلتم الى بلادكم، ليدخلن علينا بلاء من محمد صلى الله عليه وسلم حيث تعرضتم لرسوله تردونه عن صدقات أموالنا فخر جوا راجعين الى بلادهم.
فقال صلى الله عليه وسلم: (من لهؤلاء القوم ؟) فانتدب أول الناس عيينة بن حصن الفزاري فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجري ولا أنصا ري فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم في صحراء قد حلوا (بها) وسرحوا مواشيهم.
فلما ر أوا الجمع دلوا.
فأخذ منهم أحد عشر رجلا ووجد في المحلة احدى وعشرين امرأة كذا في العيون.
وقال محمد بن عمر وابن سعد وتبعهما في الاشارة والمورد احدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا.
فجلبهم الى المدينة فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث.
فقدم فيهم عدة من رؤسائهم كما سيأتي في الوفود في وفد بني تميم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: هذيم: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية.
يأخذ العفو: ما فضل عن النفقة.
كرائم أموالهم: نفائسها وخيارها.
خزاعة: أبو حي من الازد سموا به لانهم تخزعوا أي تقطعوا عن قومهم وأقاموا بمكة.
الحشر: الجمع مع سوق، والمراد هنا أنهم جمعوا ماشيتهم لتؤخذ منها الزكاة.
شهروا السيوف: أخرجوها من أغمادها.
المحلة: بفتح الميم والحاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة.
حبسوا: بالبناء للمفعول.
رملة بنت الحارث بلفظ واحدة الرمل: صحابية رضي الله تعالى عنها.(6/212)
الباب الستون في بعثه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عوسجة رضي الله تعالى عنه الى بني حارثة بن عمرو في صفر سنة تسع.
روى أبو سعيد النيسابوري في الشرف، وأبو نعيم في الدلائل من طريق محمد بن عمر عن شيوخه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عوسجة (الى بني حارثة بن عمرو) يدعوهم الى الاسلام.
فأخذوا الصحيفة فغسلوها ورقعوا بها أسفل دلوهم، وأبوا ان يجيبوا فرفع ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (مالهم ؟ ذهب الله بعقولهم).
فهم الى اليوم أهل رعدة وعجلة وكلام مختلط وأهل سفه.
قال محمد بن عمر: قد رأيت بعضهم عييا لا يحسن يبين الكلام.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: عوسجة: بفتح العين والسين المهملتين بينهما واو، وبالجيم.
الرعدة: بكسر الراء اسم من رعد بضم العين، وارتعد اضطرب.
العي: بكسر العين المهملة عدم الافصاح بالكلام.(6/213)
الباب الحادي والستون في سرية قطبة بن عامر بن حديدة رضي الله تعالى عنه الى خثعم بناحية بيشة قريبا من تربة في صفر سنة تسع.
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قطبة بن عامر بن حديدة في عشرين رجلا ا لى (حي من) خثعم، قال محمد بن عمر بناحية تبالة، وقال ابن سعد بناحية بيشة.
وأمره ان يشن الغارة عليهم، فخرجوا على عشرة أبعرة يتعقبونها.
فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم، وجعل يصيح بالحاضر ويحذرهم فضربوا عنقه.
ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر الجراح في الفريقين جميعا، وقتل قطبة من قتل منهم وساقوا النعم والشاء والنساء الى المدينة.
وجاء سيل أتي فحال بينهم وبينه فما يجدون إليه سبيلا.
وكانت سهمانهم أربعة (أبعرة) والبعير يعدل بعشر من الغنم بعد أن أخرج الخمس.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
قطبة: بضم القاف وسكون الطاء المهملة وبالموحدة.
خثتم: بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة.
بيشة: بكسر الموحدة وسكون التحتية وفتح الشين المعجمة وبتاء تأنيث.
وحكى الجوهري، الهمز (بئشة) (1).
تربة: بضم الفوقية وفتح الراء وبالموحدة وتاء تأنيث.
تبالة (2): بفتح الفوقية وبالموحدة المخففة: بلد باليمن حصينة.
شن الغارة وأشنها: فرق الجماعة من كل وجه.
استعجم عليهم: سكت لم يعلمهم بالامر.
الحاضر: القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه.
__________
(1) وبيشة: من عمل مكة مما يلي اليمن من مكة على خمس مراحل، وبها من النخل والفسيل شئ كثير، وفي وادي بيشة موضع مشجر كثير الاسد، قال السمهري: وأنبئت ليلى بالغريين سلمت علي، ودوني طخفة ورجامها فان التي أهدت، على نأي دارها، سلاما لمردود عليها سلامها عديد الحصى والاثل من بطن بيشة وطرفائها، ما دام فيها حمامها معجم البلدان 1 / 628.
(2) تبالة بالفتح، قيل: تبالة التي جاء ذكرها في كتاب مسلم بن الحجاج: موضع ببلاد اليمن وأظنها غير تبالة الحجاج بن يوسف، فان تبالة الحجاج بلدة مشهورة من أرض تهامة في طريق اليمن.
قال المهلبي: تبالة في الاقليم الثاني، عرضها تسع وعشرون درجة، وأسلم أهل تبالة وجرش من غير حرب فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيدي أهلهما على ما أسلموا عليه.
معجم البلدان 1 / 11110.(6/214)
الباب الثاني والستون في سرية الضحاك بن سفيان الكلابي رضي الله تعالى عنه الى بني كلاب.
قال محمد بن عمر، وابن سعد سنة تسع.
وقال الحاكم في آخر سنة ثمان، وقال محمد بن عمر الاسلمي في صفر.
وقال ابن سعد في ربيع الأول وجرى عليه في المورد والاشارة.
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا الى القرطاء عليهم الضحاك بن سفيان الكلابي ومعه الاصيد بن سلمة بن قرط، فلقوهم بالزج زج لاوة بنجد فدعوهم الى الاسلام فأبوا فقاتلوهم فهزموهم.
فلحق الاصيد أباه سلمة، وسلمة على فرس له في غدير بالزج فدعا أباه الى الاسلام وأعطاه الامان، فسبه وسب دينه، فضرب الاصيد عرقوبي فرس أبيه، فلما وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء، ثم استمسك به حتى جاءه أحدهم فقتل سلمة ولم يقتله ولده.
تنبيهان الأول: يشتبه بأصيد هذا أصيد بن سلمية الاسلمي أسلم هو وأبوه.
ولم يذكر في التجريد تبعا لخلط ابن شاهين الاول، والصواب التفرقة كما سيأتي بيان ذلك في الوفود.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: القرطاء: بضم القاف وفتح الراء والطاء المهملة، تقدم الكلام عليها في سرية محمد بن سلمة إليها.
الاصيد: بالصاد والدال المهملتين بينهما تحتية وزن أحمد، وهو في اللغة الملك ومن رفع رأسه كبرا والاسد.
الزج: بضم الزاي وتشديد الجيم كما في المراصد والصحاح والنهاية والقاموس ووقع في العيون بالزاي والخاء المعجمة وهو سبق قلم وصوابه بالزاي المعجمة والجيم.
لاوة: بفتح اللام والواو ولم أجد لها ذكرا فيما وقفت عليه من كتب الاماكن.
ارتكز على رمحه: أثبته في الارض واستمسك به.(6/215)
الباب الثالث والستون في سرية علقمة بن مجزز المدلجي رضي الله تعالى عنه الى الحبشة
قال ابن سعد في شهر ربيع الاخر (سنة تسع) وقال محمد بن عمر الاسلمي، والحاكم: في صفر.
قال ابن سعد: قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ناسا من الحبشة تراآهم أهل الشعيبة في ساحل جدة بناحية مكة في مراكب.
فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز في ثلثمائة فانتهى الى جزيرة في البحر، وقد خاض إليهم في البحر فهربوا منه، فلما رجع تعجل بعض القوم الى أهليهم فأذن لهم.
وروى ابن اسحاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز.
قال أبو سعيد الخدري وأنا فيهم حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أن كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة السهمي.
وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فيه دعابة.
فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا يصطلون عليها ويصطنعون.
فقال: عزمت عليكم الا تواثبتم في هذه النار.
فقام بعضهم فتحجز وا حتى ظن انهم واثبون فيها.
فقال لهم: اجلسوا انما كنت أضحك معكم.
فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه) (1).
وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل عليهم رجلا من الانصار وأمرهم ان يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شئ فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له، ثم قال: أوقدوا نارا.
فأوقدوا نارا ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا ؟ قالوا: بلى.
قال: فادخلواها.
فنظر بعضهم الى بعض وقالوا: انا فرر نا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار.
فكان كذلك حتى سكن غضبه، وطفئت النار.
فلما رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا).
وقال: (لا طاعة في معصية الله انما الطاعة في المعروف) (2) رواه الشيخان.
ورجع علقمة بن مجزز هو وأصحابه ولم يلق كيدا.
تنبيهان الأول: قول سيدنا علي رضي الله تعالى عنه: واستعمل عليهم رجلا من الانصار (وهم من بعض الرواة وانما هو سهمي).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 2 / 955 (2863)، وابن حبان (1552)، وابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 118، وذكره السيوطي في الدر 2 / 177.
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4340)، واحمد في المسند 1 / 124، والبيهقي في الدلائل 4 / 312، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2 / 177.
(*)(6/216)
الثاني: في بيان غريب ما سبق: علقمة (1): بعين مهملة فلام فقاف فميم فتاء تأنيث.
مجزز: بميم مضمومة فجيم مفتوحة فزايين معجمتين الاولى مكسورة ثقيلة.
المدلجي: نسبة الى بني مدلج قبيلة من كنانة.
الشعيبة: بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وسكون التحتية وفتح الموحدة فتاء تأنيث.
جدة: بضم الجيم وتشديد الدال المهملة.
حذافة: بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة.
السهمي: بفتح السين المهملة وسكون الهاء.
الدعابة: بضم الدال وبالعين المهملتين وبالموحدة: المزاح.
عزمت عليكم: أمرتكم أمرا جدا.
تحجزوا: شمروا ثيابهم الى موضع حجزهم وهو موضع معقد الازار.
تراآهم: نظروهم ورأوهم.
كيدا: حربا.
__________
(1) علقمة بن مجزز بجيم وزايين معجمتين الاولى مكسورة ثقيلة - ابن الاعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمر بن مدلج الكناني المدلجي..انظر الاصابة 4 / 267.
(*)(6/217)
الباب الرابع والستون في سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الى الفلس صنم لطيئ ليهدمه في شهر ربيع الاخر سنة تسع.
قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في خمسين ومائة رجل أو مائتين كما ذكره ابن سعد من الانصار على مائة بعير وخمسين فرسا، ومعه راية سوداء ولواء أبيض الى الفلس ليهدمه فأغاروا على أحياء من العرب وشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وخربوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء وكان في ا لسبي سفانة أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي الى الشام، ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف: رسوب والمخذم - كان الحارث بن أبي شمر قلده اياهما - وسيف يقال له اليماني وثلاثة أدر ع.
واستعمل علي على السبي أبا قتادة واستعمل على الماشية والرقة عبد الله بن عتيك.
فلما نزلوا ركك اقتسموا الغنائم وعزلوا للنبي صلى الله عليه وسلم صفيا رسوبا والمخذم، ثم صار له بعد السيف الاخر، وعزل الخمس، وعزل آل حاتم فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة.
ومر النبي صلى الله عليه وسلم بأخت عدي بن حاتم، فقامت إليه وكلمته أن يمن عليها فمن عليها فأسلمت وخرجت الى أخيها فأشارت عليه بالقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه.
وذكر ابن سعد في الوفود ان الذي أغار وسبى ابنة حاتم خالد بن الوليد.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الفلس: بالفاء واللام والسين المهملة، قال في المراصد: بضم اوله وسكون ثانيه وضبطه بعضهم بالفتح وسكون اللام.
قلت وضبطه بعضهم بضم أوله وسكون ثانيه وجزم به في العيون والمورد.
شن الغارة: فرق الجيش في كل وجه.
المحلة: بفتح الميم مكان ينزل فيه القوم.
سفانة: بفتح السين المهملة وتشديد الفاء وبعد الالف نون مفتوحة فتاء تأنيث.
وجد: بالبناء للمفعول.
في خزانته: بكسر الخاء المعجمة.
رسوب: بفتح الراء وضم السين المهملة وسكون الواو وبالموحدة.
المخذم: بكسر الميم وسكون الخاء وبالذال المعجمتين وبالميم.(6/218)
شمر: بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وبالراء.
الرقة: بكسر الراء وفتح القاف المخففة وبتاء التأنيث: الفضة والدراهم المضروبة منها.
وأصل اللفظة الورق وهي الدراهم المضروبة خاصة فحذفت الواو وعوض عنها بالهاء.
عتيك: بالكاف بوزن كثير.
ركك: بفتح الراء والكاف الاولى.
قال في المراصد: محلة من محال سلمى أحد جبلي طيئ.
وقال الاصمعي: اسم ماء، ووقع في كثير من نسخ السيرة غير مصروف فكأنه أريد به اسم البقعة.(6/219)
الباب الخامس والستون في سرية عكاشة بن محصن رضي الله تعالى عنه الى الجباب أرض عذرة وبلي في شهر ربيع الاخر سنة تسع.
كذا ذكر ابن سعد ولم يزد وتبعه في العيون والمورد.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الجباب: بكسر الجيم وبموحدتين بينهما ألف.
عذرة: بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة: بطن من قضاعة بضم القاف وبالضاد المعجمة والعين المهملة.
بلي: بفتح الموحدة وكسر اللام وتشديد التحتية: قبيلة من قضاعة.
الباب السادس والستون في سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الى أكيدر بن عبد الملك
روى البيهقي عن ابن اسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر، والبيهقي عن عروة بن الزبير، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة من تبوك بعث خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارسا في رجب سنة تسع الى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل.
وكان أكيدر من كندة وكان نصرانيا.
فقال خالد: كيف لي به وسط بلاد كلب وانما أنا في أناس يسيرين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انك ستجده (ليلا) يصيد البقر فتأخذه فيفتح الله لك دومة فان ظفرت به فلا تقتله وائت به الي فان أ بى فاقتله).
فخرج إليه خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته الرباب بنت أنيف بن عامر الكندية.
فصعد أكيدر على ظهر الحصن من الحر، وقينة تغنيه، ثم دعا بشراب.
فأقبلت البقر الوحشية تحك بقرونها باب ا لحصن فأشرفت امرأته فرأت البقر فقالت ما رأيت كالليلة في اللحم.
قال: وما ذاك ؟ فأخبرته فأشرف عليها، فقالت امرأته: هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال: لا.
قالت: فمن يترك هذا ؟ قال: لا أحد، قال أكيدر: والله ما رأيت بقرا جاءتنا ليلة غير تلك الليلة، ولقد كنت أضمر لها الخيل، إ ذا أردت أخذها شهرا، ولكن هذا بقدر.
ثم ركب بالرجال وبالالة فنزل أكيدر وأمر بفرسه فأسرج وأمر بخيله فأسرجت وركب معه نفر من أهل بيته، معه أخوه حسان ومملوكان له، فخرجوا من حصنهم بمطاردهم.
فلما فصلوا من الحصن وخيل خالد تنظر إليهم لا يصول منها فرس ولا يجول،(6/220)
فساعة فصل أخذته الخيل، فاستأسر أكيدر وامتنع حسان وقاتل حتى قتل وهرب المملوكا ن
ومن كان معه من أهل بيته، فدخلوا الحصن، وكان على حسان قباء من ديباج مخوص بالذهب، فاستلبه خالد.
وقال خالد لاكيدر: هل لك ان أجيرك من القتل حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تفتح لي دومة ؟ فقال أكيدر: نعم.
فانطلق به خالد حتى أدناه من الحصن.
فنادى أكيدر أهله ان افتحوا باب الحصن، فأرادوا ذلك، فأبى عليهم مضاد أخو أكيدر، فقال أكيدر لخالد: تعلم والله أنهم لا يفتحون لي ما رأوني في وثاقك فخل عني فلك الله والامانة ان أفتح لك الحصن ان أنت صالحتني على أهلي.
قال خالد: فاني أصالحك فقال أكيدر: ان شئت حكمتك وان شئت حكمتني.
فقال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت.
فصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح، على ان ينطلق به وبأ خيه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم فيهما حكمه.
فلما قاضاه خالد على ذلك خلى سبيله، ففتح باب الحصن، فدخله خالد وأوثق مضادا أخا أكيدر، وأخذ ما صالح عليه من الابل والرقيق والسلاح.
ولما ظفر خالد بأكيدر وأخيه حسان أرسل خالد عمرو بن أمية الضمري بشيرا وأرسل معه قباء حسان.
قال أنس وجابر: رأينا قباء حسان أخي أكيدر حين قدم به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من هذا ؟ فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا) (1).
ثم ان خالدا لما قبض ما صالحه عليه أكيدر عزل النبي صلى الله عليه وسلم صفيه له قبل أن يقسم شيئا من الفيئ، ثم خمس الغنائم بعد.
قال محمد بن عمر: كان صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا أو أمة أو سيفا أو درعا أو نحو ذلك.
ثم خمس خالد الغنائم بعد، فقسمها بين أصحابه.
قال أبو سعيد الخدري: أصابني من السلاح درع وبيضة وأصابني عشر من الابل.
وقال واثلة بن الاسقع: أصابني ست فرائض، وقال عبد الله بن عمرو بن عوف المازني: كنا مع خالد بن الوليد أربعين رجلا من بني مزينة وكانت سهماننا خمس فرائض لكل رجل مع سلاح يقسم علينا دروع ورماح.
قال محمد بن
عمر: انما أصاب الواحد ستا والاخر عشرا بقيمة الابل.
ثم ان خالدا توجه قافلا الى المدينة ومعه أكيدر ومضاد.
وروى محمد بن عمر عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: رأيت أكيدر حين قدم به خالد وعليه صليب من ذهب وعليه الديباج ظاهرا.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (157) واحمد في المسند 3 / 209، والحديث أخرجه البخاري 10 / 303 (5836).(6/221)
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد له، فأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده: لا لا مرتين.
وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فيها كسوة، قال ابن الاثير: وبغلة وصالحه على الجزية.
قال ابن الاثير: وبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما.
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه أمانهم وما صالحهم عليه، ولم يكن في يد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ خاتم فختم الكتاب بظفره.
قال محمد بن عمر حدثني شيخ من أهل دومة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له هذا الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم): هذا كتاب من محمد رسول الله لاكيدر حين أجاب الى الاسلام، وخلع الانداد والاصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها: أن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الارض والحلقة (والسلاح) والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور بعد الخمس ولا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله تبارك وتعالى ومن حضر من المسلمين) (1).
وقال بجير بن بجرة الطائي يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد: (انك ستجده يصيد البقر).
وما صنعت البقر تلك الليلة بباب الحصن تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبارك سائق البقرات اني رأيت الله يهدي كل هاد فمن يك حائدا عن ذي تبوك فانا قد أمرنا بالجهاد
قال البيهقي بعد ان أورد هذين البيتين من طريق ابن اسحاق وزاد غيره وليس في روايتنا: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفضض الله فاك) (2).
فأتى عليه تسعون سنة فما تحرك له ضرس.
وروى ابن منده وابن السكن وأبو نعيم، كلهم عن الصحابة، عن بجير بن بجرة قال: كنت في جيش خالد بن الوليد حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أكيدر دو مة فقال له: (انك تجده يصيد البقر).
فوافقناه في ليلة مقمرة وقد خرج كما نعته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذناه فلما أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدته أبياتا، فذكر ما سبق.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفضض الله فاك).
فأتت عليه تسعون سنة وما تحرك له سن.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 54.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 251، وذكره ابن حجر في المطالب (4065)، وابن كثير في البداية والنهاية 5 / 17.
(*)(6/222)
تنبيهات الأول: أكيدر: بضم الهمزة وفتح الكاف وسكون التحتية وكسر الدال المهملة وبالراء، هو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن.
الثاني: روى البيهقي عن موسى بن بكير عن سعيد بن أوس العبسي - بالموحدة - من بلال بن يحيى رحمه الله تعالى قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على المهاجرين الى دومة الجندل، وبعث خالد بن الوليد على الاعراب معه وقال: (انطلقوا فانكم ستجدون أكيدر دومة يقنص الوحش فخذوه أخذا وابعثوا به الي ولا تقتلوه وحاصروا أهلها) (1).
الحديث.
ورواه ابن منده من طريق بلال بن يحيى عن حذيفة موصولا.
قلت: وذكر ابي بكر في هذه السرية غر يب جدا لم يتعرض له أحد من أئمة المغازي التي وقفت عليها فالله أعلم.
الثالث: في بيان غريب ما سبق: رومان: برائة مضمومة كعثمان.
فقل: بفتح القاف والفاء واللام: رجع.
دومة: بضم الدال المهملة وفتحها وسكون الواو فيهما.
الجندل: (الصخر العظيم).
كندة: بكاف مكسورة فميم ساكنة فدال مهملة فتاء تأنيث ويقال: كندي لقب ثور ا بن عفير، أبو حى من اليمن لانه كند أباه النعمة ولحق بأخواله والكند القطع.
وسط بلاد كعب - محركة ما بين طرفيها فإذا سكنت كانت ظرفا.
الرباب: براء فموحدتين بينهما ألف: اسم امرأة لشبهها بالرباب وهو السحاب ا لابيض.
أنيف: (بضم اوله وفتح النون وسكون التحتية وبالفاء تصغير أنف).
القينة: بقاف مفتوحة فمثناة تحتية فنون: الامة المغنية أو أعم.
أضمر لها الخيل وضمرها: أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف الا قوتا لتخف.
أسرج له: بالبناء للمفعول.
حسان: قتل على شركه.
المطارد: بميم مفتوحة مطرد كمنبر: رمح قصير يطعن به.
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 253، والحاكم 4 / 519.
(*)(6/223)
فصل: بفتح الفاء والصاد المهملة واللام: خرج.
استأسر: (أسل نفسه أسيرا).
المخوص: بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والواو المشددة وبالصاد المهملة: المنسوج فيه الذهب وقيل فيه طريق من ذهب مثل خوص النخل.
مضاد: (بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وبالدال المهملة المشددة بعد ألف).
قدم به: بالبناء للمفعول.
المناديل: جمع منديل بفتح الميم وكسرها: الذي يتمسح به.
الصفي: بصاد مهملة مفتوحة ففاء، ما يختار من الغنيمة قبل القسم.
واثلة: بواو فألف فمثلثة فلام فمثناة.
الاسقع: بهمزة فسين مهملة فقاف فعين مهملة.
الفرائض: جمع فريضة وهي هنا البعير المأخوذ في الزكاة سمي فريضة لانه فرض واجب على رب المال ثم اتسع فيه حتى سمي البعير فريضة في غير الزكاة.
المازني: نسبة الى مازن أبو قبيلة.
ومزينة كجهينة: قبيلة والنسبة إليها مزني.
خلع بفتحات: نزع وترك.
الانداد: جمع ند وهو المثل.
الاكناف: جمع كنف وهو ما أحاط بالشئ.
الضاحية: ما ظهر من البلاد.
الضحل: بضاد معجمة فحاء مهملة فلام: المكان الذي يقل به الماء.
البور: بموحدة مضمومة فواو فراء: الارض قبل أن تصلح للزرع أو التي تجم سنة لتز رع من قابل.
الحلقة: بحاء مهملة مفتوحة فلام ساكنة فقاف فتاء تأنيث: الدرع.
الحافر: المراد به هنا الخيل.
الحصن: بحاء مكسورة فصاد ساكنة مهملتين: كل موضع حصين لا يوصل الى جوفه.
الضامنة من النخل: ما يكون في القرية أو ما أطاف به منها سورا للمدينة.
المعين: بفتح الميم وكسر العين المهملة: الظاهر الجاري.
لا تعدل: (سارحتكم: لا تمنع من المرعى).(6/224)
والسارحة بسين فراء فحاء مهملات: المال من النعم.
لا تعد (فاردتكم أي لا تعد مع غيرها فتضم إليها ثم تصدق).
والفاردة المنفردة في المرعى.
لا يحظر عليكم النبات: (أي لا تمنعون من الزرع).
بجير: كزبير.
بجرة: بضم الموحدة وسكون الجيم.
تبارك: تقدس وتنزه.
فض الله فاه: بفاء فضاد معجمة: كسره وفرقه.
ابن منده: بميم مفتوحة فنون ساكنة فدال مهملة فتاء.
ابن السكن: بسين مهملة فكاف مفتوحتين فنون.
خيل رسول الله: فرسان خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم.(6/225)
الباب السابع والستون في بعثه صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما لهدم الطاغية.
روى البيهقي عن عروة، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن اسحاق عن رجاله، قالوا: ان عبد ياليل بن عمرو، وعمرو بن أمية أحد بني علاج الثقفيان لما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد ثقيف وأسلموا قالوا: أرأيت الربة ماذا نصنع فيها ؟ قال: اهدموها.
قالوا: هيهات لو تعلم الربة أنا أوضعنا في هدمها قتلت أهلنا.
قال عمر بن الخطاب: ويحك يا عبد ياليل ما أجمعك انما الربة حجر لا تدري من عبده ممن لم يعبده.
قال عبد ياليل: انا لم نأتك يا عمر.
وقالوا: يا رسول الله اتركها ثلاث سنين لا تهدمها.
فأبى.
فقالوا: سنتين فأبى، فقالوا سنة.
فأبي، فقالوا: شهرا واحدا.
فأبى أن يوقت لهم وقتا، وانما يريدون ترك الربة خوفا من سفائهم والنساء والصبيان، وكرهوا أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام.
وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعقبهم من هدمها.
وقالوا: يا رسول الله اترك أنت هدمها فانا لا نهدمها أبدا.
فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أبعث أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة يهدمانها).
فذكروا الحديث (1).
فقال الوفد وأخبروا قومهم خبرهم وخبر الربة.
فقال شيخ من ثقيف قد بقي في قلبه شرك بعد: فذاك والله مصداق ما بيننا وبينه، فان قدر على هدمها فهو محق ونحن مبطلون، وان امتنعت ففي النفس من هذا بعد شئ.
فقال عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: (منتك والله نفسك الباطل وغرتك الغرور الربة، والله ما تدري من عبدها ومن لم يعبدها).
وخرج أبو سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة وأصحابهما لهدم الربة.
فلما دنوا من الطائف قال المغيرة لابي سفيان: تقدم أنت على قومك.
وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم، ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلا يهدمون الربة.
فلما نزلوها عشاء باتوا، ثم غدوا على الربة يهدمونها.
فقال المغيرة لاصحابه الذين قدموا معه: (لاضحكنكم اليوم من ثقيف).
فاستكفت ثقيف كلها: الرجال والنساء والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال حزنا يبكين على الطاغية، لا يرى عامة ثقيف أنها مهدومة ويظنون انها ممتنعة.
فقام المغيرة بن شعبة واستوى على رأس الدابة ومعه البعول، وقام معه بنو معتب دريئة بالسلاح مخافة أن يصاب كما فعل عمه عروة بن مسعود.
وجاء أبو سفيان وصمم على ذلك فأخذ الكرزين وضرب المغيرة
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 302، وانظر البداية والنهاية 5 / 33.
(*)(6/226)
بالكرزين ثم سقط مغشيا عليه يركض برجليه فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وقالوا: أسعد الله المغيرة قد قتلتم الربة.
زعمتم ان الربة لا تمتنع، بل والله لتمنعن، وفرحوا حين رأوه ساقطا، وقالوا: من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها فوالله لا يستطاع أبدا.
فوثب المغيرة بن شعبة وقال: قبحكم الله يا معشر ثقيف انما هي لكاع، حجارة ومدر، فا قبلوا عافية الله تعالى ولا تعبدوها ثم انه ضرب الباب فكسره ثم سورها وعلا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها بالارض، وجعل السادن يقول: ليغضبن الاساس فليخسفن
بهم.
فلما سمع بذلك المغيرة حفر أساسها فخربه حتى أخرجوا ترابها وانتزعوا حليتها وكسوتها وما فيها من طيب وذهب وفضة وثيابها.
فبهتت ثقيف فقالت عجوز منهم: أسلمها الرضاع، لم يحسنوا المصاع.
وأقبل أبو سفيان والمغيرة واصحابهما حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليها وكسوتها وأخبروه خبرهم، فحمد الله تعالى على نصر نبيه واعزاز دينه، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم مال الطاغية من يومه، وسأل أبو المليح بن عرو ة بن (مسعود بن معتب الثقفي) رسول الله صلى الله عليه وسلم ان (يقضي) عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم).
فقال له قارب بن الاسود، وعن الاسود يا رسول الله فاقضه، وعروة والاسود أخوان لاب وأم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الاسود مات مشر كا).
فقال قارب: يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة، يعني نفسه، انما الدين علي وانما انا الذي أ طلب به، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان ان يقضي دين عروة والاسود من مال الطاغية.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الطاغية: هي اللات.
ياليل: بتحتيتين وبينهما لام مكسورة وآخره لام.
علاج: بكسر العين المهملة وبالجيم.
أرأيت: أخبرني.
الربة: بفتح الراء.
أوضعنا: بفتح اوله وسكون الواو وفتح الضاد المعجمة الساقطة وسكون العين المهملة: أسرعنا.
ذو الهرم: بفتح الهاء وسكون الراء: مال كان لعبد المطلب أو لابي سفيان بالطائف.
استكف: اجتمع.(6/227)
المعول: بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو وباللام: الفأس التي يكسر بها الحجارة.
معتب: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة.
الكرزين: والكرزن: بفتح الكاف وكسرها: الفأس.
والكرزم بالميم: لغة.
يركض: يضرب الارض برجله.
ارتج: (افتعل من الرج وهو الحركة الشديدة).
لكاع: بفتح اللام والكاف وكسر العين المهملة على البناء: لئيمة.
المدر: بفتح الميم والدال المهملة وبالراء: جمع مدرة: وهو التراب المتلبد.
السادن: بسين مهملة فألف فدال مهملة فنون.
الخادم.
بهت: بضم الموحدة وكسر الهاء وبالفوقية.
هذه اللغة الفصحى ويجوز ان تفتح الموحدة وتكسر الهاء أي دهش وتحير.
أبو المليح: بفتح الميم وكسر اللام وسكون التحتية وبالحاء المهملة.
قارب: بالقاف وكسر الراء وبالموحدة.
الحمق: بضمتين وتسكن الميم: قلة العقل.(6/228)
الباب الثامن والستون في بعثه صلى الله عليه وسلم ابا موسى الاشعري ومعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما قبل حجة الوداع الى اليمن.
روى البخاري من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الاشعري، ومن طريق طارق بن شهاب كلاهما عن أبي موسى، ومن طريق عبد الملك بن عمير عن أبي بردة مرسلا.
قال أبو موسى: أقبلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الاشعريين أ حدهما عن يميني والاخر عن شمالي كلاهما يسأل العمل والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك، فقال: (ما تقول يا أبا موسى ؟ أو
قال: (يا عبد الله بن قيس ؟) قال: فقلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في نفسيهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل.
قال: فكأني انظر الى سواكه تحت شفتيه وقد قلصت.
قال: (لن يستعمل على عملنا من يريده ولكن اذهب أنت يا أبا موسى، أو قال: يا عبد الله بن قيس).
قال أبو موسى: فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعإذا الى اليمن.
قال أبو بريد ة: بعث كل منهما على مخلافه.
قال: واليمن مخلافان، وكانت جهة معاذ العليا وجهة ابي موسى السفلى.
قا ل أبو موسى: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الناس وبشرا ولا تنفرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا).
قال أبو موسى: يا رسول الله افتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن، قال : البتع وهو من العسل ينبذ ثم يشتد، والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ ثم يشتد.
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم وخواتمه.
قال: (أنهي عن كل مسكر أسكر عن الصلاة).
وفي رو اية: فقال: (كل مسكر حرام) (1).
قال: فقدمنا اليمن وكان لكل واحد منا قبة نزلها على حدة.
قال أبو بردة: فانطلق كل واحد منهما الى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه، وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه ابي موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه فإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه الى عنقه فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا ؟ قال: هذا يهودي كفر بعد اسلامه، أ نزل وألق له وسادة فقال: لا أنزل حتى يقتل فأمر به فقتل.
قال: انما جئ به لذلك فانزل.
قا ل: ما أنزل حتى يقتل، ثم نزل.
فقال: يا عبد الله كيف تقرأ القرآن ؟ قال: (أتفوقه تفوقا.
قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4344).
(*)(6/229)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه الى اليمن: (انك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم الى أن يشهدوا ألا اله الا الله وان محمدا رسول الله فان هم أطاعوا لك بذاك فأخبرهم ان الله عز وجل قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فان هم طاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب) (1).
