ذكر بعض ما قاله الصحابة من الشعر في غزوة بدر قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم ينكرها ألم تر أمرا كان من عجب الدهر * وللحين أسباب مبينة الامر
وما ذاك إلا أن قوما أفادهم * فحانوا تواص بالعقوق وبالكفر عشية راحوا نحو بدر بجمعهم * فكانوا رهونا للركية من بدر وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها * فثاروا إلينا فالتقينا على قدر فلما التقينا لم تكن مثنوية * لنا غير طعن بالمثقفة السمر وضرب ببيض يختلي الهام حدها * مشهرة الالوان بينة الاثر ونحن تركنا عتبة الغي ثاويا * وشيبة في قتلى تجرجم في الجفر وعمرو ثوى فيمن ثوى من مماتهم * فشقت جيوب النائحات على عمرو جيوب نساء من لؤي بن غالب * كرام تفرعن الذوائب من فهر أولئك قوم قتلوا في ضلالهم * وخلوا لواء غير محتضر النصر لواء ضلال قاد إبليس أهله * فخاس بهم، إن الخبيث إلى غدر وقال لهم إذ عاين الامر واضحا * برئت إليكم ما بي اليوم من صبر فإني أرى ما لاترون وإنني * أخاف عقاب الله والله ذو قشر فقدمهم للحين حتى تورطوا * وكان بما لم يخبر اقوم ذا خبر فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا * ثلاث مئين كالمسدمة الزهر وفينا جنود الله حين يمدنا * بهم في مقام ثم مستوضح الذكر فشد بهم جبريل تحت لوائنا * لدى مأزق فيه اياهم تجري وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال ابن هشام: ولم أر أحدا من أهل العلم يعرفها لعلي: ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل بما أنزل الكفار دار مذلة * فلاقوا هوانا من إسار ومن قتل فأمسى رسول الله قد عز نصره * وكان رسول الله أرسل بالعدل فجاء بفرقان من الله منزل * مبينة آياته لذوي العقل
فآمن أقوام بذاك وأيقنوا * فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم * فزادهم ذو العرش خبلا على خبل وأمكن منهم يوم بدر رسوله * وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل بأيديهم بيض خفاف عصوا بها * وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل(4/125)
فكم تركوا من ناشئ ذي حمية * صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل تبيت عيون النائحات عليهم * تجود بإسبال الرشاش وبالوبل نوائح تنعى عتبة الغي وابنه * وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل وذا الرجل تنعى وابن جدعان فيهم * مسلبة حرى مبينة الثكل ترى منهم في بئر بدر عصابة * ذوي نجدات في الحروب وفي المحل دعا الغي منهم من دعا فأجابه * وللغي أسباب مرمقة الوصل فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل * عن الشغب والعدوان في أشغل الشغل وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: عجبت لامر الله والله قادر * على ما أراد ليس لله قاهر قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا * بغوا وسبيل البغي بالناس جائر وقد حشدوا واستنفروا من يليهم * من الناس حتى جمعهم متكاثر وسارت إلينا لاتحاول غيرنا * بأجمعها كعب جميعا وعامر وفينا رسول الله والاوس حوله * له معقل منهم عزيز وناصر وجمع بني النجاز تحت لوائه * يمشون في الماذي والنقع ثائر فلما لقيناهم وكل مجاهد * لاصحابه مستبسل النفس صابر شهدنا بأن الله لا رب غيره * وأن رسول الله بالحق ظاهر وقد عريت بيض خفاف كأنها * مقاييس يزهيها لعينيك شاهر
بهن أبدنا جمعهم فتبددوا * وكان يلاقي الحين من هو فاجر فكب أبو جهل صريعا لوجهه * وعتبة قد غادرنه وهو عاثر وشيبة والتيمي غادرن في الوغى * وما منهما إلا لذي العرش كافر فأمسوا وقود النار في مستقرها * وكل كفور في جهنم صائر تلظى عليهم وهي قد شب حميها * بزبر الحديد والحجارة ساجر وكان رسول الله قد قال: أقبلوا * فولوا وقالوا: إنما أنت ساحر لامر أراد الله أن يهلكوا به * وليس لامر حمه الله زاجر وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه: تبلت فؤادك في المنام خريدة * تسقي الضجيع ببارد بسام كالمسك تخلطه بماء سحابة * أو عاتق كدم الذبيح مدام نفج الحقيبة بوصها متنضد * بلهاء غير وشيكة الاقسام(4/126)
بنيت على قطن أجم كأنه * فضلا إذا قعدت مداك رخام وتكاد تكسل أن تجئ فراشها * في جسم خرعبة وحسن قوام أما النهار فلا أفتر ذكرها * والليل توزعني بها أحلامي أقسمت أنساها وأترك ذكرها * حتى تغيب في الضريح عظامي يا من لعاذلة تلوم سفاهة * ولقد عصيت على الهوى لوامي بكرت علي بسحرة بعد الكرى * وتقارب من حادث الايام زعمت بأن المرء يكرب عمرة * عدم لمعتكر من الاصرام إن كنت كاذبة الذي حدثتني * فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الاحبة أن يقاتل دونهم * ونجا برأس طمرة ولجام تذر العناجيج الجياد بقفرة * مر الدموك بمحصد ورجام
ملات به الفرجين فارمدت به * وثوى أحبته بشر مقام وبنو أبيه ورهطه في معرك * نضر الاله به ذوي الاسلام طحنتهم والله ينفذ أمره * حرب يشب سعيرها بضرام لولا الاله وجريها لتركنه * جزر السباع ودسنه بحوامي من بين مأسور يشد وثاقه * صقر إذا لاقى الاسنة حامي ومجدل لا يستجيب لدعوة * حتى تزول شوامخ الاعلام بالعار والذل المبين إذ رأى * بيض السيوف تسوق كل همام بيدي أغر إذا انتمى لم يخزه * نسب القصار سميدع مقدام بيض إذا لاقت حديدا صممت * كالبرق تحت ظلال كل غمام فأجابه الحارث بن هشام - وأسلم بعد ذلك - فقال: القوم أعلم ما تركت قتالهم * حتى حبوا مهري بأشقر مزبد وعرفت أني إن أقاتل واحدا * أقتل ولا ينكل عدوي مشهدي فصددت عنهم والاحبة فيهم * طمعا لهم بعقاب يوم مفسد وكان الاصمعي يقول: هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار.
وكان خلف الاحمر يقول: أحسن ما قيل في ذلك أبيات هبيرة بن أبي وهب المخزومي: لعمرك ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل ولكنني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي مساغا إن ضربت ولانبلي وتفت فلما خفت ضيعة موقفي * رجعت لعود كالهزبر أبي الشبل(4/127)
وإن تقاربا لفظا ومعنى فليس ببعيد من أن يكون الثاني أجود من الاول، لانه أكثر انتفاء من الجبن ومن خوف القتل، وإنما علل فراره بعدم إفادة وقوفه فقط، وذلك في الأول جزء علته، والجزء الآخر قوله: أقتل، وقوله: رموا مهري بأشقر مزبد، يعني الدم، ويحتمل أن يكون
ذلك مقيدا بكون مشهده لا يضر عدوه، ومع ذلك فالثاني أسلم من ذلك معنى وأصرح لفظا ومعنى.
وقال حسان أيضا: قومي الذين هم آووا نبيهم * وصدقوه وأهل الارض كفار إلا خصائص أقوام هم سلف * للصالحين مع الانصار أنصار مستبشرين بقسم الله قولهم * لما أتاهم كريم الاصل مختار أهلا وسهلا ففي أمن وفي سعة * نعم النبي ونعم القسم والجار فأنزلوه بدر لا يخاف بها * من كان جارهم دارا هي الدار وقاسموهم بها الاموال إذ قدموا * مهاجرين وقسم الجاحد النار سرنا وساروا إلى بدر لحينهم * لو يعلمون يقين العلم ما ساروا دلاهم بغرور ثم أسلمهم * إن الخبيث لمن والاه غدار وقال: إني لكم جار، فأوردهم * شر الموارد فيه الخزي والعار ثم التقينا فولوا عن سراتهم * من منجدين ومنهم فرقة غاروا وقالت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني عن مصعب بن عبد الله وغيره من قريش، ورواه الاموي عن سعيد بن قطن: ألما تكن رؤياي حقا ويأتكم * بتأويلها فل من القوم هارب رأى فأتاكم باليقين الذي رأى * بعينيه ما تفري السيوف القواضب فقلتم - ولم أكذب - كذبت، وأنما * يكذبني بالصدق من هو كاذب وما فر إلا رهبة الموت هاربا * حكيم وقد أعيت عليه المذاهب أقر صياح القوم عزم قلوبهم * فهن هواء والحلوء عوازب أقامت سيوف الهند دون رؤوسكم * وخطية فيها الشبا والثعالب كأن حريق النار لمع ظباتها * إذا ما تعاطتها الليوث المشاغب
ألا بأبي يوم اللقاء محمدا * إذا عض من عون الحروب الغوارب مروا بالسيوف المرهفات نفوسكم * كفاحا كما تمري السحاب الجنائب فكم بردت أشيانهم من مليكة * وزعزع ورد بعد ذلك صالب(4/128)
فما بال قتلى في القليب ومثلهم * لدى ابن أخي أسرى له ما يضارب أكانوا نساء أم أتى لنفوسهم * من الله حين سارق والحين جالب فكيف رأى عند اللقاء محمدا * بنو عمه والحرب فيها التجارب ألم يغشكم ضربا يجار لوقعه ال * جبان وتبدوا بالنهار الكواكب حلفت لئن عدتم ليصطلمنكم * بحارا تردى حافتيها المقانب كأن ضياء الشمس لمع ظباتها * لها من شعاع النور قرن وحاجب وقالت عاتكة أيضا فيما نقله الاموي: هلا صبرتم للنبي محمد * ببدر ومن يغشى الوغى حق صابر ولم ترجعوا عن مرهفات كأنها * حريق بأيدي المؤمنين بواتر ولم تصبروا للبيض حتى أخذتم * قليلا بأيدي المؤمنين المشاعر ووليتم نفرا وما البطل الذي * يقاتل من وقع السلاح بنافر أتاكم بما جاء النبيون قبله * وما ابن أخي البر الصدوق بشاعر سيكفي الذي ضيعتم من نبيكم * وينصره الحيان: عمرو، وعامر شرح غريب القصة ندب الناس: دعاهم فانتدبوا: أجابوه.
المثقال وزنه درهم وثلاثة أسباع درهم، وكل سبعة مثاقيل عشرة دراهم.
العسيراء: تقدم الكلام عليها في غزوتها.
العير بالكسر: الابل تحمل الميرة ثم غلبت على كل قافلة.
لم يلم - بضم التحتية - لم يعذل.
لم يحتفل لها: لم يهتم بها فلم يجمع الناس.
الظهر - بالفتح -: الابل التي يحمل عليها ويركب.
يقال: عند فلان ظهر: أي إبل.
التحسس - بحاء وسينين مهملات - قال في النهاية: التجسس، بالجيم: التفتيش عن بواطن الامور، وأكثر ما يقال في الشر، فالجاسوس صاحب سر الشر.
والناموس: صاحب سر الخير.
وقيل: التجسس بالجيم: أن يطلبه لغيره، وبالحاء أن يطلبه لنفسه، وقيل: بالجيم: البحث عن العورات، وبالحاء: الاستماع، وقيل: معناهما واحد في معرفة تطلب الاخبار، قلت: وجزم في الروض بالثاني.
الحوار - بحاء مهملة مضمومة فواو مشددة فألف فراء -: موضع بالشام.(4/129)
ذو المروة: قرى واسعة من أعمال المدينة، بينها وبين المدينة ثمانيد برد.
ينبع - بمثناة تحتية مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مضمومة فعين مهملة -: قرية جامعة بين مكة والمدينة.
الزرقاء: تأنيث الازرق: موضع في بادية الشام ناحية معان.
معان - بميم مضمومة فعين مهملة -: حصن كبير على خمسة أيام من دمشق على طريق مكة.
الرصد يقال للراصد الواحد والجماعة الراصدين، يقال: رصدته رصدا من باب قتل: قعدت على الطريق.
الركب: أصحاب الابل في السفر دون الدواب، وهم عشرة فما فوقها، والركبان: الجماعة منهم.
استنفر الناس: حثهم على الخروج بسرعة.
حذر (بكسر الذال المعجمة).
ضمضم - بضادين معجمتين - والظاهر أنه مات على شركه.
الغفاري (بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء).
الجدع - بجيم فدال مهملة -: قطع الانف، وقطع الاذن أيضا، وقطع اليد والشفة وهو بالانف أخص.
شرح غريب رؤيا عاتكة الرؤيا (بغير تنوين) أعظمتها: استكبرت أمرها.
أفظعتني - بفاء فظاء معجمة مشالة فعين مهملة - أي اشتدت علي، يقال: فظع الامر - بالضم - فظاعة فهو فظيع، أي شديد شنيع يجاوز المقدار، وكذلك أفظع الامر فهو مفظع وأفظع الرجل بالبناء للمفعول لم يسم فاعله.
الابطح: مسى واسع فيه دقاق الحصى، وهو ما بين المحصب ومكة، وليس الصفا منه.
انفروا: أسرعوا.
يال (بفتح اللام).(4/130)
غدر - بغين معجمة مضمومة - قال في النهاية: معدول عن غادر للمبالغة.
يقال للذكر غدر، وللانثى غدار - بفتح أوله - وهما مختصان بالنداء في الشتم، وقال السهيلي: غدر جمع غدور ولا تصح رواية من رواه بفتح الدال مع كسر الراء ولافتحها، لانه لا ينادي واحدا، ولان لام الاستغاثة لا تدخل على مثل هذا البناء في النداء وإنما يقول: يال غدر، انفروا - تحريضا لهم - إن تخلفتم غدر لقومكم.
والغدر: ترك الوفاء.
المصارع: جمع مصرع - بفتح الميم والراء -: الموضع والمصدر.
في ثلاث، أي بعد ثلاثة أيام يكون نفرهم إلى مصارعهم، وكان كذلك.
مثل به بعيره - بالميم والثاء المثلثة المفتوحتين واللام -: انتصب قائما.
أبو قبيس: جبل مشهور بمكة.
نزعها: جذبها.
تهوي - بفتح أوله وكسر ثالثه -: تسقط وتنزل.
الفلقة - بكسر الفاء وإسكان اللام: - القطعة.
استكتمه إياها: أمره بكتمانها.
أقبل إلينا (بفتح الهمزة وكسر الموحدة).
فرسي رهان، أي يتسابقان إلى غاية.
المجد: الشرف.
تحاكت الركب، تقدم في باب اعتراف أبي جهل بصدقه صلى الله عليه وسلم.
كبير (بالموحدة).
ولاخرقا - بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء وبالقاف - من الخرق وهو الحمق.
مهلا: رفقا وتؤدة.
يا مصفر استه: رماه بالابنة - بضم الهمزة وسكون الموحدة - وهي التهمة بالفاحشة وأنه كان يزعفر استه، وقيل: هي كلمة تقال للمتنعم المترفه الذي لم تحنكه التجارب والشدائد، وقيل: أراد يا مضرط نفسه، من الصفير وهو الصوت بالفم، كأنه قال يا ضراط، نسبه إلى الجبن والخور.
وقال ابن هشام: هذا مما يؤنب الرجل به وليس من الحبق.
قلت: والحبق - بفتح الحاء المهملة والموحدة وبالقاف - وهو الضراط.
وقال في الاملاء: العرب تقول هذا للرجل الجبان ولا تريد بن التأنيب، وهذا القول من العباس في أبي جهل يرد ما ذكره السهيلي في قول عتبة هذا القول لابي جهل، كما سيأتي.(4/131)
أفشى: أظهر.
غير - بكسر الغين المعجمة فمثناة تحتية مفتوحة فراء - وهو اسم من قولك: غيرت الشئ فتغير.
وايم الله، أي يمين الله.
وفيها اثنتا عشرة لغة.
لاكفيكنه - بضم الكاف الثانية وفتح النون المشدودة - وهو خطاب لجماعة النسوة.
حديد (بفتح الاحء وكسر الدال المهملتين).
مغضب - بفتح الضاد المعجمة - اسم مفعول من الغضب.
خفيفا: سريعا.
حديد الوجه: قويه.
يشتد: يعدو.
الفرق - بفتح الفاء والراء وبالقاف -: الخوف.
اللطيمة اللطيمة - بلامين الثانية مشددة وطاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فميم فتاء تأنيث -: الجمال التي تحمل العطر.
ولطائم المسك: أوعيته، وهما منصوبان بفعل مقدر، أي أدركوا.
الغوث الغوث، بنصبهما.
يقال: غوث الرجل إذا صاح: واغوثاه، والاسم الغوث والغواث والغواث.
أشفقوا: خافوا.
الفل - بفتح الفاء وتشديد اللام -: القوم المنهزمون.
جهاز المسافر - بفتح الجيم وكسرها -: أهبته وما يحتاج إليه في قطع المسافة.
ليعلمن - بضم الميم إن كان مسندا للواو المحذوفة لالتقاء الساكنين، وبفتحها إن كان مسندا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
الصباة: يأتي في شرح قتل أمية بن خلف.
العيرات: جمع عير، وتقدم بيانه.
الحملان - بالضم - مصدر حمل.
أشخصوه معهم: أخرجوه.
المقنب - بكسر الميم فقاف ساكنة فنون مفتوحة فموحدة وزن منبر -: الجماعة من(4/132)
الخيل مقدار ثلاثمائة أو نحوها.
لاط له بأربعة الاف درهم.
قاال في النهاية: اللياط: الربا لان كل شئ ألصق بشئ وأضيف إليه قد أليط به، والربا ملصق برأس المال.
يقال: لاط حبه بقلبي يليط ويلوط ليطا ولوطا ولياطا، وهو أليط وألوط.
وقال أبو عبيد: سمي الربا لياطا لانه ملصق بالبيع وليس ببيع.
هبل - بضم الهاء وفتح الموحدة -: اسم صنم.
استقسم بالازلام: ضرب بها لاخراج ما قسم الله له من أمر وتمميزه بزعمهم.
الآمر والناهي: القدح الذي فيه افعل، والقدح الذي فيه لا تفعل.
الازلام: القداح واحدها زلم، بفتحتين ويضم الاول.
القدح - بكسر القاف وسكون الدال المهملة -: السهم بلا ريش.
أجمعوا المقام، يقال: أجمعت المسير والامر، وأجمعت عليه، يتعدى بنفسه وبالحرف: عزمت عليه.
أزعجهم: أزالهم عن رأيهم.
جليلا - بالجيم -: عظيما.
جسيما: عظيما.
بين ظهراني قومه - بفتح النون - أي بينهم.
المجمرة - بكسر الميم - وهي المبخرة والمدخنة.
قال بعضهم: والمجمر كمنبر أيضا: ما يتبخر به من عود وغيره، وهي لغة في المجمرة.
استجمر به، فعل أمر، أي تبخر به.
تثبطه - بفتح المثناة الفوقية والثاء المثلثة وضم الموحدة - شغله عن التخلف عن السفر.
شرح غريب خروج قريش الصعب والذلول، أي من الابل الصعب: الذي لا ينقاد.
والذلول - بفتح الذال المعجمة، من الذل، بكسر الذال: ضد الصعب.
القيان - بفتح القاف وتخفيف المثناة التحتية - والقينات - بفتح القاف -: جمع قينة - بفتح القاف - وهي الامة غنت أم لم تغن، والماشطة.
وكثيرا ما تطلق على المغنية من الاماء، وهو المراد هنا.(4/133)
الدفوف - بضم الدال المهملة جمع دف - بضم الدال وبفتحها - وهو معروف.
مناة - بفتح أوله - اسم صنم.
يثنيهم: يصرفهم عن السفر.
تبدى: ظهر.
سراقة (بضم أوله والتخفيف).
جعشم - بضم الجيم والشين المعجمة وسكون العين المهملة بينهما، ويقال بفتح الجيم - حكاه في الصحاح والمشهور ضمها.
أنا جار لكم: الجار، الخفير، والذي يجير غيره أي يؤمنه مما يخاف.
حشدوا: اجتمعوا.
البطر كالتعب كالاشر والطغيان في النعمة.
وغمطها، أي كفرها.
يصدون عن سبيل الله: يعرضون عن الصراط المستقيم، وهو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أوردهم: أحضرهم وأوقعهم.
الحين - بفتح المهملة -: الهلاك.
دلاهم: أحفرهم.
الغرور: الخداع.
أسلمهم، يقال: أسلم فلان فلانا، إذا ألقاه في الهلكة ولم يحمه من عدوه، وهو عام في كل من أسلمته إلى شئ، لكن دخله التخصيص وغلب عليه الالقاء في الهلكة.
السراة - بفتح المهملة - جمع سري، وهو الذي جمع السخاء والمروءة، وجمع السراة سروات.
منجدين: قاصدين نجدا، وهو المرتفع من الارض.
غاروا - بالغين المعجمة -: قصدوا الغور، وهو ما انخفض من الارض.
مر - بفتح الميم والراء المشددة - مضاف إلى الظهران - فتح الظاء المعجمة المشالة - ويقال: الظهران من غير إضافة " مر ": مكان على بريد من مكة، وقيل على ستة عشر ميلا.
الجزائر - بالجيم والزاي - جمع جزور، وهو البعير إذا كان ذكرا أو أنثى، إلا أن لفظه مؤنث، تقول: هذه جزور، وإن أردت ذكرا.
الخباء - بخاء معجمة فموحدة وبالمد - واحد الاخبية، وهو من وبر أو صوف، ولا(4/134)
يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت.
عسفان - بعين مضمومة فسين ساكنة مهملتين -: قرية جامعة على نحو أربعة برد من مكة، وتسمى الآن: مدرج عثمان.
قديد - بضم القاف على لفظ التصغير -: قرية جامعة بقرب مكة.
مياه: جمع ماء.
الابواء - بفتح الهمزة وبالمد -: قرية جامعة بينها وبين المدينة ثماني مراحل.
الجحفة: قرية جامعة على طريق المدينة من مكة، وهي مهيعة، وسميت الجحفة، لان السيل أجحفها وحمل أهلها، وهي بقرب رابغ.
شرح غريب رؤيا جهيم بن الصلت جهيم (بالجيم مصغرا).
الصلت (بصاد مهملة ومثناة فوقية).
أغفى - بغين معجمة - نام، وفيه لغة رديئة غفى.
فزع هنا: هب من نومه.
آنفا بالمد ويقصر، أي قريبا.
اللبة - بفتح اللام وتشديد الموحدة -: المنحر.
شرح غريب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم السقيا - بسين فقاف كحبلى -: قرية جامعة من عمل الفرع على طريق مكة، بينها وبين المدينة أربع مراحل.
خم - بخاء معجمة مضمومة فميم مشددة - على ثلاثة أميال من الجحفة.
لابتيها - تثنية لابة، وهي الحرة، بفتح الحاء - وهي أرض ذات حجارة سود نخرة، كأنها أحرقت بالنار، والجمع ككلاب.
منجدا لقومه: ناصرا لهم.
أبلى بلاء حسنا: عمل عملا جيدا في قتال الكفار.
العالة جمع عائل، يقال: عال يعيل عيلة فهو عائل، إذا افتقر.
اللواء، ككتاب جمعه ألويه: علم الجيش وهو دون الراية، قال في الاملاء: مستطيل.(4/135)
الراية: علم الجيش.
قال أبو ذر: وهي مربعة.
الروحاء - بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة والمد -: قرية جامعة على ليلتين من المدينة.
ذات الفضول - بضم الفاء والضاد المعجمة - قيل سميت بذلك لفضلة كانت فيها.
توشح - بالشين المعجمة -: جعل علاقته على كتفه الايمن، وجعل السيف تحت إبط يده اليسرى.
العضب - بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة -: السيف القاطع.
اعتقبوها: تناوبوها في الركوب واحدا بعد واحد.
أعيا: عجز.
البكر - بفتح الموحدة -: الفتي من الابل.
الحارك: فروع الكتفين، وهو أيضا الكاهل.
ينقز: يثب.
الزميل - بفتح الزاي وكسر الميم -: العديل الذي حمله مع جملك على البعير، وقد زاملني، أي عادلني، وهو الرديف أيضا، وهو المراد هنا.
الساقة: جمع سائق، وهم الذين يسقون الجيش ويكونون من ورائه يحفظونه.
تربان - بضم المثناة الفوقية وسكون الراء فموحدة -: واد به مياه كثيرة على ثمانية عشر ميلا من المدينة على طريق مكة.
فوق - بتشديد الواو - له بسهم: وضع السهم في الوتر ليرمي به.
سدد رميته: جعلها صائبة.
الرمق - بفتحتين: بقية الروح.
عرق الظبية، بعين مهملة مكسورة فراء ساكنة فقاف، والظبية: تأنيث ظبي، كذا قال أبو عبيد البكري في معجمه، ثم قال: قال ابن هشام: وغير ابن إسحاق يقوله بضم الظاء - وهو على ثلاثة أميال من الروحاء.
قال في الروض: الظبية: شجرة شبه القتادة يستظل بها، وجمعها ظبيان على غير قياس.
نزوت: كناية عن الوقاع.
يقال: نزا الفحل الانثى نزوا - من باب قتل - ونزوانا: وثب، والاسم النزو، ومثل كتاب وغغراب، يقال ذلك في ذي الحافر والظلف والسباع.(4/136)
السخلة: الصغير من ولد الغنم، استعارها لولد الناقة.
سجسج - بفتح السين المهملة وسكون الجيم بعدها مثلهما -: بئر بالروحاء.
قال في الروض: سميت سجسجا لانها بين جبلين، وكل شئ بين شيئين فهو سجسج.
المنصرف - بميم مضمومة فنون ساكنة صاد مفتوحة فراء ففاء - موضع بين الحرمين الشريفين.
النازية - بنون وزاي على لفظ فاعلة، من نزا ينزو -: اسم موضع به عين.
قال في الروض: وهي رحبة واسعة فيها عضاة ومروج.
رحقان - براء - قال أبو عبيد البكري مفتوحة، وقال السيد -: مضمومة فحاء مهملة ساكنة فقاف فألف فنون -: واد قرب المدينة.
الصفراء على لفظ تأنيث أصفر: قرية فوق ينبع.
جزع واديا - بجيم فزاي -: قطعه عرضا.
ذفرن - بذال معجمة ففاء مكسورة -: اسم واد بقرب المدينة.
عدد الناس - بعين ودالين الاولى مفتوحة مهملات -: المعدود.
تعرض (بتشديد الراء).
مسلح [ بميم فسين مهملة فلام فحاء مهملة ].
مخرئ [ بميم فخاء معجمة فراء فمثناة تحتية مهموزة ].
حراق: بضم الحاء المهملة وتخفيف الراء.
غفار: بغين معجمة مكسورة ففاء.
أجل كنعم، وزنا ومعنى.
اظعن - بظاء معجمة مشالة - سافر.
الاسود: العرب، لغلبة السوواد.
والاحمر: العجم.
أو الاحمر: الانس، والاسود: الجن.
البرك - بفتح الموحدة والراء - قال في المطالع: فتح الباء أكثر الرواة وبعضهم كسرها.
وقاال النووي: ذكره جماعة من أهل اللغة بالكسر لاغير، قاال الزمخشري: هو من وراء مكة بخمس ليال بناحية الساحل مما يلي البحر.
غمدان - بغين معجمة مضمومة فميم ساكنة فدال مهملة: قصبة صنعاء.
وفي رواية: برك الغماد - بضم الغين المعجمة وبالدال المهملة - وتقدم الكلام عليه(4/137)
مبسوطا في باب إرادة الصديق الهجرة: " لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه "، أي لو أتيت جانبه عرضا لتخوضه خضناه معك.
المجالدة: المضاربة بالسيوف.
لصبر (بفتح اللام وضم الصاد المهملة والموحدة).
صدق (بضم الصاد والدال المهملتين).
أشرق وجهه.
أضاء وتلالا حسنا.
الطائفتان: العير المقبلة مع أبي سفان وأصحابه، والنفر من مكة، لاستنقاذه.
الشوكة: هنا شدة البأس والنكاية في العدو.
الطاقة: القوة.
الثنايا: جمع ثنية، وهى كل عقبة مسلوكة.
الاصافر - بصاد مهملة جمع أصفر -: جبال قريبة من الجحفة عن يمين الطريق من المدينة إلى مكة.
الدبة - بفتح الدال المهملة وتشديد الموحدة -: موضع قبل بدر.
الحنان - بحاء مهملة فنون مشددة، وقد تخفف، قاله البكري، وفي القاموس: بالضم فألف فنون -: كثيب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " من ماء " قال في النور: ظهر لي أنه أراد من ماء دافق، والشيخ المشار إليه
حمله على المنهل.
وقال أبو جعفر الغرناطي في شرح بديعته " رفيقة ابن جابر: " إنه تورية، وإنه ماء قبيلة.
العراق: الاقليم المشهور،، يسمى بذلك لانه على شاطئ دجلة والفرات، والعراق في كلام العرب الشاطئ على طوله.
وقال آخرون: العراق: فناء الدار، فهو متوسط بين الدار والطريق.
وكذلك العراق متوسط بين الريف والبرية.
الراوية: الابل التي يستقى عليها الماء.
أذلقوهما - بذال معجمة فقاف -: بالغوا في ضربهما.
الكثيب: التل من الرمل.
العدوة - بضم العين المهملة وكسرها -: الجانب المرتفع من الوادي.
القصوى - بضم القاف -: البعدى.(4/138)
العقنقل - بفتح العين المهملة والقاف الاولى وسكون النون وفتح القاف الثانية وباللام -: الكثيب المتداخل الرمل، والجمع عقاقل.
ألقت: رمت.
الافلاذ: جمع فلذ - بكسر الفاء وسكون اللام وذال معجمة -: والفلذ: جمع فلذة، وهي القطعة المقطوعة طولا.
والكبد معروف، وهو هنا استعارة، أراد صلى الله عليه وسلم صميم قريش ولبابها وأشرافها، كما يقال: فلان قلب عشيرته، لان الكبد من أشرف الاعضاء، والمعنى أن مكة أخرجت رجالها المشهورين العظماء منها، شبه ما يخرج منها بأكباد ذوات الكبد التي هي مستورة في أجوافها، ولرفعة ذلك ونفاسته شبهه بأفلاذ الكبد، وهو أفضل ما يشوى من البعير عند العرب وأمراه.
أناخا البعير: بركاه.
الشن - بفتح الشين المعجمة وتشديد النون -: القربة البالية.
مجدي: بفتح الميم وإسكان الجيم فدال مهملة فياء مشددة كياء النسب.
الحاضر: القوم النزول على ما يقيمون عليه ولا يرحلون عنه.
ويقال للمناهل المحاضر للاجتماع والحضور عليها.
قال الخطابي: وربما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور، فهو فاعل بمعنى مفعول.
يتلازمان: يتماسكان للخصومة.
جلسا على بعيرهما: ركباهما.
شرح غريب ذكر وصول أبي سفيان إلى قريب المدينة النفير: القوم النافرون لحرب أو غيرها، تسمية بالمصدر.
ورد بدرا: حضرها.
العقل - بضم العين المهملة والقاف -: جمع عقال، وهو معروف.
ترجع: تكرر.
الحنين - بفتح الحاء المهملة -: الشوق يقال: حنت الناقة حنينا: مدت صوتها على ولدها.
تواردا [ إلى المساء: ورداه معا ].
مناخها - بضم الميم -: موضع الاناخة.
يقال أناخ الجمل إناخة.
قالوا: ولا يقال في المطاوع: فناخ، بل تبرك وتنوخ.
وقد يقال: استناخ.(4/139)
ساحل: سلك طريق ساحل البحر.
تعزف: تلعب بالمعازف، وهي آلات يضرب بها، واحدها عزف مثل فلس على غير قياس.
قال الازهري: وهو نقل عن العرب، وإذا قيل: المعزف - بكسر الميم - فهو نوع من الطنابير يتخذه أهل اليمن.
وقال الجوهري: المعازف: الملاهي.
بكتهم: غيرهم وقبح فعلهم.
الجبن - بضم الجيم وسكون الموحدة -: ضعف القلب.
الضيعة بمعنى الضياع.
رجز الشيطان: وساوسه.
اغتبط بكذا: سر به.
الطل - بفتح الطاء المهملة -: المطر الخفيف، ويقال: أضعف المطر.
وطأ به الارض: مهدها.
ربط الله على القلب: قواه.
القوز - بفتح القاف وسكون الواو وبالزاي -: العالي من الرمل كأنه جبل.
أدنى ماء: أقربه.
نغور ما وراءه: من رواه بالغين المعجمة فمعناه نذهبه وندفنه ومن رواه بالمهملة فمعناه نفسده.
الآنية: جمع إناء وهو معروف.
القلب - بضمتين -: قليب البئر، وهو مذكور، قال الازهري: القليب عند العرب البئر العادية القديمة مطوية كانت أو غير مطوية.
العريش: شبه الخيمة يستظل به.
وقال في الروض: كل ما أظلك وعلاك من فوقك، فإن علوته أنت فهو عرش لك لا عريش.
قال في الزهر: وفيه نظر في موضعين: الأول تفرقته بين العرش والعريش لم أره عند لغوي، والذي رأيت ما ذكره في الموعب عن صاحب العين: أن العرش والعريش ما يستظل به، وبسط الكلام على ذلك.
نعد (بضم النون وكسر العين وتشديد الدال المهملتين).
الركائب - براء فكاف مفتوحتين فألف فهمزة فباء -: جمع الركاب، وهى الابل، واحدتها راحلة.
المعركة - بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الراء -: موضع القتال.
تعدى - بفتحات والدال مشددة -: تجاوز.(4/140)
حدها - بفتح الحاء والدال المهملة المشددة -: غضبها.
تحاد الله: تعاديه وتخالف أمره.
الحرد - بفتح الحاء والراء المهملتين وقد تسكن الراء -: الغضب.
الحنق: الغيظ.
تصوب: تقصد.
استجال بفرسه - بالجيم -: طاف به غير مستقر.
يتبوأ منزلا: يتخذه.
الخيلاء - بضم الخاء المعجمة وكسرها - التكبر والاعجاب.
فنصرك - بالنصب بفعل مقدر - أي أنجز لي نصرك، أو أعطني، أو أنزل، أو نحو ذلك.
أحنهم - بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة وسكون النون - أي أهلكهم، من الحين والهلاك.
يرشدوا - بفتح أوله وثالثه وبضم - أي يهتدوا.
اعصبوها اليوم برأسي، أي اجعلوا عارها متعلقا بي.
يأبى: يمتنع.
العمر - بفتح العين - الحياة.
الطاقة: القوة.
أمهلوني - بقطع الهمزة -: اتركوني.
الكمين: المستخفي في الحرب حيلة.
ضرب في الوادي: سار فيه.
البلايا: جمع بلية، وهي الناقة أو الدابة التي تحفر بيدها حفرة ويشد رأسها، وتبلى، أي
نترك على قبر الميت، فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت، وكان بعض العرب ممن يقر بالبعث، يزعم أن صاحبها يحشر عليها راكبا، وإذا لم يفعل بها ذلك يحشر ماشيا.
النواضح جمع ناضح - بضاد معجمة فحاء مهملة -: الابل التي يستقى عليها الماء.
النافع: - بنون وقاف مكسورة فعين مهملة -: البالغ، ويقال: الثابت.
المنعة - بفتح النون وإسكانها - فبالفتح جمع مانع ككاتب وكتبة، وبالسكون على معنى منعة واحدة.(4/141)
الملجأ - بالهمز - ما يعتصم به.
يتلمظون: التلمظ: إدارة اللسان في الفم وتحريكه، يتتبع أثر ما كان فيه.
جلدا - بالتحريك -: شدة وقوة.
الحلقة: السلاح.
الكراع - بضم الكاف - جماعة الخيل.
أن يؤوبوا: يرجعوا.
الحجف، جمع حجفة، بالتحريك: الترس.
مستميتين: مستقتلين، وهم الذين يقبلون على الموت.
العقل - بفتح العين والقاف - الدية.
ألفاكم: وجدكم.
نثل درعه - بنون فمثلثة فلام مفتوحات - استخرجها من جرابها.
ويقال للدرع الواسعة النثيلة، بفتح النون وكسر المثلثة وسكون التحتية.
الجراب - بكسر الجيم وتفتح - في لغية حكاها النووي، وصاحب القاموس مع كثرة اطلاعه لم يحكها إلا عنه.
يهنئها - بفتح التحتية وسكون الهاء بعدها نون فهمزة - أي يطلبها ويتفقدها.
انتفخ (بالفاء والخاء المعجمة).
سحره: كلمة تقال للجبان.
وفيها ثلاث لغات، وزان فلس وسبب وقفل، وجمع الاولى سحور كفلوس، وجمع الثانية والثالثة أسحار وهو الرئة، وقيل: ما لصق بالحلقوم والمرئ من أعلى البطن، وقيل: هو سواد القلب.
وما بعتبة ؟ أي ابن ربيعة.
وفي نسخة من السيرة الهاشمية ما بغيته ؟ بموحدة فغين معجمة ساكنة فمثناة تحتية مفتوحة ففوقية - وهي الحاجة.
أكلة - بفتح الهمزة والكاف واللام - جمع آكل، أي هم قليل، يشبعهم جزور واحد.
ثأرك (بثاء مثلثة فهمزة ساكنة وتسهل).
انشد خفرتك، أي اطلب من قريش الوفاء بخفرتهم لك، لانه كان حليفا لهم.
قال في الاملاء: وهي - بضم الخاء المعجمة وفتحها - العهد.
واقتصر في الصحاح على الضم.(4/142)
مصفرا استه.
قال في الروض: سادة العرب لا تستعمل الخلوق والطيب إلا في الدعة والخفض، وتعيبه في الحرب أشد العيب، وأحسب أن أبا جهل لما سلمت العير وأراد أن ينحر الجزور، ويشرب الخمر ببدر استعمل الطيب، أو هم به، فلذلك قال له عتبة هذه المقالة، ألا ترى قول الشاعر في بني مخزوم: ومن جهل أبو جهل أخوكم * غزا بدرا بمجمرة وتور وقوله: مصفرا استه إنما أراد مصفرا بدنه، ولكنه قصد المبالغة في الذم فخص منه بالذكر ما يسوؤه أن يذكر.
وهذا الذي قاله مع مخالفته لظاهر اللفظ سبق رده.
الاست همزته وصل ولامه محذوفة، والاصل سته بالتحريك، وهو العجز، ويراد به حلقة الدبر.
حميت الحرب: اشتدت.
حقب الامر: اشتد وضاقت فيه المسالك، وهو مستعار من حقب البعير، إذا اشتد عليه
الحقب - وهو الحزام الاسفل - وراغ حتى بلغ وعاء قضيبه، فضاق عليه مسلك البول.
استوسقوا - بسينين مهملتين وقاف -: اجتمعوا واستقر رأيهم على ذلك.
البيضة: الخوذة.
الهامة - بتخفيف الميم - الرأس، والجمع هام.
الاعتجار - بالجيم والراء -: التعمم من غير أن يجعل تحت لحيته من العمامة شئ.
متن الفرس: ظهره.
النصف - بفتح النون والصاد المهملة -: العدل والقسط.
شرح غريب ذكر ابتداء الحرب القدح - بكسر القاف وسكون الدال وبالحاء المهملتين -: عود السهم إذا قوم واستوى قبل أن ينصل ويراش، فإذا ركب فيه النصل والريش فهو السهم، وقيل: عود السهم نفسه.
سواد (بتخفيف الواو).
غزية (بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية).
مستنتل - بمثناتين فوقيتين: الاولى مفتوحة والثانية مكسورة بينهما نون ساكنة - أي يتقدم أمام الصف.
يقال: استنتلت، إذا تقدمت.
أقدني - بهمزة مفتوحة - أي اقتص لي من نفسك.(4/143)
استقد: اقتص.
البأس: الحرب.
المقت: أشد البغض.
ابلوا ربكم: اختبروه.
شرسا - بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وبالسين المهملة -: سيئ الخلق.
أطن قدمه: أسرع قطعها فطارت، أي طنت.
يقال: أطننتها، أي قطعتها، استعارة من
الطنين وهو صوت القطع.
تشخب - بضم الخاء المعجمة - تتفجر.
حبا: زحف.
المناوشة في القتال: تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا.
نشبت الحرب: اشتبكت الرجال بعضها مع بعض.
سلمت (بكسر اللام).
أوذنكم: أعلمكم.
كثبوكم - بمثلثة فموحدة - قربوا منكم.
استبقوا - بسكون الموحدة - فعل أمر من الاستبقاء، أي طلب الابقاء.
العنان - بكسر العين المهملة -: اللجام، وسمي بذلك لانه يعن، أي يعترض في الفم فلا يلجمه.
النقع - بنون مفتوحة فقاف ساكنة فعين مهملة -: الغبار.
الشوكة - بشين معجمة مفتوحة فواو ساكنة -: وهي هنا شدة القتال وحدته.
أخرج (بقطع الهمزة).
أكفاء: جمع كفو، وهو النظير.
أثبت صاحبه: أصاب مقاتله.
كر عليه: عطف.
دففا عليه - بالدال المهملة وبالذال المعجمة - يقال: دففت على الاسير وداففته ودففت عليه، أي أجهزت عليه وحررت قتله.
حازاه - بالحاء المهملة والزاي -: ضماه.(4/144)
نبزى - بضم النون وسكون الموحدة وفتح الزاي - معناه لا يسلب ونغلب عليه.
نناضل: نرامي بالسهام.
نذهل: نغفل.
الحلائل: - بالحاء المهملة -: الزوجات.
برزوا: ظهروا.
أول من يجثو - بالجيم والمثلثة - أي يقعد على ركبتيه مخاصما، والمراد بهذه الاولية تقييده بالمجاهدين من هذه الامة، لان المبارزة المذكورة أول مبارزة وقعت في الاسلام، كذا قيل، وفيه نظر.
شرح غريب ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
يناشد ربه: يسأله ويرغب إليه.
تهلك (بفتح الفوقية وكسر اللام).
العصابة، بالرفع، فاعل تهلك، وهي الجماعة من الناس.
المناشدة: المسألة.
شقة قمر: تقدم بيان ذلك في أبواب صفاته الحسية صلى الله عليه وسلم.
الاكناف - جمع كنف، وهي الجوانب.
ألححت: ألحفت بالمسألة.
يهتف بربه: يناديه ويدعوه.
كذاك مناشدتك لربك كذاك - بذال معجمة - يعني كفاك.
قال قاسم بن ثابت: كذاك يراد بها الاغراء، والامر بالكف عن الفعل، وهو المراد هنا.
وأنشد لجرير: كذاك القول إن عليك عينا أي حسبك من القول فدعه.
وفي البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لانجشة: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير، وأورده مرة أخرى فقال: كذاك سوقك بالقوارير، وإنما دخله النصب كما دخل في عليك زيدا
وفي دونك، لانك إذا قلت: دونك زيدا وهو يطالبه فقد أعلمته بمكانه، فكأنك قلت: خذه.
ومسألة " كذاك " من هذا الباب، لانك إذا قلت: كذاك القول أو السير فكأنك قلت: كذاك أمرت فاكفف ودع.(4/145)
خفق - بخاء معجمة فقاف -: حرك رأسه وهو ناعس.
أبشر (بقطع الهمزة).
أداة الحرب - بفتح الهمزة وبالدال المهملة -: آلتها.
الدبرة - بفتحتين وتسكن - وهي النصرة والظفر على العدو، والدبرة أيضا الهزيمة.
الحمحمة - بحاءين مهملتين -: صوت الفرس دون الصهيل.
أقدم - بضم الدال والهمزة، وبفتح الهمزة وكسر الدال، وعكسه، ورجح النووي وصاحب النهاية الثاني، وهو من التقدم في الحرب.
والاقدام: الشجاعة، واقتصر في البارع على الثالث، وقال في الاملاء: أقدم: كلمة تزجر بها الخيل.
حيزوم - بحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فزاي مضمومة فواو فميم - وهو فيعول من الحزم.
والحيزوم أيضا يطلق على الصدر، فيجوز أيضا أن يكون سمي به لانه صدر خيل الملائكة ومتقدم عليها، وروي بالنون عوض الميم، أي أقدم يا حيزوم - وقول من قال: إنه اسم فرس جبريل يرده ما رواه البيهقي عن خارجة بن إبراهيم، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: من القائل يوم بدر من الملائكة: أقدم حيزوم ؟ فقال جبريل: ما كل أهل السماء أعرف.
قناع القلب - بكسر القاف وتخفيف النون وبالعين المهملة -: غشاؤه.
يشتد: يعدو.
إثر (بكسر الهمزة وإسكان الثاء المثلثة ويجوز فتحها وحكي تثليث الهمزة).
انتعشت: ارتفعت وقمت.
رويدا: اسم فعل أمر، ويكون صفة، نحو ساروا سيرا رويدا، وحالا نحو: سارو رويدا.
البنان: الاصابع، وقيل: أطرافها.
مجنبة الجيش: هي التي تكون في الميمنة والمسيرة، وهي مجنبتان - والنون مكسورة - وقيل: هي الكتبية التي تأخذ ناحية الطريق.
قال في النهاية: والأول أصح.
الماتح - بالفوقية -: المستقي من البئر بالدلو من أعلى البئر، وبالتحتية الذي يملا الدلو، والأول المراد هنا.
رأيتنا (بضم التاء).(4/146)
المدد: المعين.
البجاد - بكسر الموحدة - الكساء الاسود.
أراد الملائكة الذين أمدهم الله بهم.
مبثوث: متفرق.
الافق - بضمتين -: الناحية من الارض ومن السماء.
الصبا كالحصا: الريح الشرقية.
الدبور - بفتح الدال -: الريح التي تقابل الصبا من جهة المغرب.
ويقال: تقبل من جهة الجنوب ذاهبة نحو المشرق.
خطم بالبناء للمفعول، وأنفه نائب الفاعل.
والخطم: الكسر.
يندر - بفتح التحتية وسكون النون وضم الدال المهمة - أي يسقط.
الكلم - بفتح الكاف - الجرح.
الجرف - بضمتين وبالسكون تخفيفا -: ما جرفته السيول وأكلته من الارض.
زايله: فارقه.
تشبث: تعلق.
لا يلوي: لا يلتفت.
أسألك نظرتك، أشار إلى قوله تعالى: * (فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) * [ الحجر 37، 38 ] ألفى: وجد.
الخذلان - بكسر الخاء: ضد النصر.
نقرن - بنون فقاف فراء -: نجمع.
شرح غريب سيما الملائكة السيما - بالقصر ويجوز المد -: العلامة.
الريطة - بفتح الراء وسكون التحتية -: كل ملاءة ليست لفقتين، أي قطعتين.
سومت: علمت.
نواصي الخيل: الشعر المسترسل على الجبهة.
العهن: الصوف..(4/147)
شرح غريب ذكر شعار المسلمين الشعار - بكسر الشين المعجمة وتخفيف العين المهملة -: العلامة التي يتعارفون بها للقتال.
يا منصور أمت: أمر بالموت، المراد به التفاؤل بالنصر بعد الامر بالاماتة، مع حصول الغرض للشعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها، لاجل ظلمة الليل.
شرح غريب ذكر التحام القتال بخ بخ: كلمة تقال عند المدح والرضا بالشئ وتكرر للمبالغة، وهي مبنية على السكون، فإن وصلت جردت ونونت فيقال بخ بخ، وربما شددت.
وبخبخت الرجل، إذا قلت له ذلك، ومعناهما تعظيم الامر وتفخيمه وقال في المطالع: يقال بالاسكان وبالكسر مع التنوين وبالضم دون تنوين.
وبخ بخ - بضم الخاء والتنوين والتخفيف - فمن سكن شبهها بهل وبل،
ومن كسر ونونها أجراها مجرى مه وصه، وشبهها بالاصوات.
قال الخطابي: والاختيار إذا كررت تنوين الاولى وتسكين الثانية.
وقال في القاموس: بخ، أي عظم الامر وفخم.
تقال وحدها وتكرر، ويقال: بخ الأول ينون والثاني يسكن، وقل في الافراد بخ ساكنة وبخ مكسورة، وبخ منونة مضمومة.
ويقال: بخ بخ مسكنين، وبخ بخ مشددين: كلمة تقال عند الرضا والاعجاب بالشئ، أو الفخر والمدح.
شرح غريب مقتل عوف بن الحارث الحاسر: بحاء وسين مهملتين - الذي لادرع له، زاد بعضهم ولامغفر.
غمس يده في دم العدو، أي أدخلها فيهم بالضرب.
شرح غريب، وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حرضا - بحاء مهملة فراء مشددة فألف اثنين - بمعنى حثا، بفتح الحاء المهملة والمثلثة المشددة.
أمنا - بفتح الهمزة والميم المشددة - أي تقدمنا للعدو.
حمي البأس: اشتدت الحرب.
نلوذ - بذال معجمة -: نلتجي.
شرح غريب ذكر دعاء أبي جهل على نفسه أحنه - بهمزة مفتوحة فحاء مهملة مكسورة فنون فهاء ضمير -: أهلكه، من الحين وهو الهلاك.(4/148)
المستفتح: الحاكم على نفسه.
شرح غريب مقتل عدو الله أمية بن خلف ألا أراك - بتخفيف اللام - للاستفتاح.
آويتم بالمد والقصر.
الصباة - بضم المهملة وتخفيف الموحدة - جمع صابي - بكسر الموحدة فتحتانية خفيفة بغير همز - وهو الذي ينتقل من دين إلى دين.
طريقك، بالنصب والرفع.
قال الحافظ: النصب أصح لان عامله لامنعنك فهو بدل من قوله: ما هو أشد وأما الرفع فيحتاج إلى تقدير.
استنفر الناس: استحثهم على الخروج.
أجمع القعود: وعزم عليه.
ظهراني قومه: وسطهم.
أما لكن في اللبن من حاجة ؟ تقدم الكلام على أما، والمعنى من أسرني ولم يقتلني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن.
المعلم - بضم الميم وفتح العين واللام المفتوحة المشددة - كما في نسخة صحيحة من العيون.
وقال في النور: بسكون العين وكسر اللام.
رأس الكفر، يجوز في رأس الرفع والنصب وكذا في أمية.
ابرك فبرك (بالموحدة والكاف).
الدسكرة: بناء يشبه القصر حوله بيوت.
المسكة - بفتح الميم والكاف -: السوار من الذبل.
شرح غريب ذكر رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار بالحصباء الحصباء بالمد: الحصا الصغار.
شاهت الوجوه: قبحت.
لا يلوون: لا يلتفتون.
يأسرون بكسر السين.
الطست: تقدم الكلام عليه في باب شق صدره الشريف.(4/149)
الصناديد: جمع صنديد، وهو السيد الشريف الشجاع، أو الحليم الجواد، أو الشريف.
كرة العدو: رجوعه.
لالجمنه بالسيف - يروى بالجيم والحاء المهملة وهو فيهما رباعي، فمن رواه بالجيم فمعناه لاضربن به في وجهه، ومن رواه بالحاء فمعناه: لاقطعن لحمه بالسيف ولا خالطنه.
جنادة بضم الجيم والتخفيف.
مليحة: بميم مضمومة فلام مفتوحة فتحتية ساكنة فحاء مهملة.
يستأسر بكسر السين الثانية.
عظم الناس - بضم العين المهملة وإسكان الظاء المعجمة المشالة - أي أكثرهم.
شرح غريب ذكر مقتل أبي جهل بين أضلع منهما - بضاد معجمة ساكنة فلام مفتوحة فعين مهملة - أي أقوى وأشد، وفي لفظ عند البخاري: أصلح.
قال في المطالع: والأول أوجه.
غمزني: الغمز: الكبس باليد.
السواد: هنا الشخص.
لم أنشب - بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الشين المعجمة فموحدة - أي لم ألبث.
الحرب العوان: التي قوتل فيها مرة بعد مرة.
البازل - بالزاي واللام - من الابل: الذي خرج نابه وهو في ذلك السن به قوته، ويقال: هذا الرجز ليس لابي جهل وإنما تمثل به.
الحرجة - بفتح الحاء المهملة والراء والجيم - وهي مجتمع شجر ملتف كالغيضة، والجمع حراج وحرج.
وقال في الاملاء: الحرجة: الشجرة الكثيرة الاغصان.
لا يخلص (بالبناء للمفعول).
عمدت: قصدت.
طاح الشئ يطوح ويطيح، إذا سقط وهلك.
مرضخة النوى، بالحاء المهملة والمعجمة.
وقيل: الرضح - بالحاء المهملة: كسر اليابس، وبالمعجمة كسر الرطب.
قال في الاملاء: المرضخة: الحجر الذي يكسر به النوى.
أجهضني - بالجيم والضاد المعجمة بعد الهاء -: شغلني.
تمطيت: مددت بين يدي.(4/150)
برد - بموحدة وراء مفتوحتين - أي مات، هكذا فسروه.
ووقع في رواية السمرقندي في مسلم حتى برك - بكاف بدل الدال - أي سقط، وكذا رواه الامام أحمد، قال القاضي: وهذه الرواية أولى لانه قد كلم ابن مسعود، فلو كان مات كيف كان يكلمه ؟ ! قال الحافظ: ويحتمل أن المراد بقوله برد أي صار في حالة من يموت ولم يبق فيه شئ سوى حركة المذبوح فأطلق عليه باعتبار ما سيؤول إليه، ومنه قيل للسيوف: بوارد، أي قواتل، وقيل لمن قتل بالسيف: أصابه مس الحديد، لان طبع الحديد البرودة.
وقيل: معنى برد: فتر، جد في الامر حتى برد، أي فتر، وبرد النبيذ: سكن غليانه.
بصق - بالصاد والزاي أيضا -: أخرج ريقه ورمى به.
عقير: قتيل.
أثبته: أصاب مقاتله.
الرمق - بفتحتين -: بقية الحياة.
المأدبة - بضم الدال وفتحها - الطعام.
جدعان (بجيم مضمومة فدال مهملة ساكنة فعين مهملة).
جحش - بجيم فحاء مهملة فشين معجمة مبنى للمفعول -: خدش.
مقنعا (بميم مضمومة فقاف فنون مشددة مفتوحتين).
أنقف رأسه: أهشمه.
أعمد - بالعين والدال المهملتين - أي هل زاد على رجل قتله قومه، وهل كان إلا هذا،
أي أنه ليس بعار: وقيل: أعمد بمعنى أعجب، أي أعجب من رجل قتله قومه، يقال: أنا أعمد من كذا أي أعجب منه، وقيل: أعمد بمعنى أغضب، من قولهم: عمد عليه، إذا غضب.
وقيل: معناه أتوجع وأشتكي، من قولهم: عمدني الامر فعمدت، أي أوجعني فوجعت، والمراد بذلك كله أن يهون على نفسه ما حل به من الهلاك، وأنه ليس بعار عليه أن يقتله قومه.
الاكار - بتشديد الكاف -: الزراع، يعني بذلك أن الانصار أصحاب زرع، فأشار إلى تنقيص من قتله منهم بذلك.
ووقع في مسلم: لو غيرك كان قتلني.
قال الحافظ: وهو تصحيف.
الدبرة: نقيض الدولة، والظفر والنصرة (وتفتح الباء وتسكن).
الدائرة، الهزيمة.
سابغة البيضة: ما يوصل به إليها من حلق الدرع فيستر العنق.(4/151)
أجهز عليه: أسرع قتله.
الله الذي لا إله إلا هو، قال في الروض: الاسم الجليل بالخفض عند سيبويه وغيره، لان الاستفهام عوض عن الخافض عنده، وإذا كنت مخبرا قلت: الله بالنصب، لا يجيز المبرد غيره، وأجاز سيبويه الخفض أيضا لانه قسم، وقد عرف أن المقسم به مخفوض بالباء وبالواو، ولا يجوز إضمار حروف الجر إلا في هذا الموضع، أو ما كثر استعماله جدا، كما روى أن رؤبة كان يقول إذا قيل له: كف أصبحت ؟ خير عافاك الله.
الخدر، قال في النور الظاهر أنه بخاء معجمة فدال مهملة فراء.
يقال: خدر الرجل يخدر خدورا: ورم من الضرب، والمنى أن السياط قد بضعت جلده وادمته، وفي نسخة من العيون بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة، والخدر معروف ولا يناسب ذلك.
قتلة بكسر القاف.
حدجة حنظل - بفتح الحاء والدال المهملتين فجيم فتاء تأنيث -: الحنظلة الفجة
الصلبة، وجمعها حدج.
المقمعة - بكسر الميم الاولى - سوط يعمل من حديد رأسها معوج.
شرح غريب ذكر انقلاب العرجون سيفا وغريب بركة أثر ريقه العرجون - بضم العين المهملة -: أصل العذق الذي يعوج وينعطف ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخلة يابسا.
جذلا من حطب - بكسر الجيم وفتحها وإسكان الذال المعجمة -: واحد الاجذال، وهي أصل الحطب، والمراد هنا العرجون.
المتن: الظهر.
يسمى العون (بفتح العين المهملة وإسكان الواو وبالنون).
الاعزل - بفتح الهمزة وسكون العين المهملة -: الذي لا سلاح معه.
من نخل ابن طاب - بطاء مهملة فألف فموحدة -: نوع من أنواع تمر المدينة منسوب إلى ابن طاب: رجل من أهلها.
جسر أبي عبيد بالجيم المكسورة.
لامه بالهمز وزن جذبه، وفي لغة بالمد على وزن آذنه، أي جمعه وضم بعضه إلى بعض.(4/152)
الحدقة - بالتحريك -: سواد العين.
أجل: كنعم وزنا ومعنى.
كرة العدو - بالتشديد -: رجوعه.
الوجنة - بالجيم مثلثة الواو، وبفتحتين، وكنبقة - والاجنة بالضم: مانتأ من لحم الخد، وهما وجنتان.
ومشرف الوجنتين: عالي عظام الخدين.
الاثخان - بالثاء المثلثة والخاء المعجمة -: المبالغة في الشئ، والمراد هنا المبالغة في قتل الكفار.
شرح غريب ذكر انهزام المشركين رئي بالبناء للمفعول.
مصلتا بالسيف: بارزا بالسيف من غمده.
الدبر - بضم الدال المهملة والموحدة - خلاف القبل.
يثب: يقفز.
لمه: استفهامية حذفت ألفها، لدخول حرف الجر والهاء للسكت.
نفلق: نشق.
الهام: جمع هامة: الرأس.
شرح غريب ذكر سحب الكفار إلى قليب بدر الطوي - بفتح الطاء المهملة وكسر الواو وتشديد التحتية -: البئر المطوية، فعيل بمعنى مفعول، وطيها بناؤها بالحجارة.
فتزايل - بفاء فوقية فزاي فألف فتحتية فلام - أي تفرقت أعضاؤه.
العرصة - بإسكان الراء -: البقعة التي ليس فيها بناء.
شفا البئر - بفتح الشين المعجمة والفاء مقصورا -: حرفه.
الشفير - بالشين المعجمة والفاء - من كل شئ: حرفه وجانبه.
الركي - بالراء المفتوحة - والركية - البئر.
يا عتبة بن ربيعة، يجوز في عتبة ضم التاء ونصب نون ابن، ونصبهما جميعا، وعلى الأول يكتب ابن بألف وعلى الثاني تحذف، لانه جعل الابن مع ما قبله اسما واحدا، وإذا قلت: يا أبا جهل ابن هشام، إن نونت اللام كتبت ابن بالالف، وإن لم تنون حذفتها.(4/153)
أجيفوا: صاروا جيفا.
الاماثل: الاخيار.
شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه الكثيب -: بالمثلثة - التل من الرمل.
القشيب - بقاف مفتوحة فشين معجمة مكسورة فمثناة تحتية فموحدة -: الجديد.
والقشيب: الخلق - بكسر اللام - كما ذكره في المحكم والمنتهى، وهو المراد هنا، لانهم إذا وصفوا الرسوم أو شبهوها بالكتاب في الورق القشيب، فإنما يصفون الخط حينئذ بالدروس والانمحاء، فإن ذلك أدل على إعفاء الديار وطموس الآثار.
الجون - بفتح الجيم هنا -: السحاب الاسود.
الوسمي - بفتح الواو -: مطر الخريف.
المنهمر: الذي ينصب بشدة.
سكوب - بفتح السين المهملة - أي كثير السيلان.
يبابا - بمثناة تحتية وموحدتين - أي خرابا مقفرا.
الكئيب - بفتح الكاف وكسر الهمزة -: الحزين.
كأن: حرف تشبيه.
حراء: اسم جبل بمكة.
جنح الغروب: - بكسر الجيم وضمها وسكون النون وفتح الحاء المهملة - أي حين تميل الشمس للغروب.
الغاب - بالغين المعجمة - جمع غابة، وهو الشجر الملتف يكون فيه الاسود.
مردان جمع أمرد، وهو الذي أبطأ نبات وجهه.
الشيب - بكسر الشين المعجمة - جمع أشيب، وهو الذي دخل في حد الشيب.
وازروه: أعانوه.
اللفح، يروى بالفاء، والمراد الحر، يقال: لفحته النار، إذا أصابه حرها وبالقاف، ومعناه الزيادة والنماء.
يقال: لقحت الحرب، إذا زاد أمرها.
الصوارم: السيوف.
المرهفات - بالفاء -: القاطعات.(4/154)
الخاظي - بخاء وظاء مشالة معجمتين - الغليظ الممتلئ.
الكعوب: عقد القناة.
الغطاريف - بغين معجمة -: السادة، واحدهم غطريف، وحذف الياء في النظم للوزن.
في الدين الصليب: الشديد.
الجبوب - بفتح الجيم وضم الموحدة - قال في الاملاء: وجه الارض.
وقال في الروض: الجبوب: اسم للارض، لانها تجب أي تحفر، أو تجب من يدفن فيها، أي تقطعه، وهذا أولى.
انتهى.
وقال بعض اللغويين: الجبوب: المدر، واحدته جبوبة.
قذفناهم: رميناهم.
الكباكب: الجماعات.
فسحب (بالبناء للمفعول).
شرح غريب ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة الاثيل - بضم أوله مصغرا على وزن حميد -: موضع بالصفراء.
العقيق: الوادي الذي شقه السيل قديما وهو في بلاد العرب عدة مواضع، منها العقيق الاعلى عند مدينة النبي صلى الله عليه وسلم.
العالية: كل ما كان من جهة نجد من المدينة وقراها وعمائرها.
وما دون ذلك من جهة تهامة فهي السافلة.
يشتدون: يعدون.
الفل - بفتح الفاء - القوم المنهزمون، من الفل، ومن الكسر.
الهيعة - بفتح الهاء وسكون التحتية وفتح العين المهملة - كل ما أفزع من صوت أو فاحشة تشاع.
وقال أبو عبيد: هي صيحة الفزع.
البقيع: المكان المتسع، ويقال: الموضع الذي فيه شجر، والمراد هنا بقيع الغرقد بالمدينة الشريفة، كان ذا شجر وبقي الاسم.
علية أصحابه - بكسر العين وسكون اللام -: أشرافهم.
المرجف: الخائض في الاخبار الكاذبة والفتن، ليضطرب أمر الناس.(4/155)
شرح غريب ذكر اختلاف الصحابة في الفئ وفيما يفعل بالاسرى الفئ بالهمزة: الخراج والغنيمة.
يحوزونه - بالحاء المهملة والزاي -: يضمونه ويجمعونه.
أحدقت: أحاطت.
الغرة بالكسر: الغفلة.
المشيخة: اسم جمع للشيخ، وجمعها مشايخ.
الشبان: جمع شاب، وهو غير المكتهل.
الردء وزن حمل: المعين.
يبلي بلائي: يفعل فعلي.
الضن - بكسر المعجمة وتشديد النون -: البخل.
أفردت (بضم الهمزة وكسر الراء مبني للمفعول والتاء للمخاطب).
المضيعة - بكسر الضاد المعجمة - مفعلة من الضياع والاطراح ; كأنه قال فيه: ضائع، فلما كان عين الكلمة ياء وهي مكسورة نقلت حركتها إلى العين فسكنت الياء فصار وزن
معيشة.
القبض - بفتح القاف وبالموحدة والضاد المعجمة - بمعنى المقبوض، وهو ما جمع من مال الغنيمة قبل أن يقسم.
إصلاح ذات البين: إصلاح الفساد بين القوم، والمراد إسكان الثائرة.
العشيرة: القبيلة، ولا واحد لها من لفظها، وجمعها عشائر وعشيرات.
أدنى من هذه الشجرة: أقرب منها.
الظفر: الفوز والفلاح.
العضد - بعين مهملة فضاد معجمة -: الناصر والمعين.
أضرمه عليهم: أحرقه.
شرح غريب ذكر رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا: راجعا.
قرير العين: مسرورا، يقال: قرت عينه أي سر وفرح ; وحقيقته: أبرد الله دمعة عينه ; لان دمعة الفرح والسرور باردة، وقيل: معنى أقر الله عينك: بلغك أمنيتك حتى ترضى لنفسك، وتسكن عينيك، فلا تستشرف إلى غيره.(4/156)
النازية - بالزاي وتخفيف المثناة التحتية -: موضع واسع بين مسجد المنصرف بآخر الروحاء وبين المستعجلة.
سير - بسين مهملة فتحتية مفتوحتين -: كثيب بين النازية والصفراء، كانت به قسمة غنائم بدر، وقيل: بالموحدة المشددة المكسورة، وقيل: بشين معجمة مفتوحة وتحتية مشددة مكسورة.
السرحة: الشجرة العظيمة.
يضرب في إبله: يلقحها.
ثكلته: فقدته.
السلب - بفتح اللام -: ما يسلب ; أي يؤخذ، والجمع أسلاب.
قال في البارع: وكل شئ على الانسان من لباس فهو سلب.
أحذى مماليك - بالذال المعجمة - أعطى.
السهمان - بضم السين - والاسهم وهو النصيب.
الصفي والصفية: ما يصطفيه الرئيس من المغنم قبل القسمة.
ولهذا مزيد بيان في الخصائص.
مهريا - بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الراء - قيل نسبته إلى مهرة وزن ثمرة: حي في قضاعة، وقيل إلى مهرة: بلدة من عمان.
المجد: الشرف.
السؤدد: السيادة.
حلما أصيلا: ثابتا.
اللب: العقل.
الاشعث: المتغير.
الجذل - بالجيم والذال المعجمة -: أصل كل شجرة ذهب رأسها، قال في التقريب: وزاد أهل الغريب الفتح.
ولم أره في كتاب لغة.
الابرام: جمع برم، وهو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر لبخله.
المحل: القحط.
الزفزف - بزاءين معجمتين وفائين - الريح الشديدة السريعة المرور.(4/157)
التشبيب: إيقاد النار تحت القدر ونحوها.
أزبدت: ألقت زبدها وهو رغوة غليانها.
يذكي بالذال المعجمة: يوقد.
الجزل - بفتح الجيم وكسرها وسكون الزاي المعجمة -: الغليظ.
المستنبح: - بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح الفوقية وسكون النون وكسر الموحدة وبالحاء المهملة - الرجل الذي يضل بالليل فينبح لتسمعه الكلاب ; فيعلم بذلك موضع العمران فيقصده.
الرسل - بكسر الراء -: اللبن.
يا راكبا: نكرة غير مقصودة.
الاثيل: تقدم.
مظنة - بفتح أوله وكسر الظاء المعجمة المشالة وفتح النون المشددة المفتوحة -: موضع إيقاع الظن به.
ما إن تزال: إن زائدة.
تخفق - بفتح المثناة الفوقية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء وآخره قاف - أي تسرع.
العبرة - بفتح العين المهملة -: الدمعة.
مسفوحة: جارية.
الواكف: السائل.
تخنق (بخاء معجمة ساكنة فنون مضمومة).
أمحمد: الهمزة للنداء ونونت للوزن، وفي لفظ أمحمدا ; أرادت يا محمداه، على الندبة.
الضنء - بفتح الضاد المعجمة فنون ساكنة فهمزة - وهو الاصل ; يقال: هو كريم الضنء، أي الاصل.
والضنء: الولد.
يقال: ضنئت المرأة وأضنأت تضنأ، إذا ولدت.
الفحل: الذكر.
المعرق - بضم أوله وبسكون المهملة وكسر الراء وفتحها -: الكريم.
مننت: أنعمت، المنة: النعمة.
ومن رواه: صفحت فمعناه عفوت، والصفح: العفو.
المغيظ - بفتح الميم وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة - وهو بمعنى المحنق: الشديد الغيظ.(4/158)
النضر أقرب من أسرت: أرادت أقرب مني ; لان الاسارى كان فيهم العباس ونوفل وعقيل وهم أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النضر.
يعتق - بضم أوله وفتح ثالثه وروي بكسر ثالثه - ومعناه إن كان شرف ونجابة وكرم نفس وأصل يعتق صاحبه فهو أحق به.
تنوشه - بمثناة فوقية مفتوحة فنون مضمومة فواو فشين معجمة - أي تتناوله.
تشقق - بضم الفوقية وفتح الشين المعجمة وتشديد القاف الاولى - أي تقطع.
الصبر هنا القتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ، ويروي: قسرا - بسين مهملة - أي قهرا.
متعبا: اسم مفعول من التعب.
الرسف - بفتح الراء وسكون السين المهملة وفتح الفاء -: المشي الثقيل كمشي المقيد ونحوه.
يقال: هو يرسف في قيوده، إذا مشى فيها.
العاني - بالمهملة والنون -: الاسير.
اخضلت: ابتلت من الدموع.
رق لها: رحمها.
يغمز فيها: يتكلم في صحتها.
الصبية والصبيان: جمع صبي.
وقول عمر: حن قدح - بكسر القاف وسكون الدال المهملة - ليس منها ; أي من قريش يعرض بنسب عقبه، وذلك أن اسم أبي معيط أبان بن ذكوان بن أمية، وكان أمية قد ساغ أمة أو
بغت له أمة فحملت بذكوان، فاستلحقه بحكم الجاهلية.
وقداح الميسر ربما جعل معها قدح مستعار سمي المنيح، فإذا حرك في الربابة مع القدح تميز صوته ; لمخالفة جوهره جوهر القداح فيقال حينئذ: قدح ليس منها.
الروحاء: تقدمت.
عجائز: جمع عجوز.
قال ابن سيده: العجوز والعجوزة من النساء: الهرمة، الاخيرة قليلة، والجمع عجز وعجائز.
صلعا: جمع صلعاء - بفتح الصاد - والرجل أصلع.
والصلع - بالتحريك: - انحسار الشعر عن مقدم الرأس.
والمعنى: ما قتلنا إلا مشايخ عجزة عن الحرب.(4/159)
الملا: الاشراف.
ثنيات الوداع: تقدم الكلام عليها في دخوله صلى الله عليه وسلم المدينة.
شرح غريب أبيات أبي عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر رحمه الله بدا: ظهر.
المواكب: جمع موكب، وهو جماعة ركاب يسيرون برفق، وهم أيضا القوم الركوب للزينة والتنزه.
شردهم: طردهم.
المشرفي: قال في الصحاح: المشرفية: السيوف نسبت لمشارف، أي بالفاء، وهي قرية من أرض العرب تدنو من الريف.
يقال: سيف مشرفي، ولا يقال: مشارفي، لان الجمع لا ينسب إليه إذا كان على هذا الوزن.
المجندل: المطعون والملقى على الجدالة، وهي الارض.
العوالي: جمع عالية، وهي السنان من القناة.
سلا عنهم: فعل أمر مسند لاثنين، من السؤال.
يوم السلا: كالحصا الذي يكون فيه الولد، ويأتي الكلام على ذلك مبسوطا في جماع أبواب إجابة دعواته صلى الله عليه وسلم.
شرح غريب ذكر وصول الاسارى إلى المدينة الشريفة الحجرة: واحدة الحجر، وهي البيوت.
السريد - بسين مهملة - تعني به الثريد، كذا ذكره البلاذري وغيره، وفيه نظر، لان سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان من فصحاء العرب، ونشأ بينهم، فكيف يأتي بالثاء المثلثة سينا ؟ وكيف يقر على ذلك في حالة الصغر ؟ شرح غريب ذكر وصول خبر مصاب اهل بدر إلى أهليهم الخوالف: المخلفون عن المرتحلين، وهو جمع خالفة لا جمع خالف، لان فاعلا لا يجمع على فواعل إلا ما شذ، والخالفة: تأنيث الخالف، وهو الذي قعد بعد خروج غيره.
الابطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصا، وهو هنا ما بين المحصب ومكة.
ذو طوى - بتثليث الطاء -: واد بمكة يصرف ولا يصرف.(4/160)
وقيعة - بفتح الواو وكسر القاف فتحتية ساكنة فعين مهملة مفتوحة فتاء تأنيث -: القتال، والجمع الوقائع، وهذا مجاز.
بأنفذ صوته: أبعده وأعلاه.
أبادت: أهلكت.
الخرائد جمع خريدة: اللؤلؤة التي لم تثقب، والمراد العذراء.
الترائب: جمع تريبة: عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الثندوة.
ويح: كلمة تقال لمن وقع في هلكة.
جار - بالجيم والراء - وفي بعض النسخ من العيون: حاد - بالمهملتين - أي مال.
كبته الله: أذله وأخزاه.
الطنب - بضم الطاء المهملة والنون وبالموحدة - حبل الخباء، وطرف الحجرة.
منحناهم أكتافنا: أعطيناهم إياها.
ما تليق - بمثناة فوقية مضمومة فلام مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فقاف - أي ما تبقي شيئا.
وايم الله - بهمزة وصل، وفي لغة بالقطع، وفتح همزتها وتكسر - أي يمين الله قسمي.
يأسرون (بكسر السين).
لقينا القوم - بإسكان المثناة التحتية - والقوم منصوب، ويجوز فتح الياء والقوم بالرفع، والأول أولى لقوله: منحناهم أكتافنا، ليتسق الكلام.
ثاورته - بثاء مثلثة -: نهضت إليه.
العدسة - بفتح العين والدال والسين المهملات فتاء تأنيث -: بثرة تشبه العدسة تخرج في موضع من الجسد، تقتل صاحبها غالبا.
السبة - بسين مضمومة مهملة فموحدة مشددة - أي فعل السبة.
تقول: هذا رجل سبة، أي يسبه الناس.
شرح غريب نوح أهل مكة على قتلاهم تستأنوا - بمثناة مفتوحة فسين مهملة ساكنة فمثناة فوقية فألف فنون - أي تؤخرون فداهم.
لا يأرب عليكم في الفداء - بمثناة تحتية مفتوحة فهمزة ساكنة فموحدة - أي يشدد.(4/161)
السهود - بضم السين المهملة -: عدم النوم.
البكر - بفتح الموحدة وسكون الكاف -: الفتي من الابل.
تقاصرت الجدود - بضم الجيم - جمع جد بفتحها، وهو هنا البخت والسعد.
شرح غريب ذكر فرح النجاشي الاخلاق: جمع خلق بفتحتين، يقال: خلق الثوب بالضم، إذا بلي، وخلق، بفتحتين، وأخلق الثوب، لغة.
شرح غريب ذكر إرسال قريش في فداء الاسارى حذقوا - بحاء مهملة فذال معجمة - مهروا وعرفوا.
خندف: اسم قبيلة، وتقدم في الباب الأول الكلام عليه.
أحل (بالبناء للمفعول).
النحب - بفتح النون وإسكان المهملة - نائب الفاعل، وهو أشد البكاء.
يظلم: يطلب ظلمه، ومن رواه يطلم - بالمهملة - فهو كذلك، إلا أنه غلب الطاء المهملة على الظاء المعجمة حين أدغمها.
ذوا الشفر كل شئ: حده، ووقع في الرواية هنا بضم الشين وفتحها.
الاعلم: المشقوق الشفة العليا فلهذا قيده.
والافلح: المشقوق الشفة السفلى.
يدلع لسانه - بفتح المثناة التحتية فدال مهملة ساكنة فلام مفتوحة فعين مهملة ساكنة - لانه جواب شرط مقدر، أي يخرج.
يقال: دلع لسانه وأدلعه.
ما بدا لهم: ما ظهر لهم.
شرح غريب بيتي أبي سفيان وبيتي حسان الكبل - بكاف مفتوحة فموحدة ساكنة -: القيد.
العضب - بعين مهملة فضاد معجمة -: السيف.
الحسام: السيف القاطع أيضا.
صفراء، يعني قوسا.
النبع: شجر ينبت بالجبال، واحدة نبعة، وهو شجر تصنع منه القسي.
تحن - بمثناة فوقية فحاء مهملة فنون - أي يصوت وترها.(4/162)
أنبضت - بضم وسكون النون وكسر الموحدة وفتح الضاد المعجمة - أي مد وترها.
والانباض: أن يحرك وتر القوس ويمد.
يأجج - بفتح المثناة التحتية وسكون الهمزة بعدها جيمين الاولى مثلثة -: اسم واد بقرب مكة.
لا يظاهر عليه أحدا، أي لا يعين عليه أحدا.
الختن - بخاء معجمة فمثناة فوقية فنون - وهو عند العرب: كل من كان من قبل المرأة كالاب والاخ.
وختن الرجل عند العامة: زوج ابنته.
وقال الازهري: الختن.
أبو المرأة، والختنة: أمها.
قلادة - بقاف مكسورة ثم دال مهملة -: ما جعل في العنق.
وتقلد: لبسها.
بنى بها: دخل عليها، وتقدم الكلام عليه مبسوطا.
شرح غريب أبيات أبي عزة الجمحي بؤئت: نزلت فينا منزلة.
قال تعالى: (لنبو أنهم من الجنة غرفا) [ العنكبوت 58 ].
يؤوب: يرجع.
والاوب: الرجوع.
شرح غريب ذكر عدد المسلمين النهر هنا نهر الاردن، وهو معروف ببلاد الشام.
النيف - بفتح النون وتشديد التحتية، وقد تخفف -: هو ما بين العقدين.
شرح غريب التنبيه الرابع والعشرين حارثة - بالمهملة والمثلثة - وأمه هي الربيع - بالتشديد - بنت النضر، عمة أنس.
أهبلت - بضم الهمزة بعدها هاء فموحدة مكسورة - أي أثكلت، وهو بوزنه.
وقد تفتح الهاء، فيقال: هبلته أمه تهبل - بتحريك الباء -: ثكلته.
شرح غريب أبيات حمزة رضي الله عنه الحين: الهلاك.
أفادهم: من رواه بالفاء فمعناه أهلكهم، يقال: فاد الرجل وفاظ وفطس، إذا مات، ومن رواه بالقاف فهو معلوم.(4/163)
فحانوا - بالحاء المهملة والنون -: هلكوا.
الرهون: جمع رهن.
الركية - بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية -: البئر التي لم تطو.
لم نبغ: لم نطلب.
ثاروا - بالمثلثة -: نهضوا.
القدر - بفتح القاف وسكون الدال وبفتحها -: ما يقدره الله من القضاء.
مثنوية - بميم مفتوحة فمثلثة ساكنة - أي رجوع وانصراف.
المثقفة: الرماح المقومة.
والثقاف - بالثاء المثلثة -: الخشبة التي تقوم بها الرماح.
بيض - بكسر الموحدة وبالضاد المعجمة - جمع، أبيض وهو السيف.
يختلي - بالخاء المعجمة -: يقطع.
الهام: الرؤوس، جمع هامة.
الاثر - بضم الهمزة وسكون الثاء المثلثة - هو وشي السيف وهو فرنده، أي ربده.
ثاويا: مقيما.
تجرجم - بضم المثناة الفوقية وفتح الجيمين بينهما راء ساكنة - أي تصرع.
يقال فمعناه سقط.
الجفر: يروى بجيم مفتوحة وبالحاء المهملة وبالفاء معهما، والفاء في رواية الجيم مفتوحة وسكنت للضرورة، فمن رواه بالجيم أراد البئر المتسعة، ومن رواه بالحاء فكذلك.
تفرعن - بفوقية ففاء فراء مشددة -: علون.
الذوائب - بالذال المعجمة - الاعالى عنا.
الحماة بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم - جمع حام وهو الناصر.
فشقت (بالبناء للمفعول).
جيوب - بكسر الجيم وضمها - جمع جيب.
وجيوب الثاني مرفوع بدل من الاول.
قتلوا (بالبناء للمفعول).
محتضر - بفتح الضاد المعجمة - أي لم يحضره النصر.
لواء ضلال (بالنصب بدل من لواء الاول).(4/164)
قاد: (بالقاف).
خاس - بالخاء المعجمة والسين المهملة -: غدر.
يقال: خاس بالعهد يخيس، إذا غدر به.
القسر - بفتح القاف وإسكان المهملة -: القهر والغلبة.
خبر (بضم الخاء المعجمة وإسكان الموحدة).
تورطوا: وقعوا في هلكة.
المسدمة - بضم الميم الاولى وفتح السين والدال المشددة المهملتين -: الفحول من الابل الهائجة التي سدت أفواهها من شدة هيجانها، شبه جمعهم بالابل الهائجة لاجتهادهم على الحرب وهيجانهم عليه رضى الله عنهم.
ثم - بفتح المثلثة -: هناك.
الزهر - بضم الزاي والهاء -: البيض.
المأزق - بالزاي والقاف -: الموضع الضيق في الحرب.
شرح غريب أبيات علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أبلى رسوله: من عليه وأنعم وصنع له صنيعا حسنا.
الاسار: الاسر.
راعت قلوبهم: مالت عن الحق.
الخبل - بفتح الخاء المعجمة وسكون الموحدة -: الفساد، وهو قطع بيض الاعضاء.
بيض خفاف - بخاء معجمة وفاءين - يعني السيوف.
عصوا - بعين فصاد مهملة -: ضربوا.
يقال: عصيت بالسيف، إذا ضربت به.
وقد يقال فيه: عصوت أيضا.
وإذا أخبرت عن جماعة قلت: عصوا - بضم الصاد - كما يقال عموا، ومن العصا تقول: عصوا، كما تقول: غزوا.
حادثوها - بحاء فدال مهملتين فثاء مثلثة -: تعهدوها.
الناشئ - بالشين المعجمة -: الصغير.
الحفيظة: الغضب.
الاسبال: الارسال، يقال: أسبل دمعه، إذا أرسله.
الرشاش: المطر الضعيف.(4/165)
الويل - بفتح الواو وسكون الموحدة -: المطر الشديد، فاستعارهما هنا للدمع.
النوائح: جمع نائحة.
ذا الرجل - بكسر الجيم -: الاسود بن عبد الاسد، قطع حمزة رضي الله عنه رجله على الحوض.
ابن جدعان (بضم الجيم وإسكان الدال المهملة).
المسلبة - بميم مضمومة فسين مهملة فلام مشددة فموحدة مفتوحات - وهي المرأة التي تلبس الحداد، وهي الثياب السود التي تلبسها الثكلى.
حرى - بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين -: محترقة الجوف من الحزن.
الثكل - بضم المثلثة: - فقد الحبيب.
مرمقة - بضم الميم وفتح الراء والميم الثانية المشددة والقاف -: الضعيفة، من الرمق وهو الشئ اليسير الضعيف.
الشغب (بفتح الشين وسكون الغين المعجمتين).
شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه المعقل - بميم مفتوحة فعين ساكنة فقاف مكسورة فلام -: الموضع الممتنع.
يمشون (بمثناة تحتية مضمومة فميم فشين معجمة مشددة مفتوحتين).
الماذي - بذال معجمة فتحتية مشددة -: الدروع البيض اللينة.
النقع: الغبار.
ثائر: مرتفع.
مستبسل - بميم مضمومة فسين مهملة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فموحدة ساكنة فسين أخرى فلام -: موطن نفسه على الموت.
عريت (بضم العين المهملة وكسر الراء المشددة وفتح المثناة التحتية).
خفاف (بخاء معجمة وفاءين).
المقابيس: جمع مقباس، وهي القطعة من النار.
يزهلها: يستخفها ويحركها، ومن رواه يزهيها فهو كذلك أيضا.
أبدنا: أهلكنا.
الحين - بفتح الحاء -: الهلاك.(4/166)
عاثر - بمهملة وثاء مثلثة -: ساقط، ومن عافر - بالفاء - فهو الذي لصق بالعفر، وهو التراب.
التيمي: عبد الله بن جدعان.
الوغى - بالغين المعجمة والقصر -: الجلبة والاصوات في الحرب.
تلظى: تلتهب.
شب: أوقد.
الزبر (بفتح الباء إلا أنه سكنها ضرورة).
ساجر - بالجيم -: موقد، يقال: سجرت التنور، إذا أوقدته.
حمه الله - بفتح الحاء المهملة والميم المشددة - أي قدره.
شرح غريب أبيات حسان بن ثابت رضي الله عنه تبلت - بمثناة فوقية فموحدة فلام مفتوحات فتاء تأنيث -: أسقمت وأفسدت.
في المنام: يجوز أن يكون أراد بالمنام النوم، وموضع النوم، ووقت النوم، لان مفعلا يصلح في هذا كله في ذوات الواو، وقد تسمى العين مناما لانها موضع النوم.
الخريدة - بالخاء المعجمة -: الجارية الحيية الناعمة، واللؤلؤة التي لم تثقب.
العاتق بالقاف - الخمر القديمة.
ويقال: التي لم يفض ختامها، ومن رواه بالكاف فهي أيضا الخمر القديمة التي احمرت.
والقوس إن قدمت واحمرت قيل لها: عاتكة.
المدام: من أسماء الخمر.
نفج - بضم النون والفاء - فمن رواه بالجيم فمعناه مرتفعة، ومن رواه بالخاء المهملة فمعناه متسعة الحقيبة، والأول أحسن.
الحقيبة - بفتح الحاء المهملة وكسر القاف وسكون التحتية وفتح الموحدة -: ما يجعله الراكب وراءه، فاستعاره هنا لردف المرأة.
البوص - بموحدة وصاد مهملة -: الردف.
متنضد: علا بعضه بعضا، من قولك: نضدت المتاع، إذا جعلت بعضه فوق بعض.
بلهاء: - بفتح الموحدة وسكون اللام -: غافلة.
وشيكة: سريعة.
الاقسام: جمع قسم وهو اليمين، ومن رواه بكسر الهمزة أراد المصدر.(4/167)
القطن - بفتح القاف والطاء المهملة -: ما بين الوركين إلى ما بعد الظهر.
أجم - بفتح الهمزة والجيم والميم المشددة -: ممتلئ باللحم غائب العظام.
فضلا - بضم الفاء والضاد المعجمة - نصب على الحال، أي كأن قطنها إذا كانت فضلا، فهو حال من الهاء في كأنه، وإن كان الفضل من صفة المرأة لا من صفة القطن، ولكن لما كان القطن بعضها صار كأنه حال منها، ولا يجوز أن يكون حالا من المصدر في قعدت، لاحتمال أن يعمل ما بعد إذا فيما قبلها.
والفضل من الرجال والنساء: المتوشح في ثوب واحد.
المداك - بفتح الميم والدال المهملة والتخفيف -: الحجر الذي يسحق عليه الطيب، قاله في الاملاء.
وقال في الروض: صلاءة الطيب.
الرخام: نوع من الحجر الصلب.
الخرعبة - بخاء معجمة مفتوحة فراء ساكنة فعين مهملة فموحدة مفتوحتين -: اللينة الحسنة القوام.
وأصل الخرعبة الغصن الناعم.
توزعني - بمثناة مضمومة فواو ساكنة فزاي مكسورة فعين مهملة مضمومة -: تغويني وتولعني.
أقسمت أنساها، أي لا أنساها.
الضريح: شق القبر.
يقال: ضرح الارض إذا شقها.
الكرى: النعاس.
يكرب: يحزن من الكرب، وهو الحزن.
عمره: مدة حياته، ومن رواه بالغين المعجمة فالغمر: الكثير.
المعتكر - بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية وكسر الكاف -: الابل التي يرجع بعضها على بعض فلا يمكن عدها لكثرتها.
الاصرام - بصاد مهملة -: جمع صرم وهي القطعة من الابل.
الطمرة - بكسر الطاء المهملة والميم وفتح الراء المشددة -: الفرس الكثيرة الجري.
تذر: تترك.
العناجيج جمع عنجوج، وهو الطويل السريع.
الدموك - بالدال المهملة -: البكرة بآلتها.
وقال في الروض: دمكه دمكا، إذا طحنه طحنا سريعا، وبكرة دموك، أي سريعة المر، وكذلك رحى دموك.(4/168)
المحصد - بميم مضمومة فحاء ساكنة فصاد مفتوحة فدال مهملات -: الحبل المحكم الفتل.
الرجام - بكسر الراء - قال في الاملاء: حجر يربط في الدلو ليكون أسرع لها عند إرسالها في البئر.
وقال في الروض: الرجام واحد الرجامين، وهما الخشبتان اللتان تلقى عليهما البكرة.
الفرجان هنا: ما بين يديها وبين رجليها، يعني أنها ملاتهما جريا.
ارمدت - بتشديد الدال المهملة - وفي الرواية: فارقدت - بالقاف - والمعنى واحد.
قال بعض اللغويين: الارقاد: السرعة بعد نفور.
ثوى - بالثاء المثلثة -: أقام.
المعرك والمعركة: موضع الحرب.
يشب: يوقد.
السعير: النار الملتهبة.
الضرام - بكسر الضاد المعجمة -: ما توقد به النار.
دسنه - بضم الدال - من الدوس.
وطينه ودرسنه.
الحوامي: جمع حامية وهي جانب الحافر.
يشد (بضم أوله).
الصقر - بصاد مهملة فقاف - وهو من سبع الطير واحد الجوارح، سمي به الشجاع لما اشتهر عن الصقر من الشهامة والاقدام على الصيد، ولانه إذا تشبث بشئ لم يفارقه حتى يأخذه.
مجدل - بضم الميم وفتح الجيم والدال المشددة -: صريع بالارض.
واسم الارض الجدالة.
الشوامخ: الاعالي.
الاعلام: جمع علم، وهو الجبل العالي.
الهمام: السيد الذي إذا هم بأمر فعله.
القصار هنا: الذين قصر سعيهم عن طلب المكارم، ولم يرد به قصار القدود.(4/169)
السميدع - بفتح السين وفتح الميم وسكون التحتية وفتح الدال وبالعين المهملتين -: السيد.
شرح غريب أبيات الحارث بن هشام رضي الله عنه حبوا (بحاء مهملة فموحدة مفتوحتين فواو ساكنة).
بأشقر، يعني الدم.
مزبد - بضم الميم وإسكان الزاي وكسر الموحدة -: علاه الزبد.
الاحبة فيهم، يعني من قتل أو أسر من رهطه وإخوته.
شرح غريب أبيات حسان بن ثابت رضي الله عنه آووه: ضموه إليهم ونصروه.
خصائص يأتي الكلام عليها في أبوابها.
السلف: الجماعة المتقدمون.
بقسم الله - بفتح القاف -: المصدر، وبكسرها: الحظ والنصيب.
أهلا، أي أتيت قوما أهلا.
سهلا: واسعا فابسط نفسك ولا تستوحش، وتقدم شرح بقيتها.
شرح غريب أبيات عاتكة بنت عبد المطلب تفري: تقطع.
القواضب: جمع قاضب، وهو السيف القاطع.
حكيم، أي ابن حزام.
الخطية: جمع خطي وهو الرمح المنسوب إلى الخط - بفتح الخاء المعجمة - وهو سيف البحر - بكسر السين - عند عمان والبحرين، لانها تحمل إليه وتثقف به.
الثعالب - بالمثلثة -: جمع ثعلب، وهو بلفظ اسم الحيوان: طرف الرمح الداخل في جبة السنان (بضم الجيم وتشديد الموحدة).
لمع ظباتها جمع ظبة - بضم الظاء المعجمة المشالة وفتح الموحدة -: حد السيوف.
الليوث جمع ليث، الاسد.
المشاغب جمع مشغب.
وهو الكثير الشغب.(4/170)
رعن الحروب: جمع أرعن، وهو المضطرب.
قال في الصحاح: يشبه به الجيش فيقال: جيش أرعن، ثم قال: ويقال: الجيش الارعن: المضطرب لكثرته.
الغوارب: جمع غارب وهو أعلى كل شئ.
المرهفات: جمع مرهف، وهو السيف الذي رقت حواشيه.
كفاحا: مواجهة ليس بينهما حجاب.
تمري: تستدر.
بردت، تقدم في شرح غريب القصة.
الجنائب: جمع جنيبة وهي الفرس تقاد ولا تركب.(4/171)
الباب الثامن في غزوة بني سليم بالكدر، ويقال لها: قرقرة الكدر
قال ابن إسحاق، وأبو عمر، وابن حزم، وغيرهم: بلغه أن بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم، وحمل لواءه علي بن أبي طالب، وكان أبيض، فسار إليهم، فبلغ مأمن مياههم، يقال له: الكدر، فلم يجد في المحال أحدا، وأرسل نفرا من أصحابه في أعلى الوادي واستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن الوادي: فوجد رعاء فيهم غلام يقال له: يسار، فسأله عن الناس، فقال: لا علم لي بهم، إنما أورد لخمس، وهذا يوم ربعي والناس قد ارتفعوا إلى المياه، ونحن عزاب في النعم، فأقام صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال وقد ظفر بالنعم، فانحدر إلى المدينة فاقتسموا غنائمهم بصرار، على ثلاثة أميال من المدينة، وكانت النعم خمسمائة بعير، فأخرج خمسه وقسم أربعة أخماسه على المسلمين، فأصاب كل رجل منهم بكران، وكانوا مائتي رجل، وصار يسار في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، لانه رآه يصلي، وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، وأقام بالمدينة شوالا وذا القعدة، وأفدى في إقامته تلك جل الاسارى من قريش.
تنبيهان الأول: فرق في العيون بين هذه الغزوة وغزوة قرقرة الكدر، فذكر قبل غزوة أحد ست غزوات، على ذلك في المورد.
والذي ذكره ابن إسحاق وتبعه أبو عمر، والبيهقي، وابن كثير، وابن القيم، وغيرهم: خمسة، وكذلك ذكر ابن سعد، إلا أنه خالف في الترتيب، فعند ابن إسحاق: غزوة بني سليم بالكدر، فغزوة السويق، فغزوة ذي أمر، وهي غزوة غطفان، فغزوة الفرع من بحران، فغزوة بني قينقاع.
وعند ابن سعد: غزوة بني قينقاع يوم السبت للنصف من
شوال بعد بدر.
وقال ابن إسحاق: فغزوة السويق يوم الاحد الخامس من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا.
وقال ابن سعد: فغزوة قرقرة الكدر في المحرم للنصف منه، على رأس ثلاثة وعشرين شهرا.
وقال ابن إسحاق: في شوال سنة اثنتين.
وقال ابن سعد: فغزوة غطفان في الثاني عشر من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا.
وقال ابن إسحاق وهي ذو أمر.
قال ابن سعد: في يوم الخميس الثامن عشر من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا.
وقال ابن إسحاق: في شهر المحرم سنة ثلاث.
قال ابن سعد: فغزوة بني سليم في السادس من جمادى الاولى على رأس سبعة وعشرين شهرا.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: سليم (بضم السين المهملة وفتح اللام).(4/172)
غطفان - (بغين معجمة مفتوحة فطاء مهملة).
قرقرة بفتح القاف وسكون الراء بعدها مثلها، ويقال: قرارة الكدر.
والقرقرة: أرض ملساء.
والكدر، (بضم الكاف وسكون الدال المهملة).
والكدر: طير في ألوانها كدرة وعرف بها ذلك الموضع، يعني أنها مستقر هذه الطيور.
سباع (بسين مهملة مكسورة فموحدة فألف فعين مهملة).
عرفطة (بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة ففاء مضمومة فطاء مهملة).
المحال - بفتح الميم وتشديد اللام - جمع محلة وهي منزل القوم.
الرعاء - بكسر الراء - جمع راع.
يسار (الياء التحتية والسين المهملة).
الخمس - بكسر الخاء المعجمة - من أظماء الابل: أن ترد الماء وترعى ثلاثة أيام وترد في اليوم الخامس.
الربع - بكسر الراء - في أوراد الابل، هو أن ترد يوما وتترك يومين لا تسقى، ثم ترد اليوم
الرابع.
المياه - بالهاء - خلاف لمن غلط فقاله بالتاء.
صرار - بكسر الصاد المهملة ورائين بينهما ألف -: بئر قديمة.
وقيل: موضع على ثلاثة أميال من المدينة، على طريق العراق، ووقع لبعض رواة الصحيح بالضاد المعجمة.(4/173)
الباب التاسع في غزوة السويق
وسببها أن فل المشركين لما رجعوا إلى مكة موتورين محزونين حرم أبو سفيان على نفسه الدهن، ونذر ألا يمس رأسه ماء من جنابة، حتى يثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمن أصيب من المشركين يوم بدر، فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه، فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: يتيب بالمدينة، على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير تحت الليل، فأتى حيي بن أخطب فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له وخافه، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم، فاستأذن عليه، فأذن له، فقراه وسقاه، وبطن له من خبر الناس، وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجلا من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها: العريض، فحرقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا رجلا من الانصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما.
قال في الامتاع: وهذا الانصاري هو معبد بن عمرو.
ورأى أبو سفيان أن يمينه قد حلت وقيل: إن أبا سفيان فعل ذلك لما رجع في ليلته من عند سلام بن مشكم، وانصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلام في طلبهم يوم الاحد الخامس من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا.
في مائتين من المهاجرين والانصار.
وفي الاشارة ثمانين، وجمع بأن الركبان ثمانون وعامة الجيش مائتان، واستعمل على المدينة بشير - وهو بفتح الموحدة - ابن عبد المنذر حتى بلغ قرقرة الكدر وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون
للهرب فيلقون جرب السويق وهي عامة أزوادهم، فيأخذها المسلمون، فسميت غزوة السويق ولم يلحقوهم، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة، وكان غاب خمسة أيام، وقال المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع بهم: يا رسول الله أتطمع أن تكون لنا غزوة ؟ قال: نعم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: السويق - بالسين والصاد لغة -: قمح أو شعير يقلى ثم يطحن فيتزود ويستف تارة بما يثرى به أو بسمن أو بعسل وسمن.
الفل - بفاء مفتوحة فلام مشددة -: القوم المنهزمون.
موتورين - بالمثناة الفوقية بين الواوين - بنقص عددهم.
يثأر: يطلب ثأره، أي يطلب بدم من قتل من المشركين يوم بدر.
يمينه بالنصب مفعوله.(4/174)
النجدية: منسوبة إلى نجد، وهو ما ارتفع من الارض.
قناة - بفتح القاف وتخفيف النون وفي آخره تاء تأنيث - وهو واد من أودية المدينة.
يتيب (بفتح التحتية فكسر المثناة الفوقية بعدها تحتية).
بني النضير - بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة -: حي من يهود، دخلوا العرب وهم على نسبهم إلى هارون نبي الله صلى الله عليه وسلم.
حيي - (بحاء مهملة مضمومة وتكسر وبمثناتين تحتيتين الاولى مفتوحة والثانية مشددة).
أخطب (بهمزة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فطاء مهملة مفتوحة فموحدة).
سلام، الاشهر فيه تشديد اللام.
مشكم (بميم مكسورة فشين معجمة ساكنة فكاف مفتوحة).
صاحب كنزهم، يعني بالكنز هنا المال الذي كانوا يجمعونه لنوائبهم، وما يعرض لهم.
فقراه - بلا همز - أي أضافه.
بطن له من خبر الناس - بموحدة فطاء مهملة فنون - أي علم له من سرهم، ومنه: بطانة الرجل، وهم خاصته، وأصحاب سره.
عقب ليلته - بضم العين وإسكان القاف ويجوز ضمها مثل عسر وعسر، ويجوز أن يقال: عقب بفتح العين وكسر القاف - يقال: جئت في عقب رمضان وفي عقباته، إذا جئت بعد ما مضى كله.
وجئت في عقبه - بكسر القاف - إذا جئت وقد بقي منه بقية.
العريض - بضم العين المهملة وفتح الراء وبالضاد المعجمة الساقطة مصغرا - وهو واد بالمدينة به أموال لاهلها.
الاصوار - بهمزة مفتوحة فصاد مهملة ساكنة فواو فألف فراء -: جمع صور، بفتح الصاد المهملة وبسكون الواو: النخل المجتمع الصغار.
نذر بهم الناس - بفتح النون وكسر الذال المعجمة وبالراء -: علموا واستعدوا لهم.
قرقرة الكدر: تقدم.(4/175)
الباب العاشر في غزوة غطفان إلى نجد وهي ذو أمر
، وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن جمعا من بني ثعلبة بن سعيد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان وبني محارب بن خصفة بن قيس بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمعهم رجل منهم يقال له: دعثور بن الحارث بن محارب، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، وخرج في أربعمائة وخمسين، معهم عدة أفراس، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فأصابوا بالمدينة رجلا منهم بذي القصة يقال له: جبار من بني ثعلبة، فقال له المسلمون: أين تريد ؟ فقال: أريد يثرب لارتاد لنفسي وأنظر، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم، قال: قال لن يلاقوك ولو سمعوا بسيرك
هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام وأسلم، وضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال، فأخذ به جبار طريقا، وهبط به عليهم، وسمع القوم بميسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهربوا في رءوس الجبال، فبلغ ماء يقال له: ذو أمر، فعسكر به، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مطر كثير، فابتلت ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثياب أصحابه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة ونشر ثيابه لتجف، واضطجع، وذلك بمرأى من المشركين، واشتغل المسلمون في شؤونهم، فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له: دعثور بن الحارث، وكان سيدها وأشجعها، ومعه سيف متقلد به، فبادر دعثور وأقبل مشتملا على السيف، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله ".
ودفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: " من يمنعك مني ؟ " فقال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه، ثم أتى قومه فقالوا: مالك ؟ ويلك ! فقال: نظرت إلى رجل طويل، فدفع في صدري، فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك، وشهدت بأن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليه جمعا.
وجعل يدعو قومه إلى الاسلام.
وأنزل الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) [ المائدة 11 ].
وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق كيدا، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة، وقال أبو عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجد صفر كله.
تنبيهان الأول: قال البيهقي: سيأتي في غزوة ذات الرقاع قصة تشبه قصة دعثور، فلعلهما(4/176)
قصتان.
قال في البداية: إن كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعا، لان ذلك الرجل اسمه غورث [ ابن الحارث ] أيضا ولم يسلم، بل استمر على دينه، لكن عاهد النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقاتله.
الثاني: في بيان غريب ما سبق.
أمر (بفتح الهمزة والميم وتشديد الراء).
القصة - بفتح القاف وتشديد الصاد المفتوحة بعدها تاء تأنيث -: واد على أربعة وعشرين ميلا من المدينة.
جبار (بالجيم وتشديد الموحدة وبعد الالف راء).
دعثور (بضم الدال وإسكان العين المهملتين وضم الثاء المثلثة).(4/177)
الباب الحادي عشر في غزوة الفروع من بحران
وسببها أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا كثيرا من بني سليم بن منصور.
فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ولم يظهر وجها للسير، حتى إذا كان دون نجران بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبرهم أن القوم افترقوا فحبسه مع رجل، وسار حتى ورد نجران وليس به أحد، فأقام أيام.
قال الواقدي: عشرة.
وقال ابن إسحاق: أقام شهر ربيع الاخر وجمادى الاولى، ثم رجع ولم يلق كيدا وأرسل الرجل.
ثم انصرف راجعا إلى المدينة.
تنبيه في بيان غريب ما سبق الفرع: قال السهيلي: بضمتين، وعليه جرى القاضي في المشارق، وقال في التنبيهات: كذا قيده الناس وكذا رويناه، وحكى عبد الحق عن الاحول أنه بإسكان الراء، ولم يذكره غيره، ونقل في الزهر أن الحازمي وافقه.
ووقع في العيون نقلا عن السهيلي أنه بفتح الفاء والراء، والسهيلي إنما نقل ذلك بعد أن ذكر أن الفرع الذي وقعت عنده الغزوة بضمتين، ثم قال: والفرع - بفتحتين - موضع بين البصرة والكوفة، والظاهر أن نسخة أبي الفتح من الروض سقط منها شئ، أو انتقل نظره من الفرع السابق إلى الفرع الثاني.
بحران (بموحدة مضمومة، وقيل بفتحها، وسكون الحاء المهملة ثم راء مهملة).(4/178)
الباب الثاني عشر في غزوة بني قينقاع
[ وهم قوم عبد الله بن سلام، وكانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من مهاجره صلى الله عليه وسلم، وكانوا حلفاء عبد الله بن أبي ابن سلول وعبادة بن الصامت، وغيرهما من قومهما، وكانوا أشجع يهود، وهم صاغة، وكانت الكفار بعد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام: قسم وادعهم على ألا يحاربوه ولا يوالوا عليه عدوه، وهم طوائف اليهود الثلاثة: [ قريظة والنضير وبني قينقاع ] وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة، وهم قريش، وقسم تاركوه وانتظروا ما يؤول إليه أمره كطوائف من العرب، فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة، وبالعكس كبني بكر، ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوه وهم المنافقون.
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وادعته يهود كلها، وكتب بينه وبينهم كتابا، وألحق كل قوم بحلفائهم وجعل بينه وبينهم أمانا، وشرط عليهم شروطا: منها: ألا يظاهروا عليه عدوا، فلما كان يوم بدر كان بنو قينقاع أول يهود نقضوا العهد، وأظهروا البغي والحسد، وقطعوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد، فجمعهم بسوق بني قينقاع وقال: " يا معشر يهود أسلموا، فوالله إنكم لتعلمون أني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة فأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم " قالوا: يا محمد إنك ترى أنا مثل قومك، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس.
قال ابن عباس فيما رواه ابن إسحاق: ما أنزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم: (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله) [ آل عمران 12، 13 ] أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأخرى
كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء، إن في ذلك لعبرة لاولي الابصار) فبينما هم على ما هم عليه من إظهار العداوة ونبذ العهد قدمت امرأة من العرب بجلب لها فباعت بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ بها لحلي، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فلم تفعل، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها من ورائها فحله بشوكة وهي لا تشعر، فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا.
وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، ونبذوا العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، وغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.
وأنزل الله سبحانه وتعالى: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) [ الانفال 58 ] فقال صلى الله عليه وسلم: " إنما أخاف من بني قينقاع "، فسار إليهم(4/179)
رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الاية، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان يومئذ أبيض.
قال ابن سعد: ولم تكن الرايات يومئذ.
واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، فتحصنوا في حصنهم فحاصرهم أشد الحصار، فأقاموا على ذلك خمس عشرة ليلة، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم، وأن لهم النساء والذرية، فأمر بهم فكتفوا، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي، بفتح السين المهملة واللام.
ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي ابن سلول، فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله تعالى ورسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله: أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الرجال، فقام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أحسن في موالي فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه، وكان يقال لها: ذات الفضول، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ويحك أرسلني "، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: ويحك أرسلني، قال: والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي: أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الاحمر والاسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال صلى الله عليه وسلم: " خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم ".
وتركهم من القتل، وأمر بهم أن يجلوا من المدينة، فخرجوا بعد ثلاث، وولى إخراجهم منها عبادة من الصامت، وقيل: محمد بن مسلمة، فلحقوا بأذرعات، فما كان أقل بقاءهم بها، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسي: قوسا يدعى الكتوم كسرت بأحد، وقوسا يدعى الروحاء، وقوسا يدعى البيضاء، وأخذ درعين: درعا يقال له: الصغدية وأخرى فضة، وثلاثة أرماح، وثلاثة أسياف، سيف قلعي، وسيف يقال له: بتار، وآخر لم يسم.
ووجد في منازلهم سلاحا كثيرا وآلة للصياغة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيه والخمس، وفض أربعة أخماسه على أصحابه فكان أول خمس بعد بدر، وكان الذي قبض أموالهم محمد بن مسلمة، فأنزل الله تعالى في شأن عبد الله بن أبي وفي شأن عبادة بن الصامت.
(يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض) [ المائدة 51، 52 ] أي عبد الله بن أبي وقوله: إني أخشى الدوائر (يسارعون فيهم يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) إلى قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [ المائدة 55 ] وذلك لتولي عبادة بن الصامت(4/180)
من الله تعالى ورسوله والذين آمنوا، وتبرئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) [ المائدة 56 ].
تنبيهات الأول: ذكر البيهقي وقبله البخاري خبر بني النضير قبل وقعة أحد.
قال في البداية:
والصواب إيرادها بعدها كما ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره من أئمة المغازي، وبرهانه أن الخمر حرمت ليالي حصار بني النضير، وفي الصحيح أنه اصطبح الخمر جماعة ممن قتل يوم أحد شهيدا، فدل على أن الخمر إذ ذاك كانت حلالا، وإنما حرمت بعد ذلك، فتبين ما قلناه من أن قصة بني النضير بعد وقعة أحد.
الثاني: أعرب الحاكم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كانا في زمن واحد، ولم يوافق على ذلك، لان إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة، كما علقه البخاري عنه، ووصله عبد الرزاق، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق، فإنه ذكر أنها كانت بعد وقعة بئر معونة سنة أربع.
وقصة بني قينقاع كانت في نصف شوال سنة اثنتين، كما تقدم.
الثالث: في بيان غريب ما سبق قينقاع (بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فنون مثلثة والضم أشهر، فقاف، فألف فعين مهملة).
الجلب: كل ما يجلب للاسواق ليباع فيها من إبل وغنم وغيرها.
استصرخ: استغاث.
الظلل جمع ظلة وهي السحابة في الاصل، واستعارها هنا لتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى السواد، حين اشتد غضبه، ويروى: ظلالا أيضا.
قال في الروض: هذا في نسخة الشيخ، مصححا عليه، ومعنى الروايتين واحد.
والظلة: ما حجبت عنك ضوء الشمس، وضوء صحو السماء، وكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرقا بساما، فإذا غضب يكون ألوانا، فكانت تلك الالوان حائلة دون الاشراق والطلاقة والضياء المنتشر عند تبسمه، وقد روي أنه كان يسطع على الجدر نور من ثغره إذا تبسم، وقال: تكلم كما في الشمائل للترمذي.
الحاسر - بالحاء - والسين المهملتين -: الذي لا درع له هنا.
والدراع: الذي عليه درع.
كتفوا (بالبناء للمفعول).
يجلوا - بالجيم والبناء للمفعول - أي يخرجوا.
أذرعات - بفتح الهمزة وإسكان الذال المعجمة وكسر الراء بعدها عين مهملة -: بلد بالشام.(4/181)
الباب الثالث عشر في غزوة أحد
والسبب في ذلك أنه لما قتل الله تعالى من قتل من كفار قريش يوم بدر، ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيرهم فأوقفها بدار الندوة، وكذلك كانوا يصنعون، فلم يحركها ولا فرقها، فطابت أنفس أشرافهم أن يجهزوا منها جيشا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أمية - وأسلموا بعد ذلك - في رجال ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير تجارة من قريش، فقالوا: إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا، فقال أبو سفيان: إنا أول من أجاب إلى ذلك.
قال البلاذري: ويقال: بل مشى أبو سفيان إلى هؤلاء الذين سموا، فباعوها، وكانت ألف بعير، وخمسين ألف دينار، فسلموا إلى أهل العير رؤوس أموالهم وأخرجوا أرباحهم، وكانوا يربحون في تجاراتهم لكل دينار دينارا، فأخرجوا خمسة وعشرين ألف دينار الاجل مسيرهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى: (إن الذين كفروا ينفقوا أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) [ الانفال 36 ] - فأجمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثوا عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبعرى - وهو بكسر الزاي والموحدة وسكون المهملة فراء فألف مقصورة - وأسلما بعد ذلك - وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع - بسين مهملة - ابن عبد مناف، وأبا عزة
- عمرو بن عبد الله الجمحي الذي من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر - إلى العرب يستنفرونها لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألبوا العرب وجمعوها.
ورأس فيهم أبو سفيان بن حرب، لذهاب أكابرهم - وأسلم بعد ذلك - فأخذ يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجمع الجموع، فجمع قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والاحابيش، فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس.
وكتب العباس رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك مع رجل من بني غفار، فقدم عليه وهو بقباء، فقرأه عليه أبي بن كعب، واستكتم أبيا، ونزل صلى الله عليه وسلم على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العباس، فقال: والله إني لارجو أن يكون خيرا، فاستكتمه إياه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند سعد أتته امرأته، فقالت: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ما أنت وذاك، لا أم لك، قالت: قد كنت أسمع عليكم، وأخبرت سعدا بما سمعت، فاسترجع وقال: أراك كنت تسمعين علينا، وانطلق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه فأخبره خبرها، وقال: يا رسول الله إن خفت أن يفشو(4/182)
الخبر فترى أني المفشي له، وقد استكتمتني إياه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خل عنها.
ذكر خروج قريش من مكة خرجوا منها لخمس من شوال، وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة، لئلا يفروا، وخرج أبو سفيان بزوجته هند بنت عتبة، وكذلك أشراف قريش وكبراؤهم خرجوا معهم بنسائهم، ومعهن الدفوف يبكين قتلى بدر، ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له وحشي - وأسلما بعد ذلك - يقذف بحربة له قذف الحبشة قل ما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة فأنت حر.
وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها تقول: " ويها أبا دسمة، اشف واستشف " كان وحشي يكنى أبا دسمة.
وكان أبو عامر الفاسق [ عبد ] عمرو بن صيفي قد خرج في خمسين رجلا من المنافقين إلى مكة، وحرض قريشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار معها وهو يعدها أن قومه يؤازرونهم، وهمت قريش وهي بالابواء بنبش قبر آمنة أم سول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كفهم الله تعالى
عن ذلك.
روى أبو الوليد الازرقي عن هشام بن عاصم الاسلمي، قال: لما خرجت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فنزلوا بالابواء قالت هند بنت عتبة لابي سفيان: أو بحثتم قبر أم محمد فإنها بالابواء، فإن أسر أحدا منكم فديتم كل إنسان بإرب من آرابها، فذكر ذلك لقريش وقال: هذا الرأي، فقالت قريش: لا تفتح هذا الباب لئلا تفتح بنو بكر موتانا.
وشاع خبر قريش ومسيرهم في الناس، وأرجفت اليهود والمنافقون، وقدم عمرو بن سالم الخزاعي في نفر قد فارقوا قريشا من ذي طوى، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم الخبر وانصرفوا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنسا ومونسا ابني فضالة الظفريين - ليلة الخميس ليال مضت من شوال - عينين، فاعترضا لقريش بالعقيق، وعادا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بخبرهم، وأنهم قد خلوا إبلهم وخيلهم في الزرع الذي بالعريض، حتى تركوه ليس به خضر، وترك المشركون ظاهر المدينة بعينين: جبل ببطن السبحة من قناة على شفير الوادي، مقابل المدينة - يوم الاربعاء، فرعت إبلهم آثار الحرث والزرع يوم الخميس ويوم الجمعة، لم يتركوا خضراء، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحباب - بضم المهملة وتخفيف الموحدة - ابن المنذر بن الجموح إليهم أيضا، فنظر إليهم وعاد وقد حزر عددهم وما معهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تذكر من شأنهم حرفا، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم بك أجول وبك أصول ".
وباتت وجوه الاوس(4/183)
والخزرج ليلة الجمعة عليها السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خوفا من بيات المشركين، وحرست المدينة حتى أصبحوا.
ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابن إسحاق والشيخان والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت - وفي لفظ أريت - أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة: يثرب، ورأيت في
رؤياي هذه أني هززت سيفا - وفي لفظ سيفي ذا الفقار - فانقطع صدره - وفي لفظ: رأيت في ذباب سيفي ثلما - فإذا هو ما أصيب به المؤمنون يوم أحد، قال عروة: وكان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه.
وقال ابن هشام: وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع كلمة المؤمنين، ورأيت فيها والله خيرا، رأيت بقرا تذبح والله خير، فإذا هو النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر (1).
وروى الامام أحمد والنسائي والبيهقي، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، قال ابن عباس: وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، قال: وكان مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قبل أن يلبس الاداة، إني رأيت أني في درع حصينه، فأولتها المدينة، وأني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم، ورأيت بقرا تذبح فبقر، والله خير، فبقر والله خير.
وروى الامام أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا، وكأن ظبة سيفي انكسرت، فأولت إرداف الكبش أننا نقتل كبش القوم، وأولت كسر ظبة سيفي قتل رجل من عترتي، فقتل حمزة، وقتل طلحة بن أبي طلحة وكان صاحب اللواء (2).
وروى الامام أحمد والنسائي والدارمي والضياء المقدسي بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت أني في درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر.
فأولت الدرع الحصينة المدينة، وأن البقر بقر، والله خير " (3).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التعبير (7035) ومسلم 4 / 1779 (20 - 2272).
(2) أخرجه أحمد في المسند 3 / 267 وابن أبي شيبة في المصنف 11 / 69 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4 / 12 وذكره الهيثمي في المجمع 6 / 110.
(3) أخرجه أحمد في المسند 1 / 271 وذكره الهيثمي في المجمع 110 وقال: ورجاله رجال الصحيح.
(*)(4/184)
وروى الطبراني والبزار، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما نزل أبو سفيان وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: إني رأيت في المنام سيفي ذا الفقار انكسر، وهي مصيبة، ورأيت بقرا تذبح، وهي مصيبة، ورأيت علي درعا وهي مدينتكم لا يصلون إليها، إن شاء الله تعالى (1).
وروى البيهقي عن ابن شهاب قال: يقول رجال: كان الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه.
قال ابن عتبة وابن إسحاق وابن سعد وغيرهم: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا ليلة الجمعة، فلما أصبح جاء أصحابه، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم ذكر الرؤيا لهم وقال: إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة ونجعل النساء والذرية في الآطام، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم في الازقة فنحن أعلم بها منهم، ورموا من فوق الصياصي والآطام، وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن، وكان هذا الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي الاكابر من المهاجرين والانصار، وكان عبد الله بن أبي يرى رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جماعة من المسلمين غالبهم أحداث لم يشهدوا بدرا، وطلبوا الشهادة وأحبوا لقاء العدو، وأكرمهم الله تعالى بالشهادة يوم أحد: يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنا عنهم، فقال عبد الله بن أبي: يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا بشر مجلس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم الصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا.
فقال حمزة بن عبد المطلب، وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك في طائفة من الانصار: إنا نخشى يا رسول الله أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل، فظفرك الله تعالى عليهم، ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله
تعالى به، فساقه الله تعالى إلينا في ساحتنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرى من إلحاحهم كاره، وقد لبسوا السلاح.
وقال إياس بن أوس بن عتيك، نحن بنو عبد الاشهل، إنا لنرجو أن نكون البقر المذبح.
وقال غيره: هي إحدى الحسنيين: الظفر أو الشهادة، والله لا تطمع العرب في أن تدخل علينا منازلنا.
وقال حمزة: والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 11 / 394 وذكره الهيثمي في المجمع 6 / 110 وقال: فيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو متروك.
(*)(4/185)
خارج المدينة.
وكان يوم الجمعة صائما ويوم السبت صائما.
وقال النعمان بن مالك: يا رسول الله لا تحرمنا الجنة، فوالذي نفسي بيده لادخلنها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لمه ؟ " قال: لاني أحب الله تعالى ورسوله - وفي لفظ: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله - ولا أفر يوم الزحف.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدقت ".
فاستشهد يومئذ، وحث مالك بن سنان الخدري وإياس بن عتيك وجماعة على الخروج للقتال فلما أبوا إلا ذلك صلى - صلى الله عليه وسلم - الجمعة بالناس فوعظهم، وأمرهم بالجد والاجتهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، ففرح الناس بالشخوص إلى عدوهم، وكره ذلك المخرج بشر كثير.
ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالناس وقد حشدوا، وحضر أهل العوالي، ورفعوا النساء في الآطام.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فعمماه وألبساه، وقد صف الناس له بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء سعيد بن معاذ وأسيد - بضم الهمزة وفتح السين المهملة - ابن حضير - بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة - فقالا للناس: استكرهتم رسول الله صلى اله عليه وسلم وقلتم له ما قلتم، والوحي ينزل عليه من السماء، فردوا الامر إليه، فما أمركم به فافعلوه، وما رأيتم له فيه هوى ورأيا فأطيعوه.
فبينما هم على ذلك إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس الدرع فأظهرها، وحزم وسطه بمنطقة من حمائل سيف من أدم، واعتم، وتقلد السيف،
وندم الناس على إكراهه، فقالوا: يا رسول الله استكرهنا، ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذ لبس لامته أن يضعها، حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه - وفي رواية: حتى يقاتل - انظروا ما أمركم به فاتبعوه، امضوا على اسم الله تعالى، فلكم النصر ما صبرتم.
ووجد مالك بن عمرو النجاري - ويقال: بل هو محرر بمهملات، قال الامير: وزن محمد، وقال الدار قطني: آخره زاي معجمة وزن مقبل بن عامر النجاري - قد مات، ووضعوه عند موضع الجنائز، فصلى عليه، ثم دعا بثلاثة رماح فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الاوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى حباب بن المنذر، ويقال: إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقي في المدينة.
ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه السكب، وتقلد القوس، وأخذ قناة بيده، والمسلمون عليهم السلاح، منهم مائة دارع، وخرج السعدان أمامه يعدوان: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، كل منهما دارع، والناس عن يمينه وشماله، حتى إذا انتهى إلى رأس الثنية رأى كتيبة خشناء لها زجل فقال: ما هذا ؟ قالوا: هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبي من يهود، فقال: أسلموا ؟ فقيل: لا، فقال: إنا لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك.(4/186)
وسار صلى الله عليه وسلم فعسكر بالشيخين، وهما أطمأن، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره، فاستصغر غلمانا فردهم.
قال الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه فيما نقله الشيخ نجم الدين القمولي - بفتح القاف وضم الميم - في بحره: إنه صلى الله عليه وسلم رد سبعة عشر شابا عرضوا عليه، وهم أبناء أربع عشرة سنة، لانه لم يرهم بلغوا، وعرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة، فأجازهم.
انتهى.
وهم: عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، والنعمان بن بشير - وفي
ذكره نظر، لانه ولد في السنة الثانية قبل أحد بسنة - وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب - وروى السراج عنه أنه شهدها - ورافع بن خديج، وأسيد بن ظهير - بضم الهمزة، وأبوه ظهير بضم الظاء المعجمة - وعرابة بن أوس بن قيظي - بفتح القاف وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة، وأوس هذا كان منافقا - وأبو سعيد الخدري - بالخاء المعجمة والدال المهملة - وأوس بن ثابت الانصاري، كذا رواه ابن فتحون عن ابن عمر بن الخطاب، وسعد بن بحير - بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة، قاله الدار قطني.
وقال ابن سعيد: بضم الموحدة وكسر الجيم - ابن معاوية البجلي حليف الانصار، وسعيد ابن حبتة بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة فوقية مفتوحة فتاء تأنيث - وهي أمه، ولما كان يوم الخندق رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل قتالا شديدا، فدعاه ومسح على رأسه ودعا له بالبركة في نسله وولده، فكان عما لاربعين، وأخا لاربعين، وأبا لعشرين، ومن ولده أبو يوسف القاضي الامام، وسعد بن عقيب - بعين مهملة مضمومة فقاف مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فموحدة وزن زبير - وزيد بن جارية - بالجيم والمثناة التحتية - ابن عمرو بن عوف، وهو أخو مجمع بن جارية، وجابر بن عبد الله، وليس بالذي يروى عنه الحديث.
وسمرة بن جندب، ثم أجاز رافع بن خديج لما قيل له: إنه رام، فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مري - بالتصغير - ابن سنان: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردني وأنا أصرعه، فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " تصارعا "، فصرع سمرة رافعا فأجازه، ونزل عبد الله بن أبي ابن سلول ناحية، فلما فرغ العرض وغابت الشمس أذن بلال بالمغرب، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، ثم أذن بالعشاء فصلى بهم، وبات بالشيخين، واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر.
وقال صلى الله عليه وسلم: " من يحفظنا الليلة ؟ " فقام ذكوان بن عبد قيس فلبس درعه، وأخذ درقته، فكان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقه، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان السحر، فصلى الصبح، ثم قال: " أين الادلاء ؟ من رجل يخرج بنا من كثب لا يمر بنا عليهم ؟ " فقام أبو خيثمة الحارثي - كذا عند ابن إسحاق بخاء معجمة فتحتية فثاء مثلثة، وعند ابن سعد
وغيره: حتمه، بفتح الحاء المهملة والمثناة الفوقية بعدها ميم فتاء تأنيث، وصوبه أبو الفتح،(4/187)
قال الحافظ في الاصابة: ولم يأت على ذلك بدليل إلا قول أبي عمر: ليس في الصحابة أبي خيثمة سوى الجعفي والسالمي، وفي هذا الحصر نظر - فقال أبو خيثمة: أنا يا رسول الله، فسلك به في حرة بني حارثة وبين أموالهم، حتى سلك في ماء مربع - بكسر الميم وفتح الموحدة - ابن قيظي - بفتح القاف فمثناة تحتية فظاء معجمة مشالة - وكان منافقا ضرير البصر، فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثو التراب في وجوههم، ويقول: إن كنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي، وذكر أنه أخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب غيرك فضربت بها وجهك.
فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقتلوه فهذا الاعمى أعمى القلب أعمى البصر ".
وقد بدر إليه سعد بن زيد الاشهلي قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربه بالقوس فشجه، فغضب له ناس من بني حارثة وهم قومه، وكانوا على مثل رأيه، فهم بهم أسيد بن حضير حتى أومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكف.
وذب فرس أبي بردة بن نيار - بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية وآخره راء - بذنبه، فأصاب كلاب سيفه فاستله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحب الفأل الحسن ولا يعتاف: " يا صاحب السيف، شم سيفك، إني أخال السيوف ستسل اليوم فيكثر سلها ".
ذكر انخزال عدو الله ابن أبي بثلث العسكر لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشوط انخزل عبد الله بن أبي بثلث الناس كافة كأنه هيق، فقال: " أطاع الولدان ومن لا رأى له وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا أيها الناس هاهنا ؟ " فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق والريب، وتبعهم عبد الله بن حرام - بالراء - يقول: يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر عدوهم، يا قوم تعالوا فقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، فقالوا: لم نعلم قتالا ما أسلمناكم، لا نرى أن يكون قتال، ولئن أطعتنا لترجعن معنا.
فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال: أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله تعالى نبيه عنكم.
وأنزل الله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) [ آل عمران 179 ] قال مجاهد: " ميزهم يوم أحد " وهم المرادون بقوله تعالى: (وليعلم الذين نافقوا، وقيل لهم: تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، والله أعلم بما يكتمون) [ آل عمران 167 ].
وذكر عروة وموسى بن عقبة: أن بني سلمة - بكسر اللام - وبني حارثة لما رجع عبد الله بن أبي سقط في أيديهما، وهما أن يقتتلا فثبتهما الله تعالى، ولهذا قال تعالى: (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) [ آل عمران 122 ].(4/188)
وروى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والشيخان، والبيهقي، عن جابر بن عبد الله، قال: فينا نزلت، في بني حارثة وبني سلمة: (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله تعالى: (والله وليهما) (1).
وروى ابن جرير عن السدي في الاية قال: هم بنو سلمة وبنو حارثة هموا بالرجوع، حين رجع عبد الله بن أبي فعصمهم الله.
وروى الشيخان عن زيد بن ثابت، وابن إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قالا: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد خرج معه بأناس، فرجعوا، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين، فقالت فرقة: نقتلهم، وقالت فرقة: لا نقتلهم، فأنزل الله تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) [ النساء 88 ] ردهم إلى كفرهم بما كسبوا بأعمالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة ".
وذكر الزهري أن الانصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع ابن أبي في الاستعانة
بحلفائهم من يهود المدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حاجة لنا بهم ".
قال الجمهور: بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة وفرسه، وفرس لابي بردة.
وقال ابن عقبة: لم يكن مع المسلمين فرس.
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، واستقبل المدينة، وجعل عينين - الجبل - عن يمينه، وصف المسلمون بأصل أحد، وحانت الصلاة يوم السبت والمسلمون يرون المشركين، فأذن بلال، وأقام، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الصبح صفوفا.
ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم وتهيئته للقتال قال محمد بن عمر الاسلمي: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال: " أيها الناس أوصيكم بما أوصاني الله تعالى به في كتابه، من العمل بطاعته، والتناهي عن محارمه، ثم إنكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه، ثم وطن نفسه له على الصبر واليقين، والجد والنشاط، فإن جهاد العدو شديد كريه، قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله تعالى رشده، فإن الله تعالى مع من أطاعه، وإن الشيطان مع من عصاه فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله تعالى [ وعليكم ] بالذي أمركم به، فإني حريص على رشدكم،
__________
(1) أخرجه البخاري في التفسير (4558).
(*)(4/189)
وإن الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز، والضعف، مما لا يحب الله تعالى، ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر يا أيها الناس [ جدد في صدري أن ] من كان على حرام فرق الله تعالى بينه وبينه، ومن رغب له عنه غفر الله له ذنبه، ومن صلى علي صلاة صلى الله عليه وملائكته عشرا، ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله، في عاجل دنياه وآجل آخرته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فعليه الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه، والله غني حميد، ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به، ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه، وأنه قد نفث في روعي
الروح الامين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شئ، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله ربكم، وأجملوا في طلب الرزق، ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله تعالى، فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته، قد بين لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شبها من الامر، لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم الله تعالى فمن تركها حفظ عرضه ودينه، ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أو شك أن يقع فيه، وليس ملك إلا وله حمى، ألا وإن حمى الله تعالى محارمه، والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى عليه سائر جسده، والسلام عليكم ".
وتعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال، وقال: " لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال ".
وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع المسلمين، كانت بالصمغة - بالصاد المهملة والغين المعجمة بينهما ميم - فقال رجل من الانصار: أترعى زروع بني قيلة ولما تحارب وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض، والرماة خمسون رجلا، فقال: " انضحوا الخيل عنا، لا يأتون من ورائنا، إن كانت لنا، اثبتوا مكانكم لا نؤتين من قبلكم، الزموا مكانكم لا تبرحوا عنه، وإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل في عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا، حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تعنونا ولا تدفعوا عنا، وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل، إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم.
اللهم إني أشهدك عليهم ".
وجعل علي إحدى المجنبتين الزبير بن العوام، وعلى الاخرى المنذر بن عمر الغنوي وقال صلى الله عليه وسلم: " من يحمل لواء المشركين ؟ " قيل: طلحة بن أبي طلحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن أحق بالوفاء منهم ".
فأخذه من علي ودفعه إلى مصعب بن عمير.
وروى أبو يعلى بسند رجال ثقات، عن معاذ - رجل من تيم - والحارث والبزار بسند حسن، كما قال الحافظ في زوائد البزار، عن سعد بن أبي وقاص، وأبو يعلى، عن طلحة بن(4/190)
عبيدالله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر يومئذ بين درعين، وكان شعار المسلمين يومئذ: " أمت أمت ".
ذكر تهيئ المشركين للقتال وصف المشركون بالسبخة، وتعبئوا للحرب، وهم ثلاثة آلاف، معهم مائتا فرس قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وعلى المشاة صفوان بن أمية، ويقال: عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة - وأسلموا كلهم - ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة بن عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي.
وقال أبو سفيان لاصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم بذلك: يا بني عبد الدار، إنكم قد وليتم لواءنا ببدر فأصابنا ما قد رأيتم، فإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإما أن تكفون لواءنا، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه، فهموا به وتواعدوه وقالوا: أنحن نسلم إليكم لواءنا ؟ ستعلم إذا التقينا كيف نصنع وذلك الذي أراد أبو سفيان.
ذكر ابتداء الحرب واشتداد القتال أول من أنشب الحرب أبو عامر عبد عمرو بن صيفي الفاسق، طلع في خمسين من قومه ويقال: خمسة عشر، الذين ذهبوا معه إلى مكة، والاحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الاوس أنا أبو عامر، فقالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق، بذلك سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى في الجاهلية الراهب، فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتلهم قتالا شديدا، ثم راضخهم بالحجارة.
ولما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها، فقالت هند فيما تقول: ويها بني عبد الدار * ويها حماة الادبار ضربا بكل بتار
وتقول أيضا: نحن بنات طارق * نمشي على النمارق الدر في المخانق * والمسك في المفارق إن تقبلوا نعانق * أو تدبروا نفارق فراق غير وامق (1)
__________
(1) انظر مجمع الزوائد 6 / 112.
(*)(4/191)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع، ذلك يقول: " اللهم بك أجول، وبك أصول، وفيك أقاتل، حسبي الله ونعم الوكيل ".
(1) وروى الامام أحمد ومسلم عن أنس والطبراني عن عبادة بن النعمان، وإسحاق بن راهويه والبزار، عن الزبير بن العوام قالوا: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم أحد، فأخذه رجال فجعلوا ينظرون إليه - وفي لفظ: فبسطوا أيديهم - كل إنسان يقول: أنا، فقال: " من يأخذه بحقه ؟ " فأحجم القوم، فقام رجال فأمسكه عنهم (2).
وعند ابن عتبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرضه طلبه منه عمر، فأعرض عنه، ثم طلبه الزبير فأعرض عنه، فوجدا في أنفسهما من ذلك.
وعند إسحاق بن راهويه عن عمرو بن يحيى المازني أن الزبير طلبه ثلاث مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعند الطبراني عن قتادة بن النعمان: أن عليا قام فطلبه فقال له: الجلس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يأخذه بحقه ؟ " فقام إليه أبو دجانة - بضم الدال المهملة وبالجيم والنون - فقال: يا رسول الله، وما حقه ؟ قال: " أن تضرب به في العدو حتى ينحني ".
قال: أنا أخذه يا رسول الله بحقه.
قال: " لعلك إن أعطيتكه تقاتل في الكيول " فأعطاه إياه، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكان له غصابة حمراء يعلم بها عند الحرب، يعتصب
بها، فإذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك، فعصب بها رأسه، فقالت الانصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت.
وهكذا كانت تقول إذا اعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصفين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه يتبختر: " إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن ".
قال الزبير: ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف لابي دجانة وجدت في نفسي حين سألته فمنعني وأعطاه إياه، وقلت: أنا ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قمت إليه وسألته إياه قبله، فأعطاه إياه وتركني، والله لانظرن ما يصنع به، فاتبعته، فخرج وهو يقول: أنا الذي عاهدني خليلي * ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكيول * أضرب بسيف الله والرسول قال: فجعل لا يمر بشئ إلا أفراه وفتكه، وفلق به هام المشركين، وكان إذا كل شحذه بالحجارة، ثم يضرب به العدو كأنه منجل، وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 10 / 133 وعزاه لاحمد والبزار وقال: ورجالهما ثقات.
(2) أخرجه مسلم 4 / 1917 (128 - 2470) وابن أبي شيبة في المصنف 14 / 398 وابن سعد في الطبقات 3 / 2 / 101.
(*)(4/192)
ذفف عليه، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله تعالى أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله.
قال ابن عقبة: قال كعب بن مالك: وخرج رجل من المشركين نحو المسلمين وهو يقول: استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم، وإذا رجل من المسلمين قائم ينتظره وعليه لامته، فمضيت حتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدر المسلم والكافر بنظري، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة، قال: فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف، فبلغت وركيه وانفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال: كيف ترى يا
كعب ؟ أنا أبو دجانة.
قال الزبير: ثم رأيته حمل على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها، فقلت له: كل سعيك رأيته فأعجبني غير أنك لم تقتل المرأة، قال: إنها نادت: يا لصخر ! فلم يجبها أحد، وفي لفظ: رأيت إنسانا يحمش الناس حمشا شديدا فصمدت إليه، فلما حملت عليه السيف ولول.
فإذا امرأة فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لا ناصر لها، فقلت: الله ورسوله أعلم.
وذكر ابن إسحاق في رواية يونس والزبير بن بكار أن رجلا من المشركين خرج فدعا إلى البراز، فأحجم عنه الناس، حتى دعا ثلاثا وهو على جمل له، فقام إليه الزبير بن العوام فوثب حتى استوى معه على بعيره، فعانقه، فاقتتلا فوق البعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذي يلي حضيض الارض مقتول، فوقع المشرك ".
ووقع عليه الزبير فذبحه، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " إن لكل نبي حواريا، وإن حوارى الزبير " وقال: " لو لم يبرز إليه الزبير لبرزت إليه " (1)، لما رأى من إحجام الناس عنه.
واقتتل الناس يومئذ قتالا شديدا، وحميت الحرب، وأبلى أبو دجانة الانصاري، وطلحة بن عبيدالله، وأسد الله، وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن النضر، وسعد بن الربيع، بلاء شديدا.
وأنزل الله تبارك وتعالى نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسوا المشركين بالسيف حتى كشفوهم عن العسكر، ونهكوهم قتلا، وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة، وكانت الرماة تحمي ظهور المسلمين، ويرشقون خيل المشركين بالنبل، فلا يقع إلا في فرس أو رجل، فتولي هوارب، وقال عمر بن الخطاب يوم أحد لاخيه زيد بن الخطاب: يا أخي، خذ
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (2997).
(*)(4/193)
درعي هذه، فقال له: إني أريد من الشهادة مثل ما تريد، فتركاها جميعا، رواه أبو نعيم.
ولما اشتد القتال يومئذ جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الانصار، وأرسل إلى علي بن أبي طالب أن قدم الراية، فتقدم علي وقال: أنا أبو القصم، وصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء: من يبارز ؟ فلم يبرز إليه أحد، فقال: يا أصحاب محمد، زعمتم أن قتلاكم في الجنة، وقتلانا في النار، كذبتم، واللات لو تعلمون إن ذلك حق لخرج إلي بعضكم، فبرز إليه علي بن أبي طالب فالتقيا بين الصفين فبدره علي فصرعه، ولم يجهز عليه، فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه ؟ فقال: إنه استقبلني بعورته فعطفني عليه الرحم، وعرفت أن الله تعالى قد قتله، وكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كأني مردف كبشا "، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر التكبير وكبر المسلمون، وشدوا على المشركين يضربونهم حتى اختلت صفوفهم.
قال أبو عبيدة والزبير بن بكار: وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط - بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وآخره طاء مهملة - السلمي.
الله أي مذبب عن حرمة * أعنى ابن فاطمة المعم المخولا جادت يداك لهم بعاجل طعنة * تركت طليحة للجبين مجدلا وشددت شدة باسل فكشفتهم * بالجر إذ يهوون أخول أخولا وعللت سيفك بالدماء ولم تكن * لترده حران حتى ينهلا وصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتائب متفرقة فحاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم، فحمل لواءهم أبو شيبة عثمان بن أبي طلحة، فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب [ فضبه بالسيف على كاهله ] فقطع يده ورجله حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره فقتله، فحمله أبو سعد بن أبي طلحة، فرماه سعد بن أبي وقاص، فأصاب حنجرته، فدلع لسانه، فقتله، فحمله مسافع بن طلحة [ بن أبي طلحة ] فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح - بالقاف - فقلته، فحمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقلته، كلاهما يشعره سهما فيأتي أمه سلافة فيضع رأسه في حجرها، فتقول: يا بني: من أصابك ؟ فيقول: سمعت رجلا رماني يقول: خذها وأنا ابن الاقلح، فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر،
وجعلت لمن جاء به مائة من الابل، فحمل اللواء كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير بن العوام، وقيل: قزمان، فحمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة - وهو بضم الجيم وتخفيف اللام وفي آخره سين - فقتله طلحة بن عبيدالله، فحمله أرطاة بن شرحبيل، فقتله علي بن أبي طالب، فحمله شريح بن قارظ - وهو بضم الشين المعجمة وفتح الراء فمثناة تحتية ساكنة فحاء مهملة، وأبوه بقاف فألف فراء مكسورة فظاء معجمة مشالة - فليس يدري من(4/194)
قتله، فحمله أبو زيد بن عمير بن عبد مناف بن هاشم بن عبد الدار فقتله قزمان، فحمله قاسط بن شرحبيل بن هاشم بن عبد الدار فقتله قزمان أيضا فحمله صؤاب - غلام لهم حبشي - فقالوا: لا نؤتين من قبلك فقطعت يمينه، فأخذ اللواء بشماله فقطعت، فالتزم القناة بصدره وعنقه وقال: اللهم هل أعززت ؟ فقالوا: نعم، فرماه قزمان فقتله، وهو أثبت الاقاويل، فتقرق المشركون، فأخذت اللواء عمرة بنت علقمة الحارثية فأقامته فثابوا عليه، وفي لفظ: لاثوابه.
ولما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين، لا يلوون على شئ، ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون يقتلونهم حيث شاؤوا، حتى أجهضوهم عن العسكر.
قال الزبير بن العوام، والبراء بن عازب: لقد رأيتنا ننظر إلى خدم هند بنت عتبة، وصواحبها مشمرات هوارب يرفعن عن سوقهن، حتى بدت خلاخلهن، وانهزم القوم ما دون أخذهن قليل ولا كثير، وكانت الهزيمة لا شك فيها، ودخل المسلمون عسكر المشركين فانتهبوه.
ذكر ترك الرماة مكانهم الذي أقامهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حصل بسبب ذلك لما رأى أصحاب عبد الله بن جبير وهم الرماة ما حصل للمشركين قالوا: أي قوم، الغنيمة الغنيمة، لم تقيمون هاهنا في غير شئ، قد هزم الله تعالى العدو، وهؤلاء إخوانكم قد
ظهروا، وهم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم، فقال عبد الله بن جبير ومن وافقه: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم: " احموا ظهورنا ولا تبرحوا من مكانكم، وإذا رأيتمونا نقتل، فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا، احموا ظهورنا ؟ ! " فقال الاخرون: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا.
وانطلقوا فلم يبق مع أميرهم عبد الله بن جبير إلا دون العشرة، وذهب الباقون إلى عسكر المشركين ينتهبون، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، ونظر خالد بن الوليد إلى الجبل وقلة أهله، فكر بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل - وأسلما بعد ذلك - فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم، وثبت أميرهم عبد الله، فقاتل حتى قتل، فجردوه ومثلوا به أقبح مثله، وكانت الرماح قد شرعت في بطنه، حتى خرقت ما بين سرته إلى خاصرته إلى عانته، وخرجت حشوته، وأحاطوا بالمسلمين.
فبينما المسلمون قد شغلوا بالنهب والغنائم إذ دخلت الخيول تنادى فرسانها بشعارهم: يا للعزى، يا لهبل، ووضعوا السيوف في المسلمين وهم آمنون وكل في يديه أو حضنه شي قد انتهبه.
ولما رأى المشركون خيلهم ظاهرة رجعوا فشدوا على المسلمين فهزموهم، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا، وتفرق المسلمون(4/195)
في كل وجه، وتركوا ما انتهبوا، وخلوا من أسروا، وانتقضت صفوف المسلمين، واستدارت رحاهم، وكانت الريح أول النهار صبا فصارت دبورا، وكر الناس منهزمين يحطم بعضهم بعضا، فصاروا ثلاثا: ثلثا جريحا، وثلثا منهزما، وثلثا مقتولا، وصرخ الشيطان - لعنه الله -: أي عباد الله، إخوانكم.
فرجعت أولاهم، فاجتدلت هي وأخراهم، وهم يظنون أنهم من العدو.
وكان غرض إبليس بذلك أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وكان أول النهار للمسلمين على الكفار، كما قال تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم، ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) [ آل عمران 152 ].
فما كانت دولة أسرع من دولة المشركين.
وصرخ الشيطان عند جبل عينين وقد تصور في صورة
جعال بن سراقة رضي الله عنه: " إن محمدا قد قتل " ثلاث صرخات، ولم يشك فيه أنه حق وكان جعال إلى جنب أبي بردة يقاتل أشد القتال، فقال جماعة من المسلمين لما سمعوا ذلك: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم، وعلى ما كان عليه نبيكم، حتى تلقوا الله تعالى شهداء ؟ ! وقال جماعة: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي لنا أمانا من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم، قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، واختلط المسلمون، فصاروا يقتلون على غير شعار، ويضرب بعضهم، بعضا، من العجلة والدهش وما يدري.
وتفرق المسلمون في كل وجه، وانهزمت طائفة منهم حتى دخلت المدينة، فلقيتهم أم أيمن فجعلت تحثو في وجوههم التراب وتقول لبعضهم: " هاك المغزل فاغزل به، وهلم سيفك ".
ولما انكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا نفر يسير لم يبق للمسلمين لواء قائم ولا فئة، وإن كانت خيل المشركين لتجوسهم مقبلة مدبرة في الوادي، يلتقون ولا يفترقون، ما يرون أحدا من الناس يردهم، حتى رجعوا إلى معسكرهم، وأصعد بعض المسلمين في الجبل، واستشهد منهم من أكرمه الله تعالى بالشهادة، ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صرخ به الشيطان قال: هذا إزب العقبة.
ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم روى البيهقي عن المقداد بن عمرو رضي الله عنه فذكر حديثا في يوم أحد وقال: فأوجعوا والله قتلا ذريعا، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نالوا، ألا والذي بعثه بالحق إن زال رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا واحدا، وإنه لفي وجه العدو ويفئ إليه طائفة من أصحابه مرة، وتفترق(4/196)
مرة عنه، فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه، ويرمي بالحجر حتى تحاجزوا، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة ثبتت معه.
وقال محمد بن عمر: ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه ما يزول قدما واحدا، بل وقف في وجه العدو، وما يزال يرمي عن قوسه حتى تقطع وتره، وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس، فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتره له، فقال: يا رسول الله لا يبلغ الوتر، فقال: " مدة فيبلغ "، قال عكاشة: فوالذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ، وطويت منه ليتين أو ثلاثا على سية القوس، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوسه، فما زال يرمي به وأبو طلحة يستره متترسا عنه حتى تحطمت القوس، وصارت شظايا، وفنيت نبله، فأخذ القوس قتادة بن النعمان، فلم تزل عنده، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وكان أقرب الناس إلى العدو، وثبت معه صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا: ثمانية من المهاجرين: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح.
وسبعة من الانصار: الحباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ - وقيل: سعد بن عبادة - ومحمد بن مسلمة.
ويقال: ثبت بين يديه يومئذ ثلاثون رجلا كلهم يقول: وجهي دون وجهك، ونفسي دون نفسك، وعليك السلام غير مودع ! وروى الطبراني عن ابن عباس: أن ابن مسعود ثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انكشف الناس عنه إلى الجبل لا يلوون يدعوهم في أخراهم يقول: " إلي يا فلان، أنا رسول الله "، فما يعرج عليه أحد، وهذا النبل يأتيه صلى الله عليه وسلم من كل ناحية، والله تعالى يصرف ذلك عنه.
وروى محمد بن عمر الاسلمي عن نافع بن جبير قال: سمعت رجلا من المهاجرين يقول: شهدت أحدا فنظرت إلى النبل من كل ناحية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها، كل ذلك يصرف عنه.
ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ: دلوني على محمد، لا نجوت إن نجا.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد، ثم جاوزه فعاتبه صفوان بن أمية في ذلك، فقال: والله ما رأيته، أحلف بالله إنه منا ممنوع، أما والله خرجنا أربعة فتعاهدنا، وتعاقدنا على قتله، فلم نخلص إليه.
قال ابن سعد: قال أبو النمر الكناني وهو جد شريك بن عبد الله بن أبي نمر: شهدت أحدا مع المشركين، ورميت يومئذ بخمس مرماة، فأصبت منها بأسهم، وإني لانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه لمحدقون به، وإن النبل لتمر عن يمينه وعن شماله، [ وتقصر ] بين يديه، وتخرج من ورائه، ثم هداني الله للاسلام.(4/197)
وروى عبد الرزاق بسند مرسل قوي عن الزهري قال: ضرب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد سبعين ضربة بالسيف، وقاه الله شرها كلها.
قال الحافظ: ويحتمل أنه أراد بالسبعين حقيقتها، أو المبالغة في الكثرة.
انتهى.
وبايعه يومئذ على الموت ثمانية: ثلاثة من المهاجرين، وهم: علي، والزبير، وطلحة.
وخمسة من الانصار: أبو دجانة، والحارث بن الصمة، والحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، وسهل بن حنيف، فلم يقتل منهم أحد.
وروى أبو يعلى بسند حسن، عن علي رضي الله عنه قال: لما انجلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نظرت في القتلى، فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى، ولكن أرى الله تعالى غضب علينا بما صنعنا، فرفع نبيه صلى الله عليه وسلم، فما لي خير من أن أقاتل حتى أقتل، فكسرت جفن سيفي، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، أي يقاتلهم صلى الله عليه وسلم.
ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله معه المشركون تكاثر المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله.
رمى عتبة بن أبي وقاص - لعنه الله - رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أحجار فكسر حجر منها رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى.
قال الحافظ: والمراد بكسر الرباعية - وهي السن التي بين الثنية والتاب - أنها كسرت فذهب منها فلقة، ولم تقلع من أصلها.
وروى عبد الرزاق في تفسيره عن مقسم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص حين كسر رباعيته ورمى وجهه، فقال: اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت - كافرا، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار، ورواه أبو نعيم من وجه آخر عن ابن عباس (1).
وروى الحاكم عن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه: أنه لما رأى ما فعل عتبة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله من فعل بك ؟ قال: " عتبة بن أبي وقاص ".
قلت: أين توجه ؟ فأشار إلى حيث توجه، فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه، فأخذت رأسه وفرسه، وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فسلم ] ذلك إلي، ودعا لي فقال: " رضي الله عنك "، مرتين (2).
__________
(1) انظر البداية والنهاية 4 / 30.
(2) أخرجه البيهقي في السنن 6 / 308 والحاكم في المستدرك 3 / 300.
(*)(4/198)
وروى الخطيب في تاريخ بغداد عن الحافظ محمد بن يوسف الفريابي قال: بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبي، فنبتت له رباعية.
قال السهيلي: ولم يولد من نسل عتبة ولد يبلغ الحلم إلا وهو أهتم أبخر، يعرف ذلك في عقبه.
وشجه عبد الله بن شهاب الزهري - وأسلم بعد ذلك - في وجهه، وسال الدم من الشجة حتى أخضل الدم لحيته الشريفة.
نفسي له الفداء.
ورواه عبد الله بن قمئة - بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة - فشج وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته.
وعلاه بالسيف.
وكان عليه درعان، فوقع صلى الله عليه وسلم في حفرة أمامه على جنبه، وهي من الحفر التي عملها أبو عامر الفاسق ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون، فأغمي عليه صلى الله عليه وسلم، كما رواه ابن جرير عن قتادة، فأخذ علي بن أبي طالب بيده، ورفعه طلحة حتى استوى قائما فجحشت ركتباه، ولم يصنع سيف ابن قمئة شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف، ومكث يجد وهن الضربة على عاتقه شهرا، أو أكثر من شهر.
ورمته
جماعة كثيرة بالحجارة حتى وقع لشقه.
وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن ابن قمئة لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خذها وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقمأك الله "، فسلط الله تعالى عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة (1).
وروى أبو نعيم عن نافع بن عاصم قال: الذي أدمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن قمئة رجل من هذيل، فسلط الله تعالى عليه تيسا، فنطحه حتى قتله.
وروى أبو داود الطيالسي وابن حبان عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كله لطلحة، ثم أنشأ يحدث قال: كنت ممن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه - قال: وأراه قال يحميه - قال: قلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلا من قومي أحب إلي، وبيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطف خطفا لا أخطفه، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كسرت رباعيته، وشج وجهه، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكما صاحبكما، يريد طلحة، وقد نزف الدم فتركناه، وذهبت لانزل ذلك من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، فتركته، وكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزم
__________
(1) انظر الشفاء للقاضي عياض 2 / 480 فتح الباري 7 / 373.
(*)(4/199)
عليها بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين، ووقعت ثنيته مع الحلقة، وذهبت لاصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، ففعل كما فعل في المرة الاولى، فوقعت ثنيته الاخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفر، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة وضربة ورمية، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه (1).
وذكر محمد بن عمر أن طلحة أصيب يومئذ في رأسه، فنزف الدم حتى غشي عليه، فنضح أبو بكر الماء في وجهه حتى أفاق فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: خيرا، هو أرسلني إليك، قال: الحمد لله، كل مصيبة بعده جلل.
وفي حديث أبي سعيد الخدري عن محمد بن عمر: أن الحلقتين لما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن، فجعل مالك بن سنان يأخذ الدم بفيه ويمجه منه يزدرد منه، فقال له: " أتشرب الدم ؟ " قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مس دمه دمي لم تصبه النار ".
وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النبل في ظهره وهو ينحني عليه، حتى كثر عليه النبل وهو لا يتحرك.
وقاتل عبد الرحمن بن عوف قتالا شديدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصيب فوه فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، وجرح في رجله، وكان يعرج منها.
وروى ذلك الحاكم عن إبراهيم بن سعد.
وقاتل سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالا شديدا.
روى الحاكم عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال: لما جال الناس يوم أحد تلك الجولة تنحيت فقلت: أذود عن نفسي، فإما أنجو وإما أن أستشهد، فإذا رجل محمر وجهه قد كاد المشركون أن يركبوه، فملا يده من الحصا فرماهم به، وإذا بيني وبينه المقداد، فأردت أن أسأله عن الرجل، فقال لي: " يا سعد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك " فقمت ولكأنه لم يصبني شئ من الاذى، فأتيته فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول: " اللهم سهمك فارم به عدوك " ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم استجب لسعد، اللهم سدد لسعد رميته، إيها سعد، فداك أبي وأمي "، فما من سهم أرمي به إلا قال رسول الله: " اللهم سدد رميته، وأجب دعوته "، حتى إذا فرغت من كناني نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته فنبلني سهما نضيا قال وهو الذي قد ريش وكان أسد من غيره (2).
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلايل 3 / 363 وأبو نعيم في الحلية 1 / 87 وذكره ابن حجر في المطالب (4327) والمتقي الهندي في الكنز (30025).
(2) أخرجه الترمذي (3751) والحاكم في المستدرك 3 / 499 والطبراني في الكبير 1 / 105.
(*)(4/200)
قال الزهري: " السهام التي رمى بها سعد يومئذ كانت ألف سهم ".
وروى ابن عائذ عن يحيى بن حمزة مرسلا، عن سعد بن أبي وقاص قال: رميت بسهم فرد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمي أعرفه، حتى واليت بين ثمانية أو تسعة، كل ذلك يرده علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت هذا السهم في كنانتي لا يفارقني.
وروى البخاري والحسن بن عرفة، عن سعد قال: نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد، وقال: " ارم فداك أبي وأمي ".
روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لاحد إلا لسعد بن مالك، سمعته يقول يوم أحد: " يا سعد ارم فداك أبي وأمي ".
وروى أيضا عن سعد قال: " لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بين أبويه كليهما، يريد حين قال: " فداك أبي وأمي، وهو يقاتل " (1).
قال محمد بن عمر رحمه الله: كان رجال من المشركين قد أذلقوا المسلمين بالرمي منهم حبان بن العرقة، وأبو أسامة الجشمي.
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسعد: " ارم فداك أبي وأمي " ورمى حبان بسهم فأصاب ذيل أم أيمن وكانت تسقي الجرحى، فانكشف عنها فاستغرب عدو الله في الضحك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى سعد [ بن أبي وقاص سهما ] لا نصل له، فقال: " ارم به "، فوقع السهم في ثغرة نحر حبان، فوقع مستلقيا وبدت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذة، ثم قال: " استقاد لها سعد أجاب الله دعوتك وسدد رميتك ".
وكان مالك بن زهير أخو أبي أسامة الجشمي وهو وحبان بن العرقة قد أكثرا في المسلمين القتل بالنبل، فرمى سعد مالكا بسهم أصاب عينه، حتى خرج من قفاه وقتله.
وقاتلت أم عمارة نسيبة - وهي بمهملة وموحدة مصغر على المشهور، وعن ابن معين والفربري
ككريمة - بنت كعب المازنية يومئذ، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباشرت القتال، وجعلت تذب عنه بالسيف، وترمي عن القوس.
ولما قصد ابن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترضت له ومصعب بن عمير، وضربت ابن قمئة ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان، وضربها هو بالسيف فجرحها جرحا عظيما، صار له فيما بعد غور.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان " وقال: " ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني ".
وقال لابنها عبد الله بن زيد بن عاصم: " بارك الله
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 124 وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 4 / 27.
(*)(4/201)
تعالى عليكم أهل بيت، مقام أمكم خير من مقام فلان وفلان، ومقام زوج أمك غزية بن عمرو خير من مقام فلان وفلان، رحمكم الله أهل بيت ".
قالت أم عمارة: " ادع الله تعالى أن نرافقك في الجنة "، قال: " اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة ".
قالت: " ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا ".
قال البلاذري: شهدت نسيبة يوم أحد وزوجها وابناها، وخرجت معها بشن لها تسقي الجرحى، فقاتلت وجرحت اثني عشر رجلا بسيف ورمي، وكانت أول النهار تسقي المسلمين، والدولة لهم، ثم قاتلت حين كر المشركون، وقاتلت يوم اليمامة فقطعت يدها وهي تريد مسيلمة الكذاب لتقتله.
قالت: " ما كانت لي ناهية حتى رأيت الخبيث مقتولا وإذا ابني عبد الله بن زيد يمسح سيفه بثيابه، فقلت: أقتلته ؟ قال: نعم، فسجدت لله شكرا ".
وروى ابن سعد عن موسى بن ضمرة بن سعيد عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب بمروط وفيها مرط جيد واسع، فقال بعضهم: لو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد.
فقال: " ابعثوا به إلى من هو أحق به منها، إلى أم عمارة نسيبة بنت كعب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دوني " (1).
وانحاز صلى الله عليه وسلم إلى الجبل لينظر أمر الناس، وليعرفه أصحابه، فيقصدوه، فأدركه المشركون يريدون ما الله تعالى حائل بينه وبينهم، فدثه جماعة بالحجارة حتى وقع لشقه.
وروى النسائي والبيهقي بسند جيد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبقي معه أحد عشر رجلا من الانصار، وطلحة بن عبيد الله، وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون، فقال: " ألا أحد لهؤلاء ؟ " فقال طلحة: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كما أنت يا طلحة "، فقال رجل من الانصار: فأنا يا رسول الله.
فقاتل عنه، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه من أصحابه، ثم قتل الانصاري، فلحقوه فقال: " ألا رجل لهؤلاء ؟ " فقال طحلة مثل قوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله، فقال رجل من الانصار: فأنا يا رسول الله، فقاتل وأصحابه يصعدون في الحبل، ثم قتل الانصاري، فلحقوه، فلم يزل يقول مثل قوله الاول، ويقول طلحة: أنا يا رسول الله فيحبسه، ويستأذنه رجل من الانصار للقتال، فيأذن له، فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة، فغشوهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لهؤلاء يا طلحة ؟ " فقال: أنا، فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله، وأصيبت أنامله، فقال: حس، فقال: لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 8 / 303 وذكره المتقي الهندي في الكنز (37589).
(*)(4/202)
وروى الامام أحمد، ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن المشركين لما أرهقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الانصار ورجل من قريش قال: من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة ؟ فجاء رجل من الانصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضا، فقال: من يردهم عنا وله الجنة ؟ - أو هو رفيقي الجنة ؟ - فتقدم رجل من الانصار فقاتل، حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنصفنا أصحابنا " (1).
وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة بن عبيدالله شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
وروى الدار قطني في الافراد، والطبراني عن طلحة.
والنسائي، والطبراني، والبيهقي عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنهم: أن طلحة أصابه سهم في أنامله فقال: حس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو قلت بسم الله لطارت بك الملائكة والناس ينظرون حتى تلج بك في جو السماء، ولرأيت بناءك الذي بنى الله لك في الجنة وأنت في الدنيا " (2).
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن النساء يوم أحد كن خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفت يومئذ لرجوت أن أبر أنه ليس أحد منا يريد الدنيا، حتى أنزل الله تعالى: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة) [ آل عمران 152 ] فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة: سبعة من الانصار، ورجلين من قريش، وهو عاشرهم، فلما رهقوه قال: رحم الله ردهم عنا فذكر نحو الحديث الذي قبله.
وقال ابن إسحاق: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم قال: " من رجل يشري لنا نفسه ؟ " فقام زياد بن السكن في خمسة من الانصار - وبعض الناس يقول: إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن -، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدنوه مني "، فأدنوه منه فوسده قدمه، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه أربع عشرة جراحة.
وقاتل علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية، وأبو دجانة من ناحية، وسعد بن أبي وقاص من ناحية، وانفرد علي بن أبي طالب بفرقة فيها عكرمة بن أبي جهل،
__________
(1) أخرجه مسلم في الجهاد (100) وأحمد في المسند 1 / 463 والبيهقي في السنن 9 / 44 وابن أبي شيبة في المصنف 14 / 399 والبيهقي في الدلائل 3 / 235.
(2) ذكره ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 7 / 77.
(*)(4/203)
فدخل وسطهم بالسيف يضرب به وقد اشتملوا عليه، حتى أفضى إلى آخرهم، ثم كرهم ثانيا
حتى رجع من حيث جاء.
وكان الحباب بن المنذر يجوس المشركين كما تجاس الغنم، ثم اشتملوا عليه حتى قيل قد قتل، ثم برز والسيف في يده، وافترقوا عنه.
وأبلى أبو طلحة يومئذ بلاء شديدا (1).
وروى الشيخان ومحمد بن عمر الاسلمي، عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه بحجفته - وفي لفظ: يجوب عليه بحجفته - وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد الرمي - وفي لفظ: النزع - فنثر كنانته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يرمي بها، وكسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر بالجعبة من النبل، فيقول صلى الله عليه وسلم: " انثرها لابي طلحة "، ويشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك ! (2) ذكر إرسال الله تعالى النعاس على المسلمين الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم روى الامام أحمد والبخاري والحاكم عن أبي طلحة والبخاري عن أنس عن أبي طلحة، قال أبو طلحة: كنت فيمن يغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا من النعاس، الذي ألقاه الله تعالى عليهم أمنة منه، يسقط وآخذه، وجعلت أنظر وما منهم أحد إلا وهو يميد تحت حجفته من النعاس.
وروى الطبراني في الاوسط عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: ألقي علينا النوم يوم أحد.
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آمنهم الله تعالى يومئذ بنعاس غشاهم، وإنما ينعس من يأمن.
وروى ابن جرير، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: النعاس عند القتال أمنة من الله، والنعاس في الصلاة من الشيطان.
وروى محمد بن عمر الاسلمي عن أبي اليسر - بفتح التحتية والسين المهملة - واسمه كعب بن عمرو الانصاري رضي الله عنه قال: لقد رأيتني يومئذ في أربعة عشر رجلا من قومي
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 3 / 235.
(2) أخرجه البخاري 5 / 125 (دار الفكر).
(*)(4/204)
إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابنا النعاس أمنة منه، ما منهم أحد إلا يغط غطيطا، حتى أن الحجف لتتناطح، ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده، وما يشعر، حتى أخذه بعد ما تثلم، وأن المشركين لتحتنا.
وروى الامام إسحاق بن راهويه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: والله إن النعاس ليغشاني.
وفي رواية: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتد علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره، فوالله إني لاسمع كالحلم قول معتب بن قشير: " لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا هاهنا " فحفظتها، فأنزل الله تعالى في ذلك: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة) إلى قوله: (ما قتلنا هاهنا) [ آل عمران 154 ] كقول معتب بن قشير.
قال محمد بن إسحاق: أنزل الله تعالى النعاس أمنة منه لاهل اليقين، فهم نيام لا يخافون، والذين أهمتهم أنفسهم أهل النفاق في غاية الخوف والذعر.
ذكر ما جاء في حضور الملائكة وقتالهم يوم أحد روى أبو داود الطيالسي والشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عن كأشد القتال، وما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني جبريل وميكائيل.
ورواه البيهقي.
ثم روى مجاهد، قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر قال البيهقي: مراده لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصبروا على ما أمرهم به.
روى محمد بن عمر عن شيوخه في قوله تعالى: (بلى إن تصبروا وتتقوا) الاية لم يصبروا وانكشفوا فلم يمدوا.
وروي أيضا عنهم قالوا: قتل مصعب بن عمير فأخذ اللواء ملك في صورة مصعب، وحضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل.
وروى الطبراني وابن منده وابن عساكر من طريق محمود بن لبيد، قال الحارث بن الصمة: سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الشعب عن عبد الرحمن بن عوف، فقلت: رأيته إلى جنب الجبل، فقال: " إن الملائكة تقاتل معه ".
قال الحارث: فرجعت إلى عبد الرحمن فوجدت بين يديه سبعة صرعى، فقلت: ظفرت يمينك، أكل هؤلاء قتلت ؟ قال: " أما هذا وهذا فأنا قتلتهما، وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره ".
فقلت: صدق الله ورسوله.
وروى ابن سعد عن عبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن(4/205)
عبد المطلب، قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مصعب بن عمير اللواء فقتل مصعب، فأخذه ملك في صورة مصعب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقدم يا مصعب ".
فالتفت إليه الملك فقال: لست بمصعب، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملك أيد به.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة: حدثني محمد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: أقدم يا مصعب، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله ألم يقتل مصعب ؟ قال: " بلى، ولكن ملك قام مكانه، وتسمى باسمه " (1).
وروى ابن عساكر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لقد رأيتني أرمي بالسهم يوم أحد فيرده علي رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه، حتى كان بعد فظننت أنه ملك.
وروى ابن إسحاق والبيهقي وابن عساكر عن عبد الله بن عون عن عمير بن إسحاق قال: لما كان يوم أحد انكشفوا عن رسول الله وسعد يرمي بين يديه، وفتى ينبل له، كلما ذهب نبله أتاه بها، قال: ارم أبا إسحاق، فلما فرغوا نظروا من الشاب فلم يروه، ولم يعرف.
وروى البيهقي عن عروة في قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده) [ آل عمران 152 ] قال: كان الله تعالى وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا مصافهم، وتركت الرماة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا يبرحوا من منازلهم، وأرادوا الدنيا، رفع عنهم مدد الملائكة، وأنزل الله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه) فصدق الله وعده وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء.
ذكر رجوع بعض المسلمين بعد توليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابن المنذر عن كليب بن شهاب قال: خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول: إنها أحدية فلما انتهى إلى قوله تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) [ آل عمران 155 ] قال: لما كان يوم أحد هزمنا ونفرت، حتى صعدت في الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروي، فسمعت يهوديا يقول: قتل محمد، فقتل: لا أسمع أحدا يقول: قتل محمد إلا ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه.
قال ابن إسحاق: وكان أول من أقبل من المسلمين بعد التولية قيس بن محرث، ويقال: قيس بن الحارث بن عدي بن جشم مع طائفة من الانصار، فصادفوا المشركين فدخلوا
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14 / 397.
(*)(4/206)
حومتهم، فما أفلت منهم رجل حتى قتل، ولقد ضاربهم قيس حتى قتل نفرا، فما قتلوه إلا بالرماح، نظموه، ووجد به أربع عشرة طعنة، قد جافته، وعشر ضربات في بدنه.
ونادى الحباب بن المنذر: يا آل سلمة، فأقبلوا عليه عنقا واحدا: لبيك داعي الله.
كان عباس بن عبادة بن نضلة - بالنون والضاد المعجمة - وخارجة بن زيد، وأوس ابن أرقم، يرفعون أصواتهم، فيقول عباس: يا معشر المسلمين: الله ونبيكم، هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم، فوعدكم النصر ما صبرتم، ثم نزع مغفره وخلع درعه، وقال لخارجة بن زيد:
هل لك فيها ؟ قال: لا، أنا أريد الذي تريد، فخالطوا القوم جميعا، وعباس يقول: ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنا عين تطرف ؟ فيقول خارجة: لا عذر لنا عند ربنا ولا حجة.
فقتل سفيان بن عبد شمس عباسا، وأخذت خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحا، وأجهز عليه صفوان بن أمية - وأسلم صفوان بعد ذلك - وقتل أوس بن أرقم رضي الله عنه.
ومر مالك بن الدخشم على خارجة بن زيد [ بن أبي زهير ] وهو قاعد في حشوته وبه ثلاثة عشر جرحا كلها خلصت إلى مقتل، فقال: أما علمت أن محمدا قد قتل ؟ فقال خارجة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت، فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه، فقاتل عن دينك !.
ومر على سعد بن الربيع وبه اثنتا عشرة جراحة كلها قد خلص إلى مقتل، فقال: أعلمت أن محمدا قد قتل ؟ فقال سعد: أشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بلغ رسالة ربه، فقاتل عن دينك، فإن الله تعالى حي لا يموت ! قالوا: وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انهزم المسلمون وقول الناس: قتل رسول الله - كما ذكر الزهري - كعب بن مالك، قال: رأيت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي أن اسكت، ودعا بلامة كعب، وكانت صفراء أو بعضها، فلبسها ونزع لامته فلبسها كعب، وقاتل كعب حتى جرح سبع عشرة جراحة، لشدة قتاله.
وروى الطبراني بسند رجاله ثقات، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشعب كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي بيده أن اسكت، ثم ألبسني لامته ولبس لامتي، فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة - أو قال: بضع وعشرين جراحة - كل من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا عليه.
ولما رأوه سالما(4/207)
كأنهم لم يصبهم شئ حين رأوه، وفرحوا بذلك فرحا شديدا، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض معهم نحو الشعب ومعه أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، والحارث بن الصمة، ورهط من المسلمين.
ذكر قتله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف عدو الله تعالى روى البيهقي عن سعيد بن المسيب، وأبو نعم عن عروة: أن أبي بن خلف قال حين افتدى من الاسر ببدر: والله إن عندي العود - فرسا - أعلفها كل يوم فرقا من ذرة، ولاقتلن عليها محمدا، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " بل أنا أقتله إن شاء الله ".
انتهى.
وقيل: إنه كان يقول ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، فلما كان يوم أحد قال رسول الله صل الله عليه وسلم لاصحابه: " إني أخشى أن يأتي أبي بن خلف من خلفي، فإذا رأيتموه فآذنوني به "، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت في القتال وراءه، فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه، وهو مقنع في الحديد يركض على فرسه، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أين محمد ؟ لا نجوت إن نجا.
فاستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، فقتل مصعبا، فقال القوم: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت صانعا حين يغشاك أبي فقد جاءك، فإن شئت يعطف عليه رجل منا، وفي رواية: فاعترض له رجال من المؤمنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه وخلوا طريقه "، فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " يا كذاب، أين تفر ؟ " فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ويقال: من الزبير بن العوام، فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفض بها انتفاضة تطاير عنه أصحابه تطاير الشعراء من ظهر البعير إذا انتفض بها، ولم يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد الجد، ثم استقبله بها فطعنه في عنقه - وفي لفظ: في ترقوته من فرجة سابغة البيضة والدرع - طعنة تدأدأ منها مرارا عن فرسه، وجعل يخور كما يخور الثور، وفي لفظ: فخدشه في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم، وفي لفظ: أنه كسر ضلعا من
أضلاعه فرجع إلى قومه، فقال: قتلني والله محمد ! فقالوا: ذهب والله فؤادك، والله إن بك بأس، وما أجزعك، إنما هو خدش، ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره.
فيقول: لا واللات والعزى، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز - وفي لفظ: بربيعة ومضر - لماتوا أجمعون، إنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق علي لقتلني.
فمات عدو الله بسرف وهم قافلون.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " اشتد غضب الله عزوجل على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسحقا لاصحاب السعير ".
وروى محمد بن عمر الاسلمي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مات أبي بن خلف ببطن رابغ، فإني لاسير بعد هوي(4/208)
من الليل إذا نار تأجج لي فهبتها فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش ! وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في ذلك: لقد ورث الضلالة عن أبيه * أبي يوم بارزة الرسول أتيت إليه تحمل رم عظم * وتوعده وأنت به جهول وقد قتلت بنو النجار منكم * أمية إذ يغوث: يا عقيل وتب ابنا ربيعة إذ أطاعا * أبا جهل، لامهما الهبول وأفلت حارث لما شغلنا * بأسر القوم، أسرته قليل وقال حسان أيضا في ذلك: ألا من مبلغ عني أبيا * لقد ألقيت في حق السعير تمني بالضلالة من بعيد * وتقسم أن قدرت مع النذور تمنيك الاماني من بعيد * وقول الكفر يرجع في غرور فقد لاقتك طعنة ذي حفاظ * كريم البيت ليس بذي فجور له فضل على الاحياء طرا * إذا نابت ملمات الامور
ذكر مقتل عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي قال محمد بن عمر: أقبل عثمان بن عبد الله [ بن المغيرة المخزومي ] على فرس أبلق وعليه، لامة كاملة، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجه إلى الشعب وهو يصيح: لا نجوت إن نجوت.
فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعثر بعثمان فرسه في بعض تلك الحفر، فوقع وخرج الفرس عائرا، فأخذه المسلمون، ومشى الحارث بن الصمة إليه فاصطدما ساعة بسيفيهما، ثم ضربه الحارث على رجله [ وكانت الدرع مشمرة ] فبرك وذفف عليه، وأخذ الحارث يومئذ درعه ومغفره، ولم يسمع بأحد سلب يومئذ غيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أحانه.
وكان عبد الله بن جحش رضي الله عنه أسره ببطن نخلة، فافتدى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاد إلى مكة حتى قدم، فقتله الله تعالى بأحد.
وأقبل عبيد بن حاجز العامري يعدو كأنه سبع فضرب الحارث بن الصمة فجرحه على عاتقه، فاحتمله أصحابه، ووثب أبو دجانة إلى عبيد فناوشه ساعة، ثم ذبحه بالسيف ذبحا ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر انتهائه صلى الله عليه وسلم إلى الشعب وما داوى به جرحه ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملا درقته(4/209)
من المهراس، فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - ليشرب منه، فوجد له ريحا، فعافه فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم، وصب على رأسه وهو يقول: " اشتد غضب الله على من أدمى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم ".
وخرج محمد بن مسلمة يطلب من النساء ماء فلم يجد عندهن ماء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عطش عطشا شديدا، فذهب محمد إلى قناة حتى استقى، فأتى بماء عذب فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له بخير.
وروى الشيخان والبيهقي والطبراني واللفظ له عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح يوم أحد، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وانصرف
المشركون، فخرج النساء إلى الصحابة، فكانت فاطمة فيمن خرج، فلما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنقته، وجعلت تغسل جراحته وعلي يسكب الماء بالمجن فتزايد الدم، فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير، فأحرقته بالنار حتى صار رمادا، فأخذت ذلك الرماد وكمدته حتى لصق بالجرج، فاستمسك الدم (1).
وروى أبو سليمان الجوزجاني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم داوى جرحه يوم أحد بعظم بال، قال في البداية: هذا حديث غريب.
ذكر إرادته صلى الله عليه وسلم صعود صخرة في الشعب لينظر حال الناس روى ابن إسحاق والامام أحمد والترمذي، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب لينهض إلى الصخرة من الجبل ليعلوها وقد كان بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر بين درعين، فلما ذهب لينهض لم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيدالله فنهض به حتى استوى عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع " (2).
ذكر استنصاره صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى قال ابن إسحاق وابن جريج فيما رواه ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو في الشعب مع أولئك النفر من أصحابه، إذ علت عالية من المشركين: خالد بن الوليد ونفر معه الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا قوة لنا إلا بك، وليس أحد يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر فلا تهلكهم، اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا.
__________
(1) أخرجه البخاري 6 / 113 (2911) ومسلم 3 / 1416 (101 - 1790).
(2) أخرجه الترمذي (3738) وأحمد في المسند 1 / 165 والبيهقي في السنن 6 / 370 والحاكم في المستدرك 3 / 25 وابن حبان (2212).
(*)(4/210)
وثاب نفر من المهاجرين رماة، منهم عمر بن الخطاب فرموا خيل المشركين حتى هزموهم،
وعلا المسلمون الجبل " (1).
وروى الامام أحمد ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول يوم أحد: " اللهم إن تشأ لا تعبد في الارض " (2) وذكر الاموي في مغازيه: أن المشركين صعدوا على الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: " ارددهم "، قال: كيف أردهم وحدي ؟ فقال ذلك ثلاثا، فأخذ سعد سهما من كنانته فرمى به رجلا فقتله قال: ثم أخذت سهمي أعرفه فرميت به آخر فقتلته، ثم أخذته أعرفه فرميت به آخر، فقتلته، فهبطوا من مكانهم.
وقال ابن جريج: وأنزل الله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين) [ آل عمران 139 ].
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يومئذ قاعدا من الجراحة التي أصابته، وصلى المسلمون خلفه قعودا.
ذكر مقتل حسيل وهو بضم الحاء وفتح السين المهملتين ويقال مكبرا، وهو اليمان والد حذيفة، ومقتل ثابت بن وقش - بفتح الواو وإسكان القاف، وبالشين المعجمة - رضي الله عنهما قالوا لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه - وهما شيخان كبيران - لا أبا لك، ما تنتظر، فوالله ما بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار، إنما نحن هامة اليوم أو غدا، أفلا نأخذ أسيافنا، ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله تعالى يرزقنا الشهادة، فأخذا أسيافهما، ثم خرجا حتى دخلا في الناس من جهة المشركين، ولم يعلم المسلمون بهما.
فأما ثابت فقتله المشركون، وأما حسيل فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه، وقيل: إن الذي قتله عقبة بن مسعود رضي الله عنه، فقال حذيفة: أبي ! فقالوا: ما عرفناه وصدقوا، فقال حذيفة يغفر الله تعالى لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين،
فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا.
قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لقي الله تعالى.
__________
(1) أخرجه الطبري في التفسير 4 / 67.
(2) أخرجه أحمد في المسند 3 / 252 ومسلم (1363) والدار قطني 3 / 394.
(*)(4/211)
ذكر مقتل مخيريق النضري الاسرائيلي من بني النضير - وهو بميم مضمومة فخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فتحتية فقاف - ذكر محمد بن عمر الاسلمي أنه أسلم، ويقال إنه من بني قينقاع ويقال من بني ثعلبة بن الفطيون وكان عالما من أحبار يهود، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه، فلما كان يوم السبت قال: والله يا معشر يهود، إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: اليوم يوم السبت قال: لاسبت لكم، ثم عهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم فأموالي إلى محمد يصنع فيها ما أراد، ثم أخذ سلاحه، فخرج، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مخيريق خير يهود ".
وروى الزبير بن بكار عن ابن شهاب مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة "، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله، وهي سبع خرائط، يأتي ذكرها في ذكر صدقاته صلى الله عليه وسلم (1).
ذكر مقتل الاصيرم عمرو بن ثابت بن وقش ويقال: أقيش.
روى ابن إسحاق عن محمود بن لبيد وأبو داود والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنهما: أن الاصيرم كان يأبى الاسلام على قومه، زاد الحاكم كان له رئي في الجاهلية، فكان يمنع ذلك الرئي من الاسلام حتى يأخذه، فجاء ذات يوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد فقال: أين سعد بن معاذ ؟ فقيل: بأحد، فقال: أين بنو أخيه ؟ قيل: بأحد، فسأل عن قومه فقيل: بأحد، فبدا له في الاسلام فأسلم، وأخذ سيفه ورمحه وأخذ لامته وركب فرسه
فعدا حتى دخل في عرض الناس، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت.
فقاتل حتى أثبتته الجراحة، فبينا رجال من بني عبد الاشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: والله إن هذا للاصيرم، ما جاء به ؟ لقد تركناه وإنه منكر لهذا الحديث، فسألوه: ما جاء بك ؟ أحدب على قومك أم رغبة في الاسلام ؟ فقال: بل رغبة في الاسلام، آمنت بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني، وإن مت فأموالي إلى محمد يضعها حيث شاء - ولفظ أبي هريرة فجاءه سعد بن معاذ فقال لاخيه: سله: حمية لقومه أو غضبا لله ورسوله ؟ فقال: بل غضبا لله ورسوله، انتهى.
ثم لم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه من أهل الجنة.
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 2 / 183 وأبو نعيم في الدلائل 1 / 18 بلفظ " خبر يهود ".
(*)(4/212)
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصل قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو فيقول: هو أصيرم بني عبد الاشهل.
قال في الاصابة: فجمع بين الروايتين بأن الذين قالوا له أولا: " إليك عنا " قوم من المسلمين من غير قومه بني عبد الاشهل.
وبأنهم لما وجدوه في المعركة حملوا إلى بعض أهله.
ذكر مقتل حنظلة رضي الله عنه روى ابن إسحاق عن محمود بن لبيد، وابن سعد عن عروة وأبو نعيم، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده قالوا: لما انكشف المشركون ضرب حنظلة فرس أبي سفيان بن حرب فوقع على الارض، فصاح وحنظلة يريد ذبحه، فأدركه الاسود بن شداد - ويقال له: ابن شعوب - بفتح الشين المعجمة وضم العين المهملة وآخره موحدة - ووقع في بعض نسخ العيون شداد بن الاسود وليس بصوات - فحمل على حنظلة بالرمح
فأنفذه، ومشى إليه حنظلة في الرمح وقد أثبته، ثم ضرب الثانية فقتله، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إني رأيت الملائكة تغسله بين السماء والارض بماء المزن في صحاف الفضة " (1).
قال أبو أسيد الساعدي - وهو بضم الهمزة - فذهبنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فاسألوا أهله ما شأنه ؟ " فسألوا صاحبته عنه، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فلذلك غسلته الملائكة ".
قال محمد بن عمر: وصاحبته أي زوجته وهي جميلة بنت أبي ابن سلول، دخلت عليه في تلك الليلة التي في صبيحتها أحد، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأذن له، فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلزمته جميلة، فعاد فكان معها فأجنب منها، وقد أرسلت إلى أربعة من قومها فأشهدتهم على الدخول بها خشية أن يكون في ذلك نزاع، فقيل لها: لم أشهدت ؟ فقالت: رأيت كأن السماء قد فرجت فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة.
وعلقت بعبدالله بن حنظلة، رضي الله عنهما.
ذكر مقتل عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام رضي الله عنهما كان عمرو أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الاسد، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، وهم خلاد ومعوذ ومعاذ وأبو أيمن، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه
__________
(1) ذكره المتقي الهندي في الكنز (33257).
(*)(4/213)
وقالوا: إن الله قد عذرك.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فوالله إني لارجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أنت فقد عذرك الله تعالى، فلا جهاد عليك "، وقال لبنيه: ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة، فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم لا تردني إلى أهلي خائبا، فقتل شهيدا !
وروى الامام أحمد عن قتادة بن الحارث بن ربعي الانصاري قال: أتي عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة - وكانت رجله عرجاء - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم، فقتلوه يوم أحد وهو وابن أخيه ومولى لهم، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة "، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا في قبر واحد.
انتهى.
(1).
واستشهد ابنه خلاد بن عمرو، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فحملتهم هند بنت عمرو بن حرام زوجة عمرو بن الجموح على بعير لها تريد بهم المدينة، فلقتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما - وقد خرجت في نسوة تستروح الخبر، ولم يضرب الحجاب يومئذ، فقالت لها: هل عندك خبر ؟ ما وراءك ؟ قالت: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح وكل مصيبة بعده جلل.
واتخذ الله من المؤمنين شهداء (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) [ الاحزاب 25 ] قالت عائشة: من هؤلاء ؟ قالت: أخي وابني خلاد، وزوجي عمرو بن الجموح.
قالت: وأين تذهبين بهم ؟ قالت: إلى المدينة أقبرهم فيها، ثم قالت: حل حل، تزجر بعيرها، فبرك، فقالت لها عائشة: لما عليه ؟ قالت: ما ذاك به لربما حمل ما يحمل بعيران، ولكن أراه لغير ذلك، وزجرته فقام وبرك، فوجهته راجعة إلى أحد، فأسرع فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال: إن الجمل مأمور، هل قال عمرو شيئا ؟ قالت: إن عمرا لما توجه إلى أحد قال: اللهم لا تردني إلى أهلي خائبا وارزقني الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فلذلك الجمل لا يمضي، إن منكم - معشر الانصار - من لو أقسم على الله لابره.
منهم عمرو بن الجموح، ولقد رأيته [ يطأ ] بعرجته في الجنة، يا هند، ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قيل إلى الساعة ينتظرون أين يدفن "، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبرهم، ثم قال: " يا هند، قد ترافقوا في الجنة " قالت: يا رسول الله، ادع الله عسى أن يجعلني معهم.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 5 / 299.
(*)(4/214)
قال جابر بن عبد الله: كان أبي أول قتيل قتل من المسلمين، قتله سفيان بن عبد شمس وهو والد أبي الاعور السلمي.
وروى محمد بن عمر عن شيوخه قالوا: قال عبد الله بن عمرو بن حرام - بالراء - رأيت في النوم قبل أحد مبشر بن عبد المنذر يقول لي: أنت قادم علينا في أيام، فقلت: وأين أنت ؟ قال: في الجنة، أسرح فيها كيف أشاء، قلت: ألم تقتل يوم بدر ؟ قال: بلى، ثم أحييت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هذه الشهادة يا أبا جابر ".
ذكر مقتل قزمان وهو بضم القاف وسكون الزاي وآخره نون، كان أتيا لا يدري ممن هو، وكان يعرف بالشجاعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له: إنه من أهل النار، فتأخر يوم أحد فعيرته نساء بني ظفر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسوي الصفوف حتى انتهى إلى الصف الاول، فكان أول من رمى من المسلمين بسهم، فجعل يرسل نبلا كأنها الرماح ويكت كتيت الجمل ثم فعل بالسيف الافاعيل حتى قتل سبعة أو تسعة وأصابته جراحة، فوقع، فناداه قتاده بن النعمان: يا أبا الغيداق هنيئا لك الشهادة، وجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر، قال: بماذا أبشر ؟ ! فوالله ما قاتلت إلا على أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت.
ثم تحامل على سيفه - وفي لفظ: أخذ سهما من كنانته - فقتل نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه من أهل النار، إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ! ذكر مقتل أنس بن النضر رضي الله عنه وهو بالنون والضاد المعجمة.
روى الطيالسي وابن أبي شيبة وابن سعد والشيخان والترمذي والبغوي الكبير وغيرهم عن أنس بن مالك رضي الله عنه وابن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن أن أنس بن النضر
عم أنس بن مالك رضي الله عنه وبه سمي أنسا، غاب عن بدر فشق عليه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أشهدني الله تعالى قتال المشركين ليرين الله تعالى ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما فعل هؤلاء - يعني المشركين - فانتهى إلى رجال من المهاجرين والانصار قد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما يجلسكم ؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: ما تصنعون بالحياة بعده ؟ ! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فلقيه سعد بن معاذ دون أحد، فقال سعد: أنا معك.
قال سعد: فاستقبل أنس القوم فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فقال: يا سعد بن معاذ - وفي لفظ يا أبا عمرو - واها لريح الجنة، ورب(4/215)
النضر إني لاجد ريحها من دون أحد.
ثم تقدم فقاتل حتى قتل، فوجدوا في جسده بضعا وثمانين ضربة من بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم: قال أنس: ووجدناه قد مثل به المشركون فما عرفه أحد منا إلا أخته بشامة أو ببنانه، فكنا نرى أو نظن أن هذه الاية نزلت فيه وفي أشباهه: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) [ الاحزاب 23 ] الاية.
ذكر مقتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء رضي الله عنه روى ابن أبي عاصم عن عبد الله بن السائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم أحد آخر أصحابه، ولم يكن بينه وبين العدو غير حمزة يقاتل العدو، فرصده وحشي فقتله، وقد قتل الله تعالى بيد حمزة من الكفار أحدا وثلاثين، وكان يدعي: " أسد الله ".
قال ابن إسحاق: وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء، وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء وهو يقول: إن على أهل اللواء حقا * أن يخضبوا الصعدة أو تندقا فحمل عليه حمزة فقتله.
قال: وحشي كما رواه ابن إسحاق والطيالسي والبخاري وابن
عائد عنه، وابن أبي شيبة عن عمر وابن إسحاق قال وحشي: إن حمزة قتل طعيمة بن عدي ببدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي مولاي جبير بن مطعم - وأسلم بعد ذلك -: إن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت حر، فلما خرج الناس عام عينين - وعينين: جبل بجبال أحد بينه وبينه واد - فخرجت مع الناس إلى القتال، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة، قل أن أخطئ بها شيئا، فلما التقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الاورق، يهد الناس بسيفه هدا، ما يقوم له شئ - وفي لفظ: ما يليق شيئا، وفي لفظ: ما وقع له أحد إلا قمعه بالسيف، وفي لفظ: رأيت رجلا لا يرجع حتى يهزمنا - فقلت: من هذا ؟ قالوا: حمزة.
قلت: هذا صاحبي، فوالله إني لا تهيأ له أريد منه ما أريد وأتستر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع - بكسر المهملة وتخفيف الموحدة - ابن عبد العزى الغبشاني - بضم الغين وإسكان الموحدة وبالشين المعجمة - فلما رآه حمزة قال: هلم إلي يا بن مقطعة البظور - وكانت أمه ختانه بمكة - أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ ! ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب - وفي لفظ: فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه - وأكب عليه ليأخذ درعه، وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني - قال عمير بن إسحاق: فعثر حمزة فانكشف الدرع عن بطنه، فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة.
انتهى.
قال وحشي - كما عند الطيالسي -: جعلت ألوذ من حمزة بشجرة ومعي حربتي، حتى إذا(4/216)
استمكنت منه هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته - وفي لفظ: في ثندوته - حتى خرجت من بين رجليه، وجعل ينوء نحوي فغلب فوقع فتركته وإياها، حتى إذا مات أتيته فأخذت حربتي، ورجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، إنما قتلته لاعتق، فلما قدمت مكة عتقت.
ثم أقمت حتى إذا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف فكنت بها، فلما خرج وفد أهل الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعيت علي المذاهب، فقلت: ألحق بالشام أو اليمن أو
ببعض البلاد، فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال لي رجل: ويحك، والله إنه ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه.
فلما قال ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.
قال ابن إسحاق وفي رواية يونس: لما قدم وحشي المدينة قال الناس: يا رسول الله هذا وحشي، فقال: " دعوه، فلاسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف رجل كافر ".
قال وحشي: فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أشهد شهادة الحق، فلما رآني قال: " أوحشي ؟ " قلت: نعم، يا رسول الله، قال: " أقعد فحدثني كيف قتلت حمزة ؟ " قال: فحدثته، فلما فرغت من حديثي، قال: " ويحك ! غيب وجهك عني فلا أراك ! ".
وروى الطبراني بسند لا بأس به، وتمام الرازي عن وحشي قال: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل حمزة تفل في وجهي ثلاث تفلات، ثم قال: " لا ترني وجهك ! ".
وروى الطبراني بسند حسن عن وحشي: قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا وحشي "، قلت: نعم، قال: " قتلت حمزة ؟ " فقلت: نعم، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده، فقالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة ؟ ! فقلت: يا رسول الله استغفر لي، فتفل في الارض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة، وقال: " يا وحشي، اخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله " (1).
قلت: وكونه صلى الله عليه وسلم تفل في الارض أصح من كونه تفل في وجهه، لما علم من حيائه صلى الله عليه وسلم ومحاسن أخلاقه.
قال وحشي: فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله تعالى، فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما في يده السيف وما أعرفه، فتهيأت له وتهيأ له رجل من الانصار من الناحية الاخرى كلانا يريده، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه، وشد عليه الانصاري فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قتلت شر الناس.
__________
(1) ذكره المتقي الهندي في الكنز (33663).
(*)(4/217)
قال محمد بن عمر في كتاب الردة: والانصاري المبهم عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، وبه جزم إسحاق بن راهويه والحاكم، وقيل: هو عدي بن سهل، وجزم به سيف في الردة، وقيل: أبو دجانة، وقيل: زيد بن الخطاب، قال الحافظ: والأول أشهر، ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته، وأما الاخران فحملا عليه في الجملة، وأغرب وثيمة في كتاب الردة فزعم أن الذي ضرب مسيلمة اسمه شن - بفتح المعجمة وتشديد النون - ابن عبد الله.
وأغرب من ذلك ما حكاه أبو عمر أن الذي قتل مسيلمة هو الجلاس بن بشير بن الاصم، كذا في خط الحافظ: الجلاس بن بشير بن الاصم، ولم أر له ذكرا في التجريد، ولا في العجالة للبرهان النووي، ولا في الاصابة للحافظ، فالله أعلم.
وروى البخاري وابن إسحاق عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما - وكان قد شهد اليمامة - قال: سمعت صارخا يقول: واأميراه قتله العبد الاسود.
وذكر محمد بن عمر، وتبعه في الامتاع أن وحشيا لما قتل حمزة شق بطنه وأخرج كبده، فجاء بها إلى هند بنت عتبة، فقال: هذه كبد حمزة، فمضغتها ثم لفظتها، ونزعت ثيابها وحليتها، فأعطته لوحشي، ووعدته إذا جاء مكة أن تعطيه عشرة دنانير، وقامت معه حتى أراها مصرع حمزة، فقطعت من كبده وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين، حتى قدمت بذلك مكة.
ومر الحليس - وهو بالحاء المهملة مصغرا - ابن زبان - بزاي فموحدة مشددة - وهو يومئذ سيد الاحابيش، يأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة رضي الله عنه بزج الرمح، وهو يقول: ذق عقق، فقال الحليس: يا بني كنانة، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما، فقال: ويحك، اكتمها علي، فإنها كانت زلة.
وعلت هند صخرة مشرفة وصرخت بأعلى صوتها فقالت: نحن جزيناكم بيوم بدر * والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر * ولا أخي وعمه وبكري شفيت نفسي وقضيت نذري * شفيت وحشي غليل صدري فشكر وحشي علي عمري * حتى ترم أعظمي في قبري فأجابتها هند بنت أثاثة - بضم الهمزة وبثائين مثلثتين - ابن عباد بن المطلب فقالت: خزيت في بدر وبعد بدر * يا بنت وقاع عظيم الكفر صبحك الله غداة الفجر * م الهاشميين الطوال الزهر بكل قطاع حسام يفري * حمزة ليثي وعلي صقري(4/218)
إذ رام شيب وأبوك غدري * فخضبا منه ضواحي النحر ذكر مقتل عبد الله بن جحش رضي الله عنه روى محمد بن عمر الاسلمي عن شيوخه وابن وهب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تأتي ندعو الله تعالى في ناحية، فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال: اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك قلت: يا عبدي، فيم جدع أنفك وأذنك ؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فيقول الله تعالى: صدقت، قال سعد: كانت والله دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي، ولقد رأيته آخر النهار وإن أذنيه، وأنفه معلقات في خيط.
قال محمد بن عمر: وتولى تركته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشترى لابنه مالا بخيبر، ودفن هو وخاله حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد.
ذكر مقتل أبي سعد خيثمة بن أبي خيثمة رضي الله عنه وهو بخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فثاء مثلثة.
ذكر محمد بن عمر أن خيثمة قال يوم أحد: يا رسول الله لقد أخطأتني وقعة بدر، وكنت والله حريضا عليها، حتى ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد رأيته البارحة في النوم في أحسن صورة، يسرح في ثمار الجنة وأنهارها، ويقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقا، وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة، فادع الله تعالى أن يرزقني الشهادة، ومرافقته في الجنة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل في أحد.
ذكر مقتل مصعب بن عمير رضي الله عنه روى ابن سعد، عن محمد بن شرحبيل العبدري قال: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) [ آل عمران 144 ] الاية...، ثم قطعت يده اليسرى فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: (وما محمد إلا رسول) الاية...ثم قتل فسقط اللواء، قال محمد بن شرحبيل: وما نزلت هذه الاية: (وما محمد إلا رسول) يومئذ حتى نزلت بعد.(4/219)
وكانت عائشة وأم سليم رضي الله عنهما تسقيان الناس، كما في الصحيح عن أنس قال: لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب، وفي لفظ تنقلان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتحلانها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم.
وروى البخاري عن ثعلبة بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك - يريد أم كلثوم بنت علي - فقال عمر: أم سليط أحق به، وأم سليط من نساء الانصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: فإنها كانت
تزفر لنا القرب يوم أحد.
انتهى.
وأم سليط هذه والدة أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ذكر تمثيل نساء المشركين: هند بنت عتبة ومن معها بقتلى المسلمين قال ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان قال: وقفت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجد عن الاذن والانف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنا فيهم خدما وقلائد.
ذكر رجوع المشركين إلى مكة قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما: لما تحاجز الفريقان أراد أبو سفيان الانصراف، فأقبل على فرس حتى أشرف على المسلمين في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته: أفي القوم محمد ؟ ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجيبوه "، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجيبوه "، فقال: أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجيبوه "، ولم يسأل عن هذه الثلاثة إلا لعلمه وعلم قومه أن قيام الاسلام بهم، فقال أبو سفيان بعد أن رجع إلى أصحابه: إن هؤلاء قد قتلوا فلو كانوا أحياء لاجابوا، فلم يملك عمر نفسه ! وفي حديث ابن عباس وعند الامام أحمد والطبراني والحاكم: أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، ألا أجيبه ؟ قال: " بلى ".
قال في الفتح: كأنه نهى عن إجابته في الأول وأذن فيها في الثالثة، فقال عمر: كذبت يا عدو الله، قد أبقى الله لك ما يخزيك، إن الذين عددت لاحياء كلهم، فقال أبو سفيان: اعل هبل، وأظهر دينك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: " قم يا عمر فأجبه "، فقال: الله أعلى وأجل، فقال أبو سفيان: اعل هبل، وأظهر دينك، فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، ألا إن الايام دول، وإن الحرب سجال، وفي لفظ: سمال.
فيوم علينا يوم لنا * ويوم نساء ويوم نسر(4/220)
وحنظلة بحنظلة، وفلان بفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: " قل: لا سواء، قتلانا في
الجنة، وقتلاكم في النار "، فقال أبو سفيان: إنكم لتقولون ذلك، لقد خبنا إذن وخسرنا، لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله لعمر، قل: " الله مولانا ولا مولى لكم "، فقال أبو سفيان: إنها قد أنعمت فعال عنها، هلم يا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: " ائته فانظر ما شأنه "، فجاءه، فقال أبو سفيان: أنشدك بالله يا عمر، أقتلنا محمدا ؟ قال: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الان، قال: أنت أصدق من ابن قمئة وأبر - لقول ابن قمئة لهم: إني قتلت محمدا - ثم قال أبو سفيان: ورفع صوته: إنكم واجدون في قتلاكم مثلا، والله ما رضيت ولا نهيت ولا أمرت، إلا أن موعدكم بدر الصفراء على رأس الحول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: " نعم بيننا وبينكم موعد ".
وانصرف أبو سفيان إلى أصحابه وأخذ في الرحيل، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من أن يغير المشركون على المدينة، فتهلك الذراري والنساء.
قال ابن إسحاق: فبعث عليا - وقال عروة.
ومحمد بن عمر، وابن عائذ: سعد بن أبي وقاص - لينظر، فقال: إن ركبوا الابل وجنبوا الخيل فهو الظعن وإن ركبوا الخيل وجنبوا الابل فإنهم يريدون المدينة، فهي الغارة، والذي نفسي بيده لئن ساروا إليها لاسيرن إليهم، ثم لاناجزنهم.
فسار علي أو سعد وراءهم إلى العقيق فإذا هم قد ركبوا الابل وجنبوا الخيل بعد ما تشاوروا في نهب المدينة، فقال صفوان بن أمية - وأسلم بعد ذلك -: لا تفعلوا، لا تدرون ما يغشاكم، فعاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقدم أبو سفيان مكة، فلم يصل إلى بيته حتى أتى هبل فقال: أنعمت ونصرتني، وشفيت نفسي من محمد ومن أصحابه، وحلق رأسه.
ذكر طلب المسلمين قتلاهم روى البيهقي عن عروة قال: لما رحل المشركون انتشر المسلمون يطلبون قتلاهم فلم يجدوا قتيلا إلا وقد مثل به المشركون، إلا حنظلة بن أبي عامر فإن أباه كان معهم فتركوه له.
وقال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: لما انصرف المشركون أقبل المسلمون على
موتاهم يطلبونهم.
وروى الحاكم والبيهقي، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وابن إسحاق عن شيوخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع، أفي الاحياء هو أم في الاموات، فإني رأيت اثني عشر رمحا شرعى إليه، فقال رجل من الانصار - قال محمد بن عمر: هو محمد بن مسلمة، وقال أبو عمر: هو أبي بن كعب - فنظر في القتلى، فناداه ثلاثا فلم يجبه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إلى خبرك، فأجابه بصوت ضعيف.
وفي(4/221)
حديث زيد: فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، لطلب سعد بن الربيع، وقال: إن رأيته فأقره مني السلام، وقل له: كيف تجدك ؟ قال: فأصبته وهو في آخر رمق، وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرني أن أنظر أفي الاحياء أنت أم في الاموات ؟ فقال: أنا في الاموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول: جزاك الله تعالى عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وقل له: إني أجد ريح الجنة، وأبلغ قومك عني السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف، ثم لم يبرح أن مات، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبره (1).
قال ابن هشام: وحدثني أبو بكر الزبيري: أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق، وبنت لسعد بن الربيع: جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبلها، فقال له الرجل: من هذه ؟ قال له: بنت رجل خير مني: سعد بن الربيع، كان من النقباء يوم العقبة.
وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد.
قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يلتمس حمزة بن عبد المطلب.
قال محمد بن عمر وغيره: وجعل يقول: " ما فعل عمي ؟ " ويكرر ذلك.
فخرج الحارث بن الصمة يلتمسه فأبطأ، فخرج علي فوجد حمزة ببطن الوادي مقتولا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج يمشي حتى وقف عليه، فوجده قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه
وأذناه، فنظر إلى شئ لم ينظر إلى شئ قط كان أوجع لقلبه منه، ونظره قد مثل به.
وفي حديث كعب بن مالك عن ابن أبي شيبة في سنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن حمزة مثل به، كره أن ينظر إليه.
انتهى.
فقال: " أحتسبك عند الله ! " وروى البزار بسند لا بأس به، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتل حمزة بكي، فلما نظر إليه شهق.
وروى الحاكم عن جابر بن عبداله رضي الله تعالى عنهما قال: فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال، فقال رجل: رأيته عند تلك الصخرات وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله، اللهم أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني أبا سفيان أصحابه - وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، فلما رأى جثته بكى.
ولما رأى ما مثل به
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 201.
(*)(4/222)
شهق ثم قال: " ألا كفن ؟ " فقام رجل من الانصار فرمى بثوبه عليه، ثم قام آخر فرمى بثوبه عليه، فقال: " يا جابر هذا الثوب لابيك وهذا لعمي "، وقال صلى الله عليه وسلم: " رحمة الله عليك، فإنك كنت كما علمتك، فعولا للخيرات، وصولا للرحم، لولا أن تحزن صفية - وفي لفظ: نساؤنا، وفي لفظ: لولا حزن من بعدي عليك، وتكون سبة من بعدي - لتركته، حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير "، ثم قال: " أبشروا، جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ".
وقال: " لئن ظفرني الله تعالى على قريش في موطن من المواطن لامثلن بسبعين منهم مكانك "، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن ظفرنا الله تعالى بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، قال أبو هريرة، كما رواه ابن سعد والبزار وابن المنذر والبيهقي: فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل (وإن عاقبتم
فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) [ النحل 126 ] فكفر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد وصبر (1).
وروى ابن المنذر والطبراني والبيهقي نحوه عن ابن عباس.
وروى الترمذي وحسنه، وعبد الله بن الامام أحمد في زوائد المسند، والنسائي، وابن المنذر، وابن خزيمة في فرائده، وابن حبان والضياء في صحيحهما عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد أصيب من الانصار أربعة وستون رجلا.
ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة، فمثلوا به، فقالت الانصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان فتح مكة أنزل الله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نصبر ولا نعاقب، كفوا عن القوم إلا أربعة " (2).
وروى ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلها بمكة إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد، حيث قتل حمزة ومثل به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، فأنزل الله تعالى: (وإن عاقبتم) إلى آخر السورة (3).
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 199 وذكره السيوطي في الدر 2 / 97.
(2) أخرجه أحمد في المسند 5 / 135 وذكره المتقي الهندي في الكنز (4476) وذكره السيوطي في الدر 4 / 135 وعزاه للترمذي وحسنه وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل.
(3) ذكره السيوطي في الدر 4 / 135 وعزاه لابن إسحاق وابن جرير.
(*)(4/223)
وروى ابن إسحاق عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه، حتى أمر بالصدقة ونهى عن المثلة.
قال ابن إسحاق وغيره: وأقبلت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها لتنظر إلى
حمزة، وكان أخاها لامها وأبيها، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تراه، فقال: " المرأة المرأة ".
فقال الزبير بن العوام: فتوسمت أنها أمي صفية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها "، فخرج يسعى فأدركها قبل أن تنتهي إلى القتلى، فردها فلكمت صدره، وكانت امرأة جلدة، وقالت: إليك عني، لا أرضى لك.
فقال: يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أنت ترجعي.
قالت: ولم وقد بلغني أنه قد مثل بأخي ؟ وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، فلاصبرن وأحتسبن إن شاء الله.
فجاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: " خل سبيلها "، فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت له.
وروى الطبراني والبزار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف على عقل صفية بنت عبد المطلب، فوضع يده على صدرها فاسترجعت، وبكت.
وروى الامام أحمد وأبو يعلى والبزار عن الزبير والطبراني بسند رجاله ثقات، عن ابن عباس: أن صفية رضي الله عنها أتت بثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لاخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما.
قال: فجئنا بالثوبين لنلفه فيهما فإذا إلى جنبه رجل من الانصار، فعل به مثل ما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين، والانصاري لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب، وللانصاري ثوب، فكان أحدهما أكبر من الاخر فأقر عنا بينهما فكفنا كلا منهما في الثوب الذي طاوله، وجعل أبو قتادة الانصاري رضي الله عنه يريد أن ينال من قريش، لما رأى من غم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل حمزة ما مثل به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليه أن اجلس وكان قائما، ثم قال: " يا أبا قتادة.
إن قريشا أهل أمانة، من بغاهم العواثر أكبه الله تعالى لفيه، وعسى إن طالت بك حياة أن تحقر عملك مع أعمالهم، وفعالك مع فعالهم، لولا أن تبطر قريش لاخبرتها بما لها عند الله تعالى ".
فقال أبو قتادة: يا رسول الله، ما غضبت إلا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، حين نالوا من حمزة ما نالوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدقت، بئس القوم كانوا لنبيهم ".
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل حمزة جنبا، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غسلته الملائكة "، وعند ابن سعد عن الحسن مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لقد رأيت الملائكة تغسل حمزة " (1).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 2 / 175 وذكره الهيثمي في المجمع 2 / 105.
(*)(4/224)
وروى ابن أبي شيبة في سنده والطبراني برجال ثقات، عن أبي أسيد الساعدي وابن أبي شيبة والحاكم عن أنس قالا: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة في نمرة، فمدت النمرة على رأسه وانكشف رجلاه، فمدت على رجليه فانكشف رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مدوها على رأسه واجعلوا على رجليه شيئا من الحرمل، وفي لفظ: من الاذخر " (1).
ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بدفن من استشهد يوم أحد روى الامام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بالشهداء أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وقال: " ادفنوهم بدمائهم وثيابهم " (2).
وروى أبو داود عن هشام بن عامر الانصاري قال: جاءت الانصار يوم أحد فقالوا: يا رسول الله لقد أصابنا قرح وجهد، فكيف تأمرنا ؟ فقال: " احفروا واعمقوا ووسعوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر الواحد "، قيل: يا رسول الله فأيهم يقدم ؟ قال: " أكثرهم قرآنا " (3).
وروى ابن أبي شيبة في سنده والطبراني برجال الصحيح، عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف يوم أحد بين ظهراني القتلى فقال: " أنا شهيد على هؤلاء، كفنوهم بدمائهم، فإنه ليس جريح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، قدموا أكثرهم قرآنا فاجعلوه في اللحد " (4).
وروى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه فيا للحد، وقال: " أنا شهيد على هؤلاء "، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل
عليهم، ولم يغسلهم (5).
قال جابر: وكفن أبي وعمي في نمرة واحدة.
وروى ابن إسحاق عن أشياخ من بني سليم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى: " انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد ".
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14 / 392 وابن سعد في الطبقات 3 / 1 / 5 وذكره ابن حجر في المطالب (4322).
(2) أخرجه أحمد في المسند 1 / 247.
(3) أخرجه أبو داود (3215) والبيهقي في السنن 4 / 34.
(4) أخرجه ابن سعد في الطبقات 3 / 1 / 7 وانظر البداية والنهاية 4 / 41.
(5) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (1343).
(*)(4/225)
قال ابن إسحاق: وقد احتمل الناس قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: " ردوهم وادفنوهم حيث صرعوا ".
قال محمد بن عمر فلم يرد أحد إلا رجل واحد أدركه المنادي قبل أن يدفن، وهو شماس بن عثمان المخزومي.
وروى الامام أحمد والاربعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن قتلى أحد حملوا من أماكنهم فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ردوا القتلى إلى مضاجعهم (1).
وروى الامام أحمد عنه قال: استشهد أبي بأحد فأرسلني أخواتي إليه بناضح لهن فقلن: اذهب فاحتمل أباك على هذا الجمل، فادفنه في مقبرة بني سلمة.
قال: فجئته وأعوان لي، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وهو جالس بأحد، فدعاني فقال: " والذي نفسي بيده لا يدفن إلا مع أصحابه [ بأحد ] " (2).
وروى أبو داود والنسائي عنه أيضا قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ليقاتلهم،
وقال لي أبي عبد الله: يا جابر، لا عليك أن تكون في النظارة من أهل المدينة، حتى تعلم ما يصير أمرنا، والله لولا أني أترك بنات بعدي لاحببت أن تقتل بين يدي.
قال: فبينا أنا في النظارة إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة، إذ لحق رجل ينادي: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مضاجعها، حيث قتلوا.
وروى الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن مردويه عن خباب بن الارت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمصعب بن عمير وهو مقتل على طريقه فوقف عليه، فدعا له ثم قرأ: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) [ الاحزاب 23 ] الاية.
ثم قال: لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة ولا أحسن لمة منك.
وروى البخاري: أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائما فقال: قتل مصعب بن عمير، وهو خير من كفن في برده، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه.
وروى الخمسة عن خباب رضى الله عنه قال: هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي رحمة الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من قضى أو ذهب ولم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة، وكنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 297.
(2) أخرجه أحمد في المسند 3 / 396.
(*)(4/226)
غطينا بها رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الاذخر.
ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها " (1).
ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم، بعد الوقعة يوم أحد روى الامام أحمد والنسائي، في كتاب عمل اليوم والليلة، والحاكم، وقال على شرط الشيخين، وأقره الذهبي ومحمد بن عمر الاسلمي، عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من دفن أصحابه ركب فرسه، وخرج المسلمون حوله عامتهم جرحى، ولا مثل لبني سلمة وبني عبد الاشهل، ومعه أربع عشرة امرأة.
فلما كانوا بأصل أحد قال: " اصطفوا حتى أثني على ربي عزوجل "، فاصطف الرجال خلفه صفوفا، خلفهم النساء، فقال: " اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، وما مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت.
اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إنا نسألك النعيم يوم العيلة، اللهم إنا نسألك الامن يوم الخوف [ والغنى يوم الفاقة ]، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، ومن شر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الايمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك.
اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب، إله الحق.
آمين ".
ذكر رحيل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دفن أصحابه، رضي الله عنهم، ركب فرسه وخرج المسلمون حوله راجعين إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا حمنة: احتسبي "، قالت: من يا رسول الله ؟ قال: " خالك حمزة بن عبد المطلب ".
قالت: إن لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: " احتسبي "، قالت: من يا رسول الله ؟ قال: " أخوك عبد الله بن جحش "، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: " احتسبي "، قالت: من يا رسول الله ؟ قال: " زوجك مصعب بن عمير "، قالت: واحزناه، وفي لفظ: واعقراه، وصاحت وولولت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن زوج المرأة
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 122 وأبو داود (2876) والترمذي (3853) وأحمد في المسند 5 / 112 والطبراني في الكبير 4 / 79.
(*)(4/227)
منها لبمكان، لما رأى من تثبتها على أخيها وخالها، وصياحها على زوجها "، ثم قال لها: " لم قلت هذا ؟ " قالت: يا رسول الله، ذكرت يتم بنيه فراعني، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولدها أن يحسن الله تعالى عليهم من الخلف.
وروى ابن ماجه عن إبراهيم بن أحمد بن عبيدالله بن جحش عن أبيه عن حمنة بنت جحش: أنه قيل لها: قتل أخوك، فقالت: رحمه الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فقالوا: قتل زوجك، فقالت: واحزناه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن للزوج من المرأة لشغفة ما هي لشئ ! " (1).
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى طلع على بني عبد الاشهل وهم يبكون على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له ! فخرج النساء ينظرن إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أم عامر الاشهلية: كل مصيبة بعدك جلل !.
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بامرأة من بني دينار قد أصيب أبوها وزوجها وأخوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأحد، فلما نعوا إليها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه فأشير بها إليه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل ! وروى الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة، وقالوا: قتل محمد، حتى كثر الصراخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الانصار محزمة، فاستقبلت بأبيها ابنها وزوجها وأخيها، لا أدري أيهم استقبلت به أولا، فلما مرت على آخرهم قالوا: أبوك، زوجك، أخوك، ابنك، فتقول: ما فعل رسول الله ؟ يقولون: أمامك، حتى دفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمت من عطب ! وروى ابن أبي حاتم، عن عكرمة مرسلا قال: لما أبطأ الخبر على النساء خرجن
يستخبرن، فإذا رجلان مقتولان على دابة أو بعير، فقالت امرأة من الانصار: من هذان ؟ قالوا: فلان وفلان: أخوها وزوجها أو زوجها وابنها.
فقالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: حي، قالت: فلا أبالي، يتخذ الله من عباده شهداء، وأنزل الله تعالى على ما قالت: (ويتخذ منكم شهداء) [ آل عمران 140 ].
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (1950) والبيهقي في السنن 4 / 66 والحاكم في المستدرك 4 / 61 وابن كثير في البداية والنهاية 4 / 47.
(*)(4/228)
وجاءت أم سعد بن معاذ، وهي كبشة بنت رافع تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: يا رسول الله ! أمي !، فقال: " مرحبا بها "، فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: أما إذ رأيتك سالما فقد أشوت المصيبة، فعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرو بن معاذ ابنها، ثم قال: " يا أم سعد، أبشري وبشري أهليهم: أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفعوا في أهليهم " قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا ؟ ثم قالت: يا رسول الله ادع لمن خلفوا فقال: " اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا "، ثم قال: " خل يا أبا عمرو - يعني سعد بن معاذ - الدابة "، فخلى سعد الفرس، فتبعه الناس، فقال: " أبا عمرو إن الجراح في أهل دارك فاشية، وليس منهم مجروح إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فمن كان مجروحا فليقر في داره وليداو جرحه، ولا يبلغ معي بيتي، عزيمة مني ".
فنادى فيهم سعد: عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم جريح من بني عبد الاشهل، فتخلف كل مجروح، فباتوا يوقدون النيران، ويداوون الجرحى، ومضى سعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء بيته، فما نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم، عن فرسه إلا حملا، واتكأ على سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، حتى دخل بيته، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: " اغسلي عن هذا دمه، فوالله لقد صدقني اليوم "، وناولها علي بن أبي
طالب سيفه، فقال: " وهذا، فاغسلي عنه دمه، فوالله لقد صدقني اليوم "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن كنت صدقت القتال لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة ".
وروى الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء علي بسيفه يوم أحد وقد انحنى، فقال لفاطمة: هاك السيف حميدا، فإنه قد شفاني اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن أجدت الضرب بسيفك لقد أجاد سهل بن حنيف، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة ".
قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن ابن أبي نجيح قال: نادى مناد يوم أحد: لا سيف إلا ذو الفقا * ر ولا فتى إلا علي يعني بذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي غنمه يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد.
ولما أذن بلال بصلاة المغرب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على تلك الحال، يتوكأ على السعدين، فصلى بهم، ثم عاد إلى بيته.
ومضى سعد بن معاذ إلى نسائه ونساء قومه، فساقهن حتى لم تبق امرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبكين حمزة بين المغرب(4/229)
والعشاء، والناس في المسجد يوقدون النيران، يتمكدون بها من الجراح.
وأذن بلال العشاء حتى غاب الشفق الاحمر، فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه، الصلاة يا رسول الله، فهب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وخرج، فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل، وسمع البكاء، فقال: " ما هذا " ؟ فقيل: نساء الانصار يبكين على حمزة، فقال: " رضي الله عنكن وعن أولادكن "، وأمر أن ترد النساء إلى منازلهن.
وذكر ابن هشام أنه صلى الله عليه وسلم خرج عليهن، وهن على باب المسجد يبكين على حمزة فقال: " ارجعن رحمكن الله، ولقد واسيتن، رحم الله الانصار، فإن المواساة فيهم ما علمت قديمة "، فرجعن بليل مع رجالهن.
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن ابن عمر، وعن أنس، والامام أحمد، وابن ماجه بسند صحيح، عن ابن عمر، والطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رجع من أحد سمع نساء الانصار يبكين على أزواجهن فقال: لكن حمزة لا بواكي له، فبلغ النساء، ذلك، فجئن فبكين على حمزة، فانتبه من الليل فسمعهن وهن يبكين، فقال: ويحهن ما زلن يبكين منذ الليلة.
مروهن ليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم " (1).
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم رجع إلى بيته وقد صف له الرجال ما بين بيته إلى مصلاه يمشي وحده حتى دخل، وباتت وجوه الاوس والخزرج على بابه في المسجد يحرسونه، فرقا من قريش أن تكر.
ذكر إظهار المنافقين والهيود الشماتة والسرور بما حصل للمسلمين ولما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما حصل جعل عبد الله بن أبي ابن سلول والمنافقون يشمتون ويسرون بما أصاب المسلمين، ويظهرون أقبح القول، فيقول ابن أبي لابنه عبد الله وهو جريح قد بات يكوي الجراحة بالنار: ما كان خروجك معه إلى هذا الوجه برأي، عصاني محمد وأطاع الولدان، والله لكأني كنت أنظر إلى هذا.
فقال ابنه: الذي صنع الله تعالى لرسوله وللمسلمين خير.
وأظهر اليهود القول السيئ، فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبي قط، أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه.
وجعل المنافقون يخذلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ويأمرونهم بالتفرق عنه ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل.
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك في أماكن، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليستأذنه
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (1591) وأحمد في المسند 2 / 40 - 84 والبيهقي في السنن 4 / 70 والحاكم 1 / 381 والطبراني في الكبير 3 / 159 وابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 31 وابن أبي شيبة 3 / 394 وعبد الرزاق في المصنف (6694).
(*)(4/230)
في قتل من سمع ذلك منه، من اليهود والمنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم: " يا عمر، إن الله تعالى مظهره دينه، ومعز نبيه، ولليهود ذمة فلا أقتلهم "، قال: فهؤلاء المنافقون ؟ قال: " أليس يظهرون شهادة
أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ " قال: بلى يا رسول الله، وإنما يفعلون ذلك تعوذا من السيف، فقد بان لنا أمرهم، وأبدى الله تعالى أضغانهم عند هذه النكبة، فقال: " إني نهيت عن قتل من قال: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، يا بن الخطاب إن قريشا لن ينالوا منا مثل هذا اليوم، حتى نستلم الركن ".
ذكر قيام عبد الله بن أبي وإرادته الخطبة ومنع المسلمين له من ذلك قال ابن شهاب الزهري: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة كان عبد الله بن أبي ابن سلول يقوم كل جمعة، لا ينكر شيئا قاله في نفسه ولا في قومه، وكان شريفا في قومه، إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام عبد الله فقال: أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم، أكرمكم الله تعالى، وأعزكم به، فانصروه وعززوه واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع، ورجع بالناس قام يفعل ذلك كما كان يفعل، فأخذ المسلمون بثوبه من نواحيه وقالوا له: اجلس أي عدوا الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس ويقول: والله لكأنما قلت بجرا أن قمت لاشد أمره.
فلقيه رجل من الانصار بباب المسجد فقال: مالك ؟ ويلك ! قال: قمت أشد أمره فوثب رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني، لكأنني قلت بجرا أن قمت أشد أمره، قال: ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي.
ذكر ما نزل من القرآن في شأن أحد قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله تعالى في يوم أحد من القران ستون آية من آل عمران، فيها صفة ما كان في يومهم ذلك.
وروى أبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم عن المسور بن مخرمة قال: قلت: لعبد الرحمن بن عوف: يا خال، أخبرني عن قصتكم يوم أحد، قال: اقرأ بعد العشرين ومائة من آل عمران تجد قصتنا، أي من قوله تعالى: * (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال) * [ آل عمران 121 ].
ذكر بعض ما قاله المسلمون من الشعر في غزوة أحد قال حسان بن ثابت رضي الله عنه يجيب هبيرة بن أبي وهب عن كلمة قالها:(4/231)
سقتم كنانة جهلا من سفاهتكم * إلى الرسول فجند الله مخزيها أوردتموها حياض الموت ضاحية * فالنار موعدها والقتل لاقيها جمعتموهم أحابيشا بلا حسب * أئمة الكفر غرتكم طواغيها ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت * أهل القليب ومن ألقينه فيها ؟ ! كم من أسير فككناه بلا ثمن * وجز ناصية كنا مواليها وقال كعب بن مالك رضي الله عنه يجيبه أيضا: ألا هل أتى غسان عنا ودونهم * من الارض خرق سيره متنعنع صحار وأعلام كأن قتامها * من البعد نقع هامد متقطع تظل به البزل العراميس رزحا * ويخلو به غيث السنين فيمرع به جيف الحسرى يلوح صليبها * كما لاح كتان التجار الموضع به العين والارآم يمشين خلفة * وبيض نعام قيضه يتقلع مجالدنا عن ديننا كل فخمة * مدربة فيها القوانس تلمع وكل صموت في الصوان كأنها * إذا لبست نهي من الماء مترع ولكن ببدر سائلوا من لقيتمو * من الناس والانباء بالغيب تنفع وإنا بأرض الخوف لو كان أهلها * سوانا لقد أجلوا بليل فأقشعوا إذا جاء منا راكب كان قوله * أعدوا لما يزجي ابن حرب ويجمع فمهما يهم الناس مما يكيدنا * فنحن له من سائر الناس أوسع فلو غيرنا كانت جميعا تكيده ال * برية قد أعطوا يدا وتورعوا نجالد لا تبقى علينا قبيلة * من الناس إلا أن يهابوا ويفظعوا
ولما ابتنوا بالعرض قال سراتنا: * علام إذا لم تمنع العرض نزرع ؟ ! وفينا رسول الله نتبع أمره * إذا قال فينا القول لانتطلع تدلى عليه الروح من عند ربه * ينزل من جو السماء ويرفع نشاوره فيما نريد وقصدنا * إذا ما اشتهى أنا نطيع ونسمع وقال رسول الله لما بدوا لنا: * ذروا عنكم هول المنيات واطمعوا وكونوا كمن يشري الحياة تقربا * إلى ملك يحيا لديه ويرجع ولكن خذوا أسيافكم وتوكلوا * على الله إن المر لله أجمع فسرنا إليهم جهرة في رحالهم * ضحيا علينا البيض لا نتخشع بملمومة فيها السنور والقنا * إذا ضربوا أقدامها لا تورع فجئنا إلى موج من البحر وسطه * أحابيش منهم حاسر ومقنع(4/232)
ثلاثة آلاف ونحن نصية * ثلاث مئين إن كثرنا وأربع نعاورهم تجري المنيات بيننا * نشارعهم حوض المنايا ونشرع تهادى قسي النبع فينا وفيهم * وما هو إلا اليثربي المقطع ومنجوفة حرمية صاعدية * يذر عليها السم ساعة تصنع تصوب بأبدان الرجال وتارة * تمر بأعراض البصار تقعقع وخيل تراها بالفضاء كأنها * جراد صبا في قرة يتريع فلما تلاقينا ودارت بنا الرحى * وليس لامر حمه الله مدفع ضربناهم حتى تركنا سراتهم * كأنهم بالقاع خشب مصرع لدن غدوة حتى استفقنا عشية * كأن ذكانا حر نار تلفع وراحوا سراعا موجفين كأنهم * جهام هراقت ماءه الريح مقلع ورحنا وأخرانا بطاء كأننا * أسود على لحم ببيشة ظلع
فنلنا ونال القوم منا وربما * فعلنا ولكن ما لدى الله أوسع ودارت رحانا واستدارت رحاهم * وقد جعلوا كل من الشر يشبع ونحن أناس لا نرى القتل سبة * على كل من يحمي الذمار ويمنع جلاد على ريب الحوادث لا نرى * على هالك عينا لنا الدهر تدمع بنو الحرب لا نعيا بشئ نقوله * ولا نحن مما جرت الحرب نجزع بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحش * ولا نحن من أظفارها نتوجع وكنا شهابا يتقي الناس شره * ويفرج عنه من يليه ويسفع فخرت علي ابن الزبعرى وقد سرى * لكم طلب من آخر الليل متبع فسل عنك في عليا معد وغيرها * من الناس من أخزى مقاما وأشنع ومن هو لم تترك له الحرب مفخرا * ومن خده يوم الكريهة أضرع شددنا بحول الله، والنصر شدة * عليكم وأطراف الاسنة شرع نكر القنا فيكم كأن فروغها * عزالى مزاد ماؤها يتهزع عمدنا إلى أهل اللواء ومن يطر * بذكر اللواء فهو في الجذم أسرع فخانوا وقد أعطوا يدا وتخاذلوا * أبى الله إلا أمره وهو أصنع قال ابن هشام: وقد كان كعب بن مالك قد قال: " مجالدنا عن جذمنا كل فخمة "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيصلح أن نقول: مجالدنا عن ديننا ؟ " فقال كعب بن مالك: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهو أحسن "، فهو أحسن، فقال كعب: " مجالدنا عن ديننا ".(4/233)
وقال رضي الله عنه أيضا: أبلغ قريشا وخير القول أصدقه * والصدق عند ذوي الالباب مقبول أن قد قتلنا بقتلانا سراتكم * أهل اللواء ففيما يكثر القيل ؟ ! ويوم بدر لقيناكم لنا مدد * فيه مع النصر ميكال وجبريل
إن تقتلونا فدين الحق فطرتنا * والقتل في الحق عند الله تفضيل وإن تروا أمرنا في رأيكم سفها * فرأي من خالف الاسلام تضليل فلا تمنوا لقاح الحرب واقتعدوا * إن أخا الحرب أصدى اللون مشغول إن لكم عندنا ضربا يراح بكم * عرج الضباع له خذم رعابيل إنا بنو الحرب نمريها وننتجها * وعندنا لذوي الاضغان تنكيل إن ينج ابن حرب بعد ما بلغت * منه التراقي وأمر الله مفعول فقد أفادت له حلما وموعظة * لمن يكون له لب ومعقول ولو هبطتم ببطن السيل كافحكم * ضرب بشاكلة البطحاء ترعيل تلقاكم عصب حول النبي لهم * مما يعدون للهيجا سرابيل من جذم غسان مسترخ حمائلهم * لاجبناء ولاميل معازيل يمشون نحو عمايات القتال كما * تمشي المصاعبة الاذم المراسيل أو مثل مشي أسود الطل ألثقها * يوم رذاذ من الجوزاء مشمول في كل سابغة كالنهي محكمة * قيامها فلج كالسيف بهلول ترد حد قران النبل خاسئة * ويرجع السيف منها وهو مفلول ولو قذفتم بسلع عن ظهوركم * وللحياة ودفع الموت تأجيل ما زال في القوم وتر منكم أبدا * تعفو السلام عليه وهو مطلول عبد وحر كريم موبق قنصا * شطر المدينة مأسور ومقتول كنا نؤمل أخراكم فأعجلكم * منا فوارس لاعزل ولاميل إذا جنى فيهم الجاني فقد علموا * حقا بأن الذي قد جر محمول ما يجن لايجن من إثم مجاهرة * ولا ملوم ولا في العزم مخذول وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه يجيب ابن الزبعرى: ذهبت بابن الزبعرى وقعة * كان منا الفضل فيها لو عدل
ولقد نلتم ونلنا منكم * وكذاك الحرب أحيانا دول نضع الاسياف في أكتافكم * حيث نهوى عللا بعد نهل نخرج الاصبح من أستاهكم * كسلاح النيب يأكلن العصل(4/234)
إذ تولون على أعقابكم * هربا في الشعب أشباه الرسل إذ شددنا شدة صادقة * فأجأناكم إلى سفح الجبل بخناطيل كأمذاق الملا * من يلاقوه من الناس يهل ضاق عنا الشعب إذ نفرعه * وملانا الفرط منه والرجل برجال لستم أمثالهم * أيدوا جبريل نصرا فنزل وعلونا يوم بدر بالتقى * طاعة الله وتصديق الرسل وقتلنا كل رأس منهم * وقتلنا كل جحجاح رفل وتركنا في قريش عورة * يوم بدر وأحاديث المثل ورسول الله حقا شاهد * يوم بدر والتنابيل الهبل في قريش من جموع جمعوا * مثل ما يجمع في الخصب الهمل نحن لا أمثالكم ولد استها * نحضر الناس إذا البأس نزل وقال حسان بن ثابت يبكي حمزة بن عبد المطلب ومن أصيب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، رضي الله عنهم: يا مي قومي فاندبي بسحيرة شجو النوائح كالحاملات الوقر بالثقل الملحات الدوالح المعولات الخامشات وجوه حرات صحائح وكأن سيل دموعها الانصاب تخضب بالذبائح ينقضن أشعارا لهن هناك بادية المسايح
وكأنها أذناب خيل بالضحى شمس روامح من بين مشذور ومجزور يذعذع بالبوارح يبكين شجو مسلبات كدحتهن الكوادح ولقد أصاب قلوبها مجل له جلب قوارح إذ أقصد الحدثات من كنا نرجى إذ نشايح أصحاب أحد غالهم دهر ألم له بوارح من كان فارسنا وحامينا إذا بعث المسالح يا حمز لا والله لا أنساك ما صر اللقائح(4/235)
لمناخ أيتام وأضياف وأرملة تلامح ولما ينوب الدهر في حرب لحرب وهي لاقح يا فارسا يا مدرها يا حمر قد كنت المصامح عنا شديدات الامور إذا ينوب لهن فادح ذكرتني أسد الرسول وذاك مدرهنا المنافح عنا وكان يعد إذ عد الشريفون الجحاجح يعلو القماقم جهرة سبط اليدين أغر واضح لاطائش رعش ولا ذو علة بالحمل آنح بحر فليس يغب جارا منه سيب أو منادح أودى الشباب أولوا الحفائظ والثقيلون المراجح المطعمون إذا المشاتي ما يصفقهن ناضح لحم الجلاد وفوقه من شحمه شرائح ليدافعوا عن جارهم ما رام ذو الضغن المكاشح
لهفي لشبان رزئناهم كأنهم المصابح شم بطارقة خضارمة مسامح المشترون الحمد بالاموال إن الحمد رابح والجامزون بلجمهم يوما إذا ما صاح صائح من كان يرمى بالنواقر من زمان غير صالح ما إن تزال ركابه يرسمن في غبر صحاصح راحت تبارى وهو في ركب صدورهم رواشح حتى تؤوب له المعالي ليس من فوز السفائح يا حمز قد أوحدتني شذبه الكوافح أشكو إليك وفوقك الترب المكور والصفائح من جندل نلقيه فوقك إذ أجاد الضرح ضارح في واسع يحشونه بالترب سوته المماسح(4/236)
فغزاؤنا أنا نقول وقولنا برح بوارح من كان أمسى وهو عما أوقع الحدثان جانح فليأتنا فلتبك عيناه لهلكانا النوافح القائلين الفاعلين ذوي السماحة والممادح من لا يزال ندى يديه له طوالع الدهر مائح وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: سائل قريشا غداة السفح من أحد * ماذا لقينا وما لاقوا من الهرب كنا الاسود وكانوا النمر إذ زحفوا * ما إن نراقب من إل ولا نسب فكم تركنا بها من سيد بطل * حامي الذمار كريم الجد والحسب
فينا الرسول شهاب ثم يتبعه * نور مضئ له فضل على الشهب الحق منطقه والعدل سيرته * فمن يجبه إليه ينج من تبب نجد المقدم ماضي الهم معتزم * حين القلوب على رجف من الرعب نمضي ويذمرنا عن غير معصية * كأنه البدر لم يطبع على الكذب بدا لنا فاتبعناه نصدقه * وكذبوه فكنا أسعد العرب جالوا وجلنا فما فاؤوا وما رجعوا * ونحن نثفنهم لم نأل في الطلب لسنا سواء وشتى بين أمرهما * حزب الاله وأهل الشرك والنصب وقال عبد الله بن رواحة يبكى حمزة رضي الله عنه: بكت عيني وحق لها بكاها * وما يغني البكاء ولا العويل على أسد الاله غداة قالوا * أحمزة ذاكم الرجل القتيل أصيب المسلمون به جميعا * هناك وقد أصيب به الرسول أبا يعلى لك الاركان هدت * وأنت الماجد البر الوصول عليك سلام ربك في جنان * مخلطها نعيم لا يزول ألا يا هاشم الاخيار صبرا * فكل فعالكم حسن جميل رسول الله مصطبر كريم * بأمر الله ينطق إذ يقول ألا من مبلغ عني لؤيا * فبعد اليوم دائلة تدول وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا * وقائعنا بها يشفى الغليل نسيتم ضربنا بقليب بدر * غداة أتاكم الموت العجيل غداة ثوى أبو جهل صريعا * عليه الطير حائمة تجول(4/237)
وعتبة وابنه خرا جميعا * وشيبة عضه السيف الصقيل ومتركنا أمية مجلعبا * وفي حيزومه لدن نبيل
وهام بني ربيعة سائلوها * ففي أسيافنا منها فلول ألا يا هند لا تبدي شماتا * بحمزة إن عزكم ذليل ألا يا هند فابكي لات تملى * فأنت الواله العبرى الهبول وقال حسان بن ثابت يبكيه: أتعرف الدار عفا رسمها * بعدك صوب المسبل الهاطل بين السراديح فأدمانة * فمدفع الروحاء في حائل ساءلتها عن ذاك فاستعجمت * لم تدر ما مرجوعة السائل دع عنك دارا قد عفا رسمها * وابك على حمزة ذي النائل المالئ الشيزى إذا أعصفت * غبراء في ذي الشبم الماحل والتارك القرن لدى البدة * يعثر في ذي الخرص الذابل واللابس الخيل إذا أحجمت * كالليث في غابته الباسل أبيض في الذروة من هاشم * لم يمر دون الحق بالباطل مال شهيدا بين أسيافكم * شلت يدا وحشي من قاتل أي امرئ غادر في ألة * مطرورة مارنة العامل أظلمت الارض لفقدانه * واسود نور القمر الناصل صلى عليه الله في جنة عالية مكرمة الداخل كنا نرى حمزة حرزا لنا * من كل أمر نابنا نازل وكان في الاسلام ذا تدرا * يكفيك فقد القاعد الخاذل لا تفرحي يا هند واستحلبي * دمعا وأذري عبرة الثاكل وأبكي على عتبة إذ قطه * بالسيف تحت الرهج الجائل إذ خر في مشيخة منكم * من كل عات قلبه جاهل أرداهم حمزة في أسرة * يمشون تحت الحلق الفاضل
غداة جبريل وزير له * نعم وزير الفارس الحامل وقال كعب بن مالك يبكيه: طرقت همومك فالرقاد مسهد * وجزعت أن سلب الشباب الاغيد ودعت فؤادك للهوى ضمرية * فهواك غوري وصحبك منجد(4/238)
فدع التمادي في الغواية سادرا * قد كنت في طلب الغواية تفند ولقد أنى لك أن تناهى طائعا * أو تستفيق إذا نهاك المرشد ولقد هددت لفقد حمزة هدة * ظلت بنات الجوف منها ترعد ولو أنه فجعت حراء بمثله * لرأيت راسي صخرها يتبدد قرم تمكن في ذؤابة هاشم * حيث النبوة والندى والسؤدد والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت * ريح يكاد الماء منها يجمد والتارك القرن الكمي مجدلا * يوم الكريهة والقنا يتقصد وتراه يرفل في الحديد كأنه * ذو لبدة شثن البراثن أربد عم النبي محمد وصفيه * ورد الحمام فطاب ذاك المورد وأتى المنية معلما في أسرة * نصروا النبي ومنهم المستشهد ولقد إخال بذاك هندا بشرت * لتميت داخل غصة لا تبرد مما صبحنا بالعقنقل قومها * يوما تغيب فيه عنها الاسعد حتى رأيت لدى النبي سراتهم * قسمين نقتل من نشاء ونطرد وببئر بدر إذ يرد وجوههم * جبريل تحت لوائنا ومحمد فأقام بالعطن المعطن منهم * سبعون عتبة منهم والاسود وابن المغيرة قد ضربنا ضربة * فوق الوريد لها رشاش مزبد وأمية الجمحي قوم ميله * عضب بأيدي المؤمنين مهند
فأتاك فل المشركين كأنهم * والخيل تثفنهم نعام شرد شتان من هو في جهنم ثاويا * أبدا ومن هو في الجنان مخلد وقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أخاها حمزة: أسائلة أصحاب أحد مخافة * بنات أبي من أعجم وخبير فقال خبير: إن حمزة قد ثوى * وزير رسول الله خير وزير دعاه إله الخلق ذو العرش دعوة * إلى جنة يحيا بها وسرور فذلك ما كنا نرجي ونرتجي * لحمزة يوم الحشر خير مصير فوالله لا أنساك ما هبت الصبا * بكاء وحزنا محضري ومسيري على أسد الله الذي كان مدرها * يذود عن الاسلام كل كفور فيا ليت شلوى عند ذاك وأعظمي * لدى أضبع تعتادني ونسور أقول وقد أعلى النعي عشيرتي: * جزى الله خيرا من أخ ونصير(4/239)
تنبيهات الأول: وقع في غزوة أحد آيات: منها: رد عين قتادة بن النعمان، روى أبو يعلى وأبو نعيم من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه عن جده: أنه أصيبت عينه يوم أحد فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا قطعها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا "، فدعا به فغمز عينه براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت، وله طرق تأتي في المعجزات.
ومنها إخباره عن رجل قاتل الكفار قتالا شديدا إنه من أهل النار قتل نفسه.
وتقدم بيان ذلك.
ومنها: انقلاب العسيب سيفا، قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن
الجحشي: أخبرنا أشياخنا أن عبد الله بن جحش جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، وقد ذهب سيفه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عسيبا من نخل، فرجع في يد عبد الله سيفا.
قال الزبير بن بكار في " الموفقيات ": إن قائمة منه، وكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناقل حتى بيع من بغاء التركي بمائتي دينار.
ومنها: إجابة قسم عبد الله بن جحش.
ومنها: إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الملائكة تقاتل مع عبد الرحمن بن عوف، وتقدم بيان ذلك.
ومنها: رد بصر أبي ذر رضي الله، روى أبو يعلى عن طريق عبد الرحمن بن الحارث ابن عبيدة عن جده قال: أصيبت عين أبي ذر يوم أحد، فبزق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أصح عينيه.
كذا في هذه الراوية والصحيح أن أبا ذر لم يشهد أحدا.
ومنها: وقاية الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، من جماعة رموه بالسهام، وصرف عبد الله بن شهاب عنه حين أراد قتله، وتقدم بيان ذلك.
ومنها إخباره بأن الحارث بن سويد قتل مجذر - بذال معجمة مشددة مفتوحة - ابن ذياد، بفتح الذال المعجمة في أوله وتشديد التحتية، وقيل بكسر الذال وهو أشهر.
روى ابن سعد عن الواقدي عن شيوخه قالوا: كان سويد بن الصامت قد قتل ذيادا أبا المجذر في وقعة التقوا فيها، فظفر المجذر بسويد فقتله، وذلك قبل الاسلام، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم الحارث بن سويد، ومجذر بن ذياد، وشهدا بدرا.
وذكر ابن إسحاق أن الحارث كان منافقا.
ا ه.
فجعل الحارث يطلب مجذرا يقتله بأبيه فلا يقدر عليه، فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمراء الاسد أتاه جبريل، فأخبره أن الحارث بن سويد قتل مجذر بن ذياد(4/240)
غيلة وأمره أن يقتله، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء في ذلك اليوم، في يوم حار، فدخل مسجد قباء، فصلى فيه، وسمعت به الانصار فجاءت تسلم عليه، وأنكروا إتيانه في تلك
الساعة.
وفي ذلك اليوم، حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورسة - وقال ابن هشام في ثوبين مضرجين وفي لفظ: مصرين - فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا عويم ابن ساعدة فقال: قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذر بن ذياد، فإنه قتله غيلة، فقال الحارث: قد والله قتلته، وما كان قتلي إياه رجوعا عن الاسلام ولا ارتيابا فيه، ولكنه حمية من الشيطان، وأمر وكلت فيه إلى نفسي، وإن أتوب إلى الله ورسوله مما عملت، وأخرج ديته، وأصوم شهرين متابعين، وأعتق رقبة.
قال: قدمه يا عويم فاضرب عنقه، فقدمه فضرب عنقه، فقال حسان بن ثابت: يا حار في سنة من نوم أولكم * أم كنت ويحك مغترا بجبريل ؟ ! أم كنت بابن ذياد حين تقتله * بغرة في فضاء الارض مجهول ؟ ! قلت: وذكر ابن هشام: أن عثمان بن عفان هو الذي ضرب عنقه، ثم قال: ويقال بعض الانصار.
وذكر ابن إسحاق في قصة قتله ما يخالف بعض ما ذكر، وجزم العدوي، وابن الكلبي، والقاسم بن سلام، بأن القصة وقعت لاخيه جلاس بضم الجيم، والمشهور أن صاحب القصة الحارث، ومنها: قوله في مالك، وهو والد أبي سعيد الخدري: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.
فاستشهد.
رواه البيهقي عن عمر بن السائب بلاغا.
ومنها: إجابة دعائه في موت عتبة بن أبي وقاص ألا يحول عليه الحول كذلك، كما تقدم.
ومنها: أنه يولد لعتبة ولد، كما تقدم.
ومنها: إجابة دعائه في تثبيت عمته صفية، كما تقدم في القصة.
ومنها: عدم استطاعة هند أكل شئ من كبد حمزة.
قال ابن سعد: أخبرنا هوذة بن خليفة، حدثنا عوف بن محمد قال: بلغني أن هندا بنت
عتبة بن ربيعة جاءت يوم أحد، وكانت نذرت لئن قدرت على حمزة لتأكلن من كبده، فجاءوا بجزة من كبد حمزة أخذتها تمضغها لتأكلها، فلم تستطع أن تبتلعها فلفظتها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: إن الله تعالى حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا.
ومنها: أن رجلا قال: اللهم إن كان محمد على الحق فاخسف به، يعني نفسه، فخسب به، كما رواه البزار بسند حسن، عن بريدة.(4/241)
ومنها: طول الوتر القصير الذي بقوسه لما انقطع ولف عليه منه لفات، كما تقدم.
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم دعا الله تعالى ألا يفلت أبا عزة الجمحي.
روى البيهقي عن الامام الشافعي رضي الله عنه قال: كان من الممنون عليهم بلا فدية يوم بدر أبو عزة الجمحي، تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته، وأخذ عليه عهدا ألا يقاتله، فأخفره وقاتله يوم أحد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يفلت، فما أسر من المشركين رجل غيره، فقال: يا محمد امنن علي ودعني لبناتي، وأعطيك عهدا ألا أعود إلى قتالك.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمسح على عارضيك بمكة وتقول: قد خدعت محمدا مرتين، فأمر به فضربت عنقه.
ومنها: وجدان أنس بن النضر وسعد بن الربيع رائحة الجنة، كما تقدم في القصة.
ومنها: تغسيل الملائكة لحمزة وحنظلة، كما تقدم.
ومنها: برء جرح كلثوم بن الحصين بريقه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سعد: رمي أبو رهم الغفاري يوم أحد كلثوم بن الحصين بسهم فوقع في نحره، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ، [ وكان أبو رهم يسمى المنحور ].
ومنها: تظليل الملائكة لعبد الله والد جابر، كما رواه الشيخان.
ومنها: إخباره بأن المشركين لن يصيبوا منا مثلها أبدا.
روى ابن سعد عن محمد بن عمر عن شيوخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لن ينالوا منا مثل هذا اليوم حتى نستلم الركن " (1).
الثاني: كانت هذه الوقعة في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور.
قال ابن إسحاق كما رواه الطبراني بسند رجال ثقات: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فأصبح بالشعب من أحد، فالتقوا يوم السبت في النصف من شوال، وفي الفتح عنه أن الوقعة كانت لاحدى عشرة ليلة خلت منه، وقيل: لتسع ليال، وقيل: لثمان، وقيل: لسبع.
قال الامام مالك: أول النهار، وشذ من قال سنة أربع.
الثالث: أحد - بضم الهمزة والحاء وبالدال المهملتين - قال ياقوت في معجمه وغيره: هو جبل أحمر ليس بذي شناخيب، بينه وبين المدينة أقل من فرسخ، وهو في شماليها.
روى الشيخان عن أنس بن مالك وابن أبي شيبة، والطبراني بسند جيد عن سويد بن عامر الانصاري، والبخاري عن أبي حميد الساعدي، والبخاري عن سهل بن سعد، والطبراني عن ابن عباس، والطبراني عن أبي هريرة، وعمر بن شبة، بسند جيد عن أبي قلابة، رضي الله
__________
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 31.
(*)(4/242)
عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاحد لما بدا له: " هذا جبل يحبنا ونحبه ".
وتكرر منه صلى الله عليه وسلم هذا القول مرات.
وسيأتي الكلام على هذا الحديث في المعجزات، إن شاء الله تعالى.
وروى الطبراني بسند ضعيف، عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " أحد ركن من أركان الجنة ".
وروى عمر بن شبة عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أحد على باب من أبواب الجنة، فإذا مررتم به، فكلوا من شجره ولو من عضاهه ".
وروى عبد الرزاق عن أبي ليلى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أحد على ترعة من ترع الجنة " (1).
قال ياقوت: وهو اسم مرتجل لهذا الجبل.
وقال السهيلي: سمي أحدا لتوحده وانقطاعه عن جبل أخر هناك، أو لما وقع من أهله
من نصرة التوحيد، ولا أحسن من اسم مشتق من الاحدية، وقد سمى الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم تقدمة لما أراده سبحانه وتعالى من مشاكلة اسمه لمعناه، إذ أهله وهم الانصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد، عنده استقر حيا وميتا وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه إشعارا للاحدية، فقد وافق اسم هذا الجبل لاغراضة صلى الله عليه وسلم، ومقاصده في الاسماء، فقد بدل كثيرا من الاسماء، استقباحا لها من أسماء البقاء وأسماء الناس، فاسم هذا الجبل من أوفق الاسماء له، ومع أنه مشتق من الاحدية، فحركات حروفه الرفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الاحد وعلوه، فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم اسما ومسمى، فخص من بين الحبال أن يكون معه في الجنة.
الرابع: قال في الروض: البقر في الرؤيا عبارة عن رجال مسلمين يتناطحون، وقد رأت عائشة رضي الله عنها مثل هذا، فكان تأويله قتل من قتل معها يوم الجمل.
قال في الفتح: وفيه نظر، فقد رأى الملك بمصر البقر، وأولها يوسف صلى الله عليه وسلم بالسنين.
ووقع في حديث ابن عباس ومرسل عروة عند أبي الاسود في المغازي: " وتأولت البقر ببقر يكون فينا ".
قال: وكان ذلك من أصيب من المسلمين.
وقوله: بقرا - بسكون القاف - وهو شق البطن.
وهذا أحد وجوه التفسير: أن يشتق من الاسم معنى مناسبا، ويمكن أن يكون ذلك لوجه آخر من وجوه التأويل، وهو التصحيف، فإن لفظ بقر مثل نفر بالنون والفاء خطأ.
وعند أحمد والنسائي وابن سعد من حديث جابر بسند صحيح في هذا الحديث:
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (17171).
(*)(4/243)
" ورأيت نفرا منحرة "، وقال فيه: إن الدرع المدينة، والنفر نفر، هكذا بنون وفاء، وهو يؤيد الاحتمال المذكور.
الخامس: قوله: لما ذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيفه فسله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولايعتاف.
قال أبو القاسم الخثعمي: وظاهر الكلام أن العيافة في المكروه خاصة، والفأل في المحبوب وقد يكون في المكروه والطيرة تكون في المكروه والمحبوب.
وفي الحديث: أنه نهى عن الطيرة وقال: " خيرها الفأل " فدل على أنها تكون على وجوه، والفأل خيرها.
ولفظها يعطى أنها تكون في الخير والشر، لانها من الطير، تقول العرب: جرى له طائر بخير، وجرى له بشر.
وفي التنزيل * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) * [ الاسراء 13 ] وقوله في هذا الحديث: " إني أرى السيوف اليوم ستسل " يقوي ما قدمناه من التوسم والزجر المصيب، وأنه غير المكروه، ولكنه غير مقطوع به إلا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
السادس: دل مروره صلى الله عليه وسلم في أرض ذلك المنافق أنه يجوز للامام السلوك في بعض أملاك رعيته، إذا صادف ذلك طريقه، وإن لم يرض المالك.
السابع: مظاهرته صلى الله عليه وسلم بين درعين وقع مرتين في أحد، وفي حنين، لا غير فيما أعلم، وفي ذلك إشارة إلى الاخذ بالحزم والاحتياط، وأن ذلك لا ينافي التوكل.
الثامن: ليس تمني عبد الله بن جحش أن يقتل في سبيل الله من تمني الموت المنهي عنه.
التاسع: اختلف أهل العلم في الشهيد إذا قتل جنبا: هل يغسل كما غسلت الملائكة حمزة وحنظلة رضي الله عنهما.
العاشر: قول أبي دجانة: " أنا الذي عاهدني خليلي " وكذا قول أبي هريرة: " حدثني خليلي " لا يدفع بقوله صلى الله عليه وسلم: " لو كنت متخذا خليلا لا تخذت أبا بكر " (1)، لان أبا دجانة وأبا هريرة يريدان به معنى الحبيب، وإنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقولها لاحد من أصحابه، ولا خص بها أحدا، دون أن يمنع أحدا من أصحابه أن يقولها، وما كان في قلوبهم من المحبة يقتضي هذا أو أكثر منه، ما لم يكن الغلو والقول المكروه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح، وإنما أنا عبد الله ورسوله " (2).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 1 / 463 وعبد الرزاق (19049) وأبو نعيم في الحلية 3 / 343 والخطيب في التاريخ 3 /
134 وابن عدي في الكامل 7 / 2619.
(2) أخرجه البخاري 4 / 204 ومسلم في كتاب القدر (34).
(*)(4/244)
الحادي عشر: قول علي رضي الله عنه: " ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لاحد: فداك أبي وأمي إلا لسعد يوم أحد ".
رواه البخاري (1) وغيره، وروى أيضا عنه: " ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه لاحد إلا لسعد " (2).
قال في الروض: والرواية الاولى أصح، والله أعلم، لانه أخبر أنه لم يسمع، وقد قال الزبير بن العوام: إنه صلى الله عليه وسلم جمع له أيضا أبويه، كما رواه الزبير بن بكار في كتاب النسب.
قال السهيلي: وفقه هذا الحديث أن هذا الكلام جائز لمن كان أبواه غير مؤمنين، وأما إذا كانا مؤمنين فلا، لانه كالعقوق لهما، كذلك سمعت شيخنا أبا بكر بن العربي يقول في هذه المسألة.
قلت: قال الامام النووي في كتابه " حلية الابرار ": المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الانسان لغيره: فداك أبي وأمي، أو جعلني الله فداك.
وقد تظاهرت على جواز ذلك الاحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما، وسواء كان الابوان مسلمين أو كافرين، وكره ذلك بعض العلماء إذا كان مسلمين.
قال النحاس: وكره مالك بن أنس: " جعلني الله فداك "، وأجازه بعضهم.
قال القاضي عياض رحمه الله: ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك، سواء كان المفدى به مسلما أو كافرا.
قال النووي: قد جاء من الاحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى.
وقد نبهت على جمل منها في شرح صحيح مسلم، والمراد بالتفدية التعظيم والاجلال، لان الانسان لا يفدي إلا من يعظمه، وكان مراده بذلك نفسي، أو من يعز علي في مرضاتك وطاعتك.
الثاني عشر: يأتي الكلام على شرب أبي سعيد الخدري دم النبي صلى الله عليه وسلم في الخصائص.
الثالث عشر: اختلف في سبب نزول قوله تعالى: * (ليس لك من الامر شئ " [ آل
عمران 128 ] فروى ابن أبي شيبة والامام أحمد والشيخان عن أنس رضي الله عنه، وابن جرير، عن قتادة، وعبد الله بن حميد عن الحسن، وابن جرير عن الربيع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشج وجهه حتى سال الدم على وجهه، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم فقال: " كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى الشيطان، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضلالة، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " فهم أن يدعو عليهم، فنزلت، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم (3).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الادب (6184) (2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4059).
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي معلقا 5 / 223 ومسلم 3 / 1417 (104 - 1791).
(*)(4/245)
وروى الامام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد: " اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية "، فنزلت فتيب عليهم كلهم (1).
وروى الشيخان وابن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لاحد، قنت بعد الركوع: " اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف "، يجهر بذلك.
وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: " اللهم العن فلانا "، لاحياء من العرب، حتى أنزل الله تعالى * (ليس لك من الامر شئ) * (2) الآية.
وفي لفظ: " اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان وعصية، عصت الله ورسوله "، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت هذه الآية (3).
وروى ابن إسحاق والنحاس في ناسخه، عن سالم بن عبد الله، قال: جاء رجل من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنك تنهى عن السب، ثم تحول فحول قفاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكشف عن استه، فلعنه ودعا عليه، فنزلت ثم أسلم الرجل، فحسن إسلامه.
قال الحافظ: حديث أنس وحديث ابن عمر سيان لنزول الآية، ويحتمل أن تكون نزلت في الامرين جميعا، فإنهما كان في وقعة واحدة، والرواية الثانية عن أبي هريرة إن كانت محفوظة احتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن وقعة أحد، لان قصة رعل وذكوان كانت بعد أحد، والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم.
بسبب قصة أحد، والله أعلم.
ويؤيد ذلك قوله في صدر الآية: * (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم) * [ آل عمران 127 ] أي يخزيهم ثم قال: * (أو يتوب عليهم) * أي فيسلموا * (أو يعذبهم) * أي إن ماتوا كفارا).
الرابع عشر: في مداواته صلى الله عليه وسلم جرحه إشارة إلى جواز التداوي، وأن الانبياء صلى الله عليه وسلم قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والاسقام، ليعظم لهم بذلك الاجر، وتزداد درجاتهم، وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره، والعاقبة للمتقين.
الخامس عشر: قال العلماء: النعاس في القتال أمنة، وفي الصلاة من الشيطان، وذلك لانه في القتال لا يكون إلا من الوثوق بالله تعالى والفراغ من الدنيا، ولا يكون في الصلاة إلا من غاية البعد عن الله تعالى، ثم ذلك النعاس كان فيه فوائد، لان السهر يوجب الضعف والكلال، والنوم يفيد عود القوة والنشاط، ولان المشركين كانوا في غاية الحرص على قتلهم،
__________
(1) أخرجه الترمذي (3004) والطبري في التفسير 4 / 58 والطبراني في الكبير 4 / 255.
(2) أخرجه البخاري 1 / 203 ومسلم 1 / 466 (294 - 675).
(3) أخرجه مسلم في الموضع السابق.
(*)(4/246)
فبقاؤهم في النوم مع السلامة في تلك المعركة من أدل الدلائل على حفظ الله تعالى لهم، ذلك مما يزيل الخوف من قلوبهم، ويورثهم الامن، ولانهم لو شاهدوا قتل إخوانهم الذين أراد الله تعالى إكرامهم بالشهادة لاشتد خوفهم.
السادس عشر: قوله: ونهى عن المثلة، قيل: فقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين فقطع
أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم بالحرة، وأجيب عن ذلك بأمرين: أحدهما: أنه فعل ذلك بهم قصاصا، لانهم قطعوا أيدي الرعاء وأرجلهم، وسملوا أعينهم، كما ذكر أنس، كما سيأتي ذلك في أبواب أحكامه صلى الله عليه وسلم في الحدود.
ثانيهما: أن ذلك كان قبل تحريم المثلة.
السابع عشر: وقع في رواية أبي الوقت والاصيلي من رواة البخاري في باب غزوة أحد من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: " هذا جبريل آخذ برأس فرسه [ عليه أداة الحرب ] ".
قال الحافظ: وهو وهم من وجهين: أحدهما: أن هذا الحديث تقدم سنده ومتنه في باب شهود الملائكة بدرا، ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من متقني رواة البخاري، ولا استخرجه الاسماعيلي ولا أبو نعيم.
الثاني: أن المعروف في هذا المتن يوم بدر لا يوم أحد.
الثامن عشر: قول عبد الرحمن بن عوف: قتل مصعب بن عمير هو خير مني.
لعله قاله تواضعا، ويحتمل أن يكون ما استقر عليه الامر من تفضيل العشرة على غيرهم، بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد وقع من أبي بكر الصديق رضي الله عنه نظير ذلك، كما تقدم في قتل سعد بن الربيع.
التاسع عشر: قول أنس بن النضر: إني لاجد ريح الجنة دون أحد، يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة على ما يعهده، فعرف أنها الجنة، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين، حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده، والمعنى أن الموضع الذي قاتل فيه يؤول بصاحبه إلى الجنة.
العشرون: روى ابن إسحاق عمن لا يتهم عن مقسم عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فشجي ببردة، ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى فوضعوا إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم ثنتين وسبعين صلاة.
قال السهيلي: هذا حديث ضعيف لضعف الحسن بن عمارة الذي أبهمه ابن إسحاق، وإن كان غيره فهو مجهول، ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهيد في شئ من مغازيه إلا في هذه الرواية، في غزوة أحد، وكذلك لم يصل أحد من الائمة بعده.
وروى الامام أحمد من طريق عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود، نحو رواية ابن عباس، قال في البداية: سنده ضعيف من جهة عطاء بن السائب، ويرده ما رواه الستة: إلا مسلما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين(4/247)
من قتلى أحد، ثم يقول: " أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا " ولا يخالف هذا ما رواه الشيخان، وأبو داود والنسائي، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت كالمودع للاحياء والاموات (1).
لان المراد بالصلاة هنا الدعاء، وقوله: صلاته على الميت المراد به كدعائه للميت من غير نية ولا تكبير.
قال الامام الشافعي رضي الله عنه: جاءت الاخبار كأنها عيان من وجوه متواترة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الاحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه، قال: وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين، يعني والمخالف يقول: لا يصلى على القبر إذا طالت المدة، قال: وكان صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم، حين علم قرب أجله توديعا لهم بذلك، ولا يدل ذلك على نسخ هذا الحكم الثابت.
الحادي والعشرون: اختلف في عدة من ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فروى البخاري وأبو نعيم، والاسماعيلي واللفظ له، عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال: سمعت أبا عثمان يعني النهدي يقول: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الايام - وفي رواية: التي يقاتل فيهن - غير طلحة وسعد، قال سليمان: فقلت لابي عثمان: وما علمك بذلك ؟ قال: عن حديثهما، يعني أن سعدا وطلحة أخبرا أبا عثمان بذلك.
قال الحافظ: وهذا قد يعكر عليه ما ورد أن المقداد كان ممن بقي معه، كما تقدم في القصة في حديث سعد، لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد الجولة، ويحتمل أن يكون انفرادهما معه في بعض المقامات، وقد روى مسلم من طريق ثابت، عن أنس قال: أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في سبعة ورجلين من قريش، وكان المراد بالرجلين طلحة وسعد، وكان المراد بالحصر المذكور تخصيصه بالمهاجرين، كأنه قال: لم يبق معه من المهاجرين غير هذين، ويتعين حمله على ما أولته، وأن ذلك باعتبار اختلاف الاحوال، وأنهم تفرقوا في القتال، فلما وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان: " قتل محمد "، اشتغل كل واحد بهمه والذب على نفسه، كما في حديث سعد، ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا إليه أولا فأولا، ثم بعد ذلك كان يندبهم إلى القتال فيشتغلون به.
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 404 (4042) ومسلم في كتاب الفضائل (31).
(*)(4/248)
وفي حديث الزبير عن ابن إسحاق بإسناد حسن قال: مال الرماة يوم أحد يريدون النهب، فأتينا من ورائنا وصرخ صارخ: " ألا إن محمدا قد قتل "، فانكفأنا راجعين.
وروى ابن عائذ عن المطلب بن عبد الله بن خطب مرسلا: أن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى بقي في اثني عشر رجلا من الانصار.
وللنسائي والبيهقي في الدلائل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي معه أحد عشر رجلا من الانصار وطلحة.
وإسناده جيد وهو كحديث أنس إلا أن فيه زيادة أربعة، فلعلهم جاءوا بعد ذلك.
وعند محمد بن سعد: أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا: سبعة من المهاجرين، منهم أبو بكر.
ويجمع بينه وبين حديث أبي عثمان بأن سعدا جاءهم بعد ذلك كما حديث في القصة، وأن المذكورين من الانصار استشهدوا، كما في حديث أنس عند مسلم: فلم يبق غير سعد وطلحة.
ثم جاء من بعدهم.
وأما المقداد فيحتمل أن يكون استمر مستقلا بالقتال.
وذكر الواقدي أن جماعة غير من ذكر ثبتوا كما
ذكرته في القصة، فإن ثبت حمل على أنهم ثبتوا فيمن حضر عنده في الجملة، وما تقدم فيمن حضر عنده صلى الله عليه وسلم، أولا فأولا.
وقال الحافظ في موضع آخر: صار الصحابة عند ترك الرماة مواقعهم وقول الشيطان: " قتل محمد " ثلاث فرق: فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة، فما رجعوا حتى فرغ القتال، وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم: * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) * [ آل عمران 155 ] وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا ذلك، فصارت غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه، أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل، وهم أكثر الصحابة، وفرقة ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئا فشيئا لما عرفوا أنه حي، وبهذا يجمع بين مختلف الاخبار في عدة من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني والعشرون: وقع في الهدى أن الفرسان من المسلمين يوم أحد كانوا خمسين رجلا، وهو سبق قلم، وإنما هذا عدد الرماة، وقد جزم موسى بن عقبة بأن المسلمين لم يكن معهم شئ من الخيل.
وذكر الواقدي أنه كان معهم فرسان: فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لابي بردة.
الثالث والعشرون: اختلف في عدد المسلمين يومئذ، فقال الجمهور: منهم ابن شهاب في رواية: كان المشركون ثلاثة آلاف والمسلمون بعد انخذال ابن أبي سبعمائة.
وروى البيهقي عن ابن شهاب في رواية أخرى قال: كان المسلمون قريبا من أربعمائة رجل.
قال البيهقي: وقول ابن شهاب الأول أشبه بما رواه موسى بن عقبة، وأشهر عند أهل المغازي.(4/249)
الرابع والعشرون: قال العلماء رضي الله عنهم: كان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة، منها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم ارتكاب النهي، لما وقع من ترك الرماة موقعهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منه.
ومنها: أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة، كما سيأتي في قصة هرقل مع أبي سفيان، وقوله له: هل قاتلتموه ؟ قال: نعم، قال: كيف الحرب بينكم وبينه ؟ قال: سجال يدال علينا المرة وندال عليه الاخرى.
قال هرقل: كذلك الرسل، تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم، ولم يتميز الصادق من غيره، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على عدوهم يوم بدر، وطار لهم الصيت دخل معهم ظاهرا في الاسلام من ليس معهم فيه باطنا، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من بعثة الرسل، فاقتضت الحكمة الجمع بين الامرين ليتميز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق جماعة ممن يدعي الايمان كان مخفيا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة، وأظهر أهل النفاق ما أظهروا من الفعل والقول، عاد التلويح تصريحا، وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم.
ومنها: أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها، فلما ابتلي المؤمنون صبروا، وجزع المنافقون.
ومنها: أن الله تعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن، ليصلوا إليها.
ومنها: أن الشهادة من أعلى مراتب الاولياء فساقها الله تعالى إليهم.
ومنها: أنه تعالى إذا أراد إهلاك أعدائه قيض لهم الاسباب التي يستوجبون بها ذلك، من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق به الكافرين.
ومنها: أن الانبياء صلى الله عليهم وسلم إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والاسقام، تعظيما لاجرهم، تأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره، والعاقبة للمتقين.
الخامس والعشرون: في فضل شهداء أحد: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: لما أصيب أبي يوم أحد جئ به مسجى وقد مثل به، وفي رواية: جئ به مجزعا فوضع
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينهاني، وجعلت فاطمة بنت عمرة تبكيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا(4/250)
تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع " (1).
رواه البخاري.
وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لجابر: " ألا أبشرك بما لقي الله تعالى به أباك "، قلت: بلى، قال: " ما كلم الله تعالى أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأنه أحيى أباك فكلمه كفاحا " (2).
وقال: " عبدي تمن علي أعطك "، قال: يا رب تحييني فأقاتل فيك ثانية.
قال الرب سبحانه وتعالى: * (قد سبق مني أنهم لا يرجعون) *.
قال: " أي رب فأبلغ من ورائي "، فنزلت * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) * [ آل عمران 169 ] الآية (3)، رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر: " ألا أبشرك ؟ " قال: بلى، قال: " شعرت أن الله تبارك وتعالى أحيى أباك فأقعده بين يديه، وقال: تمن علي ما شئت أعطك، قال: يا رب ما عبدتك حق عبادتك، أتمنى أن تردني إلى الدنيا، فأقتل بين يدي نبيك مرة أخرى.
قال: سبق مني أنك إليها لا ترجع " (4).
وروى ابن المنذر من طريق طلحة بن نافع عن أنس قال: لما قتل حمزة وأصحابه يوم أحد قالوا: يا ليت لنا مخبرا يخبر إخواننا بالذي صرنا إليه من كرامة الله تعالى لنا، فأوحى إليهم ربهم تبارك وتعالى: أنا رسولكم إلى إخوانكم، فأنزل الله عزوجل: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) * إلى قوله: * (لا يضيع أجر المؤمنين) *.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى لنا، وفي لفظ: قالوا: من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا على الحرب.
فقال الله عزوجل: أنا أبلغهم عنكم،
فأنزل الله تعالى هؤلاء الآيات: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا) * إلى آخر الآيات " (5)، رواه مسلم وأبو داود.
وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في المصنف والامام أحمد ومسلم وابن المنذر عن
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 131 والنسائي 4 / 13 وانظر البداية والنهاية 4 / 33.
(2) كفاحا: أي مواجهة [ انظر لسان العرب (كفح) ].
(3) ذكر السيوطي في الدر 2 / 95 وعزاه للترمذي وحسنه وابن ماجه وابن أبي عاصم في السنة وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.
(4) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (11164).
(5) ذكره السيوطي في الدر 2 / 95 وعزاه لاحمد وهناد وعبد بن حميد وأبي داود وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل.(4/251)
مسروق قال: سألنا عبد الله، يعني ابن مسعود، عن هذه الآيات فقال: إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " أرواحهم في جوف طير خضر "، وفي لفظ عبد الرزاق: " أرواح الشهداء عند الله كطير خضر، لها قناديل من ذهب، معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا ربنا، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ".
وروى عبد الرزاق عن أبي عبيدة، عن عبد الله: أنه قال الثالثة حين قال لهم: " ما تشتهون من شئ ؟ قالوا: تقري نبينا السلام، وتبلغه أنا قد رضينا وارض عنا ".
وروى هذا ابن السري وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترعى في رياض الجنة، ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش " (1)، فذكر نحو ما سبق.
وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور عن ابن عباس قال: " أرواح الشهداء تجول في أجواف طير تعلق في ثمر الجنة ".
وروى ابن جرير نحوه عن السدي.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: (بل أحياء) قال: في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاءوا.
وروى عمر بن شبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء فإذا أتى فرضة الشعب يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار، ثم كان أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وكذا عمر وعثمان (2).
وروى البيهقي من طرق، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وابن سعد والبيهقي من طريق آخر عنه، ومحمد بن عمر عن شيوخه: قال جابر: استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين، فأتيناهم فأخرجناهم رطابا تتثنى أطرافهم.
قال شيوخ محمد بن عمر: وجدوا والد جابر ويده على جرحه، فأميطت يده عن جرحه، فانبعث الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم، قال جابر: فرأيت أبي في حفرته كأنه نائم، والنمرة التي كفن فيها كما هي، والحرض على رجليه على هيئته، وبين ذلك ست وأربعون سنة، وأصابت المسحاة رجلا
__________
(1) أخرجه الترمذي (1641) وأحمد في المسند 6 / 386 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (11107).
(2) ذكره السيوطي في الدر 4 / 58 وعزاه لابن جرير.
(*)(4/252)
منهم.
قال الشيوخ: وهو حمزة، فانبعث الدم، فقال أبو سعيد الخدري: لا ينكر بعد هذا منكر، ولقد كانوا يحفرون التراب، فكلما حفروا نقرة من تراب فاح عليهم ريح المسك.
وروى الحارث بن أبي أسامة في سنده، عن سعد بن أبي وقاص، والحاكم عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أصحاب أحد يقول: " أما والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بفحص الجبل "، يعني شهداء أحد (1).
وروى الحاكم عن عبد الله بن أبي فروة مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد فقال: " اللهم إني عبدك ونبيك، وأشهد أن هؤلاء شهداء، وأنه من زارهم وسلم عليهم إلى يوم القيامة ردوا عليه ".
وروى البيهقي عن هاشم بن محمد العمري من ولد عمر بن علي بن أبي طالب قال: أخذني أبي بالمدينة إلى زيارة قبور الشهداء، في يوم جمعة بين الفجر والشمس، فلما انتهى إلى المقابر رفع صوته فقال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار، فأجيب: وعليك السلام يا عبد الله، فالتفت أبي إلي فقال: أنت المجيب، فقلت: لا، فجعلني عن يمينه، ثم أعاد السلام، فجعل كلما سلم يرد عليه ثلاث مرات، فخر ساجدا شاكرا لله تعالى.
وروى ابن منده، عن طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه قال: أردت مالي بالغابة فأدركني الليل فأويت إلى قبر عبد الله بن حرام، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: " ذاك عبد الله ألم تعلم أن الله تعالى قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، ثم علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا تزال كذلك، حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت فيه ! ".
وروى الحاكم والبيهقي بسند صحيح عن العطاف بن خالد قال: حدثتني خالتي أنها زارت قبور الشهداء، قالت: وليس معي إلا غلامان يحفظان الدابة، فسلمت عليهم، فسمعت رد السلام، قالوا: والله إنا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضا، قالت: فاقشعر جلدي فقلت: يا غلام أدن البغلة فركبت.
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد وابن حبان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الشهداء على بارق - نهر بباب الجنة - في قبة خضراء يخرج إليهم
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 375 والبيهقي في الدلائل 3 / 304 والحاكم في المستدرك 3 / 28.
(*)(4/253)
رزقهم من الجنة غدوة وعشية " (1).
والاحاديث والاثار في فضل شهداء أحد كثيرة، وفيما ذكر كفاية.
السادس والعشرون: قوله صلى الله عليه وسلم: " جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر ".
قال الحافظ أبو القاسم الخثعمي رحمه الله تعالى: أنكر قوم هذه الرواية، وقالوا: لا تكون روحان في جسد واحد، وأن ذلك محال.
قال: وهذا جهل بالحقائق، فإن معنى الكلام بين، فإن روح الشهيد الذي كان في جوف جسده في الدنيا يجعل في جوف جسد آخر كأنه صورة طائر، فيكون في هذا الجسد الاخر كما كان في الاول، إلى أن يعيده الله تعالى يوم القيامة كما خلقه.
وهذه الرواية لا تعارض ما رووه من قوله: في صور طير خضر، والشهداء طير خضر، وجميع الروايات كلها متفقة المعنى، وإنما الذي يستحيل في العقل قيام حياتين بجوهر واحد، فيجئ الجوهر بهما جميعا، وأما روحان في جسد فليس بمحال إذا لم نقل بتداخل الاجسام، فهذا الجنين في بطن أمه وروحه غير روحها، وقد اشتمل عليهما جسد واحد، وهذا لو قيل: إن الطائر له روح غير روح الشهيد، وهما في جسد واحد، فكيف ؟ وإنما قال في أجواف طير خضر، أو في صورة طير، كما تقول: رأيت ملكا في صورة إنسان، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما رواه الامام أحمد والنسائي، وابن ماجه وابن حبان، عن كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ".
تأوله بعضهم مخصوصا بالشهيد.
وقال بعضهم: إنما الشهيد في الجنة يأكل حيث شاء، ثم يأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في العرش، وغير الشهيد من المؤمنين، ولكن الروح نفسه طائر يعلق بشجر الجنة، ويعلق - بضم اللام - أي يتشبث بها ويرى مقعده منها، ومن رواه يعلق - بفتح اللام - فمعناه يصيب منها العلقة، أي ينال منها ما هو دون نيل الشهيد، فضرب العلقة مثلا، لان من أصاب العلقة من الطعام فقد أصاب دون ما أصاب غيره ممن أدرك الرغد، فهو مثل مضروب يفهم منه هذا المعنى، وإن أراد ب " يعلق " الاكل نفسه فهو مخصوص بالشهيد، فتكون رواية الضم للشهداء، ورواية الفتح لمن دونهم، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك،
وإنما تأوي إلى تلك القناديل ليلا وتسرح نهارا، فيعلم بذلك الليل والنهار، وبعد دخولهم الجنة لا تأوي إلى تلك القناديل.
والله أعلم.
وإنما ذلك مدة البرزخ.
هذا ما يدل عليه ظاهر الحديث.
قال مجاهد: الشهداء يأكلون من ثمر الجنة، وليسوا فيها.
وأنكر أبو عمر قول مجاهد
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 1 / 266 والحاكم في المستدرك 2 / 74 والطبراني في الكبير 10 / 405 وابن أبي شيبة في المصنف 5 / 290 وابن حبان (1611) والطبري في التفسير 2 / 34.
(*)(4/254)
ورده، وليس بمنكر عندي، وقال الشيخ رحمه الله في شرح سنن أبي داود: إذا فسرنا الحديث بأن الروح تتشكل طائرا، فالاشبه أن المقصود بذلك القدرة على الطيران فقط، لا في صورة الخلقة، لان شكل الادمي أفضل الاشكال، قلت: وصرح بذلك ابن برجان في الارشاد.
ويؤيده كلام السهيلي الاتي في غزوة مؤتة، ويشهد له حديث ابن عباس، أي الذي ذكرته آخر التنبيه الذي قبل هذا.
انتهى كلام أبي القاسم رحمه الله تعالى.
وقال ابن كثير: كان الشهداء أقساما، منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر، أي بارق بباب الجنة، كما سبق في حديث ابن عباس، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر - أي بارق - فيجتمعون هناك ويغدي عليهم برزقهم ويراح.
وقال القاضي ناصر الدين البيضاوي رحمه الله تعالى في شرح المصابيح: قوله: أرواحهم في أجواف طير خضر، أي يخلق الله تعالى لارواحهم، بعد ما فارقت أجسادها، هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم، فيتوسلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللذات الحسية.
واطلاع الله تعالى عليهم، واستفهامه عما يشتهون مرة بعد أخرى مجاز عن تلطفه بهم، وتضاعف تفضله وإنما قال: " اطلاعه "، ليدل على أنه ليس من جنس اطلاعنا على الاشياء، وعداه بإلى، وحقه أن يعدى بعلى، لتضمنه معنى الانتهاء، والمراد بقوله: " فلما رأوا أنهم لن يتركوا...إلخ " أنه لا يبقى لهم متمنى ولا مطلوب أصلا، غير أن يرجعوا إلى الدنيا
فيستشهدوا ثانيا، لما رأوا بسببه من الشرف والكرامة.
وأول بعضهم رواية في جوف طير خضر بأن جعل " في " بمعنى " على "، والمعنى أرواحهم على جوف خضر كقوله تعالى: (ولا صلبنكم في جذوع النخل) [ طه 71 ] أي على جذوع النخل، وجائز أن يسمى الطير جوفا، إذ هو محيط به ومشتمل عليه، قاله عبد الحق.
قال القرطبي: وهو حسن جدا.
وقال غيره: لا مانع من أن تكون في الاجواف حقيقة، ويوسعها الله تعالى حتى تكون أوسع من الفضاء.
وقال القاضي عياض رحمه الله: ليس للاقيسة والعقول في هذا حكم، فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يجعل الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو جوف طير، أو حيث شاء كان ذلك وقع ولم يبعد، لا سيما القول بأن الارواح أجسام، فغير مستحيل أن يتصور جزء من الانسان طائرا، أو يجعل في جوف طير في قناديل تحت العرش، وقد تعلق بهذا الحديث وأمثاله بعض القائلين بالتناسخ، وانتقال الارواح وتنعيمها في الصور الحسان المرهفة، وتعذيبها في الصور القبيحة.
وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب، وهذا باطل مردود، لابطاله ما جاءت به الشرائع من إثبات الحشر والنشر والجنة والنار، ولهذا قال في حديث آخر: " فيرجعه الله تعالى إلى جسده يوم بعثه الاجساد ".(4/255)
السابع والعشرون: في عدد الشهداء: روى الامام أحمد.
والشيخان والنسائي عن البراء رضي الله عنه، قال: أصابوا - أي المشركون - منا يوم أحد سبعين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعة وسبعين قتيلا.
وروى سعيد بن منصور عن أبي الضحى مرسلا قال: قتل يوم أحد سبعون: أربعة من المهاجرين: حمزة، ومصعب، وعبد الله بن جحش، وشماس بن عثمان، وسائرهم من الانصار.
وروى ابن حبان والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: أصيب يوم
أحد من الانصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة.
قال الحافظ: وكان الخامس سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة، والسادس ثقف بن عمرو الاسلمي حليف بني عبد شمس.
وروى البخاري (1) عن قتادة قال: ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعز يوم القيامة من الانصار وقال قتادة: وحدثنا أنس بن مالك قال: " قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون ".
ونقل الحافظ محب الدين الطبري عن الامام مالك رحمه الله: أن شهداء أحد خمسة وسبعون من الانصار، أو أحد وسبعون.
وعن الامام الشافعي رحمه الله أنهم اثنان وسبعون، سيرد في العيون أسماء الذين استشهدوا بأحد، فبلغوا ستة وتسعين - بتقديم الفوقية على المهملة - منهم من المهاجرين ومن ذكر معهم أحد عشر، ومن الانصار خمسة وثمانون: من الاوس ثمانية وثلاثون، ومن الخرزج سبعة وأربعون، ونقل في العيون عن أبي عمرو عن الدمياطي أربعة أو خمسة، قال: فزادوا عن المائة، قال: ومن الناس من يقول التسعين من الانصار خاصة، وبذلك جزم ابن سعد، لكنهم في تراجم الطبقات له زادوا.
الثامن والعشرون: في شرح غريب القصة: فلهم - بفتح الفاء وتشديد اللام - أي منهزمهم.
دار الندوة - بفتح النون وإسكان الدال المهملة فتاء تأنيث - وهي دار قصي أدخلت في المسجد الحرام، وتقدم ذكرها في ترجمة قصي من النسب النبوي.
وتركم - بفتح الواو والفوقية - قال أبو ذر: ظلمكم، والموتور: الذي قتل له قتيل فلم يدرك دمه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4078).
(*)(4/256)
الثأر - بثاء مثلثة فهمزة ويجوز تسهيلها - وهو الذحل - بفتح الذال المعجمة والحاء
المهملة وتسكن: الحقد.
يقال: ثأرت القتيل وثأرت به، إذا قتلت قاتله.
أجمعت قريش: عزمت.
يستنفرونها - بتحتية فسين مهملة ففوقية فنون ففاء فراء -: يستعجلونها.
ألبوا: جمعوا.
والالب - بالفتح والكسر - القوم يجتمعون على عداوة إنسان.
الحلفاء - بالحاء المهملة - جمع حليف وهو المعاهد.
الاحابيش: الذين حالفوا قريشا، وهم بنو المصطلق: سعد بن عمرو، وبنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبد مناف، اجتمعوا بذنبة حبشي - وهو بحاء مهملة مضمومة فموحدة ساكنة فشين معجمة مكسورة فتحتية مشددة كما في معجم البلدان لياقوت - وهو جبل بأسفل مكة، فتحالفوا: إنا يد على غيرنا ما سجا ليل ووضح نهار، وما رئي حبشي مكانه، فسموا الاحابيش، باسم الجبل.
وقيل: بل هو واد بمكة، وقيل: سموا أحابيش لاجتماعهم.
والتجمع في كلام العرب هو التحبش.
والحباشة - بالضم - الجماعة ليسوا من قبيلة واحدة، وكذلك الاحبوش والاحابيش.
دارع: لابس درع.
لا أم لك يأتي الكلام عليه في لا أبا لك.
خل عنها: فعل أمر، أي اتركها.
شرح غريب خروج قريش من مكة الظعن - بضم الظاء المعجمة المشالة، والعين المهملة وتسكن -: النساء، واحدتها ظعينة، وأصل الظعينة الراحلة التي ترحل ويظعن عليها، وقيل للمرأة: ظعينة، لانها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، أو لانها تحمل على الراحلة إذا ظعنت، وقيل: الظعينة: المرأة في الهودج، ثم للهودج قيل بلا امرأة وللمرأة بلا هودج: ظعينة، ويجمع على ظعائن وأظعان.
الالتماس: الطلب.
الحفيظة - بفتح الحاء المهملة وكسر الفاء وسكون التحتية وبالظاء المعجمة
المشالة - وهي الانفة والغضب للحرم، ويقال الحفيظة: الغضب في الحرب خاصة.
يخطئ (بضم أوله وبالهمز).
ويها: كلمة معناها الاغراء والتحضيض.(4/257)
حرض على الشئ: حث عليه بكثرة التزيين، وتسهيل الخطب فيه.
الابواء - بفتح الهمزة وسكون الموحدة -: قرية من عمل الفرع.
يؤازرونهم: يعينونهم ويقوونهم.
بحثتم - بحاء مهملة فمثلثة ففوقية -: حفرتم.
الارب - بكسر الهمزة - يستعمل في الحاجة، وفي العضو، وهو المراد هنا، والجمع آراب مثل حمل وأحمال.
الارجاف: الاكثار من نقل الاخبار السيئة، واختلاق الاقوال الكاذبة التي يضطرب الناس منها.
ذي طوى - بتثليث الطاء، والفتح أشهر من الضم، وهو أشهر من الكسر، وهو مقصور منون -: واد بمكة على فرسخ منها، يعرف الان بالزاهر، في طريق التنعيم.
ويجوز صرفه ومنعه.
عينين - بلفظ تثنية عين - وهو هنا الجاسوس الذي يتجسس الاخبار.
العقيق - بفتح العين المهملة وكسر القاف - وهو في الاصل الوادي الذي يشقه السيل قديما، والمراد به هنا العقيق الذي بقرب المدينة الشريفة.
العريض - بعين مهملة فراء فتحتية فضاد معجمة كزبير - واد بالمدينة.
قناة - بفتح القاف وبالنون -: واد كذلك.
شفير الوادي - بفتح الشين المعجمة ففاء مكسورة فتحتية فراء -: حرفه.
شرح غريب منام رسول الله صلى الله عليه وسلم أريت (بضم الهمزة).
الوهل - بفتح الواو والهاء وباللام -: الوهم، والاعتقاد.
ذكره النووي.
قال في التقريب: وفيه نظر، والمناسب لتفسيره السكون، كما اقتضاه ظاهر النهاية.
اليمامة - بفتح التحتية -: مدينة على يومين من الطائف، وعلى أربعة من مكة.
هجر - بفتح الهاء والجيم -: مدينة باليمن وهي قاعدة البحرين.
قال الجوهري: مذكر مصروف.
وقال الزجاجي والبكري: يذكر ويؤنث، وهو فارسي معرب، أصله أكر، وقيل: هكر.
هززت (بفتح الهاء والزاي الاولى).
ذو الفقار: يأتي الكلام عليه في أبواب سلاحه صلى الله عليه وسلم.
ذباب السيف - بذال معجمة فموحدتين - وهو طرفه الذي يضرب به.(4/258)
الثلم - بثاء مثلثة مفتوحة فلام ساكنة -: الكسر.
والله خير: مبتدأ وخبر، وفيه حذف تقديره: وضع الله خير، قال السهيلي: معناه رأيت بقرا تنحر والله عنده خير.
فهو رجل من أهل بيتي وهو حمزة رضي الله عنه.
النفر - بفتح النون والفاء -: جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وقيل إلى سبعة، ولا يقال فيما زاد على العشرة.
الاداة: الالة، وأصلها الواو، والجمع أدوات، ويقال للكامل السلاح مؤذ.
الدرع - بدال مهملة مكسورة - وهي مؤنثة في الاكثر ولهذا قال: حصينة.
مردف اسم فاعل من أردف، والرديف: الذي تجعله خلفك على ظهر الدابة.
كبش القوم: سيدهم.
الكتيبة - بمثناة فوقية فتحتية فموحدة -: الجماعة من الجيش.
فل - بضم الفاء وتشديد اللام -: كسر.
فلا - بفتح الفاء واللام المشددة - أي كسرا.
فبقر والله خير فبقر والله خير (بالتكرير).
الظبة - بظاء معجمة مضمومة مشالة فموحدة مخففة: حد السيف، والجمع ظبات وظبون.
العترة - بعين مهملة مكسورة فمثناة فوقية ساكنة - وهي هنا رهط الرجل الادنون ويقال: أقرباؤه.
وإن البقر بقر - بفتح الموحدة والقاف من الاول، وسكون القاف من الثاني - وهو الشق.
الآطام - بالمد والمهملة - جمع أطم - بضم أوله - وهو بناء مرتفع.
الازقة - بالزاي والقاف - جمع زقاق - بضم أوله - دون السكة نافذة كانت أو غير نافذة، وأهل الحجاز يؤنثونه وتميم تذكره.
الصياصي جمع صيصية - بكسر الصادين المهملتين بعد كل من التحتية الاولى ساكنة والثانية مفتوحة - وهو كل شئ امتنع به وتحصن به.
جبنا - بفتح الجيم وضم الموحدة وتشديد النون - والجبن، بضم الجيم وسكون النون.
والجبانة بالفتح: ضعف القلب عن الحرب.
الجرأة وزن غرفة: الاسراع والهجوم على الشئ.(4/259)
الظفر - بظاء معجمة مشالة - الفوز بالمطلوب.
ساحة الدار: الموضع المتسع أمامها والجمع ساحات وساح وسوح.
الالحاح من ألح على الشئ، إذا لزمه وأصر عليه.
إحدى الحسنيين - بضم الحاء - أي الظفر أو الشهادة، وأنث على معنى الخصلتين، أو القصتين.
أجالدهم: أضاربهم بالسيف.
لمه: اللام للتعليل ومه أصله ما، حذفت ألفها، وعوض عنها الهاء.
فر - بفتح الفاء والراء المشددة -: هرب.
يوم الزحف، أي الجهاد ولقاء العدو.
والزحف: الجيش، يزحفون إلى العدو، أي يمشون.
حث على الشئ - بفتح الحاء المهملة والثاء المثلثة المشددة -: طلبه بسرعة.
أبوا: امتنعوا.
وعظهم: أمرهم بالطاعة ووصاهم بها.
بالجد - بكسر الجيم وتشديد الدال المهملة - نقيض الهزل.
الشخوص: الخروج من موضع إلى آخر.
حشدوا، بفتح الشين المعجمة في الماضي وكسرها في المستقبل، أي اجتمعوا.
العوالي - بفتح العين المهملة -: القرى التي حول المدينة على أربعة أميال، وقيل: ثلاثة وذلك أدناها، وأبعدها ثمانية.
الحجرة: البيت، والجمع حجر وحجرات.
استكرهتم: أكرهتم.
اللامة - مهموز: - الدرع، وقيل: السلاح، ولامة الحرب أداته، وقد يترك الهمز تحفيفا.
المنطقة - بكسر الميم -: اسم لما تسميه الناس بالحياصة.
حمائل السيف - بفتح الحاء المهملة - جمع حمالة بكسرها: علاقته.
الادم - بفتحتين وبضمتين - جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ.
تقلد السيف: جعل علاقته على كتفه الايمن، وهو تحت إبطه الايسر.
ما ينبغي أن يكون لنا كذا، ما يحسن ويستقيم.(4/260)
شرح غريب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد
القناة - بفتح القاف -: الرمح، والجمع قنى، مثل حصاة وحصى.
يعدوان أمامه.
يقال: عدا في مشيته عدوا، من باب قال: قارب الهرولة، وهو دون الجري.
الثنية - بثاء مثلثة مفتوحة فنون فتحتية -: كل عقبة مسلوكة.
خشناء - بخاء فشين ساكنة معجمتين فنون فألف تأنيث - أي كثيرة السلاح.
الزجل - بفتح الزاي والجيم -: الصوت العالي.
الشيخين بلفظ تثنية شيخ: أطمأن، سميا بشيخ وشيخة كانا هناك على الطريق الشرقية إلى أحد مع الحرة.
الدرقة - بفتح الدال المهملة والراء -: الحجفة، والجمع درق.
الادلاء - بالدال المهملة - جمع دليل، وهو المرشد.
الكثب - بفتح الكاف والثاء المثلثة: القرب.
الحرة - بفتح الحاء المهملة والراء المشددة -: أرض تركبها حجارة سود.
بنو حارثة (بالحاء المهمة والثاء المثلثة).
يحثو - بالمثلثة - يرمي بيده.
الحائط: البستان، وجمعه حوائط.
الحفنة - بفتح الحاء المهملة وضمها وسكون الفاء -: ملء الكف، وقيل: ملء الكفين.
ابتدره: أسرع إليه.
هم به: أراد قتله.
كف - بفتح الكاف والفاء المشددة -: امتنع.
ذب فرسي بذنبه - بفتح الذال المعجمة وتشديد الموحدة -: حرك ذيله ليطير الذباب عنه.
كلاب - بضم الكاف وتشديد اللام - وهو الحلقة أو المسمار الذي يكون في قائم السيف يكون فيه غلافه، وقال في الروض: هو الحديدة العقفاء، وهي التي تلي الغمد.
استله: أخرجه من غمده.(4/261)
الفأل - بسكون الهمزة ويجوز تحفيفها - وهو أن تسمع كلاما حسنا فتتيمن به، وإن كان قبيحا فهو الطيرة.
وجعل أبو زيد الفأل في سماع الآدميين.
لا يعتاف، أي لا يتطير، يقال: عفت الطير، إذا تطيرت بها، والعيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأسواقها وممرها، وهو من عادة العرب كثير.
يقال: عاف يعيف عيفا، إذا زجر وحدس.
شم سيفك: أغمده، وسله (ضد)، والأول هو المراد هنا.
إخال - بكسر الهمزة على غير قياس - وهو أكثر استعمالا، وبنو أسد يفتحون على القياس، أي أظن.
شرح غريب انخزال عبد الله بن أبي بثلث العسكر الشوط - بشين معجمة فراء ساكنة فطاء مهملة -: اسم حائط بالمدينة.
انخزل - بخاء معجمة فزاي - أي انقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخلف عنه.
الهيق - بفتح الهاء وسكون التحتية وبالقاف - وهو ذكر النعام، يريد في سرعة ذهابه.
الولدان جمع وليد، يطلق على المولود والعبد والصبي.
الريب: جمع ريبة مثل سدرة وسدر، وهي الشك.
تخذلوا قومكم - بضم الذال المعجمة - أي تتركوا نصرتهم وإعانتهم.
أبعدكم الله تعالى: أهلككم.
أعداء الله - يجوز بفتح الهمزة على أنه منادى مضاف، ويجوز رفعها على أنه خبر مبتدأ محذوف أي أنتم.
لا نرى - بضم النون - أي لا نظن.
سقط في أيديهما - بضم السين وكسر القاف - أي ندما.
الفشل - بفتح الفاء والشين المعجمة -: الجبن وضعف القلب على الحرب.
عدوة الوادي - بضم العين وكسرها - جانبه وحافته.
شرح غريب خطبة النبي صلى الله عليه وسلم النشاط - بالنون والمعجمة -: الاسراع.
التثبيط: الامر بالقعود عن الشئ والفشل عنه.(4/262)
نفث - بالنون والفاء والثاء المثلثة -: أوحى وألقى، من النفث - بالضم - وهو شبيه بالنفخ.
الروع - بضم الراء -: النفس والخلد.
الحمى - بكسر الحاء وفتح الميم المخففة -: الممنوع الذي لا يقرب.
أجملوا في الطلب - بقطع الهمزة - أي أحسنوا فيه، بأن تأتوه من وجهه.
أوشك: قرب.
سرحت الابل - بفتح الراء وتشديدها مبالغة -: تركتها ترعى.
الظهر - بالظاء المعجمة -: الابل الي تحمل ويركب عليها.
الصمغة - بفتح الصاد المهملة وإسكان الميم والغين المعجمة -: مزرعة بقناة.
الكراع - بضم الكاف وتخفيف الراء وبالعين المهملة - يقال لجماعة الخيل خاصة.
قيلة - بفتح القاف وإسكان التحتية -: أم الاوس والخزرج.
أمر على الرماة - بتشديد الميم - من التأمير.
انضحوا - بهمزة وصل وضاد معجمة ساقطة مكسورة وقد تفتح - أي ادفعوا عنا.
لا تبرحوا -: لا تفارقوا.
الاختطاف: الاخذ بسرعة، وهذا تمثيل لشدة ما يتوقع أن يلقى، أي لو رأيتمونا أخذتنا الطير وأعدمتنا من الارض فلا تفارقوا مكانكم.
الرشق: الرمي.
النبل: السهام العربية، وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها، بل الواحد سهم، فهو مفرد اللفظ مجموع المعنى.
لا نؤتين (بضم النون وفتح الفوقية مبنيا للمفعول).
قبلكم (بكسر القاف وفتح الموحدة وكسر اللام).
المجنبتين: يمين الجيش ويساره.
معلم - بكسر اللام - أي جعل لنفسه علامة الشجعان.
الغنوي (بفتح الغين المعجمة والنون وكسر الواو).
ظاهر بين درعين - بالظاء المشالة - أي لبس درعا فوق درع.
الشعار - بكسر الشين المعجمة والعين المهملة -: علامة ينادون بها في الحرب، ليعرف بعضهم بعضا.(4/263)
أمت أمت: أمر بالموت، المراد به التفاؤل بالنصر، يعنى الامر بالاماتة مع حصول الغرض للشعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لاجل ظلمة الليل.
شرح غريب ذكر تهيئ المشركين للقتال جنبوها: قادوها والجنيب: الفرس الذي يقاد.
وليتم لواءنا (بفتح الواو وكسر اللام وسكون التحتية).
تواعدوه وتوعدوه: هددوه، من الوعد، وهو التهديد.
شرح غريب ذكر ابتداء الحرب (واشتداد القتال) أول من أنشب الحرب - بنون ساكنة فشين معجمة مفتوحة فموحدة - أي تعلق به
ودخل فيه.
عبدان: جمع عبد، وقد بسطت الكلام على ذلك في أبواب المعراج.
راضخهم - بالضاد والخاء المعجمتين: راماهم، من الرضخ وهو الشرخ.
قال أبو ذر: وأصل المراضحة: الرمي بالسهام، فاستعاره هنا للحجارة، وروي بالحاء المهملة، والمعنى واحد، إلا أنه بالمعجمة أشهر.
ويها: سبق شرحها.
حماة الادبار: الذين يحمون أعقاب الناس.
البتار: السيف القاطع.
وقول هند بنت عتبة: " نحن بنات طارق " إلى آخر الشعر ليس لها، وإنما هو لهند بنت بياضة بن رباح بن طارق الايادي، قالته حين لقيت إياد جيش الفرس بجزيرة الموصل، وكان رئيس إياد بياضة بن طارق، ووقع في شعر أبي دواد، وهو بضم الدال المهملة وفتح الواو المخففة.
وذكر أبو رياش، وهو براء مكسورة فتحتية مخففة فألف فشين معجمة وغيره: أن بكر بن وائل لما لقيت تغلب - بمثناة فوقية، فغين معجمة - يوم قصة - بفتح القاف وتشديد الصاد - وأقبل الفند الزماني - وهو بفاء مكسورة فنون ساكنة فدال مهملة وهو في الاصل الجبل العظيم أو القطعة منه - لقب بذلك لعظم خلقته.
والزماني - بكسر الزاي وتشديد الميم وبعد الالف نون فياء نسب - ومعه ابنتاه، فكانت إحداهما تقول: نحن بنات طارق، فطارق على رواية من رواه لهند بنت عتبة، أو لبنت الزماني تمثيل واستعارة لا حقيقة، شبهت أباها بالنجم الطارق في شرفه، وعلوه أي نحن شريفات رفيعات كالنجوم، وعلى رواية من رواه لهند بنت بياضة حقيقة لا استعارة، لانه اسم جدها.(4/264)
وقال البطليوسي - وهو بفتح الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وضم التحتية وبعد
الواو سين مهملة -: الاظهر أنه لبنت بياضة، وإنما قاله غيرها متمثلا.
وقال أبو القاسم الخثعمي على قول من قال: أراد النجم لعلوه: هذا التأويل عندي بعيد، لان طارقا وصف للنجم لطروقه فلو أرادته لقالت: نحن بنات الطارق، فعلى تقدير الاستعارة تكون بنات مرفوعة، وعلى تقدير أن يكون الشعر لابنة بياضة بن طارق يكون منصوبا على المدح والاختصاص.
النمارق - بنون مفتوحة جمع نمرقة - بضم النون والراء وكسرهما - ويقال بضم النون وفتح الراء كما وجد بخط بعض المتقنين، والمراد هنا الوسادة الصغيرة.
الدر - بضم الدال المهملة - جمع درة.
المفارق جمع مفرق - بفتح الميم وسكون الفاء وكسر الراء - حيث يفرق منه الشعر.
المخانق جمع مخنقة - بكسر الميم -: القلادة، سميت بذلك لانها تطيف بالعنق، وهو موضع الخنق.
وامق: اسم فاعل من المقة وهي المحبة، والهاء عوض من الواو: يقال: ومقه يمقه بالكسر فيهما، أي أحبه فهو وامق، والمفعول موموق، والمعنى فراق غير محب.
المعانقة: الضم والالتزام.
أجول: أتحرك أو أحتال أو أدفع وأمنع، من حال بين الشيئين، إذا منع أحدهما عن الاخر.
أصول: أسطو وأقهر، والصولة: الحملة، والوثبة.
بسطوا أيديهم: مدوها.
أحجم القوم: نكصوا وتأخروا وتهيبوا أخذه.
يختال: يتكبر.
عصب رأسه (يخفف ويشدد).
يتبختر: يعجب في مشيته تكبرا.
الدهر بالنصب: ظرف.
ألا أقوم الدهر في الكيول - بكاف مفتوحة فمثناة تحتية مضمومة مشددة وتخفف فواو
ساكنة فلام - آخر القوم، أو آخر الصفوف في الحرب، وهو فيعول، من كال الزند يكيل كيلا، إذا كبا، وكبوه: سواده ودخان يخرج منه بعد القدح ولا نار فيه "، وذلك شئ لا نفع فيه، أي لم يخرج نارا، فشبه مؤخر الصفوف به، لان من كان فيه لا يقاتل، وقيل: الكيول: الجبان.
وقيل: هو ما أشرف من الارض، يريد تقوم فوقه فتنظر ما يصنع غيرك.(4/265)
أضرب - بضم الموحدة وسكنه.
كما في الصحاح بكثرة الحركات.
السفح: جانب الجبل عند أصله.
لدى - بفتح اللام والمهملة -: ظرف بمعنى عند.
النخيل: اسم جنس نخلة، الشجرة المعروفة.
أفراه: قطعه.
وهتكه كذلك.
فلق: شق.
هام: جمع هامة، وهي الرأس.
شحذه - بشين معجمة فحاء مهملة فذال معجمة مفتوحات - أحده وسنه.
المنجل بالكسر: آلة معروفة.
ذفف - بذال معجمة وتهمل ففاءين الاولى مشددة مفتوحات - أي أسرع إلى قتله.
استوسقوا: اجتمعوا.
حبل العاتق: وصلة ما بين العاتق، وهو موضع الرداء من العنق، وقيل: ما بين العنق والمنكب.
السعي في الاصل: التصرف في كل عمل.
يحمس الناس - بحاء مهملة، ويروى بسين مهملة وبشين معجمة - فبالمهملة معناه يشجعهم من الحماسة، وهي الشجاعة.
وبالمعجمة معناه يسوقهم بغضب.
وقال أبو ذر: يحضهم ويهيج غضبهم.
صمدت إليه: قصدت، والمعروف صمدته أصمده، إذا قصدته، فكأنه - والله أعلم - لما كان صمد بمعنى قصد، وقصد يتعدى بنفسه وباللام وبإلى، ضمنه.
ولول: يقال: ولولت المرأة: قلت: يا ويلي، هذا قول أكثر اللغويين.
وقال ابن دريد: الولولة: رفع المرأة صوتها في فرح أو حزن.
الحضيض - بفتح الحاء المهملة -: قرار الارض، وأسفل الجبل.
الحواري - بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية -: الذي أخلص في تصديقه ونصره.
حميت الحرب: اشتد أمرها.
أبلى أبو دجانة: قاتل قتالا شديدا.
نهكوهم: أثروا فيهم ونالوا منهم، وأضعفوهم.(4/266)
مفلولة - بميم مفتوحة ففاء ساكنة -: منهزمة.
أبو القصم أي أبو الدواهي العظيمة.
والقصم - بالقاف -: كسر ببينونة.
وبالفاء: كسر بغير بينونة.
من يبارز: من يظهر للقتال.
بدره: أسرع إلى ضربه.
جهزت على الجريح من باب نفع، وأجهزت إجهازا، إذا أتممت عليه وأسرعت إلى قتله.
وجهزت بالتشديد مبالغة.
الحنجرة - بحاء مهملة مفتوحة فنون ساكنة فجيم فراء مفتوحة - والحنجور بضم الحاء وإسكان النون -: الحلقوم.
اختلت صفوفهم: حصل فيها الخلل والتفريق.
وأبوه [ علاط ]: بعين مكسورة وطاء مهملتين واللام مخففة.
قوله: " لله أي مذبب "، يجوز فتح أي على المدح، كأنه قال: لله أنت، لانه لا ينصب
على المدح إلا بعد جملة تامة، ويجوز ضمها صفة لما قبلها، لله دره أي مذبب عن حرمه هو، ذكره السهيلي.
المذبب - بذال معجمة فموحدتين - الدافع عن الشئ.
يقال: ذب عن حرمه، إذا دافع عنها.
ابن فاطمة، يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أمه.
المعم: الكريم الاعمام.
المخول: الكريم الاخوال.
المجدل: اللاصق بالارض.
الباسل - بالموحدة والسين المهملة -: الشجاع.
يهوون: يسقطون.
أخول أخول - بالخاء المعجمة - أي واحدا بعد واحد.
العلل - بفتح العين المهملة -: الشرب بعد الشرب.
حاسوا - بالحاء والسين المهملتين -: قتلوا.
أجهضوهم - بالجيم والضاد المعجمة -: نحوهم وأزالوهم عن مكانهم.
مؤتزره: أي وسطه.
بدا - بلا همز -: ظهر.(4/267)
سحره - بفتح السين وضمها وإسكان الحاء المهملة وبالواو - تقدم مبسوطا في غزوة بدر.
يشعر سهما: يرميه به حتى يدخل النصل فيه.
سلافة - بضم السين المهملة والتخفيف وبالفاء - اسم امرأة مشركة.
فثابوا - بالثاء المثلثة -: رجعوا.
لا ثوابه - بمثلثة فواو وموحدة -: اجتمعوا حوله والتقوا.
أعززت - بعين مهملة فزاءين معجمتين.
أي أعذرت، كانت في لسانه عجمة فغير الذال إلى الزاي.
انكشفوا: انهزموا.
لا يلوون: لا يلتفتون ولا يعطف بعضهم على بعض.
ويل: كلمة تقال لمن وقع في بلية أو هلكة لا يترحم عليه.
الخلاخيل: جمع خلخال وهو معروف.
السوق: جمع ساق الانسان.
خدم هند - بخاء معجمة فدال مهملة - جمع خدمة وهي الخلخال، يعني أنهن شمرن ثيابهن حتى بدت خلاخيلهن.
شرح غريب ذكر ترك الرماة مكانهم الذي أقامهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حصل بسبب ذلك صرفت وجوههم، كنى بصرف الوجوه عن الهزيمة، فإن المنهزم يلوي وجهه عن الجهة التي كان يطلبها وراءه.
كر بالخيل: رجع على العسكر.
جردوه: أزالوا عنه ما عليه.
مثلوا به: جدعوه.
شرعت: أميلت.
السرة: الموضع الذي قطع منه السر بالضم.
والسرر - بفتح السين - والسرار بالفتح لغات، وهو ما تقطعه القابلة من السرة.(4/268)
الخاصرة - بخاء معجمة فألف فصاد مهملة مكسورة فراء -: الشاكلة، وما بين الحرقفة
والقصيرى.
العانة: قيل: منبت الشعر فوق قبل الرجل، وقيل: الشعر النابت فوقها.
العزى (بضم العين وفتح الزاي المشددة).
وهبل - بضم الهاء وفتح الموحدة -: اسما صنمين.
الحضن: - بكسر الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة - ما دون الابط إلى الكشح.
الذريع - بذال معجمة مفتوحة فراء ساكنة -: السريع الكثير.
استدارت رحاهم.
قال: دارت رحى الحرب، إذا قامت على ساقها، وأصل الرحى التي يطحن بها.
الصبا - بفتح الصاد المهملة وبالموحدة -: الريح الشرقية.
الدبور (بفتح الدال المهملة وضم الموحدة المخففة).
يحطم بعضهم بعضا: يضرب، وأصل الحطم الكسر.
الدهش - بفتح الدال المهملة والهاء بالشين المعجمة -: الحيرة.
الفئة: الجماعة.
لتجوسهم - بالجيم والسين المهملة -: تطوف فيهم: هل بقي أحد فيقتلونه ؟ ! المعسكر - بلفظ اسم المفعول -: اسم لموضع اجتماع العسكر.