رواه الشيخان، وروى البخا ري عن عمرو بن ميمون أحد كبار التابعين المخضرمين رحمه الله تعالى أن معإذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ سورة النساء فلما قرأ: (واتخذ الله ابراهيم خليلا) (النساء 125) قال رجل من القوم: لقد قرت عين أم ابراهيم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: العمل: بعين مهملة فميم مفتوحتين فلام: القيام بالامور، والعامل للرجل القائم عنه في ملكه وعمله، ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة: عامل.
شعرت: بشين معجمة مفتوحة فعين مهملة تفتح وتكسر فراء: علمت.
قلصت: بقاف مفتوحة فلام فصاد مهملة: ارتفعت.
المخلاف: بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وبالفاء المكسورة: الاقليم والرستاق بضم الراء وسكون السين المهملة وفتح الفوقية، بلغة أهل اليمن.
يسرا ولا تعسرا وبشرا، ولا تنفرا: الاصل أن يقال: بشرا ولا تنذرا، وآنسا ولا تنفرا، فجمع بينهما ليعم البشارة والنذارة والتأنيس والتنفير، فهو من باب المقابلة (المعنوية) قاله الطيبي.
قال الحافظ: ويظهر لي ان النكتة في الاتيان بلفظ البشارة وهو الاصل وبلفظ التنفير وهو اللازم، وأتى بالذي بعده على العكس للاشارة الى أن الانذار لا ينفى مطلقا بخلاف التنفير فاكتفى بما يلزم عن الانذار وهو التنفير فكأنه قال: ان أنذرتم فليكن بغير تنفير كقوله تعالى: (فقولا له قولا لينا) (طه 44).
تطاوعا: كونا متفقين في الحكم.
ينبذ: يطرح.
يشتد: بشين معجمة: يقوى.
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 158، ومسلم في كتاب الايمان (10).
(*)(6/230)
المزر: بكسر الميم وسكون الزاي فراء: نبيذ الشعير.
جوامع الكلم وخواتمه: يأتي الكلام على ذلك في الخصائص.
أسكر عن الصلاة: ألهى عنها بعد صحوه.
قبة على حدة: بحاء مكسروة فدال مفتوحة مخففة: أي جانب متميز عن صاحبه.
أحدث به عهدا: أي في الزيادة.
جمعت يداه الى عنقه: (أي قيدت).
أيم هذا: بفتح التحتية والميم وبغير اشباع أي أي شئ هو ؟ وأصلها أيما وأي استفهامية وما بمعنى شئ، فحذفت الالف تخفيفا.
وضم أبو ذر الهروي التحتية في روايته.
الوسادة: بكسر الواو: المتكأ.
أتفوقه: بفتح اوله والفوقية والفاء والواو المشددة وبالقاف: أي اقرأه شيئا بعد شئ في آناء الليل والنهار، بمعنى القراءة مرة واحدة، بل أفرق قراءته على أوقات، مأخوذ من فواق الناقة وهو الحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب.
جزئي من النوم: بضم الجيم وسكون الزاي، بعدها همزة مكسورة فتحتية، أي أنه جزأ الليل أجزاء جزءا للنوم وجزءا للقراءة والقيام.
فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي: بهمزة قطع، وكسر السين من غير فوقية في (أحتسب) في الموضعين في غير رواية أبي ذر، وبهمزة وصل وفتح السين وسكون الموحدة.
وفي رواية ابي ذر عن الحموي والمستملي بصيغة الماضي فيهما.
كرائم الاموال: نفائسها أي احذر أخذ نفائس أموالهم.
قرت عين (أم ابراهيم: أي سرت بذلك وفرحت).(6/231)
الباب التاسع والستون في بعث خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الى بني عبد المدان، كذا عند ابن سعد في السرايا وهم من بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الاخر أو جمادى الاولى سنة عشر.
قالوا: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأمره ان يدعوهم الى الاسلام قبل أن يقاتلهم، ثلاثة أيام.
فان استجابوا فاقبل منهم وان لم يفعلوا فقاتلهم.
فخرج إليهم خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه، ويدعون الى الاسلام ويقولون: (أيها الناس، اسلموا تسلموا).
فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه.
فأقام فيهم خالد بن الوليد يعلمهم شرائع الاسلام وكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم كتب خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم (من خالد بن الوليد) السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فاني أحمد اليك الله الذي لا اله الا هو.
أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك، فانك بعثتني الى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن ادعوهم الى الاسلام فان أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وان لم يسلموا قاتلتهم.
واني قدمت عليهم فدعوتهم الى ا لاسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعثت فيهم ركبانا ينادون: يا بني الحارث أسلموا تسلموا.
فأسلموا ولم يقاتلوا، واني مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، واعلمهم معالم الاسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكتب الي رسول الله صلى الله عليه وسلم (والسلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته).
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد ا لنبي رسول الله الى
خالد بن الوليد.
سلام عليك فاني أحمد اليك الله الذي لا اله الا هو، أما بعد فان كتابك جاءني مع رسولك يخبر ان بني الحارث بن كعب قد أسلموا وشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله، قبل أن تقاتلهم، وأجابوا الى ما دعوتهم إليه من الاسلام وان قد هداهم الله بهداه، فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: عبد المدان: (المدان): كسحاب صنم بنجران.
(نجران): كفعلان: موضع باليمن فتح سنة عشر، سمي بنجران بن زيد بن سبأ.
الركبان: جمع لراكب البعير خاصة.
يضربون: يسيرون سراعا غازين.(6/232)
الباب السبعون في سرية المقداد بن الاسود رضي الله عنه الى أناس من العرب
روى البزار والدارقطني في الافراد، والطبراني والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وابن أبي شيبة، وابن جرير عن سعيد بن جبير رحمه الله تعا لى، قال ابن عباس: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الاسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فقال: (أشهد ألا اله الا الله وحده لا شر يك له).
فأهوى إليه المقداد فقتله.
فقال له رجل من أصحابه: (قتلت رجلا يشهد ألا اله الا الله، لاذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله ان رجلا شهد أن الا اله الا الله فقتله المقداد.
فقال: (يا مقداد أقتلت رجلا يقول لا اله الا الله فكيف لك بلا اله الا الله غدا ؟).
فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل) (النساء 94).
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد: (كان رجلا مؤمنا يخفي ايمانه مع قوم كفار، فأظهر ايمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي ايمانك بمكة).
وقال سعيد بن جبير: فنزلت هذه الاية: (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا) يعني الغنيمة.
تنبيهات الأول: تقدم في قصة أسامة قتله لمرداس: بن نهيك.
الثاني: اختلف في سبب هذه الاية.
(أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لحق ناس من المسلمين رجلا معه غنيمة له فقال: السلام عليكم.
فقتلوه وأخذوا غنيمته، فنزلت: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) الى قوله: (عرض الحياة الدنيا) قال: تلك الغنيمة.
قال: قرأ ابن عباس (السلام).
واخرج ابن أبي شيبة واحمد والطبراني والترمذي وحسنه وعبد بن حميد وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: (مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوق غنما له، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم علينا الا ليتعوذ منا،(6/233)
فعمدوا له فقتلوه، وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الاية: (يا أ يها الذين آمنوا إذا ضربتم...) (الاية).
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة واحمد وابن جرير والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن عبد الله بن أبي حدرد الاسلمي قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اضم، فخرجت في نفر من المسلمين فيهم الحرث بن ربعي أبو قتادة، ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن اضم، مر بنا عامر بن ا لاضبط الاشجعي على قعود له، معه متيع له وقطب من لبن، فلما مر بنا سلم علينا بتحية الا سلام،
فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشئ كان بينه وبينه، فقتله وأخذ بعيره ومتاعه، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر، نزل فينا القرآن: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا...) (الاية).
وأخرج ابن اسحاق وعبد الحميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبغوي في معجمه من طريق يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي حدرد الاسلمي عن أبيه نحوه، وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقتلته بعدما قال: آمنت بالله ! ؟ فنزل القرآن).
واخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا، فلقيهم عامر بن الاضبط، فحياهم بتحية الاسلام، وكانت بينهم احنة في الجاهلية، فر ماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال: (لا غفر الله لك).
فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت به ساعة حتى مات ودفنوه، فلفظته الارض، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له فقال: (ان الارض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم، ثم صرحوه في جبل وألقوا عليه الحجارة، فنزلت: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم...) (الاية).(6/234)
الباب الحادي والسبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى همدان ثم بعثه عليا رضي الله تعالى عنهما.
روى البيهقي في السنن والدلائل والمعرفة عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى أهل اليمن يدعوهم الى الاسلام.
قال البراء فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم الى الاسلام فلم يجيبوا.
ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب مكان خالد وأمره أن يقفل خالدا وقال: (مر اصحاب خالد من شاء منهم ان يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل).
قال البراء: فكنت فيم عقب مع علي.
فلما دنونا من القوم خرجوا الينا فصلى بنا علي ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعا.
فكتب علي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامهم.
فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه وقال: (السلام على همدان) (1) مرتين.
رواه البخاري مختصرا.
وعنده عن البراء قال: فغنمت أواق ذو ات عدد).
وروى الترمذي وقال حسن غريب عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن جيشين وأمر عليا على أحدهما وعلى الاخر خا لد بن الوليد.
وقال: (إذا كان قتال فعلي رضي الله تعالى عنه الامير).
قال: فافتتح علي حصنا فغنمت أواقي ذوات عدد، وأخذ علي منه جارية، قال: فكتب معي خالد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي في جامع الترمذي (بشئ منه) قال الترمذي: يعني النميمة - يخبره.
قال: فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ الكتاب رأيته يتغير لونه فقال: (ما ترى في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله تعالى ورسوله ؟) فقلت: أعوذ بالله من غضب الله تعالى وغضب رسوله، انما أنا رسول.
فسكت (2).
وروى الامام أحمد، والبخاري والاسماعيلي، والنسائي عن بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه قال: (أصبنا سبيا فكتب خالد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ابعث الينا من يخمسه).
وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي.
فبعث رسول الله صلى الله عليه سلم عليا الى خالد ليقبض منه الخمس، وفي رواية: ليقسم الفيئ، فقبض منه فخمس وقسم، واصطفى لي سبية، فأصبح وقد اغتسل ليلا.
وكنت أبغض عليا بغضا لم أبغضه أحدا، وأحببت رجلا من قريش لم أحبه الا لبغضه عليا.
فقلت لخالد: ألا ترى الى هذا ؟ وفي رواية: فقلت: يا أبا الحسن
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن 2 / 366، وفي الدلائل 5 / 369، والبخاري 7 / 663 (4349).
(2) أخرجه الترمذي 4 / 180 (1704).
(*)(6/235)
ما هذا ؟ قال ألم تر الى الوصيفة فانها صارت في الخمس ثم صارت في آل محمد ثم في آل
علي فوقعت بها.
فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك) (1).
وفي رواية: فكتب خالد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ابعثني، فبعثني، فجعل يقرأ الكتاب وأقول صدق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد احمر وجهه فقال: (من كنت وليه فعلي وليه).
ثم قال: (يا بريدة أتبغض عليا ؟) فقلت: نعم.
قال: (لا تبغضه فان له الخمس أكثر من ذلك).
وفي رواية: (والذي نفسي بيده لنصيب علي في الخمس أفضل من وصيفة وان كنت تحبه فازدد له با).
وفي رواية: (لا تقع في علي فانه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي) (2).
قال بريدة: فما كان في الناس أحد أحب الي من علي.
تنبيهات الأول: قال ابن اسحاق وغيره: غزوة علي بن أبي طالب الى اليمن مرتين قال في العيون: ويشبه أن تكون هذه السرية الاولى، وما ذكره ابن سعد هي السرية الثانية كما سيأتي.
الثاني: قال الحافظ: كان بعث علي بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة.
الثالث: قال الحافظ أبو ذر الهروي: انما أبغض بريدة عليا لانه رآه أخذ من المغنم فظن انه غل.
فلما أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم انه أخذ أقل من حقه أحبه.
قال الحافظ: وهو تأويل حسن لكن يبعده صدر الحديث الذي رواه أحمد، فلعل سبب البغض كان لمعنى آخر وزال، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بغضه.
الرابع: استشكل وقوع علي رضي الله تعالى عنه على الجارية وأجيب باحتمال أنها كانت غير بالغ، ورأى ان مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة، أو انها كانت حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها، أو كانت عذراء.
الخامس: استشكل أيضا قسمته لنفسه، وأجيب بان القسمة في مثل ذلك جائزة ممن هو شريكه فيما يقسمه كالامام إذا قسم بين الرعية وهو منهم فكذلك ممن نصبه الامام فانه مقامه.
السادس: في بيان غريب ما سبق: همدان: بسكون الميم وبالدال المهملة قبيلة معروفة.
قال الائمة الحفاظ: وليس في
__________
(1) اخرجه البخاري في كتاب النكاح (5210).
(2) اخرجه أحمد في المسند 5 / 356، وذكره الهيثمي في المجمع 9 / 128، والمتقي ا لهندي في الكنز (42942).(6/236)
الصحابة ولا تابعيهم ولا أتباع الاتباع أحد من البلدة التي هي بفتح الميم وبالذال المعجمة.
البراء: بفتح الموحدة وتخفيف الراء.
عازب: بعين مهملة فألف فزاي مكسورة وبالموحدة: ضد متزوج.
أمره: بتخفيف الميم من الامر.
يقفل خالدا: بضم التحتية وسكون القاف وكسر الفاء يرجعه ويرده.
يعقب: بضم التحتية وفتح العين المهملة وتشديد القاف: يرجع.
أواق: مثل جوار، وفي لفظ أواقي بتحتية مشددة وتخفف.
ذوات عدد: (أي كثيرة).
بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية وبالدال المهملة.
الحصيب: بحاء مضمومة فصاد مفتوحة مهملتين فتحتية ساكنة فموحدة.
الوصيفة: بواو فصاد مهملة فتحتية ففاء: الخادم.
السبية: بفتح السين المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية فهمزة: الجارية من السبي.
من كنت وليه فعلي وليه: قال الحافظ لهذا اللفظ طرق يقوي بعضها بعضا.
وهو وليكم بعدي: (أي يلي أمركم).(6/237)
الباب الثاني والسبعون في سرية علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الى اليمن المرة الثانية.
قال محمد بن عمر، وابن سعد (1) رحمهما الله تعالى واللفظ للاول: قالوا -: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا الى اليمن في رمضان وأمره ان يعسكر بقناة فعسكر بها حتى تتام أصحابه.
فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء وأخذ عمامته فلفها مثنية مربعة فجعلها في رأس الرمح ثم دفعها إليه وعممه بيده عمامة ثلاثة أكوار وجعل له ذراعا بين يديه وشبرا من ورائه وقال له: (امض ولا تلتفت).
فقال علي: يا رسول الله ما أصنع ؟ قال: (إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقا تلوك وادعهم الى أن يقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله، فان قالوا نعم فمرهم بالصلاة فان أجابوا فمرهم بالزكاة فان أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت).
فخرج علي في ثلاثمائة فارس فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد.
فلما انتهى الى أدنى الناحية التي يريد من مذحج فرق اصحابه فأتوا بنهب وغنائم وسبايا نساء وأطفالا ونعما وشاء وغير ذلك.
فجعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب الاسلمي فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقى لهم جمعا.
ثم لقي جمعهم، فدعاهم الى الاسلام فأبوا ورموا أصحا به بالنبل والحجارة.
فلما رأى انهم لا يريدون الا القتال صف أصحابه ودفع اللواء الى مسعود بن سنان السلمي فتقدم به، فبرز رجل من مذحج يدعو الى البراز، فبرز إليه الاسود بن خزاعي فقتله الاسود وأخذ سلبه.
ثم حكل عليهم علي واصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزمو ا وتركوا لواءهم قائما وكف علي عن طلبهم، ثم دعاهم الى الاسلام فأسرعوا وأجابوا.
وتقدم نفر من رؤسائهم فبايعوه على الاسلام وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله تعالى.
وجمع علي ما أصاب من تلك الغنائم، فجزأها خمسة أجزاء فكتب في سهم منها لله ثم أقرع عليها، فخرج أول السهمان سهم الخمس وقسم علي رضي الله تعالى عنه على اصحابه بقية المغنم، ولم ينفل أحدا من الناس شيئا، وكان من كان قبله يعطون خيلهم
الخاص دون غيرهم من الخمس ثم يخبرون رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فلا يرد ه عليهم فطلبوا ذلك من علي فأبى وقال: الخمس أحمله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى فيه رأيه.
وأقام فيهم يقرئهم القرآن ويعلمهم الشرائع.
وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا مع
__________
(1) اخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 122.
(*)(6/238)
عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يخبره الخبر.
فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوافيه الموسم، فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف الى علي بذلك فانصرف علي راجعا.
فلما كان بالفتق تعجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر وخلف على اصحابه والخمس أبا رافع، فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج، وكا ن في الخمس ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة ونعم وشاء مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم.
فسأل اصحاب علي أبا رافع ان يكسوهم ثيابا يحرمون فيها فكساهم منها ثوبين ثوبين.
فلما كانوا بالسدرة داخلين خرج علي ليتلقاهم ليقدم بهم، فرأى على اصحابه الثياب فقال لابي رافع: ما هذا ؟ فقال: (كلموني ففرقت من شكايتهم وظننت ان هذا ليسهل عليك وقد كان من قبلك يفعل هذا بهم).
فقال: (قد رأيت امتناعي من ذلك ثم أعطيتهم وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلفت فتعطيهم).
فنزع علي الحلل منهم.
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوه، فدعا عليا، فقال: (ما لاصحابك يشكونك ؟) قال: ما أشكيتهم، قسمت عليهم ما غنموا وحبست الخمس حتى يقدم عليك فترى فيه رأيك.
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: واحتفر قوم بئرا باليمن فأ صبحوا وقد سقط فيها أسد، فنظروا إليه، فسقط انسان بالبئر فتعلق بآخر وتعلق الاخر بآخر حتى كانوا في البئر أربعة فقتلهم الاسد، فأهوى إليه رجل برمح فقتله.
فتحاكموا الى علي رضي الله تعالى عنه.
فقال: ربع دية وثلث دية ونصف دية ودية تامة: للاسفل ربع دية من أجل انه هلك فوقه ثلاثة، وللثاني ثلث دية لانه هلك فوقه اثنان وللثالث نصف دية من أجل انه هلك فوقه واحد، وللاعلى الدية كاملة.
فان رضيتم فهو بينكم قضاء وان لم ترضوا فلا حق لكم حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقضي بينكم.
فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصوا عليه خبرهم، فقال: (أنا أقضي بينكم ان شاء الله تعالى).
فقال بعضهم: يا رسول الله ان عليا قد قضى بيننا.
قال: (فيم قضى ؟) فأخبروه، فقال: (هو كما قضى به).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: يعسكر: يجمع عسكره أي جيشه.
قناة: بفتح القاف وتخفيف النون وبعد الالف تاء تأنيث: واد من أودية المدينة.
ثلاثة أكوار: جمع كورة: العمامة وهي ادارتها.
امض: بهمزة وصل.
الساحة: عرصة الدار والمراد هنا: المكان.
مذحج: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وبالجيم: قبيلة من اليمن.(6/239)
أدنى الناحية: أقربها.
النهب: بفتح النون: غنائم (وغنائم) بدل من نهب فهو مجرور بالفتحة.
جمع إليه: بالبناء للمفعول.
السبي: بسين مهملة مفتوحة فموحدة ساكنة فتحتية: الحمل من بلد لاخر.
الشاء: بالمد جمع كثرة للشاة، وأما جمع القلة فشياه.
النبل: بفتح النون وسكون الموحدة: السهام العربية.
مسعود بن سنان الاسلمي: نسب أسلميا ولذا فرق بينهما ابن الاثير، وقال في الاصابة والنور لعله اسلمياف حليفا لبني سلمة بكسر اللام من الانصار.
برز: ظهر بعد اختفائه.
البراز: بفتح الموحدة ثم راء: الخروج.
ابن خزاعي: (بضم الخاء المعجمة وبالزاي فألف فعين مهملة مكسورة فتحتية).
السلب: بالتحريك ما يؤخذ من القتيل.
كف عنه: بفتح الكاف والفاء المشددة.
على من وراءنا: بفتح الميم.
جزأها: بفتح الهمزة بعد الزاي.
السهمان: بضم السين المهملة: جمع سهم وهو الحظ.
ابن عوف: بالفاء.
المزني: بضم الميم وفتح الزاي وبالنون فتحتية.
يوافيه: (يأتيه).
الموسم: اجتماع الناس للحج.
الفتق: بفاء ومثناة مضمومة فقاف.
مكان بالطائف.
معكومة: مشدودة.
النعم: بفتح النون والعين المهملة وقد تكسر عينه: الابل والشاء أو خاص الابل.
السدرة: (موضع قرب المدينة).
ففرقت من شكايتهم: بفاء مفتوحة فراء مكسورة فقاف: فزعت.
شكايتهم: بكسر الشين المعجمة أي ذكر ما بهم من مرض أو غيره.
ما أشكيتهم: أي ما أزلت شكايتهم أي ما يشكونه.(6/240)
الباب الثالث والسبعون في سرية بني عبس
ذكر ابن سعد في الوفود ان بني عبس وفدوا وهم تسعة.
فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية
لعير قريش، وذكر ابن الاثير ان فيهم ميسرة بن مسروق وأنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع، ويأتي ان شاء الله تعالى في الوفود لذلك زيادة.
الباب الرابع والسبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم سرية الى رعية السحيمي (1) رضي الله عنه قبل اسلامه.
روى ابن أبي شيبة، والامام أحمد بسند جيد عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه كتابا في أديم أحمر، فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقع به دلوه.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فلم يدعوا له سارحة ولا رائحة ولا أهلا ولا مالا الا أخذوه، وانفلت عريانا على فرس له ليس عليه سترة حتى انتهى الى ابنته وهي متزوجة في بني هلال وقد أسلمت وأسلم أهلها.
وكان مجلس القوم بفناء بيتها، فدار حتى دخل عليها من وراء البيت.
فلما رأته ألقت عليه ثوبا وقالت: مالك ؟ قال: (كل الشر نزل بأبيك، ما ترك له رائحة ولا سارحة ولا أهل ولا مال.
قالت: دعيت الى الاسلام ؟.
قال: أين بعلك ؟ قالت: في الابل.
فأتاه.
قال: مالك ؟ قال: كل الشر نزل بي ما تركت لي رائحة ولا سارحة ولا أهل ولا مال وأنا أريد محمدا قبل أن يقسم أهلي ومالي.
قال: فخذ راحلتي برحلها.
قال: لا حاجة لي فيها.
قال فخذ قعود الراعي.
وزوده ادواة من ماء.
قال: وعليه ثوب إذا غطى به وجهه خرجت استه وإذا غطى استه خرج وجهه وهو يكره ان يعرف حتى انتهى الى المدينة فعقل راحلته.
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان بحذائه حيث يقبل.
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح قال: يارسول الله ابسط يدك أبايعك، فبسطها.
فلما أراد ان يضرب عليها قبضها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ويفعله.
فلما كانت الثالثة قال: (من أنت ؟) قال: أنا رعية السحيمي.
قال: فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم عضده ثم رفعه ثم قال: (يا معشر المسلمين هذا رعية السحيمي الذي بعثت
__________
(1) انظر ترجمته في الاصابة 2 / 208.
(*)(6/241)
إليه كتابي فرقع به دلوه).
فأخذ يتضرع إليه.
قلت: يا رسول الله أهلي ومالي.
قال: (أما مالك فقد قسم، وأما أهلك فمن قدرت عليه منهم).
فخرج فإذا ابنه قد عرف الراحلة وهو قائم عندها فرجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذا ابني.
قال: (يا بلال أخرج معه فسله أبوك هو ؟ فإذا قال نعم فادفعه إليه).
فخرج إليه فقال: أبوك هذا ؟ قال: نعم.
فرجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما رأيت أحدا منهما استعبر لصاحبه.
قال: (ذاك جفاء الاعراب) (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: رعية: بكسر الراء وسكون العين المهملتين وبالتحتية فتاء تأنيث، وقال الطبري بالتصغير.
السحيمي: بمهملتين: مصغر.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 5 / 286.
(*)(6/242)
الباب الخامس والسبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم ابا امامة صدي بن عجلان رضي الله عنه الى باهلة.
عن أبي امامة رضي الله تعالى عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قومي أدعوهم الى الله عز وجل وأعرض عليهم شرائع الاسلام.
فأتيتهم وقد سقوا ابلهم وجلبوها وشربوا.
فلما رأوني قالوا: مرحبا بالصدي بن عجلان.
وأكرموني وقالوا: بلغنا انك صبوت الى هذ ا الرجل.
فقلت: لا ولكن آمنت بالله ورسوله وبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكم أعرض عليكم شرائع الاسلام.
فبينا نحن كذلك إذ جاءوا بقصعتهم فوضعوها واجتمعوا حولها يأكلونها وقالو ا: هلم يا صدي.
قلت: ويحكم انما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم الا ما ذكيتم كما قال الله
تعالى.
قالوا: وما قال ؟ قلت: نزلت هذه الاية: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) (المائدة 3) الى قوله: (وان تستقسموا بالازلام)، فجعلت أدعوهم الى الاسلام فكذبوني وزبروني وأنا جائع ظمآن قد نزل بي جهد شديد.
فقلت لهم: ويحكم ايتوني بشربة من ماء فاني شديد العطش.
قالوا: لا ولكن ندعك تموت عطشا.
قال: فاغتممت وضر بت برأسي في العمامة ونمت في حر شديد، فأتاني أت في منامي بقدح فيه شراب من لبن لم ير الناس ألذ منه فشربته حتى فرغت من شرابي ورويت وعظم بطني.
فقال القوم: أتاكم رجل من أشرافكم وسراتكم فرددتموه فاذهبوا إليه وأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي.
فأ توني بالطعام والشراب فقلت: لا حاجة لي في طعامكم ولا شرابكم، فان الله تعالى أطعمني وسقاني، فانظروا الى الحال التي أنا عليها.
فأريتهم بطني فنظروا فأسلموا عن آخر هم بما جئت به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو أمامة: ولا والله ما عطشت ولا عرفت عطشا بعد تيك الشربة، رواه الطبراني من طريقين احداهما سندها حسن.(6/243)
الباب السادس والسبعون في سرية جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه الى ذي الخلصة.
روى الشيخان عن جرير رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (ألا تريحني من ذي الخلصة ؟) وكان بيتا لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد، تسمى الكعبة اليمانية.
قال جرير: فنفرت في مائة وخمسين راكبا من أحمس وكانوا اصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري وقال: (اللهم ثبته على الخيل واجعله هاديا مهديا).
قال: فأتيناه فكسرناه وحرقناه وقتلنا من وجدنا عنده.
وبعثت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشره يكني أبا أرطأة.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله (والذي بعثك بالحق) ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب.
قال: (فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات).
قال جرير: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لنا ولأحمس، فما وقعت عن
فرس بعد (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: ذو الخلصة: محركة وبضمتين: بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم كان فيه صنم اسمه الخلصة.
ألا: بمعنى هلا.
تريحني: أي تدخلني في الراحة وهي الرحمة.
خثعم: بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة فميم.
بجيلة: (كسفينة حي باليمن من معد).
نصب: بضمتين: كل ما عبد من دون الله.
تعبد: بضم الفوقية وسكون العين المهملة وفتح الموحدة.
الكعبة: كل بيت مربع.
اليمانية: منسوبة الى اليمن، محركة.
نفرت: بنون ففاء فراء: ذهبت.(6/244)
أحمس: تقدم تفسيره.
لا أثبت على الخيل: (لا أتماسك عليها).
أبو أرطأة: (الارطاة واحدة، الارطي: وهو ضرب من الشجر يذبغ به).
كأنها جمل أجرب: أي معد.
الجرباء الارض: المقحوطة.
برك: دعا بالبركة: وهي النماء والزيادة والسعادة.(6/245)
الباب السابع والسبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وخالد بن سعيد بن العاص الى اليمن رضي الله عنهما.
روى محمد بن رمضان بن شاكر في مناقب الامام الشافعي رحمه الله تعالى قال: (وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وخالد بن سعيد بن العاص الى اليمن وقال: (إذا اجتمعتما فعلي الامير وان افترقتما فكل واحد منكما أمير) (1).
فاجتمعا.
وبلغ عمرو بن معد يكرب.
فابتدره علي مكانهما.
فأقبل على جماعة من قومه.
فلما دنا منهما قال: دعوني حتى آتي هؤلاء القوم فاني لم أسم لاحد قط الا هابني.
فلما دنا منهما نادى: أنا أبو ثور وأنا عمر وبن معد يكرب.
فابتدره علي وخالد وكلاهما يقول لصاحبه: خلني واياه ويفديه بأمه وأبيه.
فقال عمرو إذ سمع قولهما: الغرب تفزع بي وأراني لهؤلاء جزرا.
فانصرف عنهما.
وكان عمرو فارس العرب مشهورا بالشجاعة وكان شاعرا محسنا).
وروى محمد بن عثمان بن أبي شيبة من طرق قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص الى اليمن وقال له: (ان مررت بقرية فلم تسمع إذانا فاسبهم) (2).
فمر بيني زبيد فلم يسمع إذانا فسباهم.
فأتاه عمرو بن معديكرب فكلمه فيهم فوهبهم له، فوهب له عمرو سيفه الصمصامة فتسلمه خالد ومدح عمرو خالدا في أبيات له.
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 4 / 14.
(2) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (11441).
(*)(6/246)
الباب الثامن والسبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه الى خثعم.
روى الطبراني برجال ثقات عن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الى أناس من خثعم، فاعتصموا بالسجود فقتلهم فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف الدية ثم قال: (أنا برئ من كل مسلم أقام مع المشركين لا تراءى ناراهما) (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
خثعم: تقدم الكلام عليها غير مرة.
لا تراءى ناراهما: (لا تتراءى ناراهما).
الباب التاسع والسبعون في بعثه صلى الله عليه وسلم عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه الى ابي سفيان بن الحارث قبل اسلامه.
عن عمرو بن مرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جهينة ومزينة الى أبي سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب وكان منابذا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما ولوا غير بعيد قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: يارسول الله بأبي أنت وأمي علام تبعث (هؤلاء) قد كادا يتفانيان في الجاهلية أدركهم الاسلام وهم على بقية منها.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردهم حتى وقفوا بين يديه.
فعقد لعمرو بن مرة على الجيشين على جهينة ومزينة وقال: (سيروا على بركة الله).
فساروا الى أبي سفيان بن الحارث.
فهزمه الله تعالى وكثر القتل في أصحا به.
فلذلك يقول أبو سفيان بن الحارث: (...) (2).
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 4 / 134.
(2) بياض بالاصل لم نستطع تكملته.
(*)(6/247)
الباب الثمانون في سرية اسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهم الى أبنى وهي بأرض الشراة بناحية البلقاء.
وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بعد حجته بالمدينة بقية ذي الحجة، والمحرم، وما زال يذكر مقتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، ووجد عليهم وجدا شديدا.
فلما كان يوم الاثنين لاربع ليال بقين من صفر سنة احدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم وأمرهم بالجد، ثم دعا من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر أسامة بن زيد فقال: (يا أسامة سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي الى (موضع) مقتل أبيك فأو طئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحا صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الاخبار فان أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الادلاء وقدم العيون والطلائع أمامك).
فلما كان يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فحم وصدع.
فلما أصبح يوم الخميس عقد لاسامة لواء بيده.
ثم قال: (اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا تتمنوا لقاء العدو فانكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم ولكن قولوا: اللهم أكفناهم بما شئت واكفف بأسهم عنا، فان لقوكم قد جلبوا وضجوا فعليكم بالسكينة والصمت ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وقولوا: اللهم ا نا نحن عبيدك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك وانما تغنيهم أنت واعلموا ان الجنة تحت البارقة).
فخرج أسامة رضي الله تعالى عنه بلوائه (معقودا)، فدفعه الى بريدة بن الحصيب الاسلمي، وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من (وجوه) المهاجرين الاولين والانصار الا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الاعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله تعالى عنهم في رجال آخر ين من الانصار، عدة مثل قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش.
فاشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ذلك، ثم وجد من نفسه راحة فخرج عاصبا رأسه فقال: (أيها الناس انفذوا بعث أسامة) ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رجل من المهاجرين.
كان أشدهم في ذلك قولا - عياش بن أبي ربيعة (المخزومي) رضي الله تعالى عنه: (يستعمل هذا الغلام على المهاجرين).
فكثرت المقالة، وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بعض ذلك فرده على من تكلم به، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب غضبا شديدا.