أصعدوا: طلعوا الجبل خوفا من القتل.
إزب العقبة.
قال السهيلي: قيد في هذا الموضع بكسر الهمزة وسكون الزاي، وتقدم في بيعة العقبة الثالثة أنه ضبط هناك بفتح الهمزة، وفي حديث ابن الزبير ما يشهد للاول حين رأى رجلا طوله شبران على بردعة رحله، فقال: ما أنت ؟ قال: أزب، قال: ما أزب ؟ قال: رجل من الجن، فضربه على رأسه بعود السوط حتى باص أي هرب.
وقال ابن السكيت في [ تهذيب ] الالفاظ: الازب: القصير، فالله أعلم أي الضبطين أصح.
شرح غريب ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم نالوا منه: بلغوا مقصودهم منه.
إن زال نافية.
تفئ إليه: ترجع.(4/269)
تحاجزوا: تمانعوا.
العصابة - بكسر العين - الجماعة من الناس.
سية القوس - بسين مهملة مكسورة فتحتية مفتوحة فتاء تأنيث - وهي ما عطف من طرفيها وحكى فيها الهمز.
شظايا - بشين فظاء مشالة معجمتين - جمع شظية، وهي الفلقة.
يقال: شظا الشئ إذا تطاير شظايا.
لا يلوون: تقدم معناه.
بايعه على الموت [ عاهده عليه ].
انجلى الناس: تفرقوا.
جفن السيف - بفتح الجيم وسكون الفاء - غلافه.
شرح غريب ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرباعية - بتخفيف الراء وزن ثمانية - وهي السن.
الناب من الانسان يذكر ما دام له هذا الاسم، وهو الذي يلي الرباعيات، قال ابن سينا: ولا يجتمع في حيوان ناب وقرن معا.
الفلقة: القطعة وزنا ومعنى.
الشجة: الجراحة، وإنما تسمى بذلك إذا كانت في الوجه أو الرأس، والجمع شجاج، مثل كلبة وكلاب وشجات.
أخضل لحيته - بخاء وضاد معجمة - بلها.
المغفر بالكسر: ما يلبس تحت البيضة شبيه بحلق الدرع يجعل في الرأس، يتقى به في الحرب.
الوجنة من الانسان.
ما ارتفع من لحم خده، والاشهر فتح الواو، وحكي التثليث، والجمع وجنات.
أقمأه - بهمزة مفتوحة في أوله فقاف فميم فهمزة -: صغره وحقره.
جحش كعني: خدش.
وهن الضربة: الضعف الذي حصل منها.
تيس الجبل: الذكر من الظباء.(4/270)
فاء - بالمد -: رجع.
نزف الدم: خرج بكثرة حتى ضعف الخارج منه.
أزم على الشي أزما من باب ضرب وأزوما: عض عليه.
الثنية من الانسان جمعها ثنايا وثنيات، وفي الفم أربع: ثنتان من فوق، وثنتان من أسفل.
الهتم: كسر الثنايا من أصلها.
النضح - بالنون والضاد المعجمة -: الرش.
الجلل - بفتح الجيم واللام الاولى - من الاضداد، يكون للصغير والعظيم، والمراد هنا الاول.
سرب الدم - بفتح السين المهملة والراء -: جرى.
الشن - بفتح الشين المعجمة وتشديد النون - الجلد البالي.
مج الشئ: رمى به.
ازدرده: بلعه.
فوه: فمه.
جال الناس جولة: هزموا، والمراد كثير منهم، فقد ثبتت طائفة.
تنحيت: اعتزلت.
أذود - بذال معجمة وأخرى مهملة -: أمنع.
فداك أبي وأمي - بكسر الفاء وتفتح - أي لو كان إلى الفداء سبيل لفديتك بأبوي اللذين هما عزيزان عندي، والمراد من التفدية لازمها وهو الرضى، أي ارم مرضيا.
سدد لسعد رميته، أي اجعلها صائبة.
أذلقوهم بالرمي: أصابوهم حتى قلقوا.
استغرب في الضحك: بالغ فيه.
النحر: موضع القلادة من الصدر.
النواجذ - بالجيم والذال المعجمة - جمع ناجذ: السن من الاضراس والناب.
قال ثعلب: المراد الناب.
انحاز: مال إلى جماعة لا يقصد الفرار الغور: - بالفتح - من كل شئ: قعره.
كر: رجع.
ما كانت لي ناهية، أي مانعة.(4/271)
المروط جمع مرط - بكسر الميم وسكون الراي -: ركساء من الصوف أو خز يؤتزر به ويتلفع به.
الانامل جمع أنملة.
وهي بتثليث الهمزة والميم، قيل: هي عقدة الاصبع، وقيل: رأسها.
حس - بكسر الحاء وتشديد السين المهملتين - كلمة يقولها الانسان إذا أصابه ما أمضه وأحرقه غفلة.
تلج بك: تدخلك.
الجو - بفتح الجيم وتشديد الواو -: ما اتسع بين السماء والارض.
أرهقوه: أدركوه.
أجهز عليه، وجهزتم عليه: أسرع إلى قتله، والتشديد مبالغة.
يشرى نفسه: يبيعها بالجنة، أي يبذلها في الجهاد.
أثبتته: أصابت مقاتله.
وسده قدمه: جعلها له وسادة.
يجوب عنه: - بفتح التحتية وبالجيم والموحدة -: يكشف ويمنع الناس عنه.
الحجفة - بحء مهملة فجيم ففاء مفتوحات - الترس الصغير يطارق بين جلدين.
الجعبة: - بضم الجيم -: التي يكون فيها السهام تتخذ من الجلود.
النزع - بفتح النون وسكون الزاي بعدها عين مهملة - وهو مد القوس وشدته عن استيفاء السهم جميعه.
الكنانة - بكسر الكاف: الجعبة.
الاشراف: الاطلاع على الشي.
شرح غريب إرسال الله تعالى النعاس على المسلمين وشرح غريب حضور الملائكة الامنة والامان واحد.
يميد - بالدال -: يتحرك من جانب إلى جانب.
غط النائم يغط غطيطا: يردد نفسه صاعدا إلى حلقه حتى يسمعه من حوله.
انثلم السيف: انكسر جانبه.
الذعر - بضم الذال المعجمة وبالعين المهملة -: الفزع.(4/272)
انكشفوا: انهزموا.
الشعب - بالكسر -: الطريق في الجبل.
ظفرت يمينك - بظاء معجمة مشالة ففاء -: فازت وفلحت.
رأيتني، أي رأيت نفسي.
ينبل له - بتحتية فنون فموحدة مشددة - أي يناوله النبل ليرمي به، وذلك أنبلته.
وروي: ينبله، بفتح التحتية وسكون النون وضم الموحدة، قال أبو عمر الزاهد وهو صحيح.
يقال: نبلته وأنبلته ونبلته.
تحسونهم: تقتلونهم.
شرح غريب رجوع المسلمين بعد توليهم أحدية - بضم الهمزة - نسبة إلى أحد، أي نزل كثير منها في شأن أحد.
هزمنا - بضم الهاء - من الهزيمة وهي الفرار.
أنزو: أثب.
الاروى - بفتح الهمزة -: تيس الجبل البري، وهو منصرف، لانه اسم غير صفة.
حومة القتال - بحاء مهملة فواو -: معظمه.
جافته تجوفه، إذا وصلت الجوف، فلو وصلت إلى جوف عظم الفخذ لم تكن جائفة، لان العظم لا يعد مجوفا.
عنقا واحدا: جماعة واحدة.
عين تطرف: تتحرك.
حشوته - بضم الحاء وكسرها - والحشاء: الامعاء.
تزهران ويروى بالبناء للمفعول.
شرح غريب ذكر قتله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف العود (بضم العين المهملة، وسكون الواو وبالدال المهملة).
الفرق، - بفتح الفاء والراء ويجوز إسكان الراء - قال في النهاية: مكيال يسع ستة عشر رطلا وهو اثنا عشر مدا وثلاثة آصع عند أهل الحجاز، فأما الفرق - بالسكون - فمائة وعشرون رطلا.
الذرة - بضم الذال وفتح الراء المخففة -: حب معروف.(4/273)
آذنوني: أعلموني.
أسند في الجبل: صعد فيه.
مقنع بالحديد: متغط به، وقيل: هو الذى على رأسه بيضة، لان الرأس موضع القناع.
يركض - بالضم - يسوق فرسه.
يغشاك: يأتيك.
الشعراء - بشين معجمة فعين مهملة ساكنة فراء فألف تأنيث - وهو ذباب صغير له لذع يقع على ظهر البعير، فإذا انتفض طار عنه.
الجد في الامر: الاجتهاد.
الترقوة - بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو - وقال في الصحاح: ولا تقل: ترقوة، أي بضم الفوقية - وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق من الجانبين والجمع التراقي.
الفرجة في المحسوسات - بضم الفاء -: المفتوح بين شيئين.
وفي المعاني: بتثليث الفاء.
سابغة البيضة: شئ من حلق الدروع والزرد يتعلق بالخودة، دائر معها، ليستر الرقبة وجيب الدرع.
الضلع (بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وتسكن).
تدأدأ - بمثناة فوقية ودالين مهملتين وبالهمز -: مال.
يخور: يصوت كما يخور الثور.
إن ربك - بكسر الهمزة وسكون النون - حرف نفي، وبك جار ومجرور.
ذو المجاز، ضد الحقيقة: سوق كان عند عرفة.
سرف - بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالفاء -: على ستة أميال من مكة أو سبعة أو تسعة أو اثني عشر، وناسبت هلاكه بها أنه يسرف.
قافلون: راجعون.
سحقه الله تعالى سحقا وسحوقا، وأسحقه: أبعده، وأيضا أهلكه.
رابغ - بكسر الموحدة وبالغين المعجمة -: بطن واد عند الجحفة.(4/274)
الهوي من الليل - بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية -: الحين الطويل من الزمان وقيل: هو مختص بالليل.
أجت النار تؤج بالضم أجيجا: توقدت.
يجتذبها - بالذال المعجمة -: يسحبها.
شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه بارزه: ظهر لقتاله.
الرم - بكسر الراء وتشديد الميم - والرميم: العظم البالي.
توعده: تهدده.
يغوث.
(بضم التحتية وفتح الغين المعجمة وكسر الواو المشددة).
تب: خسر وهلك.
الهبول: المفقود: يقال: هبلته أمه، إذا فقدته.
الاسرة - بضم الهمزة -: العشيرة والقرابة.
قليل: ويروى بالفاء أي مفلولون، أي منهزمون، وبالقاف، أراد ضد الكثرة.
شرح غريب مقتل عثمان بن المغيرة وذكر انتهائه صلى الله عليه وسلم إلى الشعب وإرادته صعود الضخرة عثر - بفتحتات ومثلثة -: سقط.
عائر - بعين مهملة فألف فهمزة فراء من عار، إذا أفلت وذهب على وجهه.
ذفف عليه - بذال معجمة ففاءين: أسرع إلى قتله.
بطن نخلة: موضع بينه وبين مكة ليلة.
العاتق يذكر ويؤنث، وهو ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء.
ناوشه: طاعنه بالرمح.
الدرقة - بالدال المهملة -: الحجفة.
ملا (بهمزة مفتوحة).
المهراس - بكسر الميم وسكون الهاء وآخره سين مهملة -: صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء، وقد يعمل منه حياض للماء.
وقيل: المهراس هنا اسم ماء بأحد، قاله الهروي، وتبعه في النهاية، وجزم به أبو عبيد البكري.(4/275)
عافه: كرهه.
قناة: واد من أودية المدينة.
الهشم: كسر اليابس والاجوف.
البيضة: الخوذة.
المجن - بكسر الميم - الترس، سمي بذلك لان صاحبه يستتر به.
يقال: جنه وأجن عليه: ستره.
كمدته: التكميد أن تسخن خرقة وتوضع على العضو الوجع، ويتابع ذلك مرة بعد أخرى ليسكن.
البالي: الذي أبلته الارض.
ينهض: يرتفع.
بدن، بفتح الدال المهملة.
قال أبو عبيد: هكذا روي في الحديث - يعني بتخفيف الدال - وإنما هو بالتشديد أي كبر وأسن، والتخفيف، من البدانة وهي كثرة اللحم، ولم يكن صلى الله عليه وسلم، سمينا.
قال في النهاية: قد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم، في حديث هند بنت أبي هالة: بادن متماسك، والبادن: الضخم، فلما قال: " بادن " أردفه بمتماسك وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضا، فهو معتدل الخلق.
وقال أبو ذر: معناه أسن، وبدن، إذا عظم بدنه من كثرة اللحم.
بينما: أصله بين فأشبعت الفتحة فصارت ألفا فيقال: بينا وبينما، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة.
ثاب - بثاء مثلثة وموحدة -: رجع.
الكنانة - بالكسر -: الجعبة.
لا أبالك: أكثر ما يستعمل هذا اللفظ في المدح، أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذم كما يقال: لا أم لك، وقد يذكر في معرض التعجب ودفعا للعين كقولهم: لله درك، وقد يكون بمعنى جد في أمرك وشمر، لان من له أب اتكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام فيقال لا أباك.
إن بقي: إن حرف نفي.
الظمء - بكسر الظاء المعجمة المشالة وإسكان الميم فهمزة - وهو مقدار ما يكون بين الشربين، وأضافه للحمار لانه أقصر الدواب ظمأ، وأطولها الابل.
إنما نحن هامة اليوم أو غدا: يريد الموت.
كانت العرب تقول: إن روح الميت تصير(4/276)
هامة وهو طائر، وتزعم العرب أنه يتكون من عظام الميت في قبره، وبعضهم يقول: هو طائر
يخرج من رأس القتيل إذا قبل فلا يزال يصيح: اسقوني اسقوني حتى يأخذوا بثأره، فضربه مثلا للموت.
يديه: يعطى ديته.
الحوائط - بالحاء والطاء المهملتين - جمع حائط وهو هنا البستان.
بداله - بلا همز -: ظهر له.
إليك: اسم فعل أمر بمعنى تنح.
أثبتته الجراحة: أصابت مقاتله.
يلتمسون: يطلبون.
عدا، يروى بالعين المهملة من العدو وهو الجري، وبالمعجمة، يقال: غدا غدوا من باب قعد: ذهب غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الذهاب والانطلاق في أي وقت كان.
عرض الناس - بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة فضاد معجمة - أي جانبهم وناحيتهم، وقيل: عرض كل شئ: وسطه، وقيل عرض الشئ: ذاته ونفسه.
وأما العرض - بفتح العين - فخلاف الطول.
أحدب - بهمزة استفهام فحاء فدال مهملتين وبالموحدة - أي تعطف عليهم.
يلبث: يمكث.
شرح غريب مقتل حنظلة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام وقزمان وأنس بن النضر انكشفوا: انهزموا.
أنفذه سهما - بالذال المعجمة - أصابه به.
المزن - بضم الميم - أي السحاب والواحدة مزنة.
الهاتفة - بالفوقية والفاء - أي الصائحة ويروى الهائعة - بالعين المهملة - من الهياع
وهو الصياح.
أما أنت (بفتح الهمزة وتشديد الميم).
عذرك أي بقوله تعالى: (ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج) [ النور 61 ].(4/277)
جلل: صغير قليل.
زجرته: ساقته وصاحت به.
حل حل - بفتح الحاء المهملة فيهما وكسرها وسكون اللام وتكسر بالتنوين وبعدمه - كلمة تزجر بها الابل.
عيرته بكذا وعير به: قبحته عليه ونسبته إليه.
يكت (بتحتية مفتوحة فكاف ففوقية).
كت - بفتح الكاف والفوقية المشددة -: هدر.
الاحساب جمع حسب وهو الشرف بالآباء، وما يعده الانسان من مفاخرهم، أي إنما قاتلت لاجل شرفنا ومفاخرنا، لا لاجل الاسلام وإعلاء كلمة الله تعالى.
الحفاظ: تقدم في الحفيظة أول الشرح.
أبليت: فعلت فعلا حسنا.
أعتذر إليك: أطلب قبول معذرتي.
ألقوا بأيديهم: استسلموا للعدو.
واها لريح الجنة: كلمة تعجب.
البنان: أطراف الاصابع.
شرح غريب ذكر مقتل حمزة رضي الله عنه يخضبوا الصعدة: يصبغوها بالدماء، والصعدة - بفتح الصاد وسكون العين وبالدال المهملات -: القناة المستوية تنبت كذلك لا تحتاج إلى تثقيف.
تندق: تنكسر.
أقذف - بالذال المعجمة -: أرمي.
الاورق: الاسمر.
يهد الناس - بتحتية فدال - روي إعجامها أي يسرع، وإهمالها أي يهدمهم ويهلكهم.
ما يليق شيئا: - بتحتية مضمومة فلام فتحتية أخرى فقاف - أي ما يبقى شيئا.
شد عليه: حمل وعدا إليه.
قمعه - بقاف فميم فعين - كمنعه: ضربه بالمقمعة كمكنسة: العمود من حديد - أو كالمحجن يضرب به رأس الفيل، أو خشبة يضرب بها الانسان على رأسه.
هلم: كلمة بمعنى الدعاء إلى شئ، كما يقال: تعال، وتقدم الكلام عليه مبسوطا.(4/278)
البظور جمع بظر، مثل فلوس وفلس، وهي لحمة بين شفري المرأة، وهو القلفة التي تقطع في الختان.
المحادة - بحاء فدال مشددة مهملتين -: المخالفة ومنع الواجب.
أخطأ رأسه يقال: أخطأ الشئ، إذا لم يتعمده، أي كان في إلقائه رأسه كأنه لم يعمد إليه ولا قصده.
كمنت كمونا من باب قعد، إذا توارى واستخفى.
دنا: قرب.
لاذ بكذا - بذال معجمة يلوذ لواذا - بكسر اللام وحكي التثليث: التجأ.
الثنة - بثاء مثلثة فنون مشددة -: ما بين السرة والعانة.
الثندوة - ويفتح أوله: لحم الثدي أو أصله.
ينوء: يذهب.
المذاهب: طرق الجبل.
لم يرعه إلا كذا أو بكذا، أي لم يشعر إلا به، وإن لم يكن من لفظه، كأنه فجأه بغتة من غير موعد ولا معرفة.
أتنكبه: أعدل عن طريقه وموضعه.
لفظتها: طرحتها.
جدعت أنفه - بالجيم - قطعته، وأكثر ما يقال فيه.
المسك - بفتحتين - أسورة من ذيل وعاج، هذا أصله.
المعضد - بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الضاد المعجمة -: الدملج.
الشدق: جانب الفم، بالفتح والكسر، وجمع المفتوح شدوق مثل فلس وفلوس، وجمع المكسور أشداق مثل حمل وأحمال.
الزج - بضم الزاي وبالجيم المشددة -: الحديدة التى في أسفل الرمح.
ذق: فعل أمر.
عقق - بضم العين المهملة وفتح القاف الاولى - معدول عن عاق للمبالغة، كفسق من فاسق، أي ذق القتل يا عاق قومه، كما قتلت يوم بدر من قومك، يعني كفار قريش.(4/279)
شرح غريب أبيات الهندين ذات سعر - بضم السين والعين المهملتين وسكنت العين تخفيفا - أي ذات التهاب.
بكري - بكسر الباء - أي أول أولادي.
شفا الله تعالى المريض يشفيه من باب رمى شفاء، واشتفيت بالعدو وتشفيت به من ذلك، لان الغضب الكامن كالداء إذا زال بما يطلبه الانسان من عدوه، فكأنه برئ من دائه.
الغليل - بالغين المعجمة -: العطش، وهو أيضا حرارة الجوف.
ترم أعظمي - بفوقية مفتوحة فراء مكسورة فميم مشددة - تبلى وتتفتت.
خزيت - بخاء معجمة فزاي مبني للمفعول - والخزي: الذلة والاهانة.
الوقاع - بتشديد القاف -: الكثير الوقوع في الدنايا.
م الهاشميين - بميم مكسورة، وأصله من الهاشميين فحذفت نون من لالتقاء الساكنين، ولا يجوز ذلك إلا في " من "، وحدها لكثرة استعمالها، كما خصت نونها بالفتح إذا التقت مع لام التعريف.
الزهر - بضم الزاي المشددة - أي البيض، واحدها أزهر الحسام - بضم الحاء المهملة -: السيف القاطع.
يفري - بالتحتية المفتوحة والفاء الساكنة - أي يقطع.
رام: طلب.
شيب، أرادت شيبة فرحمته في غير النداء، وهو فاعل رام.
فخضبا - بخاء فضاد معجمتين فألف - من الخضاب.
ضواحي النحر - بضاد معجمة وحاء مهملة - ما ظهر منه.
شرح غريب مقتل عبد الله بن جحش ومصعب رضي الله عنهما حرده - بحاء مفتوحة فراء فدال مهملات -: غضبه.
التركة - بفتح الفوقية وكسر الراء، وبكسر الفوقية وسكون الراء، مثل كلمة وكلمة - وهي ما خلفه الميت.
حنا عليه: أكب.
السوق جمع ساق الانسان.
وهو محمول على نظر الفجاءة، أو كان إذ ذاك صغيرا.
متن - بفتح الميم وسكون الفوقية وبالنون -: الظهر.(4/280)
المروط: تقدم بيانها.
زفر القربة - بالزاي فالفاء فالراء المفتوحات - يزفرها، بالكسر: حملها.
شرح غريب تمثيل المشركين بالقتلى وغريب رجوعهم
التمثيل بالقتيل: تشويه خلقته بجدع، أو قطع من أعضائه.
الجدع - بجيم مفتوحة فدال مهملة ساكنة -: قطع الانف والاذن.
القلائد جمع قلادة بكسر القاف.
تحاجز الفريقان: كف بعضهم عن بعض.
أشرف عليه: وقف على مكان عال.
عرض الجبل - بضم العين -: ناحيته.
يخزيه: يذله ويهينه.
اعل: أمر بالعلو.
ألا: حرف تنبيه واستفتاح.
الايام دول جمع دولة بفتحها، وهي في الحرب أن تدال إحدى الفئتين على الاخرى.
سجال - بكسر السين المهملة وتخفيف الميم - جمع سجل، أي مرة لنا ومرة علينا، وأصله من سجال المستقي بالدلو، وهو السجل يكون لهذا دلوه ولهذا دلوه.
المولى هنا الناصر.
الشأن - بالهمز -: الحال والامر.
أنعمت: قال في الروض: قالوا أي الازلام، وكان استقسم بها حين خروجه إلى أحد فخرج الذي يحب، وقال في الاملاء: " أنعمت " يخاطب نفسه.
ومن رواه " أنعمت " يعني الحرب أو الوقعة.
فعال - بفاء فعين مهملة - قال في العيون: اسم للفعل الحسن.
وقال في الروض: فعال: أمر، أي عال عنها وأقصر عن لومها.
تقول العرب: اعل عني وعال عني بمعنى أي ارتفع عني.
ودعني.
وقال في الاملاء: عال من تعالى.
وعال، أي ارتفع.
وقد يجوز أن تكون الفاء من نفس الكلمة ويكون معدولا عن الفعل، كما عدلوا فجار عن الفجرة، أي بالغت هذه الفعلة، ويعني بها الوقعة.
أنشدك الله - بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين - أي أسألك به.(4/281)
لا سواء.
قال في الروض: أي لا نحن سواء، ولا يجوز دخول لا على اسم معرفة إلا مع التكرار، نحو: لا زيد قائم ولا عمرو خارج، ولكنه جاز في هذا الموضع، لان القصد فيه نفي الفعل، أي لا نستوي.
مثل جمع مثلة.
بدر الصفراء، بالاضافة: بدر تقدمت، والصفراء - بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء تأنيث الاصفر -: قرية فوق ينبع كثيرة النخل والمزارع.
الحول: السنة.
أشفق: حذر وخاف.
الذراري - بالذال المعجمة - جمع ذرية - بضم الذال وبكسرها وبفتحها مع تخفيف الراء.
جنبوا الخيل - بفتح الجيم والنون المخففة وبالموحدة - أي قادوها.
الغارة الاسم من الاغارة، وهي وقع الخيل.
الظعن - بفتح الظاء المعجمة وبالعين المهملة -: الارتحال.
المناجزة في الحرب: المبارزة.
شرح غريب ذكر طلب المسلمين قتلاهم رضي الله عنهم والامر بدفنهم شرعى إليه: أنفذت فيه.
كيف تجدك، أي كيف تجد نفسك.
الرمق - بفتحتين -: بقية الروح.
يخلص إليه - بضم أوله وفتح ثالثه - مبني للمجهول.
عين تطرف: تطبق إحدى جفنيها على الاخر، والمراد وفيكم حياة.
لم يبرح: لم يزل عن مكانه.
يرشفها، بالفاء: يمص ريقها.
بقر بطنة - بالبناء للمفعول - أي شق.
فاء - بالمد -: رجع.
الجثة - بضم الجيم وفتح الثاء المثلثة المشددة - للانسان شخصه إذا كان قاعدا أو نائما، فإن كان منتصبا فهو طلل.(4/282)
شهق: ردد نفسه.
فعول للخيرات: مكثر لفعلها.
يرشفها: بالفاء، يمص ريقها.
السبة - بضم السين المهملة وفتح الموحدة المشددة -: العار.
عاقبتم: جازيتم.
لنربين عليهم - بنون فراء فموحدة فتحتية فنون تأكيد - أي لنزيدن.
المرأة المرأة، بالنصب بفعل محذوف.
توسمت: تفرست.
لكمه: ضربه بكفه.
جلده - بفتح الجيم وسكون اللام وفتح الدال - أي قوية صلبة.
العواثر: جمع عاثر، وهو حباله الصائد.
أو جمع عاثرة وهي الحادثة التي تعثر بصاحبها، من قولهم: عثر بهم الزمان إذا أخنى عليهم.
أكبه الله: ألقاه لوجهه.
النمرة - بفتح النون وكسر الميم -: كساء فيه خطوط بيض وسود تلبسه الاعراب.
الحرمل - بحاء مفتوحة - من نبات البادية له حب أسود، وقيل: حب كالسمسم.
الاذخر - بكسر الهمزة -: حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت.
ظهراني القوم: وسطهم، زيدت الالف والنون على ظهر عند التثنية للتأكيد والمبالغة، وكان معنى التثنية أن ظهرا منهم قدام، وآخر وراءه فهو مكتوف من جانبيه.
هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الاقامة بين القوم مطلقا وإن لم يكن مكتوفا.
الناضح - بنون وضاد معجمة فحاء مهملة -: البعير الذي يستقى عليه الماء، تم استعمل في كل بعير.
النظارة - بتشديد الظاء المعجمة المشالة -: الذين ينظرون إلى العسكر.
الحلة - بضم الحاء المهملة وفتح اللام المشددة - لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد.
اللمة - بالكسر -: الشعر يلم بالمنكب، أي يقرب، والجمع لمام.
أينعت ثمرته - بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح النون بعدها عين مهملة -: أدركت ونضجت.
يهدبها - بفتح التحتية وسكون الهاء وضم الدال المهملة وكسرها، بعدها موحدة - أي يجتنيها ويقطفها.(4/283)
شرح غريب ذكر دعائه صلى الله عليه وسلم بعد الوقعة ورحيله جرحى جمع جريح.
لا يحول: لا يتحول.
العيلة - بفتح العين المهملة وسكون التحتية -: الفقر.
الخزايا: المذلون المهانون.
احتسبي: ادخري أجرك عند الله تعالى.
هنيئا له.
يقال: هنأ الشئ - بالضم مع الهمزة - هناءة بالفتح والمد: تيسر بلا مشقة.
واعقراه، أي أصابه بها ما يعقرها.
ولولت: قالت: يا ويلها.
راعني: أفزعني.
الشغفة - بفتح الشين والغين المعجمتين والفاء -: المحبة.
ذرفت العين ذروفا من باب ضرب: دمعت.
البواكي: جمع باكية.
جلل - بفتح الجيم واللام -: قليل صغير.
نعوا لها - بضم النون والعين مبني للمفعول - أخبرت بقتلهم.
أشوت المصيبة، أي لم تبلغ المقتل.
لا أبالي: لا أهتم ولا أكترث.
عطب - بكسر الطاء -: هلك.
عنان الفرس - بكسر العين -: مقوده.
فاشية: ظاهرة كثيرة.
أغزر ما كان: أكثر.
يقر في داره: يقيم فيها.
عزيمة مني: أمر أوجبته.
ذو الفقار - بفتح الفاء - اسم سيف النبي صلى الله عليه وسلم.
هب - بفتح الهاء والموحدة المشددة -: استيقظ.
ويح: كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة.
فرقا - بفتح الفاء والراء -: خوفا.(4/284)
شرح غريب ذكر إظهار المنافقين واليهود الشماتة وإرادة ابن أبي الخطبة صنع الله لرسوله: هيأ ولطف.
تعوذا من السيف: خوفا منه.
بان لنا أمرهم: ظهر.
الاضغان - بالضاد والغين المعجمتين - جمع ضغن بفتحتين، وهو الحقد.
النكبة - بالفتح - المصيبة.
عزروه: عظموه.
البجر - بموحدة مضمومة فجيم ساكنة فراء -: الامر العظيم والداهية أيضا وروي أيضا هجرا، وهو الكلام القبيح.
اشد أمره: أصوبه وأقومه.
عنفه - بالفاء -: لم يرفق به.
شرح غريب قصيدة حسان رضي الله عنه كنانة - بكسر الكاف - اسم قبيلة.
الحياض جمع حوض.
الضاحية - بالضاد المعجمة -: البارز للشمس.
الطواغي جمع طاغية وهي المتكبر المتمرد، وأراد بأهل القليب هنا من قتل ببدر من المشركين.
ألقيته: رميته.
الناصية: قصاص الشعر.
كنا مواليها، يعني أهل النعمة عليها.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه غسان - بغين معجمة مفتوحة فسين مهملة مشددة - ذكرهم لانهم بنو عم الانصار، والانصار بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، والذين نزلوا الشام بنو جفنة - بفتح الجيم - ابن عمرو بن عامر، والكل غسان، لان غسان ما شربوا منه حين ارتحالهم فسموا به.
خرق (بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وآخره قاف).
متنعنع - بميم مضمومة فمثناة فوقية فنون فعينين مهملتين بينهما نون أخرى ويروى(4/285)
بثلاث تاءات فوقيات - فمن رواه بالنون فمعناه المضطرب، ومن رواه بالتاءات فهو المتردد، يقال: تتعتع في كلامه، إذا تردد فيه.
صحار: جمع صحراء وهي البرية.
الاعلام: الجبال المرتفعة.
القتام هنا: ما مال لونه إلى السواد.
النقع: الغبار.
الهامد: المتلبد الساكن.
تظل: تصير.
البزل - بضم الموحدة وسكون الزاي -: الابل القوية، واحدها بازل.
العراميس - بعين مهملة مفتوحة فراء فألف فميم فتحتية فسين مهملة وزان جواميس -: الناقة القوية على السير.
الرزخ - براء مضمومة فزاي مفتوحة مشددة فحاء مهملة - أي المعيبة.
يمرع - بتحتية فراء مهملة - أي يخصب ويكثر فيه النبات.
الحسرى - بفتح الحاء وسكون السين المهملتين فراء فألف تأنيث - وهي هنا المعيبة.
الصليب - وزن كريم -: الودك.
الموضع - بميم مضمومة فواو فضاد معجمة مشددة مفتوحتين فعين مهملة - أي المبسوط المنفرش.
العين - بعين مهملة مكسورة فتحتية ساكنة فنون -: بقر الوحش.
الارآم - بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الهمزة الثانية وبالميم -: الظباء البيض البطون،
السمر الظهور.
خلفة - بخاء معجمة مكسورة فلام ساكنة ففاء - أي يمشين قطعة خلف قطعة.
القيض - بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فضاد معجمة -: قشر البيض الاعلى.
يتقلع - بتحتية ففوقية فقاف فلام فعين مهملة -: يتشقق.
فخمة - بفاء مفتوحة معجمة - يعني كتيبة عظيمة.
مدربه، يروى بدال مهملة من الدربة يعني أنهم دربوا للقتال، ويروى بالذال المعجمة، يعني محددة، والذرب: الحاد.(4/286)
القوانس - بقاف فواو مفتوحتين فألف فنون مكسورة فسين مهملة - جمع قونس وهي بيضة السلاح.
وقال أبو ذر: رؤوس بيض السلاح.
تلمع: تضئ.
كل صموت، يعني درعا أحكم نسجها، وتقارب حلقها، فلا تسمع لها صوت.
الصوان بكسر الصاد المهملة -: كل ما يصان فيه من الدروع والثياب وغيرها.
النهي - بنون مكسورة وتفتح فهاء فتحتية -: كل موضع يجتمع فيه الماء، وجمعه أنهاء ونهاء.
وقال السهيلي: سمي لان ماءه قد منع من الجريان بارتفاع الارض فغادر السيل فسمي غديرا، ونهته الارض فسمي نهيا.
المترع - بميم مضمومة فمثناة فوقية ساكنة فراء مفتوحة فعين مهملة -: المملوء.
الانباء: الاخبار.
فأقشعوا - بقاف فشين معجمة فعين مهملة فواو -: فروا وزالوا.
يزجي - بتحتية مضمومة فزاي ساكنة فجيم مكسورة -: يسوق.
تورعوا - يروى براء بعد الواو أي ذلوا، ويروى بالزاي - يعني تقسموا.
يهابوا: يحذروا.
ويفظع - بفاء فظاء معجمة فعين -: الشئ الفظيع وهو الهائل المنظر.
وابتنوا: ضربوا أبنيتهم، وهي القباب والاخبية.
العرض - بكسر العين المهملة -: موضع خارج المدينة.
سراة القوم - بفتح السين المهملة والراء -: أخبارهم.
نتطلع - بنون ففوقية فطاء - روي إهمالها، أي لا ننظر إليه إجلالا وهيبة له، ويروى بالظاء المعجمة المشالة، أي لا نتكاسل عن أمره ولا نتوانى فيه، ويروى بالضاد المعجمة الساقطة، أي لا نميل عنه.
تدلى عليه: نزل.
الروح هنا جبريل صلى الله عليه وسلم.
ينزل (بضم أوله وفتح ثانيه وثالثه وتشديده).
الجو: ما بين السماء والارض.
يرفع (بضم أوله).(4/287)
قصرنا - بقاف مفتوحة فصاد مهملة فراء - أي غايتنا.
يشري الحياة: يبيعها.
جهرة: معاينة.
الرحال - بگسر الراء وبالحاء المهملة - جمع رحل وهو المنزل.
ضحيا - بضم الضاد المعجمة وكسر الحاء المهملة وتشديد التحتية - تصغير الضحى.
وهو أول النهار.
البيض - السيوف - جمع بيضة وهي السلاح.
لا تتخشع: لا تخضع ولا تذل.
بملمومة: أي كتيبة مجتمعة.
السنور - بسين مهملة مشددة فنون فواو مشددة مفتوحات فراء -: السلاح.
القنا: الرماح.
أقدامها: جمع قدم.
لا تورع - بمثناة فوقية فواو فراء مهملة وروي إعجامها مشددة مفتوحات فعين مهملة - فعل الاهمال معناه لا تكف، وعلى الاعجام معناه لا تفترق.
الحاسر - بحاء وسين مهملتين - وهو هنا الذي لا درع عليه.
المقنع الذي على رأسه المغفر.
النصية - بنون مفتوحة فصاد مهملة مكسورة فتحتية مفتوحة مشددة -: الخيار من القوم.
نعاورهم، يقال: تعاور القوم إذا تناوبوا.
نشارعهم: نشاربهم.
نشرب: نشرب.
تهادى - بفتح الفوقية والدال المهملة -: تمايل بين رجلين معتمدا عليهما، من ضعفه وتمايله.
النبع - بنون مفتوحة فموحدة -: شجر تصنع منه القسي.
اليثربي: الاوتار تنسب إلى يثرب.
المقطع - بضم الميم وفتح القاف وتشديد الطاء المهملة -: المقطوع.(4/288)
منجوفة - بميم مفتوحة فنون ساكنة فجيم فواو ففاء - أي مقشورة منحوتة.
حرمية: منسوبة إلى أهل الحرم، يقال: رجل حرمي، إذا كان من أهل الحرم.
صاعدية: منسوبة إلى صانع اسمه صاعد.
تصوب: تقع.
الاعراض: الجوانب.
البصار - بكسر الموحدة -: حجارة تشبه الكدان.
تقعقع، بحذف التاء، أي تصوت.
الفضاء - بالفاء - أي متسع من الارض.
الصبا - بفتح الصاد المهملة - الريح الشرقية.
القرة - بفتح القاف والراء المشددة -: البرد.
يتريع - بتحتية ففوقية فراء فتحتية مشددة مفتوحات فعين مهملة - أي يجئ ويذهب.
الرحى: معظم موضع القتال فيها.
حمه الله - بفتح الحاء المهملة والميم المشددة -: قدره.
سراتهم - بفتح السين المهملة - خيارهم.
القاع: المنخفض من الارض.
خشب - بضم الخاء وسكون الشين المعجمتين -: جمع خشبة.
لدن: ظرف مكان بمعنى عند.
غدوة: ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس.
الذكا - بالذال المعجمة المفتوحة -: الالتهاب في الحرب.
تلفع - بتشديد الفاء - أي يشتمل حرها على من دنا منها.
موجفين - بفتح الجيم وكسر الفاء - أي مشرعين.
الجهام - بفتح الجيم والهاء -: السحاب الرقيق الذي ليس فيه ماء.
هراقت: أراقت، أي صبت.
مقلع (بضم الميم).
بيشة - بموحدة مكسورة فتحتية فشين معجمة -: واد من أودية تهامة تنسب إليه الاسود.(4/289)
الذمار - بذال معجمة مكسورة -: ما يجب على الرجل أن يحميه.
جلاد - بكسر الجيم - وهو هنا جمع جليد وهو الصبور.
ريب الحوادث: صروفها.
لا نعيا بشئ نقوله: لا نقول خلاف البيان.
بفحش (بضم الفاء وفتح الحاء المهملة المشددة).
أظفار الحرب: [ أي ويلاتها ] الشهاب: القطعة من النار.
فخرت علي (بتشديذد الياء).
ابن الزبعرى (بفتح نون ابن وكسر الزاى).
يسفع - بتحتية مفتوحة فسين ساكنة فعين مهملتين -: يحرق ويغير يقال: سفعته النار إذا غيرت لونه.
متبع (بضم الميم وسكون الفوقية المخففة وكسر الموحدة).
سل عنك: سل عن نفسك.
عليا معد: أشرافها، ومعد: اسم قبيلة.
أشنع: أقبح.
خده - بفتح الخاء المعجمة - المراد هنا شخصه.
أضرع - بضاد معجمة فراء فعين مهملة -: ذليل.
يقال: أضرعته الحاجة، إذا أذلته.
حول الله: قوته وعونه.
شرع - بضم الشين المعجمة وفتح الراء المشددة -: مائلة المطعن، يقال: أشرعت الرمح قبله، إذا أملته إليه.
نكر (بفتح النون وضم الكاف والراء المشددة).
الفروغ - بفاء فراء مضمومة فواو ساكنة فعين معجمة - هي هنا الطعن المتسع.
العزالي - بفتح اللام وكسرها - جمع عزلاء وهو فم المزادة أو السقاء.
يتهزع - بتحتية ففوقية فهاء فزاي، ويروى بالراء، مفتوحات فعين مهملة.
فالبزاي معناه يتقطع، وبالراء معناه يتفرغ ويسرع سيلانه.
الجذم - بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة -: الاصل.(4/290)
شرح غريب قصيدته اللامية رضي الله عنه الالباب: العقول واحدها لب.
سراة القوم - بفتح أوله وثانيه - خيارهم.
القيل - بكسر القاف - والقول واحد، وقيل، القول المصدر، والقيل الاسم.
لقاح الحرب: زيادتها ونموها.
أصدى اللون بالهمزة وخففه هنا، والاصدأ: الذي لونه بين السواد والحمرة.
مشغول - بميم فشين معجمة، فعين روي إعجامها وإهمالها، فالأول معلوم، والثاني معناه متقد متلهب.
يراح - بمثناة تحتية مضمومة وبالراء والحاء المهملتين -: يفرح ويهتز.
عرج: جمع أعرج.
الضباع: جمع ضبع: حيوان معروف يوصف بالعرج وليس به عرج.
خذم - بخاء معجمة روي فتحها وضمها فذال معجمة - فعلى الفتح هو مصدر بمعنى القطع، وعلى الضم معناه قطع اللحم.
رعابيل - بفتح الراء والعين المهملة وكسر الموحدة -: متقطعة.
نمريها: نستدرها.
ننتجها من النتاج.
الاضغان: العداوات، واحدها ضغن.
التنكيل: الزجر المؤلم.
التراقي: عظام الصدر.
ببطن السيل، أي الوادي.
كافحكم: واجهكم.
شاكلة البطحاء: طرفها.
والبطحاء: الارض السهلة.
الترعيل - بمثناة فوقية فراء فعين مهملة فتحتية فلام -: الضرب السريع.
العصب - بضم العين وفتح الصاد المهملتين - جمع عصبة، وهي من الناس، قال ابن فارس: نحو العشرة.
وقال أبو زيد: العشرة إلى الاربعين.
الهيجا: الحرب.(4/291)
السرابيل - بفتح السين - جمع سربال بكسرها: الدرع هنا.
الجذم (بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة) [ تقدم شرحه ].
غسان: تقدم بيانه.
الحمائل هنا حمائل السيوف.
جبناء - بضم الجيم وفتح الموحدة وبالنون والمد جمع جبان، وهو الضعيف القلب.
الميل - بكسر الميم وسكون التحتية - جمع أميل، وهو الذي لا ترس له، وقيل: الكسل الذي لا يحسن الركوب والفروسية.
المعازيل - بميم مفتوحة فعين مهملة فزاي مكسورة فتحتية - وهم الذين لا رماح معهم.
عمايات القتال -: ظلماته، وتروى غيابات، بغين معجمة وتكرير التحتية، أي سحابات.
المصاعبة - بفتح الميم وفتح الصاد وكسر العين المهملتين وفتح الموحدة - جمع
مصعب، وهو الفحل من الابل.
الادم من الابل: البيض.
المراسيل: التي يمشي بعضها في إثر بعض.
الطل - بفتح الطاء المهملة وتشديد اللام -: المطر الضعيف هنا.
ألثقها - بثاء مثلثة فقاف - أي بلها.
الرذاذ - براء فذال فألف فذال معجمتين - وهو المطر الضعيف.
الجوزاء: اسم لنجم معروف.
مشمول - بالشين المعجمة - اسم مفعول أي، هبت فيه ريح الشمال.
السابغة - بسين مهملة وموحدة وغين معجمة -: الدرع الكاملة هنا.
النهي - بنون مكسورة فهاء ساكنة فتحتية -: الغدير من الماء.
قيامها: ملاك أمرها ومعظمها.
فلج - بفتح الفاء واللام وبالجيم -: نهر.
البهلول - بضم الموحدة -: الابيض.
قران النبل - بكسر القاف جمع قرن بفتح القاف والراء -: الجعبة.
خاسئة: ذليلة.(4/292)
مفلول - بالفاء -: مثلوم.
قذفتم - رميتم.
سلع - بفتح السين المهملة وسكون اللام - اسم جبل متصل بالمدينة.
تأجيل: أجل.
وتر منكم: قتل.
تعفو: تدرس وتتغير.
السلام - بكسر السين المهملة -: الحجارة.
مطلول - بالطاء المهملة - أي لم يؤخذ بثأره.
موبق - بالموحدة بعد الواو -: مهلك.
القنص - بالقاف والنون والصاد المهملة -: الصيد.
شطر المدينة - بالمعجمة والمهملة: - نحوها وقصدها.
العزل - بضم العين المهملة وسكون الزاي -: الذين لا رماح لهم.
شرح غريب قصيدة حسان اللامية رضي الله عنه يجيب ابن الزبعرى - بكسر الزاي وبفتح الموحدة وسكون العين المهملة وفتح الراء وآخره ألف تأنيث - وأسلم بعد ذلك.
العلل - بفتح العين المهملة واللام الاولى - الشرب ثانيا.
النهل - بفتحتين -: الشرب الأول حتى يروى.
الاصبح: كذا في النسخ التي وقفت عليها من السيرة، بصاد مهملة فموحدة فحاء مهملة.
وفي نسخة أبي ذر " الاضياح "، بضاد معجمة فتحتية: قال في الروض: يريد الضيح وهو اللبن الممزوج بالماء وهو في معنى الاصبح، لان الصبحة بياض غير صالح فجعله وصفا للبن الممزوج المخرج من بطونهم.
الاستاه - بهمزة مفتوحة فسين مهملة ساكنة ففوقية فألف فهاء - جمع است وهو الدبر.
النيب - بنون مكسورة فتحتية ساكنة فموحدة - جمع ناب، وهي الناقة المسنة.
العصل - بفتح العين والصاد المهملتين - نبات تأكله الابل فتسلح إذا أكلته فيخرج منها أحمر.
أشباه الرسل - بكسر الراء وفتح الشين المهملة - قال أبو ذر: الابل الرسل: التي بعضها في إثر بعض.
وقال بعض اللغويين: الرسل: الجماعة من كل شئ.
وقال السهيلي: الرسل: الغنم إذا أرسلها الراعي، يقال لها حينئذ الرسل.(4/293)
فأجأناكم: ألجأناكم ومنه قوله تعالى: (فأجاءها المخاض) [ مريم 23 ] أي ألجأها وفي رواية فأجأناهم.
سفح الجبل: جانبه المقارب لاصله.
الخناطيل - بخاء معجمة مفتوحة فنون فألف فطاء مهملة فتحتية فلام -: الجماعات.
الامذاق - بالذال المعجمة -: الاخلاط من الناس هنا، ومن رواه الاشداق - بالشين المعجمة - فهي الاشخاص، ومن رواه كجنان يعني به الجن.
الملا - بالقصر - المتسع من الارض.
يهل: قال أبو ذر: أي يرتاع، من الهول وهو الفزع.
وقال السهيلي: أراد فيهال ثم جزم للشرط فانحذفت الالف لالتقاء الساكنين، وهو من الهول، يقال: هالني الامر يهولني هولا إذا أفزعك.
نجزعه - بنون فجيم فزاي فعين مهملة فهاء ضمير الغائب: أي نقطعه، وفي رواية: نفرعه - بنون فراء.
الفرط - بفتح الفاء وسكون الراء وبالطاء المهملة - وهو هنا: ما علا من الارض.
قاله أبو ذر.
وفي الروض: الفرط - بتحريك الراء - وهي الاكمة وما ارتفع من الارض.
الرجل - بكسر الراء المشددة وفتح الجيم هنا - جمع رجلة وهو المطمئن من الارض.
أيدوا جبريل أراد أيدوا بجبريل فحذف حرف الجر وعدى الفعل.
الجحجاح - بجيمين بينهما حاء مهملة - وهو السيد وجمعه جحاجحة وجحاجح.
رفل - براء مكسورة ففاء مفتوحة - وهو الذي يجر ثوبه خيلاء.
التنابيل - بالفوقية والنون المفتوحين وبعد الالف موحدة فتحتية -: القصار ومن رواه القنابيل - بالقاف بدل الفوقية - فهو جمع قنبلة وهي القطعة من الخيل.
الهبل - يروى بضم الهاء والموحدة أي الذين ثقلوا لكثرة اللحم عليهم، ومنه يقال:
رجل مهبل، إذا كثر لحمه.
ويروى بفتحهما، وبضم الهاء وفتح الموحدة.
الهمل - بفتح الهاء والميم -: الابل المهملة، وهي الابل التي ترسل في المرعى بلا راع.
ولد - بضم الواو وسكون اللام - جمع ولد، كما يقال: أسد وأسد.
ولد استها: كلمة تقولها العرب عند السب، تقول: يا بن استها.(4/294)
شرح غريب قصيدة حسان الحائية رضي الله عنه الشجو - بفتح الشين المعجمة -: الحزن.
الحاملات الوقر - بكسر الواو -: الحاملات الحمل من الماء.
الملحات: الثابتات التي لا تبرح.
يقال: لح الجمل.
الدوالح جمع دالحة: المثقلة.
وقال أبو ذر: التي تحمل الثقل.
المعولات - بضم الميم وسكون العين المهملة -: الباكيات بصوت.
الخامشات: الخادشات.
الانصاب: حجارة كانوا يذبحون لها ويطلونها بالدماء.
بادية: ظاهرة.
المسايح - بسين وتحتية وحاء مهملة - جمع مسيحة، وهي ما لم يمشط من الشعر يدهن ولا غيره.
وقال أبو ذر: ذوائب الشعر.
شمس - بشين معجمة مضمومة فميم ساكنة فسين مهملة - جمع شموس، أي نوافر.
روامح، أي ترمح بأرجلها، أي تدفع عنها.
مجزور: مذبوح.
يذعذع - بذالين معجمتين وعين مهملة - أي يفرق.
البوارح: الرياح الشديدة.
مسلبات - بفتح اللام وكسرها وتشديدها - أي اللائي لبسن ثياب الحزن، وروي بتخفيف اللام، والمعنى كذلك.
الكوادح هنا نوائب الدهر.
مجل - بالميم والجيم.
قال في الاملاء: أي جرح فيه ماء.
وقال السهيلي: كالجرح: يقال: مجلت يدي من العمل.
جلب - بجيم مضمومة فلام مفتوحة جمع جلبة، وهي قشرة الجرح التي تكون عند البرء.
قوارح - بالقاف -: موجعة.
أقصد: أصاب.
الحدثان: حادث الدهر.(4/295)
نشايح - بنون مضمومة فشين معجمة فألف فتحتية فحاء مهملة - أي نحذر.
غالهم - بغين معجمة -: أهلكهم.
ألم - بتشديد الميم - نزل.
المسالح - بسين وحاء مهملتين -: القوم الذين يقدمون طليعة للجيش واشتقاقه من لفظ السلاح.
صر - بصاد مهملة فراء مشددة - فعل ماض مبني للمفعول.
اللقائح جمع لقحة، وهي الناقة التي لها لبن، والمعنى ما ربطت أخلافها ليجتمع فيها اللبن، وخوفا على الفصيل أن يرضعها.
المناخ - المنزل.
تلامح: تنظر بعينها نظرا سريعا ثم تغمضها.
ينوب: ينزل.
اللاقح من الحروب: التي ترايد شرها.
المدره - بميم مكسورة فدال مهملة ساكنة فراء فهاء -: المدافع عن القوم بلسانه ويده المصامح، بميم فصاد مهملة فألف فميم ويروى بالفاء بدلها، فحاء مهملة، فعلى الأول معناه المدافع الشديد، وعلى الثاني معناه الراد للشئ.
وتقول: صفحته عن حاجته، أي رددته عنها.
عنا (بعين مهملة فنون مشددة).
الفادح - بفاء ودال فحاء مهملتين -: الامر العظيم.
الشريفون جمع شريف.
الجحاجح: تقدم الكلام عليه.
القماقم - بقافين -: السادة.
سبط اليدين، يعني جوادا، ويقال في البخيل جعد اليدين.
أغر - بغين معجمة فراء -: أبيض.
واضح: مضئ مشرق.
الطائش: الخفيف الذي ليس له وقار.
رعش - بفتح الراء -: جبان.(4/296)
الآنح - بكسر النون وبالحاء المهملة -: البعير الذي إذا حمل الشئ الثقيل أخرج من صدره صوت المعتصر.
السيب - بفتح السين المهملة -: العطاء.
المنادح - بفتح الميم وكسر الدال وبالحاء المهملتين -: الاتساع.
وقال السهيلي: يجوز أن يكون جمع مندوحة وهي السعة، وقياسه مناديح بالياء وحذفها ضرورة، ويجوز أن يكون من الندح فيكون مفاعلا بضم الميم، أي مكاثرا، ويكون بفتح الميم فيكون جمع
مندوحة وهي السعة مفعلة من الكثرة والسعة.
انتهى.
ويروى: المنائح، وهي العطايا.
أودى - بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الدال المهملة -: هلك.
الحفائظ جمع حفيظة، وهي الغضب.
المراجح: الذين يزيدون على غيرهم في الحلم.
المشاتي: جمع مشتاة - بفتح الميم - بمعنى المشتى.
ما يصفقهن - بصاد مهملة ففاء مشددة مكسورة فقاف فهاء فنون مشددة - أي ما يحلبهن مرة واحدة في اليوم، ويروى بضاد معجمة بدل المهملة أي ما يحلبهن بجميع الكف.
وأراد ما يصفق فيهن، فحذف حرف الجر وأوصل الفعل.
وحكى الفراء أن العرب تقول: أقمت ثلاثا لا أذوقهن طعاما، أراد لا أذوق فيهن.
الناضح هنا: الذي يشرب دون الري.
الجلاد - بكسر الجيم هنا - الابل القوية.
الشطب - بضم الشين المعجمة وفتح الطاء المهملة -: الطرائق في السيف.
الضغن - بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين -: العداوة.
المكاشح: المعادي.
لهفي: حزني.
الشبان (بضم المعجمة وتشديد الموحدة).
الشم: جمع الاشم، وهو الاعز.
البطارقة - بكسر الموحدة -: الرؤساء.
الغطارفة: السادة.
الخضارمة جمع خضرم: الذين يكثرون العطاء.(4/297)
المسامح: الاجواد.
الجامزون - بالجيم والزاي - أي الواثبون.
يقال: جمز.
إذا وثب.
اللجم - بالجيم - جمع لجام.
ما إن تزال: بزيادة " إن ".
الركاب هنا: الابل.
يرسمن من الرسيم، وهو ضرب من السير.
غبر " بضم الغين المعجمة وسكون الموحدة ".
الصحاصح جمع صحصح: الارض المستوية.
البواقر، يروى بالموحدة قبل الواو، أي الداوهي، وبالنون بدلها، أي غوائل الدهر التي تنقر عن الانسان، أي تبحث عنه.
راحت: سارت.
تبارى: أي تتبارى، حذفت تاؤه الاولى، أي تتعارض.
رواشح: ترشح بالعرق.
تؤوب: ترجع.
الفوز - بفاء فواو فزاي - النجاة والظفر بالخير، والهلاك، ضد يقال: فاز: مات، وبه ظفر، ومنه: نجا.
السفائح جمع سفيح وهو من قداح الميسر.
وقال السهيلي: السفائح جمع سفيحة وهي كالجوالق ونحوه.
شذبه - بفتح الشين والذال المشددة المعجمتين - أي أزال أغصانه.
الكوافح: الذين يتناولونه بالقطع.
المكور - بالواو والراء -: الذي بعضه فوق بعض.
الصفائح: الحجارة العريضة.
الجندل: الحجارة.
الضرح: الشق، وأراد شق القبر، ومنه سمي القبر ضريحا.
المماسح: ما يمسح به التراب.
البرح: الامر الشاق.(4/298)
الجانح: المائل إلى جهة.
النوافح - بنون وفاء وحاء مهملة -: الذين كانوا ينفحون بالمعروف ويسمعون به.
المائح -: الذي ينزل في البئر فيملا الدلو إذا كان ماؤها قليلا.
والماتح - بالفوقية -: الذي يجذب الدلو إليه، ضربها مثلا للقاصدين له الذين ينتجعون معروفه.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه السفح: جانب الجبل مما يلي أصله.
النمر بفتح النون وكسر الميم، ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم، والجمع نمور وأنمار، وهو ضرب من السباع.
ما إن - بكسر الهمزة وسكون النون - " ما " نافية و " إن " زائدة.
الال - بكسر الهمزة وتشديد اللام -: العهد هنا.
حامي الذمار - بكسر الذال المعجمة - أي حامي ما تجب حمايته، سمي ذمارا لانه يجب على أهله التذمر له.
الجد (بفتح الجيم).
الحسب - بفتحتين -: ما يعد من المآثر.
ثم - بضم الثاء - حرف عطف، ويجوز فتح الثاء، أي هناك.
التبب والتباب: الخسران.
النجد هنا الشجاع.
معتزم - بالزاي - والاعتزام: لزوم القصد في المشي.
الرجف - بالراء والجيم والفاء -: التحرك.
الرعب: الفزع، يقال: رعب، بضم الراء والعين، وبضم الراء وسكون العين.
يذمرنا: يحضنا.
لم يطبع - بالبناء للمفعول -: لم يخلق.
بدا لنا: ظهر وتبين.
جالوا: تحركوا.
فاءوا: رجعوا.(4/299)
نثفنهم: يأتي الكلام عليه في شرح قصيدة كعب الدالية.
لم نأل: لم نقصر.
شتى: متفرقون.
شرح غريب قصيدة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه العويل: البكاء مع الصوت.
أبو يعلى كنية حمزة رضي الله عنه.
الماجد: الشريف.
البر - بفتح الموحدة -: الصادق، أو التقي.
الوصول (بفتح الواو والصاد المهملة).
مصطبر: أصله مصتبر فقلبت التاء طاء.
لؤي - بضم اللام - تقدم في النسب النبوي.
دائلة تدول، أي دولة في الحرب بعد دولة.
الغليل - بالغين المعجمة -: حرارة العطش والحزن.
القليب: تقدم في بدر.
الصريع (بصاد وعين مهملتين).
حائمة - بحاء مهملة فتحتية -: مستديرة، يقال: حام الطائر حول الماء، إذا استدار حوله.
تجول - بالجيم -: تجئ وتذهب.
خرا - بفتح الخاء المعجمة والراء المشددة وضمير تثنية -: سقطا.
متركنا: تركنا.
مجلعبا - بميم مضمومة فجيم ساكنة فلام مفتوحة فعين مهملة مكسورة فموحدة مشددة - أي ممتدا مع الارض.
الحيزوم - بحاء مهملة مفتوحة فياء تحتية ساكنة فزاي فواو فميم -: أسفل الصدر.
اللدن - بلامين ودال مهملة -: الرمح اللين.
نبيل: عظيم.(4/300)
الهام جمع هامة، وهي من الشخص رأسه.
فلول: ثلوم.
الواله: الفاقد العقل من الحزن.
العبرى: الكثيرة الدمعة.
الهبول - بفتح الهاء -: الفاقد العقل من الحزن أيضا.
شرح غريب قصيدة حسان رضي الله عنه عفا - بفتح العين المهملة والفاء -: درس.
الرسم - بفتح الراء وسكون السين المهملة -: الاثر، وهو هنا منصوب، مفعول عفا، والفاعل قوله: صوب - بفتح الصاد المهملة وإسكان الواو وبالموحدة -: المطر.
المسبل - بضم الميم وإسكان السين المهملة وكسر الموحدة وآخره لام -: المطر
السائل.
الهاطل - بطاء مهملة -: الكثير السيلان.
السراديح - بسين مهملة مفتوحة فراء فألف فدال مهملة فتحتية فحاء مهملة -: جمع سرادح، وهو الوادي، وقيل: المكان المتسع.
أدمانة: اسم موضع.
المدفع حيث يندفع السيل.
الروحاء - بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة: قرية جامعة، على ليلتين من المدينة.
حائل - بحاء مهملة -: اسم جبل.
استعجمت: لم ترد جوابا.
مرجوعة السائل، أي رجوع الجواب.
النائل - بنون وتحتية بعد الالف -: العطاء.
المالئ - بهمزة في آخره - اسم فاعل.
الشيزى - بشين معجمة مكسورة فتحتية ساكنة فزاي فألف مقصورة -: جفان من خشب وقيل: القطعة من خشب الجوز.
أعصفت: اشتد هبوبها.(4/301)
الغبراء - بفتح الغين المعجمة وإسكان الموحدة -: الريح التي تثير الغبار.
الشبم - بشين معجمة فموحدة مفتوحتين فميم -: البرد، وبكسر الموحدة - البارد.
الماحل - بحاء مهملة مكسورة - من المحل، وهو القحط.
القرن - بكسر القاف وإسكان الراء وبالنون - الكفء في الشجاعة، وفتحها ظاهر، ويجوز كسرها.
اللبد - بلامين - وهو هنا لبد السرج، ويروى لبدة، بزيادة تاء، وهو الغبار الملبد.
ذو الخرص (بخاء معجمة مضمومة، فراء ساكنة وتضم، فصاد مهملة).
قال في الصحاح: ما على الجبة من السنان، وربما سمي الرمح بذلك، والجبة بضم الجيم والموحدة: ما دخل فيه الرمح من السنان.
وقال في العيون: الخرص: الرمح القصير، والجمع خرصان.
وقال السهيلي: الخرص: سنان الرمح.
الذابل - بذال معجمة فألف فموحدة فلام -: الرقيق الشديد، من قولهم: ذبل الفرس إذا ضمر.
اللابس الخيل (بكسر اللام وفتحها).
أجحمت: يروى بجيم فحاء مهملة، وبتقديم المهملة على الجيم، والمعنى فيها: تأخرت وهابت.
وبعضهم يقول بتقديم الجيم معناه: تأخرت وهابت، وبتقديم الحاء إذا تقدمت.
قال أبو ذر: والأول هو المشهور ومدلولهما واحد.
الليث - بلامين وتحتية وثاء مثلثة -: الاسد.
الغابة: موضعه، وهو الشجر الملتف.
الباسل: الكريه الشديد.
الذروة - بكسر الذال المعجمة وضمها -: الاعلى.
لم يمر - بفتح التحتية وسكون الميم وكسر الراء - مراه: جحده، كذا في الصحاح والعيون.
وقال في الاملاء: من المراء وهو الجدال.
شلت (بشين معجمة فلام مشددة فتاء تأنيث).
وحشي (بترك التنوين للضرورة).
غادر: ترك.
ألة - (بفتح الهمزة واللام المشددة).
قال الخشني: حربة لها سنان طويل.
وقال في الصحاح: الحربة في نصلها عرض، والجمع الال بالفتح، وإلال مثل جفنة وجفان.(4/302)
المطرورة.
قال الخشني: المحددة، وفي العيون: سنان طرير: ذو هيئة حسنة.
مارنة: لينة.
العامل - بالعين المهملة والميم المكسورة وباللام -: أعلى الرمح.
الفقدان: الفقد.
الناصل - بالنون والصاد المهملة المكسورة -: الخارج، وهو هنا الخارج من السحاب.
يقال: نصل القمر من السحاب، إذا خرج عنه.
صلى عليه الله، الصحيح الذي عليه الاكثرون أن الصلاة على غير الانبياء من الال والاصحاب وغيرهم تجوز بطريق التبع.
قال في الشفاء: عامة أهل العلم متفقون على جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم.
مكرمة (بفتح الراء).
نرى - بضم النون - نظن ونعتقد.
حرزا: حافظا.
ذا، بمعنى حافظ.
تدرأ، أي مدافعة يقال: دارأه، إذا دافعه.
العبرة: الدمعة.
الثاكل - بالمثلثة -: الفاقد.
قطه - بقاف مفتوحة فطاء مهملة مشددة فهاء ضمير غيبة - أي قطعه.
الرهج: الغبار.
الجائل - بالجيم.
ذاهبا وراجعا.
خر: سقط.
المشيخة - بفتح الميم والتحتية -: اسم جمع للشيخ، وجمعها مشايخ.
العاتي: المتجبر الذي خرج عن الطاعة.
أرداهم: أهلكهم.
الاسرة - بضم الهمزة: القرابة.
الحلق: الدروع.
الفاضل: الذي يفضل منه وينجر على الارض.(4/303)
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه المسهد - بكسر الهاء المشددة - اسم فاعل: القليل النوم، وأراد هنا الرقاد.
وقال السهيلي: مسهد صاحبه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وهو الضمير المجرور فصار الضمير مفعولا لم يسم فاعله فاستتر في المسهد.
وقال الخشني: أراد بالرقاد رقادا مسهدا على وجه المجاز.
سلخ - بضم السين المهملة - كذا في نسخة أبي ذر، وفي النسخ التي وقفت عليها من السيرة.
سلب - بضم المهملة وكسر اللام وفتح الموحدة - والسلب: الاخذ.
الاغيد - بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة -: الناعم.
ضمرية: منسوبة إلى ضمرة وهي قبيلة.
غوري: منسوبة إلى الغور، وهو المنخفض من الارض.
منجد -: منسوب إلى نجد، وهو المرتفع من الارض.
السادر - بسين فألف فدال فراء مهملات -: المتحير الذي لا يهتم ولايبالي ما صنع.
تفند - بضم الفوقية وسكون الفاء وكسر النون -: تلوم وتكذب.
والفند أيضا: الكلام الذي لا يعقل.
يقال:: أفند الشيخ، إذا خرف وتكلم بما لا يعقل.
أنى الشئ - بفتح الهمزة والنون وآخره ألف -: حان وقته.
تناهى - بحذف إحدى التاءين - أي تتناهى.
هددت - بضم الهاء وكسر الدال - مبني للمفعول والتاء للمتكلم.
هدة (بفتحات والدال مشددة).
ظلت (بفتح الظاء المعجمة المشالة وسكون التاء).
بنات الجوف - بالجيم والواو والفاء -: القلب وما اتصل به من كبده وأمعائه، وسماها بنات الجوف، لان الجوف يشتمل عليها.
ترعد: (بفتح الفوقية وسكون الراء وفتح العين المهملة).
حراء: اسم جبل، وتقدم الكلام عليه في شرح حديث بدء الوحي.
الراسي: الثابت.
القرم - بفتح القاف وسكون الراء -: الفحل.(4/304)
ذؤابة هاشم: عاليها.
الندى - بفتح النون - مقصورا -: الجود والسخاء.
السؤدد: من ساد قومه يسودهم سيادة وسؤددا، فهو سيدهم وهم سادة.
العاقر الكوم: بضم الكاف ويجوز نصب الميم وجرها جمع كوماء، وهي العظيمة السنام من الابل.
الجلاد - بجيم ولام ودال مهملة ككتاب - جمع جلدة، بفتح الجيم وسكون اللام، قال في العيون: أوسم الابل لبنا.
وقال الخشني: الجلاد: القوية.
وقال في القاموس: الابل الغزيرة اللبن كالمجاليد، وما لا لبن لها ولا نتاج.
انتهى.
والمراد هنا ما صدر به أولا.
يجمد - بضم الميم - ضد يذوب.
القرن: تقدم في التي قبل هذه.
الكمي - بفتح الكاف وكسر الميم وتشديد التحتية - هو الشجاع المتكمي في
سلاحه لانه كمى نفسه، أي سترها بالدرع والبيضة، والجمع الكماة، كأنه جمع كام مثل قاض وقضاة، وهو صفة للقرن.
مجدلا: مطروحا على الجدالة، وهي الارض.
القنا - بقاف مفتوحة فنون - جمع قناة، وهي الرمح.
يتقصد - بفتح القاف والصاد المهملة المشددة - أي يتكسر.
يرفل - بفتح أوله وضم الفاء - وفيه لغة أخرى تأتي، يقال: رفل - بفتح الفاء - في ثيابه، إذا أطالها وجرها متبخترا.
ذو لبدة - بكسر اللام وسكون الموحدة - يعني أسدا، وهي الشعر المترسل من كتفيه.
شثن - بشين معجمة مفتوحة فثاء ساكنة فنون - أي خشن.
البراثن - بموحدة مفتوحة فراء فألف فثاء مثلثة مكسورة فنون - جمع برثن، وهو من السباع والطير بمنزلة الاصابع من الانسان.
أربد - بالراء الموحدة والدال -: أغبر يخالطه سواد.
معلما - بضم الميم وسكون العين وكسر اللام - أي مشهرا نفسه بعلامة يعرف بها في الحرب.
المستشهد - بفتح الهاء - اسم مفعول.(4/305)
إخال بكسر الهمزة على الافصح، وبنو أسد يفتحونها وهو القياس، أي أظن.
هند: هي بنت عتبة.
لتميت: مضارع أمات.
الغصة - بغين معجمة مضمومة فصاد مهملة -: ما يختنق به.
صبحنا - بتخفيف الموحدة - أي جئناهم صباحا.
العقنقل - بعين مهملة فقاف فنون فلام -: الكثيب من الرمل، وتقدم في غزوة بدر،
وكعب أشار إليها.
سراتهم - بفتح السين المهملة وتخفيف الراء -: الاشراف والسادة، جمع سري.
والسرور: السخاء مع مروءة.
العطن: مبرك الابل حول الماء.
المعطن: الذي قد عود أن يتخذ عطنا.
عتبة بن ربيعة: والد هند، قتل كافرا ببدر.
الاسود، أي ابن عبد الاسد، قتله حمزة في بدر.
ابن المغيرة هو أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة.
الوريد: عرق، قيل: هو الودج وقيل: بجنبه.
رشاش - بفتح الراء -: ما ترشش من الدم.
أمية، أي ابن خلف الجمحي (بضم الجيم وفتح الميم وبالحاء المهملة).
عضب - بعين مهملة فضاد معجمة ساكنة فموحدة - السيف، وعضبه، قطعه.
مهند بوزن محمد، وهو السيف المصنوع من حديد الهند.
الفل - بفتح الفاء واللام المشددة -: المنهزم.
ثفنهم - بثاء مثلثة ففاء فنون - قال ابن القوطية: ثفن الرجل - أي بفتح الثاء والفاء - ثفنا: طرده.
وثفن الكتيبة: طردها.
وقال السهيلي: ثفنهم: تبع آثارهم، وأصله من ثفنات البعير، وهو ما حول الخف منه.
شتان، قال في القاموس: شتان بينهما وينصب، وما هما، وما بينهما، وما عمرو وأخوه، أي بعد ما بينهما، وتكسر النون مصروفة عن شتت.
ا ه.
ومنع الاصمعي شتان ما بين زيد وعمرو.
وقال ابن مالك في شرح التسهيل: والصحيح الجواز، لسماعه.(4/306)
شرح غريب أبيات صفية رضي الله عنها الاعجم: الذي لا يفصح.
الصبا: الريح الشرقية.
المدره - بكسر الميم وسكون الدال المهملة وفتح الراء -: الذي يدفع عن القوم.
يذود: يدفع ويمنع.
الشلو - بكسر الشين المعجمة وسكون اللام -: البقية.
أضبع: جمع ضبع: حيوان معروف.
تعتادني: تتعاهدني.
النعي - بنون مفتوحة فعين مهملة مكسورة فتحتية مشددة، وروي ضمها، وعليه فهو الذي يأتي بخبر الميت، وروي بفتحها، وعليه فهو النوح والبكاء بصوت.(4/307)
الباب الرابع عشر في غزوة حمراء الاسد
اختلفوا في سببها، فقال ابن إسحاق ومتابعوه: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرهبا للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم، ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.
وقال موسى بن عقبة، ومحمد بن عمر الاسلمي: السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن أبا سفيان وأكثر من معه يريدون أن يرجعوا ليستأصلوا من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينئذ حث رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على الخروج في طلب العدو.
ويؤيد هذا ما رواه الفريابي والنسائي والطبراني بسند صحيح، عن ابن عباس قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم، ارجعوا.
فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فندب المسلمين، فانتدبوا.
وذكر الحديث.
قال محمد بن عمر: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أحد، يوم السبت، باتت وجوه
الاوس والخزرج على بابه خوفا، من كره العدو، فلما طلع الفجر من يوم الاحد أذن بلال، وجلس ينتظر خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يطلب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خرج قام إليه وأخبره أنه أقبل من أهله، حتى إذا كان بملل (1) إذا قريش قد نزلوا، فسمع أبا سفيان وأصحابه يقولون: ما صنعتم شيئا، أصبتم شوكة القوم وحدهم ثم تركتموهم ولم تبيدوهم، فقد بقي فيهم رؤوس يجمعون لكم، فارجعوا نستأصل من بقي.
وصفوان بن أمية يأبى ذلك عليهم، ويقول: يا قوم، لا تفعلوا فإن القوم قد حربوا وأخاف أن يجتمع عليكم من تخلف من الخروج، فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرشدهم صفوان وما كان برشيد، والذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة ولو رجعوا لكان كأمس الذاهب ".
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فذكر لهما ما أخبره به المزني، فقالا: يا رسول الله، اطلب العدو، ولا يقحمون على الذرية.
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصبح ندب الناس، وأمر بلالا أن ينادي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالامس.
وقال أسيد بن حضير - وبه تسع جراحات وهو يريد أن يداويها لما سمع النداء -: سمعا وطاعة لله ورسوله، ولم يعرج على دواء جرحه، وخرج من بني سلمة أربعون جريحا، بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا، وبخراش بن الصمة عشر
__________
(1) ملل: موضع في طريق بمكة بين الحرمين [ انظر مراصد الاطلاع 3 / 1309 ].
(*)(4/308)
جراحات وبكعب بن مالك بضعة عشر جرحا، وبقطبة بن عامر تسع جراحات، ووثب المسلمون إلى سلاحهم، وما عرجوا على دواء جراحاتهم.
قال ابن عقبة: وأتى عبد الله بن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا راكب معك.
فقال: " لا ".
قال ابن إسحاق وابن عمر:: وأتى جابر بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله
إن مناديك نادى ألا يخرج معنا إلا من حضر القتال بالامس، وقد كنت حريصا على الحضور، ولكن أبي خلفني على أخوات لي سبع - وفي لفظ: تسع، وهو الصحيح - وقال:: يا بني لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة ولا رجل معهن، وأخاف عليهن وهن نسيات ضعاف، ولست بالذي أو ثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي، فتخلف على إخوتك، وأنا خارج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله تعالى يرزقني الشهادة، وكنت رجوتها فتخلفت عليهن، فاستأثر علي بالشهادة، فأذن لي يا رسول الله أسر معك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال جابر: فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالامس غيري.
واستأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك عليهم.
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه، وهو معقود لم يحل من الامس، فدفعه إلى علي بن أبي طالب، ويقال: دفعه إلى أبي بكر الصديق، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مجروح في وجهه إثر الحلقتين، وهو مشجوج في جبهته في أصول الشعر ورباعيته قد شظيت، وشفته السفلى قد كلمت من باطنها، وهو متوهن منكبه الايمن، لضربة ابن قمئة - لعنه الله تعالى - وركبتاه مجحوشتان، فدخل صلى الله عليه وسلم المسجد، فركع فيه ركعتين والناس قد حشدوا، كما نزل أهل العوالي حيث جاءهم الخبر.
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرسه " السكب " على باب المسجد، ولم يكن مع أصحابه صلى الله عليه وسلم بحمراء الاسد فرس إلا فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وقد سمع المنادي فخرج ينظر: متى يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الدرع والمغفر، وما يرى منه إلا عيناه، فقال: " يا طلحة، أين سلاحك ؟ " قال: قريب يا رسول الله فخرج فأتى بسلاحه، وإذا به في صدره تسع جراحات، وقال: ولانا أهم بجراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مني بجراحي، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلحة فقال: " أين ترى القوم الآن ؟ "، قال: هم بالسيالة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذلك الذي ظننت، أما إنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثلها حتى يفتح الله تعالى مكة علينا ".
وكان دليله صلى الله عليه وسلم، إلى حمراء الاسد ثابت بن ثعلبة الخزرجي.(4/309)
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم طليعة من آثار القوم: سليطا، ونعمان ابني سفيان بن طلق بن عوف بن دارم من بني سهم، ومعهما ثالث من بني عوير - بطن من أسلم - لم يسم لنا، فلحق اثنان منهم القوم، بحمراء الاسد، وللقوم رجل وهم يأتمرون بالرجوع، وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك، فبصروا بالرجلين فعطفوا عليهما فقتلوهما ومضوا.
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، حتى عسكر بحمراء الاسد، فدفن الرجلين في قبر واحد، وهما القرينان.
وذكر ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، واللفظ له: أن عبد الله بن سهل ورافع بن سهل من بني عبد الاسهل رجعا من أحد، وبهما جراح كثيرة، وعبد الله أثقلهما من الجراح، فلما سمعا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره به، قال أحدهما لصاحبه، والله إن تركنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لغبن، والله ما عندنا دابة نركبها، وما ندري كيف نصنع ؟ قال عبد الله: انطلق بنا، قال رافع: لا، والله ما بي مشي، قال أخوه: انطلق بنا نتجار ونقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجا يتزاحفان، فضعف رافع، فكان عبد الله يحمله على ظهره عقبة، ويمشي الآخر عقبة، ولا حركة به، حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند العشاء، وهم يوقدون النيران، فأتي بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعلى حرسة تلك الليلة عباد بن بشر - فقا: " ما حبسكما ؟ " فأخبراه بعلتهما، فدعا لهما بخير وقال: " إن طالت بكما مدة كانت لكم مراكب من خيل وبغال وإبل، وليس ذلك بخير لكم ".
ويقال: إن هذين أنس ومؤنس ابنا فضالة الظفريين، ولامانع من أن يكون ذلك حصل للاولين والآخرين.
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: وكان عامة زادنا التمر، وحمل سعد بن عبادة رضي الله عنه ثلاثين بعيرا حتى وافت حمراء الاسد، وساق جزرا، فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم في النهار بجمع الحطب فإذا أمسوا أمر أن توقد النيران، فيوقد كل رجل نارا، فلقد أوقدوا خمسمائة نار حتى رئيت من مكان بعيد، وذهب ذكر معسكر المسلمين ونيرانهم في كل وجه، وكان ذلك مما كبت الله به عدوه، فأقام بحمراء الاسد الاثنين والثلاثاء والاربعاء.
ولقي معبد بن أبي معبد الخزاعي وهو يومئذ مشرك.
وجزم عمرو بن الجوزي في التلقيح بإسلامه، وكانت خزاعة - مسلمهم وكافرهم - عيبة نصح للنبي صلى الله عليه وسلم، بتهامة، صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها، فقال: يا محمد، والله(4/310)
لقد عز علينا ما أصابك في نفسك وما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت بغيرك.
ثم مضى معبد ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الاسد، حتى أتى أبا سفيان بن حرب ومن معه الروحاء، وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أصبنا خير أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: هذا معبد وعنده الخبر: ما وراءك يا معبد ؟ قال: تركت محمدا وأصحابه قد خرج يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، وقد اجتمع معه من كان تخلف عنه بالامس، من الاوس والخزرج، وتعاهدوا ألا يرجعوا حتى يلحقوكم، فيثأروا منكم، وغضبوا لقومهم غضبا شديدا، وندموا على ما فعلوا، فيهم من الحنق عليكم شئ لم أر مثله قط، قال: ويلك ! ما تقول ! قال: والله ما أرى أن ترحل حتى ترى نواصي الخيل، قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فإني أنهاك عن ذلك، ووالله لقد حملني على ما رأيت أن قلت فيهم أبياتا من شعر، قال: وما قلت ؟ قال: قلت: كادت تهد من الاصوات راحلتي * إذ سالت الارض بالجرد الابابيل تردى بأسد كرام لاتنابلة * عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظلت عدوا أظن الارض مائلة * لما سموا برئيس غير مخذول فقلت: ويل ابن حرب من لقائكم * إذا تغطمطت البطحاء بالجيل إني نذير لاهل البسل ضاحية * لكل ذي إربة منهم ومعقول من جيش أحمد لاوخش تنابلة * وليس يوصف ما أنذرت بالقيل فثنى ذلك، مع كلام صفوان، أبا سفيان ومن معه، وفت أكبادهم، فانصرفوا سراعا خائفين من الطلب.
ومر ركب من عبد القيس بأبي سفيان فقال: أين تريدون ؟ قالوا: نريد المدينة.
قال: ولم ؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه وأوقر لكم أبا عركم زبيبا غدا بعكاظ إذا وافيتموها ؟ قالوا: نعم، قال: إذا وافيتم محمدا فأخبروه أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم وأنا في آثاركم.
فانطلق أبو سفيان، وقدم الراكب برسول الله صلى الله عليه وسلم، بحمراء الاسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (حسبنا الله ونعم الوكيل) * [ آل عمران 173 ].
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه ذلك قبل رجوعه إلى المدينة معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية.
وكان لجأ إلى عثمان بن عفان، فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمنه على إن(4/311)
وجد بعد ثلاث قتل، فأقام بعد ثلاث وتوارى، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقال: إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا، فوجداه فقتلاه.
وأخذ أيضا أبا عزة الجمحي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، ثم من عليه، فقال: يا رسول الله أقلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لا تمسح عارضيك بمكة " وتقول: خدعت محمدا مرتين، اضرب عنقه يا زبير، فضرب عنقه.
قال ابن هشام: وبلغني عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين " ا ه.
والحديث رواه البخاري وغيره عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا وزاد الكشميهني والسرجيني من رواة الصحيح: " من جحر واحد " (1).
وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن أقام بها الاثنين والثلاثاء والاربعاء.
وقال البلاذري: غاب عن المدينة خمسا، وأنزل الله سبحانه وتعالى: * (الذين استجابوا لله والرسول) *.
دعاءه بالخروج للقتال لما أراد أبو سفيان العود.
وتواعدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم سوق بدر العام المقبل من يوم أحد.
* (من بعد ما أصابهم القرح) * بأحد.
* (للذين أحسنوا منهم واتقوا) * [ آل عمران، 17 ] بطاعته.
* (أجر عظيم) * هو الجنة.
* (الذين) * بدل من الذين قبله أو نعت.
* (قال لهم الناس) * أي نعيم بن مسعود والاشجعي.
* (إن الناس قد جمعوا لكم) * الجموع ليستأصلوكم.
* (فاخشوهم) * ولا تأتوهم.
* (فزادهم) * ذلك القول * (إيمانا) * تصديقا بالله تعالى ويقينا.
* (وقالوا حسبنا الله) * كافيا أمرهم.
* (ونععم الوكيل) * [ آل عمران 173 ] المفوض إليه الامر هو.
* (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) * بسلامة.
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 529 (6133) ومسلم 4 / 2295 (63 - 2998).
(*)(4/312)
* (لم يمسسهم سوء) * من قتل أو جرح.
* (واتبعوا رضوان الله) * بطاعته ورسوله في الخروج.
* (والله ذو فضل عظيم) * [ آل عمران 174 ] على أهل طاعته.
* (إنما ذلكم) * أي القائل لكم: إن الناس إلخ.
* (الشيطان يخوف أولياءه) * الكفار.
* (فلا تخافوهم وخافون) * في ترك أمري.
* (إن كنتم مؤمنين) * [ آل عمران 17 5 ] حقا.
روى البخاري والنسائي وابن أبي حاتم في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا * (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل) * (1).
تنبيهات الأول: حمراء الاسد بالمد، قال أبو عبيد البكري: تأنيث أحمر مضاف إلى الاسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، على يسار الطريق، إذا أردت " ذو الحليفة ".
الثاني: كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليها صبيحة يوم الاحد لست عشرة مضت من شوال، وعند ابن سعد لثمان خلون منه والخلاف عندهم في أحد، كما سبق.
الثالث: اختلفوا في سبب نزول هذه الآية السابقة.
فعن مجاهد وطائفة أنها نزلت في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر الموعد.
وذهب غيرهم إلى أنها نزلت لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الاسد، واقتضاه صنيع البخاري ورجحه ابن جرير، ورواه ابن مردويه والخطيب عن ابن عباس، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة وغيرهم.
الرابع: روى سعيد بن منصور والحميدي والشيخان وابن ماجه والحاكم والبيهقي، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أصابهم يوم أحد، وانصر المشركون، خاف أن يرجعوا فقال: من يذهب في آثارهم ؟ فانتدب سبعون رجلا كان فيهم أبو بكر والزبير.
وعند الطبراني عن ابن عباس: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمار بن ياسر، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو حذيفة، وابن مسعود.
__________
(1) أخرجه البخاري 8 / 77 (4563).
(*)(4/313)
قال في البداية: هذا سياق غريب جدا، فإن المشهور عند أصحاب المغازي أن الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الاسد كل من شهد أحدا، وكانوا سبعمائة كما تقدم، قتل منهم سبعون وبقي الباقون.
قلت: الظاهر - والله أعلم - أنه لا تخالف بين قول عائشة وما ذكره أصحاب المغازي، لان معنى قولها: " فانتدب منهم سبعون " أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق الباقون، ولم ينبه على ذلك الحافظ في الفتح.
الخامس: في بيان غريب ما سبق: مرهبا - بكسر الهاء - اسم فاعل أي مخيفا.
يوهنهم: يضعفهم.
استأصله: قلعه بأصوله، ومنه قيل: استأصل الله الكفار، أي أهلكهم جميعا.
الكواعب: جمع كاعب وهي المرأة حين يبدو ثديها للنهود.
أردفه: جعله خلفه على الدابة.
ندبه لكذا: دعاه إليه.
ملل - بميم فلام مفتوحتين فلام أخرى -: موضع قريب من المدينة.
شوكة القوم: شدة بأسهم وقوتهم.
حدهم - بحاء مهملة - غضبهم.
باد: هلك.
حربوا - بالحاء المهملة والموحدة -: غضبوا.
سومت: علمت أي جعلت لها علامة يعرف بها أنها من عند الله تعالى.
كأمس الذاهب...يقحمون: يدخلون.
لم يعرج على كذا - بالتشديد -: لم يقف عنده بل عدل عنه.
مشجوج: مجروح.
شظيت - بفتح الشين وكسر الظاء المشالة المعجمتين - أي ذهب منها فلقة.
حشدوا: جمعوا.
كلمت: جرحت.(4/314)
المنكب: مجتمع رأس العضد والكتف.
السيالة - بسين مهملة مفتوحة فتحتية مشددة -: قرية جامعة، بينها وبين المدينة تسعة وعشرون ميلا.
الطليعة: الذي يتقدم العسكر ليطلع على أمر العدو.
الزجل - بفتح الزاي والجيم -: الصوت الرفيع العالي.
يأتمرون: يأمر بعضهم بعضا.
عقبة: من الاعتقاب في الركوب.
عيبة - بفتح العين المهملة وسكون التحتية فموحدة فتاء تأنيث - أي موضع سره وأمانته، كعيبة الثياب التي يوضع فيها المتاع.
تهامة - بكسر الفوقية - اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة.
صفقتهم معه، أي اتفاقهم.
أعلى كعبك: شرفك.
الروحاء - بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة والمد -: قرية جامعة، وقد تقدم ذكرها.
أجمعوا الرجعة: عزموا عليها.
يثأرون منكم: يقتلون.
الحنق: شدة الغيظ.
كادت: قربت.
تهد - بضم الفوقيةء وفتح الهاء - أي تسقط لهول ما رأت من أصوات الجيش وكثرته.
الجرد - بضم الجيم وسكون الراء وبالدال المهملة - جمع أجرد، وهو من الآدمي من لا شعر عليه، ومن الخيل: ما رق شعره وقصر، وهو المراد هنا.
الابابيل: الجماعات، واحد إبيل.
تردي: تسرع.
التنابلة: القصار.
الميل: جمع أميل، وهو الذي لارمح معه: وقيل: هو الذي لاترس معه، وقيل: هو الذي لا يثبت على السرج.(4/315)
المعازيل - بالعين المهملة والزاي -: الذين لا سلاح معهم.
العدو: المشي السريع.
سموا: علوا وارتفعوا.
ابن حرب هنا: أبو سفيان.
تغطمطت - بفوقية فغين معجمة فطاءين مهملتين بينهما ميم - أي اهتزت وارتجت.
البطحاء: السهل من الارض.
الجيل - بالجيم والتحتية -: الصنف من الناس.
البسل - بفتح الموحدة وسكون السين المهملة -: الحرام، وأراد بأهله قريشا لانهم أهل مكة، ومكة حرام.
الضاحية - بالضاد المعجمة -: البارزة للشمس.
الاربة - بكسر الهمزة وبالموحدة -: هي هنا العقل.
الوخش - بفتح الواو وسكون الخاء وبالشين المعجمتين - رذالة الناس وأخساؤهم.
التنابلة تقدم، ومن رواه قنابلة فهو جمع قنبلة، وقد تقدم أيضا.
القيل والقول واحد، وقال بعضهم: القول: المصدر، والقيل: الاسم.
فثنى ذلك أبا سفيان - بثاء مثلثة فنون فألف مقصورة - أي صرفه ورده.
فت - بفتح الفاء وتشديد الفوقية - أي كسر.
الميرة - بكسر الميم -: الطعام.
أوقر: حمل.
الاباعر والابعرة والبعران بالضم: جمع بعير.
عكاظ - بضم العين المهملة وفتح الكاف وبالظاء المعجمة المشالة -: سوق كانت في الجاهلية قرب عرفات.
وافيتموها: أتيتموها.
حسبنا الله: كافينا.
لجأ إليه: اعتصم واستجار.
عارضيك: ثنية عارض، وهو صفحة الخد.
اللدغ - بالدال المهملة والغين المعجمة -: ما يكون من ذوات السموم.
الجحر - بضم الجيم وسكون الحاء المهملة - الثقب، والمراد هنا ثقب الجبة.(4/316)
الباب الخامس عشر في غزوة بني النضير
اختلفوا في سببها، فروى عبد الرزاق وعبد بن حميد، وأبو داود، والبيهقي بإسناد صحيح، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن كفار
قريش كتبوا إلى ابن أبي ومن كان يعبد معه الاوثان من الاوس والخزرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر: " إنكم قد آويتم صاحبنا، وإنكم أكثر أهل المدينة عددا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه، أو لتخرجنه، أو لنستعدين عليكم العرب، ثم لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم، وأبناءكم ".
فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الاوثان تراسلوا، واجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما بلغه صلى الله عليه وسلم لقيهم في جماعة من أصحابه، فقال: " لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت لتكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم " (1).
فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا وعرفوا الحق.
فبلغ ذلك كفار قريش، فكتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود: " إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بين خدم نسائكم شئ "، فلما بلغ كتابهم اليهود اجتمعت بنو النضير بالغدر، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حبرا، حتى نلتقي على أمر بمكان نصف بيننا وبينك، فيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك كلنا.
فلما كان من الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين رجلا من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حبرا من يهود، حتى إذا برزوا في براز من الارض قال بعضهم لبعض: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه، كلهم يحب أن يموت قبله، فأرسلوا إليه: كيف نفهم ونحن ستون رجلا اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا، فيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرجت ثلاثة من اليهود، واشتملوا على الخناجر، وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الانصار فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فساره بخبرهم قبل أن يصل إليهم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فذكر الحديث.
__________
(1) أخرجه أبو داود 3 / 156 (3004) والبيهقي في الدلائل 3 / 179 وعبد الرزاق في المصنف (9733).
(*)(4/317)
وقال ابن إسحاق وابن عمر وابن سعد وابن عائذ وجل أهل المغازي: إن عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه أقبل من بئر معونة حتى إذا كان بقناة لقي رجلين من بني عامر بن صعصعة، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم وادعهما، فنسبهما فانتسبا، فقال معهما حتى إذا ناما وثب عليهما فقتلهما، ثم خرج حتى ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدر حلب شاة، فأخبره خبرهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بئس ما صنعت - قد كان لهم منا أمان [ وعهد ] " فقال: ما شعرت، كنت أراهما على شركهما، وكان قومهما قد نالوا منا ما نالوا من الغدر بنا، وجاء بسلبهما، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبهما فعزل، حتى يبعث به مع ديتهما.
وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت فصلى في مسجد قباء، ومعه رهط من المهاجرين والانصار، ثم جاء بني النضير ومعه دون العشرة من أصحابه، فوجدهم في ناديهم، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم ما أحببت، قد آن لك أن تزورنا وأن تأتينا، اجلس حتى تطعم وترجع لحاجتك، ونقوم فنتشاور ونصلح أمرنا فيما جئتنا به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مستند إلى بيت من بيوتهم، ثم خلا بعضهم ببعض فتناجوا، فقال حيي بن أخطب: يا معشر يهود قد جاءكم محمد في نفر من أصحابه لا يبلغون عشرة - ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وطلحة، وسعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وسعد بن عبادة - فاطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت الذي هو تحته فاقتلوه، ولن تجدوه أخلى منه الساعة، فإنه إن قتل تفرق عنه أصحابه، فلحق من كان معه [ من قريش ] بحرمهم، وبقي من كان هاهنا من الاوس والخزرج، فما كنتم تريدون أن تصنعوا يوما من الدهر فمن الآن، فقال عمرو بن جحاش - بفتح الجيم وتشديد الحاء المهملة وآخره شين معجمة - النضري: إذا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، قال سلام بن مشكم: يا قوم أطيعوني هذه المرة وخالفوني الدهر، والله لئن فعلتم ليخبرن بأنا قد
غدرنا به، وإن هذا نقض للعهد الذي بيننا وبينه، فلا تفعلوا، وهيأ عمرو بن جحاش الصخرة ليرسلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدحرجها، فلما أشرف بها جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما هموا به، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، كأنه يريد حاجة، وتوجه نحو المدينة، وجلس أصحابه يتحدثون وهم يظنون أنه قام يقضي حاجة.
وروى عبد بن حميد عن عكرمة، قال: فبينما اليهود على ذلك إذ جاء جاء من اليهود من المدينة فلما رأى أصحابه يأتمرون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم: ما تريدون ؟ قالوا: نريد أن نقتل محمدا ونأخذ أصحابه، فقال لهم: وأين محمد ؟ قالوا: هذا محمد قريب، فقال لهم صاحبهم: والله لقد تركت محمدا داخل المدينة، فسقط في أيديهم.
واستبطأ الصحابة الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم، وراث عليهم خبره، فلما يئسوا من ذلك قال أبو بكر: ما(4/318)
مقامنا هاهنا بشئ، لقد توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لامر، فقاموا في طلبه، فقال حيي بن أخطب: لقد عجل أبو القاسم، كنا نريد أن نقضي حاجته ونقريه، وندمت يهود على ما صنعوا.
فقال لهم كنانة بن صويراء: " هل تدرون لم قام محمد ؟ " قالوا: لا والله ما ندري، وما تدري أنت ! قال: بلى والتوارة إني لادري، قد أخبر محمد بما هممتم به من الغدر، فلا تخدعوا أنفسكم، والله إنه لرسول الله، وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم به من الغدر، وإنه لآخر الانبياء، وكنتم تطمعون أن يكون من بني هارون، فجعله الله حيث شاء.
وإن كتبنا والذي درسنا في التوراة التي لم تغير، ولم تبدل: أن مولده بمكة، وأن دار هجرته يثرب، وصفته بعينها ما تخالف حرفا مما في كتابنا، وما يأتيكم به أولى في محاربته إياكم، ولكأني أنظر إليكم ظاعنين يتضاغى صبيانكم قد تركم دوركم خلوفا وأموالكم، وإنما هي شرفكم، فأطيعوني في خصلتين، والثاثة لاخير فيها ".
قالوا: ما هما ؟ قال: " تسلمون وتدخلون مع محمد، فتأمنون على أموالكم وأولادكم، وتكونون من علية أصحابه، وتبقى بأيديكم أموالكم، ولا تخرجون من دياركم "، قالوا: لا نفارق التوراة وعهد موسى.
قال: " فإنه مرسل إليكم: اخرجوا من بلدي فقولوا: نعم، فإنه لا
يستحل لكم دما ولا مالا، وتبقى أموالكم لكم، إن شئتم بعتم، وإن شئتم أمسكتم "، قالوا: أما هذا فنعم.
قال سلام بن مشكم: " قد كنت لما صنعتم كارها، وهو مرسل إلينا أن اخرجوا من داري، فلا تعقب يا حيي كلامه، وأنعم له بالخروج، واخرج من بلاده ".
قال: افعل، أنا أخرج.
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تبعه أصحابه، فلقوا رجلا خارجا من المدينة، فسألوه: هل لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: نعم، لقيته بالجسر داخلا.
فلما انتهى إليه أصحابه وجدوه قد أرسل إلى محمد بن مسلمة يدعوه، فقال أبو بكر: يا رسول الله، قمت ولم نشعر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " همت يهود بالغدر بي، فأخبرني الله تعالى فقمت ".
قال ابن عتبة: وأنزل الله تعالى في ذلك قوله: * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم، واتقوا الله، وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * [ المائدة 11 ].
ورواه عبد بن حميد عن عكرمة.
ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إليهم واعترافهم برسالته لما جاء محمد بن مسلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلدي ".
فلما جاءهم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم برسالة، ولست أذكرها لكم حتى أعرفكم بشئ تعرفونه في مجلسكم، فقالوا: ما هو ؟ قال: أنشدكم بالتوراة، التي أنزل الله على موسى: هل تعلمون أني(4/319)
جئتكم قبل أن يبعث محمد وبينكم التوراة فقلتم لي في مجلسكم هذا: يابن مسلمة إن شئت أن نغذيك غديناك، وإن شئت أن نهودك هودناك، فقلت لكم: بل غدوني ولا تهودوني، فإني والله لا أتهود أبدا، فغديتموني في صحفة لكم، وقلتم لي: ما يمنعك من ديننا إلا أنه دين يهود، كأنك تريد الحنيفية التي سمعت بها، أما إن أبا عامر الراهب ليس بصاحبها، أتاكم صاحبها الضحوك القتال في عينيه حمرة، ويأتي من قبل اليمن، يركب البعير، ويلبس الشملة، ويجتزئ
بالكسرة، وسيفه على عاتقه، ينطق بالحكمة كأنه وشيجتكم هذه، والله ليكونن في قريتكم هذه سلب، وقتل، ومثل، قالوا: اللهم نعم، قد قلنا ذلك وليس به.
قال: قد فرغت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يقول لكم: " إنكم قد نقضتم العهد الذي جعلت لكم، بما هممتم به من الغدر بي ".
وأخبرهم بما كانوا هموا به وظهور عمرو بن جحاش على البيت ليطرح الصخرة، فأسكتوا، فلم يقولوا حرفا.
ويقول: " اخرجوا من بلدي وقد أجلتكم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه "، قالوا: يا محمد، ما كنا نرى أن يأتي بهذا رجل من الاوس.
قال محمد بن مسلمة: تغيرت القلوب.
فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون، وأرسلوا إلى ظهرهم بذي الجدر يجلب لهم، وتكاروا من ناس من أشجع [ إبلا ] وجدوا في الجهاز.
ذكر إرسال عبد الله بن أبي إليهم بعد الخروج من أرضهم فبينما هم على ذلك إذ جاءهم رسولا عبد الله بن أبي ابن سلول: سويد، وداعس، فقالا: يقول عبد الله بن أبي: لا تخرجوا من دياركم وأموالكم، وأقيموا في حصونكم، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب، يدخلون معكم حصنكم، فيموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم، وتمدكم قريظة، فإنهم لن يخذلوكم، ويمدكم حلفاؤكم من غطفان.
وأرسل ابن أبي إلى كعب بن أسد القرظي يكلمه أن يمد أصحابه، فقال: لا ينقض رجل واحد منا العهد.
فيئس ابن أبي من بني قريظة، وأراد أن يلحم الامر فيما بين بني النضير ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يرسل إلى حيي بن أخطب، فقال حيي: أنا أرسل إلى محمد أعلمه أنا لا نخرج من دارنا وأموالنا، فليصنع ما بدا له.
وطمع حيي فيما قال ابن أبي.
فقال له سلام بن مشكم: " منتك نفسك والله - يا حيي الباطل، ولولا أن يسفه رأيك لاعتزلتك بمن أطاعنى من يهود، فلا تفعل يا حيي، فوالله إنك لتعلم - ونعلم معك - أنه لرسول الله، وأن صفته عندنا، وأنا لم نتبعه وحسدناه، حيث خرجت النبوة من بني هارون، فتعال فلنقبل ما أعطانا من الامن ونخرج من بلاده، وقد عرفت أنك خالفتني في الغدر به، فإذا
كان أوان الثمر، جئنا أو جاء أحد منا إلى ثمره فباع أو صنع ما بدا له، ثم انصرف إلينا، فكأنا لم(4/320)
نخرج من بلادنا إذا كانت أموالنا بأيدينا إنا إنما شرفنا على قومنا بأموالنا وفعالنا، فإذا ذهبت أموالنا من أيدينا كنا كغيرنا من اليهود في الذلة والاعدام وإن محمدا إن سار إلينا فحاصرنا في هذه الصياصي يوما واحدا، ثم عرضنا عليه ما أرسل به إلينا لم يقبله، وأبى علينا ".
قال حيي بن أخطب: " إن محمدا لايحصرنا إلا إن أصاب منا نهزة، وإلا انصرف، وقد وعدني ابن أبي ما قد رأيت ".
قال سلام: " ليس قول ابن أبي بشئ، إنما يريد ابن أبي أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدا، ثم يجلس في بيته ويتركك، قد أراد من كعب بن أسد النصر وأبى كعب، وقال: لا ينقض هذا العهد رجل من بني قريظة وأنا حي، وإلا فابن أبي قد وعد خلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد، وحصروا أنفسهم في صياصيهم، وانتظروا نصر ابن أبي، فجلس في بيته، وسار إليهم محمد فحصرهم، حتى نزلوا على حكمه، فابن أبي لا ينصر حلفاءه، ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الاوس في حروبهم كلها، إلى أن انقطعت حروبهم، وقدم محمد فحجز بينهم.
وابن أبي لا هو على دين يهود، ولا هو على دين محمد، ولا هو على دين قومه، فكيف تقبل منه قوله ؟ قال حيي: " تأبى نفسي إلا عداوة محمد وإلا قتاله ".
قال سلام: " فهو والله جلاؤنا من أرضنا، وذهاب أموالنا وشرفنا، وسبي ذرارينا، مع قتل مقاتلتنا " فأبى حيي إلا محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له ساموك - بالكاف - ابن أبي الحقيق - بحاء مهملة مضمومة فقاف مفتوحة فتحتية ساكنة ثم قاف أخرى - وكان ساموك ضعيفا عندهم في عقله، كانت به جنة: " يا حيي أنت رجل مشؤوم، تهلك بني النضير "، فغضب حيي وقال: كل بني النضير قد كلمني حتى هذا المجنون، فضربه إخوته، وقالوا لحيي: أمرنا لامرك تبع، لن نخالفك.
فأرسل حيي أخاه جدي - بضم الجيم وفتح الدال المهملة وتشديد التحتية - ابن
أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: إنا لا نبرح من ديارنا وأموالنا، فاصنع ما أنت صانع.
وأمره أن يأتي ابن أبي فيخبره برسالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمره أن يتعجل ما وعد من النصر.
فذهب جدي بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أرسله حيي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه فأخبره، فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، وكبر المسلمون لتكبيره، وقال: حاربت يهود.
وخرج جدي حتى دخل على ابن أبي وهو جالس في بيته، ومعه نفر من حلفائه، وقد نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالمسير إلى بني النضير، فدخل عبد الله بن عبد الله بن(4/321)
أبي على أبيه وعلى النفر الذين معه، وعنده جدي بن أخطب، فلبس درعه، وأخذ سيفه وخرج يعدو.
قال جدي: لما رأيت ابن أبي جالسا في ناحية البيت، وابنه عليه السلاح، يئست منه ومن نصره، فخرجت أعدو إلى حيي، فقال: ما وراءك ؟ قال: فقلت الشر، ساعة أخبرت محمدا بما أرسلت به إليه أظهر التكبير وقال: حاربت يهود، قال: وجئت ابن أبي فأخبرته، ونادى منادي محمد بالمسير إلى بني النضير، فقال حيي: وما رد عليك ابن أبي ؟ قال جدي: لم أر عنده خيرا، قال: أنا أرسل إلى حلفائي من غطفان.
فيدخلون معكم.
ذكر مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير سار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إلى بني النضير.
واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وحملت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة من خشب الغرب، عليها مسوح أرسل بها سعد بن عبادة رضي الله عنه، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بفضاء بني النضير، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا على جدر حصونهم، معهم النبل والحجارة، واعتزلتهم بنو قريظة، فلم يعينوهم بسلاح ولا رجال، ولم يقربوهم، فجعلت بنو النضير يرمون ذلك اليوم بالنبل والحجارة.
وقام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فلما
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء رجع إلى بيته في عشرة من أصحابه، عليه الدرع، وهو على فرس، واستعمل على العسكر علي بن أبي طالب، ويقال: أبو بكر، رضي الله عنهما، وبات المسلمون يحاصرونهم ويكبرون حتى أصبحوا ثم أذن بلال بالفجر، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس في فضاء بني خطمة، وأمر بلالا فضرب القبة في موضع المسجد الصغير الذي بفضاء بني خطمة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبة.
وكان رجل من يهود يقال له: عزوك، وكان أعسر راميا، فيرمي فتبلغ نبله قبة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بقبته فحولت إلى مسجد الفضيخ، فتباعدت من النبل.
وأمسوا فلم يقربهم ابن أبي، ولا أحد من حلفائه، وجلس في بيته، ويئست بنو النضير من نصره، وجعل سلام بن مشكم وكنانة بن صويراء يقولان لحيي: أين نصر بن أبي الذي زعمت ؟ قال حيي: ما أصنع ؟ ! هي ملحمة كتبت علينا.
ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم حصارهم، فلما كانت ليلة من الليالي فقد علي رضي الله عنه قرب العشاء، فقال الناس: يا رسول الله، ما نرى عليا ! قال: " دعوه، فإنه في بعض شأنكم ! " فعن قيل جاء برأس عزوك، وقد كمن له حين خرج يطلب غرة من المسلمين، وكان شجاعا راميا، فشد عليه فقتله، وفر من كان معه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي أبا دجانة وسهل بن(4/322)
حنيف في عشرة من أصحابه فأدركوا اليهود الذين فروا من علي، فقتلوهم وطرحت رؤوسهم في بعض البئار.
وكان سعد بن عبادة - رضي الله عنه - يحمل التمر إلى المسلمين.
ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل بني النضير، واستعمل على قطعها أبا ليلى المازني، وعبد الله بن سلام، وكان أبو ليلى يقطع العجوة.
وكان عبد الله بن سلام يقطع اللون فقيل لهما في ذلك، فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم، وقال عبد الله بن سلام: قد عرفت
أن الله سيغنمه أموالهم.
وكانت العجوة خيرا لهم، فلما قطعت العجوة شق النساء الجيوب، وضربن الخدود، ودعون بالويل، فجعل سلام بن مشكم يقول: يا حيي، العذق [ خير ] من العجوة،، يغرس فلا يطعم ثلاثين سنة يقطع ! فأرسل حيي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ يا محمد، إنك ] كنت تنهى عن الفساد فلم تقطع النخل ؟ ووجد بعض المسلمين في أنفسهم من قولهم، وخشوا أن يكون فسادا، فقال بعضهم: لا تقطعوا، وقال بعضهم: بل نقطعه لنغيظهم بذلك.
وأرسل حيي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن نعطيك الذي سألت ونخرج من بلادك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها، ولكم ما حملت الابل إلا الحلقة ".
فقال سلام بن مشكم: اقبل ويحك، من قبل أن تقبل شرا من ذلك، فقال حيي: ما يكون شرا من هذا.
قال سلام بن مشكم: تسبى الذرية وتقتل المقاتلة مع الاموال.
والاموال أهون علينا، فأبى حيي أن يقبل يوما أو يومين، فلما رأى ذلك يامين بن عمير وأبو سعد بن وهب قال أحدهما لصاحبه: والله إنك لتعلم إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ننتظر أن نسلم فنأمن على دمائنا وأموالنا ؟ فنزلا من الليل فأسلما وحرزا أموالهما ودماءهما، ثم نزلت يهود على أن لهم ما حملت الابل إلا الحلقة.
وجعل يامين لرجل من قيس عشرة دنانير، ويقال: خمسة أوسق من تمر، حتى قتل عمرو بن جحاش غيلة، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن عمر وابن سعد، والبلاذري، وأبو معشر، وابن حبان: خمسة عشر يوما.
وقال ابن إسحاق وأبو عمرو: ست ليال.
وقال سليمان التيمي: قريبا من عشرين ليلة.
وقال ابن الكلاع: ثلاث وعشرين ليلة.(4/323)
وعن عائشة: خمس وعشرين حتى أجلاهم.
وولي إخراجهم محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - فقالوا: إن لنا ديونا على الناس إلى آجال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعجلوا وضعوا ".
فكان لابي رافع سلام بن أبي الحقيق على أسيد بن حضير عشرون ومائة دينار إلى سنة، فصالحه على أخذ رأس ماله ثمانين دينارا، وأبطل ما فضل.
وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم مما يليهم، وكان المسلمون يخربون بيوتهم مما يليهم، ويحرقون، حتى وقع الصلح.
ذكر خروج بني النضير من أرضهم لما خرجوا حموا النساء والذرية، وما استقلت به الابل من الامتعة، فكان الرجل يهدم بيته عن نجاف بابه، وأظهروا تجلدا عظيما، فخرجوا على بلحارث بن الخزرج، ثم على الجبلية، ثم على الجسر، حتى مروا بالمصلى ثم شقوا سوق المدينة، والنساء في الهوادج وعليهن الديباج والحرير وقطف الخز الخضر والحمر وحلي الذهب والفضة، والمعصفر.
ونادى أبو رافع سلام بن أبي الحقيق، ورفع مسك جمل وقال: هذا مما نعده لخفض الارض ورفعها، فإن تكن النخل قد تركناها فإنا نقدم على نخل بخيبر.
ومروا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم تجلدا، وصف لهم الناس فجعلوا يمرون قطارا في أثر قطار، تحملوا على ستمائة بعير.
وحزن المنافقون لخروجهم أشد الحزن.
فنزل أكثرهم بخيبر، منهم حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن صويراء.
فدان لهم أهلها، وذهبت طائفة منهم إلى الشام.
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاموال والحلقة فوجد خمسين درعا، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفا.
وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا تخمس ما أصبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أجعل شيئا جعله الله تعالى لي دون المؤمنين " بقوله: * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى..) * [ الحشر 7 ] الآية، كهيئة ما وقع فيه السهمان.
وكانت بنو النضير من صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلها حبسا لنوائبه.
وكان ينفق على أهله منها، كانت خالصة له فأعطى منها من أعطى وحبس ما حبس.
وكان يزرع تحت النخل، وكان يدخر منها قوت أهله سنة من الشعير والتمر لازواجه وبني عبد المطلب، وما فضل جعله في الكراع والسلاح.(4/324)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تحول من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحول المهاجرون، فتنافست فيهم الانصار، فما إن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسهمان، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الانصار إلا بقرعة بسهم، فكان المهاجرون في دور الانصار وأموالهم.
فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس، فقال: ادع لي قومك، قال ثابت: الخزرج يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الانصار كلها ! " فدعا له الاوس والخزرج، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الانصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إياهم في منازلهم وإيثارهم على أنفسهم، ثم قال: " إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله تعالى علي بن بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم ".
فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ - رضي الله عنهما - وجزاهما خيرا، فقال: " يا رسول الله بل تقسمه بين المهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا "، ونادت الانصار - رضي الله عنهم وجزاهم خيرا -: " رضينا وسلمنا يا رسول الله ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم ارحم الانصار، وأبناء الانصار ".
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله تعالى عليه، وأعطى المهاجرين، ولم يعط أحدا من الانصار من ذلك الفئ شيئا إلا رجلين كانا محتاجين: سهل بن حنيف وأبا دجانة، وأعطى سعد بن معاذ رضي الله عنه سيف بن أبي الحقيق، وكان سيفا له ذكر عندهم.
وذكر البلاذزي في كتاب فتوح البلدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للانصار: " ليس
لاخوانكم من المهاجرين أموال، فإن شئتم قسمتم هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة ".
قالوا: بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * [ الحشر 9 ].
قال أبو بكر رضي الله عنه: جزاكم الله يا معشر الانصار خيرا، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي - وهو بالغين المعجمة والنون -: جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت * بنا نعلنا في الواطئين فزلت أبوا أن يملونا ولو أمنا * تلاقي الذي يلقون منا لملت قلت: وروى الآجري في كتاب الشريعة عن قيس بن أبي حازم: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فذكر نحو ما تقدم.(4/325)
ذكر محاورة عمرو بن سعدى اليهودي في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر: حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال: لما خرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو بن سعدى وطاف بمنازلهم فرأى خرابا، ففكر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة لصلاتهم، فنفخ في بوقهم فاجتمعوا.
فقال الزبير - وهو بفتح الزاي وكسر الموحدة - ابن باطا القرظي: يا أبا سعيد، أين كنت منذ اليوم ؟ لم أرك.
وكان لا يفارق الكنيسة، وكان يتأله في اليهودية.
قال: " رأيت اليوم عبرا عبرنا بها، رأيت دار إخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد والشرف الفاضل والعقل البارع قد تركوا أموالهم، وملكها غيرهم، وخرجوا خروج ذل، ولا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط، والله بهم حاجة، وقد أوقع قبل ذلك بابن الاشرف بياتا في بيته آمنا، وأوقع بابن سنينة سيد يهود، وأنجدهم وأجلدهم، وأوقع بيني قينقاع، فأجلاهم وهم أهل جد يهود، وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة، فحصرهم فلم يخرج إنسان رأسه حتى سباهم، فكلم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب،
يا قوم، لقد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبع محمدا، فوالله إنكم لتعلمون أنه نبي وقد بشرنا به علماؤنا، آخرهم ابن الهيبان أبو عمير، وابن جواس وهما أعلم يهود، جاءانا من بيت المقدس يتوكفان قدومه، ثم أمرانا باتباعه، وأن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على دينهما ودفنا بحرتنا هذه "، فأسكت القوم فلا يتكلم منهم متكلم، فأعاد الكلام أو نحوه، وخوفهم بالحرب والسباء والجلاء.
فقال الزبير بن باطا: " والتوراة قد قرأت صفته في التوراة، التي نزلت على موسى، ليس في المثاني التي أحدثنا "، فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه ؟ قال: أنت يا كعب، قال كعب: ولم ؟ والتوراة ما حلت بينك وبينه قط، قال الزبير: بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا، فإن اتبعته اتبعناه، وإن أبيت أبينا.
فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال: أما والتوراة التي أنزلت على موسى يوم طور سينا إنه للعز والشرف في الدنيا، وإنه لعلى منهاج موسى، وينزل معه وأمته غدا في الجنة.
قال كعب: نقيم على عهدنا وعقدنا فلا يخفر لنا محمد ذمة، وننظر ما يصنع حيي، فقد أخرج إخراج ذل وصغار، فلا أراه يقر حتى يغزو محمدا، فإن ظفر بمحمد فهو ما أردنا، وأقمنا على ديننا وإن ظفر بحيي فما في العيش خير، وتحولنا من جواره.
قال عمرو بن سعدى: ولم نؤخر الامر وهو مقبل ؟ قال كعب: ما على هذا فوق، متى أردت هذا من محمد أجانبي إليه.
قال عمرو، والتوراة، إن عليه لغوثا، إذا سار إلينا محمد فتخبأنا في حصوننا هذه التي قد خدعتنا، فلا نفارق حصوننا حتى ننزل على حكمه، فيضرب(4/326)
أعناقنا.
قال كعب بن أسد: ما عندي في أمره إلا ما قلت، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا لقول هذا الاسرائيلي، ولا يعرف لي فضل النبوة ولا قدر الفعال.
قال عمرو بن سعدى: بل لعمري ليعرفن ذلك.
فبينما هم على ذلك لم يرعهم إلا بمقدمة النبي صلى الله عليه وسلم قد حلت بساحتهم، فقال: هذا
الذي قلت لك.
وذلك أنهم نقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوه في وقعة الخندق، كما سيأتي بيان ذلك.
وأنزل الله سبحانه وتعالى غالب سورة الحشر في شأنهم.
وروى الشيخان عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر، قال، قل: سورة النضير، قال الله سبحانه وتعالى: * (سبح لله ما في السموات وما في الارض) * أي نزهه، فاللام مزيدة، وفي الاتيان ب " ما " تغليب للاكثر.
* (وهو العزير الحكيم) * في ملكه وصنعه.
* (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب) * هم بنو النضير من اليهود.
* (من ديارهم) * مساكنهم بالمدينة.
* (لاول الحشر) * هو حشرهم إلى الشام، وآخره أن أجلاهم عمر في خلافته إلى خيبر.
* (ما ظننتم) * أيها المؤمنون.
* (أن يخرجوا، وظنوا أنهم مانعتهم) * خبر أن * (حصونهم) * فاعله، به تم الخبر.
* (من الله) * من عذابه.
* (فأتاهم الله) * أمره وعذابه.
* (من حيث لم يحتسبوا) * لم يخطر ببالهم من جهة المؤمنين.
* (وقذف) * ألقى.
* (في قلوبهم الرعب) * بسكون العين وضمها: الخوف، فقتل سيدهم كعب بن الاشرف.
* (يخربون) * بالتشديد والتخفيف من خرب وأخرب * (بيوتهم) * لينقلوا ما استحسنوه منها من خشب وغيره.
* (بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار.
ولولا أن كتب الله) * قضى * (عليهم الجلاء) * الخروج من الوطن.(4/327)
* (لعذبهم في الدنيا) * بالقتل والسبي، كما فعل بقريظة من اليهود.
* (ولهم في الآخرة عذاب النار.
ذلك بأنهم شاقوا) * خالفوا.
* (الله ورسوله.
ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب) * له.
* (ما قطعتم من لينة) * نخلة.
* (أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) * أي خيركم في ذلك.
* (وليخزي) * بالاذن في القطع.
* (الفاسقين) * اليهود في اعتراضهم بأن قطع الشجر المثمر فساد.
* (وما أفاء) * رد * (الله على رسوله منهم فما أوجفتم) * أسرعتم يا مسلمين * (عليه من) * زائدة * (خيل ولا ركاب) * إبل، أي لم تقاسوا فيه مشقة.
* (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير) * فلا حق لكم فيه، ويختص به النبي صلى الله عليه وسلم، ويفعل فيه ما يشاء، فأعطى منه المهاجرين وثلاثة من الانصار لفقرهم.
* (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) * كالصفراء وادي القرى وينبع.
* (فلله) * يأمر فيه بما يشاء.
* (وللرسول ولذي) * صاحب * (القربى) * قرابة النبي من بني هاشم وبني المطلب.
* (واليتامى) * أطفال المسلمين الذين هلكت آباؤهم وهم فقراء.
* (والمساكين) * ذوي الحاجة من المسلمين.
* (وابن السبيل) * المنقطع في سفره من المسلمين، أي يستحقه النبي والاصناف الاربعة على ما كان يقسمه من أن لكل من الاربعة خمس الخمس وله الباقي.
* (كيلا) * كي بمعنى اللام، وأن مقدرة بعدها.
* (يكون دولة) * متداولا.
* (بين الاغنياء منكم وما آتاكم) * أعطاكم.
* (الرسول) * من الفئ وغيره * (فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) *.(4/328)
* (للفقراء) * متعلق بمحذوف أي اعجبوا * (المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله وأولئك هم الصادقون) * في إيمانهم.
* (والذين تبوؤوا الدار) * أي المدينة * (والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * حاجة إلى ما يؤثرون به.
* (ومن يوق شح نفسه) * حرصها على المال.
* (فأولئك هم المفلحون) *.
* (والذين جاءوا من بعدهم) * من بعد المهاجرين والانصار إلى يوم القيامة * (يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا) * حقدا * (للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
ألم تر) * تنظر * (إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب) * وهم بنو النضير وإخوانهم في الكفر: * (لئن) * لام قسم في الاربعة * (أخرجتم) * من المدينة * (لنخرجن معكم ولانطيع فيكم) * في خذلانكم * (أحدا أبدا وإن قوتلتم) * حذفت منه اللام الموطئة * (لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون، لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لاينصرونهم ولئن نصروهم) * أي جاءوا لنصرهم * (ليولن الادبار) * واستغنى بجواب القسم المقدر عن جواب الشرط في المواضع الخمسة * (ثم لا ينصرون) * أي اليهود.
* (لانتم أشد رهبة) * خوفا * (في صدورهم) * أي المنافقين * (من الله) * لتأخير عذابه.
* (ذلك بأنهم قوم لا يفقهون.
لا يقاتلونكم جميعا) * أي اليهود مجتمعين * (إلا في قرى محصنة أو من وراء جدار) * سور، وفي قراءة: جدر.
* (بأسهم) * حربهم * (بينهم شديد تحسبهم جميعا) * مجتمعين.
* (وقلوبهم شتى) * متفرقة، خلاف الحسبان.
* (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) *.
مثلهم في ترك الايمان * (كمثل الذين من قبلهم قريبا) * بزمن قريب وهم أهل بدر من المشركين * (ذاقوا وبال أمرهم) * عقوبته في الدنيا من القتل وغيره * (ولهم عذاب أليم) * مؤلم مثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وتخلفهم عنهم.
* (كمثل الشيطان إذ قال للانسان: اكفر، فلما كفر قال: إني برئ منك، إني أخاف الله رب العالمين) * كذبا منه ورياء * (فكان عاقبتهما) * أي الغاوي والمغوي، وقرئ بالرفع * (أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) * [ الحشر من 1: 17 ].(4/329)
ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الاشعار قال كعب بن مالك رضي الله عنه يذكر إجلاء بني النضير وقتل ابن الاشرف: لقد خزيت بغدرتها الحبور * كذاك الدهر ذو صرف يدور وذلك أنهم كفروا برب * عزير أمره أمر كبير وقد أوتوا معا فهما وعلما * وجاءهم من الله النذير نذير صادق أدى كتابا * وآيات مبينة تنير فقالوا: ما أتيت بأمر صدق * وأنت بمنكر منا جدير فقال: بلى، لقد أديت حقا * يصدقني به الفهم الخبير فمن يتبعه يهد لكل رشد * ومن يكفر به يجز الكفور فلما أشربوا غدرا وكفرا * وجد بهم عن الحق النفور أرى الله النبي برأي صدق * وكان الله يحكم لا يجور
فأيده وسلطه عليهم * وكان نصيره نعم النصير فغودر منهم كعب صريعا * فزلت بعد مصرعه النضير على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور بأمر محمد إذ دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير فما كره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور فتلك بنو النضير بدار سوء * أبارهم بما اجترموا المبير غداة أتاهم في الزحف رهوا * رسول الله وهو بهم بصير وغسان الحماة مؤازروه * على الاعداء وهو لهم وزير وقال: السلم ويحكم فصدوا * وحالف أمرهم كذب وزور فذاقوا غب أمرهم وبالا * لكل ثلاثة منهم بعير وأجلوا عامدين لقينقاع * وغودر منهم نخل ودور تنبيهات الأول: النضير - بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة -: حي من يهود دخلوا في العرب وهو على نسبهم إلى هارون نبي الله تعالى صلى الله عليه وسلم، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله تعالى قد كتب عليهم هذا الجلاء.
الثاني: قال في الهدي: زعم محمد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وهم منه وغلط، بل الذي لاشك فيه أنها كانت بعد أحد، انتهى.(4/330)
والزهري إنما نقل ذلك عن عروة ورواه الحاكم وصححه، وأقره الذهبي والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها، لكن قال البيهقي: هكذا قال، أي أحد رواته عن الزهري، عن عروة عن عائشة وذكر عائشة غير محفوظ، وتقدم كلام ابن كثير في ذلك، وفي آخر غزوة بني قينقاع فراجعه.
الثالث: روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل
بني النضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت * (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) * (1) [ الحشر 5 ].
وروي أيضا عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير.
قال ابن عمر: ولها يقول حسان بن ثابت: وهان على سراة بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير قال: فأجابه أبو سفيان بن الحارث، أي قبل إسلامه: أدام الله ذلك من صنيع * وحرق في جوانبها السعير ستعلم أينا منها بنزه * وتعلم أي أرضينا تضير قال الحافظ: ونسبة هذه الابيات لحسان بن ثابت وجوابها لابي سفيان بن الحارث هو المشهور كما في الصحيح.
ونقل أبو الفتح عن أبي عمرو الشيباني أن الذي قال " وهان على سراة بني لؤي " هو أبو سفيان بن الحارث، وإنما قال: " عز " بدل " هان " وأن الذي أجابه بقوله: " أدام الله ذلك من صنيع " البيتين هو حسان، قال: وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري.
قال الحافظ ولم يذكر مستندا للترجيح: والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصح، وذلك أن قريشا كانوا يظاهرون كل من عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعدونهم النصر والمساعدة، فلما وقع لبني النضير من الخذلان ما وقع قال حسان الابيات المذكورة، توبيخا لقريش، وهم بنو لؤي كيف خذلوا أصحابهم.
وقد ذكر ابن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة، وإنما ذكر بني النضير استطرادا، وستأتي الابيات بكمالها في غزوة بني قريظة.
وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله " وتعلم أي أرضينا تضير " ما يرجح ما وقع في الصحيح، لان أرض بني النضير تجاور أرض الانصار، فإذا خربت أضرت بما جاورها بخلاف أرض قريش، فإنها بعيدة منها بعدا شديدا، فلا نبالي بخرابها، فكأن أبا سفيان يقول:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (3021).
(*)(4/331)
تخريب أرض بني النضير وتحريقها إنما يضر أرض من جاورها، وأرضكم التي تجاورها، فهي التي تتضرر لا أرضنا، ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه إلا بتكلف.
وكان من أنكر استبعد أن يدعو أبو سفيان بن الحارث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله: أدام الله ذلك من صنيع والجواب عنه أن اسم الكفر وإن جمعهم لكن العداوة الدينية كانت قائمة بينهم، لما بين أهل الكتاب وعبدة الاوثان من التباين، وأيضا فقوله: وحرق في نواحيها السعير يريد بنواحيها المدينة، فيرجع ذلك الدعاء على المسلمين أيضا.
الرابع: في بيان غريب ما سبق: البراز - بفتح الموحدة وكسرها -: الفضاء الواسع الخالي من الشجر.
الخناجر - بفتح الخاء المعجمة وبالجيم المكسورة - جمع خنجر، وهو السكين الكبير.
فتك به فتكا من بابي ضرب وقتل، وبعضهم يقول: فتكا بتثليث الفاء، أي بطش به، أو قتله على غفلة، وهذا هو المراد هنا.
معونة - بميم مفتوحة فعين مهملة مضمومة - اسم ماء لبني عامر بن صعصعة، وهو بفتح الصادين والعين الثانية المهملات وسكون العين الاولى.
قناة - بفتح القاف وبالنون - تقدم في أحد.
وادعهما: صالحهما.
قال معهما: من قال يقيل قيلا وقيلولة، أي نام نصف النهار.
والقائلة: اسم القيلولة.
شعرت: علمت.
الحلف - بكسر الحاء المهملة وسكون اللام - المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والاتفاق.
تناجوا: تساروا الكلام.
النادي: مجلس القوم ومتحدثهم.
النضرى (بالنون والضاد المعجمة).(4/332)
سلام: المشهور ما قاله ابن الصالح فيه التشديد، مشكم (بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الكاف).
ليخبرن (بفتح الموحدة مبني للمفعول).
صويراء (بضم الصاد المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وبألف التأنيث الممدودة).
راث - بالثاء المثلثة - من باب باع: أبطأ.
كنانة (بكسر الكاف).
" ظاعنين - بالظاء المعجمة المشالة - أي راحلين.
يتضاغى - بضاد وغين معجمتين -: يتباكى.
خلوفا - بضم الخاء المعجمة - أي غيبا لم يبق منهم أحد.
علية أصحابه: أشرافهم.
أنعم له: قال له نعم.
الجسر - بكسر الجيم وفتحها وسكون السين المهملة -: القنطرة.
ذكر غريب إرساله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة أنشدكم بالله: أسألكم به.
يجتزئ - بالجيم والزاي -: يكتفي.
سيفه على عاتقه، أي يجعله بعلاقته عليه، لاكما يفعل الترك وغيرهم.
أسكتوا (بضم أوله).
نرى: نظن.
الجدر (بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالراء).
تكاروا: اكتروا.
شرح غريب إرسال عبد الله بن أبي إليهم ومسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم...وشرح غريب خروجهم يلحم الامر - بالحاء -: يجعله يشتد.
حيي (بلفظ تصغير حي).
بدا له - بلا همز -: ظهر له.(4/333)
النهزة - بضم النون وسكون الهاء وبالزاي -: الفرصة، وهي النوبة.
الورطة - بفتح الواو -: الهلاك والامر الشاق.
الجلاء -: ترك المنزل من خوف.
الصياصي: الحصون، الواحدة صيصية (بكسر المهملتين وفتح التحتية المخففة).
الغرب - بفتح الغين المعجمة والراء وبالموحدة -: ضرب من الشجر.
خطمة (بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة).
مسجد الفضيخ (بفاء مفتوحة فضاد وخاء معجمتين بينهما تحتية).
الملحمة - بالفتح -: القتل.
استقلت به الابل: رفعته وطاقت حمله.
نجاف الباب - بكسر النون وبالجيم -: أسكفته.
الجبلية - بالجيم فموحدة مفتوحتين فلام مكسورة فتحتية مشددة - اسم مكان
الهوادج، جمع هودج: من مراكب النساء.
قطف - بضمتين - وقطائف جمع قطيفة: دثار له خمل.
المسك - بالفتح وسكون السين المهملة -: الجلد، والجمع مسوك.
الحلقة - بفتح الحاء وسكون اللام -: السلاح كله.
السهمان - بالضم - والاسهم والسهام جمع سهم وهو النصيب.
الكراع - بضم الكاف وتخفيف الراء - اسم لجماعة الخيل.
تنافست: يقال: نفست به - بكسر الفاء - مثل ضننت به وزنا ومعنى.
أزلقت، قال في النور - بالزاي والقاف - يقال: أزلقت الحامل، إذا رمت ولدها.
انتهى.
والذي في نسخة من العيون مقروءة على مصنفها وغيره - بالفاء - أي دنت وقربت.
شرح غريب محاورة عمرو بن سعدى اليهودي البوق بالضم معروف.
يتأله: يتعبد.
العبر - بكسر العين المهملة وفتح الموحدة -: التذكر والاتعاظ.
عبرنا بها (بضم العين المهملة وتشديد الموحدة المكسورة).(4/334)
الجلد - بفتح الجيم واللام -: القوة.
أهل جد يهود: الجد: المكانة العظيمة والغنى.
النجدة: الشجاعة.
الهيبان (بفتح الهاء وتشديد التحتية بعدها موحدة).
جواس (بفتح الجيم والواو المشددة وآخره سين مهملة).
يتوكفان: ينتظران.
يخفر - بالخاء المعجمة -: ينقض عهدهم.
لم يرعهم: لم يفزعهم.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه خزيت - بالخاء المفتوحة والزاي المكسورة المعجمتين -: ذلت.
الحبور جمع حبر، وهو العالم، ويقال في جمعه أحبار، وأراد بالحبور هنا علماء يهود المدينة.
صرف: تغير.
يدور: يتحول وينتقل.
جدير: حقيق وخليق.
جد بهم: مال بهم.
مشهرة - بالراء - من الشهرة.
ذكور - بذال معجمة - يعني السيوف.
أبارهم - بالراء -: أهلكهم.
اجترموا: اكتسبوا.
الرهو - بالراء - مشي في سكون.
السلم - بفتح السين وكسرها -: الصلح.
حلف: صاحب، والحليف: الصاحب.
غب أمرهم - بالغين المعجمة والموحدة - أي أبعد أمرهم.
الوبال: النكال والقتل.(4/335)
شرح غريب أبيات حسابن ثابت وأبي سفيان بن الحارث السراة: الاشراف.
لؤي (بالهمزة وتركه).
البويرة - بموحدة مضمومة فواو مفتوحة فتحتية ساكنة فراء فتاء تأنيت -: موضع من بلد بني النضير قاله ابن قرقول.
وقال غيره: البويرة: نخل قرب المدينة.
مستطير: منتشر متفرق كأنه طار في نواحيها.
السعير: النار الملتهبة.
بنزه - بموحدة فنون مضمومة فزاي ساكنة وبالهاء - أي ببعد وزنا ومعنى، وقد تفتح النون.
أرضينا - بفتح الضاد، وروي بكسرها - الأول تثنية أرض والثاني جمعها.
تضير - بفتح الفوقية وكسر الضاد من الضير - أي تتضرر بذلك، ومنهم من رواه بالصاد المهملة.(4/336)
الباب السادس عشر في غزوة بدر الموعد
وسببها أن أبا سفيان بن حرب لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى: موعد ما بيننا وبينكم بدر الصفراء، رأس الحول، نلتقي فيها فنقتتل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: قل: نعم إن شاء الله، فافترق الناس على ذلك، ورجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد.
وكانت بدر الصفراء مجمعا للعرب، وسوقا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان ليال خلون منه، فإذا مضت ثمان ليال تفرق الناس إلى بلادهم.
فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب ألا يوافي رسول الله صلى الله عليه وسلم الموعد، وكان أبو سفيان يظهر أنه يريد أن يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع، وتسير في العرب، فيهاب المسلمون ذلك.
وقدم نعيم بن مسعود الاشجعي مكة - وأسلم بعد ذلك - فبصر أبا سفيان وقريشا بتهيؤ المسلمين لحربهم.
وكان عام جدب، فأعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء
المسلمين، واعتل بجدب الارض، وجعل لنعيم عشرين فريضة توضع تحت يد سهيل بن عمرو، على أن يخذل المسلمين عن المسير لموعده، وحمله على بعير.
فقدم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى أرعب المسلمين، وهو يطوف فيهم حتى قدف الرعب في قلوبهم، ولم يبق لهم نية في الخروج، واستبشر المنافقون واليهود، وقالوا: محمد لا يفلت من هذا الجمع، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خشي ألا يخرج معه أحد، وجاءه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقد سمعا ما سمعا، وقالا: يا رسول الله إن الله تعالى مظهر دينه، ومعز نبيه، وقد وعدنا القوم موعدا لا نحب أن نتخلف عنه، فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم، فوالله إن في ذلك لخيرة، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ثم قال: والذي نفسي بيده لاخرجن وإن لم يخرج معي أحد.
فنصر الله تعالى المسلمين، وأذهب عنهم ما كان الشيطان رعبهم.
ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه استخلف على المدينة عبد الله بن عبد الله ابن أبي ابن سلول فيما قاله ابن إسحاق.
وقال محمد بن عمر: استخلف عبد الله بن رواحة.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ألف وخمسمائة، فيهم عدة أفراس، فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لابي بكر، وفرس لعمر بن الخطاب، وفرس لابي قتادة، وفرس لسعيد بن زيد، وفرس للمقداد بن الاسود، وفرس للحباب بن المنذر، وفرس للزبير بن العوام، وفرس لعباد بن بشر.(4/337)
وحمل لواء رسول الله صلى الله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وخرج المسلمون بتجارات لهم إلى بدر فربحت ربحا كثيرا.
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ريحت للدينار دينارا.
فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقام السوق صبيحة الهلال، فأقاموا ثمانية أيام، والسوق قائمة، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده.
فأتاه مخشي بن عمرو الضمري، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة
ودان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الموسم، فقال: يا محمد، لقد أخبرنا أنه لم يبق منكم أحد، فما أعلمكم إلا أهل الموسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن شئت مع ذلك رددنا ما كان بيننا وبينك، فقال: لا والله ما لنا بذلك من حاجة، بل نكف أيدينا عنكم، ونتمسك بحلفك.
وقال أبو سفيان لقريش: قد بعثنا نعيم بن مسعود لان يخذل أصحاب محمد عن الخروج، وهو جاهد، ولكن نخرج نحن فنسير ليلة أو ليلتين ثم نرجع، فإن كان محمد لم يخرج بلغه أنا خرجنا فرجعنا، لانه لم يخرج، فيكون هذا لنا عليه، وإن كان خرج أظهرنا أن هذا عام جدب، ولايصلحنا إلا عام عشب.
قالوا: نعم ما رأيت.
فخرج في قريش وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا، حتى انتهوا إلى مجنة من ناحية الظهران، ثم قال: ارجعوا لا يصلحنا إلا عام خصب غيداق، نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا، فسمى أهل مكة ذلك الجيش " جيش السويق "، ويقولون: خرجوا يشربون السويق.
وانطلق معبد بن أبي معبد الخزاعي سريعا، بعد انقضاء الموسم إلى مكة، فأخبر بكثرة المسلمين، وأنهم أهل ذلك الموسم، وأنهم ألفان، وأخبر بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للضمري، فقال صفوان بن أمية لابي سفيان: قد والله نهيتك يومئذ أن تعد القوم، وقد اجترأوا علينا، ورأوا أنا قد أخلفناهم، وإنما خلفنا الضعف عنهم، وأخذوا في الكيد والنفقة في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجلبوا من حولهم من العرب، وجمعوا الاموال وضربوا البعث على أهل مكة، فلم يترك أحد منهم إلا أن يأتي بمال، ولم يقبل من أحد منهم أقل من أوقية لغزو الخندق.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.(4/338)
ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الاشعار
قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد * لميعاده صدقا وما كان وافيا فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا * لابت ذميما وافتقدت المواليا تركنا به أوصال عتبة وابنه * وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا عصيتم رسول الله أف لدينكم * وأمركم السئ الذي كان غاويا فإني وإن عنفتموني لقائل * فدى لرسول الله أهلي وماليا أطعناه لم نعذله فينا بغيره * شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه: دعوا فلجات الشام قد خال دونها * جلاد كأفواه المخاض الاوارك بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصاره حقا وأيدي الملائك إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا لها: ليس الطريق هنالك أقمنا على الرس النزوع ثمانيا * بأرعن جرار عريض المبارك بكل كميت جوزه نصف خلقه * وقب طوال مشرقات الحوارك ترى العرفج العامي تذري أصوله * مناسم أخفاف المطي الرواتك فإن نلق في تطوافنا والتماسنا * فرات بن حيان يكن رهن هالك وإن تلق قيس بن امرئ القيس بعده * يزد في سواد لونه لون حالك فأبلغ أبا سفيان عني رسالة * فإنك من غر الرجال الصعالك تنبيهان الأول: قال في البداية: قال الواقدي: خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مستهل ذي القعدة، يعني سنة أربع، والصحيح قول ابن إسحاق أن ذلك في شعبان من هذه السنة، ووافق موسى بن عقبة أنها في شعبان لكن قال سنة ثلاث.
وهذا وهم فإن هذه تواعدوا إليها من أحد، وكانت أحد في شوال سنة ثلاث.
الثاني: في بيان غريب ما سبق: كثيف: كثير.
عام جدب: قحط.
الفريضة هنا.
البعير.(4/339)
أرجف: خوف.
بصر - بالموحدة والصاد المهملة المشددة -: أعلم.
مجنة - بميم فجيم فنون مشددة مفتوحات ويجوز كسر الميم والنون -: سوق بقرب مكة.
الظهران: تقدم الكلام عليه.
غيداق: كثير النبات والامطار.
استجلبوا العرب - بالحاء المهملة -: جمعوهم وألبوهم.
افتقدت: فقدت.
الموالي هنا.
القرابة.
الثاوي: المقيم.
أف: كلمة تقال عند تقذر الشئ.
وأمركم السئ: أراد السيئ فخفف، كما يقال: هين وهين وميت وميت، ويروى بالشين المعجمة.
عنفتموني: لمتموني.
لم نعدله، أي لم نسوه مع غيره.
الفلجات: الاودية، واحدها فالج وفلج.
وفلج أيضا: اسم نهر بعينه.
المخاض: الحوامل من الابل.
الاوارك: التي ترعى الاراك، وهو شجر.
الغور: المنخفض من الارض.
عالج: اسم مكان فيه رمل كثير.
الرس: البئر.
النزوع: التي يخرج ماؤها بالايدي.
الارعن: الجيش الكثير الذي له أتباع وفضول.
جرار (بالجيم والراء).
عريض: متسع.(4/340)
جوزه - بالجيم والزاي - يعني وسطه، وأراد به هنا بطنه.
قب: جمع أقب وهو الضامر.
الحوارك جمع حارك وهو أعلى الكتفين من الفرس.
العرفج - بعين مهملة فراء ففاء فجيم -: نبات.
العامي: الذي أتى عليه عام.
تذري أصوله - بفوقية فذال معجمة - أي تقلعه وتطرحه.
مناسم: جمع منسم وهو طرف خف البعير، والخف للبعير بمنزلة الحافر للدابة.
الرواتك: المسرعة.
والرتك والرتكان: ضرب من المشي فيه إسراع.
الحالك - بالحاء المهملة -: الشديد السواد.
الغر: البيض.
الصعالك:: جمع صعلوك، حذفت الياء من الجمع هنا لاقامة وزن الشعر، وهو الفقير الذي لا مال له.(4/341)
الباب السابع عشر في غزوة دومة الجندل
وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدنو إلى أدنى الشام، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشام، فلو دنوت لها لكان ذلك مما يفزع قيصر، وذكر له أن بها جمعا كثيرا، وأنهم يظلمون من مر بهم، ويريدون أن يدنوا من المدينة، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس.
واستخلف على المدينة سباع - بمهملة مكسورة فموحدة فألف فعين مهملة - ابن عرفطة بضم العين المهملة والفاء - الغفاري، بكسر الغين المعجمة.
وخرج صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه، فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له: " مذكور " رضي الله عنه، هاد خريت، وسار مغذا للسير، ونكب عن طريقهم، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دومة الجندل قال له الدليل: يا رسول الله، إن سوائمهم ترعى عندك فأقم لي حتى أطلع لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم "، فخرج العذري طليعة وحده حتى وجد آثار النعم والشاء وهم مغربون، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقد عرف مواضعهم، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وفر باقيهم فتفرق أهل دومة الجندل، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد بها أحدا، فأقام بها أياما، وبث السرايا فعادت كل سرية بإبل ولم تلق أحدا، إلا أن محمد بن مسلمة أخذ رجلا منهم، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس لما سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام أياما فأسلم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، في العشرين من ربيع الآخر، ووادع صلى الله عليه وسلم في طريقه عيينة بن حصن الفزاري أن يرعى بتغلمين وما والاها إلى المراض، وكانت بلاده قد أجدبت.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق: دومة الجندل - بدال مهملة مضمومة، ويجوز فتحها فواو ساكنة -: بلد بينها وبين دمشق خمس ليال.
أدنى الشام: أقربها إلى المدينة.
هاد: دليل.
الخريت: الماهر الذي يهتدي لاخرات المفازة، وهي طرقها الخفية ومضايقها.
نكب - بالنون - عدل.
السوائم جمع سائمة.(4/342)
الطليعة: القوم يبعثون أمام الجيش.
مغربون (بغين معجمة مفتوحة فراء مكسورة مشددة).
الساحة: الموضع المتسع أمام الدار.
وادع: صالح.
تغلمين - بفوقية فغين معجمة ساكنة فلام مفتوحة فتحتية ساكنة فنون -: موضع في بني فزارة.
المراض كسحاب: موضع، أو واد، على ستة وثلاثين ميلا من المدينة.(4/343)
الباب الثامن عشر في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع
، وسببها أن الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن مالك بن جذيمة بن كعب بن خزاعة سيد بني المصطلق جمع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قدر عليه من قومه ومن العرب، فتهيأوا للمسير إليه، وكانوا ينزلون ناحية الفرع، فبلغ خبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث بريدة - بضم الموحدة - ابن الحصيب - بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين - الاسلمي يعلم ذلك، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول، فأذن له، فخرج حتى ورد عليهم ماءهم، فوجد قوما مغرورين قد تألبوا وجمعوا الجموع، فقالوا: من الرجل ؟
قال: رجل منكم قدمت لما بلغني عن جمعكم لهذا الرجل، فأسير في قومي ومن أطاعني، فنكون يدا واحدة حتى نستأصله.
قال الحارث بن أبي ضرار: فنحن على ذلك فعجل علينا، فقال بريدة: أركب الآن فأتيكم بجمع كثيف من قومي، فسروا بذلك منه، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر القوم، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم خبر عدوهم، فأسرع الناس الخروج.
ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة، فيما قال محمد بن عمر، وابن سعيد.
وقال ابن هشام: أبا ذر الغفاري، ويقال: نميلة بن عبد الله الليثي، وهو بضم النون تصغير نملة.
وقاد المسلمون ثلاثين فرسا، للمهاجرين عشرة، منها فرسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لزاز - بلام فزاي فألف فزاي أخرى - والظرب - بظاء معجمة مشددة مفتوحة فراء مكسورة فموحدة.
وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قط مثلها، ليس بهم رغبة في الجهاد إلا أن يصيبوا من عرض الدنيا، ولقرب السفر عليهم.
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك على الخلائق فنزل بها، فأتي يومئذ برجل من عبد القيس فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أين أهلك ؟ قال: بالروحاء، فقال: أين تريد ؟ قال: إياك جئت لاؤمن بك، وأشهد أن ما جئت به حق، وأقاتل معك عدوك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداك إلى الاسلام، وسأل: أي الاعمال أحب إلى الله ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة لاول وقتها.
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا للمشركين، فسأله عنهم، فلم يذكر من شأنهم شيئا،(4/344)
فعرض عليه الاسلام فأبى، فأمر عمر بن الخطاب فضرب عنقه.
وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع، وقد بلغ القوم مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتله
عينهم، فتفرق عن الحارث من كان قد اجتمع عليه من أفناء العرب.
وضرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبة من أدم.
وكان معه من نسائه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وتهيأ الحارث للحرب، فصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر، ويقال: إلى عمار بن ياسر، وراية الانصار إلى سعد بن عبادة.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فنادى في الناس: قولوا: لا إله إلا الله، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم، ففعل عمر ذلك، فأبوا، فتراموا بالنبل ساعة، فكان أول من رمى رجل منهم بسهم، فرمى المسلمون ساعة بالنبل، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحملوا، فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت من المشركين إنسان، وقتل عشرة منهم، وأسر سائرهم، وسبا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء.
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم هجم عليهم وهم غارون وما قتل من المسلمين إلا رجل واحد يقال له: هشام بن صبابة - بصاد مهملة مضمومة فموحدة مخففة فألف فموحدة أخرى - أصابه رجل من الانصار يقال له: أوس من رهط عبادة بن الصامت، يرى أنه من المشركين فقتله خطأ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج ديته، فقبضها أخوه مقيس بن صبابة، وعدا على قاتل أخيه فقتله، فارتد ولحق بقريش فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فقتل يوم الفتح.
قال أبو قتادة: حمل لواء المشركين يومئذ صفوان ذو الشقرة، فلم تكن لي ناهية حتى شددت عليه، وكان الفتح.
وكان شعار المسلمين يومئذ: " يا منصور أمت ".
وروى محمد بن عمر عن جويرية رضي الله عنها قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسيع، فأسمع أبي يقول: أتانا ما لا قبل لنا به، قالت: فكنت أرى من الناس والسلاح والخيل ما لا أصف من الكثرة، فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا جعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعلمت أنه رغب من الله تعالى يلقيه في قلوب
المشركين.
وكان رجل منهم قد أسلم وحسن إسلامه يقول: كنا نرى رجالا بيضا على خيل يلق ما كنا نراهم قبل ولا بعد.(4/345)
ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بتكتيف الاسارى وقسمة الغنيمة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاسارى فكتفوا، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب وأمر بما وجد في رحالهم من متاع وسلاح فجمع، وسيقت النعم والشاء، واستعمل على ذلك شقران مولاه، وهو بضم الشين المعجمة وإسكان القاف.
وجمع الذرية ناحية.
واستعمل على مقسم الخمس وسهمان المسلمين محمية - بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وكسر الميم وفتح التحتانية - ابن جزء، بفتح الجيم وسكون الزاي فهمزة - الزبيدي - بضم أوله - فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس من جميع المغنم، وكان يليه محمية بن جزء وكان يجمع إليه الاخماس، وكانت الصدقات على حدتها وأهل الفئ بمعزل عن الصدقة، وأهل الصدقة بمعزل عن الفئ.
وكان يعطي من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف، فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفئ وأخرج من الصدقة، ووجب عليه الجهاد، فإن كره الجهاد وأباه لم يعط من الصدقة شيئا، وخلى بينه وبين أن يكتسب لنفسه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع سائلا، فأتاه رجلان يسألانه من الخمس فقال: إن شئتما أعطيتكما منه، ولاحظ فيه لغني ولا لقوي مكتسب.
وفرق السبي فصار في أيدي الرجال، وقسم المتاع والنعم والشاء، وعدلت الجزور بعشر من الغنم.
وبيعت رثة المتاع فيمن يريد.
وأسهم للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللراجل سهم.
وكانت الابل الفي بعير، والشاء خمسة آلاف شاة.
وكان السبي مائتي أهل بيت.
وصارت جويرية بنت الحارث سيد القوم في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له، فكاتبها على تسع أواق من ذهب.
ذكر تزوجه صلى الله عليه وسلم بجويرية رضي الله عنها وبركة ذلك قال أبو عمر رحمه الله: كان أسمها برة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية.
وروى محمد بن إسحاق والامام أحمد وأبو داود ومحمد بن عمر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت جويرية امرأة حلوة ملاحة، لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عندي ونحن على الماء إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت:(4/346)
يا رسول الله إني امرأة مسلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، أصابنا من الامر ما قد علمت ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس - أو ابن عم له فتخلصني من ابن عمه بنخلات له بالمدينة - فكاتبني على ما لا طاقة لي به ولا يدان، وما أكرهني على ذلك إلا أني رجوتك صلى الله عليك فأعني في مكاتبتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو خير من ذلك ؟ فقالت: وما هو يا رسول الله ؟ قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت بن قيس فطلبها منه، فقال ثابت: هي لك يا رسول الله بأبي وأمي، فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عليها من كتابتها، وأعتقها وتزوجها، وخرج الخبر إلى الناس ورجال بني المصطلق قد اقتسموا وملكوا ووطئت نساؤهم، فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي.
قالت عائشة رضي الله عنها: فأعتق مائة أهل بيت بتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها (1).
ذكر منام أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها
روى هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت جويرية: رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبرها أحدا من الناس، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سبينا رجوت الرؤيا، فلما أعتقني وتزوجني والله ما كلمته في قومي، حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم، وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر، فحمدت الله تعالى.
ذكر افتداء من بقي من السبي روى الشيخان وأبو داود والنسائي ومحمد بن عمر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبايا وبنا شهوة إلى النساء، واشتدت علينا العزوبة، وأحببنا الفداء، فقلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ؟ فسألناه عن ذلك، فقال: ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة (2).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 5 / 179 والبيهقي في السنن 9 / 75 والحاكم في المستدرك 4 / 26 وابن حبان (1547) وابن سعد في الطبقات 8 / 83 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (39708).
(2) أخرجه البخاري 3 / 194 وأبو داود (2172) وأحمد في المسند 3 / 68 وأبو نعيم في الحلية 5 / 146.
(*)(4/347)
قال محمد بن عمر رحمه الله: فكان أبو سعيد يقول: فقدم علينا وفدهم فافتدوا الذرية والنساء، ورجعوا بهم إلى بلادهم، وخير من خير منهن أن تقيم عند من صارت في سهمه فأبين إلا الرجوع.
وافتديت المرأة والذرية بست فرائض، وخرجت بجارية أبيعها في السوق، فقال لي يهودي: يا أبا سعيد، لعلك تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة، فقلت: كلا إني كنت أعزل عنها، قال: تلك الموؤودة الصغرى، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ذلك، فقال: كذبت يهود، كذبت يهود.
ذكر ما ظهر من ابن أبي في هذه الغزوة من النفاق
بينما المسلمون على ماء المريسيع وقد انقطع الحرب، وهو ماء ظنون إنما يخرج في الدلو نصفه، أتى سنان بن وبر الجهني وعلى الماء جمع من المهاجرين والانصار، فأدلى دلوه وأدلى جهجاه بن مسعود الغفاري أجير عمر بن الخطاب، فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه، وتنازعا فضرب جهجاه سنانا فسال الدم، فنادى سنان: يا للانصار، ونادى جهجاه: يا للمهاجرين، وفي لفظ: يا لقريش، فأقبل جمع من الحيين، وشهروا السلاح حتى كادت أن تكون فتنة عظيمة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية ؟ ! فأخبر بالحال فقال: " دعوها فإنها منتنة، ولينصر الرجل أخاه ظالما كان أو مظلوما، فإن كان ظالما فلينهه، وإن كان مظلوما فلينصره ".
وإن جماعة من المهاجرين كلموا عبادة بن الصامت، وجماعة من الانصار كلموا سنانا فترك حقه، وكان عبد الله بن أبي جالسا مع عشرة مع المنافقين: [ منهم ] مالك، وسويد، وداعس، وأوس بن قيظي، ومعتب بن قشير، وزيد بن اللصيت وعبد الله بن نبتل، وفي القوم زيد بن أرقم رضي الله عنه وهو غلام لم يبلغ الحلم أو قد بلغ، فبلغ ابن أبي صياح جهجاه: يا آل قريش، فغضب ابن أبي غضبا شديدا، وقال: والله ما رأيت كاليوم قط، والله إن كنت لكارها لوجهي هذا، ولكن قومي غلبوني، أو قد فعلوها ؟ لقد نافرونا وكاثرونا في بلدنا، وأنكروا منتنا، والله ما صرنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: " سمن كلبك يأكلك "، والله لقد ظننت أني سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما هتف به جهجاه، وأنا حاضر لا يكون لذلك مني غير، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل.
ثم أقبل على من حضر من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم: أنزلتموهم بلادكم فنزلوا، وأسهمتموهم في أموالكم حتى استغنوا، أما والله لو أمسكتم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم، ثم لم يرضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا، فقتلتم دونه، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا.
فقام زيد بن أرقم بهذا الحديث كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده نفرا من المهاجرين والانصار، فأخبره الخبر، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وتغير وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا(4/348)
غلام لعلك غضبت عليه ! قال: لا والله يا رسول الله، فقد سمعته منه، قال: لعله أخطأ سمعك، قال: لا والله يا رسول الله، قال: فلعله شبه عليك، قال: لا والله يا رسول الله.
وشاع في العسكر ما قال ابن أبي، وليس للناس حديث إلا ما قال، وجعل الرهط من الانصار يؤنبون الغلام ويلومونه، ويقولون: عمدت إلى سيد قومك تقول عليه ما لم يقل، وقد ظلمت وقطعت الرحم ! فقال زيد: والله لقد سمعت ما قال، والله ما كان في الخزرج رجل واحد أحب إلي من عبد الله بن أبي، ولو سمعت هذه المقالة من أبي لنقلتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لارجو أن ينزل الله على نبيه ما يصدق حديثي.
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، مر عباد بن بشر - ويقال: محمد بن مسلمة - فليأتك برأسه، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة، وقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وقام النفر من الانصار الذين سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم ورده على الغلام، فجاءوا إلى ابن أبي فأخبروه.
وقال أوس بن خولي.
يا أبا الحباب، إن كنت قلته فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فليستغفر لك.
ولا تجحده، فينزل فيك ما يكذبك، وإن كنت لم تقله فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر له، واحلف له ما قلته.
فحلف بالله العظيم ما قال من ذلك شيئا.
ثم مشى ابن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن أبي إن كانت منك مقالة فتب، فجعل يحلف بالله ما قلت ما قال زيد، ولا تكلمت به.
! فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثة ولم يحفظ ما قال الرجل "، حدبا على ابن أبي ودفعا عنه، وكان شريفا في قومه عظيما، فظان يظن أنه قد صدق، وظان يظن به السوء.
ذكر تكبيس ظهره صلى الله عليه وسلم روى محمد بن عمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: لما كان من أمر ابن أبي ما كان جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فئ شجرة عنده غلام أسود يغمز ظهره، فقلت: يا رسول الله كأنك تشتكي ظهرك ! فقال: تقحمت بي الناقة الليلة، فقلت: يا
رسول الله ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو كنت فاعلا ؟ " قلت: نعم والذي بعثك بالحق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذن لارعدت له آنف بيثرب كثيرة، لو أمرتهم بقتله قتلوه، قلت: يا رسول الله فمر محمد بن مسلمة يقتله، قال: لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، قلت: فمر الناس بالرحيل، قال: نعم، قال: فأذنت بالرحيل في الناس، ويقال: لم يشعر أهل العسكر إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلع على ناقته القصواء، وكانوا في حر شديد، وكان لا يروح حتى يبرد، إلا أنه لما جاءه خبر ابن أبي رحل في تلك الساعة، فكان أول من لقيه(4/349)
سعد بن عبادة، ويقال: أسيد بن حضير، وبه جزم ابن إسحاق.
وقال محمد بن عمر: إنه الثبت، فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
قال: يا رسول الله قد رحلت في ساعة منكرة لم تكن ترحل فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولم يبلغك ما قال صاحبكم ؟ " قال: أي صاحب يا رسول الله ؟ قال: ابن أبي، زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الاعز منها الاذل، قال: فأنت يا رسول الله تخرجه إن شئت، فهو الاذل وأنت الاعز، والعزة لله ولك وللمؤمنين.
ثم قال: يا رسول الله: ارفق به، فوالله لقد جاء الله تعالى بك وإن قومه لينظمون له الخرز فما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي، قد أرب بهم فيها لمعرفته بحاجتهم إليها، فجاء الله تعالى بك على هذا الحديث، فلا يرى إلا أن قد سلبته ملكه.
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي (1) مقالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله، إن كنت تريد أن تقتل أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فوالله لاحملن إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، والله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر بوالديه مني، وما أكل طعاما منذ كذا وكذا من الدهر ولا شرب شرابا إلا بيدي، وإني لاخشى يا رسول الله أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس، فأقتله فأدخل النار.
وعفوك أفضل، ومنك أعظم ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الله ما
أردت قتله ولا أمرت به، ولنحسنن له صحبته ما كان بين أظهرنا " فقال عبد الله: " يا رسول الله، إن أبي كانت أهل هذه البحيرة قد اتسقوا عليه ليتوجره عليهم، فجاء الله تعالى بك، فوضعه الله ورفعنا بك، ومعه قوم يطوفون به يذكرونه أمورا قد غلب الله تعالى عليها.
ثم متن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الارض، فوقعوا نياما، ولم ينزل أحد عن رحلته إلا لحاجة أو لصلاة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحث راحلته ويخلفها بالسوط في مراقها، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالامس، من حديث عبد الله بن أبي.
ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع - بالنون - ويقال نقعاء - بالنون المفتوحة والقاف الساكنة والمد.
__________
(1) (عبد الله) بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحر بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الانصاري الخزرجي...وهو ابن أبي ابن سلول وكانت سلول امرأة من خزاعة وكان أبوه رأس المنافقين وكان اسم هذا الحباب بضم المهملة والموحدتين وبه يكنى أبوه فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله وشهد عبد الله هذا بدرا وأحدا والمشاهد قال ابن أبي حاتم صحبة وذكره ابن شهاب وعروة.
[ الاصابة 4 / 95، 96 ].
(*)(4/350)
ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بموت كبير من المنافقين وإخباره عن موضع ناقته حين فقدت وبما قاله بعض أهل النفاق روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد تدفن الراكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثت هذه الريح لموت منافق.
فلما قدمنا المدينة أذن: قد مات عظيم من عظماء المنافقين (1).
قال محمد بن عمر: لما سرح الناس ظهرهم أخذتهم ريح شديدة حتى أشفق الناس منها وقالوا: لم تهج هذه الريح إلا لامر قد حدث، وإنما بالمدينة الذراري والصبيان، وكان بين
النبي صلى الله عليه وسلم وعيينة بن حصن مدة، وكان ذلك حين انقضائها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس عليكم فيها بأس، ما بالمدينة من نقب إلا عليه ملك يحرسه، وما كان ليدخلها عدو حتى تأتوها، ولكن مات اليوم بالمدينة منافق عظيم النفاق، فلذلك عصفت هذه الريح، وكان موته للمنافقين غيظا شديدا، وهو زيد بن رفاعة بن التابوت، مات ذلك اليوم، كان كهفا للمنافقين ".
وروى محمد بن عمر، عن جابر رضي الله عنه قال: كانت الريح [ يومئذ ] أشد ما كانت قط إلى أن زالت الشمس، ثم سكنت آخر النهار، وذكر أهل المدينة أنهم وجدوا مثل ذلك من شدة الريح حتى دفن عدو الله فسكنت الريح.
وقال محمد بن عمر: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه: قال عبادة بن الصامت يومئذ لابن أبي: يا أبا الحباب، مات خليلك ! قال: أي خليل ؟ قال: من موته فتح للاسلام وأهله، قال: من ؟ قال زيد بن رفاعة بن التابوت، قال: يا ويلاه، كان والله وكان ! فقال عبادة: اعتصمت والله بالذنب الابتر، قال: من أخبرك يا أبا الوليد بموته ؟ قال: قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه مات هذه الساعة.
فسقط في يديه، وانصرف كئيبا حزينا.
وروى ابن إسحاق والبيهقي وأبو نعيم عن موسى بن عقبة، وعروة وابن إسحاق عن محمد بن عمر عن ابن رومان وعاصم بن عمر بن قتادة واللفظ لابن عمر قالوا: فقدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء من بين الابل، فجعل المسلمون يطلبونها في كل وجه، فقال زيد بن اللصيت، وكان منافقا وهو في جماعة من الانصار، منهم عباد بن بشر بن وقش، وسلمة بن سلامة بن وقش، وأسيد بن حضير، فقال: أين يذهب هؤلاء في كل وجه ؟ قالوا: يطلبون ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضلت، قال: أفلا يخبره الله بمكانها ؟ فأنكر عليه القوم، فقالوا:
__________
(1) أخرجه مسلم 4 / 2145 (15 - 2782).
(*)(4/351)
قاتلك الله، يا عدو الله، نافقت.
ثم أقبل عليه أسيد بن حضير فقال: والله لولا أني لا أدري ما
يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك لانفذت خصيتك بالرمح يا عدو الله فلم خرجت معنا وهذا في نفسك ؟ قال: خرجت لاطلب من عرض الدنيا، ولعمري إن محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة، يخبرنا عن أمر السماء.
ووقعوا به جميعا، وقالوا: والله لا يكون منك سبيل أبدا، ولا يظلنا وإياك ظل أبدا، ولو علمنا ما في نفسك ما صحبتنا [ ساعة من نهار ] فوثب هاربا منهم أن يقعوا به، ونبذوا متاعه، فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس معه فرارا من أصحابه متعوذا به، وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما قال من السماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافق يسمع: " إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وقال: " ألا يخبره الله بمكانها ؟، فلعمري إن محمدا ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة "، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وإن الله تعالى قد أخبرني بمكانها، وإنها في هذا الشعب مقابلكم، قد تعلق زمامها بشجرة، فاعمدوا نحوها (3).
فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر المنافق إليها سقط في يده، فقام سريعا إلى رفقائه الذين كانوا معه، فإذا رحله منبوذ، وإذا هم جلوس لم يقم رجل منهم من مجلسه، فقالوا له حين دنا: لا تدن منا ! فقال: أكلمكم، فدنا فقال: أنشدكم الله - وفي لفظ: أذكركم الله - هل أتى أحد منكم محمدا فأخبره بالذي قلت ؟ قالوا: لا، والله، ولا قمنا من مجلسنا، قال: فإني قد وجدت عند القوم ما تكلمت به، وتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأخبرهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد أتي بناقته، وقال: إني قد كنت في شك من شأن محمد، فأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأني لم أسلم إلا اليوم.
قالوا: فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك.
فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغفر له، واعترف بذنبه.
قال ابن عمر: ويقال: إنه لم يزل فشلا حتى مات، وصنع مثل هذا في غزوة تبوك.
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي العقيق تقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي، فجعل يتصفح الركاب حتى مر أبوه، فأناخ به، ثم وطئ على يد راحلته فقال أبوه: ما تريد يا لكع ؟ قال: والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتعلم أيهما الاعز من الاذل: أنت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فمن مر به من المسلمين يرفده عبد الله بن عبد الله ويمنع غير ذلك، فيقول:
تصنع هذا بأبيك ؟ ! حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقيل: عبد الله بن عبد الله بن أبي يأبى أن يأذن لابيه حتى تأذن له، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله واطئ على يد راحلة أبيه، وابن أبي يقول: لانا أذل من الصبيان، لانا أذل من النساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خل عن أبيك "، فخلى عنه.
ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنقيع - وهو بالنون - منصرفه من المريسيع ورأى سعة وكلا(4/352)
وغدرانا كثيرة، فسأل عن الماء، فقيل: يا رسول الله إذا صفنا قلت المياه، وذهبت الغدر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة أن يحفر بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى، واستعمل عليه يومئذ بلال بن الحارث المزني - بضم الميم وفتح الزاي وقبل ياء النسب نون - فقال بلال: يا رسول الله وكم أحمي منه ؟ فقال: أقم رجلا صيتا إذا طلع الفجر، ثم أقمه على هذا الجبل - يعني مقملا - فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها، فقال بلال: يا رسول الله، أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين ؟ فقال: " لا يدخلها "، قلت: يا رسول الله أرأيت المرأة والرجل الضعيف تكون له الماشية اليسيرة وهو يضعف عن التحول ؟ قال: " دعه يرعى ".
ذكر مسابقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل والابل قال محمد بن عمر: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل والابل، فسبقت القصواء الابل، وسبق فرسه الخيل، وكان معه صلى الله عليه وسلم فرسان: لزاز وآخر يقال له الظرب، فسبق يومئذ على الظرب، وكان الذي سبق عليه أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه، والذي سبق على ناقته بلال بن رباح.
ذكر نهيه صلى الله عليه وسلم عن طروق النساء وإخباره بعض أصحابه بما وقع له روى محمد بن عمر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت رفيق
عبد الله بن رواحة في غزوة المريسيع، فأقبلنا حتى إذا انتهينا إلى وادي العقيق في وسط الليل، فإذا الناس يعرسون فقلنا: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: تقدم الناس وقد نام، فقال لي عبد الله بن رواحة: يا جابر، هل لك بنا في التقدم والدخول على أهلنا ؟ فقلت: يا أبا محمد، لا أحب أن أخالف الناس، لا أرى أحدا تقدم.
قال ابن رواحة: والله ما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التقدم.
قال جابر: فقلت: أما أنا فلست ببارح.
فودعني وانطلق إلى المدينة، فأنظر إليه على ظهر الطريق ليس معه أحد، فطرق أهله بني الحارث بن الخزرج، فإذا مصباح في وسط بيته، وإذا مع امرأته إنسان طويل، فظن أنه رجل، وسقط في يديه، وندم على تقدمه، وجعل يقول: الشيطان مع الغر، فاقتحم البيت رافعا سيفه وقد جرده من غمده يريد أن يضربهما، ثم فكر، فغمز امرأته برجله فاستيقظت فصاحت وهي توسن فقال: أنا عبد الله فمن هذا ؟ قالت: رجيلة ماشطتي، سمعنا بقدومكم فباتت عندي، فبات، فلما أصبح خرج معترضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه ببئر أبي عنبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسير بين أبي بكر الصديق وبشير - بوزن أمير - ابن سعد، فالتفت(4/353)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بشير فقال: " يا أبا النعمان "، قال: لبيك إن وجه عبد الله ليخبرك أنه قد كره طروق أهله.
فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خبرك يا بن رواحة ؟ " فأخبره كيف تقدم، وما كان من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تطرقوا النساء ليلا " (1).
قال جابر: فكان ذلك أول ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مؤيدا منصورا.
[ وكانت مدة غيبته شهرا إلا ليلتين ].
ذكر قدوم الحارث بن أبي ضرار، وسبب إسلامه قال الحافظ ابن عائذ: أخبرني محمد بن شعيب، عن عبد الله بن زياد قال: أفاء الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم عام المريسيع في غزوة بني المصطلق جويرية بنت الحارث فأقبل أبوها في فدائها، فلما كان بالعقيق نظر إلى إبله التي يفدي بها ابنته، فرغب في بعيرين منها كانا من أفضلها، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسائر
الابل، فقال: يا محمد، أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فأين البعيران اللذان غيبت بالعقيق بشعب كذا ؟ " فقال الحارث: أشهد أنك رسول الله، ولقد كان مني في البعيرين، وما اطلع على ذلك إلا الله تعالى، فأسلم.
ذكر ما نزل في ابن أبي في هذه الغزوة روى محمد بن عمر، عن رافع بن خديج قال: سمعت عبادة بن الصامت يقول يومئذ لابن أبي قبل أن ينزل فيه القرآن: إيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، قال: فرأيته يلوي رأسه معرضا، يقول عبادة: أما والله لينزلن الله تعالى في لي رأسك قرآنا يصلى به.
قال: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير من يومه ذلك، وزيد بن أرقم يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم براحلته يريد وجهه في المسير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستحث راحلته " حل حل " وهو مغذ في السير، إذ نزل عليه الوحي.
قال زيد بن أرقم: فما هو إلا أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذه البرحاء ويعرق جبينه، وتثقل يدا راحلته حتى ما تكاد تنقلهما عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، ورجوت أن ينزل الله تعالى تصديقي قال زيد: فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأذني وأنا على راحلتي حتى ارتفعت من مقعدي، ورفعها إلى السماء، وهو يقول: وفت أذنك يا غلام، وصدق الله حديثك.
ونزلت سورة المنافقين في ابن أبي من أولها إلى آخرها، وجعل بعد ذلك ابن أبي إذا أحدث حدثا كان قومه هم الذين يعاقبونه ويأخذونه ويعنفونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن
__________
(1) أخرجه الدارمي 1 / 118 والطبراني في الكبير 11 / 245 والحاكم في المستدرك 4 / 293 والبيهقي في الدلائل 4 / 271.
(*)(4/354)
الخطاب حين بلغه شأنهم: " كيف ترى يا عمر، إني والله لو قتلته يوم قلت لي: اقتله لارعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ".
قال عمر: قد والله علمت، لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري ! تنبيهات
الأول: المصطلق - بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وكسر اللام بعدها قاف - مفتعل من الصلق وهو رفع الصوت، وهو لقب، واسمه جذيمة - بجيم فذال معجمتين مفتوحة فتحتية ساكنة - ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة: بطن من بني خزاعة.
والمريسيع - بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما سين مهملة مكسورة وآخره عين مهملة - وهو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم، مأخود من قولهم: رسعت عين الرجل، إذا دمعت من فساد.
الثاني: اختلف في زمن هذه الغزوة، فقال ابن إسحاق: في شعبان سنة ست، وبه جزم خليفة بن خياط والطبري.
وقال قتادة وعروة: كانت في شعبان سنة خمس.
ووقع في صحيح البخاري نقلا عن ابن عقبة أنها كانت في سنة أربع.
قال الحافظ: وكأنه سبق قلم، أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع.
والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم: سنة خمس.
ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب: ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس.
ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد عن ابن عمر أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق.
وقال الحاكم في الاكليل: قول عروة وغيره أنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق.
قال الحافظ: ويؤيده ما ثبت في حديث الافك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الافك، أي المذكور في الحوادث، فلو كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست، مع أن الافك كان فيها، لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا، لان سعد بن معاذ مات أيام قريظة وكانت سنة خمس على الصحيح، كما سيأتي تقريره، وإن كانت سنة أربع فهو أسد، فظهر أن غزوة بني المصطلق كانت سنة خمس في شعبان، فتكون وقعت قبل الخندق، لان الخندق كانت في شوال من سنة خمس، فتكون بعدها، فيكون
سعد بن معاذ موجودا في المريسيع.
ورمي بعد ذلك بسهم في الخندق، ومات من جراحته بعد أن حكم في بني قريظة.(4/355)
ويأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على حديث الافك في الحوادث، ويؤيده أيضا أن حديث الافك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التصريح بأن ذلك كان بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة، فتكون المريسيع بعد ذلك، فيترجح أنه سنة خمس.
أما قول الواقدي: إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس، فمردود.
وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد أن الحجاب كان سنة ثلاث، فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال: أشبههما سنة أربع.
الثالث: روى الشيخان عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب إلي: إنما كان ذلك في أول الاسلام، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسعى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، الحديث.
وعنه حدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش.
غارون، بتشديد الراء، أي غافلون.
وذكر جل أهل المغازي أنه حصل بين الفريقين قتال، وذكر جماعة منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يدعوهم إلى توحيد الله تعالى.
قال في الفتح: فيحتمل أن يكونوا حين الايقاع بهم تثبتوا قليلا، فلما كثر فيهم القتال انهزموا، بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافوا، ووقع القتال بين الطائفتين، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم.
وأشار ابن سعد إلى حديث نافع ثم قال: والأول أثبت، وأقره في العيون، والحكم بكون الذي في السير أثبت مما في الصحيح مردود، لا سيما مع إمكان الجمع.
الرابع: جهجاه، وقيل: اسم أبيه مسعود، وقيل: سعيد: قال الطبري: المحدثون يزيدون فيه الهاء، والصواب جهجا، دون هاء.
وسنان اختلف في اسم أبيه أيضا فقيل: وبر بسكون الموحدة، وقيل: بفتحها - وقيل أبير - بوزن [ زبير ]، وقيل: وبرة واحدة الوبر، وقيل: عمرو، وقيل: تيم.
الخامس: قوله صلى الله عليه وسلم: " دعوها فإنها منتنة ".
قال أبو القاسم الخثعمي: يعني " يا لفلان "، لانها من دعوى الجاهلية.
وقد جعل الله تعالى المؤمنين إخوة، وحزبا واحدا، فإنما ينبغي أن تكون الدعوة: يا للمسلمين، فمن دعا في الاسلام بدعوى الجاهلية فيتوجه فيها للفقهاء ثلاثة أقوال: أحدها: أن يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا، اقتداء بأبي موسى الاشعري في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا، حين سمع: يا لعامر ! فأقبل يشتد بعصبة له.(4/356)
القول الثاني: أن فيها الجلد دون العشرة، لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط، إلا في حد.
والقول الثالث: اجتهاد الامام في ذلك حسب ما يراه من سد الذريعة، وإغلاق باب الشر بالوعيد، وإما بالسجن، وإما بالضرب.
فإن قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الرجلين حين دعوا بها، قلنا: قد قال: دعوها فإنها منتنة، فقد أكد النهي، فمن عاد إليها بعد هذا النهي، وبعد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالانتان، وجب أن يؤدب حتى يشم نتنها، كما فعل أبو موسى بالجعدي، ولا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة فيها، والعقوبة عليها.
السادس: في استئذان عبد الله بن عبد الله بن أبي في قتل أبيه المنافق، من أجل المقالة الخبيثة التي قالها.
وفي هذا العلم العظيم والبرهان النير من أعلام النبوة، فإن العرب كانت أشد خلق الله حمية وتعصبا، فبلغ الايمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده، تقربا إلى الله تعالى وتزلفا إلى رسوله، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس [ نسبا ] منهم، أي الانصار، وما تأخر إسلام قومه وبني عمه وسبق إلى الايمان به الاباعد إلا لحكمة عظيمة، إذ
لو بادر أهله وأقربوه إلى الايمان به لقيل: قوم أرادوا الفخر برجل منهم، وتعصبوا له، فلما بادر إليه الاباعد وقاتلوا على حبه من كان منهم، أو من غيرهم، علم أن ذلك عن بصيرة صادقة، ويقين قد تغلغل في قلوبهم، ورهبة من الله تعالى أزالت صفة قد كانت [ سد كت ] في نفوسهم من أخلاق الجاهلية، لا يستطيع إزالتها إلا الذي فطر الفطرة الاولى، وهو القادر على ما يشاء.
السابع: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لجويرية حتى عرف من حسنها ما عرف، وذلك لانها كانت أمة مملوكة، ولو كانت حرة ما ملا عينه منها، لانه لا يكره النظر إلى الاماء.
وجائز أيضا أن يكون نظر إليها لانه نوى نكاحها، أو أن ذلك قبل أن تنزل آية الحجاب.
الثامن: وقع في هذه الغزوة حديث الافك، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث في سنة خمس.
قيل: وفيها نزلت آية التيمم، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث.
التاسع: في بيان غريب ما سبق: الفرع - بالفاء والراء والعين المهملة وزن قفل - من أعمال المدينة.
تألبوا: تجمعوا.
استأصله: أهلكه.
كثيف - بكاف فمثلثة فتحتية ففاء - اسم يوصف به العسكر والسحاب والماء وكثف: غلظ.(4/357)
عرض الدنيا - بفتحتين - المتاع، وكل شئ فهو عرض سوى الدراهم والدنانير فإنها عين.
الخلائق - بالخاء والقاف جمع خليقة -: مكان به مزارع وآبار قرب المدينة.
الروحاء - بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة وألف -: من عمل الفرع.
العين هنا الجاسوس.
الادم (بفتحتين).
يرى - بضم التحتية وفتح الراء -: يظن.
أفناء العرب: قال في النهاية: رجل من أفناء الناس، أي لم يعلم من هو، الواحد فنو.
وقيل: هو من الفناء، وهو المتسع أمام الدار.
النبل - بفتح النون وسكون الموحدة - السهم العربي.
أفلت (بضم أوله).
عدا عليه.
من العدوان.
ذو الشقرة (بشين معجمة فقاف فراء).
" يا منصور أمت ": أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الامانة مع حصول الغرض للشعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها، لاجل ظلمة الليل.
الرعب - براء وعين مهملتين مضمومتين وبضم الراء وسكون العين -: الفزع.
شرح غريب أمره صلى الله عليه وسلم بتكتيف الاسارى سيقت (بكسر السين المهملة وبالبناء للمفعول).
سهمان - بالضم - وأسهم وسهام: جمع سهم.
رثة بالمثلثة وزن هرة: خلقة.
شرح غريب تزوجه صلى الله عليه وسلم بجويرية رضي الله عنها ملاحة قال في المصباح: ملح الشئ بالضم ملاحة بالفتح: بهج وحسن منظره فهو مليح والانثى مليحة، والجمع ملاح.
لا طاقة بكذا ولا يدان، أي لا قوة لي ولا قدرة عليه.
شرح غريب ذكر افتداء من بقى من السبي وما يذكر معه العزوبة - بضم العين المهملة والزاي -: عدم الزوجة.(4/358)
العزل - بفتح العين المهملة وسكون الزاي -: ترك الانزال في الفرج.
النسمة: النفس والروح.
السخل - بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة -: الولد المحبب إلى أبويه، وهو في الاصل ولد الغنم.
الموؤودة: يقال: وأد ابنته وأدا من باب وعد: دفنها حية، فهي مؤؤودة.
شرح غريب ما ظهر من ابن أبي من النفاق الماء الظنون: الذي تتوهمه ولست منه على ثقة، فعول بمعنى مفعول، وقيل: هي البئر التي يظن أن فيها ماء وليس فيها ماء، وقيل: البئر القليلة الماء، وهو المراد هنا.
شهروا السلاح: أظهروه.
يال فلان [...] دعوها - بدال فعين مهملتين فواو فألف -: اتركوها.
منتنة - بميم مضمومة فنون ساكنة فمثناة فوقية فنون - أي مذمومة في الشرع، مجتنبة مكروهة كما يجتنب الشئ المنتن، يريد قولهم: يا لفلان.
نافرونا - بنون فألف ففاء مفتوحة فراء فواو فنون فألف -: غلبونا.
يقال: نافره إذا غلبه.
منتنا: نعمتنا.
الجلابيب - بفتح الجيم -: لقب لكل من أسلم من المهاجرين، لقبهم بذلك المشركون.
والجلابيب في الاصل الازر الغلاظ، كانوا يلتحفون بها فلقبوهم بذلك.
الغير - بكسر الغين المعجمة وفتح التحتية - الاسم من قولك: غيرت الشئ فتغير.
أسهمتموهم: أعطيتموهم نصيبا من أموالكم.
الغرض - بالغين والضاد المعجمة بينهما راء -: الهدف الذي يرمى إليه.
الرهط: ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة، وسكون الهاء أفصح من فتحها.
يؤنبون: يبالغون في التوبيخ والتعنيف.
عمدت: قصدت.
سلف منك: صدر ووقع.
حدبا على ابن أبي - بفتح الحاء والدال المهملتين وبالموحدة -: عطفا عليه.(4/359)
شرح غريب ذكر تكبيس ظهره صلى الله عليه وسلم في فئ: الاولى حرف جر، والثانية من الفئ، وهو الظل.
يغمز ظهره - بغين معجمة فزاي -: يعصره، وهو التكبيس.
تقحمت بي الناقة: ألقتني.
أرعدت: بضم الهمزة وكسر العين المهملة وبالبناء للمفعول.
آنف - بفتح الهمزة - وآناف وأنوف جمع أنف: العضو المعروف.
يشعر: يعلم.
الرواح.
قال الازهري وغيره: قد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار، وليس كذلك، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار، وأما راحت الابل فهي رائحة، فلا يكون إلا بالعشي، إذا أراحها راعيها على أهلها.
يقال: سرحت بالغداة إلى المرعى وراحت بالعشي على أهلها، أي رجعت من المرعى إليهم.
وقال ابن فارس: الرواح: رواح العشي وهو من الزوال إلى الليل.
الخرز - بخاء مفتوحة معجمة فراء فزاي -: الذي ينضم، الواحدة خرزة.
أرب بهم: اشتد عليهم في ثمنها.
البحيرة: اسم للمدينة الشريفة، وتقدم في أسمائها.
اتسقوا عليه: اجتمعوا.
يتوجوه: يلبسوه التاج ويسوده.
والتاج: ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر.
متن - بميم ففوقية مخففة فنون مفتوحات - فإذا بالغت شددت: سار حتى أضعف الابل.
ليشغل الناس: بفتح التحتية وسكون الشين وفتح الغين المعجمتين.
مس الارض: أول ما ينال منها.
الحجاز - بحاء مهملة فجيم فألف فزاي -: مكة والمدينة والطائف ومخاليفها، كأنها حجزت بين نجد وتهامة، أو بين نجد والسراة، أو لانها احتجزت بالحداء.
النقيع (1) - بفتح النون وكسر القاف وهو على أربعة برد من المدينة.
نقعاء: بفتح النون وإسكان القاف وبالعين المهملة والمد.
__________
(1) نقيع بالفتح، ثم الكسر وياء ساكنة، وعين مهملة.(4/360)
شرح غريب ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بموت منافق وما يذكر معه هاجت: ثارت وتحركت.
عصفت الريح: اشتدت.
كئيبا: حزن أشد الحزن.
قاتله الله: لعنه الله وأهلكه.
الحصن: بكسر الحاء المهملة وسكون الصاد المعجمة.
نبذوه - بالذال المعجمة -: رموه.
العمر - بفتح العين المهملة -: الحياة.
الشعب - بكسر الشين المعجمة -: الطريق في الجبل.
عمد - بعين مفتوحة فميم مفتوحة فدال مهملتين -: قصد.
شمت به: فرح بمصيبة نزلت به.
الزمام - بكسر الزاي -: المقود.
سقط في يده (بضم السين المهملة وكسر القاف).
أنشدكم الله، أي أسألكم الله.
قال في النهاية: وتعديته إلى مفعولين إما لانه بمنزلة
دعوت، حيث قالوا: نشدتك الله وبالله، كما قالوا: دعوت زيدا أو بزيد، أو لانهم ضمنوه معنى ذكرت.
فأما أنشدتك بالله فخطأ.
الفشل - بفتح الفاء وكسر الشين المعجمة -: الجبان الضعيف القلب.
تصفح وجوه الناس: نظر في صفحات وجوههم.
الركاب - بالكسر - المطي، الواحدة: راحلة من غير لفظها.
يا لكع - بضم اللام وفتح الكاف - وهو في الاصل العبد، ثم استعمل في الحمق والذم.
يرفده: يعينه.
الكلا - بفتحتين وبالهمز -: العشب رطبا كان أو يابسا، قال ابن فارس وغيره.
الغدران: جمع غدير وهو القطعة من الماء.
مقمل - بميم فقاف مفتوحة فميم مشددة -: جبل قرب المدينة.(4/361)
شرح غريب ذكر نهيه صلى الله عليه وسلم عن طروق النساء طرق أهله يطرقهم بالضم طروقا: أتاهم ليلا.
المعرس - بميم مضمومة فعين مهملة فراء مشددة فسين مهملة -: النازل بمكان ليلا.
ببارح - بموحدتين فألف فراء فحاء مهملة - بذاهب.
الغمد (بكسر الغين المعجمة وسكون الميم).
توسن [ بفتح المثناة فواو ساكنة - شدة النوم - أو أوله ].
الماشطة: مسرحة الشعر.
بئر أبي عنبة: بلفظ واحدة العنب.
شرح غريب ذكر ما نزل في ابن أبي المنافق حل حل - بفتح الحاء المهملة وسكون اللام فيهما، ويقال بكسرها فيهما بالتنوين
وبغير تنوين -: كلمة زجر للابل.
مغذ في السير: مجد.
البرحاء (بضم الموحدة وفتح الراء).(4/362)
الباب التاسع عشر في غزوة الخندق وتسمى غزوة الاحزاب
، وهي الغزوة التي ابتلى الله فيها عباده المؤمنين، وبعث الايمان في قلوب أوليائه المتقين، وأظهر ما كان يبطنه أهل النفاق، وفضحهم وفزعهم، ثم أنزل الله تبارك وتعالى نصره ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، وأعز جنده، ورد الكفرة بغيظهم، ووقى المؤمنين شر كيدهم، وحرم عليهم شرعا وقدرا أن يغزوا المؤمنين بعدها، بل جعلهم المغلوبين، وجعل حزبه هم الغالبين.
وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير، وساروا إلى خيبر، وبها من يهود قوم أهل عدد وجلد، وليس لهم من البيوت والاحساب ما لبني النضير، فخرج حيي بن أخطب وكنانة بن أبي الحقيق وهوذة - بفتح الهاء وبالذال المعجمة - ابن قيس الوائلي، وأبو عامر الفاسق، في جماعة سواهم، إلى مكة فدعوا قريشا وأتباعها إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين حزبوا الاحزاب، فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل محمدا، جئنا لنحالفكم على عداوته وقتاله، ونشطت قريش لذلك، وتذكروا أحقادهم ببدر، فقال أبو سفيان: مرحبا وأهلا، أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد.
وأخرج خمسين رجلا من بطون قريش كلها، وتحالفوا وتعاقدوا وألصقوا أكبادهم بالكعبة، وهم بينها وبين أستارها، لا يخذل بعضهم بعضا، ولتكونن كلمتهم واحدة على محمد، ما بقي منهم رجل.
وقال أبو سفيان: يا معشر يهود، أنتم أهل الكتاب الأول والعلم، أخبرونا عما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد: أديننا خير أم دينه ؟ فنحن عمار البيت، ننحر الكوم، ونسقي
الحجيج، ونعبد الاصنام.
فقالت يهود: اللهم أنتم أولى بالحق منه، إنكم لتعظمون هذا البيت، وتقومون على السقاية، وتنحرون البدن، وتعبدون ما كان يعبد آباؤكم، فأنتم أولى بالحق منه.
فأنزل الله سبحانه وتعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويقولون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، أولئك الذين لعنهم الله، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا.
أم لهم نصيب من الملك، فإذا لا يؤتون الناس نقيرا.
أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة، وآتيناهم ملكا عظيما.
فمنهم من آمن به، ومنهم من صد عنه، وكفى بجهنم سعيرا) [ سورة النساء من 50: 54 ].
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم، ونشطوا إلى ما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتعدوا لذلك وقتا أقتوه.(4/363)
ثم خرجت يهود إلى غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن عمر: وجعلوا لهم تمر خيبر سنة، إن هم نصروهم، وأخبروهم أن قريشا قد تابعوهم على ذلك، واجتمعوا معهم فيه.
ثم خرجت يهود إلى بني سليم فوعدوهم المسير معهم إذا خرجت قريش.
ذكر خروج قريش ومن ذكر معهم ثم إن قريشا تجهزت، وسيرت تدعو العرب إلى نصرها وألبوا أحابيشهم ومن تبعهم، وخرجوا في أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في دار الندوة، وحمله عثمان بن طلحة - وأسلم بعد ذلك - وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف وخمسمائة بعير.
ولاقتهم بنو سليم بمر الظهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس وهو أبو أبي الاعور السلمي، الذي كان مع معاوية بصفين.
وخرجت بنو أسد بن خزيمة وقائدها طلحة بن خويلد الاسدي، وأسلم بعد ذلك.
وخرجت بنو فزارة [ وأوعبت ] وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن، وأسلم بعد ذلك.
وخرجت أشجع، وقائدها مسعود بن رخيلة - بضم الراء وفتح الخاء المعجمة - وأسلم بعد ذلك - وهم أربعمائة.
وخرجت بنو مرة في أربعمائة، يقودهم الحارث بن عوف المري - بميم مضمومة فراء مشددة مكسورة، وأسلم بعد ذلك.
قالوا: وكان القوم الذين وافوا الخندق من قريش وسليم وأسد وغطفان عشرة آلاف.
وعناج الامر إلى أبي سفيان بن حرب.
هذا ما كان من أمر المشركين.
وأما ما كان من أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خزاعة عندما تهيأت قريش للخروج أتى ركبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع ليال حتى أخبروه، فندب الناس، وأخبرهم خبر عدوهم، وشاورهم في أمرهم: أيبرز من المدينة أم يكون فيها، ويحاربهم عليها وفي طرقها ؟ فأشار سلمان رضي الله عنه بالخندق، وقال: يا رسول الله إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا، فأعجبهم ذلك، وأحبوا الثبات في المدينة، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجد، ووعدهم النصر، إذا هم صبروا واتقوا، وأمرهم بالطاعة، ولم تكن العرب تخندق عليها.
وروى البزار عن مالك بن وهب الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سليطا وسفيان بن عوف الاسلمي طليعة يوم الاحزاب، فخرجا حتى إذا كانا بالبيداء التفت عليهما خيل لابي(4/364)
سفيان، فقاتلا حتى قتلا، فأتي بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفنا في قبر واحد، فهما الشهيدان القرينان.
وركب فرسا له ومعه عدة من المهاجرين والانصار رضي الله عنهم، فارتاد موضعا ينزله، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سلعا الجبل خلف ظهره، ويخندق من المذاد إلى ذباب إلى راتج، فعمل يومئذ في الخندق، وندب الناس وخبرهم بدنو عدوهم وعسكرهم إلى سفح سلع وجعل المسلمون يعملون مستعجلين، يبادرون قدوم العدو عليهم، واستعاروا من بني
قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرازين ومكاتل للحفر.
ووكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل جانب من الخندق قوما يحفرونه، فكان المهاجرون يحفرون من ناحية راتج إلى ذباب، وكانت الانصار يحفرون من ذباب إلى جبل أبي عبيدة.
وروى الطبراني بسند لا بأس به عن عمرو بن عوف المزني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق من أجم الشيخين طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا.
وتنافس المهاجرون والانصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قويا، فقال المهاجرون: سلمان منا ! وقالت الانصار: سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلمان من أهل البيت ".
وكان سلمان يعمل عمل عشرة رجال "، حتى عانه قيس بن أبي صعصعة فلبط به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مروه فليتوضأ له، وليغتسل به سلمان، وليكفأ الاناء خلفه، ففعل فكأنما حل من عقال ".
قال أنس بن مالك: وحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل التراب على ظهره، حتى أن الغبار علا ظهره وعكنه.
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: ما نسيت يوم الخندق، وهو يعاطيهم اللبن، وقد اغبر شعره، تعني النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه الامام أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى.
وروى محمد بن عمر عن البراء رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل التراب على ظهره، حتى حال التراب بيني وبينه وإني لانظر إلى بياض بطنه.
وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق.
ولم يتأخر عن العمل في الخندق أحد من المسلمين، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التراب في ثيابهما - إذ لم يجدا مكاتل - من العجلة، وكانا لا يفترقان في عمل، ولا مسير ولا منزل.(4/365)
ذكر ما كان المسلمون يرتجزون به من الشعر في عمل الخندق
قال ابن إسحاق وابن عمر: وارتجز المسلمون في الخندق برجل يقال له: جعيل - بضم الجيم - أو جعالة بن سراقة، وكان رجلا دميما صالحا، وكان يعمل في الخندق، فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه يومئذ فسماه عمرا، فجعل المسلمون يرتجزون ويقول: سماه من بعد جعيل عمرا * وكان للبائس يوما ظهرا وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئا من ذلك، إلا إذا قالوا: عمرا، وإذا قالوا: ظهرا، قال: ظهرا.
وروى الشيخان (1) وغيرهما عن سهل بن سعد والبخاري عن أنس رضي الله عنهما قالا: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر في الخندق، وننقل التراب على أكتادنا وفي لفظ: أكتافنا، وفي لفظ عن متوننا.
وفي رواية: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون يحفرون في غداة باردة، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك، فلما رأى ما هم فيه من النصب والجوع قال: " اللهم لا عيش إلا عيش الاخرة، فاغفر "، وفي لفظ: فأصلح، وفي لفظ: فأكرم المهاجرين والانصار، وفي لفظ: فاغفر للانصار والمهاجرة، فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا قال أنس: ويؤتونه بملء كفي شعير، فيصنع لهم بإهالة سنخة، توضع بين يدي القوم، وهم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن.
وروى الشيخان وأبو يعلى وابن أبي أسامة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى وارى التراب بياض بطنه، وفي لفظ: حتى أغمر بطنه، أو قال اغبر بطنه، وفي لفظ: حتى وارى الغبار جلده، وكان كثيف الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات لابن رواحة: والله لولا ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا * وثبت الاقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا * إذا أرادوا فتنة أبينا
ورفع بها صوته: أبينا أبينا، وفي رواية يمد صوته بآخرها، ولفظ أبي يعلى: " اللهم لولا أنت "، وقد بدل بتصدقنا " صمنا ".
وروى البيهقي عن سلمان رضي الله عنه، وابن أبي أسامة عن أبي عثمان الهندي رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخندق وقال:
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 117 ومسلم في كتاب الطهارة (126 - 127).
(*)(4/366)
باسم الاله وبه هدينا * ولو عبدنا غيره شقينا يا حبذا ربا وحب دينا قال محمد بن عمر: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة اجتهاده في العمل يضرب مرة بالمعول ومرة يغرف بالمسحاة التراب، ومرة يحمل التراب في المكتل، وبلغ منه التعب يوما مبلغا فجلس، ثم اتكأ على حجر على شقه الايسر فنام: فقام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على رأسه ينحيان الناس عنه، أن يمروا به، فينبهوه، ثم استيقظ ووثب فقال: أفلا أفزعتموني ! وأخذ الكرزن يضرب به ويقول: اللهم إن العيش عيش الاخرة * فاغفر للانصار والمهاجرة اللهم العن عضلا والقارة * فهم كلفوني أنقل الحجارة وعمل المسلمون في الخندق حتى أحكموه.
قال محمد بن عمر، وابن سعد: في ستة أيام.
وكان الخندق بسطة أو نحوها.
وأعقب بين عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش، فتكون عائشة عنده أياما، ثم تكون أم سلمة عنده أياما، ثم تكون زينب عنده أياما، فهؤلاء الثلاث اللاتي يعقب بينهن في الخندق، وسائر نسائه في أطم بني حارثة، وكان حصينا، ويقال: كن في النسر أطم في بني زريق، ويقال: كان بعضهن في فارع.
ذكر الايات التي وقعت عند ظهور الصخرة في الخندق روى الامام أحمد والشيخان وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والامام أحمد بسند جيد عن البراء بن عازب، وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو بن عوف، وأبو نعيم عن أنس، والحارث والطبراني عن ابن عمر، والطبراني بسند جيد، عن ابن عباس، والبيهقي وأبو نعيم من طريقين عن ابن شهاب، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن إسحاق عن شيوخه: أن المسلمين عرض لهم في بعض الخندق صخرة، وفي لفظ كدية عظيمة شديدة بيضاء مدورة، لا تأخذ فيها المعاول، فكسرت حديدهم، وشقت عليهم، وفي حديث عمرو بن عوف: أنها عرضت لسلمان.
وذكر محمد بن عمر أنها تعرضت لعمر بن الخطاب، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة تركية فقال: أنا نازل، ثم قام، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن(4/367)
يدعو به، ثم نضح من ذلك الماء عليها، فيقول من حضرها: والذي بعثه بالحق إنها عادت كالكثيب المهيل ما ترد فأسا ولا مسحاة، فأخذ المعول من سلمان، وقال: " بسم الله "، وضرب ضربة فكسر ثلثها، وبرقت برقة فخرج نور من قبل اليمن فأضاء ما بين لابتي المدينة حتى كأن مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " أعطيت مفاتيح اليمن، إني لابصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة، كأنها أنياب الكلاب "، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر، وبرق منها برقة فخرج نور من قبل الروم فأضاء ما بين لابتي المدينة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لابصر قصورها الحمر من مكاني الساعة ".
ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق برقة من جهة فارس أضاءت ما بين لابتي المدينة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لابصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب من مكاني هذا، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا
بالنصر ".
فاستسر المسلمون، وقالوا: الحمد لله موعد صادق، بأن وعدنا النصر بعد الحصر، وجعل يصف لسلمان، فقال سلمان: صدقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه صفته، أشهد أنك رسول الله.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذه فتوح يفتحها الله تعالى بعدي يا سلمان، لتفتحن الشام، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد، وليفتحن هذا المشرق، ويقتل كسرى فلا يكون كسرى بعده " (1).
قال سلمان: فكل هذا قد رأيت.
قال أبو هريرة - فيما رواه بن إسحاق - حين فتحت هذه الامصار زمان عمر، وزمان عثمان ومن بعده: " افتحوا ما بدا لكم، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما فتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله تعالى محمدا مفاتيحها قبل ذلك ".
فقال المنافقون: يخبركم محمد أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق، ولا تستطيعون أن تبرزوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) [ الاحزاب: 12 ].
ذكر الايات التي وقعت لما أصابتهم المجاعة في حفر الخندق روى الشيخان، ومحمد بن عمر، والحاكم، والبيهقي عن جابر بن عبد الله، والطبراني عن أبن عباس رضي الله عنهم:
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 4 / 303.
(*)(4/368)
أن جابرا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عاصبا بطنه بحجر من الجوع وأنهم لبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا.
قال جابر: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنزل فأذن لي، فذهبت فقلت لامرأتي: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا، ما في ذلك صبر، فعندك شئ ؟ قالت: عندي صاع من شعير وعناق، فأخرجت إناء فيه صاع من شعير، وذبحت العناق،
وطحنت الشعير، وجعلنا اللحم في البرمة، فلما انكسر العجين وكادت البرمة أن تنضج وأمسينا، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف - قال: وكنا نعمل نهارا، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا - قالت لي: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه.
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته فقلت: طعيم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان.
فشبك أصابعه في أصابعي وقال: كم هو ؟ فذكرت له، فقال: كثير طيب لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجئ، وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سورا فحي، هلا بكم "، وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، ولقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، وقلت: جاء الخلق، والله إنها للفضيحة على صاع من شعير وعناق، فدخلت على امرأتي فقلت: ويحك ! جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والانصار ومن معهم، فقالت: بك وبك، وفي رواية: هل سألك ؟ قلت: نعم.
وفي رواية: قالت: أنت دعوتهم أو هو ؟ قلت: بل هو دعاهم.
قالت: دعهم، الله ورسوله أعلم، نحن قد أخبرناه بما عندنا.
فكشفت عني.
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " ادخلوا عشرة عشرة، ولا تضاغطوا "، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك، فقال لنا: " اخبزوا واغرفوا وغطوا البرمة، ثم أخرجوا الخبز من التنور، وغطوا الخبز "، ففعلنا، فجعلنا نغرف ويغطي البرمة، ثم يفتحها فما نراها نقصت شيئا، ويخرج الخبز من التنور، ثم يغطيه فما نراه نقص شيئا، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويقرب إلى أصحابه ويقول لهم: " كلوا ".
فإذا شبع قوم قاموا، ثم دعا غيرهم حتى أكلوا وهم ألف، وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو، فقال: " كلوا واهدوا، فإن الناس أصابتهم مجاعة شديدة ".
فلم نزل نأكل ونهدي يومنا ذلك أجمع، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك (1).
وروى ابن إسحاق، وأبو نعم عن أبنة لبشير - بفتح الموحدة - ابن سعد أخت النعمان ابن بشير رضي الله عنه، قالت: بعثتني أمي بجفنة تمر في طرف ثوبي إلى أبي وخالي عبد الله بن رواحة، وهم يحفرون في الخندق، فناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخذ التمر مني
في كفه فما ملاها، وبسط ثوبا فنثره عليه فتساقط - وفي لفظ فتبدد - في جوانبه، ثم قال
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 456 (4101).
(*)(4/369)
لانسان عنده: اصرخ: يا أهل الخندق أن هلم إلى الغداء.
فاجتمعوا وأكلوا منه، وجعل يزيد حتى صدروا عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب (1).
وروى ابن عساكر عن عبيدالله بن أبي بردة قال: أرسلت أم عامر الاشهلية بقعبة فيها حيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في قبته عند أم سلمة، فأكلت أم سلمة حاجتها، ثم خرج بالقعبة، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائه، فأكل أهل الخندق حتى نهلوا منها، وهي كما هي.
وروى أبو يعلى وابن عساكر، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه رضي الله عنه، قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بشاة في مكتل فقال: " يا أبا رافع، ناولني الذراع "، فناولته، ثم قال: " ناولني الذراع " فناولته ثم قال: " ناولني الذراع "، فناولته، ثم قال: " ناولني الذراع "، فناولته، فقلت: يا رسول الله أللشاة إلا ذراعان ؟ ! قال: " لو سكت ساعة لنا ولتنيه ما سألتك " (2).
ذكر بركة يده صلى الله عليه وسلم روى الطبراني وأبو القاسم البغوي عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: لما أجرى أخي علي بن الحكم فرسه، فدق جدار الخندق ساقه، فأتينا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه، فقال: " بسم الله ".
ومسح ساقه فما نزل عنها حتى برأ.
ذكر تخلف جماعة من المنافقين عن مساعدة المسلمين قال ابن إسحاق: وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل، ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ويستأذنه في اللحوق بحاجته، فيأذن له، فإذا قضى حاجته
رجع إلى ما كان فيه من عمله، رغبة في الخير، واحتسابا له.
فأنزل الله تعالى في أولئك المؤمنين: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله، إن الله غفور رحيم) [ سورة النور 62 ].
__________
(1) انظر البداية والنهاية 6 / 133.
(2) أخرجه أحمد في المسند 6 / 8 وأبو نعيم في الدلائل (156) وانظر البداية والنهاية 6 / 139.
(*)(4/370)
وأنزل الله سبحانه وتعالى (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، ألا إن لله ما في السموات والارض، قد يعلم ما أنتم عليه، ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شئ عليم) [ النور 63، 64 ].
ذكر عرضه صلى الله عليه وسلم الغلمان روى محمد بن عمر، عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الغلمان وهو يحفر الخندق، فأجاز من أجاز ورد من رد، وكان الغلمان الذين لم يبلغوا يعملون معه ولم يجزهم، ولكن لما لحم الامر أمر من لم يبلغ أن يرجع إلى أهله إلى الآطام مع الذراري والنساء.
وممن أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم: - عبد الله بن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت وأبا سعيد الخدري، والبراء بن عازب، وهم أبناء خمس عشرة سنة.
ذكر تهيؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرب المشركين ووصولهم إلى المدينة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل الخندق، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم -
فيما قال ابن هشام - ونزل أمام سلع فجعله خلف ظهره، والخندق أمامه، وكان عسكره فيما هنا لك، وضربت له قبة من أدم كانت عند المسجد الاعلى الذي بأصل الجبل - جبل الاحزاب - وكان المسلمون فيما قالوا: ثلاثة آلاف، ووهم من قال: إنهم كانوا سبعمائة.
وكان لواء المهاجرين مع زيد بن حارثة، ولواء الانصار مع سعد بن عبادة.
وجعل النساء والذراري بين الآطام، وشبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن.
روى ابن سعد، عن المهلب بن أبي صفرة، قال: حدثني رجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الخندق: إني لارى القوم الليلة فإن شعاركم: (هم لا ينصرون).
وكان حسان بن ثابت مع النساء والذراري في الآطام.
فروى محمد بن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وأبو يعلى والبزار بسند حسن، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، والطبراني برجال الصحيح، عن عروة بن الزبير مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الخندق فجعل نساءه وعمته صفية في أطم يقال له:(4/371)
فارع، وجعل معهم حسان بن ثابت.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فأقبل عشرة من يهود، فجعلوا ينقمعون ويرمون الحصن، ودنا أحدهم إلى باب الحصن، وقد حاربت قريظة.
وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر العدو، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إذ أتانا آت، فقلت لحسان: يا حسان قم إليه فاقتله، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، ولو كان ذلك في لخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت صفية: فلما قال ذلك، ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت سيفا فربطته على ذراعي، ثم تقدمت إليه حتى قتلته، وفي لفظ: فأخذت عمودا، ثم نزلت من الحصن فضربته بالعمود ضربة شدخت فيها رأسه، فلما فرغت منه رجعت
إلى الحصن، فقلت: يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل، قال: ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب.
فقلت له: خذ الرأس وارم به على اليهود، قال: ما ذاك في، فأخذت هي الرأس فرمت به على اليهود، فقالوا: قد علمنا أن محمدا لم يترك له خلوفا ليس معهم أحد، فتفرقوا.
زاد أبو يعلى: فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب لصفية بسهم كما يضرب للرجال.
ومر سعد بن معاذ على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي في الحصن، وعليه درع مقلصة قد خرجت منها أذرعه كلها وفي يده حربته يرقد بها وهو يقول: لبث قليلا يشهد الهيجا حمل * لا بأس بالموت إذا حان الاجل فقالت له أمه وكانت مع النساء في الحصن: الحق بني فقد والله أخرت، فقالت لها عائشة: يا أم سعد، والله لوددت أن درع سعد كانت أوسع مما هي عليه، قالت: وخفت عليه حيث أصاب السهم منه فقالت أم سعد: يقضي الله ما هو قاض، فقضى الله أن أصيب يومئذ.
ذكر وصول المشركين بعد فراغ الخندق وأقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الاسيال من رومة في أحابيشها، ومن ضوى إليها من بني كنانة وأهل تهامة.
وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد، فسرحت قريش ركابها في عضاه وادي العقيق، ولم تجد لخيلها هناك شيئا إلا ما حملت من علفها من الذرة.
وسرحت غطفان إبلها إلى الغابة في أثلها وطرفائها، وكان الناس قد حصدوا زرعهم قبل ذلك بشهر، وأدخلوا حصادهم وأتبانهم، وكادت خيل غطفان تهلك.(4/372)
ذكر ما قاله المؤمنون لما رأوا الاحزاب روى ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس، والطيالسي
وعبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن قتادة: أن الله تعالى قال لهم في سورة البقرة: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب) [ البقرة 214 ] فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الاحزاب في الخندق (قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) [ الاحزاب 22 ] للقضاء، رضي الله عنهم.
ذكر نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل المشركون فيما ذكر، خرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب ابن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعاهده على ذلك، فلما سمع كعب بحيي أغلق دونه باب حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حيي: ويحك يا كعب ! افتح، قال: ويحك يا حيي ! إنك امرؤ مشؤوم، وإني قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا صدقا ووفاء.
قال: ويحك ! افتح لي أكلمك، قال: والله ما أنا بفاعل، قال: والله، إن أغلقت دوني إلا خوفا على جشيشتك أن آكل معك منها.
فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب ! جئتك بعز الدهر، وبحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الاسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد، قد عاقدوني وعاهدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه.
قال له كعب: جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد أهرق ماؤه، فهو يرعد ويبرق، وليس فيه شئ، ويحك يا حيي ! خلني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء.
فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووعظهم عمرو بن سعدى وخوفهم سوء فعالهم، وذكرهم ميثاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، وقال لهم: إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوه، فأبوا.
وخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة بنو سعنة: أسد وأسيد وثعلبة فكانوا معه، وأسلموا.(4/373)
وأمر كعب بن أسد حيي بن أخطب أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن تكون عندهم.
فبلغ عمر بن الخطاب خبر نقض بني قريظة العهد، فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، فبعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة وهما سيدا قومهما، ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير - زاد محمد بن عمر: وأسيد بن حضير - فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا، فإن كان حقا فالحنوا إلي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.
فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم قد نقضوا العهد، فناشدوهم الله والعهد الذي كان بينهم أن يرجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك، قبل أن يلتحم الامر، ولا يطيعوا حيي بن أخطب، فقال كعب: لا نرده أبدا، قد قطعته كما قطعت هذا القبال - لقبال نعله - وقال: من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ لا عهد بيننا وبينه.
فشاتمهم سعد بن عبادة، كما قال ابن عقبة ومحمد بن عمر وابن عائذ وابن سعد - وقال ابن إسحاق: إنه سعد بن معاذ - وشاتموه وكان رجلا فيه حدة، فقال له سعد بن معاذ - أو سعد بن عبادة إن كان الأول سعد بن معاذ -: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة.
وقال أسيد بن حضير لكعب: أتسب سيدك يا عدو الله ما أنت له بكفء يا بن اليهودية، ولتولين قريش إن شاء الله منهزمين، وتتركك في عقر دارك فنسير إليك، فننزلك من جحرك هذا على حكمنا.
ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد بن عبادة: عضل والقارة، يعني كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع.
وسكت الباقون، ثم جلسوا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا يا معشر المؤمنين بنصر الله
تعالى وعونه، إني لارجو أن أطوف بالبيت العتيق وآخذ المفتاح، وليهلكن كسرى وقيصر ولتنفقن أموالهم في سبيل الله.
يقول ذلك حين رأى ما بالمسلمين من الكرب.
قال ابن عقبة: ثم تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه حين جاءه الخبر عن بني قريظة، فاضطجع ومكث طويلا، وانتهى الخبر إلى المسلمين بنقض بني قريظة العهد، فاشتد الخوف وعظم البلاء، وخيف على الذراري والنساء، وكانوا كما قال الله تعالى: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر) [ الاحزاب 10 ].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قبالة عدوهم، لا يستطيعون الزوال عن مكانهم، يعتقبون خندقهم يحرسونه.
ونجم النفاق من بعض المنافقين، فقال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر وأن أموالهما تنفق في سبيل الله، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) [ الاحزاب 12 ] وقال رجال ممن معه: (يا أهل(4/374)
يثرب لا مقام لكم فارجعوا) [ الاحزاب 13 ] وهمت بنو قريظة بالاغارة على المدينة ليلا، فبلغ ذلك المسلمين، فعظم الخطب، واشتد البلاء، ثم كفهم الله تعالى عن ذلك لما بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سلمة بن أسلم بن حريش الاشهلي في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة يحرسون المدينة، ويظهرون التكبير، فإذا أصبحوا أمنوا.
واجتمعت جماعة من بني حارثة فبعثوا أوس بن قيظي - بالتحتية والظاء المعجمة المشالة - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن بيوتنا عورة، وليس دار من دور الانصار مثل دورنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا، فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا، فنمنع ذرارينا ونساءنا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرحوا بذلك وتهيأوا للانصراف.
قال محمد بن عمر: فبلغ سعد بن معاذ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: لا تأذن لهم، إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة قط إلا صنعوا هكذا، ثم أقبل عليهم
فقال: يا بني حارثة، هذا لنا منكم أبدا، ما أصابنا وإياكم شدة إلا صنعتم هكذا.
فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان المسلمون يتناوبون حراسة نبيهم، وكانوا في قر شديد وجوع، وكان ليلهم نهارا.
روى محمد بن عمر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يختلف إلى ثلمة في الخندق يحرسها، حتى إذا آذاه البرد جاءني فأدفأته في حضني، فإذا دفئ خرج إلى تلك الثلمة، ويقول: " ما أخشى أن يؤتى الناس إلا منها " فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حضني قد دفئ وهو يقول: ليت رجلا صالحا يحرس هذه الثلمة الليلة، فسمع صوت السلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من هذا ؟ " فقال سعد بن أبي وقاص: سعد يا رسول الله، فقال: " عليك هذه الثلمة فاحرسها ".
قالت: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى سمعت غطيله.
قال ابن سعد: وكان عباد بن بشر، والزبير بن العوام، على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى محمد بن عمر عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الخندق، وكنا في قر شديد، فإني لانظر إليه ليلة قام فصلى ما شاء الله أن يصلي في قبته، ثم خرج فنظر ساعة فأسمعه يقول: " هذه خيل المشركين تطيق بالخندق "، ثم نادى عباد بن بشر، فقال عباد: لبيك ! قال: " أمعك أحد ؟ " قال: نعم، أنا في نفر من أصحابي حول قبتك.
قال: " انطلق في أصحابك فأطف بالخندق، فهذه خيل المشركين تطيف بكم، يطمعون أن يصيبوا منكم غرة، اللهم فادفع عنا شرهم، وانصرنا عليهم، واغلبهم، فلا يغلبهم أحد غيرك ".
فخرج عباد في أصحابه فإذا هو بأبي سفيان بن حرب في خيل المشركين يطوفون بمضيق من الخندق، وقد نذر بهم المسلمون فرموهم بالحجارة والنبل، حتى أذلقهم المسلمون بالرمي،(4/375)
فانكشفوا منهزمين إلى منازلهم، قال عباد: ورجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته يصلي فأخبرته.
قالت أم سلمة: يرحم الله عباد بن بشر، فإنه كان ألزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبته يحرسها أبدا.
فلما أصبح المشركون ورأوا الخندق قالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب
تصنعها، ولا تكيدها.
وقال بعضهم: إن معه رجلا فارسيا فهو الذي أشار عليه به.
قالوا: فمن هناك إذا ؟ ونادوا المسلمين، وكان بينهم الرمي بالنبل والحجارة، والخندق حاجز بين الفريقين.
وكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوما، فلا يزالون يجيلون خيلهم، ويتفرقون مرة، ويجتمعون أخرى، ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقدمون رماتهم.
ذكر إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصالحة غطفان لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم نقض بني قريظة العهد أرسل إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف، وهما قائدا غطفان - وأسلما بعد ذلك - فلما جاءا في عشرة من قومهما قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرأيتما إن جعلت لكما ثلث تمر المدينة أترجعان بمن معكما، وتخذلان بين الاعراب ؟ " فقالا: تعطينا نصف تمر المدينة، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك، فأحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة والدواة، وأحضر عثمان بن عفان فأعطاه الصحيفة، وهو يريد أن يكتب الصلح بينهما، وعباد بن بشر قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقنع في الحديد، فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الرمح، ولا يدري بما كان من الكلام، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيينة بن حصن ماد رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم ما يريدون قال: يا عين الهجرس اقبض رجليك، أتمدهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانفذت خصيتيك بالرمح ! ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن كان أمرا من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف، متى طمعوا بهذا منا ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فاستشارهما في ذلك وهو متكئ عليهما، والقوم جلوس، فتكلم بكلام يخفيه، وأخبرهما الخبر.
وقال ابن إسحاق: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشارهما في ذلك فقالا: يا رسول الله إن كان
الامر من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فامض له سمعا وطاعة، وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف.
وأخذ سعد بن معاذ الكتاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب،(4/376)
فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما "، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الاوثان، لا نعبد الله تعالى نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة واحدة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله تعالى بالاسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا ؟ ! ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت وذاك.
فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا.
وروى البزار والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو ذلك مختصرا قال: [ جاء الحارث ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد ناصفنا تمر المدينة وإلا ملاتها عليك خيلا ورجالا، فقال حتى أستأمر السعود: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وسعد بن الربيع، وسعد بن خيثمة، وسعد بن مسعود، فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقالوا: لا، والله ما أعطينا الدينة في أنفسنا في الجاهلية، فكيف وقد جاء الله تعالى بالاسلام، فرجع إلى الحارث فأخبره، فقال: غدرت يا محمد (1).
ذكر قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبد ود العامري روى البيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام مرابطا والمشركون يحاصرونه.
قال ابن إسحاق: بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بينهم قتال لاجل ما حال من الخندق، إلا الرمي بالسهام والحجارة، ثم إن رؤساء المشركين وسادتهم أجمعوا على أن يغدوا جميعا لقتال المسلمين فغدا أبو سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص ونوفل بن معاوية
الديلمي - وأسلموا بعد ذلك - ونوفل بن عبد الله المخزومي، وعمرو بن عبد ود، في عدة ومعهم رؤساء غطفان: عيينة بن حصن، والحارث بن عوف، ومسعود بن رخيل - بالخاء المعجمة والتصغير - وأسلم الثلاثة بعد ذلك.
ومن بني أسد رؤوسهم، وتركوا الرجال خلوفا فجعلوا يطوفون بالخندق يطلبون مضيقا، يريدون أن يقحموا خيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتيمموا مكانا من الخندق ضيقا قد أغفله المسلمون، فجعلوا يكرهون خيلهم ويضربونها حتى اقتحمت، فعبر عكرمة، ونوفل بن عبد الله، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب، وعمرو بن عبد ود، وأقام سائر المشركين من وراء الخندق، ولم يعبروا، فقيل لابي سفيان: ألا تعبر قال: قد عبرتم، فإن احتجتم لنا عبرنا، فجالت بالذين دخلوا خيلهم في السبخة بين
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 6 / 135 وعزاه للبزار والطبراني.
(*)(4/377)
الخندق وسلع، وخرج نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، وارتث فلم يشهد أحدا، فحرم الدهن حتى يثأر من محمد وأصحابه، وهو يومئذ كبير.
قال ابن سعد: إنه بلغ تسعين سنة، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم المسمين، فلما كان يوم الخندق خرج ثائر الرأس معلما ليرى مكانه، فلما وقف هو وخيله دعا إلى البراز، فقام علي بن أبي طالب، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه سيفه وعممه، وقال: " اللهم أعنه عليه "، فمشى إليه وهو يقول: لا تعجلن فقد أتا * ك مجيب صوتك غير عاجز ذو نية وبصيرة * والصدق من خير الغرائز إني لارجو أن أقيم * م عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء يب * قى ذكرها عند الهزاهز ثم قال له: يا عمرو إنك كنت تقول في الجاهلي: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث
إلا قبلتها، قال: أجل، فقال علي: فإني أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتسلم لرب العالمين، قال: يا بن أخي أخر عني هذه، قال: وأخرى ترجع إلى بلادك، فإن يك محمد صادقا كنت أسعد الناس به، وإن يك كاذبا كان الذي تريد.
قال: هذا ما لا تحدث به نساء قريش أبدا، وقد نذرت ما نذرت، وحرمت الدهن، قال: فالثالثة ؟ قال: البراز.
فضحك عمرو وقال: إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها، فمن أنت ؟ قال: أنا على بن أبي طالب.
قال: يا بن أخي من أعمامك من هو أسن منك، فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي رضي الله عنه: لكني والله لا أكره أن أهريق دمك.
فغضب عمرو، فنزل عن فرسه وعقرها، وسل سيفه كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو علي مغضبا، واستقبله علي بدرقته، ودنا أحدهما من الاخر وثارت بينهما غبرة، فضربه عمرو فاتقى علي الضربة بالدرقة فقدها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجه.
قال البلاذري: ويقال: إن عليا لم يجرح قط وضربه علي على حبل عاتقه فسقط وثار العجاج، وقيل: طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه، فسقط.
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير فعرف أن عليا قد قتله.
فثم علي رضي الله عنه يقول: نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت رب محمد بصوابي فصدرت حين تركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي(4/378)
وعففت عن أثوابه ولو أنني * كنت المقطر بزني أثوابي لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الاحزاب قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر يشك فيها لعلي رضي الله عنه.
ثم أقبل علي رضي الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجهه يتهلل، ولم يكن للعرب درع خير من درعه، ولم يستلبه لانه اتقاه بسوءته، فاستحياه، وخرجت خيولهم منهزمة حتى
اقتحمت الخندق.
قال ابن هشام: وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو.
فقال حسان بن ثابت في ذلك: فر وألقى لنا رمحه * لعلك عكرم لم تفعل ووليت تعدو كعدو الظليم * ما إن تجور عن المعدل ولم تلق ظهرك مستأنسا * كأن قفاك قفا فرعل ورجع المشركون هاربين، وخرج في آثارهم الزبير بن العوام وعمر بن الخطاب فناوشوهم ساعة، وحمل الزبير بن العوام على نوفل بن عبد الله بالسيف حتى شقه باثنين، وقطع أبدوج سرجه، حتى خلص إلى كاهل الفرس، فقيل: يا أبا عبد الله ما رأينا مثل سيفك، فقال: والله ما هو السيف، ولكنها الساعد.
وحمل الزبير أيضا على هبيرة بن أبي وهب فضرب ثفر فرسه، فقطع ثفره، وسقطت درع كان محقبها الفرس، فأخذها الزبير، فلما رجعوا إلى أبي سفيان قالوا: هذا يوم لم يكن لنا فيه شئ فارجعوا.
قال الحاكم: سمعت الاصم، قال: سمعت العطاردي، وقال: سمعت الحافظ يحيى بن آدم يقول: ما شبهت قتل علي عمرا إلا بقوله تعالى: (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت) [ البقرة 251 ].
قال ابن إسحاق، كما رواه البيهقي عنه: وبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشترون جيفة عمرو بن عبد ود بعشرة آلاف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو لكم لا نأكل ثمن الموتى " (1).
وروى الامام أحمد والترمذي والبيهقي عن ابن عباس قال: قتل المسلمون يوم الخندق رجلا من المشركين، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلينا بجسده، ونعطيكم اثني عشر ألفا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا خير في جيفته ولا في ثمنه، ادفعوه إليهم فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدية "، فلم يقبل منهم شيئا.
__________
(1) انظر البداية والنهاية 4 / 107.
(*)(4/379)
وروى أبو نعيم: أن رجلا من آل المغيرة قال: لاقتلن محمدا، فأوثب فرسه في الخندق، فوقع، فاندقت عنقه، فقالوا: يا محمد ادفعه إلينا نواريه، وندفع إليك ديته، فقال: " خذوه فإنه خبيث الدية " (1).
وذكر ابن عقبة: أن المشركين لما بعثوا يطلبون جسد نوفل بن عبد الله المخزومي حين قتل، وعرضوا عليه الدية، فقال: إنه خبيث الدية، فلعنه الله ولعن ديته، فلا أرب لنا في ديته، ولسنا نمنعكم أن تدفنوه.
وذكر أبو جعفر بن جرير: أن نوفلا لما تورط في الخندق رماه الناس بالحجارة، فجعل يقول: قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب، فنزل إليه علي فقتله، وطلب المشركون رمته، فمكنهم من أخذه.
وهذا غريب.
قال ابن سعد: ولم يكن لهم بعد ذلك قتال جميعا حتى انصرفوا، إلا أنهم لا يدعون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة.
ذكر اتفاق المشركين على محاصرة المسلمين من جميع جوانب الخندق لما قتل الله عمرا، وانهزم من كان معه، اتحد المشركون أن يغدوا جميعا، ولا يتخلف منهم أحد، فباتوا يعبئون أصحابهم، ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، قبل طلوع الشمس، وعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وجمعهم على القتال ووعدهم النصر إن ثبتوا.
والمشركون قد جعلوا المسلمين في مثل الحصن من كتائبهم، فأحدقوا بكل وجه من الخندق ووجهوا نحو خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة، فيها خالد بن الوليد فقاتلهم يومه ذلك إلى هوي من الليل، وما يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من مواضعهم، ولا قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء، فجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله ما صلينا، فيقول صلى الله عليه وسلم: " والله ما صليت حتى كشفهم الله تعالى "،
فرجعوا متفرقين، ورجع كل فريق إلى منزله وأقام أسيد بن حضير على الخندق في مائتين [ من المسلمين فهم ] على شفير الخندق، فكرت خيل المشركين، وعليها خالد بن الوليد يطلبون غرة، فناوشهم ساعة، فزرق وحشي بن حرب الطفيل بن النعمان، وقيل: الطفيل بن مالك بن النعمان الانصاري بمزراقه فقتله، كما فعل بحمزة سيد الشهداء بأحد.
ذكر رمي بعض المشركين سعد بن معاذ رضي الله عنه روى ابن سعد، عن عاصم بن عمرو بن قتادة أن حبان بن قيس بن العرقة رمى سعد بن معاذ بسهم، فقطع أكحله، فلما أصابه، قال: خذها وأنا ابن العرقة.
فقال له سعد - ويقال:
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 14 / 423 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (30102).
(*)(4/380)
رسول الله صلى الله عليه وسلم -: عرق الله وجهك في النار.
وقال سعد: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجادهم من قوم آذوا رسولك، وأخرجوه، وكذبوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
وقيل: إن الذي أصاب سعدا أبو أسامة الجشمي، وقيل: خفاجة بن عاصم فالله أعلم.
وسيأتي لهذا مزيد بيان في حوادث سنة خمس.
وخرجت طليعتان للمسلمين فالتقتا، ولا يشعر بعضهم ببعض، ولا يظنون إلا أنهم العدو، فكانت بينهم جراحة وقتل، ثم نادوا بشعار المسلمين: " بحم لا ينصرون "، فكف بعضهم عن بعض، وجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " جراحكم في سبيل الله، ومن قتل منكم فهو شهيد "، فكانوا بعد ذلك إذا دنا المسلمون بعضهم من بعض نادوا بشعارهم.
وكان رجال يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يطلعوا إلى أهلهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني أخاف عليكم من بني قريظة "، فإذا ألحوا يقول: " من يذهب منكم فليأخذ بسلاحه ".
وكان فتى حديث عهد بعرس، فأخذ سلاحه وذهب، فإذا امرأته قائمة بين البابين فهيأ لها الرمح ليطعنها فقالت: اكفف حتى ترى ما في بيتك فإذا بحية على فراشه، فركز فيها الرمح فانتظمها
فيه، ثم خرج به فنصبه في الدار، فاضطربت الحية في رأس الرمح، وخر الفتى ميتا، فما يدري أيهما كان أسرع موتا: الفتى أم الحية ؟ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فأذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان.
ذكر قضائه صلى الله عليه وسلم ما فاته من الصلوات روى الخمسة عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم الخندق: " ملا الله بيوتهم وقبورهم نارا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى، حتى غابت الشمس " (1).
وروى الشيخان والترمذي والنسائي عن جابر بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، جعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والله ما صليتها "، فنزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحان، فتوضأ للصلاة، وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، وصلى بعدها المغرب (2).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (2931) ومسلم 1 / 436 (202 - 627) وابن ماجه (684) وأحمد في المسند 1 / 79 وابن أبي شيبة في المصنف 2 / 503.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاذان (641).
(*)(4/381)
وروى الامام أحمد والنسائي عن أبي سعيد الخدري، والامام أحمد عن ابن مسعود، والبزار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، قال أبو سعيد: حبسنا.
وقال جابر وابن مسعود: إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلما ذهب هوي من الليل أمر بلالا فأذن وأقام، فصلى الظهر كما كان يصليها في وقتها، ثم أمره فأقام فصلى العصر كذلك، ثم أمره، فأقام فصلى المغرب كذلك، ثم أمره فأقام فصلى العشاء كذلك، ثم قال: " ما على وجه الارض قوم يذكرون الله تعالى في هذه الساعة غيركم ".
قال أبو سعيد: وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) [ البقرة 239 ].
وروى ابن سعد من طريق ابن لهيعة عن أبي جمعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الاحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: " هل أحد منكم علم أني صليت العصر ؟ " قالوا: يا رسول الله ما صليت، فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر، ثم أعاد المغرب (1).
ذكر ما غنمه المسلمون من المشركين قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن عمر بن رفاعة بن ثعلبة بن أبي مالك عن أبيه عن جده أن أبا سفيان قال لحيي بن أخطب: قد نفدت علافتنا فهل عندكم من علف ؟ فقال حيي: نعم، فكلم كعب بن أسد، فقال: مالنا مالك فاصنع ما رأيت، مر القوم يأتوا بحمولة فيحملوا ما أرادوا، فأرسل إليهم حيي أن ابعثوا بحمولتكم تحمل العلف، فأرسلوا عشرين بعيرا، فحملوها شعيرا وتمرا وتبنا، وخرجوا بها إلى قريش، حتى إذا كانوا بصفنة وهم يريدون أن يسلكوا العقيق جاؤوا جمعا من بني عمرو بن عوف، وهم يريدون منازلهم بأنصاف النهار يطلبونهم، وهم عشرون رجلا، فيهم أبو لبابة بن عبد المنذر، وعويم بن ساعدة، ومعن بن عدي، خرجوا لميت لهم مات منهم في أطمهم ليدفنوه، فناهضوا الحمولة، وقاتلهم القريشيون ساعة، وكان فيهم ضرار بن الخطاب فمنع الحمولة، ثم جرح وجرح، ثم أسلموها، وكثرهم المسلمون، وانصرفوا بها يقودونها، حتى أتوا بني عمرو بن عوف، فدفنوا ميتهم، ثم ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فكان أهل الخندق يأكلون منها، فتوسعوا بذلك، وأكلوه حتى نفد، ونحروا من تلك الابل أبعرة في الخندق، وبقي منها ما بقي حتى دخلوا به المدينة، فلما رجع ضرار بن الخطاب أخبرهم الخبر، فقال أبو سفيان: إن حييا لمشؤوم، ما أعلمه إلا قطع بنا، ما نجد ما نتحمل عليه إذا رجعنا.
__________
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2 / 7 وعزاه للبزار والطبراني في الاوسط.
(*)(4/382)
ذكر اشتداد الامر على المسلمين ودعائه صلى الله عليه وسلم على الاحزاب وكيف صرفهم الله تعالى وقدوم نعيم بن مسعود رضي الله عنه
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشدة، لتظاهر عدوهم عليهم، وإتيانهم إياهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
روى الامام أحمد وابن سعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مسجد الاحزاب يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الاربعاء بين الصلاتين الظهر والعصر، فوضع رداءه، وقام فدفع يديه يدعو عليهم.
قال جابر: فعرفنا البشر في وجهه.
وروى البخاري وابن سعد وأبو نعيم عن عبد الله بن أبي بن أوفى رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاحزاب - زاد أبو نعيم: انتظر حتى زالت الشمس ثم قام في الناس - فقال: " يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإن لقيتم العدو فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ".
اه.
ثم قال: " اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الاحزاب.
اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " (1).
وروى ابن سعد، عن سعيد بن المسيب قال: حصر النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك.
اللهم إن تشأ لا تعبد ".
وروى الامام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وعن أبيه قال: قلنا يا رسول الله هل من شئ نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: " نعم، قولوا: اللهم استر عوراتنا وآمنا روعاتنا "، قال: فصرف الله تعالى ذلك (2).
وروى محمد بن عمر عن عبد الله بن عاصم الاشجعي، عن أبيه، وأبو نعيم عن عروة وابن شهاب: أن نعيم بن مسعود كان صديقا لبني قريظة، فلما سارت الاحزاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، سار مع قومه وهو على دينهم، فأقامت الاحزاب ما أقامت، حتى أجدب الجناب، وهلك الخف والكراع، فقذف الله تعالى في قلبه الاسلام وكتم قومه إسلامه، فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين المغرب والعشاء، فوجده يصلي، فلما رآه جلس، ثم قال: " ما
جاء بك يا نعيم ؟ " قال: جئت أصدقك، وأشهد أن ما جئت به حق، فأسلم وأخبره أن قريشا
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (2796) وأحمد في المسند 4 / 351.
(*) (2) أخرجه أحمد في المسند 3 / 3 والطبري في التفسير 21 / 8 وانظر البداية والنهاية 4 / 111.
(*)(4/383)
تحزبوا عليه، وأنهم بعثوا إلى قريظة: أنه قد طال ثواءنا وأجدب ما حولنا، وقد جئنا لنقاتل محمدا وأصحابه، فنستريح منه، فأرسلت إليهم قريظة: نعم ما رأيتم فإذا شئتم، فابعثوا بالرهن، ثم لا يحبسكم إلا أنفسكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنعيم: " فإنهم قد أرسلوا إلي يدعونني إلى الصلح، وأرد بني النضير إلى ديارهم وأموالهم "، فقال نعم: يا رسول الله فمرني بما شئت، والله لا تأمرني بأمر إلا مضيت له، قال: وقومي لا يعلمون بإسلامي ولا غيرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا الناس ما استطعت، فإن الحرب خدعة ".
قال: أفعل، ولكن يا رسول الله إني أقول فأذن لي فأقول، قال: " قل ما بدا لك، فأنت في حل ".
قال: فذهبت حتى جئت بني قريظة فلما رأوني رحبوا بي وأكرموني، وعرضوا علي الطعام والشراب، فقلت: إني لم آت لطعام وشراب، إنما جئتكم نصبا بأمركم وتخوفا عليكم، لاشير عليكم برأي، وقال: قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، فقالوا: قد عرفنا ولست عندنا بمتهم، وأنت عندنا على ما نحب من الصدق والبر، قال: فاكتموا عني.
قالوا: نفعل.
قال: إن أمر هذا الرجل بلاء - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - صنع ما رأيتم ببني قينقاع وبني النضير، وأجلاهم عن بلادهم بعد قبض الاموال، وإن ابن أبي الحقيق قد سار فينا، فاجتمعنا معه لننصركم، وأرى الامر قد تطاول كما ترون، وإنكم والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة، أما قريش وغطفان فإنهم قوم جاؤوا سيارة حتى نزلوا حيث رأيتم، فإن وجدوا فرصة انتهزوها، وإن كانت الحرب فأصابهم ما يكرهون انشمروا إلى بلادهم، وأنتم لا تقدرون على ذلك، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساءوكم، وقد كبر عليهم جانب محمد، أجلبوا عليه بالامس إلى الليل، فقتل رأسهم عمرو بن عبد ود، وهربوا منه مجروحين، لا غنى
بهم عنكم، لما يعرفون عندكم، فلا تقاتلوا مع قريش ولا غطفان حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، تستوثقون به منهم ألا يبرحوا حتى يناجزوا محمدا.
قالوا: أشرت علينا بالرأي والنصح، ودعوا له وشكروه، وقالوا: نحن فاعلون.
قال: ولكن اكتموا علي، قالوا: نفعل.
ثم أتى نعيم أبا سفيان بن حرب في رجال من قريش.
فقال: أبا سفيان جئتك بنصيحة، فاكتم علي.
قال: أجل.
قال: تعلم أن بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينهم وبين محمد، فأرادوا إصلاحه ومراجعته، أرسلوا إليه وأنا عندهم، إنا سنأخذ من قريش وغطفان من أشرافهم سبعين رجلا، نسلمهم إليك تضرب أعناقهم، وترد جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم - يعنون بني النضير - ونكون معك على قريش حتى نردهم عنك.
فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهنا فلا تدفعوا إليهم شيئا، واحذروهم على أشرافكم، ولكن اكتموا علي، ولا تذكروا من هذا حرفا، قالوا: لا نذكره.(4/384)
ثم أتى إلى غطفان.
فقال: يا معشر غطفان، قد عرفتم أني رجل منكم فاكتموا علي، واعلموا أن بني قريظة بعثوا إلى محمد - وقال لهم مثل ما قال لابي سفيان - فاحذروا أن تدفعوا إليهم أحدا من رجالكم.
فصدقوه.
وأرسلت يهود عزال - وهو بعين مهملة فزاي مشددة - ابن سموأل إلى قريش: إن ثواءكم قد طال، ولم تصنعوا شيئا، فليس الذي تصنعون برأي، إنكم لو وعدتمونا يوما تزحفون فيه إلى محمد، فتأتون من وجه، وتأتي غطفان من وجه، ونخرج نحن من وجه آخر، لم يفلت محمد من بعضنا، ولكن لا نخرج معكم حتى ترسلوا إلينا برهان من أشرافكم، ليكونوا عندنا، فإننا نخاف إن مستكم الحرب أو أصابكم ما تكرهون أن تشمروا إلى بلادكم، وتتركونا في عقر دارنا، وقد نابذنا محمدا بالعداوة.
فلما جاء الرسول لم يرجع إليه أبو سفيان بشئ، وقال - بعد أن ذهب -: هذا ما قال نعيم.
وخرج نعيم إلى بني قريظة، فقال: يا معشر بني قريظة بينا أنا عند أبي سفيان إذ جاء
رسولكم إليهم يطلب منه الرهان، فلم يرد عليه شيئا، فلما ولى قال: لو طلبوا مني عناقا ما رهنتها، أنا أرهنهم سراة أصحابي يدفعونهم إلى محمد يقتلهم، فارتأوا رأيكم، ولا تقاتلوا مع أبي سفيان وأصحابه حتى تأخذوا الرهن، فإنكم إن لم تقاتلوا محمدا، وانصرف أبو سفيان، تكونوا على مواعدتكم الاولى.
قالوا: نرجو ذلك يا نعيم.
وقال كعب بن أسد: أنا والله لا أقاتله.
لقد كنت لهذا كارها، ولكن حييا رجل مشؤوم.
قال الزبير بن باطا: إن انكشفت قريش وغطفان عن محمد لم يقبل منا إلا السيف، لنخرجن إلى محمد ولا تطلبوا رهنا من قريش، فإنها لا تعطينا رهنا أبدا، وعلى أي وجه تعطينا قريش الرهن وعددهم أكثر من عددنا، ومعهم الكراع ولا كراع معنا ؟ وهم يقدرون على الهرب، ونحن لا نقدر عليه، وهذه غطفان تطلب إلى محمد أن يعطيها بعض ثمار المدينة فأبى أن يعطيهم إلا السيف، فهم ينصرفون من غير شئ.
فلم يوافق الزبير غيره من قومه على مساعدة قريش إلا برهن.
فلما كان ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ونفرا من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لمل يخف عليكم، وإنا لسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم، يكونون بأيدينا، ثقة لنا، حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى إن ضربتكم الحرب، واشتد عليكم القتال، أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلادنا، فلا طاقة لنا بذلك منه.(4/385)
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: إن الذي ذكر نعيم لحق فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة لما سمعوا ذلك: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق، ما يريد القوم إلا أن
يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم.
وتكررت رسل قريش وغطفان إلى بني قريظة، وهم يردون عليهم بما تقدم، فيئس هؤلاء من نصر هؤلاء، فاختلف أمرهم، وخذل الله تعالى بينهم على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه.
ذكر انهزام المشركين وإرسال الله تعالى عليهم البرد والريح والملائكة تزلزلهم قال ابن إسحاق: وبعث الله الريح في ليلة باردة شاتية.
فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح آنيتهم.
وروى ابن سعد، عن سعيد بن جبير قال: لما كان يوم الخندق أتى جبريل ومعه الريح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى جبريل: " ألا أبشروا ! " ثلاثا، فأرسل الله تعالى عليهم الريح، فهتكت القباب، وكفأت القدور، ودفنت الرجال، وقطعت الاوتاد، فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد، وأنزل الله تعالى: (إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) [ الاحزاب 9 ].
وروى ابن أبي حاتم وأبو نعيم والبزار برجال الصحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كانت ليلة الاحزاب جاءت الشمال إلى الجنوب فقالت: انطلقي فانصري الله ورسوله، فقالت الجنوب: إن الحرة لا تسري بالليل، فغضب الله تعالى عليها فجعلها عقيما، وأرسل الصبا، فأطفأت نيرانهم، وقطعت أطنابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور ".
وروى الامام أحمد والشيخان والنسائي عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور " (1).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4105).
(*)(4/386)
وروى البيهقي عن مجاهد في قوله تعالى: (فأرسلنا عليهم ريحا) قال: يعني ريح الصبا، أرسلت على الاحزاب يوم الخندق، حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم.
(وجنودا لم تروها) قال: الملائكة.
قال: ولم تقاتل يومئذ.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: بعث الله تعالى عليهم الريح والرعب كلما بنوا قطع الله أطنابه، وكلما ربطوا دابة قطع الله رباطها، وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، حتى لقد ذكر لنا: أن سيد كل حي يقول: يا بني فلان، هلم إلي حتى إذا اجتمعوا عنده قال: " النجاة النجاة، أتيتم " ! لما بعث الله تعالى عليهم من الرعب.
قال البلاذري: ثم إن الله تعالى نصر المسلمين عليهم بالريح، وكانت ريحا صفراء فملات عيونهم، فداخلهم الفشل والوهن وانهزم المشركون، وانصرفوا إلى معسكرهم، ودامت عليهم الريح، وغشيتهم الملائكة تطمس أبصارهم، فانصرفوا (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) [ الاحزاب 25 ].
قال أبو الخطاب بن دحية: هذه الملائكة بعثها الله تعالى فنفثت في روعهم الرعب والفشل، وفي قلوب المؤمنين القوة والامل، وقيل: إنما بعث الله الملائكة تزجر خيل العدو وإبلهم، فقطعوا مدة ثلاثة أيام في يوم واحد.
فارين منهزمين.
ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ليكشف له خبرهم روى الحاكم وصححه ابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طرق عن حذيفة ومسلم، وابن عساكر عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه، وابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي، وأبو نعيم مختصرا عن ابن عمر: أن حذيفة رضي الله عنه ذكر مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جلساؤه: أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا - وفي لفظ: فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلت معه وأبليت - فقال حذيفة: لا تتمنوا
ذلك، لقد رأيتنا ليلة الاحزاب ونحن صافون قعود، وأبو سفيان ومن معه من الاحزاب فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة، ولا أشد ريحا منها، وفي أصوات ريحها أمثال الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: (إن بيوتنا عورة وما هي بعورة) [ الاحزاب 13 ] فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، فيتسللون، ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك، فاستقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا، يقول: ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة - وفي لفظ: جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة - فلم يجبه منا أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله.
فقال(4/387)
أبو بكر: يا رسول الله ابعث حذيفة، فقلت: دونك والله، فمر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرطا لامرأتي ما يجاوز ركبتي، قال: فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال: " من هذا ؟ " فقلت: حذيفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حذيفة ".
فقال حذيفة: فتقاصرت للارض، فقلت: بلى يا رسول الله، كراهية أن أقوم، قال: " قم "، فقمت، فقال: " إنه كائن في القوم خبر، فأتني بخبر القوم ".
فقلت: والذي بعثك بالحق، ما قمت إلا حياء منك من البرد.
قال: " لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي ".
قال: " وأنا من أشد الناس فزعا وأشدهم قرا "، فقلت: والله ما بي أن أقتل، ولكن أخشى أن أوسر، فقال: " إنك لن تؤسر "، قال: فخرجت، فقال: " اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته ".
قال: فوالله ما خلق الله تعالى في جوفي فزعا ولا قرا إلا خرج، فما أجد فيه شيئا، فمضيت كأنما أمشي في حمام، فلما وليت، دعاني فقال: " يا حذيفة، لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني ".
وفي رواية: فقلت: يا رسول الله مرني بما شئت، فقال صلى الله عليه وسلم: " اذهب حتى تدخل بين ظهري القوم، فأت قريشا، فقل: يا معشر قريش، إنما يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا: أين قريش ؟ أين قادة الناس ؟ أين رؤوس الناس ؟ فيقدموكم، فتصلوا القتال فيكون القتل فيكم، ثم
ائت بني كنانة فقل: يا معشر بني كنانة، إنما يريد الناس إذ كان غدا أن يقولوا: أين بني كنانة ؟ أين رماة الحدق فيقدموكم، فتصلوا القتال، فيكون القتل فيكم، ثم ائت قيسا فقل: يا معشر قيس، إنما يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا: أين قيس ؟ أين أحلاس الخيل ؟ أين الفرسان ؟ فيقدموكم، فتصلوا القتال، فيكون القتل فيكم ".
فقال حذيفة: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته، وحوله عصبة، قد تفرق عنه الاحزاب، وهو يقول: الرحيل الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش فوضعته في كبد القوس لارميه في ضوء النار، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحدثن في القوم شيئا، حتى تأتيني "، فأمسكت ورددت سهمي.
فلما جلست فيهم أحس أبو سفيان أن قد دخل فيهم غيرهم، فقال: يأخذ كل رجل منكم بيد جليسه، وفي لفظ: فلينظر من جليسه.
فضربت بيدي على يد الذي عن يميني فأخذت بيده، فقلت: من أنت ؟ قال: معاوية بن أبي سفيان، ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي فقلت: من أنت ؟ قال: عمرو بن العاص، فعلت ذلك خشية أن يفطن بي فبدرتهم بالمسألة، ثم تلبثت فيهم هنيهة.
وأتيت بني كنانة وقيسا، وقلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخلت في العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر، ونادى عامر بن علقمة بن علاثة: يا بني عامر، إن الريح قاتلتي وأنا على ظهر، وأخذتهم ريح شديدة، وصاح(4/388)
بأصحابه.
فلما رأى ذلك أصحابه جعلوا يقولون: يا بني عامر، الرحيل الرحيل، لا مقام لكم.
وإذا الريح في عسكر المشركين ما تجاوز عسكرهم شبرا، فوالله إني لاسمع صوت الحجارة في رحالهم، وفرشهم والريح تضرب بها، فلما دنا الصبح نادوا: أين قريش ؟ أين رؤوس الناس ؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة.
أين كنانة ؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتيتا به البارحة، أين قيس ؟ أين أحلاس الخيل ؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة.
فلما رأى ذلك أبو سفيان أمرهم بأن تحملوا فتحملوا، وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم حتى رأيت أبا سفيان
وثب على جمل له معقول، فجعل يستحثه ولا يستطيع أن يقوم، حتى حل بعد.
ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتصف بي الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بعشرين فارسا أو نحو ذلك معتمين، قالوا: - وفي لفظ: فارسين، فقالا -: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم بالجنود والريح، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلي، فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر، وجعلت أقرقف، فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، [ وهو يصلي ] فدنوت منه، فسدل علي من فضل شملته - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى - فأخبرته خبر القوم، وأني تركتهم يرحلون.
فلم أزل نائما حتى جاء الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قم يا نومان ".
وذكر ابن سعد أن عمرو بن العاص وخالد بن الوليد أقاما في مائتي فارس ساقة للعسكر، وردءا لهم مخافة الطلب.
ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق بعد رحيل أعدائه وإخباره بأن قريشا لا تغزوه أبدا وأنه هو الذي يغزوهم روى الامام أحمد والبخاري عن سليمان بن صرد والبزار برجال ثقات وأبو نعيم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، والبيهقي عن قتادة رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجلى الله تعالى عنه الاحزاب: " الان نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم ".
قال ابن إسحاق: فلم تعد قريش بعد ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم بعد ذلك حتى فتح مكة.
وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب - وفي لفظ: وهزم - الاحزاب وحده، فلا شئ بعده " (1).
قالوا: وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وليس بحضرته أحد من عساكر المشركين، قد هربوا وانقشعوا إلى بلادهم، فأذن للمسلمين في الانصراف إلى منازلهم، فخرجوا مبادرين
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 142 ومسلم في كتاب الذكر (77) والترمذي (3428) وأحمد في المسند 2 / 307.
(*)(4/389)
مسرورين بذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعلم بنو قريظة حب رجعتهم إلى منازلهم، فأمر بردهم، فبعث من ينادي في إثرهم، فما رجع منهم رجل واحد.
روى الطبراني من طريقين رجالهما ثقات، ومحمد بن عمر، عن عبد الله بن عمر، ومحمد بن عمر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بردهم، قالا: فجعلنا نصيح في إثرهم في كل ناحية: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا "، فما رجع منهم رجل واحد، من القر والجوع.
قالا: وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعتهم، وكره أن يكون لقريش عيون.
قال جابر: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيته في بني حرام منصرفا فأخبرته، فضحك صلى الله عليه وسلم.
وكان المنافقون بناحية المدينة يتحدثون بنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويقولون: ما هلكوا بعد، ولم يعلموا بذهاب الاحزاب، وسرهم أن جاءهم الاحزاب وهم بادون في الاعراب، مخافة القتال.
واستشهد من المسلمين ثمانية: سعد بن معاذ - وتأتي ترجمته في حوادث سنة خمس - وأنس بن أوس، وعبد الله بن سهل - رماه رجل من بني عوف أو عويف من بني كنانة - والطفيل بن النعمان - قتله وحشي - وثعلبة بن عنمة - بعين مهملة ونون مفتوحتين - ابن عدي - قتله هبيرة بن أبي وهب المخزومي - وكعب بن زيد [ النجاري ]، وكان قد ارتث يوم بئر معونة فصح حتى قتل يوم الخندق، قتله ضرار بن الخطاب.
هذا ما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر.
وزاد الحافظ الدمياطي في الانساب: قيس بن زيد بن عامر، وعبد الله بن أبي خالد، وأبو سنان بن صيفي بن صخر، ذكر الحافظ في الكنى أنه شهد بدرا، واستشهد في الخندق.
وقتل من المشركين ثلاثة: عمرو بن عبد ود قتله علي بن أبي طالب.
ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، قتله الزبير بن العوام، ويقال: علي بن أبي طالب.
وعثمان بن منبه، مات
بمكة من رمية رميها يوم الخندق.
ذكر كتاب أبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روى محمد بن عمر عن أبي وجزة السعدي - بفتح الواو وسكون الجيم وفتح الزاي - واسمه يزيد بن عبيد، قال: لما ملت قريش المقام، وأجدب الجناب وضاقوا بالخندق، وكان أبو سفيان على طمع أن يغيروا على بيضة المدينة كتب كتابا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: باسمك اللهم فإني أحلف باللات والعزى: لقد سرت إليك في جمع، وأنا أريد ألا أعود(4/390)
إليك أبدا حتى أستأصلكم.
فرأيتك قد كرهت لقاءنا، واعتصمت بالخندق، ولك مني يوم كيوم أحد، تبقر فيه النساء.
وبعث بالكتاب مع أبي أسامة الجشمي، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما بعد، فقد أتاني كتابك، وقديما غرك بالله الغرور، وأما ما ذكرت من أنك سرت إلينا [ في جمعكم ]، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر يحول الله تعالى بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وإساف ونائلة وهبل، حتى أذكرك ذلك يا سفيه بني غالب ! " ذكر ما أنزل الله تبارك وتعالى في شأن هذه الغزوة من سورة الاحزاب (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود) من الكفار فتحزبوا أيام حفر الخندق (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) ملائكة (وكان الله بما تعملون) بالتاء من حفر الخندق وبالياء من تخريب المشركين (بصيرا إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم) من أعلى الوادي ومن أسفله، من المشرق والمغرب (وإذ زاغت الابصار) مالت عن كل شئ إلا عدوها من كل جانب (وبلغت القلوب الحناجر) جمع حنجرة، وهي منتهى الحلقوم من شدة الخوف (وتظنون بالله الظنونا) المختلفة بالنصر
واليأس (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) من شدة الفزع (و) اذكر (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) ضعف اعتقاد (ما وعدنا الله ورسوله) بالنصر (إلا غرورا) باطلا.
(وإذ قالت طائفة منهم) أي المنافقون (يا أهل يثرب) هي المدينة ولم تنصرف للعلمية ووزن الفعل (لا مقام لكم) بضم الميم وفتحها أي لا إقامة ولا مكانة (فارجعوا) إلى منازلكم من المدينة، وكانوا خرجوا مع النبي إلى سلع: جبل خارج المدينة، للقتال (ويستأذن فريق منهم النبي) في الرجوع (يقولون إن بيوتنا عورة) غير حصينة نخشى عليها.
قال تعالى: (وما هي بعورة إن) ما (يريدون إلا فرارا) من القتال (ولو دخلت عليهم) أي المدينة (من أقطارها) نواحيها (ثم سئلوا) أي سألهم الداخلون (الفتنة) الشرك (لآتوها) بالمد والقصر أي أعطوها وفعلوها (وما تلبثوا بها إلا يسيرا) (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسئولا) عن الوفاء به (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا) إن فررتم (لا تمتعون) في الدنيا بعد فراركم (إلا قليلا) بقية آجالكم (قل من ذا الذي يعصمكم) يجيركم (من الله إن أراد بكم سوءا) هلاكا وهزيمة (أو) يصيبكم بسوء إن (أراد) الله (بكم رحمة) خيرا(4/391)
(ولا يجدون لهم من دون الله) أي غيره (وليا) ينفعهم (ولا نصيرا) يدفع الضر عنهم (قد يعلم الله المعوقين) المثبطين (منكم والقائلين لاخوانهم هلم) تعالوا (إلينا ولا يأتون البأس) القتال (إلا قليلا) رياء وسمعة (أشحة عليكم) وبالمعاونة جمع شحيح وهو حال من ضير يأتون (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي) كنظر أو كدوران الذي (يغشى عليه من الموت) أي سكراته (فإذا ذهب الخوف) وحيزت الغنائم (سلقوكم) آذوكم وضربوكم (بألسنة حداد أشحة على الخير) أي الغنيمة يطلبونها (أولئك لم يؤمنوا) حقيقة (فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك) الاحباط (على الله يسيرا) بإرادته (يحسبون الاحزاب) من الكفار (لم يذهبوا) إلى مكة
لخوفهم منهم (وإن يأت الاحزاب) كرة أخرى (يودوا لو أنهم بادون في الاعراب) أي كائنون في الاعراب (يسئلون عن أنبائكم) أخباركم مع الكفار (ولو كانوا فيكم) هذه الكرة (ما قاتلوا إلا قليلا) رياء وخوفا عن التعبير (لقد كان لكم في رسول الله أسوة) بكسر الهمزة وضمها (حسنة) اقتداء به في القتال والثبات في مواطنه (لمن) بدل من لكم (كان يرجو الله) يخافه (واليوم الاخر وذكر الله كثيرا) بخلاف من ليس كذلك (ولما رأى المؤمنون الاحزاب) من الكفار (قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله) من الابتلاء والنصر (وصدق الله ورسوله) في الوعد (وما زادهم) ذلك (إلا إيمانا) تصديقا بوعد الله (وتسليما) لامره.
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) من الثبات مع النبي (فمنهم من قضى نحبه) مات أو قتل في سبيل الله (ومنهم من ينتظر) ذلك (وما بدلوا تبديلا) في العهد وهم بخلاف حال المنافقين (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء) بأن يميتهم على نفاقهم (أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا) لمن تاب (رحيما) به (ورد الله الذين كفروا) أي الاحزاب (بغيظهم لم ينالوا خيرا) مرادهم من الظفر بالمؤمنين (وكفى الله المؤمنين القتال) بالريح والملائكة (وكان الله قويا) على إيجاد ما يريده (عزيزا) [ الاحزاب من 9: 25 ] غالبا على أمره.
ذكر بعض ما قيل فيها من أشعار المسلمين قال كعب بن مالك رضي الله عنه يجيب ضرار بن الخطاب عن قصيدة قالها: وسائلة تسائل ما لقينا * ولو شهدت رأتنا صابرينا صبرنا لا نرى لله..عدلا * على ما نابنا..متوكلينا وكان لنا النبي وزير صدق * به نعلو البرية أجمعينا نقاتل معشرا ظلموا وعقوا * وكانوا بالعداوة مرصدينا(4/392)
نعاجلهم إذا نهضوا إلينا * بضرب يعجل المتسرعينا
ترانا في فضافض سابغات * كغدران الملا متسربلينا وفي أيماننا بيض خفاف * بها نشفي مراح الشاغبينا بباب الخندقين كأن أشدا * شوابكهن يحمين العرينا فوارسنا إذا بكروا وراحوا * على الاعداء شوسا معلمينا ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا لننصر أحمد والله حتى * نكون عباد صدق مخلصينا بأن الله ليس له شريك * وأن الله مولى المؤمنينا فإما تقتلوا سعدا سفاها * فإن الله خير القادرينا سيدخله جنانا طيبات * تكون مقامة للصالحينا كما قد ردكم فلا شريدا * بغيظكم خزايا خائبينا خزايا لم تنالوا ثم خيرا * وكدتم أن تكونوا دامرينا بريح عاصف هبت عليكم * وكنتم تحتها متكمهينا وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه يجيب عبد الله بن الزبعرى عن قصيدة قالها: هل رسم دارسة المقام يباب * متكلم لمحاور بجواب قفر عفا رهم السحاب رسومه * وهبوب كل مطلة مرباب ولقد رأيت بها الحلول يزينهم * بيض الوجوه ثواقب الاحساب فدع الديار وذكر كل خريدة * بيضاء آنسة الحديث كعاب واشك الهموم إلى الاله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب ساروا بجمعهم إليه وألبوا * أهل القرى وبوادي الاعراب جيش عيينة وابن حرب فيهم * متخمطين بحلبة الاحزاب حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الاسلاب وغدوا علينا قادرين بأيدهم * ردوا بغيظهم على الاعقاب
بهبوب معصفة نفرق جمعهم * وجنود ربك سيد الارباب فكفى الاله المؤمنين قتالهم * وأثابهم في الاجر خير ثواب من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب وأقر عين محمد وصحابه * وأذل كل مكذب مرتاب عاتي الفؤاد موقع ذي ريبة * في الكفر ليس بطاهر الاثواب علق الشقاء بقلبه ففؤاده * في الكفر آخر هذه الاحقاب(4/393)
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه يجيبه أيضا: أبقى لنا حدث الحروب بقية * من خير نحلة ربنا الوهاب بيضاء مشرقة الذرى ومعاطنا * حم الجذوع غزيرة الاحلاب كاللوب يبذل جمها وحفيلها * للجار وابن العم والمنتاب ونزائعا مثل السراح نما بها * علف الشعير وجزة المقضاب عري الشوى منها وأردف نحضها * جرد المتون وسائر الآراب قودا تراح إلى الصياح إذا غدت * فعل الضراء تراح للكلاب وتحوط سائمة الديار وتارة * تردي العدا وتؤوب بالاسلاب حوش الوحوش مطارة عند الوغى * عبس اللقاء مبينة الانجاب علفت على دعة فصارت بدنا * دخس البضيع خفيفة الاقصاب يغدون بالزغف المضاعف شكه * وبمترصات في الثقاف صياب وصوارم نزع الصياقل غلبها * وبكل أروع ماجد الانساب يصل اليمين بمارن متقارب * وكلت وقيعته إلى خباب وأغر أزرق في القناة كأنه * في طخية الظلماء ضوء شهاب وكتيبة ينفي القران قتيرها * وترد حد قواحز النشاب
جأوى ململمة كأن رماحها * في كل مجمعة ضريمة غاب يأوي إلى ظل اللواء كأنه * في صعدة الخطي فئ عقاب أعيت أبا كرب وأعيت تبعا * وأبت بسالتها على الاعراب ومواعظ من ربنا نهدى بها * بلسان أزهر طيب الاثواب عرضت علينا فاشتهينا ذكرها * من بعد ما عرضت على الاحزاب حكما يراها المشركون بزعمهم * حرجا ويفهمها ذوو الالباب جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب قال ابن هاشم: حدثني من أثق به قال: حدثني عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قال كعب بن مالك: جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا ".
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: من سره ضرب يرعبل بعضه * بعضا كمعمعة الاباء المحرق(4/394)
فليأت مأسدة تسن سيوفها * بين المذاد وبين جزع الخندق دربوا بضرب المعلمين فأسلموا * مهجات أنفسهم لرب المشرق في عصبة نصر الاله نبيه * بهم وكان بعبده ذا مرفق في كل سابغة تخط فضولها * كالنهي هبت ريحه المترقرق بيضاء محكمة كأن قتيرها * حدق الجنادب ذات شك موثق جدلاء يحفزها نجاد مهند * صافي الحديدة صارم ذي رونق تلكم مع التقوى تكون لبأسنا * يوم الهياج وكل ساعة مصدق نصل السيوف إذا قصرن بخطونا * قدما ونلحقها إذا لم تلحق
فترى الجماجم ضاحيا هاماتها * بله الاكف كأنها لم تخلق نلقى العدو بفخمة ملمومة * تنفي الجموع كفصد رأس المشرق ونعد للاعداء كل مقلص * ورد ومحجول القوائم أبلق تردي بفرسان كأن كماتهم * عند الهياج أسود طل ملثق صدق يعاطون الكماة حتوفهم * تحت العماية بالوشيح المزهق أمر الاله بربطها لعدوه * في الحرب إن الله خير موفق لتكون غيظا للعدو وحيطا * للدار إن دلفت خيول النزق ويعيننا الله العزيز بقوة * منه وصدق الصبر ساعة نلتقي ونطيع أمر نبينا ونجيبه * وإذا دعا لكريهة لم نسبق ومتى ينادي للشدائد نأتها * ومتى نرى الحومات فيها نعنق من يتبع قول النبي فإنه * فينا مطاع الامر حق مصدق فبذاك ينصرنا ويظهر عزنا * ويصيبنا من نيل ذاك بمرفق إن الذين يكذبون محمدا * كفروا وضلوا عن سبيل المتقي وقال كعب بن مالك رضي الله عنه أيضا: ألا أبلغ قريشا أن سلعا * وما بين العريض إلى الصماد نواضح في الحروب مدربات * وخوض ثقبت من عهد عاد رواكد يزخر المرار فيها * فليست بالجمام ولا الثماد كأن الغاب والبردي فيها * أجش إذا تبقع للحصاد ولم نجعل تجارتنا اشتراءاك * حمير لارض دوس أو مراد بلاد لم تثر إلا لكيما * نجالد إن نشطتم للجلاد(4/395)
أثرنا سكة الانباط فيها * فلم تر مثلها جلهات واد
قصرنا كل ذي حضر وطول * على الغايات مقتدر جواد أجيبونا إلى ما نجتديكم * من القول المبين والسداد وإلا فاصبروا لجلاد يوم * لكم منا إلى شطر المذاد نصبحكم بكل أخي حروب * وكل مطهم سلس القياد وكل طمرة خفق حشاها * تدف دفيف صفراء الجراد وكل مقلص الآراب نهد * تميم الخلق من أخر وهادي خيول لاتضاع إذا أضيعت * خيول الناس في السنة الجماد ينازعن الاعنة مصغيات * إذا نادى إلى الفزع المنادي إذا قالت لنا النذر: استعدوا * توكلنا على رب العباد وقلنا: لن يفرج ما لقينا * سوى ضرب القوانس والجهاد فلم نر عصبة فيمن لقينا * من الاقوام من قار وباد أشد بسالة منا إذا ما * أردناه وألين في الوداد إذا ما نحن أشرجنا عليها * جياد الجدل في الازب الشداد قذفنا في السوابغ كل صفر * كريم غير معتلث الزناد أشم كأنه أسد عبوس * غداة ندى ببطن الجزع غادي يغشي هامة البطل المذكى * صبي السيف مسترخي النجاد ليظهر دينك اللهم إنا * بكفك فاهدنا سبل الرشاد تنبيهات الأول: كانت غزوة الخندق - كما قال ابن إسحاق ومتابعوه - في شوال.
وقال محمد بن عمر وابن سعد: في ذي القعدة.
وقال الجمهور: سنة خمس.
قال الذهبي: هو المقطوع به.
وقال ابن القيم: إنه الاصح، وقال الحافظ: هو المعتمد.
وروى ابن عقبة عن الزهري والامام أحمد عن الامام مالك: أنها كانت سنة أربع، وصححه النووي في الروضة.
قالوا: وهو عجيب، لانه صحح أن قريظة كانت في الخامسة، وكانت عقب الخندق، ومال البخاري إلى قول الزهري، وقواه بما رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه، فيكون بينهما سنة واحدة.
وكان سنة ثلاث، فيكون الخندق سنة أربع.
قال..الحافظ وغيره:: ولا حجة إذا ثبت أنها كانت سنة خمس، لاحتمال أن يكون ابن(4/396)
عمر في أحد كان أول ما طعن في الرابعة عشرة، وكان في الاحزاب قد استكمل الخمسة عشرة.
وبهذا أجاب البيهقي.
ويؤيده قول ابن إسحاق: إن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد: موعدكم العام المقبل ببدر.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر، وتأخر مجئ أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ.
كما تقدم بيان ذلك.
ووافق ابن إسحاق على ذلك غيره من أهل المغازي.
وقد بين البيهقي رحمه الله تعالى سبب هذا الاختلاف، وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة، ويلغون الاشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الاول، وعلى ذلك جرى الحافظ يعقوب بن سفيان في تاريخه، فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الاولى، وأن غزوة أحد كانت في الثانية، وأن الخندق كانت في الرابعة، وهذا عمل صحيح على ذلك البناء، لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة، وعلى ذلك تكون بدر في الثانية، وأحد في الثالثة، والخندق في الخامسة وهو المعتمد.
الثاني: اختلف في مدة إقامة المشركين على الخندق، فقال سعيد بن المسيب في رواية يحيى بن سعيد: أقاموا أربعا وعشرين ليلة، وقال في رواية الزهري: بضع عشرة ليلة.
وروى محمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أنها كانت عشرين يوما.
وقال محمد بن عمر: أثبت الاقاويل أنها كانت خمسة عشر يوما، وجزم به ابن سعد والبلاذري والنووي في الروضة والقطب وقال في زاد المعاد: شهرا، وقال ابن إسحاق: بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر.
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: " سلمان منا أهل البيت "، بنصب أهل على الاختصاص، أو على إضمار أعني، وأما الخفض على البدل فلم يره سيبويه جائزا من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب، لانه في غاية البيان، وأجازه الاخفش.
الرابع: روى البخاري عن جابر رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم الاحزاب: " من يأتينا بخبر القوم ؟ " قال الزبير: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لكل نبي حواريا، وإن حواري الزبير " (1).
قال في العيون: كذا في الخبر، والمشهور أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيقة بن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (3720).
(*)(4/397)
اليمان، كما رويناه عن طريق ابن إسحاق وغيره.
قال الحافظ رحمه الله: وهذا الحصر مردود، فإن القصة التي ذهب الزبير لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها، فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة: هل نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما صرح بذلك محمد بن عمر، وقصة حذيفة كانت لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق، وتمالت عليهم الطوائف، ووقع بين الاحزاب الاختلاف، وحذرت كل طائفة من الاخرى، وأرسل الله تعالى عليهم الريح، فندب النبي صلى الله عليه وسلم، من يأتيه بخبر قريش، فانتدب حذيفة، كما تقدم بيان ذلك في القصة.
الخامس: قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إن العيش عيش الآخرة " إلخ، قال ابن بطال: هو مقول ابن رواحة تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولو كان ذلك من لفظه لم يكن بذلك شاعرا لعدم القصد،
كما سيأتي تحقيقه في الخصائص.
وقوله: " فاغفر للمهاجرين والانصار "، وفي رواية بتقديم الانصار على المهاجرين، وكلاهما غير موزون، ولعله صلى الله عليه وسلم تعمد ذلك، وقيل.
أصله " فاغفر للانصار والمهاجرة " بجعل الهمزة همزة وصل.
وقوله: " والعن عضلا والقارة " إلخ غير موزون، ولعله كان: والعن إلهي عضلا والقارة وقوله: " إن الالى بقد بغوا علينا " ليس بموزون، وتحريره: إن الذين قد بغوا علينا فذكر الراوي " الالى " بدل " الذين "، قد قاله الحافظ.
وقال ابن التين: والاصل: " إن الالى هم قد بغوا علينا ".
السادس: ظاهر قول البراء: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كثير الشعر: أنه كان كثير شعر الصدر وليس كذلك، فإن في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة، أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن، فيمكن الجمع بأنه كان مع دقته كثيرا، أي لم يكن منتشرا، بل كان مستطيلا، وتقدم ذلك مبسوطا في أبواب صفاته.
السابع: سبق في القصة عن ابن إسحاق وغيره وصف حسان بن ثابت رضي الله عنه بالجبن، وأنه روي عن عروة بسند صحيح، وأنه روي عن أبيه الزبير، وصرح بذلك خلائق.
وأنكر ذلك أبو عمر وجماعة، واحتجوا لذلك بأن ما ذكره ابن إسحاق منقطع الاسناد، وبأنه لو صح لهجي به حسان، فإنه كان يهاجي الشعراء كضرار بن الخطاب، وابن الزبعرى، وغيرهما،(4/398)
وكانوا يناقضونه، ويردونه، عليه، فما عيره أحد بجبنه، ولا وسمه به، فدل على ضعف حديث ابن إسحاق.
قلت: لفظ ابن إسحاق في رواية البكائي: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه، وقال في رواية يونس، كما رواه الحاكم عن يونس، عنه قال: حدثني هشام عن أبيه
أي عروة عن صفية، قال عروة: سمعتها تقول: أنا أول امرأة قتلت رجلا، كنت في فارع حسان بن ثابت، فكان حسان معنا في النساء والصبيان، فإن كان عروة أدرك جدته فسند القصة جيد قوي، وتقدم لها طرف في القصة.
ولعل حسان - كما في الروض - أن يكون معتلا في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال.
قال: وهذا أولى ما يؤول عليه.
وقال ابن الكلبي: كان حسان بن ثابت لسنا شجاعا، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن، فكان لا ينظر إلى قتال ولا يشهده.
وقال ابن سراج: إن سكون الشعراء عن تعييره بذلك من علامة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكون حسان شاعرة.
الثامن: في الصحيح أن الذين أكلوا الطعام عند جابر في الخندق كانوا ألفا.
ووقع عند أبي نعيم في مستخرجه كما نرى تسعمائة أو ثمانمائة.
وعند الاسماعيلي: كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة، وفي رواية ابن الزبير: كانوا ثلاثمائة.
قال الحافظ: والحكم للزائد لمزيد علمه، ولان القصة متحدة.
التاسع: الصحيح المشهور أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في غزوة الخندق ثلاثة آلاف، ونقل في زاد المعاد عن ابن إسحاق أنهم كانوا سبعمائة.
قلت: ولا دليل في قول جابر في قصة الطعام: " وكانوا ألفا " لانه أراد الآكلين فقط لا عدة من حضر الخندق، والله تعالى أعلم.
العاشر: دلهم النبي صلى الله عليه وسلم بعرضه إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة على جواز إعطاء المال للعدو: إذا كان فيه مصلحة للمسلمين وحياطة لهم.
الحادي عشر: في شرح غريب القصة: الخندق - بفتح الخاء المعجمة وسكون النون -: حفير حول المدينة، وهي في شامي المدينة من طرف الحرة الشرقية إلى طرف الحرة الغربية.
وذكر الطبري أن أول من خندق
الخنادق منو شهر بن إيرج، وإلى رأس ستين سنة من ملكه بعث موسى عليه السلام.
ومنو شهر(4/399)
في نسخة صحيحة من الروض والعيون قرئتا على مصنفيهما - بميم مفتوحة فنون فواو فشين معجمة فهاء ساكنة فراء.
وإبيرج - بهمزة في أوله مكسورة - وفي نسخة الروض: فتحتية فراء فجيم.
الاحزاب: جمع حزب، وهو الطائفة من الناس.
وتحزب القوم: صاروا أحزابا.
خيبر: يأتي الكلام عليها في غزوتها.
يهود: لا ينصرف للعلمية والتأنيث.
أهل عدد (بفتح العين المهملة).
الجلد - بفتح الجيم واللام -: القوة والشدة.
البيوت جمع بيت، وهو هنا الشرف.
الاحساب جمع حسب - بفتحتين -: ما يعد من المآثر.
وتقدم الكلام عليه مبسوطا.
استأصله: أهلكه.
نحالفكم - بالحاء المهملة -: نعاقدكم.
نشطت (بنون فشين معجمة فطاء مهملة).
الاحقاد جمع حقد: الانطواء على العداوة والبغضاء.
مرحبا: أي أتيت رحبا وسعة، وقال الفراء: منصوب على المصدر.
أهلا: أي أتيت أهلا، فابسط نفسك واستأنس ولا تستوحش.
الكرم تقدم شرحها.
الجبت: الصنم، والكاهن، والساحر.
وقال الراغب: يقال لكل ما عبد من دون الله جبت.
وقال الفراء: المراد بالجبت هنا حيي بن أخطب.
الطاغوت - يذكر ويؤنث - وقال الفراء: المراد به هنا كعب بن الاشرف.
النقير - بالنون والقاف -: النقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة.
صد عنه - بفتح الصاد وتشديد الدال -: أعرض عنه.
الاحابيش: سبق الكلام عليها في غزوة أحد.
دار الندوة ومر الظهران: تقدم الكلام عليهما.
عناج الامر - بعين مهملة مكسورة فنون مخففة فألف فجيم - أي ملاكه - بكسر الميم وفتحها - وهو ما يقوم به، ومعناه أنه كان صاحبهم ومدبر أمرهم والقائم بشأنهم، كما يحمل(4/400)
ثقل الدلو عناجها، وهو الحبل الذي يشد تحت الدلو، ثم يشد في العروة، ليكون عونا لعراها فلا ينقطع.
خزاعة (بضم الخاء المعجمة فزاي).
يبرز: يظهر.
فارس: جيل من الناس، وإقليم معروف.
الثبات: الاقامة.
الجد في الامر: - بالفتح - الاجتهاد.
ارتاد الرجل الشئ: طلبه وأراده.
سلع - بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالعين المهملة -: جبل بالمدينة.
المذاد - بميم مفتوحة فذال معجمة فألف فدال مهملة - من ذاده إذا طرده.
أطم: لبني حرام غربي مساجد الفتح.
ذباب - بذال معجمة وموحدتين كغراب وكتاب -: جبل بالمدينة.
راتج - براء فألف ففوقية مكسورة فجيم -: أطم، سميت به الناحية.
دنا: قرب.
المساحي: جمع مسحاة - بكسر الميم وبالسين المهملتين - وهي المجرفة من
الحديد.
والميم زائدة لانه من السحو، وهو الكشف والازالة.
الكرازين - بكاف فراء فألف فزاي فتحتية جمع كرزين بالكسر - الفأس.
المكاتل - بالفوقية - جمع مكتل بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية.
الشيخان - تثنية شيخ ضد شاب - أطمأن.
تنافس في كذا: رغب فيه وتسابق.
لبط به - بلام مضمومة فموحدة مكسورة فطاء مهملة -: صرع فجأة من عين أو علة وهو يلتوي.
يكفأ الاناء - بالهمز - يقلبه ويميله.
عقال - بالكسر -: الحبل الذي يعقل به البعير يمنعه من الشرود.
العكن (بضم العين المهملة وفتح الكاف) والاعكان كلاهما جمع عكنة - بسكون الكاف -: وهي الطي في البطن من السمن.(4/401)
شرح غريب ذكر ما كان المسلمون يرتجزونه الاكتاد - بالفوقية والدال المهملة - جمع كتد بفتحتين وبكسر الفوقية أيضا.
البائس - بهمزة مكسورة -: الذي نزل به الضرر من فقر وغيره.
الاكتاف - بالفاء - جمع كتف، يجوز في الفوقية الكسر والسكون.
الظهر - بفتح الظاء المعجمة المشالة - هنا القوة، والضمير المستتر - في قوله سماه وفي كان - راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
المتون: جمع متن - بفتح الميم وسكون الفوقية -: الظهر.
النصب - بفتحتين -: التعب والمشقة.
يؤتون (بالبناء للمفعول).
بملء كف (بكسر الفاء على الافراد وبفتحتها على التثنية مضافا إلى ياء المتكلم).
يصنع - بصاد فنون فعين مهملتين -: يطبخ.
الاهالة - بكسر الهمزة -: الشحم والزيت.
سنخة - بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة -: المتغيرة الريح.
بشعة - بموحدة مفتوحة فشين معجمة مكسورة فعين مهملة - كريهة المطعم.
المنتن - (بضم الميم وسكون النون وكسر الفوقية).
أبينا، أي أبينا الفتنة، أي امتنعنا منها، وإذا صيح بنا لنفزع أبينا الفرار.
وفي رواية: " أتينا " بفوقية بدل الموحدة، أي جئنا وأقدمنا على عدونا.
السكينة: الرحمة، أو الطمأنينة، أو النصر، أو الوقار، أو كلها.
المعول - بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو بعدها لام - المسحاة.
عضل (بعين مهملة فضاد معجمة فلام).
والقارة - بالقاف والراء - يأتي الكلام عليها في السرايا.
البسطة - بموحدة مفتوحة ثم مهملة ساكنة ثم طاء مهملة -: المنبسطة المستوية من الارض.
أعقب بين امرأتيه: ناوب بينهما لهذه وقت ولهذه وقت.
النسر: أطم باسم الطائر المعروف.
فارع - بفاء وعين مهملة كصاحب - اسم أطم مواجه لباب الرحمة من المدينة الشريفة.(4/402)
شرح غريب ذكر الآيات التي وقعت عند ظهور الصخرة في الخندق الكدية - بضم الكاف وإسكان الدال المهملة وفتح التحتية - وهي الارض الصلبة.
القبة من الخيام بيت صغير ومستدير.
تركية من لبود منسوب إلى الترك: جبل من الناس.
لبثنا: أقمنا.
الذواق: المأكول والمشروب.
وما ذقت ذواقا، أي شيئا.
تفل -: بالفوقية والفاء -: بصق قليلا.
نضح - بنون فضاد معجمة فحاء مهملة -: رش.
الكثيب - بالثاء المثلثة -: المجتمع من الرمل.
لابتا المدينة - تثنية لابة، وهي الحرة، وهي أرض ذات حجارة سود.
السهيل - بميم مفتوحة فهاء مكسورة فتحتية فلام -: الرمل السائل الذي لا يتماسك.
صنعاء هنا بلد من قواعد اليمن، والاكثر فيها المد.
الحيرة - بحاء مكسورة مهملة فتحتية ساكنة فراء - مدينة كائنة على ثلاثة أميال من الكوفة.
هرقل - بكسر الهاء وفتح الراء وإسكان القاف، ويقال بكسر الهاء وإسكان الراء وفتح القاف - اسم ملك الروم.
أقصى مملكته: أبعدها.
تبرزوا: تخرجوا.
شرح غريب ذكر الآيات التي وقعت لما أصابتهم المجاعة في الخندق.
الخمص - بخاء معجمة فميم مفتوحتين فصاد مهملة وقد تسكن الميم - وهو ضمور البطن من الجوع.
الصاع: مكيال، وهو خسمة أرطال وثلث بالبغدادي.
العناق - بفتح العين المهملة - الانثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول.
البرمة - بموحدة مضمومة فراء ساكنة فميم -: القدر من الحجر، والجمع برم.
انكسر العجين: اختمر.
طعيم لي (بتشدد التحتية على طريق المبالغة في تحقيره).
السور - بضم السين المهملة وسكون الواو بغير همز - وهو هنا الصنيع بالفارسية، كما
جزم به البخاري، وقيل بالحبشية.(4/403)
حي هلا - بحاء مهملة فتحتية مشددة وهلا بفتح الهاء واللام المنونة مخففة -: كلمة استدعاء فيها حث، أي هلموا مسرعين.
بك وبك، أي جعل الله بك كذا، وفعل بك كذا، والموحدة تتعلق بمحذوف.
ويح: كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد تقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة على المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف، فيقال: ويح زيد وويحا له، وويح له.
لاتضاغطوا - بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة - أي لا تزدحموا.
انحرفوا: مالوا ورجعوا.
لتغط: - بفتح اللام والفوقية وكسر الغين المعجمة - أي لتمتلئ بحيث يسمع لها صوت.
هلم: اسم فعل في لغة الحجاز فلا يبرز فاعلها، وفعل في لغة تميم فيقولون: هلمي هلما هلمن إلخ.
القعبة - بقاف مفتوحة فعين مهملة - والقعب: إناء ضخم كالقصعة.
الحيس - بحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة -: تمر ينزع نواه ويدق مع أقط، ويعجنان بالسمن باليد حتى يبقى كالثريد، وربما جعل معه سويق.
نهلوا: شبعوا.
شرح غريب ذكر تخلف جماعة من المنافقين وعرضه الغلمان يورون - بتحتية مضمومة فواو فراء مشددة مفتوحة -: يستترون.
يتسللون: يذهبون في خفية.
نابه كذا: أصابه.
اللحوق - بضم اللام -: الادارك.
أمر جامع، أي أمر له خطر، اجتمع له الناس كأن الامر نفسه جمعهم.
الشأن - بالهمز - الامر والحال.
اللواذ - بذال معجمة -: مصدر لاوذه ملاوذة ولواذا: استتر به، أي يتسللون منكم استتارا، يستتر بعضهم ببعض عند التسلل.
لحم الامر - بالحاء المهملة -: اشتبك واختلط.
الذراري بذال معجمة جمع ذرية، ويجوز في ياء الجمع التشديد والتخفيف.(4/404)
شرح غريب ذكر تهيئه صلى الله عليه وسلم لحرب المشركين شبكوا المدينة بالبنيان: جعلوه مصطفا متقاربا متصلا.
الشعار: تقدم في بدر وأحد.
احتجرت - بحاء مهملة ففوقية فجيم فراء -: استترت.
سلبه - بالسين المهملة -: نزع عنه ثيابه أو درعه.
شدخه - بشين وخاء معجمتين بينهما دال مهملة -: كسره.
مقلصة - بميم مضمومة فقاف فلام مشددة مفتوحتين -: مرتفعة غير سابغة.
خلوف - بخاء معجمة مضمومة -: ليس عندهن رجال.
يرقد بها - بفتح التحتية وسكون الراء وفتح القاف وتشديد الدال المهملة - أي يسرع.
لبث - بفتح اللام وكسر الموحدة المشددة فثاء مثلثة - فعل أمر من اللبث وهو الاقامة.
الهيجا - بفتح الهاء وسكون التحتية وتمد وتقصر - وهي الحرب.
حمل - بفتح الحاء المهملة والميم - وهو حمل بن سعد بن حارثة الكلبي فيما ذكره بعضهم وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في الاملاء: حمل: اسم رجل، وهذا الرجز قديم تمثل به سعد.
حان الشئ: قرب.
أخرت - بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة المشددة وسكون الراء - من التأخير.
شرح غريب ذكر وصول المشركين مجتمع (بضم الميم وسكون الجيم وفتح الفوقية والميم الثانية).
الاسيال: جمع سيل.
رومة - براء مضمومة فواو ساكنة فميم مفتوحة -: أرض بالمدينة، وفيها بئر رومة التي سبلها سيدنا عثمان رضي الله عنه.
ضوى - بالضاد المعجمة والقصر -: مال.
كنانة - بكسر الكاف - وغطفان - بغين معجمة فطاء مهملة ففاء مفتوحات فألف فنون -: قبيلتان.
تهامة - بكسر الفوقية - اسم لكل ما ينزل عن نجد من بلاد الحجاز.
ومكة من تهامة.
نجد - بفتح النون وإسكان الجيم - ضد تهامة.
ذنب نقمي (بنون فقاف فميم فألف تأنيث، ويقال فيه نقم).(4/405)
العضاه - بعين مهملة مكسورة فضاد معجمة فألف فهاء -: شجر أم عيلان وكل شجر عظم له شوك، الواحدة عضة بالتاء وأصلها عضهة.
وقيل: واحدته عضاهة.
الغابة (بغين معجمة مفتوحة).
شرح غريب ذكر نقض بني قريظة العهد أكلمك بالجزم: جواب شرط محذوف ويجوز الرفع.
الجشيشة - بجيم مفتوحة فشينين معجمتين بينهما تحتية - وهي أن تطحن الحنطة أو غيرها طحنا جليلا، ثم تلقى في القدر ويلقى عليها لحم أو تمر، وتطبخ، وقد يقال لها: دشيشة - بالدال المهملة - قال المحب الطبري: وهذا هو الجاري على ألسنة الناس اليوم.
وقال في الاملاء: والصواب فيه الجيم.
أحفظ الرجل - بالحاء المهملة والفاء والظاء المعجمة المشالة -: أغضبه.
ببحر طام - بطاء مهملة -: مرتفع.
القادة: الكبراء، من قاد الامير الجيش قيادة فهو قائد، وجمعه قادة.
الجهام - بجيم مفتوحة فهاؤ مخففة فميم -: السحاب الذي لا ماء فيه.
أهرق - بضم الهمزة وسكون الهاء وكسر الراء -: صب وأفرغ.
يفتله في الذروة والغارب - قال في الروض: هذا مثل، وأصله في البعير يستصعب عليك، فتأخذ الفراد من ذروته وغارب سنامه، وتفتل هناك فيجد البعير لذة، فيستأنس عند ذلك، فضرب هذا الكلام مثلا في المراوضة والمخاتلة.
قال الحطيئة: لعمرك ما قراد بني بغيض * إذا نزع القراد بمستطاع يريد أنهم لا يخدعون ولا يستذلون.
وقال أبو ذر: الذروة والغارب أعلى ظهر البعير، وأراد بذلك أنه لم يزل يخدعه كما يخدع البعير إذا كان نافرا، فيمسح باليد على ظهره حتى يستأنس، فيجعل الخطام على رأسه.
بنو سعنة - بسين وعين مهملتين فنون وقيل بالتحتية - وبسط الكلام عليه في باب " حسن خلقه ".
أسيد: قال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري: إنه بفتح الهمزة وزن أمير، وقيل: بضم الهمزة.
اللحن هنا: العدول بالكلام عن الوجه المعروف إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه.(4/406)
تفتوا - بضم الفاء وتشديد الفوقية - يقال: فت في عضده إذا أضعفه وكسر قوته.
وضرب العضد مثلا: في أعضاد الناس، ولم يقل: أعضاد الناس، لانه كناية عن الرعب الداخل في القلوب،
ولم يرد كسرا حقيقيا، ولا العضد الذي هو العضو، وإنما هو عبارة عما يدخل في القلب من الوهن، وهومن أفصح الكلام.
ناشده الله: سأله به.
القبال (بكسر القاف وبالموحدة واللام).
الشتم كالضرب: السب.
أربى: أزيد وأعظم.
عقر الدار - بفتح العين المهملة وضمها وبالقاف -: أصلها.
الرجيع - بفتح الراء وبالجيم -: ماء لبني هذيل بين مكة وعسفان.
تقنع: غطى رأسه بثوب.
نجم النفاق - بفتحات -: ظهر وطلع.
القر - بضم القاف -: البرد.
الثلمة - بالضم - في الحائط وغيره: الخلل.
الحضن - بالكسر -: ما دون الابط إلى الكشح.
الغطيط: الصوت الذي يخرج مع نفس النائم، وهو تزيده حيث لا يجد مساغا.
الغرة - بكسر الغين المعجمة - الغفلة.
نذر - بذال معجمة -: علم، وزنا ومعنى.
المكيدة: المكر والاحتيال.
يجيلون خيلهم - بجيم فتحتية مشددة - يطلقونها.
يغدو، يقال: غدا إلى كذا: أصبح إليه.
يناوشون - بتحتية فنون فألف فواو فشين معجمة فواو فنون -: يتدانون إلى القتال.(4/407)
شرح غريب ذكر إرادته صلى الله عليه وسلم مصالحة غطفان
المقنع - بضم الميم وفتح القاف والنون المشددة -: الذي على رأسه البيضة، وهي الخوذة.
الهجرس - بكسر الهاء وسكون الجيم وكسر الراء وآخره سين مهملة -: ولد الثعلب والقرد أيضا.
رمتكم عن قوس واحدة: هذا مثل في الاتفاق.
الشوكة: - بالواو - شدة البأس والحركة في السلاح.
كالبوكم: اشتدوا عليكم.
القرى - بكسر القاف -: ما يصنع للضيف.
يجهدوا: يبلغوا أقصى ما يقدرون عليه.
شرح غريب ذكر قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبدود الرباط - بكسر الراء -: مرابطة العدو وملازمة الثغر، وهو في الاصل في مرابطة الخيل، وهو ارتباطها بإزاء العدو في بعض الثغور.
يقحمون خيلهم: يدخلونها.
السبخة (بسين مهملة فموحدة فخاء معجمة مفتوحات).
تيمموا: قصدوا.
الثغرة - بضم المثلثة وسكون الغين المعجمة - وهي الثلمة.
تعنق بهم خيلهم - بفوقية فعين مهملة فنون -: تسرع.
أثبتته الجراحة: أصابت مقاتله.
ارتث - بهمزة وصل وسكون الراء وضم الفوقية وبالمثلثة -: حمل جريحا من المعركة قد أثخنته الجراحة.
يثأر من زيد، أي يقتله مقتلة قريبة.
ثائر الرأس: منتشر الشعر.
معلما - بعين مهملة وفتح اللام وكسرها - جعل لنفسه علامة يعرف بها.
البراز: الظهور للحرب.
الهزاهز - بفتح الهاء الاولى وكسر الثانية بعد كل منها زاي معجمة -: الفتن يهتز فيها الناس...(4/408)
الغرائز: جمع غريزة وهي الطبيعة.
النائحة: الرافعة صوتها بالندب.
النجلاء - بنون مفتوحة فجيم ساكنة وبالمد -: الواسعة.
يرومني عليها، من رام يروم: طلب.
أجل كنعم وزنا ومعنى.
عقر دابته: ضرب قوائمها بالسيف، وربما قيل: عقرها إذا ذبحها.
الدرقة بالدال المهملة -: الترس.
العاتق: موضع الرداء من العنق، وقيل: بين العنق والمنكب، وقيل: هو عرق أو عصب هناك.
الترقوة - بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف -: الموضع الذي بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين.
الفرار: - بكسر الفاء - التولي عن القتال.
صدرت: رجعت.
متجدلا: لا صقا بالجدالة وهي الارض.
الجذع - بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة وبالعين المهملة - واحد جذوع النخل.
الدكادك - بدالين مهملتين وكافين - والد كاديك: جمع دكداك، وهو من الرمل ما تلبد بالارض ولم يرتفع.
الروابي: جمع رابية، وهي الارض المرتفعة.
المقطر - بميم فقاف فطاء مهملة مشددة - وهو الملقى على أحد قطريه، وهما الجانبان.
كأنه يقول: لو طعنني فقطرني، أي ألقاني على أحد قطري أي جانبي.
ولو انني - بوصل الهمزة - لاجل الوزن.
بزني - بموحدة فزاي مشددة فنون -: سلبني وجردني.
تهلل وجهه: استنار وظهرت عليه أمارات السرور.
استلبه: نزع ثيابه.
السوءة - بالفتح -: الفرج.
الظليم - بفتح الظاء المعجمة المشددة -: ذكر النعام.(4/409)
المعدل: مكان العدول، وهو الميل عن الشئ.
الفرعل - بفاء مضمومة فراء ساكنة فعين مهملة مضمومة - وهو ولد الضبع.
ناوشه: دنا منه وطاعنه.
الابدوج - بضم أوله وبالموحدة والدال المهملة - أي لبد السرج.
قال الخطابي: هكذا فسره أحد رواته، ولست أدري ما صحته قلت: قال في القاموس: أبدوج السرج بالضم: لبد بداديه معرب أبدود.
الكاهل: ما بين الكتفين.
محقبها الفرس: جعلها وراءه على الفرس.
الغارة - بغين معجمة -: كبس العدو، وهم غارون لا يعلمون.
أحدق به - بحاء فدال مهملتين -: أحاط به.
الهوى - بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية -: الحين الطويل من الزمان.
شفير الخندق: جانبه.
شرح غريب ذكر رمي بعض المشركين سعد بن معاذ وقضائه صلى الله عليه وسلم الصلاة وما غنمه المسلمون حبان (بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة).
العرقة (بفتح العين المهملة وكسر الراء).
الاكحل - يقال له نهر الحياة في كل عضو منه شعبة لها اسم على حدة.
قال أبو حاتم: هو عرق في اليد، وفي الفخذ النسا، وفي الظهر الابهر.
عرق الله وجهه في النار (بعين مهملة).
خفاجة (بخاء معجمة ففاء فألف فجيم).
ركزه: أثبته على الارض.
انتظمها: أدخلها فيه وسلكها.
آذنوه - بالمد -: أعلموه.
بطحان - بموحدة مضمومة فطاء مهملة ساكنة - هكذا يرويه المحدثون أجمعون، وقال أهل اللغة: هو بفتح الموحدة وكسر الطاء.
قال البكري: لا يجوز غيره، وهو واد بالمدينة.
العلافة: العلف.(4/410)
الحمولة - بفتح الحاء المهملة -: ما تطيق أن يحمل عليها من الابل وغيرها، سواء أكانت عليها أحمال أم لا، وهي في القرآن الابل خاصة، كما بسطته في القول الجامع الوجيز.
صفنة - بصاد مهملة مفتوحة ففاء فنون وزن جفنة وفي القاموس أنه محرك -: منزل بني عطية برحبة مسجد قباء.
يطلبونهم: يعلمون خبرهم.
ناهضه: أزاله عن مكانه.
جرح وجرح: الأول بضم الجيم والثاني بفتحها.
شرح غريب ذكر اشتداد الامر على المسلمين الجنة تحت ظلال السيوف: أي أن ثواب الله تعالى، والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله، وهو من المجاز البليغ، لان ظل الشئ ما كان ملازما له، ولا شك أن ثواب الجهاد الجنة، فكأن ظلال السيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنة أي ملازمها استحقاق ذلك، وخص السيوف لانها أعظم آلات القتال وأنفعها، لانها أسرع إلى الزهوق.
بلغت القلوب الحناجر: روى ابن أبي حاتم عن قتادة قال: شخصت مكانها، فلو لا أن ضاق الحلقوم عنها لخرجت.
انتهى.
والحناجر: جمع حنجرة، وهي مجرى النفس.
الجدب: القحط.
الجناب - بالجيم والنون والموحدة -: الناحية، وجناب كل شئ: ناحيته.
الخف - بالخاء المعجمة والفاء -: الابل.
الكراع - بضم الكاف وتخفيف الراء وبالعين المهملة -: اسم لجمع الخيل.
الثوى - بثاء مثلثة فواو وبالمد والقصر -: الاقامة.
الحرب خدعة - بفتح الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة - يقال هذه لغة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها لغات أخر.
ما بدا لك: ما ظهر لك.
السيارة - بسين مهملة فتحتية مشددة -: القافلة.
الفرصة - بضم الفاء وسكون الراء - في الاصل النوبة في السقي، ثم أطلقت على أخذ الشئ بسرعة.(4/411)
نصبا بأمركم - بكسر الصاد المهملة -: مهتما به.
انتهزوها: اختلسوها.
انشمروا: انقبضوا وأسرعوا.
أجلبوا: تجمعوا وتعاونوا.
نابذه: طرح عهده.
الزبير (بفتح الزاي).
الجنوب: الريح التي تقابل الشمال.
الريح العقيم: التي لا خير فيها.
لا تلقح سحابا ولا شجرا.
ولا تحمل مطرا بل تهب للهلاك خاصة.
الصبا - بفتح الصاد المهملة وتخفيف الموحدة - وهي الريح الشرقية، ويقال لها: القبول.
الدبور - بفتح الدال المهملة: الريح القريبة، ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول، وكون الدبور أهلكت أهل الادبار.
تكفأ القدور: تميلها وتقلبها.
الاطناب: جمع طنب - بضمتين وسكون النون - لغة: حبل الخيمة.
الفساطيط جمع فسطاط - بضم الفاء وكسرها -: بيت من شعر.
النجاة: النجاة بالنصب على الاغراء.
أتيتم (بالبناء للمفعول).
الفشل - بالفاء والشين المعجمة المفتوحتين -: الجبن والضعف في الحرب.
شرح غريب ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه ليكشف له خبر القوم وانصرافه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة دونك: اسم فعل أمر بمعنى خذ.
المرط - بالكسرة -: كساء من صوف أو خز، أو كتان.
والمراد هنا الاول.
القر - بضم القاف -: البرد.
جثا - بالجيم والمثلثة -: برك.
ظهري القوم: وسطهم.(4/412)
فتصلوا القتال - بفتح الصاد -: فتدخلوا فيه.
رماة الحدق - بفتحتين - جمع حدقة وهي سواد العين، قال في مصتصر الاساس: هم رماة الحدق، أي المهرة في النضال.
كبد القوس: مقبضها.
الاحلاس: جمع حلس - بكسر الحاء المهملة -: كساء يجعل على ظهر البعير، أراد أنهم ملازمون لركوب الخيل.
الشملة: كساء صغير يؤتزر به.
أقرقف: أرعد من البرد.
حزبه أمر - بالزاي والموحدة -: نزل به.
يا نومان - بفتح النون وسكون الواو - أي يا كثير النوم.
الساقة: جمع سائق، وهم الذين يسوقون الجيش يكونون من ورائه يحفظونه.
انقشعوا: انكشفوا.
شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه العدل - بكسر العين المهملة -: المثل.
نابه كذا: نزل به.
المرصد: المعد للامر.
يقال: أرصدت لهذا الامر كذا: أعددته.
الفضافض - بفاءين وضادين معجمتين - وهي هنا الدروع المتسعة.
سابغات ومسبغات: كاملات.
الغدران: جمع غدير.
الملا - بالقصر -: المتسع من الارض.
المتسربلون: لابسو الدروع.
المراح - بكسر الميم وبالحاء المهملة -: النشاط.
الشاغبين - بغين معجمة فموحدة مكسورتين فتحتية - جمع شاغب وهو المهيج للشر.
الشوابك: التي تتثشبث بما تأخذه فلا يفلت منها.
العرين: بعين مهملة مفتوحة - مأوى الاسد الذي يألفه.(4/413)
الشوس - بشين معجمة مضمومة فواو فسين مهملة - جمع أشوس، وهو الذي ينظر نظر المتكبر بمؤخر عينه.
المعلم - بفتح اللام وكسرها -: الذي أعلم نفسه بعلامة في الحرب ليشتهر بها.
الفل - بفتح الفاء وتشديد اللام -: القوم المنهزمون.
الشريد - بالشين المعجمة والراء -: الطريد.
دامرين: هالكين، من الدمار، وهو الهلاك.
العاصف: الريح الشديدة.
المتكمه: الذي يولد أعمى.
شرح غريب أبيات حسان رضي الله عنه الرسم: ما بقي من آثار الشئ الدارس البالي.
اليباب - بتحتية مفتوحة فموحدة فألف فموحدة أخرى -: القفر، وهو المفازة، أي الارض التي لا ماء فيها ولا نبات.
المحاور: الذي يراجعك ويتكلم معك.
عفا: درس.
رهم - براء مكسورة جمع رهمة - بالكسر - وهو المطر الضعيف.
مطلة - بضم الميم وكسر الطاء المهملة -: مشرفة.
مرباب - بميم فراء وموحدتين - أي دائمة ثابتة.
الحلول - بضم الحاء المهملة -: البيوت المجتمعة.
ثواقب: نيرة مشرقة.
الخريدة: المرأة الناعمة الحبيبة.
آنسة الحديث - بهمزة مفتوحة ممدودة فنون فسين مهملة -: طيبة.
الكعاب: الجارية التي بدا ثديها للنهود.
ألبوا - بفتح اللام المشددة -: جمعوا.
متخمطين - بميم مضمومة ففوقية فخاء معجمة مفتوحة فميم مكسورة مشددة فطاء مهملة فتحتية - أي مختلطين.
ويقال: المتخمط: الشديد الغضب المتكبر.
الحلبة - بفتح الحاء المهملة وسكون اللام -: جماعة الخيل التي تعد للسباق.
الايد: القوة.(4/414)
المعصفة: الريح الشديدة.
عاتي الفؤاد: قاسيه.
موقع: ذو عيب، وأصله من التوقيع في ظهر الدابة وهو انسلاخ يكون فيه.
شرح غريب أبيات كعب بن مالك رضي الله عنه النحلة - بكسر النون وسكون الحاء المهملة -: العطاء.
مشرقة - بالميم والقاف -: مضيئة.
الذرى: الاعالي.
المعاطن: مبارك الابل حول الماء.
حم - بحاء مهملة مضمومة -: سود.
الجذوع هنا أعناق الابل.
غزيرة - بغين فزاي معجمتين فتحتية فراء -: كثيرة.
الاحلاب: ما يحلب فيه منها.
اللوب - بضم اللام جمع لوبة - وهي الحرة، ويقال فيها اللابة أيضا، جمعها لاب.
والحرة: أرض ذات حجارة سود.
جمها - بجيم فميم مشددة -: ما اجتمع من لبنها.
وحفيلها (بحاء مهملة ففاء فتحتية).
المنتاب - بضم الميم وسكون النون ففوقية وموحدة -: القاصد الزائر.
نزائعا - بنون فزاي فألف -: الخيل العربية التي جلبت من أرضها إلى غيرها.
السراح - بسين فراء فألف فحاء مهملات - وهو هنا الذئاب واحدها سرحان، ويقال في جمعه سراحين، والسرحان في لغة هذيل: الاسد.
وجزة المقضاب: يعني ما يجز أي يقطع لها من النبات فتطعمه.
المقضاب: من القضب والقطع.
الشوى - بفتح الواو -: القوائم.
النحض - بنون مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فضاد معجمة -: اللحم.
الجرد - بالجيم -: الملس.
الآراب جمع إرب وهو العضو(4/415)
المتون جمع متن: الظهر.
قود: طوال، جمع أقود وقوداء.
تراح - بفوقية وراء وحاء مهملتين -: تنشط.
الضراء - بضاد معجمة فراء - وهي هنا الكلاب الضارية بالصيد.
الكلاب - بفتح الكاف واللام المشددة -: الصائد صاحب الكلاب.
تحوط: تحفظ.
السائمة: الماشية المرسلة في المرعى، إبلا كانت أو غيرها.
تردي: تهلك.
تؤوب: ترجع.
حوش: نافرة.
مطارة - بميم فطاء مهملة -: مستخفة.
الوغى - بالواو والغين المعجمة -: الحرب.
الانجاب - بكسر الهمزة -: الكرام.
علفت (بالبناء للمفعول).
الدعة - بفتح الدال والعين المهملتين -: الراحة وخفض العيش.
البدن - بضم الموحدة وفتح المهملة المشددة -: السمان.
دخس - بدال مهملة فخاء معجمة فسين مهملة -: كثيرة اللحم.
البضيع - بموحدة فضاد معجمة فتحتية -: اللحم.
الاقصاب - بالصاد المهملة جمع قصب - وهو المعى.
الزعف - بزاي فغين معجمة ففاء -: الدروع اللينة.
الشكة والشك هنا النسج.
المترصات - بميم مضمومة فمثناة فوقية ساكنة فراء فصاد مهملة -: الشديدات، يعني رماحا.
الثقاف - بثاء مثلثة مكسورة فقاف وفاء -: الخشبة التي تقوم بها الرماح.
صياب: صائبة.(4/416)
صوارم: سيوف قاطعة.
غلبها: خشونتها وما عليها من الصدأ.
الاروع: الذي يروع بكماله وجماله.
الماجد: الشريف.
المارن - بالراء -: الرمح اللين.
وكلت (بالبناء للمفعول).
وقيعته - بواو فقاف فتحتية فعين مهملة - أي صنعته وتطريقه والوقيعة: المطرقة التي يطرق بها الحديد.
خباب - بفتح المعجمة وتشديد الموحدة -: اسم قين، والظاهر أنه أراد به خباب بن الارت رضي الله عنه فإنه كان قينا، أي حدادا.
أغر أزرق: يعني سنانا.
الطخية - بطاء مهملة فخاء معجمة فتحتية -: شدة السواد.
القران - بكسر القاف هنا -: تقارب النبل.
القتير - بقاف مفتوحة ففوقية مكسورة هنا -: مسامير حلق الدرع.
القواحز - بقاف مفتوحة فألف فحاء مهملة فزاي معجمة -: الحلق.
الجأواء - بالجيم والمد - التي يخالط سوادها حمرة.
وقصرها هنا ضرورة.
ململمة: مجتمعة.
الضريمة - بضاد معجمة فراء مهملة -: اللهب المتوقد.
الغاب - بالغين المعجمة والموحدة -: الشجر الملتف.
الصعدة - بصاد فعين مهملتين -: القناة المستوية.
الخطي: الرمح، منسوب إلى الخط - بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة -:
مكان.
الفئ: الظل.
أبو كرب: ملك من ملوك اليمن، وتبع كذلك.
البسالة: الشدة.
الازهر: الابيض.(4/417)
الحرج - بحاء فراء مفتوحتين فجيم -: الحرام.
الالباب: العقول.
سخينة: لقب لقريش.
قال في الروض: ذكروا أن قصيا كان إذا ذبحت قريش ذبيحة أو نحرت نحيرة بمكة أتى بعجزها فصنع منه خزيرة - وهو بفتح الخاء المعجمة وكسر الزاي وسكون التحتية بوزن جزيرة - وهي لحم يطبخ ببر فيطعمه الناس فسميت قريش بهما سخينة.
وقيل: إن العرب كانوا إذا أسنتوا أكلوا العلهز وهو الوبر والدم، كان يتخذ في المجاعة، وتأكل قريش الخزيرة، واللفيفة فنفست عليهم العرب بذلك فلقبوهم سخينة.
قال: ولم تكن قريش تكره هذا اللقب، ولو كرهته لما استجاز كعب أن يذكره ورسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
ولتركه أدبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان قرشيا، ولقد استنشد عبد الملك بن مروان ما قاله الهوازني في قريش: يا شدة ما شددنا غير كاذبة * على سخينة لولا الليل والحرم فقال: ما زاد هذا على أن استثنى، ولم يكره سماع التلقيب بسخينة، فدل على أن هذا اللقب لم يكن مكروها عندهم، ولا كان فيه تعيير لهم بشئ يكره.
وقال في المزهر: وفي كلامه نظر في موضعين: الأول: كل من تعرض لنسب أو تاريخ وشبههما - فيما رأيت - يزعمون أن قريشا كانت تعاب بأكل السخينة، هذا كلام الكلبي - والبلاذري وأبو عبيد والمدائني وأبو الفرج
وابن دريد وابن الاعرابي وأبو عبيدة ومن لا يحصى، قالوا ذلك.
الثاني: قوله: " ولو كرهته " إلخ.
ليس فيه دلالة على قوله لامور: الاول.
يحتمل أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمع ذلك، أو سمعه وأنكره ولم يبلغنا نحن ذلك.
قلت: وهذان الامران ليسا بشئ، لقوله صلى الله عليه وسلم لكعب لما قال: " جاءت سخينة كي تغالب ربها: لقد شكرك الله تعالى على قولك هذا يا كعب "، كما رواه ابن هشام والله أعلم.
أو أنه صلى الله عليه وسلم أراد نكايتهم فأعرض عن ذلك، لان الذي بينهم كان أشد من ذلك.
وقال السهيلي: " ولقد اسنتشد عبد الملك " إلخ فيه نظر من حيث إن المرزباني ذكر هذا الشعر لخداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة، وليس من هوازن في ورد ولا صدر، وإن عبد الملك تنازع إليه قوم من بني عامر بن صعصعة في العرافة فنظر إلى فتى منهم شعشاع فقال: يا فتى قد وليتك العرافة، فقاموا وهم يقولون: قد أفلح ابن خداش، فسمعها عبد الملك فقال: كلا والله لا يهجونا أبوك في الجاهلية بقوله: " يا شدة ما شددنا " الخ ونسودك في الاسلام، فولاها غيره.(4/418)
شرح غريب قصيدة كعب رضي الله عنه يرعبل - بضم التحتية وفتح الراء وسكون العين المهملة وكسر الموحدة وباللام - أي يقطع.
المعمعة: التهاب النار وحريقها، ثم استعملت في اختلاف الاصوات وفي شدة القتال.
الاباء - بالفتح والمد - القصب - بالقاف والصاد المهملة - الواحدة أباءة، ويقال: هو أجمة الحلفاء والقصب خاصة.
المأسدة: موضع الاسد، وأراد بها هنا موضع الحرب.
المذاد - بميم مفتوحة فذال معجمة فألف فدال مهملتين، من ذاده أي طرده -: أطم لبني حرام غربي مسجد الفتح سميت به الناحية.
الجزع - بجيم تفتح وتكسر فزاي ساكنة فعين مهملة - وهو منعطف الوادي، قال في الاملاء: وهو هنا جانب الخندق.
دربوا: حذقوا وتمرنوا.