وخرج يوم السبت عاشر المحرم سنة احدى عشرة وقد(6/248)
عصب رأسه بعصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد أيها الناس فما مقالة (قد بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في امارتي أسامة لقد طعنتم في امارتي أباه من قبله، وأيم الله كان للامارة لخليقا وا ن ابنه من بعده لخليق للامارة وان كان لمن أحب الناس الي وانهما لمخيلان لكل خير فاستوصوا به خير ا فانه من خياركم) (1).
ثم نزل فدخل بيته، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ويمضون الى العسكر بالجرف، ودخلت أم أ يمن رضي الله تعالى عنها فقالت: (يا رسول الله لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل فان أسامة خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه).
فقال: (أنفذوا بعث اسامة).
فمضى الناس الى المعسكر فباتوا ليلة الاحد.
ونزل أسامة يوم الاحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل مغمور، وهو اليوم الذي لدوه فيه، فدخل عليه وعيناه تهملان، وعنده الناس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة فقبله والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يضعها على أسامة كأنه يدعو له.
ورجع اسامة الى معسكره.
ثم دخل يوم الاثنين وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا وجاءه أسامة فقال له: (اغد على بركة الله).
فودعه اسامة وخرج الى معسكره لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا.
ودخل أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: (يا رسول الله أصبحت مفيقا بحمد الله واليوم يوم ابنة خارجة فأذن لي).
فأذن له فذهب الى السنح.
وركب اسامة الى العسكر وصاح في أصحابه باللحوق بالعسكر، فانتهى الى معسكره وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار.
فبينا هو يريد أن يركب أتاه رسول امه أم أيمن يخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت فأقبل الى المدينة وأقبل عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فانتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم.
ودخل المسلمون الذي عسكروا بالجرف الى المدينة ودخل بريدة بن الحصيب باللواء معقودا فغرزه عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما بويع لابي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء الى بيت اسامة ليمضي لوجهه وألا يحله حتى يغزوهم وقال لاسامة: (أنفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وأمر الناس بالخروج، فعسكروا في موضعهم الاول، وخرج بريدة باللواء.
فلما ارتدت العرب كلم أبو بكر في حبس أسامة فأبى.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 136، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (30266).
(*)(6/249)
ومشى أبو بكر الى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر وأن يأذن له في التخلف ففعل.
وخرج ونادى مناديه عزمت لا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاني لن أوتى بأحد أبطأ عن الخروج معه الا ألحقته به ماشيا.
فلم يتخلف عن البعث أحد.
وخرج أبو بكر يشيع أسامة فركب من الجرف لهلال ربيع الاخر في ثلاثة آلاف فيهم ألف فارس، وسار أبو بكر الى جنبه ساعة وقال: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوصيك، فانفذ لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاني لست آمرك ولا أنهاك عنه انما أنا منفذ لامر أمر به (رسول الله صلى الله عليه وسلم) - فخرج سريعا فوطئ بلادا هادية لم يرجعوا عن الاسلام جهينة وغيرها من قضاعة.
حتى نزل وادي القرى، فسار الى أبنى في عشرين ليلة.
فقدم له عين له من بني عذرة يدعى حريثا، فانتهى الى أبنى، ثم عاد فلقي أسامة على ليلتين من أبنى فأخبره ان الناس غارون ولا جموع لهم، وحثهم على السير قبل اجتماعهم.
فسار الى ابني وعبأ اصحابه ثم شن عليهم الغارة فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليهم، وحرق بالنار منازلهم وحرثهم ونخلهم فصارت أعاصير من الدواخين وأجال الخيل في عرصاتهم، وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم.
وكان اسامة على فر س أبيه سبحة وقتل قاتل ابيه في الغارة، وأسهم للفرس سهمين وللفارس سهما وأخذ لنفسه مثل ذلك.
فلما أمسى أمر الناس بالرحيل ثم أغذ السير فورد وادي القرى في تسع ليال ثم بعث بشيرا الى المدينة بسلامتهم ثم قصد بعد في السير فسار الى المدينة ستا حتى رجع الى
المدينة ولم يصب أحد من المسلمين.
وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا بسلامتهم، ودخل على فرس ابيه سبحة واللواء أمامه يحمله بريدة بن الحصيب حتى انتهى الى باب المسجد فدخل فصلى ركعتين ثم انصرف الى بيته.
وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة فبعث رابطة يكونون بالبلقاء فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث الى الشا م في خلافة ابي بكر وعمر رضي الله عنهما.
تنبيهان الأول: ذكر محمد بن عمر، وابن سعد ان أبا بكر رضي الله عنه كان ممن أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم - بالخروج مع أسامة الى أبنى، وجرى عليه في المورد وجزم به في العيون، والاشارة، والفتح في مناقب زيد بن حارثة.
وأنكر ذلك الحافظ أبو العباس بن تيمية فقال في كتابه الذي رد فيه على ابن المطهر الرافضي: (لم ينقل أحد من أهل العلم ان النبي صلى الله عليه وسلم - أرسل أبا بكر وعثمان في جيش أسامة، فقد استخلفه يصلي بالمسلمين مدة مرضه الى أن مات وكيف يتصور ان يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره بالصلاة بالناس ؟) وبسط الكلام على(6/250)
ذلك.
فقلت: وفيما ذكره نظر من وجهين أولهما قوله: لم ينقل أحد من أهل العلم الخ فقد ذكره محمد بن عمر، وابن سعد وهما من أئمة المغازي: ثانيهما قوله: وكيف يرسل أ با بكر في جيش أسامة ؟ الخ ليس بلازم، فان ارادة النبي صلى الله عليه وسلم - بعث جيش أسامة كان قبل ابتداء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلما اشتد به المرض استثنى ابا بكر وأمره بالصلاة بالناس.
وقال ابن سعد: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال: حدثنا المعمري عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم - بعث سرية فيها أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد، وكان الناس طعنوا فيه أي في صغره، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم - الخ فذكر الحديث.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: أبنى: بضم الهمزة وسكون الموحدة وفتح النون فألف مقصورة.
الشراة: بفتح الشين المعجمة والراء المخففة: جبل.
البلقاء: بفتح الموحدة وسكون اللام وبالقاف والمد.
أغر: بقطع الهمزة وكسر الغين المعجمة وبالراء: فعل أمر.
تسبق: بالجزم، جواب شرط محذوف وحرك بالكسر طلبا للخفة.
اللبث: بفتح اللام وسكون الموحدة: الاقامة.
العيون: جمع عين وهو الجاسوس.
الاربعاء: بتثليث الموحدة والافصح الكسر.
بدئ: بالبناء للمفعول وهمز آخره أي ابتدئ.
حم: بتشديد الميم والبناء للمفعول.
صدع: بضم الصاد وكسر الدال المشددة وبالعين المهملات أي حصل له صداع في رأسه أي وجع ما.
فلما أصبح يوم الخميس: يجوز في (يوم) النصب على الظرفية والرفع على أنه فاعل أصبح.
عسكر: جمع عسكره أي جيشه.
الجرف: بضم الجيم والراء وبالفاء موضع على ثلاثة أميال من المدينة.
انتدب: أسرع الخروج.
بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء.(6/251)
الحصيب: بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وبالموحدة.
حريش: بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية وبالشين المعجمة.
عصب: بتشديد الصاد المهملة.
المقالة: بتخفيف اللام.
القطيفة: كساء له خمل.
وأيم الله: من ألفاظ القسم كقولك لعمرو الله، وفيها لغات كثيرة وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها همزة وصل وقد تقطع.
الخليق: بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وسكون التحتية وبالقاف أي حقيق وجدير.
لمخيلان: بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون التحتية: أي لمظنة كل خير.
أنفذوا: بقطع الهمزة.
وكسر الفاء.
المعسكر: بفتح الكاف: الموضع الذي فيه العسكر.
لدوه: بفتح اللام - الدواء - الذي يصب من أحد جانبي الفم، وهما لديداه ولددته فعلت به ذلك.
طأطأ: بهمزة ساكنة بعد الطاء الاولى وهمزة مفتوحة بعد الطاء الثانية.
وأمر الناس بالرحيل: الناس منصوب مفعول أمر وفاعله عائد على أسامة.
كلم أبو بكر: بالبناء للمفعول.
شن عليهم الغارة: فرق عليهم الرجال من كل وجه.
حرق: بتشديد الراء.
أعاصير: جمع اعصار وهو ريح يثير الغبار ويرتفع الى السماء كأنه عمود.
التعبئة: بفتح الفوقية وسكون العين المهملة وكسر الموحدة وفتح الهمزة فتاء تأنيث.
سبحة: بفتح السين المهملة وسكون الموحدة.
أغذ السير: بفتح الهمزة والغين والذال المعجمتين: أسرع.
وادي القري: بضم القاف وفتح الراء والقصر.
حمص: مدينة معروفة من مشارق الشام لا تنصرف للعجمية والتأنيث والعلمية.
الرابطة: براء فألف فموحدة فطاء مهملة فتاء تأنيث: الجماعة الذين يحفظون من وراءهم من العدو.(6/252)
الباب الحادي والثمانون في ذكر بعض ما فتحه - صلى الله عليه وسلم - من البلاد البحرين :
روى عبد الرزاق عن جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: ان أبا أسد جاء الى النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبي من البحرين، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - الى امرأة منهن تبكي، قال: (ما شأنك ؟) قالت: باع ابني، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أبعت ابنها ؟) قال: نعم، قال: فيمن ؟ قال: في بني عبس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اركب أنت بنفسك، فأت به (1) والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين حمدا طيبا كثيرا).
__________
(1) ذكره الزيلعي في نصب الراية 4 / 24، وعزاه للبيهقي في المعرفة في كتاب السير.
(*)(6/253)
جماع أبواب بعض الوفود إليه - صلى الله عليه وسلم - وبارك عليه
الباب الأول في بعض فوائد سورة النصر
قال ابن اسحاق: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف، وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه، قال ابن هشام رحمه الله تعالى: حدثني أبو عبيدة ان ذلك في سنة تسع وأنها كانت تسمى سنة الوفود.
قال ابن اسحاق رحمه الله تعالى: وانما كانت العرب تربص بالاسلام أمر هذا الحي من قريش وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن قريشا كانوا امام الناس وهاديتهم، وأهل البيت والحرم (وضريح ولد اسماعيل بن ا براهيم عليهما السلام) وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وخلافه، فما افتتحت مكة، ودانت له قريش، ودوخها الاسلام، عرفت العرب انه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولا عداوته، فدخلوا في دين الله كما قال الله عز وجل - أفواجا
يضربون إليه من كل وجه.
وفي صحيح البخاري عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: (وكانت العرب تلوم باسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه فانه ان ظهر عليهم فهو نبي صادق.
فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم باسلامهم وبدر أبي قومي باسلامهم).
وذكر الحديث.
وقد أفرد الحافظ العلامة الشيخ برهان الدين البقاعي رحمه الله تعالى الكلام على تفسير سورة النصر اعلاما بتمام الدين اللازم عن مدلول اسمها، اللازم عن موت النبي - صلى الله عليه وسلم - اللازم عنه العلم بأنه ما برز الى عالم الكون والفساد الا لاعلاء كلمة الله تعالى واد حاض كلمة الشيطان، اللازم عنه انه - صلى الله عليه وسلم - خلاصة الوجود وأعظم عبد للمولى الودود وعلى ذلك دل أيضا اسمها على التوديع وحال نزولها وهو أيام التشريق من سنة حجة الوداع.
((بسم الله) الذي له الامر كله فهو العليم الحكيم، (الرحمن) الذي أرسلك رحمة للعالمين، فعمهم بعد نعمة الايجاد بأن بين لهم اقامة معاشهم ومعادهم بك طريق النجاة وغاية البيان بما أنزل عليك من معجز القرآن الذي من سمعه فكأنما سمعه من الله.
(الرحيم) الذي خص من أراده بالاقبال به الى حزبه وجعله من أهل قربه (بلزوم الصراط المستقيم) لما دلت التي قبلها على ان الكفار قد صاروا الى حال لا عبرة لهم فيه ولا التفات إليهم، ولا خوف(6/254)
بوجه منهم ما دام الحال على المتاركة كأنه قيل فهل يحصل نصر عليهم وظفر بهم (بالمعاركة) فأجاب بهذه الصورة بشارة للمؤمنين ونذارة للكافرين.
ولكنه لما لم يكن ذلك بالفعل الا عام حجة الوداع يعني بعد فتح مكة بسنتين كان كأنه لم يستقر الفتح الا حينئذ، فلم ينزل سبحانه هذه السورة الا في ذلك الوقت وقبل منصرفه من غزوة حنين قبل ذلك.
فقال تعالى: (جاء)) ولما كانت المقدرات متوجهة من الازل الى أوقاتها المعينة لها، يسوقها إليها سائق القدرة فتقرب منها شيئا فشيئا كانت كأ نها آتية إليها فلذلك حصل التجوز بالمجئ عن الحصول فقال): (جاء) أي استقر وثبت في المستقبل
لمجئ وقته المضروب له في الازل، (وزاد عليه في تعظيمه بالاضافة ثم بكونها الى ا سم الذات فقال): (نصر الله) أي الملك الاعظم الذي لا مثل له ولا أمر لاحد معه على جميع الناس في كل أمر تريده، ولما كان النصر درجات وكان قد أشار سبحانه بمطلق الاضافة إليه ثم بكونها الى الاسم الاعظم الى أن المراد أعلاها صرح به فقال: (والفتح) اي الذي نزلت سورته بالحديبية مبشرة بغلبة حزبه الذي أنت قائدهم وهاديهم ومرشدهم (لا سيما) على مكة التي بها بيته ومنها ظهر دينه، وبها كان أصله وفيها مستقر عموده وعز جنوده، فذل بذلك جميع العرب، (وقالوا: لا طاقة لنا بمن أظفره الله بأهل الحرم) ففروا بهذا الذل حتى كان ببعضهم هذا الفتح، ويكون بهم كلهم فتح جميع البلاد، وللاشارة الى الغلبة على جميع الامم ساقه تعالى في اسلوب الشرط ولتحققها عبر عنه ب (X إذا).
(ورأيت الناس): أي العرب كانوا حقيرين عند جميع الامم فصاروا بك هم الناس وصار سائر أهل الارض لهم أتباعا (يدخلون) شيئا فشيئا محددا دخولهم مستمرا (وفي دين الله) أي شرع من لم تزل كلمته هي العليا في حال الخلق بقهره لهم على الكفر (الذي لا يرضاه لنفسه عاقل ترك الحظوظ) وفي حال طواعيتهم بقشره لهم على الطاعة وعبر عنه بالدين الذي معناه الجزاء لان العرب كانوا لا يعتقدون القيامة التي لا يتم الجزاء بها.
(أفواجا) أي قبائل وزمرا، زمرا وجماعات كثيفة كالقبيلة بأسرها، أمة بعد أمة، في خفة وسرعة ومفاجأة ولين، واحدا واحدا أو نحو ذلك، لانهم قالوا: أما إذا ظفر بأهل ا لحرم، وقد كان الله تعالى أجارهم من أصحاب الفيل (الذين لم يقدر أحد على ردهم) فليس لنا به يدان (فتبين من هذا القياس المنتج هذه النتيجة البديهية بقصة أصحاب الفيل ما رتبه الله الا ارهاصا لنبوته وتأسيسا لدعوته فألقوا بأيديهم وأسلموا قيادهم حاضرهم وباديهم).
ولما كان التقدير: فقد سبح الله تعالى نفسه بالحمد بابعاد نجس الشرك عن جزيرة العرب بالفعل قال: (فسبح) أي نزه أنت بقولك وفعلك (بالصلاة وغيرها) موافقة لمولاك لما فعل تسبيحا ملبسا (بحمد)(6/255)
أي بكمال (ربك) (الذي أنجز لك الوعد باكمال الدين وقمع المعتدين) المحسن اليك بجميع ذلك لان كله لكرامتك والا فهو عزيز حميد على كل حال تعجبا (لتيسير الله على هذا الفتح ما لم يخطر بالبال) وشكرا لما أنعم به سبحانه عليه من أنه أراه تمام ما أر سل لاجله ولان كل حسنة يعملها أتباعه له مثلها.
(ولما أمره صلى الله عليه وسلم بتنزيهه عن كل نقص ووصفه بكل كمال مضافا الى الر ب، أمره بما يفهم منه العجز عن الوفاء بحقه لما له من العظمة المشار إليها بذكره مرتين بالاسم الاعظم الذي له من الدلالة على العظم والعلو الى محل الغيب الذي لا مطمع في دركه مما تتقطع الاعناق دونه فقال: (واستغفره) أي اطلب غفرانه انه كان غفارا، ايذانا بأنه لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره لتقتدي بك أمتك في المواظبة على الامان الثاني لهم، فان الامان الا ول الذي هو وجودك بين أظهرهم قد دنا رجوعه الى معدنه في الرفيق الاعلى والمحل الاقدس، وكذا فعل صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة مطأطئا رأسه حتى انه ليكاد يمس واسطة الرحل تواضعا لله تعالى واعلاما لاصحابه ان ما وقع انما هو بحول الله تعالى، لا بكثرة من معه من الجمع وانما جعلهم سببا لطفا منه بهم، ولذلك نبه من ظن منهم أو هجس في خاطره ان للجمع مدخلا فيما وقع من الهزيمة في حنين أولا وما وقع بعد من النصرة بمن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يبلغون ثلاثين نفسا.
ولما أمر بذلك فأرشد السياق الى أن التقدير: وتب إليه، علله مؤكدا لاجل استبعاد من يستبعد مضمون ذلك من رجوع الناس في الردة ومن غيره بقوله (انه) أي المحسن اليك بخلافته لك في امتك، ويجوز ان يكون التأكير دلالة ما تقدم من ذكر الجلالة مرتين على غاية العظمة والفوت على الادراك بالاحتجاب بأردية الكبرياء والعزة والتجبر والقهر، مع أن المألوف أن من كان علي شئ من ذلك بحيث لا يقبل عذرا ولا يقبل نادما.
(كان) أي لم يزل (توابا) أي رجاعا لمن ذهب به الشيطان من أهل رحمته.
فهو الذي رجع بأنصارك عما كانوا عليه من الاجتماع على الكفر والاختلاف بالعداوات، فأيدك بدخولهم في الدين شيئا فشيئا حتى اسرع بهم بعد سورة الفتح الى أن دخلت مكة في عشرة آلاف، وهو أيضا يرجع بك الى
الحال التي يزداد بها ظهور رفعتك في الرفيق الاعلي، ويرجع بم تخلخل من أمتك في دينه بردة أو معصية دون ذلك (الى ما كان عليه من الخير ويسير بهم أحسن سير).
(فقد رجع آخر السورة الى أولها بأنه لولا تحقق وصفه بالتوبة لما وجد الناصر الذي وجد به الفتح، والتحم مقطعها أي التحام بمطلعها، وعلم أن كل جملة منها مسببة عما قبلها، فتوبة الله تعالى على عبيده نتيجة توبة العبد باستغفاره الذي هو طلب المغفرة بشر وطه، وذلك ثمرة اعتقاده الكمال في ربه تبارك وتعالى، وذلك ما دل عليه اعلاؤه لدينه وفسره للداخلين فيه(6/256)
على الدخول مع أنهم أشد الناس شكائم وأعلاهم همما وعزائم وقد كانوا في غاية الاباء له والمغالبة للقائم به، وذلك هو فائدة الفتح الذي هو آية النصر وقد علم أن بالاية الاخيرة من الاحتباك ما دل بالامر بالاستغفار (على الامر) بالتوبة وبتعليل الامر بالتوبة على تعليل الامر بالاستغفار).
انتهى ما أوردته من كلام الشيخ برهان الدين البقاعي، وتأتي بقيته في الوفاة النبو ية ان شاء الله تعالى.
تنبيهات الأول: هذه السورة مدنية بلا خلاف، والمراد بالمدني ما نزل بعد الهجرة ولو بمكة على المعتمد.
وروى البزار، وأبو يعلى، والبيهقي في الدلائل عن أبن عمر رضي الله عنهما قال: نزلت هذه السورة (إذا جاء نصر الله والفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق فعرف انه الوداع، فأمر بناقته القصواء فرحلت، ثم فخطب خطبته المشهورة.
الثاني: روى مسلم والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخر سورة نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح).
وروى الترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح.
قال الشيخ في الاتقان: يعني: (إذا جاء نصر الله والفتح).
قال الحافظ: والجمع
بينهما ان آخر آية النصر نزولها كاملة بخلاف براءة.
قلت: ولفظ حديث ان عمر، وعند الطبراني: آخر سورة نزلت من القرآن جميعا: (إذا جاء نصر الله والفتح).
الثالث: سئل عن قول الكشاف ان سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق فكيف صدرت ب (X إذا) الدالة على الاستقبال ؟ وأجاب الحافظ بضعف ما نقله، وعلى تقدير صحته فالشرط لم يكتمل بالفتح لان مجئ الناس أفواجا لم يكن كمل، فبقية الشرط مستقبل.
وقد أورد الطيبي السؤال وأجاب بجوابين أحدهما ان (إذا) قد ترد بمعنى إذ كما في قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا) (الجمعة 11) الاية.
ثانيهما ان كلام الله تعالى قديم.
قال الحافظ: وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى.
الرابع: قال الحافظ ابن كثير: (والمراد بالفتح ههنا فتح مكة قولا واحدا فان أحياء العرب كانت تتلوم باسلامها فتح مكة يقولون (دعوه وقومه) فان ظهر عليهم فهو نبي.
فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا فلم تمض سنتان حتى استوثقت جزيرة ا لعرب ايمانا ولم يبق من سائر قبائل العرب الا مظهر الاسلام).
قلت: قد حكى غير واحد ا لخلاف في أن المراد فتح مكة أو فتح سائر البلاد.(6/257)
الخامس: في بيان غريب ما سبق: تربص: بمثناة فوقية فراء فموحدة مشددة مفتوحات فصاد مهملة مضمومة: تنتظر.
القادة: بقاف فألف فدال مهملة فهاء: الاشراف الذين يقودون الناس بتبعهم لهم.
نصبت الحرب: بنون فصاد مهملة فموحدة فمثناة فوقية: جدت فيه.
دوخها الاسلام: بدال مهملة فواو فخاء معجمة: استولى عليها.
بدر: بموحدة فدال مهملة مفتوحات: عاجل.
تلوم: بفوقية فلام فميم مفتوحات: تنتظر.
برز: بموحدة فراء فزاي مفتوحات: ظهر بعد خفاء.
الكون: بكاف مفتوحة فواو ساكنة فنون: الوجود والاستقرار.
أدحضه: بهمزة فدال فحاء مهملتين فضاد معجمة: أبطله.
قسره: بقاف فسين مهملة فراء مفتوحات: قهره وغلبه.
اليدان: القوة.
المعدن: بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فدال مهملة مكسورة فنون: مركز كل شئ والموضع الذي يستخرج منه جواهر الارض كالذهب والفضة والنحاس.
الرفيق الاعلى: جماعة الانبياء يسكنون أعلى عليين.
واسطة الرحل: وسطه.
هجس: بهاء فجيم فسين مهملة: خطر بباله.
التحم: بفوقية فحاء مهملة فميم مفتوحات: اشتبك فلم يوجد له مخلص.
المقطع: بميم مفتوحة فقاف ساكنة فطاء مهملة مفتوحة فعين مهملة مصدر قطع إذا أبان.
الشكائم: بشين معجمة جمع شكيمة، يقال فلان شديد الشكيمة: إذا كان عزيز النفس أبيا قويا، وأصله من شكيمة اللجام فان قوتها تدل على قوة الفرس.
الاباء: بهمزة مكسورة فموحدة: شدة الامتناع.
الاحتباك: (الشد والاحكام).
المطالع: بميم فطاء مهملة فألف فلام فعين مهملة: جمع مطلع بفتح اللام وكسرها مصدر طلع إذا ظهر.
واسم لموضع الطلوع.
النتيجة: بنون مفتوحة ففوقية مكسورة فتحتية ساكنة فجيم.
العزائم: بعين مهملة فزاي مفتوحتين فألف فهمزة مكسورة فميم: الامور الواجبة.(6/258)
الباب الثاني في تحمله صلى الله عليه وسلم للوفود واجازتهم ومعنى الوفد
وفيه أنواع
الأول: في تحمله صلى الله عليه وسلم للوفود: عن جندب بن مكيث رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قد م عليه الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك، فرأيته وقد قدم عليه وفد كندة وعليه حلة يما نية، وعلى أبي بكر وعمر مثله) رواه محمد بن عمر الاسلمي، وأبو نعيم في المعرفة، وأبو الحسن بن الضحاك.
وعن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى ان (ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه للوفود حضرمي طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر، فهو عند الخلفاء قد خلق فطووه بثوب يلبسونه يوم الاضحى والفطر).
رواه ابن سعد.
الثاني: في اجازتهم:
الثالث: في معنى الوفد: قال في الصحاح: (وفد فلان على الامير، أي ورد رسولا فهو وافد والجمع وفد مثل صاحب وصحب، وجمع الوفد أوفاد ووفود، والاسم الوفادة، وأو فدته أنا الى الامير أي أرسلته).
وقال في المصباح: (وفد على القوم وفدا من باب وعد، ووفودا فهو وافد وقد يجمع على وفاد ووفد وعلى وفد مثل صاحب وصحب، وجمع الوفد أوفاد ووفود).
وقال في النهاية: (الوفد القوم يجتمعون ويردون البلاد واحدهم وافد، وكذلك الذين يقصدون الامراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك.
تقول: وفد يفد فهو وافد، وأوفدته فوفد، وأوفد على الشئ فهو موفد (إذا أشرف).
وقال في المورد: الوفد الجماعة المختارة من القوم ينتقونهم للقاء العظماء.
الرابع: قال الحافظ: (عقد ابن سعد في الترجمة النبوية من الطبقات بابا للوفو د وكاد يستوعب ذلك بتخلص حسن، وكلامه أجمع ما يكون في ذلك.
ولم يقع له قصة نافع بن زيد الحميري مع أن ابن سعد ذكر وفد حمير) انتهى كلام الحافظ.
قلت: قد ذكرت ما ذكر ه ابن سعد مع زيادة وفود كثيرة لم تقع له، ورتبت جميع ذلك على الحروف ليسهل الكشف على من أراد شيئا من ذلك.
ولمحمد بن عمر الاسلمي شيخ ابن سعد كتاب الوفود وفيه فوائد لم
يلم بها ابن سعد.
الخامس: وفد جماعة قبل سنة تسع.
قال في البداية: (فيجب التمييز بن السابق من هؤلاء الوافدين على زمن الفتح ممن يعد وفوده هجرة، وبين اللاحق لهم بعد الفتح (ممن وعد الله خيرا وحسنى) قال الله سبحانه وتعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل(6/259)
أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى).
(الحديد 10).
تنبيهان الأول: اختلف في ابتداء الوفود عليه صلى الله عليه وسلم فقيل بعد رجوعه من الجعر انة في آخر سنة ثمان وما بعدها، وقال ابن اسحاق: بعد غزوة تبوك، وقال ابن هشام: كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: جندب: بجيم مضمومة فنون ساكنة فدال مهملة مضمومة وتفتح.
مكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالثاء المثلثة.
كندة: تقدم تفسيره.
الحلة: بضم الحاء المهملة، يأتي الكلام عليها.
حضرمي: بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة فراء فميم: نسبة الى حضرموت.
خلق: بخاء معجمة فلام فقاف مفتوحات: بلي.(6/260)
الباب الثالث في وفد أحمس على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن سعد رحمه الله تعالى: قدم قيس بن غربة (1) الاحمسي في مائتين وخمسين رجلا من أحمس فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنتم ؟) فقالوا: نحن أحمس الله، وكان يقال لهم ذلك في الجاهلية.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأنتم اليوم لله).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: (أعط ركب بجيلة وابدأ، بالاحمسيين).
ففعل.
وعن طارق بن شهاب رضي الله تعالى عنه قال: قدم وفد بجيلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا البجليين وابدأوا بالاحمسيين).
فتخلف رجل من قيس، قال: حتى انظر ما يقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمى مرات: (اللهم جد عليهم، اللهم با رك فيهم).
وفي رواية: قدم وفد أحمس ووفد قيس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ابدأوا بالاحمسيين قبل القيسيين).
ثم دعا لاحمس فقال: (اللهم بارك في أحمس وخيلها ورجالها) سبع مرات (2)، رواه الاما م احمد.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أحمس: بألف فمهملة فميم فسين مهملة، تقدم في بجيلة.
__________
(1) قيس بن غربة بفتح المعجمة والراء بعدها موحدة ضبطه ابن الاثير وقيل بكسر الزا ي بعدها مثناة تحتانية ثقيلة الاحمسي...ذكره ابن السكن في الصحابة وقال: هو والد عروة بن قيس الذي روى عنه أبو وائل.
الاصابة 5 / 262.
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 2 / 78.
(*)(6/261)
الباب الرابع في وفد أزد شنوءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد رحمه الله تعالى عن منير بن عبد الله الازدي قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الازدي في وفد من الازد بضعة عشر رجلا، فنزلوا على فروة بن عمرو فحباهم وأكرمهم وأقاموا عنده عشرة أيام فأسلموا، وكان صرد أفضلهم، فأمر ه رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره ان يجاهد بهم من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن.
فخرج صرد يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزل بجرش وهي يو مئذ مدينة حصينة مغلقة، وبها قبائل من اليمن قد تحصنوا بها، وقد ضوت إليهم خثعم فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم.
فدعاهم الى الاسلام، فأبوا، فحاصرهم شهرا أو قريبا منه، وكان يغير على مواشيهم فيأخذها.
ثم تنحى عنهم الى جبل يقال له شكر فظنوا انه قد انهزم، فخرجوا في طلبه حتى أدركوه.
فصف صفوفه فحمل عليهم هو والمسلمون فوضعوا سيوفهم فيهم حيث شاءوا وأخذوا من خيلهم عشرين فرسا.
فقاتلوهم عليها نهارا طويلا.
وقد كان أهل جرش بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين منهم يرتادان وينظران.
فبينما هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد العصر إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بأي بلاد الله شكر ؟) فقال الجرشيان: يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر بذلم يسميه أهل جرش.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس بكشر ولكنه شكر).
قالا: فما شأنه يا رسول الله ؟ قال: (ان بدن الله لتنحر عنده الان).
وأخبرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بملتقاهم وظفر صرد بهم.
فجلس الرجلان الى أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما فقالا لهما: ويحكما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لينعي لكما قومكما فقوما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلاه ان يدعو الله ان يرفع عن قومكما.
فقاما إليه فسألاه ان يدعو الله أن يرفع عنهم، فقال: (اللهم ارفع عنهم).
فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين الى قومهما فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد الله في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر.
قال ابن سعد: فقصا على قومهما (القصة) فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مرحبا بكم أحسن الناس وجوها وأصدقه لقاء وأطيبه كلاما وأعظمه أمانة، أنتم مني وأنا منكم).
وجعل شعارهم مبرورا وأحمى لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس والراحلة (وللمثيرة) بقرة الحرث، فمن رعاه من الناس فماله سحت (1).
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 372 - 373، وابن هشام في سيرته 4 / 197.
(*)(6/262)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الازد: بألف مفتوحة فزاي فدال مهملة، ويقال بالسين بدل الزاي وفي القاموس هي أفصح.
شنوءة: بشين معجمة مفتوحة فنون فهمزة بعد مد الواو، وقد تشدد الواو: قبيلة سميت بذلك لشنآن بينهم.
منير: (بضم الميم فنون مكسورة فتحتية فراء).
صرد: وزن عمر لكنه ليس معدولا فهو مصروف.
حباهم: بحاء مهملة فموحدة فألف: أعطاهم.
جرش: بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة: مخلاف من مخاليف اليمن.
وبفتحها بلدة بالشام.
مغلقة: بالغين المعجمة.
ضوى: بفتح الضاد المعجمة والواو: أوى.
يرتادان: يطلبان الاخبار.
شكر: بتقديم الشين المعجمة على الكاف المفتوحتين.
كشر: بكاف فشين معجمة مفتوحتين.
ويحه: بواو مفتوحة فتحتية ساكنة فحاء مهملة: كلمة ترحم منصوبة باضمار فعل.
النعي: بنون مفتوحة فعين ساكنة فتحتية: إذاعة الموت.
راجعين: بفتح العين على التثنية لانهما اثنان.
وأصدقه كلاما: تقدم الكلام على مثل هذا.(6/263)
الباب الخامس في وفد أزد عمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن سعد رحمه الله تعالى: أسلم أهل عمان فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي يعلمهم شرائع الاسلام ويصدق أموالهم.
فخرج وفدهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أسد بن بيرح الطاحي.
فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يبعث معهم ر جلا يقيم أمرهم.