المعلمون: الذين يعلمون أنفسهم بعلامة في الحرب يعرفون بها.
المهجات - بضم الميم والهاء وبالجيم - جمع مهجة، وهي النفس.
ويقال: خيال النفس وذكاؤها.
لرب المشرق، أراد المشرق والمغرب فحذفه للعلم به.
العصبة: الجماعة.
المرفق - بفتح الميم -: الرفق.
السابغة - بالغين المعجمة -: الدرع الكاملة.
تخط فضولها -: ينجر على الارض ما فضل منها.
النهي - بفتح النون وكسرها وسكون الهاء وبالتحتية -: الغدير: وكل موضع يجتمع فيه الماء، وجمعها أنهاء ونهي.
هبت: تحركت.
المسترقرق: صفة نهي، وهو الذي تصففه الريح فيجئ ويذهب، ومن رواه المترقق من الرقة.
القتير: هنا مسامير حلق الدرع، وقد تقدم.
الحدق: جمع حدقة.(4/419)
الجنادب: ذكر الجراد.
الشك هنا إحكام السرد وهو متابعة نسج حلق الدرع وموالاته شيئا فشيئا حتى تتناسق.
الموثق: المثبت.
الجدلاء - بالجيم المفتوحة والدال الساكنة والمد -: الدرع المحكمة النسج.
يحفزها - بتحتية مفتوحة فحاء مهملة ساكنة ففاء مكسورة فزاي -: يرفعها ويشمرها.
النجاد - بكسر النون وبالجيم المهملة -: حمائل السيف.
المهند: السيف.
صارم - بالمهملة -: قاطع.
الرونق: اللمعان.
الهياج: يوم القتال.
قدما - بضم القاف وسكون الدال المهملة وضمها - أي يتقدم ولم يعرج.
نلحقها (بضم النون وسكون اللام وكسر الحاء المهملة وضم القاف).
الجماجم: جمع جمجمة الرأس.
ضاحيا - بضاد معجمة فحاء مهملة - أي بارزا كالشمس.
الهامات - بهاء فألف فميم فتاء تأنيث - جمع هامة وهي الرأس وهي المراد.
بله: اسم سمي به الفعل، ومعناه اترك ودع.
والاكف منصوب به، ومن رواه بخفض الاكف جعل بله مصدرا أضافه إلى ما بعده كما قال تعالى: (فضرب الرقاب) [ محمد 4 ].
الفخمة - بالفاء والخاء المعجمة - يعني بها الكتيبة.
المذمومة: المجتمعة.
المشرق هنا جبل.
ومن رواه: كرأس قدس المشرق - بقاف فدال فسين مهملة - القدس هنا جبل.
والمشرق نعت له.
المقلص: الفرس الخفيف المشمر.
الورد - بفتح الواو -: الفرس الذي تضرب حمرته إلى الصفرة.
المحجول: الفرس الذي ابيضت قوائمه.
تردي: تسرع.
الكماة - بضم الكاف -: الشجعان.(4/420)
الطل - بطاء مهملة - الضعيف من المطر.
الملثق - بميم مضمومة فلام ساكنة فثاء مثلثة مكسورة فقاف - أي الذين يبل.
واللثق: البلل.
الحتوف: جمع حتف.
الهلاك.
العماية هنا: السحابة.
الوشيح - بفتح الواو وكسر الشين المعجمة وبالحاء المهملة - الرمح.
المزهق - بالزاي والهاء والقاف -: المذهب للنفوس.
الحيط: جمع حائط.
وهم اسم فاعل من حاط يحوط.
دلفت - بفتح الدال المهملة واللام والفاء - أي قربت.
النزق - بنون مضمومة فزاي مفتوحة مشددة - جمع نازق وهو الغاضب السئ الخلق.
الحومات: جمع حومة وهي موضع القتال.
نعنق - بنون مضمومة فعين مهملة ساكنة فنون مكسورة فقاف - أي نسرع.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه سلع والعريض تقدما.
الصماد - بصاد ودال مهملتين - اسم موضع، يحتمل أن يكون جمع ضمد، وهو المرتفع من الارض.
النواضح: الابل التي يستقي عليها الماء.
مدربات: جمع مدربة أي مخرجة مدربة قد ألفت الركوب والسير، أي تعودت المشي في الدروب، فصارت تألفها وتعرفها فلا تنفر منها.
وخوص - بخاء معجمة فواو فصاد مهملة - أي ضيقة.
ثقبت - بالثاء المثلثة والقاف والموحدة -: حفرت.
رواكد: ثابتة دائمة.
يزخر - بالزاي والخاء المعجمة -: يعلو ويرتفع.
يقال: زخر البحر والنهر، إذا ارتفع ماؤه وعلا.
المرار - بالراء - الماء الذي يمر فيها.
ومن رواه بالدال المهملة، أراد الماء الذي يمدها.
الجمام - بكسر الجيم - جمع جمة وهي البئر الكثيرة الماء.(4/421)
الثماد جمع ثمد، وهو الماء القليل.
الغاب - بالغين المعجمة - الشجر الملتف.
البردي - بموحدة -: نبات ينبت في البرك تصنع منه الحصر الغلاظ.
أجش - بالجيم والشين المعجمة -: عالي الصوت.
وقال في الروض: الابح.
تبقع: صارت فيه بقع صفر.
وفي الروض: بيض من اليبس.
دوس ومراد: قبيلتان.
لم تثر - بضم الفوقية وفتح الثاء المثلثة -: لم تحرث.
الجلاد - بكسر الجيم -: الضرب بالسيف في القتال.
السكة - بالسين المهملة والكاف -: الصف من النخل.
الانباط: قوم من العجم، أي حرسناها وغرسناها كما تفعل الانباط في أمصارها لا نخاف عليها كائدا.
الجلهات: جمع جلهة، وهو ما استقبلك من الوادي إذا نظرت إليه من الجانب الاخر.
الحضر بحاء مهملة مضمومة فضاد معجمة فراء -: الجري بين الخيل واشتداد الفرس في عدوه، ويروي: خطر - بالخاء المعجمة والطاء المهملة - أي القدر.
يقال: لفلان خطر في الناس أي قدر.
الطول - بفتح الطاء -: الفضل، وبضمها: خلاف العرض.
الغايات: جمع غاية وهي حيث ينتهي طلق فرسه.
نجتديكم - بالدال المهملة -: نطلب منكم.
الشطر - بالشين المعجمة -: الناحية والقصد.
المذاد تقدم أولا.
المطهم - بالطاء المهملة وتشديد الهاء -: الفرس التام الخلق.
الطمر - بكسر الطاء المهملة والميم وفتح الراء المشددة -: الفرس الخفيف.
خفق: مضطرب: تدف - بالدال المهملة والفاء -: تطير في جريها، يقال: دف الطائر إذا حرك جناحيه ليطير.
المقلص: المشمر الشديد.(4/422)
الآراب جمع أربة بضم الهمزة، وهي القطعة من اللحم.
النهد: الغليظ العنق، وأراد أنه تام الخلق من مؤخر ومقدم.
السنة الجماد - أي سنة القحط.
الاعنة جمع عنان، وهو سير اللجام.
مصغيات: مستمعات.
القوانس: أعالي بيض الحديد.
القاري: من أهل القرى.
البادي: من كان من أهل البادية.
البسالة: الشدة والشجاعة.
أشرجنا - بشين معجمة فراء فجيم -: ربطنا.
الاعنة جمع عنان، وهو سير اللجام.
مصغيات: مستمعات.
القوانس: أعالي بيض الحديد.
القاري: من أهل القرى.
البادي: من كان من أهل البادية.
البسالة: الشدة والشجاعة.
أشرجنا - بشين معجمة فراء فجيم -: ربطنا.
الجدل - بضم الجيم وبالدال المهملة واللام - جمع جدلاء، وهي الدروع المحكمة النسج.
الازب - بالزاي -: جمع أزبة: الشدة والضيق، ومن رواه الارب فهو جمع أربة، وهي العقدة الشديدة.
السوابغ: الدروع الكاملة.
الصقر (بفتح الصاد المهملة).
المعتلث: الذي لا يورى نارا.
ويقال: المعتلث: الذي يقطع من شجر لا يدري: أيورى نارا أم لا.
الاشم: العزيز.
غداة ندى: من رواه بالنون فهو من الندا وهو المجلس، ومن رواه " بدا " - بالموحدة فظاهر، ومن رواه بالتحتية والراء فهو معلوم.
الجزع - بكسر الجيم وسكون الزاي -: جانب الوادي، أو ما انعطف منه.
المذي: الذي بلغ الغاية في القوة.
صبي السيف: وسطه، وذبابه: طرفه.
النجاد - بالنون: حمائل السيف.(4/423)
سبل الهدى والرشاد
الصالحي الشامي
ج 5(5/)
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد
للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي
المتوفي سنة 942 هـ
تحقيق وتعليق
الشيخ عادل أحمد عبد الموجود
الشيخ علي محمد معوض
الجزء الخامس
دار الكتب العلمية بيروت - لبنان(5/1)
جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
الطبعة الأولى 1414 هـ - 1993 م
دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
ص.ب: 9424 / 11 - تلكس: - 4125 LE NASHER
هاتف: 366135 - 602133 - 868051 - 815573
فاكس: 478373 / 1212 / 00 - 602133 / 9611 / 00(5/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
[ الباب العشرون ] [ في غزوة بني قريظة ]
تقدم في غزوة الخندق أنهم ظاهروا قريشا واعانوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم - ونقضوا العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما أجدى ذلك عنهم شيئا وباءوا بغضب من الله ورسوله، والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة.
قال الله سبحانه وتعالى: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم يناولوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وانزل الذين ظاهروهم - اي اعانوهم - من أهل الكتاب من صياصيهم - اي حصونهم - وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تفتلون وتأسرون فريقا.
وأورثكم أرضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطئوها وكان الله على كل شئ قدير) [ الأحزاب 25: 27 ].
قال محمد بن عمر عن شيوخة: لما تفرق المشركون عن الخندق خافت بنو قريظة خوفا شديدا، وقالوا: محمد يزحف الينا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بقتالهم حتى جاءه جبرئيل يأمره به.
روى الإمام أحمد والشيخان - مختصرا - والبيهقي والحاكم في صحيحه مطولا عن عائشة، وأبو نعيم، والبيهقي من وجه آخر عنها، وابن عائذ عن جابر بن عبد الله، وابن سعد عن حميد بن هلال، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى والبيهقي وابن سعد عن الماجشون، والبيهقي عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وسعيد بن جبير وابن سعد بن يزيد بن الأصم، ومحمد بن عمر شيوخة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع عن فيتعين الرجوع الى الأصل العملي، فعلى القول بجريان الأصل في العدم الأزلي يجري استصحاب عدم كونه مكيلا أو موزونا فيحكم بعدم جريان الربا فيه، وعلى القول بعدمه فكذلك إن أحرز عدم كونه كذلك قبل عصر النبي (ص) وإلا فيتعين الرجوع الى أصالة عدم ترتب الأثر، وبعبارة اخرى الى أصالة الفساد في المعاملات.
ثم إنه بناء على ما اخترناه تسقط جملة من الفروع التي ذكرناها الأصحاب في المقام.
نعم يبقى فرعان: الأول: لو فرضنا كون المبيع في بلد والعقد في بلد آخر، والمتعاقدين أهل بلد ثالث، والمبيع في بعض تلك البلاد مكيل أو موزون، وفي بعضها
يباع جزافا فهل العبرة ببلد المبيع نظرا الى أن الشرط وصف له، أم ببلد العقد، أم ببلد المتعاقدين ؟ وجوه أظهرها: الثالث، فإن الظاهر من الروايات أن ما يشترط في صحة بيعه الكيل أو الوزن، ولا يصح بيعه جزافا يجري فيه الربا، ومن الواضح أنه في الفرض يشترط في البيع المذكور رعاية حال المتعاقدين، لقوله (ع) في صحيح الحلبي: ما سميت فيه كيلا (1) فإنه موجه الى البائع.
الثاني: أنه لو وقعت المعاملة في الصحراء وكان البلاد مختلفة في التقدير ولم يكن الصحراء ملحقا بأحدها، فإن كان المتعاقدان أهل بلد لحقهما حكمه كما تقدم، وإلا فالظاهر عدم جريان الربا فيه وكذا جواز بيعه بغير الكيل والوزن، للعمومات بعد عدم شمول دليل الكيل والوزن لهذا المورد كما واضح، الخندق، والمسلمون وقد عضهم الحصار، فرجعوا مجهودين، فوضعوا السلاح، ووضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل بيت عائشة ودعا بماء فأخذ يغسل رأسه - قال ابن عقبة قد رجل احد شقية.
قال محمد بن عمر: غسل رأسه واغتسل، ودعا بالمجمرة ليتبخر، قئد صلى الظهر، قالت عائشة: فسلم علينا رجل ونخن في البيت.
قال محمد بن عمر: وقف موضع الجنائز، فنادى عذيرك من محارب ! فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعا فوثب وثبة شديدة، فخرج إليه، وقمت في اثره انظر من خلل الباب، فإذا هو دحية الكلبي فيما كنت ارى - وهو ينفض الغبار عن وجهه، وهو معتم، وقال ابن إسحاق: معتجر بعمامة، قال الماجشون - كما رواه أبو نعيم عنها، سوداء من استبرق، مرخ من عمامته بين كتفيه، على بغلة شهباء - وفي لفظ: فرس - عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج - قال الماجشون: أحمر - على ثناياه لاثر الغبار، وفي رواية: قد عصب رأسه الغبار، عليه لامته،(5/3)
فاتكأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عرف الدابة، فقال: يا رسول الله، ما اسرعتم ما حللتم، عذيرك من محارب ! عفا الله عنك، وفي لفظ غفر الله لك، أو قد وضعتم السلام قبل أن نضعه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم قال: فو الله ما وضعناه، وفي لفظ: (ما وضعت الملائكة السلاح منذ
نزل بك العدو.
وما رجعنا الآن إلا من طلب القوم حتى بلغنا حمراء الاسد - يعني الاحزاب - وقد هزمهم الله تعالى، وإن الله - تعالى - يأمرك بقتال بني قريظة، وأنا عامد إليهم بمن معي من الملائكة لأزلزل بهم الحصون، فاخرج الناس).
قال حميد بن هلال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فإن من اصحابي جهدا فلو أنظرتهم اياما قال جبريل: انهض إليهم، فو الله لأدقنهم كدق البيض على الصفا لاضعضعنها، فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار.
قال أنس - رضي الله عنه - فيما رواه البخاري: كأني انظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم - مؤكب جبريل حين سار الى بني قريظة (1)..انتهى.
قالت عائشة: فرجعت، فلما دخل قلت يا رسول الله - من ذاك الرجل الذي كنت تكلمه ؟ قال: (ورأيته) ؟ قلت نعم، قال ; (لمن تشبهت) ؟ قلت: بدحية بن خليفة الكلبي، قال: (ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة).
قال قتادة فيما رواه ابن عائذ: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث يومئذ مناديا ينادي (يا خيل الله اركبي) وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فاذن في الناس: (من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة).
وروى الشيخان عن ابن عمر، والبيهقي عن عائشة، والبيهقي عن الزهري وعن ابن عقبة، والطبراني عن كعب بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه (عزمت عليكم ألا تصلوا صلاة العصر، وفي لفظ الظهر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصليها حتى نأتي بني قريظة، إنا لفي عزيمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما علينا من إثم، فصلوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس.
وقال بعضهم: بل نصلي ; لم يرد منا ان ندع الصلاة فصلوا، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدا من الفريقين، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي ابن ابي طالب فدفع إليه لواءه، وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق، فابتدره الناس (2).
__________
(1) انظر البخاري 7 / 470 (4117).
(2) أخرجه البخاري 1 / 471 (4118) وأخرج عبد الرزاق في المصنف (9737) والبيعقي في دلائل النبوة 4 / 8 وابن
كثير في البداية 4 / 117، وانظر مجمع الزوائد 6 / 143 (*).(5/4)
[ ذكر مسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني قريضة ] قال محمد بن عمر، وابن سعد، وابن هشام، والبلاذري: فاستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة ابن أم مكتوم.
قال محمد بن عمر: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم لسبع بقين من ذي القعدة، ولبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلاح والدرع (1) والمغفر والبيضة وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس، وركب فرسه اللحيف (2)، وحف بن اصحابه، والخيل والرجالة حوله قال ابن سعد عن البيهقي وغيره والطبراني عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لما اتى بني قريظة ركب على حمار عرى يقال له يغفور، والناس حوله (3).
ورورى الحاكم، والبيهقي وأبو نعيم عن عائشة وابن إسحاق عن...ومحمد ابن عمر عن شيوخه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بنفر من بني النجار بالصورين فيهم حارثة بن النعمان قد صفوا عليهم السلاح فقال: (هل مر بكم أحد ؟) قالوا: نعم، دحية الكلبي مر على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من استبرق وامرنا بحمل السلاح سلاحنا فأخذنا وصففنا، وقال لنا: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلع عليكم الآن، قال حارثة بن النعمان: وكنا صفين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة ليزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم) (4).
وسبق علي في نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو قتادة - إلى بني قريظة.
روى محمد بن عمر بن ابي قتادة قال: انتهينا الى بني قريضة.
روى محمد بن عمر عن ابي قتادة قال: انتهينا الى بني قريظة، فلما رأونا ايقنوا بالشر، وغرز علي الراية عند أصل الحصن، فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه.
قال أبو قتادة: وسكتنا، وقلنا: السيف بيننا وبينكم، وانتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
__________
(1) الدرع: قميص من حلقات الحديد متشابكة يلبس وقاية من السلاح، يذكر ويؤنث، انظر المعجم الوسيط
1 / 280.
(2) قال في النهاية: كان اسم فرسه - صلى الله عليه وسلم - اللحيف لطول ذنبه، فعيل بمعنى مفعول، كأنه يلحف الارض بذنبه أي يغطيها به، انظر النهاية 4 / 238.
(3) الطبراني في الاوسط وقال الهيثمي 6 / 144 رجاله ثقات.
(4) أخرجه عبد الرزاق (9737) والبيهقي في الدلائل 4 / 9 وابن كثير في البداية 4 / 118 والحاكم 4 / 118، 3 / 34، 35 وأبو نعيم في الدلائل (437).
(*)(5/5)
بني قريظة فنزل قريبا من حصنهم على بئر انا بأسفل حرة بني قريضة، فلما رآه علي - رضي الله عنه - رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرني أن الزم اللواء، فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذاهم وشتمهم.
فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابيث ; فان الله - تعالى - كافيك اليهود.
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لم تأمرني بالرجوع ؟ فكتمه ما سمع، فقال: (أظنك سمعت منهم لي أذى) فقال: نعم يا رسول الله.
قال: (لو رأني لم يقولوا من ذلك شيئا).
فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وتقدمه أسيد بن الحضير - فقال: يا اعداء الله: لا نبرح عن حصنكم حتى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في حجر، فقالوا: يابن الحضير: نحن مواليك دون الخزرج، وخاروا، فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا الا وذمة، ودنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترسنا عنه، ونادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم، حتى أسمعهم فقال: (أجيبوا يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت هل اخزاكم الله وانزل بكم نقمته ؟ أتشتموني ؟ ! فجعلوا يحلفون ما فعلنا، ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولا، وفي لفظ ما كنت فاحشا.
واجتمع المسلمون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشاء، وبعت سعد بن عبادة - رضي الله عنه - بأحمال تمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين.
فكان طعامهم، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ (نعم الطعام التمر).
[ ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة ]
غدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سحرا، وقدم الرماة وعبأ اصحاب فأحاطوا بحصون يهود ورموهم بالنبل والحجارة، وهم يرمون من حصونهم حتى أمسوا، فباتوا حول الحصون، وجعل المسلمون يعتقبون، يعقب بعضهم بعضا، فما برح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراميهم حتى أيقنوا بالهكلة، وتركوا رمي المسلمين وقالوا: دعونا نكلمكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (نعم) فأنزلوا نباش بن قيس، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النظير من الاموال والحلقة وتحقق دماءنا، ونخرج من بلادك بالنساء والذراري، ولنا ما حلمت الإبل إلا الحلقة، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ان ينزلوا الى حكمه، وعاد نباش إليهم بذلك.
[ ذكر اعتراف كعب بن اسد كبير بني قريظة وغيره بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فلما عاد نباش إلى قومه، وأخبرهم الخبر، قال كعب بن اسد: يا مهشر بني قريظة، والله قد نزل بكم من الامر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا ما شئتم منها، قالوا: وما هي ؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه.
فوالله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في(5/6)
كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم ونسائكم، والله إنكم لتعلمون أن محمدا نبي، وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب حيث لم يكن نبيا من بني اسرائيل، فهو حيث جعله الله، ولقد كنت كارها لنقض العهد والعقد ولكن البلاء والشؤم من هذا الجالس - يعني حيي ابن اخطب - ولقد كان حيي بن أخطب دخل معهم في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاء لكلب بن اسد بما كان عاهده عليه - تذكرون ما قال لكم ابن جواس حين قدم عليكم: تركت الخمر والخمير والتمير، وأجأت الى السقاء والتمر والشعير، قالوا: وما ذلك ؟ قال: انه يخرج بهذه القرية نبي، فإن يخرج وأنا حي اتبعه وانصره، وإن خرج بعدي، فأياكم أن تخدعوه عنه، واتبعوه، فكونوا انصاره واوليائه، وقد آمنتم بالكتابين، كليهما الأول والآخر، واقرئوه مني السلام، واخبروه اني مصدق به.
قال كعب: فتعالوا فلنتابعه ونصدقه،
فقالوا: لا نفارق حكم التوراة ابدا، ولا نستبدل به غيره، قال: فإذا أبيتم على هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج الى محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف ولم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فان نهلك نهلك، ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، إن نظهر فلعمري نجدن النساء والأبناء.
قالوا: انقتل هؤلاء المساكين ؟ ! فما خير العيش بعدهم ؟ قال: فإن ابيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت، وانه عسى وأن يكون محمد وأصحابه قد آمنوا فيها فأنزلوا، لعنا نصيب عن محمد وأصحابه غرة، قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ ! فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته امه ليلة واحدة من الدهر حازما، فقال ثعلبة وأسيد ابنا سعية، وأسد بن عبيد وابن عمهم، وهو نفر من هذيل ليسوا من بني قريظة، ولا النضير، نسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم: يا معشر بني قريظة، والله انكم لتعلمون أنه رسول الله وان صفته عندنا، وحدثنا بها علماؤنا وعلماء بني النضير، هذا اولهم: يعني حيي بن أخطب مع جبير بن الهيبان - أنه اصدق الناس عندنا، هو خبرنا بصفته عن موته.
قالوا: لا نفارق التوراة.
فلما رأى هؤلاء النفر اباءهم نزلوا تلك الليلة التي في صبحها نزلت بنو قريظة فأسلمو وآمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم.
وقال عمرو بن سعدى: يا معشر يهود، إنكم قد حالفتم محمدا على ما حالفتموه عليه، فنقضتم عهده الذي كان بينكم وبينه، فلم ادخل فيه، ولم اشرككم في غدركم، فإن ابيتم أن تدخلوا معه فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فوالله ما ادري يقبلها ام لا، قالوا: فنحن لا نقر للعرب يخرج في رقابنا يأخذونه، القتل خير من ذلك، قال فإني برئ منكم.
وخرج في تلك الليلة مع ابني سعية، فمر بحرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليهم محمد بن مسلمة، فقال محمد: من هذا ؟ عمرو بن سعدى، قال محمد: مر اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، وخلى(5/7)
سبيله، وخرج حتى أتى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبات به حتى اصبح غدا فلم
يدر أنى هو حتى الساعة فذكر شأنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -..فقال: (ذاك رجل نجاة الله بوفائه).
[ ذكر طلب يهود أبي لبابة وما وقع له ونزول توبته ] قال اهل المغازي وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة السبت ان ابعث الينا ابا لبابة بن عبد المنذر (2) فنستشيره في أمرنا فأرسله إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قام إليه الرجال وبهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، فقال كعب بن اسد: يا ابا لبابة، إنا قد اخترناك على غيرك، إن إن محمدا قد ابى إلا ان ننزل على حكمه أفترى أن ننزل على حكمه ؟ قال نعم، وأشار بيده إلى حلقة أي أنه الذبح.
قال أبو لبابة: فو الله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله.
فندمت واسترجعت فنزلت وإن لحيتي لمبتلة من الدموع، والناس ينتظرون رجوعي إليهم حتى أخذت من وراء الحصن طريقا أخرى، حتى جئت الى المسجد، ولم آت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارتبطت وكان ارتباطي على الأسطوانة المخلقة التي يقال لها اسطوانة التوبة، وقلت لا ابرح من مكاني حتى اموت أو يتوب الله علي مما صنعت، وعاهدت الله تعالى بألا أطأ أرض بني قريظة ابدا ولا أرى في بلد خنت الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيه أبدا، وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهابي وما صنعت، فقال: (دعوة حتى يحدث الله تعالى - فيه ما شاء، لو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهابي وما صنعت، فقال: (دعوة حتى يحدث الله تعالى - فيه ما شاء، لو كان جاءني استغفرت له، فإذا لم يأتني وذهب، فدعوه).
وأنزل الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) [ الأنفال 27 ] قال أبو لبابة: فكنت في أمر عظيم، في حر شديد عدة ليال لا آكل فيهن ولا أشرب، وقلت: لا أزال هكذا حتى أفارق الدنيا، أو يتوب الله علي.
وأذكر رؤيا رأيتها في النوم ونحن حاصرون بني قريظة.
كأني في حماة آسنة، فلم أخرج منها حتى كدت اموت من ريحها، ثم ارى نهرا جاريا فأراني اغتسلت فيه حتى استنقيت وأراني أجد ريحا طيبة فاستعبرتها أبا بكر فقال: لتدخلن في أمر تغتم له، ثم يفرج عندئذ، فكنت أذكر قول أبي بكر وأنا مرتبط، فأرجو أن ينزل الله تعالى - توبتي.
قال: فلم أزل ذلك حتى ما أسمع الصوت من الجهد - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر
إلي.
قال ابن هشام: أقام مرتبطا ست ليال تأتيه إمرأته كل صلاة فتحله حتى يتوضأ ويصلي ثم يرتبط.
__________
(1) ذكره الحافظ ابن كثير في البداية 4 / 121.
(2) أبو لبابة، الأنصاري المدني، اسمه بشير، وقيل رفاعة بن عبد المنذر، صحابي مشهور، وكان أحد النقباء، وعاش إلى خلافة علي، ووهم من سماه مروان.
التقريب 2 / 467.
(*)(5/8)
وقال ابن عقبة: زعموا انه ارتبط قريبا من عشرين ليلة.
قال في البداية: وهذا أشبه الأقاويل، وقال ابن اسحاق: أقام مرتبطا خمسا وعشرين ليلة.
قال أبو عمر: روى ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوض والربوض الثقيلة - بضع عشرة ليلة حتى ذهبت سمعة فما يكاد يسمع، ويكاد يذهب بصره.
وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة أو أراد أن يذهب لحاجته فإذا فرغ اعادت الرباط.
والظاهر أن زوجته كانت تباشر حله مرة وابنته مرة.
وأنزل الله تعالى - في توبة أبي لبابة (وآخرون اعترفوا بنذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) [ التوبة 102 ] قال ابن اسحاق: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط: إن توبة ابي لبابة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السحر وهو في بيت أم سلمة، قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السحر وهو يضحك، قالت: فقلت يا رسول الله مم تضحك ؟ أضحك الله سنك قال: (تيب على أبي لبابة) قالت: فقلت افلا أبشره يا رسول الله ؟ قال: بلى إن شئت) قال: فقامت على باب حجرتها - وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب - فقالت: يا ابا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك قالت: فسار الناس إليه ليطلقوه، فقال: لا والله حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يطلقني بيده.
فلما مر عليه خارجا الى صلاة الصبح أطلقه.
قال السهيلي
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين - رضوان الله عليهم اجمعين - قال: إن فاطمة - رضي الله عنها -.
جاءت تحله فقال إني حلفت الا يحلني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن فاطمة بضعة مني) قلت: علي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، وعلي بن الحسين روايته مرسلة - قال أبو لبابة: يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي اصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كله صدقة الى الله وإلى رسوله.
قال: (يجزئك الثلث يا أبا لبابة) (1).
[ ذكر نزول بني قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم - ورده الأمر إلى سعد بن معاذ - رضي الله عنه - ] فلما جهدهم الحصار، نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأسراهم فكتفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة، ونحوا ناحية، وأخرجوا النساء والذرية من الحصون فكانوا ناحية واستعمل عليهم عبد الله بن سلام، وجمعت أمتعتهم وما
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9745) والطبري 9 / 46 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص (214) حديث (841).
(*)(5/9)
وجد في حصونهم من الحلقة والاثاث والثياب، ووجدوا فيها ألفا وخمسمائة سيف وثلاصمائة درع، وألفي رمح، وألفا وخمسمائة ترس وحجفة وأثاثا كثيرا، وآنية كثيرة، وخمرا، وجرارا، وسكر فهريق ذلك كله.
ولم يخمسه ووجد من الجمال النواضح عدة، ومن الماشية شيئا كثيرا، فجمع هذا كله.
وتنحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس وتواثبت الاوس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله حلفاؤنا دون الخزرج، وقد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالامس حلفاء ابن ابي وهبت له ثلاثمائة خاسر، وأربعمائة درع.
وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا، ورسول الله - صلى اله عليه وسلم - ساكت لا يتكلم حتى اكثروا عليه والحوا وني قا الاوس
كلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد واياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليه ولا الضالين اما ترضون ان يكون الحكم فيهم الى رجل منكم قالوا بلى قال قذلك الى سعد بن عاذ وقال ابن عقبه - رضي الله عنه - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختاروا من شئتم من اصحابي فاختاروا سعد بن معاذ، فرضي بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم وسعد يومئذ في المسجد بالمدينة في خيمة كعيبة بنت سعيد بالتصغير فيهما الاسلمية وكانت تداوي الجرحى وتلم الشعث وتقوم على الضادع الذي لا احد له وكان لها خيمة في المسجد جميلة جدا مثلها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سعد بن معاذ فيها ليعوده من قريب فلما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم الى سعد خرجت الاوس حتى جاءوه فحملوه على حمار بأعرابي بشنده من ليف وعلى الحمار قطيفة فوق الشندة وخطامة من ليف وكان رجلا جسيما فخرجوا حوبه يقولون يا أبا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد الله الصهمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد قد ولاك امر مواليك لتحسن فيهم فأحسن فقد رأيت ابن ابي وما صنع في خلفاده واكثروا من هذا وشبهه وهو لا يتكلم حتى إذا اذكروا عليه قال سعد قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم لا اله الا الله على هذا الكلام الله اكبر ولا حولة ولا قوة الا بالله العلي العضم الكافي ج 1 ص 551 فقال الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الاشهل الانصاري واقوماه وقال غيره منهم نحو ذلك ثم رجع الضحاك إلى الاوس فنعى لهم رجال بني قريضة قبل قبل أن يصل إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه واقبل سعد الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس فما طلع سعد بن معاذ وفي الصحيحين فلما
دنا من المسجد أي الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعده ببني قريظة أيام حصارهم للصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا الى سيدكم وفي لفظ خيركم فأما المهاجرون من قريش فإنما يقولون إنما اراد الانصار وأما الانصار فيقولون قد عمم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
الجحفة: الترس من جلود بلا خشب ولا رباط من عصب، انظر المعجم الوسيط 1 / 158.
(*)(5/10)
المسلمين وعند الامام أحمد قوموا الى سيدكم وكان رجال من بني عبد الاشهل يقولون قمنا له على ارجلنا صفين يحيه كل رجل منا حتى انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث جابر - رضي الله عنه * ورحمة الله عليه - عند ابن عائذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احكم فيهم يا سعد فقال الله ورسوله أحق بالحكم قال قد أمرك الله أن تجكم فيهم وقالت الاوس الذين بقوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا عمرو إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ولاك الحكم في أمر مواليك فاحسن إليهم ئاذكر بلاءهم عندك فقال سعد اترضون حكمي لبني قريظة قالوا نعم قد رضينا بحكمك ان شاء الله تعالى ربنا الذي خلقنا وسوانا وانت غائب عنا اختيارا منا لك ورجاء ان تمن علينا كما فعل غيرك بحلفائه بني قينقاع وأثرنا عندك أثرنا وأحوج ما كنا اليوم إلى مجازاتك فقال سعد ما آلوكم جها فقالوا ما يعني بقوله هذا قال سعد: عليكم عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم ما حكمت قالوا نعم ثم قال سعد عليكم عهد الله وميثاقه ان الحكم فيهم ما حكمت قالوا نعم ثم اقال سعد للناحية التي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم وهو معرض عنها إجلالا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - وعلى من هاهنا مثل ذلك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه نعم قال سعد فإني أحكم فيهم ان يقتل كل من جرت عليه الموسى وتسبى النساء والذرية وتقسم الاموال وتكون الديار للمهاجرين دون الانصار فقالت الانصار إخواننا كنا معهم فقال أحببت أن يستغنوا عنكم فقال رسول الله - صلى الله علسه وسلم - لقد حكمت غبيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات وذكر ابن اسحاق في رواية البكائي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال في حكم سعد
بذلك طرقني الملك سحرا وكان سعد بن معاذ الليلة التي في صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دعا فقال اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقتي لها فإنه لاقوم احب الي أن اقاتلهم من قوم كذبوا رسولك آذوه وأخرجوه وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنا وعنهم فاجعلنا لي شهادة ولا تتمني حتى تقر عيني من بني فريظة فأقر الله تعالى عيته منهم ذكر قتهلم واخذ اموالهم وسبي ذرايتهم فلما حكم سعد بما حكم وانصرف رسول الله - صل الله عليه وسلم - يوم الخميس لتسع ليال كما
__________
(1) انظر التخريج السابقة وانظر أحمد 3 / 22 وابن أبي شيبة 14 / 425 والبيهقي في دلائل النبوة 4 / 18 ومسلم في الجهاد باب 22 رقم (64) وأبو داود (5215) والترمذي 856 والطبراني في الكبير 6 / 6 وانظر المجمع 6 / 138 وابن أبي شيبة 14 / 425 وابن سعد 3 / 2 / 4.
(2) وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 4، 5 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان 1 / 97 ومن حديث أبي سعيد البخاري 6 / 165 (3043) ومسلم 3 / 1388 (64 / 1769) والبخاري (7 / 123).
(3) ذكره السيوطي في الدر المنثور 3 / 178، والقرطبي في التفسير 7 / 395.
(*)(5/11)
ذكر محمد بن عمر وابن سعد وجزم الدمياطي وقبل بخس كما جزم الاشارة خلون من ذي الحجة وأمر بهم فأدخلوا المدينة وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد والنساء والذرية إلى دار رملة بنت الحارث ويقال - حبسوا جمييعا في دار رملة، وأمر للهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحمال تمر فنثرت لهم، فباتوا يكدمونها كدم الحمر، وأمر بالسلاح والاثاث والمتاع والثياب فحمل الى دار ابنه الحارث بالإبل والغنم ترعى هناك في الشجر فما اصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غدا الى السوق فأمر بأخدود فخدت بالسوق ما بين موضع دار ابي الجهم العدوي الى الحجاز الزيت فكان اصحابه هناك يحفرون وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه عليه اصحابه ودعا برجال بني قريظة فكانوا يخرجون ارسالا تضرب
اعناقهم في تلك الخدق فقالوا لكعب بن أسد - وهم يذهب بهم الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسالا يا معب ما ترى محمد يصنع بنا قال ما يسوءكم ويلكم على كل حال لا تعقلون الا ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب منكم لا يرجع هو والله السيف قد دعوتكم الى غير هذا فأبيتم علي فقالوا لكعب بن اسد وهم يذهب بهم الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم في نقض العهد الذي كان بيننا وبين محمد قال حي بن اخطب اتركوا ما ترون من التلاؤم فإنه لا يرد عنكم شيئا واصبروا للسيف وكان الذين يلون قتلهم علي ابن ابي طالب والزبير بن العوام وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر فقالا: يا رسول الله إن الاوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم فقال سعد بن معاذ ما كرهه من الاوس أحد فيه خير فمن كرهه فلا ارضاه الله فقال سعد بن معاذ ما كرهه من الاوس أحد فيه خير فمن كرهه فلا ارضاه الله - فقام اسيد بن الحضير - رضي الله عنه - فقال يا رسول الله لا تبقين دار من دور الائس الا فرقتهم فيها فمن سخط فلا يرغم الله إلا انفه فابعث إلي داري أول دارهم ففرقهم في دور الاوس فقتلوهم ثم اتي بحيي بن اخطب مجموعة يداه الى عنقه عليه حلة شقجية وقال ابن اسحاق ققاجية قد لبسها للقتل ثم عمد إليهم فشقها انملة انملة لئلا يسلبها اياها احد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طلع الم يمكن الله منك يا عدو الله قال بلى والله أما الله لما لمت نفسي في عدواتك ولقد التمست العز في مكانه فأبى الله إلا ان يمكنك ولقد قلقت كل مقلقل ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس لا بأس بأمر الله قدر وكتاب وملحمة كتبت على بني اسرائيل ثم جلى فضربت عنقه وأتي بنباش بن قيس وقد جابذ الذي جاء حتى قاتله فقد الذي جاء به أنفه فأرعفه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي جاء به لم صنعت هذا به أما كان في السيف كفاية فقال يا
__________
(1) حيي بن أخطب النضري: جاهلي.
من الشداء العتاة.
كان ينعت بسيد الحاضر والبادي.
أدرك الاسلام وآذي المسلمين.
فأسروه يوم قريظة.
ثم قتلوه.
توفي سنة 5 ه، اللاعلام 2 / 292.
(*)(5/12)
رسول الله جابذني لان يهرب فقال نباش كذب والتوراة يا ابا قاسم لو خلاني ما تأخرت عن موطن قتل فيه قومي حتى أكون كأحدهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسنوا إسارهم وقيلوهم واسقوهم حتى يبردوا فتقتلوا من بقي لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح وكان يوما صائفا فقيلوهم وسقوهم فلما ابردوا راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال من بقي وأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكعب بن اسد فقال رسول - بكعب بن أسد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كعب قال نعم يا أبا القاسم قال ما انفعتم بنصح ابن جواس لكم وكان مصدقا بي أما أمركم باتباعي وإن رأيتموني أن تقروني منه الاسلام قال بلى والتوراة يا ابا القاسم ولو لا تغيرني يهود بالجزع من السيف لاتبعتك ولكني على دين يهود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدمه فاضرب عنقه فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل كل من انبت منهم.
وروى ابن اسحاق والإمام أحمد وأبو داود والترمذي في صحيحه والنسائي عن عطية القرظي قال كنت غلاما فوجدوني لم أنبت فخلوا سبيلي وروى الطبراني عن أسلم الانصاري قال جعلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اسارى قريظة فكنت انظر الى فرج الغلام رأيته أنبت ضربت عنقه وأن لم اره جعلته في مغانم المسلمين وكان رفاعة بن شموال القرظي رجلا قد بلغ فلاذ بسلمى بنت قيس ام المنذر أخت سليط بن قيس وكانت احدى خالات النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وصلت القبلتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم وبايعته مع مبايعة النساء فقالت يا نبي الله بأبي انت وامي هب لي رفاعة فإنه زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل فوهبه بها فاستحيه فأسلم بعد ولم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتلوا إلى ان غاب الشفق ثم در عليهم التراب في الخندق ملب ذلك بعين سعد بن معاذ فاستجاب الله دعوته وأقر عينه - رضي الله عنه ولم يقتل من نسائهم الا امرأة واحدة من بني النظير يقال لها نباتة تجت رجل من بني
قريظة يقال له الحكم وكان يحبها وتحبه فلما اشتد عليهم الحصار بكت إليه وقالت إنك لمفارقي يقال له الحكم وكان يحبها وتحبه فلما اشند عليهم الحصار بكت إليه وقالت انگ لمفارقي فقال هو التوراة ما ترين فأنت امرأة فدلي عليهم هذه الرحى فإنا لم نقتل منهم أحدا بعد وأنت إمراة وان يظهر محمد علينا فإنه لا يققتل النساء وإنما كره ان تسبى فأحب
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 223 وأبو داود 4 / 561 (4404) والترمذي 4 / 145 (1584) وقال حسن صحيح والنسائي 6 / 155 وابن ماجه 2 / 849 (2541).
(2) الطبراني في الصغير والاوسط قال الهيثمي 6 / 144 فيه جماعة لم أعرفهم.
(*)(5/13)
أن تقتل وكانت في حصن الزبير بن باطا فدلت رحى من فوق الحصن وكان المسلمون ربما جليوا (لچن ظل جرحة بالروح الم بسهاي خي فوح) تحت الحصن يستظلون في بيئته فأطلعت الرحى فلما رآها الفوم آنفضوا وتدرك خلاد بن سويد فتشدح رأسه فحذر المسلمون أهل الحصن فلما كان يوم الذى امر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان يقتلوا فيه دخلت عائشة - رضي الله عنها - فجعلت تضحك ظهرا لبطن وهي تقول سراة بني قريظة يقتلون إذ سمعت صوت قائل يا نباته قالت انا والله التي أدعى قالت عائشة ولم قالت قتلني زوجي وكانت جارية حلوة الكلام فقالت عائشة وكيف قتلك زوجك قالت في حصن الزبير بن باطا فأمرني فدليت رحى على اصحاب محمد فشدخت رأس رجل منهم فمات وأنا اقتل به فانظلق بها فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتلت بخلاد بن سويد فكانت عائشة تقول: لا انسى طيب نفس نباته وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل وروى أبو داود قصتها مختصرة ذكر خبر ثابت بن قيس ومن الزبير بن باطا كان الزبير بن باطا من على ثابت بن قيس شماس يوم بعاث فأتى ثابت الزبير فقال يا ابا عبد الرحمن هل تعرفني قال وهل يجهلك مثلك مثلي قال ثابت إن لك عندي
يدا وقدرت إن اجزيك بها قال الزبير إن الكريم يجزي الكريم وأحوج ما كنت اليك اليوم فأتى ثابت وقال بسم الله الرحمن الرحيم ما شاء الله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو لك فرجع الى الزبير فقال ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعطني ماله وأهله - زيديني عشقا زيديني - فقال رسو الله - صلى الله عليه وسلم - هو لك فرجع الى الزبير فقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اعطاني ولدك وأهلك مالك فقال الزبير يا ثابت أما أنت فقد كافأتني وقد قضيت الذي عليك يا ثابت ما فعل بالذي كأن وجهه مرآة صينية تتراءى عذارى الحي في وجهه، كعب بن أسد ؟ قال: قتل، قال: يا ثابت ما في العيش خير بعد هؤلاء أرجع إلى درا قد كانوا خلولا فيها فاخلد فيها بعدهم لا حاجة في ذلك ولكن يا ثابت انظر إلى امرأتي
__________
(1) ثابت بن قيس شماس الانصاري الخزرجي الخطيب من كبار الصحابة وصح في (م) أنه من أهل الجنة.
انفرد له البخاري بحديث.
وعنه ابنه إسماعيل ومحمد بن قيس وأنس شهد أحدا وما بعدها، وقتل يوم اليمامة ونفذت وصيته بعد موته بمنام رآه خالد بن الوليد.
له عند (خ) حديث واحد.
الخلاصة 1 / 150.
(*)(5/14)
وولدي فإنهم جزعوا من الموت فاطلب الى صاحبك فيهم أن يطلقهم وأن يرد اموالهم فطلب ثابت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الزبير وماله وولده فرد رسوال الله - صلى الله عليه السلام - أهله وماله إلا السلاح قال الزبير يا ثابت أسألك بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم فما أنا بصائر لله فتلة دلو ناضح حتى ألقى الاحبة قال ابن اسحاق - رضي الله عنه - فقدمت ثابت فرضبت هنقه فقال لي وقال محمد بن عمر قال ثابت ما كنت لأقتلك قال الزبير لا ابالي من قتلني فقتله الزبير بن العوام ولما بلغ أبا بكر الصديق قوله القى الاحبة قال يلقاهم والله في نار جهنم خالدا مخلدا ذكر اصطفاء النبي المعظم الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - ريحانة بنت زيد النظرية لنفسه كانت ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة من بني النضير متزوجة في بني قريظة إصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى اله اجمعين وكانت جميلة فعرض عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام فأبت الى اليهودية فعزلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووج نفسه فأرسل الى ابن سعية فذكر له
ذلك فقال ابن سعية فداك أبي وامي هي تسلم فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها لا تتبعي قومك فقد رأيت ما ادخل عليهم حيي بن أخطب فاسلمي يصطفيك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه فأجابت الى ذلك فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال إن هانين لنعلا ابن سعية يبشرني باسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي في ترجمتها نبذة من أخبارها وتحرير نسبها ذكر قسم المغنم وبيعه لما اجتمعت المغانم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتاع فبيع فيمن يريد وبيع السبي وقسمت النخل أسهما وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسا فاسهم للفرس بسهمين ولصاحبه سهم وللراجل سهم وقاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة افراس فلم يضرب إلا سهما واحدا وأسهم لخلاد بن سويد وقد قتل تحت الحصن وأسهم لأبي سنان بن محصن مات ورسول الله - صلى الله على وسلم - يحاصرهم وكان يقاتل مع المسلمين وكان المسلمون ثلاثة آلاف وكانت سهمان الخيل والرجال على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما للفرس وسهمان ولصاحبه سهم وكان السبي ألفا من النساء والصبيان فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة من قيل بيع الغنم فجزأ السبي خمسة اجزاء فأخذ خمسا وكان يعتق منه ويهب منه ويخدم منه
__________
(1) أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق 1 / 312 وابن كثير في البداية 5 / 305.
(*)(5/15)
من أراد وكذلك النخل غزل خمسة وكل ذلك يسهم عليه خمسة أجزاء ويكتب في سهم منها لله ثم خرج السهم فحيث صار سهمه اخذه ولم يتخير وصار الخمس الى محميه بن جزء الزبيدي ثم فض اربعة أسهم الناس وأخذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء اللائي حصرن واليكم الآن من بعض اشعاره القتال ولم يسهم لهن وهن صفية بنت عبد المطلب وام عمارة نسيبة وأم سليط وأم العلاء الانصارية والسيمراء بنت قيس وأم سعد بن معاذ وكبشة بن رافع
ولما بيعت السبايا والذرية بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطائفة قال محمد بن عمر إلى الشام مع سعد بن عبادة يبيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا وقال ابن اسحاق وغيره بعث سعد بن زيد الانصاري الاشهلي بسبايا من بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنهما - طائفة فاقتمسا فسهمه عثمان على كل من اشتراه منن سبيهم شيئا وذلك ان عثمان صار في سهمه العجائز ويقال لما قسم جعل الشواب على حدة والعجائز على حدة ثم خير عبد الرحمن عثمان فأخذ العجائز قال ابن سبرة وانما يؤخذ ما جاءت به العجائز فيكون في الغنيمة لأنه لم يوجد معهن إلا بعد شهر أو شهرين فمن جاء منهن بالذي وقت لهن عتق فلم يتعرض لهن واشترى أبو السحم اليهودي امرأتين مع كل واحدة منهن ثلاثة اطفال بمائة وخمسين دينارا وجعل يقول الستم على دين اليهود فتقول المرأتان لا نفارق ديننا قومنا حتى نموت عليه وهن يبكين ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفرق في القسم والبيع بين النساء والذرية وقال لا يفارق بين الام وولدها حتى يبلغ قيل يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما بلوغه قال تحيض الجارية ويحتلم الغلام وكانت الام وأولادها الصغار تباع من المشركين من العرب ومن يهود وإذا كان الولد صغيرا ليس معه ام يبع من المشركين ولا من اليهود إلا من المسلمين واستشهد يوم بني قريظة خلاد بن سويد ومنذر بن محمد ذكر بعض ما قيل من الاشعار في هذه الغزوة روى البخاري والنسائي عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال
__________
(1) انظر التلخيص للحافظ ابن حجر (3 / 16).
(*)(5/16)
لحسان يوم قريظة اهجهم أو هاجهم وجبريل معك
وروى ابن مردويه عن جابر - رضى الله عنه - قال لما كان يوم الاحزاب وردهم الله بغيضهم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من يحمي اعراض المسلمين فقام كعب وابن رواحه وحسان فقال لحسان اهجهم انت فانه سيعنك عليهم روح القدس فقال حسان - رضي الله عنه لقد لقيت قريظة ما اساها...وما وجدت لذل من نصير أصابهم بلاء كان فيه...سوى ما قد اصاب بنى النضير غداة اتاهم يهوى إليهم...رسول الله كالقمر المنير له خيل مجنبة تعادى...بفرسان عليها كالصقور تركناهم وما ظفروا بشئ...دماؤهم عليهم كالعبير فهم صرعى تحوم الطير فيهم...مذاك يدان ذو العند الفجور فانذر مثلها نصحا قريشا...من الرحمن ان قبلت نذيري وقال ايضا: لقد لقيت قريظة ما اساها...وحل بحصنها ذل الذليل وسعد كان انذرهم بنصح بأن الهكم رب جليل فما برحوا بنقض العهد حتى...فلاهم في بلادهم الرسول أحاط بحصنهم منا صفوف...له من حر وقعتم صليل وقال ايضا: تفاقد معشر نصروا قريشا وليس لهم ببلدتهم نصير هم اوتوا الكتاب فضيعوه وهم عمى عن التوراة بنور كفرتم بالقرآن وقد اتيتم بتصديق الذي قال النذير فهان عل سراة بني لؤي حريق بالبوبرة مستطيرا وقال ايضا لقد سجمت من دمع عيني عبرة وحق لعيني أن تفيض على سعد
قتيل ثوى في معرك فجعت به عيون ذواري الدمع دائمة الوجد
__________
(1) أخرجه البخاري 4 / 236، 5 / 144، 82 / 45 ومسلم في الفضائل (153، 157) وأحمد 4 / 302 والطبراني في الكبير 4 / 48 والبيهقي 10 / 237 والطحاوي في معاني الاثار 4 / 298.
(2) سجمت فاضت، انظر المعجم الوسيط 1 / 419.
(*)(5/17)
على ملة الرحمن وارث جنة مع الشهداء وفدها اكرم الوعد فإن تك قد ودعتنا وتركتنا وامسيت في غبراء مظلمة اللحد فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد كريم واثواب المكارم والحمد بحكمك في حيي قريظة بالذي قضى الله فيهم ما قضيت على عمد ولم تعف إذا ذكرت ما كان من عهد فإن كان ريب الدهر أمضاك في الالى * شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد فنعم مصير الصادقين إذا دعوا * إلى الله يوما للوجاهة والقصد وقال أيضا يبكي سعد بن معاذ ورجالا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ألا يا لقومي هل لما حم دافع * وهل ما مضى من صالح العيش راجع تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت * بنات الحشا وانهل مني المدامع صبابة وجد ذكرتني أخوة * وقتلى مضى فيها طفيل ورافع سعد فاضحوا في الجنان وأوحشت * منازلهم فالارض منهم بالقع (1) وفوا يوم بدر للرسول وفوقهم * ظلال المنايا والسيوف اللوامع دعا فأجابوه بحق وكلهم * مطيع له في كل أمر رسامع فما نكلوا حتى توالوا جماعة * ولا يقطع الاجال إلا المصارع لانهم يرجون منه شفاعة * إذا لم يكن إلا النبيون شافع فذلك يا خير العباد بلاؤنا * إجابتنا لله والموت نافع لنا القدم الاولى إليك وخلفنا * لاولنا في ملة الله تابع
ونعلم أن الملك لله وحده * وأن قضاء الله لا بد واقع تنبيهات الأول: قريظة بضم القاف وفتح الراء وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة فتاء تأنيث، قال السمعاني هو اسم رجل نزل أولاده قلعة حصينة بقرب المدينة فنسبت إليهم.
وقريظة والنضير أخوان من أولاد هارون - عليه الصلاة والسلام.
الثاني: روى البخاري في جميع الروايات عن شيخه عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله
__________
(1) بلاقع: جمع بلقع وهو الخالي من كل مكان، انظر المعجم الوسيط 1 / 69.
(*)(5/18)
صلى الله عليه وسلم - لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة إلخ ووافق البخاري على لفظ العصر من طريق جويرية الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق ابي حفص السلمي عن جويرية وأصحاب المغازي.
رواه الطبراني والبهيقي في الدلائل باسناد صحيح الى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمه عببيد الله بن كعب وروراه الطبراني أيضامن هذا الوجه موصولا بذكر كعب بن مالك والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - ورواه مسلم بن عبد الله بن محمد بن اسماء بسنده وقال لا يصلين أحد الظهر الا في بني قريظة ووافقه بن سعد وأبو يعلى وابن حبان وأبو نعيم من غير طريق أبي حفص السابق قال الحافظ ولم اره ع جويرية من غير طريق ابي حفص السابق قال الحافظ ولم اره عن جويريبة من غير طريق أبي حفص السلمي إلا بلفظ الظهر وجمع بينهما باحتمال أن بعضهم قبل المر كان صلى الظهر وبعضهم لم يصلها فقيل لمن لم يصلها لا يصلين أحد الظهر ولم صلاها لا يصلين أحد العصر أو أن طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الاولى الظهر ئالتي بعدها العصر قال الحافظ وهو جمع لا بأس به لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث لانه عند الشيخين
كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه فيبعد أن يكون كل من رجال اسناده حدث به على الوجهين إذا لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته وسبق الكلام على ذلك ثم قال هذا كله من حيث حديث ابن عمر أما بالنضر إلى حدييث غيره فالاحاتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة متجه فيحتمل أن رواية الظهر هي التي سمعها ابن عمر ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك وعائشة - رضي اله تعالى عنها - وقيل في وجه الجمع ايضا ان يكون - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل القوة أؤ لمن كان منزله قريبا لا يصلين احد الظهر وقال لغيرهم لا يصلين أحد العصر الثالث أغرب ابن التين فادعى أن الذين صلوا العصر صلوا على ظهور دوابهم واستند إلى النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الاشراع في الوصول قال فأما الذين لم يصلوها عملوا بالدليل الخاص الخاص وهو الامر بالاسراع في الوصول.
قال: فاما الذين لم يصلوها عملوا بالدليل الخاص وهو الامر بالاسراع فتركوا عموم إيقاع " العصر " في وقتها إلى أن فات، والذين صلوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الاسراع فصلوا ركبانا، لانهم لو صلوا نزولا لكان مضادا لما أمروا به من الاسراع، ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم قال الحافظ: وفيه نظر، لانه لم يامرهم بترك النزول، فلعلهم فهموا أن المراد بامرهم ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة المبالغة بالاسراع، فبادروا إلى امتثال أمره وخصوا وقت
__________
(1) أخرجه البخاري في صلاة الخوف حديث (946).
(2) مسلم في الجهاد باب 23 رقم (69) وابن سعد 2 / 1 / 54 والبيهقي في دلائل النبوة 4 / 6.
(*)(5/19)
الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد امرها فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوها ولا يكون في ذلك مضادة لما امروا به ودعوى أنهم صلوا ركبانا يحتاج إلى دليل ولم اره صريحا في شئ من طرق هذه القصة تناشدني عليك الناس واتحير شجاوبها الرابع يستفاد من حديث ابي عمر وكعب بن مالك وعائشة ترك تعنيف ممن بذل
وسعه واجتهد فيؤخذ منه عدم تأثيمه وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحا للنهي على الأول وهو ترك تأخير الصلاة على وقتها واستدولوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب ولا سيما الزمان زمان التشريع والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع الى بني قريظة ئقال في زاد المعاد ما حاصله كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضليتين امتثال الأمر في الإسراع وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت ولا سيما في هذه القصة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاته حبط عمله وإنما لم يعنف الذين اخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر لأنهم اجتهدوا فأخروا امتثالا للأمر لكنهم لم يصوا إلى أن يكونوا في اصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى الخامس قال السهيلي قوله من فوق سبع سموات معناه الحكم نزل من فوق قال ونثله قول زينب بنت جحش - رضي الله عنها - زوجني الله تعالى من نبيه من فوق سبع سمات أي انزل تزويجها من فوق قال لا يستحيل وصفه - تعالى - بالفوق على المعنى الذى يليق لجلاله لا على المعنى الذي سيبق إلى الوهم من التحديد الذي يفضي إلى التشبيه السادس اختلف في مدة الحصار فقال ابن عقبة بضع عشرة ليال وقال ابن سعد خمس عشرة ليلة ورورى ابن سعد عن علقمة ن وقاص خمسا وعشرين ليلة ورواه ابن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب ورواه الإمام أحمد والطبراني عن عائشة - رضي الله عنها - السابع اختلف في عدد من قتل من بني قريظة فعند ابن اسحاق أنهم كانوا ستمائة به جزم أبو عمر في ترجمته سعد بن معاذ(5/20)
عذيرك - بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة وسكون التحتنية وفتح الراء أي هات من يعذرك فعيل بمعنى فتعل دحية - بكسر الدال المهملة وفتحها وهو الريش
إثره بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة ويجوز فتحها وحكى تثليث الهمزة الاعتجاز بالعمامة هو أن يلفها على الرأس ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل مننها شيئا تحت ذقنه أرى بضم الهمزة أظن الرحالة بكسر الراء وتخفيف الحاء المهملة سرج من جلود ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض التشديد والجمع الرحائل اللأمة بالهمزة الدرع وقيل السلاح ولأمة الحرب آلهته وقد يترك الهمز التخفيف الإستبرق ضرب من الديباج غليظ الديباج فارسي معرب وقد تكسر الدال وقد تفتح القطيفة كساء له خمل الكاجشون بكسر الجيم وضم الشين المعجمة ومعناه الورد الثنايا جمع ثنية وهي التي حمراء الاسد تقدمت في غزوتها الجهد المشقة والتعب الصفا بالقصر الحجارة ئيقال الحجارة الملس لأضعضعنها لأحركنها وأزلزلنها ساطعا مرتفعا الزقاق بضم الزاي وتخيفيف القاف وبعد الألف قاف اخرى بني غنم بغين معجمة مفتوحة وسكون النون بطن الخزرج من ولد غنم بن مالك بن النجار كأني أنظر لى الغبار أي انه مستحضر القصة حتى كأنه ينظر إليها مشخصة له بعد تلك المدة الطويلة
موكب حبريل بتثليت الباء الفتح بتقدير لنظر والجر بدل من الغبار والضم خبر(5/21)
مبتدأ محذوف تقديره هذا موكب جبريل والموكب نوع من السير وجماعة الفرسان أو جماعة يسيرون وكان السير برفق يا خيل الله اركبي فيه محذف مضاف تقديره يا فرسان خيل الله أركبي شرح غريب ذكر مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لواء الجيش علمه وهو دون الراية ابتدره الناس سارعوا إليه المغفر بكسر الميم ما يلبس تحت البيضة القناة الرمح اللحيف بالضم يأتي بالضم يأتي الكلام عمله في خيله - صلى الله عليه وسلم - البهي بفتح الباء وكسر الهاء وتشديد الياء لقب عبد الله بن يسار لبهائه يعفور يأتي الكلام عليه في حمرة - صلى الله عليه وسلم - الصوران تثنية صور بالفتح ثم السكون اسم للنخل المجتمع الصغار موضع في أقصى بقيع الغرقد مما يلي طريق بني قريظة يقذف الرعب يرميه ويجعله في قلبوهم الصياصي الحصون بئرأنا بالضم وتخفيف النون كهنا وقيل بالفتح وبالتشديد كحتى وقيل كحتى لكن بالموحدة بدل النون وقيل غير ذلك الحرة أرض ذات حجرة سود نخرة كأنها أحرقت النار الأخابيث جمع اخبث أسيد بضم الهمزة وآخره دال مهملة
الحضيرد بضم الحاء المهملة الحجر بضم الجيم الثقب خاروا ضعفوا وجنبوا الطاغوت ما عبد من دون الله(5/22)
شرح غريب ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة النبل السهام يتعاقبون يتناوبون الحللقة بفتح الحاء وسكون اللام السلاح كله إلا أن ينزلوا على حكمه على قضائه فيهم شرح غريب ذكر اعتراف كعب بن أسد بصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلالا بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام أي خصالا جمع خلة بفتح المعجمة وتشديد اللام إسرائيل يعقوب حيي بضم الحاء المهملة وتكسر وتحتيتن ثانيهما مشددة أخطب بفتح الهمزة فخاء معجمة ساكنة فطاء مهمة فموحدة علي هذه بتشديد التحتية وهذه إسم اشارة محلها النصب مفعول ابيتم جواس بجيم فواو مشددة فألف فسين مهملة النشل الولد لعمري بفتح اللام والعين أي وحياتي
غرة بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء الغفلة مصلتين جمع مصلت بكسر اللام وبصاد المهملة الساكنة أي مجردين السيوف من أغمادها أسيد بفتح الهمزة وكسر المهملة وقيل انه بضم الهمزة وبفتح السين سعية بسين فعين ساكنة مهملتين فتحتية مفتوحة فتاء تأنيث الهيبان بفتح الهاء وكسر التحية المشددة بعدها موحدة هدل بفتح الهاء وإسكان الدال المهملة وباللام الخرج بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها جيم والخراج وما يؤدي كل سنة(5/23)
شرح غريب ذكر طلبهم أبا لبابة - رضي الله تعالى عنه جهشت إليه - بفتح الجيم والهاء أسرعت متباكية الأصطوانة العمد بالدال ويجوز فتح العين والميم ويكون مفردا وجمعا ويجوز ضم العين والميم أيضا والمراد هنا سوارى المسجد المخلقة التي طليت بسم الله الرحمن الرحيم بالخلوق وزن رسول وهو ما يختلق به من الطيب وقيل هو مائع فيه صفرة أرى بفتخ الهمزة حماة طين اسود آسنة متغيرة ربوض بفتح الراء وتخفيف الموحدة المضمونة وبعد الواو ضاد معجمة أي عظيمة غليظة قسيط تصغير قسط
ثار الناس نهضوا بضعة مني بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة قطعة مني أطأ بهمز آخره أنخلع من مالي أخرج منه لله شرح غريب ذكر نزول بني قريظة على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهدهم اشتد عليهم كتفوا بالبناء للمفعول الأثاث بفتح الهمزة متاع البيت الواحد اثاثه وقيل لا واحد له من لفظه الجرار بكسر الجيم وتخفيف الراء وجمع جرة السكر بفتخ السين المهملة والكاف نبيذ التمر وفي التنزيل تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا [ النحل 67 ] أهريق بضم الهمزة وفتح الهاء وتسكن(5/24)
حلفاؤنا اراد الذين حالفناهم على المناصرة قينقاع تقدم ضبطها في غزوتها الحاسر بالحاء والسين المهملتين الذي لا درع عليه دارع صاحب درع ألحوا عليه تمادوا على قولهم الشعث التفرق والانتشار الضائع الذي ليس له ان يقوم بأمره وفي الضاد المعجمة وسكون التحتية وفتخ العين المهملة وتاء تأنيث أي ترك وضيع وهو أيضا مصدر ضاع الشئ ضيعه وضياعا وأضعتهم تركتهم
أعرابي منسوب الى الاعراب وهم سكان بالبادية الشنذة بشين معجمة فنون فذال معجمة مفتوحات تشبه الإكاف يجعل لمقدمته حنو وهو بالكسر واخد أحناء السرج والتقيب وحنو كل شئ اعوجابه الخطام بكسر الخاء المعجمة ما تقاد به الدابة آن بالفتح والمد قرب ودنا اللائم العاذل النعي خبر الموت تمن علينا تنعم ما آلوكم جهدا اي ما أدع جهدا ولا اقصر في ذلك الجهد الطاقة الموسى آلة الحديد التي يحلق بها تسبى النساء السبي النهب وأخذ الناس عبيدا وإماء أرقعة اي السموات قال ابن دريد كذا جاء عل لفظ التذكير على معنى السقف قال ابن الاعرابي سموها الرقيع لأنها مرقوعة النجوم الملك بكسر اللام وضعت الحرب أوزاراها الاوزار هنا السلام آلة وهو كناية عن الانقضاء فيه حذف أي حتى يضع أهل الحرب أثقالهم فأسند الفعل الى الحرب مجازا(5/25)
شرح غريب ذكر قتلهم فسيقوا من السوق بالفتح وهو الإسراع الكدم القض الحمر
الحمير غدا سار غدوة أي اول النهار الاخدود شق في الارض مستطيل الشكل احجار الزيت مكتن بالمدينة الشريفة أرسالا بفتح الهمزة أي طائفة بعد طائفة عليه أصحابه أشرافهم يذهب بهم بضم اوله وفتح ثالثة لا ينزع لا يرجع أرزى به قصر في حقه الحباب بحاء مهملة وموحدتين وزن غراب الحلة إزار ورداء وأصل تسميتها بها إذا كان الثوبان جديدين لما يحل طيها فقيل له حلة بهذا الاسم ثم استمر عليها سقيحة بضم الشين المعجمة من سقح البسر إذا تلون فقاحية بفاء مضمومة فقاف فحاء مهملة فتحتية مشددة نسب إلى الفقاح وهو الزهر إذا انشقت أكمامه عمد إليها قصد الأنملة طرف الاصبع التمس بمثناه فوقية فميم السين مهملة طلب قلقلت حركت من يخذل الله يخذل بفتح الهاء من الاسم الكريم قاله السهيلي والضم الظاهر كما في نسخ صحيحة مم السيرة الملحمة القتال وموضعه أيضا
جابذة لغة في جاذبة وقيل مقلوب منه إذا اجره إليه(5/26)
الإسار بالكسر القيد قيلوهم من القيلولة تبردوا تكسر شدة الحر الجزع بفتحتين نقيض الصبر لم أنبت بضم الهمزة وسكون النون الكسر الموحدة لاذ به استجار سلمى بفتح السين المهملة إحدى خالات النبي - صلى الله عليه وسلم - أي خالات جده عبد المطلب لان امه من بني عدي بن النجار من الانصار الدأب بالسكون والتحريك العادة والتأني بنانة بموحدة ونونين بينهما ألف نقله النووي في مبهماته عن الخطيب قال في المورد رأيته في نسخة من العيون صحيحة جدأ قرئت على مصنفها نرات وقرئت على الحافظ ابن حجر وغيره من المتقنين الزبير بن باطا بفتح الزاي وابوه بموحده فألف فطاء مهملة فألف مقصورة شدخة كسره انطلق به بالبناء للمفعول شرح غريب ذكر خبر ثابت بن قيس - صلى الله عليه وسلم - من عليه بفتخ الميم وتشديد النون بعاث تقدم الكلام عليه في أبواب إسلام الانصار له عندي يدئ نعمة أنعمها علي
جز بفتح الجيم وتشديد الزاي مرآة بكسر الميم وإسكان الراء فهمزة مفتوحة ممدودة فتاء تأنيث صينية منسوبة الى الصين العذارى جمع عذراء سميت البكر لذلم لضيقها الحي القبيلة اليادي خلاف الحضاز(5/27)
المحل الجدب مقدمتا بكسر الدال المهملة المشدودة مقدمة الحرب أوله عزال بعين مهملة مفتوحة فزاي مشددة فألف فلام سموال بسين مهملة مكسورة ئتفتح فيمم وآخره لام المجلس بكسر اللام موضع الجلوس وبفتح المصدر فتلة دلو ناضح قال اسحاق بالفاء والفوقية أي مقدرا نما ياخذ الرجل من خرجت من البئر فيصبها في الحوض ثم يفتلها اي يردها إلى موضعها وقال ابن هشام إنما هو بالقاف والموحدة وقابل الدلو هو الذي يأخذها من المسقى ولفظ الخبر عند ابي عبيد فلست صابرا عنهم إفراغه دلو ما أبالي ما اهتم ولا اكتثرت شرح غريب ذكر اصظفائه - صلى الله عليه وسلم - ريحانة - رضي الله تعالى عنها - حنافة بالخاء والنون وجد في نفسه غضب ولم يظهر ذلك شرح غريب قسم المغنم قادر ثلاثة أفراس جنبها
محصن - بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين ثم نون السهمان بالضم والاسهم والسهام النصيب الرثة بكسر الراء وتشديد الثاء المهملة وهي متاع البيت الدون أحدى بحاء مهملة فذال معجمة أعطى سهمه فعل ماض أي غلبه محمية بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم الثانية وتخفيف التحتية جزء بجيم مفتوحة فزاي ساكنة مهمزة سبرة بفتح السين المهملة وسكون الموحدة شرح غريب قصيدتي حسان - رضي الله تعالى عنه - ما اساها أراد ما ساءها فقلب والعرب تفعل ذلك في بعض الافعال يقولون رأى(5/28)
وأرى في معنى واحد على جهة القلب المجنبة التي تجنب أي تقاد تعادى تجري وتسرع العبير هذا الزعفران تحوم بحاء مهملة تستدير يدان بضم التحتية يجزي العند بفتح العين المهملة الخروج عن الحق الفجور بفتح الفاء من الفجور وخفضه على الجواد وقد كان يجوز فيه الرفع على الإقواء في القوافي وكذلك من رواه الفخور نذيري هنا مصدر قال تعالى كيف نذير [ الملك 17 ] أي إنذاري تفاقد فقد بعضهم بعضا وهو دعاء عليهم
بور ضلال أو هلكى من البوار وهو الهلاك السراة بفتح السين المهملة الخيار البويرة موضع ببني قريظة وتقدم الكلام عليها في غزوة بني النضير الطوائف النواحي السعير النار الملتهبة النزه بضم النون البعد يقال فلان ينزه نفسه عن الأقذار أي يباعد نفسه عنها يضير بالضاد المعجمة بمعنى يضر يقال ضاره بمعنى ضره ومن رواه بالصاد المهلمة فمعناه تشقق وتقطع(5/29)
الباب الحادي والعشرون في غزوة بني لخيان بني هذيل بن مدركه بناحية عسفان
وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاصم بن ثابت، وخبيب بن عدي وأصحابهما المقتولين بالرجيع الآتي ذكره في السرايا والبعوث وجدا شديدا فأضهر أنه يريد الشام ليصب من القوم غرة فعسكر من ناحية الجرف وخرج في مائتي رجل ومعهم عشرون فرسا قال محمد بن عمر وابن سعد وابن هشام واستخلف على المدينة ابن ام مكتوم.
فخرج من المدينة فسلك على غراب ثم على محيص ثم على البتراء، ثم صفق ذات اليسار، فخرج على يين ثم على صخيرات الثمام، ثم استقام به الطريق على السيالة، فاغذ السير سريعا حتى نزل بطن غران وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحابه فترحم عليهم، ودعا لهم فسمع به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فلم يقدر منهم على أحد، فاقام يوما أو يومين، فبعث السرايا في كل ناحية، فلم يقدروا على أحد.
فلما أخطاه من غرتهم ما أراد، قال: " لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة " فهبط في أصحابه حتى نزلوا عسفان.
قال ابن إسحاق: ثم بعث فارسين، وقال ابن عمر، وابن سعد: بعث أبا بكر - رضي الله عنه - في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا كراع الغميم، ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا وراح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قافلا قال جابر فيما رواه ابن سعد: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رجع: " آيبون تائبون - إن شاء الله تعالى - لربنا حامدون " وفي رواية " لربنا عابدون، أعوذ بالله من وعثاء السفر، وكابة المنقلب، وسوء المنظر في الاهل والمال " (1).
زاد محمد بن عمر: " اللهم بلغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير مغفرتك ورضوانك " قالوا: وهذا أول ما قال هذا الدعاء.
وغاب صلى الله عليه وسلم عن المدينة أربع عشرة ليلة، وقال كعب بن مالك - رضي الله عنه - في هذه الغزوة: لو ان بني لحيان كانوا تناظروا * لقوا عصبا في دراهم ذات مصدق لقو سرعان يملا السرب روعه * أمام طحون كالمجرة فيلق ولكنهم كانوا وبارا تتبعت * شعاب حجان غير ذي متنفق تنبيهات الأول: اختلفوا في أي شهر وفي أي سنة كانت هذه الغزوة فقال ابن سعد: كانت هذه
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9240)، وابن سعد 2 / 1 / 57 وابن أبي شيبة 12 / 519 والبيهقي في السنن الكبرى 5 / 259.
(*)(5/30)
الغزوة لهلال ربيع الأول سنة ست، وصحح شيخه محمد بن عمر: أنها في سنة ست في رجب، وقال ابن إسحاق في رواية البكائي، وسلمة بن الفضل: على راس ستة أشهر في جمادى الاولى وقال في رواية يونس كما ذكره الحاكم: في شعبان، وقال ابن حزم: الصحيح أنها في السنة الخامسة، وذكرها بعضهم أنها في السنة الرابعة، وجزم الذهبي في تاريخ الاسلام وغيره من العلماء: بانها في السادسة، وصححه في البداية.
الثاني: في بيان غريب ما سبق
لحيان - بكسر اللام وسكون المهملة: نسبة إلى لحيان بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر.
هذيل - بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وباللام.
عسفان - بضم العين المهملة وسكون السين المهملة وبالفاء والنون.
غرة: غفلة.
وجد على عاصم: حزن.
خبيب - بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة.
الرجيع - بفتح الجيم والراء وبالفاء: موضع قرب مكة، وآخر قرب المدينة واليمن واليمامة.
غراب - بلفظ الطائر المعروف: جبل شامى المدينة.
محيص بفتح الميم وكسر الحاء وبالصاد المهملتين كقليل: موضع بالمدينة.
البتراء: تأنيث أبتر.
صفق - بتشديد الفاء: عدل.
يين - بتحتانيتين الاولى مفتوحة والثانية ساكنة وآخره نون.
وضبطه الصغاني بفتحهما: واد من أودية المدينة.
صخيرات - بضم الصاد المهملة وبالخاء المعجمة المفتوحة وسكون التحتية جمع صخيرة بالتصغير.
الثمام - بثاء مثلثة مضمومة، ورواه المغاربة بالمثناة الفوقية.(5/31)
السيالة كسحابة مكان على ثلاثين ميلا من المدينة أغد السير يغذه إغدادا بغين وذال معجمتين وذال معجمتين أي اسرع غران بضم العين المعجمة الخفيفة الراء وآخره نون وادي الأزرق
يذعرهم يخوفهم قافلا راجعا آيبون راجعون وعشاء السفر بالمثملة مشتقة الكآبة الحزن تناظروا أي اتنظر بعضهم بعضا العصب بضم العين وفتح الصاد المهملتين.
آخره موحدة الجماعات السراعان بفتح السين واراء المهملتين أول القوم السرب بسين مهملة مفتوحة فراء ساكنة الطريق وبكسر السين النفس الروع الفزع طحون كثيفة تطحن كل ما تمر به المجرة هنا مجرة السماء وهي البياض المستطيل بين النجوم الفيلق الكتيبة الشديدة الوبار جمع وبر دويبة على قدر الهر تشبه بها العرب الضعفاء الشعاب جمع شعب وهو المنخفض بين الجبلين الحجان بحاء مهملة فجيم فألف فنون المعوج والأحجن المعوج ومن رواه الحجاز بالزاي عنى أرض مكة وما يبليها ومن وراه حجار بالراء فهو جمع حجر غير ذي متفق أي ليس له باب يخرج منه وأصله من النفقاء وهو أحد أبواب حجرة اليربوع إذا أخذ عليه من باب الحجر خرج عليه(5/32)
الباب الثاني والعشرون في غزوة الحديبية
والسبب في ذلك ما رواه الفريابي، وعبد بن حميد وابن جرير، والبيهقي عن مجاهد، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن يزيد، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: أري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه دخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين، وأنه دخل البيت، وأخذ مفتاحه وعرف مع المعرفين.
قال ابن سعد، ومحمد بن عمر، وغيرهما: واستنفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب، ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش للذي صنعوا أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت.
فأبطأ عليه كثير من الأعراب قال محمد بن عمر: وقدم عليه بسر - بضم الموحدة وسكون المهملة.
وأعجمها ابن إسحاق، وكسر الموحدة - ابن سفيان بن عمرو الخزاعي في ليال بقيت من شوال مسلما، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا بسر لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء الله معتمرون)، فأقام وابتاع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنا فكان يبعث بها إلى ذي الجدر حتي حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلي المدينة، وسلمها إلى ناجية بن جندب الاسلمي فقدمها إلى ذي الحليفة.
واستخلف على المدينة - قال محمد بن عمر، وابن سعد -: ابن أم مكتوم.
وقال ابن هشام: ومن تبعه: نميلة - بالنون تصغير نملة - بن عبد الله الليثي، وقال البلاذري بعد أن ذكر ابن أم مكتوم ويقال: أبو رهم كلثوم بن الحصين قال: وقوم يقولون: استخلفهم جميعا وكان ابن أم مكتوم على الصلاة.
ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - روى عبد الرزاق، والامام احمد، وعبد بن حميد، والبخاري وابو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر عن معمر عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وابن اسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور - بكسر الميم وسكون السين المهملة - ابن مخرمة - بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة، ومروان بن الحكم: انهما حدثاه ومحمد بن عمر عن شيوخه، يزيد بعضهم على بعض - قال محمد بن عمر: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته فاغتسل،
ولبس ثوبين من نسج صحار، وركب راحلته القصواء من عند بابه، وخرج بأم سلمة معه، وام عمارة وأم منيع أسماء بنت عمرو، وام عامر الاشهلية، وخرج بمن معه من المهاجرين والانصار، ومن لحق به من العرب لا يشكون في الفتح للرؤيا المذكورة، وليس معهم سلاح الا(5/33)
السيوف في القرب، وساق قوم الهدي فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لهلال ذي القعدة حتى نزل ذا الحليفة فصلى الظهر، ثم دعا بالبدن - وهي سبعون - فجللت، ثم اشعر منها عدة وهي موجهات الى القبلة في الشق الايمن، ثم أمر ناجية بن جندب فاشعر ما بقي وقلدهن نعلا نعلا، واشعر المسلمون بدنهم وقلدوها، وكان معهم مائتا فرس، وبعث - صلى الله عليه وسلم - بسر بن سفيان عينا له، وقدم عباد بن بشر طليعة في عشرين فارسا، ويقال جعل اميرهم سعد بن زيد الاشهلي (1).
ذكر إحرامه - صلى الله عليه وسلم - ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، وركب من باب المسجد بذي الحليفة، فلما انبعثت به راحلته مستقبلة القبلة أحرم بالعمرة، ليامن الناس حربه، وليعلم الناس إنه إنما خرج زائرا لهذا البيت، ومعظما له.
ولفظ تلبية " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك ".
واحرم غالب أصحابه، وام المؤمنين أم سلمة باحرامه، ومنهم من لم يحرم إلا " بالجحفة " وسلك طريق البيداء ومر فيما بين مكة والمدينة بالاعراب من بني بكر، ومزينة، وجهينة فاستنفرهم، فتشاغلوا باموالهم، وقالوا فيما بينهم: يريد محمد يغزو بنا الى قوم معدين في الكراع والسلاح، وانما محمد، واصحابه اكلة جزور، لن يرجع محمد واصحابه من سفرهم هذا أبدا، قوم لا سلاح معهم ولا عدد.
ثم قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناجية بن جندب بالهدي مع فتيان من اسلم، ومعهم هدي المسلمين، ولقى طائفة من بني نهد فدعاهم الى الاسلام فابوا، واهدوا له لبنا من نعمهم، فقال: " لا أقبل هدية مشرك " فابتاعه المسلمون منهم، وابتاعوا منهم ثلاثة اضب فاكل قوم احلة
وسال المحرمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها فقال: " كلوا فكل صيد البر لكم حلال في الاحرام تأكلونه إلا ما صدتم أو صيد لكم ".
وعطب من ناجية بن جندب بعير من الهدي، فجاء بالابواء الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واخبره، فقال: " انحره واصبغ قلائده في دمه، ولا تأكل انت ولا احد من اهل رفقتك منه، وخل بين الناس وبينه " (2).
ذكر حديث أبي قتادة والصعب بن جثامة وبعض من اهدى له روى الامام مالك والستة عن أبي قتادة رضي الله عنه - قال: كنت يوما جالسا مع رجال من اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - امامنا، والقوم محرمون وانا غير محرم عام الحديبية، فابصروا حمارا
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 509 (4157، 4158).
(2) أخرجه أحمد في المسند 4 / 187.
(*)(5/34)
وحشيا - وانا مشغول اخصف نعلي - فلم يؤذنوني، واحبوا لو اني أبصرته، وفي رواية فرايت أصحابي يتراءون شيئا، وفي رواية: يضحك بعضهم الى بعض، فنطرت فإذا حمار وحشي فقمت الى فرسي فاسرجته، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، قالوا: والله لا نعينك عليه، فغضبت فنزلت فاخذتهما، ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه ياكلونه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم، فرحنا وخبات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - العضد معي، فادركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه عن ذلك فقال لهم: هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو اشار إليه ؟ قالوا: لا، فقال: " كلوا ما بقي من لحمه إنما هي طعمة اطعمكموها الله، هو حلال، هل معكم منه شئ ؟ فقلت نعم، فناولته العضد فاكلها وهو محرم (1).
وروى الامام مالك والشيخان والترمذي والنسائي عن الصعب بن جثامة - رضي الله عنه - أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا وهو بالابواء أو بودان فرده عليه، فلما راى ما في وجهه قال: انا لم نرده عليك الا انا حرم (2).
واهدى له ايماء بن رحضة الغفاري مع ابنه خفاف بن ايماء - رضي الله عنه - مائة شاة
وبعيرين يحملان لبنا، فقال: " بارك الله فيكم " وفرق ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واهدى له بعض الاعراب من ودان معيشا وعترا وضغابيس (3) فجعل ياكل الضغابيس والعتر واعجبه، وادخل على أم سلمة منه، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه هذه الهدية، ويري اصحابه انها طريفة.
ذكر امره كعب بن عجرة بحلق راسه لعذر روي الامام احمد، وعبد بن حميد، والشيخان والترمذي، وابن جرير، والطبراني عن كعب بن عجرة (4) - رضي الله تعالى عنه - قال: " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية ونحن محرمون - قد حصرنا المشركون، وكانت لي وقرة فجعلت الهوام تساقط على وجهي، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أيؤذيك هوام رأسك " ؟ قلت: نعم، قال: " ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا " ! ! فأمرني أن احلق، وانزل الله - تعالى - هذه الاية: (فمن كان منكم مريضا أو به اذى من راسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) [ البقرة 96 ] فقال رسول الله
__________
(1) البخاري 4 / 29 (1824) ومسلم 2 / 854 (60 / 1196).
(2) أخرجه البخاري 4 / 31 (1825) (2573)، ومسلم 2 / 850 (1193 50).
(3) الضغاييس جمع ضغيوس وهو صغار القثاء، أنظر ترتيب القاموس 3 / 28.
(4) كعب بن عجرة بن امية بن عدي بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف ابن غنم بن سواد بن مرة بن أرشة بن عامر بن عبيلة بن قسيل بن فران بن بلي بن عمرو ابن الحارث بن قضاعة القضاعي البلوي حليف القواقل أبو محمد المدني.
روى سبعة واربعين حديثا اتفقا على حديثين، وانفرد (م) بمثلهما.
وعنه بنوه محمد، واسحاق، وعبد الملك.
قال خليفة: مات سنة احدى وخمسين.
الخلاصة 2 / 365، 366.
(*)(5/35)
- صلى الله عليه وسلم -: " صم ثلاثة ايام، أو تصدق بفرق بين ستة مساكين أو انسك ما تيسر لك ".
ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وآله - الجحفة أمر بشجرة فقم ما تحتها، فخطب الناس فقال: " إني كائن لكم فرطا، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا أبدا، كتاب الله وسنة نبيه " - صلى الله عليه وسلم - (1)
ذكر بلوغ خبر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى المشركين روي الخرائطي في الهواتف عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: لما توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد مكة عام الحديبية، قدم عليه بشر - بكسر الموحدة والمعجمة - بن سفيان العتكي، فقال له: " يا بشر هل عندك علم أن أهل مكة علموا بمسيري ؟ " فقال بابي أنت وامي يا رسول الله اني لاطوف بالبيت في ليلة كذا وقريش في انديتها، إذ صرخ صارخ من أعلى جبل أبي قبيس - ليلة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم بالمسير بصوت اسمع اهل مكة: هيوا لصاحبكم مثلي صحابته * سيروا إليه وكونوا معشرا كرما بعد الطواف وبعد السعي في مهل * وأن يحوزهم من مكة الحرما شاهت وجوهكم من معشر تكل * لا ينصرون إذا ما حاربوا صنما فارتجت مكة، واجتمع المشركون، وتعاقدوا ألا يدخل عليهم بمكة في عامهم هذا، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (هذا الهاتف سلفع.
شيطان الأصنام يوشك أن يقتله الله - تعالى - إن شاء الله عز وجل) فبينما هم كذلك إذ سمعوا من أعلى الجبل صوتا وهو يقول: شاهت وجوه رجال حالفوا صنما * وخاب سعيهم ما قصر الهمما إني قتلت عدوالله سلفعة * شيطان أوثانكم سحقا لمن ظلما وقد أتاكم رسول الله في نفر * وكلهم محرم لا يسفكون دما قالوا: ولما بلغ المشركين خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راعهم ذلك فاجتمعوا وتشاوروا فقالوا: أيريد محمد أن يدخلها علينا في جنوده معتمرا فتسمع العرب أنه قد دخل علينا عنوة، وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا ؟ ! والله لا كان هذا أبدا ومنا عين تطرف.
ثم قدموا خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى كراع الغميم، واستنفروا من أطاعهم من الأحابيش، وأجلبت ثقيف معهم وخرجوا إلى بلدح، وضربوا بها القباب والأبنية، ومعهم النساء والصبيان، فعسكروا هناك، وأجمعوا على منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دخول مكة ومحاربته، ووضعوا العيون على الجبال، وهم عشرة أنفس يوحي بعضهم إلى بعض الصوت الخفي فعل
__________
(1) أخرجه البخاري 4 / 12 (1814، 1815)، ومسلم 2 / 861 (83 / 1201).
(*)(5/36)
محمد كذا وكذا، حتى ينتهي إلى قريش ببلدح ورجع بشر بن سفيان (1) الذي بعثه عينا له من مكة وقد علم خبر مكة والقوم، فلقي رسل الله - صلى الله عليه وسلم - بغدير الاشطاط (2) وراء عسفان فقال: يا رسول الله ! ! هذه قريش سمعت بمسيرك، فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله تدخلها عليهم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدمها إلى كراع الغميم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله تعالى عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش ؟ فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهره الله - تعالى - أو تنفرد هذه السالفة).
ذكر مشاورته - صلى الله عليه وسلم - وصلاته صلاة الخوف ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسلمين فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد: يا معشر المسلمين أشيروا علي أترون أن نميل إلى ذرارى هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم) وقال: (فإن قعدوا موتورين محروبين وإن يأتونا تكن عنقا.
وفي لفظ: عينا - قطعها الله، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه ؟) فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: الله ورسوله أعلم، يا رسول الله إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد، ونرى أن نمضي لوجهنا، فمن صدنا عن البيت قاتلناه، ووافقه على ذلك أسيد بن الحضير.
وروى ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه ومحمد بن عمر عن شيوخه.
أن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال بعد كلام أبي بكر: إنا والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون) انتهى.
__________
(1) (بشر) بن سفيان العتكي..ذكر الخرائطي في الهواتف من طريق عبد الله بن العلاء عن الزهري عن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد مكة في عام الحديبية قدم عليه بشر بن سفيان العتكي فسلم عليه فقال له يا بشر هل عندك علم أن أهل مكة علموا بمسيري فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنه لأطوف بالبيت في ليلة كذا وسمي الليلة التي أنشؤا لها السفر وقريش في أنديتها إذ صرخ صارخ في أعلى أبي قبيس بصوت أسمع قاصيهم ودانيم يقول سيروا فصاحبكم قد سار نحوكم * سيروا إليه وكونوا معشرا كرما فذكر أبياتا فارتجت مكة واجتمعوا عند الكعبة فتحالفوا وتعاقدوا أن لا تدخلها عليهم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا شيطان الأصنام يوشك أن يقتله الله ثم ذكر إرساله إلى مكة يتجسس أخبارهم وذكر بقية القصة، الإصابة 1 / 156.
(2) غدير الأشطاط: اسم موضع قريب من عسفان، انظر مراصد الإطلاع 1 / 81.
(*)(5/37)
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فسيروا على اسم الله).
ودنا خالد بن الوليد في خيله حتى نظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه به فصف خيله فيما بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين القبلة - فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عباد بن بشر - رضي الله عنه - فتقدم في خيله، فقام بإزائه، فصف أصحابه، وحانت صلاة الظهر، فأذن بلال، وأقام، فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم القبلة - وصف الناس خلفه، فركع بهم ركعة وسجد، ثم سلم، فقاموا على ما كانوا عليه من التعبئة.
فقال خالد بن الوليد: قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن تأتي الساعة صلاة أخرى هي أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم، فنزل جبريل بين الظهر والعصر بهذه الآية: (وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ولياخذوا اسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتات طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك ولياخذوا حذرهم واسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة، ولا جناح عليكم إن كان بكم اذى من مطر أو كنتم مرضى إن تضعوا اسلحتكم وخذوا حذركم أن الله اعد للكافرين عذابا مهينا) [ النساء 102 ] فحانت صلاة
العصر، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف، وستاتى كيفيتها في أبواب صلواته - صلى الله عليه وسلم.
ذكر مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى الحديبية من غير طريق خالد بن الوليد وما وقع في ذلك من الايات روى البزار بسند رجاله ثقات عن ابى سعيد الخدرى - رضى الله عنه - مختصرا، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: لما امسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " تيامنوا في هذا العصل وفي رواية اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض، فان خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة " كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلقاه وكان بهم رحيما، فقال: " تيامنوا فايكم يعرف " ثنية ذات الحنظل " ؟ فقال بريدة بن الحصيب: بحاء مضمومة فصاد مفتوحة مهملتين فتحتية فموحدة مهملتين فتحتية - الاسلمي: انا يا رسول الله عالم بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اسلك امامنا " فاخذ بريدة في العصل - قبل جبال سراوع قبل المغرب، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، فسلك بريدة بهم طريقا وعرا اجرل (1) بين شعاب، وسار قليلا تنكبه الحجارة وتعلقه الشجر، وصار حتى كانه لم يعرفهما قط.
قال: فوالله انى كنت اسلكها في الجمعة مرارا، فنزل حمزة بن عمرو الاسلمي، فسار بهم قليلا، ثم سقط في خمر الشجر فلا يدرى اين يتوجه، فنزل عمرو بن عبدنهم الاسلمي فانطلق
__________
(1) اجرل: الجرل الحجارة وقيل الشجر مع الحجارة، انظر لسان العرب 1 / 603.
(*)(5/38)
أمامهم حتى نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الثنية، فقال: هذه ثنية ذات الحنظل ؟) فقال عمرو: نعم يا رسول الله، فلما وقف به على رأسها تحدر به، قال عمرو: فوالله إن كان لتهمني نفسي وحدها إنما كانت مثل الشراك فاستعت لي حين برزت، فكانت فجاجا لا جبة ولقد كان الناس تلك الليلة يسيرون جميعا معطفين من سعتها يتحدثون، وأضاءت تلك الليلة حتى كانا في قمر (1) وروى مسلم عن جابر مختصرا، وأبو نعيم عن أبي سعيد، وابن إسحاق عن الزهري،
ومحمد بن عمر عن شيوخه.
قال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا من آخر الليل حتى أقبلنا على (عقبة ذات الحنظل) قال جابر: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من يصعد ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل، فكان أول من صعد خيل من الخزرج ثم تبادر الناس بعد.
وقال أبو سعيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مثل هذه الثنية الليلة كمثل الباب الذي قال الله تعالى لبنى اسرائيل (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم) [ البقرة 58 ] وقال ابن إسحاق: إن المسلمين لما أن خرجوا من الارض الصعبة وأفضوا إلى أرض سهلة، قال رسول الله - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قولوا نستغفر الله ونتوب إليه ".
فقالوا ذلك، فقال: " والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها " قال أبو سعيد: ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يجوز هذه الثنية الليلة أحد إلا غفر له " فلما هبطنا نزلنا فقلت يا رسول الله نخشى أن ترى قريش نيراننا، فقال: لن يروكم، فلما أصبحنا صلى بنا صلاة الصبح، ثم قال: " والذى نفسي بيده لقد غفر للركب أجمعين إلا رويكبا واحدا على جمل أحمر التقت عليه رحال القوم ليس منهم، وقال جابر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر ".
قال أبو سعيد: فطلب في العسكر فإذا هو عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، والرجل من بني ضمرة من أهل سيف البحر يظن أنه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل لسعيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا، فقال له سعيد: ويحك ! ! اذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم يستغفر لك (2).
وقال جابر: فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: والله لان أجد ضالتي أحب ألى من أن يستغفر لي صاحبكم.
وقال أبو سعيد: فقال بعيري والله أهم من أن يستغفر
__________
(1) ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 4 / 165.
(2) مسلم في صفات المنافقين رقم (12) والبيهقي في دلائل النبوة 4 / 109 وذكر ابن كثير في التفسير 7 / 318 وصاحب الجمل المنافق الجد بن قيس.
(*)(5/39)
لي، إذا هو قد أضل بعيرا له، فانطلق يطلب بعيرة بعد أن استبرا العسكر وطلبه فيهم، فبينا هو في جبال سراوع إذ زلقت به نعله فتردى فمات، فما علم به حتى أكلته السباع، قال أبو سعيد: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ: " سيأتيكم أهل اليمن - كأنهم قطع السحاب.
هم خير أهل الارض.
ذكر نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية وما وقع في ذلك من الآيات قال مسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم سار فلما دنا من الحديبية وقعت يدا راحلته على ثنية تهبط في غائط القوم، فبركت به راحلته، فقال، وفي رواية: فقال الناس " حل حل " فأبت أن تنبعث وألحت، فقال المسلمون: خلأت القصواء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " ما خلأت القصواء وما ذاك لها بعادة، وفي لفظ: بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة " ثم قال: " والذي نفس محمد بيده لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمات الله تعالى الا اعطيتهم اياها " ثم زجرها فقامت، فولى راجعا عوده على بدئه.
وفي رواية فعدل عنهم حتى نزل باقصى الحديبية على ثمد (1) من ثماد الحديبية ظنون (2) قليل الماء يتبرض (3) الناس ماءه تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، فاشتكى الناس الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلة الماء، وفي لفظ " العطش " فانتزع سهما من كنانته فامر به فغرز في الماء فجاشت بالرواء حتى صدروا عنها بعطن (4) قال المسور: وانهم ليغترفون بانيتهم جلوسا على شفير البئر.
قال محمد بن عمر: والذي نزل بالسهم ناجية بن الاعجم - رجل من اسلم، ويقال: ناجية بن جندب وهو سائق بدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد روى أن جارية من الانصار قالت لناجية وهو في القليب: يا ايها الماتح دلوي دونكا * اني رأيت الناس يحمدونكا يثنون خيرا ويمجدونكا
فقال ناجية وهو في القليب: قد علمت جارية يمانيه * أني انا الماتح واسمي ناجيه
__________
(1) ثمد الماء ثمدا: قل، انظر المعجم الوسيط 1 / 100.
(2) الظنون: البئر لا يدري فيها ماء أم لا، انظر الصحاح 6 / 2160.
(3) تبرض: يقال: يتبرض الماء من العين إذا خرج وهو قليل، انظر الصحاح 3 / 1066.
(4) العطن: مبرك الابل، انظر المعجم الوسيط 2 / 615.
(*)(5/40)
وطعنة ذات رشاش واهيه * طعنتها تحت صدور العاديه قال محمد بن عمر: حدثني الهيثم بن واقد عن عطاء بن مروان عن ابيه قال: حدثني أربعة عشر رجلا ممن اسلم من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ناجية بن الاعجم، يقول: دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين شكي إليه قلة الماء فاخرج سهما من كنانته، ودفعه الي، ودعا بدلو من ماء البئر فجئته به، فتوضأ فمضمض فاه، ثم مج في الدلو - والناس في حر شديد - وانما هي بئر واحدة قد سبق المشركون الى بلدح فغلبوا على مياهه فقال: " انزل بالدلو فصبها في البئر واثر ماءها بالسهم " ففعلت، فوالذي بعثه بالحق ما كدت اخرج حتى يغمرني وفارت كما تفور القدر، حتى طمت واستوت بشفيرها، يغترفون من جانبها حتى نهلوا من اخرهم.
وعلى الماء يومئذ نفر من المنافقين، منهم عبد الله بن أبي، فال اوس بن خولى: ويحك يا ابا الحباب ! ! اما ان لك أن تبصر ما انت عليه ؟ أبعد هذا شئ ؟ فقال: اني قد رايت مثل هذا.
فقال أوس: قبحك الله وقبح رايك فاقبل ابن أبي يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقال " يا أبا الحباب: انى رايت مثلما رايت اليوم " ؟ فقال: ما رايت مثله قط.
قال: " فلم قلته " ؟ فقال ابن أبي: يا رسول الله استغفر لي، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله - رضي الله عنه - يا رسول الله استغفر له، فاستغفر له (1).
وروى ابن اسحاق، ومحمد بن عمر، عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: انا
نزلت بالسهم.
والله اعلم.
قصة اخرى: روى الامام احمد، والبخاري، والطبراني، والحاكم في الاكليل، وأبو نعيم عن البراء بن عازب، ومسلم عن سلمة بن الاكوع، وابو نعيم عن ابن عباس، والبيهقي عن عروة، قال البراء: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية: بئر فقدمناها وعليها خمسون شاة ما ترويها فتبرضها فلم نترك فيها قطرة، قال ابن عباس: وكان الحر شديدا، فشكى الناس العطش، فبلغ ذلك النبي - عليه الصلاة والسلام - فاتاه فجلس على شفيرها، ثم دعا " باناء " وفي لفظ " بدلو " فتوضأ في الدلو، ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد ثم انها اصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.
قال البراء: ولقد رأيت اخرنا اخرج بثوب خشية الغرق حتى جرت نهرا (2).
وقال ابن عباس وعروة ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بايديهم منها وهم جلوس على شفيرها.
*
__________
(1) انظر تفسير الطبري 6 / 177 وابن كثير 3 / 125.
(2) أخرجه البخاري 7 / 505 (4150).
(*)(5/41)
قصة اخرى: روى البخاري في المغازي وفي الاشربة، عن جابر بن عبد الله، عن سلمة ابن الاكوع - رضى الله عنهما - قالا: عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه ركوة، وقال جابر في رواية وقد حضر العصر، وليس معنا ماء غير فضلة، فجعل في اناء فاتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ منها، ثم اقبل الناس نحوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما لكم ؟ " قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضأ به، ولا نشرب الا ما في ركوتك فأفرغتها في قدح، ووضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده في القدح، فجعل الماء يفور من بين اصابعه كامثال العيون، فشربنا وتوضانا، فقال سالم بن أبي الجعد: فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة.
(1)
ذكر نزول المطر في تلك الايام وما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صبيحة المطر روى الشيخان وابو عوانة، والبيهقي عن زيد بن خالد - رضى الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم: قال: قال الله عز وجل: " أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فاما المؤمن من قال: مطرنا برحمة الله وبفضل الله فهو مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا كذا - وفي رواية: بنوء كذا وكذا - فهو مؤمن بالكواكب كافر بي ".
(2) قال محمد بن عمر: وكان ابن أبي بن سلول قال هذا نوء الخريف مطرنا بالشعري.
وروى ابن سعد عن أبي المليح عن ابيه قال: أصابنا يوم الحديبية مطر لم يبل اسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن صلوا في رحالكم.
واهدى عمرو بن سالم وبسر بن سفيان الخزاعيان - رضى الله عنهما - بالحديبية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنما وجزورا، واهدى عمرو بن سالم لسعد بن عبادة - رضي الله عنه - جزرا - وكان صديقا له - فجاء سعد بالجزر الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واخبره إن عمرا اهداها له، فقال: " وعمرو قد اهدى لنا ما ترى، فبارك الله في عمرو " ثم امر بالجزر تنحر وتقسم في اصحابه، وفرق الغنم فيهم من آخرها وشرك فيها فدخل على أم سلمة من لحم الجزور كنحو ما دخل على رجل من القوم، وشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شاته، فدخل على أم سلمة بعضها، وامر - صلى الله عليه وسلم - للذي جاء بالهدية بكسوة.
__________
(1) أخرجه البخاري في المصدر السابقة (4152).
(2) أخرجه البخاري 5 / 259 (4147) واخرجه مسلم في الايمان (125) والبيهقي في دلائل النبوة 4 / 131.
(*)(5/42)
ذكر قدوم بديل بن ورقاء الخزاعي ورسل قريش على رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما اطمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية: جاءه بديل بن ورقاء - واسلم بعد ذلك - في رجال من خزاعة، منهم: عمرو بن سالم، وخراش بن امية وخارجة بن كرز، ويزيد بن امية وكانوا عيبة نصح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتهامة، منهم المسلم ومنهم الموادع.
لا يخفون عنه بتهامة شيئا.
فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلموا، فقال بديل بن ورقاء: جئناك من عند قومك، كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، قد استنفروا لك الاحابيش ومن اطاعهم، قد نزلوا اعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان، يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " انا لم نات لقتال احد، انما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه، ان قريشا قد اضرت بهم الحرب ونهكتهم فان شاءوا ماددتهم مدة يامنون فيها، ويخلون فيما بيننا وبين الناس، - والناس اكثر منهم - فان اصابوني فذلك الذي ارادوا وان ظهر امري على الناس كانوا بين ان يدخلوا فيما دخل فيه الناس أو يقاتلوا وقد جمو، وان هم أبو فوالله لاجهدن على امري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن الله تعالى امره ".
فوعى بديل مقالة رسول الله وقال: سابلغهم ما تقول، وعاد وركبه الى قريش، فقال ناس منهم: هذا بديل واصحابه، وانما يريدون ان يستخبروكم فلا تسالوهم عن حرف واحد، فلما رأى بديل انهم لا يستخبرونه قال: انا جئنا من عند محمد، اتحبون ان نخبركم عنه ؟ فقال عكرمة بن ابي جهل، والحكم بن العاص - واسلما بعد ذلك - ما لنا حاجة بان تخبرونا عنه، ولكن اخبروه عنا انه لا يدخلها علينا عامه هذا ابدا حتى لا يبقى منا رجل، فاشار عليهم عروة بن مسعود الثقفي - واسلم بعد ذلك - بان يسمعوا كلام بديل فان اعجبهم قبلوه والا تركوه، فقال صفوان ابن امية والحارث بن هشام - واسلما بعد ذلك - اخبرونا بالذي رأيتم وسمعتم، فقال بديل لهم: انكم تعجلون على محمد - صلى الله عليه وسلم - انه لم يات لقتال انما جاء معتمرا واخبرهم بمقالة النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال عروة: يا معشر قريش اتتهمونني ؟ قالوا: لا.
قال: الستم بالوالد ! قالوا: بلى.
قال: الست بالولد ؟ قالوا: بلى وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس القرشية.
قال: " الستم تعلمون اني استنفرت اهل عكاظ لنصركم فلما تبلحوا على نفرت اليكم بنفسي وولدي ومن اطاعني ؟ قالوا: قد فعلت، ما انت عندنا بمتهم.
قال: اني لكم ناصح، وعليكم شفيق، لا ادخر عنكم نصحا، فان بديلا قد جاءكم خطة رشد لا يردها احد ابدا الا احد شر منها.
فاقبلوا منه، وابعثوني حتى اتيكم بمصداقها من عنده، وانظر الى من(5/43)
معه، واكون لكم عينا اتيكم بخبره، فبعثته قريش الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، تركت كعب ابن لؤي وعامر بن لؤي على اعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل قد استنفروا لك الاحابيش ومن اطاعهم، قد لبسوا جلود النمور، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وانما انت ومن قاتلهم بين احد امرين ان تجتاح قومك ولم يسمع برجل اجتاح قومه وأهله قبلك.
أو بين أن يخذلك من ترى معك، واني والله لا ارى معك وجوها واني لا ارى الا اوباشا، وفي رواية: فاني لارى أشوابا (1) من الناس، لا اعرف وجوههم ولا انسابهم، وخليقا ان يفروا ويدعوك.
وفي رواية: وكاني بهم لو قد لقيت قريشا أسلموك فتؤخذ أسيرا، فأي شئ أشد عليك من هذا ؟ فغضب أبو بكر - وكان قاعدا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: امص بظر اللات، انحن نخذله أو نفر عنه ؟ ! فقال عروة: من ذا ؟ قالوا: ابا بكر.
فقال عروة: اما والله لو لا يد لك عندي لم اجزك بها لاجيبنك.
وكان عروة قد استعان في حمل دية فاعانه الرجل بالفريضتين والثلاث، واعانه أبو بكر بعشر فرائض فكانت هذه يد ابي بكر عند عروة، وطفق عروة كلما كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مس لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمغيرة ابن شعبة قائم على راس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف، - على وجهه المغفر - لما قدم عروة لبسها، فطفق المغيرة كلما اهوى عروة بيده ليمس لحية النبي - عليه الصلاة والسلام - يقرع يده بنعل السيف ويقول: أكفف يدك عن مس لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ألا تصل إليك، فانه لا ينبغى لمشرك ان يمسه.
فلما اكثر عليه غضب
عروة وقال: ويحك ! ! ما افظك واغلظك ! وقال: ليت شعرى ! ! من هذا الذي آذاني من بين أصحابك ؟ والله لااحسب فيكم الام منه ولا أشر منزلة.
فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: " هذا ابن اخيك المغيرة بن شعبة " فقال عروة: وانت بذلك يا غدر، والله ما غسلت عنك غدرتك بعكاظ الا امس، لقد اورثتنا العداوة من ثقيف الى آخر الدهر - وسياتى في ترجمة المغيرة بيان هذه الغدرة.
وجعل عروة يرمق اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينه، فوالله ما يتنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا امرهم بامر ابتدروا امره، وإذا توضأ كادوا يقتتلوا على وضوئه، ولا يسقط شئ من شعره الا اخذوه، وإذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه، تعظيما له.
فلما فرغ عروة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما قال لبديل بن ورقاء وكما عرض عليهم من المدة.
فاتى عروة قريشا، فقال: يا قوم انى وفدت الى
__________
(1) الاوشاب الاوباش، والاخلاط من الناس، انظر المعجم الوسيط 2 / 1045.
(*)(5/44)
الملوك: كسرى وقيصر والنجاشي واني والله ما رايت ملكا قط اطوع فيما بين ظهرانيه من محمد في اصحابه، والله ان رأيت ملكا قط يعظمه اصحابه ما يعظم اصحاب محمد محمدا، وليس بملك والله ما تنخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا امرهم بامر ابتدروا امره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ايهم يظفر منه بشئ، ولا يسقط شئ من شعره الا اخذوه، وإذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له، ولا يتكلم رجل منهم حتى يستاذن، فان هو اذن له تكلم، وان لم ياذن له سكت، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، قد حرزت القوم، واعلموا انكم ان اردتم منهم السيف بذلوه لكم، وقد رايت قوما لا يبالون ما يصنع بهم إذا منعتم صاحبهم، والله لقد رايت معه نساء ما كن ليسلمنه ابدا على حال، فروا رايكم فاتوه يا قوم، واقبلوا ما عرض عليكم، فاني لكم ناصح، مع
اني اخاف ان لا تنصروا على رجل اتى زائرا لهذا البيت معظما له، معه الهدى ينحره وينصرف، فقالت قريش: لا تتكلم بهذا يا ابا يعفور، أو غيرك تكلم بهذا ؟ ولكن نرده عامنا هذا، ويرجع الى قابل، فقال: ما اراكم تصيبكم قارعة.
فانصرف هو ومن تبعه الى الطائف.
فقام الحليس وهو بمهملتين - مصغر - ابن علقمة الكناني وكان من رؤوس الاحابيش ولا اعلم له اسلاما فقال: دعوني آتيه.
فقالوا: ائته.
فلما اشرف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هذا فلان من قوم يعظمون البدن وفي لفظ " الهدى، ويتالهون، فابعثوها له " فبعثت له، فلما راى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي عليها قلائدها، قد أكلت اوبارها من طول الحبس، ترجع الحنين، واستقبله الناس يلبون قد اقاموا نصف شهر، وقد تفلوا وشعثوا، صاح وقال: سبحان الله " ما ينبغي لهؤلاء ان يصدوا عن البيت أبي الله أن تحج لخم وجذام وكندة وحمير ويمنع ابن عبد المطلب، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت هلكت قريش ورب الكعبة.
ان القوم انما اتوا عمارا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اجل يا اخا بني كنانة ".
وذكر ابن اسحاق ومحمد بن عمر، وابن سعد: انه لم يصل الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما راى ذلك اعظاما لما راى فيحتمل ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاطبه من بعد، فرجع الى قريش فقال: اني رايت ما لا يحل منعه، رايت الهدي في قلائده قد اكل اوباره معكوفا عن محله والرجال قد تفلوا وقملوا ان يطوفوا بهذا البيت، والله ما على هذا حالفناكم، ولا عاقدناكم، على ان تصدوا عن البيت من جاءه معظما لحرمته مؤديا لحقه.
وساق الهدى معكوفا ان يبلغ محله.
والذي نفسي بيده لتخلن بينه وبين ما جاء له، أو لانفرن بالاحابيش نفرة رجل واحد.
فقالوا: كف عنا يا حليس حتى ناخذ لانفسنا ما نرضى به، وفي لفظ اجلس فانما انت اعرابي لا علم لك، كل ما رايت من محمد مكيدة.(5/45)
فقام مكرز بكسر الميم، وسكون الكاف، وفتح الراء، بعدها زاي، ابن حفص.
فقال: دعوني آته.
فلما طلع وراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " هذا رجل غادر " وفي لفظ " فاجر " فلما
انتهي الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمته بنحو ما كلم به بديلا وعروة، فرجع الى أصحابه فأخبرهم بما رد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ذكر ارساله - صلى الله عليه وسلم - خراش بن امية وبعده عثمان بن عفان الى قريش قال محمد بن اسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى قريش خراش بن امية على جمل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له الثعلب، ليبلغ عنه اشرافهم بما جاء له، فعقر عكرمة بن ابي جهل - واسلم بعد ذلك - الجمل، وارادوا قتله فمنعه الاحابيش، فخلوا سبيله حتى اتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكد فاخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما لقي.
وروى البيهقي عن عروة قال: لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديبية فزعت قريش لنزوله إليهم، فاحب ان يبعث إليهم رجلا من اصحابه، فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه الى قريش، فقال: يا رسول الله اني اخاف قريشا على نفسي وقد عرفت قريش عداوتي لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، وان احببت يا رسول الله دخلت عليهم.
فلم يقل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا، فقال عمر: يا رسول الله ولكني ادلك على رجل اعز بمكة مني، واكثر عشيرة وامنع، وانه يبلغ لك ما اردت، عثمان بن عفان.
فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان فقال: " اذهب الى قريش واخبرهم انا لم نات لقتال وانما جئنا عمارا، وادعهم الى الاسلام ".
وامره ان ياتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح، ويخبرهم ان الله تعالى - وشيكا ان يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالايمان.
فانطلق عثمان الى قريش فمر عليهم ببلدح فقالوا: اين تريد ؟ فقال بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليكم لادعوكم الى الاسلام، والى الله جل ثناءه، وتدخلون في الدين كافة، فان الله - تعالى - مظهر دينه ومعز نبيه، واخرى: تكفون ويكون الذي يلى هذا الامر منه غيركم، فان ظفر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذلك ما اردتم، وان ظفر كنتم بالخيار بين ان تدخلوا فيما دخل فيه الناس، أو تقاتلوا وانتم وافرون جامون.
ان الحرب قد نهكتكم واذهبت الاماثل منكم.
واخرى ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبركم انه لم يات لقتال
احد، انما جاء معتمرا، معه الهدي، عليه القلائد ينحره وينصرف.
(1) فقالوا: قد سمعنا ما تقول، ولا كان هذا ابدا، ولا دخلها علينا عنوة، فرجع الى صاحبك فاخبره انه لا يصل الينا.
__________
(1) اخرجه ابن سعد 2 / 1 / 70 والبيهقي في الدلائل 4 / 133.
(*)(5/46)
ولقيه ابان بن سعيد (1) - واسلم بعد ذلك، فرحب به ابان واجاره، وقال: لا تقصر عن حاجتك، ثم نزل عن فرس كان عليه فحمل عثمان على السرج وردف وراءه وقال: اقبل وادبر لا تخف احد * بنو سعيد اعزة الحرم فدخل به مكة، فاتى عثمان اشراف قريش - رجلا رجلا - فجعلوا يردون عليه: ان محمدا لا يدخلها علينا ابدا، ودخل على قوم مؤمنين من رجال ونساء مستضعفين بمكة فقال: ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قد اظلكم حتى لا يستخفى بمكة اليوم بالايمان، ففرحوا بذلك، وقالوا: اقرا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام.
ولما فرغ عثمان من رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى قريش قالوا له: ان شئت ان تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لافعل حتى يطوف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقام عثمان بمكة ثلاثا يدعو قريشا.
وقال المسلمون - وهم بالحديبية، قبل ان يرجع عثمان -: خلص عثمان من بيننا الى البيت فطاف به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما اظنه طاف بالبيت ونحن محصورون "، وقالوا: وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص إليه قال: " ذلك ظني به الا يطوف بالكعبة حتى نطوف "، وعند ابن جرير وابن ابي حاتم عن سلمة بن الاكوع - مرفوعا - " لو مكث كذا كذا سنة ما طاف حتى اطوف " فلما رجع عثمان الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال المسلمون له: اشتفيت من البيت يا ابا عبد الله ! ! فقال عثمان: بئس ما ظننتم بي ! فوالذي نفسسي بيده لو مكثت مقيما بها سنة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقيم بالحديبية ما طفت حتى يطوف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد
دعتني قريش الى ان اطوف بالبيت فابيت.
فقالوا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعلمنا واحسننا ظنا.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يامر اصحابه بالحراسة بالليل، فكانوا ثلاثة يتناوبون الحراسة: اوس بن خولي - بفتح الخاء المعجمة والواو - وعباد بن بشر، ومحمد بن مسلمة - رضي الله عنهم - وكان محمد بن مسلمة على حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي، وعثمان بن عفان بمكة.
وقد كانت قريش بعثت ليلا خمسين رجلا، عليهم مكرز بن حفص، وامروهم ان يطوفوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - رجاء ان يصيبوا منهم احدا، أو يصيبوا منهم غرة، فاخذهم محمد بن
__________
(1) ابان بن سعيد بن العاص بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الاموي..قال البخاري وابو حاتم الرازي وابن حبان له صحبة وكان ابوه من اكابر قريش وله اولاد نجباء اسلم منهم قديما خالد وعمرو فقال فيهما ابان الابيات المشهورة التي اولها.
الا ليت ميتا بالظريبة شاهد * لما يفتري في الدين عمرو وخالد الاصابة 1 / 10.
(*)(5/47)
مسلمه، فجاء بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفلت مكرز فخبر أصحابه وظهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم أنه رجل غادر، وكان رجال من المسلمين قد دخلوا مكة بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم: كرز بن جابر الفهري، وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس، وعبد الله بن حذافة السهمي، وأبو الروم بن عمير العبدري، عياش بن أبي ربيعة، وهشام ابن العاص بن وائل، وأبو حاطب بن عمرو من عبد شمس وعمير بن وهب الجمحي وحاطب بن أبي بلتعة، وعبد الله بن أبي أمية.
قد دخلو مكة في أمان عثمان، وقيل: سرا، فعلم بهم فأخذوا، وبلغ قريشا حبس أصحابهم الذين مسكهم محمد بن مسلمد، فجاء جمع من قريش إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى تراموا بالنبل والحجارة، وأسر المسلمون من المشركين - أيضا - اثني عشر فارسا، وقتل من المسلمين ابن زنيم - وقد أطلع الثنية من الحديبية - فرماه المشركون
فقتلوه، وبعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى - وأسلما بعد ذلك، ومكرز بن حفص، فلما جاء سهيل وراه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: سهل أمركم فقال سهيل: يا محمد إن الذي كان من حبس اصحابك وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من راى ذوي رأينا بل كنا له كارهين حين بلغنا، ولم نعلم به، وكان من سفهائنا، فابعث الينا باصحابنا الذين اسرت اول مرة، والذين أسرت آخر مرة.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اني غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي "، فقالوا: انصفتنا، فبعث سهيل ومن معه الى قريش بالشييم - بشين معجمة مصغر - بن عبد مناف التيمي، فبعثوا بمن كان عندهم: وهم عثمان والعشرة السابق ذكرهم - رضي الله عنهم - وارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اصحابهم الذين اسرهم، وقبل وصول عثمان ومن معه بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان عثمان ومن معه قد قتلوا، فكان ذلك حين دعا الى البيعة.
ذكر مبايعته - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان وفضل من بايع قالوا: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان عثمان قد قتل دعا الناس الى البيعة، وقال: " لا نبرح حتى نناجز القوم " واتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منازل بني مازن بن النجار، وقد نزلت في ناحية من الحديبية، فجلس في رحالهم تحت شجرة خضراء ثم قال: " ان الله - تعالى - امرني بالبيعة " فاقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا فما بقي لبني مازن متاع الا وطئ، ثم لبسوا السلاح وهو معهم قليل، وقامت ام عمارة الى عمود كانت تستظل به فاخذته بيدها وشدت سكينا في وسطها وروى ابن جرير وابن ابي حاتم عن سلمة بن الاكوع والبيهقي عن عروة، وابن اسحاق عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قال سلمة: بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ايها الناس البيعة البيعة، نزل روح القدس فاخرجوا على اسم الله " قال(5/48)
سلمة: " فسرنا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه (1).
وفي صحيح مسلم عنه قال: فبايعته اول الناس، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال: " بايع يا سلمة "
قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في اول الناس (2) قال: " وايضا " قال: ورآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزلا فاعطاني حجفة - أو درقة - ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال: " الا تبايعني يا سلمة ؟ " قال: قلت: يا رسول الله قد بايعتك في اول الناس، وفي وسط الناس، قال: " وايضا " فبايعته الثالثة، ثم قال لي: " يا سلمة اين حجفتك - أو درقتك - التي اعطيتك ؟ " قال: قلت: يا رسول الله، لقيني عمي عامر عزلا فاعطيته اياها، قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: انك كالذي قال الأول: اللهم ابغني حبيبا هو احب الي من نفسي، وفي صحيح البخاري عنه قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة، قيل: على اي شئ كنتم تبايعون قال: على الموت (3).
وفي صحيح البخاري عن نافع قال: ان ابن عمر اسلم قبل ابيه، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية ارسل عبد الله الى فرس له عند رجل من الانصار ياتي به ليقاتل عليه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد الله، ثم ذهب الى الفرس فجاء به الى عمر وعمر يستلئم للقتال فاخبره ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع تحت الشجرة، قال: فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي التي يتحدث الناس ان ابن عمر اسلم قبل عمر (4).
وفيه ايضا عن نافع عن ابن عمر ان الناس كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر: يا عبد الله انظر ما شان الناس احدقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب فوجدهم يبايعونه فبايع، ثم رجع الى عمر فخرج فبايع (5).
وروى الطبراني عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم.
قلت: فما كان عليه ؟ قال: قميص من قطن، وجبة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن مقرن - بميم مضمومة فقاف مفتوحة فراء مشددة مكسورة - المازني قائم على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه يبايعونه.
وفي صحيح مسلم عن جابر قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ بيده تحت شجرة - وهي سمرة - فبايعناه غير الجد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره.
وعند بن إسحاق
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 136.
(2) أخرجه مسلم في الجهاد 3 / 1434 (132) وأحمد 4 / 54، والبيهقي في الدلائل 4 / 138.
(3) أخرجه البخاري (4169) والبيهقي 4 / 138.
(4) أخرجه البخاري 7 / 521 (4186).
(5) البخاري (4187) واحمد في المسند 5 / 324.
(*)(5/49)
عن جابر بن عبد الله: فكأني أنظر إليه لاصقا يابط ناقته قد خبأ إليها يستتر بها من الناس بايعناه على ألا نفر، ولم نبايعه على الموت (1).
وفيه - أيضا - عنه: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس وأنا رافع غصن من أغصانها عن راسه ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على ألا نفر.
وروى الطبراني عن ابن عمر، والبيهقي عن الشعبي، وابن منده عن زر بن حبيش قالوا: لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الاسدي، فقال: ابسط يدك أبايعك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " علام تبايعني " قال: على ما في نفسك.
زاد ابن عمر: فقال النبي: وما في نفسي ؟ قال: أضرب بسيفي بين يدك حتى يظهرك الله أو أقتل.
فبايعه، وبايعه الناس على بيعة أبي سنان (2).
وروى البيهقي عن أنس وابن إسحاق عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببيعة الرضوان كان بعث عثمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى أهل مكة، فبايع الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اللهم ان عثمان في حاجتك وحاجة رسولك، فضرب باحدى يديه على الاخرى، فكانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان خيرا من أيديهم لانفسهم (3).
وروى البخاري وابن مردويه عن طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون فقلت: ما هذا ؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان.
فاتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدثنى أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة، فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد لم يعلموها وعلمتموها أنتم، فانتم أعلم.
(4) وروى ابن سعد بسند جيد عن نافع قال: خرج قوم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك باعوام فما عرف أحد منهم الشجرة، واختلفوا فيها.
قال ابن عمر: كانت رحمة من الله.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف وابن سعد عن نافع قال: بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا ياتون الشجرة التي بويع تحتها فيصلون عندها فتوعدهم، ثم أمر فقطعت.
وروى البخاري وابن مردويه عن قتاده قال: قلت لسعيد ين المسيب: كم كان الذين
__________
(1) اخرجه مسلم 3 / 1483 (267، 69 / 1856).
(2) اخرجه ابن أبي شيبة 14 / 87، 600 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6 / 74.
(3) أخرجه الدولابي من الكنى 1 / 133، والطبراني في الكبير 1 / 41 وابن أبي شيبة 12 / 46 والحاكم 3 / 98 وانظر الدر المنثور 6 / 74.
(4) اخرجه البخاري 7 / 512 (4163).
(*)(5/50)
شهدوا بيعة الرضوان ؟ قال: خمس عشرة مائة، قلت فان جابر بن عبد الله قال: اربع عشرة مائة، قال: يرحمه الله توهم، هو حدثني انهم كانوا خمس عشرة مائة (1).
وروى الشيخان، وابن جرير عن عبد الله بن ابي اوفى قال: كان اصحاب الشجرة الفا وثلاثمائة، وكانت اسلم ثمن المهاجرين (2).
افاد الواقدي ان اسلم كانت في الحديبية مائة رجل.
وروى سعيد بن منصور والشيخان عن جابر بن عبد الله قال: كنا يوم الحديبية الفا واربعمائة فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " انتم خير اهل الارض " (3).
وروى الامام احمد، وابو داود، والترمذي عن جابر بن عبد الله، ومسلم عن ام مبشر - رضى الله عنهما - ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يدخل النار احد بايع تحت الشجرة " (4)
وروى الامام أحمد بسند - رجاله ثقات - عن ابي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم الحديبية قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا توقدوا نارا بالليل " فلما كان بعد ذلك قال: " اوقدوا واصطنعوا فانه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم " (5).
فلما نظر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص، ومن كان معهم من عيون قريش من سرعة الناس الى البيعة وتشميرهم الى الحرب اشتد رعبهم وخوفهم، واسرعوا الى القضية.
ثم اتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الذي ذكر من امر عثمان باطل ".
ذكر الهدنة وكيف جرى الصلح يوم الحديبية روى ابن اسحاق وابو عبيد وعبد الرزاق والامام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابو داود والنسائي وابن جرير وابن مردويه، ومحمد بن عمر عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، والشيخان عن سهيل بن حنيف ان عثمان لما قدم من مكة هو ومن معه رجع سهيل بن عمرو وحويطب ومكرز الى قريش فاخبروهم بما راوا من سرعة اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) اخرجه البخاري 7 / 507 (4153).
(2) البخاري في المصدر السابق (4155) ومسلم 3 / 1485 (75 / 1857).
(3) اخرجه البخاري 7 / 507 (4154) وأخرجه مسلم 3 / 1484 (71 / 1856).
(4) اخرجه أبو داود (4653) والترمذي (3860) واحمد 3 / 350 وابن المبارك في الزهد (498) وابن سعد 2 / 1 / 73 ومسلم في الفضائل باب 37 (163).
(5) اخرجه أحمد 3 / 26 والحاكم 3 / 36 وابن ابي شيبة 8 / 481، 14 / 443 وابو نعيم في تاريخ اصفهان 2 / 169.
(*)(5/51)
الى البيعة وتشميرهم الى الحرب اشتد رعبهم، فقال اهل الراي منهم: ليس خير من ان نصالح محمدا على ان ينصرف عنا عامه هذا، ولا يخلص الى البيت حتى يسمع من سمع بمسيره من العرب انا قد صددناه، ويرجع قابلا فيقيم ثلاثا وينحر هديه وينصرف، ويقيم ببلدنا ولا يدخل علينا، فاجمعوا على ذلك.
فلما اجمعت قريش على الصلح والموادعة بعثوا سهيل بن
عمرو وحويطب ومكرز وقالوا لسهيل: ائت محمدا فصالحه وليكن في صلحك الا يدخل عامه هذا، فوالله لا تحدث العرب انه دخل علينا عنوة فاتى سهيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما راه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " قد اراد القوم الصلح حين بعثوا هذا " وفي لفظ: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سهل امركم " وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متربعا، وكان عباد بن بشر وسلمة بن اسلم بن حريش على راسه - وهما مقنعان في الحديد - فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطال الكلام وتراجعا، وارتفعت الاصوات وانخفضت، وقال عباد بن بشر لسهيل: اخفض من صوتك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلوس، فجرى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل القول حتى وقع الصلح على ان توضع الحرب بينهما عشر سنين، وان يامن الناس بعضهم بعضا، وان يرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامه هذا، فإذا كان العام المقبل قدمها فخلوا بينه وبين مكة، فاقام فيها ثلاثا فلا يدخلها الا بسلاح الراكب والسيوف في القرب لا يدخلها بغيره، وانه من اتى محمدا من قريش بغير اذن وليه - وان كان على دين محمد - رده الى وليه، وانه من اتى قريشا ممن اتبع محمدا لم يردوه عليه، - وان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيبة مكفوفة، وانه لا اسلال (1) ولا اغلال، وانه من حب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن احب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم.
فكره المسلمون هذه الشروط وامتعضوا منها، وأبى سهيل إلا ذلك فلما اصطلحوا ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله الست نبي الله حقا ؟ قال: بلى.
قال: السنا على الحق وهم على الباطل ؟ قال: بلى، قال: اليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال: بلى.
قال: علام نعطي الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني عبد الله ورسوله ولست اعصيه ولن يضيعني وهو ناصري " قال: أو ليس انت تحدثنا أنا سناتي البيت فنطوف حقا ؟ قال: " بلى، افاخبرتك انك
تأتيه العام ؟ قال: لا: قال: " فانك آتيه ومطوف به "، فذهب عمر الى أبي بكر متغيظا ولم يصبر،
__________
(1) الاسلال: السرقة، المعجم الوسيط 1 / 448.
(*)(5/52)
فقال: يا ابا بكر: اليس هذا نبي الله حقا ؟ قال: بلى.
قال: السنا على الحق وهم على الباطل ؟ اليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال: بلى.
قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال: ايها الرجل انه رسول الله وليس يعصي ربه، وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله انه لعلى الحق.
وفي لفظ فانه رسول الله.
فقال عمر: وانا اشهد انه رسول الله، قال: أو ليس كان يحدثنا انه سناتي البيت ونطوف به ؟ قال: بلى، افاخبرك انك تأتيه العام ؟ قال: لا.
قال: فانك آتيه ومطوف به.
فلقي عمر من هذه الشروط امرا عظيما (1).
وقال كما في الصحيح: والله ما شككت منذ اسلمت الا يومئذ، وجعل يرد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكلام فقال أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -: الا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ما يقول، تعوذ بالله من الشيطان واتهم رايك، قال عمر: فجعلت اتعوذ بالله من الشيطان حياء فما اصابني شئ قط مثل ذلك اليوم وعملت بذلك اعمالا - أي صالحة - لتكفر عني ما مضى من التوقف في امتثال الامر ابتداء كما عند ابن اسحاق وابن عمر الاسلمي.
قال عمر: فما زلت اتصدق واصوم واصلي واعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتي رجوت أن يكون خيرا.
وروى البزار عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: اتهموا الراي على الدين فلقد رأيتني أرد امر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برايي، وما الوت على الحق، قال: فرضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبيت حتى قال: " يا عمر تراني رضيت وتابى " (2).
فقال سهيل: هات، اكتب بيننا وبينك كتابا، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا - كما في حديث البراء عند البخاري في كتاب الصلح وكتاب الجزية، ورواه اسحاق بن راهويه من حديث المسور ومروان، واحمد، والنسائي، والبيهقي والحاكم - وصححه عن عبد الله بن
مغفل (3)، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم "، فقال سهيل - واسلم بعد ذلك - اما الرحمن الرحيم فو الله ما ادري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب اكتب في قضيتنا ما نعرف.
فقال المسلمون: والله لا نكتبها الا بسم الله الرحمن الرحيم.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " اكتب باسمك اللهم " ثم قال: " هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فقال سهيل: والله لو كنا نعلم انك رسول الله ما صددناك عن
__________
(1) البخاري 4 / 26، 125، أخرجه مسلم 3 / 1412 (94 / 1785) والطبراني في الكبير 6 / 109 وابن سعد 1 / 1 / 20، وانظر المجمع 3 / 312، 5 / 67.
(2) أخرجه الدولابي في الكنى 2 / 69.
(3) عبد الله بن مغفل: بمعجمة وفاء ثقيلة، ابن عبيد بن نهم: بفتح النون وسكون الهاء، أبو عبد الرحمن المزني، صحابي، بايع تحت الشجرة، ونزل البصرة، مات سنة سبع وخمسين، وقيل بعد ذلك، التقريب 1 / 453.
(*)(5/53)
البيت، ولا قاتلناك، اكتب في قضيتنا ما نعرف، اكتب محمد بن عبد الله.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي امحه، فقال علي: ما انا بالذي " امحاه " وفي لفظ " امحاك " وفي حديث محمد ابن كعب القرظي: فجعل على يتلكا، وابى أن يكتب الا محمد رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اكتب فان لك مثلها تعطيها وانت مضطهد (1) انتهى.
وذكر محمد بن عمر أن أسيد بن الحضير وسعد بن عبادة اخذا بيد علي ومنعاه أن يكتب الا " محمد رسول الله "، والا فالسيف بيننا وبينهم، فارتفعت الاصوات، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم ويومئ بيده إليهم: اسكتوا.
فقال: أرنيه، فاراه اياه فمحاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقال: اكتب محمد بن عبد الله.
قال الزهري: وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - لا يسالوني خطة يعظمون بها حرمات الله الا اعطيتهم اياها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسهيل على أن تخلوا بيننا وبين البيت، فنطوف، فقال سهيل: لا والله لا تحدث العرب انا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل، فكتب.
فقال سهيل: على انه لا ياتيك منا احد بغير اذن
وليه - وان كان على دينك الا سددته الينا فقال المسلمون: سبحان الله، أيكتب هذا ؟ كيف يرد الى المشركين وقد جاء مسلما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم انه من ذهب منا إليهم فابعده الله، ومن جاء منهم الينا سيجعل الله له فرجا ومخرجا " (2).
وفي حديث عبد الله بن مغفل عند الامام أحمد، والنسائي، والحاكم بعد أن ذكر نحو ما تقدم، قال فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا الى وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخذ الله باسماعهم - ولفظ الحاكم بابصارهم - فقمنا إليهم فاخذناهم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هل جئتم في عهد احد وهل جعل لكم احد امانا " ؟ فقالوا: لا.
فخلى سبيلهم فانزل الله تعالى: (وهو الذي كف ايديهم عنكم) (سورة الفتح 24) (3).
وروى ابن أبي شيبة، والامام احمد، وعبد بن حميد، ومسلم، والثلاثة عن انس قال: لما كان يوم " الحديبية " هبط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واصحابه ثمانون رجلا من اهل مكة في
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 357 (2699)، واحمد 4 / 328، 4 / 86، 5، 23، 33 والبيهقي 9 / 220، 227 وعبد الرزاق في المصنف (9720)، والطبري في التفسير 26 / 59، 63 وابن كثير في التفسير 7 / 324 وانظر المجمع 6 / 145، 146.
(2) انظر التخريج السابق واخرجه أبو داود في الجهاد باب (167) واحمد 4 / 329، 330 والسيوطي في الدر المنثور 6 / 78 (3) أخرجه أحمد 4 / 87 والبيهقي 6 / 319 والحاكم في المستدرك 2 / 461 وابن الجوزي في زاد المسير 7 / 438 وانظر الدر المنثور 6 / 78..(*)(5/54)
السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا عليهم، فاخذوا فعفا عنهم (1).
وروى عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له ابن زنيم اطلع الثنية " يوم الحديبية " فرماه المشركون فقتلوه، فبعث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - خيلا، فاتوا باثني عشر فارسا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هل لكم عهد أو ذمة " ؟ قالوا: لا.
فارسلهم (2).
وروى الامام احمد، وعبد بن حميد، ومسلم، عن سلمة بن الاكوع.
رضي الله عنه قال: إن المشركين من اهل مكة ارسلونا في الصلح فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض اتيت شجرة فاضطجعت في ظلها، فأتاني اربعة من مشركي اهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فابغضهم وتحولت الى شجرة اخرى، فعلقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من اسفل الوادي يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم فاخترطت سيفي فاشتددت على اولئك الاربعة وهم رقود، فاخذت سلاحهم، وجعلته في يدي، ثم قلت: والذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يرفع احد منكم راسه الا ضربت الذي في عينيه، ثم جئت بهم اسوقهم الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز من المشركين يقوده حتى وقفناه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثنياه فعفا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانزل الله تعالى: (وهو الذي كف ايديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) [ الفتح 24 ] فبينما الناس على ذلك إذ أبو جندل - بالجيم والنون وزن جعفر - بن سهيل ابن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من اسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، وكان ابوه سهيل قد اوثقه في الحديد وسجنه، فخرج من السجن واجتنب الطريق وركب الجبال حتى أتي " الحديبية - فقام إليه المسلمون يرحبون به ويهنئونه، فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه بغصن شوك واخذ بتلبيبه ثم قال: " يا محمد، هذا اول ما اقاضيك عليه أن ترده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنا لم نقض الكتاب بعد " قال فوالله إذا لا اصالحك على شئ ابدا.
قال " فاجزه لي " قال: ما انا بمجيزه لك.
قال: " بلى فافعل ".
قال: ما انا بفاعل.
فقال مكرز وحويطب: بلى قد اجزناه لك.
فاخذاه فادخلاه فسطاطا فاجازاه
وكف عنه ابوه.
فقال أبو جندل اي معاشر المسلمين أرد الى المشركين وقد جئت مسلما ؟ ألا
__________
(1) أخرجه مسلم 3 / 1442 (133 / 1808)، واحمد 3 / 124 والغرة هي الغفلة اي يريدون أن يصادفوا منه ومن اصحابه غفلة عن التاهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم.
(2) أخرجه الطبري 26 / 59 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6 / 76.
(*)(5/55)
ترون ما قد لقيت ؟ وكان قد عذب عذابا شديدا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته وقال: يا أبا جندل، اصبر واحتسب فان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، انا قد عقدنا مع القوم صلحا واعطيناهم واعطونا على ذلك عهدا، وانا لا نغدر " ومشى عمر بن الخطاب الى جنب أبي جندل، وقال له: اصبر واحتسب فانما هم المشركون وانما دم احدهم دم كلب، وجعل عمر يدني قائم السيف منه.
قال عمر: رجوت أن ياخذ السيف فيضرب به أباه.
قال فضن الرجل بابيه.
(1) وقد كان اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون.
فزادهم امر أبي جندل على ما بهم، ونفذت القضية وشهد على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين: أبو بكر وعمر، وعبد الرحمن ابن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ومكرز بن حفص وهو مشرك.
فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قوموا فانحروا ثم احلقوا " فو الله ما قام رجل منهم، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فاشتد ذلك عليه، فدخل على أم سلمة فقال: " هلك المسلمون، امرتهم أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا ".
وفي رواية: " الا ترين الى الناس آمرهم بالامر فلا يفعلونه - وهم يسمعون كلامي وينظرون وجهي ".
فقالت: يا رسول الله، لا تلمهم فانهم قد دخلهم امر عظيم مما ادخلت عى نفسك من المشقة في امر الصلح،
ورجوعهم بغير فتح يا نبي الله اخرح ولا تكلم احدا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فجلى الله - تعالى - عن الناس بام سلمة - فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضطبع (2) بثوبه، فخرج فاخذ الحربة ويمم هديه واهوى بالحربة الى البدن رافعا صوته " بسم الله والله اكبر " ونحر، فتواثب المسلمون الى الهدي وازدحموا عليه ينحرونه حتى كاد بعضهم يقع على بعض، وأشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين اصحابه في الهدي، فنحر البدنة عن سبعة، وكان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين بدنة، وكان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية، فلما صده المشركون رد وجوه البدن (3).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 4 / 330 والبيهقي في دلائل النبوة 5 / 331.
(2) اضطبع: اخذ الازار أو البرد فيجعل وسطه تحت إبطه الايمن ويلقي طرفيه على كتفه الايسر من جهتي صدره وظهره، انظر النهاية 3 / 73.
(3) أخرجه البخاري 3 / 257 وابو داود في الجهاد باب 167 واحمد 4 / 331 والبيهقي في الدلائل 4 / 106 وعبد الرزاق (9720) والطبري 26 / 63 وابن أبي شيبة 14 / 450.
(*)(5/56)
قال ابن عباس: لما صدت عن البيت حنت كما تحن الى اولادها.
رواه الامام أحمد والبيهقي (1).
فنحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنه حيث حبسوه وهي الحديبية، وشرد جمل أبي جهل من الهدي وهو يرعى وقد قلد واشعر.
وكان نجيبا مهريا في راسه برة من فضة، أهداه ليغيظ بذلك المشركين، فمر من الحديبية حتى انتهى الى دار أبي جهل بمكة، وخرج في اثره عمرو بن عنمة بن عدي الانصاري، فابى سفهاء مكة أن يعطوه حتى امرهم سهيل بن عمرو بدفعه إليه، قيل: ودفعوا فيه عدة نياق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لو لا أن سميناه في الهدي فعلنا "، ونحره عن سبعة، ونحر طلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، بدنات ساقوها.
وروى ابن سعد عن أبي سفيان عن جابر قال: نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين بدنة عام
الحديبية، البدنة عن سبعة، وكنا يومئذ ألفا واربعمائة، ومن لم يضح أكثر ممن ضحى، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطربا في الحل وانما يصلي في الحرم.
وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هديه بعشرين بدنة لتنحر عنه عند " المروة " مع رجل من اسلم، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحر البدن دخل قبة له من أدم حمراء ودعا بخراش - بمعجمتين - بن أمية بن الفضل الكعبي، فحلق راسه ورمى شعره على شجرة كانت الى جنبه من سمرة خضراء، فجعل الناس ياخذون الشعر من فوق الشجرة فيتحاصونه، وأخذت أم عمارة طاقات من شعره فكانت تغسلها للمريض وتسقيه فيبرأ، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما.
وحلق بعض المسلمين وقصر بغض، فاخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راسه من قبته وهو يقول: رحم الله المحلقين، قيل: يا رسول الله والمقصرين قال: " رحم الله المحلقين ثلاثا ".
ثم قال و " المقصرين " (2).
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس انهم قالوا: يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت عليهم الترحيم ؟ قال: لانهم لم يشكوا (3).
ورواه البيهقي موقوفا.
وبعث الله تعالى ريحا عاصفة فاحتملت اشعارهم فالقتها في الحرم كما رواه ابن سعد عن مجمع بن يعقوب عن أبيه، وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بالحديبية تسعة عشر يوما، ويقال عشرين ليلة، ذكره محمد بن عمر، وابن سعد.
قال ابن عائذ: وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوته هذه شهرا ونصفا.
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 152.
(2) أخرجه الحاكم 4 / 230 والبيهقي 5 / 236 والدعاء للمحلفين متفق عليه من حديث ابن عمر البخاري 3 / 561 (1727) ومسلم 2 / 945 (317 / 1301).
(3) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 151.
(*)(5/57)
ذكر رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
روى مسلم عن سلمة بن الاكوع، والبيهقي عن ابن عباس، وابن سعد، والبيهقي، والحاكم عن أبي عمرة الأنصاري، والبزار، والطبراني، والبيهقي عن أبى خنيس الغفاري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، يزيد بعضهم على بعض: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انصرف من (الحديبية) نزل بمر (الظهران) ثم نزل (بعسفان) وأرملوا من الزاد، فشكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم قد بلغوا من الجوع الجهد، وفى الناس ظهر، فقالوا: ننحره يا رسول الله، وندهن من شحومه ونتخذ من جلوده أحذية فاذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبر بذلك عمر ابن الخطاب فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله لا تفعل، فان يكن في الناس بقية ظهر يكن أمثل، كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا ؟ ! ولكن إن رايت أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثم تدعو فيها بالبركة فان الله سيبلغنا بدعوتك، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس ببقايا أزوادهم وبسط نطعا فجعل الناس يجيئون بالحفنة من الطعام وفوق ذلك، فكان أعلاهم من جاء بصاع تمر، فاجتمع زاد القوم على النطع، قال سلمة: فتطاولت لاحرركم هو فحررته كربضة عنز ونحن أربع عشرة مائة، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بما شاء الله أن يدعو، فاكلوا حتى شبعوا، ثم حشوا أوعيتهم، وبقي مثله، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه، وقال " أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، والله لا يلقى الله - تعالى - عبد مؤمن بهما إلا حجب من النار ".
ثم أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرحيل، فلما ارتحلوا أمطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلوا، فشربوا من ماء السماء.
ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطبهم، فجاء ثلاثة نفر فجلس اثنان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد معرضا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا أخبركم عن الثلاثة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: أما واحد فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الاخر فتاب فتاب الله عليه، أما الثالث فاعرض.
فاعرض الله عنه ".
وروى البيهقي عن عروة قال: قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا فقال رجل من أصحاب
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البيت وصد هدينا.
ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلين من المؤمنين كانا خرجا إليه، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " بئس الكلام، بل هو أعظم الفتح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم.
ويسالوكم القضية، ويرغبون اليكم في الامان، ولقد رأوا منكم ما كرهوا، وأظفركم الله - تعالى - عليهم وردكم سالمين ماجورين فهو أعظم الفتح، أنسيتم يوم أحد ؟ ؟ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وانا(5/58)
أدعوكم في أخراكم ! ! أنسيتم يوم الاحزاب ؟ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ! ! فقال المسلمون: صدق الله ورسوله، فهو أعظم الفتوح، والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه، ولانت أعلم بالله وبالامور منا.
ذكر نزول سورة الفتح ومرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ظهر في ذلك من الايات روى الامام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر يعني " الحديبية " فسألته عن شئ ثلاث مرات، فلم يرد علي، فقلت في نفسي: أمك يا ابن الخطاب، نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات فلم يرد عليك، فحركت بعيري، ثم تقدمت أمام الناس، وخشيت أن ينزل في القران، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شئ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلى من الدنيا وما فيها (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) [ الفتح 1، 2 ].
وروى ابن أبي شيبة والامام أحمد، وابن سعد، وابو داود، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم - وصححه - وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن مجمع بن جارية الانصاري
- رضي الله عنه - قال: شهدنا " الحديبية " مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما انصرفنا عنها الى كراع الغميم إذا الناس يوجفون الاباعر، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس ؟ قالوا: اوحي الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته عند " كراع الغميم " فاجتمع الناس إليه فقرا عليهم (انا فتحنا لك فتحا مبينا) الفتح (1) فقال رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو هو فتح ؟ فقال: " أي والذي نفسي بيده انه فتح " زاد ابن سعد: فلما نزل بها جبريل قال: ليهنئك يا رسول الله، فلما هناه جبريل هناه الناس (1).
وروى عبد الرزاق والامام أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والشيخان والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم عن أنس - رضي الله عنه - قال: لما رجعنا من " الحديبية " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنزلت علي ضحى آية هي أحب الي من الدنيا جميعا "
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 420 واخرجه أبو داود في الجهاد باب فيمن أسهم له سهما وذكره الحافظ بن كثير في التفسير 7 / 308 والبيهقي في الدلائل 4 / 155.
(*)(5/59)
ثلاثا - قلنا - وفي لفظ قالوا - هنيئا مريئا لك يا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت، وفي لفظ فنزلت عليه: (ليدخل المومنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار) [ الفتح 5 ] حتى بلغ (فوزا عظيما) (1).
وروى ابن أبي شيبة، والامام أحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: " أقبلنا من الحديبية " مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتد عليه، فسري عنه وبه من السرور ما شاء الله، فاخبرنا أنه أنزل عليه (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) (2).
وروي البيهقي من طريق المسعودي عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من " الحديبية " جعلت ناقته تثقل فانزل الله تعالى (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) فادر كنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
السرور ما شاء، فاخبرنا أنها أنزلت عليه، فبينا نحن ذات ليلة إذ عرس بناء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من يحرسنا " ؟ فقلت أنا يا رسول الله، فقال: " إنك تنام " ثم قال: " من يحرسنا " فقلت: أنا.
فقال: أنت، فحرستهم، حتى إذا كان وجه الصبح أدركني قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك تنام، فما آستيقظت إلا بالشمس، فلما استيقظنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله لو شاء أن لا تناموا عنها لا تناموا، ولكنه أراد أن يكون ذلك لمن بعدكم "، ثم قام فصنع كما كان يصنع، ثم قال: " هكذا لمن نام أو نسي من أمتي " ثم ذهب القوم في طلبهم رواحلهم فجاءوا بهن غير راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اذهب هاهنا " ووجهني وجها فذهبت حيث وجهني فوجدت زمامها قد التوى بشجرة ما كانت تحلها الايدي.
قال البيهقي: كذا قال المسعودي عن جامع بن شداد: إن ذلك كان حين أقبلوا من الحديبية (3)، ثم روى من طريق شعبة - وناهيك به عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك قال البيهقي: يحتمل أن يكون مراد المسعودي بذكر الحديبية تاريخ نزول السورة حين أقبلوا من الحديبية فقط، ثم ذكر معه حديث النوم عن الصلاة، وحديث الراحلة، وكانا في غزوة تبوك قلت لم ينفرد المسعودي بذلك، قال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا منذر عن شعبة عن جامع بن شداد به، ولا مانع من التعدد.
__________
(1) أخرجه ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد ص (436) (1760)، والبيهقي 5 / 217 وأحمد 4 / 152، والحاكم 4 / 460 وذكره السيوطي في الدر المنثور 6 / 71 والخطيب في التاريخ 3 / 319، البيهقي في الدلائل 4 / 155.
(2) أخرجه البخاري في التفسير 8 / 582 (4833)، والبيهقي في الدلائل 4 / 155.
(3) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 155.
(*)(5/60)
ذكر قدوم أبي بصير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورده إليهم وما حصل له ولاصحابه من الفرج روى عبد الرزاق والامام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابو داود والنسائي عن
المسور بن مخرمة، والبيهقي عن ابن شهاب الزهري (1) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة من الحديبية اتاه أبو بصير عتبة - بضم العين المهملة - ابن اسيد - بوزن أمير - بن جارية بجيم - الثقفى، حليف بني زهرة - مسلما قد افلت من قومه - فسار على قدميه سعيا، فكتب الاخنس بن شريق، وازهر بن عبد عوف الزهري الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا وبعثا خنيس - بمعجمة ونون وآخره مهملة - مصغر - ابن جابر من بنى عامر بن لؤي، استأجراه ببكر بن لبون، وحملاه على بعير، وكتبا يذكران الصلح الذى بينهم، وأن يردوا إليهم أبا بصير، فخرج العامري ومعه مولى له يقال له كوثر دليلا، فقدما بعد أبي بصير بثلاثة أيام فقرأ أبي بن كعب الكتاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه: قد عرفت ما شارطناك عليه، واشهدنا بينك وبيننا من رد من قدم عليك من أصحابنا فابعث الينا بصاحبنا.
فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بصير أن يرجع معهما، ودفعه اليهما فقال: يا رسول الله تردني إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ فقال: " يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وإن الله - تعالى جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا "، فقال: يا رسول الله تردني إلى المشركين ؟ ! ! قال: " إنطلق يا أبا بصير، فان الله سيجعل لك فرجا ومخرجا " فخرج معهما، وجعل المسلمون يسرون إلى أبي بصير: يا أبا بصير أبشر فان الله لك فرجا لك فرجا ومخرجا، والرجل يكون خيرا من ألف رجل، فافعل وافعل: يامرونه بقتل اللذين معه، وقال له عمر: أنت رجل، ومعك السيف، فانتهيا به عند صلاة الظهر بذي الحليفة، فصلى أبو بصير في مسجدها ركعتين، صلاة المسافر، ومعه زاد له من تمر يحمله، ياكل منه.
ودعا العامري وصاحبه ليأكلا معه فقدما سفرة فيها كسر فاكلوا جميعا وقد علق العامري سيفه في الجدار وتحادثا.
ولفظ عروة: فسل العامري سيفه ثم هزه فقال: لاضربن بسيفي هذا في الاوس والخزرج يوما إلى الليل.
فقال له أبو بصير: أصارم سيفك هذا ؟ قال: نعم، قال: ناولنيه أنظر إليه إن شئت، فناوله إياه، فلما قبض عليه ضربه به حتى برد.
قال ابن عقبة: ويقال بل تناول أبو بصير السيف بفيه وصاحبه نائم، فقطع إساره ثم ضربه به حتى برد، وطلب الاخر فجمز مذعورا مستخفيا، وفي
لفظ: وخرج كوثر هاربا يعدو نحو المدينة وهو عاض على أسفل ثوبه قد بدا طرف ذكره،
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 329 في الشروط وأبو داود في الجهاد باب 167 وأحمد 4 / 331 والبيهقي في الدلائل 4 / 107 وفي السنن 9 / 221 وعبد الرزاق في المصنف (9720) وانظر البداية والنهاية 4 / 176.
(*)(5/61)
والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوه، وأبو بصير في أثره، فاعجزه وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في أصحابه بعد العصر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين راه: " لقد راى هذا ذعرا فلما أنتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ويحك مالك " قال: قتل والله صاحبكم صاحبي وأفلت منه بعير العامري.
ودخل متوشحا سيفه.
فقال: يا رسول الله قد وفت ذمتك وادى الله عنك، وقد أسلمتني بيد العدو، وقد إمتنعت بديني من أن أفتن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ويل أمه مسعر حرب (1) " وفي لفظ " محش حرب، لو كان معه رجال " وفي لفظ له أحد قال عروة ومحمد بن عمر: وقدم سلب العامري لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخمسه، فقال: " إني إذا خمسته راوني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه، ولكن شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت " وفي الصحيح أن أبا بصير لما سمع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد " عرف أنه سيرده، فخرج أبو بصير ومعه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر، ولما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبو بصير العامري إشتد عليه وقال: ما صالحنا محمد على هذا.
فقالت قريش: قد برئ محمد منه قد أمكن صاحبكم منه فقتله بالطريق، فما على محمد في هذا ؟ فاسند سهيل ظهره إلى الكعبة وقال: والله أؤخر ظهري حتى يودى هذا الرجل، قال أبو سفيان بن حرب: إن هذا لهو السفه، والله لا يودى ثلاثا - وانى قريش تديه وانما بعثته بنو زهرة ؟ فقال الاخنس بن شريق: والله ما نديه، ما قتلناه ولا أمرنا بقتله، قتله رجل مخالف فارسلوا الى محمد يديه.
فقال أبو سفيان بن حرب: لا، ما على محمد دية ولا غرم قد برئ محمد.
ما كان على محمد أكثر مما صنع، فلم تخرج له دية فاقام أبو بصير واصحابه بسيف البحر، وقال ابن شهاب: بين العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش.
قال محمد بن عمر: لما خرح أبو بصير لم يكن معه إلا كف تمر فاكله ثلاثة أيام، واصاب حيتانا قد القاها البحر بالساحل فاكلها، وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر أبي بصير، فتسللوا إليه.
قال محمد بن عمر: كان عمر بن الخطاب هو الذي كتب إليهم بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابي بصير " ويل أمه محش حرب لو كان له رجال " واخبرهم أنه بالساحل، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى المشركين بالحديبية، فخرج هو وسبعون راكبا ممن أسلموا فلحقوا بابي بصير، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
__________
(1) مسعر حرب أي موقدها، أنظر المعجم الوسيط 1 / 432.
(*)(5/62)
هدنة المشركين، وكرهوا الثواء بين ظهراني قومهم، فنزلوا مع أبي بصير، ولما قدم أبو جندل على أبي بصير سلم له الأمر، لكونه قرشيا فكان أبو جندل يؤمهم، واجتمع إلى أبي جندل - حين سمع بقدومه - ناس من بني غفار واسلم وجهينة، وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل - كما عند البيهقي عن ابن شهاب - لا تمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا من فيها، وضيقوا على قريش، فلا يظفرون باحد منهم الا قتلوه.
ومما قاله أبو جندل بن سهيل في تلك الايام: أبلغ قريشا عن أبي جندل * أنا بذي المروة في الساحل في معشر تخفق راياتهم * بالبيض فيها والقنا الذابل يابون أن تبقى لهم رفقة * من بعد إسلامهم الواصل أو يجعل الله لهم مخرجا * والحق لا يغلب بالباطل فيسلم المرء باسلامه * ويقتل المرء ولم ياتل فارسلت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب يسالونه ويتضرعون إليه أن يبعث الى أبي بصير وابي جندل ومن معهم، وقالوا من خرج منا اليك فأمسكه فهو لك حلال
غير حرج أنت فيه.
وقال: فان هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح إقراره، فكتب يامرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى أبي بصير وأبي جندل يأمرهم أن يقدما عليه، ويامر من معهما ممن اتبعهما من المسلمين أن يرجعوا الى بلادهم واهليهم فلا يتعرضوا لاحد مر بهم من قريش وعيراتها، فقدم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي بصير وهو يموت.
فجعل يقرؤه، ومات وهو في يديه، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا.
وقدم أبو جندل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ناس من اصحابه ورجع سائرهم الى اهليهم، وأمنت بعد ذلك عيرات قريش.
قال عروة: فلما كان ذلك من امرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمنع ابا جندل من أبيه القضية أن طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير لهم فيما احبوا وفيما كرهوا من راى من ظن أن له قوة هي افضل مما خص الله تعالى به رسوله من الفوز والكرامة - صلى الله عليه وسلم - ولما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام القضية وحلق راسه قال: " هذا الذي وعدتكم ".
ولما كان يوم الفتح اخذ المفتاح وقال: " ادعوا لي عمر بن الخطاب.
فقال: " هذا الذي قلت لكم ".
ولما كان في حجة الوداع وقف بعرفة وقال: " أي عمر هذا الذي قلت لكم أني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله ما كان فتح في الاسلام أعظم من صلح الحديبية، وكان الناس قصر(5/63)
رأيهم عما كان، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - يقول: ما كان فتح في الاسلام أعظم من صلح الحديبية، وكان الناس قصر رأيهم عما كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ربه، والعباد يعجلون، والله - تعالى - لا يعجل لعجلة العبد حتى يبلغ الامور ما أراد، لقد رايت سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينحرها بيده، ودعا الحلاق رأسه فانظر الى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه، واذكر امتناعه أن يقر يوم الحديبية بان يكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم " فحمدت الله
- تعالى - الذي هداه للاسلام.
ذكر ما انزل الله سبحانه وتعالى في شان غزوة الحديبية: قال الله سبحانه وتعالى " انا فتحنا لك فتحا مبينا " بينا وظاهرا، وهذا اخبار عن صلح الحديبية، وسماه فتحا لانه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوه الصلح، وتسبب عنه فتح مكة، وفرغ به - صلى الله عليه وسلم - لسائر العرب فغزاهم، وفتح مواضع.
وروى البخاري عن أنس - رضي الله عنه - في الاية قال: الفتح صلح الحديبية (1).
وروى أيضا عن البراء رضي الله عنه - قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
قال الحافظ رحمه الله يعني قوله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم: والتحقيق: أنه يختلف باختلاف المراد من الايات.
فقوله - تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) المراد بالفتح هنا الحديبية، لانها كانت مبدا الفتح المبين على المسلمين لما ترتب على الصلح الذي وقع من الامن ورفع الحرب وتمكن من كان يخشى الدخول في الاسلام والوصول الى المدينة من ذلك، كما وقع لخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الاسباب بعضها بعضا، إلى أن كمل الفتح.
قال الزهري: لم يكن في الاسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان الكفر حيث القتال، فلما أمن الناس كلهم، كلم بعضهم بعضا، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلم أحد بالاسلام يعقل شيئا الا بادر الى الدخول فيه، فلقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الاسلام قبل ذلك أو أكثر.
__________
(1) البخاري 8 / 447 (4834).
(*)(5/64)
قال ابن هشام: ويدل عليه انه - صلى الله عليه وسلم - خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج
بعد سنتين الى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى.
وأما قوله - تعالى - في هذه السورة: (وأثابهم فتحا قريبا) فالمراد به فتح خيبر على الصحيح، لانها وقعت فيها المغانم الكثيرة، وقسمت خيبر على اهل الحديبية، واما قوله - تعالى: (فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) فالمراد به الحديبية، واما قوله - تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) وقوله - صلى الله عليه وسلم " لا هجرة بعد الفتح " (1) فالمراد به فتح مكة باتفاق، فبهذا يرتفع الاشكال وتجتمع الاقوال بعون الله.
وقال في موضع آخر: ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزهري، انه كان مقدمة بين يدي الفتح الاعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجا " فكانت الهدنة معناها كذلك، ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميت فتحا، لان الفتح في اللغة فتح مغلق، والصلح كان مغلقا حتى فتحه الله - تعالى.
وكان من أسباب فتحه صد المسلمين عن البيت، فكان في الصورة الظاهرة ضيما للمسلمين، وفي الصورة الباطنة عزا لهم، فان الناس لاجل الامن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأسمع المسلمون المشركين القران وناظروهم على الاسلام جهرة آمنين، وكانوا قبل لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية.
وظهر من كان يخفى إسلامه، فذل المشركون من حيث أرادوا العزة، وقهروا من حيث أرادوا الغلبة، (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) اللام للعلة الغائية، جعل الغفران علة للفتح من حيث أنه سبب عن جهاد الكفار والسعي في إعلاء الدين، وازاحة الشرك وتكميل النفوس الناقصة قهرا، ليصير ذلك بالتدريج اختيارا، وتخليص الضعفة من أيدي الظلمة، وتقدم الكلام على هذه الاية في أواخر تنبيهات المعراج، وياتي له تتمة في الخصائص (ويتم) بالفتح المذكور (نعمته) إنعامه باعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة (عليك ويهديك) في تبليغ الرسالة وإقامة مراسيم الديانة (صراطا) طريقا (مستقيما) يثبتك عليه، وهو دين الاسلام (وينصرك) الله (به نصرا عزيزا) ذا عز لا ذل معه (هو الذي أنزل السكينة) الثبات والطمانينة (في قلوب المؤمنين) حتى يثبتوا، حتى لا تقلق النفوس وتدحض الاقدام
(ليزدادوا إيمانا) يقينا (مع إيمانهم) يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها، أو أنزل فيه السكون الى ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ليزدادوا إيمانا) بالشرائع (مع إيمانهم) بالله واليوم الاخر (ولله جنود السموات والارض) فلو أراد نصر دينه بغيركم لفعل (وكان الله عليما) بخلقه (حكيما) في صنعه، أي لم يزل متصفا بذلك، ثم ذكر - تعالى - القصة في
__________
(1) أخرجه من حديث ابن عباس البخاري 6 / 3 (2783) ومسلم 2 / 986 (445 / 1353).
(*)(5/65)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي أصحابه حتى انتهى إلى ذكر البيعة فقال عز وجل (إن الذين يبايعونك) بيعة الرضوان بالحديبية (إنما يبايعون الله) أي ما يبايعون أحدا إلا الله، اي ليست تلك المبايعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل مع الله - تعالى - وكما روعيت المشاكلة بين قوله: (إن الذين يبايعونك) وبين قوله (إنما يبايعون الله) بنى عليها قوله (يد الله فوق أيديهم) على سبيل الاستعارة التخييلية تتميما لمعنى المشاكلة، وهو كالترشيح للاستعارة، أي إذا كان الله - تعالى - مبايعا، ولابد للمبايع - كما تقرر واشتهر - من الصفقة لليد فتخيل اليد لتاكيد المشاكلة، والا، فجل جنابه الاقدس عن الجارحة، والمعنى أن الله تعالى - مطلع على مبايعتهم فيجازيهم عليها (فمن نكث) يقض البيعة (فانما ينكث) يرجع وبال نقضه على نفسه (ومن أوفى) ثبت (بما عاهد عليه الله) في مبايعته (فسنؤتيه) بالفوقية والنون (أجرا عظيما) وهو الجنة، ثم ذكر تعالى ما المنافقون يعتلون به إذا لقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال تبارك وتعالى: (سيقول لك المخلفون) من الاعراب حول المدينة، الذين خلفهم الله - تعالى - صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا معك الى مكة، خوفا من تعرض قريش لك عام الحديبية إذا رجعت منها (شغلتنا أموالنا وأهلونا) عن الخروج معك (فاستغفر لنا) الله - تعالى - من ترك الخروج معك، قال سبحانه وتعالى مكذبا لهم (يقولون بالسنتهم) أي من طلب الاستغفار والاعتذار (ما ليس في قلوبهم) فهم كاذبون في اعتذارهم (قل فمن) استفهام بمعني النفي، أي لا أحد (يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا) بفتح الضاد
- ما يضركم كقتل، وخلل في المال والاهل وعقوبة عن التخلف - وبضمها - أي [ الهزال وسوء الحال ] (أو أراد بكم نفعا) ما يضاد ذلك، لانهم ظنوا أن تخلفهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدفع عنهم الضرر، ويجعل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم تبارك وتعالى أنه إن أراد بهم شيئا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه (بل) هنا وفيما ياتي للانتقال من غرض الى آخر (كان الله بما تعملون خبيرا) فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون الى أهليهم أبدا) أي ظننتم أن العدو يستاصلهم فلا يرجعون، (وزين ذلك) عدم الانقلاب (في قلوبكم) فتمكن فيها (وظننتم ظن السوء) هذا وغيره (وكنتم قوما بورا) بواو وراء جمع بائر أي هالكين عند الله - تعالى - بهذا الظن (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فانا أعتدنا) أعددنا وهيئنا (للكافرين سعيرا) نارا شديدة (ولله ملك السموات والارض) يديره كيف يشاء (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) إذ لا وجوب عليه (وكان الله غفورا رحيما) ولم يزل متصفا بذلك، ثم ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إذا انطلقوا الى مغانم لياخذوها التمس المخلفون الخروج لعرض من الدنيا، فقال تبارك وتعالى (سيقول لك المخلفون) المذكورون (إذا انطلقتم الى مغانم(5/66)
لتاخذوها) هي مغانم خيبر، فانه - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة مدة ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها، وغنم أموالا كثيرة فخصها بهم (ذرونا) اتركونا (نتبعكم) لنأخذ منها (يريدون) بذلك (أن يبدلوا كلام الله) وقرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف، وهو جمع كلام - أي مواعيده بغنائم خيبر أهل الحديبية خاصة (قل لن تتبعونا) نفى بمعنى النهي (كذلكم قال الله من قبل) أي من قبل عودنا (فيسقولون بل تحسدوننا) أن نصيب معكم من الغنائم فقلتم ذلك (بل كانوا لا يفقهون) يعلمون من الدين (إلا قليلا) منهم (قل للمخلفين من الاعراب) المذكورين اختيارا (ستدعون الى قوم أولى باس) أصحاب (شديد تقاتلونهم) حال مقدرة - هي المدعو إليها في المعنى (أو) هم
(يسلمون) فلا يقاتلون (فان تطيعوا) الى قتالهم (يوءتكم الله أجرا حسنا) هو الغنيمة في الدنيا، والجنة في الاخرة (وان تتولوا كما توليتم من قبل) عن الحديبية (يعذبكم عذابا أليما) مؤلما (ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج) إثم في ترك الجهاد (ومن يطع الله ورسوله يدخله) بالياء والنون (جنات تجري من تحتها الانهار) فصل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته ثم جمل ذلك بالتكرار على سبيل التعميم فقال: (ومن يتول يعذبه) كذلك (عذابا أليما) إذ الترهيب هنا أنفع من الترغيب.
ثم ذكر - تعالى - من بايع تحت الشجرة عز وجل (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك) بالحديبية (تحت الشجرة) هي سمرة كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمة، أو سدرة كما رواه مسلم عن جابر (فعلم) الله تعالى (ما في قلوبهم) من الصدق والوفاء (فانزل السكينة) الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع (عليهم) ثم ذكر ما أثابهم عن ذلك فقال: (وأثابهم فتحا قريبا) هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية (ومغانم كثيرة ياخذونها) من يهود خيبر، وكانت خيبر ذات عقار وأموال، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم (وكان الله عزيزا) غالبا (حكيما) أي لم يزل متصفا بذلك (وعد كم الله مغانم كثيرة تأخذونها) من الفتوحات التي تفتح لكم الى يوم القيامة (فعجل لكم هذه) غنيمة خيبر، ثم ذكرهم نعمته عليهم بكف أيدي العدو عنهم فقال تعالى: (وكف أيدي الناس عنكم) في عيالكم لما خرجتم وهمت بهم اليهود، فقذف الله - عز وجل - في قلوبهم الرعب، وقيل: كف أيدي أهل مكة بالصلح (ولتكون) هذه الكفة أو الغنيمة المعجلة - عطفا على مقدر أي لتشكروه (آية) علامة (للمؤمنين) يعرفون بها أنهم من الله - تعالى - بمكان، أو صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وعدهم فتح خيبر حين رجوعه من الحديبية (ويهديكم صراطا مستقيما) أي طريق التوكل عليه، وتفويض الامر إليه - تعالى - (وأخرى) صفة مغانم،(5/67)
فيقدر مبتدأ (ولم تقدروا عليها) بعد، لما كان فيها من الجولة، والمراد: فارس والروم (وقد أحاط الله بها) علم أنها ستكون لكم (وكان الله على كل شئ قديرا) لان قدرته دائمة لا تختص بشئ دون شئ (ولو قاتلكم الذين كفروا) بالحديبية ولم يصالحوا (لولوا الادبار) لانهزموا (ثم لا يجدون وليا) يحرسهم (ولا نصيرا) ينصرهم (سنة الله) مصدر مؤكد بمضمون الجملة قبله من هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين، أي سن الله - تعالى - ذلك سنة (التي قد خلت) مضت في الامم كما قال - تعالى - (لاغلبن أنا ورسلي) [ المجادلة 21 ] (من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) تغييرا منه (وهو الذي كف أيديهم عنكم أي كفار مكة (وأيديكم عنهم ببطن مكة) بالحديبية (من بعد أن أظفر كم عليهم) فان ثمانين طافوا بعسكركم ليصيبوا منكم غرة فاخذوا، فاتى بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعفا عنهم، وخلى سبيلهم، فكان ذلك سبب الصلح (وكان الله بما تعملون) من مقاتلتهم، وقرأ أبو عمرو بالتحتية (بصيرا) فيجازيهم عليه (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) عن وصول إليه (والهدي معكوفا) عليكم، معكوفا: محبوسا، حال (أن يبلغ محله) الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال (ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) موجودون بمكة مع الكفار (لم تعلموهم) بصفة الايمان (أن تطئوهم) تقتلوهم مع الكفار لو أذن لكم في الفتح، بدل اشتمال (فتصيبكم منهم) من جهتهم (معرة) مكروه، بوجوب الدية، أو الكفارة بقتلهم، أو التأسف عليهم، أو غير ذلك (بغير علم) منكم به، وضمائر الغيبة به للصنفين بتغليب الذكور، وجواب لولا محذوف أي لاذن لكم في الفتح لكن لم يؤذن فيه حينئذ (ليدخل الله في رحمته من يشاء) كالمؤمنين المذكورين (لو تزيلوا) تميزوا عن الكفار (لعذبنا الذين كفروا منهم) من أهل مكة حينئذ بان ناذن لكم في فتحها (عذابا أليما) مؤلما (إذ جعل) متعلق بعذبنا (الذين كفروا) فاعل (في قلوبهم الحمية) الانفة من الشئ (حمية الجاهلية) بدل من حمية، وهي صدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن المسجد الحرام (فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين)
فصالحوهم، على أن هذا يعود من قابل، ولم يلحقهم من الحمية ما لحق الكفار حتى يقاتلوهم (وألزمهم كلمة التقوى) لا اله إلا الله محمد رسول الله، وأضيفت الى التقوى لانها سببها (وكانوا أحق بها) من الكفار (وأهلها) عطف تفسير (وكان الله بكل شئ عليما) أي لم يزل متصفا بذلك، ومن معلومه تعالى أن المؤمنين أهلها (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) راى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم عام الحديبية قبل خروجه أنه يدخل مكة هو واصحابه آمنين ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، فاخبر بذلك أصحابه ففرحوا، فلما خرجوا معه وصدهم الكفار بالحديبية ورجعوا، وشق عليهم ذلك، وراب بعض المنافقين(5/68)
نزلت، وقوله تعالى: (بالحق) متعلق بصدق، أو حال من الرؤيا، وما بعدها تفسير لها (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم) أي جميع شعورها (ومقصرين) شعورها، وهما حالان مقدرتان (لا تخافون) حال مؤكدة أو استئناف: أي لا تخافون بعد ذلك (فعلم) في الصلح (ما لم تعلموا) من الصلاح (فجعل من دون ذلك) أي الدخول (فتحا قريبا) هو فتح خيبر، وتحققت الرؤيا في العام القابل، وياتي الكلام على تفسير بقية السورة في الخصائص إن شاء الله تعالى.
تنبيهات الأول: الحديبية: بحاء مهملة مضمومة، فدال مهملة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية مفتوحة.
قال الامام الشافعي - رحمه الله - وأهل اللغة وبعض أهل الحديث - رحمهم الله - التحتية مخففة.
وقال أكثر أهل الحديث مشددة.
قال النووي - رحمه الله - فهما وجهان مشهوران.
وقال في المطالع: ضبطنا التخفيف عن المتقنين واما عامة الفقهاء والمحدثين فيشددونها.
وقال البكري - رحمه الله - أهل العراق يشددون، وأهل الحجاز يخففون.
وقال النحاس - رحمه الله - سالت كل من لقيت ممن أثق بعلمه عن " الحديبية " فلم
يختلفوا عن قراءتها مخففة.
قال أحمد بن يحيى (1) - رحمه الله - لا يجوز فيها غيره، ونص في البارع على التخفيف.
وحكى التشديد ابن سيده - رحمه الله - في المحكم، قال في تهذيب المطالع: ولم أره لغيره، وأشار بعضهم الى أن التثقيل لم يسمع حتى يصح، ووجهه أن التثقيل إنما يكون في المنسوب، نحو الاسكندرية فانها منسوبة الى الاسكندر وأما الحديبية فلا تعقل فيها النسبة، وياء اليسبة في غير منسوب قليلة، ومع قلته موقوف على السماع.
والقياس أن يكون أصلها حدباء بزيادة " ألف للالحاق ببنات الاربعة، فلما صغرت انقلبت الالف ياء "، وقيل: حديبة، وشهد لصحة هذا أقوالهم لييلة بالتصغير، ولم يرد لها مكبر فقدره الائمة ليلة لان المصغر فرع المكبر، ويمتنع وجود فرع بدون أصله.
قال المحب الطبري - رحمه الله -: هي قريبة من مكة أكثرها في الحرم.
وفي صحيح البخري عن البراء " الحديبية " بئر.
قال الحافظ - رحمه الله - يشير الى أن
__________
(1) أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء، أبو العباس، المعروف بثعلب: إمام الكوفيين في النحو واللغة.
كان راوية للشعر، محدثا، مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة، ثقة حجة.
ولد ومات في بغداد.
وأصيب في أواخر أيامه بصمم فصدمته فرس فسقط في هوة، فتوفي على الاثر سنة 291 ه من كتبه " الفصيح و " قواعد الشعر " و " شرح ديوان زهير "، انظر الاعلام 1 / 267.
(*)(5/69)
المكان المعروف بالحديبية سمي ببئر كانت هنالك، هذا اسمها، ثم عرف المكان كله بذلك، وبينها وبين مكة نحو مرحلة واحدة، وبين المدينة تسع مراحل الثاني: قالوا: كانت سنة ست، قاله الجمهور، في ذي القعدة، وقال هشام ابن عروة عن أبيه - رحمهما الله - في شوال، وشذ بذلك هشام عن الجمهور.
وقد وافق أبو الاسود عن عروة الجمهور.
وفي البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ذي القعدة، وفيه عن أنس - رضي الله عنه - اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلهن
في ذي القعدة، فذكر منها عمرة الحديبية (1).
الثالث: اختلفت الروايات في عدة من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، ففي رواية عبد العزيز الافاقي عن الزهري في حديث المسور، ومروان: ألف وثمانمائة.
وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء: كنا أربع عشرة مائة.
وفي رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر.
وفي رواية لسالم بن أبي الجعد عن جابر: أنهم كانوا خمس عشرة مائة، وكذلك رواية سعيد بن المسيب عنه، وكذلك رواية ابن أبي شيبة عن مجمع بن جارية.
قال الحافظ - رحمه الله - والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألف وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألف وأربعمائة ألغاه.
ويؤيده قول البراء في رواية عنه: كنا ألفا وأربعمائة أو أكثر، واعتمد على هذا الجمع النووي - رحمه الله.
وأما البيهقي - رحمه الله - فمال الى الترجيع، وقال: إن رواية من قال ألفا وأربعمائة أرجح، ثم روى من طريق أبي الزبير ومن طريق سفيان بن عمر بن دينار، كلاهما عن جابر كذلك.
ومن رواية معقل بن يسار عن سلمة بن الاكوع، والبراء بن عازب ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه، ومعظم هذه الطرق عن مسلم.
ووقع عند ابن سعد - رحمه الله - في حديث معقل بن يسار: زهاء ألف وأربعمائة، وهو أيضا في عدم التحديد.
واما قول عبد الله بن أبي أوفى - رحمه الله -: كنا ألفا وثلثمائة كما رواه البخاري، فيمكن حمله على ما اطلع عليه، واطلع غيره على زيادة أناس لم يطلع هو عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة.
أو العدد الذي ذكره عدد المقاتلة.
والزيادة عليها من الاتباع ومن الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم.
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 439 (4148) ومسلم 2 / 916 (217 / 1253) وسيأتي في هديه - صلى الله عليه وسلم - في الحج.
(*)(5/70)
وأما قول ابن اسحاق - رحمه الله - إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافقه أحد عليه، لانه قاله استنباطا من قول جابر - رضي الله عنه -: نحرنا البدنة عن عشرة، وكانوا نحروا سبعين بدنة.
وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن، مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا.
وقال ابن القيم: ما ذكره ابن إسحاق غلط بين، واستدل به من أنهم نحروا سبعين بدنة، والبدنة جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة، هذا لا يدل على ما قاله فانه قد صرح أنالبدنة في هذه العمرة عن سبعة، فلو كانت السبعون عن جميعهم كانوا أربعمائة وتسعين رجلا، وقد قال في تمام الحديث بعينه: إنهم كانوا ألفا وأربعمائة.
وأما ما وقع في حديث المسور ومروان عن البخاري أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة مائة، فيجمع أيضا بان الذين بايعوا كانوا كما تقدم.
وأما الذين زادوا على ذلك فكانوا غائبين عنها، كمن توجه مع عثمان - رضي الله عنه - الى مكة، على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والاربع، فلا تخالف.
وجزم ابن عقبة بانهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الاكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة.
وحكى ابن سعد: انهم كانوا الفا وخمسمائة وخمسة وعشرين.
وهذا إن ثبت تحرير بالغ.
وزاد ابن مردويه عن ابن عباس، وفيه رد على ابن دحية، حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم، أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد، وانما ذكره بالحدس والتخمين.
الرابع: في أخذه - - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين عن خالد وجيشه، جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجاتهم بالجيش طلبا لغرتهم.
الخامس: في استشارته - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، استحباب مشورة الامام رعيته وجيشه اشتخراجا لوجه الراي، واستطابة لنفوسهم، وان يخصص به بعضهم دون البعض.
السادس: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ما خلات وما ذاك لها بخلق، جواز الحكم على الشئ بما عرف من عادته، وان جاز أن يطرأ عليه، وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد مثلها منه لا
تنسب إليه ويرد على من نسبه إليها ممن، لا يعرف صورة حاله، لان خلا القصواء لو لا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة جميعا صحيحا، ولم يعاتبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعذرهم في ظنهم.
السابع: قوله - صلى الله عليه وسلم - حبسها حابس الفيل: أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها، وقصة الفيل مشهورة، وتقدمت الاشارة إليها.
ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدتهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي الى سفك الدماء ونهب الاموال، كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه مكة، لكن سبق في علم(5/71)
الله - تعالى - في الموضعين أنه سيدخل في الاسلام خلق منهم، وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون.
وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار الى ذلك تبارك وتعالى - في قوله: (ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) [ الفتح 25 ] الاية.
الثامن: استبعد المهلب جواز إطلاق حابس الفيل على الله عز وجل، وقال: المراد حبسها أمر الله سبحانه وتعالى.
وتعقب بانه يجوز إطلاق ذلك في حق الله - تعالى - فيقال: حبسها الله حابس الفيل، وانما الذي يمكن أن يمنع تسميته - تعالى - حابس الفيل ونحوه، كما أجاب به بن المنير، وهو مبني على الصحيح من أن الاسماء توقيفية.
وقد توسط الغزالي وطائفة فقالوا: محل المنع ما لم يرد نص بما يشتق منه بشرط ألا يكون ذلك الاسم المشتق منه مشعرا بنقص، فيجوز تسميته بالواقي (ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته) [ غافر 9 ] ولا يجوز تسميته البناء وان ورد في قوله تعالى: (والسماء بنيناها بايد) [ الذاريات 47 ] التاسع: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " حبسها حابس الفيل " جواز التشبيه من الجهة العامة، وإن اختلف الجهة الخاصة، لان اصحاب الفيل كانوا على باطل محض، وأصحاب هذه الناقة
كانوا على حق محض، ولكن جاز التشبيه من جهة إرادة الله - تعالى - منع الحرم مطلقا، أما من أهل الباطل فواضح، وأما من أهل الحق فللمعنى الذي تقدم ذكره في الرابع.
العاشر: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " والذي نفسي بيده لا يسالوني اليوم خطة...الى آخره ".
قال السهيلي رحمه الله: لم يقع في شئ من طرق الحديث، أنه قال إن شاء الله - تعالى - مع أنه مامور في ذلك في كل حال.
قال: والجواب عن ذلك أنه كان أمرا واجبا حتما، فلا يحتاج معه للاستثناء، وتعقب بانه - تعالى - قال في هذه القصة (لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله آمنين) فقال: ان شاء الله، مع تحقيق وقوع ذلك تعليما وإرشادا، فالاولى أن يحمل على أن الاستثناء سقط من الراوي، أو كانت القصة قبل نزول الامر بذلك، ولا يعارضه كون الكهف مكية، إذ لا مانع من أن يتاخر نزول بعض السورة، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - " والذي نفسي بيده " الخ تأكيد القول باليمين ليكون أدعى الى القبول.
وقد حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحلف في أكثر من ثمانين موضعا، كما سيأتي بسط ذلك في بابه.
الحادي عشر: في حديث البراء في شفير بئر الحديبية أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمضمض(5/72)
ودعا ثم صبه فيها، وفي حديث المسور، ومروان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيها، ويمكن الجمع بان الامرين وقعا معا، ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن عمر من طريق أوس بن خولى أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ في الدلو ثم افرغه فيها وانتزع السهم ثم وضعه فيها، وهكذا ذكر أبو الاسود عن عروة أنه - صلى الله عليه وسلم - تمضمض في الدلو وصبه في البئر، ونزع سهما من كنانته فالقاه فيها ففارت.
الثاني عشر: اختلف في النازل بالسهم، فعند ابن اسحاق عن رجال من أسلم: أنه ناجية بن جندب.
قال ابن إسحاق: وزعم بعض أهل العلم أنه البراء بن عازب.
وروى محمد بن عمر عن خالد بن عبادة الغفاري قال: أنا الذي نزلت بالسهم، ويمكن
الجمع بانهم تعاونوا على ذلك.
الثالث عشر: في حديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بين يديه بالحديبية ركوة فتوضأ فيها ثم أقبل الناس نحوه فقال " ما لكم ؟ فقالوا: يا رسول الله: ليس عندنا ما نتوضا ولا نشرب إلا ما في ركوتك.
قال: فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كامثال العيون، قال: فشربنا وتوضانا.
وجمع ابن حبان بين حديث جابر هذا وبين ما تقدم بان ذلك وقع مرتين في وقتين، وقال ما تقدم في حديث البراء والمسور ومروان غير ما في حديث جابر، وكان حديثه قبل قصة البئر، وقال في موضع آخر في حديث جابر في الاشربة من كتاب البخاري أن نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء، وحديث البراء كان لارادة ما هو أعم من ذلك، ويحتمل أن الماء انفجر من أصابعه ويده في الركوة وتوضأ كلهم وشربوا، وأمر حينئذ بصب الماء الذي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها.
الرابع عشر: اقتصر بديل بن ورقاء على قوله: تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما، وبقي من قريش بنو سامة بن لؤي، ولم يكن بمكة منهم أحد، وكذلك قريش الظواهر، وتقدم بيانهم في من اسمه القريشي.
قال هشام بن الكلبي: بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شك فيهما، بخلاف سامة وعوف، أي ففيهما خلاف، قال: وهم قريش البطاح، بخلاف قريش الظواهر وفي موالاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الخامس عشر: قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن أظهر فان شاءوا " إلخ إنما ردد - صلى الله عليه وسلم - الامر مع أنه جازم بان الله سينصره ويظهره، لوعده - تعالى - له بذلك على طريق التنزل مع الخصم وفرض الامر على ما زعم الخصم، ولهذه النكتة حذف القسم الأول وهو التصريح بظهور غيره، وقوله(5/73)
- صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك " ولينفذن الله أمره " - بضم أوله وكسر الفاء، أي ليمضين الله - تعالى - أمره
في نصر دينه، وحسن الاتيان بهذا الجزم بعد ذلك الترديد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض، ووقع التصريح بذكر القسم الأول في رواية ابن إسحاق كما في القصة، فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة.
السادس عشر: قول عروة لقريش ألستم بالوالد وألست بالولد هو الصواب، ووقع لبعض رواة الصحيح عكس ذلك، وزعم أن كل واحد منكم كالولد، وقيل: معناه أنتم حي قد ولدني، لكون أمي منكم، وهذا هو الصحيح، لانه كان لسبيعة بنت عبد شمس.
السابع عشر: في قيام المغيرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف، جواز القيام على راس الامين له بقصد الحراسة، ونحوها من ترهيب العدو ولا يعارضه النهي عن القيام على راس الجالس، لان محله إذا كان على وجه العظمة والكبر.
الثامن عشر: كانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة، وفي الغالب إنما يفعل ذلك النظير، بالنظير لكن كان الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتاليفا له، والمغيرة يمنعه إجلالا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيما.
التاسع عشر: في تعظم الصحابة رضوان الله عليهم - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذكره يعد إشارة منهم الى الرد على ما خشيه عروة من فرارهم، وكانهم قالوا بلسان حالهم: من يحب إمامه هذه المحبة ويعظمه هذا التعظيم كيف يظن به أنه يفر عنه ويسلمه لعدوه بل هم أشد اغتباطا به وبدينه ونصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضا بمجرد الرحم.
العشرون: استشكل قوله - صلى الله عليه وسلم - في مكرز هذا رجل فاجر أو غادر مع أنه لم يقع منه في قصة الحديبية فجور ظاهر، بل فيها ما يشعر بخلاف ذلك كما سبق في القصة، وفي إجازته أبا جندل لاجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما امتنع سهيل بن عمرو - رضي الله عنه - قبل إسلامه، وأجيب: قال محمد بن عمر في مغازيه في غزوة " بدر " إن عتبة بن ربيعة قال لقريش: كيف نخرج من مكة وبنو كنانة خلفنا لانا منهم على ذرارينا ؟ قال: وذلك أن حفص بن الاخيف - بخاء معجمة فتحتية وبالفاء - والد مكرز كان له ولد وضئ فقتله رجل من بني بكر
ابن عبد مناء بدم لهم، كان في قريش، فتكلمت قريش في ذلك، ثم اصطلحوا، فعدا مكرز بن حفص بعد ذلك على عامر بن يزيد، سيد بني بكر غرة فقتله، فنفرت من ذلك كنانة، فجاءت وقعة بدر في أثناء ذلك، وكان مكرز معروفا بالغدر وتقدم في القصة أنه أراد أن يبيت للمسلمين بالحديبية، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - أشار الى هذا.
الحادي والعشرون: في صحيح مسلم عن سلمة بن الاكوع - رضي الله عنه: أنه أول من بايع.(5/74)
وروى الطبراني وغيره كما في القصة عن الشعبي (ورواه) ابن مندة عن ذر بن حبيش - رحمهما الله - أن أول من بايع أبو سنان الاسدي، والجمع (ممكن) بينهما.
الثاني والعشرون: في حديث سلمة بن الاكوع - رضي الله عنه - أنهم بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت، وفي حديث جابر وغيره: على انهم لا يفروا، وقال الحافظ: لا تنافي بينهما، لان المراد بالمبايعة على الموت ألا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولابد، وهو الذي أنكره نافع وعدل الى قولهم، بل بايعهم على النصر، أي على الثبات، وعدم الفرار، سواء أفضى ذلك الى الموت أم لا.
وقال في موضع آخر: من أطلق أن بيعته كانت على الموت أراد لازمها لانه إذا بايع على ألا يفروا لزم من ذلك أن يثبت، والذي يثبت اما أن يغلب واما أن يؤسر، والذي يؤسر اما أن ينجو واما أن يموت، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي، وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة والاخر حكى ما تؤول إليه.
الثالث والعشرون: من الصحابة رضى الله عنهم من بايع مرتين، وهو عبد الله بن عمر، وقد اختلف في سبب مبايعته قبل أبيه رضي الله عنهما، كما تقدم في القصة عن نافع عنه.
وجمع بانه بعثه يحضر الفرس ورأى الناس مجتمعين فقال أنظر ما شانهم فغدا يكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع وتوجه الى الفرس فاحضرها، وأعاد حينئذ الجواب على أبيه فخرج
وخرج معه فبايع عمر وبايع ابن عمر مرة أخرى.
الرابع والعشرون: من الصحابة رضي الله عنهم من بايع ثلاث مرات، وهو سلمة ابن الاكوع رضي الله عنه - طلب ذلك منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع علمه بانه بايع قبل.
قال المهلب: أراد صلى الله عليه وسلم أن يؤكد بيعته لسلمة لعلمه بشجاعته وغنائه في الاسلام وشهرته بالثبات، فلذلك أمره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون سلمة لما بدر الى المبايعة ثم قعد قريبا، واستمر الناس يبايعون الى أن خفوا، أراد صلى الله عليه وسلم منه أن يبايع لتتوالى المبايعة معه ولا يقع فيها تخلل، لان العادة في فبدإ كل أمر أن يكثر من يباشر من يباشر فيتوالى، فإذا تناهى قد يقع بين من سيجئ آخرا تخلل ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكره، والواقع ان الذي أشار إليه المهلب من حال سلمة في الشجاعة وغيرها لم يكن ظهر بعد " لانه انما وقع منه بعد ذلك في غزوة ذي قرد كما سيأتي، حيث استعاد الصرح الذي كان المشركون أغاروا عليه، فاستلب ثيابهم، وكان آخر أمره أن أسهم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم الفارس والراجل.(5/75)
فالاولى أن يقال تفرس فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فبايعه مرتين، واشار الى انه سيقوم في الحرب مقام رجلين فكان كذلك.
قلت: ولم يستحضر الحافظ ما وقع عند مسلم: انه - صلى الله عليه وسلم - بايعه ثلاث مرات، ولو استحضره لوجهه.
الخامس والعشرون: الحكمة في قطع عمر الشجرة في إخفاء مكانها أنه لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن من تعظيم الجهال لها حتى ربما أفضى بهم أن لها قوة نفع وضر كما نراه الان شاهدا فيما دونها، والى ذلك أشاد عمر بقوله: " كانت رحمة من الله "، أي كان إخفاوها بعد ذلك رحمة من الله تعالى، ويحتمل ان يكن معنى قوله " رحمة من الله " أي كانت الشجرة موضع رحمته ومحل رضوانه لانزاله الرضى على المؤمنين
عندها.
وقول المسيب والد سعيد أنسيناها، وفي لفظ نسيناها، أي نسينا موضعها بدليل قوله: فلم نقدر عليها.
وفي رواية عند الاسماعيلي فعمى علينا مكانها.
وقول المسيب وابن عمر: أنهما لم يعلما مكانها، لا يدل على عدم معرفتها أصلا، فقد قال جابر كما في الصحيح: لو كنت أبصر اليوم لاريتكم مكان الشجرة، فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها، ففيه دلالة على أنه كان يعرفه بعينها، قبل أن يقطعها عمر - رضي الله عنه.
السادس والعشرون: جزم ابن اسحاق وابن سعد والجمهور بان مدة الصلح عشر سنين، ورواه الحاكم عن على - رضي الله عنه - ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنها كانت سنتين، وكذا وقع عند ابن عقبة، ويجمع بان الذي قاله ابن اسحاق هي المدة التي وقع الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش كما سيأتي بيانه في غزوة الفتح.
وأما ما وقع في كامل ابن عدي ومستدرك الحاكم، والاوسط للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين، فهو مع ضعف اسناده منكر مخالف للصحيح.
السابع والعشرون: الذي كتب كتاب الصلح بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل، علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كما رواه البخاري في كتاب الصلح عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما -، وعمر بن شبة من حديث سلمة بن الاكوع، واسحاق بن راهويه عن الزهيري.
وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه قال: الكتاب عندنا كتبه محمد بن مسلمة، ويجمع بان أصل كتاب الصلح، بخط علي - رضي الله عنه - كما في الصحيح، ونسخ مثله محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو، وقال الحافظ: ومن الاوهام ما ذكره(5/76)
عمر بن شبة بعد أن روى أن اسم كاتب الكتاب بين المسلمين وقريش علي بن أبي طالب من طرق، ثم روى من طريق آخر ان اسم الكاتب محمد بن مسلمة، ثم قال: حدثنا يزيد بن عائشة
يزيد بن عبيد الله بن محمد التيمي قال: كان اسم هشام بن عكرمة بغيضا، وهو الذي كتب الصحيفة فشلت يده فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هشاما.
قال الحافظ: وهو غلط فاحش، فان الصحيفة التي كتبها هشام بن عكرمة هي التي اتفقت عليها قريش لما حصروا بني هاشم وبني عبد المطلب في الشعب، وذلك بمكة قبل الهجرة - أي كما سبق، فتوهم عمر بن شبة أن المراد بالصحيفة كتاب القصة التي وقعت بالحديبية، وليست كذلك، بل بينهما نحو عشر سنين.
الثامن والعشرون: وقع في بعض طرق حديث البراء بعد أن ذكر امتناع علي - رضي الله عنه - من محو " هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فاخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب " هذا ما قاضى عليه محمد بن محمد بن عبد الله " إلي آخره، وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص إن شاء الله تعالى.
التاسع والعشرون: امتناع علي - رضي الله عنه - من محو لفظ " رسول الله صلى الله عليه وسلم " من باب الادب المستحب، لانه لم يفهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - تحتيم محو علي بنفسه، ولهذا لم ينكر عليه، ولو تحتم محوه بنفسه لم يجز لعلى تركه، ولما أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخالفة.
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - " فان لك مثلها - تعظيما - وأنت مضطهد ": أي مقهور، معجزة ظاهرة لما وقع لعلي - رضي الله عنه - في التحكيم كما سيأتي في ترجمته.
الثلاثون: قال الخطابي - رحمه الله - تعالى: تأول العلماء ما وقع في قصة ابي جندل على وجهين.
أحدهما: أن الله - تعالى - قد أباح " التقية " إذا خاف الهلاك، ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الايمان إن (كان) يمكنه التورية، فلم يكن رده إليهم إسلاما لابي جندل الى الهلاك مع وجود السبيل الى الخلاص من الموت بالتقية.
والوجه الثاني: أنه إنما رده الى أبيه، والغالب أن أباه لا يبلغ به الهلاك، وان عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا، وأما ما يخاف عليه من الفتنة فان ذلك امتحان من الله - تعالى -
يبتلي به صبر عباده المؤمنين.
الحادي والثلاثون: اختلف العلماء رحمهم الله، هل يجوز الصلح من المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم الى بلاد المسلمين أم لا ؟ فقيل: نعم، على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير.
وقيل: لا.
وان الذي وقع في القصة: منسوخ، وان ناسخه " أنا(5/77)
برئ من مسلم بين المشركين " وهو قول الحنفية، وعند الشافعية ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب.
الثاني والثلاثون: قال النووي - رحمه الله - وافق النبي - صلى الله عليه وسلم - في رد من جاء من المشركين في ترك كتابته بسم الله الرحمن الرحيم وكتب باسمك اللهم، وفي ترك كتابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي رد من جاء منهم الى المسلمين دون من جاء من المسلمين إليهم وانما وافقهم في هذه الامور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الامور، أما البسملة وباسمك اللهم فمعناها واحد، وكذلك قوله: " محمد بن عبد الله " هو أيضا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس في ترك وصف الله تعالى في هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفى ذلك ولا في ترك وصفه - صلى الله عليه وسلم - هنا بالرسالة لا ينفيها، ولا مفسدة فيما طلبوه، وانما كانت المفسدة تكون لو طلبوا ان يكتبوا ما لا يحل من تعظيم آلهتهم ونحو ذلك، وانما شرط رد من جاءنا منهم ومنع من ذهب إليهم فقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الحكمة فيه بقوله: من ذهب منا إليهم فابعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا ".
ثم كان كما قال - صلى الله عليه وسلم - فجعل الله للذين جاؤونا منهم وردهم إليهم فرجا ومخرجا.
ثم كان كما قال - صلى الله عليه وسلم.
الثالث والثلاثون: في إتيان عمر أبا بكر رضي الله عنهما وإجابة أبي بكر لعمر بمثل ما أجاب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دلالة على أنه أكمل الصحابة واعرفهم باحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعلمهم بامور الدين وأشدهم موافقة لامر الله - تعالى - وسبق في باب إرادة الصديق الهجرة
قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورد ابن الدغنة له، وقوله لقريش، ان مثله لا يخرج، ووصفه بنظير ما وصفت به خديجة - رضي الله عنها - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كونه يصل الرحم ويحمل الكل ويعين على نوائب الحق وغير ذلك.
فلما كانت صفاتهما متشابهة من الابتداء، استمر ذلك الى الانتهاء، ولم يذكر عمر أنه راجع أحدا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أبي بكر، وذلك لجلالة قدره وسعة علمه عنده.
الرابع والثلاثون: قول عمر - رضي الله عنه - فعملت لذلك أعمالا، قال بعض الشراح - رحمهم الله: أي من الذهاب والمجئ والسؤال والجواب، لم يكن ذلك شكا من عمر، بل طلبا من كشف ما خفي عليه، وحثا على إذلال الكفار، لما عرف من قوته في نصرة الدين.
انتهى.
قال الحافظ: وتفسير الاعمال بما ذكر مردود، بل المراد الاعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء.
وقد ورد عن عمر التصريح بمراده بقوله: " أعمالا(5/78)
لاتقى "، ورواية ابن اسحاق: فكان عمر يقول: مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به.
وعند الواقدي من حديث ابن عباس: قال عمر: لقد أعتقت بسبت ذلك رقابا وصمت دهرا، وأما قوله: ولم يكن شك، فان أراد نفي الشك فواضح، وقد وقع في رواية ابن اسحاق أن أبا بكر لما قال له الزم غرزه فانه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عمر: أنا أشهد أنه رسول الله، وان أراد نفي الشك في وجود المصلحة وعدمها فمردود، وقد قال السهيلي - رحمه الله - هذا الشك ما لا يستمر صاحبه عليه، وانما هو من باب الوسوسة، كذا قال الحافظ.
والذي يظهر أنه توقف معه ليقف على الحكمة في القصة، وتنكشف عنه الشبهة، ونظيره قصته في الصلاة على عبد الله بن أبي، وان كان في الأول لم يطابق اجتهاده الحكم، بخلاف الثانية، وهي هذه القصة، وانما عمل الاعمال المذكورة لهذه، والا فجميع ما صدر منه كان معذورا فيه، بل هو مأجور، لانه مجتهد فيه.
الخامس والثلاثون: إنما توقف المسلمون في النحر والحلق بعد الامر بهما، لاحتمال أن يكون الامر بذلك للندب، أو لرجاء نزول الوحي بابطال الصلح المذكور، وتخصيصه بالاذن بدخولهم مكة ذلك العام لاتمام نسكهم، ويسوغ لهم ذلك، لانه كان زمان وقوع التشريع.
ويحتمل أن يكونوا أبهتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم مع ظهور قوتهم واقتدارهم - في اعتقادهم - على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة، وأخروا الامتثال لاعتقادهم أن الامر المطلق لا يقضي الفور، ويحتمل مجموع هذه الامور لمجموعهم كما سبق في القصة من كلام أم سلمة - رضي الله عنها - في قولها " لا تلمهم " إلخ.
السادس والثلاثون: في كلامه - صلى الله عليه وسلم - لام سلمة في توقف الناس عن امتثال أمره، جواز مشاورة الامر المرأة الفاضلة، وفضل أم سلمة ووفور عقلها، حتى قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت براي فاصابت الا أم سلمة، كذا قال وقد استدرك بعضهم عليه بنت شعيب في أمر موسى.
السابع والثلاثون: لا يعد ما وقع من أبي بصير من قتله الرجل الذي جاء في طلبه غدرا لانه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش، إلا أنه إذ ذاك كان محبوسا بمكة، لكنه لما خشى أن المشرك يعيده الى المشركين درأ عن نفسه بقتله، ودافع عن دينه بذلك، ولم ينكر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
الثامن والثاثون: في حديث المسور، ومروان بعد ذكر قصة أبي بصير، فانزل الله - تعالى: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم) [ الفتح 24 ] ظاهره أنها نزلت في(5/79)
شان أبي بصير، وفيه نظر، والمشهور في سبب نزولها ما رواه مسلم من حديث سلمة بن الاكوع، ومن حديث أنس بن مالك، وأحمد، والنسائي بسند صحيح من عبد الله بن مغفل أنها أنزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن ياخذوا من المسلمين غرة فظفر
المسلمون بهم، فعفا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل في سبب نزولها غير ذلك.
التاسع والثلاثون: قال البلاذري - رحمه الله - قال العلماء: والمصلحة المترتبة على إتمام هذا الصلح ما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده الظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكة وإسلام أهلها كلهم ودخول الناس في دين الله أفواجا، وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون، ولا يتظاهر عندهم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما، هو ولا يخلون بمن يعلمهم بها مفصلة، فلما حصل صلح الحديبية اختلطوا بالمسلمين وجاءوا الى المدينة، وذهب المسلمون الى مكة وخلوا باهلهم وأصدقائهم وغيرهم ممن يستنصحونهم، وسمعوا منهم أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - مفصلة بجزئياتها، ومعجزاته الظاهرة، وأعلام نبوته المتظاهرة، وحسن سيرته، وجميل طريقته، وعاينوا بانفسهم كثيرا من ذلك، فمالت نفوسهم الى الايمان حتى بدر خلق منهم الى الاسلام قبل فتح مكة فاسلموا بين صلح الحديبية وفتح مكة، وازداد الاخرون ميلا الى الاسلام، فلما كان يوم الفتح أسلموا كلهم لما كان تمهد لهم من الميل، وكانت العرب في البوادي ينتظرون باسلامهم إسلام قريش فلما أسلمت قريش أسلمت العرب في البوادي.
الاربعون: في بيان غريب ما سبق المعرفين: الواقفين بعرفة.
استنفروا: استنجدوا واستنصروا.
يعرضوا له بحرب - بفتح التحتية وكسر الراء.
فابطا عليه: بفتح الهمزة أوله وآخره.
دو الجدر: فتح الجيم وسكون الدال المهملة: سرح على ستة أميال من المدينة.
بناحية فيها كانت فيه لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ذو الحليفة - بضم الحاء المهملة، وفتح اللام، وسكون التحتية بعدها فاء.
صحار - بصاد مضمومة فحاء مهملتين فالف: قرية باليمن.
قلد بدنه: علق في عنقها قطعة من حبل ليعلم أنه هدي فكيف الناس عنها.
أشعرها - بالشين المعجمة: وخز سنامها حتى يسيل الدم فيعلم أنه هدي.
البيداء: الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة.(5/80)
الابواء: بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد: قرية من عمل الفرع.
القلائد: جمع قلادة.
جثامة: بفتح الجيم وتشديد الثاء المثلثة.
إيماء: بكسر أوله وسكون التحتية وبالمد.
رحضة: براء مفتوحة فحاء مهملة تفتح وتسكن فضاد معجمة مفتوحة.
خفاف - بخاء معجمة مضمومة وفاءين الاولى مخففة.
العتر: بكسر العين المهملة وسكون الفوقية وبالراء: نبت ينبت متفرقا فإذا قطع أصله خرج منه شئ شبه اللبن، وهو المرزجوش.
الضغابيس - بضاد فغين معجمة فالف فموحدة: وهو صغار القثاء وقيل: وهو نبت ينبت في أصول الثمام يصلق بالخل والزيت ويؤكل.
والثمام: بالثاء المثلثة.
الهوام: جمع هامة بالتشديد، يطلق على ما يدب من الحيوان كالقمل ونحوه.
الجحفة - بجيم مضمومة، فحاء مهملة، ففاء، فتاء تأنيث: تقدم الكلام عليها في غزوة (بدر) قم بالبناء للمفعول، أي كنس.
الفرط - بفتحتين، المتقدم في طلب الماء.
شاهت وجوههم: قبحت تكل - بضم الفوقية وفتح الكاف: أي يتكل بعضكم على بعض.
ارتجت مكة: اضطربت.
راعهم: أفزعهم.
عنوة - بفتح العين المهملة، وسكون النون، وفتح الواو: أخذ الشئ قهرا وكذا إذا أخذ صلحا فهو من الاضداد، والمراد هنا الاول.
عين تطرف: تنظر وتتحرك.
كراع - بكاف مضمومة فراء مخففة فالف فعين مهملة: وهو طرف الغميم بغين معجمة مفتوحة، وهو واد بين رابغ والجحفة، وكراع كل شئ طرفه.
الاحابيش: بحاء مهملة، فالف، فموحدة مكسورة فتحتية فشين معجمة: واحدها(5/81)
أحبوش بضمتين، وهم: بنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو الحرث وبنو عبد مناة ابن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة، وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا في غزوة بدر.
أجلبت: استحثثت الناس لطلب العدو.
بلدح - بموحدة مفتوحة، فلام ساكنة، فدال مفتوحة، فحاء مهملتين: وهو واد في طريق التنعيم الى مكة.
غدير: بغين معجمة مفتوحة، فدال مهملة مكسورة.
الاشطاط - بشين معجمة، وطاءين مهملتين: جمع شط وهو جانب الوادي، ووقع في بعض نسخ الصحيح لابي ذر الهروي باعجام الطاءين.
عسفان - بعين مضمومة، فسين ساكنة مهملتين، ففاء: قرية بينها وبين مكة ثلاثة مراحل.
العوذ - بعين مهملة مضمومة فواو ساكنة، فدال معجمة: جمع عائذ: وهي الناقة ذات اللبن.
المطافيل: الامهات اللاتي معهن أطفالهن، يريد أنهم خرجوا بذوات الالبان ليتزودوا ألبانها، ولا يرجعوا حتى يمنعوه، أو كنى بذلك عن النساء معهن الاطفال، والمراد خرجوا معهم نساؤهم وأولادهم لارادة طول المقام، وليكون أدعى الى عدم الفرار.
قال ابن فارس - رحمه الله -: كل أنثى وضعت فهي الى سبعة أيام عائذ، والجمع عوذ،
كأنها سميت بذلك لانها تعوذ ولدها وتلتزم الشغل له، وقال السهيلي: سميت بذلك وان كان الولد هو الذي يعوذ بها لانها تعطف عليه بالشفقة والحنو، كما قالوا تجارة رابحة وان كانت مربوحا فيها.
لبسوا جلود النمور: كناية على شدة الحقد والغضب، تشبيها باخلاق النمور، وقيل: هو مثل يكنى به عن إظهار العداوة والتنكير، ويقال للرجل الذي يظهر العداوة لبس لي جلد نمر.
ذي طوى - بتثليث الطاء المهملة والفتح: أشهر واد بمكة.
ويح: كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها.
وافرين: كاملين.
تنفرد هذه السالفة - بسين مهملة، ولام مكسورة بعدها فاء: صفحة العنق، كنى بذلك عن القتل، لان القتيل تنفرد مقدمة عنقه.
وقال الداودي الشارح: المراد الموت، أي حتي أموت ويحتمل أن يكون أراد انه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم.(5/82)
وقال ابن المنير - رحمه الله - لعله - صلى الله عليه وسلم نبه بالادنى على الاعلى، أي أن لي من القوة بالله - تعالى - والحول به ما يقتضي أني أقاتل عن دينه، لو انفردت فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ؟.
شرح غريب ذكر مشاورته - صلى الله عليه وسلم موتورين - بالفوقية: اسم مفعول، جمع موتور، وهو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.
محروبين - بحاء مهملة، فراء فواو فموحدة: مسلوبين منهوبين، يقال حربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شئ.
نؤم - بنون فهمزة: نقصد.
تكن عنقا - بضم العين المهملة والنون، وفي لفظ " عينا قطعها الله ".
قال في المطالع:
وكلاهما صحيح، والعنق أوجه لذكر القطع معه، أي أهلك الله - تعالى - جماعة منهم.
والعنق: الشئ الكثير، ولقوله: " عينا " وجه أيضا، أي كفى الله - تعالى - منهم من كان يرصدنا ويتجسس على أخبارنا.
والعين: الجاسوس، وتبعه على ذلك في التقريب - وما ذكرناه هو الوجه، بخلاف ما قدره الكرماني وتبعه شيخنا أبو الفضل ابن الخطيب القسطلاني - رحمهما الله - وقد ذكر في القصة أن العين الذي أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مسلما وهو بسر - بضم الموحدة وسكون المهملة - ابن سفيان الخزاعي.
الغرة - بكسر الغين المعجمة: الغفلة.
حانت الصلاة: دخل وقتها.
شرح غريب ذكر مسيرته - صلى الله عليه وسلم - الى الحديبية العصل - بفتح العين والصاد المهملتين: جمع عصلة، وهي شجرة إذا أكل منها البعير سلحته.
ظهرى كذا: بينه ووسطه.
الحمض - بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالضاد المعجمة: ما ملح وأمر من النبات كالاثل والطرفاء، وذكر في الاملاء أنه هنا اسم موضع، فالله أعلم.
الطليعة: القوم يبعثون أمام الجيش يتعرفون طلع العدو، وبالكسر، أي خبره، والجمع طلائع.
أجرل - بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الراء وآخره لام: أي كثير الحجارة.
والجرل: - بفتح الجيم والراء: الحجارة.
ويروى بدال مهملة عوضا عن اللام، أي ليس به نبات.(5/83)
الشعاب - بكسر الشين المعجمة: جمع شعب بكسرها أيضا: ما انفرج بين جبلين.
تنكبه الحجارة: تصيبه.
حار - بحاء مهملة: لم يدر وجه الصواب.
ثنيه ذات الحنظل: ثنية في شعب ما بين مكة وجدة.
سراوع: جمع سروعة - بفتح السين المهملة، وسكون الراء، وفتح العين المهملة - وهي الرابية من الرمل كذا في النهاية.
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه فاخذ بهم بين سروعتين، أي بين شجرتين، هذا لفظه، فالله أعلم.
قبل المغرب: بكسر القاف: ناحيته.
ما شعر: ما علم.
قترة الجيش: بفتح القاف والفوقية: الغبار الاسود الذي تثيره حوافر الدواب.
وعر - بكسر العين: أي غليظ حزن يصعب الصعود إليه.
الشراك للنعل: سيرها الذي على ظهر القدم.
الفجاج: بكسر الفاء: جمع فج: الطريق الواضح الواسع.
لاحبة - بالحاء المهملة والموحدة واضحة.
ثنية المرار: بضم الميم على المشهور، وبعضهم يكسرها، وتخفيف الراء: طريق في الجبل يشرف على الحديبية، وليست الثنية التي أسفل مكة.
قولوا حطة - بكسر الحاء وفتح الطاء المشددة المهملتين، أي حط عنا ذنوبنا، ويروى باعجام الحاء وضمها، أي الخصلة والفضيلة.
سيف البحر - بكسر السين: ساحله.
استبرأ العسكر: تأمله وفتشه.
شرح غريب ذكر نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية الغائط: هنا المطمئن الواسع من الارض، والجمع غيطان وأغواط وغوط.
حل حل - بفتح الحاء المهملة وسكون اللام: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير.
قال الخطابي - رحمه الله - إن قلت " حل " واحدة فبالسكون وان أعدتها نونت الاولى وسكنت الثانية.
وحكى غيره السكون فيهما والتنوين كنظيره في نخ نخ، يقال: حلحلت فلانا إذا
أزعجته عن موضعه.(5/84)
ألحت - بتشديد الحاء المهملة: تمادت على عدم القيام، وهو من الالحاح، وهو الاصرار على الشئ.
خلات الخلا - بخاء معجمة والمد، للابل كالحران للخيل.
قال ابن قتيبة: لا يكون الخلا الا للنوق خاصة.
وقال ابن فارس: لا يقال للجمل خلا ولكن ألح.
القصواء: بقاف مفتوحة فصاد مهملة وبالمد، وبعض رواة الصحيح كحبلى وغلط.
بخلق - بضم الخاء المعجمة: واللام والقاف: أي بعادة.
خطة: بضم الخاء المعجمة: أي خصلة يعظمون فيها حرمات الله تعالى.
ومعنى قوله يعظم حرمات الله تعالى في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح الى المسالمة والكف عن إراقة الدماء.
أعطيتهم إياها: أجبتهم إليها.
وثبت - بالمثلثة: قامت.
عوده على بدئه: أي لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوعه.
الثمد - بثاء مثلثة فميم مفتوحتين فدال مهملة: حفيرة فيها ماء قليل، يقال ماء مثمود قليل الماء.
الظنون: الذي تتوهمه، ولست منه على ثقة فعيل بمعنى مفعول.
وقيل: هو البئر التي يظن أن فيها ماء وقوله قليل الماء تأكيد لرفع توهم أن يراد لغة من يقول: أن الثمد: الماء الكثير.
وقيل: الثمد ما يظهر في الشتاء، ويذهب في الصيف.
يتبرضه الناس - بالموحدة المشددة والضاد المعجمة: ياخذونه قليلا قليلا.
والبرض - بالفتح والسكون: اليسير من العطاء.
وقال صاحب العين: هو جمع الماء بالكفين.
لم يلبثه الناس - بتحتية مضمومة فلام ساكنة فمثلثة: من الالباث.
وقال ابن التين: بفتح
اللام وكسر الموحدة المثقلة، أي لم يتركوه أن يقيم.
نزحوه - بنون فزاي فحاء مهملة، وفي لفظ نزفوه بالفاء بدل الحاء: ومعناهما واحد، وهو أخذ الماء شيئا بعد شئ.
صدروا: رجعوا.
بعطن: أي رووا ورويت إبلهم حتى بركت، وعطن الابل: مباركها حول الماء لتعاد للشرب، وقد يكون عند غير الماء.(5/85)
القليب - بفتح القاف وكسر اللام - عند العرب: البئر العادية القديمة مطوية كانت أو غير مطوية.
شفير البئر: حرفها.
تجيش - بفتح الفوقية وكسر الجيم وآخره شين معجمد: تفور.
الري: بكسر الراء وفتحها.
المائح - بالتحتية، والحاء المهملة: الذي انحدر في الركية يملا الدلو وذلك حين يقل ماؤها، ولا يمكن أن يستسقى منها الا بالاغتراف باليد.
ومن كلامهم المائح أعرف باست الماتح: وهو الذي يستسقى بالدلو، فالنقط من أسفل لمن يكون أسفل ومن فوق لمن يكون فوق.
يمجد كونك: يشرفونك، والتمجيد: التشريف.
الرشاش - براء مفتوحة فشينين معجمتين.
واهية: مسترخية واسعة الشق.
العادية: القوم الذين يعدون ويسرعون الجري.
طمت: بفتح الطاء المهملة: ارتفع ماؤها.
نهلوا: رووا.
الركائب: المطي، الواحدة راحلة من غير لفظها.
آن الشئ - بالمد: قرب.
الركوة - بفتح الراء: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، والجمع ركاء وركوات بالتحريك.
شرح غريب نزول المطر في تلك الايام النوء: سقوط نجم من المنازل في الغرب مع الفجر.
وطلوع رقيبه من الشرق، كانوا يعتقدون أنه لابد عند ذلك من مطر، أو ريح، فمنهم من يجعله للطالع لانه ناء، ومنهم من ينسبه للغارب، فنفى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك عنه، وكفر من اعتقد أن النجم فاعل ذلك، ومن جعله دليلا فهو جاهل بمعنى الدلالة، قال في النهاية: فمن أسند ذلك الى العادة التي يجوز انخرامها فقد كرهه قوم وجوزه آخرون.
الخريف - بالخاء المعجمة: الفصل الذي تخترف فيه الثمار، أي تقطع.(5/86)
الشعري - بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة: كوكب معروف ليس في السماء كوكب يقطعها عرضا غيره.
الجزور: بفتح الجيم من الابل خاصة، يقع على الذكر والانثى، والجمع جزر شرح غريب ذكر قدوم بديل بن ورقاء ورسل قريش بديل: بضم الموحدة وفتح المهملة والتصغير.
ورقاء: بفتح الواو وبالقاف.
خزاعة: بضم الخاء المعجمة وبالزاي.
عيبة - بفتح العين المهملة وسكون التحتية بعدها موحده: ما يوضع فيه الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والامانة على سره، كانه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب.
نصح - بضم النون، وحكى ابن التين فتحها.
تهامة - بكسر الفوقية: وهي مكة وما حولها، وأصلها من التهم، وهو شدة الحر وركود الريح.
الاعداد - بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد وهو الماء الذي لا انقطاع له.
تبيد: تهلك خضراؤهم بخاء فضاد معجمتين: معظم قريش أو جماعتهم.
نهكتهم الحرب - بفتح النون وكسر الهاء: أي بلغت بهم حتى أضعفتهم، إما أضعفت قواهم، واما أضعفت أموالهم.
ماددتهم جعلت بيني وبينهم مدة بترك الحرب بيني وبينهم.
قوله: فان ظهر أمري، وقوله فان شاؤوا شرط بعد شرط، والتقدير: فان ظهر غيرهم من الكفار علي كفاهم المؤونة، وان أظهر أنا على غيرهم فان شاؤوا أطاعوني والا فقد جموا - بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة، أي قووا واستراحوا.
لينفذن - بضم التحتية وسكون النون وكسر الفاء وبالذال المعجمة: فعل مضارع مؤكد بالنون، استنفرت أهل عكاظ: دعوتهم الى نصركم، وعكاظ بعين مهملة مضمومة فكاف مخففة فالف فظاء معجمة مشالة: سوق بقرب عرفات.
بلحوا: بموحدة فلام مشددة معتوحتين فمهملة مضمومة: امتنعوا من الاجابة، وانبلح: امتنع من الاجابة.(5/87)
أسيتكم - بهمزة مفتوحة: يقال أسيه بمالي مؤاساة، أي جعلته أسوتي فيه.
تجتاحهم - بجيم وحاء مهملة: تهلكهم بالكلية.
اوباش: بتقديم الواو: الاخلاط من السفلة، وهم أخص من قوله في رواية أشواب بتقديم الشين المعجمة على الواو، وهم الاخلاط من أنواع شتى.
خليقا - بالخاء المعجمة والقاف: حقيقا وزنا ومعنى، ويقال خليق للواحد والجمع.
يدعوك: يتركوك.
امصص - بالف وصل ومهملتين الاولى مفتوحة، زاد في التقريب ويجوز ضمها: فعل أمر.
البظر - بفتح الموحدة وسكون الظاء المعجمة المشالة: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المراة.
واللات: اسم احد الاصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الامر، فاراد أبو بكر المبالغة في سب عروة باقامة من كان يعبد مقام أمه، وحمله على ذلك ما أغضبه من نسبة المسلمين الى الفرار، وفيه جواز النطق بما يستشنع من الالفاظ لارادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك.
أما - بفتح الهمزة وتخفيف الميم: حرف استفتاح.
المغفر: بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة.
الفظ - بالفاء وتشديد الظاء المعجمة المشالة: الشديد الخلق بضمتين.
الغليظ: السيئ القول.
اليد: النعمة والاحسان.
لم أجزك بها: لم أكافئك بها.
طفق - بفتح الطاء، وكسر الفاء: جعل.
أهوى بيده: مدها.
نعل السيف: ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها.
غدر - بغين معجمة - وزن عمر، ومعدول عن غادر: مبالغة في وصفه بالغدر، وهو ترك الوفاء.
يرمق - بضم الميم: يلحظ.(5/88)
يحدون بضم أوله وكسر المهملة: يدعون.
وضوءه - هنا بالفتح: الماء.
كسرى: بكسر الكاف وبفتحها.
يتالهون: يعظمون أمر الاله، وقيل التاله: التعبد.
ابعثوها له: أثيروها دفعة واحدة.
عرض الوادي - بضم العين المهملة وسكون الراء، وبالضاد المعجمة: جانبه وناحيته، وقيل: عرض كل شئ: وسطه، وليس المراد ضد الطول، ذلك بفتح العين.
تفلوا - بالمثناة الفوقية وكسر الفاء: تغيرت رائحتهم.
الشعث - بالشين المعجمة، والعين المهملة المفتوحتين وبالثاء المثلثة: الانتشار والتفرق للشعر.
لخم: بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة.
وجذام: بجيم مضمومة، فذال معجمة.
كندة: بكسر الكاف حمير - بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتية وبالراء: أسماء قبائل.
أجل - كنعم وزنا ومعنى.
معكوف: محبوس.
شرح غريب ذكر ارساله - صلى الله عليه وسلم - خراش بن امية، وبعده عثمان، ومبايعته - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان، وذكر الهدنة، وكيف جرى الصلح الثعلب - بلفظ اسم الحيوان المعروف.
عقر الدابة: ضرب قوائمها.
وشيكا - بالشين المعجمة والتحتية: قريبا.
كافة: جميعا.
الاماثل: الخيار من قومهم.
وافرون: كثيرون.
جامون - بتشديد الميم: مستريحون كثيرون(5/89)
المناجزة في الحرب: المبادرة والمقاتلة.
مازن - بكسر الزاي: أبو قبيلة.
البيعة البيعة: بنصبها على الاغراء.
روح القدس: جبريل - صلى الله عليه وسلم - وتقدم الكلام على ذلك في ترجمته في أبواب المعراج.
ثرنا - بالمثلثة: نهضنا.
سمرة - بفتح المهملة وضم الميم: من شجر الطلح، وهو نوع من العضاه الحجفة - بحاء فجيم ففاء مفتوحات: الترس الصغير يطارق بين جلدين الدرقة: الحجفة.
عزلا - بكر الزاي مع فتح العين، وبضمها: أي لا سلاح معه يقاتل به فيعتزل الحرب.
أبغني: أعطني.
محدقون به: محيطون ناظرون إليه باحداقهم.
الجد بن قيس: بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة.
ضبا إليها - بفتح الضاد المعجمة والموحدة مهموز: اختبا بها.
اصطنعوا - بصاد ساكنة فطاء مفتوحة مهملتين، فنون مكسورة، فعين مهملة: اتخذوا صنيعا، يعني اتخذوا طعاما تنفقونه في سبيل الله.
لن يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم، الصاع: أربعة أمداد، والمد: ربع صاع وهو رطل وثلث بالعراقي عند الشافعي وأهل الحجاز، ورطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق، أي ما
يبلغ ثواب صاع أحدكم ولا مده في الثواب إذا تصدق به.
تشميرهم الى الحرب: اسراعهم إليه.
القضية (1)...الهدنة - بضم أوله وسكون ثانيه وبضمه أيضا: الصلح والموادعة بين المتحاربين.
مقنعان في الحديد - بتشديد النون: عليهما بيضه.
العنوة - بفتح العين المهملة وسكون النون: أخذ الشئ قهرا.
عيبة مكفوفة - بفتح العين المهملة وسكون التحتية: أي أمر مطوي في صدور سليمة، وهو إشارة الى ترك المؤاخذة بما تقدم من أسباب الحرب وغيرها، والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم.
__________
(1) بياض في الاصول بمقدار كلمتين، ولعل المراد " الصلح " أو " الموادعة ".
(*)(5/90)
لا إغلال - بغين معجمة: لا خيانة، تقول أغل الرجل إذا خان، واما في الغنيمة فيقال غل بغير ألف.
ولا اسلال: لا سرقة، من السلة وهي السرقة، والمراد أن يامن بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم سرا وجهرا، وقيل: الاسلال من سل السيوف، والاغلال من لبس الدرع.
ووهاه أبو عبيد.
امعضوا - بميم مشددة فعين مهملة فضاد معجمة، ولبعض رواة الصحيح امتعضوا - باظهار الفوقية: أي شق عليهم.
الدنية - بدال مهملة مفتوحة فنون مكسورة فتحتية مشددة: الخصلة المذمومة، والاصل فيه الهمز وقد يخفف.
أو لسنا - بفتح الواو، والاستفهام للانكار، وكذا ما بعده.
الغرز - بفتح الغين المعجمة فراء ساكنة فزاي: ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو
خشب.
يتلكأ: يبطئ.
هات: فعل أمر من باب رامى يرامى.
مضطهد: بميم مضمومة فضاد معجمة ساكنة فطاء مهملة.
لا تحدث العرب - بفتح الفوقية، وتشديد الدال المهملة المفتوحة حذف منه إحدى التائين.
ضغطة - بضم الضاد، وسكون الغين المعجمتين، فطاء مهملة: مقهور.
التنعيم - على لفظ المصدر، من نعمته تنعيما: مكان على ثلاثة أميال من مكة من جهة المدينة.
الغرة - بالكسر: الغفلة.
زنيم: بضم الزاي وفتح النون.
اخترط السيف: استله.
العبلات - بفتح المهملة والموحدة: وهم من قريش أمية الصغرى، نسبوا الى أمهم عبلة بنت عبيد.
بدء الفجور - بفتح الموحدة، وسكون الدال المهملة وبالهمز: ابتداؤه وأوله وسكون النون فتحتية، أي عودة ثانية، وفي رواية ثناه بكسر المثلثة.(5/91)
ثنياه - بضم الثاء المثلثة وإسقاط التحتية.
أبو جندل - بالجيم: وزن جعفر.
يرسف في قيوده - بفتح التحتية وضم السين المهملة وبالفاء: يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد.
لم نقض الكتاب بعد: لم نفرغ من كتابته.
أجزه لي - بالجيم والزاي: امض لي فعلي ولا أرده عليك أو استثنه من القضية، ووقع
في الجمع للحميدي بالراء، ورجح أبو الفرج الزاي.
ضن بابيه - بالضاد المعجمة، والنون المشددة: بخل، أي لم يسمح بقتله.
التام - بهمزة مفتوحة، انسد.
يمم هديه: قصده.
شرد جمل: ند ونفر.
النجيب: الفاضل من كل حيوان.
المهري - بفتح الميم وسكون الهاء: نسبة الى مهرة كتمرة: قبيلة من قضاعة سموا باسم أبيهم مهرة بن حيدان، وبلد بعمان، والابل المهرية تنسب الى أحدهما.
البرة - بضم الموحدة وتخفيف الراء المخففة: حلقة تجعل في أنف البعير ليذل، وأكثر ما تكون من صغر، فان كانت من شعر فهي خزامه، وان كانت من خشب خشاش بخاء وشينين معجمات.
مضطربا في الحل، أي كانت قبته مضروبة في الحل، وكانت صلاته في الحرم لقرب الحديبية من الحرم.
اضطبع بثوبه: أدخله تحت إبطه اليمنى وألقاه على عاتقه الأيسر.
شرح غريب ذكر رجوعه - صلى الله عليه وسلم - ونزول سورة الفتح مر - بفتح الميم وتشديد الراء، مضاف الى الظهران، بالظاء المعجمة المشالة المفتوحة، وبين مر والبيت الشريف ستة عشر ميلا.
أرملوا من الزاد - بالراء: نفذ زادهم.
النطع: المتخذ من الاديم معروف، وفيه أربع لغات.
فتح النون وكسرها ومع كل واحد فتح الطاء وسكونها.(5/92)
ربضة عنز: قدرها رابضة، أي باركة.
النواجذ - بالنون والجيم المكسورة وبالذال المعجمة: جمع ناجذ، وهو السن بين الضرس والناب، وأواخر الاضراس.
والمراد هنا الانياب.
الجهد: المشقة.
يدفعوكم بالراح - بالحاء المهملة والراء: جمع راحة وهي الكف.
لا يلوون على أحد: لا يلتفتون إليه، ولا يعطفون عليه.
ثكلته أمه: كلمة تقولها العرب للانكار، ولا يريدون حقيقتها.
نزرت - بنون فزاي مشددة فراء: ألححت.
نشب - بنون فشين معجمة فموحدة: لبث.
يرجفون الاباعر: يحثونها على الاسراع في السير.
هنيئا: طيبا.
مريا: سائغا.
عرسنا - بعين فراء مشددة فسين مهملات فنون: نزلنا ليلا، أو آخر الليل.
شرح غريب ذكر قدوم أبي بصير - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم أبو بصير - بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية فراء.
البكر من الابل - بالفتح: وهو الفتى من الدواب خلاف المسن، كالشاب من الناس.
حتى برد - بموحدة فراء مفتوحتين فدال مهملة: خمدت حواسه، وهي كناية على الموت، لان الميت تسكن حركته.
وأصل البرد السكون.
الاسار: وزن كتاب: القيد بفتح القاف.
جمز - بالجيم والزاي - أسرع.
الذعر - بضم الذال المعجمة وسكون المهملة: الخوف.
ويل امه - بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة: وهي كلمة ذم تقولها العرب
في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم، لان الويل الهلاك، فهو كقولهم: لامه الويل قال الفراء: أصل ويل وي لفلان، أي حزن له: فكثر الاستعمال، فالحقوا بها اللام، فصارت كأنها منها، وأعربوها، وتبعه ابن مالك، إلا أنه قال تبعا للخليل إن وي كلمة تعجب، وهي من أسماء الافعال، واللام بعدها مكسورة، ويجوز ضمها إتباعا للهمزة، وحذفت الهمزة تخفيفا.(5/93)
مسعر حرب - بكسر الميم، وسكون السين، وفتح المهملتين وبالنصب على التمييز، وأصله من مسعر حرب.
أي مسعرها قال الخطابي: كانه يصفه بالاقدام في الحرب، والتسعير لنارها.
محش - بحاء مهملة وشين معجمة: وهو بمعنى مسعر حرب.
: وهو العود الذي تحرك به النار.
العيص - بكسر العين المهملة، وسكون التحتية، وبالصاد المهملة: موضع قرب المدينة على ساحل البحر.
ذو المروة: موضع في أرض جهينة مما يلى سيف البحر بين مكة والمدينة.
الثواء - بثاء مثلثة مفتوحة وبالمد: الاقامة.
صناديد قريش: عظماؤها.
المعشر - واحد المعاشر: وهي الجماعات من الناس.
تخفق - بخاء معجمة ساكنة ففاء مكسورة وبالقاف: تضرب.
أيمانهم - بفتح الهمزة.
القنا - بفتح القاف وبالقصر: جمع قناة: الرمح.
الذابل - بذال معجمة، فالف فموحدة، أشار الى أن رماحهم رقاق.
لم ياتل: لم يحلف.(5/94)
الباب الثالث والعشرون في غزوة ذي قرد - وهي الغابة
والسبب فيها إغارة عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاري في خيل غطفان على لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
روى الشيخان، والبيهقي عن يزيد بن أبي عبيد، ومسلم وابن سعد، والبيهقي عن إياس بن سلمة بن الاكوع كلاهما عن سلمة - رضي الله عنه.
وابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر ومن لايتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن سعد عن رجاله، أن لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت عشرين لقحة وكانت ترعى البيضاء ودون البيضاء الى الجبل، وهو طريق خيبر، فاجدب ما هنالك فقربوها الى الغابة تصيب من أثلها وطرفائها وتغدو في الشجر، وكان الراعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب (1).
قال محمد بن عمر: وكان أبو ذر قد استاذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى لقاحه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك ".
ونحن لا نامن من عيينة بن حصن وذويه وهي في طرف من أطرافهم، فالح عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لكاني بك قد قتل ابنك وأخذت امراتك، وجئت تتوكا على عصاك " فكان أبو ذر يقول: عجبا لي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لكاني بك " وأنا ألح عليه، فكان - والله - ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو ذر: والله إني لفي منزلنا، ولقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد روحت وعطفت وحلبت عتمتها، ونمنا، فلما كان الليل أحدق بنا عيينة بن حصن في أربعين فارسا، فصاحوا بنا وهم قيام فاشرف لهم ابني فقتلوه، وكانت معه امراته وثلاثة يفر فنجوا، وتنحيت عنهم، وشغلهم عني إطلاق عقل اللقاح، ثم صاحوا في أدبارها، فكان آخر العهد بها، ولما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرته تبسم.
وقال سلمة بن الاكوع: خرجت قبل أن يؤذن بالاولى، وكانت لقاح رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - بذي قرد، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره مع رباح - بفتح الراء وبالموحدة - غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه، وخرجت بفرس طلحة أنديه مع الظهر، فلقيت غلاما لعبد الرحمن بن عوف كان في إبل لعبد الرحمن بن عوف فاخطئوا مكانها، واهتدوا للقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبرني أن لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أغار عليها عيينة بن حصن في أربعين فارسا من غطفان.
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 526 (4194) ومسلم 3 / 1432 (131 / 1806) والبيهقي في الدلائل 4 / 180.
(*)(5/95)
قال محمد بن عمر وابن سعد: ليلة الاربعاء، قال سلمة: فقلت: يا رباح اقعد على هذا الفرس، فالحق بطلحة، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قد أغير على سرحه، وقمت على تل بناحية سلع، فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات يا صباحاه أسمع ما بين لابتيها ثم انبعث القوم ومعي سيفي ونبلي، فجعلت أردهم، وفي لفظ: أرميهم، وأعقر بهم، وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع الي فارس جلست له في أصل شجرة، ثم رميت، فلا يقبل علي فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأنا أقول: أنا ابن الاكوع * واليوم يوم الرضع فالحق رجلا فارميه وهو على رحله فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه فقلت: خذها وأنا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع فإذا كنت بالشجر أحرقتهم بالنبل، وإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فرميتهم بالحجارة، فما زال ذلك شاني وشأنهم أتبعهم وأرتجز حتي ى ما خلق الله - تعالى - شيئا من ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الا خلفته وراء ظهري واستنقذته من أيديهم.
قال ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا، وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها، ولا يلقون من ذلك شيئا الا جعلت عليه الحجارة، وجمعته على طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا اشتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري ممدا لهم.
وهم في ثنية ضيقه، ثم علوت الجبل، فانا فوقهم.
فقال عيينة: ما هذا الذي أرى ؟ قالوا: لقينا من هذا البرح (1) ما فارقنا
بسحر حتى الان، وأخذ كل شئ في أيدينا وجعله وراء ظهره، فقال عيينة: لو لا أن هذا يرى أن وراءه طلبا لقد ترككم، وقال: ليقم إليه نفر منكم، فقام الي أربعة منهم فصعدوا في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت لهم: أتعرفونني ؟ فقالوا: ومن أنت، قلت: أنا ابن الاكوع، والذي أكرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني.
فقال رجل منهم: إني أظن فرجعوا.
ذكر حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلب العدو وتقديمه جماعة أمامه قال ابن إسحاق: وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صياح ابن الاكوع يصرخ بالمدينة " الفزع الفزع ".
فترامت الخيول الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أول من انتهى الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفرسان المقداد بن عمرو، وهو الذي يقال له ابن الاسود حليف بني زهرة، زاد محمد بن عمر - نقلا عن عمارة بن غزية، وابن سعد - فنودي " يا خيل الله اركبي "، وكان أول ما نودي
__________
(1) البرح: الشدة والاذى، انظر المعجم الوسيط 1 / 47.
(*)(5/96)
بها - كذا قال، وزاد ابن عائذ عن قتادة: أن أول ما نودي " يا خيل الله اركبي " في غزوة بني قريظة، وهي قبل هذه عندهم.
قال محمد بن عمر: وكان المقداد يقول: لما كانت ليلة السرح جعلت فرسي سبحة لا تقر ضربا ضربا بيدها، وصهيلا، فاقول: والله إن لها لشانا، فانظر الى اريها (1) فإذا هو مملوء علفا، فأقول: عطشي فأعرض عليها الماء فما تريده.
فلما طلع الفجر أسرجتها ولبست سلاحي، ثم خرجت حتى أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح، فلم أر شيئا، ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته، ورجعت الى بيتي، والفرس لا تقر، فوضعت سرجها والسلاح واضطجعت، فأتاني آت فقال: إن الخيل قد صيح بها، فخرجت.
قال ابن إسحاق: ثم كان أول فارس وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد المقداد من
الانصار عباد بتشديد الموحدة ابن بشر - بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة، وسعد بسكون العين - بن زيد، وأسيد - بضم أوله وفتح ثانيه - ابن ظهير - وهن - تصغير ظهر - بظاء معجمة مشالة، ومحرز (2) بضم الميم وسكون الحاء المهملة فراء مكسورة فزاي ابن نضلة بالنون وسكون الضاد المعجمة، وربيعة بن أكثم بالثاء المثلثة، وعكاشة بتشديد الكاف وتخفيفها ابن محصن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وأبو عياش بالتحتية والشين المعجمة الزرقي، وأبو قتادة فلما اجتمعوا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عليهم سعد بن زيد، ثم قال: " اخرج في طلب القوم حتي " ألحقك بالناس ".
وقال محمد بن عمر، وابن سعد: عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمقداد لواء في رمحه، وقال: " أمض حتى تلحقك الخيول، وأنا على أثرك " قالا: والثبت عندنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر على هذه السرية سعد ابن زيد الاشهلي، ولكن الناس نسبوها للمقداد، لقول حسان..غداة فوارس القمداد.
فعاتبه سعد بن زيد فقال: اضطرني الوزن الى المقداد.
قال ابن اسحاق: وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني عن رجل من بني زريق - لابي عياش: " يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم " (3)، قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس، وضربت الفرس، فو الله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني، فعجبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لو أعطيته أفرس منك " وأنا أفرس
__________
(1) آريها: الآرى الحبل الذي تشد به الدابة الى محبسها، انظر الصحاح 6 / 2267.
(2) محرز بن نضلة بن عبد الله بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الاسدي أبو نضلة ويعرف بالاخرم...ذكره موسى بن عقبة وابن اسحق وغيرهما فيمن شهد بدرا.
انظر الاصابة 6 / 48.
(3) أخرجه الطبراني في الكبير 7 / 32 وانظر المجمع 6 / 143.
(*)(5/97)
الناس، فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص وكان ثامنا، أو عائذ - بالتحتية والمعجمة ابن ماعص بعين مكسورة فصاد مهملتين.
وذكر الطبري أن معاذ بن ماعص وأخاه قتلا يوم بئر معونة شهيدين كما سيأتي في السرايا، وبعض الناس يعد سلمة بن الاكوع أحد الثمانية ويسقط أسيد بن ظهير - والله أعلم أي ذلك كان، فخرج الفرسان حتى تلاحقوا، وكان أول من لحق بالقوم محرز بن نضلة، وكان يقال له الاخرم بخاء معجمة ساكنة وراء، ويقال له قمير - بضم القاف وفتح الميم.
وان الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صنيعا جامحا، فقال نساء من نساء بني عبد الاشهل - حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به: يا قمير هل لك في أن تركب هذا الفرس ؟ فانه كما ترى، ثم تلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالمسلمين ؟ قال: نعم، فاعطيته إياه، فخرج عليه، فلم يلبث أن بذ الخيل بجماحه حتى أدرك القوم، فوقف بين أيديهم، ثم قال: قفوا يا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والانصار، فحمل عليه رجل منهم فقتله، وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على آرية في بني عبد الاشهل.
قال سلمة بن الاكوع: فما برحت من مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون الشجر، فإذا أولهم الاخرم الاسدي، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن الاسود الكندي، فولى المشركون مدبرين، قال سلمة: فنزلت من الجبل، وأخذت بعنان فرس الاخرم، وقلت: يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة.
فخليته، فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فعثر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله.
وتحول على فرسه، ولحق أبو قتادة فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الرحمن فاختلفا طعنتين، فعقر باتي قتادة، وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة الى الفرس.
وروى محمد بن عمر عن صالح بن كيسان، قال محرز بن نضلة قبل أن يلقى العدو بيوم: رايت السماء فرجت لي حتى دخلت في السماء الدنيا، حتى انتهيت الى السماء السابعة، ثم انتهيت الى سدة المنتهى، فقيل لي: هذا منزلك، فعرضتها على أبي بكر الصديق
- وكان من أعبر الناس - فقال: أبشر بالشهادة.
فقتل بعد ذلك بيوم.
قال سلمة: ثم خرجت أعدو في أثر القوم فو الذي أكرم وجهه حتى ما أرى من ورائي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا غبارهم شيئا، ويعرضون قبل غيبوبة الشمس الى شعب فيه ماء يقال له قرد، فارادوا أن يشربوا منه فابصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه، وأسندوا في(5/98)
الثنية " ثنية ذي بئر " وغربت الشمس، وألحق رجلا فارميه وقلت: خذها وأنا ابن الاكوع * واليوم يوم الرضع قال: فقال يا ثكل أم الاكوع بكرة فقلت: نعم أي عدو نفسه.
وكان الذي رميته بكرة، فاتبعته بسهم آخر فعلق به سهمان، وخلفوا فرسين، فجئت بهما أسوقهما الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
قال ابن اسحاق: ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه ببرده، ثم لحق بالناس، وقال محمد بن عمر، وابن سعد: وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن.
وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، فالله أعلم.
وأدرك عكاشة بن حصن أوبارا، وابنه عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا، واستنقذوا بعض اللقاح.
وروى البيهقي عن عبد الله بن أبي قتادة: أن أبا قتادة اشترى فرسه من دواب دخلت المدينة.
فلقيه مسعدة الفزاري فقال: يا أبا قتادة، ما هذا الفرس ؟ فقال أبو قتادة: فرس أردت أن أربطها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما أهون قتلكم وأشد حربكم، قال أبو قتادة: أما إني أسال الله - تعالى - أن يلقينيك وانا عليها فقال أمين وكان أبو قتادة ذات يوم يعلف فرسه تمرا في طرف بردته إذ رفعت راسها وأصرت أذنيها ؟ فقال: أحلف بالله لقد أحست بريح خيل: فقالت له أمه: والله يا بني ما كنا نرام في الجاهلية، فكيف حين جاء الله بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ثم رفعت الفرس أيضا راسها، واصرت أذنيها، فقال: أحلف بالله لقد أحست بريح
خيل.
فوضع سرجها فاسرجها، وأخذ بسلاحه، ثم نهض حتى أتى مكانا يقال له الزوراء فلقيه رجل من أصحابه، فقال له: يا أبا قتادة، تشوط دابتك، وقد أخذت اللقاح.
وقد ذهب النبي في طلبها وأصحابه ؟ ! فقال: أين ؟ فاشار إليه نحو الثنية.
فإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه جلوس عند ذباب، فقمع دابته، ثم خلاها، فمر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: " امض يا أبا قتادة صحبك الله " قال أبو قتادة: فخرجت فإذا بانسان يحاكيني فلم ننشب أن هجمنا على العسكر، فقال لي: يا أبا قتادة ما تقول ؟ ؟ أما القوم فلا طاقة لنا بهم، فقال له أبو قتادة: تقول: إني واقف حتى ياتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد أن تشد في ناحية وأشد في ناحية، فوثب أبو قتادة فشق القوم.
فرموه بسهم، فوقع في جبهته، قال أبو قتادة: فنزعت قدحي، وأظن أني قد نزعت الحديدة.
ومضيت على وجهي فلم أنشب أن طلع علي فارس على فاره وعليه مغفر له فاثبتني ولم أثبته.
قال: لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة وكشف عن وجهه وأداة كليلة.
على وجهه فإذا هو مسعدة الفزاري، فقال: أيما أحب إليك مجالدة أو مطاعنة أو مصارعة ؟ قال: فقلت: ذاك(5/99)
إليك قال فقال: صراع، فاجال رجله على دابته، وأجلت رجلي على دابتي، وعقلت دابتي وسلاحي إلى شجرة، وعقل دابته وسلاحه الى شجرة، ثم تواثبنا، فلم أنشب أن رزقني الله - تعالى - الظفر عليه، فإذا أنا على صدره، فو الله إني لمن أهم الناس من رجل متابط قد هممت أن أقوم فاخذ سيفي، ويقوم فيأخذ سيفه، وإنا بين عسكرين لا آمن أن يهجم على أحدهما، إذا بشئ مس راسي، فإذا نحن قد تعالجنا، حتى بلغنا سلاح مسعدة فضربت بيدي الى سيفه، فلما راى أن السيف وقع بيدي قال: يا أبا قتادة، استحيني، قلت: لا، والله أو ترد أمك الهاوية.
قال: فمن للصبية ؟ قلت: النار.
قال: ثم قتلته وأدرجته في بردي، ثم أخذت ثيابه فلبستها، ثم أخذت سلاحه، ثم استويت على فرسه، وكانت فرسي نفرت حين تعالجنا فرجعت الى العسكر، قال: فعرقبوها.
قال: ثم مضيت على وجهي فلم أنشب أنا حتى أشرفت على ابن أخيه وهو في سبعة
عشر فارسا، قال فالحت إليهم فوقفوا، فلما أن دنوت منهم حملت عليهم حملة وطعنت ابن أخيه طعنة دققت عنقة، وانكشف من كان معه.
وحبست اللقاح برمحي (1).
ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطلب العدو قال محمد بن عمر، وابن سعد: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة الاربعاء راكبا مقنعا في الحديد.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
قال: وخلف سعد بن عبادة - رضي الله عنه - في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة.
قال ابن إسحاق: ولما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بحبيب مسجى ببرد أبي قتادة استرجعوا، وقالوا: قتل أبو قتادة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ليس بابي قتادة، ولكنه قتيل لاتي قتادة، وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه " (2).
قال ابن سعد قال سلمة لحقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخيول عشاء قال أبو قتادة - رضي الله عنه - في حديثه السابق: وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من أصحابه، فلما نظر إليهم العسكر فروا قال: فلما انتهوا الى موضع المعسكر إذا بفرس أبي قتادة قد عرقبت فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ! ! قد عرقبت فرس أبي قتادة، قال: فوقف عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ويح أمك، رب عدو لك في الحرب " مرتين.
ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى إذا
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 191.
(2) أخرجه الطبراني في الكبير 7 / 31 وانظر المجمع 6 / 143 والبداية والنهاية 4 / 151.
(*)(5/100)
انتهوا الى الموضع الذي تعالجنا فيه إذا هم بابي قتادة - فيما يرون مسجى في ثيابه، فقال رجل من الصحابة: يا رسول الله، قد استشهد أبو قتادة، قال، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أبا قتادة، والذي أكرمني بما أكرمني به إن أبا قتادة على آثار القوم يرتجز ".
فدخلهم الشيطان أنهم ينظرون الى فرسي قد عرقبت، وينظرون إليه مسجى عليه ثيابي (1).
قال: فخرج عمر بن الخطاب وأبو بكر - رضي الله عنهما - يسعيان حتى كشف الثوب، فإذا وجه مسعدة، فقالا: الله أكبر، صدق ورسوله، مسعدة يا رسول الله.
فكبر الناس، ولم ينشب أن طلع عليهم أبو قتادة يحوش اللقاح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أفلح وجهك يا أبا قتادة، أبو قتادة سيد الفرسان، بارك الله فيك يا أبا قتادة " (2).
قال: قلت: بابي أنت وأمي يا رسول الله، سهم أصابني، والذي أكرمك بما أكرمك، وفي ولدك وفي ولد ولدك - وأحسب عكرمة قال وفي ولد ولد ولدك.
ما هذا بوجهك يا أبا قتادة ؟ قد ظننت أني قد نزعته، قال: " ادن مني يا أبا قتادة " قال: فدنوت منه.
قال: فنزع النصل نزعا رفيقا، ثم بزق فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع راحته عليه، فو الذي أكرم محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط، ولا قرح قط عليي.
وروى محمد بن عمر وابن سعد عن أبي قتادة قال: لما أدركني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم بارك له في شعره وبشره، وقال: أفلح وجهك، قلت: ووجهك يا رسول الله، قال: " قتلت مسعدة " ؟ قلت: نعم، وذكر نحو ما تقدم قال: فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكانه ابن خمس عشرة سنة.
وذهب الصريخ الى بني عمرو بن عوف، فجاءت الامداد، فلم تزل الخيل تاتي والرجال على أقدامهم والابل، والقوم يعتقبون البعير والحمار حتى انتهوا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد.
قال ابن اسحاق: واستنقذوا عشر لقاح زاد - فيها جمل لابي جهل، وأفلت القوم بعشر.
وكانت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقاب، يحملها سعد بن زيد، وكان شعارهم أمت أمت.
وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صلاة الخوف، وسيأتي بيانها في أبواب صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف.
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 193.
(2) انظر الشفاء 1 / 628.
(*)(5/101)
وقال سلمة: ولحقني عمي بسطيحة فيها مذقة من لبن، وسطيحة فيها ماء فتوضات وشربت.
وروى ابن سعد عنه قال: لحقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخيول عشاء انتهى.
قال سلمة: فاتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي أجليتهم عنه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ تلك الابل، وكل ما قد استنقذته من المشركين، وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحر ناقة من الابل التي استنقذت من القوم، وشوى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سنامها وكبدها فقلت: يا رسول الله ! ! قد حميت القوم الماء، وهم عطاش خلفي، فانتخب من القوم مائة رجل فاتبع القوم فلا يبقى مخبر إلا قتلته.
فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه في ضوء النار، وقال: " يا سلمة أتراك كنت فاعلا ؟ " قلت: نعم.
والذي أكرمك.
فقال: " ملكت نحر لهم فلان جزورا، فلما كشطوا جلدها رأوا غبارا، قالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين.
قال ابن اسحاق: وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه في كل مائة جزورا.
وأقام - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد يوما وليلة يتحسب الخبر.
وفي حديث سلمة أنهم كانوا خمسمائة.
قال ابن اسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: ويقال سبعمائة، وبعث سعد بن عبادة - رضي الله عنه - باحمال تمر، وبعشر جزائر فوافت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي قرد، قال سلمة: فلما أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة " (2).
ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم الفارس والراجل فجمعهما لي جميعا، ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء راجعين الى المدينة، فلما كان بينها وبينه قريب من ضحوة، وفي القوم رجل من الانصار كان لا يسبق، فجعل ينادي: هل من يسابق ؟ إلي رجل يسابق الى المدينة، فعل ذلك مرارا، وأنا وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مردفي، قلت له: أما تكرم
كريما، ولا تهاب شريفا ؟ قال: لا، الا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: يا رسول الله، بابي أنت وأمي خلني فلاسابق الرجل، قال: " إن شئت " قلت: أذهب، فطفر عن راحلته، وثنيت رجلي، فطفرت عن الناقة، ثم ارتبطت عليه شرفا أو شرفين، يعني استبقيت نفسي، ثم عدوت حتى ألحقه، فاصك بين كتفيه بيدي، وقلت: سبقتك والله، فضحك وقال: والله إن أظن، فسبقته حتى قدمنا المدينة، فلم نلبث إلا ثلاثا حتى خرجنا إلى خيبر.
*
__________
(1) الغبوق ما يشرب بالعشي، انظر المعجم الوسيط 2 / 649.
(2) ذكره ابن عساكر في تهذيب دمشق 60 / 232.
(*)(5/102)
قال محمد بن عمر وابن سعد: ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة يوم الاثنين، وقد غاب خمس ليال.
وروى الزبير بن بكار عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بيسان، فسال عنه، فقيل: اسمه يا رسول الله بيسان - وهو مالح - فقال: " بل هو نعمان وهو طيب " فغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاسم - وغير الله عز وجل الماء، فاشتراه طلحة، فتصدق به ذكر قدوم امرأة أبي ذر على ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى الامام أحمد، ومسلم وأبو داود عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - فذكر الحديث، وفيه " فكانت المراة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم.
فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فاتت الابل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه، حتى انتهت الى العضباء فلم ترغ، قال: وهي ناقة مدربة، فقعدت في عجزها، ثم زجرتها فانطلقت، وقد رأوها فطلبوها فاعجزتهم، قال: ونذرت إن نجاها الله - عز وجل - لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس، فقالوا: العضباء ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: انها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا ذلك له فقال: " سبحان الله، بئس ما جزتها
نذرت إن نجاها الله لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم ".
زاد ابن إسحاق من مرسل الحسن " إنما هي ناقة من إبلي، إرجعي إلى أهلك على بركة الله " (1).
وقدم ابن أخي عيينة بلقحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السمراء فبشرته بها سلمى، فخرج - صلى الله عليه وسلم مستبشرا، وإذا راسها بيد ابن أخي عيينة، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفها، ثم قال: أيم بربك فقال: يا رسول الله أهديت لك هذه اللقحة، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبضها منه، ثم أقام عنده يوما أو يومين، ثم أمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث أواق من فضة، فجعل يتسخط، قالت سلمى: فقلت: يا رسول الله أتثيبه على ناقة من إبلك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ": نعم وهو يتسخط علي ".
ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " إن الرجل ليهدي الي الناقة من إبلي أعرفها كما أعرف بعض أهلي، ثم أثيبه عليها فيظل يتسخط
__________
(1) أبو داود 3 / 807 (3537) والترمذي 5 / 730 (3945)، وأخرجه الطبراني في الكبير 11 / 18 وانظر المجمع 4 / 148 والحميدي (1051، 1053) وعبد الرزاق في المصنف (19920) وأحمد 2 / 292 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1145، 1146) والنسائي 6 / 280.
(*)(5/103)
علي، لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي ".
ذكر من قتل في هذه الغزوة فمن المسلمين فحرز بن نضلة، أحد بني أسد بني خزيمة، وابن وقاص بن مجزز - بميم مضمومة فجيم فزايين معجمتين، الاولى مشددة مكسورة المدلجي - فيما نقل ابن هشام عن غير واحد من أهل العلم.
ومن الكفار مسعدة بن حكمة - بفتحتين، واوثار - بضم الهمزة وبالثاء المثلثة عند محمد بن عمر، وابن سعد، وبالموحدة عند ابن أسحاق، وقال ابن عقبة: أوبار - بفتح الهمزة وسكون الواو فموحدة والله أعلم.
وابنه عمرو بن أوبار، وحبيب بن عيينة، وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، ووقع عند ابن عقبة: وقرفة امرأة مسعدة.
ذكر بعض ما قيل من الشعر في غزوة ذي قرد قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: لولا الذي لاقت ومس نسورها * بجنوب ساية أمس في التقواد للقينكم يحملن كل مدجج * حامي الحقيقة ماجد الاجداد ولسر أولاد اللقيطة أننا * سلم غداة فوارس المقداد كنا ثمانية وكانوا جحفلا * لجبا فشكوا بالرماح بداد كنا من القون الذين يلونهم * ويقدمون عنان كل جواد كلا ورب الراقصات الى منى * يقطعن عرض مخارم الاطواد حتى نبيل الخيل في عرصاتكم * ونؤوب بالملكات والاولاد رهوا بكل مقلص وطمرة * في كل معترك عطفن وواد أفنى دوابرها ولاح متونها * يوم تقاد به ويوم طراد وكذا الرعان جيادنا ملبونة * والحرب مشعلة بريح غواد وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي * جنن الحديد وهامة المرتاد أخذ الاله عليهم بحرامه * أيام ذي قرد وجوه عباد فلما قالها حسان بن ثابت غضب عليه سعد بن زيد، وحلف أن لا يكلمه أبدا، ثم قال: انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد، فاعتذر إليه حسان، وقال: ما ذاك أردت ولكن الروي وافق اسم المقداد، وقال أبياتا يرضي بها سعدا(5/104)
إذا أردتم الاشد الجلدا * أو ذا غناء فعليكم سعدا سعد بن زيد لا يهد هدا
فلم يقبل منه سعد ولم يغن شيئا.
وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد للفوارس: أتحسب أولاد اللقيطة أننا * على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس وانا أناس لا نرى القتل سبة * ولا ننثني عند الرماح المداعس وانا لنقري الضيف من قمع الذري * ونضرب راس الابلج المتشاوس نرد كماء المعلمين إذا انتخوا * بضرب يسلي نخوة المتقاعس بكل فتى حامي الحقيقة ماجد * كريم كسرحان الغضاة مخالس يذودون عن أحسابهم وتلادهم * ببيض تقد الهام تحت القوانس فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم * بما فعل الاخوان يوم التمارس إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم * ولا تكتموا أخباركم في المجالس وقولوا زللنا عن مخالب خادر * به وحر في الصدر ما لم يمارس قال ابن إسحاق: وقال شداد بن عارض الجشمي في يوم ذي قرد، يعني لعيينة بن حصن، وكان عيينة يكني بابي مالك: فهلا كررت أبا مالك * وخيلك مدبرة تقتل ذكرت الاياب الى عسجد * وهيهات قد بعد المقفل وطمنت نفسك ذا ميعة * مسح النضال إذا يرسل إذا قبضته اليك الشما * ل جاش كما اضطرم المرجل فلما عرفتم عباد الال * - ه لم ينظر الاخر الأول عرفتم فوارس قد عودوا * طراد الكماة إذا أسهلوا إذا طردوا الخيل تشقى بهم * فضاحا وان يطردوا ينزلوا فيعتصموا في سواء المقا * م بالبيض أخلصها الصيقل
تنبيهات الأول: ذو قرد - بفتح القاف والراء، وحكي الضم فيها، وحكي ضم أوله وفتح ثانيه.
قال الحازمي - رحمه الله -: الأول ضبط أصحاب الحديث، والضم عن أهل اللغة، وقال(5/105)
البلاذري - رحمه الله - الصواب الأول -: وهي على نحو بريد مما يلي بلاد غطفان، وقيل على مسافة يوم، قال السهيلي: والقرد في اللغة الصوف.
الثاني: قال البخاري في صحيحه في غزوة ذي قرد: كانت قبل خيبر بثلاث، وذكرها بعد الحديبية قبل خيبر.
قال الحافظ: ويؤيد ذلك ما رواه الامام أحمد ومسلم من حديث إياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه فذكر قصة الحديبية، ثم قصة ذي قرد، وقال في آخرها: فرجعنا - أي من الغزوة - إلى المدينة، فو الله ما لبثنا بالمدية إلا ثلاث ليال حتى خرجنا خيبر.
وأما ابن اسحاق، ومحمد بن عمر وابن سعد فقالوا: كانت غزوة ذي قرد في سنة ست قبل الحديبية.
قال محمد بن عمر وابن سعد في ربيع الاول.
وقيل في جمادى الاولى.
وقال ابن اسحاق في شعبان فيها، فانه قال: كانت غزوة بني لحيان في شعبان سنة ست، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى المدينة لم يقم الا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه - صلى الله عليه وسلم - قال ابن كثير: وما ذكره البخاري أشبه بما ذكره ابن اسحاق.
وقال أبو العباس القرطبي - وهو شيخ صاحب التذكرة والتفسير - تبعا لابي عمر - رحمهم الله: لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، يكون ما وقع في حديث سلمة وهم من بعض الرواة.
قال: ويحتمل أن يجمع بان يقال يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أغزى سرية فيهم سلمة بن
الاكوع الى خيبر قبل فتحها، فاخبر سلمة عن نفسه وعمن خرج معه، يعني حيث قال: خرجنا الى خيبر قال: ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين.
انتهى.
قال الحافظ - رحمه الله - تعالى: وسياق الحديث يابي هذا الجمع، فان فيه بعد قوله: خرجنا الى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل عمي يرتجز بالقوم، وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من السائق وفيه مبارزة عمه لمرحب وقتل عامر، وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حيث خرج إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلى هذا ما في الصحيح أصح مما ذكره أهل السير.
قال الحافظ: ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت مرتين، الاولى التي ذكرها ابن اسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج الى خيبر.(5/106)
وكان راس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم، ويؤيده أن الحاكم ذكر في الاكليل أن الخروج الى ذي قرد تكرر، ففي الاولى خذج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ربيع الآخر سنة خمس، والثالثة هذه المختلف فيها - انتهى.
فإذا ثبت هذا قوي الجمع، الذي ذكرته، والله أعلم.
الثالث: في حديث سلمة عند مسلم: أن عبد الرحمن بن عيينة بن حصن أغار على اللقاح، وفي حديثه عند الطبراني أنه عيينة بن حصن، ولفظ ابن عقبة: أنه عيينة بن بدر، ويقال إن مسعدة كان رئيسا للقوم في هذه الغزوة، ولا منافاة بين ما ذكر، فان كلا منهما كان رئيسا فيهم، وكان حاضرا.
الرابع: حديث سلمة - رضي الله عنه - أنه استنقذ جميع ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبارة بن عقبة: استنقذوا السرح.
والذي ذكره ابن اسحاق، وابن عمر، وابن سعد وغيرهم أنه استنقذ من اللقاح عشرة فقط، وما في حديث سلمة - رضي الله عنه - هو المعتمد، لصحة
سنده.
الخامس: في حديث سلمة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب في رجوعه الى المدينة العضباء، وأردف سلمة وراءه، وفي حديث عمران بن حصين السابق: إن امراة أبي ذر أخذتها من العدو وركبتها.
السادس: في بيان غريب ما سبق: حصن - بكسر الحاء الفزاري - بفاء مفتوحة فزاي فالف فراء: قبيلة من غطفان.
غطفان: بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة المشالة، وبالفاء.
اللقاح - بكسر اللام، وتخفيف القاف فمهملة: ذوات اللبن من الابل، واحدها لقحة - بكسر اللام وفتحها، واللقوح: الحلوب.
عيينة - بضم العين المهملة وكسرها.
البيضاء - تأنيث أبيض: اسم موضع عند الجبل.
الغابة - بالغين المعجمة، والموحدة: مال من أموال عوالي المدينة.
الاثل: شجر عظيم لا ثمر له، الواحدة أثلة.
الطرفاء: شجر البادية وشطوط الانهار، واحدتها طرفة بفتح الطاء والراء مثل قصبة وقصباء.
يئوب: يرجع.(5/107)
الضاحية: الناحية البارزة.
ذويه: أصحابه.
أحدق به - همزة مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فدال مهملة فقاف: أطاف.
قبل أن يؤذن بالاولى: يعني صلاة الصبح.
الظهر: الركاب التي تحمل الاثقال في السفر.
أندية - بضم أوله وبالنون وتشديد الدال المهملة، والتندية أن يورد الماء ساعة، ثم يرد الى المراعي ساعة ثم الماء، كذا قال أبو عبيد والاصمعي وقال ابن قتيبة: إنما هو أبديه - بالموحدة، أي أخرجه الى البدو، وأنكر الاول.
وقال: ولا يكون الا للابل خاصة وقال الاصمعي التندية تكون للابل والخيل، أو هو الصحيح وهذا الحديث يشهد له.
وخطا الازهري ابن قتيبة وصوب الاول.
السرح - بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات: المال السائم المرسل في المرعى.
سلع بفتح السين المهملة، وسكون اللام، وبالعين المهملة: جبل بالمدينة.
يا صباحاه: كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه، لانهم أكثر ما يغيرون عند الصباح، ويسمون يوم الغارة يوم الصباح.
اللبتان: تثنية لابة: وهي الحرة، وهي الارض ذات الحجارة السود.
أرديهم - بضم الهمزة، وفتح الراء، وتشديد الدال المهملة: يرميهم.
أعقر بهم: أقتل دوابهم.
الاكوع - بهمزة مفتوحة، فكاف ساكنة، فواو مفتوحة، فعين مهملة العظيم الكاع: الكوع، وهو طرف الزند مما يلي الرسغ، والكوع طرفه الذي يلي الابهام، والكاع طرفه الذي يلي الخنصر وهو الكرسوع والكوع أخفاهما وأشدهما، درمة، والدرم أن لا يظهر للعظم حجم.
اليوم يوم الرضع - بالرفع فيهما، وينصب الأول ويرفع الثاني على جعل الأول ظرفا.
قال: وهو جائز إذا كان الظرف واسعا ولم يضق عن الثاني.
الرضع - بضم الراء كركع، ورضاع: وهو اللئيم.
قال السهيلي: قال أهل اللغة: يقال في اللؤم - رضع - بالفتح - يرضع بالضم رضاعة لا غير.
ورضع الصبي ثدي أمه يرضع بالفتح - رضاعا مثل سمع.
يسمع سماعا، والمعنى اليوم يوم هلاك اللئام، والاصل فيه أن شخصا كان(5/108)
شديد البخل، فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبها، فيسمع جيرانه ومن يمر به صوت الحلب فيطلبون منه اللبن.
وقيل: بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شيئا إذا حلب في الاناء، ويبقى في الاناء شئ إذا شربه، فقالوا في المثل: (الام من راضع).
وقيل غير ذلك.
الثنايا: جمع ثنية، وهي العقبة المسلوكة.
البرح - بفتح الموحدة وسكون الراء: المشدة والاذى.
ذكر حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلب العدو، وشرح غريبه الفزع الفزع: منصوبان بفعل محذوف.
يا خيل الله اركبي: على حذف مضاف، اي يا فرسان خيل الله.
الاري - بفتح الهمزة وسكون الراء، وتشديد التحتية: مربط الدابة، وقيل: معلفها.
قال في العين: وقال الاصمعي: هو حبل مربوط في الارض ويبرز طرفه يربط به الدابة، وأصله من الحبس الاقامة، من قولهم: تاري بالمكان: اقام به.
الحائط، البستان المحوط عليه.
فرسا صنيعا - بفتح الصاد المهملة وكسر النون فتحتية ساكنة فعين مهملة، فعيل بمعنى مغعول، يقال منه صنعت فرسي صنعا، وصنعة: إذا أحسنت القيام عليه، فهو صنيع.
جاما بجيم وميم مشددة: مرتاحا له مدة لم يركب.
بذ الخيل - بفتح الموحدة وتشديد الذال المعجمة: سبقها.
بجماحه: بفتح الجيم.
اللكيعة - بفتح اللام، وكسر الكاف، فتحتية ساكنة، فعين مهملة مفتوحة، اللئيمة.
من أدباركم: من ورائكم.
جال الفرس - بالجيم: نفر من مكانه يقتطعوك: يحول بيننا وبينك.
ثكلته أمه: فقدته.
أكوعه، وفي لفظ: أكوعي، برفع العين في الأول لفظا، وفي الثاني تقديرا، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار، ولهذا قال: نعم.
لانه كان أول ما لحق بهم صاح بهم: أنا ابن الاكوع، فلما لحق بهم آخر النهار - وقال هذا القول قالوا: أنت الذي كنت معنا بكرة ؟ قال: نعم.
انتظمهما: نفذ رحمه أو سهمه فيهما.
الجرء - بضم الجيم، وسكون الراء، وبالهمزة والجراءة.
بفتحتين، وبالمد - على(5/109)
الشئ: الهجوم، والاسراع بالهجوم عليه من غير توقف.
أصرت أذنيها: جمعتها.
الزوراء: بفتح الزاي وبالمد: موضع عند سوق المدينة قرب المسجد.
الشوط - بالشين المعجمة والطاء المهملة: مسافة يعدوها الفرس كالميدان ونحوه.
ذباب - بذال معجمة تضم وتكسر وموحدتين: جبل بالمدينة.
قمع دابته: ذللها.
يحاكيني: يساويني في المشي.
فنشب - بنون فشين معجمة فموحدة: لبث.
القدح: بكسر القاف وسكون الدال وبالحاء المهملتين: السهم.
الفاره - بفاء وراء مكسورة: الخفيف النشيط كليلة: محيطة من جميع جوانبه.
المغفر - بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة، وفتح الفاء وبالراء: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يجعل تحت القلنسوة.
أثبتني: عرفني.
المجالدة: المضاربة بالسيوف.
المطاعنة: المضاربة بالرماح.
متابط: أخذ شيئا تحت إبطه.
ألحت - بتخفيف الحاء المهملة: أشرت.
شرح غريب ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطلب العدو المقنع - بضم الميم، وفتح القاف، وفتح النون المشددة، وبالعين المهملة،: الذي لبس بيضة.
عدو: جري.
يجوس أصل الجوس شدة الاختلاط ومداركة الضرب.
الصريخ: بالمهملة، وبالخاء المعجمة: الاستغاثة.
الامداد - جمع مدد، وهم الاعوان والانصار.
الشعار - بكسر الشين المعجمة: العلامة في الحرب.(5/110)
أمت أمت: أمر بالاماتة، وتقدم بيانه في غزوتي بدر وأحد.
السطيحة: المزادة التي تكون من أديمين، قوبل أحدهما بالآخر فسطح عليه، وهي من أواني المياه.
المذقة - بفتح الميم، وسكون الذال المعجمة القليل من لبن ممزوج بماء (أجليتهم عنه) بفتح الهمزة وسكون الجيم طردتهم (حميت القوم الماء) منعتهم من الشرب (النواجذ) جمع ناجذ بالذال المعجمة.
السن بين الاضراس، والمراد هنا الانياب.
العضباء: ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - عدا: عدوا على الرجلين.
أسجع - بقطع الهمزة، وسكون السين المهملة، وكسر الجيم، وبالحاء المهملة: أرفق وسهل واعف واسمح، والاسجاح: حسن العفو.
يغبقون - بتحتية مضمومة، فغين معجمة ساكنة، فموحدة مفتوحة، الغبوق: الشرب
بالعشي، أي يسقون اللبن بالعشي.
يقرون - بضم التحتية، وسكون القاف، وفتح الراء يضيفون.
يتحسب - بفتح الحاء والسين المشددة المهملتين فموحدة يتعرف ويستخبر.
طفرت - بالطاء والراء المهملتين بينهما فاء: وثبت ونفرت.
ربطت نفسي: حبستها عن الجري.
الشرف: ما ارتفع عن الارض.
أصك بين كتفيه: أضرب.
شرح غريب شعر حسان - رضي الله عنه - النسور - بنون، فسين مهملة: جمع نسر، وهو هنا ما يكون في بطن حافر الدابة كأنها نواة أو حصاة، وأضمر ذكر الخيل وان لم يتقدم لها ذكر، لان الكلام عليها، وفي الفرس عشرون عضوا كل عضو منهما، سمي باسم طائر.
ساية - بسين مهملة، فالف فتحتية، اسم قرية جامعة من عمل الفرع بها أكثر من سبعين عينا.
التقواد - بفوقية مفتوحة مشددة، فقاف ساكنة، وآخره دال مهملة، أي جرها بالمقود من أمام.
والسوق: من خلف.
المدجج - بضم الميم، وفتح الدال، وفتح الجيم الاولى وتشديدها وتكسر: الكامل السلاح.(5/111)
الحامي: المانع.
الحقيقة: بحاء مهملة، وقافين بينهما تحتية: ما يحق على الرجل أن يحميه.
الماجد: الشريف.
بنو اللقيطة: هم الملتقطون الذين لا يعرف آباؤهم.
السلم - بفتح السين المهملة، وكسرها: الصلح.
الجحفل - بجيم مفتوحة، فحاء مهملة ساكنة، ففاء مفتوحة، فلام، الجيش الكثير.
اللجب - بفتح الهمزة واللام الثانية: وكسر الجيم، وبالموحدة: الكثير الاصوات.
شكوا: بشين معجمة، فكاف مشددة، والشك - بالفتح هنا الطعن، وروي باللام، وهو الطرد.
بداد - بموحدة مفتوحة فدالين مهملتين من التبدد، وهو التفرق، بني على الكسر، وهو في موضع نصب، كانتصاب المصدر في قولك: مشيت القهقرى، وقعدت القرفصاء، كانه قال: طعنوا الطعنة التي يقال لها بداد.
الجواد: من الخيل السريع.
الرقصات.
هنا الابل، والرقص والرقصان، ضرب من مشيها.
المخارم - بالخاء المعجمة جمع مخرم: وهو ما بين الجبلين.
الاطواد: الجبال المرتفعة.
نبيل الخيل، من لفظ التبول، أي نجعلها تبول.
نؤوب: بفتح الفوقية، وبالهمزة: نرجع.
الملكات: النساء اللاتي أملكن.
الرهو: بفتح الراء المشي في سكون.
المقلص: المشمر.
طمرة فرس: وثابة سريعة.
المعترك: موضع الحرب.
رواد: من رواه بفتح الراء فمعناه: سريعات، من ردى الفرس يردي: أسرع، أي تردي بفرسانها، أي تسرع.
ومن رواه بكسر الراء فهو من المشي الرويد، وهو الذي فيه فتور.
دوابرها: أواخرها.(5/112)
لاح: غير وأضعف.
متونها: ظهورها.
الطراد: مطاردة الابطال بعضهم بعضا.
الجياد: جمع جواد، تقدم.
ملبونة: تسقي اللبن.
مشعلة: موقدة.
غواد - جمع غادية.
تجتلي - بفوقية مفتوحة، فجيم معجمة ساكنة، فموحدة، فلام مكسورة، تقطع.
الجنن - بضم الجيم، ونونين جمع جنة كذلك السلاح.
الهامة: الراس.
المرتاد: الطالب للحرب هنا.
الاسداد: جمع سد، بفتح السين: ما يسد به على الانسان فيمنعه عن وجهه.
عباد - بكسر المهلة: أحد جمع عبد.
شرح غريب قصيدة كعب بن مالك - رضي الله عنه - ننثني: نرجع.
المداعس: المطاعن، واحدها مدعس، يقال دعسه بالرمح إذا طعنه.
القمع - بقاف، فميم مضمومتين فعين مهملة جمع قمعة، وهي أعلى سنام البعير.
الذرى - بضم الذال المعجمة، وفتح الراء: الاسنمة.
الابلخ - بفتح الهمزة، وسكون الموحدة، وبالخاء المعجمة: المتكبر.
المتشاوس - بفوقية فشين معجمة، وآخره سين مهملة: الذي ينظر بمؤخر عينه نظر المتكبر.
المعلمين - بسكون العين، وكسر اللام.
الكماة - بضم الكاف: الشجعان.
انتخوا: تكبروا.
يسلي - بضم أوله، وفتح ثانية، وتشديد اللام.
النخوة - بفتح النون، وسكون الخاء المعجمة: العظمة والتكبر.
المتقاعس: الذي لا يلين ولا ينقاد.
السرحان: الذئب.(5/113)
الغضاة: شجرة، وجمعها غضى: ويقال: أخبث الذئاب ذئاب الغضى.
المخالس: الذي يخطف الشئ سرعة على غفلة.
يذودون: يمنعون ويدفعون.
الاحساب: جمع حسب بفتحتين: ما يعد من الماثر.
التلاد: بكسر الفوقية: المال القديم.
تقد: تقطع.
القوانس - بالقاف: أعالي بيض الحديد، واحدها قونس.
التمارس: المضاربة في الحرب والمقاربة المخالب - بميم فخاء معجمة مفتوحتين: جمع مخلب - بكسر الميم، ظفر كل سبع من الماشي والطائر، أو هو لما يصيد من الطير، والظفر لما لا يصيد.
الخادر: الاسد في خدره، وهي الاجمة.
الوحر: بالحاء والراء المهملتين: الحقد.
شرح غريب قصيدة شداد بن عارض الحشمي - رضي الله عنه - الاياب: الرجوع.
عسجد: بلفظ اسم الذهب: اسم موضع.
وهيهات: اسم فعل بمعنى بعد.
المقفل: الرجوع.
ذو ميعة: فرس ذو نشاط.
المسح - بكسر الميم، وفتح السين، والحاء المشددة، المهملتين، الكثير الجري.
الفضاء - بالفاء المعجمة: المتسع من الارض.
جاش - بالجيم، والشين المعجمة: المتسع من الارض.
جاش - بالجيم، والشين المعجمة: تحرك وغلى.
اضطرم: ويروى بالباء، أي في جريه، وبالموحدة، أي تحرك.
المرجل: بكسر الميم: القدر.
لم ينظر: لم ينتظر.
أسهلوا: أخذوا في سهل الارض.
الفضاح: الفاضحة - بالفاء، والضاد المعجمة والمهملة.
الصيقل: الذي يزيل ما على السلاح من الصدا.(5/114)
الباب الرابع والعشرون في غزوة خيبر
قال ابن عقبة، وابن إسحاق: ولما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة من الحديبية - زاد ابن اسحاق في ذي الحجة - مكث بها عشرين ليلة أو قريبا منها، ثم خرج غاديا الى خيبر - زاد ابن اسحاق في المحرم - وكان الله - عز وجل - وعده إياها وهو بالحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة، فاعطاه الله - تعالى - فيها خيبر: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) [ الفتح 20 ] - خيبر.
قال محمد بن عمر: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالخروج فجدوا في ذلك، واستنفر
من حوله ممن شهد الحديبية يغزون معه، جاءه المخلفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة، فقال: " لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، فاما الغنيمة فلا ".
قال أنس - رضي الله عنه -: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابي طلحة - رضي الله عنه - حين أراد الخروج الى خيبر: " التمسوا الى غلاما من غلمانكم يخدمني " فخرج أبو طلحة مردفي وأنا غلام، قد راهقت، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل خدمته -، فسمعته كثيرا ما يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال " رواه سعيد بن منصور.
(1) واستخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة.
قال ابن هشام: نميلة أي بضم النون، وفتح الميم، وسكون التحتية، ابن عبد الله الليثي.
- كذا قال والصحيح سباع - بكسر السين بن عرفطة - بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة ففاء مضمومة، فطاء مهملة كما رواه الامام أحمد، والبخاري في التاريخ الصغير، وابن خزيمة، والطحاوي، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنهم (2).
وأخرج معه أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها.
ولما تجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس شق على يهود المدينة الذين هم موادعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفوا أنه ان دخل خيبر أهلك أهل خيبر، كما أهلك بني قينقاع، والنضير وقريظة.
ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حق الا لزمه.
وروى محمد بن عمر عن شيوخه، وأحمد، والطبراني عن ابن أبي حدرد بمهملات
__________
(1) أخرجه البخاري 11 / 177 (6363)، وأحمد في المسند 3 / 159 والنسائي 8 / 274، والبيهقي 9 / 125.
(2) أخرجه البخاري في التاريخ الصغير 1 / 43، والبيهقي في الدلائل 4 / 198.
(*)(5/115)
وزن جعفر - بسند صحيح أنه كان لابي الشحم اليهودي خمسة دراهم، ولفظ الطبراني: أربعة دراهم في شعير أخذه لاهله فلزمه.
فقال: أجلني فاني أرجوا أن أقدم عليك فاقضيك حقك ان
شاء الله، قد وعد الله - تعالى - نبيه أن يغنمه خيبر، فقال أبو الشحم حسدا وبغيا: أتحسبون ان قتال خيابر مثل ما تلقون من الاعراب، فيها - والتوراة - عشرة آلاف مقاتل، وترافعا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أعطه حقه " قال عبد الله: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها قال: أعطه حقه.
قال وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال ثلاثا لم يراحع.
قال عبد الله: فخرجت فبعت أحدا ثوبي بثلاثة دراهم، وطلبت بقية حقه فدفعت إليه ولبست ثوبي الآخر.
وأعطاني ابن أسلم بن حريش بفتح الحاء وكسر الراء وبالشين المعجمة ثوبا آخر (1).
ولفظ الطبراني: فخرج به ابن أبي حدرد الى السوق وعلى راسه عصابة وهو ياتزر بمئزر، فنزع العمامة عن راسه فاتزر بها، ونزع البردة فقال: اشتر مني هذه، فباعها منه بالدراهم فمرت عجوز فقالت: مالك يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبرها، فقالت: هادونك هذا البرد، فطرحته عليه، فخرجت في ثوبين مع المسلمين، ونفلني الله - تعالى - من خيبر، وغنمت امرأة بينها وبين أبي الشحم قرابة، فبعتها منه.
وجاء أبو عبس - بموحدة - ابن جبر - بفتح الجيم وسكون الموحدة، فقال يا رسول الله ما عندي نفقة ولا زاد ولا ثوب أخرج فيه، فاعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقة سنبلانية: جنس من الغليظ شبيه بالكرباس.
قال سلمة: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الاكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اتقينا * وألقين سكينة علينا وثبت الاقدام ان لاقينا * إنا إذا صيح بنا أتينا وبالصياح عولوا علينا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من هذا السائق ؟ قالوا: عامر بن الاكوع قال: " يرحمه الله " وفي رواية " غفر لك ربك ".
قال: وما استغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لانسان يخصه الا استشهد.
فقال عمر - وهو على جمل: وجبت يا رسول الله: لو لا أمتعتنا بعامر (2).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 423 والطبراني في الصغير (234) وانظر المجمع 4 / 129 وقال رجاله ثقات الا ان محمد بن أبي يحيى لم أجد له رواية عن الصحابة فيكون مرسلا صحيحا.
(2) أخرجه البخاري 7 / 530 (4196) وأخرجه مسلم 3 / 1427 (123 / 1802)، والبيهقي في الدلائل 4 / 201.
(*)(5/116)
روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي أمامة، والبيهقي عن ثوبان - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة خيبر: " من كان مضعفا أو مصعبا فليرجع ".
وأمر بلالا فنادى بذلك، فرجع ناس، وفي القوم رجل على صعب، فمر من الليل على سواد فنفر به فصرعه فلما جاؤوا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما شان صاحبكم ؟ " فاخبروه، فقال: " يا بلال، ما كنت أذنت في الناس، من كان مضعفا أو مصعبا فليرجع " ؟ قال: نعم.
فابى أن يصلى عليه.
زاد البيهقي، وأمر بلالا فنادى في الناس " الجنة لا تحل لعاص " ثلاثا (1).
قال محمد بن عمر: وبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطريق في ليلة مقمرة إذ أبصر رجلا يسير أمامه عليه شئ يبرق في القمر كانه في شمس وعليه بيضة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من هذا " ؟ فقيل: أبو عبس بن جبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أدركوه قال: فادركوني فحبسوني، فاخذني ما تقدم وما تأخر، فظننت أنه قد أنزل في أمر من السماء، فجعلت أتذكر ما فعلت حتى لحقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ما لك تقدم الناس لا تسير معهم " ؟ قلت: يا رسول الله: ان ناقتي نجيبة، قال: فاين الشقيقة التي كسوتك " قلت يا رسول الله: بعتها بثمانية دراهم، فتزودت بدرهمين وتركت لاهلي درهمين، وابتعت هذه البردة باربعة دراهم،.
فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: " أنت والله يا أبا عبس وأصحابك من الفقراء والذي نفسي بيده، لئن سلمتم وعشتم قليلا ليكثرن زادكم، وليكثرن ما تتركون لاهليكم ولتكثرن دراهمكم وعبيدكم وما ذلك لكم بخير ".
قال أبو عبس: فكان والله كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال سويد بن النعمان - رضي الله عنه -: ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وصل الى الصهباء
- وهي أدنى خيبر - صلى العصر، ثم دعا بالازواد، فلم يؤت الا بالسويق، فامر به فثري فاكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلنا معه، ثم قال الى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضا.
رواه البخاري، (2) والبيهقي.
زاد محمد بن عمر: ثم صلى بالناس العشاء، ثم دعا بالادلاء فجاء حسيل بن خارجة وعبد الله بن نعيم الاشجعي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسيل: يا حسيل: امض أمامنا حتى تأخذ بنا صدور الادوية حتى تأتى خيبر من بينها وبين الشام، فاحول بينهم وبين الشام وبين حلفائهم من غطفان " فقال حسيل: أنا أسلك بك، فانتهى به الى موضع له طرق، فقال: يا رسول الله ان لها طرقا تؤتى منها كلها.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " سمها لي " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الفال الحسن والاسم الحسن، ويكره الطيرة، والاسم القبيح، فقال: لها طريق يقال لها حزن، وطريق يقال لها: شاش، وطريق يقال لها حاطب، فقال
__________
(1) الطبراني في الكبير 7 / 227.
(2) أخرجه البخاري 7 / 529 (4195).
(*)(5/117)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تسلكها ".
قال: لم يبق الا طريق واحد يقال له: مرحب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اسلكها ".
ذكر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما اشرف على خيبر روى ابن إسحاق عن أبي مغيث بن عمرو - رضي الله عنه - وهو بغين معجمة، وثاء مثلثة عند ابن إسحاق، وبعين مهملة مفتوحة ففوقية مشددة فموحدة عند الامير، ومحمد بن عمر بن شيوخه، قالوا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أشرف على خيبر، قال لاصحابه: " قفوا " فوقفوا.
فقال: اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الارضين السبع وما اقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين فانا نسالك من خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، أقدموا بسم الله ".
وكان يقولها لكل قرية يريد دخولها.
ورواه النسائي وابن حبان عن صهيب (1).
ذكر وصول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر قال محمد بن عمر: ثم سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إنتهى إلى المنزلة، وهي سوق لخيبر، صارت في سهم زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فعرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها ساعة من الليل، وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزوهم لمنعتم وسلاحهم وعددهم، فلما أحسوا بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم قاموا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا، ثم يقولون: محمد يغزونا هيهات هيهات ! ! وكان ذلك شانهم، فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس، فاصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم غادين معهم المساحي، والكرازين والمكاتل، فلما نظروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولوا هاربين إلى حصونهم.
وروي الامام الشافعي، وابن إسحاق، والشيخان من طرق عن إنس - رضي الله - قال: سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، فانتهى إليها ليلا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طرق قوما بليل لم يغر عليهم حتى يصبح، فإذا سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم حتى يصبح، فصلينا الصبح عند خيبر بغلس، فلم نسمع أذانا، فلما أصبح ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركب معه المسلمون وأنا رديف أبي طلحة، فاجرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فانحسر عن فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاني لارى بياض فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن قدمي لتمس قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه ابن خزيمة (2 5 6 5) والبخاري في التاريخ الكبير 6 / 472 والطبراني في الكبير 8 / 39، والبيهقي في الدلائل 4 / 204 وابن السني (518).
(*)(5/118)
وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم.
مساحيهم، فلما رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: محمد والخميس.
فادبروا هربا.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفع يديه: " الله اكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " (1).
وروى الترمذي وابن ماجه والبيهقي، بسند ضعيف عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر على حمار مخطوم برسن من ليف، وتحته إكاف من ليف (2).
قال ابن كثير: الذي ثبت في الصحيح، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرى في زقاق خيبر حتى أنحسر الازار عن فخذه فالظاهر أنه كان يومئذ على فرس لا على حمار، قال: ولعل هذا الحديث - إن كان صحيحا - محمول على أنه ركبه فبعض الايام، وهو محاصرها.
قال محمد بن عمر - رحمة الله - وجاء الحباب - بضم الحاء المهملة، وموحدتين ابن المنذر - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا، فان كان من أمر إمرت به فلا نتكلم، وإن كان الراي تكلمنا.
فقال - صلى الله عليه وسلم - " هو الراي " فقال: يا رسول الله.
دنوت من الحصون، ونزلت بين ظهري النخل، والنز مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى سهم منهم، ولا أعدل رمية منهم، وهم مرتفعون علينا، ينالنا نبلهم، ولا نامن من بياتهم، يدخلون في خمر النخل فتحول يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى موضع برئ ممن النز ومن الوباء نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا تنالنا نبالهم ونامن من بياتهم ونرتفع من النز، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أشرت بالراي، ولكن نقاتلهم هذا اليوم " (3).
ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم بريئا من الوباء، نامن فيه من بياتهم، فطاف محمد حتى أتى الرجيع، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله وجدت لك منزلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " على بركة الله " (4).
ذكر ابتدائه - صلى الله عليه وسلم - باهل النطاة صف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ووعظهم وأنهاهم عن القتال حتى ياذن لهم، فعمد رجل من أشجع فحمل على يهودي فقتله، فقال الناس: أستشهد فلان،
__________
(1) أخرجه البخاري 2 / 89 (610، 2991)، ومسلم 3 / 1426 (120 / 1365).
(2) أخرجه الترمذي 3 / 337 (1017) وابن ماجه (4178)، الحاكم في المستدرك 2 / 466 والبيهقي في الدلائل 4 /
204، وانظر الدر المنثور 6 / 111.
(3) أخرجه ابن سعد في الطبقات 3 / 2 / 109.
(4) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9291).(5/119)
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أبعد ما نهيت عن القتال ؟.
قالوا: نعم.
فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا فنادى في الناس " لا تحل الجنة لعاص ".
وروى الطبراني في الصغير عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يومئذ: " لا تتمنوا لقاء العدو، واسالوا الله تعالى العافية، فانكن لا تدرون ما تبتلون به منهم، فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهم أنت ربنا وربهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، وانما تقتلهم أنت، ثم الزموا الارض جلوسا، فإذا غشوكم فانهضوا، وكبروا "، وذكر الحديث (1).
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: وفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرايات، ولم تكن الرايات إلا يوم خيبر، وإنما كانت الالوية.
وكانت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوداء من برد لعائشة - رضي الله عنها - تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، دفعه الى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ودفع راية الى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم " يا منصور أمت " (2).
وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتال، وحثهم على الصبر، وأول حصن حاصره حصن ناعم بالنون، والعين المهملة، وقاتل - صلى الله عليه وسلم - يومه ذلك أشد القتال، وقاتله أهل النطاة أشد القتال، وترس جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، وعليه - كما قال محمد بن عمر - درعان وبيضة ومغفر، وهو على فرس يقال له الظرب، وفي يده قناة وترس.
وتقدم في حديث أنس: أنه كان على حمار فيحتمل أنه كان عليه في الطريق، ثم ركب الفرس حال القتال.
والله أعلم.
فقال الحباب: يا رسول الله لو تحولت ؟ فقال: " إذا أمسينا - إن شاء الله - تحولنا ".
وجعلت نبل يهود تخالط العسكر وتجاوزه، والمسلمون يلتقطون نبلهم ثم يردونها عليهم.
فلما أمسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحول إلى الرجيع وأمر الناس فتحولوا، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغدو بالمسلمين على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم.
ذكر اخذ الحمى المسلمين ورفعها عنهم ببركته - صلى الله عليه وسلم - وروى البيهقي عن طريق عاصم الاحول عن أبي عثمان الفهري وعن أبي قلابة وأبي نعيم، والبيهقي عن عبد الرحمن بن المرقع - رضي الله عنه - ومحمد بن عمر عن شيوخه
__________
(1) بنحوه أخرجه مسلم في الجهاد باب 6 رقم (20)، وهو عند البخاري بنحوه أيضا في الصحيح حديث (7237)، والدارمي 2 / 216 وعبد الرزاق (9513) (9518) وأبو داود في الجهاد باب 97.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 48 وذكره ابن حجر في المطالب (4202) والواقدي في المغازي 1 / 407.
(*)(5/120)
- رحمهم الله تعالى - أن المسلمين لما قدموا خيبر أكلوا الثمرة الخضراء وهي وبيئة وخيمة، فاكلوا من تلك الثمرة.
فاهمدتهم الحمى، فشكوا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " قرسوا الماء في الشنان، فإذا كان بين الاذانين فاحدروا الماء عليكم حدرا، واذكروا اسم الله - تعالى " ففعلوا فكانما نشطوا من العقل (1).
ذكر فتحه - صلى الله عليه وسلم - حصن الصعب بن معاذ بن النطاة وما وقع في ذلك من الايات لم يكن بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا وماشية ومتاعا منه، وكان فيه خمسمائة مقاتل، وكان الناس قد أقاموا أياما يقاتلون ليس عندهم طعام إلا العلق.
وروى محمد بن عمر عن أبي اليسر كعب بن عمر - رضي الله عنه -: أنهم حاصروا حصن الصعب بن معاذ ثلاثة أيام، وكان حصنا منيعا، وأقبلت غنم لرجل من يهود ترتع وراء حصنهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من رجل يطعمنا من هذه الغنم " ؟ فقلت: أنا يا رسول الله فخرجت أسعى مثل الظبي، وفي لفظ: مثل الظليم، فلما نظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليا
قال: " اللهم متعنا به " فادركت الغنم - وقد دخل أولها الحصن - فاخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت أعدو كان ليس معي شئ، حتى انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فامر بهما فذبحتا، ثم قسمهما، فما بقي أحد من العسكر الذين معه محاصرين الحصن إلا أكل منهما، فقيل لابي اليسر: كم كانوا ؟ قال: كانوا عددا كثيرا.
وروى ابن إسحاق عن بعض من أسلم، ومحمد بن عمر - رحمه الله - عن معتب - بكسر الفوقية المشددة - الاسلمي - رضي الله عنه - واللفظ له، قال: أصابتنا معشر أسلم مجاعة حين قدمنا خيبر، وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا نفتح شيئا فيه طعام، فاجمعت أسلم أن أرسلوا أسماء بن حارثة - بالحاء المهملة والثاء المثلثة، فقالوا ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقل له: إن أسلم يقرئونك السلام، ويقولون: إنا قد جهدنا من الجوع والضعف، فقال بريدة بن الحصيب - بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين: والله إن رايت كاليوم قط من بين العرب يصنعون هذا، فقال زيد بن حارثة أخو أسماء: والله إني لارجو أن يكون هذا البعث الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الخير فجاءه أسماء فقال: يا رسول الله إن أسلم تقرأ عليك السلام، وتقول إنا قد جهدنا من الجوع والضعف، فادع الله لنا فدعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال:
__________
(1) أخرجه ابن شيبية 7 / 454.
(*)(5/121)
" والله ما بيدي ما أقويهم به، قد علمت حالهم، وأنهم ليست لهم قوة، ثم قال " اللهم فافتح عليهم أعظم حصن فيها، أكثرها طعاما، وأكثرها ودكا ".
ودفع اللواء الى الحباب بن المنذر - رضي الله عنه - وندب الناس، فم رجعنا حتى فتح الله علينا حصن الصعب بن معاذ.
قالت أم مطاع الاسلمية - رضي الله عنها - لقد رأيت أسلم حين شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شكوا من شدة الحال، فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فنهضوا، فرايت أسلم أول من انتهى إلى حصن الصعب بن معاذ، فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتح الله
- تعالى - وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه، وكان عليه قتال شديد.
برز رجل من يهود يقال به يوشع، يدعوا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاختلفا ضربات فقتله الحباب، وبرز له آخر يقال له الزيال، فبرز له عمارة بن عقبة الغفاري، فبادره الغفاري فضربه ضربة على هامته وهو يقول: خذها وأنا الغلام الغفاري، فقال الناس " بطل جهاده "، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فقال: ما بأس به يؤجر ويحمد ".
وروى محمد بن عمر عن محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى بسهم فما أخطا رجلا منهم، وتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلي، وانفرجوا ودخلوا الحصن.
وروى محمد بن عمر عن جابر - رضي الله عنه - أنهم وجدوا في حصن الصعب من الطعام ما لم يكونوا يظنون أنه هناك من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك.
ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كلوا واعلفوا ولا تحملوا، يقول: لا تخرجوا به إلى بلادكم.
ذكر محاصرته - صلى الله عليه وسلم - حصن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - الذي صار في سهمه بعد روى البيهقي عن محمد بن عمر قال: لما تحولت يهود من حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلة الزبير حاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو حصن في رأس قلة، فاقام محاصرهم ثلاثة أيام، فجاء يهودي يدعى غزال فقال: يا أبا القاسم نؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النطاة وتخرج إلى أهل الشق، فان أهل الشق قد هلكوا رعبا منك ؟ فامنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهله وماله، فقال اليهودي: إنك لو أقمت شهرا ما بالوا، لهم دبول(5/122)
تحت الارض يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فان قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى دبولهم فقطعها، فلما قطع
عليهم مشاربهم خرجوا وقاتلوا أشد قتال (1).
وقتل من المسلمين يومئذ نفر، وأصيب من اليهود في ذلك اليوم عشرة، وافتتحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان هذا آخر حصون النطاة.
فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النطاة تحول إلى الشق.
ذكر انتقاله - صلى الله عليه وسلم - إلى محاصرة حصون الشق وفتحها روى البيهقي عن محمد بن عمر - رحمه الله - عن شيوخه - رحمهم الله - قالوا: لما تحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الشق وبه حصون ذوات عدد، فكان أول حصن بدأ به حصن أبي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن، قتالا شديدا، وخرج رجل من يهود يقال له غزول، فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاقتتلا فاختلفا ضربات، ثم حمل عليه الحباب، فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزول، فبادر راجعا منهزما إلى الحصن، فتبعه الحباب، فقطع عرقوبة، فوقع فذفف عليه، فخرج آخر، فصاح: من يبارز ؟ فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش، فقتل الجحشي، وقام مكانه يدعوا إلى البراز، فبرز له أبو دجانة، وقد عصب راسه بعصابته الحمراء، فوق المغفر، يختال في مشيته، فبدره أبو دجانة - رضي الله عنه - فضربه فقطع رجله ثم ذفف عليه، وأخذ سلبه، درعه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنفله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأحجم اليهود عن البراز، فكبر المسلمون، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه، يقدمهم أبو دجانة، فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة، وتقحموا الجدر كأنهم الظباء حتى صاروا الى حصن النزال بالشق، وجعل ياتي من بقي من فل النطاة إلى حصن النزال، فغلقوه، وامتنعوا فيه أشد الامتناع، وزحف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم في أصحابه، فقاتلهم، فكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم حتى أصابت النبل ثياب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلقت به، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النبل فجمعها، ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم، فرجف الحصن بهم، ثم ساخ في
الارض، حتى جاء المسلمون فاخذوا أهله أخذا (2).
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 224 والواقدي في المغازي 2 / 646.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 224 والواقدي 2 / 666.
(*)(5/123)
ذكر انتقاله - صلى الله عليه وسلم - إلى حصون الكتيبة وبعثه السرايا لوجع راسه وما وقع في ذلك من الايات لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصون النطاء، والشق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة، وأعظم حصونها القموص، وكان حصنا منيعا.
ذكر موسى بن عقبة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصره قريبا من عشرين ليلة، وكانت أرضا وخمة.
وروى الشيخان عن سهل بن سعد، والبخاري وابن أبي أسامة، وأبو نعيم عن سلمة بن الاكوع، وأبو نعيم، والبيهقي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه.
وأبو نعيم عن ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله، وأبو ليلى، ومسلم، والبيهقي عن أبي هريرة، والامام أحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي - رضي الله عنهم - قال بريدة - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين لا يخرج، فلما نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، فارسل أبا بكر - رضي الله عنه - فاخذ راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم نهض فقاتل قتالا شديدا، ثم رجع، ولم يكن فتح.
وقد جهد، ثم أرسل عمر - رضي الله عنه - فاخذ راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول، ثم رجع، ولم يكن فتح.
وفي حديث عن علي عند اليبهقي: أن الغلبة كانت لليهود في اليومين (1).
انتهى.
فاخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال: " لاعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه، ليس بفرار، يحب الله ورسوله، يأخذها عنوة " وفي لفظ " يفتح الله على يديه " قال بريدة: فبتنا طيبة
أنفسنا أن يفتح غدا، وبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجوا أن يعطاها، قال أبو هريرة قال عمر: فما أحببت الامارة قط حتى كان يومئذ (2).
قال بريدة: فما منا رجل له من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزلة إلا وهو يرجوا أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولت أنالها، ورفعت راسي لمنزلة كانت لي منه، وليس منة.
وفي حديث سلمة، وجابر: وكان علي تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرمد شديد كان به لا يبصر، فلما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا، أنا أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! ! فخرج
__________
(1) البيهقي في الدلائل 4 / 209.
(2) أخرجه البخاري 7 / 544 (4209) (4210) والبيهقي في الدلائل 4 / 205.
(*)(5/124)
فلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بريدة: وجاء علي - رضي الله عنه - حتى أناخ قريبا، وهو رمد، قد عصب عيينة بشق برد قطري، قال بريدة: فما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الغداة، ثم دعا باللواء، وقام قائما.
قال ابن شهاب: فوعظ الناس، ثم قال: " أين علي " ؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: " فأرسلوا إليه " قال سلمة: فجئت به أقودة، قالوا كلهم: فأتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - " مالك ؟ " قال: رمدت حتى لا أبصر ما قدامي.
قال: " ادن مني " وفي حديث علي عند الحاكم: فوضع رأسي عند حجره، ثم بزق في ألية يده فدلك بها عيني، قالوا: فبرأ كان لم يكن به وجع قط، فما وجعهما علي حتى مضى لسبيله، ودعا له وأعطاه الراية، قال سهل فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا.
فقال: " انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم.
ثم ادعهم الى الاسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى - وحق رسوله - فو الله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم " وقال أبو هريرة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: " اذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت " قال: علام أقاتل الناس ؟ قال: " قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم الا بحقها، وحسابهم على الله "
فخرجوا، فخرج بها والله يايح يهرول هرولة.
حتى ركزها تحت الحصن فاطلع يهودي فاطلع يهودي من راس الحصن فقال: من أنت ؟ قال علي، فقال اليهودي غلبتهم والذي أنزل التوراة على موسى، فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه.
قال أبو نعيم: فيه دلالة على أن فتح علي لحصنهم مقدم في كتبهم بتوجيه من الله وجهه إليهم، ويكون فتح الله - تعالى - على يديه.
ذكر قتل علي - رضي الله عنه - الحارث واخاه مرحبا، وعامرا وياسرا فرسان يهود وسبعانها روى محمد بن عمر عن جابر - رضي الله عنه - قال: أول من خرج من حصون خيبر - مبارزا - الحارث أخو مرحب في عاديته فقتله علي - رضي الله عنه - ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وبرز عامر، وكان رجلا جسيما طويلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين برز وطلع عامر " أترونه خمسة أذرع ؟ " وهو يدعو الى البراز، فخرج إليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئا، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم ذفف عليه، وأخذ سلاحه.
قال ابن إسحاق: ثم برز ياسر وهو يقول: قد علمت خيبر أني ياسر * شاكي السلاح بطل مغاور(5/125)
إذا الليوث أقبلنت تبادر * وأحجمت عن صولة المساور إن حسامي فيه موت حاضر قال محمد بن عمر: وكان من أشدائهم، وكان معه حربة يحوس الناس بها حوسا، فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له الزبير بن العوام: أقسمت ألا خليت بيني وبينه، ففعل، فقالت صفية لما خرج إليه الزبير - رضي الله عنها -: يا رسول الله يقتل ابني ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بل ابنك يقتله - إن شاء الله " فخرج إليه الزبير وهو يقول:
قد علمت خيبر أني زبار * قرم لقرم غير نكس فرار ابن حماة المجد، ابن الاخيار * ياسر لا يغررك جمع الكفار فجمعهم مثل السراب الختار ثم التقيا فقتله الزبير، قال ابن إسحاق: وذكر أن عليا هو الذي قتل ياسرا.
قال محمد بن عمر: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير لما قتل ياسرا فداك عم وخال ثم قال: " لكل نبي حواري وحواري الزبير ابن عمتي ".
حديث سلمة بن الاكوع عند مسلم، والبيهقي أن مرحبا - وهو بفتح الميم، والحاء المهملة، وسكون الراء - بينما - وبالموحدة - خرج وهو يخطر بسيفه، وفي حديث ابن بريدة عن أبيه: خرج مرحب وعليه مغفر معصفر يماني وحجر قد ثقبه مثل البيضة على راسه، وهو يرتجز ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب إذا الليوث أقبلت تلهب قال سلمة: فبرز له عامر وهو يقول: قد علمت خيبر أني عامر * شاكى السلاح بطل مغامر قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، وكان سيفه فيه قصر، فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله، وفي رواية عين ركبته، وكانت فيها نفسه، قال بريدة: فبرز مرحب وهو يقول: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب إذا الليوث أقبلت تلهب * وأحجمت عن صولة المغلب فبرز له على بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعليه جبة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، وهو يقول:(5/126)
أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث غابات كريه المنظره أوفيهم الصاع كيل السندره فضرب مرحبا ففلق راسه، وكان الفتح.
وفي حديث بريدة، فاختلفا ضربتين، فبدره علي - رضي الله عنه - بضربة فقد الحجر والمغفر وراسه ووقع في الاحراش وسمع أهل العسكر صوت وقام الناس مع علي حتى أخذ المدينة.
وروى الامام أحمد عن على - رضي الله عنه - قال: لما قتلت مرحبا، جئت براسه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ذكر من زعم من أهل المغازي وغيرهم أن محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - هو الذي قتل مرحبا روى البيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة، وعن الزهري، وعن ابن إسحاق، وعن محمد بن عمر عن شيخوخه، قالوا: واللفظ لابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر، وقد جمع سلاحه يقول من يبارز ويرتجز قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب أطعن أحيانا وحينا أضرب * إذا الليوث أقبلت تحرب إن حماي للحمى لا يقرب فاجابه كعب بن مالك فقال: قد علمت خيبر أني كعب * مفرج الغمى جرئ صلب إذا شبت الحرب تلتها الحرب * معي حسام كالعقيق عضب نطاكم حتى يذل الصعب * نعطي الجزاء أو يفئ النهب بكف ماض ليس فيه عتب قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد - رحمه الله:
قد علمت خيبر أني كعب * وأنني متى تشب الحرب ماض على الهول جرئ صلب * معي حسام كالعقيق عضب بكف ماض ليس فيه عتب * ندككم حتى يذل الصعب قال: ومرحب بن عميرة.(5/127)
قال جابر: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لهذا ؟ " قال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالامس، قال: " فقم إليه، اللهم أعنه عليه " قال: فلما دنا أحدهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، فكلما لاذ منه بها اقتطع صاحبه ما دونه منها، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم، ما فيها فنن، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فضربه، فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه فيها، فعضت به فامسكته، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله.
والله أعلم.
قلت: جزم جماعة من أصحاب المغازي: بان محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبا.
ولكن ثبت في صحيح مسلم كما تقدم عن سلمة بن الاكوع أن عليا - رضي الله عنه - هو الذي قتل مرحبا.
ورد ذلك في حديث بريدة بن الحصيب، وأبي نافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى تقدير صحة ما ذكره جابر، وجزم به جماعة، فما في صحيح مسلم مقدم عليه من وجهين: أحدهما أنه أصح إسنادا، الثاني.
أن جابرا لم يشهد خيبر كما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما، وقد شهدها سلمة وبريدة، وأبو رافع - رضي الله عنهم - وهم أعلم ممن لم يشهدها، وما قيل من أن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه، ومر به علي فاجهز عليه، ياباه حديث سلمة وأبي رافع، والله أعلم.
وصحح أبو عمر - رحمه الله - أن عليا - رضي الله عنه - هو الذي قتل مرحبا، وقال ابن الاثير: إنه الصحيح.
ذكر قلع علي رضي الله عنه - باب خيبر قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن حسن عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطرح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل، حتى فتح الله - تعالى - عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فم نقلبه.
وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر محمد بن علي - رضي الله عنه - عن آبائه، قال: حدثني جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: أن عليا - رضي الله عنه - حمل الباب يوم خيبر، حتى صعد عليه المسلمون(5/128)
فافتتحوها، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا - رجاله ثقات إلا ليث بن أبي سليم - وهو ضعيف (1).
قال البيهقي: وروى من وجه آخر ضعيف عن جابر قال: اجتمع عليه سبعون رجلا، وكان أجهدهم أن أعادوا الباب، قلت: رواه الحاكم.
ذكر إسلام العبد الاسود وما وقع في ذلك من الايات روى البيهقي عن جابر بن عبد الله، والبيهقي عن أنس - رضي الله عنهم - والبيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة: أن عبدا حبشيا لرجل من أهل خيبر كان يرعى غنما لهم، لما رآهم قد أخذوا السلاح واستعدوا لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالهم: ما تريدون ؟ قالوا: نقاتل هذا الرجل، الذي يزعم أنه نبي.
قوقع في نفسه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج بغنمه ليرعاها، فاخذه المسلمون، فجاءوا به لرسول لله - صلى الله عليه وسلم - وفي لفظ ابن عقبة: أنه عمد بغنمه الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يكلمه، فقال الرجل: ماذا تقول، وماذا
تدعوا إليه ؟ قال: " أدعوك إلى الاسلام وأن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن لا تعبد إلا الله ".
قال العبد: وما ذا يكون لي إن شهدت بذلك، وآمنت بالله تعالى ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لك الجنة إن آمنت على ذلك " فاسلم العبد، وقال: يا رسول الله إني رجل أسود اللون قبيح الوجه، منتن الريح، لا مال لي، فان قاتلت هؤلاء حتى أقتل، أدخل الجنة ؟ قال: " نعم ".