فقال مخربة العبدي - واسمه مدرك بن خوط - ابعثني إليهم فان لهم علي منة، أسروني يوم جنوب فمنوا علي.
فوجهه معهم الى عمان، وقدم سلمة بن عياذ الازدي في أناس من قومه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عما يعبد وما يدعو إليه فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: (ادع الله لي أن يجمع كلمتنا وألفتنا).
فدعا لهم وأسلم سلمة ومن معه.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم الوفد الازد، طيبة أفواههم، برة أيمانهم، تقية قلوبهم).
رواه الامام أحمد بسند حسن.
وعن طلحة بن داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم المرضعون أهل عمان) (1).
يعني الازد.
رواه الطبراني برجال ثقات.
وعن بشر بن عصمة (الليثي) رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الازد مني وأنا منهم، أغضب لهم إذا غضبوا (ويغضبون إذا غضبت) وأرضى منهم إذا رضوا (ويرضون إذا رضيت) (2) رواه الطبراني.
وعن أبي لبيد قال: خرج رجل من أهل عمان يقال له بيرح بن أسد مهاجرا الى النبي صلى الله عليه وسلم فقدم المدينة فوجده قد توفي.
فبينا هو في بعض طرق المدينة فرآه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال له من أنت ؟ فقال: من أهل عمان.
قال: من أهل عمان ؟ قال: نعم، فأخذ بيده فأدخله على أبي بكر، وقال: هذا من أهل الارض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أهلها من...(3) فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اني لاعلم أرضا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر (بها حي من العرب) لو أتاهم رسولي لم يرموه بسهم ولا حجر) (4).
رواه الامام أحمد وأبو يعلى برجال الصحيح.
__________
(1) اخرجه الطبراني في الكبير 8 / 373، وعبد الرزاق (13987)، وذكره الهيثمي في المجمع 10 / 50.
(2) أخرجه الطبراني في الكبير 2 / 52.
(3) بياض في الاصول.
(4) أخرجه أحمد في المسند 1 / 44، وأبو يعلى في المسند 101 (106)، وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير لمازة بن زبار وهو ثقة.(6/264)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: عمان: بعين مهملة مضمومة فميم مخففة.
بيرح: بموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فحاء مهملة.
الطاحي: بالطاء والحاء المهملتين نسبة الى بني طاحية.
مخربة: بميم مضمومة فخاء معجمة مشددة.
خوط: بخاء معجمة مضمومة وطاء مهملة (بينهما واو).
يوم جنوب: بجيم مفتوحة فنون فواو فموحدة: من أيام العرب.
منوا علي: أعتقوني.
عياذ: بعين مهملة مكسورة فتحتية فألف فذال معجمة.(6/265)
الباب السادس في وفد بني أسد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قالا: قدم عشرة رهط من بني أسد بن خزيمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول سنة تسع، فيهم حضرمي بن عامر، وضرار بن الازور، ووابصة بن معبد، وقتادة بن القائف، وسلمة بن حبيش، وطليحة بن خويلد، ونقادة ابن عبد الله بن خلف ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد مع أصحابه، فسلموا وقال متكلمهم: يا رسول الله، أنا شهدنا ألا اله الا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله.
وقال حضرمي بن عامر: (أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث الينا بعثا)، فنزلت فيهم: (يمنون عليك أن أسلموا) (الحجرات 17).
وروى النسائي والبزار وابن مردويه عن ابن عباس، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه بسند حسن عن عبد الله بن أوفى، قال الاولان: جاءت بنو أسد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أ سلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك العرب، وفي رواية بنو فلان.
فأنزل الله تعالى: (يمنون عليك أن أسلموا).
قال ابن سعد: وكان معهم قوم من بني الزنية وهم بنو مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد.
فقا ل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم بن الرشدة).
فقالوا: لا نكون مثل بني محولة، يعني بني عبد الله بن غطفان.
ومما سألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم - يومئذ العيافة والكهانة وضرب الحصى فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن ذلك كله.
فقالوا يا رسول الله ان هذه الامور كنا نفعلها في الجاهلية، أرأيت خصلة بقيت ؟ قال: (وما هي ؟) قال (صلى الله عليه وسلم): (الخط، علمه نبي من الانبياء فمن صادف مثل علمه علم) (1).
وروى ابن سعد عن رجال من بني أسد ثم من بني مالك بن مالك بن أسد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال لنقادة بن عبد الله بن خلف بن عميرة بن مري بن سعد بن مالك الاسدي: (يا نقادة ابغ لي ناقة حلبانة ركبانة ولا تولهها على ولد).
فطلبها في نعمه فلم يقدر عليها.
فوجدها عند ابن عم له يقال له سنان بن ظفير، فأطلبه اياها، فساقها نقاد ة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم -، فمسح ضرعها ودعا نقادة فحلبها حتى إذا أبقى فيها بقية من لبنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (أي نقادة اترك دواعي اللبن).
فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وسقى أصحابه من
__________
(1) أخرجه مسلم بنحوه في كتاب المساجد (33) وكتاب السلام (121)، والنسائي 3 / 16، وأبو داود في كتاب استفتاح الصلاة باب (56)، وأحمد في المسند 2 / 394، والبيهقي 2 / 250.
(*)(6/266)
لبن تلك الناقة، وسقى نقادة سؤره وقال: (اللهم بارك فيها من ناقة وفيمن منحها).
قال نقادة: قلت: وفيمن جاء بها يا رسول الله.
قال: (وفيمن جاء بها) (1).
تنبيهات الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم - في الخط: (علمه نبي من الانبياء الخ) الخط بفتح الخاء المعجمة وبالطاء المهملة.
قال في المطالع والتقريب: (فسروه بخط الرمل ومعرفة ما يدل عليه).
وقال في النهاية: (قال ابن عباس: الخط) (هو الذي يخطه الحازي، وهو علم قد تركه الناس، يأتي صاحب الحاجة الى الحازي فيعطيه حلوانا فيقول له: اقعد حتى أخط لك، وبين يدي الحازي غلام له معه ميل، ثم يأتي الى أرض رخوة فيخط فيها خطوطا كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين، وغلامه يقول للتفاؤل: (ابني عيا ن أسرعا البيان).
فان بقي خطان فهما علامة النجح، وان بقي خط واحد فهو علامة الخيبة.
وقال الحربي: (الخط هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن بشعير أو نوى، ويقول: يكون كذا وكذا، وهو ضرب من الكهانة).
قال ابن الاثير: الخط المشار إليه علم معروف، وللناس فيه تصانيف كثيرة وهو معمول به الى الان ولهم فيه أوضاع واصطلاح وأسام وعمل كثير ويستخرجون به الضمير وغيره وكثيرا ما يصيبون فيه.
الثاني: ضرب الرمل حرام، صرح به غير واحد من الشافعية والحنابلة وغيرهم.
وقال الامام النووي في شرح صحيح مسلم في كتاب الصلاة: باب تحريم الكلام في الصلاة: (فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الان).
الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (علمه نبي من الانبياء) في حفظي انه سيدنا ادريس عليه السلام ولا أعلم من ذكره فيحرر.
الرابع: قوله: (فمن صادف مثل علمه فقد علم).
وفي صحيح مسلم: (فمن وافق خطه فذاك) أي فهو مباح له ولكن لا طريق لنا الى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح (والمقصود أنه حرام لانه لا يباح) الا بيقين الموافقة وليس لنا يقين بها وانما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فمن وافق خطه فذاك).
ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم ان هذا ا لنهي يدخل فيه ذلك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في
حقنا، فالمعنى أن ذاك النبي لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته، ولكن لا علم لكم بها).
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 2 / 39.
(*)(6/267)
الخامس: في بيان غريب ما سبق: القرظي: بقاف مضمومة فراء مفتوحة فظاء معجمة.
السائب: بسين مهملة فألف فهمزة فموحدة.
الحضرمي: تقدم قريبا.
ضرار: بضاد معجمة مكسورة فراءين بينهما ألف.
الازور: بهمز فزاي فواو فراء، من الزور: وهو الميل.
وابصة: بواو فألف فموحدة فصاد مهملة.
معبد: بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فموحدة مفتوحة فدال مهملة.
قتادة: بقاف فمثناة فوقية مفتوحتين فألف فدال مهملة.
القايف: يقاف فألف فتحتية ففاء.
سلمة: بسين مهملة فلام فميم مفتوحات.
حبيش: بحاء مهملة مضمومة فموحدة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فشين معجمة.
طليحة: بطاء مهملة مضمومة فلام مفتوحة فتحتية ساكنة فحاء مهملة فتاء تأنيث.
خويلد: بخاء معجمة مضمومة فواو مفتوحة فتحتية ساكنة فلام مكسورة فدال مهملة.
نتذرع: بنون فمثناة فوقية فدال مهملة مفتوحات فراء مشددة مفتوحة فعين مهملة: أ ي نجعله درعا لنا.
البهيم: بموحدة مفتوحة فهاء مكسورة فمثناة تحتية فميم: أي شديد الظلمة، وهو في الاصل الذي لا يخالط لونه لون سواه.
السنة الشهباء: بشين معجمة مفتوحة فهاء ساكنة فموحدة أي ذات قحط وجدب،
والشهباء: الارض البيضاء التي لا خضرة فيها لقلة المطر من الشهبة وهي البياض (فسميت سنة الجدب بها).
بنو الزنية: بزاي تفتح وتكسر فنون ساكنة فتحتية مفتوحة، وهي آخر ولد المرأة والرجل، ولذلك سمي بنو مالك به.
دودان: بدالين مهملتين أولاهما مضمومة فألف فنون.
الرشدة: بفتح الراء وكسرها، والفتح أفصح وسكون الشين المعجمة وفتح الدال المهملة.(6/268)
بنو محولة: (بضم الميم وفتح الحاء المهملة والواو المفتوحة المشددة فلام فتاء تأنيث).
العيافة: بعين مهملة مكسورة فتحتية فألف ففاء: زجر الطير، والتفاؤل باسمائها وأصواتها وممرها.
الكهانة: بكاف فهاء فألف فنون: تعاطي خبر الكائنات في مستقبل الزمان.
حلبانة: بحاء مهملة مفتوحة فلام ساكنة فموحدة فألف فنون: غزيرة تحلب.
ركبانة: براء مفتوحة فكاف ساكنة فموحدة وألف فنون: ذلولة تركب.
لا تولهها: (بمثناة فوقية مضمومة فواو مفتوحة فلام مشددة مكسورة فهاءين أولاهما ساكنة أي لا تجعل ناقتك والهة بذبحك ولدها).
ظفير: (بظاء معجمة مضمومة ففاء مفتوحة فتحتية ساكنة فراء).
دواعي اللبن: بدال مهملة فواو مفتوحتين فعين مهملة مكسورة: لبن قليل يبقى في الضرع، يدعو ما وراءه فينزله، وإذا استقصى كل ما في الضرع أبطأ دره على حاليه.
السؤر: بسين مهملة مضمومة فهمزة ساكنة فراء: بقية الطعام والشراب وغيرهما.
منحها: بميم فنون فحاء مهملة فهاء مفتوحات: أعطى الناقة أو الشاة لينتفع بلبنها أو وبرها أو صوفها مدة ثم يردها.(6/269)
الباب السابع في وفد أسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن سعد رحمه الله تعالى: قدم عمير بن أفصى في عصابة من أسلم فقالوا: (قد آمنا بالله ورسوله واتبعنا منهاجك فاجعل لنا عندك منزلة تعرف العرب فضيلتها فانا ا خوة الانصار، ولك علينا الوفاء والنصر في الشدة والرخاء).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها).
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لاسلم ومن أسلم من قبائل العرب ممن يسكن السيف والسهل وفيه ذكر الصدقة والفرائض في المواشي.
وكتب الصحيفة ثابت بن قيس بن شماس وشهد أبو عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أفصى: (بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة فصاد مهملة مفتوحة فألف مقصورة).
العصابة: بكسر العين المهملة: هنا الجماعة من الناس.
المنهاج: بميم مكسورة فنون ساكنة فهاء فألف فجيم: الطريق.
السيف: بكسر السين المهملة وسكون التحتية وبالفاء: الجانب.
__________
(1) أخرجه ابن سعد 2 / 116 وهو عند البخاري 2 / 33، ومسلم 4 / 1922.
(*)(6/270)
الباب الثامن في قدوم أسيد بن أبي أناس.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه لما بلغه انه هجاه، فأتى أسيد الطائف فأقام بها.
فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرج سا رية بن زنيم الى الطائف، فقال له أسيد: ما وراءك ؟ قال: (قد أظهر الله تعالى نبيه ونصره على عدوه، فا خرج يا ابن أخي
إليه فانه لا يقتل من أتاه).
فحمل أسيد امرأته وخرج وهي حامل تنتظر، وأقبل فألقت غلاما عند قرن الثعالب، وأ تى أسيد أهله فلبس قميصا واعتم، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسارية بن زنيم قائم بالسيف عند رأسه يحرسه، فأقبل أسيد حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد أهدرت دم أسيد ؟ قال: (نعم).
قال: تقبل منه ان جاءك مؤمنا ؟ قال: (نعم).
فوضع يد ه في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (هذه يدي في يدك، أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد ألا اله الا الله.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصرخ أن أسيد بن أبي أنا س قد آمن وقد أمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وألقى يد ه على صدره، فيقال ان أسيدا كان يدخل البيت المظلم فيضئ.
وقال أسيد رضي الله تعالى عنه: أأنت الفتى تهدي معدا لربهابل الله يهديها وقال لك أشهد فما حملت من ناقة فوق كورها أبر وأوفى ذمة من محمد وأكسى لبرد الحال قبل ابتذاله وأعطى لرأس السابق المتجرد تعلم رسول الله انك قادر على كل حي متهمين ومنجد تعلم بأن الركب ركب عويمر هم الكاذبون المخلفو كل موعد أنبوا رسول الله ان قد هجوته فلا رفعت سوطي الي إذا يدي سوى أنني قد قلت يا ويح فتنة أصيبوا بنحس لا يطاق وأسعد أصابهم من لم يكن لدمائهم كفيئا فعزت حسرتي وتنكدي دويبا وكلثوما وسلما وساعدا جميعا بأن لا تدمع العين تكمد فلما أنشده: (أأنت الذي تهدي معدا لدينها)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل الله يهديها)، فقال الشاعر: (بل الله يهديها وقال لك اشهد).
رواه ابن شاهين عن المدائني عن رجاله عن عدة طرق.
تنبيهات
الأول: هذه القصة والابيات ذكرها الواقدي والطبراني لأنس بن زنيم.
قال الحافظ في(6/271)
الاصابة: (وقد رويت نظير قصته لانس بن زنيم كما سيأتي في ترجمته ويحتمل وقوع ذلك لهما).
الثاني: قال دعبل بن علي في طبقات الشعراء قوله: فما حملت ناقة فوق كورها أعف وأوفى ذمة من محمد).
هذا أصدق بيت قالته العرب.
الثالث: في بيان غريب ما سبق: أسيد: بفتح الهمزة كما ذكره العسكري والدارقطني، وضمها المرزبان، ورده ابن ماكولا.
أناس: بضم الهمزة والنون.
زنيم: بزاي مفتوحة فنون فمثناة تحتية فميم: الدعي في النسب الملحق بالقوم وليس منهم تشبيها له بالزنمة وهو شئ يقطع من أذن الشاة ويترك معلقا بها.
قرن الثعالب: قرن بقاف مفتوحة فراء ساكنة فنون.
والثعالب بمثلثة فعين مهملة مفتوحتين فألف فلام فموحدة: موضع يحرم منه أهل نجد.(6/272)
الباب التاسع في وفد أشجع إليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن سعد رحمه الله تعالى: قدمت أشجع على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الخندق وهم مائة، ورأسهم مسعود بن رخيلة، فنزلوا سعب سلع.
فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر لهم بأحمال التمر.
فقالوا: (يا محمد لا نعلم أحدا من قومنا أقرب دارا منك منا ولا أقل عددا، وقد ضقنا بحربك وبحرب قومك فجئنا نوادعك).
فوادعهم.
ويقال بل قدمت أشجع بعد ما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة، وهم سبعمائة، فوادعهم ثم أسلموا بعد ذلك.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أشجع: بهمزة فشين معجمة ساكنة فجيم فعين مهملة.
رخيلة: براء مضمومة فخاء معجمة مفتوحة فمثناة تحتية فلام.
الباب العاشر في قدوم وفد الاشعريين إليه صلى الله عليه وسلم وذكر اعلامه صلى الله عليه وسلم بقدومهم قبل وصولهم ودعائه لهم لما اشرفوا في البحر على الغرق.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في أصحابه يوما فقال: (اللهم انج اصحاب السفينة).
ثم مكث ساعة فقال: (استمدت).
فلما د نوا من المدينة قال: (قد جاءوا يقودهم رجل صالح) قال: (والذين كانوا معه في السفينة الاشعريو ن والذين قادهم عمرو بن الحمق الخزاعي) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أين جئتم ؟) قالوا من زبيد.
قال: (بارك الله في زبيد).
قالوا: وفي زمع.
قال: (وبارك الله في زبيد).
قالوا وفي زمع.
قال في الثالثة: (وفي زمع) (1).
وروى ابن سعد والبيهقي واحمد بن أنس رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا).
فقدم الاشعريون فيهم أبو موسى الاشعري فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون: غدا نلقى الاحبة محمدا وحزبه
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (19890).
(*)(6/273)
وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الايمان يمان، والحكمة يمانية، السكينة في أهل الغنم والفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الوبر) (1).
وعن
جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أتاكم أهل اليمن كأنهم السحاب وهم خيار من في الارض).
فقال رجل من الانصار: الا نحن يا رسول الله ؟ فسكت ثم قال: الا نحن يا رسول الله ؟ فقال: (الا أنتم كلمة ضعيفة) (2).
رواه في زاد المعاد عن يزيد بن هارون عن ابن ابي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه.
قال: ولما لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلموا وبايعوا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الاشعريون في الناس كصرة فيها مسك) (3).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الاشعريون: بهمزة مفتوحة فشين معجمة ساكنة فعين مهملة مفتوحة فراء فتحتية فواو فنون.
الحمق: بحاء مهملة مفتوحة فميم مكسورة فقاف.
الخزاعي: بخاء معجمة مضمومة فزاي فألف فعين مهملة نسبة الى خزاعة قبيلة سميت بذلك لتفرقهم بمكة.
زمع: (بفتح الزاي وسكون الميم وبالعين المهملة: من منازل حمير باليمن).
الفخر: بفاء مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فراء: ادعاء العظم والكبر والشرف.
الخيلاء: والخيلاء بضم الخاء المعجمة وكسرها: الكبر والعجب.
الفدادون: بفاء مفتوحة فذال مهملة مفتوحة مشددة فألف فدال مهملة أخرى: الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم ومواشيهم (واحدهم فداد.
يقال فد الرجل يفد فديدا إذا ا شتد صوته).
وقيل هم المكثرون من الابل.
وقيل هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان.
وقيل بتخفيف الدال: جمع فدان وهي البقر التي يحرث بها، وأهلها أهل جفاء وغلظة.
الوبر: بواو فموحدة مفتوحتين فراء، للابل بمنزلة الشعر لغيره.
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 219، واحمد في المسند 2 / 235، والطبراني في الكبير 2 / 134، والبيهقي في السنن 1 / 386، والخطيب في التاريخ 11 / 377.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 353.
(3) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 2 / 79، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (33975).
(*)(6/274)
الباب الحادي عشر في قدوم أعشى بني مازن على النبي صلى الله عليه وسلم
روى عبد الله بن الامام أحمد في زوائد المسند، والشيرازي في الالقاب عن نضلة بن طريف، أن رجلا منهم يقال له الاعشى واسمه عبد الله بن الاعور كانت عنده امرأة يقا ل لها معاذة، وخرج في رجب (يمير أهله من هجر فهربت امرأته بعده ناشزا عليه فعاذت برجل منهم يقال له مطرف بن بهصل المازني فجعلها خلف ظهره فلما قدم لم يجدها في بيته وأخبر انها نشزت عليه وأنها عاذت بمطرف بن بهصل فأتاه فقال: يا ابن عم أعندك امرأتي معا ذة فادفعها الي.
قال: ليست عندي ولو كانت عندي لم أدفعها اليك.
قال: وكان مطرف أعز منه.
قال: فخرج الاعشى حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فعاذ به وأنشأ يقول): وروى عبد الله بن الامام احمد، وابن أبي خيثمة والحسن بن سفيان، وابن شاهين، وأبو نعيم عن الاعشى المازني انه قال: أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته: يا مالك الناس وديان العرب اني لقيت ذربة من الذرب غدوت أبغيها الطعام في رجب فخلفتني في نزاع وهرب أخلفت العهد ولظت بالذنب وهن شر غالب لمن غلب (فكتب النبي صلى الله عليه وسلم الى مطرف: (انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه).
فأتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه فقال: (يا معاذة هذا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فيك وأنا دافعك إليه.
قالت: خذ لي العهد والميثاق وذمة النبي صلى الله عليه وسلم ألا يعاقبني فيما صنعت.
فأخذ لها ذلك ودفعها إليه فأنشأ يقول: لعمرك ما حبي معاذة بالذي يغيره الواشي ولا قدم العهد ولا سوء ما جاءت به إذ أذلها غواة رجال إذ يناجونها بعدي (1)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: ديان: بدال مهملة فمثناة تحتية مشددة فألف فنون.
القهار من دان الناس إذا قهر هم، وقيل الحاكم والقاضي.
ذربة: بذال معجمة مكسورة فراء ساكنة فموحدة مفتوحة: فاسدة من ذرب المعدة وهو فسادها.
غدوت: بغين معجمة فدال مهملة فواو فتاء، من الغدو: وهو السير أول النهار.
أبغيها (الطعام): بهمزة قطع فموحدة ساكنة فغين معجمة فمثناة تحتية أي أطلب لها.
لظت: بلام فظاء معجمة مشالة متفوحتين (مع تشديد الظاء) فتاء: أكثرت وألحت.
__________
(1) انظر البداية والنهاية 5 / 74.
(*)(6/275)
الباب الثاني عشر في قدوم الاشعث بن قيس عليه، زاده الله فضلا وشرفا لديه.
قال ابن اسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الاشعث بن قيس في وفد كندة في ثمانين راكبا من كندة.
فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وقد رجلوا جممهم وتكحلوا عليهم جبب الحبرة، وقد كففوها بالحرير.
فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألم تسلموا ؟) قالوا: بلى.
قال: (فما بال هذا الحرير في أعناقكم ؟) قال: فشقوه منها، فألقوه.
ثم قال له الاشعث بن قيس: يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار (وأنت ابن آكل المرار).
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث).
وكان العباس وربيعة تاجرين، وكانا إذا شاعا في بعض العرب فسئلا ممن هما، قالا: نحن بنو آكل المرار يتعززان بذلك.
وذلك ان كندة كانوا ملوكا ثم قال لهم: (لا، بل نحن بنو النضر بن كنانة (لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا) (فقال الاشعث بن قيس الكنديى: (هل فرغتم يا معشر كندة ؟) والله لا أسمع رجلا يقولها الا ضربته ثمانين) (1).
قال ابن هشام: الاشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل امه، وآكل المرار: الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارك بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندي، ويقال كندة.
وانما سمي آكل المرار لان عمرو بن الهبولة الغساني أغار عليهم.
فأكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له المرار.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: رجلوا: براء فجيم مشددة مفتوحتين فلام.
جممهم: بجيم مضمومة فميمين مفتوحتين فهاء: جمع جمة وقد تقدم تفسيرها في أبواب صفة جسده الشريف.
جبب: بجيم مضمومة فموحدة مفتوحة فأخرى: جمع جبة، تقدم تفسيرها وكذلك الحبرة مرارا.
فكففوهما: بكاف ففاء مفتوحتين فأخرى مضمومة فواو: (خاطوا حاشيتهما الخياطة الثانية بعد الشل).
آكل: بهمزة مفتوحة فألف فكاف مكسورة فلام.
المرار: بميم فراءين بينهما ألف.
شاعت: بشين معجمة فألف فعين مهملة فألف (انتشرا).
الهبولة: (بهاء مفتوحة فموحدة مضمومة فواو فلام فتاء تأنيث).
__________
(1) انظر البداية والنهاية 5 / 72، والطبقات الكبرى لابن سعد 1 / 2 / 64.
(*)(6/276)
الباب الثالث عشر في وفود بارق إليه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سعد رحمه الله تعالى: قدم وفد بارق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم الى الاسلام فأسلموا وبايعوا، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا كتاب من محمد رسول الله لبارق لا تجذ ثمارهم ولا ترعى بلادهم في مربع ولا مصيف الا بمسألة من بارق ومن مر بهم من
المسلمين في عرك أو جدب فله ضيافة ثلاثة أيام، وإذا أينعت ثمارهم فلابن السبيل اللقاط يوسع بطنه من غير أن يقتثم) شهد أبو عبيدة بن الجراح، وحذيفة بن اليمان وكتب أ بي بن كعب (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بارق: بموحدة فألف فراء فقاف.
مربع: بميم مفتوحة فراء ساكنة فموحدة فعين مهملة: الموضع الذي ينزل فيه أيام الربيع، واسم جبل قرب مكة.
وأما مربع بكسر الميم فمال بالمدينة في بني حارثة.
مصيف: بميم مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فمثناة تحتية ففاء: مكان ينزل فيه أيام الصيف.
عرك: (تجريد الارض من المرعى).
أينعت: بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فنون فعين مهملة: أدركت ونضجت.
يقتثم: (يجتث ولم يبق له أصلا).
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 115.
(*)(6/277)
الباب الرابع عشر في وفود باهلة إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن شاهين عن ابن اسحاق عن شيوخه، وابن سعد عن شيوخه قالوا: قدم مطرف بن الكاهن الباهلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح وافدا لقومه.
فقا ل يا رسول الله أسلمنا للاسلام وشهدنا دين الله في سماواته وأنه لا اله غيره، وصدقناك وآمنا بكل ما قلت فاكتب لنا كتابا فكتب له: (من محمد رسول الله لمطرف بن الكاهن ولمن سكن بيشة من باهلة.
ان من أحيا أرضا مواتا فيها مراح الانعام فهي له، وعليه في كل ثلاثين من البقر فارض، وفي كل أربعين من الغنم
عتود، وفي كل خمسين من الابل مسنة (وليس للمصدق أن يصدقها الا في مراعيها وهم آمنون بأمان الله) (1) (الحديث)...وفيه فانصرف مطرف وهو يقول: حلفت برب الراقصات عشية على كل حرف من سديس وبازل قال ابن سعد: ثم قدم نهشل بن مالك الوائلي من باهلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا لقومه فأسلم وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن أسلم من قومه كتابا فيه شرائع الاسلام وكتبه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: باهلة: بباء موحدة وهاء مكسورة ولام مفتوحة.
مراح: (بضم الميم وفتح الراء فألف فحاء مهملة من أراح الابل ردها الى المراح أي المأوي والماء).
فارض: بالفاء والراء بينهما ألف فضاد معجمة: المسنة من الابل، وقيل من البقر وهو المراد هنا.
عتود: بعين مهملة مفتوحة ففوقية مضمومة فواو ساكنة فدال مهملة: من أولاد المعز الصغير إذا قوي وأتى عليه حول.
مسنة: بميم مضمومة فسين مهملة مكسورة فنون مشددة: من البقر والغنم ما دخل في السنة الثانية.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 49.
(*)(6/278)
الراقصات: قال في الاملاء أي الابل ترقص في سيرها أي تتحرك، والرقصان: ضرب من المشي.
سديس: بسينين بعد الاولى دال مهملات فتحتية: ما دخل في السنة الثامنة من الابل.
بازل: بموحدة فألف فزاي فلام: هو من الابل الذي تم ثماني سنين ودخل في التاسعة.(6/279)
الباب الخامس عشر في وفود بني البكائي إليه صلى الله عليه وسلم.
روى ابن سعد عن عبد الله بن عامر البكائي وعن الجعد بن عبد الله بن عامر البكائي عن أبيه، وابن شاهين عن يزيد بن رومان، وعن الحسن وعن السدي عن أبي مالك وعن ر جال المدائني وابن منده، وأبو نعيم من طريق أخرى، وابن شاهين من وجه آخر عن بشر بن معاوية بن ثور، وابن شاهين، وثابت في الدلائل.
قالوا: وفد من بني البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع ثلاثة نفر: معاوية بن ثور بن عبادة البكائي وهو يومئذ ابن مائة سنة ومعه ابن له يقال له بشر، والفجيع بن عبد الله بن جندح بن البكاء، ومعهم عبد عمرو، وهو الاصم.
فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزل وضيافة، وأجازهم، ورجعوا الى قومهم.
وقال معاوية للنبي صلى الله عليه وسلم: (اني أتبرك بمسك وقد كبرت وابني هذا بر بي فامسح وجهه).
فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه بشر بن معاوية وأعطاه أعنز ا عفرا وبرك عليهن.
قال الجعد: فالسنة ربما أصابت بني البكاء ولا تصيب آل معاوية.
وقال محمد بن بشر بن معاوية بن ثور بن عبادة بن البكاء رضي الله تعالى عنه: وأبي الذي مسح الرسول برأسه ودعا له بالخير والبركات أعطاه أحمد إذ أناه أعنزا عفرا نواجل لسن باللجنات يملأن رفد الحي كل عشية ويعود ذاك الملء بالغدوات بوركن من منح وبورك مانحا وعليه مني ما حييت صلاتي وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد عمرو الاصم عبد الرحمن، وكتب له بمائه الذي أسلم عليه بذي القصة.
وكان عبد الرحمن من أصحاب الظلة يعني الصفة صفة المسجد.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الفجيع: بجيم مصغر.
جندح: بضم الجيم والدال المهملة وسكون النون بينهما وآخره (حاء) مهملة.
العفر: بعين مهملة مضمومة ففاء ساكنة فراء: بياض ليس بالناصع.
اللجنات: القليلات اللبن.
ذو القصة: بقاف فصاد مهملة مفتوحتين فتاء تأنيث: موضع قريب من المدينة.(6/280)
الباب السادس عشر في وفود بني بكر بن وائل إليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن سعد: قدم وفد بكر بن وائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له ر جل منهم: هل تعرف قس بن ساعدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس هو منكم، هذا رجل من اياد تحنف في الجاهلية فوافى عكاظا والناس مجتمعون فكلمهم بكلامه الذي حفظ عنه) (1).
وقد تقد م ذكره في أوائل الكتاب.
وكان في الوفد بشير بن الخصاصية، وعبد الله بن مرثد، وحسان بن حوط (2)، وقال رجل من ولد حسان: أنا ابن حسان بن حوط وأبي رسول بكر كلها الى النبي وقدم معهم عبد الله بن أسود بن شهاب بن عوف بن عمرو بن الحارث بن سدوس وكان ينزل اليمامة فباع ما كان له من مال باليمامة، وهاجر وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجراب من تمر، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: قس بن ساعدة واياد وعكاظ: تقدم الكلام عليها أول الباب.
الحصاصية: بحاء فصادين مهملات بينهما ألف فمثناة تحتية.
حسان: بفتح الحاء المهملة.
حوط: (بفتح الحاء المهملة وسكون الواو فطاء مهملة).
سدوس: بسينين بعد الاولى دال مهملات فواو.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 79، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 10 / 166.
(2) حسان بن خوط بن مسعر بن عنود بن مالك بن الاعور بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر الشيباني نسبه ابن الكلبي...انظر الاصابة 2 / 9.
(*)(6/281)
الباب السابع عشر في وفود بلي إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد (1) عن رويفع بن ثابت البلوي (2) رضي الله تعالى عنه قال: قدم وفد من قومي في شهر ربيع الأول سنة تسع فأنزلتهم في منزلي ببني جديلة، ثم خرجت بهم حتى انتهينا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه في بيته في الغداة.
فسلمت.
فقال: (رويفع).
فقلت: لبيك.
قال: (من هؤلاء القوم ؟).
قلت: قومي.
قال: (مرحبا بك وبقومك).
قلت: يا رسول الله قدموا وافدين عليك مقرين بالاسلام وهم على من وراءهم من قومهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يهده للاسلام).
قال: فتقد م شيخ الوفد أبو الضبيب (3) فقال: (يا رسول الله انا قدمنا عليك لنصدقك ونشهد أن ما جئت به حق، ونخلع ما كنا نعبد ويعبد أباؤنا).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي هداكم للا سلام، فكل من مات على غير الاسلام فهو في النار).
وقال له أبو الضبيب: يا رسول الله اني رجل لي رغبة في ا لضيافة فهل لي في ذلك أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، وكل معروف صنعته الى غني أو فقير فهو صدقة).
قال: يا رسول الله ما وقت الضيافة ؟ قال: (ثلاثة أيام فما بعد ذلك فصدقة ولا يحل للضيف أن يقيم عندك فيحرجك).
قال: يا رسول الله أرأيت الضالة من الغنم أجد ها في الفلاة من الارض.
قال: (لك ولاخيك أو للذئب).
قال: فالبعير.
قال: (مالك وله، دعه حتى يجده صاحبه).
(قال رويفع): وسألوا عن أشياء من أمر دينهم فأجابهم.
ثم رجعت بهم الى منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي بحمل تمر يقول: (استعن بهذا التمر).
قال: فكانوا يأكلون منه ومن غيره.
فأقاموا ثلاثا، ثم جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعونه فأمر لهم بجوائز كما كان يجيز من كان قبلهم ثم رجعوا الى بلادهم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بلي: بفتح الموحدة وكسر اللام وتشديد الياء: حي من قضاعة.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 94.
(2) رويفع بن ثابت البلوي..ذكره الطبري في وفد بلي وأنهم نزلوا عليه سنة تسع وهو غير رويفع بن ثابت الانصاري قاله ابن فتحون.
الاصابة 2 / 214.
(3) أبو الضبيس البلوي ذكره محمد بن الربيع الجيزي فيمن دخل مصر من الصحابة، وذ كر الواقدي من طريق محمد بن سعد مولى بني مخزوم عن رويفع بن ثابت البلوي قال: قدم وفد قومي في شهر ربيع الاو ل سنة تسع فبلغني قدومهم فأنزلتهم علي فخرجوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال شيخ منهم يقال له أ بو الضبيس: يا رسول الله اني رجل أرغب في الضيافة فهل لي من أجر في ذلك قال: (نعم وكل معروف الى غني أو فقير صدقة) الا صابة 7 / 108.
(*)(6/282)
رويفع: براء مضمومة فواو فتحتية ففاء فعين مهملة.
أبو الضبيب: بضم الضاد المعجمة الساقطة وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالموحدة.
ويقال فيه: أبو الضبيس.
فيحرجك: من الحرج أي يضيق صدرك وقيل يؤثمك، والحرج: الاثم، أي يعرضك للاثم (حتى تتكلم فيه بما لا يجوز فتأثم).(6/283)
الباب الثامن عشر في وفود بهراء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى محمد بن عمر عن كريمة بنت المقداد رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت أمي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تقول: قدم وفد بهراء من اليمن على رسول صلى الله عليه وسلم وكانوا ثلاثة عشر رجلا.
فأقبلوا يقودون رواحلهم حتى انتهوا الى باب المقداد بن عمرو، ونحن في منازلنا ببني حديلة.
فخرج إليهم المقداد فرحب وأنزلهم وقدم لهم جفنة من حيس.
قالت ضباعة: كنا قد هيأناها قبل أن يحلوا لنجلس عليها، فحملها المقداد وكان كريما على الطعام.
فأكلوا منها حتى نهلوا وردت الينا القصعة وفيها شئ فجمع في قصعة صغيرة ثم بعثنا بها مع سدرة مولاتي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته في بيت أم سلمة.
فقال صلى الله عليه وسلم: (ضباعة أرسلت بهذا ؟) قالت سدرة: نعم يا رسول الله، قال: (ضعي) ثم قال: (ما فعل ضيف أبي معبد ؟) قلت: عندنا.
فأصاب منها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ومن معه في البيت حتى نهلو ا وأكلت معهم سدرة.
ثم قال: (اذهبي بما بقي الى ضيفكم).
قالت سدرة: فرجعت بالقصعة الى مولاتي.
قالت: فأكل منها الضيف ما أقاموا.
فرددها عليهم وما تغيض حتى جعل الضيف يقولون: يا أبا معبد انك لتنهلنا من أحب الطعام الينا وما كنا نقدر على مثل هذا الا في الحين.
وقد ذ كر لنا أن بلادكم قليلة الطعام انما هو العلق أو نحوه ونحن عندكم في الشبع.
فأخبرهم أبو معبد بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه أكل منها وردها، وهذه بركة أصابعه صلى الله عليه وسلم.
فجعل القوم يقولون: نشهد أنه رسول الله، وازدادوا يقينا، وذلك الذي أراد صلى الله عليه وسلم.
فأتوه فأسملو ا وتعلموا الفرائض وأقاموا أياما.
ثم جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعونه فأمر لهم بجوائز وانصرفوا الى أهليهم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بهراء: بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالراء والمد.
بنو حديلة: بضم الحاء وفتح الدال المهملتين فتحتية ساكنة فلام.
رحب بهم: قال لهم: مرحبا.
الجفنة: بفتح الجيم.
الحيس: بفتح الحاء وسكون التحتية وبالسين المهملتين: الاقط بالتمر والسمن.
العلق: بعين مهملة مضمومة فلام ساكنة فقاف: جمع علقة وهي البلغة من الطعام.(6/284)
الباب التاسع عشر في وفود تجيب - وهم من السكون - إليه صلى الله عليه وسلم
قدم وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة عشر رجلا، وساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عز وجل، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأكرم منز لهم.
وقالوا: يا رسول الله سقنا اليك حق الله في أموالنا.
فقال صلى الله عليه وسلم: (ردوها فاقسموها على فقرائكم).
قالوا: يا رسول الله ما قدمنا عليك الا بما فضل من فقرائنا.
فقال أبو بكر: يا رسول الله ما قدم علينا وفد من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من تجيب.
فقال صلى الله عليه وسلم: (ان الهدى بيد الله عز وجل، فمن أراد الله به خيرا شرح صدره للايمان).
وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء فكتب لهم بها، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن، فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رغبة وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم.
فأقاموا أياما ولم يطيلوا اللبث.
فقيل لهم: ما يعجلكم ؟ قالوا: نرجع الى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلامنا أياه.
وما رد علينا ثم جاء وا رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعونه فأمر بلالا فأجازهم بأرفع مما كان يجيز به الوفود وقال: (هل بقي منكم أحد ؟) قالوا: غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سنا.
قال: (أرسلوه الينا).
فلما رجعوا الى رحا لهم قالوا للغلام: انطلق الى رسول الله فاقض حاجتك منه فانا قد قضينا حوائجنا منه وودعناه.
فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني غلام من بني أبذى من الرهط الذين أتوك آنفا فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي يا رسول الله.
قال: (وما حاجتك ؟) قال: (يا رسول الله ان حاجتي ليست كحاجة أصحابي، وان كانوا قد قدموا راغبين في الاسلام وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم واني والله ما أعملني من بلادي الا أن تسأل الله عز وجل ان يغفر لي ويرحمني وأن يجعل غناي في قلبي).
فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه).
ثم أمر به بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه.
فانطلقوا راجعين الى أهليهم ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى سنة عشر فقالوا: نحن بنو أبذى، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلام فقالوا: يا رسول الله: والله ما رأينا مثله قط ولا حدثنا
بأقنع منه بما رزقه الله.
لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت ا ليها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله اني لارجو ان يموت جميعا).
فقال رجل منهم: أو ليس يموت الرجل جميعا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا فلعل أجله يدركه في بعض تلك الاودية فلا يبالي الله عز وجل في أيها هلك).
قالوا فعاش ذلك الرجل فينا على أفضل حال وأزهده في الدنيا وأقنعه بما رزقه الله.
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من رجع من أهل اليمن عن الاسلام قام في قومه فذكرهم الله والاسلام فلم يرجع منهم أحد.
وجعل أبو بكر(6/285)
رضي الله تعالى عنه يذكره ويسأل عنه حتى بلغه حاله وما قام به.
فكتب الى زياد بن لبيد يوصيه به خيرا.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: تجيب: بضم الفوقية وفتحها وكسر الجيم وسكون التحتية وبالموحدة.
السكون: بفتح السين المهملة وضم الكاف وسكون الواو وبالنون.
حي من اليمن.
سر: بضم السين المهملة وفتح الراء المشددة.
فضل: بفتح الضاد المعجمة وكسرها.
اللبث: بفتح اللام وسكون الموحدة وبالثاء المثلثة: المكث.
يعجلك: بضم أوله وكسر الجيم.
من وراءنا: بفتح الميم.
برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: بفتح اللام، مفعول المصدر.
خلفناه: بتشديد اللام.
بنو أبذى: بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الذال المعجمة وزن أعمى.
مذحج: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة فحاء مهملة مكسورة فجيم.
موسم الحاج: بفتح الميم وسكون الواو وكسر السين المهملة وبالميم: معلم يجتمع
إليه الناس، وكل مجمع من الناس موسم.
أعملني من بلادي: وهو من اعمال المطي وهو حثها وسوقها.
يقال: أعملت الناقة فعملت كأنه يقول ما حثني وساقني الا ما ذكرت.
حدثنا: بضم الحاء المهملة وكسر الدال المهملة مبني للمفعول.
تشعب: حذف منه احدى التاءين أي تتشعب.(6/286)
الباب العشرون في وفود بني تغلب إليه صلى الله عليه وسلم.
روى ابن سعد عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني تغلب ستة عشر رجلا مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحار ث.
فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم النصارى على أن يقرهم على دينهم عل أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية، وأجاز المسلمين منهم بجوائزهم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: تغلب: بمثناة فوقية مفتوحة فغين معجمة ساكنة فلام مكسورة فموحدة.
يصبغوا أولادهم في النصرانية: بتحتية مفتوحة فصاد مهملة ساكنة فموحدة فغين معجمة مضمومتين: يغمسوا.
الباب الحادي والعشرون في وفود بني تميم إليه صلى الله عليه وسلم
وسبب مجيئهم أخذ عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري جماعة منهم كما تقدم في الباب السادس والخمسين من السرايا.
فقدم فيهم عدة من رؤساء بني تميم.
فروى ابن اسحاق، وابن مردويه عن عطارد بن حاجب بن زرارة، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الاهتم، ا لحبحاب بن يزيد، ونعيم بن يزيد، وقيس بن الحارث، وقيس بن عاصم، ورياح بن الحارث في وفد
عظيم يقال كانوا سبعين أو ثمانين رجلا.
وعيينة بن حصن، والاقرع بن حابس كانا شهد ا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف، فلما قدم وفد بني تميم قدما معهم.
قالوا: فدخلوا المسجد وأذن بلال بالظهر والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجل وفد بني تميم واستبطأوه، فنادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته: يا محمد اخرج الينا، يا محمد اخرج الينا، ثلاث مرات، فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم.
فخرج إليهم فقالوا: ان مدحنا لزين وان ذمنا لشين، نحن أكرم العرب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبتم بل مدحة الله عز وجل الزين وذمه الشين، وأكرم منكم يوسف بن يعقوب) (1).
وروى الامام أحمد عن الاقرع بن حابس (2)، وابن جرير بسند جيد، وأبو القاسم
__________
(1) ذكره السيوطي في الدر 6 / 87، وعزاه لابن اسحاق وابن مردويه.
(2) ذكره السيوطي في الدر 6 / 86، وعزاه لاحمد وابن جرير وابن القاسم البغوي وابن مردويه والطبراني بسند صحيح.
(*)(6/287)
البغوي، والطبراني بسند صحيح، والترمذي وحسنه، وابن أبي حاتم، وابن المنذر عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال البراء: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الاقرع انه هو، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اخرج الينا، فلم يجبه، فقال: يا محمد ان حمدي لزين وان ذمي لشين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك الله عز وجل).
فقالوا: انا أتيناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا.
قال: (قد أذنت لخطيبكم فليقل).
فقام عطارد بن حاجب فقال: (الحمد لله الذي له علينا الفضل وهو أهله)، الذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما، نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عددا وأيسره عدة، فمن مثلنا في الناس ؟ ألسنا برؤوس الناس وأولي فضلهم ؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وانا لو شئنا لاكثرنا الكلام ولكنا نستحي من الاكثار فيما أعطانا (وانا نعرف بذلك).
أقول هذا لأن تا توا بمثل قولنا وأمر أفضل من أمرنا).
ثم جلس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث بن ا لخزرج: (قم
فأجب الرجل في خطبته).
فقام ثابت فقال: (الحمد لله الذي السموات والارض خلقه، قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه، ولم يك شئ قط الا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا، واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا، وأصدقه حديثا.
وأفضله حسبا، فأنز ل عليه كتابه وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس الى الايمان به، فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس احسابا وأحسن الناس وجوها وخير الناس فعالا، ثم كان أول الخلق اجابة، واستجاب الله حين دعاه رسول الله نحن، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله، فمن أمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا.
أقول قولي هذا وأ ستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم).
فقام الزبرقان بن بدر فقال، وفي لفظ فقال الزبرقان بن بدر لرجل منهم: يا فلان قم فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك، فقام فقال: نحن الكرام فلا حي يعادلنا منا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الاحياء كلهم عند النهاب وفضل العز يتبع ونحن نطعم عند القحط مطعمنا من الشواء إذا لم يؤنس القزع ونطعم الناس عند المحل كلهم من السديف إذا لم يؤنس القزع بما ترى الناس تأتينا سراتهم من كل أرض هويا ثم نصطنع فننحر الكوم عبطا في أروقتنا للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا(6/288)
فلا ترانا الى حي نفاخرهم الا استفادوا فكانوا الرأس يقتطع فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه فيرجع القوم والاخبار تستمع انا أبينا ولا يأبى لنا أحد انا كذلك عند الفخر نرتفع قال ابن هشام: ويروى: (منا الملوك وفينا تقسم الربع).
ويروى: (من كل أرض هوانا ثم
متبع).
رواه لي بعض بني تميم (وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها الزبرقان).
قال ابن اسحاق: وكان حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه غائبا فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال حسان: جاءني رسوله فأخبرني انه انما دعاني لا جيب شاعر بني تميم فخرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: منعنا رسول الله إذ حل وسطنا على أنف راض من معد وراغم منعناه لما حل بين بيوتنا بأسيافنا من كل باغ وظالم ببيت حريد عزه وثراؤه بجابية الجولان وسط الاعاجم هل المجد الا السؤدد العود والندى وجاه الملوك واحتمال العظائم فلما فرغ الزبرقان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: (قم يا حسان فأجب الرجل) فقام حسان فقال: ان الذوائب من فهر واخوتهم قد بينوا سنة للناس تتبع يرضى بهم كل من كانت سريرته تقوى الاله وكل الخير يصطنع قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك منهم غير محدثة ان الخلائق فاعلم شرها البدع ان كان في الناس سباقون بعدهم فكل سبق لأدنى سبقهم تبع لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا ان سابقوا الناس يوما فاز سبقهم أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا أعفة ذكرت في الوحي عفتهم لا يطمعون ولا يرديهم طمع لا يبخلون على جار بفضلهم ولا يمسهم من مطمع طبع إذا نصبنا لحي لم ندب لهم كما يدب الى الوحشية الذرع نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها إذا الزعانف من أظفارها خشعوا لا يفخرون إذا نالوا عدوهم وان أصيبوا فلا خور ولا هلع
كأنهم في الوغى والموت مكتنع أسد بحلية في أرساغها فدع خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبواولا يكن همك الامر الذي منعوا(6/289)
فان في حربهم فاترك عداوتهم شرا يخاض عليه السم السلع أكرم بقوم رسول الله شيعتهم إذا تفاوتت الاهواء والشيع أهدي لهم مدحتي قلب يوازره فيما أحب لسان حائك صنع فانهم أفضل الاحياء كلهم ان جد بالناس جد القول أو سمعوا قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد: يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الاله وبالامر الذي شرعوا قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم أن الزبرقان بن بدر لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم قال: أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا إذا اختلفوا عند احتضار المواسم بأنا فروع الناس في كل موطن وان ليس في أرض الحجاز كدارم وانا نذود المعلمين إذا انتخوا ونضرب رأس الاصيد المتفاقم فان لنا المرباع في كل غارة نغير بنجد أو بأرض الاعاجم فقام حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه فأجابه فقال: هل المجد الا السؤدد العود والندى وجا ملوك واحتمال العظائم نصرنا وآوينا النبي محمدا على أنف راض من معد وراغم بحي حريد أصله وثراؤه بجابية الجولان وسط الاعاجم نصرناه لما حل وسط ديارنا بأسيافنا من كل باغ وظالم جعلنا بنينا دونه وبناتنا وطبنا له نفسا بفئ المغانم ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا على دينه بالمرهفات الصوادم
ونحن ولدنا من قريش عظيمها ولدنا نبي الخير من آل هاشم بني دارم لا تفخروا ان فخركم يعود وبالا عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم لنا خول من بين ظئر وخادم فان كنتم جئتم لحقن دمائكم وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوالله ندا وأسلموا ولا تلبسوا زيا كزي الاعاجم قال ابن اسحاق: فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله قال الاقرع بن حابس: (وأبي ان هذا الرجل لمؤتى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولاصواتهم أعلى من أصواتنا).
فلما فرغ القوم أسلموا وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم.
وكان عمرو بن(6/290)
الاهتم قد خلفه القوم في ظهرهم، وكان أصغرهم سنا، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم.
وقال محمد بن عمر: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز كل رجل منهم أثنتي عشرة أوقية الا عمرو بن الاهتم فانه أعطاه خمس أواق لحداثة سنه.
قال ابن اسحاق: وفيهم نزل من ا لقرآن: (ان الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) (الحجرات 4) (وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال: (هم جفاة بني تميم، لولا أنهم من اشد الناس قتالا للاعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم).
وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (جلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن عاصم، والزبرقان بن بدر وعمرو بن الاهتم التميميون.
ففخر الزبرقان وقال: يا رسول الله أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب منهم آخذ لهم بحقوقهم وأمنعهم من ا لظلم وهذا يعلم ذلك.
وأشار الى عمرو بن الاهتم.
فقال عمرو بن الاهتم: انه لشديد العارضة، مانع لجانبه، مطاع في أدانيه.
فقال
الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه أن يتكلم الا الحسد.
فقال عمرو ابن الاهتم: (أنا أحسدك، فوالله انك للئيم الخال، حديث المال، أحمق الولد، مبغض في العشيرة، والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولا وما كذبت فيما قلت آخرا، ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت، ولقد صدقت في الاولى والاخرى جميعا).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان من البيان لسحر ا).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: شرح غريب أبيات الزبرقان بن بدر رضي الله عنه تنصب: بضم الفوقية وسكون النون وفتح الصاد المهملة وبالموحدة المضمومة.
البيع: نائب الفاعل جمع بيعة بكسر الموحدة: وهي أماكن الصلوات والعبادات للنصارى.
قسرنا: بالقاف والسين المهملة: قهرنا وأكرهنا.
النهاب: بنون مكسورة فهاء فألف فموحدة: جمع نهب بمعنى منهوب.
يتبع: بالبناء للمفعول.
القزع: جمع قزعة: وهي السحاب، يعني إذا كان الجدب ولم يكن في السماء سحاب يتقزع.
والقزع: تفرق السحاب.(6/291)
السراة: بفتح السين المهملة وتخفيف الراء: الاشراف جمع سري.
هويا: بضم الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية: سراعا.
نصطنع: بالبناء للمفعول.
الكوم: بضم الكاف وسكون الواو وبالميم: جمع كوماء بفتح الكاف وسكون الواو وبالمد: وهي العظيمة السنام.
عبطا: بعين مفتوحة وطاء مهملتين وسكون الموحدة بينهما، والاعتباط: الموت في
الحداثة.
قال الشاعر: من لم يمت عبطة يمت هرما للموت كأس والمرء ذائقها الارومة: بفتح الهمزة وضم الراء: الاصل.
أنزلوا: بالبناء للمفعول.
استقادوا: بهمزة وصل فسين مهملة فمثناة فوقية فقاف فدال مهملة: طلبوا القود.
يقتطع: بالبناء للمجهول.
تستمع: بالبناء للمجهول كذلك.
شرح غريب شعر حسان رضي الله عنه.
أبينا: بهمزة مفتوحة فموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فنون: امتنعنا أشد الامتناع.
الذوائب: بذال معجمة: جمع ذؤابة وهي الشعر المضفور من شعر الرأس، وذؤابة الجبل أعلاه، ثم استعير للعز والشرف والمرتبة أي من الاشراف وذوي الاقدار.
فهر: بكسر الفاء وسكون الهاء وبالراء.
الاشياع: بهمزة مفتوحة فمعجمة ساكنة فتحتية فألف فمهملة.
السجية: بفتح السين المهملة وكسر الجيم وتشديد التحتية: الخلق والطبيعة.
الخلائق: بخاء معجمة فلام مفتوحتين فألف فياء فقاف: وهم الناس والخليقة وهي البهائم، وقيل: هما بمعنى واحد.
سباقون: (بسين مهملة مفتوحة فموحدة مشددة فألف فقاف فواو فنون من سبقه يسبقه يسبقه تقدمه.
ويقال: سباق غايات: أي حائز قصبات السبق.
لا يرفع الناس: (بمثناة مفتوحة فراء فقاف فعين مهملة من رقع الثوب إذا رممه).
أوهت: بهمزة فواو ساكنة فهاء: أضعفت.(6/292)
الرقاع: براء مكسورة وقاف وآخره عين مهملة: ما يكتب فيه الحقوق.
آذنوا: بهمزة مفتوحة ممدودة فذال معجمة فنون: أعلموا.
المجد: بميم مفتوحة فجيم ساكنة فذال مهملة: الشرف الواسع.
الندى: بفتح النون وبالقصر: الجود والكرم.
أعفة: بهمزة مفتوحة فعين مهملة مكسورة ففاء: جمع عفيف وهو الكاف عن الحرام والسؤال من الناس.
الذرع: بفتح الذال المعجمة والراء وبالعين المهملة: ولد البقرة الوحشية، وجمعه ذرعان، وبقرة مذرع، إذا كانت ذات ذرع.
ذكرت: بالبناء للمفعول.
لا تطبعون: بتحتية فطاء مهملة ساكنة فموحدة مفتوحة فعين معملة فواو: لا يتدنسون، والطبع بفتح الطاء: الدنس، يقال فيه طبع يودي.
نصبنا: أظهرنا العداوة ولم نسرها.
ندب: بفتح النون وكسر الدال المهملة (وتشديد الموحدة: أي ندرج رويدا).
الوحشية: بواو مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فشين معجمة مكسورة فتحتية مشددة (من الوحشة) ضد الأنس، والوحشة: الخلوة والهم.
الزعانف: بفتح الزاي والعين المهملة وبعد الالف نون مكسورة وبالفاء: وهم أطرا ف الناس وأتباعهم وأصله أطراف الاديم والاكارع.
الخور: بضم الخاء المعجمة وسكون الواو وبالراء: الضعفاء.
الهلع: بضم الهاء واللام: الجبناء.
الهلع أفحش الجزع.
الوغى: بفتح الواو والغين المعجمة وبالقصر.
وهو في الاصل: الجلبة والاصوات، وقيل للحرب وغى لما فيها من ذلك.
مكتنع: بميم مضمومة فكاف ساكنة ففوقية مفتوحة فنون مكسورة فعين مهملة.
يقال اكتنع منه الموت إذا دنا منه وقرب.
الأسد: جمع أسد.
حلية: بحاء مهملة مفتوحة فلام ساكنة فتحتية.
هذا هو الصواب.
وقيل بالموحدة بد ل(6/293)
التحتية - وحلية مأسدة بناحية اليمن.
الارساغ: بفتح أوله وسكون الراء وبالسين المهملة - ويقال بالصاد المهملة بدل السين.
وبعد الالف غين معجمة، جمع رسغ بضم الراء: وهو مفصل ما بين الكف والساعد، ومجتمع الساق والقدم.
الفدع: بفتح الفاء والدال وبالعين المهملتين: المعوج الرسغ من اليد والرجل، فيكون منقلب الكف، والقدم (الى عظم الساق).
وذلك الموضع هو الفدعة.
أتوا: أعطوا.
عفوا: من غير مشقة.
شرا: اسم (ان) والخبر (في حربهم)، وما بينهما اعتراض.
السم: بالحركات الثلاث في سينه المهملة وتشديد الميم.
السلع: بسين فلام مفتوحتين فعين مهملتين: نبات مسموم.
أهدى: بفتح الهمزة والدال المهملة فعل ماض.
مدحتي: بميم مكسورة فدال مهملة فحاء مهملة فتاء تأنيث مفعول مقدم.
قلب: فاعل مؤخر.
يوازره: يعاونه.
لسان: فاعل يوازره.
صنع: بصاد مهملة فنون مفتوحتين فعين مهملة: حاذق.
الجد: بكسر الجيم وتشديد الدال المهملة: ضد الهزل.
شمعوا: بشين معجمة فميم مفتوحتين وبالعين المهملة: ضحكوا ولعبوا ومنه الحديث:
(من يتتبع المشمعة يشمع الله به).
يريد من ضحك من الناس وأفرط في المزاح (أ صاره الله الى حالة يعبث به ويستهزأ منه فيها).
وشمعت الجارية شمعا، لعبت وأمرأة شموع: مزاحة.(6/294)
الباب الثاني والعشرون في وفود بني ثعلبة إليه صلى الله عليه وسلم
روى محمد بن عمر، وابن سعد (1) عن رجل من بني ثعلبة (عن أبيه) قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة سنة ثمان قدمنا عليه أربعة نفر، وافدين مقرين بالاسلام.
فنزلنا دار رملة بنت الحارث، فجاءنا بلال فنظر الينا فقال: أمعكم غيركم ؟ قلنا: لا.
فانصرف عنا، فلم يلبث الا يسيرا حتى أتانا بجحفة من ثريد بلبن وسمن، فأكلنا حتى نهلنا.
ثم رحنا الظهر، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته ورأسه يقطر ماء، فرمى ببصره الينا، فأسرعنا إليه، وبلال يقيم الصلاة.
فسلمنا عليه وقلنا: يا رسول الله نحن رسل من خلفنا من قومنا ونحن (وهم) مقرون بالاسلام وهم في مواشيهم وما يصلحها الا هم، وقد قيل لنا يا رسول الله: (لا اسلام لمن لا هجرة له).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضركم).
وفرغ بلال من الاذان وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا الظهر، لم نصل وراء أحد قط أتم صلاة ولا أوجه منه، ثم انصرف الى بيته فدخل فلم يلبث أن خرج الينا فقيل لنا: صلى في بيته ركعتين.
فد عا بنا فقال: (أين أهلكم ؟) فقلنا قريبا يا رسول الله هم بهذه السرية، فقال: (كيف بلادكم ؟) فقلنا مخصبون.
فقال: (الحمد لله).
فأقمنا أياما وتعلمنا القرآن والسنن وضيافته صلى الله عليه وسلم تجري علينا، ثم جئنا نودعه منصرفين فقال لبلال: (أجزهم كما تجيز الوفود).
فجاء بنقر من فضة فأعطى كل رجل منا خمس أواق وقال: ليس عندنا دارهم فانصرفنا الى بلادنا.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 63.
(*)(6/295)
الباب الثالث والعشرون في وفد ثقيف إليه صلى الله عليه وسلم
قال في زاد المعاد: قال ابن اسحاق: وقدم في رمضان منصرفه من تبوك وفد ثقيف، وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم اتبع عروة بن مسعودحتى أدركه قبل أن يدخل المدينة، فأسلم وسأله أن يرجع الى قومه بالاسلام.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انهم قاتلوك)، وعرف أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم.
فقال عروة: يا ر سول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم.
وكان فيهم كذلك محببا مطاعا.
فخرج يدعو قومه الى الاسلام رجاء الا يخالفوه لمنزلته فيهم.
فلما أشرف لهم على علية له، وقد دعاهم الى الاسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله.
فقيل لعروة: ما ترى في دمك ؟ قال: (كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله الي، فليس في الا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم).
فدفنوه معهم، فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: (ان مثله في قومه لكمثل صاحب يس في قومه).
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا، ثم انهم ائتمروا بينهم وأروا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا.
وأجمعوا أن يرسلوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كما أرسلوا عروة، فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، وكان سن عروة بن مسعود وعرضوا عليه ذلك.
فأبى أن يفعل، وخشي أن يصنع به، إذا رجع كما صنع بعروة.
فقال: لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا.
فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الاحلاف وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة، فبعثوا مع عبد ياليل: الحكم بن عمرو بن وهب، وشرحبيل بن غيلان.
ومن بني مالك: عثمان بن أبي العاص، وأوس ابن عوف، ونمير بن خرشة.
فخرج بهم عبد ياليل، فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة.
فاشتد ليبشر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه أبو بكر فقال: أقسمت
عليك بالله لا تبسبقني الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه.
فد خل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم.
ثم خرج المغيرة الى أصحابه فروح ا لظهر معهم.
وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأبوا الا تحية الجاهلية.
ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم قبة في ناحية المسجد لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا.
وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب كتابهم بيده.
وكانوا لا يأكلون طعاما يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا.
وكان فيما سألوا أن يدع لهم الطاغية وهي اللات، ولا يهدمها ثلاث سنين حتى سألوه(6/296)
شهرا فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى، وانما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم، ويكرهون ان يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام.
فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يبعث ابا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدمها.
وقد كانوا سألواه أن يعفيهم من الصلاة وألا يكسروا أوثانهم بأيديهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه، وأما الصلاة فانه لا خير في دين لا صلاة فيه).
فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا، أمر عليهم عثمان بن أبي العاص، وكان من أحدثهم سنا، وذلك انه كان من أحرصهم على التفقه في الاسلام وتعلم القرآن.
وكا ن كما رواه عنه الطبراني برجال ثقات - رضي الله عنه - قال: قدمت في وفد ثقيف حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما حللنا بباب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: من يمسك رواحلنا ؟ فكل القوم أحب الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه، وكنت أصغرهم، فقلت ان شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم، قالوا: فذلك لك.
فدخلوا عليه ثم خرجوا، فقالوا: انطلق بنا.
قلت: الى أين ؟ قالوا: الى أهلك.
فقلت: (ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم أأرجع ولا أدخل عليه ؟ وقد أعطيتموني ما علمتم).
قالوا: فاعجل فانا قد كفيناك المسألة، لم ندع شيئا الا سألناه.
فدخلت فقلت: يا رسول الله ادع الله تعالى أن يفقهني في الدين ويعلمني.
قال: (ماذا قلت ؟) فأعدت عليه القول.
فقال: (لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد من أصحابك، اذهب فأنت أمير عليهم وعلى من تقدم عليه من قومك).
وفي رواية: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته مصحفا فأعطانيه.
ثم قال في زاد المعاد: لما توجه أبو سفيان والمغيرة الى الطائف لهدم الطاغية أر اد المغيرة أن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال: ادخل أنت على قومك.
وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم.
فلما دخل المغيرة علاها ليضربها بالمعول، وقام قومه دونه، بنو معتب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة.
فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل أبا سفيان بمجموع مالها من الذهب والفضة والجزع.
وقد كان أبو المليح بن عروة، وقارب بن الاسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف - حين قتل عروة - يريدان فراق ثقيف وألا يجامعاهم على شئ أبدا، فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توليا من شئتما).
فقالا: نتولى الله ورسوله.
فلما أسلم أهل الطائف سأل أبو المليح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي عن أ بيه عروة دينا(6/297)
كان عليه من مال الطاغية فقال له: (نعم) فقال له قارب بن الاسود: وعن الاسود يا رسول الله، فاقضه وعروة والاسود أخوان لاب وأم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الا سود مات مشركا).
فقال قارب: يا رسول الله، لكن تصل مسلما ذا قرابة - يعني نفسه - وانما الدين علي وأ نا الذي أطلب به.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دينهما من مال الطاغية (1).
وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي رسول الله الى المؤمنين.
ان عضاه وج وصيده حرام لا يعضد (ولا يقتل صيده) فمن وجد يفعل شيئا من ذلك فانه يجلد وتنزع ثيابه، ومن تعدى ذلك فانه يؤ خذ فيبلغ
النبي محمدا وان هذا أمر النبي محمد رسول الله.
وكتب خالد بن سعيد بأمر من محمد بن عبد الله رسول الله (فلا يتعده أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله لثقيف).
هذا خبر ثقيف من أوله الى آخره، هذا لفظه في غزوة الطائف.
وذكر في وفد ثقيف زيادة على ما هنا قال: وكانوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم لانه أصغرهم.
فلما رجعوا عمد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الدين واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم.
فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبه.
فمكث الوفد يختلفون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم الى الاسلام فأسلموا.
فقال كنانة بن عبد ياليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع الى قومنا ؟ قال: نعم ان أنتم أقررتم بالاسلام أقاضيكم والا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم.
قالوا: أفرأيت الزنا ؟ فانا قوم نغترب لابد لنا منه.
قال: وهو عليكم حرام، ان الله عز وجل يقول: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا) (الاسراء 32) قالوا: أفرأيت الربا فانه أموالنا كلها ؟ قال: لكم رؤوس أموالكم، ان الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين) (البقرة 278).