قال: يا رسول الله إن هذه الغنم عندي أمانة فكيف بها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أخرجها من العسكر، وارمها بالحصباء فان الله - عز وجل - سيؤئي عنك أمانتك " ففعل، وأعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمته، فخرجت الغنم تشتد مجتمعة كان سائقا يسوقها حتى دخلت كل شاة إلى أهلها، فعرف اليهودي أن غلامه قد أسلم، ثم تقدم العبد الاسود إلى الصف، فقاتل فأصابه سهم فقتله، ولم يصل لله - تعالى - سجدة قط، فاحتمله المسلمون إلى عسكرهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أدخلوه الفسطاط "، وفي لفظ " الخباء " فادخلوه خباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليه، ثم خرج فقال " لقد حسن إسلام صاحبكم، لقد دخلت عليه، وإن عنده لزوجتين له من الحور العين " (2) وفي حديث أنس: فاتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مقتول، فقال: " لقد حسن الله وجهك، وطيب ريحك، وكثر مالك، لقد رايت زوجتيه من الحور العين ينزعان جبته يدخلان فيما بين جلده وجبته ".
__________
(1) البيهقي في الدلائل 4 / 212 وابن هشام 3 / 290 وابن كثير 4 / 189، وفيه جهالة وانقطاع ظاهر.
(2) البيهقي في الدلائل 4 / 22 وابن كثير 4 / 190 وابن هشام 2 / 344.
(*)(5/129)
وعند ابن إسحاق " ينفضان التراب عن وجهه، ويقولان: " ترب الله وجه من تربك وقتل من قتلك ".
ذكر نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الحمر الانسية وغيرها مما يذكر
روى الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الانسية، فانتحرناها، فلما غلت القدور، ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن أكفئوا القدور، ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا (1).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم خيبر، جاء فقال: يا رسول الله، فنيت الحمر، فامر أبا طلحة فنادى " إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر " رواه عثمان بن سعيد الدارمي بسند صحيح.
(2) وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن بيع الغنائم حتى تقسم، وعن الحبالى أن توطا حتى يضعن ما في بطونهن، قال: " لا تسق زرع غيرك "، وعن لحوم الحمر الاهلية، وعن كل ذي ناب من السباع - رواه الدار قطني (3).
وعن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، والناس جياع، فاصبنا بها حمرا إنسية فذبحناها، فاخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فامر عبد الرحمن بن عوف فنادى في الناس (إن لحوم الحمر لا تحل لمن يشهد أني رسول الله) رواه الامام أحمد، والشيخان (4).
وعن سلمة - رضي الله عنه - قال: أتينا خيبر فحاصرناها حتى أصابتنا مخصمة شديدة: يعني الجوع الشديد، ثم إن الله - تعالى - فتحها علينا.
فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم، أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما هذه النيران ؟ على أي شئ توقدون ؟ " قالوا: على لحم، قال: " على أي لحم " ؟ قالوا: لحم حمر إنسية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أهرقوها، واكسروا الدنان " فقال رجل: أو نهريقوهها ونغسلها ؟ قال " أو ذاك " رواه الشيخان، والبيهقي (5).
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 550 (4221، 4223، 4225، 4226، 5525).
(2) أخرجه عبد الرزاق (8725) والطبراني في الكبير 5 / 316 وانظر التمهيد لابن عبد البر 10 / 127.
(3) وأخرجه الحاكم في المستدرك 2 / 56 وانظر التلخيص الكبير 3 / 7.
(4) أخرجه البخاري 9 / 653 (5527) ومسلم 3 / 1538 (23 / 1936).
(5) أخرجه البخاري (6331) ومسلم 3 / 1540 (33 / 1802)، واحمد 4 / 383 والبيهقي في الدلائل 4 / 200.
(*)(5/130)
وروى محمد بن عمر - رحمه الله - تعالى - عن شيخوخه: أن عدة الحمد التي ذبحوها، كانت عشرين أو ثلاثين، كذا رواه على الشك.
ذكر فتحه - صلى الله عليه وسلم - الوطيح والسلالم وكانا آخر حصون خيبر فتحا قال ابن إسحاق: وتدنى ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاموال ياخذها مالا مالا، ويفتحها حصنا حصنا، حتى انتهوا إلى ذينك الحصنين، وجعلوا لا يطلعون من حصنهم حتى هم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينصب عليهم المنجنيق، لما راى من تغليقهم، وأنه لا يبرز منهم أحد، فلما أيقنوا بالهلكة - وقد حصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر يوما - سالوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلح، فارسل كنانة بن أبي الحقيق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من اليهود يقال له شماخ يقول (أنزل فاكلمك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نعم " فنزل كنانة بن أبي الحقيق، فصالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة، وعلى البز إلا ثوبا على ظهر إنسان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا " فصالحوه على ذلك، فارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الاموال فقبضها الاول، ووجد في ذينك الحصنين مائة درع وأربعمائة سيف، وألف رمح، وخمسمائة قوس عربية بجعابها (1).
ذكر سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلي حيي بن اخطب وماله اللذين حملهما لما أجلي عن المدينة، وما وقع في ذلك من الايات قال محمد بن عمر: كان الحلي في أول الامر في مسك حمل، فلما كثر، جعلوه في
مسك ثور، ثم في مسك جمل، وكان ذلك الحلي يكون عند الاكابر من آل أبي الحقيق وكانوا يعيرونه العرب.
وروى ابن سعد والبيهقي عن ابن عمر، وابن سعد - بسند رجاله ثقات - عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - وهو صدوق سئ الحفظ - عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على أهل خيبر صالحهم على أن يخرجوا بانفسهم وأهليهم، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - الصفراء والبيضاء والحلقة والسلاح، ويخرجهم، وشرطوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يكتموه شيئا، فان فعلوا فلا ذمة لهم (2).
__________
(1) البيهقي في الدلائل 4 / 204.
(2) البيهقي في الدلائل 4 / 229.
(*)(5/131)
قال ابن عباس: فاتي بكنانة، والربيع، وكان كنانة زوج صفية، والربيع أخوه أو ابن عمه، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أين آنيتكما التي كنتم تعيرونها أهل مكة ؟ ".
وقال ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعم حيي " ما فعل مسلك حيي الذي جاء به من النضير ؟ " فقال: وقال ابن عباس: قالا: " هربنا، فلم نزل تضعنا أرض وترفعنا أخرى، فذهب في نفقتنا كل شئ.
وقال ابن عمر: أذهبته النفقات والحروب، فقال " العهد قريب، والمال أكثر من ذلك ".
وقال ابن عباس: فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنكما إن تكتماني شيئا فاطلعت عليه استحللت به دماءكما وذراريكما ".
فقالا: نعم.
وقال عروة ومحمد بن عمر فيما رواه البيهقي عنهما: فاخبر الله عز وجل رسوله - صلى الله عليه وسلم - بموضع الكنز، فقال لكنانة " إنك لمغتر بامر السماء ".
قال ابن عباس: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من الانصار فقال: " إذهب إلى قراح كذا وكذا، ثم ائت النخل فانظر نخلة عن يمينك، أو عن يسارك مرفوعة فاتني بما فيها " فجاءه
بالآنية والاموال، فقومت بعشرة آلاف دينار، فضرب أعناقهما، وسبي أهليهما بالنكث الذي نكثاه.
وقال ابن إسحاق: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه، فاتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل من يهود، قال ابن عقبة: اسمه ثعلبة وكن في عقله شئ، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنانة: " أرأيت إن وجدناه عندك، أقتلك ؟ " قال: نعم، فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخربة فحفرت، وأخرج منها بعض كنزهم، ثم ساله عما بقى، فابي أن يؤديه، فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير بن العوام، فقال: " عذبه حتى تستأصل ما عنه " فكن الزبير - رضي الله عنه - يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه باخيه محمود بن مسلمة.
ذكر إرادته - صلى الله عليه وسلم - إجلاء يهود خيبر عنها كنا وقع شرطهم، ثم إقراره إياهم يعملون فيها ما أقرهم الله وإخراج عمر ابن الخطاب لهم لما نكثوا العهد روى البخاري والبيهقي عن ابن عمر، والبيهقي عن عروة وعن موسى بن عقبة: أن خيبر لما فتحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالت يهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرهم فيها على نصف ما(5/132)
خرج منها من التمر، وقالوا: دعنا يا محمد نكون في هذه الارض.
نصلحها، ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها، فاعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشئ ما بدا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي لفظ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " نقركم فيها على ذلك ما شئنا، وفي لفظ " ما أقركم الله " (1).
وكان عبد الله بن رواحة ياتيهم كل عام فيخرصها عليهم، ثم يضمنهم الشطر، فشكوا
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شدة خرص ابن رواحة، وأرادوا أن يرشوا ابن رواحة، فقال: يا أعداء الله، تطعموني السحت ؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولانتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم فقالوا: بهذا قامت السموات والارض، فاقاموا بارضهم على ذلك.
فلما كان زمان عمر، غشوا المسلمين، وألقوا عبد الله بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه، ويقال بل سحروه بالليل وهو نائم على فراشه، فكوع حتى أصبح كانه في وثاق، وجاء أصحابه، فأصلحوا من يديه، فقام عمر خطيبا في الناس، فقال: ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل يهود خيبر على أموالها، وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، وهم تهمتنا، وقد رايت إجلاءهم.
فمن كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها، فلما أجمع على ذلك، قال رئيسهم، وهو أحد بني الحقيق: لا تخرجنا ودعنا نكون فيها كما أقرنا أبو القاسم وأبو بكر، فقال عمر لرئيسهم: أتراني سقط عني قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كيف بك، إذا ارفضت بك راحلتك تؤم الشام يوما، ثم يوما ؟ " وفي رواية: أظننت أني نسيت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كيف بك إذا خرجت من خيبر يعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة " فقال: تلك هزيلة من أبي القاسم، قال: كذبت، وأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة مالهم من التمر: مالا، وعروضا من أقتاب وحبال، وغير ذلك، وسيأتي في أبواب الوفاة النبوية قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أخرجوا اليهود من جزيرة العرب " (2).
ذكر قصة الشاء المسمومة وما وقع في ذلك من الآيات روى الشيخان عن أنس، والامام أحمد، وابن سعد، وأبو نعيم عن ابن عباس، والدارمى، والبيهقي عن جابر، والبيهقي بسند صحيح - عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك، والطبراني
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 327 (2730)، والبيهقي في الدلائل 4 / 234.
(2) أخرجه البخاري 6 / 170 (3053) (3168، 4431) ومسلم 3 / 1257 (20 / 1637).
(*)(5/133)
عنه عن أبيه، والبزار والحاكم، وأبو نعيم عن أبي سعيد، والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - والبيهقي عن ابن شهاب - رحمه الله تعالى -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما افتتح خيبر، وقتل من قتل، واطمان الناس، أهدت زينب ابنة الحارث امرأة سلام بن مشكم، وهي ابنة أخي مرحب - لصفية امرأته شاة مصلية، وقد سالت: أي عضو الشاة أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاء، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور - بمهملات - فقدمت إليه الشاة المصلية، فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتف، وفي لفظ: الذراع، وانتهس منها فلاكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتناول بشر ابن البراء عظما، فانتهس منه (1).
قال ابن إسحاق، فاما بشر فاساغها، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلفظها، وقال ابن شهاب: فلما استرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارفعوا ما في أيديكم، فان كتف هذه الشاة تخبرني أني نعيت فيها.
قال ابن شهاب: فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك، فلما سغت ما في فيك لم أكن لارغب بنفسي عن نفسك ورجوت ألا تكون استرطتها، وفيها نعي.
فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلا أن حول.
قال الزهري قال جابر: واحتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كاهله يومئذ، حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن والشفرة، وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه.
فقال: " ما زلت أجد من الاكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عوادا حتى كان هذا وانقطع أبهري " فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهيدا بلفظ ابن شهاب.
وذكر محمد بن عمر: أنه ألقى من لحم تلك الشاة لكلب فما تبعت يده رجله حتى مات.
وقال الصحابة السابق ذكرهم - رضي الله عنهم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى اليهودية، فقال: " أسممت هذه الشاة ؟ " فقالت: من أخبرك ؟ قال: " أخبرتني هذه التي في يدي وهي الذراع، قالت: نعم، قال: " ما حملك على ما صنعت ؟ " قالت: بلغت من قومي ما لم
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 272 (2617) ومسلم 4 / 1721 (45 / 2190)، وأحمد 2 / 451، وأخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 259، وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (3169، 4249، 5777) وأبو داود في الديات (6)، وابن ماجه في الطبراني (45) والدارمي في المقدمة 11، وانظر المغازي للواقدي 2 / 677 والسيرة لابن هشام 3 / 293 وشرح المواهب 2 / 239 وابن كثير في البداية 4 / 208 والسيرة 3 / 394.
(*)(5/134)
يخف عليك.
فقلت: إن كان ملكا استرحنا منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فتجاوز - وفي لفظ - فعفا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومات بشر من أكلته التي أكل ولم يعاقبها.
وذكر محمد بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها " ما حملك على هذا ؟ " قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي - فابوها الحارث وعمها يسار وأخوها رحب وزوجها سلام بن مشكم.
وعن أبي سلمة عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مات بشر بن البراء أمر باليهودية فقتلت.
رواه أبو داود، ووقع عند البزار من حديث أبي سعيد الخدري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد سؤاله للمرأة اليهودية واعترافها - بسط يده إلى الشاة وقال لاصحابه: " كلوا باسم الله " قال: فاكلنا وذكرنا اسم الله، فلم يضر أحد منا.
قال الحافظ عماد الدين بن كثير: وفيه نكارة وغرابة شديدة.
قلت: وذكر محمد بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلحم الشاة فاحرق.
ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومن معه من الاشعريين من أرض الحبشة روى الشيخان، والاسماعيلي، وابن سعد، وابن حبان، وابن منده عن أبي موسى
الاشعري - رضي الله عنه - قال: لما بلغنا مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي، أنا أصغرهم، أحدهم أبو رهم - بضم الراء، وسكون الهاء - والاخر أبو بردة، إما قال: في بضع، وإما قال: في ثلاثة أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة - قلا ابن منده: حتى جئنا مكة - ثم خرجنا في بر حتى أتينا المدينة - فالقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة: فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا، وأمرنا بالاقامة، فاقيموا معنا، فاقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فتح خيبر قال: فاسهم لنا، وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا من شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معنا، وذكر البيهقي - رحمه الله - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سال الصحابة أن يشركوهم ففعلوا ذلك (1)، انتهى.
قال: فكان أناس يقولون لنا: " يعني أصحاب " السفينة: سبقناكم بالهجرة.
ودخلت أسماء - بنت عميس - بعين وسين مهملتين، وبالتصغير - وهي ممن قدم معنا
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 553 (4230)، أخرجه مسلم 3 / 1946، 1947 حديث (169 / 2502)، والبيهقي في الدلائل 4 / 244، وانظر السيرة لابن هشام 2 / 359 والمغازي للواقدي 2 / 683، والبداية 4 / 205.
(*)(5/135)
يومئذ - على حفصة زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء - رضي الله عنهم - من هذه ؟ فقالت: أسماء بنت عميس فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، نحن أحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فغضبت وقالت: كلا والله يا عمر، كنتم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطعم جياعكم، ويعلم جاهلكم، وكنا في دار، أو أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأساله، والله لا أكذب ولا أزيد على ذلك، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: يا نبي الله ! ! إن رجالا يفخرون علينا، ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الاولين، فقال: " من يقول ذلك ؟ "
قلت: إن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " ما قلت له ؟ " قالت له كذا وكذا، قال: " ليس باحق لي منكم، له ولاصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة - هجرتان " قالت: فلقد رايت أبا موسى وأصحابه ياتوني أرسالا يسالوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شئ هم أفرح، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو بريدة: قالت أسماء: ولقد رايت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني، وقال لكم الهجرة مرتين.
وروى البيهقي عن جابر - رضي الله عنه - قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر، وقدم جعفر من الحبشة، تلقاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل جبهته، ثم قال: " والله ما أدري بايهما أفرح، بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر (1) ".
وروى البيهقي، بسند فيه من لا يعرف حاله - عن جابر - رضي الله عنه - قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب تلقاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما نظر جعفر الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " حجل " قال أحد رواته: يعني مشى على رجل واحدة اعظاما منه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عينيه (2).
ذكر قدوم أبي هريرة وطائفة من أوس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر روى الامام أحمد، والبخاري في التاريخ، وفي مجمع الزوائد للهيثمي في أول خيبر عن خزيمة، والطحاوي، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قدمنا المدينة، ونحن ثمانون بيتا من أوس، فصلينا الصبح خلف سباع بن عرفطة الغفاري، فقرأ في الركعة الاولى بسورة: " مريم "، وفي الاخرة " ويل للمطففين " فلما قرأ (إذا اكتالوا على الناس
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 246 وابن كثير في البداية 4 / 306.
(2) انظر المصدرين السابقين.
(*)(5/136)
يستوفون) [ المطففين 2 ] قلت: تركت عمي بالسراة له مكيلان، إذا اكتال اكتال بالاوفى، وإذا
كال كال بالناقص فلما فرغنا من صلاتنا، قال قائل: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، وهو قادم عليكم، فقلت: لا أسمع به في مكان أبدا إلا جئته، فزودنا سباع بن عرفطة، وحملنا حتى جئنا خيبر فنجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فتح النطاة، وهو محاصر الكتيبة، فاقمنا حتى فتح الله علينا (1).
وفي رواية فقدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد فتح خيبر، وكلم المسلمين فاشركنا في سهمانهم.
وروى البخاري، وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قدمت المدينة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر حين افتتحها، فسألته أن يسهم لي، قال: فتكلم بعض ولد سعيد بن العاص فقال: لا تسهم له يا رسول الله، قال: فقلت: هذا والله هو قاتل ابن قوقل، فقال: وأظنه أبان بن سعيد بن العاص سميا عجبا لوبر تدلى علينا من قدوم ضان يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يدي.
ولم يهنى على يديه (2).
وروى البخاري، وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبانا على سرية من المدينة، قبل نجد، قال أبو هريرة: فقدم أبان وأصحابه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعد ما افتتحها، وإن حزم خيلهم لليف، فقال: يا رسول الله أرضخ لنا فقال أبو هريرة: يا رسول الله لا تقسم لهم، فقال أبان وأنت بهذا يا وبر تحدر من راس خال - وفي لفظ - فان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أبان اجلس " فلم يقسم لهم (3).
ذكر قدوم عيينة بن حصن وبني فزارة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر بعد فتحها وما وقع في ذلك من الايات روى البيهقي عن موسى بن عقبة عن الزهري - رحمهما الله - تعالى -: أن بني فزارة ممن قدم على أهل خيبر ليعينوهم فراسلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يعينوهم وسالهم أن يخرجوا عنهم ولكم من خيبر كذا وكذا، فابوا عليه، فلما أن فتح الله خيبر أتاه من كان هناك من بني فزارة، فقالوا: حظنا والذي وعدتنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " حظكم - أو قال " لكم ذو
الرقيبة " جبل من جبال خيبر - فقالوا: إذا نقاتلك، فقال: " موعدكم جنفا ".
فلما أن سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجوا هاربين (4).
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 247، وذكره الهيثمي في المجمع 6 / 158.
(2) أخرجه البخاري 7 / 561 (4237)، والبيهقي في الدلائل 4 / 247 وانظر البداية والنهاية 4 / 208.
(3) البخاري 7 / 561 (4238).
(4) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 248.
(*)(5/137)
وروى البيهقي عن محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: كان أبو شييم المزني - رضي الله عنه قد أسلم فحسن إسلامه يحدث ويقول: لما نفرنا إلى أهلنا مع عيينة بن حصن فرجع بنا عيينة، فلما كان دون خيبر عرسنا من الليل، ففزعنا، فقال عيينة: أبشروا، إني رايت الليلة في النوم أني أعطيت ذو الرقيبة - جبلا بخيبر - قد والله أخذت برقبة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما أن قدمنا خيبر - قدم عيينة، فوجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فتح خيبر، فقال عيينة: يا محمد ! أعطني مما غنمت من حلفائي، فانى قد خرجت عنك وعن قتالك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كذبت ولكن الصياح الذي سمعت أنفرك إلى أهلك قال: أخذني يا محمد ؟ قال: " لك ذو الرقيبة " قال عيينة: وما ذو الرقيبة ؟ قال " الجبل الذي رأيت في منامك أنك أخذته " فانصرف عيينة، فلما رجع إلى أهله جاءه الحارث بن عوف، وقال: ألم أقل لك توضع في غير شئ، فالله، ليظهرن محمد على ما بين المشرق والمغرب، يهود كانوا يخبروننا بهذا أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن مشكم يقول: إنا لنحسد محمدا على النبوة، حيث خرجت من بني هارون، وهو نبي مرسل، ويهود لا تطاوعني على هذا، ولنا منه ذبحان واحد بيثرب وآخر بخيابر (1).
ذكر مصالحة أهل فدك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر فدنا منها بعث محيصة بن مسعود الحارثي إلى فدك يدعوهم إلى الاسلام ويخوفهم أن يغزوهم كما غزا أهل خيبر.
ويحل بساحتهم، قال
محيصة فجئتهم فاقمت عندهم يومين، فجعلوا يتربصون ويقولون بالنطاة عامر وياسر والحارث، وسيد اليهود ومرحب، ما نرى محمدا بقرب حراهم، إن بها عشرة آلاف مقاتل، قال محيصة: فلما رايت خبثهم أردت أن أرجع، فقالوا: نحن نرسل معك رجالا منا ياخذون لنا الصلح، ويظنون أن يهود تمتنع، فلم يزالوا كذلك حتى جاءهم قتل أهل حصن ناعم، وأهل النجدة منهم، ففت ذلك أعضادهم، فقدم رجل من رؤسائهم يقال له نون بن يوشع في نفر من يهود، فصالحوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يحقن دماءهم ويجليهم، ويخلوا بينه وبين الاموال، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقال: عرضوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوا من بلادهم، ولا يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم من الاموال شئ، فإذا كان أوان جذاذها جاءوا فجذوها، فابى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقبل ذلك، وقال لهم محيصة: ما لكم منعة ولا حصون ولا رجال، ولو بعث إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل لساقوكم إليه، فوقع الصلح بينهم بان لهم نصف الارضين بتربتها، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصفها، فقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، يقول محمد بن عمر: وهذا أثبت القولين، وأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، ولم ياتهم، فلما كان عمر بن
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 249 والمغازي للواقدي 2 / 675.
(*)(5/138)
الخطاب وأجلى يهود خيبر بعث إليهم من يقوم أرضهم، فبعث أبا الهيثم مالك بن التيهان - بفتح الفوقية وكسر التحتية المشددة، وبالنون، وفروة بن عمرو بن جبار - بتشديد الموحدة بن صخر، وزيد بن ثابت، فقوموها لهم، النخل والارض، فاخذها عمر، ودفع إليهم نصف قيمة النخل بتربتها، فبلغ ذلك خمسين ألف درهم أو يزيد، وكان ذلك المال جاء من العراق، وأجلاهم إلى الشام.
ذكر المراهنة التي كانت بين قريش في أن أهل خيبر يغلبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى البيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة، وعن محمد بن عمر عن عبد الله بن
أبي بكر بن حزم - رحمهم الله تعالى - قالوا -: واللفظ لمحمد بن عمر -: كان حويطب - بضم الحاء المهملة، وسكون التحتية، وكسر الطاء المهملة - ابن عبد العزى - رضي الله عنه - يقول: انصرفت من صلح الحديبية، وأنا مستيقن أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - سيظهر على الخلق، وتابى حمية الشيطان إلا لزوم ديني، فقدم علينا عباس - بالموحدة المشددة - ابن مرداس - بكسر الميم - السلمي يخبرنا أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد سار إلى خيابر، وأن خيابر قد جمعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمحمد لا يفلت إلى أن قال عباس بن مرداس: من شاء بايعته إن محمدا لا يفلت قلت: أنا أخاطرك، فقال صفوان بن أمية: أنا معك يا عباس، وقال نوفل بن معاوية الديلمي أنا معك يا عباس، وضوى إلي نفر من قريش فتخاطرنا مائة بعير أخماسا إلى مائة بعير، أقول أنا وحزبي: يظهر محمد - صلى الله عليه وسلم - ويقول عباس وحزبه: تظهر غطفان، وجاء الخبر بظهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفاخذ حويطب وحزبه الرهن.
ذكر استئذان الحجاج بن علاط - رضي الله عنه - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح خيبر أن يذهب إلى مكة لاخذ ماله قبل وصول الخبر إليها روى الامام أحمد عن أنس - رضي الله عنه - والبيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد ابن عمر عن شيخوخه، قالوا: كان الحجاج بن علاط بكسر العين المهملة، وتخفيف اللام، السلمي بضم السين، خرج يغير في بعض غاراته، فذكر له أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، فاسلم، وحضر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت أم شيبة ابنة عمير بن هاشم - أخت مصعب بن عمير العبدري - امرأته، وكان الحجاج مكثرا، له مال كثير، وله معادن الذهب التي بارض بني سليم - بضم السين، فقال: يا رسول الله، إئذن لي، فاذهب فاخذ مالي عند امرأتي، فان علمت باسلامي لم آخذ منه شيئا، ومال لي متفرق في تجار أهل مكة، فاذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول(5/139)
الله إنه لابد لي من أن أقول، قال " قل " قال الحجاج: فخرجت فلما انتهيت إلى الحرم،
هبطت فوجدتهم بالثنية البيضاء، وإذا بها رجال من قريش يتسمعون الاخبار قد بلغهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سار إلى خيبر، وعرفوا أنها قرية الحجاز أنفة ومنعة وريفا ورجالا وسلاحا، فهم يتحسبون الاخبار، مع ما كان بينهم من الرهان، فلما راوني قالوا: الحجاج بن علاط عنده - والله - الخبر - ولم يكونوا فلموا باسلامي - يا حجاج، إنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر بلد يهود، وريف الحجاز، فقلت: بلغني أنه قد سار إليها وعندي من الخبر ما يسركم فالتبطوا بجانبي راحلتي، يقولون: إنه يا حجاج ؟ ! فقلت: لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتال غير أهل خيابر، كانوا قد ساروا في العرب يجمعون له الجموع، وجمعوا له عشرة آلاف فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها قط، وأسر محمد أسرا، فقالوا: لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة فنقتله بين أظهرهم بمن قتل منا ومنهم، ولهذا فانهم يرجعون إليكم يطلبون الامان في عشائرهم، ويرجعون إلى ما كانوا عليه، فلا تقبلوا منهم، وقد صنعوا بكم ما صنعوا، قال: فصاحوا بمكة، وقالوا: قد جاءكم الخبر، هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم، وقلت: أعينوني على جمع مالي على غرمائي فاني أريد أن أقدم فاصيب من غنائم محمد وأصحابه: قبل أن تسبقني التجار إلى ما هناك، فقاموا فجمعوا إلي مالي كاحث جمع سمعت به، وجئت صاحبتي فقلت لها: مالي، لعلي ألحق بخيبر فاصيب من البيع قبل أن يسبقني التجار.
وفشا ذلك بمكة، واظهر المشركون الفرح والسرور، وانكسر من كان بمكة من المسلمون، وسمع بذلك العباس بن عبد المطلب، فقعد وجعل لا يستطيع أن يقوم فاشفق أن يدخل داره فيوذى وعلم انه يوذى عند ذلك فامر بباب داره أن يفتح وهو مستلق فدعا بقثم، فجعل يرتجز ويرفع صوته لئلا يشمت به الاعداء، وحضر باب العباس بين مغيظ ومحزون، وبين شامت، وبين مسلم ومسلمة مقهورين بظهور الكفر، والبغى، فلما راى المسلمون العباس طيبة نفسه، طابت انفسهم، واشتدت منتهم (1)، فدعا غلاما له يقال أبو زبيبة، بلفظ واحدة زبيب العنب، ولم اجد له ذكرا في الاصابة، فقال: اذهب الى الحجاج فقل له: يقول لك العباس: الله
اعلى واجل من أن يكون الذى جئت به حقا، فقال له الحجاج: اقرا على ابى الفضل السلام، وقل له: ليخل لي في بعض بيوته، لاتيه بالخبر على ما يسره، واكتم عنى، واقبل أبو زبيبة يبشر العباس، فقال: ابشر يا ابا الفضل، فوثب العباس فرحا كان لم يمسه شئ، ودخل عليه أبو زبيبة، واعتنقه العباس، واعتقه، واخبره بالذى قاله.
__________
المنة: القوة، انظر المعجم الوسيط 2 / 896.
(*)(5/140)
فقال العباس: لله علي عتق عشر رقاب، فلما كان ظهرا، جاءه الحجاج، فنا شده الله: لتكتمن على ثلاثة ايام، ويقال: يوما وليلة، فوافقه العباس على ذلك، فقال: انى قد اسلمت، ولي مال عند امراتى، ودين على الناس، ولو علموا باسلامي لم يدفعوه الي وتركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد فتح خيبر، وجرت سهام الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها وانتشل ما فيها، وتركته عروسا بابنه مليكهم حيي بن اخطب، وقتل ابن أبي الحقيق فلما امسى الحجاج من يومه خرج وطالت على العباس تلك الليالى، ويقال: انما انتظره العباس يوما وليلة، فلما كان بعد ثلاث، والناس يموجون في شان ما تبايعوا عليه، عمد العباس الى حلة فلبسها، وتخلق بخلوق، واخذ بيده قضيبا، ثم اقبل يخطر، حتى وقف على باب الحجاج بن علاط فقرعه، فقالت زوجته: الا تدخل يا ابا الفضل ؟ قال: فأين زوجك ؟ قالت: ذهب يوم كذا وكذا، وقالت: لا يحزنك الله يا أبا الفضل، لقد شق علينا الذى بلغك، قال: اجل، لا يحزنني الله، لم يكن بحمد الله الا ما احببنا، فتح الله على رسوله خيبر، وجرت فيها سهام الله ورسوله، واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفيه لنفسه، فان كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به، قالت: اظنك والله صادقا.
ثم ذهب حتى مجلس قريش وهم يقولون إذا مر بهم: لا يصيبك الا خير يا ابا الفضل ! ! هذا والله التجلد لحر المصيبة، قال: كلا والله الذي حلفتم به، لم يصبني الا خير بحمد الله، اخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله على رسوله، وجرى فيها سهام الله
وسهام رسوله، فرد الله - تعالى - الكابة التى كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من كان دخل في بيته مكتئبا حتى اتوا العباس فاخبرهم الخبر، فسر المسلمون.
وقال المشركون [ يالعباد الله ] انفلت عدو الله، - يعنى الحجاج اما والله لو علمنا لكان لنا وله شان، ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك.
ذكر مغانم خيبر ومقاسمها على طريق الاختصار عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر، فلم يغنم ذهبا ولا فضة الا الابل والبقر والمتاع والحوائط.
وفي رواية الا الاموال والثياب والمتاع.
رواه مالك والشيخان، وابو داود، والنسائي (1) وقال ابن اسحاق: وكانت المقاسم على اموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة، وكانت الشق، ونطاة في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله، وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وطعم ازواج
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 557 (4234).
(*)(5/141)
النبي - صلى الله عليه وسلم - وطعم رجال مشوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل فدك بالصلح، منهم محيصة بن مسعود، أعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ثلاثين وسقا من شعير، وثلاثين وسقا من تمر، وقسمت خيبر على أهل الحديبية، من شهد خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام - رضي الله عنهما - فقسم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسهم من حضرها، وكان وادياها - وادي السريرة، ووادي خاص، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر.
وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهما، نطاة من ذلك خمسة أسهم، والشق ثلاثة عشر سهما، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم وثمانمائة سهم، وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم، للرجال أربع عشرة مائة، والخيل مائتا فرس، فكان لكل فرس سهمان، ولفارسه سهم، وكان لكل راجل سهم، وكان لكل سهم راس جمع إليه مائة رجل، فكانت ثمانية عشر سهما،
جمع.
فكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - راسا، والزبير بن العوام راسا، وسرد ذكر ذلك ابن إسحاق.
ثم قال: ثم قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتيبة، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه وبين رجال مسلمين ونساء أعطاهم منها، ثم ذكر كيفية القسمة.
وروى أبو داود عن سهل بن أبي خثمة - بخاء معجمة، فثاء مثلثة ساكنة - رضي الله عنه - قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر نصفين، نصفا لنوائبه وخاصته، ونصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما (1).
روي أيضا عن بشير - بضم الموحدة - بن يسار - رحمه الله - تعالى عن رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما، جمع كل سهم مائة سهم، فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين النصف من ذلك، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والامور ونوائب الناس، زاد في رواية أخرى عنه مرسلة بين فيها نصف النوائب: الوطيح والكتيبة وما حيز معهما زاد في رواية والسلالم، وعزل النصف الآخر الشق والنطاة وما حيز معهما وكان سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما حيز معهما كسهم أحدهم (2).
قال ابن إسحاق - رحمه الله - تعالى -: وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار - بفتح الجيم، وتشديد الموحدة وبالراء المهملة - ابن صخر الانصاري من بني سلمة - بكسر اللام،
__________
(1) أخرجه أبو داود (3010)، والتمهيد لابن عبد البر 6 / 450.
(2) أخرجه أبو داود (3012).
(*)(5/142)
وزيد بن ثابت من بني النجار، وكانا حاسبين قاسمين.
وقال ابن سعد - رحمه الله - تعالى - أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغنائم فجمعت، واستعمل عليها فروة بن عمرو البياضي، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها، الله،
وسائر السهمان أغفال، وكان أول ما خرج سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتحيز في الاخماس، فامر ببيع الاربعة الاخماس فيمن يريد، فباعها فروة، وقسم ذلك بين أصحابه وكان الذي ولي إحصاء الناس، زيد ابن ثابت فاحصاهم ألفا وأربعمائة، والخيل مائتي فرس، وكانت السهمان على ثمانية عشر سهما، لكل مائة سهم، وللخيل أربعمائة سهم، وكان الخمس الذي صار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي منه ما أراه الله من السلاح والكسوة، وأعطي منه أهل بيته، ورجالا من بني المطلب، ونساء، واليتيم والسائل.
ثم ذكر قدوم الدوسيين والاشعريين واصحاب السفينتين، وأخذهم من غنائم خيبر، ولم يبين كيف أخذوا.
قال في العيون: وإذا كانت القسمة على ألف وثمانمائة سهم وأهل الحديبية ألف وأربعمائة، والخيل مائتي فرس باربعمائة سهم، فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون ؟ وما ذكره ابن إسحاق من أن المقاسم كانت على الشق، والنطاة والكتيبة أشبه، فان هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح، وأما الوطيح والسلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ينوب المسلمين، ويترجح حينئذ قول موسى بن عقبة ومن قال بقوله: إن بعض خيبر كان صلحا، ويكون أخذ الاشعريين ومن ذكر معهم من ذلك، ويكون مشاورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديبية في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شئ من حقهم، وإنما هي المشورة العامة، (وشاورهم في الامر) [ آل عمران 159 ].
روى الشيخان عن عبد الله بن مغفل - بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء المشددة، وباللام - رضي الله عنه - قال أصبت جرابا، وفي لفظ: دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته، وقلت: لا أعطي أحدا منه شيئا، فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستحييت منه، وحملته على عنقي إلى رحلي وأصحابي فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها، فاخذ بناحيته وقال: هلم حتى نقسمه بين المسلمين، قلت: لا والله لا أعطيك، فجعل يجاذبني الجراب، فرانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصنع ذلك، فتبسم ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم: " لا
أبالك، خل بينه وبينه " فارسله، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي، فاكلناه (1).
*
__________
(1) أخرجه البخاري 6 / 255 (3153) ومسلم 3 / 1393 (72 / 1772).
(*)(5/143)
قال ابن إسحاق: وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن لقيم - بضم اللام، قال الحاكم: واسمه عيسى العبسي - بموحدة - حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة وداجن.
ذكر إهداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء والعبيد من المغانم قال ابن إسحاق: وشهد خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نساء المسلمين فرضخ لهن (1) من الفئ، ولم يضرب لهن بسهم.
روى ابن إسحاق، والامام أحمد، وأبو داود، كلاهما من طريقة عن امراة من غفار قالت: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة من بني غفار - بكسر الغين المعجمة - فقلن: يا رسول الله قد أردنا الخروج معك إلى وجهك هذا - وهو يسير إلى خيبر - فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين ما استطعنا، فقال: " على بركة الله تعالى ".
قالت: فخرجنا معه، وذكرت الحديث (2).
قالت: فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر رضخ لنا من الفئ.
وعن عبد الله بن أنيس (3) - رضي الله عنه - قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ومعي زوجتي - وهي حبلى، فنفست في الطريق، فاخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: انقع لها تمرا، فإذا أنعم بله فامرثه لتشربه ".
ففعلت فما رات شيئا تكرهه، فلما فتحنا خيبر أحذى النساء ولم يسهم لهن، فاحذى زوجتي وولدي الذي ولد.
رواه محمد بن عمر (4).
وروى أبو داود عن عمير مولى أبي اللخم - بالموحدة بلفظ اسم الفاعل - رضي الله عنه - قال شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بي فقلدت سيفا - فإذا أنا أجره، فاخبر أني مملوك، فامر لي بشئ من خرثي المتاع (5).
ذكر من استشهد بخيبر من المسلمين
أسلم الحبشي الراعي، ذكره أبو عمر واعترضه ابن الاثير بانه ليس في شئ من السياقات أن اسمه أسلم، قال الحافظ: وهو اعتراض متجه، قلت: قد جزم ابن إسحاق في السيرة برواية ابن هشام بان اسمه أسلم الاسود الراعي، تقدم أن اسمه أسلم.
وقال محمد بن عمر: اسمه يسار.
__________
(1) الرضخ: العطية القليلة، انظر النهاية 2 / 228.
(2) أحمد 6 / 380 والبيهقي 2 / 407 وابن سعد 8 / 214 وانظر البداية والنهاية 4 / 204.
(3) عبد الله بن أنيس الجهني، أبو يحيى المدني، حليف الانصار، صحابي، شهد العقبة وأحدا، ومات بالشام في خلافة معاوية، سنة أربع وخمسين، ووهم من قال سنة ثمانين.
بخ م ع التقريب 1 / 402.
(4) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 243 وابن كثير في البداية 4 / 205.
(5) أخرجه أبو داود 3 / 75 (2730).
(*)(5/144)
انيف - تصغير انف - بن حبيب بن عمرو بن عوف.
انيف - كالذى قبلة بن واثلة بالمثلثة، أو التحتية.
اوس بن جبير - بالجيم - الانصاري من بني عمرو بن عوف، قتل على حصن ناعم، اورده ابن شاهين، وتبعه أبو موسى: اوس بن حبيب الانصاري.
ذكره أبو عمر، وقيل هو الذي قلبه.
اوس بن فايذ - بالتحتية والذال المعجمة الانصاري، ذكره أبو عمر: اوس بن فايد - بالفاء والدال المهملة، أو ابن فاتك أو الفاكه من بني عمرو بن عوف.
أوس بن قتاده الانصاري.
بشر - بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن البراء بتخفيف الراء - ابن معرور، بفتح الميم، وسكون العين المهملة، وضم الراء الاولى.
ثابت ابن إثلة - بكسر الهمزة، وسكون الثاء المثلثة، وزاد أبو عمر واوا في أوله، ولم
يوافقوه.
ثقف - بثاء مثلثة - مفتوحة، فقاف ساكنة ففاء، وقال محمد بن عمر ثقاف بن عمرو بن سميط الاسدي.
الحارث بن حاطب، ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وقالا: شهد بدرا، ولم يتعرض له أبو عمر، ولا الذهبي، ولا الحافظ: لكونه استشهد بخيبر.
وهو أخو ثعلبة بن حاطب بن عمر بن عبيد الانصاري الاوسي.
ربيعة بن أكثم بن سخبرة - بفتح السين المهملة، وسكون الخاء المعجمة، وبالموحدة ابن عمر الاسدي، قتل بالنطاة، قتله الحارث اليهودي.
رفاعة بن مسروح - بمهملات - الاسدي حليف بنى عبد شمس، قتله الحارث اليهودي.
سليم بن ثابت بن وقش الانصاري الاشهلي، ذكره ابن الكلبي، وأبو جعفر بن جرير الطبري.
طلحة: ذكره ابن إسحاق، ولم ينسبه، ولم يقف كثير من الحفاظ على نسبه، ولم يذكره محمد بن عمر ولا ابن سعد، وقال أبو ذر في الاملاء: هو طلحة بن يحيى بن إسحاق بن مليل.
قال أبو علي الغساني - رحمه الله - لم يخبر ابن إسحاق باسم طلحة هذا، قلت، ولم أر لطلحة بن يحيى بن إسحاق هذا ذكرا في الاصابة للحافظ، ولا في الكاشف للذهبي.(5/145)
عامر بن الاكوع، واسم الاكوع: سنان بن عبد الله بن قشير الاسلمي المعروف بابن الاكوع عم سلمة بن عمرو بن الاكوع، روى الشيخان، والبيهقي عن سلمة بن الاكوع - رضي الله عنه - قال: لما تصاف القوم يوم خيبر، وكان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه، فاصاب عين ركبته فمات منه، فلما قفلوا سمعت نفرا من
أصحاب محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه، فاتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي فقال رسول الله - صلى عليه وسلم -: لما رآني شاحبا: مالك ؟ قلت: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرا حبط عمله.
قال: " من قال ؟ " قلت: فلان وفلان، وأسيد بن الحضير الانصاري فقال: " كذب من قاله، إن له لاجرين " وجمع بين أصبعيه " إنه لجاهد مجاهد، قل عربي مشى - وفي لفظ نشا بها مثله " ووقع في حديث، أنه عم سلمة بن عمرو بن الاكوع، وفي حديث آخر أنه أخوه، ولا تنافي بينهما، لانه عمه وأخوه، في الرضاعة.
عبد الله بن أبي أميه بن وهب الاسدي بالحلف، قتل بالنطاة، وذكره محمد بن عمر، وابن سعد ولم يذكره ابن إسحاق.
عبد الله بن هبيب - بموحدتين - مصغر - ابن أهيب، ويقال: وهيب بن سحيم الليثي حليف بني أسد، ذكره ابن إسحاق في رواية البكائي، وجرير بن حازم، ويونس بن بكير، لكن عنده عبد الله بن فلان بن وهب، وكذا سماه أبو عمر وجماعة وذكر محمد بن عمر: أنه استشهد هو وأخوه عبد الرحمن باحد قال الحافظ: والأول أولى.
عدي بن مرة بن سراقة البلوي بفتح الموحدة واللام - حليف الانصار طعن بين ثدييه بحربة فمات منها - ذكره محمد بن عمر، وابن سعد، وأبو عمر.
عروة بن مرة بن سراقة الاوسي: ذكره أبو عمر.
عمارة بن عقبة بن حارثة الغفاري، رمي بسهم ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وأبو عمر، وتعقبه الحافظ في كونه استشهد بخيبر بكلام يد على أنه لم يراجع السيرة في هذا المحل، ولا شك في صحة ما ذكره أبو عمر.
فضيل بن النعمان الانصاري السلمي - بفتح السين، ذكره ابن إسحاق في رواية يونس وابن سلمة وزياد، وجزم بذلك محمد بن عمر، وابن سعد هنا، وقال ابن سعد في موضع آخر: كذا وجدناه في غزوة خيبر، وطلبناه في نسب بني سلمة فلم نجده، ولا أحسبه إلا وهما، وإنما أراد الطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان، والطفيل ذكره ابن عقبة فيمن شهد خيبر.
بشر بن المنذر بن زنبر - بزاي، ونون موحدة وزن جعفر - بن زيد بن أمية الانصاري، ذكره ابن إسحاق.(5/146)
محمود بن مسلمة (1): قتل عند حصن ناعم، ألقيت عليه صخرة، قيل ألقاها عليه مرحب، وقيل: كنانة بن الربيع، ولعلهما اشتركا في الفعل.
ومدعم الاسود (2) مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل بخيبر - وهو الذي غل الشملة يومئذ، وجاء الحديث أنها تشتعل عليه نارا.
مرة بن سراقة الانصاري (3)، ذكره أبو عمر، وتعقبه ابن الاثير بان الذي ذكروا أنه شهد خيبر ابنه عروة بن مرة.
قال الحافظ: ولا مانع من الجمع، قلت: ويؤكد كلام ابن الاثير أن أبا عمر لم يذكره في الدر، بل ذكر ابنه عروة.
مسعود بن ربيعة (4) - ويقال: ربيع بن عمرو القاري بالتشديد ممن استشهد بخيبر.
مسعود بن سعد بن قيس الانصاري الزرقي: ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، ونقل أبو نعيم عن ابن عمارة أنه ذكره فيهم، وخالفه الواقدي - اه.
نقله الحافظ وأقره.
والذي في مغازي الواقدي أنه استشهد بخيبر، وأن مرحبا قتله، فالله أعلم.
يسار: اسم الاسود الراعي، ذكره محمد بن عمر، وابن سعد وسماه ابن إسحاق، أسلم.
أبو سفيان بن الحارث، كذا في نسخة سقيمة عن الزهري نقلا عن رواية يونس عن ابن إسحاق، ولم أره في الاصابة.
أبو ضياح - بضاد مفتوحة، فتحتية مشددة، فالف، فحاء مهملة - الانصاري، اسمه النعمان، وتقدم في البدريين رجل من أشجع ذكره محمد بن عمر، وابن سعد.
وروى النسائي والبيهقي عن شداد بن الهاد - رضي الله عنه - أن رجلا من الاعراب جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فامن واتبعه، فقال: أهاجر معك، فأوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قسمه لهم، وقسم له، فاعطى أصحابه ما قسم
__________
(1) محمود بن مسلمة بن سلمة الانصاري ذكروه في الصحابة واستشهد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم.
وذكر ذلك موسى بن عقبة في المغازي وقال: ابن سعد شهد محمود أحدا والخندق والحديبية وخيبر وقتل يومئذ شهيدا أدلى عليه مرحب رحى فاصبت راسه فهشمت البيضة البيضة راسه، الاصابة 6 / 67.
(2) مدعم الاسود مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم..كان مولدا من حسمى أهداه رفاعة بن زيد الجذامي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاصابة 6 / 74.
(3) مرة بن سراقة الانصاري..ذكر أبو عمرو انه استشهد بحنين وتعقبه ابن الاثير لان ذكروا انه شهد حنينا عروة بن مرة قلت ولا مانع من الجمع، قال الحافظ انظر الاصابة 6 / 81.
(4) مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن عائدة بن نثيع بن مليح بن الهون وهو القارة بن خزيمة بن مدركة القاري..ويقال مسعود بن عامر بن ربيعة بن عمير بن سعد ابن مخلد بن غالب وهذا قول ابن الكلبي وأفاد أن من ذريته محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، الاصابة 6 / 89.
(*)(5/147)
له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا ؟ فقالوا قسم قسمه لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذه، فجاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما هذا ؟ قال: " قسم قسمته لك " قال: ما على هذا أتبعك، ولكن اتبعتك على أن أرمى ههنا، وأشار إلى حلقه - بسهم - فاموت، فأدخل الجنة.
فقال: " إن تصدق الله يصدقك " ثم نهضوا إلى قتال العدو، فاتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحمل وقد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هو هو " قالوا: نعم.
قال: " صدق الله فصدقه " فكفنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في جبته، ثم قدمه.
فصلى عليه، وكان مما ظهر من صلاته: " اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج مهاجرا في سبيلك، قتل شهيدا، أنا عليه شهيد ".
وقتل من يهود ثلاثة وتسعون رجلا.
ذكر انصراف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خيبر وتوجهه إلى وادي القرى قال أبو هريرة: نزلناها أصيلا مع مغرب الشمس، رواه ابن إسحاق.
قال البلاذري: قالوا: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصرفه من خيبر وادى القرى فدعا أهلها إلى الاسلام، فامتنعوا من ذلك وقاتلوا، ففتحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة، وغنمه الله أموال أهلها، وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا، فخمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وتركت الارض، والنخل في أيدي يهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر.
قال محمد بن عمر: لما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خيبر، وأبى الصهباء سلك على برمة، حتى انتهى إلى وادي القرى، يريد من بها من يهود، وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يحدث فيقول، - خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبدا أسود يقال له مدعم - بميم مكسورة فدال ساكنة فعين مفتوحة مهملتين، وكان يرحل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما نزلنا بوادي القرى انتهينا إلى يهود، وقد ضوى إليها ناس من العرب، فبينما مدعم يحط رحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد استقبلتنا يهود بالرمي حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهي يصيحون في أطامهم، فيقبل سهم عائر فاصاب مدعما فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم يصبها المقسم تشتعل عليه نارا ".
فلما سمع الناس بذلك جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشراك أو شراكين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " شراك من نار أو شراكان من نار " (1).
__________
(1) أخرجه البخاري 11 / 592 (6707) ومسلم 1 / 108 (183 / 115).
(*)(5/148)
وعبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه للقتال، وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف - بضم الحاء المهملة وفتح النون، وسكون التحتية، وراية إلى عباد - بتشديد الموحدة، وبالدال المهملة - ابن بشر.
ثم دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى الاسلام وأخبرهم أنهم أن أسلموا أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله - تعالى.
فبرز رجل منهم، فبرز له الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر، له الزبير فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه أبو دجانة فقتله، ثم برز آخر فبرز له أبو دجانة فقتله، حتى قتل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد عشر رجلا كلما قتل رجل دعا من بقي إلى الاسلام.
ولقد كانت الصلاة تحضر يومئذ فيصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باصحابه، ثم يعود فيدعوهم إلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس حتى أعطوا بايديهم، وفتحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة، وغنمه الله - تعالى أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا، وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوادي القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى، وترك الارض والنخيل بايدي يهود، وعاملهم عليها.
قال البلاذري: وولاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن سعيد بن العاص، وأقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمرة - بالجيم - ابن هوذة - بفتح الهاء، والذال المعجمة - العذري رمية بسوطه من وادي القرى.
ذكر نومهم عن الصلاة حين انصرفوا من خيبر وما ظهر في ذلك الطريق من الايات روى مسلم، وأبو داود عن أبي هريرة.
وأبو داود عن ابن مسعود، وابن إسحاق عن سعيد بن المسيب، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وادي القرى راجعا بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى، فلما كان قريبا من المدينة سرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلته حتى إذا كان قبيل الصبح بقليل نزل وعرس، وقال: ألا رجل صالح حافظ لعينه يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ قال بلال: يا رسول الله أنا أحفظه عليك، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقام بلال يصلي ما شاء الله أن يصلي.
ثم استند إلى بعيره، واستقبل الفجر يرقبه، فغلبته عينه، فنام، فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس (1).
__________
(1) أخرجه مسلم 1 / 471 (309 / 680)، وأبو داود في الصلاة باب (11) والترمذي في التفسير، وابن ماجه في الصلاة
(10) ومالك في الموطأ (25).
(*)(5/149)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول أصحابه هب، فقال: " ما صنعت بنا يا بلال " ؟ قال: يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، قال: " صدقت " ثم اقتاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيره غير كثير، ثم أناخ وأناخ الناس فتوضأ، وتوضأ الناس، وأمر بلالا فاقام الصلاة، فلما فرغ، قال: (إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فان الله عز وجل يقول: وأقم الصلاة لذكري) [ طه 14 ] ذكر رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مؤيدا منصورا روى الائمة الستة عن أبي موسى الاشعري - رضي الله عنه - قال: أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: " الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم " وأنا خلف دابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقال: " يا عبد الله بن قيس " قلت: لبيك يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: " ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: " لا حول ولا قوة إلا بالله " (1).
ولما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الجرف ليلا، نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا، فذهب رجل فطرق أهله، فرأى ما يكره فخلى سبيله ولم يهجر، وضن بزوجته أن يفارقها، وكان له منها أولاد، وكان يحبها، فعصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأى ما يكره.
ولما نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جبل أحد، قال: هذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إني أحرم ما بين لايتي المدينة " (2).
ذكر رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الانصار ما منحوه للمهاجرين روى الشيخان، والحافظ، ويعقوب بن سفيان عن أنس - رضي الله عنه - قال: لما قدم
المهاجرون من مكة إلى المدينة قدموا وليس بايديهم شئ، وكان الانصار أهل أرض وعقار، فقاسمهم الانصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أم أنس أعطت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعذافا لها، فاعطاهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة، رد
__________
(1) أخرجه البخاري (4205)، وأخرجه مسلم في الذكور والدعاء (44) وأحمد 4 / 402، والبيهقي 2 / 184 وابن أبي عاصم 1 / 274، والطبري 8 / 147 وابن السني (512) وعبد الرزاق (9244) وانظر البداية 4 / 213.
(2) أخرجه البخاري 6 / 83 (2889) (2893) (4084) (7333) ومسلم 2 / 993 (462 / 1365).
(*)(5/150)
المهاجرون إلى الانصار منائحهم التي كانوا قد منحوهم من ثمارهم، ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أمي أعذاقها.
وفي رواية: فسالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعطانيهن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي، وجعلت تقول: كلا والله الذي لا إله الا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أم أيمن اتركي ولك كذا وكذا " وهي تقول: كلا - والله الذي لا إله إلا هو، فجعل يقول: لك كذا وكذا ولك كذا " وهي تقول كلا والله الذي لا إله إلا هو حتى أعطاها عشرة أمثالها أو قريبا من عشرة أمثالها (1).
ذكر بعض ما قيل من الشعر في غزوة خيبر قال كعب بن مالك - رضي الله عنه: ونحن وردنا خيبرا وفروضه * بكل فتى عاري الاشاجع مذود جواد لدى الغايات لاواهن القوى * جرئ على الاعداء في كل مشهد عظيم رماد القدر في كل شتوة * ضروب بنصل المشرفي المهند يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة * من الله يرجوها وفوزا باحمد يذود ويحمي عن ذمار محمد * ويدفع عنه باللسان وباليد
وينصره من كل أمر يريبه * يجود بنفس دون نفس محمد يصدق بالانباء بالغيب مخلصا * يريد بذاك العز والفوز في غد وقال حسان - رضي الله - تعالى - عنه: بئس ما قاتلت خيابر عما * جمعوا من مزارع ونخيل كرهوا الموت فاستبيح حماهم * وأقروا فعل اللئيم الذليل أمن الموت تهربون فان ال * موت موت الهزال غير جميل تنبيهات الأول: خيبر، بخاء معجمة، فتحتية، فموحدة، وزن جعفر: وهي اسم ولاية تشتمل على حصون ومزارع، ونخل كثير، على ثلاثة أيام من المدينة على يسار حاج الشام.
والخيبر بلسان اليهود، الحصن، ولذا سميت خيابر أيضا - بفتح الخاء، قاله ابن القيم مما ذكر ابن إسحاق، وقال ابن عقبة ومحمد بن عمر وأبو سعد النيسابوري في الشرف: أنها بجبلة - بفتح الجيم والموحدة ابن جوال بفتح الحيم وتشديد الواو، بعدها ألف ولام، وقيل: سميت باول
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 474 (4120)، مسلم 3 / 1391 (70 / 1771) (71)، والبيهقي الدلائل 4 / 288.
(*).(5/151)
من نزلها، وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهلايل بن آدم بن عبيل، وهو أخو عاد.
وذكر جماعة من الائمة: أن بعضها فتح صلحا، وبعضها فتح عنوة.
وبه يجمع بين الروايات المختلفة في ذلك.
وروى عن الامام مالك - رحمه الله تعالى - أن الكتيبة أربعون ألف عذق.
ولابن زبالة حديث " ميلان في ميل من خيبر مقدس، وحديث " خيبر مقدسة، والسوارقية (1) مؤتفكة، وحديث " نعم القرية في سنيات الدجال خيبر " وتوصف خيبر بكثرة التمر.
قال حسان بن ثابت - رضي الله عنه: وإنا ومن يهدي القصائد نحونا * كمستبضع تمرا إلى أهل خيبر
وروى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قال: لما فتحت خيبر: قلنا الان نشبع من التمر.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر، وتوصف خيبر بكثرة الحمى، قدم خيبر أعرابي بعياله فقال: قلت لحمي خيبر استقري * هاك عيالي فاجهدي وجدي وباكري بصالد وورد * أعانك الله على ذا الجند فحم ومات، وبقي عياله.
قال أبو عبيد البكري - رحمه الله - في معجمه وفي الشقق عين تسمى الحمة، وهي التي سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمة الملائكة، يذهب ثلثا مائها في فلج والثلث الآخر في " فلج " والمسلك واحد وقد اعتبرت منذ زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم يطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فتذهب اثنتان في الفلج الذي له ثلثا مائها، وواحدة في الفلج الثاني، ولا يقدر أحد أن ياخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث، ومن قام في الفلج الذي ياخذ الثلثين ليرد الماء إلى الفلج الثاني غلبه الماء وفاض، ولم يرجع إلى الفلج الثاني شئ يزيد على قدر الثلث وتشتمل خيبر على حصون كثيرة، ذكر منها في القصة كثير.
الثاني: اختلف في أي سنة كانت غزوتها: قال ابن إسحاق: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بقية المحرم سنة سبع، فاقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر.
وقال يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق من حديث المسور ومروان، قالا: " انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة "
__________
(1) السوارقية بفتح أوله وضمه، وبعد الراء قاف، وياء النسبة.
ويقال: السويرقية بلفظ التصغير: قرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بين مكة والمدينة، وهي نجدية بها مزارع ونخل كثير.
مراصد الاطلاع 2 / 751.
(*)(5/152)
فاعطاه الله فيها خيبر بقوله: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) [ الفتح 20 ] ويعني خيبر، فقدم المدينة في ذي الحجة فاقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم.
وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها ثم خرج إلى خيبر.
وعند ابن عائذ عن ابن عباس: أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال.
وعند سليمان التيمي خمسة عشر يوما.
قال الامام مالك رحمه الله - تعالى -: كان فتح خيبر سنة ست.
والجمهور - كما في زاد المعاد: أنها في السابعة، وقال الحافظ: إنه الراجح قالا: ويمكن الجمع بان من أطلق سنة ست بناه على ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي، وهو ربيع الاول.
وابن حزم - رحمه الله - يرى أنه من شهر ربيع الاول.
الثالث: قال الحافظ: نقل الحاكم عن الواقدي، وكذا ذكره ابن سعد أنها كانت في جمادى الاولى.
فالذي رايته في مغازي الواقدي: أنها كانت في صفر، وقيل: في ربيع الاول، وأغرب من ذلك ما رواه ابن سعد، وابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرجنا إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان، الحديث.
وإسناده حسن، إلا أنه خطا، ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت، وتوجيهه بان غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح، وغزوة الفتح خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها في رمضان جزما، وذكر الشيخ أبو حامد - رحمه الله - تعالى، في التعليق: أنها كانت سنة خمس، وهو وهم، ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر، وأجاب بعضهم بانه أسقط سنة المقدم أي وقطع النظر وقطع النظر عن سنة الغزوة.
الرابع: قول عامر: اللهم لو لا أنت ما اهتدينا، قال الحافظ في هذا: القسم زحاف الخزم بالمعجمتين، وهو زيادة سبب خفيف، وهو الصحيح في الجهاد عن البراء بن عازب: أنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما توارد عليه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر واستعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة.
الخامس: استشكل قول عامر: " فداء " بانه لا يقال في حق الله - تعالى، إذ معنى " فداء "
نفديك بانفسنا، فحذف متعلق الفعل للشهرة، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء، وأجيب عن ذلك بانها كلمة لا يراد ظاهرها، بل المراد بها المحبة والتعظيم، مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ، وقيل: المخاطب بهذا الشعر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى، لا تؤاخذنا بتقصيرنا في(5/153)
حقك ونصرك، وعلى هذا فقوله: " اللهم " لم يقصد به الدعاء، وإنما افتتح بها الكلام، والمخاطب بقوله: لو لا أنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعكر عليه قوله بعد ذلك: فانزلن سكينة علينا: وثبت الاقدام إن لاقينا، فانه دعاء لله، ويحتمل أن يكون المعنى، فاسال ربك أن ينزل ويثبت.
السادس: في بيان الروايات التي وردت في هذا الرجز ومعانيها.
وما اتقينا بتشديد الفوقية بعدها قاف، أي، ما تركنا من الاوامر، " وما " ظرفية، وللاصيلي والنسفي من رواية الصحيح بهمزة قطع، فموحدة ساكنة، أي ما خلفنا وراءنا مما كسبناه من الآثام، أو ما أبقينا وراءنا من الذنوب، فلم نتب منه وللقابسي: ما لقينا بلام وكسر القاف، أي ما وجدنا من المناهي.
ووقع في الادب ما اقتفينا بقاف ساكنة، ففوقية، وفاء مفتوحتين، فتحتية ساكنة، أي اتبعنا من الخطايا، من قفوت الاثر إذا تبعته، وكذا عند مسلم، وهو أشهر الروايات في هذا الرجز.
ألقين سكينة علينا.
وفي رواية النسفي و " ألقي " بحذف النون، وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين، وليس بموزون السكينة: الوقار، والتثبت.
أتينا: بفوقية: أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو الحق، وروي بالموحدة أي إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا وبالصياح عولوا علينا: أي قصدونا بالدعاء والصوت العالي، واستعانوا علينا، يقال: عولت على فلان وعولت بفلان.
السابع: أختلف في فتح خيبر، هل كان عنوة أو صلحا، وفي حديث عبد العزيز بن
صهيب عند البخاري في الصلاة: التصريح بانه كان عنوة، وبه جزم أبو عمر، ورد على من قال فتحت صلحا، قال: وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا، بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، وهو ضرب من الصلح، لكنه لم يقع ذلك إلا بحصار، وقتال، قال الحافظ - رحمه الله تعالى: والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل أهل خيبر، فغلب على النخل فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم، على ألا يكتموا ولا يغيبوا الحديث.
وفي آخره: فسبى نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم، فقالوا: دعنا في هذه الارض نصلحها..الحديث، ورواه أبو داود والبيهقي وغيرهما، وكذلك أخرجه أبو الاسود في المغازي عن عروة.
فعلى هذا كان وقع الصلح، ثم حصل النقض منهم فزال أمر الصلح، ثم من عليهم بترك القتل وإبقائهم عمالا بالارض، ليس فيها ملك، ولذلك(5/154)
أجلاهم عمر، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها.
وجنح غير واحد من العلماء إلى أن بعضها فتح عنوة، وبعضها فتح صلحا، وليس بنا ضرورة إلى بسط الكلام على ذلك.
الثامن: زعم الأصيلي - رحمه الله تعالى - أن حديث نومهم عن الصلاة إنما كان بحنين لا بخيبر، وأن ذكر خيبر خطأ، ورد عليه أبو الوليد الباجي، وأبو عمر فاجادا.
التاسع: اختلف في إسلام زينب بنت الحارث التي أهدت الشاة المسمومة وفي قتلها، أما إسلامها، فروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أنها أسلمت، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركها.
قال معمر: والناس يقولون قتلها.
وجزم باسلامها سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها: " وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك، وقد استبان لي أنك صادق، وأنا أشهدك ومن حضرك أني على دينك، وأن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، قال: وانصرف عنها حين أسلمت.
وأما قتلها وتركها، فروى البيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - ما عرض لها، وعن جابر قال: فلم يعاقبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروى ابن سعد عن شيخه محمد بن عمر باسانيد له متعددة هذه القصة، وفي آخرها فدفعها إلى أولياء بشر بن البراء فقتلوها قال محمد بن عمر: وهو أثبت وروى أبو داود من طريق الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه، والزهري لم يسمع من جابر، ورواه أيضا عن أبي هريرة.
قال البيهقي - رحمه الله - يحتمل أن يكون تركها أولا، ثم لما مات بشر بن البراء من الاكلة قتلها، وبذلك أجاب السهيلي - رحمه الله تعالى - وزاد: أنه تركها، لانه كان ينتقم لنفسه، ثم قتلها ببشر قصاصا.
قال الحافظ - رحمه الله تعالى -: يحتمل أن يكون تركها أولا، ثم لما مات بشر لكونها أسلمت، وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لان بموته يتحقق وجوب القصاص بشرطه.
وروى أبو سعد النيسابوري: أنه - صلى الله عليه وسلم - قتلها وصلبها، فالله أعلم العاشر: وقع في سنن أبي داود أنها أخت مرحب، وبه جزم السهيلي، وعند البيهقي في الدلائل: بنت أخي مرحب، وبه جزم الزهري كما في مغازي موسى بن عقبة الحادي عشر: إن قيل ما الجمع بين قوله - تعالى: (والله يعصمك من الناس) [ المائدة 67 ] وبين حديث الشاة المسمومة المصلية بالسم الصادر من اليهودية ؟ والجواب: أن الاية نزلت عام تبوك، والسم كان بخيبر، قبل ذلك.(5/155)
الثاني عشر: اختلف في مدة إقامته - صلى الله عليه وسلم - بارض خيبر، فروى الطبراني في الاوسط عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بخيبر ستة أشهر، يجمع بين الصلاتين.
وروى البيهقي عنه: أربعين يوما، وسنده ضعيف.
وقال ابن إسحاق...الثالث عشر: في بيان غريب ما سبق.
استنفر: استنجد واستنصر.
عسكر: جمع عسكره: أي جيشه.
ثنية الوداع: تقدم الكلام عليها مبسوطا في دخوله - صلى الله عليه وسلم - المدينة.
في أبواب الهجرة.
الزغابة - بالزاي والغين المعجمتين وبالموحدة كسحابة، وضبطه أبو عبيد البكري - رحمه الله تعالى - بالضم: مجتمع السيول بارض العقيق، غربي مشهد حمزة، وهو أعلى إضم، ووهم من قال إنه لا يعرف، وإنما المعروف الغابة.
نقمي - بنون فقاف مفتوحات فالف تأنيث: اسم واد بالمدينة كجمزى ونسكى، ويروى - بضم أوله وثانية: اسم واد بها.
المشلل - بضم الميم، وفتح الشين المعجمة، واللام الاولى وتشديدها: ثنية تشرف على قديد.
الوطاة: الارض السهلة.
راهق - بالراء والقاف: قارب.
الجبن - بضم الجيم، وسكون الموحدة، وتضم أيضا: صفة الجبان.
ضلع الدين، قال القاضي - بفتح الضاد المعجمة، واللام.
شدته، وثقل حمله.
قينقاع، والنضير، وقريظة: تقدم الكلام عنها في غزوتها.
سنبلانية - بضم السين المهملة والمهملة، والموحدة بينهما نون، أي سابغة من الطول، يقال ثوب سنبلاني، وسنبل ثوبه إذا أسبله من خلفه، أو أمامه، وقال اليعمري: منسوبة إلى موضع من الموضع.
قلت: سنبلاني محلة، باصبهان، والمراد هنا الاول.
الكرباس - بالكسر: الثوب الخشن.
عصر - بمهملات فالكسر: فالسكون، أو بفتحتين: جبل بقرب المدينة من جهة خيبر، ومن الغرائب قول ابن الاثير مع ذكر ذلك أنه بين المدينة ووادي الفرع.(5/156)
حدو الابل: سوقها بالشعر.
الصهباء - بفتح الصاد المهملة وسكون الهاء وبالمد: موضع قرب المدينة.
أدنى خيبر: أسفلها.
هنيهاتك - جمع هينهة، وهو تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة، والهنة: كناية عن كل شئ لا يعرف اسمه، أو يعرف فيكنى عنه، كذا في الحصحيح بالتصغير، وفي أخرى هنياتك، وفي السيرة: هناتك جمع هنة، أي من أخبارك وأشعارك، فكنى عن ذلك كله، والمراد هنا الحداء للابل.
وجبت: أي الجنة.
لو لا: حرف عرض بمعنى هلا.
أمتعتنا - بفتح أوله: أبقيته لنا لنستمتع: أي بشجاعته، والتمتع: الترفه إلى مدة.
على بكر - بفتح الموحدة: الفتي من الابل.
السويق - بفتح السين، وكسر الواو، قمح أو شعير يقلى ثم يطحن.
ثرى السويق: بله.
الرجيع - بالجيم كأمير، واد قرب خيبر.
غطفان - بغين معجمة، فطاء مهملة، ففاء مفتوحات.
الفال.
والطيرة: ياتي بيانهما في باب محبته - صلى الله عليه وسلم - الفأل الحسن.
شرح غريب ذكر إرادة غطفان مساعدة يهود، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما أشرف على خيبر قوله: مظاهرين: معاونين.
المنقلة - بميم مفتوحة، فنون ساكنة، فقاف مفتوحة، فلام: المرحلة من مراحل السفر.
خالفوا إليهم: جاءوا إلى أهلهم بعد خروج قومهم.
تبلون - بضم الفوقية، وسكون الموحدة، وفتح اللام.
غشوكم - بفتح الغين، وضم الشين المعجمة.
النبأ: الخبر.
أظللن - بظاء معجمة مشالة، من الظل.
أقللن: حملن.(5/157)
أضللن - بضاد معجمة ساقطة: من الاضلال، ضد الارشاد.
ذرين - بذال معجمة: حملن، وقال: أزرين لمزاوجة أضللن.
شرح غريب ذكر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أشرف على خيبر قوله: عرس: بعين، فراء مشددة، فسين مهملات مفتوحات، نزل ليلا، أو آخره.
منعتهم: قوتهم وعدهم، بفتح العين.
هيهات: اسم فعل ماض بمعنى بعد.
الساحة: الموضع المتسع أمام الدار، وقال الازهري: هو فضاء بين دور الحي.
الأفئدة: جمع فؤاد، وهو القلب.
غدا إلى كذا: سار إليه صباحا.
المساحي بمهملتين، جمع مسحاة: وهي من آلة الحرث، والميم زائدة، لانه من السحو، وهو الكشف والازالة.
الكرازن: جمع كرزن - بفتح الكاف والزاي وبكسرهما وبالنون ويقال بالميم يحمل فيها التراب وغيره، سميت بذلك لتكتل الشئ فيها، وهو تلاصق بعضه ببعض.
لم يغر - بضم التحتية، وكسر الغين المعجمة: أي لم يسرع في الهجوم عليهم.
انحسر - انكشف.
محمد - صلى الله عليه وسلم - خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو أو هذا محمد.
الخميس - بلفظ اسم أحد الايام يروي - بضم السين وبفتحها على أنه مفعول معه، وسمي الجيش خميسا لانه ينقسم خمسة أقسام، لان له ساقة، ومقدمة، وجناحين، وقلبا، لا من أجل تخميس الغنيمة لان في تخميسها سنة الاسلام، وقد كان الجيش يسمى خميسا في الجاهلية.
النز - بفتح النون، والتشديد الزاي: السائل من المائع.
النطاة - بنون فطاء مهملة بوزن: حصاة.
الخمر - بخاء معجمة - فميم مفتوحتين فراء، ما وراك من شجر أو بناء أو غيره.(5/158)
البرئ - بفتح الموحدة، وكسر الراء المخففة، وبالمد: السالم.
الرجيع - بالراء، وبالجيم والعين المهملتين وزن أمير، واد قرب خيبر، وهو غير الذي توجه إليه عاصم حمى الدبر.
شرح غريب ذكر ابتداء القتال واخذ الحمى المسلمين قوله: من أشجع - بشين معجمة، فجيم، فعين مهملة.
الشعار - بكسر الشين المعجمة، وبالعين المهملة: العلامة التي كانوا يتعارفون بها في الحرب يا منصور أمت: أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الامر بالاماتة مع حصول الغرض.
بالشعار، فانهم جعلوا هذه الكلمة علامة يتعارفون بها لاجل ظلمة الليل.
ترس - بفوقية، فراء مشددة فسين مهملة.
ناعم - بالنون، والعين المهملة كصاحب: حصن من حصون خيبر.
أهمدتهم، أذهبت قوتهم.
قرسوا - بفتح القاف وكسر الراء المشددة، وضم السين المهملة فعل أمر، أي: بردوا، يوم قارس البرد.
شنان - بكسر الشين المعجمة: الاسقية.
أحدروا - بالحاء، والدال المهملتين: صبوا الماء.
نشطوا - بنون مضمومة: خلصوا، وليس إسقاط الهمزة من أوله بلحن بل لغة صرح بها في البارع: العقل - بضمتين: جمع عقال.
شرح غريب ذكر فتحه - صلى الله عليه وسلم - حصن الصعب الصعب: ضد السهل.
الودك - بفتح الواو، والدال المهملة: دسم اللحم ودهنه العلقة من العيش - بضم العين المهملة: القليل منه.
الظبي - جمع ظبي: حيوان معروف.
الظليم - بفتح الظاء المعجمة المشالة، وكسر اللام: الذكر من النعام.
احتضن الشئ: جعله تحت حضنه، وهو ما تحت الابط إلى الخاصرة.
المعشر: جماعة الرجل، دون النساء.(5/159)
جهدنا - بالبناء للمفعول: حصل لنا جهد ومشقة.
غناء - بفتح الغين المعجمة، وتخفيف النون، وبالمد: الكفاية.
البراز - بفتح الموحدة، والراء، الارض الواسعة الفضاء.
الغفاري - بكسر الغين المعجمة.
الزيال: بزاي معجمة وياء وألف ثم لام.
بادره: سارع إلى قتله.
على هامته: راسه.
ذباب السيف - بضم الذال المعجمة وبالموحدتين: طرفه.
الدعموص - بضم الدال، وسكون العين وآخره ضاد: دويبة تغوص في الماء.
شرح غريب ذكر محاصرته - صلى الله عليه وسلم - حصن الزبير بن العوام
وحصون الشق الشق - بفتح الشين المعجمة، أعرف من كسرها، وبالقاف المشددة عند أهل اللغة.
قوله قلة الزبير: هي القلعة التي صارت إليه من قسمة الغنائم.
الرعب: الخوف.
الدبول: جمع دبل، نهيرات وقنوات وجداول.
أصحروا: خرجوا إلى الصحراء.
أبي بضم الهمزة وفتح الباء مصغر سموان.
ذفف عليه - بدال، روي إعجامها وإهمالها: أي أجهز عليه، وحز رقبته.
أبو دجانة - بضم الدال المهملة: وتخفيف الجيم وبالنون سماك بن خرشه يختال: يمشي مشية المتكبر.
الاثاث - بثاءين مثلثتين: المتاع.
الجدر: جمع جدار، وهو الحائط.
ساخ في الارض - بالخاء المعجمة: انخسف فيها.
شرح غريب انتقاله - صلى الله عليه وسلم - إلى حصون الكتيبة قوله: الكتيبة: بكاف مفتوحة، ففوقية، وقال أبو عبيدة: بثاء مثلثة مكسورة فتحتية ساكنة فموحدة، وقيل: إنها بالتصغير.(5/160)
القموص بالقاف والصاد المهملة كصبور.
وقيل: بغين فضاد معجمتين.
الوخم - بفتح الواو، والخاء المعجمة: الوباء.
الشقيقة: وجع ياخذ نصف الرأس والوجه.
نهض: تحرك.
الفتح: النصر.
قد جهد: أصابه جهد، وهو المشقة.
الارمد: الذي أصابه الرمد في عينيه، وهو وجع فيها.
الفرار - بفتح الفاء والراء المشددة: الهراب.
تفل: بصق.
العنوة - بفتح العين المهملة: أخذ الشئ قهرا.
بات الناس يدوكون - بتحتية، فدال مهملة مضمومة، أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدوكة: الاختلاط.
غدوا عليه - بالمعجمة: أتوا صباحا.
تطاولت لها: رفعت عنقي كي يراني.
ثم: بفتح المثلثة.
أناخ: برك براحلته.
شق برد - بكسر الشين المعجمة: قطعة منه.
قطرى - بكسر القاف، وسكون الطاء المهملة: نوع من البرود فيه حمرة، ولها أعلام، فيها بعض الخشونة، وقيل: هي حلل تحمل من قبل البحرين، قال الازهري: في أعراض البحرين قرية يقال لها قطر، وأحسب الثياب القطرية تنسب إليها، فكسروا القاف للنسبة، وخففوا.
برأ - بفتح الراء، والهمزة، بوزن ضرب، ويجوز كسر الراء، بوزن علم: خلص من وجعه.
مضى لسبيله: مات.
أنفذ - بضم الهمزة، والفاء، بينهما نون ساكنة، وإعجام الذال،: امض.
على رسلك - بكسر الراء: على هيئتك.
حمر - بضم الحاء المهملة، وسكون الميم: النعم بفتح النون، والعين المهملة، الحمر(5/161)
من ألوان الابل المحمودة، قيل: المراد خير لك من أن تكون لك فتصدق بها، وقيل: بل
تقتنيها وتملكها، وكانت مما يتفاخر به علام، " على " حرف الجر، دخل على " ما " الاستفهامية فحذفت ألفها لدخوله.
يانح - بتحتية، فالف، فنون مكسورة، فحاء مهملة: أي به نفس شديد من الاعياء في العدو.
يهرول: يسرع، والهرولة: فوق المشي ودون الجري.
غلبتم - بالبناء للمفعول.
الرضم - بفتح الراء، وسكون الضاد المعجمة، ويجوز تحريكها: الحجارة المجتمعة شرح غريب ذكر قتل علي رضي الله عنه - الحارث وأخاه مرحبا وعامرا وياسرا الخ قوله في عاديته...جسيما: عظيم الجسم شاك السلاح - بشين معجمة، وأصله شائك بحذف الهمزة، ومن رواه شاك أو شاكي فانه أخذ الهمزة إلى آخر الكلمة وقلبها ياء.
الحمى - بكسر الحاء، وفتح الميم المخففة: كل ما حميته ومنعته.
المساور: المعاجل خصمه.
يحوس الناس بحاء وسين مهملتين يجهضهم عن أثقالهم، أي يبلغ في النكاية فيهم، وأصل الحوس شدة الاختلاط، ومداركة الضرب.
زبار: أراد زبير.
القرم - بفتح القاف: السيد، وأصله الفحل من الابل الذي أقرم، أي ترك من الركوب والعمل ووضع للفحلة.
النكس - بكسر النون: الرجل الضعيف.
الحواري: الناصر والمعين.
الليوث: جمع ليث، الاسد.
تلهب أصله: تتلهب.
مغامر: يقتحم المالك.(5/162)
يسفل له - بفتح التحتية، وسكون السين المهملة، وضم الفاء، أي يضربه في أسافله.
الاكحل: عرق.
عين الركبة: طرفهما الاعلى.
الارجوان - بضم الهمزة، والجيم: اللون الاحمر.
وقول علي - رضي الله عنه -: أنا الذي سمتني أمي حيدره * قال ثابت بن قاسم - رحمهما الله - تعالى - في تسمية بذلك ثلاثه أقوال، أحدها أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، والاسد هو الحيدرة، الثاني أن أمه فاطمة بنت أسد - رضي الله عنها - حين ولدته، كان أبوه غائبا، فسمته باسم أبيها، فقدم أبوه فسماه عليا، الثالث: أنه كان لقب في صغره بحيدرة، لان الحيدرة الممتلئ لحما مع عظم بطن، وكذلك كان علي - رضي الله عنه - وذكره الشيخ كمال الدين الدميري - رحمه الله - تعالى - في شرح المنهاج ".
مجرب - بفتح الراء: اسم مفعول.
أكيلهم: أجزيهم بالياء.
السندرة، شجرة يصنع منها مكاييل عظيمة.
الخمل - بفتح الخاء المعجمة، وسكون اللام: الهدب.
أقبلت تحرب: تغضب، يقال حرب الرجل إذا غضب، وحربته: إذا أغضبته.
الغمى: الكرب.
جرئ - بالجيم، والهمزة: شجاع مقدام.
صلب: شديد.
شبت الحرب: أو قدت، وهيجت.
العقيق - هنا جمع عقيقة، وهي شعاع البرق، شبه السيف به.
غضب - بعين مهملة، فضاد معجمة: قاطع.
الجزاء - بالقصر والمد: الجزية التي تؤخذ.
يفئ: يرجع.
النهب: ما انتهب من الاموال.
ليس فيه عتب: ليس فيه ما يلام عليه.(5/163)
ندككم: نطويكم ونلصقكم بالارض.
حمير - بكسر الحاء المهملة، وسكون الميم، وفتح التحتية.
الموتور - بالفوقية: الذي قتل له قتيل فلم يؤخذ ثاره.
الثائر - بالثاء المثلثة: الطالب بالثار، وهو طلب الدم.
عمرية - بعين مهملة مضمومة، فميم ساكنة، فراء مكسورة: أي قديمة، التي أتى عليها عمر طويل.
العشر - بعين مهملة مضمومة فشين معجمة مفتوحة: شجر له صمغ، وهو من العضاة، وثمرته نفاخة كنفاخة القثاء الاصفر، الواحدة عشيرة، والجمع عشر، وعشرات - بضم العين، وفتح الشين.
يلوذ: يستتر.
الفنن - بفتح الفاء، والنون الاولى: الغصن.
ورأيتني - بضم التاء: رايت نفسي.
شرح غريب ذكر إسلام العبد الاسود ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحمر الانسية قوله عمد إليه: قصد.
حفنة - بفتح الحاء المهملة، وسكون الفاء: ملء الكفين.
خرجت تشتد: تعدو.
سجي - بسين مهملة، والجيم، بالبناء للمفعول: غطي: الحمر - بضم الحاء، والميم: الحمير الاهلية.
الانسية - بكسر الهمزة، وسكون النون وفتحها: وهي التي تالف البيوت، الانسية منسوبة إلى الانس.
أكفئت القدور، قال ابن التين: صوابه فكفئت، قال الاصمعي: كفات الاناء قلبته، ولا يقال أكفاته، ويحتمل أن يكون المراد أميلت حتى أمال ما فيها، قال الكسائي: أكفات الاناء: أملته.
الخشني - بضم الخاء، وفتح الشين المعجمتين.
المخمصة: المجاعة.(5/164)
أهريقوها، يقال هراق الماء يهريقه - بفتح الهاء: صبه، والاصل الاراقة، وأهرق يهرق ساكنا، وأراق يهريق كاسطاع يسطيع، كان الهاء عوض من حركة الياء.
الدنان - بكسر الدال المهملة الخوابي، جمع دن - بفتحها.
شرح غريب فتحه - صلى الله عليه وسلم - الوطيح والسلالم قوله.
حاز ماله: ضمه إلى ملكه.
الوطيح - بواو مفتوحة، فطاء مكسورة، فتحتية ساكنة، فحاء مهملة السلالم - بسين مهملة مضمومة، وقيل بفتحها، وكسر اللام التي قبل الميم، ويقال فيه
السلاليم.
تدنى - بفوقية، فدال مهملة، فنون مشددة مفتوحات معتل: أي أخذه مالا مالا وحصنا حصنا.
الادنى فالادنى: أي الاقرب.
المنجنيق - بفتح الميم، وتكسر: آلة من آلات الحصار يرمى بها.
كنانة بكسر الكاف، ونونين.
حيي - بحاء مضمومة، فتحتية مفتوحة، فاخري مشددة.
أخطب: بالخاء المعجمة فالطاء المهملة وبالموحدة.
الحقيق - بضم الحاء المهملة، وفتح القاف الاولى، وسكون التحتية.
حقن دمه: امتنع من قتله وإراقته، أي جمعه له وحبسه عليه.
الصفراء: الذهب.
البيضاء: الفضة.
الكراع - بضم الكاف: اسم لجماعة الخيل خاصة.
الحلقة - بسكون اللام: السلاح أجمع، أو الدروع خاصة.
البر - بفتح الموحدة، وبالزاي: نوع من الثياب.
ذمة الله - بكسر المعجمة: عهده وميثاقه.
المسك - بفتح الميم، وسكون السين المهملة: الجلد.
خربة: أي مكان خرب ضد العامرة.(5/165)
شرح غريب ذكر إرادته - صلى الله عليه وسلم - إجلاء يهود قوله: الجلاء - بفتح الجيم، وبالمد: الخروج من البلد.
بدا - غير مهموز: ظهر.
الشطر هنا - النصف كما في الرواية الاخرى.
الخرص - بفتح الخاء المعجمة، وبكسرها هنا: حزر ما على النخل من الرطب تمرا.
السحت - بضمتين ويسكن: المال الحرام، لا يحل لبسه، ولا أكله.
الفدع - بفتح الفاء، والدال، وبالعين المهملتين، أي اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل فينقلب الكف، أو القدم إلى الجانب الآخر، وذلك الموضع.
انفدعت - بفتحات، قال في التقريب: فدع اليهود يد عبد الله، ففدع: غير معروف في اللغة، ويحتمل أن يكون بغين معجمة.
قال الازهري: الفدغ: كسر شئ أجوف كالنقع: قلت: وفيه نظر، لان الوارد أن يد عبد الله اعوجت فقط لا أنها كسرت.
والله تعالى أعلم.
والانسي - قال أبو زيد: الايسر من كل شئ، وقال الاصمعي هو الايمن، وقال كل اثنين من الانسان مثل الساعدين والزندين، والقدمين، فما أقبل منهما على الانسان فهو إنسي، وما أدبر عنه فهو وحشي.
الكوع - بالتحريك: أن تعوج اليد من قبل الكوع، وهو راس اليد مما يلي الابهام، والكرسوع راسه مما يلي الخنصر.
عدي عليه بالبناء للمفعول.
ارفضت: سال عرقها.
تؤم: تقصد.
القلوص - بفتح القاف، وضم اللام من الابل: بمنزلة الجارية من النساء، وهي الشابة، الجمع قلص بضمتين وقلاص - بالكسر، وقلائص.
هزيلة - بفتح الهاء وسكون الزاي: وهي المرة من الهزل ضد الجد.
شرح غريب قصة الشاء المسمومة قوله سلام: وزن كلام.
مشكم: بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة.
مصلية - بفتح الميم، وسكون الصاد المهملة، أي المشوية.(5/166)
انتهس اللحم: أخذه بمقدم الاسنان للاكل.
لاك: مضغ.
ساغ اللقمة: بلعها.
لفظها: طرحها.
استرط: ابتلع.
الاكلة - بضمتين: المأكول.
الطيلسان - بفتح الطاء، واللام، وتكسر.
ماطله وجعه: طالت مدته.
الكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق.
لهوات - بثلاث فتحات، جمع لهاة، وهي اللحمة المعلقة في أقصى الفم.
العداد - بعين مكسورة، فدال مهملتين: اهتياج وجع اللديغ، فانه إذا تم له سنة من حين لدغ عاوده هياج الالم.
يعاودني - بضم أوله، ورابعه، وتشديده، أي يراجعني ألم سمها.
قال الداودي: الالم الذي حصل له - صلى الله عليه وسلم - من الاكلة هو نقص لذة ذوقه.
قال ابن الاثير: وليس ببين لان نقص الذوق ليس بالم.
الابهر - بفتح الهمزة، وسكون الموحدة: عرق يكتنف الصلب إذا انقطع مات صاحبه.
تجاوز عنها: عفا.
شرح غريب ذكر قدوم جعفر وأبي هريرة - رضي الله عنهما - كلا - هنا: حرف ردع وزجر.
الحبيشية والبحرية - بهمزة الاستفهام والتصغير لبعض رواة الصحيح، والباقين بعدمها،
فنسبها عمر للحبشة لسكناها بها، وإلى البحر لركوبها إياه.
البعداء عن الدين: البغضاء له، وهما جمع بعيد، وبغيض.
وايم الله: أي يمين الله، قسم، وفيه اثنا عشر لغة.
أهل السفينة - بالنصب على الاختصاص، وعلى النداء بحذف أداته، ويجوز الجر على البدل من الضمير.
أرسالا - بفتح الهمزة: أفواجا، يتبع بعضهم بعضا.(5/167)
الحجل - بحاء مهملة مفتوحة، فجيم ساكنة، فلام، أي يرفع رجلا ويقفز على الاخرى من الفرح، وقد يكون بالرجلين.
التطفيف: نقص المكيال.
اكتال منه وعليه: أخذ يتولى الكيل بنفسه، ويقال: كال الدافع، واكتال الآخذ.
السراة - بفتح السين المهملة: أعظم جبال العرب.
السهمان - بالضم، والاسهم، والسهام، جمع سهم: وهو النصيب.
الحزم - بضم الحاء المهملة، والزاي، جمع حزام.
لليف: بلام التأكيد، وهو معروف.
ابن قوقل - بقافين بينهما واو - وزن جعفر، النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم - بصاد مهملة، وزن أحمد - ابن فهم بن ثعلبة بن غنم - بفتح الغين المعجمة وسكون النون، بعدها ميم - ابن عمر بن عوف الانصاري، الاوسي.
وقوقل: لقب ثعلبة، وقيل أصرم، قتله أبان في أحد - رضي الله تعالى عنهما -.
أكرمه الله على يدي: أي استشهد بان قتل فأكرمه الله - تعالى - بالشهادة.
ولم يهني على يديه - بتشديد النون - أصله نهينني فادغمت إحدى النونين في الاخرى.
يا عجبا لوبر: الوبر - بفتح الواو، وسكون الموحدة - دابة كالسنور وحشية، ونقل أبو
علي القالي - بالقاف - عن أبي حاتم: أن بعض العرب تسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا، قال الخطابي: أراد بان يحقر أبا هريرة، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع، وأنه قليل القدرة على القتال، قال الكرماني - رحمه الله تعالى - وفيه تعريض بكنية أبي هريرة.
تدلى: تحدر - وفي رواية: تدادا بدالين مهملتين بينهما همزة ساكنة - قيل: أصله تدهده، فابدلت الهاء همزة، وقيل: الدأدأة: صوت الحجارة في السيل: أي هجم علينا بغتة.
قدوم - بقاف مفتوحة للاكثر، فدال مهملة مشددة، وضم بعضهم القاف: اسم ثنية ببلاد دوس.
ضأل - باللام المخففة: فسره البخاري في رواية المستملي، بالسدر، وكذا قال أهل اللغة: إنه السدر البري، وتوهيم صاحب المطالع للبخاري ليس بشئ.
ضان: بغير همزة - قيل هو راس الجبل، إلا أنه في الغالب موضع مرعى الغنم، وقيل: هو جبل الدوس: قوم أبي هريرة.
ينعى - بفتح التحتية وسكون النون، وفتح العين المهملة: أي يعيب على، وفي رواية يعيرني.(5/168)
وأنت بهذا: أي أنت تقول بهذا، أو قائل بهذا، أو أنت بهذا المكان والمنزلة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كونك لست من أهله، ولا من قومه ولا من بلاده.
قبل - بكسر القاف، وفتح الموحدة.
نجد - بفتح النون، وسكون الجيم.
شرح غريب ذكر قدوم عيينة بن حصن وبني فزارة ومصالحة أهل فدك قوله: عيينة: تصغير عين.
فزارة - بفتح الفاء، والزاي المخففة.
ذو الرقيبة، تصغير رقبة، وقيل: كسفينة: جبل مطل على خيبر.
جنفا - بفتح الجيم والنون، والفاء، والمد والقصر، وقد يضم أوله في الحالين: ماء من مياه بني فزارة بين خيبر وفدك.
أحذاه - بالحاء المهملة، والذال المعجمة: أعطاه.
توضع: تسرع.
محيصة - بميم فحاء مهملة مفتوحة، فتحتية مشددة مكسورة، فصاد مهملة.
فدك - بفتح الفاء، والدال المهملة، وبالكاف: بينها وبين المدينة كما قال ابن سعد: ستة أميال.
النجدة: القوة.
نرى - بنون، فراء مهملة مبنيا للمفعول: نظن.
حراهم - جمع حرة - بالحاء المهملة، والراء المشددة: وهي أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار.
فت أعضادهم: كسر قوتهم، والعضد: الناصر والمعين.
شرح غريب ذكر المراهنة وخبر الحجاج بن علاط - رضي الله تعالى عنه - يفلت - بضم التحتية، وسكون الفاء، وبالفوقية بعد اللام: يخلص نجاة.
خاطره - بالخاء المعجمة، والطاء المهملة: راهنه.
ضوى إليه - بالضاد المعجمة الساقطة: أي مال.
يغير - بغين معجمة: من الاغارة وهي كبس العدو.(5/169)
الثنية البيضاء: عقبة تهبطك إلى فخ - بالخاء المعجمة - وأنت مقبل من المدينة تريد أسفل مكة قبل ذي طوى.
الريف - بالكسر: الخصب والسعة في المطعم، وحيث تكون الخضرة والحياة.
يتحسبون الاخبار - بفتح التحتية والفوقية والحاء، والسين المشددة المهملتين وضم
الموحدة، أي يتطلبونها.
التبطوا لجنب ناقتي: مشوا إلى جنبها كمشي العرجاء الزدحامهم حولها.
الحجاز: ما بين نجد والسراة.
الانفة - بفتح الهمزة، والنون: الحمية.
المنعة - بالتحريك: جمع مانع، ككاتب وكتبة، ويسكن على معنى منعة واحدة، وهي العشيرة فالحماة.
الريع - بكسر الراء، والتحتية وسكون: المكان المرتفع.
الفل - بفتح الفاء: القوم المنهزمون.
يقدم - بضم أوله، وفتح الدال.
أحث - بالثاء المثلثة: أسرع.
الشامت: الذي يفرح ببلاء ينزل على غيره.
وبين مسلم ومسلمة: أي ومؤمن ومؤمنة.
المؤنة - بضم الميم: القوة.
ليخل لي في بعض بيوته: أي لينفرد فيه.
ناشده الله: ذكره به.
انتثل ما فيها - بهمزة، فنون ساكنة ففوقية فثاء مثلثة: استخرج.
العروس: وصف يستوي فيه الذكر والانثى.
الخلوق: نوع من الطيب.
خطر في مشيته: أقبل بيده وأدبر كثيرا.
التجلد: التصبر.
الكآبة: الحزن.
أولى له: كلمة معناها الوعيد من ولي الامر أي تداوله شر.(5/170)
ينشبوا: يلبثوا.
شرح غريب ذكر غنائم خيبر ومقاسمها.
قوله: أحذى النساء: أعطاهن.
الحوائط - جمع حائط: وهو هنا البستان.
شريق - بالشين المعجمة، والقاف.
وادي خاص - بالخاء المعجمة، فالف، فصاد مهملة، كذا عند ابن إسحاق، وجرى عليه ياقوت والسيد وغيرهما، وقال أبو الوليد الوقشي: إنما هو وادي خلص باللام.
قال البكري: وهو بضم أوله، وإسكان ثانيه، وبالصاد المهملة.
الجراب - بكسر الجيم، ويجوز فتحها في لغة نادرة.
لا أبالك: هو أكثر ما يستعمل في المدح: أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذم، وقد يكون بمعنى جد في أمرك وشمر، لان من له أب اتكل عليه في بعض شانه.
رضخ - بالخاء - والضاد المعجمتين: أعطى.
خرثي المتاع - بخاء معجمة، مضمومة، فراء ساكنة فثاء مثلثة مكسورة فتحتية مشددة: هو أثاث البيت ومتاعه، فالاضافة بيانية.
الدجاج - بتثليث الدال، الطائر المعروف.
الداجن: ما ألف الناس في بيوتهم كالشاة التي تعلف، والدجاج، والحمام، وسمي داجنا لاقامته مع الناس، يقال: دجن بالمكان إذا أقام به.
شرح غريب من استشهد بخيبر قوله: قفلوا: رجعوا.
شاحبا - بشين معجمة فحاء مهملة، فموحدة: أي متغير اللون.
كذب من قاله: أخطأ.
إنه لجاهد مجاهد - كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما، وكسر الهاء، وبالتنوين، والأول مرفوع على الخبر والثاني إتباع، ولابي ذر عن الجمحي والمستملي - بفتح الهاء والدال، قال القاضي - رحمه الله - تعالى: والأول هو الوجه، قال ابن دريد - رحمه الله تعالى -: رجل جاهد، أي مجد في أموره، وقال ابن التيه - رحمه الله تعالى: الجاهد: من يرتكب المشقة لاعداء الله تعالى(5/171)
مشى - بشين معجمة - كذا في رواية بالميم والقصر من المشي.
والضمير في بها للارض أو للمدينة أو للحرب أو للخصلة، وفي رواية نشأ - بنون وهمزة، وحكى السهيلي: أنه وقع في رواية مشابها - بضم الميم، اسم فاعل من الشبه: أي ليس مشابها في صفات الكمال في القتال، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره رايت مشابها أو على الحال، من قوله عربي، قال السهيلي: والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى.
شرح غريب ذكر انصراف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومصالحة أهل تيماء قوله: أصلا - بضم أوله وثانيه: جمع أصيل وهو العشي.
وادي القرى - بضم القاف (1).
العنوة - بفتح العين المهملة: القهر.
الجذامي - بضم الجيم، وذال معجمة.
الشملة: كساء غليظ يلتحف به.
ضوى - بفتح الضاد المعجمة، والواو: مال.
الآطام - جمع أطم: الحصن.
مدعم - بكسر الميم، وسكون الدال، وفتح العين المهملتين.
يرحل - بضم التحتية، وفتح الراء، وكسر الحاء المهملة المشددة: أي يضع الرحل على
الدابة ويشده.
سهم عائر - بعين مهملة فالف فهمزة مكسورة.
: لا يدري من رمى به.
سهم غرب بفتح الغين المعجمة، وسكون الراء، وتحرك، يضاف ولا يضاف: أي لا يدرى من رماه.
هنيئا له الشهادة: أي جاءته بلا مشقة.
الشراك - بكسر الشين المعجمة: أحد سيور النعل التي تكون على وجهها.
تيماء - بفتح الفوقية - وسكون التحتية: بلد بين المدينة والشام.
شرح غريب نومهم عن الصلاء ورجوعه - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة قوله: سرى ليلته: سار فيها.
عرس - بفتح العين، والراء المشددة والسين المهملات: نزل آخر الليل.
__________
(1) وادي القرى واد بين المدينة والشام، من أعمال المدينة كثير القرى.
مراصد الاطلاع 3 / 1417.
(*)(5/172)
هب - بفتح الهاء، والموحدة المشددة: استيقظ.
اقتاد بعيره: قاده.
من كنز الجنة، أي أجرها يدخر لقائلها كما يدخر الكنز.
الجرف - بضم الجيم، والراء وبالفاء: موضع بينه وبين المدينة ثلاثة أميال إلى جهة الشام.
طرق أهله: أتاهم ليلا.
ضن بكذا - بضاد معجمة ساقطة، فنون مشددة، مفتوحتين: بخل.
لا بتا المدينة: حرتاها، وهما جانباها.
شرح غريب ذكر رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الانصار ما منحوه للمهاجرين، وغريب شعر كعب بن مالك - رضي الله عنه
فروضه - بضم الفاء والراء وبالواو والضاد المعجمة: المواضع التي فيها الانهار.
الاشاجع: عروق ظهر الكف.
مذود - بميم مكسورة، فذال معجمة ساكنة، فواو مفتوحة، فدال مهملة: مانع الواهن قال في الاملاء الواهن: الضعيف.
المشرفي: السيف.
يذود: يمنع ويحمي.
الذمار - بذال معجمة مكسورة، وراء: ما تجب حمايته.
الانباء - بفتح الهمزة: الاخبار.
الغيب: هنا بالياء ويروى بالميم من الغنيمة.
شرح غريب أبيات ابن القيم - رضي الله تعالى عنه رميت نطاة من الرسول بفيلق * شهباء ذات مناكب وفقار واستيقنت بالذل لما شيعت * ورجال أسلم وسطها وغفار صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة * والشق أظلم أهله بنهار جرت بابطحها الذيول فلم تدع * إلا الدجاج تصيح بالاسحار ولكل حصن شاغل من خيلهم * من عبد الاشهل أو بني النجار ومهاجرين قد اعلموا سيماهم * فوق المغافر لم ينوا لقرار(5/173)
ولقد علمت ليغلبن محمد * وليثوين بها إلى أصفار فرت يهود عند ذلك في الوغي * تحت العجاج غمائم الابصار الفيلق - بفتح الفاء، وسكون التحتية، وفتح اللام، وبالقاف شهباء: كثيرة السلاح.
المناكب - جمع منكب كمسجد: مجتمع راس العضد والكتف.
الفقار - بالفتح: مفاصل عظم الصلب.
جعل لها مناكب وفقارا: يريد بذلك شدتها.
شيعت: فرقت.
أسلم، وغفار - بكسر الغين المعجمة: قبيلتان.
الابطح: المكان السهل.
عبد الاشهل - بالشين المعجمة، وبنو النجار، من الانصار.
سيماهم: علائمهم.
المغافر - جمع مغفر: وهو الذي يجعل على الراس.
لم ينوا - بتحتية، فنون: لم يضعفوا أو لم يفتروا.
يثوين - بالثاء المثلثة: يقمن.
أصفار: جمع صفر -، وهو الشهر.
فرت يهود: هربت.
الوغى - بفتح الواو، وبالغين المعجمة: الحرب.
العجاج: الغبار.
الغمائم - بالغين المعجمة: جفون العيون.
الابصار - بالموحدة.
قال ابن سراج: ويصح أن تكون عمائم بالمهملة، جمع عمامة، ويكون الانصار بالنون، وقال السهيلي: قوله فرت يهود " هو بيت مشكل، غير أن بعض النسخ، وهي قليلة عند ابن هشام، أنه قال: فرت: فتحت، من قولك: فرت الدابة إذا فتحت فاها وغمائم الابصار، مفعول فرت، وهي جفون أعينهم، قال السهيلي: هذا قول.
وقد يصح أن يكون فرت من الفرار.
وغمائم الابصار من صفة العجاج، وهو الغبار، ونصبه على الحال من العجاج، وإن كان لفظه لفظ المعرفة عنده، وليس بشاذ في النحو، ولا مانع في العربية، وأما عند أهل التحقيق فهو نكرة لانه لم يرد الغمائم، حقيقة، وإنما أراد مثل الغمائم، استدل السهيلي على ذلك باشياء ذكرها.(5/174)
الباب الخامس والعشرون في غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب، وبني ثعلبة
، وسببها أن قادما قدم بجلب إلى المدينة، فاشتراه منه أهلها، فقال للمسلمين: إن بني أنمار بن بغيض، وبني سعد بن ثعلبة قد جمعوا لكم جموعا، وأراكم هادئين عنهم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستخلف على المدينة - قال ابن اسحاق: أبا ذر الغفاري، وقال محمد بن عمر وابن سعد وابن هشام: عثمان بن عفان، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة ليلة السبت لعشر خلون من المحرم.
في أربعمائة أو سبعمائة، أو ثمانمائة، وسلك على المضيق، ثم أفضى الى وادي الشقرة، فأقام فيها يوما، وبث السرايا، فرجعوا منها مع الليل وخبروه أنهم لم يروا أحدا، ووطئوا آثارا حديثة، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه حتى أتى نخلا، وأتى مجالسهم، فلم يجد فيها أحدا الا نسوة، فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، وقد هربت الاعراب في رؤوس الجبال، وهم مطلون على المسلمين.
قال ابن إسحاق: فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعا من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم قتال، فخاف الفريقان بعضهم من بعض، خاف المسلمون أن يغير المشركون عليهم، وهم غارون، وخاف المشركون أن لا يبرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يستاصلهم.
ولما حانت الصلاة - صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه صلاة الخوف.
وروى البيهقي عن جابر - رضي الله عنه - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر، فهم به المشركون، فقالوا: دعوهم فان لهم صلاة بعد هذه أحب إليهم من أبنائهم، فنزل جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبره، فصلى العصر صلاة الخوف.
قال ابن سعد: وكان ذلك أول ما صلاها، ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا إلى المدينة.
وبعث بجعال - بضم الجيم، وبالعين المهملة، واللام، ابن سراقة - رضي الله عنه - بشيرا إلى أهل المدينة بسلامة المسلمين.
وغاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة.
وقد وقع في هذه الغزوة آيات كثيرة: روى أكثرها جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه..روى البزار والطبراني في الاوسط عنه، قال: كانت غزوة ذات الرقاع تسمى غزوة الاعاجيب - انتهى - منها ما وقع عند إرادة غوث بن الحرث الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(5/175)
روى الشيخان وغيرهما من طرق عن جابر - رضى الله عنه.
قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد - وفي رواية ذات الرقاع، فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ادركته القائلة يوما بواد كثير العضاة فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت ظل شجرة فعلق بها سيفه، فنمنا نومة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا فجئناه، فإذا عنده اعرابي جالس، فقال: " ان هذا اخترط سيفى وانا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني ؟ قلت: الله.
قال: من يمنعك مني ؟ قلت: الله، قال: من يمنعك منى ؟ قلت: الله - ثلاث مرات، فشام السيف وجلس، ولم يعاقبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
ولهذه القصة طرق تأتى مع بعض ما يتعلق بها من الفوائد في أبواب عصمة - صلى الله عليه وسلم - ممن اراد الفتك به.
ومنها قصة الصبى الذي به جنون، روى البزار والطبراني في الاوسط، وابو نعيم عن جابر - رضى الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذات الرقاع حتى إذا اتى حرة واقم، حضرت امراة بدوية بابن لها، فقالت: يا رسول الله، هذا ابني قد غلبنى عليه الشيطان، ففتح فاه فبزق فيه، فقال: " اخسا عدو الله انا رسول الله ثلاثا، ثم قال: " شأنك بابنك لن يعود الله بشئ، مما كان يصيبه " (2) ومنها قصة البيضات الثلاث: روى محمد بن عمر، وابو نعيم عن جابر - رضى الله عنه - قال في غزوة ذات الرقاع: جاء علبة بن زيد الحارثى - رضى الله عنه - بثلاث بيضات اداحى،
فقال يا رسول الله: وجدت البيضات هذه في مفحص نعام، فقال: دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات فعملتهن، ثم جئت بهن في قصعة فجعلت اطلب خبزا فلا أجده، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز حتى انتهى الى حاجته والبيض في القصعة كما هو، ثم قام فأكل منه عامة أصحابه، ثم رحنا مبردين (3).
ومنها قصة الرجل الذي دعا عليه - صلى الله عليه وسلم - بضرب رقبته: روى محمد بن عمر، والحاكم، وأبو نعيم عن جابر - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى على رجل ثوبا مخروقا، فقال: ما له غيره ؟ فقالوا له ثوبان جديدان في العيبة، فأمره بلبسهما، فلما ولى الرجل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أليس هذا أحسن ؟ ماله ضرب الله عنقه ؟ " فسمعه الرجل فقال: يا
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 490 (4134، 4135).
(2) انظر مجمع الزوائد 9 / 10.
(3) الواقدي في المغازى 1 / 399.
(*)(5/176)
رسول الله في سبيل الله تعالى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الله فقتل الرجل في وقعة اليمامة (1).
ومنها قصة الجمل الذي شكى إليه حاله.
روى البزار، والطبراني في الاوسط، وأبو نعيم عن جابر - رضى الله عنه - قال: رجعنا من غزوة ذات الرقاع، حتى إذا كنا بمهبط الحرة، أقبل جمل يرقل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أتدرون ما قال هذا الجمل ؟ " هذا جمل يستعديني على سيده، يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين، وأنه أراد أن ينحره، اذهب يا جابر الى صاحبه فأت به، فقلت: لا أعرفه.
فقال: انه سيدلك عليه " فخرج بين يدي مقنعا، حتى وقف على صاحبه، فجئت به فكلمه - صلى الله عليه وسلم - في شأن الجمل (2).
ومنها قصة جمل جابر - رضى الله عنه - روى الامام أحمد عن جابر - رضى الله عنه -
قال: فقدت جملى في ليلة مظلمة، فمررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " مالك ".
فقلت يا رسول الله ! ! فقدت جملى، فقال: " ذاك جملك، اذهب فخذه ".
فذهبت نحو ما قال فلم أجده، فرجعت إليه، فقال مثل ذلك، فذهبت فلم أجده، فرجعت إليه، فانطلق معي حتى أتينا الجمل، فدفعه إلي (3).
قصة أخرى: روى الامام أحمد، وأبو نعيم والشيخان، ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمر من طرق عن جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني ثعلبة، وخرجت على ناضح لي، فابطأ علي، وأعياني حتى ذهب الناس، فجعلت أرقبه، وهمني شانه فأتى علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ما شأنك "، فقلت: يا رسول الله ! ! أبطأ علي جملي، فاناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيره، فقال: " معك ماء " ؟ فقلت: نعم.
فجئته بقعب من ماء، فنفث فيه ثم نضح على راسه وظهره، وعلى عجزه.
ثم قال: " أعطني عصا "، فاعطيته عصا معي، أو قال: قطعت له عصا من شجرة، ثم نخسه نخسات، ثم قرعه بالعصا، ثم قال: " اركب " فركبت فخرج - والذي بعثه بالحق - يواهق (4) ناقته مواهقة ما تفوته ناقته، وجعلت أكفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حياء منه، وجعلت أتحدث مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقية الحديث ياتي في باب مزاحه ومداعبته - صلى الله عليه وسلم - وفي باب كرمه وجوده، وفي باب بيعة وشرائه.
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 4 / 183.
(2) قال الهيثمي 9 / 11 فيه عبد الحكيم ابن سفيان ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه أحد، وبقية رجاله ثقات.
(3) انظر مجمع الزوائد 9 / 14 - 15.
(4) يواهق أي يباريها ويماشيها، ومواهقة الابل: مد أعناقها في السير، انظر النهاية 5 / 233.
(*)(5/177)
ومنها قصة الشجرتين، وقصة تخفيف العذاب عن ميتين، وقصة نبع الماء من بين أصابعه، وقصة الدابة التي ألقاها البحر لما شكى المسلمون من الجوع.
روى مسلم، وأبو نعيم، والبيهقي: عن جابر - رضي الله عنه - قال: سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذات الرقاع، حتى نزلنا واديا أفيح، وذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته، واتبعته باداوة من ماء، فنظر فلم ير شيئا يستتر به، وإذا شجرتان تشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إحداهما، فاخذ بغصن من أغصانها، وقال: " انقادي علي باذن الله تعالى " فانقادت منه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أنت الشجرة الاخرى فاخذ بغصن من أغصانها وقال: " انقادي علي باذن الله تعالى " فانقاد معه كذلك حتى إذا كان بالنصف فيما بينهما لام بينهما، يعني جمعهما فقال: " التئما علي باذن الله تعالى ".
فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدمي فيبتعد فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرايت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف وقفة فقال براسه: " هكذا يمينا وشمالا ".
ثم أقبل، فلما انتهى إلي قال: " يا جابر ! هل رايت مقامي ؟ " قلت: نعم يا رسول الله.
قال: " فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا وأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فارسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك ".
قال جابر: فقمت، فاخذت حجرا فكسرته وحسرته فانزلق لي، ثم أتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجترهما حتى إذا قمت مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: قد فعلت يا رسول الله، فعم ذلك ؟ قال: اني مررت بقبرين يعذبان،، فاحببت بشفاعتي أن يرحه عنهما مادام القضيبان رطبين فاتينا العسكر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا جابر، ناد بالوضوء، فناديت: ألا وضوء ألا وضوء ؟ يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الانصار يبرد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الماء في أشجاب له على حمازة من جريد، فقال: " انطلق إلى فلان بن فلان الانصاري، فانظر هل في أشجابه من شئ ؟ فانطلقت إليه فنظرت فلم أجد فيها قطرة ماء الا قطرة في عزلاء شجب منها، لو انى أفرغه بشربة يابسة ؟ فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، قال: " اذهب فاتني به، فاتيته به، فاخذه
بيده، فجعل يتكلم بشئ لا أدري ما هو، ويغمزه بيده، ثم أعطانيه، فقال " يا جابر، ناد بجفنة "، فقلت: يا جفنة الركب فاتيت بها تحمل، فوضعت بين يديه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا، فبسطها في الجفنة، ففرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال: " خذ يا جابر فصب علي، وقل بسم الله " فرايت الماء يفور من بين أصابعه، ففارت الجفنة، ودارت حتى امتلات.
فقال: " يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء فاتى الناس فاستقوا(5/178)
حتى رووا، فقلت: هل بقي أحد له حاجة ؟ ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده من الجفنة، وهي ملاى.
وشكى الناس الجوع، فقال: " عسى الله أن يطعمكم بسيف البحر " فاتينا سيف البحر، فالقى دابة فاورينا على شقها النار، فشوينا، وأكلنا وطبخنا، وشبعنا.
قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عد خمسة في حجاج عينها، ما يرانا أحد حتى خرجنا، وأخذنا ضلعا من أضلاعها، فقوسناه، ثم دعونا باعظم رجل في الركب وأعظم جمل فدخل تحته ما يطأطئ راسه.
ذكر قصة الطائر الذي سقط على فرخه لما صاده بعض الصحابة رضي الله عنهم روى محمد بن عمر، وأبو نعيم - رحمه الله تعالى - عن جابر - رضي الله عنه - قال: إنا لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، فاقبل أبواه أو أحدهما حتى نفسه في يدي الذي أخذ فرخه، فرايت الناس يعجبون من ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أتعجبون من هذا الطائر ؟ أخذتم فرخه، فطرح نفسه رحمة بفرخه، والله لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه ".
ذكر منقبة لعباد بن بشر - رضي الله عنه روى ابن إسحاق عن جابر - رضي الله عنه - ومحمد بن عمر عن شيوخه - رحمهما الله
تعالى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب في نخل المشركين في هذه الغزوة امرأة، وكان زوجها غائبا، فلما أتى أخبر الخبر، وقفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلف زوجها لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - دما، فخرج يتبع أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزلا ليلة ذات ريح في شعب استقبله.
فقال: " من رجل يكلانا " ؟ فقام عباد بن بشر، وعمار بن ياسر - رضي الله عنهما - فقالا، نحن يا رسول الله نكلؤك، وجعلت الريح لا تسكن، وجلس الرجلان على فم الشعب، فقال أحدهما لصاحبه: أي الليل أحب إليك أن أكفيك أوله، وتكفيني آخره ؟ قال: اكفني أوله، فنام عمار بن ياسر، وقام عباد يصلي، فاقبل زوج المرأة يطلب غرة، وقد سكنت الريح، فلما رأى سواد عباد من قريب قال: يعلم الله أن هذا ربيئة القوم، فقوق سهما فوضعه فيه، فانتزعه عباد، فرماه باخر فوضعه فيه، فانتزعه، فرماه بآخر فانتزعه، فلما غلبه الدم ركع وسجد، ثم قال لصاحبه: إجلس فقد أتيت، فجلس عمار، فلما راى الاعرابي عمارا قد قام علم أنه قد تذرا به، فهرب فقال عمار: أي أخي، ما منعك أن(5/179)
توقظني في أول سهم رمى به ؟ قال: كنت في سورة أقرأها وهي سورة الكهف، فكرهت أن أقطعها حتى أفرغ منها، ولو لا أني خشيت أن أضيع ثغرا أمرني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما انصرفت، ولو أتي على نفسي.
ويقال إن المرمي عمار، قال محمد بن عمر: وأثبتها عندنا عباد بن بشر - رضي الله عنه.
وروى ابن إسحاق عن جابر - رضي الله عنه - لما قدم صرارا نزل به، وأمر بذبح جزور، وأقام عليها والمسلمون يومهم ذلك، فلما أمسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المدينة ودخلنا معه.
تنبيهات الأول: اختلف في تسمية هذه الغزوة بذات الرقاع - بكسر أوله، فقيل: هي اسم شجرة سميت الغزوة بها، وقيل: لان أقدامهم نقبت فلقوا عليها الخرق كما في صحيح مسلم عن
أبي موسى الاشعري، وقيل: بل سميت برقاع كانت في ألويتهم.
قال في تهذيب المطالع: والاصح أنه موضع، لقوله: حتى إذا كنا بذات الرقاع.
وكانت الارض التي نزلوها ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض.
قال محمد بن عمر الاسلمي: سميت بجبل هناك فيه بقع، ورجح السهيلي، والنووي السبب الذي ذكره أبو موسى الاشعري.
قال النووي - رحمه الله تعالى - ويحتمل أنها سميت بالمجموع، وبه جزم صاحب تهذيب المطالع.
في التقريب.
الثاني: اختلف متى كانت هذه الغزوة فقال البخاري ومن تبعه: أنها كانت بعد خيبر، لأن أبا موسى الاشعري جاء من الحبشة سنة سبع بعد خيبر، كما في الصحيح في باب غزوة خيبر.
وتقدم ذكره هناك.
وصح أيضا كما في الصحيح أنه شهد ذات الرقاع، وإذا كان ذلك كذلك لزم أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة نجد صلاة الخوف.
رواه البخاري تعليقا، وأبو داود، والطحاوي، وابن حبان موصولا.
قال البخاري، وأبو هريرة: انما جاء الى النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام خيبر أي فدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الغزوة كانت في جهة نجد، أي لا تتعدد، فان نجدا وقع القصد الى جهتها في عدة غزوات.
وذكرت في باب صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف ما يغنى عن اعادته، فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر، لا التي قبلها،(5/180)
والجواب أن غزوة نجد إذا أطلقت فالمراد بها غزوة ذات الرقاع، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة.
وكذلك عبد الله بن عمر، ذكر أنه - صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بنجد، وتقدم أن أول مشاهدة الخندق، فتكون ذات الرقاع بعد الخندق.
وفي الصحيح عن جابر - رضى الله عنه - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف في غزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع.
قال الحافظ: قوله في غزوة السابعة، من اضافة الشئ الى نفسه على رأي، أو فيه حذف تقديره: غزوة السفرة السابعة.
وقال الكرماني (1) وغيره: تقديره غزوة السنة السابعة، أي من الهجرة، وفي هذا التقدير نظر، إذ لو كان مرادا لكان هذا نصا في أن غزوة ذات الرقاع تأخرت بعد خيبر، نعم التنصيص بأنها سابع غزوة من غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - تأييد لما ذهب إليه البخاري من أنها كانت بعد خيبر، فانه إذا كان المراد الغزوات التي خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بنفسه مطلقا، سواء قاتل أو لم يقاتل، فان السابعة منها تقع قبل أحد، ولم يذهب أحد الى أن ذات الرقاع قبل أحد الا ما سيأتي من تردد ابن عقبة، وفيه نظر، لأنهم متفقون على أن صلاة الخوف متأخرة عن غزوة الخندق، فتعين أن يكون ذات الرقاع بعد قريظة، فتعين أن المراد الغزوات التي وقع فيها القتال.
والاولى منها بدر، والثانية أحد، والثالثة الخندق، والرابعة قريظة، والخامسة المريسيع، والسادسة خيبر، فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة، فالمراد تاريخ الوقعة لاعدد المغازي، وهذه العبارات أقرب مما وقع عند الامام أحمد بلفظ كانت صلاة الخوف في السابعة، فانه يصح أن يكون التقدير في الغزوة السابعة، كما يصح في غزوة السنة السابعة، قلت: لا مزيد على هذا التحقيق البليغ، فرحم الله الحافظ وجزاه خيرا.
وجزم أبو معشر: بأنها كانت بعد بني قريظة، وهو موافق لما ذهب إليه البخاري، قال في الزهر - وأبو معشر (2) من المعتمدين في المغازي.
وقال ابن القيم بعد أن ذكر الخلاف في تاريخها: الصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من
__________
(1) محمد بن يوسف بن علي بن سعيد، شمس الدين الكرماني: عالم بالحديث، أصله من كرمان.
اشتهر في بغداد، له " الكواكب الدرارى في شرح صحيح البخاري - ط " قال ابن قاضي شهبة: فيه أوهام وتكرار كثير ولا سيما في ضبط أسماء الرواة.
وله ايضا " ضمائر القران " و " النقود والردود في الاصول " مختصره، و " شرح لمختصر ابن الحاجب " سماه " السبعة السيارة " لانه جمع فيه سبعة شروح.
و " أنموذج الكشاف تعليق عليه.
توفي 786 ه، الاعلام 7 / 153.
(2) نجيح بن عبد الرحمن السندي بكسر المهملة وسكون النون الهاشمي مولاهم أبو معشر المدنى.
عن ابن المسيب.
قال الذهبي: لم يلقه، ونافع.
وعنه الليث والثوري وابن مهدى وطائفة.
ضعفه القطان وابن معين وأبو داود والنسائي وابن عدي.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو زرعة: صدوق وليس بقوي.
توفي سنة سبعين ومائة.
الخلاصة 3 / 104.(5/181)
هذا الموضع، يعني كونه ذكرها بعد غزوة بني النضير، وقبل غزوة بدر الموعد إلى بعد الخندق، بل بعد خيبر.
قال: وإنما ذكرته ههنا تقليدا لاهل المغازي والسير، ثم تبين لنا وهمهم الثالث: قال ابن عقبة: لا ندري هل كانت ذات الرقاع قبل بدر أو بعدها، أو قبل أحد أو بعدها.
قال الحافظ: وهذا التردد لا حاصل له، بل الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوة بني قريظة، لان صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت، وحديث وقوع صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع يدل على تأخرها بعد الخندق.
الرابع: قال أبو الفتح - رحمه الله تعالى - جعل البخاري حديث أبي موسى حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر، وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شئ من ذلك.
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - وهذا النفي مردود، والدلالة من ذلك واضحة كما تقدم تقريره.
وقال الامام علاء الدين الخازن - رحمه الله تعالى - وهذا الذي ذكره البخاري ظاهر الوضوح لان سياق الاحاديث يدل على ما قاله.
الخامس: ادعى الحافظ الدمياطي غلط الحديث الصحيح، فان جميع أهل السير على خلافه، والجواب أن الاعتماد على ما في الحديث أولى، لان أصحاب المغازي مختلفون في زمانها، فعند ابن إسحاق أنها بعد بني النضير، وقبل الخندق في سنة أربع.
وعند ابن سعد، وابن حبان: أنها كانت في المحرم سنة خمس وجزم أبو معشر بانها كانت بعد بني قريظة والخندق، وجزم ابن عقبة بتقديمها، لكن تردد في وقتها كما تقدم.
وأيضا فقد ازداد حديث أبي موسى قوة بحديث أبي هريرة، وبحديث ابن عمر كما تقدم تقريره.
السادس: قيل: إن الغزوة التي شهدها أبو موسى، وسميت ذات الرقاع غير غزوة ذات الرقاع التي وقعت فيها صلاة الخوف، لان أبا موسى قال في روايته: أنهم كانوا ستة أنفس، والغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف.
كان المسلمون فيها أضعاف ذلك، والجواب عن ذلك أن العدد الذي ذكره أبو موسى محمول على من كان مرافقا له من إلزامه، إلا أنه أراد من كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم.
السابع: وقع في الصحيح " باب غزوة ذات الرقاع " وهي غزوة محارب بن خصفة من بني ثعلبة بن غطفان.
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - وهو يقتضي أن ثعلبة جد لمحارب، وليس كذلك، ووقع عند القابسي: خصفة بن ثعلبة، وهو أشد في الوهم.
والصواب ما وقع عند ابن إسحاق وغيره، وبني ثعلبة بواو العطف، فان ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن(5/182)
ريث بن غطفان، وغطفان بن سعد بن قيس عيلان، ومحارب بن خصفة بن قيس عيلان، فمحارب وغطفان ابنا عم ! ! فكيف يكون الاعلى منسوبا الى الادنى ؟ ! وفي الصحيح في حديث جابر بلفظ محارب وثعلبة بواو العطف على الصحيح، وفي قوله ثعلبة من غطفان بميم فنون نظر أيضا كما يعلم مما تقدم، وقد يكون نسبة لجده الاعلى، وفي الصحيح من رواية بكر بن سوادة يوم محارب وثعلبة، فغاير بينهما ومحارب بضم الميم، وبالحاء المهملة والموحدة، وخصفة بفتح الخاء المعجمة، والصاد المهملة، ثم فاء، أضيف إليه محارب للتمييز عن غيره من المحاربين، فان في مضمر محارب بن فهر، وفي المغتربين محارب بن صباح، وفي عبد القيس محارب بن عمرو.
الثامن: غورث: وزن جعفر، وقيل بضم أوله، وهو بغين معجمة وواو وثاء مثلثة، مأخوذ من الغرث وهو الجوع، ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة، وحكى الخطابي فيه غويرث بالتصغير.
وحكى القاضي عن بعض رواة الصحيح: من المعارثة بالعين المهملة.
قال القاضي:
وصوابه بالمعجمة.
وذكر غويرث هذا الذهبي في التجريد من جملة الصحابة، ولفظ غورث بن الحرث الذي قال: من يمنعك مني ؟ قال: الله تعالى - فوقع السيف من يده، قاله البخاري من حديث جابر.
ا.
ه.
وتعقبه الحافظ بأنه ليس في شئ من طرق أحاديثه في الصحيح تعرض لاسلامه، ثم أورد الطرق.
ثم قال: رويناه في المسند الكبير عن مسدد الخزرجي وفيه ما يصرح بعدم اسلامه، ولفظه بعد أن ذكر وقوع السيف من يده، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - من يمنعك مني قال: كن خير آخذ.
قال: لا الا أن تسلم.
قال: لا ولكن أعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك.
فخلى سبيله، فجاء الى قومه وقال: جئتكم من عند خير الناس، وكذا رواه الامام أحمد، ونقله الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، ثم قال الحافظ: هذه الطرق ليس فيها أنه أسلم، وكان الذهبي لما رأي في ترجمة دعثور بن الحرث أن الواقدي ذكر له شبيها لهذه القصة، وأنه ذكر أنه أسلم، فجمع بين الروايتين، فأثبت اسلام غورث.
فان كان كذلك ففيما صنعه نظر من حيث انه عزاه للبخاري، وليس فيه انه أسلم من حيث انه يلزمه الجزم بكون القصتين واحدة، ومع احتمال كونهما واقعتين ان كان الواقدي اتقن ما نقل.
وفي الجملة فهو على الاحتمال.
قلت: سبق الذهبي في نقل اسلام غورث عن البخاري الامير أبو نصر ابن ماكولا في الاكمال.
وجزم به الذهبي في مشتبه النسبة، وأقره الحافظ في التبصرة على ذلك ولم يتعقبه.
والذهبي لم يغير ذلك للصحيح حتى يرد عليه بما قاله الحافظ.(5/183)
والظاهر أن البخاري ذكر ذلك في أحد تواريخه فتراجع، ولم أقف الان فيها الا على ربع التاريخ الكبير ولم يصل الى حرف الغين المعجمة.
ولم أر من حرر هذا الموضع.
ويحتمل ان صح اسلامه أن يكون أسلم في غير هذا اليوم ووقع للحافظ في الفتح في اسلام غورث كلام غير محرر يأتي الكلام عليه في الحادي عشر.
التاسع: قول غورث للنبي - صلى الله عليه وسلم - من يمنعك مني على سبيل الاستفهام الانكاري، أي لا يمنعك مني أحد لان الاعرابي كان قائما بالسيف على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسيف في يد الاعرابي والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس لا سيف معه، ويؤخذ من مراجعة الاعرابي في الكلام أن الله - سبحانه وتعالى - منع نبيه منه، والا فما الذي أحوجه الى مراجعته وتكرارها ثلاث مرات كما عند البخاري في الجهاد، مع احتياج غورث الى الحظوة عند قومه بقتله، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في جوابه: " الله يمنعني منك " اشارة الى ذلك، ولذلك أعاده الاعرابي فلم يزده على ذلك الجواب غاية الثياب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم مبالاته به أصلا.
العاشر: في رواية يحيى بن أبي كثير: فتهدده أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحافظ - رحمه الله تعالى - فظاهرها مشعر بأنهم حضروا القصة وأنه انما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد، وليس كذلك، بل وقع في رواية ابراهيم بن سعد في الجهاد بعد قوله: قلت الله ! ! فشام السيف أي أغمده، وكان الاعرابي لما شاهد ذلك الثبات العظيم وعرف أنه حيل بينه وبينه، تحقق صدقه، وعلم أنه لا يصل إليه ألقى السلاح، وأمكن من نفسه.
الحادي عشر: في حديث جابر فإذا هو جالس، ووقع في رواية ابن اسحاق بعد قوله: " قال الله " فدفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يمنعك أنت مني ؟ قال: لا أحد، قال: قم فاذهب لشأنك، فلما ولى قال: أنت خير مني.
ويجمع بين ما في الصحيح وبين ما ذكره ابن اسحاق من قوله: " فاذهب " أنه بعد ما أخبر أصحابه بقصته، ولشدة رغبته - صلى الله عليه وسلم - في ائتلاف الكفار ليدخلوا في الاسلام، لم يؤاخذه وعفا عنه.
قال الحافظ: وقد ذكر الواقدي في نحو هذه القصة أنه أسلم، وأنه رجع الى قومه فاهتدى به خلق كثير، ووقع في رواية ابن اسحاق - التي أشرت إليها - ثم أسلم..بعد.
قلت: وعلى الحافظ في هذا الكلام مؤاخذات.
الاولى: قوله " ووقع " في رواية ابن اسحاق بعد قوله " فدفع جبريل في صدره " صوابه: وقع عند الواقدي، لابن اسحاق، فان ابن اسحاق لم يذكر ذلك أصلا.
الثانية: أن الواقدي، انما ذكر في غزوة غطفان التي تعرف بذي أمر لا في ذات الرقاع، وسمى الرجل دعثورا.(5/184)
الثالثة قوله: وذكر الواقدي في نحو هذه القصة الخ.
قد يوهم أن الرجل غورث، وليس كذلك، بل هو دعثور.
الرابعة قوله: ووقع في رواية ابن اسحاق التي أشرت إليها أنه أسلم ليس في كلام ابن اسحاق أنه أسلم بلا ريب، ومن راجع كلام ابن اسحاق، والواقدي في مغازيهما تبين له صحة ما قتله.
والله - تعالى - أعلم.
الثاني عشر: قول ابن اسحاق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل على المدينة في غزوة ذات الرقاع أبا ذر، لا يستقيم على مذهبه أن ذات الرقاع قبل الخندق، فان أبا ذر أسلم قديما، ورجع الى بلاده، فلم يجئ الا بعد الخندق، كما ذكره محمد بن عمر.
الثالث عشر: وقع في الوسيط للامام حجة الاسلام الغزالي - رحمه الله تعالى - أن غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات.
قال الحافظ: وهو غلط واضح.
وقد بالغ ابن الصلاح في انكاره، وقال بعض من انتصر للغزالي: لعله أراد آخر غزوة صليت فيها صلاة الخوف، وهو انتصار مردود ايضا، لما رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان من حديث أبي بكر أنه - صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف، وانما أسلم أبو بكرة في غزوة الطائف بالاتفاق، وذلك بعد غزوة ذات الرقاع قطعا.
الرابع عشر: جمهور أهل المغازي على أن غزوة ذات الرقاع هي غزوة محارب، كما جزم به ابن اسحاق.
وعند محمد بن عمر، أنها اثنتان وتبعه القطب في المورد.
الخامس عشر: قول ابن سعد أن صلاة الخوف أول ما صليت " بذات الرقاع " محمول على ما ذكره هو وغيره من تقدمها على غزوة الحديبية، أما على تأخير ذات الرقاع عن خيبر
فتكون أول ما صليت صلاة الخوف في عسفان.
السادس عشر: في بيان غريب ما سبق.
الجلب - بفتح الجيم واللام، وبالموحدة: ما يجلب من بلد الى بلد للبيع.
بنو أنمار...بفتح الهمزة.
بغيض - بموحدة، فغين، فضاد، معجمتين بينهما تحتية.
هادين: غافلين عن أمرهم.
المضيق - بفتح الميم، وكسر الضاد المعجمة، ومثناة تحتية وقاف: قرية.
أفضى الى كذا: وصل إليه.
الشقرة - بضم الشين المعجمة، وسكون القاف: اسم موضع على يومين من المدينة.(5/185)
أتى نخلا - بالخاء المعجمة بلفظ اسم جنس النخلة: موضع على يومين من المدينة أيضا.
وضيئة - بالضاد المعجمة: أي حسنة.
غارون: غافلون.
يستاصلهم: يهلكهم جميعا.
حانت الصلاة: دنا وقتها.
شرح غريب ذكر حديث جابر في قصة غورث قوله - قفل: رجع.
العضاه - بكسر العين المهملة، وبالضاد المعجمة، وبالهاء: شجر أم غيلان، وكل شجر عظيم له شوك.
اخترط السيف: سله من غمده.
صلتا - بفتح الصاد المهملة، وسكون اللام، وبالفوقية: أي مجردا من غمده.
شام السيف - هنا - أدخله في غمده.
فتك به: أتاه ليقتله.
وهو غار: غافل.
في حرة - بفتح الحاء وكسرها.
الحرة: أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار والجمع [ حرار ] ككلاب.
واقم - بالواو والقاف، والميم، وزن آطم، من آطام المدينة، تنسب إليه حرة واقم.
بيضات أداحي - بالدال، والحاء المهملتين جمع أدحي بضم الهمزة، وهو الموضوع الذي تبيض فيه النعامة وتفرخ.
المفحص - بفتح الميم، وسكون الفاء، وفتح الحاء، وبالصاد المهملتين: اسم الموضع الذي يحفره الطائر ليبيض فيه.
العيبة - بفتح العين المهملة، وسكون التحتية، وبالموحدة: ما تجعل فيه الثياب.
اليمامة: مدينة على يومين من الطائف، وأربعة من مكة.
يرفل - يسكون الراء، وبالفاء: يمشي مشي المختال.
يستعديني: يطلب مني نصره.(5/186)
مقنعا - بالقاء والنون، والعين المهملة: أي ذليلا.
الناضح: الذي يسقى عليه، ثم استعمل في كل بعير القعب - بقاب مفتوحة، فعين مهملة: قدح من خشب.
يواهق - بتحتية مضمومة، فواو، فهاء مكسورة، فقاف: أي يباري ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في السير ويماشيها.
شرح غريب حديث جابر الطويل قوله: واد أفيح: واسع.
الاداوة - بالكسر: المطهرة.
شاطئ الوادي: جانبه.
الغصن - بضم الغين المعجمة.
البعير المخشوش - بالخاء والشين المعجمتين هو الذي يجعل في أنفه الخشاش.
بكسر الخاء: وهو عود يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع في انقياده.
وانقاد فلان للامر: أعطى القياد إذا أذعن طوعا أو كرها.
التامتا عليه: انطبقتا عليه وسترتاه.
أحضر - بضم الهمزة، وإسكان الحاء، وكسر الضاد المعجمة: أي أعدو وأسعى سعيا شديدا.
دانت - بالنون، وروي باللام: أي وقعت واتفقت.
لفته: نظرة.
حسرته - بحاء وسين مهملتين: حددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن اقطع به.
انذلق - بذال معجمة، كي صار حادا.
أممت الشئ: قصدته.
أجترهما: أجرهما.
فعم ذلك - أدغمت النون في ما الاستهفامية، وحذفت ألفها لدخول الجار.
يرفه عنهما - بفتح التحتية، وسكون الراء، وفتح الفاء وبالهاء: تخفيف.
الاشجاب - جمع شجب: وهو السقاء الذي خلق وبلى، وصار سيئا.(5/187)
الحمازة - بكسر الحاء، وتخفيف الميم والزاي: وهي أعواد يعلق عليها أسقية الماء.
القطرة: الشئ اليسير.
العزلاء - بفتح العين المهملة وسكون الزاي، وبالمد: وهي فم القربة الاسفل.
شربة يابسة: أي قليل جدا، فلقلته مع شدة يبس باقي الشجب يذهب ما فيه.
يغمزه: يعصره.
الجفنة - بفتح الجيم: اناء كالقصعة، والجمع الجفان بالكسر والجفنات بالتحريك.
وناد يا جفنة الركب: أي التي تشبعهم أو يا صاحب جفنتهم فحذف المضاف، أي من كان عنده جفنة تشبعهم فليحضرها.
سيف البحر - بكسر السين المهملة، واسكان التحتية: جانبه.
حجاج عينها - بفتح الحاء المهملة، وكسرها، وبجيمين: العظم المستدير، وقال ثابت: الحجاجان، العظمان المشرفان على العينين، وفي المخصص: الحجاج العظم الذي عليه الحاجب.
الكفل - بكسر الكاف، وسكون الفاء: وهو هنا - الكساء الذي يدار حول سنام البعير ثم يركب.
شرح غريب ذكر منقبة عباد بن بشر - رضي الله عنه يهريق - بضم التحتية، وفتح الهاء، وكسر الراء: يصب ويسيل.
يكلؤنا: يحفظنا ويحرسنا.
الشعب - بالكسر: الطريق في الجبل.
الربيئة - بفتح الراء المشددة، والموحدة المكسورة، وبالهمزة، والمفتوحة: طليعة القوم وعينهم، الذي يكشف لهم الخبر.
الثغر - بالثاء المثلثة، والغين المعجمة: ما يلي دار العدو.
صرار - بصاد ورائين مهملتين: اسم أطم بالمدينة شرقيها.(5/188)
الباب السادس والعشرون في عمرة القضاء
لما دخل هلال ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن البيت، وأنزل الله تبارك وتعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) [ البقرة 194 ] الآية.
أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يتجهزوا للعمرة، ولا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية، فلم يتخلف أحد شهدها، إلا رجال استشهدوا بخيبر، ورجال ماتوا، فقال رجال من حاضري المدينة من العرب: يا رسول الله، والله مالنا زاد، وما لنا أحد يطعمنا، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينفقوا في سبيل الله - تعالى، وأن يتصدقوا، وألا يكفوا أيديهم فيهلكوا، فقالوا: يا رسول الله، بم نتصدق وأحدنا لا يجد شيئا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بما كان ولو بشق تمرة " (1).
وروى وكيع وابن عيينة وابن سعيد، ومنصور، وعبد بن حميد، والبخاري، والبيهقي في سننه عن حذيفة، ووكيع، وعبد بن حميد، والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله - تعالى عنهم - وابن جرير عن عكرمة، ووكيع عن مجاهد - رحمهما الله - تعالى - قالوا في قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بايديكم إلى التهلكة) [ البقرة 195 ] إن التهلكة ترك النفقة في سبيل الله، ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الامساك في سبيل الله، أنفق ولو مشقصا (2).
قال محمد بن عمر، وابن سعد (3): واستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة أبا رهم - بضم الراء، وسكون الهاء - الغفاري - رضي الله عنه - وقال ابن هشام: واستعمل عويف - بالواو والفاء، تصغير عوف، ويقال فيه عويث - بتحتية فمثلثة ابن الاضبط - بضاد معجمة، فموحدة، فطاء مهملة - رضي الله تعالى عنه - وقال البلاذري: استعمل أبا ذر.
ويقال: عويف بن الاضبط والله أعلم.
ذكر ما ساقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الهدي وتقديمه السلاح والخيل أمامه
روى محمد بن عمر عن عبد الله بن دينار - رحمه الله تعالى - قال: جعل رسول
__________
(1) انظر فتح الباري 7 / 571.
(2) انظر فتح القدير 1 / 194.
(3) انظر الطبقات الكبرى 2 / 92.
(*)(5/189)
الله - صلى الله عليه وسلم - ناجية بن جندب الاسلمي على هديه، يسير به أمامه، يطلب الرعي في الشجر، معه أربعة فتيان من أسلم، زاد غيره: وأبو هريرة (1).
وروى محمد بن عمر عن محمد بن إبراهيم بن الحرث قال: ساق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القضية ستين بدنة وروى أيضا عن شعبة مولى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هديه بيده (2).
وروى أيضا عن عاصم بن عمر عن قتادة - رحمه الله تعالى - قال: حمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلاح، والبيض، والدروع، والرماح وقاد مائة فرس عليها محمد بن مسلمة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة قدم الخيل أمامه، واستعمل على السلاح بشير بن سعد، بالموحدة والشين المعجمة، وزان أمير، فقيل يا رسول الله: حملت السلاح وقد شرطوا أن لا ندخلها عليهم بسلاح الا سلاح المسافر، السيوف في القرب ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " انا لا ندخله عليهم الحرم، ولكن يكون قريبا منا، فان هاجنا هيج من القوم كان السلاح منا قريبا (3).
فمضى بالخيل محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - إلى مر الظهران، فوجد بها نفرا من قريش فسألوه فقال: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح هذا المنزل غدا إن شاء الله - تعالى - ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا، حتى أتوا قريشا، فأخبروهم بالذي رأوه من الخيل والسلاح، ففزعت قريش، وقالوا والله ما أحدثنا حدثا، وإنا على كتابنا، ومدتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه.
قال ابن عقبة - رحمه الله تعالى -: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعفر بن أبي طالب بين
يديه إلى ميمونة بنت الحرث يخطبها عليه، قلت: وسيأتي بيان ذلك في ترجمتها.
ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة وإحرامه روى محمد بن عمر - رحمه الله - تعالى - عن جابر - رضي الله - تعالى عنه - قال: أحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من باب المسجد، لانه سلك طريق الفرع، ولو لا ذلك لاهل من البيداء.
قالوا: وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي والمسلمون معه يلبون، حتى انتهى إلى مر الظهران، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلاح إلى بطن يأجج حيث نظر إلى أنصاب الحرم، وبعثت قريش مكرز - بكسر الميم، وسكون الكاف، وكسر الراء، وبالزاي - بن حفص في نفر من قريش حتى لقوه ببطن يأجج، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه، والهدي والسلاح قد تلاحق، فقالوا له: والله يا
__________
(1) انظر المغازي للواقدي 2 / 71 والبيهقي في الدلائل 4 / 320 وابن كثير في البداية 4 / 230.
(2) المغازي 2 / 732.
(3) المصدر السابق.
(*)(5/190)
محمد ما عرفت صغيرا ولا كبيرا - بالغدر، تدخل بالسلاح في الحرم على قومك، وقد شرطت لهم ألا تدخل إلا بسلاح المسافر، السيوف في القرب ! ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إني لا أدخل عليهم بسلاح.
" فقال مكرز: هو الذي تعرف به، البر والوفاء، ثم رجع مكرز سريعا إلى مكة باصحابه، فقال: إن محمدا لا يدخل بسلاح، وهو على الشرط الذي شرط لكم (1).
روى الامام أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر الظهران في عمرته، بلغ أصحابه أن قريشا تقول ما يتباعثون من العجف، فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهرنا فاكلنا من لحمه وحسونا من مرقه، أصبحنا غدا حين ندخل على القوم وبنا جمامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تفعلوا، ولكن اجمعوا إلي من أزوادكم "، فجمعوا له، وبسطوا الأنطاع فاكلوا حتى تركوا، وحشا كل واحد في جرابه (2).
ذكر دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة صبيحة الرابع من ذي الحجة، ولما جاء مكرز قريشا بخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استنكف رجال من أشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيظا وحنقا، ونفاسة، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهدي أمامه حتى حبس بذي طوى، ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته القصواء وأصحابه محدقون به، قد توشحوا السيوف يلبون، فلما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذي طوى على راحلته والمسلمون حوله، ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون.
وروى البخاري تعليقا، وعبد الرزاق، والترمذي، والنسائي، وابن حبان عن أنس - رضي الله عنه - وابن عقبة عن الزهري، وابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام القضية على ناقته وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها، وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله * نحن ضربناكم على تأويله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله قد أنزل الرحمن في تنزيله * في صحف تتلى على رسوله يا رب إني مؤمن بقيله * إني رأيت الحق في قبوله فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يا ابن رواحة ؟ ؟ بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) انظر الطبقات الكبرى 2 / 92 والبيهقي في الدلائل 4 / 321 والواقدي في المغازي 2 / 734.
(2) أخرجه أحمد 1 / 305 وذكره الهيثمي في المجمع 3 / 278 وانظر البداية 4 / 231.
(*)(5/191)
وفي حرم الله - تعالى - تقول ؟ فقال الشعر ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خل عنه يا عمر " فلهي أسرع فيهم من نضج النبل ".
وفي رواية " يا عمر إني أسمع، فاسكت يا عمر " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا ابن رواحة قل: " لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الاحزاب وحده ".
فقالها ابن رواحة فقالها الناس كما قالها (1).
ذكر طواف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماشيا وما جاء أنه طاف راكبا روى الامام أحمد، والشيخان، وابن إسحاق عن ابن عباس - رضي الله - تعالى عنهما - قال: " قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم غدا قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا فيها شدة، فجلسوا على قعيقعان مما يلي الحجر، فاطلع الله - تعالى - نبيه على ما قالوا، فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده الايمن، ثم قال: " رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة ".
وفي رواية: " أروهم ما يكرهون " وأمرهم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا بين الركنين، ليرى المشركون جلدهم، ثم استلم الركن، وخرج يهرول وأصحابه معه، حتى إذا واراه البيت منهم، واستلم الركن اليماني مشى حتى استلم الركن الاسود ثم هرول كذلك ثلاثة أشواط ومشى سائرها.
قال ابن عباس: ولم يامرهم أن يرملوا الاشواط كلها للابقاء عليهم، فقال المشركون: " هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا، ما يرضون بالمشي، أما إنهم لينقزون نقز الظبي " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكايدهم كلما استطاع (2).
قال محمد بن عمر، وابن سعد وغيرهم: ولم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى استلم الركن بمحجنه.
وروى الحميدي والبخاري (3)، والاسماعيلي عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: لما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سترناه من غلمان المشركين، وفي رواية من السفهاء والصبيان مخافة أن يؤذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى يونس ابن بكير - رحمه الله تعالى - عن زيد بن أسلم - رحمهما الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عام القضية مكة، فطاف على
__________
(1) أخرجه البخاري معلقا 7 / 570 وانظر كلام الحافظ ابن حجر 7 / 572 وانظر مغازي الواقدي 2 / 736 والبيهقي في الدلائل 4 / 323.
(2) أخرجه البخاري 7 / 581 (4256) ومسلم 2 / 923 (240 / 1266)، وأحمد 1 / 373 وأبو داود (1885) والطحاوي
في المعاني 2 / 179 والطبراني في الكبير 11 / 386، وانظر البداية 4 / 227 والبيهقي في الدلائل 4 / 326 والتمهيد لابن عبد البر 2 / 71.
(3) أخرجه البخاري 7 / 581 (4255)، والبيهقي في الدلائل 4 / 328.
(*)(5/192)
ناقته، استلم الركن بمحجنه.
قال هشام، وابن سعد: من غير - علة - والمسلمون يشتدون حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن رواحة يقول الرجز السابق: وذكر محمد بن عمر، وابن سعد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف راكبا، وتبعهما القطب في المورد.
ذكر دخوله - صلى الله عليه وسلم - البيت روى البيهقي من طريق محمد بن عمر عن سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى - قال: لما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوافه في عمرة القضاء دخل البيت، فلم يزل فيه حتى أذن بلال بالصبح، فوق ظهر الكعبة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك، فقال عكرمة بن أبي جهل - وأسلم بعد ذلك - لقد أكرم الله - تعالى - أبا الحكم، حيث لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول.
وقال صفوان بن أمية - وأسلم بعد ذلك - الحمد لله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا.
وقال خالد بن أسيد - كأمير - وأسلم بعد ذلك: الحمد لله الذي أمات أبي ولم يشهد هذا اليوم حين يقوم بلال ابن أم بلال ينهق فوق الكعبة وأما سهيل بن عمرو - وأسلم بعد ذلك - ورجال لما سمعوا ذلك غطوا وجوههم، كذا في هذه الرواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت.
وروى البخاري عن إسماعيل بن أبي خالد - رحمه الله تعالى - أن رجلا سال ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل في القضية الكعبة ؟ قال: لا (1).
وقال محمد بن عمر بعد أن روى ما سبق عن ابن عباس: حدثني إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين قال: لم يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة في القضية.
وقد أرسل إليهم،
فابوا وقالوا: لم يكن في شرطك.
ذكر سعيه - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة روى محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بين الصفا والمروة على راحلته، فلما كان الطواف السابع عند المروة عند فراغه.
وقد وقف الهدي عند المروة - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، فنحر عند المروة " (2).
قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - وقد كان اعتمر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوم لم
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 328 والواقدي في المغازي 2 / 737.
(2) أخرجه ابن سعد 2 / 1 / 88 والموطأ (393) وأحمد (1 / 76) والترمذي (885)، وابن خزيمة (2889).
(*)(5/193)
يشهدوا الحديبية فلم ينحروا، فاما من شهدها وخرج في القضية فانهم اشتركوا في الهدي.
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائتين من أصحابه حين طافوا بالبيت وسعوا أن يذهبوا إلى أصحابه ببطن يأجج فيقيمون على السلاح، وياتي الآخرون فيقضوا نسكهم ففعلوا.
ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من مكة روى محمد بن عمر عن عمر بن علي بن أبي طالب - رحمه الله تعالى - قال: لما كان عند الظهر يوم الرابع أتى سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى - وأسلما بعد ذلك قال ابن إسحاق: وكانت قريش قد وكلت حويطب باخراج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتياه وهو في مجلس من الانصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فقالا: قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " وما عليكم لو تركتموني فاعرست بين أظهركم فصنعت طعاما ؟ ! " فقالا: لا حاجة لنا في طعامك اخرج عنا، ننشدك الله يا محمد، والعقد الذي بيننا وبينك إلا خرجت من ارضنا، فهذه الثلاثة قد مضت (1).
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينزل بيتا، إنما ضربت له قبة من أديم بالابطح، فكان هناك
حتى خرج منها، ولم يدخل تحت سقف بيت من بيوتها، فغضب سعد بن عبادة - رضي الله عنه - لما رأى من غلظة كلامهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لسهيل بن عمرو: كذبت لا أم لك ليست بارضك ولا أرض أبيك، والله لا يخرج منها إلا طائعا راضيا، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال يا سعد: لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا، وأسكت الرجلان عن سعد.
وفي الصحيح عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - أن الاجل لما مضى أتى المشركون عليا - رضي الله عنه - فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنا فقد مضى الاجل، فذكر ذلك علي - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا رافع - بالرحيل، وقال: لا يمسين بها أحد من المسلمين " وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل بسرف، وتتام الناس، وخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا رافع ليحمل إليه زوجته ميمونة حين يمسي، فاقام أبو رافع حتى أمسى، فخرج بميمونة ومن معها، ولقيت من سفهاء مكة عناء، وسيأتي الكلام على دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها في ترجمتها.
ذكر خروج ابنة حمزة - رضي الله عنها روى الشيخان عن البراء بن عازب، والامام أحمد عن علي، ومحمد بن عمر عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال ابن عباس: إن عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب، وقيل اسمها
__________
(1) أخرجه البيهقي 4 / 330 وانظر السيرة لابن هشام 3 / 321.
(*)(5/194)
أمامة قال الحافظ: وهو المشهور وأمها سلمى بنت عميس، كانت بمكة، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة كلم علي بن أبي طالب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علام نترك ابنة عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين ؟، فلم ينهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج بها.
وقال البراء: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج تبعته ابنة حمزة تنادي يا عمي يا عمي، فتناولها علي فاخذ بيدها.
وقال لفاطمة - رضي الله عنها -: دونك ابنة عمك، فاختصم فيها.
زيد وعلي وجعفر، أي بعد أن قدموا المدينة كما سيأتي.
وكان زيد وصي حمزة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد واخى بينهما حين واخى بين المهاجرين.
فقال علي: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي، وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين، وقال جعفر: بنت عمي وخالتها أسماء بنت عميس تحتي.
وقال زيد: بنت أخي.
فقضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالتها، وقال: " الخالة بمنزلة الام " وقال لعلي: " أنت مني وأنا منك ".
وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - " وأما أنت يا علي فاخي وصاحبي " وقال لجعفر: " أشبهت خلقي وخلقي ".
وقال لزيد: " كنت أخونا ومولانا ".
وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - " أنت مولى الله ورسوله " (1).
قال محمد بن عمر: فلما قضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجعفر قام جعفر فحجل حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما هذا يا جعفر " ؟ قال: يا رسول الله، كان النجاشي إذا أرضى أحدا قام فحجل.
قال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي الحجة.
وكان عدة المسلمين سوى النساء والصبيان الفين.
قال ابن هشام - رحمه الله - تعالى -: فانزل الله - تعالى - فيما حدثنى أبو عبيدة: (لقد صدق الله رسوله الرويا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) [ الفتح 27 ] يعني خيبر.
تنبيهات الأول: يقال لهذه العمرة عمرة القصاص.
قال السهيلي - رحمه الله - تعالى - وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) [ البقرة
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 570 (4251) ومسلم 3 / 1409 (90 / 1783)، وأبو داود (2280) والترمذي 4 / 338 والبيهقي في السنن الكبرى 8 / 6 والدلائل 4 / 338.
(*)(5/195)
194 ] ورواه عبد بن حميد بسند صحيح عن مجاهد، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه وهذه الاية نزلت فيها كما تقدم.
ويقال لها: عمرة القضاء، واختلف في تسميتها بذلك، فقال السهيلي: لان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاضى قريشا عليها.
لانه قضى العمرة التي صد عن البيت فيها، فانهم لم تكن فسدت بصدهم له عن البيت، بل كانت عمرة تامة متقبلة، حتى إنهم حين حلقوا شعورهم بالحل احتملتها الريح فالقتها بالحرم، فهي معدودة في عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زاد القاضي: فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصلح، ولذلك يقال لها عمرة القضية.
قال أهله اللغة: قاضى فلان فلانا: عاهده، وقاضاه: عاوضه، فيحتمل تسميتها بالامرين، ويرجح الثاني تسميتها قصاصا.
وقال اخرون: بل كانت قضاء عن العمرة الاولى، وعد عمرة الديبية في العمر لثبوت الاجر فيها لا لانها كملت، وهذا خلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت.
فقال الجمهور: يجب عليه الهدي، ولا قضاء عليه.
وعن الامام أبي حنيفة - رحمه الله - تعالى - عكسه، وعن الامام أحمد رواية: أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء وأخرى أنه يلزمه الهدى والقضاء، وبيان حجج كل ليس من غرضنا.
وقال ابن إسحاق: تسمى أيضا عمرة الصلح ا ه.
فتحصل من أسمائها أربعة: القضاء، والقضية، والقصاص والصلح.
الثاني: وجهوا كون هذه العمرة غزوة بان موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة.
وقال ابن الاثير - رحمه الله تعالى - في الجامع: هذه العمرة ليست من الغزوات، وذكرها البخاري في الغزوات حيث تضمنت ذكر المصالحة مع المشركين.
الثالث: قال ابن هشام - رحمه الله تعالى - قوله: " نحن قتلناكم على تأويله " إلى آخر الابيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم، قال السهيلي: يعني يوم صفين.
قال ابن هشام:
والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون، لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل.
قال في البداية: وفيما قاله ابن هشام نظر، فان البيهقي روى من غير وجه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وفي رواية وهو آخذ بغرزه وهو يقول(5/196)
الابيات السابقة.
ورواه عن يزيد بن أسلم - كما سبق - وقد تابع ابن اسحاق على ذلك ابن عقبة وغيره، وقال الحافظ - رحمه الله تعالى - إذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فان التقدير على راي ابن هشام: نحن ضربناكم على تأويله أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل، ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه، وإذا كان ذلك محتملا، وثبتت الرواية سقط الاعتراض.
نعم الرواية التي جاء فيها.
" فاليوم نضربكم على تأويله " يظهر أنه قول عمار، ويبعد أن يكون من قول ابن رواحة، لانه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرواية.
" نحن ضربناكم على تأويله.
كما ضربناكم على تنزيله.
يشير بكل منهما إلى ما مضى، ولا مانع من أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول: هذه اللفظة، ومعنى قوله: " نضربكم على تأويله " أي الان، وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور.
الرابع: قال الحافظ أبو عيسى الترمذي - رحمه الله - تعالى - بعد أن ذكر رجز ابن رواحة، ثم قال: وفي غير هذا الحديث أن هذه القصة لكعب بن مالك، وهو الاصح، لان عبد الله بن رواحة قتل بمؤته، وكانت عمرة القضاء بعد ذلك، قال الحافظ - رحمه الله - وهو ذهول شديد، وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك، ومع أن في قصة عمرة القضاء، اختصام جعفر وأخيه علي، وزيد بن حارثة في بنت حمزة، أي كما سبق وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد، فكيف يخفى على الترمذي مثل هذا.
ثم وجدت عند
بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس: أن ذلك كانت في فتح مكة.
فان كان كذلك اتجه اعتراض الترمذي، لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي على ما تقدم.
قلت: وكذلك رايته في عدة نسخ من جامع الترمذي.
الخامس: مجئ سهيل، وحويطب يطلبان رحيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصف النهار، الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل في أوائل النهار، فلم تكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق، وكان مجيئهم في أول النهار قريب مجئ ذلك الوقت.
السادس: " قول ابنة حمزة يا عم كأنها خاطبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك إجلالا، وإلا فهو ابن عمها، أو بالنسبة إلى كون حمزة - وإن كان عمه من النسب - فهو أخوه من الرضاعة.
وكانت خصومة علي وجعفر، وزيد في ابنة حمزة بعد أن قدموا المدينة، كما صح ذلك من حديث علي عند أحمد، والحاكم.
السابع: أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا على أخذها من مكة مع اشتراط المشركين ألا يخرج(5/197)
باحد من أهلها أراد الخروج، لانهم لم يطلبوها، وأيضا فان النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك، لكن إنما نزل القرآن بعد رجوعهم إلى المدينة.
الثامن: في بيان غريب ما سبق: التهكة: الهلاك، وهو من نواد المصادر.
المشقص - بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح القاف، سهم فيه نصل عريض، والجمع مشاقص.
تقليد الهدي: أي تعلق بعنق البعير قطعة من جلد ليعلم أنه هدي فكيف الناس عنه.
ذو الحليفة - بضم الحاء المهملة تصغير الحلفة بفتحات، واحد الحلفاء، وهو البنات المعروف.
هاجة: حركة، الهيج - بفتح الهاء، والتحتية، وبالجيم: الحرب.
مر الظهران: تقدم الكلام عليه غير مرة.
شرح غريب ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة قوله الفرع - بضم الفاء، والراء، وبالعين المهملة: عمل واسع من أعمال المدينة.
البيداء: في الاصل المفازة، وهنا الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة.
يا جج - بتحتية، فهمزة ساكنة، فجيمين، الاولى مفتوحة - وقد تكسر: واد قريب من مكة.
أنصاب الحرم: الاعلام على حدوده.
العجف، وزان التعب: الضعف.
حسونا - بحاء فسين مهملتين مفتوحتين، فواو ساكنة، فنون: شربنا.
الحنق - بفتح الحاء المهملة، والنون وبالقاف: الغليظ.
النفاسة - يقال نفس الشئ بالكسر نفاسة: حسده عليه ولم يره أهللا له.
ذي طوى - بتثليث الطاء: واد بقرب مكة، يصرف ولا يصرف.
القصواء: كحمراء.
محدقين: محيطين.
توشح السيف: القى طرف علاقته على منكبه الايمن من تحت يده اليسرى، وياخذ طرفه الذي ألقاه على منكبه الايسر من تحت يده.
اليمنى، ثم يعقدهما على صدره.(5/198)
الثنية: كل عقبة مسلوكة.
الحجون - بفتح الحاء المهملة، وضم الجيم، وبالواو، والنون: جبل بمكة.
الهام، جمع هامة، وهي الراس.
وهنتهم الحمى: أضعفتهم.
اضطبع بثوبه: جعل وسط الثوب تحت الابط اليمنى، وطرفه على الكتف اليسرى.
العضد - بفتح العين المهملة، وضم الضاد المعجمة وتسكن، وبفتح العين، وكسر الضاد، وبضمهما، وبضم العين وسكون الضاد: خمس لغات، وهي مؤنثة عن أهل تهامة، وتذكر عند بني تميم: وهي مابين المرفق والكتف.
رمل في طوافه - بالراء: هرول.
الاشواط - بالشين المعجمة جمع شوط: وهو الجري إلى الغاية، وهي هنا من الحجر إلى الحجر.
جلدهم - بفتح الجيم واللام: قوتهم وصبرهم.
واراه: ستره.
أبقى عليه: رفق به وأشفق عليه.
قعيقعان - بقافين، الاولى مضمومة، بعد كل منهما عين مهمملة وبعد الاولى تحتية: جبل بمكة.
نقز - بالقاف والزاي: وثب.
الظبي - جمع ظبي: حيوان معروف.
المحجن - بكسر الميم، وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم: عصا مقنعة الراس يلتقط بها الراكب ما سقط منه.
يشتدون: يعدون.
المروة: جبل معروف بمكة.
الفجاج - بكسر الفاء جمع فج، وبالفتح: هو الطريق الواسع.
ننشدك الله: نذكرك به ونستعطفك، أو نسألك به، مقسمين عليك.
الابطح: كل مسيل فيه دقاق الحصى، والمراد هنا مكان معروف بمكة.
سرف - بفتح السين المهملة وكسر الراء، وبالفاء: ما بين التنعيم وبطن مرو، وهو إلى التنعيم أقرب.
حجل - بحاء مهملة، فجيم، فلام مفتوحات: رفع رجلا وقفز على الاخرى من الفرح، وقد يكون بالرجلين، إلا انه قفز، وقيل الحجل: المشي المقيد.(5/199)
الباب السابع والعشرون في غزوة الفتح الاعظم
الذي أعز الله تعالى به دينه ورسوله وجنده وحرمه الامين وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأشرق به الارض ضياء وابتهاجا، وكان في شهر رمضان سنة ثمان.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الفتح في رمضان.
قال الزهري: وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك، رواه البخاري (1).
ذكر الاسباب الموجبة للمسير إلى مكة كانت خزاعة في الجاهلية أصابوا رجلا من بني الحضرمي واسمه مالك بن عباد، وحلف الحضرمي يومئذ إلى الاسود بن رزن، خرج تاجرا، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله فمر رجل من خزاعة على بني الديل بعد ذلك فقتلوه، فوقعت الحرب بينهم، فمر بنو الاسود بن رزن.
وهم ذؤيب، وسلمى، وكلثوم على خزاعة فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم، وكان قوم الاسود منخر بني كنانة يودون في الجاهلية ديتين لفضلهم في بني بكر، ونودى دية، فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحجز بالاسلام بينهم، وتشاغل الناس به - وهم على ما هم عليه من العداوة في أنفسهم - فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش، ووقع الشرط " ومن أحب أن يدخل في عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عقد فريش فليدخل " فدخلت خزاعة في عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك عارفا، ولقد جاءته خزاعة يومئذ بكتاب عبد المطلب فقرأه عليه أبي بن كعب - رضي الله عنه - وهو: " باسمك اللهم، هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة، إذ قدم عليه
سرواتهم وأهل الرأي، غائبهم مقر بما قاضى عليه شاهدهم، إن بيننا وبينكم عهود الله وعقوده، ومالا ينسى أبدا، اليد واحدة، والنصر واحد ما أشرف ثبير، وثبت حراء مكانه وما بل بحر صوفة ولا يزداد فيما بيننا وبينكم إلا تجددا أبد الدهر سرمدا ".
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما أعرفني بخلقكم على ما أسلمتم عليه من الحلف ! فكل حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الاسلام إلا شدة ولا حلف في الاسلام " (2).
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 595 (4275).
(2) انظر فتح الباري 7 / 592.
(*)(5/200)
ذكر نقض قريش العهد لما دخل شعبان على راس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية، كلمت بنو نفاثة وبنو بكر أشراف قريش أن يعينوهم بالرجال والسلاح على عدوهم من خزاعة، وذكروهم القتلى الذين أصابت خزاعة منهم، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأر أولئك النفر الذين أصابوا منهم في بني الاسود بن رزن، وناشدوهم بارحامهم، وأخبروهم بدخولهم في عقدهم وعدم الاسلام، ودخول خزاعة في عقد محمد وعهده، فوجدوا القوم إلى ذللك سراعا، إلا أن سفيان بن حرب لم يشاور في ذلك ولم يعلم، ويقال إنهم ذاكروه فابى ذلك، فاعانوا بالسلاح والكراع والرجال، ودسوا ذلك سرا لئلا تحذر خزاعة، وخزاعة آمنون غارون لحال الموادعة، ولما حجز الاسلام بينهم.
ثم اتعدت قريش وبنو بكر وبنو نفاثة الوتير، وهو موضع أسفل مكة، وهو منازل خزاعة فوافوا للميعاد فيهم رجال من قريش من كبارهم متنكرون منتقبون، صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وحويطب بن عبد العزى، وشيبة بن عثمان - وأسلموا بعد ذلك - ومكرز بن حفص، وأجلبوا معهم أرقاءهم، وراس بني بكر نوفل بن معاوية الدئلي - وأسلم بعد ذلك - فبيتوا خزاعة ليلا وهم غارون آمنون - وعامتهم صبيان ونساء وضعفاء الرجال، فلم يزالوا
يقتلونهم حتى انتهوا إلى أنصاب الحرم، فقال أصحاب نوفل بن معاوية له: يا نوفل إلهك إلهك قد دخلت الحرم ! فقال: كلمة عظيمة، لا إله لي اليوم، يا بني بكر، لعمري إنكم لتسرقون الحاج في الحرم، أفلا تدركون ثاركم من عدوكم، ولا يتاخر أحد منكم بعد يومه عن ثاره ؟ ! فلما انتهت خزاعة إلى الحرم دخلت دار بديل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له رافع - الخزاعيين، وانتهوا بهم في عماية الصبح، ودخلت رؤساء قريش منازلهم وهو يظنون أنهم لا يعرفون، وأنه لا يبلغ هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصبحت خزاعة مقتلين على باب بديل ورافع.
وقال سهيل بن عمرو لنوفل بن الحرث: قد رايت الذي صنعنا بك وباصحابك ومن قتلت من القوم، وأنت قد حصدتهم تريد قتل من بقي، وهذا ما لا نطاوعك عليه، فاتركهم فتركهم، فخرجوا وندمت قريش، وندموا على ما صنعوا، وعرفوا أن هذا الذي صنعوه نقض للذمة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة إلى صفوان بن أمية، وإلى سهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل فلاموهم بما صنعوا من عونهم بني بكر على خزاعة - وقالوا: إن بينكم وبين محمد مدة وهذا نقض لها.
ذكر إعلامه - صلى الله عليه وسلم - بما حصل لخزاعة يوم إصيبوا روى محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة صبيحة كانت وقعة بني نفاثة وخزاعة بالوتير: " يا عائشة: لقد حدث في خزاعة أمر " فقالت عائشة: يا(5/201)
رسول الله، أترى قريشا تجترئ على نقض العهد الذي بينك وبينهم، وقد أفناهم السيف ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ينقضون العهد لامر يريده الله تعالى " فقالت: يا رسول الله " خير " قال: " خير " (1) وروى الطبراني في الكبير والصغير عن ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بات عندها ليلة، فقام ليتوضأ إلى الصلاة، فسمعته يقول في متوضئه: " لبيك لبيك لبيك - ثلاثا - نصرت نصرت نصرت - ثلاثا - " فلما خرج، قلت: يا رسول الله،
سمعتك تقول في متوضئك " لبيك لبيك - ثلاثا - نصرت نصرت " ثلاثا، كانك تكلم إنسانا، فهل كان معك أحد ؟ قال: " هذا راجز بني كعب يستصرخني، ويزعم أن قريشا أعانت عليهم بكر بن وائل " قالت ميمونة: فأقمنا ثلاثا ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بالناس (2) فسمعت الراجز ينشد: يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا فذكرت الرجز الاتي.
ذكر قدوم عمرو بن سالم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره بما وقع لهم روى الطبراني في الكبير والصغير عن ميمونة بنت الحارث، (3) والبزار بسند جيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وابن أبي شيبة في المصنف عن عكرمة، والبيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن عمرو بن سالم الخزاعي خرج في أربعين راكبا من خزاعة يستنصرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخبرونه بالذي أصابهم، وما ظاهرت عليهم قريش ومعاونتهم لهم بالرجال، والسلاح، والكراع، وحضور صفوان بن أمية وعكرمة، ومن حضر من قريش، وأخبروه بالخبر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد بين أظهر الناس، وراس خزاعة عمرو ابن سالم، فلما فرغوا من قصتهم، قام عمرو بن سالم فقال: يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا قد كنتم ولدا وكنا والدا * ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
__________
(1) المغازي للواقدي 2 / 788.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع 6 / 166.
(3) (ع) ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال، العامرية الهلالية أم المؤمنين.
لها ستة وأربعون حديثا اتفقا على سبعة، وانفرد (خ) بحديث، و (م) بخمسة.
عنها ابن عباس، ويزيد بن الاصم، وجماعة.
قال الازهري: هي التي وهبت نفسها.
قال المزي: توفيت بسرف سنة إحدى وخمسين.
قاله خليفة.
الخلاصة 3 /
392.
(*)(5/202)
إن قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا وزعموا أن لست أدعو أحدا * وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا وجعلوا لي في كداء رصدا * فانصر رسول الله نصرا أيدا وادع عباد الله ياتوا مددا * فيهم رسول الله قد تجردا أن سيم خسفا وجهه تربدا * في فيلق كالبحر يجري مزبدا قرم لقرم من قروم أصيدا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نصرت يا عمرو بن سالم " فما برح مرت عنانة من السماء فرعدت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب " (1).
وروى أبو يعلى بسند جيد عن عائشة - رضي الله عنهما - قالت: لقد رايت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضب مما كان من شان بني كعب غضبا لم أره غضبه منذ زمان.
وقال: " لا نصرني الله - تعالى - إن لم أنصر بني كعب " (2).
وروى محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمع ما أصاب خزاعة، قام - هو يجر رداءه - وهو يقول: " لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي ".
وروى عبد الرزاق وغيره عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه خبر خزاعة قال: " والذي نفسي بيده لامنعنهم مما امنع منه نفسي وأهلي وبيتي " (3).
قال ابن إسحاق وغيره: وقدم بذلك ورقاء الخزاعي في نفر من قومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبروه بما حصل لهم.
قال ابن عقبة، ومحمد بن عمر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمرو بن سالم وأصحابه:
" أرجعوا وتفرقوا في الاودية ".
فرجعوا وتفرقوا، وذهبت فرقة إلى الساحل بعارض الطريق، ولزم بديل بن ورقاء في نفر من قومه الطريق (4).
__________
(1) وأخرجه البيهقي 9 / 234 والدلائل 5 / 7.
(2) أبو يعلى 7 / 343 (24 / 4380)، ذكره الهيثمي في المجمع 6 / 164 وعزاه لابي يعلى عن حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه عنهما وقد وثقهما ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح وذكره ابن حجر في المطالب (4356).
(3) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9739).
(4) أخرجه البيهقي في الدلائل 7 / 10.
(*)(5/203)
وروى محمد بن عمر عن محجن بن وهب قال: لم يرم بديل بن ورقاء مكة من حين انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية حتى لقيه في الفتح بمر الظهران.
قال محمد بن عمر وهذا أثبت (1).
وأخبر عمرو بن سالم ومن معه أن أنس ابن زنيم هجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاهدر دمه.
ذكر ما قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه خبر خزاعة أرسل الى قريش يخيرهم بين أمور ثلاثة روى ابن عائذ عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - ومحمد بن عمر عن حزام بن هشام الكعبي ومسدد في مسنده بسند صحيح عن محمد بن عباد بن جعفر أحد ثقات التابعين وأئمتهم - رحمهم الله تعالى - واللفظ لمحمد بن عمر، قال حزام: إن قريشا ندمت على عون بني نفاثة، وقالوا: محمد غازينا، فقال عبد الله بن أبي سرح - وهو يومئذ عندهم حال ردته عن الاسلام - وأسلم بعد ذلك - ان عندي رايا، إن محمدا لن يغزوكم حتى يعذر إليكم، ويخيركم في خصال كلها أهون عليكم من غزوة، قالوا ما هي ؟ قال: يرسل إليكم أن دوا قتلى خزاعة وهم ثلاثة وعشرون قتيلا، أو تبرؤوا من حلف من نقض الصلح وهم بنو نفاثة، أو ينبذ إليكم على سواء، فما عندكم في هذه الخصال ؟ فقال القوم: أحر بما قال ابن أبي سرح
- وقد كان به عالما - قال سهيل بن عمرو: ما خلة أهون علينا من أن نبرأ من حلف بني نفاثة.
فقال شيبة بن عثمان العبدري حفظت أخوالك، وغضبت لهم قال سهيل: وأي قريش لم تلده خزاعة ؟ قال شيبة: ولكن ندي قتلى خزاعة فهو أهو علينا، وقال قرظة بن عبد عمرو: لا والله لا يودون ولا نبرأ من حلف بني نفاثة، ولكنا ننبذ إليه على سواء.
وقال أبو سفيان: ليس هذا بشئ، وما الراي إلا جحد هذا الامر، أن تكون قريش دخلت في نقض عهد أو قطع مدة وإنه قطع قوم بغير رضى منا ولا مشورة فما علينا.
قالوا: هذا الرأي لا رأي غيره (2).
وقال عبد الله بن عمر - رضي لله تعالى عنهما -: إن ركب خزاعة لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه خبرهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فمن تهمتكم وظنتكم ؟ " قالوا: بنو بكر، قال: " أكلها ؟ " قالوا: لا، ولكن بنو نقاثة قصرة وراس القوم نوفل بن معاوية النفاثي.
قال: " هذا بطن من بني بكر، وأنا باعث إلى أهل مكة فسائلهم عن هذا الامر ومخيرهم في خصال ثلاث "، فبعث إليهم ضمرة - لم يسم أباه محمد بن عمر - يخيرهم بين إحدى خلال، بين أن يدوا قتلى خزاعة أو يبرؤوا من حلف بني نفاثة، أو ينبذ إليهم على سواء.
فأتاهم ضمرة
__________
(1) البيهقي في الدلائل 4 / 9.
(2) الواقدي في المغازي 2 / 788.
(*)(5/204)
رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاناخ راحلته بباب المسجد، فدخل وقريش ف انديتها، فاخبرهم أنه رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرهم بالذي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به فقال قرظة بن عبد عمرو الاعمى: أما أن ندي قتلى خزاعة فان نفاثة فيهم عرام فلا نديهم حتى لا يبقى لنا سبد ولا لبد، وأما أن نتبرأ من حلف نفاثة فانه ليس قبيلة من العرب تحج هذا البيت أشد تعظيما له من نفاثة، وهم حلفاؤنا، فلا نبرأ من حلفهم، أو لا يبقى لنا سبد ولا لبد، ولكن ننبذ إليه على سواء، فرجع ضمرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك من قولهم.
وندمت قريش على رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعثت أبا سفيان فذكر قصة مجيئة
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي.
ذكر إخباره - صلى الله عليه وسلم - بان أبا سفيان سيقدم ليجدد العهد فكان كما أخبر روى محمد بن عمر عن حزام بن هشام عن أبيه - رحمهما الله - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لكانكم بابي سفيان قد جاء يقول: جدد العهد وزد في الهدنة، وهو راجع بسخطه ".
وروى عبد الرزاق عن نعيم مولى ابن عباس، وابن أبي شيبة عن عكرمة، ومحمد بن عمر عن شيخوخه، واللفظ له: أن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة مشيا إلى أبي سفيان بن حرب، فقالا: هذا أمر لا بد له من أن يصلح، والله لئن لم يصلح هذا الامر لا يروعكم إلا محمد في أصحابه، فقال أبو سفيان: قد رات هند بنت عتبة رؤيا كرهتها وأفظعتها.
وخفت من شرها، قالوا: وما هي ؟ قال: رات دما أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة مليا، ثم كان ذلك الدم لم يكن، فكره القوم الرؤيا.
وقال أبو سفيان: لما رأى ما رأى من الشر: هذا والله أمر لم أشهده، ولم أغب عنه، لا يحمل هذا إلا علي، ولا والله ما شوورت فيه، ولا هويته حين بلغني، والله ليغزونا محمد إن صدقني ظني، وهو صادقي، وما بد من أن آتي محمدا فاكلمه أن يزيد في الهدنة ويجدد العهد.
فقالت قريش: قد والله أصبت، وندمت قريش على ما صنعت من عون بني بكر على خزاعة، وتحرجوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدعهم حتى يغزوهم.
فخرج أبو سفنان، وخرج معه مولى له على راحلتين، فاسرع السير وهو يرى أنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقي بديل بن ورقاء بعسفان، فاشفق أبو سفيان أن يكون بديل جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل كان اليقين عنده، فقال للقوم: أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها ؟ قالوا: لا علم لنا بها، فعلم أنهم كتموه، فقال: أما معكم من تمر يثرب شئ تطعموناه، فان لتمر يثرب فضلا على تمور تهامة ؟(5/205)
قالوا: لا.
فابت نفسه أن تقره حتى قال: يا بديل: هل جئت محمدا ؟ قال: لا ما فعلت، ولكن
سرت في بلاد بني كعب وخزاعة من هذا الساحل في قتيل كان بينهم فاصلحت بينهم.
فقال أبو سفيان: انك - والله - ما علمت بر وأصل، ثم قايلهم أبو سفيان حتى راح بديل وأصحابه، فجاء أبو سفنان منزلهم ففت أبعار أباعرهم فوجد فيها نوى من تمر عجوة كأنها ألسنة الطير، فقال أبو سفيان: أحلف بالله لقد جاء القوم محمدا (1).
وكان القوم لما كانت الوقعة خرجوا من صبح ذلك اليوم فساروا ثلاثا، وخرجوا من ذلك اليوم فساروا إلى حيث لقيهم أبو سفيان ثلاثا، وكانت بنو بكر قد حبست خزاعة في داري بديل ورافع ثلاثة أيام يكلمون فيهم، وائتمرت قريش في أن يخرج أبو سفيان، فاقام يومين.
فهذه خمس بعد مقتل خزاعة، وأقبل أبو سفيان حتى دخل المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاراد أن يجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطوته دونه.
فقال: يا بنية ! ! أرغبت بهذا الفراش عني أو بي عنه ؟ قالت: بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت امرو مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر، فقالت: بل هداني الله للاسلام.
وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الاسلام.
وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر ؟ فقام من عندها، فاتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد، فقال: يا محمد ! ! اني كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد العهد، وزدنا في المدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فلذلك جئت يا أبا سفيان ؟ " قال: نعم.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هل كان من قبلكم من حدث ؟ " قال معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل " فأعاد أبو سفيان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القول، فلم يرد عليه شيئا.
فذهب الى أبي بكر - رضى الله عنه - فكلمه وقال: تكلم محمدا أو تجير أنت بين الناس، فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد ابن عقبة: والله لو وجدت الذر تقاتلكم لاعنتها عليكم.
فأتى عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر، فقال: أنا أشفع
لكم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم ! ! فوالله لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم به، ما كان من حلفنا جديدا فاخلقه الله، وما كان منه متينا فقطعه الله، وما كان منه مقطوعا فلا وصله الله.
فقال أبو سفيان جوزيت من ذي رحم شرا.
__________
(1) المغازي 2 / 792.
(*)(5/206)
فأتى عثمان بن عفان - رضى الله عنه - فقال انه ليس في القوم أحد أقرب رحما منك، فزد في المدة، وجدد العهد، فان صاحبك لا يرده عليك أبدا، فقال عثمان: جواري في جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
فأتى عليا - رضى الله تعالى عنه - فقال: يا علي انك أمس القوم بي رحما، واني جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائبا، فاشفع لي الى محمد.
فقال: ويحك يا أبا سفيان ! والله لقد عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فأتى سعد بن عبادة - رضى الله تعالى عنه - فقال: يا أبا ثابت أنت سيد هذه البحيرة فأجر بين الناس، وزد في المدة، فقال سعد: جواري في جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يجير أحد على رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجير أحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما أيس مما عندهم، دخل على فاطمة الزهراء - رضى الله عنها - والحسن غلام يدب بين يديها فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تجيري بين الناس ؟ فقالت: انما أنا امراة، وأبت عليه، فقال: مري ابنك هذا - أي الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب الى آخر الدهر.
قالت: والله ما بلغ ابني ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
فقال لعلى: يا أبا الحسن ! ! ان أرى الامور قد اشتدت على فانصحني، قال: والله ما أعلم شيئا يغنى عنك شيئا، ولكنك سيد بني كنانة وقال: صدقت، وأنا كذلك.
قال: فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا ؟ قال: لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: ايها الناس اني قد أجرت بين الناس ولا والله ما
أظن أن يخفرنى أحد، ثم دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد انى قد أجرت بين الناس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة ! ! " ثم ركب بعيرة وانطلق.
وكان قد احتبس وطالت غيبته، وكانت قريش قد اتهمته حين أبطا أشد التهمة، قالوا: والله انا نراه قد صبا، واتبع محمدا سرا وكتم اسلامه.
فلما دخل على هند امراته ليلا، قالت: لقد احتبست حتى اتهمك قومك، فان كنت مع الاقامة جئتهم بنجح فانت الرجل، ثم دنا منها فجلس مجلس الرجل من امراته.
فقالت ما صنعت ؟ فأخبرها الخبر، وقال: لم أجد الا ما قال لي علي، فضربت برجلها في صدره وقالت: قبحت من رسول قوم، فما جئت بخير.
فلما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند اساف ونائلة، وذبح لهما، وجعل يمسح بالدم(5/207)
رؤوسهما ويقول: لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي، إبراء لقريش مما اتهموه به، فلما راته قريش، قاموا إليه فقالوا: ما وراءك ؟ هل جئت بكتاب من محمد أو زيادة في مدة ما نامن به أن يغزونا محمد ؟ فقال: والله لقد أبى علي، وفي لفظ: لقد كلمته، فوالله ما رد على شيئا، وكلمت أبا بكر فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت ابن الخطاب - رضي الله عنه - فوجدته أدنى العدو، وقد كلمت علية أصحابه، فما قدرت على شئ منهم الا أنهم يرمونني بكلمة واحدة، وما رايت قوما أطوع لملك عليهم منهم له، إلا أن عليا لما ضاقت بي الامور قال: أنت سيد بني كنانة، فاجر بين الناس، فناديت بالجوار، فقال محمد " أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة ! ! " لم يزدني قالوا: رضيت بغير رضى، وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا، ولعمر الله ما جوارك بجائز، وإن إخفارك عليهم لهين، ما زاد علي من أن لعب بك تلعبا.
قال: والله ما وجدت غير ذلك.
ذكر مشاورته - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - في غزوة قريش
روى ابن أبي شيبة عن محمد بن الحنفية - رحمه الله - عن أبي مالك الاشجعي - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعض حجره فجلس عند بابها - وكان إذا جلس وحده لم ياته أحد حتى يدعوه -، فقال " أدع لي أبا بكر ".
فجاء فجلس أبو بكر بين يديه، فناجاه طويلا، ثم أمره فجلس عن يمينه، ثم قال: " ادع لي عمر " فجاء فجلس إلى أبي بكر فناجاه طويلا، فرفع عمر صوته فقال: " يا رسول الله هم راس الكفر، هم الذين زعموا أنك ساحر، وأنك كاهن، وأنك كذاب، وأنك مفتر "، ولم يدع عمر شيئا، مما كان أهل مكة يقولونه إلا ذكره، فأمره أن يجلس إلى الجانب الآخر، فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ثم دعا الناس فقال: " ألا أحدثكم بمثل صاحبيكم هذين ؟ فقالوا: نعم يا رسول الله فاقبل بوجهه إلى أبي بكر فقال: " إن إبراهيم كان ألين في الله تعالى من الدهن اللين، ثم أقبل على عمر، فقال: " إن نوحا كان أشد في الله من الحجر، وإن الامر أمر عمر، فتجهزوا وتعاونوا، فتبعوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر، إنا كرهنا أن نسال عمر عما ناجاك به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال لي: " كيف تأمرني في غزو مكة ؟ " قال: قلت يا رسول الله ! ! هم قومك، حتى رايت أنه سيطيعني، ثم دعا عمر فقال عمر: هم راس الكفر، حتى ذكر له كل سوء كانوا يقولونه، وأيم الله وأيم الله لا تذل العرب حتى تذل أهل مكة، وقد أمركم بالجهاد ليغزوا مكة (1).
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 14 / 506 وأحمد 3 / 398.
(*)(5/208)
ذكر جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجابة دعائه بان لا تعلم قريش بمسيره، وأمره بحفظ الطرق ذكر ابن عقبة، وابن إسحاق، ومحمد بن عمر - رحمهم الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث بعد خروج أبي سفيان ما شاء الله أن يمكث ثم قال لعائشة: " جهزينا واخفي أمرك ".
وقال: " اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتة، ولا يسمعون بنا إلا فجاة " وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جماعة أن تقيم بالانقاب، وكان عمر بن الخطاب يطوف على
الانقاب، فيمر بهم فيقول: لا تدعوا أحدا يمر بكم تنكرونه إلا رددتموه، وكانت الانقاب مسلمة - إلا من سلك إلى مكة فانه يتحفظ به ويسال عنه (1).
ذكر كتاب حاطب بن أبي بلتعة (2) رضي الله عنه - إلى قريش ليعلمهم بغزو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم، وما وقع في ذلك من الايات روى الامام أحمد، والخمسة عن أبي رافع عن علي.
وأبو يعلي، والحاكم والضياء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والامام أحمد، وعبد بن حميد عن جابر، وابن مردويه عن أنس - رضي الله عنهم - وابن مردويه عن سعيد بن جبير، وابن إسحاق عن عروة، وابن مردويه عن عبد الرحمن عن حاطب بن أبي بلتعة، ومحمد بن عمر عن شيوخه - رحمهم الله تعالى: ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أجمع السير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الامر في المسير إليهم، ثم أعطاه امرأة، قال ابن اسحاق، زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة - قال محمد بن عمر: يقال لها كنود: قال ابن إسحاق: وزعم لي غير ابن جعفر: أنها سارة مولاة لبعض بني المطلب، وجعل لها جعلا، قال محمد بن عمر دينارا، وقيل عشرة دنانير، على أن تبلغه أهل مكة، وقال لها: أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق، فان عليه حرسا، فجعلته في راسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به، فسلكت غير نقب عن يسار المحجة في الفلوق حتى لقيت الطريق بالعقيق.
وذكر السهيلي - رحمه الله - تعالى - أنه قد قيل إنه كان في كتاب حاطب: إن رسول
__________
(1) المغازي للواقدي 2 / 796.
(2) (حاطب) بن أبي بلتعة مفتوحات بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزي..يقال إنه حالف الزبير وقيل كان مولى عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد فكاتبه فادى مكاتبته إتفقوا على شهوده.
الاصابة 1 / 314.
(*)(5/209)
الله - صلى الله عليه وسلم - قد توجه إليكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله تعالى عليكم، فانه منجز له ما وعده فيكم، فان الله - تعالى - ناصروه ووليه.
وفي تفسير ابن سلام أنه كان فيه: إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد نفر فاما إليكم، وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر.
انتهى.
وذكر ابن عقبة أن فيه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد آذن بالغزو، ولا أراه إلا يريدكم، وقد أحببت، أن يكون لي يد بكتابي إليكم.
وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام - زاد أبو رافع: المقداد بن الاسود وفي رواية عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي: أبا مرثد، بدل المقداد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أدرك امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب الى قريش، يحذرهم ما قد اجمعنا له في أمرهم "، ولفظ أبي رافع " انطلقوا حتى تاتوا روضة خاخ، فان بها ظعينة معها كتاب " فخرجوا (1) - وفي لفظ: فخرجا، حتى إذا كان بالخليقة، خليقة بني أحمد.
وقال ابن عقبة: أدركاها ببطن ريم، فاستنزلاها فالتمساه في رحلها، فلم يجدا شيئا، فقال لها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رات الجد، قالت: أعرضا.
فحلت قرون راسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه فاتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا حاطبا، فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا ؟ قال: يا رسول الله.
إني والله لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت، ولا بدلت، ولكني كنت امرء ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم.
ولفظ أبي رافع - فقال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرء ملصقا في قريش،
ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون أموالهم بها وأهليهم بمكة، ولم يكن لي قرابة، فاحببت إذ فاتني ذلك من بنيهم أن أتخذ فيهم يدا أحمي بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا بعد إسلام.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنه قد صدقكم ".
فقال عمر لحاطب: قاتلك الله ! ! ترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ياخذ بالانقاب وتكتب إلى قريش تحذرهم ؟ دعني يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أضرب عنقه، فان الرجل قد نافق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما
__________
(1) أخرجه البخاري 6 / (3007) (4890) ومسلم ص (3 / 1941) حديث (161) وأبو داود في الجهاد وأحمد 1 / 79 والترمذي في تفسير سورة الممتحنة والبيهقي في الدلائل 5 / 16.
(*)(5/210)
يدريك يا عمر أن الله عز وجل اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال: " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فاغرورقت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم، حين سمعه يقول في أهل بدر ما قال.
وأنزل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم) أي كفار مكة (أولياء تلقون) توصلون (إليهم) قصد النبي غزوه الذي أسره إليكم - وروي بخبر (بالمودة) بينكم وبينهم (وقد كفروا بما جاءكم من الحق) دين الاسلام والقران (يخرجون الرسول وإياكم) من مكة بتضييقهم عليكم لاجل (أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا) للجهاد (في سبيلي وابتغاء مرضاتي) وجواب الشرط دل عليه ما قبله: أي فلا تتخذوهم أولياء (تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم) أي إسرار خبر النبي إليهم (فقد ضل سواء السبيل) أخطأ طريق الهدى، والسواء في الاصل: الوسط (إن يثقفوكم) يظفروا بكم (يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم) بالقتل والضرب (وألسنتهم بالسوء) بالسب، والشتم (وودوا) تمنوا (لو تكفرون.
لن تنفعكم أرحامكم) قراباتكم (ولا أولادكم) المشركون، الذين لاجلهم أسررتم الخبر من العذاب في الاخرة (يوم القيامة يفصل) بالبناء للمفعول والفاعل (بينكم) وبينهم
فتكونون في الجنة، وهم في جملة الكفار في النار (والله بما تعملون بصير) [ الممتحنة 1: 3 ].
ذكر إجماع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسير الى مكة قال ابن عقبة، وابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهم: لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسير إلى مكة، بعث أبا قتادة بن ربعي إلى بطن إضم، ليظن الظان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توجه إلى تلك الناحية، وأن لا تذهب بذلك الاخبار وأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسير إلى قريش، وأرسل إلى أهل البادية، ومن حولهم من المسلمين، يقول لهم " من كان يؤمن بالله وباليوم الاخر فليحضر رمضان بالمدينة " وبعث رسلا في كل ناحية حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وقال حسان بن ثابت - رضي الله عنه تعالى - يحرض الناس ويذكر مصاب رجال خزاعة: عناني ولم أشهد ببطحاء مكة * رجال بني كعب تحز رقابها بايدي رجال لم يسلوا سيوفهم * وقتلى كثير لم تجن ثيابها ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي * سهيل بن عمرو حرها وعقابها فلا تامننها يا ابن أم مجالد * إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها(5/211)
ولا تجزعوا منها فان سيوفنا * لها وقعة بالموت يفتح بابها قال ابن إسحاق: وقول حسان - رضي الله عنه: بايدي رجال لم يسلوا سيوفهم: يعني قريشا، وابن أم مجالد، عكرمة بن أبي جهل.
واستخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، ويقال ابن أم مكتوم، وذكره ابن سعد، والبلاذري، والأول هو الصحيح، وقد رواه الامام أحمد والطبراني بسند حسن عن ابن عباس - رضي الله عنهما (1).
ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة قاصدا مكة
قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاربعاء بعد العصر لعشر خلون من رمضان، ونادى مناديه: " من أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر " وصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما حل عقدة حتى انتهي إلى الصلصل، وخرج في المهاجرين والانصار، وطوائف من العرب، وقادوا الخيل، امتطوا الابل، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمامه الزبير بن العوام في مائتين من المسلمين، ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيداء قال فيما رواه محمد بن عمر عن أبي سعيد الخدري: " إني لارى السحاب يستهل بنصر بني كعب " (2).
ولما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العرج (3) وهو صائم، صب الماء على راسه ووجهه من العطش - كما رواه الامام مالك، ومحمد بن عمر عن رجل من الصحابة - وروى الحاكم في الاكليل بسند صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " رايت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرج يصب الماء على راسه من الحر وهو صائم "، ولما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العرج - وكان فيما بين العرج والطلوب - نظر إلى كلبة تهر عن أولادها، وهن حولها يرضعنها، فامر جميل بن سراقة - رضي الله عنه - أن يقوم حذاءها، لا يعرض لها أحد من الجيش، ولا لاولادها.
وقدم - صلى الله عليه وسلم - بمائة جريدة تكون أمام المسلمين، فلما كانوا بين العرج والطلوب أتوا بعين من هوازن، فاستخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبره أن هوازن تجمع له فقال: " حسبنا الله ونعم الوكيل " فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد أن يحبسه لئلا يذهب فيحذر الناس، ولما بلغ قديدا (4) لقيته سليم هناك، فعقد الالوية والرايات، ودفعها إلى القبائل.
__________
(1) قال الهيثمي في المجمع 6 / 167 رجاله رجال الصحيح.
(2) انظر المغازي للواقدي 2 / 801.
(3) (العرج) بفتح أوله، وسكون ثانيه، وجيم: قرية جامعة في واد من نواحي الطائل.
وقيل: واد به.
مراصد الاطلاع 2 / 928.
(4) (قديد) تصغير قد: اسم موضع قرب مكة: مراصد الاطلاع 3 / 1070.
(*)(5/212)
وروى محمد بن عمر عن يزيد بن أسلم، وأبي الحويرث - رحمهما الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى إلى قديد قيل له: يا رسول الله هل لك في بيض النساء، وأدم الابل ؟ بني مدلج، فقال: - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله عز وجل حرمهن علي بصلة الرحم ".
وفي لفظ " ببر الوالد، ووكزهم في لبات الابل ".
وقدم العباس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلما.
قال ابن هشام: لقيه بالجحفة فارسل ثقله إلى المدينة، وسار مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال البلاذري: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " هجرتك يا عم آخر هجرة، كما أن نبوتي آخر نبوة " وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة لقياه بنقب العقاب، وستاتي قصة إسلامهما في ترجمتهما.
ذكر فطره - صلى الله عليه وسلم - وأمره به روى مسلم، والترمذي عن جابر، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، والطحاوي عن ابن عباس - رضي الله عنهم - ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة في غزوة الفتح في رمضان يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد (1) بين عسفان وقديد، وفي رواية بين عسفان وأمج (2)، وفي حديث جابر: كراع الغميم، بلغه أن الناس شق عليهم الصيام، وقيل له: إنما ينظرون فيما فعلت، فلما استوى على راحلته بعد العصر دعا باناء من لبن، أو ماء، وجزم جابر بانه ماء.
وكذا ابن عباس، وفي رواية: فوضعه على راحلته ليراه الناس، فشرب فافطر، فناوله رجلا إلى جنبه فشرب فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس صام، فقال: " أولئك العصاة، أولئك العصاة " فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر (3).
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدرى - رضي الله عنه - قال سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن صيام، فنزلنا منزلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم " وكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: " إنكم مصبحوا عدوكم، والفطر أقوى لكم، فافطروا " فكانت عزيمة، فافطرنا (4).
__________
(1) (الكديد) قيل بالفتح، وبالكسر، وآخره دال أخرى: موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلا من مكة، بين عسفان وأمج.
مراصد الاطلاع 3 / 1152.
(2) (أمج) بفتحتين، والجيم: بلد من أعراض المدينة.
مراصد الاطلاع 1 / 115.
(3) مسلم من حديث ابن عباس 2 / 784 (88 / 1113) ومن حديث جابر أخرجه مسلم في الصيام 2 / 785 (90 / 1114) والبخاري (4275)، والترمذي (710) والنسائي في الصيام باب (47) والطيالسي كما في المنحة (912) والطحاوي في معاني الاثار 2 / 65 والشافعي في المسند (158) والبيهقي في الدلائل 5 / 25 وفي السنن 4 / 241، وانظر التلخيص 2 / 203.
(4) مسلم 2 / 789 (102 / 1120).
(*)(5/213)
ذكر نزوله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران قالوا: ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم والمسلمون مر الظهران عشاء، وأمر أصحابه أن يوقدوا عشرة الاف نار، وجعل على الحرس عمر بن الخطاب - رضى الله تعالى عنه - قال عروة كما عند ابن عائذ، وبه جزم ابن عقبة وابن اسحاق، ومحمد بن عمر وغيرهم، وعميت الاخبار عن قريش، فلم يبلغهم حرف واحد عن مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يدرون ما هو فاعل، وهم مغتمون لما يخافون من غزوة اياهم، فبعثوا أبا سفيان بن حرب.
وروى اسحاق بن راهويه، والحاكم، والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح حتى نزل مر الظهران في عشرة الاف من المسلمين، وقد عميت الاخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يدرون ما هو صانع (1).
وفى الصحيح عن عروة قال: لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح بلغ ذلك قريشا، فخرج أبو سفيان بن حرب يتحسس الاخبار.
وقالت قريش: لابي سفيان: ان لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا، فخرج هو وحكيم بن حزام، فلقيا بديل بن ورقاء، فاستتبعاه، فخرج معهما
يتحسسون الاخبار، وينظرون هل يجدون خبرا، أو يسمعون به، فلما بلغوا الاراك من مر الظهران، وذلك عشيا رأوا العسكر والقباب والنيران كأنها نيران عرفة، وسمعوا صهيل الخيل، ورغاء الابل، فأفزعهم ذلك فزعا شديدا.
قال عروة كما في الصحيح -: فقال بديل بن ورقاء: هؤلاء بنو كعب - وفي رواية بنو عمرو: يعني بها خزاعة - حمشتها الحرب.
فقال أبو سفيان: بنو عمرو وأقل من ذلك (2).
ذكر المنام الذي رآه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه روى البيهقي عن ابن شهاب - رضى الله تعالى عنه - أن أبا بكر قال: يا رسول الله ! ! أراني في المنام وأراك دنونا من مكة، فخرجت الينا كلبة تهر، فلما دنونا منها استقلت على ظهرها، فإذا هي تشخب لبنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ذهب كلبهم وأقبل درهم، وهم سيأوون بأرحامهم وانكم لاقون بعضهم فان لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه ".
ذكر اعلامه - صلى الله عليه وسلم - بالليل بأن أبا سفيان في الاراك وأمره بأخذه روى الطبراني عن أبي ليلى - رضى الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر
__________
(1) أخرجه البيهقى في الدلائل 4 / 27.
(2) أخرجه البخاري 7 / 597 (4280).
(*)(5/214)
الظهران، فقال: " ان أبا سفيان بالاراك فخذوه " فدخلنا، فأخذناه (1).
قال ابن عقبة: فبينما هم، يعني أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وبديلا بن ورقاء كذلك لم يشعروا حتى أخذهم نفر كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثهم عيونا له، فاخذوا بخطم أبعرتهم فقالوا: من أنتم ؟ فقالوا: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال أبو سفيان: هل سمعتم بمثل هذا الجيش، نزلوا على أكباد قوم لم يعلموا بهم.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب - رحمهما الله
تعالى - قالا: أخذ أبو سفيان وأصحابه وكان حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر من الانصار، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تلك الليلة على الحرس، فجاؤوا بهم إليه، فقالوا: جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة، فقال عمر وهو يضحك إليهم: والله لو جئتموني بابي سفيان ما زدتم.
قالوا: قد والله آتيناك بابي سفيان.
فقال احبسوه فحبسوه حتى أصبح.
فغدا به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن عقبة: لما دخل الحرس بابي سفيان وصاحبيه: لقيهم العباس بن عبد المطلب، فاجارهم.
وروى ابن أبي شيبة عن عكرمة: أن أبا سفيان لما أخذه الحرس قال: دلوني على العباس، فاتى العباس فاخبره الخبر، وذهب به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وروى إسحاق بن راهويه - بسند صحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل مر الظهران، رقت نفس العباس لاهل مكة فقال: واصباح قريش، والله لئن دخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة قبل أن ياتوه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، قال العباس: فاخذت بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشهباء فركبتها، وقلت: ألتمس حطابا، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة ياتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، فو الله إني لفي الاراك ألتمس ما خرجت إليه إذ سمعت كلام أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رايت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا ! فقال بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكراها، قال العباس: فعرفت صوت أبي سفيان، فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي، فقال: لبيك يا أبا الفضل، مالك فداك أبي وأمي ! ! وعرف صوتي، فقلت: ويلك ! ! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عشرة آلاف فقال: واصباح قريش والله بابي أنت وأمي فما تأمرني، هل من حيلة ؟ قلت: نعم، اركت عجز هذه البغلة،
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 5 / 172.
(*)(5/215)
فاذهب بك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأمنه لك، فانه والله إن ظفر بك دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتقتلن، فركب خلفي، ورجع صاحباه - كذا في حديث ابن عباس وعند ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: أنهما رجعا - وذكر ابن عقبة، ومحمد بن عمر في موضع آخر: أنهما لم يرجعا، وأن العباس قدم بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى.
قال العباس: فجئت بابي سفيان، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عليها قالوا: عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلما راني، قام، فقال: من هذا ؟ قلت: العباس، فذهب ينظر، فراى أبا سفيان خلفي، فقال: أي عدو الله ! ! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطئ، فاجتمعنا على باب قبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل عمر على أثرى، فقال عمر: يا رسول الله ! ! هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلاضرب عنقه، قال قلت: يا رسول الله إني قد أجرته، ثم التزمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخذت براسه، فقلت، والله لا يناجيه الليلة دوني رجل.
فلما أكثر عمر في شانه، فقلت: مهلا يا عمر، فو الله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال: مهلا يا عباس، وفي لفظ يا أبا الفضل، فو الله لاسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب لو أسلم (1).
وذكر ابن عقبة، ومحمد بن عمر في موضع آخر: قال العباس، فقلت: يا رسول الله ! ! أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء قد أجرتهم، وهم يدخلون عليك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " أدخلهم " فدخلوا عليه، فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاهم إلى الاسلام، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اشهدوا أن لا اله الا الله وأني رسول الله "، فشهد بديل، وحكيم بن حزام، وقال: أبو سفيان: ما
أعلم ذلك، والله إن في النفس من هذا لشئ بعد، فارجئها.
وعند أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنه قيل لحكيم بن حزام: بايع، فقال: أبايعك ولا أخر إلا قائما.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أما من قبلنا فلن تخر إلا قائما ".
انتهى.
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 14 / 475.
(*)(5/216)
وقيل لابي سفيان ذلك، فقال: كيف أصنع باللات والعزى ؟ فقال عمر بن الخطاب - وهو خارج القبة: إخرأ عليها، أما والله لو كنت خارج القبة ما قلتها، فقال أبو سفيان: من هذا ؟ قالوا: عمر بن الخطاب قال العباس: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فاتني به " قال: فذهبت به إلى رحلي.
وعند ابن عقبة، ومحمد بن عمر: فلما أذن الصبح أذن العسكر كلهم: أي أجابوا المؤذن - ففزع أبو سفيان من أذانهم، فقال: ما يصنع هولاء ؟ قال العباس، فقلت: الصلاة.
قال: كم يصلون ؟ قلت: خمس صلوات في اليوم والليلة، ثم رآهم يتلقون وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما رايت ملكا قط كاليوم لا ملك كسرى ولا قيصر، قال العباس: فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح غدوت به.
وعند ابن عقبة، ومحمد بن عمر: أن أبا سفيان سال العباس في دخوله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعند ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: فلما أصبحوا قام المسلمون إلى طهورهم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل ! ! ما للناس أمروا في بشئ ؟ قال: لا ولكنهم قاموا إلى الصلاة فأمره العباس فتوضأ، وذهب به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة كبر وكبر الناس، ثم ركع، فركعوا، ثم رفع، فرفعوا، ثم سجد فسجدوا، فقال أبو سفيان: ما رايت كاليوم طاعة، قوم جمعهم من ههنا وههنا، ولا فارس الاكارم، ولا الروم ذات القرون باطوع منهم له، يا أبا الفضل أصبح ابن أخيك والله عظم الملك، فقال العباس: إنه ليس بملك، ولكنها النبوة، قال: أو
ذاك.
قال العباس: فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا أبا سفيان " ألم يان لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ ! قال: بابي أنت وأمي ! ! ما أحملك وأكرمك وأعظم عفوك ! إنه لو كان مع الله إله لقد أغنى عني شيئا بعد، لقد استنصرت إلهي، واستنصرت إلهك، فو الله ما لقيتك من مرة، إلا نصرت على، فلو كان إلهي محقا وإلهك مبطلا لقد غلبتك، فقا: " ويحك يا أبا سفيان ألم يان لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال: بابي أنت وأمي ما أحملك وأكرمك وأعظم عفوك ! أما هذه فو الله إن في النفس منها شيئا حتى الان، فقال العباس: ويحك ! أسلم قبل أن تضرب عنقك فشهد شهادة الحق، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله.
وظاهر كلام ابن عقبة ومحمد بن عمر في مكان آخر أن أبا سفيان قال: أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله من غير أن يعرض ذلك عليه أحد.
قال: قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: يا رسول الله جئت باوباش الناس من يعرف ومن لا يعرف إلى أهلك وعشيرتك ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنتم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعهد الحديبية، وظاهرتم على بني كعب بالاثم والعدوان في حرم الله - تعالى وأمنه " فقال حكيم وأبو سفيان: صدقت يا رسول الله: ثم قالا: يا رسول الله ! ! لو كنت جعلت جدك ومكيدتك لهوازن، فهم أبعد رحما، وأشد عداوة لك ؟(5/217)
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني لأرجو من ربي أن يجمع لي ذلك كله.
فتح مكة، وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن، وغنيمة أموالهم وذراريهم، فإني أرغب إلى الله - تعالى - في ذلك (1) ".
قال ابن عقبة: قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: يا رسول الله ادع الناس بالأمان، أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نعم " قال العباس، قلت: يا رسول الله ! ! قد عرفت أبا سفيان وجه الشريف والفخر، فاجعل له شيئا.
وعند ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن: أن أبا بكر قال: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب السماع، يعني الشرف - انتهى.
فقال " من دخل دار أبي سفيان
فهو امن " فقال: وما تسع داري ؟ زاد ابن عقبة " ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن " ودار أبي سفيان باعلى مكة، ودار حكيم باسفلها " ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن " فقال أبو سفيان: وما يسع المسجد ؟ قال: " ومن أغلق بابه فهو آمن " فقال أبو سفان: هذه واسعة (2).
ذكر ارادة أبي سفيان وحكيم بن حزام الانصراف إلى قومهما ليعلماهم بذلك ووقوفهما ليريا جنود الله تبارك وتعالى قال ابن عقبة: لما توجهوا ذاهبين: قال العباس: يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه فاردده حتى يفقه، ويرى جنود الله - تعالى - معك.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن أبا سفيان لما ولى، قال أبو بكر: يا رسول الله، لو أمرت بابي سفيان فحبس على الطريق ؟ وقال ابن إسحاق ومحمد بن عمر: إن أبا سفيان لما ذهب لينصرف، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس: " احبسه بمضيق الوادي ".
قال ابن عقبة، ومحمد بن عمر: فادركه العباس فحبسه، فقال أبو سفيان أغدرا يا بني هاشم ؟ فقال العباس: إن أهل النبوة لا يغدرون.
ولفظ ابن عقبة: إنا لسنا بغدر، ولكن أصبح حتى تنظر جنود الله، وإلى ما أعد الله للمشركين، قال ابن عقبة فحبسهم بالمضيق دون الاراك إلى مكة حتى أصبحوا.
__________
(1) ذكره المتقي الهندي في الكنز (30173).
(2) أخرجه الطبراني في الكبير 8 / 9 وانظر المجمع 6 / 172 وأخرج صدره مسلم في الجهاد باب (31، 84، 86) وأبو داود في الخراج باب (25) وأحمد 2 / 292، 538 والبيهقي 6 / 9 234 / 117، 118، 171 والطبراني في الكبير 8 / 9 وابن أبي شيبة 14 / 475 وعبد الرزاق (9739) والطبراني في الصغير 2 / 72 والدار قطني 3 / 60 والطحاوي في المعاني 3 / 321، والبيهقي في الدلائل 5 / 32، 37، 56.
(*)(5/218)
وروى ابن عساكر عن عطاء قال: لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس - رضي الله - تعالى
- عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح " إن بمكة لاربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الاسلام " قيل: ومن هم يا رسول الله ؟ قال: " عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو " (1).
ذكر تعبئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه رضوان الله عليهم ونزولهم بابي سفيان، وما وقع في ذلك من الآيات قال ابن عقبة - رحمه الله تعالى - وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي، لتصبح كل قبيلة قد أرحلت، ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر ما معها من الاداة والعدة.
فاصبح الناس على ظهر، وقدم بين يديه الكتائب.
قالوا: ومرت القبائل على قادتها.
والكتائب على راياتها.
قال محمد بن عمر: وكان أول من قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد في بني سليم - بضم أوله، وفتح ثانيه، وسكون التحتية، وهم ألف، ويقال: تسعمائة، ومعهم لواءان وراية، يحمل أحد اللواءين العباس بن مرداس بكسر الميم، والاخر يحمله خفاف - بخاء معجمة مضمومة - بن ندبة - بنون مضمومة، فدال مهملة - ويحمل الراية الحجاج بن علاط - بعين مضمومة فطاء مهملتين، فلما مروا بابي سفيان، كبروا ثلاث تكبيرات، ثم مضوا، فقال أبو سفيان: يا عباس ! ! من هولاء ؟ فقال: هذا خالد بن الوليد، قال: الغلام ؟ قال: نعم قال: ومن معه ؟ قال: بنو سليم، قال: ما لي وبني سليم ! ثم مر على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة من المهاجرين وأفناء العرب، ومعه راية سوداء.
فلما مروا بابي سفيان كبروا ثلاثا، فقال أبو سفيان: من هؤلاء ؟ قال: هذا الزبير بن العوام، قال: ابن أختك ؟ قال: نعم، ثم مرت بنو غفار - بكسر الغين المعجمة - في ثلاثمائة، يحمل رايتهم أبو ذر، ويقال: إيماء - بكسر الهمزة، وفتحها، وسكون التحتية، ممدود مصروف، وقد يقصر مع الفتح - بن رخصة - بحاء، فضاد معجمة مفتوحات، وأجاز ابن الاثير: سكون الحاء، واقتصر النووي على الفتح، وقال السهيلي: بضم الراء - فلما حاذوه، كبروا ثلاثا، فقال
أبو سفيان من هؤلاء ؟ قال: بنو غفار، قال: مالي ولبني غفار ؟ ثم مرت أسلم في أربعمائة، فيهما لواءان يحمل أحدهما بريدة - بلفظ تصغير البرد - بن الحصيب - بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين، فتحتية فموحدة - والآخر ناجية - بالنون، والجيم - بن الاعجم، فلما حاذوه كبروا
__________
(1) أخرجه ابن عساكر كما في التهذيب 4 / 419، والحاكم 3 / 595.
(*)(5/219)
ثلاثا، فقال: من هؤلاء ؟ قال العباس: أسلم، قال: مالي ولاسلم ؟ ثم مرت بنو كعب بن عمرو في خمسمائة، يحمل رايتهم بسر - بضم الموحدة، وسكون السين المهملة - بن سفيان فلما حاذوه، كبروا ثلاثا، فقال: من هؤلاء ؟ قال العباس: بنو عمرو بن كعب بن عمرو، إخوة أسلم، قال: نعم، هؤلاء حلفاء محمد، ثم مرت مزينة - بضم الميم، وفتح الزاء، في ألف فيها ثلاثة ألوية ومائة فرس، يحمل ألويتها النعمان بن مقرن - بضم الميم، وسكون القاف، [ وبالراء ] والنون، وعبد الله بن عمرو بن عوف، وبلال بن الحارث، فلما حاذوه كبروا ثلاثا، قال: من هؤلاء ؟ قال: العباس: مزينة، قال: مالي ولمزينة ؟ قد جاءتني تقعقع من شواهقها، ثم مرت جهينة - بضم الجيم، وفتح الهاء وسكون التحتية، وبالنون - في ثمانمائة، فيها أربعة ألوية، يحملها أبو روعة - بفتح الراء، وسكون الواو - معبد بن خالد، وسويد بن صخر، ورافع بن مكيث - بفتح الميم، وكسر الكاف، وبالمثلثة - وعبد الله بن بدر - بالموحدة - فلما حاذوه كبروا ثلاثا، فقال من هؤلاء ؟ قال: جهينة، قال: مالي ولجهينة ؟ ثم مرت كنانة - بكسر الكاف - بنو ليث وضمرة، وسعد بن بكر في مائتين، يحمل لواءهم أبو واقد - بالقاف - الليثي، فلما حاذوه كبروا ثلاثا، فقال: من هؤلاء ؟ قال العباس: بنو بكر، قال: نعم، أهل شؤم والله ! هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم، قال العباس: قد خار الله - تعالى - لكم في غزو محمد - صلى الله عليه وسلم - أتاكم أمنكم، ودخلتم في الاسلام كافة، ثم مرت أشجع - بالشين المعجمة، والجيم - وهم آخر من مر، وهم ثلاثمائة معهم لواءان، يحمل أحدهما معقل - بالعين المهملة، والقاف - ابن سنان، والاخر: نعيم بن مسعود.
فلما حاذوه كبروا ثلاثا قال أبو سفيان: من
هؤلاء ؟ قال العباس: هؤلاء أشجع، قال أبو سفيان: هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد، قال العباس وأدخل الله - تعالى - الاسلام في قلوبهم، فهذا فضل من الله، ثم قال أبو سفيان: أبعد ما مضى محمد ؟ فقال العباس: لا، لم يمض بعد، لو أتت الكتيبة التي فيها محمد رايت فيها الحديد والخيل والرجال، وما ليس لاحد به طاقة، قال: ومن له بهؤلاء طاقة ؟ وجعل الناس يمرون، كل ذلك يقول أبو سفيان ما مر محمد ؟ فيقول العباس: لا، حتى طلعت كتيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخضراء التي فيها المهاجرون والانصار، وفيها الريات والالوية، مع كل بطن من بطون الانصار لواء وراية، وهم في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق، ولعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فيها زجل بصوت عال وهو يزعها ويقول: رويدا حتى يلحق أولكم آخركم - يقال: كان في تلك الكتيبة ألفا دارع، وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رايته سعد بن عبادة، فهو أمام الكتيبة، فلما مر سعد براية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى أبا سفيان فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا قال أبو سفيان: يا عباس، حبذا يوم الذمار.
فمرت القبائل، وطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على ناقته القصواء.
قال محمد بن عمر: بين أبي بكر(5/220)
الصديق، وأسيد بن الحضير - وهو يحدثهما - فقال العباس: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم (1).
وفي الصحيح عن عروة أن كتيبة الانصار جاءت مع سعد بن عبادة، ومعه الراية: قال: ولم ير مثلها، ثم جاءت كتيبة هو أقل الكتائب، فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وراية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الزبير، قال في العيون: كذا وقع عند جميع الرواة.
ورواه الحميدي في كتابه: هي أجل الكتائب، وهو الاظهر انتهى.
فقال أبو سفيان: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما قال العباس: قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: فنعم إذا (2).
وروى الطبراني عن العباس - رضي الله عنه - قال: لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت لابي سفيان بن حرب: أسلم بنا، قال: لا والله حتى أرى الخيل تطلع من كداء، قال العباس:
قلت ما هذا ؟ قال شئ طلع بقلبي، لان الله لا يطلع خيلا هناك أبدا، قال العباس: فلما طلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هناك ذكرت أبا سفيان به فذكره (3).
فلما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابي سفيان، قال: يا رسول الله أمرت بقتل قومك ؟ ! ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال: " ما قال " قال: كذا وكذا، وإني أنشدك الله في قومك، فانت أبر الناس، وأوصل الناس، وأرحم الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كذب سعد يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم يوم يعظم الله فيه الكعبة، اليوم يوم تكسى فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشا ".
وعند ابن إسحاق: أن سعدا لما قال ما قال، سمعه رجل من المهاجرين، قال ابن هشام: هو عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله ما نامن أن يكون له قريش صولة: واستبعد ذلك الحافظ من عمر هنا لكونه كان معروفا بشدة الباس عليهم.
وعند محمد بن عمر: أن عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، قالا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وقال ضرار - بضاد معجمة - بن الخطاب الفهري - فيما ذكره محمد بن عمر، وأبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الاموي - شعرا يستعطف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل مكة حين سمع قول سعد، قال أبو الربيع وهو من أجود شعر قاله.
__________
(1) أخرجه ابن عبد البر في الدرر (216) والبيهقي في الدلائل 5 / 38 وابن كثير في البداية 4 / 290.
(2) انظر المجمع 6 / 173.
(3) انظر المصدر السابق.
(*)(5/221)
وعند ابن اسحاق وعند ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر - رضى الله عنه - أن امرأة من قريش عارضت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الشعر، فكأن ضرارا أرسل به المرأة ليكون أبلغ في انعطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قريش:
يا نبي الهدى اليك لجا * حي قريش ولات حين لجاء حين ضاقت عليهم سعة الأر * ض وعاداعم اله السماء والتقت حلقتا البطان على القو * م ونودوا بالصيلم الصلعاء ان سعدا يريد قاصمة الظه * ر بأهل الحجون والبطحاء خزرجي لو يستطيع من الغي * ظ رمانا بالنسر والعواء وغر الصدر لا يهم بشئ * غير سفك الدما وسبى النساء قد تلظى على البطاح وجاءت * عنه هند بالسوءة السواء إذ ينادى بذل حى قريش * وابن حرب بذا من الشهداء فلئن أقحم اللواء ونادى * يا حماة الادبار أهل اللواء ثم ثابت إليه من بهم الخز * رج والاوس أنجم الهيجاء لتكونن بالبطاخ قريش * فقعة القاع في أكف الاماء فأنهينه فانه أسد الاس * د لدى الغاب والغ في الدماء انه مطرق يريد لنا الام * ر سكوتا كالحية الصماء فارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى سعد، فنزع اللواء من يده، وجعله الى ابنه قيس بن سعد، ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن اللواء لم يخرج من يد سعد، حتى صار الى ابنه.
قال محمد بن عمر: فأبى سعد أن يسلم اللواء الا بأمارة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعمامته، فدفع اللواء الى ابنه قيس، ويقال: ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عليا فأخذ الراية فذهب بها الى مكة حتى غرزها عند الركن.
قال أبو عمر - رحمه الله تعالى -: قد روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى الراية للزبير إذ نزعها من سعد.
وروى أبو يعلى عن الزبير - رضى الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفعها إليه فدخل بلواءين، وبه جزم موسى بن عقبة (1).
قال الحافظ: والذي يظهر في الجمع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل عليا لينزعها، وأن
__________
(1) انظر المصدر السابق.
(*)(5/222)
يدخل بها.
ثم خشى تغير خاطر سعد، فأمر بدفعها لابنه قيس، ثم ان سعدا خشى أن يقع من ابنه شئ يكرهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذها، فحينئذ أخذها الزبير، ويؤيد ذلك ما رواه البزار بسند على شرط البخاري عن أنس - رضى الله عنه - قال: كان قيس في مقدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة، فكلم سعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصرفه عن الموضع الذي هو فيه مخافة أن يقدم على شئ فصرفه عن ذلك.
انتهى.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، والطبراني عن عروة: أن العباس قال: يا رسول الله ! ! لو أذنت لي فأتيتهم.
أي أهل مكة - فدعوتهم فأمنتهم، فركب العباس بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشهباء، وانطلق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " ردوا علي أبي، ردوا علي أبي، فان عم الرجل صنو أبيه - " انى أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود، دعاهم إلى الله - تعالى - فقتلوه، أما والله لئن ركبوها منه لاضرمنها عليهم نارا " فكره العباس الرجوع، وقال: يا رسول الله، إن ترجع أبا سفيان راغبا في قلة الناس، فيكفر بعد إسلامه فقال " احبسه " فحبسه، فذكر عرض القبائل ومرورها بابي سفيان، وفيه فقال أبو سفيان: امض يا عباس.
فانطلق العباس حتى دخل مكة فقال: يا أهل مكة ! ! أسلموا تسلموا قد استبطنتم بأشهب بازل (1).
انتهى.
وفي حديث عروة عند الطبراني: وكفهم الله عز وجل - عن العباس - انتهى.
قال العباس، فقلت لابي سفيان بن حرب: أنج ويحك - فادرك قومك قبل أن يدخل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج أبو سفيان، فتقدم الناس كلهم حتى دخل مكة من كداء فصرخ باعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، أسلموا تسلموا، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
قالوا: قاتلك الله ! وما تغني دارك ؟ ! قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن
دخل المسجد فهو آمن.
فقامت إليه هند بنت عتبة زوجته، فاخذت بشاربه، وقالت: أقتلوا الحميت الدسم الأحمس، قبح من طليعة قوم.
فقال أبو سفيان: ويلكم ! لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فانه قد جاءكم مالا قبل لكم به.
ذكر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله يوم الفتح، ولا يدخل فيما عقد من الامان وهم: عبد العزى ابن خطل - بفتح الخاء المعجمة، والطاء المهملة، وآخره لام وكان قد أسلم، وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله وهاجر إلى المدينة، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) ابن أبي شيبة 14 / 484 والطحاوي في معاني الاثار 3 / 315 وابن عساكر كما في التهذيب 7 / 236.
(*)(5/223)
ساعيا، وبعث معه رجلا من خزاعة، وكان يصنع له طعامه ويخدمه فنزلا في مجمع - والمجمع حيث تجتمع الاعراب يؤدون فيه الصدقة - فأمره أن يصنع له طعاما، ونام نصف النهار، واستيقظ، والخزاعي نائم، ولم يصنع له شيئا، فعدى عليه فضربه فقتله، وارتد عن الاسلام، وهرب إلى مكة، وكان يقول الشعر يهجو به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان له قينتان، وكانتا فاسقتين، فيأمرهما ابن خطل أن يغنيا بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح على راسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق باستار الكعبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اقتلوه " رواه الامام مالك والشيخان (1).
قال محمد بن عمر (2): لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذي طوى، أقبل ابن خطل من أعلى مكة مدججا في الحديد على فرس وبيده قناة، فمر ببنات سعيد بن العاص فقال لهن: أما والله لا يدخلها محمد حتى ترين ضربا كافواه المزاد، ثم خرج حتى انتهى إلى الخندمة، فرأى خيل الله، وراى القتال فدخله رعب، حتى ما يستمسك من الرعده، فرجع حتى انتهى إلى الكعبة، فنزل عن فرسه، وطرح سلاحه وأتى البيت فدخل تحت أستاره، فاخذ رجل من بني
كعب سلاحه وأدرك فرسه عائرا فاستوى عليه، ولحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم بالحجون.
وعبد الله بن سعد بن أبي سرح - بفتح السين، واسكان الراء، وبالحاء المهملات - كان أسلم، ثم ارتد، فشفع فيه عثمان يوم الفتح، فحقن دمه، وأسلم بعد ذلك فقبل اسلامه، وحسن اسلامه بعد ذلك، وولاه عمر بعض أعماله، ثم ولاه عثمان، ومات وهو ساجد في صلاة الصبح، أو بعد انقضائها، وكان أحد النجباء الكرماء العقلاء من قريش، وكان فارس بني عامر بن لؤى المقدم فيهم، وسيأتى خبره مبسوطا في أبواب كتابه - صلى الله عليه وسلم.
وعكرمة بن أبي جهل، أسلم فقبل اسلامه.
والحويرث - بالتصغير - بن نقيدر بضم النون، وفتح القاف، وسكون التحتية، فدال مهملة، فراء مهملة، كان يؤذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونخس بزينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجرت الى المدينة، فاهدر دمه.
فبينما هو في منزله قد أغلق عليه بابه، فسال عنه على بن أبي طالب - رضى الله عنه - فقيل هو بالبادية، فاخبر الحويرث أنه يطلب، فتنحى علي عن بابه، فخرج الحويرث يريد أن يهرب من بيت الى آخر، فتلقاه علي، فضرب عنقه.
__________
(1) أخرجه البخاري 4 / 59 (1846، 4286)، ومسلم 2 / 989 (450 / 1357).
(2) انظر المغازي 2 / 827.
(*)(5/224)
قال ابن هشام: وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة، وأم كلثوم بنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث فرمى بهما الارض.
قال البلاذري - رحمه الله تعالى - وكان يعظم القول في رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وينشد الهجاء فيه، ويكثر أذاه وهو بمكة.
ومقيس.
بميم، فقاف، فسين مهملة - بن صبابة، بصاد مهملة، وموحدتين، الاولى خفيفة -، كان أسلم، ثم أتى على رجل من الانصار فقتله، وكان الانصاري قتل أخاه هشاما خطأ في غزوة ذي قرد، ظنه من العدو، فجاء مقيس، فأخذ الدية، ثم قتل الانصاري، ثم ارتد،
فقتله نميلة - تصغير نملة - بن عبد الله يوم الفتح.
وهبار - بفتح الهاء، وتشديد الموحدة بن الاسود، أسلم، وكان قبل ذلك شديد الاذى للمسلمين، وعرض لزينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجرت فنخس بها، فأسقطت، ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت، فلما كان يوم الفتح، وبلغه ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدر دمه، فأعلن بالاسلام، فقبله منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعفا عنه.
والحويرث بن الطلاطل الخزاعي، قتله علي - رضي الله عنه - ذكره أبو معشر.
وكعب بن زهير، وجاء بعد ذلك فأسلم، ومدح.
ذكره الحاكم.
ووحشى بن حرب، وتقدم شأنه في عزوة أحد، فهرب الى الطائف، فلما أسلم أهلها جاء فأسلم.
وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف، وكانت مغنية نواحة بمكة، وكانت قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الفتح، وطلبت منه الصلة وشكت الحاجة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " ما كان في غنائك ما يغنيك ؟ " فقالت: ان قريشا منذ قتل من قتل منهم ببدر تركوا الغناء، فوصلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوقر لها بعيرا طعاما، فرجعت الى قريش.
وكان ابن خطل يلقى عليها هجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتغني به.
وهي التي وجد معها كتاب حاطب ابن أبي بلتعة، فأسلمت وعاشت الى خلافة عمر بن الخطاب وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان بن حرب، وهي التي شقت عن كبد حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاسلمت، فعفا عنها.
وأرنب مولاة ابن خطل، وقينتان لابن خطل، كانتا تغنيان بهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم إحداهما فرتنى - بفتح الفاء، وسكون الراء وفتح الفوقية، فنون، فالف تأنيث مقصورة، والاخرى قريبة - ضد بعيدة، ويقال: هي أرنب السابقة، فاستؤمن لاحداهما فاسلمت، وقتلت الاخرى،(5/225)
وذكر عن ابن إسحاق أن فرتنى هي التي أسلمت، وأن قريبة قتلت.
وأم سعد قتلت فيما ذكره ابن إسحاق، ويحتمل كما قال الحافظ - رحمه الله - تعالى - أن تكون أرنب، وأم سعد القينتان - واختلف في اسمهما باعتبار الكنية واللقب.
ذكر دخوله - صلى الله عليه وسلم - مكة وارسال طائفة من أصحابه أمامه وارادة بعض المشركين صدهم عن دخولهم، وقتل المسلمين لهم قال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - غيره: لما ذهب أبو سفيان إلى مكة بعد ما عاين جنود الله - تعالى - تمر عليه، فانتهى المسلمون إلى ذي طوى، فوقفوا ينتظرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تلاحق الناس، وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبته الخضراء، وهو على ناقته القصواء، معتجرا بشق برد حبرة حمراء.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشرفه الناس، فوضع راسه على رحله متخشعا، رواه الحاكم بسند جيد قوي، ورواه أبو يعلى من طريق آخر (1)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ وعليه عمامة سوداء، ورايته سوداء، ولواؤه أسود حتى وقف بذي طوى، وتوسط الناس، وإن عثنونه ليمس واسطة رحله، أو يقرب منها تواضعا لله عز وجل حين رأى ما رأى من فتح الله تعالى، وكثرة المسلمين، ثم قال: " اللهم إن العيش عيش الاخرة " قال: وجعلت الخيل تمعج بذي طوى في كل وجه، ثم ثابت وسكنت حين توسطهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه محمد بن عمر (2).
وعن أنس - رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، رواه الامام أحمد، ومسلم، والاربعة (3).
وعن عمرو بن حريث - رضي الله عنه قال: كاني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء خرقانية، وقد أرخى طرفها بين كتفيه، رواه مسلم (4)، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح من كداء من أعلى مكة، رواه البخاري، والبيهقي.
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم دخل مكة أبيض، رواه الاربعة (5).
__________
(1) الحديث عند ابن عدي في الكامل 4 / 571، وانظر المجمع 6 / 196.
(2) ابن سعد 3 / 1 / 180.
(3) مسلم 2 / 990 (451 / 1358)، والبيهقي في الدلائل 5 / 67 وابن أبي شيبة 8 / 234.
(4) أخرجه مسلم 2 / 990 (453 / 1359).
(5) البخاري 7 / 611 (4290).
(*)(5/226)
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح أبيض، ورايته سوداء تسمى العقاب، وكانت قطعة مرط مرحل، رواه ابن إسحاق (1).
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح، راى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم إلى أبي بكر، فقال: " يا أبا بكر كيف قال حسان " فانشده أبو بكر، قول حسان - رضي الله عنهما: عدمت بنيتي إن لم تروها * تثير النقع من كتفي كداء ينازعن الاعنة مسرجات * يلطمهن بالخمر النساء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ادخلوها من حيث قال حسان " (2).
وفي الصحيح وغيره عن عروة: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الزبير بن العوام أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى ياتيه " (3).
وفي الصحيح أيضا عن العباس أنه قال للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله ها هنا أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركز الراية ؟ قال: نعم (4).
قال: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد - وكان على المجيبة اليمنى، وفيها أسلم، وسليم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وقبائل من العرب - أن يدخلوا من الليط، وهو أسفل مكة، وأمره أن يغرز رايته عند أدنى البيوت وأمر أبا عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - على الحسر، كما عند الامام أحمد.
وفي صحيح مسلم (5) عن عبد الله بن رباح أن أبا عبيدة كان على البياذقة، يعني الرجالة.
وعند ابن إسحاق وعبد الله بن أبي نجيح أن أبا عبيدة بن الجراح أقبل بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمراءه أن يكفوا أيديهم، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر رحمهما الله تعلى: إن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمر -، وأسلموا بعد ذلك - دعوا إلى قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجمعوا أناسا
__________
(1) أخرجه أبو داود في الجهاد باب (76)، والحاكم 2 / 104 وابن ابي شيبة 12 / 514، والبيهقي 6 / 392.
(2) البيهقي في الدلائل 5 / 66 والطحاوى في المعاني 4 / 296.
(3) أخرجه البخاري 7 / 598 (4280).
(4) أنظر المصدر السابق.
(5) مسلم في الجهاد (86).
(*)(5/227)
بالخندمة وضوى إليهم ناس من قريش، وناس من بني بكر، وهذيل، ولبسوا السلاح، يقسمون بالله لا يدخلها محمد عنوة أبدا، وكان رجل من بني الديل يقال له جماش - بكسر الجيم وتخفيف الميم - وبالشين المعجمة - بن قيس بن خالد لما سمع بدخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل يصلح سلاحه، فقالت له امرأته: لمن تعد هذا ؟ قال: لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شئ.
قال: والله انى لارجو أن أخدمك بعضهم فانك محتاجة إليه قالت، ويلك: لا تفعل، ولا تقاتل محمدا والله ليضلن عنك رايك، لو قد رايت محمدا، وأصحابه، قال ستري ثم قال: إن يقبلوا اليوم فمالى علة * هذا سلاح كامل وأله وذو غرارين سريع السله
ثم شهد الخندمة مع صفوان، وسهيل بن عمرو، وعكرمة فلما دخل خالد بن الوليد من حيث أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد الجمع المذكور، فمنعوه الدخول، وشهروا له السلاح، ورموه بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عنوة، فصاح في أصحابه، فقاتلهم، وقتل منهم أربعة وعشرون رجلا من قريش، وأربعة من هذيل.
وقال ابن إسحاق: أصيب من المشركين قريب من اثنى عشر أو ثلاثة عشر، وانهزموا أقبح الانهزام، حتى قتلوا بالحزورة، وهم مولون في كل وجه، وانطلقت طائفة منهم فوق رؤوس الجبال، وأتبعهم المسلمون.
قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - وجعل خالد - رضي الله عنه - يتمثل بهذه الابيات: إذا ما رسول الله فينا رأيته * كلجة بحر نال فيها سريرها إذا ما ارتدينا الفارسية فوقها * ردينية يهدي الاصم خريرها رأينا رسول الله فينا محمدا * لها ناصرا عزت وعز نصيرها قال ابن هشام: وكان شعار المهاجرين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة وحنين والطائف: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الاوس: يا بني عبيد الله.
وجعل أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان يا معشر قريش علام تقتلون أنفسكم ؟ ! من دخل داره فهو آمن، ومن وضع السلاح فهو آمن، فجعل الناس يقتحمون الدور ويغلقون عليهم، ويطرحون السلاح في الطرق حتى ياخذه المسلمون، ورجع جماش منهزما حتى انتهى إلى بيته، فدقه، ففتحت له امرأته، فدخل وقد ذهبت روحه، فقالت له: أين الخادم(5/228)
الذي وعدتني ؟ ما زلت منتظرة لك منذ اليوم - تسخر منه - فقال: دعي هذا عنك، واغلقي على بابي، ثم قال:
إنك لو شهدت يوم الخندمة * إذ فر صفوان وفرر عكرمة وأبو يزيد كالعجوز المؤتمة * واستقبلتهم بالسيوف المسلمة يقطعن كل ساعد وجمجمه * ضربا فلا تسمع إلا الغمغمه لهم نهيت خلفنا وهمهمه * لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه وأقبل الزبير - رضي الله عنه - بمن معه من المسلمين حتى انتهى إلى الحجون عند منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقتل من المسلمين إلا رجلان من أصحاب الزبير، أخطأ الطريق فسلكا غيره فقتلا، وهما كرز بن جابر الفهري (1) وحبيش - بحاء مهملة مضمومة، فموحدة مفتوحة، فتحتية ساكنة فشين معجمة - بن خالد بن ربيعة بن الاشعر - بشين معجمة، وعين مهلمة - الكعبي - رضي الله عنهما - ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل مكة من أذاخر، (2) فلما ظهر على أذاخر، نظر إلى البارقة مع فضض المشركين، فقال: " ما هذه البارقة ؟ ! ألم أنه عن القتال ؟ " قالوا: يا رسول الله، خالد بن الوليد قوتل ولو لم يقاتل ما قاتل، وما كان يا رسول الله ليعصيك، ولا يخالف أمرك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قضاء الله خير ".
وروى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب، فقال: " إن الله حرم مكة " الحديث (3)، فقيل: هذا خالد يقتل، فقال: " قم يا فلان فقل له فليرفع يديه من القتل " فأتاه الرجل، فقال له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لك، أقتل من قدرت عليه، فقتل سبعين، فاتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، فارسل إلى خالد " ألم أنهك عن القتل ؟ ! " فقال: جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت عليه، فارسل إليه " ألم آمرك أن تنذر خالدا ؟ " قال: أردت أمرا فاراد الله أمرا، فكان أمر الله فوق أمرك، وما استطعت إلا الذي كان، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رد عليه.
وروى الامام أحمد، ومسلم، والبيهقي، وغيرهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم فتح مكة، وبشت قريش أوباشا لها وأتباعا، فقالوا: نقدم هؤلاء، فان كان لهم شئ
__________
(1) كرز بن جابر حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشي الفهري..كان من
رؤساء المشركين قبل أن يسلم وأغار على سرح المدينة مرة فحرج النبي - صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سفوان وفاته كرز وهذه هي غزوة بدر الاولى ثم أسلم، الاصابة 5 / 297.
(2) أذاخر بالفتح، والخاء المعجمة مكسورة: موضع باعلى مكة، منه دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وضربت هناك قبته.
مراصد الاطلاع 1 / 46.
(3) أخرجه الطبراني في الكبير 11 / 48 وانظر المجمع 3 / 284، 7 / 34 والسيوطي في الدر المنثور 3 / 271، 272.
(*)(5/229)
كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا فرآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " يا أبا هريرة " قلت: لبيك، قال: " اهتف بالانصار، ولا ياتيني إلا أنصاري " قال: ففعلت ما أمرني به، فاتوه، فقال: " انظروا قريشا وأوباشهم فاحصدوهم حصدا " ثم قال بيديه إحداهما على الاخرى، فانطلقا فما أحد يوجه إلينا شيئا، وما منا أحد يريد أحدا منهم إلا أخذه، فجاء أبو سفيان ابن حرب فقال: يا رسول الله - أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو امن " فألقى الناس سلاحهم (1).
وروى محمد بن عمر عن جابر - رضي الله عنه - قال: كنت ممن لزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخلت معه يوم الفتح فلما أشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أذاخر، ورأى بيوت مكة، وقف عليها فحمد الله - وأثنى عليه، ونظر إلى موضع قبته فقال: هذا منزلنا يا جابر حيث تقاسمت قريش علينا في كفرها " قال جابر: فذكرت حديثا كنت سمعته منه قبل ذلك بالمدينة، " منزلنا إذا فتح الله علينا مكة في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر " (2).
ذكر قرائته - صلى الله عليه وسلم - سورتي الفتح والنصر في يومه عن عبد الله بن مغفل - بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء المشددة، وباللام - رضي الله تعالى عنه - قال: رايت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته، وهو يقرأ سورة الفتح، يرجع صوته بالقراءة، قال معاوية بن قرة: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع عبد الله بن مغفل يحكي قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال شعبة: فقلت لمعاوية: كيف كان ترجيعه ؟
قال: ثلاث مرات، رواه البخاري في التفسير وفضائل القرآن والمغازي والتوحيد، ومسلم في الصلاة، والنسائي، والحاكم.
وروى الطبراني عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح " هذا ما وعدني ربي " ثم قرأ: (إذا جاء نصر الله والفتح) [ النصر 1 ] ذكر منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح روى محمد بن عمر عن أبي جعفر - رحمه الله تعالى - قال: كان أبو رافع قد ضرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبة بالحجون من أدم، فاقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى إلى القبة، ومعه أم سلمة، وميمونة زوجتاه.
وروى البخاري وغيره عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أنه قال: يا رسول الله: انى
__________
(1) سيأتي في هديه - صلى الله عليه وسلم - في قراءة القرآن.
(2) انظر المجمع 9 / 23.
(*)(5/230)
تنزل غدا ؟ تنزل في دارك ؟ قال: " وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دار ؟ " وكان عقيل ورث أبا طالب هو وأخوه طالب، ولم يرثه جعفر ولا علي - رضي الله عنهما - لانهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، أسلم عقيل بعد (1).
وروى البخاري، والامام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " منزلنا إن شاء الله تعالى إذا فتح الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر " يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم، وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم (2).
وروى محمد بن عمر عن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ألا تنزل منزلك من الشعب ؟ فقال: " وهل ترك لنا عقيل منزلا ؟ " وكان عقيل قد باع منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة، فقيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانزل في بعض
بيوت مكة غير منازلك، فابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: " لا أدخل البيوت " ولم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا، وكان ياتي المسجد لكل صلاة من الحجون.
ذكر اغتساله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح وصلاته وقت الضحى شكرا لله تعالى عن أم هانئ - رضي الله عنها - قالت: لما كان عام يوم الفتح فر إلي رجلان من بني مخزوم فاجرتهما، قالت: فدخل علي علي فقال: أقتلهما، قالت: فلما سمعته يقول ذلك أتيت سول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكة، فلما راني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحب وقال: " ما جاء بك يا أم هاني، قالت: قلت يا رسول الله، كنت أمنت رجلين من أحمائي، فاراد علي قتلهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قد أجرنا من أجرت "، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غسله فسترته فاطمة، ثم أخذ ثوبا فالتحف به، ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمان ركعات سبحة الضحى، رواه مسلم والبيهقي (3).
وعنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، وصلى ثمان ركعات،
__________
(1) أخرجه البخاري 3 / 526 في الحج (1588) (3058، 4282، 6764)، ومسلم في الحج (439، 440) وأبو داود حديث (2010) وفي الفرائض باب (10) وابن ماجه (2730) والطحاوي في معاني الاثار 4 / 49، وأحمد 5 / 202 والدار قطني 3 / 62.
(2) أخرجه البخاري (4284) (1589)، ومسلم في الحج (355) والبيهقي في الدلائل 5 / 93 وأحمد 2 / 263، 322، 353، والطبراني في الكبير 11 / 62 وانظر المجمع 3 / 250.
(3) مسلم صلاة المسافرين (82)، وأبو داود (2763) وأحمد 6 / 341، 342، 343 والبيهقي 9 / 75، والحاكم 4 / 45.
(*)(5/231)
قالت، لم أره صلى صلاة أخف منها، غير أنه يتم ركوعها وسجودها.
رواه البخاري والبيهقي (1).
ذكر رن ابليس وحزنه وكيد الجن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزجرهم عنه ودعاء نائلة بالويل روى أبو يعلي، وأبو نعيم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة رن إبليس رنة فاجتمعت إليه ذريته، فقال: إياسوا أن تردوا أمة محمد إلى الشرك بعد يومكم هذا، ولكن أفشوا فيها - يعني مكة - النوح والشعر.
وروى ابن أبي شيبة عن مكحول - رحمه الله - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة تلقته الجن يرمونه بالشرر، فقال جبريل - صلى الله عليه وسلم - تعوذ يا محمد بهؤلاء الكلمات: " أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما بث في الارض، وما يخرج منها، ومن شر الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق إلا بخير يا رحمن ".
وروى البيهقي عن ابن أبزى - بفتح الهمزة - وسكون الموحدة وبالزاي، وألف تأنيث مقصورة - رحمه الله تعالى - قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة جاءت عجوز حبشية شمطاء تخمش وجهها، وتدعو بالويل، فقال: " تلك نائلة، أيست أن تعبد ببلدكم هذا أبدا " (2).
ذكر اسلام أبي قحافة عثمان بن عامر والد أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما روى الامام أحمد، والطبراني برجال ثقات، ومحمد بن عمر، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - قالت: لما كان عام الفتح، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي طوى، قال أبو قحافة لابنة له - قال البلاذري - - اسمها أسماء، قال محمد بن عمر تسمى: قريبة - ضد بعيدة، كانت من أصغر ولده: يا بنية، أشرفي بي على أبي قبيس - وقد كف بصره - فاشرفت به عليه، فقال: أي بنية ! ! ماذا ترين ؟ " قالت: أرى سوادا مجتمعا كثيرا، وأرى رجلا يشتد بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا، فقال: ذلك الرجل الوازع، ثم قال: ماذا ترين ؟ قالت: أرى السواد قد انتشر وتفرق، فقال: والله إذن انتشرت الخيل، فاسرعي بي إلى بيتي، فخرجت
سريعا حتى إذا هبطت به الابطح لقيتها الخيل، وفي عنقها طوق لها من ورق، فاقتلعه إنسان
__________
(1) سيأتي ذلك في هديه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الضحى.
(2) البيهقي في الدلائل 5 / 75.
(*)(5/232)
من عنقها، فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، خرج أبو بكر بابيه - رضي الله عنهما - يقوده، وكان راس أبي قحافة ثغامة، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه " ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، فأجلسه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم - صدره، وقال: أسلم تسلم، فاسلم، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشدكم بالله والاسلام طوق أختي، فوالله ما جاء به أحدا، ثم قال الثالثة فما جاء به أحد، فقال: يا أخية، احتسبي طوقك، فو الله إن الامانة في الناس اليوم لقليل (1).
وروى البيهقي بسند جيد قوي عن ابن وهب قال: أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أخذ بيده أبي قحافة، فاتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما وقف به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: غيروه ولا تقربوه سوادا (2).
قال ابن وهب: وأخبرني عمر بن محمد عن زيد بن أسلم: ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هنأ أبا بكر باسلام أبيه.
وروى الامام أحمد، وابن حبان عن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء أبو بكر بابيه أبي قحافة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يديه فقال لابي بكر: " لو أقررت الشيخ في بيته لاتيناه " - تكرمة لابي بكر - فاسلم وراسه ولحيته كالثغامة، فقال غيروهما قال قتادة هو أول مخضوب في الاسلام.
وروى مسلم عن جابر قال: أتى بابي قحافة عام الفتح وراسه ولحيته مثل الثغامة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " غيروا هذا بشئ وجنبوه السواد ".
قال البلاذري: ورمى بعض المسلمين أبا قحافة فشجه، وأخذت قلادة أسماء ابنته، فادركه أبو بكر وهو يستدمى، فمسح الدم عن وجهه انتهى.
قالوا: وجاء خالد بن الوليد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: " لم قاتلت، وقد نهيت عن القتال " ؟ قال: هم يا رسول الله بدؤونا بالقتال، ورشقونا النبل، ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت ما استطعت، وقد دعوتهم إلى الاسلام، وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، فأبوا، حتى إذا لم أجد بدا قاتلتهم فظفرنا الله - تعالى - عليهم، فهربوا في كل وجه يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كف عن الطلب " قال: قد فعلت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قضاء الله خير " ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر " فخبطوهم
__________
(1) أخرجه الواقدي في المغازي 2 / 824، والبيهقي في الدلائل 4 / 95.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 96.
(*)(5/233)
ساعة، وهي الساعة التي أحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تحل لاحد قبله.
(1) ذكر دخوله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وطوافه وما وقع في ذلك من الآيات قالوا: مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزله ساعة من النهار حتى اطمان الناس، فاغتسل، ثم دعا براحلته القصواء، فادنيت إلى باب قبته، وعاد للبس السلاح والمغفر على راسه، وقد حف الناس به، فركب راحلته والخيل تمعج بين الخندمة إلى الحجون، ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى جنبه أبو بكر الصديق يسير معه يحادثه، فمر ببنات أبي أحيحة وقد نشرن شعورهن - يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فنظر رسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر فتبسم وذكر بيت حسان بن ثابت، فأنشده أبو بكر رضي الله عنه: تظل جيادنا متمطرات * يلطمهن بالخمر النساء فلما انتهى - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة فراها ومعه المسلمون تقدم على راحلته، واستلم الركن
بمحجنه، وكبر، فكبر المسلمون بتكبيره، فرجعوا التكبير حتى ارتجت مكة تكبيرا حتى جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير إليهم أن اسكتوا - والمشركون فوق الجبال ينظرون - وطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبيت، آخذا بزمام الناقة محمد بن مسلمة، فاقبل على الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت.
وروى أبو نعيم، والبيهقي من طريق عبد الله بن دينار، وأبو نعيم من طريق نافع كلاهما عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وأبو نعيم والبيهقي من طريق سعيد بن جبير وابن اسحاق والبيهقي وأبو نعيم، وابن مندة، ومحمد بن عمر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم فتح مكة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصعة بالرصاص، وكان هبل أعظمها وهو وجاه الكعبة، وإساف ونايلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح، وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوس وقد أخذ بسية القوس، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما مر بصنم منها يشير إليه ويطعن في عينه ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) [ الاسراء 81 ] فما يشير إلى صنم إلا سقط لوجهه.
وفي لفظ لقفاه، من غير أن يمسه (2).
وفي ذلك يقول تميم بن أسد الخزاعي (3).
__________
(1) ابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1699)، وانظر المجمع 6 / 177 وابن أبي شيبة 14 / 487.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل 4 / 71 وهو عند البخاري في كتاب المظالم باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر.
(3) تميم بن أسيد وقيل أسد بن عبد العزى بن جعونة بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي..قال ابن سعد أسلم وصحب قبل فتح مكة وبعثه النبي - صلى الله عليه آله وسلم يجدد انصاب الحرم ثم ساق بذلك سندا الى ابن خيثم عن أبي الطفيل عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكره، الاصابة 1 / 191.
(*)(5/234)
ففي الاصنام معتبر وعلم * لمن يرجو الثواب أو العقابا قال أئمة المغازي - رحمهم الله تعالى -: فطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعا على راحلته
يستلم الركن الاسود بمحجنه كل طواف، فلما فرغ من طوافه نزل عن راحلته.
وعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر، قال: فما وجدنا مناخا في المسجد حتى أنزل على أيدي الرجال، ثم خرج بها، قالوا: وجاء معمر بن عبد الله بن نضلة - بالنون، والضاد المعجمة - فاخرج الراحلة فاناخها بالوادي، ثم انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلى المقام - وهو لاصق بالكعبة، والدرع عليه والمغفر وعمامته بين كتفيه، فصلى ركعتين ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها وقال: " لو لا أن تغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا "، فنزع له العباس بن عبد المطلب - ويقال الحرث بن عبد المطلب - دلوا، فشرب منه وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبونه على وجوههم، والمشركون ينظرون إليهم ويتعجبون ويقولون: ما رأينا ملكا قط أبلغ من هذا ولا سمعنا به.
وأمر بهبل فكسر وهو واقف عليه، فقال الزبير بن العوام لابي سفيان بن حرب: يا أبا سفيان قد كسر هبل، أما إنك قد كنت منه يوم أحد في عزور حين تزعم أنه أنعم، فقال أبو سفيان: دع عنك هذا يابن العوام، فقد أرى لو كان مع اله محمد غيره لكان غير ما كان، ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس ناحية من المسجد والناس حوله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح قاعدا، وأبو بكر قائم على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف.
رواه البزار (1).
ذكر أكله - صلى الله عليه وسلم - عند أم هانئ رضي الله عنها روى الطبراني عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لام هانئ يوم الفتح: " هل عندك من طعام ناكله ؟ ": قالت: ليس عندي إلا كسر يابسة، وإني لاستحي أن أقدمها إليك.
فقال: " هلمي بهن " فكسر هن في ماء، وجاءت بملح، فقال: " هل من أدم " ؟ فقالت: ما عندي يا رسول الله إلا شئ من خل، فقال: " هلميه "، فصبه على الطعام وأكل منه ثم حمد الله ثم قال: " نعم الادم الخل، يا أم هانئ لا يفقر بيت من أدم فيه خل " (2).
ذكر اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ما هم به
فضالة بن عمير بن الملوح قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل
__________
(1) انظر المجمع 6 / 176.
(2) انظر المجمع 6 / 176.(5/235)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالبيت - عام الفتح - فلما دنا منه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أفضاله ؟ " قال: نعم.
قال: " ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ " قال: لا شئ، كنت أذكر الله، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: " استغفر الله ".
ثم وضع يده على صدره فسكن، وكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق شئ أحب إلي منه، ورجع فضالة إلى أهله، قال: فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلم إلى الحديث، فقال لا.
وانبعث فضالة يقول: قالت هلم إلى الحديث فقلت لا * يابى على الله والاسلام إذا ما رأيت محمدا وقبيله * بالفتح يوم تكسر الاصنام لرأيت دين الله أضحى بينا * والشرك يغشى وجهه الاظلام ذكره أبو عمر الدرر، ولم يذكره في الاستيعاب، وهو على شرطه، وذكره القاضي في الشفاء بنحوه.
ذكر الآية في رفعه - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبيطالب رضي الله عنه - لالقاء صنم قريش روى ابن أبي شيبة، والحاكم عن علي - رضي الله عنه - قال: انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى بي الكعبة، فقال: " اجلس " فجلست بجنب الكعبة، فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على منكبي فقال: " انهض " فنهضت، فلما رأى ضعفي تحته قال: " أجلس " فجلست، ثم قال: " يا علي، اصعد على منكبي " ففعلت، فلما نهض بي خيل إلي لو شئت نلت أفق السماء،
فصعدت فوق الكعبة، وتنحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ألق صنمهم الاكبر " وكان من نحاس موتد باوتاد من حديد إلى الارض، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " عالجه " ويقول لي: " إيه إيه " " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ".
فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه (1).
ذكر طلبه - صلى الله عليه وسلم - المفتاح من عثمان بن طلحة رضي الله عنه روى محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة - رضي الله عنهما - ومحمد بن عمر عن علقمة بن أبي وقاص الليثي - رحمه الله تعالى - ومحمد بن عمر عن شيوخه يزيد بعضهم على بعض، قال عبد الله: كان عثمان قد قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة مسلما مع خالد بن الوبيد، وعمرو بن العاص قبل الفتح، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 74 وابن أبي شيبة 14 / 488، والحاكم 2 / 367، 3 / 5 (*)(5/236)
من طوافه أرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة ياتيه بمفتاح الكعبة، فجاء بلال إلى عثمان، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يامرك أن تاتي بالمفتاح، فقال: نعم، هو عند أمي سلافة، فرجع بلال الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أنه قال نعم، وأن المفتاح عند أمه، فبعث إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولا فجاء، فقالت: لا، واللات والعزى، لا أدفعه إليك أبدا، فقال عثمان يا رسول الله أرسلني أخلصه لك منها، فارسله، فقال: يا أمه ادفعي إلي المفتاح، فان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل الي، وأمرني أن آتيه به، فقالت أمه: لا.
واللات والعزى لا أدفعه اليك أبدا فقال: لا لات ولا عزى إنه قد جاء أمر غير ما كنا عليه، وإنك إن لم تفعلي قتلت أنا وأخي فانت قتلتينا، فوالله لتدفعنه أو لياتين غيري فيأخذه منك، فادخلته في حجزتها، وقالت: أي رجل يدخل يده ههنا ؟ (1).
قال الزهري فيما رواه عبد الرزاق، والطبراني: فأبطأ عثمان ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم ينتظره حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق، ويقول: " ما يحبسه فيسعى إليه رجل "
انتهى.
فبينما هما على ذلك وهو يكلمها إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في الدار، وعمر رافع صوته حين أبطأ عثمان...يا عثمان اخرج، فقالت أمه: يا بني خذ المفتاح، فان تأخذه أنت أحب إلي من أن ياخذه تيم وعدي، فاخذه عثمان، فخرج يمشي به حتى إذا كان قريبا من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثر عثمان فسقط منه المفتاح، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المفتاح فحنى عليه بثوبه (2).
وروى الفاكهي عن ابن عمر: أن بني أبي طلحة كانوا يقولون: لا يفتح الكعبة إلا هم، فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المفتاح، ففتح الكعبة بيده.
وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن أبي السفر - رحمه الله تعالى - قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة دعا شيبة بن عثمان بالمفتاح - مفتاح الكعبة - فتلكأ، فقال لعمر: قم فاذهب معه فان جاء به وإلا فأجلد راسه " فجاء به فاجاله في حجره.
ذكر أمره - صلى الله عليه وسلم - بازالة الصور عن البيت قبل دخوله إياه روى أبو داود، وابن سعد، ومحمد بن عمر، واللفظ له: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر بن الخطاب - وهو بالبطحاء - أن ياتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها حتى
__________
(1) المغازي للواقدي 2 / 833.
(2) أخرجه أبو داود (2027)، وانظر المطالب للحافظ ابن حجر (4364).
(*)(5/237)
محيت الصور، وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى صورة إبراهيم، فقال يا عمر: " ألم مرك ألا تدع فيها صورة ؟، قاتلهم الله، جعلوه شيخا يستقسم بالازلام ".
ثم رأى صورة مريم، فقال: " امسحوا ما فيها من الصور، قاتل الله قوما يصورون مالا يخلقون ".
وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وابن أبي شيبة عن عكرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الالهة يعني الاصنام، فامر بها فاخرجت صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الازلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قاتلهم الله لقد علموا أنهما لم يستقسما بهما قط " (1) زاد.
ابن أبي شيبة: ثم أمر بثوب فبل ومحا به صورهما.
وعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر: أن المسلمين تجردوا في الأزر وأخذوا الدلاء، وانجروا على زمزم يغسلون الكعبة ظهرها وبطنها، فلم يدعوا أثرا من المشركين إلا محوه وغسلوه.
ذكر دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت وصلاته فيه روى البخاري في الصلاة، ومسلم في الحج، عن الامام مالك بن انس والبخاري في الصلاة والمغازي عن جويرية بن أسماء، والبخاري في الصلاة، ومسلم في الحج عن يونس ابن يزيد عن أيوب، والبخاري في الصلاة والمغازي عن موسى بن عقبة، والبخاري في المغازي عن فليح بن سليمان، ومسلم في الحج عن عبد الله بن عمر، ومسلم في الحج، والنسائي في الصلاة عن خالد بن الحرث عن ابن عون، وابن عوانة، وابن ماجه في الحج عن حسان بن عطية كلهم عن نافع، والبخاري في الحج عن سالم بن عبد الله بن عمر، وفي كتاب الصلاة عن مجاهد، والامام أحمد عن ابن عمر، وابن دينار، والامام أحمد والنسائي عن ابن أبي مليكة والامام أحمد، والطبراني عن أبي الشعثاء كلهم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وابن أبي شيبة بسند حسن وأبو جعفر الطحاوي عن جابر بن عبد الله، وابن قانع عن أبي بشر ومسافع بن شيبة عن أبيه شيبة بن عثمان، أبو جعفر الطحاوي من طريقين عن عبد الله بن الزجاج، والامام أحمد، والازرقي عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير، والطبراني برجال الصحيح عن عبد الرحمن بن صفوان، والامام أحمد والطحاوي، وابن قانع بسند حسن، وأبو داود بسند ضعيف عن عمر بن الخطاب.
والبزار بسند ضعيف عن أبي هريرة، والحاكم في صحيحه، والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنهم - قال يونس بن يزيد: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، زاد فليح: القصواء
__________
(1) البخاري (3352)، أحمد 1 / 365، وأخرجه ابن أبي شيبة 14 / 487 والبيهقي في الدلائل 5 / 73.
(*)(5/238)
- وهو مردف أسامة، ومعه بلال، وعثمان بن طلحة، حتى أناخ في المسجد.
ولفظ فليح: عند البيت.
وقال لعثمان: ائتني بالمفتاح، قال أيوب: فذهب إلى أمه، فابت أن تعطيه المفتاح فقال: والله لتعطينه أو لاخرجن هذا السيف من صلي، فلما رات ذلك أعطته إياه، فجاء به، ففتح عثمان له الباب، ثم اتفقوا، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة وقال ابن عوف - كما عند النسائي - والفضل بن عباس، ولاحمد نحوه عن ابن عباس - بعد أن ذكر الثلاثة الأول - ولم يدخلها أحد معهم، زاد مسلم فاغلقوا عليهم الباب (1).
وعند محمد بن عمر عن شيوخه: فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكعبة فاغلقت.
ولفظ الامام مالك: فاغلقاها عليه، وفي رواية ابن عوف: فاجاف عليهم عثمان الباب.
زاد حسان بن عطية: من داخل.
وفي حديث صفية بنت شيبة عند إسحاق، فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيت حمامة من عيدان، فكسرها بيده، ثم طرحها.
وفي حديث جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل البيت راى فيه تمثال إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وقد جعلوا في يد إبراهيم الازلام يستقسم بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قاتلهم الله، لقد علموا ما كان إبراهيم يستقسم بالازلام ".
ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزعفران فلطخه بتلك التماثيل.
وعند ابن أبي شيبة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ويحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب - رحمهما الله تعالى - قالا: إن سول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل الكعبة كبر في زواياها وأرجائها، وحمد الله تعالى، ثم صلى ركعتين بين أسطوانتين، قال يونس: فمكث نهارا طويلا، ولفظ فليح: زمانا طويلا، ولفظ جويرية: فأطال، ولفظ ابن عوف: فمكث فيها مليا، ولفظ أيوب: فمكث فيها ساعة.
وفي رواية ابن أبي مليكة عن نافع: فوجدت شيئا فذهبت ثم جئت
سريعا فوجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - خارجا، ولفظ سالم: فلما فتحوا الباب وكنت أول والج، وفي رواية فليح: فتبادر الناس الدخول فسبقتهم.
وفي رواية أيوب: وكنت رجلا شابا قويا فبادرت الناس فبدرتهم، وفي رواية ابن عوف: فرقيت الدرجة فدخلت البيت، وفي رواية مجاهد، وابن أبي مليكة عن ابن عمر: وأجد بلالا قائما بين البابين.
وفي رواية سالم: فلقيت بلالا فسألته: زاد مالك فقلت: ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية سالم.
هل صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ؟ قال: نعم.
وفي رواية مجاهد، وابن أبي مليكة: فقلت هل صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في
__________
(1) انظر البخاري في المغازي 7 / 611 (4289).
(*)(5/239)
الكعبة ؟ قال: نعم، وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عن ابن عمر: أنه سال بلالا، وأسامة وفي رواية ابي الشعثاء عن ابن عمر قال: أخبرني أسامة بن زيد أنه راى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى فيه ههنا.
وفي رواية خالد بن الحرث عن ابن عوف عن مسلم، والنسائي عن ابن عمر: فرقيت الدرجة فدخلت البيت، فقلت أين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالوا: ههنا.
وفي رواية جويرية.
ويونس، وجمهور أصحاب نافع: فسالت بلالا: أين - صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: بين العمودين اليمانيين - ولفظ حويرية: المقدمين - وفي رواية مالك: جعل عمودا عن يمينه، وعمودا عن يساره.
وفي رواية: عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره، وجعل ثلاثة أعمدة وراءه، وفي رواية عنه: عمودا عن يساره، وعمودين عن يمينه.
قال البيهقي: وهو الصحيح، وفي رواية فليح: صلى بين ذينك العمودين المقدمين من السطر وكان البيت على ستة أعمدة سطرين.
صلى بين العمودين من السطر المقدم، وجعل باب البيت خلف ظهره، وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء، وفي رواية موسى بن عقبة عند البخاري، ومالك في رواية ابن قاسم عن النسائي عن نافع: أن بين موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الجدار نحو ثلاثة أذرع.
وفي رواية ابن مهدي عند أبي داود، وابن وهب عند الدار قطني في الغزوات - كلاهما عن مالك، وهشام، وابن سعد عن أبي عوانة عن نافع: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبينه وبين الجدار ثلاثة
أذرع.
قال الحافظ أبو الفضل العراقي - رحمه الله تعالى - ملخصا من طرق الاحاديث -: أن مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيت أن الداخل من الباب يسير تلقاء وجهه حين يدخل إلى أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع أو ذراعين أو ما بينهما لاختلاف الطرق.
قال: ولا ينبغي أن يجعل بينه وبين الجدار أقل من ثلاثة أذرع، فان كان الواقع أنه ثلاثة أذرع فقد صادف مصلاه، وإن كان ذراعين فقد وقع وجه المصلي وذراعاه في مكان قدمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا أولى من المتقدم.
ذكر قدر صلاته - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة في رواية يحيى بن سعيد عند الشيخين.
وفي رواية أبي نعيم الفضل بن دكين (1) عند البخاري والنسائي، ورواية أبي عاصم الضحاك بن مخلد عند ابن خزيمة، ورواية عمر بن علي
__________
(1) الفضل بن دكين واسمه عمرو بن حماد بن زهير التيمي، مولى آل طلحة أبو نعيم الكوفي الملائي الأحول الحافظ العلم.
عن الاعمش وزكريا بن أبي زائدة وجعفر بن برقان وأفلح بن حجير وخلق وعنه البخاري وأحمد وإسحاق ويحيى بن معين وخلق.
قال أحمد: ثقة يقظان عارف بالحديث.
وقال القسوى: أجمع أصحابنا على أن أبا نعيم كان عناية في الاتقان، قال يعقوب بن شيبة مات سنة تسع عشرة ومائتين، الخلاصة 2 / 335.
(*)(5/240)
عند الاسماعيلي، ورواية عبد الله بن نمير (1) عند الامام أحمد، كلهم عن سيف بن أبي سليمان (2) عن مجاهد عن ابن عمر: أنه قال: سالت بلالا، أصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة ؟ فقال: نعم: ركعتين.
وتابع سيفا عن مجاهد خصيف عند الامام أحمد، وتابع مجاهدا عن ابن عمر بن أبي مليكة عند الامام أحمد والنسائي وعمرو بن دينار عند الامام أحمد (3)، وفي حديث جابر: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت يوم الفتح، فصلى فيه ركعتين، ورواه الامام أحمد برجال الصحيح، والطبراني عن عثمان بن طلحة.
ورواه الامام أحمد، والازرقي عن عبد الله بن الزبير ورواه الطبراني بسند جيد، وابن قانع وأبو جعفر الطحاوي من طريقين عن
عثمان.
ورواه الطبراني برجال الصحيح، والبزار عن عبد الرحمن بن صفوان - رضي الله عنه - قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة انطلقت فوافقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من الكعبة، وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسطهم، فسالت من كان معه، فقلت: كيف صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل الكعبة ؟ قال: صلى ركعتين.
ورواه أبو داود والطحاوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والبزار عن أبي هريرة، وأنس بن مالك، رواه الطبراني - ووقع في رواية فليح وأيوب عن نافع، وأبو الشعثاء عن ابن عمر قال: ونسيت أن أساله أي بلالا، كم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية ابن عون عن نافع بعد أن ذكر أن أسامة وبلالا وعثمان بن شيبة دخلوا معه.
فدخلت البيت، فقلت: أين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالوا: ههنا، ونسيت أن أسالهم كم صلى، وسيأتي الجواب عن ذلك في التنبيهات.
ذكر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيت وصلاته قبل الكعبة روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من البيت صلى ركعتين قبل الكعبة، وقال: " هذه القبلة " (4).
__________
(1) عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي بمعجمة ثم ألف ثم مهملة أبو هشام الكوفي.
عن إسماعيل بن أبي خالد وهشام والاعمش وخلق.
وعنه أحمد وابن معين وابن المديني وخلق.
وثقه ابن معين.
قال ابنه محمد: مات سنة تسع وتسعين ومائة.
الخلاصة 2 / 106.
(2) سيف ين سليمان المخزومي مولاهم المكى نزيل البصرة.
عن مجاهد وعدي بن عدي، وعنه ابن المبارك وأبو نعيم، وثقه القطان والنسائي.
قال ابن معين: توفي سنة إحدى وخمسين ومائة.
الخلاصة 1 / 436.
(3) أخرجه البخاري 1 / 688 (504، 505) ومسلم 2 / 966 (388، 389 / 1329) (390 / 1329) ومالك 1 / 398 (193).
(4) أخرجه البخاري 1 / 501 (398) ومسلم 2 / 968 (395 / 1230).
(*)(5/241)
قال محمد بن عمر: ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيت والمفتاح في يده، وخالد بن الوليد يذب الناس عن الباب حتى خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم روى عن برة بنت أبي تجراة بفتح الفوقية، وكسر الجيم، وبالراء - رضي الله عنها - قالت: نظرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده المفتاح ثم جعله في كمه (1).
ذكر خطبته - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح روى الامام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب والبخاري في صحيحه عن مجاهد.
وابن أبي شيبة...وابن إسحاق عن صفية بنت شيبة، والبيهقي عن عبد الله بن عمر، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبيدة قالوا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من البيت استكف له الناس، وأشرف على الناس وقد ليط بهم حول الكعبة - وهم جلوس - قام على بابه فقال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده " ولفظ الامام أحمد، ومحمد بن عمر: " الحمد لله الذي صدق وعده، ثم اتفقوا " ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، يا معشر قريش ماذا تقولون ؟ ماذا تظنون ؟ " قالوا: نقول خيرا ونظن خيرا، نبي كريم، وأخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فاني أقول كما قال أخي يوسف: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " ؟ [ يوسف 92 ] " اذهبو فانتم الطلقاء " فخرجوا كانما نشروا من القبور فدخلوا في الاسلام، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا إن كل ربا في الجاهلية أو دم ماثرة أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين - وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا وفي قتيل العصا والسوط والخطأ شبه العمد الدية مغلظة مائة ناقة، منها أربعون في بطونها أولادها، ألا وإن الله تعالى - قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بابائها، كلكم لادم وآدم من تراب " (2).
ثم تلا هذه الآية: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) [ الحجرات 13 ] " يا أيها الناس ! ! الناس رجلان، فبر تقي كريم وكافر شقي هين على الله، ألا إن الله - تعالى - حرم مكة يوم خلق السماوات والارض، ووضع هذين الاخشبين، فهي حرام بحرام الله، لم تحل لاحد كان قبلي، ولن تحل لاحد كائن بعدي، لم تحل لي إلا ساعة من نهار يقصرها - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا - ولا ينفر صيدها، ولا يعضد عضاهها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ولا يختلى خلاها " فقال العباس،
__________
(1) المغازي للواقدي 2 / 835.
(2) أخرجه البيهقي 9 / 118 من حديث أبي هريرة.
(*)(5/242)
وكان شيخا مجربا: إلا الاذخر يا رسول الله فانه لا بد لنا منه - للقين وظهور البيوت، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم قال: " إلا الاذخر فانه حلال، ولا وصية لوارث، وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يحل لامرأة أن تعطي من مال زوجها إلا باذن زوجها، والمسلم أخو المسلم، والسلمون إخوة، والمسلمون يد واحدة على من سواهم، تتكاففأ دماؤهم، وهم يرد عليهم أقصاهم، ويعقل عليهم أدناهم، ومشدهم على مضعفهم ومثريهم على قاعدهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده، ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين، ولا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقات المسلمين إلا في بيوتهم وبافنيتهم، ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها.
البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاث إلا مع ذي محرم، ولا صلاة بعد العصر، وبعد الصبح، وأنهاكم عن صيام يومين يوم الاضحى ويوم الفطر، وعن لبستين ألا يحتبي أحدكم في ثوب واحد يفضي بعورته إلى السماء، وألا يشتمل الصماء، فقام رجل فقال: يا رسول الله إني قد عاهرت في الجاهلية، فقال: من عاهر بامرأة لا يملكها - أو أمة قوم آخرين لا يملكها - ثم ادعى ولده بعد ذلك فانه لا يجوز له، ولا يرث ولا يورث ولا أخالكم إلا قد عرفتموها يا معشر المسلمين كفوا السلاح إلا خزاعة، عن بني بكر من ضحوة نهار الفتح إلى صلاة العصر منه - فخبطوهم ساعة - وهي الساعة التي أحلت لرسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تحل لاحد قبله، ثم قال لهم: " كفوا السلاح فقام أبو شاة فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال " اكتبوا لابي شاة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " (1).
قال الزهري - فيما رواه عبد الرزاق، والطبراني: ثم نزل - ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه المفتاح، فتنحى من المسجد، فجلس عند السقاية.
قال شيوخ محمد بن عمر: وكان - صلى الله عليه وسلم - قد قبض مفتاح السقاية من العباس، ومفتاح البيت من عثمان.
وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبيدة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خطبته عدل إلى جانب المسجد فاتي بدلو من ماء زمزم، فغسل منها وجهه ما يقع منه قطرة إلا في يد إنسان إن كانت قدر ما يحسوها حساها وإلا مسح جلده.
والمشركون ينظرون فقالوا: ما رأينا ملكا قط أعظم من اليوم.
ولا قوما أحمق من القوم.
__________
(1) أخرجه البخاري (2434)، مسلم في الحج (447، 448)، وأبو داود (2017) (3649، 4505) والترمذي (2667) وأحمد 2 / 238 والبيهقي 8 / 52 والدار قطني 3 / 97.
(*)(5/243)
ذكر تصديقه - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن طلحة قبل الهجرة بأن المفتاح سيصير بيده - صلى الله عليه وسلم - يضعه حيث شاء ونزل قوله تعالى: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها) [ النساء 58 ] روى ابن سعد عن ابراهيم بن محمد العبدري عن أبيه، محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: قال عثمان بن طلحة: لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل الهجرة، فدعاني الى الاسلام فقلت: يا محمد العجب لك حيث تطمع أن أتبعك، وقد خالفت دين قومك وجئت بدين محدث، وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية الاثنين والخميس، فاقبل يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت عليه ونلت منه، فحلم عني، ثم قال: " يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت " فقلت، لقد هلكت قريش وذلت.
قال: " بل عمرت يومئذ
وعزت "، ودخل الكعبة، فوقعت كلمته مني موقعا فظننت أن الامر سيصير كما قال، فأردت الاسلام فإذا قومي يزبرونني زبرا شديدا، فلما كان يوم الفتح قال لي يا عثمان: " ائت بالمفتاح " فأتيته به.
فأخذه مني، ثم دفعه الي وقال: " خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم، يا عثمان ان الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما وصل اليكم من هذا البيت بالمعروف " فلما وليت ناداني، فرجعت إليه، فقال: " ألم يكن الذي قلت لك ؟ فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة " لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت " فقلت: بلى.
أشهد أنك رسول الله، فقام علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة بيده فقال: يا رسول الله - اجمع لنا الحجابة مع السقاية ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين عثمان بن طلحة ؟ فدعا فقال: " هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء " قالوا: وأعطاه المفتاح ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطبع بثوبه عليه، وقال " غيبوه.
ان الله تعالى رضى لكم بها في الجاهلية والاسلام " (1).
وروى الفاكهي عن جبير بن مطعم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ناول عثمان المفتاح قال له " غيبه " قال الزهري: فلذلك يغيب المفتاح.
وروى ابن عائذ، وابن أبي شيبة من مرسل عبد الرحمن ابن سابط: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفع مفتاح الكعبة الى عثمان بن طلحة، فقال: " خذوها خالدة مخلدة، اني لم أدفعها اليكم، ولكن الله - تعالى - دفعها اليكم، ولا ينزعها منكم الا ظالم ".
وروى ابن عائذ أيضا، والازرقي عن ابن جريح - رحمه الله - تعالى - أن عليا - رضى الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اجمع لنا الحجابة والسقاية فنزلت: (ان الله يأمركم أن تؤدوا
__________
(1) انظر البداية والنهاية 4 / 301.
(*)(5/244)
الامانات الى أهلها) [ النساء 58 ] فدعا عثمان فقال: " خذوها يا بني شيبة خالدة مخلدة ".
وفي لفظ: " تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ".
وروى الازرقي عن جابر ومجاهد قال: نزلت هذه الآية " ان الله يأمركم أن تؤدوا
الامانات الى أهلها " في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة.
فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة ودخل في الكعبة يوم الفتح، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان، فدفع إليه المفتاح، وقال - صلى الله عليه وسلم - " خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله - سبحانه وتعالى - لا ينزعها منكم الا ظالم " (1).
وقال عمر بن الخطاب: لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكعبة خرج وهو يتلو هذه الآية، ما سمعته يتلوها قبل ذلك.
وروى أيضا نحوه عن سعيد بن المسيب قال: دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة يوم الفتح، وقال: " خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يظلمكموها إلا كافر ".
وروى عبد الرزاق والطبراني عن الزهري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من البيت قال علي: " إنا أعطينا النبوة والسقاية، والحجابة، ما قوم باعظم نصيبا منا فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته، ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع المفتاح إليه وقال: " غيبوه ".
وقال عبد الرزاق عن ابن جريح عن ابن مليكة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي يومئذ حين كلمة في المفتاح: " إنما أعطيتكم ما ترزؤون، ولم أعطكم ما ترزؤون " يقول: " أعطيتكم السقاية لانكم تغرمون فيها، ولم أعطكم البيت ".
قال عبد الرزاق: أي أنهم ياخذون من هديته.
وروى عبد الرزاق عن ابن أبي مليكة: أن العباس - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا نبي الله ! ! اجمع لنا الحجابة مع السقاية، ونزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ادعوا لي عثمان بن طلحة، فدعي له فدفع له النبي - صلى الله عليه وسلم المفتاح، وستر عليه، قال: فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول من ستر عليه، ثم قال: " خذوها يا بني طلحة لا ينتزعها منكم إلا ظالم ".
ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - ركعتين في قبل الكعبة عن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح صلى
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير 11 / 120، وانظر المجمع 3 / 285، وأبو سعد 2 / 1 / 99 وأبو نعيم في تاريخ اصفهان 1 /
248 والسيوطي في الدر المنثور 2 / 175.
(*)(5/245)
في قبل الكعبة، فخلع نعليه فوضعهما عن يساره، ثم استفتح سورة المؤمنين، فلما جاء ذكر موسى أو عيسى أخذته سعلة فركع.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف.
ذكر اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ما قالته الانصار - رضي الله عنهم بينهم لما أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا روى أبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة، والامام أحمد، ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من طوافه، أتى الصفا فعلا منه حتى يرى البيت، فرفع يديه، وجعل يحمد الله - تعالى - ويذكره.
ويدعو ما شاء الله أن يدعو.
والانصار تحته، فقال بعضهم لبعض: أما الرجل فادركته رغبة في قريته، ورافة بعشيرته - قال أبو هريرة - رضي الله عنه - وجاء الوحي - وكان إذا جاء لم يخف علينا: فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يقضى فلما قضي الوحي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا معشر الانصار " قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: " قلتم أما الرجل فادركته رغبة في قريته، ورافة في عشيرته " قالوا: قد قلنا ذلك يا رسول الله.
قال: " فما أسمى إذن ! ! كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم والممات مماتكم " فاقبلوا إليه يبكون، يقولون: والله يا رسول الله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " فان الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم " (1).
ذكر اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ماهم به أبو سفيان وما أسره لهند بنت عتبة روى ابن سعد عن أبي إسحاق السبيعي - رحمه الله تعالى - والحاكم في الاكليل، والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قالا: راى أبو سفيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي والناس يطئون عقبه، فقال بينه وبين نفسه: لو عاودت هذا الرجل القتال، وجمعت له
جمعا ؟ فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ضرب بيده في صدره فقال: " إذن يخزيك الله " فقال: أتوب إلى الله - تعالى - وأستغفر الله مما تفوهت به، ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة، إني كنت لاحدث نفسي بذلك (2).
وروى محمد بن يحيى الذهلي - بالذال المعجمة، واللام في كتابه - جمع حديث الزهري - عن سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى - قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة
__________
(1) مسلم 3 / 1407 في الجهاد والسير باب فتح مكة (86) والبيهقي في الدلائل 5 / 56 والطحاوي في المعاني 3 / 325.
(2) ذكره ابن عساكر كما في التهذيب 6 / 406، والبيهقي في الدلائل 4 / 102.
(*)(5/246)
ليلة الفتح، لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا فقالوا أبو سفيان لهند: أترين هذا من الله ؟ قالت: نعم هذا من الله قال: ثم أصبح فغدا أبو سفيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت لهند أترين هذا من الله ؟ ؟ قالت: نعم هذا من الله " فقال أبو سفيان: أشهد أنك عبد الله ورسوله، والذي يحلف به ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا الله عز وجل وهند.
وروى ابن سعد، والحارث بن أبي أسامة، وابن عساكر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم - رحمه الله تعالى - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو سفيان جالس في المسجد فقال أبو سفيان: ما أدري بما يغلبنا محمد ؟ فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضرب صدره وقال: " بالله - تعالى - نغلبك " فقال أبو سفيان: أشهد أنك رسول الله (1).
وروى العقيلي وابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى - عنهما - قال: لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب في الطواف فقال: " يا أبا سفيان هل كان بينك وبين هند كذا وكذا ؟ فقال أبو سفيان: فشت علي هند سري، لافعلن بها ولافعلن، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طوافه لحق بابي سفيان فقال: " يا أبا سفيان، لاتكلم هندا فانها لم تفش من
سرك شيئا " فقال أبو سفان: أشهد أنك رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ذكر مبايعته - صلى الله عليه وسلم - الناس على الاسلام روى الامام أحمد، والبيهقي عن الاسود بن خلف - رضي الله تعالى عنه - أنه راى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس يوم الفتح.
قال: جلس عند قرن مسفلة، فبايع الناس على الاسلام فجاءه الكبار والصغار، والرجال والنساء، فبايعهم على الايمان بالله - تعالى - وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله (2).
وقال الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير - رحمه الله تعالى -: اجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الاسلام، فجلس لهم - فيما بلغني - على الصفا، وعمر بن الخطاب أسفل من مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخذ على الناس السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وفيهن هند بنت عتبة، امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة خوفا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخبرها بما كان من صنيعها بحمزة، فهي تخاف أن ياخذ بحدثها ذلك، فلما دنين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " بايعنني على ألا تشركن بالله
__________
(1) العقيلي في الضعفاء 1 / 226، 3 / 57، وابن عساكر كما في التهذيب 6 / 406، والطحاوي في المعاني 4 / 314 وابن حجر في اللسان 4 / 178.
(2) أحمد في 3 / 415.
(*)(5/247)
شيئا " فرفعت هند رأسها وقالت: والله انك لتأخذ علينا ما لا تأخذه على الرجال فقال: " ولا تسرقن " فقالت: والله اني كنت أصبت من مال أبي سفيان الهنة، وما كنت أدري أكان ذلك حلالا أم لا ؟ فقال أبو سفيان: - وكان شاهدا لما تقول - أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل - عفا الله عنك - ثم قال: " ولا تزنين " فقالت: يا رسول الله: أو تزني الحرة ؟ ! ثم قال: " ولا تقتلن أولادكن " قالت: قد ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا، فانت وهم أعلم، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر، ثم قال: " ولا تأتين ببهتان تفترينة بين أيديكن وأرجلكن "
فقالت: والله إن إتيان البهتان لقبيح ولبعض التجاوز أمثل، ثم قال: " ولا تعصين " فقالت: في معروف فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لعمر: " بايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم " فبايعهن عمر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
لا يصافح النساء ولا يمس جلدة امرأة لم يحلها الله - تعالى - له أو ذات محرم وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت لا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط وفي رواية ما كان يبايعهن الا كلاما ويقول انما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة (1).
ذكر أمره - صلى الله عليه وسلم - بتكسير الاصنام قالوا: ونادى منادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما الا كسره (2).
ذكر اذان بلال - رضي الله عنه - فوق الكعبة يوم الفتح وما وقع في ذلك من الآيات روى أبو يعلى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وابن هشام عن بعض أهل العلم، والبيهقي عن ابن اسحاق، وعن عروة، وابن أبي شيبة عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، والازرقي عن ابن ابي مليكة، ومحمد بن عمر عن شيوخه - رحمهم الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حانت الظهر أمر - بلالا أن يؤذن بالظهر يومئذ فوق الكعبة ليغيظ بذلك المشركين، وقريش فوق رؤوس الجبال، وقد فر جماعة من وجوههم وتغيبوا، وأبو سفيان بن حرب، وعتاب - ولفظ ابن أبي شيبة: خالد بن أسيد، والحارث بن هشام - جلوس بفناء الكعبة - وأسلموا بعد ذلك.
فقال عتاب - أو خالد - بن أسيد: لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون يسمع هذا، فيسمع ما يغيظه، وقال الحارث: أما والله لو أعلم أنه محق
__________
(1) أحمد 6 / 357 وانظر زاد المسير 8 / 145 وابن كثير في البداية 4 / 319.
(2) ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 99.
(*)(5/248)
لاتبعه، فقال أبو سفيان: لا أقول شيئا، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصا، وقال بعض بني سعيد بن العاص، لقد أكرم الله سعيدا إذ قبضه قبل أن يرى هذا الاسود على ظهر الكعبة.
وقال الحكم بن أبي العاص: هذا والله الحدث العظيم أن يصيح عبد بني جمح على بينة أبي طلحة.
وقال الحارث بن هشام: إن يكن الله - تعالى - يكرهه فسيعيره، وفي رواية: أن سهيل بن عمرو.
قال مثل قول الحارث، فاتى جبريل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبره خبرهم، فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال " قد علمت الذي قلتم " فقال الحارث وعتاب: نشهد إنك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك (1).
ذكر أمره - صلى الله عليه وسلم بتجديد الحرم يوم الفتح روى الازرقي عن محمد بن الاسود، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم، كان جبريل - صلى الله عليه وسلم - يدله على مواضعها، فلم تحرك حتى كان إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - فجددها، ثم لم تحرك حتى كان قصي بن كلاب فجددها، ثم لم تحرك حتى كان يوم الفتح فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تميم بن أسد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم.
ذكر إسلام السائب بن عبد الله المخزومي - رضي الله عنه روى ابن أبي شيبة، والامام أحمد عن مجاهد عن السائب: أنه كان شارك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الاسلام في التجارة، فما كان يوم الفتح أتاه فقال: " مرحبا باخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري، يا سائب ! ! قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تتقبل منك وهي اليوم تتقبل منك " وكان ذا سلف وخلة ".
وروى الامام أحمد عن مجاهد عن السائب بن عبد الله قال: جئ بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة فجعل عثمان وغيره يثنون علي، فقال رسول الله: " لا تعلموني به، كان صاحبي ".
ذكر إسلام الحارث بن هشام - رضي الله عنه روى محمد بن عمر عن الحارث بن هشام قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة،
دخلت أنا وعبد الله بن أبي ربيعة دار أم هانئ، فذكر حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز جوار أم هانئ، قال: فانطلقنا، فأقمنا يومين، ثم خرجنا إلى منازلنا، فجلسنا بافنيتها لا يعرض لنا أحد، وكنا نخاف عمر بن الخطاب، فو الله إني لجالس في ملاءة مورسة على بابي ما شعرت إلا بعمر بن الخطاب، فإذا معه عدة من المسلمين فسلم ومضى، وجعلت أستحي أن يراني رسول
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل 5 / 78، (*)(5/249)
الله - صلى الله عليه وسلم - وأذكر رؤيته إياي في كل موطن مع المشركين ثم أذكر بره ورحمته وصلته فالقاه وهو داخل المسجد، فلقيني بالبشر، فوقف حتى جئته فسلمت عليه، وشهدت بشهادة الحق، فقال: الحمد لله الذي هداك، ما كان مثلك يجهل الاسلام قال الحارث: فو الله ما رأيت مثل الاسلام جهل (1).
ذكر إسلام سهيل بن عمرو - رضي الله عنه روى محمد بن عمر - رحمه الله - عن سهيل بن عمرو قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وظهر، اقتحمت بيتي وأغلقت بابي علي، وأرسلت إلى ابني عبد الله أن اطلب لي جوارا من محمد فاني لا آمن أن أقتل، فذهب عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ! ! أبي تؤمنه ؟ قال: " نعم، هو آمن بامان الله فليظهر " ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن حوله: " من لقي سهيل بن عمرو فلا يحد إليه النظر فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف، وما مثل سهيل جهل الاسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن بنافع له " فخرج ابنه عبد الله الى إبيه فاخبره بما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال سهيل: كان والله برا صغيرا، برا كبيرا، فكان سهيل يقبل ويدبر آمنا وخرج إلى حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على شركه حتى أسلم بالجعرانة (2).
ذكر اسلام عتبة ومعتب ولدي لهب - رضي الله عنهما روى ابن سعد عن ابن عباس عن أبيه - رضي الله عنهما - قال: لما قدم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - مكة في الفتح قال لي: " أين ابنا أخيك عتبة ومعتب ابني أبي لهب.
لا أراهما " ؟ قلت: تنحيا فيمن تنحى من مشركي قريش، قال: " ائتني بهما " فركبت إليهما بعرنة فاتيت بهما، فدعاهما إلى الاسلام فاسلما وبايعا، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخذ بأيديهما وانطلق بهما حتى أتى الملتزم، فدعا ساعة ثم انصرف والسرور يرى في وجهه، فقلت: يا رسول الله سرك الله إني أرى السرور في وجهك، فقال: " إني استوهبت ابني عمي هذين من ربي فوهبهما لي ".
ذكر إسلام عبد الله بن الزبعرى رضي الله عنه روى محمد بن عمر عن شيوخه قال: هرب عبد الله بن الزبعرى إلى نجران، فارسل حسان بن ثابت - رضي الله عنه - أبياتا يريد بها ابن الزبعري:
__________
(1) الواقدي في المغازي 2 / 831.
(2) الواقدي في المغازي 2 / 848.
(*)(5/250)
لا تعدمن رجلا أحلك بغضه * نجران في عيش أحذ لئيم بليت قناتك في الحروب فالفيت * خوارة خوفاء ذات وصوم غضب الاله على الزبعري وابنه * وعذاب سوء في الحياء مقيم وذكر ابن إسحاق البيت الأول فقط فلما جاء ابن الزبعرى شعر حسان، خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في أصحابه، فلما نظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " هذا ابن الزبعرى، ومعه وجه فيه نور الاسلام فلما وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، الحمد الله الذي هداني للاسلام، لقد عاديتك، وأجلبت عليك وركبت الفرس والبعير، ومشيت على قدمي في عداوتك، ثم هربت منك إلى نجران، وأنا أريد أن لا أقر بالاسلام أبدا، ثم أزادني الله منه بخير، وألقاه في قلبي، وحببه إلي.
وذكرت ما كنت فيه من الضلالة واتباع ما لا ينبغي من حجر يذبح له ويعبد، لا يدري من
عبده، ولا من لا يعبده.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحمد لله الذي هداك للاسلام، إن الاسلام يجب ما كان قبله " وقال عبد الله حين أسلم: يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنابور إذ أباري الشيطان في سنن الغي * ومن مال ميله مثبور آمن اللحم والعظام لربي * ثم قلبي الشهيد أنت النذير إنني عنك زاجر ثم حيا * من لؤي وكلهم مغرور وقال عبد الله أيضا حين أسلم: منع الرقاد بلابل وهموم * والليل معتلج الرواق بهيم مما أتاني أن أحمد لامني * فيه فبت كأنني محموم يا خير من حملت على أوصالها * عيرانة سرح اليدين غشوم إني لمعتذر إليك من الذي * أسديت إذ أنا في الضلال أهيم أيام تأمرني باغوى خطة * سهم وتامرني بها مخزوم وأمد أسباب الردى ويقودنى * أمر الوشاة وأمرهم مشئوم فاليوم آمن بالنبي محمد * قلبي ومخطئ هذه محروم مضت العداوة فانقضت أسبابها * ودعت أواصر بيننا وحلوم فاغفر فدى لك والداي كلاهما * زللي فانك راحم مرحوم وعليك من علم المليك علامة * نور أغر وخاتم مختوم(5/251)
أعطاك بعد محبة برهانه * شرفا وبرهان الاله عظيم ولقد شهدت بان دينك صادق * حق وأنك في العباد جسيم والله يشهد أن أحمد مصطفى * مستقبل في الصالحين كريم
قرم علا بنيانه من هاشم * فرع تمكن في الذرى وأروم ذكر إسلام عكرمة - رضي الله عنه - ابن أبي جهل روى محمد بن عمر عن شيوخه - رحمه الله تعالى - وإياهم: أن عكرمة - رضي الله عنه - قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نذر دمي يوم الفتح، وكنت في جمع من قريش باسفل مكة - وقد ضوى إلي من ضوى - فلقينا هناك خالد بن الوليد، فأوقع بنا، فهربت منه أريد والله - أن ألقي نفسي في البحر، وأموت تائها في البلاد قبل أن أدخل في الاسلام، فخرجت حتى انتهيت إلى الشعيبة، وكانت زوجتى أم حكيم بنت الحارث امراة لها عقل، وكانت قد اتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن ابن عمي قد هرب يلقي نفسه في البحر فامنه.
وروى ابن أبي شيبة وأبو داود، والنسائي عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه، والبيهقي عن عروة - رحمه الله تعالى: أن عكرمة ركب البحر فاصبتهم ريح عاصف، فنادى عكرمة اللات والعزى، فقال أهل السفينة: أخلصوا فان آلهتكم لا تغني عنكم شيئا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الاخلاص لا ينجيني في البر غيره، اللهم لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آت محمدا حتى أضع يدي في يده، فلاجدنه عفوا غفورا كريما، فجاء وأسلم (1).
وروى البيهقي عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله: قد ذهب عكرمة عنك إلى اليمن، وخاف أن تقتله، فامنه يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هو آمن " فخرجت أم حكيم في طلبه، ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي من عك فاستعانتهم عليه، فاوثقوه رباطا، وأدركت عكرمة وقد انتهى إلى البحر، فركب سفينة، فجعل نوتي يقول له: أخلص أخلص، قال: أي شئ أقول ؟ قال: قل لا إله إلا الله، قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، وإن هذا أمر تعرفه العرب والعجم حتى النواتي ! ! ما الدين إلا ما جاء به
محمد، وغير الله قلبي، وجاءتني أم حكيم على هذا الامر، فجعلت تليح إلي وتقول: يا ابن
__________
(1) ابن سعد 3 / 261.
(*)(5/252)
عم، جئتك من عند أبر الناس، وأوصل الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته، فقالت له: إني قد استامنت لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فامنك، فرجع معها وقالت: ما لقيته من غلامك الرومي وأخبرته خبره فقتله وهو يومئذ لم يسلم.
فلما وافى مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ياتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه، فان سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت " فجعل عكرمة يطلب إمراته يجامعها فتابى عليه وتقول: أنت كافر وأنا مسلمة، فقال: إن أمرا منعك مني لامر كبير قال ابن عقبة والزهري فيما رواه البيهقي وعروة وغيرهما: فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عكرمة وثب إليه - وما علا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رداء فرحا بعكرمة، ثم جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف عكرمة بين يديه ومعه زوجته متنقبة، فقال: يا محمد ! ! إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " صدقت فانت آمن " قال عكرمة: فالام تدعو يا محمد ؟ قال: " أدعو إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل " حتى عد خصال الاسلام، فقال عكرمة: والله ما دعوت إلا إلي خير وأمر حسن جميل، قد كنت فينا يا رسول الله قبل أن تدعونا - إلى ما دعوتنا إليه - وأنت أصدقنا حديثا، وأبرنا برا، ثم قال عكرمة: فاني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: يا رسول الله: علمني خير شئ أقوله، قال: " تقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله "، قال عكرمة: ثم ماذا ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " تقول: " أشهد الله وأشهد من حضر أني مسلم مجاهد مهاجر "، فقال عكرمة ذلك (1).
ذكر إسلام صفوان بن أمية - رضي الله عنه روى ابن إسحاق عن عروة بن الزبير، والبيهقي عن الزهري، ومحمد بن عمر عن
شيوخه قالوا: خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب: يا نبي الله - إن صفوان بن أمية سيد قومي وقد خرج هاربا منك، ليقذف نفسه في البحر، فامنه صلى الله عليك وسلم - قال: " هو آمن " فخرج عمير حتى أدركه - وهو يريد أن يركب البحر - وقال صفوان لغلامه يسار - وليس معه غيره - ويحك ! ! أنظر من ترى ؟ قال: هذا عمير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعمير بن وهب، والله ما جاء إلا يريد قتلي قد ظاهر علي محمدا، فلحقه فقال: يا أبا وهب جعلت فداك، جئت من عند أبر الناس، وأوصل الناس، فداك أبي وأمي الله الله في نفسك أن تهلكها، هذا أمان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جئتك به.
قال: ويحك
__________
(1) المغازي للواقدي 2 / 851 والبيهقي في الدلائل 5 / 98.
(*)(5/253)
أغرب عني فلا تكلمني.
قال: أي صفوان فداك أبي وأمي.
أفضل الناس وأبر الناس وخير الناس ابن عمك، عزه عزك، وشرفه شرفك وملكه ملكك، قال: إني أخافه على نفسي.
قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، قال: ولا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها، فقال: امكث مكانك حتى آتيك بها، فرجع عمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن صفوان أبى أن يأنس لي حتى يرى منك أمارة يعرفها، فنزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمامته فأعطاه اياها، وهي البرد الذي دخل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتجرا به برد حبرة، فرجع معه صفوان حتى انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بالمسلمين العصر في المسجد، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاح صفوان: يا محمد، إن عمير بن وهب جاءني ببردك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فان رضيت أمرا وإلا سيرتني شهرين.
فقال: " انزل أبا وهب " قال: لا والله حتى تبين لي قال: " بل لك تسيير أربعة أشهر " فنزل صفوان، ولما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هوازن وفرق غنائمها فراى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفوان ينظر إلى شعب ملان نعما وشاء ورعاء، فادام النظر إليه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمقه فقال: " يا أبا وهب يعجبك هذا الشعب ؟ " قال: نعم قال: " هو لك وما فيه " فقبض صفوان ما في الشعب، وقال عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي،
أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
وأسلم مكانه (1) ذكر إسلام هند بنت عتبة وما وقع في ذلك من الايات رضي الله عنها عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قالت هند بنت عتبة: يا رسول الله ما كان على ظهر الارض خباء أو قالت من أهل خباء أريد أن يذلوا من أهل خبائك ثم ما أصبح اليوم على ظهر الارض خباء أو قالت من أهل خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل خباء أو قالت: خبائك، رواه الشيخان (2).
وروى محمد بن عمر عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - قال: سمعت مولاة لمروان بن الحكم تقول: سمعت هندا بنت عتبة بن ربيعة تقول وهي تذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقول: أنا عاديته كل العداوة، وفعلت يوم أحد ما فعلت من المثلى بعمه وأصحابه، وكلما سيرت قريش مسيرة فانا معها بنفسي أو معينة لقريش، حتى أن كنت لاعين كل من غزا إلى محمد، حتى تجردت من ثيابي، فرايت في النوم ثلاث ليال ولاء بعد فتح مكة، رايت كاني
__________
(1) انظر المصدرين السابقين: (2) أخرجه البخاري 7 / 175 (3825)، والبيهقي في الدلائل 5 / 100.
(*)(5/254)
في ظلمة لا أبصر سهلا ولا جبلا، وأرى تلك الظلمة انفرجت علي بضوء كانه الشمس، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوني، ثم رايت في الليلة الثانية، كاني على طريق يدعوني، وإذا هبل عن يميني يدعوني، وإذا إساف عن شمالي يدعوني، وإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يدي يقول: " هلمي إلى الطريق، ثم رايت الليلة الثالثة كاني واقفة على شفير جهنم، يريدون أن يدفعوني فيها، وإذا بهبل يقول أدخلوها فالتفت فانظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ورائي آخذ بثيابي، فتباعدت من شفير النار فلا أرى النار، ففزعت فقلت: ما هذا، وقد تبين لي، فغدوت من ساعتي إلى صنم في بيت كنا نجعل عليه منديلا، فاخذت قدوما فجعلت أفلذه وأقول: طالما
كنا منك في غرور، وأسلمت.
وروى أيضا عن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - أن هندا أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالابطح، فاسلمت، وقالت: الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتمسني رحمتك يا محمد، إني امرأة مؤمنة بالله، مصدقة به ثم كشفت عن نقابها، فقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مرحبا بك " فقالت يا رسول الله: والله ما كان على وجهه الارض من أهل خباء أحب إلي من أن يذلوا من خبائك، ولقد أصبحت وما على الارض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من خبائك.
وروى أيضا عن أبي حصين الهذلي قال: لما أسلمت هند بنت عتبة، أرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهدية - وهو بالابطح - مع مولاة لها بجديين مرضوفين وقد، فانتهت الجارية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك هذه الهدية، وهي تعتذر إليك وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بارك الله لكم في غنمكم وأكثر والدتها " وكانت المولاة تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل ولا قريبا، فتقول هند: هذا بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تقول: لقد كنت أرى في النوم أني في الشمس أبدا قائمة والظل مني قريب لا أقدر عليه، فلما دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رايت كاني دخلت الظل.
ذكر سبب خطبته - صلى الله عليه وسلم - ثاني يوم الفتح وتعظيمه حرمة مكة روى ابن أبي شيبة عن الزهري، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: خرج غزي من هذيل في الجاهلية وفيهم جنيدب بن الادلع الهذلي يريدون حي أحمر باسا من أسلم - وكان أحمر باسا رجلا من أسلم شجاعا لا يرام، وكان لا ينام في حيه إلا ينام خارجا من حاضره، وكان إذا نام غط غطيطا منكر الا يخفى مكانه، وكان الحاضر إذا أتاهم فزع صرخوا: يا أحمر باسا.
فيثور مثل الاسد، فلما جاءهم ذلك الغزي من هذيل قال لهم جنيدب بن الادلع: إن كان(5/255)
أحمر باسا قد قيل في الحاضر فليس إليهم سبيل، وان له غطيطا لا يخفى، فدعوني اتسمع فتسمع الحس فسمعه، فاتاه حتى وجده نائما فقتله، وضع السيف على صدره، ثم اتكا عليه فقتله ثم حملوا على الحي فصاح الحي يا أحمر باسا، فلا شئ لاحمر باسا، قد قتل - فنالوا من الحي حاجتهم، ثم انصرفوا وتشاغل الناس بالاسلام، فلما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الادلع الهذلي مكة يرتاد وينظر والناس آمنون، فرآه جندب بن الاعجم الاسلمي فقال: جنيدب بن الادلع قاتل أحمر باسا ؟ قال: نعم فمه، فخرج جندب يستجيش عليه حيه، فكان أول من لقي خراش بن أمية الكعبي فاخبره.
فاشتمل خراش على السيف ثم أقبل إليه - والناس حوله، وهو يحدثهم عن قتل أحمر باسا فبينما هم مجتمعون عليه إذ أقبل خراش بن أمية فقال: هكذا عن الرجل.
فو الله ما ظن الناس إلا إنه يفرج الناس عنه لينصرفوا، فانفرجوا فحمل عليه خراش بن أمية بالسيف فطعنه به في بطنه وابن الادلع مستند إلى جدار من جدر مكة، فجعلت حشوته تسيل من بطنه، وإن عينيه لتزنقان في راسه، وهو يقول: فعلتموها يا معشرا خزاعة ؟ فانجعف فوقع فمات.
فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال: " يا معشر خزاعة " ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد كثر القتل، لقد قتلتم قتيلا لادينه، إن خراشا لقتال - يعيبه بذلك.
لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت خراشا (1).
وروى الشيخان والترمذي عن ابن شريح خويلد بن عمرو العدوي، والشيخان عن ابن عباس، وابن منيع بسند صحيح، وابن أبي عمرو.
والامام أحمد، والبيهقي عن ابن عمر، وابن أبي شيبة، والشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - وابن أبي شيبة عن الزهري، وابن إسحاق عن بعض أهل العلم، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: لما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه - وهو مشرك - فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا بعد الظهر، وأسند ظهره إلى الكعبة.
وعند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة: أنه - صلى الله عليه وسلم - ركب راحلته فحمد الله وأثنى عليه، وقال: " أيها الناس إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والارض ويوم خلق الشمس
والقمر، ووضع هذين الجبلين، ولم يحرمها الناس، فهي حرام إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرء يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرا، لم تحل لاحد كان قبلي، ولم تحل لاحد يكون بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها - ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قاتل فيها فقولوا له: إن الله تعالى قد أحلها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يحلها لكم،
__________
(1) أخرجه الطحاوي في المعاني 3 / 327 وانظر الفتح 12 / 206 والبداية 4 / 305.
(*)(5/256)
أيها الناس، إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهلية، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد والله كثر إن نفع، فقد قتلتم قتيلا لادينه، فمن قتل بعد مقامي هذا فاهله بخير النظرين إن شاؤوا فديته كاملة، وإن شاؤوا فقتله ثم ودى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة.
قال ابن هشام: مائة ناقة.
قال ابن هشام: وبلغني أنه أول قتيل وداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - في قريش انها لا تقتل صبرا روى مسلم عن عبد الله بن مطيع بن الاسود عن أبيه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم فتح مكة: " لا يقتل قريشي صبرا بعد اليوم إلى يوم القيامة " (2).
وروى محمد بن عمر عن أبي حصين الهذلي قال: لما قتل النفر الذين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلهم سمع النوح عليهم بمكة، وجاء أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: فداك ابي وأمي البقية في قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يقتل قريشي صبرا بعد اليوم " قال محمد بن عمر: يعني على الكفر (3).
وروى أيضا عن الحارث بن البرصاء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة على الكفر " (4)..ذكر استسلافه - صلى الله عليه وسلم - مالا وتفريقه على المحتاجين ممن كان معه روى محمد بن عمر عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي قال: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، فاستسلف من عبد الله ابن أبي ربيعة بن المغيرة أربعين ألف درهم، فاعطاه، فلما فتح الله تعالى هوازن، وغنمه أموالها ردها، وقال: " إنما جزاء السلف الحمد والاداء "، وقال: " بارك الله لك في مالك وولدك " (5).
__________
(1) انظر المغازي للواقدي 2 / 844.
(2) أخرجه مسلم في الجهاد باب 33 حديث (88)، والدارمي 2 / 198 والحميدي (568).
والطبراني في الكبير 7 / 88 وأحمد 3 / 412، والطحاوي في المعاني 3 / 326 والبيهقي في الدلائل 5 / 79 وابن أبي شيبة 12 / 173، 14 / 90.
(3) المغازي للواقدي 2 / 862.
(4) الواقدي 2 / 862 وابن سعد 2 / 1 / 99، والطبراني في الكبير 3 / 292 وابن أبي شيبة 14 / 490 والبيهقي في الدلائل 5 / 75.
(5) الواقدي 2 / 863 والنسائي في البيوع باب 97 والبيهقي في السنن 5 / 355، وأبو نعيم في الحلية 7 / 111 والبخاري في التاريخ 5 / 10 وابن السني 272، وأحمد 4 / 36 وابن ماجه (2424).
(*)(5/257)
وروى أيضا عن أبي حصين الهذلي قال: استقرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثلاثة نفر من قريش، من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم فاقرضه.
ومن عبد الله بن أبي ربيعة أربعين ألف درهم، ومن حويطب بن عبد العزى أربعين ألف درهم، فكانت ثلاثين ومائة ألف درهم، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه من أهل الضعف، قال أبو حصين، فاخبرني رجال من بني كنانة كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتح أنه قسم فيهم دراهم فيصيب الرجل خمسين درهما أو أقل أو أكثر من ذلك (1).
ذكر نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الخمر والخنزير
وعن الميتة وبعض فتاويه واحكامه روى ابن أبي شيبة عن جابر - رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح يقول: " إن الله تعالى حرم بيع الخمر والخنازير والميتة والاصنام " فقال رجل: يا رسول الله ! ! ما ترى في شحوم الميتة فانه يدهن بها السفن والجلود، ويستصبح بها ؟ قال: " قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومهما أخذوها فجمدوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها " (2).
وروى ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن الازهر - رضي الله عنه - قال: رايت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح - وأنا غلام شاب - ينزل عند منزل خالد بن الوليد، وأتي بشارب فامرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضرب بالسوط، وبالنعل، وبالعصا وحثا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب (3).
وروى الشيخان عن عائشة أن هندا بنت عتبة سالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك، فهل من حرج أن أطعم من الذي له عيالنا ؟ فقال لها: " لا عليك أن تطعميهم بالمعروف " (4).
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد أن يقبض عبد الرحمن بن وليدة زمعة، وقال عتبة: إنه ابني، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة في الفتح راى سعد الغلام فعرفه بالشبه فاحتضنة إليه وقال: ابن أخي ورب الكعبة، فاقبل به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقبل معه عبد بن زمعة، فقال سعد بن أبي وقاص: هذا ابن أخي عهد إلي
__________
(1) المغازي 2 / 863.
(2) أخرجه من حديث جابر البخاري 4 / 424 (2236) ومسلم 3 / 1207 (71 / 1581) ومن حديث ابن عمر البخاري 4 / 414 (2223) ومسلم 3 / 1207 (72 / 1582).
(3) البيهقي 8 / 319.
(4) أخرجه البخاري 9 / 507 (364) ومسلم 3 / 1338 (7 / 1714).
(*)(5/258)