قالوا: أفرأيت الخمر فانه لا بد لنا منها ؟ قال: ان الله تعالى قد حرمها وقرأ: (يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) (المائدة 90).
فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض وكلموه الا يهدم الربة، فأبى، فقال ابن عبد ياليل: انا لا نتولى هدمها.
فقال: (سأبعث اليكم من يكفيكم هدمها).
وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص كما تقدم لما علم من حرصه على الاسلام.
وكان قد تعلم سورا من القرآن قبل أن يخرج لما سألوه أن يؤمر عليهم.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 5 / 370.
(*)(6/298)
فلما رجع الوفد خرجت ثقيف يتلقونهم، فلما رآهم ساروا العنق وقطروا الابل قال بعضهم لبعض: ما وفدكم بخير، وقد الوفد اللات، ونزلوا عندها.
فقال ناس من ثقيف انهم لا عهد لهم برؤيتنا، ثم رحل كل رجل منهم الى أهله فسألوهم: ماذا جئتم به ؟ قالوا أتينا رجلا فظا غليظا قد ظهر بالسيف وداخ له العرب قد عرض علينا امورا شدادا: هدم اللات، فقالت ثقيف: والله لا نقبل هذا أبدا.
فقال الوفد: أصلحوا السلاح وتهيأوا للقتال: فمكثت ثقيف كذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب، فقالوا: والله ما لنا به من طا قة فارجعوا فاعطوه ما سأل.
فلما رأى الوفد أنهم قد رغبوا واختاروا الايمان قال الوفد: فانا قاضيناه وشرطنا ما أردنا ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه فاقبلوا عافية الله.
فقالت ثقيف: فلم كتمتونا هذا الحديث ؟ فقالوا: أردنا أن ننزع من قلوبكم نخوة الشيطان، فأسلموا مكانهم ومكثوا أياما.
ثم قدم رسل النبي صلى الله عليه وسلم وعمدوا الى اللات ليهدموها، وخرجت ثقيف كلها حتى العواتق من الحجال لا ترى أنها مهدومة ويظنون انها ممتنعة.
فقام المغيرة فأخذ الكرزين فضرب ثم سقط فارتج أهل الطائف وقالوا: أبعد الله المغيرة قتلته الربة وفرحوا وقالوا: والله لا يستطاع هدمها.
فوثب المغيرة وقال: (قبحكم الله يا معشر ثقيف انما هي لكاع حجارة ومدر فاقبلو ا عافية الله واعبدوه).
ثم ضرب الباب فكسره ثم علا سورها وعلا الرجال معه يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها.
وقال صاحب المفتاح: ليغضبن الاساس فليخسفن بهم.
فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد: دعني أحفر أساسها، فحفره حتى أخرجوا ترابها.
وأقبل الوفد حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليها وكسوتها، فقسمه من يومه، وحمد الله تعالى على نصرة نبيه واعزاز دينه.
وقال عثمان بن أبي العاص، كما رواه عنه أبو داود: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل
مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم.
وقال عثمان: انما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم لاني كنت قرأت سورة البقرة، فقلت: يا رسول الله ان القرآن ينفلت مني، فوضع يده على صدري وقال: (يا شيطان اخرج من صدر عثمان).
فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه.
وفي حيح مسلم: قلت يا رسول الله ان الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، فقال: (ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا).
قال: ففعلت فأذهبه الله عني.(6/299)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أثره: بضم الهمزة وتفتح وتكسر وسكون الثاء المثلثة.
النخوة: الكبر والعظمة.
أبكارهم: بهمزة مفتوحة فموحدة ساكنة فكاف فألف فراء: أول أولادهم.
العلية: بضم العين المهملة وكسرها وتشديد التحتية: وهي الغرفة، والجمع العلالي بتشديد التحتية وتخفيفها.
أوس بن عوف: أحد بني سالم.
فليس في: بتشديد ياء الاضافة.
قتلوا: بالبناء للمفعول.
مثله كمثل صاحب يس: قال في العروض: يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم: (كمثل صاحب يس) يريد به المذكور في سورة ياسين الذي قال لقومه: (اتبعوا المرسلين) (يس 20) فقتله قومه واسمه حبيب بن مري، ويحتمل ان يريد صاحب الياس وهو اليسع فان الياس يقا ل في اسمه ياسين أيضا.
وقال الطبري هو الياس بن ياسين (وفيه قال الله تبارك وتعالى: (سلام على آل ياسين) (الصافات 130) وقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ أيضا في صا حب مرة بن الحارث لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بني هلال فقتلوه.
عبد ياليل: بمثناة تحتية فألف فلامين بينهما مثناة تحتية.
ابن عمرو بن عمير: كذا قال ابن اسحاق، وقال موسى بن عقبة، وابن الكلبي، وأبو عبيدة: مسعود بن عبد ياليل.
أن يصنع به كما صنع بعروة بن مسعود: ببنائهما للمفعول.
ابن معتب: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة وبالموحدة، ويجوز فيه سكون العين وكسر الفوقية.
شرحبيل: بشين معجمة فراء مفتوحتين فحاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة فمثناة تحتية فلام.
ابن غيلان: بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية أسلم بعد، وكان تحته عشر نسوة، كذلك مسعود بن عمرو بن عمير، وعروة بن مسعود، وسفيان بن عبد الله، ومسعود بن معتب، وأبو عقيل بن مسعود بن عامر، وكلهم من ثقيف.
وهب بن جابر: (بفتح الواو وسكون الهاء وبالموحدة).(6/300)
نمير بن خرشة: نمير بنون مضمومة فميم فمثناة تحتية فراء، خرشة: بخاء معجمة فراء فشين معجمة مفتوحات.
قناة: بفتح القاف وتخفيف النون وبعد الالف تاء تأنيث: واد من أودية المدينة.
ألفوا: بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الفاء وسكون الواو: وجدوا.
اشتد: عدا.
روح: بفتح الراء وتشديد الواو المفتوحة وبالحاء المهملة.
الظهر: الابل.
تحية الجاهلية: عم صباحا محذوف من نعم ينعم بكسر الماضي وفتح المستقبل.
لا يطمعون: بفتح التحتية والميم وسكون الطاء المهملة بينهما.
الطاغية: ما كانوا يعبدون من الاصنام، والجمع الطواغي، والطاغوت جمعه طواغيت وهو الشيطان، وما يزين لهم أن يعبدوه من الاصنام، والطاغوت يكون واحدا وجمعا.
يدعها: بفتح أوله وبالدال والعين المهملتين: يتركها.
يظهرون: بضم أوله وكسر الهاء: (يبينون).
يسلموا: بفتح التحتية واللام: من السلامة.
الذراري: بذال معجمة فراءين بينهما ألف فمثناة تحتية مشددة: جمع ذرية وهي اسم لنسل الانسان من ذكر وأنثى: أصلها الهمز الا أنهم لم يستعملوها الا غير مهموزة.
يروعوا: بضم التحتية وتشديد الواو المكسورة من الروع وهو الفزع.
فسنعفيكم منه: بضم النون وكسر الفاء.
أمر عليهم: من التأمير.
تعلم القرآن: بتشديد اللام المضمومة وهو مجرور.
بذي الهرم: بفتح الهاء واسكان الراء فميم.
المعول: بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو فلام: الفأس العظسمة التي يقطع بها الصخر.
والجمع المعاول.
معتب: تقدم ضبطه.
أن يرمى: بالبناء للمفعول.
أو يصاب: بالبناء للمفعول كذلك.(6/301)
حسرا: بضم الحاء وفتح السين المشددة وبالراء المهملات: متكشفات.
واها: قيل معنى هذه الكلمة: التلهف، وقد توضع موضع الاعجاب بالشئ، يقال: واها له، وقد ترد بمعنى التوجع.
حليها: بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد التحتية: جمع حلي بفتح الحاء وسكون
اللام.
ومالها: أي الذي لها.
الجزع: بسكون الزاي: خرز معروف.
أبو المليح بن عروة بن مسعود: بفتح الميم وكسر اللام وبالحاء المهملة بعد التحتية: صحابي ابن صحابي.
قارب: بالقاف وبعد الالف راء مكسورة فموحدة: وهو ابن أخي عروة بن مسعود.
قتل عروة: بالبناء للمفعول.
وأطلب به: (بالبناء للمفعول) كذلك.
العضاة: بكسر العين المهملة وبالضاد المعجمة وبالهاء لا بالتاء: وهو جمع، وهو كل شجر ذي شوك، الواحدة عضة (بالتاء حذفت منه الهاء: كشفة ثم ردت في الجمع فقيل عضاه ويقال عضاهة أيضا وهو أقبحها.
وج: بفتح الواو وتشديد الجيم: قال في القاموس: (اسم واد بالطائف لا بلد به، وغلط الجوهري (وهو ما بين جبلي المحترق والاحيحدين) ومنه آخر وطأة وطئها الله تعالى بوج، يريد غزوة حنين لا الطائف وغلط الجوهري، وحنين واد قبل وج أما غزوة الطائف فلم يكن فيها قتال).
انتهى.
قال في النور: قوله لم يكن فيها قتال فيه نظر الا أن يريد توجهه (الى موضع العدو وارهابه).
مصدق: بفتح الدال (والتشديد وهو صاحب الماشية الذي أخذت صدقة ماله، وبكسر الدال المشددة عامل الزكاة الذي يستوفيها من أربابها).(6/302)
الباب الرابع والعشرون في وفود ثمالة والحدان إليه صلى الله عليه وسلم
قالوا: قدم عبد الله بن علس الثمالي، ومسلمة بن هاران الحداني على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في رهط من قومهما بعد فتح مكة، فأسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومهم.
وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم كتبه ثا بت بن قيس بن شماس، وشهد فيه سعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: ثمالة: بثاء مثلثة مضمومة فميم فألف فلام فتاء تأنيث.
مسيلمة: بميم مضمومة فسين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية فلام فميم.
هاران: بهاء فألف فراء فألف فنون.
الباب الخامس والعشرون في قدوم الجارود بن المعلى، وسلمة بن عياض الاسدي إليه صلى الله عليه وسلم
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قدم الجارود العبدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه سلمة بن عياض الاسدي، وكان حليفا في الجاهلية، وذلك ان الجارود قال لسلمة بن عياض الاسدي: ان خارجا خرج بتهامة يزعم أنه نبي، فهل لك أن نخرج إليه ؟ فان رأينا خيرا دخلنا فيه، فانه ان كان نبيا فللسابق إليه فضيلة، وأنا أرجو أن يكون النبي الذي بشر به عيسى ابن مريم.
وكان الجارود نصرانيا قد قرأ الكتب.
ثم قال لسلمة: (ليضمر كل واحد منا ثلاث مسائل يسأله عنها، لا يخبر بها صاحبه، فلعمري لئن أخبر بها انه لنبي يوحى إليه).
ففعلا.
فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الجارود: بم بعثك ربك يا محمد ؟.
قال: (بشهادة ألا اله الا الله وأني عبد الله ورسوله، والبراءة من كل ند أو وثن يعبد من دون الله تعالى، واقام الصلاة لوقتها وايتاء الزكاة بحقها وصوم شهر رمضان وحج البيت، (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلا م للعبيد) (فصلت 46).
قال الجارود: ان كنت يا محمد نبيا فأخبرنا عما أضمرنا عليه.
فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم
كأنها سنة ثم رفع رأسه وتحدر العرق عنه فقال: (أما أنت يا جارود فانك أضمرت على أن(6/303)
تسألني عن دماء الجاهلية وعن حلف الجاهلية وعن المنيحة، ألا وان دم الجاهلية موضوع وحلفها مشدود.
ولم يزدها الاسلام الا شدة، ولا حلف في الاسلام، ألا وان الفضل الصدقة أن تمنح أخاك ظهر دابة أو لبن شاة، فانها تغدو برفد، وتروح بمثله.
وأما أنت يا سلمة فانك أضمرت على أن تسألني عن عبادة الاصنام، وعن يوم السباسب وعن عقل الهجين، فأما عبادة الاصنام فان الله تعالى يقول: (انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) الانبياء 98) وأما يوم السباسب فقد أعقب الله تعالى منه ليلة بلجة سمحة لا ريح فيها تطلع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها، وأما عقل الهجين فان المؤمنين اخوة تتكافأ دماؤهم يجير أقصاهم على أ دناهم أكرمهم عند الله أتقاهم).
فقالا: نشهد ألا اله الا الله وحده لا شريك له وأنك عبد الله ورسوله.
وعند ابن اسحاق عمن لا يتهم عن الحسن ان الجارود لما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام، ورغبه فيه.
فقال: يا محمد اني كنت على دين واني تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم أنا ضامن أن قد هداك الله الى ما هو خير منه).
فأسلم وأسلم اصحابه.
ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان فقال: (والله ما عندي ما أحملكم عليه).
فقال: يا رسول الله فان بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس - وفي لفظ المسلمين - أفنتبلغ عليها الى بلادنا ؟ قال: (لا، اياك و اياها فانما تلك حرق النار).
انتهى.
فقال: (يا رسول الله ادع لنا أن يجمع الله قومنا).
فقال: (اللهم اجمع لهم أ لفة قومهم وبارك لهم في برهم وبحرهم).
فقال الجارود: يا رسول الله أي المال اتخذ ببلادي ؟ قال: (وما بلادك ؟) قال: مأواها وعاء ونبتها شفاء، وريحها صبا ونخلها غواد.
قال: (عليك بالابل فانها حمولة والحمل يكون عددا.
والناقة ذودا).
قال سلمة: يا رسول الله أي المال اتخذ ببلادي ؟ قال: (وما بلادك ؟) قال: مأوا ها سباح ونخلها صراح وتلاعها فياح.
قال: (عليكم بالغنم فان ألبانها سجل وأصوافها أثاث وأولادها بركة ولك الاكيلة والربا).
فانصرفا الى قومهما مسلمين.
وعند ابن اسحاق فخرج من عنده الجارود راجعا الى قومه وكان حسن الاسلام صليبا على دينه حتى مات، وقد أدرك الرد ة فثبت على ايمانه، ولما رجع من قومه من كان أسلم منهم الى دينه الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود فشهد شهادة الحق ودعا الى الاسلام فقال: أيها الناس اني أشهد ألا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأكفر من لم يشهد.
وقال الجارود:(6/304)
شهدت بأن الله حق بنات فؤادي بالشهادة والنهض فأبلغ رسول الله عني رسالة بأني حنيف حيث كنت من الارض وأنت أمين الله في كل خلقه على الوحي من بين القضيضة والقض فان لم تكن داري بيثرب فيكم فاني لكم عند الاقامة والخفض أصالح من صالحت من ذي عداوة وأبغض من أمس على بغضكم بغضي وأدني الذي واليته وأحبه وان كان في فيه العلاقم من بغض أذب بسيفي عنكم وأحبكم إذا ماعدوكم في الرفاق وفي النقض واجعل نفسي دون كل ملمة لكم جنة من دون عرضكم عرضي وقال سلمة بن عياض الاسدي رضي الله تعالى عنه: رأيتك يا خير البرية كلها نشرت كتابا جاء بالحق معلما شرعت لنا فيه الهدى بعد جورناعن الحق لما أصبح الامر مظلما فنورت بالقرآن ظلمات حندس وأطفأت نار الكفر لما تضرما تعالى علو الله فوق سمائه وكان مكان الله أعلى وأكرما
وروى سليمان بن علي عن علي بن عبد الله بن عبد اله بن عباس رضي الله تعالى عنهما ان الجارود رضي الله تعالى عنه أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه في قومه: يا نبي الهدى أتتك رجال قطعت فدفدا وآلا فآلا وطوت نحوك الصحاصح طرالا تخال الكلال فيه كلالا كل دهناء يقصر الطرف عنها أرقلتها قلاصنا ارقالا وطوتها الجياد تجمح فيها بكماة كأنجم تتلألأ تبتغي دفع بوس يوم عبوس أوجل القلب ذكره ثم هالا تنبيهان الأول: وقع في العيون: الجارود بن بشر بن المعلى.
قال في النور: والصواب حذف (ابن) يبقى الجارود بشر بن المعلى.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: الجارود بن المعلى ويقال ابن عمرو بن المعلى أبو المنذر ويقال أبو غياث بمعجمة ومثلثة على الاصح وقيل بمهملة وموحدة، ويقال: اسمه بشر بن حنش، بحاء مهملة ونو ن مفتوحتين، فشين معجمة.
أن قد: بفتح الهمزة.(6/305)
ضوال: بفتح الضاد المعجمة وتخفيف الواو وتشديد اللام: جمع ضالة وهي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره، يقال: ضل الشئ إذا ضاع وضل عن الطريق إذا حا ر، وهي في الاصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على الذكر والانثى والا ثنين.
والجمع، والمراد بها في هذا الحديث: الضالة من الابل والبقر مما يحمي نفسه ويقد ر على الابعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم.
حرق النار: بفتح الحاء المهملة والراء وبالقاف: لهبها (وقد يسكن) والمعنى ان ضالة
المؤمن إذا أخذها انسان ليتملكها أدته الى النار.
صليبا على دينه: قويا ثابتا.
مع الغرور بن المنذر: بغين معجمة بلا ميم في أوله خلافا لما وقع في بعض نسخ العيون: أسلم (الغرور) ثم ارتد بعد ارتداده، واسمه المنذر، وسمي بالأول لانه غر قومه.
الفدفد: بفاءين مفتوحتين بعد كل فاء دال مهملة، الاولى ساكنة: وهي الفلاة لا شئ فيها وقيل: هي الارض الغليظة ذات الحصى، وقيل المكان المرتفع.
الال: السراب، وقال في الصحاح (والال: الشخص، والال: الذي تراه في أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص وليس هو السراب).
الصحاصح: جمع صحصح بفتح الصاد وبعد كل صاد حاء، الاولى ساكنة وهي مهملات: وهو والصحصاح (والصحصحة) والصحصحان: ما استوى من الارض.
طرا: بضم الطاء المهملة وتشديد الراء: جميعا.
الدهناء: بفتح الدال المهملة وسكون الهاء وبالنون والمد والقصر: موضع ببلاد بني تميم.
الارقال: بكسر الهمزة واسكان الراء وبالقاف وباللام: وهو ضرب من العدو فوق الخبب، وقد أرقل البعير وناقة مرقل إذا كانت كثيرة الارقال.
القلاص: بكسر القاف وتخفيف اللام وبالصاد المهملة: جمع قلوص بفتح القاف وضم اللام المخففة: وهو الفتي من الابل وهو في النوق كالجارية في النساء.
جمح: بفتح الجيم والميم والحاء المهملة: أسرع.
الكماة: بضم الكاف وتخفيف الميم وبعد الالف بتاء (تأنيث): جمع كمي وهو الشجاع المتكمي لانه كمى نفسه أي سترها بالدرع والبيضة.
أوجل القلب ذكره: القلب مفعول ذكره.
هاله: أفزعه.(6/306)
الباب السادس والعشرون في وفود جذام إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد عن رجاله (1)، والطبراني عن عمير بن معبد الجذامي عن أبيه قال: وفد رفاعة بن زيد بن عمير بن معبد الجذامي، ثم أحد بني الضبيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهدنة قبل خيبر، وأهدى له عبدا وأسلم.
فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتا با: (هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد، اني بعثته الى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم الى رسوله، فمن آمن - وفي لفظ فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر - وفي لفظ من أبى فله أمان شهرين).
فلما قدم على قومه أجابوه وأسلموا.
زاد الطبراني: ثم سار حتى نزل حرة الرجلاء.
ثم لم يلبث أن قدم دحية الكلبي من عند قيصر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بواد من أوديتهم يقال له شنار ومعه تجارة له أغار عليهم الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضلعيان - والضليع بطن من جذام - فأصابا كل شئ كان معه.
فبلغ ذلك قوما من الضبيب رهط رفاعة بن زيد ممن كان أسلم وأجاب فنفروا الى الهنيد وابنه، فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال حتى لقوهم فاقتتلوا، ورمى قرة ابن أشقر الضلعي، النعمان بن أبي جعال بسهم فأصاب ركبته فقال حين أصابه: خذها وأنا ابن لبنى.
وقد كان حسان بن ملة الضبيبي قد صحب دحية بن خليفة قبل ذلك وعلمه أم الكتاب.
واستنقذوا ما كان في أيديهم فردوه على دحية.
ثم أن دحية قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فاستسقاه دم الهنيد وابنه عوص، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وبعث معه جيشا.
وقد وجهت غطفان من جذام ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم - حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا الحرة الرجلاء، ورفا عة بكراع الغميم ومعه ناس من بني الضبيب بوادي مدار من ناحية الحرة.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
جذام: بضم الجيم.
عمير: بعين مهملة مضمومة فميم فمثناة تحتية فراء.
رفاعة: براء مكسورة ففاء فألف فعين مهملة.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 117، وذكره الهيثمي في المجمع 5 / 312، وعزا ه للطبراني.
(*)(6/307)
ابن زيد: وقع في سرية زيد بن حارثة الى حسمى: فدخل زيد بن رفاعة فأسلم، والصحيح ما هنا.
أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما: اسمه مدعم كما سيأتي في ذكر مواله صلى الله عليه وسلم.
حزب الله وحزب رسوله: بالزاي.
الحرة: بفتح الحاء المشددة المهملتين: أرض ذات حجارة سود.
الرجلاء: بفتح الراء وسكون الجيم وبالمد، قال في الصحاح: وحرة رجلاء أي مستوية كثيرة الحجارة يصعب المشي فيها.(6/308)
الباب السابع والعشرون في وفود جرم إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد (1) عن سعد بن مرة الجرمي عن أبيه قال: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان منا يقال لاحدهما الاصقع بن شريح بن صريم بن عمرو بن رياح، والاخر هوذة بن عمر و ابن يزيد بن عمرو بن رياح فأسلما.
وكتب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا.
وروي أيضا عن عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي رضي الله تعالى عنه أن أباه ونفرا من قومه وفدوا الى النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم الناس وتعلموا القرآن وقضوا حوائجهم.
فقالوا له: من يصلي بنا أو لنا ؟ فقال: (ليصل بكم أكثركم جمعا أو أخذا للقرآن).
قال: فجاءوا الى قومهم فسألوا فيهم فلم يجدوا أحدا أكثر وأجمع من القرآن أكثر مما جمعت أو أخذت.
قال: (وأنا يومئذ غلام علي شملة، فقدموني فصليت بهم، فما شهدت مجمعا من جرم الا وأنا امامهم الى يومي هذا.
قال مشعر أحد رواته: وكان يصلي على جنائزهم ويؤمهم في مسجدهم حتى مضى لسبيله.
وروى البخاري، وابن سعد، وابن منده عن عمرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه قال: كنا بحضرة ماء ممر الناس عليه، وكنا نسألهم ما هذا الامر ؟ فيقولون: رجل يزعم أ نه نبي وأن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا كذا، فجعلت لا أسمع شيئا من ذلك الا حفظته كأنما يغرى في صدري بغراء حتى جمعت فيه قرآنا كثيرا.
قال: وكانت العرب تلوم باسلامها الفتح، يقولون انظروا فان ظهر عليهم فهو صادق وهو نبي.
فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم باسلامهم، فانطلق أبي باسلام حوائنا ذلك وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقيم.
قال: ثم أقبل فلما دنا منا تلقيناه، فلما رأيناه قال: جئتكم والله من عند رسول الله حقا، ثم قال: انه يأمركم بكذا وكذا وينهاكم عن كذا وكذا وأن تصلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا.
قال: فننظر أهل حوائنا فما وجدوا أحدا أكثر قرآنا مني الذي كنت أحفظه من الركبان.
فدعوني فعلموني الركوع والسجود، وقدموني بين أيديهم، فكنت أصلي بهم وأنا ابن ست سنين.
قال: وكان علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: الا تغطون عنا است قارئكم ؟ قال: فكسوني قميصا من معقد البحرين.
قال: فما فرحت بشئ أشد من فرحي بذلك القميص.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 99.
(*)(6/309)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: جرم: بجيم مفتوحة فراء ساكنة فميم.
الاصقع: بهمزة مفتوحة فصاد مهملة ساكنة فقاف مفتوحة فعين مهملة.
شريح: بشين معجمة مضمومة فراء فمثناة تحتية فحاء مهملة.
صريم: بصاد مهملة مضمومة فراء مفتوحة فمثناة تحتية فميم.
هوذة: بهاء مفتوحة فواو ساكنة فذال معجمة فهاء.
يغرى: بمثناة تحتية مضمومة فغين معجمة ساكنة فراء: أي يلصق.
تلوم: بمثناة فوقية فلام فواو مشددة مفتوحات فميم: أي تنتظر.
تقلصت: بمثناة فوقية فقاف فلام مشددة فصاد مهملة مفتوحات: أي ارتفعت.(6/310)
الباب الثامن والعشرون في وفود جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه إليه صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني والبيهقي وابن سعد (1) عن جرير رضي الله تعالى عنه قال: بعث الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال: (ما جاء بك ؟) قلت: جئت لاسلم فألقى الي كساءه وقال: (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أدعوك الى شهادة ألا اله الا الله وأني رسول الله وأن تؤمن بالله واليوم الاخر، والقدر خيره وشره، وتصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان، وتنصح لكل مسلم، وتطيع الوالي وان كان عبدا حبشيا).
ورى الامام أحمد، والبيهقي، والطبراني برجال ثقات عنه قال: لما دنوت من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أنخت راحلتي وحللت عيبتي ولبست حلتي ودخلت المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرماني الناس بالحدق فقلت لجليسي: يا عبد الله هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمري شيئا ؟ قال: نعم، ذكرك بأحسن الذكر، فبينا هو يخطب إذ عرض لك فقال: (انه سيدخل عليكم من هذا الباب - أو قال - من هذا الفج من خير ذي يمن وان على وجهه لمسحة ملك).
فحمدت الله على ما أبلاني.
وروى البزار، والطبراني عن
عبد الله بن حمزة والطبراني عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: بينا أنا يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه أكثرهم اليمن إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيطلع عليكم من هذه الثنية) - وفي لفظ: (من هذا الفج - خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك).
فما من القوم أحد الا تمنى أن يكون من أهل بيته، إذ طلع عليه راكب فانتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل على راحلته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده وبايعه وقال: (من أنت ؟) قال: جرير بن عبد الله البجلي.
فأجلسه الى جنبه ومسح بيده على رأسه ووجهه وصدره وبطنه حتى انحنى جرير حياء أن يدخل يده تحت ازاره، وهو يدعو له بالبركة ولذريته، ثم مسح رأسه وظهره وهو يدعو له ثم بسط له عرض ردائه وقال له: (على هذا يا جرير فاقعد).
فقعد معهم مليا ثم قام وانصرف.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه) (2).
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 110.
(2) أخرجه ابن ماجه (3712) والبيهقي في السنن 8 / 168، والطبراني في الكبير 2 / 370، والحاكم في المستدرك 4 / 292، وأبو نعيم في الحلية 6 / 205، وابن عدي في الكامل 1 / 181.
(*)(6/311)
وروى الطبراني برجال الصحيح عن جرير رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أبايعك على الهجرة.
فبايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترط علي والنصح لكل مسلم، فبايعته على هذا.
قال ابن سعد: وكان نزول جرير بن عبد الله على فروة بن (عمرو) البياضي.
تنبيهات الأول: قال الحافظ في الاصابة: روى الطبراني في الاوسط من طريق حصين بن عمرو الاحمسي عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتيته فقال: (ما جاء بك ؟) قلت: جئت لاسلم.
فألقى الي كساءه وقال: (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه).
الحديث.
قال الحافظ: (حصين فيه ضعف ولو صح لحمل على المجاز،
أي (لما) بلغنا خبر بعث النبي صلى الله عليه وسلم أو على الحذف أي لما بعث ر سول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا الى الله ثم قدم المدينة ثم حارب قريشا وغيرهم ثم فتح مكة ثم وفدت عليه الوفود).
قلت: هذا الحديث رواه البيهقي من هذا الطريق عن جرير بلفظ: (بعث الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته).
وهذه الرواية لا اشكال فيها، ولم أر الحديث في مجمع الزوائد في مناقب جرير.
الثاني: جزم أبو عمر بأن جريرا أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما قال الحافظ: وهو غلط ففي الصحيحين عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: (استنصت الناس) (1).
الثالث: جزم محمد بن عمر الاسلمي بأنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشر وأن بعثه الى ذي الخلصة كان بعد ذلك، وانه وافى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع من عامه.
قال الحافظ: وعندي فيه نظر لان شريكا حدث عن الشيباني عن الشعبي عن جرير قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أخاكم النجاشي قد مات) (2).
الحديث أخرجه الطبراني فهذا يدل على أن اسلام جرير كان قبل سنة عشر لان النجاشي مات قبل ذلك.
الرابع: في بيان غريب ما سبق: البجلي: بموحدة فجيم مفتوحتين فلام فياء نسب.
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 41، ومسلم في كتاب الايمان (118).
(2) أخرجه الطبراني في الكبير 2 / 367، والترمذي (1039)، وابن ماجه (1535)، والنسائي 4 / 69، واحمد في المسند 4 / 360، وابن شيبة 3 / 362.
(*)(6/312)
العيبة: بعين مهملة مفتوحة وتحتية ساكنة بعدها موحدة فتاء تأنيث: ما يجعل المسافر فيه ثيابه.
الحلة: بحاء مهملة مضمومة فلام مفتوحة مشددة: البرد من برود اليمن، ولا يسمى حلة الا أن يكون ثوبين من جنس واحد.
الحدق: بحاء فدال مهملتين مفتوحتين فقاف: جمع حدقة وهي العين.
الفج: تقدم الكلام عليه.
ذي يمن: (بمثناة تحتية وميم مفتوحتين فنون).
مشحة: بميم مفتوحة فسين مهملة ساكنة فحاء مهملة مفتوحة فتاء تأنيث أي أثر ظاهر(6/313)
منه.
الباب التاسع والعشرون في وفود جعدة إليه صلى الله عليه وسلم
(قال أخبرنا هشام بن محمد عن رجل من بني عقيل قال: وفد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرقاد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب.
وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفلج ضيعة وكتب لهم كتابا وهو عندهم).
الباب الثلاثون في وفود جعفي إليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن سعد (1) رحمه الله تعالى: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه، وعن أبي بكر بن قيس الجعفي قالا: كانت جعفي يحرمون القلب في الجاهلية فوفد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان منهم.
قيس بن سلمة بن شراحيل من بني مران بن جعفي، وسلمة بن يزيد بن مشجعة بن المجمع، وهما أخوان لام، وامهما مليكة بنت الحلو بن مالك من بني حريم بن جعفي.
فأسلما.
فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغني انكم لا تأكلون القلب).
قالا: نعم.
قال: (فانه لا يكمل اسلامكما الا بأكله) ودعا لهما بقلب، فشوي، ثم ناوله سلمة بن يزيد، فلما أخذه أرعدت يده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كله).
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيس بن سلمة كتابا نسخته: (كتاب من محمد رسول الله لقيس بن سلمة بن شراحيل، أني استعملتك على مران ومواليها، وحريم ومواليها، والكلاب ومواليها، (من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصد ق ماله
وصفاه).
(قال الكلاب: أود، وزبيد) وجزء ابن سعد العشيرة، وزيد الله بن سعد، وعائذ الله بن سعد، وبنو صلاة من بني الحارث بن كعب..ثم قالا: يارسول الله ان أمنا مليكة بنت الحلو كان تفك العافي، وتطعم البائس، وترحم المسكين، وانها ماتت وقد أدت بنية لها صغيرة فما حالها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوائدة والموؤدة في النار).
فقاما مغضبين.
فقال: (الي فارجعا).
فقال: (وأمي مع أمكما).
فأبيا ومضيا وهما يقولان: والله ان رجلا أطعمنا القلب وزعم ان أمنا في النار لاهل الا يتبع.
وذهبا.
فلما كانا ببعض الطريق لقيا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ابل من ابل الصدقة فأوثقاه وطردا الابل.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 89.
(*)(6/314)
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلعنهما فيمن كان يلعن في قوله: (لعن الله رعلا وذكوان وعصية ولحيان وابني مليكة بن حريم ومران).
وروى ابن سعد (1) عن أشياخ قالوا: وفد أبو سبرة وهو يزيد بن مالك بن عبد الله الجعفي على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابناه سبرة وعزيز.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعزيز: (ما اسمك ؟) قال: عزيز.
قال: (لا عزيز الا الله أنت عبد الرحمن).
فأسلموا.
وقال أبو سبرة: يا رسول الله أن بظهر كفي سلعة قد منعتني من خطام راحلتي.
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم (بقد ح، فجعل يضرب به على السلعة ويمسحها فذهبت، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولابنيه، وقال له: يا رسول الله أقطعني وادي قومي باليمن، وكان يقال له حردان.
ففعل.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: قوله في هذا الخبر: (وأمي مع أمكما)، سبق الكلام عليه في باب وفاة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاسناد واه بمرة.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 90.
(*)(6/315)
الباب الحادي والثلاثون في وفود جهينة إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد (1) عن أبي عبد الرحمن المدني قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وفد إليه عبد العزى بن بدر بن زيد بن معاوية الجهني من بني الربعة بن زيدان بن قيس بن جهينة، ومعه أخوه لامه أبو روعة، وهو ابن عم له.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد العزى: (أنت عبد الله).
ولابي روعة: (أنت رعت العدو ان شاء الله).
وقال: (من أنتم ؟) قالوا: بنو غيان.
قال: (أنتم بنو رشدان).
وكان اسم واديهم غوى، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: - رشدا - وقال لجبلي جهينة: (الاشعر والاجرد: هما من جبال الجنة لا تطؤهما فتنة).
وأعطى اللواء يوم الفتح عبد الله بن بدر وخط لهم مسجدهم، وهو أول مسجد خط بالمدينة.
وروى ابن سعد عن رجل من جهينة من بني دهمان عن أبيه وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال عمرو بن مرة الجهني: كان لنا صنم وكنا نعظمه وكنت سادنه، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كسرته وخرجت حتى أقدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وآمنت بما جاء به من حلال وحرام، فذلك حين أقول: شهدت بأن الله حق وانني لالهة الاحجار أول تارك وشمرت عن ساقي الازار مهاجرا اليك أجوب الوعث بعد الدكادك لاصحب خير الناس نفسا ووالدا رسول مليك الناس فوق الحبائك قال: ثم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قومه يدعوهم الى الاسلام فأجابوه الا رجلا واحدا، (جهينة مني وأنا منهم، غضبوا لغضبي ورضوا لرضائي، أغضب لغضبهم.
من أغضبهم فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله).
رواه الطبراني برجال ثقات غير الحارث بن معبد فيحرر حاله (2).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
بنو الربعة: (بالتحريك حي من الازد).
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 97.
(2) أخرجه الطبراني في الكبير 18 / 108، وذكره الهيثمي في المجمع 10 / 48.
(*)(6/316)
زيدان: بلفظ تثنية زيد.
أبو روعة: (بفتح الراء وسكون الواو، وبالعين المهملة فتاء تأنيث).
بنو غيان: بغين معجمة فمثناة تحتية مشددة فألف فنون.
أجوب: بألف فجيم مضمومة فواو موحدة: أكشف.
الوعث: (بفتح الواو وسكون العين المهملة وبالثاء المثلثة).
الدكادك: (ما تلبد من الرمل بالارض).
الحبائك: بحاء مهملة فموحدة مفتوحتين فألف فمثناة تحتية فكاف: الطرق واحدها حبيكة، والمراد بها السماء لان فيها طرق النجوم.(6/317)
الباب الثاني والثلاثون في وفود جيشان إليه صلى الله عليه وسلم
نقل ابن سعد (1) عن عمرو بن شعيب قال: قدم أبو وهب الجيشاني على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، فسألوه عن أشربة تكون باليمن.
قا ل: فسموا له البتع من العسل والمزر من الشعير.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تسكرون منها ؟)، قالوا: ان أكثرنا سكرنا.
قال: (فحرام قليل ما أسكر كثيره).
وسألوه عن الرجل يتخذ الشراب فيسقيه عماله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: جيشان: (بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية فألف فنون: مخلاف بالبمن).
البتع: بموحدة فكثماة فوقية ساكنة وقد تحرك فعين مهملة: نبيذ التمر وهو خمر أهل اليمن.
الباب الثالث والثلاثون في وفود الحارث بن حسان إليه صلى الله عليه وسلم
روى الامام احمد، والترمذي والنسائي وابن ماجه عن الحارث بن حسان البكري قال: خرجت أشكو العلاء الحضرمي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت: يا عبد الله ان لي الى رسول الله حاجة فهل أنت مبلغي إليه ؟ قال: فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله وإذا راية سوداء تخفق وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما شأن الناس ؟ قالوا: يريد أن يبعث عمر وبن العاص وجها.
قال: فجلست فدخل منزله فاستأذنت عليه فأذن لي.
فدخلت فسلمت فقال: (هل كان بينكم وبين تميم شئ ؟) قلت: نعم، وكانت الدائرة عليهم ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها اليك وها هي بالباب.
فأذن لها فدخلت.
فقلت: يا رسول الله ان رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء.
فحميت العجوز واستوفزت وقالت: يا رسول الله أين يضطر مضرك ؟ قال: قلت: ان مثلي ما قال الأول معزى حملت حتفها، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد.
قالت هي، وما وافد عاد ؟ وهي
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 121.
(*)(6/318)
أعلم بالحديث منه ولكن تستطعمه.
قلت: ان عادا فحطوا فبعثوا وافدا لهم.
فمر بمعاوية بن بكر.
فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان.
فلما مضى الشهر خرج الى جبال مهرة فقال: اللهم انك تعلم لم أجئ الى مريض فأداويه ولا الى أسير فأفاديه، اللهم اسق ما كنت تسقيه.
فمرت به سحابات سود، فنودي منها: اختر، فأومأ الى سحابة منها سوداء فنودي منها: خذها رمادا رمددا، لا تبق من عاد أحدا.
قال: فما بلغني انه أرسل
عليهم من ريح الا بقدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا.
قال أبو وائل: وكانت المرأة أو الرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا: لا يكن كوافد عاد.(6/319)
الباب الرابع والثلاثون في وفود بني الحارث بن كعب إليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن اسحاق رحمه الله تعالى ان خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه لما انقاد له بنو الحارث بن كعب بنجران كتب بذلك كتابا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل ويقبل معه وفدهم، فأقبل وأقبل معه قيس بن الحصين ذي الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل، وعبد الله بن قراد الزيادي، وشداد بن عبد الله ا لقناني، وعمرو بن عبد الله الضبابي.
وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟) قالوا: لم نكن نغلب أحدا.
قال: (بلى (قد كنتم تغلبون من قاتلكم)) قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحدا بظلم.
قال: (صدقتم).
وأمر عليهم قيس بن الحصين فرجعوا الى قومهم في بقية من شوال أو في صدر ذي القعدة فلم يمكثوا بعد أن رجعوا الى قومهم الا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وكان بعث خالدا إليهم في شهر ربيع الاخر أو جمادى الاولى سنة عشر وأمره أن يدعوهم الى الاسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا، فان استجابوا فليقبل منهم والا فليقاتلهم فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان في كل وجه يدعون الى الاسلام ويقولون: أيها الناس أسلموا تسلموا).
فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه وأقام خالد فيهم يعلمهم الاسلام.
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم (كتابا نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي رسول الله الى خالد بن الوليد، سلام عليك فاني أحمد اليك الله الذي لا اله الا هو، أما بعد فان كتابك جاءني مع رسولك تخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا الى ما د عوتهم إليه
من الاسلام وشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا عبد الله ورسوله وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته)).
__________
(1) انظر البداية والنهاية 5 / 95.
(*)(6/320)
الباب الخامس والثلاثون في وفود الحجاج بن علاط السلمي وما وقع فيه من الايات
روى ابن أبي الدنيا في الهواتف وابن عساكر عن واثلة بن الاسقع رضي الله تعالى عنه قال: سبب اسلام الحجاج بن علاط انه خرج في ركب من قومه الى مكة، فلما جن عليه الليل وهو في واد موحش مخوف فقال له أصحابه: قم يا أبا كلاب فخذ لنفسك ولاصحابك أمانا.
فقام الحجاج بن علاط يطوف حولهم يكلؤهم ويقول: أعيذ نفسي وأعيذ صحبي من كل جني بهذا النقب حتى أؤوب سالما وركبي.
فسمع قائلا يقول: (يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان) (الرحمن 33).
فلما قدم مكة أخبر بذلك قريشا فقالوا: (صبأت والله يا أبا كلاب) ان هذا فيما يزعم محمد أنه أنز ل عليه (فقال: والله لقد سمعته وسمعه هؤلاء معي).
فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له با لمدينة، فأتاه فأسلم.
الباب السادس والثلاثون في وفود حضرموت إليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن سعد (1): قالوا: وقدم وفد حضرموت مع وفد كندة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بنو وليعة ملوك حضرموت: جمد، ومخوس، ومشرح، وأبضعة فأسلموا.
وقال مخوس: يا رسول الله ادع الله، أن يذهب عني هذه الرتة من لساني.
فدعا له وأطعمه طعمة من صدقة حضرموت.
وروى ابن سعد عن أبي عبيدة من ولد عمار بن ياسر قال: وفد مخوس بن معدي كرب
بن وليعة فيمن معه على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرجوا من عنده فأصابت مخوس اللقوة، فرجع منهم نفر فقالوا: يا رسول الله سيد العرب ضربته اللقوة فادللنا على دوائه.
فقال: (خذوا مخيطا فاحموه في النار ثم اقلبوا شفر عينه ففيها شفاؤه واليها مصيره فالله أعلم ما قلتم حين خرجتم من عندي).
فصنعوا به فبرأ.
وروى ابن سعد عن عمرو بن مهاجر الكندي قال: كانت امرأة من حضرموت ثم من تنعة يقال لها: تهناة بنت كليب صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسوة ثم د عت ابنها كليب بن أسد.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 112.
(*)(6/321)
ابن كليب.
فقالت: انطلق بهذه الكسوة الى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه بها وأسلم، فدعا له وقال كليب حين أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وشز برهوت يهوي بي عذافرة اليك يا خير من يحفى وينتعل تجوب بي صفصفا غبرا مناهله تزداد عفوا إذا ما كلت الابل شهرين أعملها نصا على وجل أرجو بذاك ثواب الله يا رجل أنت النبي الذي كنا نخبره وبشرتنا به التوارة والرسل
الباب السابع والثلاثون في وفود الحكم بن حزن الكلفي إليه صلى الله عليه وسلم
روى الامام أحمد، وأبو داود، والبيهقي، وأبو نعيم، واللفظ له عن الحكم بن حزن رضي الله تعالى عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فأذن لنا فدخلنا، فقلنا: يا رسول الله أتيناك لتدعو لنا بخير، فدعا لنا بخير، وأمر بنا فانزلنا وأمر لنا بشئ من تمر، والشأن إذ ذاك دون، فلبثنا أياما فشهدنا بها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئا على قوس أو عصا، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: (يا أيها الناس انكم لن تطيقوا أن تفعلوا كل ما أمرتم به ولكن سددوا وأبشروا) (1).
__________
(1) انظر كنز العمال (5219) وأحمد في المسند 4 / 212.
(*)(6/322)
الباب الثامن والثلاثون في وفود حمير ورسولهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الامام الهمداني في الانساب: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحارث بن عبد كلال بن غرب وأخيه نعيم، وأمر رسوله أن يقرأ عليهما لم يكن.
ووفد عليه الحارث فأسلم فاعتنقه وأفرشه رداءه، وقال قبل أن يدخل عليه: (يدخل عليكم من هذا الفج رجل كريم الجدين صبيح الخدين فكأنه) انتهى.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: (والذي تضافرت به الروايات انه أرسل باسلامه وأقام باليمن).
وروى ابن سعد رحمه الله تعالى عن رجل من حمير أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد عليه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مرارة الرهاوي رسول ملوك حمير بكتابهم (واسلامهم) وهم الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين، ومعافر وهمد ان، وذلك في شهر رمضان سنة تسع.
وقال ابن اسحاق: مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن ينزله ويكرمه ويضيفه.
وكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما بعد فاني أحمد اليكم الله الذي لا اله الا هو.
أما بعد فانه قد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم، فبلغ ما أرسلتم به، وخبر عما قبلكم، وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين، فان الله تبارك وتعالى قد هداكم بهداه ان أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغنم خمس الله وخمس نبيه وصفيه، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر.
ان في الابل الاربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من الابل ابن لبون ذكر، وفي كل خمس من الابل شاة، وفي كل عشر من الابل شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة، وفي كل اربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، وانها فريضة الله التي فرض على المؤمنين على المشركين فانه من المؤمنين: له ما لهم وعليه ما عليهم، وله ذمة الله وذمة رسوله، وانه من أسلم من يهودي أو نصراني فانه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فانه لايرد عنها، وعليه الجزية على كل حالم - ذكر أو أنثى، حر أو عبد - دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا، فمن أدى ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه فانه عدو لله ولرسوله.
أما بعد فان رسول الله محمدا أرسل الى زرعة ذي يزن أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم(6/323)
بهم خيرا: معاذ بن جبل، وعدب الله بن زيد، ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر، ومالك بن مرارة، وأصحابهم وأن أجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخاليفكم، وأبلغوها رسلي، وان أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن الا راضيا.
أما بعد فان محمدا يشهد ألا اله الا الله وأنه عبده ورسوله، ثم ان مالك بن مرارة الرهاوي قد حدثني انك أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين فأبشر بخير، وآمرك بحمير خيرا، ولا تخونوا، ولا تخاذلوا، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مولى غنيكم وفقيركم، وان الصدقة لا تحل لمحمد ولا لاهل بيته انما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل، وان مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب، وآمركم به خيرا واني قد أرسلت اليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم، وآمركم بهم خيرا فانهم منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: حمير: بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتية وبالراء: أبو قبيلة من اليمن، وان أردت القبيلة لم تصرفه، وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومنهم الملوك في الدهر الاول، واسم حمير: العرنجج.
كلال: بضم الكاف وتخفيف اللام.
غريب: بغين معجمة وراء مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فموحدة.
أفرشه رداءه: بسطه له.
الفج: تقدم الكلام عليه.
تضافرت به الروايات: (تظاهرت).
مرارة: بضم الميم وراءين مهملتين بينهما ألف، ووقع عند أبي عمر.
مرة وصوبوا ا لاول.
الرهاوي: بفتح الراء نسبة الى قبيلة، وبالضم الرها بلد بالجزيرة وليس مرادا هنا.
القيل: بفتح القاف وسكون التحتية وباللام وهو أحد ملوك اليمن دون الملك الاعظم، وفلان لا (ذو) له، وتقدم الكلام عليها في الاسماء النبوية، وقيل ذو رعين أي ملكها، وهي قبيلة من اليمن تنسب الى ذي رعين، وهو من (ذي) اليمن وملوكها.
قال في الصحاح: (وذو رعين ملك من ملوك حمير) ورعين حصن كان له، وهو من ولد الحارث بن عمرو بن حمير بن سبأ (وهم آل ذي رعين وشعب ذي رعين) ورعين تصغير رعن: أنف الجبل.
معافر: بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء وبالراء: حي من اليمن.
همدان: بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة.(6/324)
زرعة: بضم الزاي وسكون الراء وفتح العين المهملة.
ذو يزن: (يزن محركة: واد، وبطن من حمير، وذو يزن ملك لحمير لانه حمى ذلك الوادي) ووقع عند أبي عمر زرعة بن ذي يزن، وصوب ابن الامين اسقاط (ابن).
منقلبنا: بفتح اللام.
فلقينا: بفتح التحتية، والضمير في محل نصب مفعول.
قبلكم: بكسر القاف وفتح الموحدة.
الصفي: يأتي الكلام عليه في الخصائص.
الغرب: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالموحدة: الدلو.
ابنة لبون: بلام مفتوحة فموحدة مضمومة فواو فنون: من الابل ما أتى عليه سنتان ودخل في الثالثة فصارت أمه لبونا، أي ذات لبن.
التبيع: بفتح الفوقية وكسر الموحدة فمثناة تحتية فعين مهملة: ولد البقرة أول سنة.
الجذع: بالجيم والذال المعجمة المفتوحتين وعين مهملة: من الابل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والغنم ما دخل في السنة الثانية، وقيل البقر في الثالثة.
سائمة وحدها: راعية وحدها.
ظاهر: عاون.
الذمة: الامان والعهد.
لا يرد: بالبناء للمفعول.
على كل حالم ذكر أو أنثى، حرا أو عبد: هذا لم يذكر له اسناد، ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه أن لا جزية على امرأة ولا من رق.
رسلي: فاعل أتاكم.
معاذ: ومن بعده بالرفع بدل من رسلي، أو بالجر بدل من بهم.
عبادة والد مالك: بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة.
مرارة: بضم الميم وتخفيف الراء.
المخاليف: بميم فخاء معجمة فألف فلام فتحتية ففاء: جمع مخلاف، وهو في اليمن كالرستاق في العراق.
أبشر بخير: بفتح الهمزة وكسر الشين المعجمة.
آمرك: بمد الهمزة.
لا تخاذلوا: بضم الفوقية وبالخاء والذال المكسورة المعجمتين أو بفتحهما.(6/325)
الباب التاسع والثلاثون في وفود بني حنيفة ومسيلمة الكذاب معهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في زاد المعاد: (قال ابن اسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب الكذاب) وكان منزلهم في دار امرأة من الانصار من بني النجار، فأتوا بمسيلمة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستر بالثياب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه في يده عسيب من سعف النخل، فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتكه) (1).
قال ابن اسحاق: فقال لي شيخ من أهل اليمامة من بني حنيفة ان حديثه كان على غير هذا، زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه فقالوا: يا رسول الله انا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وركابنا، يحفظها لنا، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر للقوم، وقال: (أما انه ليس بشركم مكانا) (2).
يعني حفظه ضيعة أصحابه.
(وذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال: ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوا بالذي أعطاه.
فلما قدموا اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وقال: اني قد أشركت في ا لامر معه) ألم يقل لكم حين ذكرتموني له (أما انه ليس بشركم مكانا) ؟ وما ذاك الا لما كان يعلم اني قد أشركت في الامر معه.
ثم جعل يسجع السجعان فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن.
لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشا.
ووضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي فأصففت معه بنو حنيفة على ذلك.
قال ابن اسحاق: وقد كان كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله: أما بعد فاني قد أشركت في الامر معك وان لنا نصف الامر، وليس قريش قوما يعدلون).
فقدم عليه رسوله بهذا الكتاب.
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) (3).
وكان ذلك في آخر سنة عشر.
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 330، وابن كثير في البداية 5 / 50.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 331، وابن كثير في البداية 5 / 52.
(3) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 6 / 384.
(*)(6/326)
قال ابن اسحاق: حدثني سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما: (وأنتما تقولان بمثل ما يقول ؟) قالا: نعم.
فقال: (أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) (1).
وروى أبو داود والطياليسي في مسنده (عن عاصم) عن أبي وائل عن عبد الله (بن مسعود) قال: جاء ابن النواحة، وابن أثال رسولين لمسيلمة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: (تشهدان أني رسول الله ؟) فقالا: نشهد ان مسيلمة رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آمنت بالله ورسوله، ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما) (2).
قال عبد الله (بن مسعود): (فمضت السنة بأن الرسل لا تقتل).
وفي البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فسمعا به لحقنا بمسيلمة الكذاب بالنار، وكنا نعبد الحجر في الجاهلية، فإذا وجدنا حجرا هو أحسن منه ألقينا ذلك وأخذناه، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب، ثم جئنا بغنم فحلبناها عليه ثم طفنا به، وكنا إذا دخل رجب قلنا: جاء منصل الاسنة فلا ندع سهما فيه حديدة ولا حديدة في رمح الا نزعناها وألقيناها (3) قلت: وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: ان جعل لي محمد الامر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه ثابت بن قيس بن
شماس، وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: (لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله واني لا راك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني) (4).
ثم انصرف عنه.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (انك أرى الذي أريت فيك ما رأيت)، فأخبرني أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي الي صاحب صنعاء والاخر مسيلمة صاحب اليمامة) (5).
وهذا أصح من حديث ابن اسحاق المتقدم.
__________
(1) أخرجه أبو داود (165)، والبيهقي 9 / 211، وذكره المتقي الهندي في الكنز (14779)، وابن كثير في البداية 5 / 51.
(2) أخرجه أحمد في المسند 1 / 396، 404.
(3) أخرجه البخاري 6 / 4 (4376).
(4) أخرجه البخاري 5 / 54 (3621).
(5) أخرجه البخاري 5 / 216، ومسلم (1781)، وذكره المتقي الهندي في الكنز (38361)، وابن كثير في البداية 5 / 49.
(*)(6/327)
وفي الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا نائم أتيت بخزائن الارض فوضع في كفي سواران من ذهب فكبرا علي فأحي ا لي أن أنفخهما فنفختهما فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: حنيفة: أبو حي من اليمن.
وهو حنيفة بن لجيم بن صعب بن بكر علي بن بكر بن وائل.
منزلهم: بفتح الزاي والمراد هنا نزولهم.
في دار امرأة امرأة من الانصار من بني النجار: هي رملة بنت الحدث كان بيتها في بني
قريظة.
العسيب: بفتح العين وكسر السين المهملتين: الجريدة.
أما: بفتح الهمزة وتخفيف الميم بمعنى (ألا) الاستفتاحية.
انه: بكسر الهمزة.
الضيعة: بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية وبالعين المهملة، والمراد بها هنا ظهرهم وحوائجهم.
أشركت: بضم الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الراء بالبناء للمفعول، والتاء فيه مضمومة لانها للمتكلم.(6/328)
الباب الاربعون في وفود خفاف بن نضلة إليه صلى الله عليه وسلم
روى أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى والبيهقي في دلائل النبوة عن ذابل بن الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد في مسجده منصرفه من الاباطح فقدم عليه خفاف بن نضلة بن عمرو بن بهدلة الثقفي فأنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم قد تحطمت القلوص بي الدجى في مهمه قفر من الفلوات فل من التوريس ليس بقاعه نبت من الاسنات والازمات اني أتاني في المنام مساعدمن جن وجرة كان لي وموات يدعو اليك لياليا ثم احزأل، وقال لست بآت فركبت ناجية أضر بنيها جمز تجب به على الاكمات حتى وردت الى المدينة جاهدا كيما أراك مفرج الكربات قال: فاستحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ان من البيان كالسحر وان من الشعر كالحكم) (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: خفاف: بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاءين.
نضلة: بالنون والضاد المعجمة.
ذابل: بذال معجمة فألف فموحدة فلام.
الدوسي: بدال مهملة مفتوحة فواو فسين مهملة فياء نسب.
بهدلة: بموحدة مفتوحة فهاء ساكنة فدال مهملة فلام.
تحطمت: تكسرت.
القلوص: من النوق الشابة وهي بمنزلة الجارية من النساء.
الدجى: بدال مهملة مضمومة فجيم من دجا الليل إذا تمت ظلمته.
والدياجي: الليالي المظلمة.
والدجنة: الظلمة.
المهمه: بميمين مفتوحتين بينهما هاء ساكنة: المفازة والبرية.
القفر: بقاف مفتوحة ففاء ساكنة فراء.
__________
(1) أخرجه مسلم 4 / 2055 (7 / 2670)، والبخاري 10 / 537 (6145).
(*)(6/329)
الفلوات: (جمع فلاة: وهي أرض لا ماء فيها).
الفل: بفاء مكسورة فلام: القوم المنهزمون من الفل: الكسر وهو مصدر سمي به يقع على الواحد والاثنين والثلاثة.
من التوريس: (من ورس الثوب بالورس: صبغه به).
بقاعه: (القاع المستوي من الارض).
الاسنات: (من أستنتوا: أي أجدبوا).
الازمات: جمع أزمة: وهي الشدة.
وجرة: (بواو مفتوحة فجيم ساكنة فراء مفتوحة فتاء تأنيث).
المواتي: (الموافق المطاوع).
احزأل: بهمزة وصل مكسورة فحاء مهملة ساكنة فهمزة مفتوحة فلام مشددة: انفرد والاحزئلال: الانفراد.
الناجية: (الناقة السريعة التي تنجو بصاحبها).
أضر نبيها: (التي بفتح النون وتشديد المثناة التحتية: الشحم وبكسر النون: السمن).
الجمز: بجيم فميم مفتوحتين فزاي: ضرب من السير: سريع فوق العنق.
تجب: بمثناة فوقية فجيم موحدة: تقطع.
الاكمات: جمع أكمة: وهي الرابية.
مفرج: بميم مضمومة ففاء مفتوحة فراء مشددة فجيم.
الكربات: بكاف وراء مضمومتين فموحدة فألف فتاء تأنيث.(6/330)
الباب الحادي والاربعون في وفود خثعم إليه صلى الله عليه وسلم
وعن غيرهم من أهل العلم يزيد بعضهم على بعض، قالوا: وفد عثعث بن زحر، وأنس بن مدرك في رجال من خثعم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما هدم جرير بن عبد الله البجلي ذا الخلصة، وقتل من قتل من خثعم، فقالوا: آمنا بالله ورسوله وما جاء (به) من عند الله فاكتب لنا كتابا نتبع ما فيه.
قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لخثعم: (هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لخثعم من حاضر بيشة وباديتها ان كل دم أصبتموه في الجاهلية فهو عنكم موضوع، ومن أسلم منكم طوعا أو كرها في يده حرث من خبار أو عزاز تسقيه السماء أو يرويه اللثى فزكا عمار ة في غير أزمة ولا حطمة، فله نشره وأكله، وعليهم في كل سيح العشر وفي كل غرب نصف العشر، شهد جرير بن عبد الله ومن حضر).
الباب الثاني والاربعون في وفود خولان إليه صلى الله عليه وسلم
قالوا: قدم وفد خولان وهم عشرة نفر في شعبان سنة عشر، فقالوا: يا رسول الله نحن مؤمنون بالله ومصدقون برسوله، ونحن على من وراءنا من قومنا، وقد ضربنا اليك آباط الابل، وركبنا حزون الارض وسهولها، والمنة لله ولرسوله علينا، وقدمنا زائرين لك.
فقا ل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما ما ذكرتم من مسيركم الي فان لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة، وأما قولكم زائرين لك فانه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة).
فقالوا: يا رسول الله هذا السفر الذي لا توى عليه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما فعل عم أنس ؟) وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه.
قالوا: بشر وعر، أبدلنا الله به ما جئت به، ولو قد رجعنا إليه لهدمناه، وبقيت منا بعد بقايا من شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به ولو قد قدمنا عليه هدمناه ان شاء الله تعالى، فقد كنا منه في غرور وفتنة.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أعظم ما رأيتم من فتنته ؟) قالوا: لقد رأيتنا واسنتنا حتى أكلنا الرمة، فجمعنا ما قدرنا عليه وابتعنا مائة ثور ونحرناهم لعم أنس قربانا في غداة واحدة، وتركناها تردها السباع ونحن أحوج إليها من السباع، فجاءنا الغيث من ساعتنا، ولقد رأينا العشب يواري الرجل، فيقول قائلنا: أنعم علينا عم أنس.(6/331)
وذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقسمون لصنمهم هذا من أنعامهم وحر وثهم وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءا له وجزءالله بزعمهم.
قالوا: كنا نزرع فنجعل له وسطه، فنسميه له، ونسمي زرعا أخر حجرة لله، فإذا مالت الريح فالذي سميناه لله جعلناه لعم أنس، وإذا مالت الريح فالذي سميناه لعم أنس جعلناه لله.
فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل قد أنزل عليه في ذلك: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء ما يحكمون) (الانعام 136).
قالوا: وكنا نتحاكم إليه فنكلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك الشياطين تكلمكم).
قالوا: انا أصبحنا يا رسول الله وقلوبنا تعرف انه كان لا يضر ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممن لم يعبده.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي هداكم وأكرمكم بمحمد صلى الله عليه وسلم).
وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء من أمر دينهم، فجعل يخبرهم بها وأمر من يعلمهم القرآن والسنن، وأمرهم بالوفاء بالعهد وأداء الامانة وحسن الجوار وألا يظلموا أحدا.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الظلم ظلمات يوم القيامة (1)).
وأنزلوا دار رملة بنت الحدث، وأمر بضيافة، فأجريت عليهم، ثم جاءوا بعد أيام يودعونه، فأمر لهم بجوائز باثنتي عشرة أوقية ونشا، ورجعوا الى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى هدموا عم أنس، وحرموا ما حرم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحلوا ما أحل لهم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: خولان: بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو.
من وراءنا: بفتح الميم.
آباط الابل: بهمزة مفتوحة فألف فموحدة فألف فطاء مهملة: جمع ابط.
الحزون: بضم الحاء المهملة والزاي: جمع حزن بفتح الحاء وسكون الزاي: ما غلظ من الارض.
الخطوة: بضم الخاء المعجمة وفتحها، فبالأول ما بين القدمين - وجمع القلة خطوات والكثرة خطاء - وبالثاني المرة الواحدة.
الجوار: بكسر الجيم وضمها: الذمام والعهد والتأمين.
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 169، والترمذي (2030)، وأحمد في المسند 2 / 137، والبيهقي 6 / 93.
(*)(6/332)
التوى: بفوقية فواو مفتوحتين فألف مقصورة: هلاك المال، يقال توي المال بالكسر يتوى بالفتح توى وأتوا، غيره.
رأيتنا: بضم الفوقية.
أسنتنا: بهمزة قطع مفتوحة فسين مهملة ساكنة فنون مفتوحة ففوقية فنون: أجدبنا باصابة السنة.
يقال: أسنت فهو مسنت إذا أجدب.
الرمة: بكسر الراء وتشديد الميم المفتوحة فتاء التأنيث: العظام البالية.
الزعم: بتثليث الزاي.
وسطه: بفتح السين المهملة وسكونها.
الحجرة: بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم: الناحية.
فنكلم: بضم النون وفتح اللام المشددة مبني للمفعول أي يكلمنا.(6/333)
الباب الثالث والاربعون في وفود خشين إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد عن محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الرحمن بن صالح عن محجن بن وهب قال: قدم أبو ثعلبة الخشني على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز الى خيبر فأسلم وخرج معه فشهد خيبر، ثم قدم بعد ذلك سبعة نفر من خشين فنزلوا على أبي ثعلبة فأسلموا وبايعوا ورجعوا الى قومهم.
الباب الرابع والاربعون في وفود الداريين إليه صلى الله عليه وسلم
قالوا: قدم وفد الداريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك وهم عشرة نفر منهم تميم ونعيم ابنا أوس بن خارجة بن سواد بن جذيمة بن دارع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم، ويزيد بن قيس بن خارجة، والفاكه بن النعمان بن جبلة وأ بو هند، والطيب ابنا ذر، وهو عبد الله بن رزين، وهانئ بن حبيب، وعزيز، ومرة ابنا مالك بن سواد بن جذيمة.
فأسلموا، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الطيب: عبد الله، وسمى عزيزا: عبد الرحمن.
وأهدى هانئ بن حبيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفراسا وقباء مخوصا بالذهب، فقبل الافراس والقباء (وأعطاه العباس بن عبد المطلب) فقال: (ما أصنع به ؟) قال: انتزع الذهب فتحليه نساءك أو تستنفقه ثم تبيع الديباج فتأخذ ثمنه.
فباعه العباس من رجل من يهود بثمانية آلاف درهم.
وقال تميم: لنا جيرة من الروم لهم قريتان يقال لاحداهما حبرى والاخرى بيت عينون، فان فتح الله عليك الشام فهبهما لي.
قال: (فهما لك).
فلما قام أبو بكر أعطاه ذلك وكتب له به كتابا (1).
وأقام وفد الداريين حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوصى لهم بجاد مائة وسق أي من خيبر.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الداريين: بدال مهملة فألف فراء فمثناتين تحتيتين فنون.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 107.
(*)(6/334)
أوس: بهمزة مفتوحة فواو ساكنة فسين مهملة.
خارجة: بخاء معجمة فألف فراء فجيم.
سواد: بسين مهملة مفتوحة فواو فألف فدال مهملة.
جذيمة: بجيم مفتوحة فذال معجمة فمثناة تحتية فميم.
دارع: بدال مهملة فألف فراء فعين مهملة.
عدي: بعين مفتوحة فدال مكسورة مهملتين فمثناة تحتية.
حبيب: بحاء مهملة مفتوحة فموحدة فمثناة فموحدة.
نمارة: بنون مضمومة فميم فألف فراء فتاء تأنيث.
لخم: بلام مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فميم.
الفاكه: بفاء فألف فكاف فهاء.
جبلة: بجيم فموحدة فلام مفتوحات.
مخوصا بالذهب: بميم مضمومة فخاء معجمة مفتوحة فواو مشددة فصاد مهملة أي منسوجا به كخوص النخل.
الديباج: بدال مهملة مكسورة فمثناة تحتية فموحدة فألف فجيم، وهو الثياب المتخذة من الابريسم، فارسي معرب.
حبرى: بكسر الحاء المهملة واسكان الموحدة وفتح الراء.
بيت عينون: بعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فنونين بينهما واو.
جاد مائة وسق: بجيم فألف مهملة، بمعنى المجدود أي نخل يجد منه ما يبلغ مائة وسق.(6/335)
الباب الخامس والاربعون في وفود دوس إليه صلى الله عليه وسلم
قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة من دوس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مرحبا أحسن الناس وجوها وأطيبهم أفواها وأعظمهم أمانة (1)) رواه الطبراني بسند ضعيف.
قال في زاد المعاد: قال ابن اسحاق: كان الطفيل بن عمرو والدوسي (2) يحدث انه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها.
فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا فقالوا له: يا طفيل انك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرق جماعتنا وشتت أمرنا، وانما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه، وبين المرء وأخيه وبين الرجل وزوجه، وانا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمه ولا تسمع منه.
قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت الى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شئ من قوله.
قال: فغدوت الى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريبا منه، فأبى الله الا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي واثكل أمياه، والله اني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فان كان ما يقول حسنا قبلت وان كان قبيحا تركت.
قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيته فتبعته حتى إذا د خل بيته، دخلت عليه فقلت: يا محمد ان قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفوني أ مرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله الا ان يسمعنيه فسمعت قولا حسنا فاعرض علي أمرك.
فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام وتلا علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت: يا نبي الله اني امرؤ مطاع في قومي واني راجع إليهم فداعيهم الى الاسلام، فادع الله لي أن يجعل لي آية تكون عونا لي عليهم فيما أدعوهم إليه.
فقال: (اللهم اجعل له آية).
قال: فخرجت الى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح قلت: اللهم في غير وجهي، اني اخشى أن يظنوا انها مثلة وقعت في وجهي
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 12 / 222، وذكره الهيثمي في المجمع 10 / 50.
(2) (الطفيل) بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دو س الدوسي...وقيل هو ابن عبد عمرو ابن عبد الله بن مالك بن عمرو بن فهم لقبه ذو النور.
قيل استشهد باليمامة، قاله ابن سعد تبعا لابن الكلبي وقيل باليرموك قاله ابن حبان وقيل بأجنادين قاله موسى بن عقبة بن شهاب وأبو الاسود عن عروة.
الاصابة 3 / 286، 288.
(*)(6/336)
لفراقي دينهم.
قال: فتحول فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلق، وانا انهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم وأصبحت فيهم.
فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا.
فقلت: اليك عني يا أبت فلست منك ولست مني.
قال: ولم يا بني، بأبي أنت وأمي.
قلت: فرق الاسلام بيني وبينك فقد لمت وتابعت
دين محمد صلى الله عليه وسلم.
قال: يا بني فديني دينك.
قال: فقلت: اذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت.
قال: فذهب فاغتسل وطهر ثيابه.
ثم جاء فعرضت عليه الاسلام فأسلم.
ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: اليك عني فلست منك ولست مني.
قالت: لم بأبي أ نت وأمي ؟ قلت: فرق الاسلام بيني وبينك.
أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم.
قالت: فديني دينك، فقلت: اذهبي فاغتسلي ففعلت، ثم جاءت فعرضت عليها الاسلام فأسلمت.
ثم دعوت دوسا الى الاسلام فأبطأوا علي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: يا نبي الله انه قد غلبني على دوس الزنا فادع الله عليهم.
فقال: (اللهم اهد دوسا) ثم قال: (ارجع الى قومك فادعهم الى الله وارفق بهم).
فرجعت إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم الى الله.
ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس.
ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين.
قال ابن اسحاق: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب خرج الطفيل مع المسلمين حتى فرغوا من طليحة، ثم سار مع المسلمين الى اليمامة، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل، فقال لاصحابه: اني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي: رأيت أن رأسي قد حلق وأ نه قد خرج من فمي طائر، وان امرأة لقيتني فأدخلتني في فرجها، ورأيت ان ابني يطلبني طلبا حثيثا، ثم رأيته حبس عني.
قالوا: خيرا رأيت.
قال: أما والله اني قد أولتها ؟ قال: أما حلق رأسي فوضعه، وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالارض، تحفر فأغيب فيها، واما طلب ابني اياي وحبسه عني فاني أراه سيجهد لان يصيبه من ا لشهادة ما أصابني.
فقتل الطفيل شهيدا باليمامة، وجرح ابنه جرحا شديدا، ثم قتل عام اليرمو ك شهيدا في زمن عمر رضي الله تعالى عنهم.(6/337)
الباب السادس والاربعون في قدوم ذباب بن الحارث عليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي قال: لما سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وثب ذباب - رجل من بني أنس الله بن سعد العشيرة - الى صنم كان لسعد العشيرة يقال له فراض فحطمه، ثم وفد الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى وخلفت فراضا بدار هوان شددت عليه شدة فتركته كأن لم يكن والدهر ذو حدثان ولما رأيت الله أظهر دينه أجبت رسول الله حين دعاني فأصبحت للاسلام ما عشت ناصرا وألفيت فيه كلكلي وجراني فمن مبلغ سعد العشيرة أنني شريت الذي يبقى بآخر فاني وروى ابن سعد عن مسلم بن عبد الله بن شريك النخعي عن أبيه قال: كان عبد الله بن ذباب الانسي مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بصفين فكان له غناء.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: ذباب: (بذال معجمة فموحدتين بينهما ألف).
فراض: (بفاء مشددة فألف فضاد معجمة).
حطمه: بحاء فطاء مهملتين مفتوحتين فميم فهاء.
الكلكل: (بكافين مفتوحتين بينهما لام ساكنة فلام أخرى: الصدر أو ما بين الترقوتين).
الجران: بجيم مكسورة فراء فألف فنون: باطن العنق.(6/338)
الباب السابع والاربعون في وفود الرهاويين إليه صلى الله عليه وسلم
روى الطبراني برجال ثقات عن قتادة الرهاوي رضي الله تعالى عنه قال: (لما عقد لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومي، أخذت بيده فودعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعل الله التقوى زادك، وغفر لك ذنبك ووجهك للخير حيثما تكون) (1).
وروى ابن سعد عن زيد بن طلحة التيمي قال: قدم خمسة عشر رجلا من الرهاويين وهم حي من مذحج على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر، فنزلوا دار رملة بنت الحدث، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحدث عندهم طويلا وأهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا منها فرس يقال له المراوح فأمر فشور بين يد يه فأعجبه.
فأسلموا وتعلموا القرآن والفرائض، وأجازهم كما يجيز الوافد: أرفعهم اثني عشرة أوقية ونشا وأخفضهم خمس أواق ثم رجعوا الى بلادهم.
ثم قدم منهم نفر فحجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وأقاموا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصى لهم بجاد مائة بخيبر في الكتيبة جارية عليهم وكتب لهم كتابا فباعوا ذلك في زمن معاوية.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: النش: بالنون والشين المعجمة: نصف الاوقية وقيل النصف من كل شئ.
الوسق: بفتح الواو وسكون السن المهملة وبالقاف: ستون صاعا، وقيل حمل بعير.
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 19 / 15، والبخاري في التاريخ 7 / 185، وذكره الهيثمي في المجمع 10 / 131، والسيوطي في الدر 1 / 221.
(*)(6/339)
الباب الثامن والاربعون في وفود بني الرؤاس بن كلاب إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد (1) عن أبي نفيع طارق بن علقمة الرؤاسي قال: قدم رجل منا يقال له عمرو بن مالك بن قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم ثم أتى قومه فدعاهم الى الاسلام فقالوا: حتى نصيب من بني عقيل بن كعب مثلما أصابوا منا.
فخرجوا يريدونهم، وخرج معهم عمرو ابن مالك فأصابوا منهم.
ثم خرجوا يسوقون النعم فأدركهم فارس من بني عقيل يقال له ربيعة بن المنتفق بن عقيل وهو يقول: أقسمت لا أطعن الا فارسا إذا الكماة ألبسوا القلانسا قال أبو نفيع: فقلت نجوتم يا معشر الرجالة سائر اليوم.
فأدرك العقيلي رجلا من بني عبيد بن رؤاس يقال له المحرس بن عبد الله (بن عمرو بن عبيد بن رؤاس) فطعنه في عضده فاختلها، فاعتنق المحرس فرسه وقال: يا آل رؤاس.
فقال ربيعة: رؤاس خيل أو أ ناس ؟ فعطف على ربيعة عمرو بن مالك فطعنه فقتله.
قال: ثم خرجنا نسوق النعم، وأقبل بنو عقيل في طلبنا حتى انتهينا الى تربة فقطع ما بيننا وبينهم وادي تربة، فجعلت بنو عقيل ينظرون الينا ولا يصلون الى شئ فمضينا.
قال عمرو بن مالك: فأسقط في يدي وقلت قتلت رجلا وقد أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم فشددت يدي في غل الى عنقي، ثم خرجت أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغه ذلك.
فقال: (لئن أتاني لاضربن ما فوق الغل من يده).
فأطلقت يدي ثم أتيته فسلمت عليه فأعرض عني، فأتيته عن يمينه فأعرض عني فأتيته عن يساره فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت: (يا رسول الله ان الرب ليترضى فيرضى فارض عني رضي الله عنك).
قال: (قد رضيت عنك) (2).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: بنو الرؤاس: (براء مضمومة فواو مهموزة فألف فسين مهملة).
نفيع: بنون مضمومة ففاء مفتوحة فمثناة تحتية فعين مهملة.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 65.
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 2 / 45.
(*)(6/340)
عقيل: بعين مهملة مفتوحة فقاف فمثناة تحتية فلام.
المنتفق: بميم مضمومة فنون ساكنة فمثناة فوقية ففاء مكسورة فقاف.
الكماة: جمع كمي كغني لابس السلاح من أكمى نفسه سترها بالدرع والبيضة.
القلانس: جمع قلنسوة بفتح القاف واللام: ما يلبس على الرأس.
المحرس: (بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء فسين مهملة).
الغل: بغين معجمة مضمومة فلام مشددة: الحديدة التي تجمع يدي الاسير الى عنقه.
اختله: بخاء معجمة فمثناة فوقية أي أنفذ الطعنة من الجانب الاخر.
تربة: (بمثناة فوقية مضمومة فراء فموحدة مفتوحتين فتاء تأنيث).(6/341)
الباب التاسع والاربعون في وفود زبيد إليه صلى الله عليه وسلم
ولما كانت السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأت زبيد قبائل اليمن تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالاسلام مصدقين برسول الله صلى الله عليه وسلم، يرجع راجعهم الى بلادهم وهم على ما هم عليه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل خالد بن سعيد بن العا ص على صدقاتهم وأرسلهم مع فروة مسيك كما سيأتي فقال خالد: (والله لقد دخلنا فيما دخل فيه الناس، وصدقنا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وخلينا بينك وبين صدقات أموالنا، وكنا لك عونا على من خالفك من قومنا).
قال خالد: قد فعلتم.
قالوا: فأوفد منا نفرا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرونه باسلامنا ويقبسونا منه خيرا.
فقال خالد: ما أحسن ما عدتم إليه وانا أجيبكم، ولم يمنعني أن أقول لكم هذا الا اني رأيت وفود العرب تمر بكم فلا يهيجنكم ذلك على الخروج فسيأتي ذلك منكم حتى ساء ظني فيكم وكنتم على ما كنتم عليه من حداثة عهدكم بالشرك فحسبت أن يكون الاسلام راسخا في قلوبكم.
الباب الخمسون في وفود بني سحيم إليه صلى الله عليه وسلم
روى المرشاطي عن أبي عبيدة رضي الله تعالى عنه أن الاسود بن سلمة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني سحيم فأسلم فردهم الى قومهم وأمرهم أن يدعوهم الى الاسلام وأعطاهم ادواة ماء قد تفل فيها أو مج وقال: (فلينضحوا بهذه الادواة مسجدهم وليرفعوا رؤوسهم) إذا رفعها الله تعالى فما تبع مسيلمة منهم رجل ولا خرج منهم خارجي قط.(6/342)
الباب الحادي والخمسون في وفود بني سدوس إليه صلى الله عليه وسلم
روى البزار عن عبد الله بن الاسود رضي الله تعالى عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني سدوس فأهدينا له تمرا فنثرناه إليه على نطع فأخذ حفنة من التمر فقال: (أي تمر هذا ؟) فجعلنا نسمي حتى ذكرنا تمرا فقلنا: هذا الجذامي، فقال: (بارك الله في الجذامي وفي حديقة يخرج هذا منها أو جنة خرج هذا منها) (1).
الباب الثاني والخمسون في وفود بني سعد هذيم إليه صلى الله عليه وسلم
روى محمد بن عمر الاسلمي عن ابن النعمان عن أبيه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا في نفر من قومي وقد أوطأ رسول الله البلاد غلبة وإذاخ العرب، والناس صنفان: اما داخل في الاسلام راغب فيه، واما خائف من السيف، فنزلنا ناحية من ا لمدينة ثم خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا الى بابه، فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على جنازة في المسجد فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل مع الناس في صلاتهم وقلنا حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبايعه، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم، فنظر الينا فدعا بنا فقال: (ممن أنتم ؟) قلنا: من بني سعد هذيم فقال: (أمسلمون أنتم ؟) قلنا: نعم.
قال: (فهلا صليتم على أخيكم ؟) قلنا: يا رسول الله ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك فقال صلى الله عليه وسلم: (أينما أسلمتم فأنتم مسلمون).
قال: فأسلمنا وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيدينا على الاسلام ثم انصرفنا الى رحالنا وقد كنا خلفنا عليها أصغرنا.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبنا فأتي بنا إليه، فتقدم صاحبنا فبايعه على الاسلام.
فقلنا: يا رسول الله انه أصغرنا وانه خادمنا، فقال: (أصغر القوم خادمهم، بارك الله عليه).
قال: فكان والله خيرنا وأقرأنا للقرآن لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له، ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا، فكان يؤمنا.
ولما أردنا الانصراف أمر بلالا فأجازنا بأواقي من فضة لكل رجل منا فرجعنا الى قومنا فرزقهم الله عز وجل الاسلام.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: أوطأ: بفتح الهمزة في أوله وآخره وسكون الواو وبالطاء المهملة: أي قهرهم وجعلهم يوطأون قهرا وغلبة.
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 43، وعزاه للبزار والطبراني بنحوه وقال: وفيه جماعة لم يعرفهم العلائي ولم أعرفهم.
(*)(6/343)
إذاخ البلاد: بفتح الهمزة والذال المعجمة وبعد الالف خاء معجمة يذيخها إذا قهرها واستولى عليها.
وكذلك دوخ البلاد.
اما: بكسر الهمزة وتشديد الميم وكذا الثانية الاتية.
نوم: بفتح النون وضم الهمزة وتشديد الميم: نؤم المسجد: أي نقصده.
يصلي على جنازة في المسجد: قال في النور: يحتمل أن صاحب الجنازة سهيل ابن بيضاء فان قدوم هذا الوفد كان في سنة تسع وسهيل توفي فيها في مقدمه من تبوك ولا أ علمه صلى في جنازة في المسجد الا عليه.
ووقع في صحيح مسلم انه صلى على سهيل وأخيه في المسجد ففيه أنه ان كان المراد به سهلا فلا يصح لانه مات بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما قاله محمد بن عمر (الواقدي) وكونه صفوانا فيه نظر أيضا لانه استشهد ببدر، والصواب حديث عبادة في مسلم الذي فيه افراد سهيل لا الحديث الذي بعده.
هذا في المسجد النبوي.
وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني معاوية على أبي الربيع عبيد الله بن عبد الله بن ثابت بن قيس
وكان قد شهد أحدا.
خلفنا: بتشديد اللام.
أتي بنا: بالبناء للمفعول.
أمره: بتشديد الميم من التأمير.
أواقي: بتشديد التحتية وتخفف.(6/344)
الباب الثالث والخمسون في وفود بني سلامان إليه صلى الله عليه وسلم
قال محمد بن عمر رحمه الله تعالى: كان مقدمهم في شوال سنة عشر.
وروى ابن سعد عن حبيب بن عمر والسلاماني كان يحدث قال: قدمنا وفد سلامان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن سبعة فصادفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا من المسجد الى جنازة دعي ا ليها فقلنا: السلام عليك يا رسول الله.
فقال: (وعليكم من أنتم ؟) فقلنا: نحن من سلامان قدمنا اليك لنبايعك على الاسلام ونحن على من وراءنا من قومنا.
فالتفت الى ثوبان غلامه فقال: (أنزل هؤلاء الوفد حيث ينزل الوفد).
فلما صلى الظهر جلس بين المنبر وبيته فتقدمنا إليه فسألناه عن أشياء من أمر الصلاة وشرائع الاسلام وعن الرقى، وأسلمنا وأعطى كل رجل منا خمس أواقي ورجعنا الى بلادنا وذلك في شوال سنة عشر.
وروى أبو نعيم من طريق محمد بن عمر عن شيوخه أن وفد سلامان قدموا في شوال سنة عشر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف البلاد عندكم ؟) قالوا: مجدبة فادع الله أن يسقينا في موطننا.
فقال: (اللهم اسقهم الغيث في دارهم).
فقالوا: يا نبي الله ارفع يديك فانه أكثر وأطيب، فتبسم ورفع يديه حتى يرى بياض ابطيه، ثم رجعوا الى بلادهم فوجدوها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
سلامان: بفتح السين المهملة وتخفيف اللام.
حبيب: بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة.
أسقهم: يجوز جعله ثلاثيا ورباعيا فعلى الأول توصل الهمزة وعلى الثاني تقطع.
ما أكثر هذا: منصوب على التعجب.
وأطيبه: معطوف عليه.
مطرت: يجوز بناؤه للفاعل والمفعول أيضا.
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1600) وابن سعد في الطبقات 1 / 2 / 43.
(*)(6/345)
الباب الرابع والخمسون في وفود بني سليم إليه صلى الله عليه وسلم
قالوا: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني سليم يقال له قيس بن نسيبة فسمع كلامه وسأله عن أشياء فأجابه ووعى ذلك كله ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الاسلام فأسلم ورجع الى قومه بني سليم فقال: قد سمعت برجمة الروم وهينمة فارس وأشعار العرب وكهانة الكاهن وكلام مقاول حمير فما يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم فأطيعوني وخذوا نصيبكم منه.
فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه بقديد وهم سبعمائة.
ويقال كانوا ألفا وفيهم العباس بن مرداس، وأنس بن عباس بن رعل، وراشد بن عبد ربه فأسلموا وقالوا: اجعلنا في مقدمتك واجعل لواءنا أحمر وشعارنا مقدما.
ففعل ذلك بهم فشهدوا معه الفتح والطائف وحنينا وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم راشد بن عبد ربه رهاطا وفيها عين يقال لها عين الرسول.
وكان راشد يسدن لبني سليم فرأى يوما ثعلبين يبولان عليه فقا ل: أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب (1) ثم شد عليه فكسره.
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (ما اسمك ؟) قال : غاوي بن
عبد العزى قال: (أنت راشد بن عبد ربه).
فأسلم وحسن اسلامه وشهد الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير قرى عربية خيبر، وخير بني سليم راشد) (2).
وعقد له على قومه.
وروى ابن سعد عن رجل من بني سليم من بني الشريد قالوا: وفد رجل منا يقال له قدد بن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلم وعاهده على أن يأتيه بألف من قومه على الخيل.
ثم أتى قومه فأخبرهم الخبر فخرج معه تسعمائة وخلف في الحي مائة فأقبل بهم يريد النبي صلى الله عليه وسلم فنزل به الموت فأوصى الى ثلاثة رهط من قومه: الى عباس بن مرداس وأمره على ثلاثمائة، والى جبار بن الحكم وهو الفرار الشريدي وأمره على ثلاثمائة، والى الاخنس بن يزيد وأمره على ثلاثمائة وقال: ائتوا هذا الرجل حتى تقضوا العهد الذي في عنقي، ثم مات.
فمضوا حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أين الرجل الحسن الوجه الطويل اللسان الصادق الايمان ؟) قالوا: يا رسول الله دعاه الله فأجابه وأخبروه خبره فقال: (أين تكملة الالف الذي عاهدني
__________
(1) البيت للعباس بن مرداس، انظر ملحق ديوانه 151، ونسب ابي ذر، انظر اللسان (ثعلب) وغيرهما انظر الدرر 4 / 104 جمهرة اللغة (1181) الهمع 2 / 22.
(2) أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 3 / 141.
(*)(6/346)
عليهم ؟) قالوا: قد خلف مائة بالحي مخافة حرب كانت بيننا وبين كنانة قال: (ابعثوا إليها فانه لا يأتيكم في عامكم هذا شئ تكرهونه).
فبعثوا إليها فأتته بالهدة وهي مائة عليها المقنع بن مالك بن أمية، فلما سمعوا وئيد الخيل قالوا: يا رسول الله أتينا قال: (لا بل لكم لا عليكم هذه سليم بن منصور قد جاءت).
فشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح وحنينا (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: سليم: (بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون المثناة التحتية فميم).
نسيبة: (بضم النون وفتح السين المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الموحدة فتاء تأنيث).
ترجمة: بمثناة فوقية مفتوحة فراء ساكنة فجيم فميم: نقل لغة الى لغة أخرى.
هينمة: بهاء مفتوحة ساكنة فنون فميم فتاء تأنيث: كلام خفي لا يفهم والياء زائدة.
رهاط: (بضم أوله: قرية على ثلاثة أميال من مكة).
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 234.
(*)(6/347)
الباب الخامس والخمسون في وفد بني شيبان إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد عن قيلة بنت مخرمة قالت: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد شيبان، وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متخشعا في الجلسة أ رعدت من الفرق.
فقال جليسه: يا رسول الله أرعدت المسكينة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينظر الي وأنا عند ظهره: (يا مسكينة عليك السكينة).
فلما قالها أذهب الله ما كان أدخل قلبي من الرعب.
وتقدم صاحبي أول رجل فبايعه على الاسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء لا يجاوزنا الينا منهم الا مسافر أو مجاور.
فقال: (يا غلام اكتب له بالدهناء).
فلما رأيته أمر له بأن يكتب له بها شخص بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول الله انه لم يسألك السوية من الارض إذ سألك، انما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومر عى الغنم، ونساء تميم وأيناؤها وراء ذلك.
فقال: (أمسك يا غلام، صدقت المسكينة المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر، ويتعاونان على الفتان).
فلما رأى حريث أن قد حيل دون كتابه ضرب باحدى يديه على الاخرى وقال: كنت أنا وأنت كما قيل: (حتفها تحمل ضأن بأظلافها).
فقلت: أما والله ان كنت دليلا في الظلماء، جوادا بذي الرحل عفيفا عن الرفيقة حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا تلمني على حظي إذ سألت حظك.
فقال: وما حظك في الدهناء لا أبا لك ؟ فقلت: مقيد جملي تسأله لجمل امرأتك.
فقال: لا جرم اني أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لك أخ ما حييت، إذ أثنيت هذا علي عنده.
فقلت: إذ بدأتها فلن أضيعها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيلام ابن ذه أن يفصل الخطة وينتصر من وراء الحجرة)، فبكيت ثم قلت: (والله كنت ولدته يا رسول الله حاز ما فقاتل معك يوم الربذة، ثم ذهب يحيرني من خيبر فأصابته حماها وترك علي النساء.
فقال: (والذي نفس محمد بيده لو لم تكوني مسكينة لجررناك اليوم على وجهك أو لجررت على وجهك) شك عبد الله، (أيغلب أحيدكم أن يصاحب صويحبة في الدنيا معروفا فإذا حال بينه وبينه من هو أولى به منه استرجع).
ثم قال: (رب أنسني ما أمضيت وأعني على ما أبقيت، وا لذي نفس محمد بيده ان أحيدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا اخوانكم) وكتب لها في قطعة من أديم أحمر لقيلة وللنسوة بنات قيلة: (ألا يظلمن حقا ولا يكرهن على منكح، وكل مؤمن مسلم لهن نصير أحسن ولا تسئن) (1).
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 2 / 58، وذكره الهيثمي في المجمع 6 / 14، 15.
(*)(6/348)
الباب السادس والخمسون في وفود صداء إليه صلى الله عليه وسلم
روى البغوي والبيهقي وابن عساكر وحسنه عن زياد بن الحارث الصدائي رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الاسلام فأخبرت أ نه قد بعث جيشا الى قومي.
قال ابن سعد رحمه الله تعالى: (لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة سنة ثمان بعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن وأمره أن يطأ صداء، فعسكر بناحية قنا ة في أربعمائة من المسلمين) انتهى.
قال زياد بن الحارث الصدائي فقلت: يا رسول الله قد جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش وأنا لك باسلامي قومي وطاعتهم.
فقال لي: (اذهب فردهم).
فقلت:
يا رسول الله ان راحلتي قد كلت.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فردهم من صدر قناة قال زياد: وكتب الى قومي كتابا فقدم وفدهم باسلامهم.
وعند ابن سعد: فقدم منهم بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا منهم.
فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله دعهم ينزلوا علي فنزلوا عليه فحياهم وأكرمهم وكساهم ثم راح بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من وراءهم من قومهم انتهى.
قال زياد: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أخا صداء انك لمطاع في قومك).
قال: فقلت: بل الله هداهم للاسلام.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلا أؤمرك عليهم ؟) فقلت: بلى يا رسول الله.
فكتب لي كتابا أمرني فيه.
فقلت: يا رسول الله مر لي بشئ من صدقا تهم.
قال: (نعم) فكتب لي كتابا آخر.
قال زياد: وكان ذلك في بعض أسفاره.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم ويقولون: أخذنا بكل شئ بيننا وبين قومه في الجاهلية.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفعل ذلك ؟) قالوا: نعم.
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أصحابه وأنا فيهم فقال: (لا خير في الامارة لرجل مؤمن).
قال زياد: فدخل قوله في قلبي.
ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله أعطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يسأل الناس عن غنى فصداع في الرأس وداء في البطن).
فقال السائل: أعطني من الصدقة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله عز وجل لم يرض فيها بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء فان كنت من تلك الاجزاء أعطيتك وان كنت غنيا عنها فانما هي صداع في الرأس وداء في البطن).(6/349)
قال زياد: فدخل في نفسي أني سألته من الصدقات وأني غني.
ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتشى من أول الليل فلزمت (غرزه) وكنت قريبا منه فكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون عنه حتى إذا لم يبق معه أحد غيري فلما كان إذان صلاة الصبح أمرني فأذنت فجعلت أقول أقم الصلاة يا رسول الله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ناحية المشرق الى ا لفجر ويقول لا، حتى
إذا طلع الفجر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب لحاجته، ثم انصرف الي وتلاحق أصحابه فقال: (هل من ماء يا أخا صداء ؟) فقلت: لا الا شئ قليل لا يكفيك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعله في اناء ثم ائتني به).
ففعلت، فوضع كفه في الماء.
فقال زياد: فرأيت بين كل اصبعين من أصابعه عينا تفور.
ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أخا صداء لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا ناد في أصحابي من له حاجة في الماء).
فناديت فيهم.
فأخذ من أ راد منهم شيئا.
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الصلاة فأراد بلال أن يقيم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أخا صداء هذا أذن فهو يقيم).
قال الصدائي: فأقمت الصلاة.
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أتيته بالكتابين فقلت: يا رسول الله اغفني من هذين الكتابين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بدا لك ؟) فقلت: سمعتك يا رسول الله تقول: (لا خير في الامارة لرجل مؤمن) وأنا مؤمن بالله تعالى ورسوله، وسمعتك تقول للسائل: (من سأل الناس عن غني فصداع في الرأس ود اء في البطن) وقد سألتك وأنا غني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو ذاك فان شئت فاقبل وان شئت فدع).
فقلت: أدع.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فدلني على رجل أؤمره علكم).
فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمره عليهم.
ثم قلنا: يا رسول الله ان لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها واجتمعنا عليها وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على المياه حولنا، وكل من حولنا لنا عدو فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق.
فدعا بسبع حصيات ففركهن بيده ودعا فيهن ثم قال: (اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فالقوا واحدة واحدة واذكروا اسم الله تعالى) (1).
قال زياد الصدائي: ففعلنا ما قال فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر الى قعرها.
وعند ابن سعد: ورجعوا أي الخمسة عشر الى بلادهم ففشا فيهم الاسلام فوافى النبي صلى الله عليه وسلم مائة رجل منهم في حجة الوداع.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 2 / 63، والطبراني في الكبير 5 / 303، والبيهقي في الدلائل 5 / 355، وذكره الهيثمي في المجمع 5 / 206، والمتقي الهندي في الكنز (37075).
(*)(6/350)
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: صداء: بضم الصاد وفتح الدال المهملتين والمد: حي من العرب، باليمن.
الجعرانة وقناة: تقدم الكلام عليهما.
فشا فيهم الاسلام: ظهر وذاع.
الغرز: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالزاي: ركاب كور البعير ان كان من خشب أو جلد.
الاداوي: جمع ادواة: اناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة ونحوها.
القعب: بفتح القاف وسكون العين المهملة وبالموحدة: وهو القدح الضخم.
الوضوء: بفتح الواو والماء وبالضم: الفعل الذي هو المصدر، ويجوز العكس، والله أعلم.(6/351)
الباب السابع والخمسون في وفود الصدف إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن سعد عن جماعة من الصدف قالوا: قدم وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بضعة عشر رجلا، على قلائص لهم أزر وأردية فصادفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين بيته وبين المنبر فجلسوا ولم يسلموا.
فقال: (أمسلمون أنتم ؟) قالوا: نعم.
قال: (فهلا سلمتم ؟) فقاموا قياما، فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
فقال: (وعليكم ا لسلام، اجلسوا).
فجلسوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلاة فأخبرهم بها (1).
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: الصدف: (بفتح الصاد وكسر الدال المهملتين ففاء).
الباب الثامن والخمسون في وفود ابي صفرة إليه صلى الله عليه وسلم
روى ابن منده، وابن عساكر، والديلمي عن محمد بن غالب بن عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة قال: حدثني أبي عن آبائه أن أبا صفرة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان يبايعه، وعليه حلة صفراء وله طول ومنظر وجمال وفصاحة لسان (فلما رآه أعجبه ما رأى من جماله) فقال له: (من أنت ؟) قال: أنا قاطع بن سارق بن ظالم بن عمر بن شهاب بن مرة بن الهقام بن الجلند بن المستكبر الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا، أنا ملك ابن ملك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت أبو صفرة دع عنك سارقا وظالما).
فقال: أشهد ألا اله الا الله وأشهد انك عبده ورسوله حقا حقا يا رسول الله، وان لي ثمانية عشر ذكرا وقد رزقت بأخرة بنتا سميتها صفرة.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأنت أبو صفرة) (2).
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 248.
(2) ذكره المتقي الهندي في الكنز (37537).
(*)(6/352)
الباب التاسع والخمسون في وفود ضمام بن ثعلبة إليه صلى الله عليه وسلم
روى الامام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي رحمهم الله تعالى من طريق سليمان ابن المغيرة عن ثابت، والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن شريك بن عبد الله كلاهما عن أنس وأبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي عن الزهري، والامام أحمد وابن سعد وأبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، قال أنس في رواية ثابت: (نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ كان يعجبنا ان نجد الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع).
وفي رواية شريك: (بينا نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه: (بينا النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه متكئا، أو قال جالسا في المسجد إذ جاء
رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله) وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (بعث بنو سعد بن بكر، ضمام بن ثعلبة وافدا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، وكان ضمام رجلا جلدا أشعرا ذا غديرتين فأقبل حتى انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال أ نس في رواية شريك: (فقال: أيكم محمد ؟) وفي حديث ابن عباس: (أيكم ابن عبد المطلب ؟) والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا له: هذا الابيض المتكئ).
وفي رواية: (جاءهم رجل من أهل البادية فقال: أيكم ابن عبد المطلب ؟ قالوا: هذا الامغر المرتفق.
قال: فدنا منه وقال: اني سائلك فمشدد عليك - وفي لفظ - فمغلظ عليك - في المسألة، فلا تجد علي في نفسك، قال: (لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك) قال أنس في رواية ثابت: فقال: يا محمد أتانا رسولك فقال لنا انك تزعم ان الله تعالى أرسلك ؟ قال: (صدق).
قال: فمن خلق السماء ؟ قال: (الله).
قال: فمن خلق الارض ؟ قال: (الله).
قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال: (الله).
وقال أبو هريرة وأنس في رواية شريك، فقال: (أسألك بربك ورب من قبلك)، وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (فأنشدك الله الهك واله من قبلك واله من هو كائن بعدك)، وفي رواية عن أنس فقال: (فبالذي خلق السماء وخلق الارض ونصب هذه الجبال)، قال ابن عباس في حديثه: (آلله أمرك أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا وأن ندع هذه الانداد التي كان آباؤنا يعبدون ؟ قال: (اللهم نعم).(6/353)