جريمة سب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وعقوبتها
بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي
د. حسن السيد حامد خطاب
الأستاذ المساعد بكلية الآداب جامعة
المنوفية وكلية التربية للبنات بالعلا
جامعة طيبة -المدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الخلق,إمام النبيين, وحبيب رب العالمين, وصفيّه من خلقه أجمعين, ورحمته لكل العالمين, سيدنا محمد النبي العربي الأمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد..
فإن الله تعالى أوجب لنبينا - صلى الله عليه وسلم - حقوقًا على العالمين جميعًا؛وذلك لعموم دعوته, وأبديتها ,وكونه - صلى الله عليه وسلم - رحمة ليس للمسلمين أو المؤمنين ,وإنما للعالمين جميعًا,فأوجب على العالمين جميعًا أمرين:
أولهما: وجوب الإيمان بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - , وتصديق دعوته.
ثانيهما: تحريم معاداته التي تستلزم الكف عن إيذائه, وإهانته ظاهرًا ,أو التعرض لدعوته,بأيّ لون من ألوان الإهانة والإيذاء, ورتب على كل واحدة من هاتين أحكامًا في الدنيا والآخرة.
فأمّا الأمر الأول وهو: وجوب الإيمان به, فيترتب عليه: وجوب طاعته, وحبه,وتوقيره, وإجلاله, واتباعه, والتمسك بسنته؛ كي نكون من أمته, التي هي خير أمة أخرجت للناس, وأن من لم يؤمن به, فهو كافر به وبدعوته ,ويكون من أهل الجحيم والسعير؛ لقوله سبحانه و تعالى ژ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ژ الفتح: 13.(1/1)
وأما الأمر الثاني: وهو عدم معاداته؛ فيترتب عليه: وجوب الكف عن إيذائه, أو إظهار عدائه, ومن بفعل ذلك تعرض للعذاب الأليم والمهين في الآخرة, وحرم من شفاعته, واشتد غضب الله تعالى عليه؛ ولهذا كان إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إهانته, أو الاعتداء على شريف مقامه,جريمة من أكبر الجرائم , التي لها عقوبة مقدرة في الدنيا , فضلاً عن اللعن والعذاب المهين في الآخرة , وقد نبّه إلى ذلك كثير من العلماء , واعتبروها من جرائم الحدود, باعتبار أنها جريمة وصلت إلى غاية الجرم والقبح, ولا يوجد جريمة أبشع وأقبح منها؛ لأن من تجرأ على الاعتداء على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد اعتدى على الله عز وجل, ومن يحارب الله فقد استوجب الغضب واللعنة, وحرم من رحمة الله الواسعة, وصار ممّن قال الله تعالى فيهم: ژ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ژ الأحزاب: 57.(1/2)
بالرغم من أنّ الله أرسله رحمة للعالمين جميعًا, في الدنيا والآخرة؛ فقد تجرأ بعض من يزعمون المدنية, وينتسبون إلى دين النصارى على سبه - صلى الله عليه وسلم - ، وبلغ الأمر ذروته عندما زعم كبير منهم أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأت إلا بما هو شر, وأن الإسلام انتشر بحد السيف, وسواء أكان هذا الكلام القبيح من فكره, أو عبارة رددها لأحد الكتاب في العصور الوسطى المظلمة على أوربا, فقد ظلم وأساء, وجهل وافترى, وكان بذلك معبرًا عن جهله, وسوء علمه,وظلام ثقافته وفكره, وعن حلقة الصراع الدائم اليوم بين الشرق والغرب,وقد حذرنا الله تعالى من أمثال هؤلاء فقال: ژ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ آل عمران: 100. ولو علم هؤلاء المعتدون حقيقة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - , وطبيعة رسالته, وأنّه - صلى الله عليه وسلم - الرحمة المهداة ليس للمؤمنين فحسب وإنما للعالمين جميعًا, كما في قوله تعالى: ژ ک ک گ گ گ ژ الأنبياء: 107 وأنه - صلى الله عليه وسلم - مع كثرة إيذاء المشركين له ,وسوء أدبهم معه لم يرض لهم بالعذاب, ولم يلعنهم , ولم يدع عليهم وإنما كان يدعو لهم بالهداية والإسلام؛ لما تجرأ على سبه وشتمه إلا حاقد يستحق أقصى العقوبات.
ولشناعة ما أتى به هؤلاء وقبحه، وجهل كثير من الناس حكم الاعتداء على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء بالسّب والشّتم ونحوه, والعقوبات الواجبة على من يفعل ذلك سواء كان الفاعل مسلمًا أو كافرًا, ذميًّا أو حربيًّا؛ آثرت أن أوضح هذه المسائل إذ لا يخفى ما لها من أهمية بالغة خاصة في هذه الأيام، والله أسأل التوفيق والسداد.
وتتلخص الأسباب التي دعتني للكتابة في هذا الموضوع فيما يلي:
1-غفلة كثير من الناس وجهلهم بالأحكام الخاصة بسب الأنبياء وخاصة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومن الضروري معرفتها لأنها من المسائل التي لا يُعذر فيها بالجهل.(1/3)
2-إبراز دور الإسلام وأسبقيته في حماية العلاقات البشرية وحقوق الإنسان بالمقارنة مع التشريعات والنظم والقوانين الدولية.
وأبرز الكتب العامة التي تناولت هذا الموضوع ما يلي:
أ) المحلّى , لابن حزم الظاهري المتوفى (456هـ)
ب) الشفا بتعريف حقوق المصطفى , للقاضي عياض المتوفى سنة (544هـ).
ج) الإعلام بقواطع الإسلام , لابن حجر الهيثمي المكي المتوفى (974هـ) (1) .
بالإضافة إلى مؤلفات أخرى تضمنت بابًا, أو فصلاً في هذه المسألة مثل: أحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية وغيرها من كتب الفقه في المذاهب كلها, فلم يخل كتاب من الكلام فيها وبيان عقوباتها. ومن المؤلفات الخاصة ما يلي:
أ) الصارم المسلول على شاتم الرسول. للشيخ تقي الدين: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحنبلي المتوفى: سنة 728 هـ ألفه في وقعة عساق النصراني حين سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة 693 هـ ( (2) .
ب) رسالة في سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحكامه. للمولى حسام الدين حسين بن عبد الرحمن المتوفى:سنة 926 هـ (3) .
وجعلها على ثلاثة أقسام: الأول: فيما يكون سبًا , وما لا (يكون سبًا). والثاني: في حكم الساب. والثالث: في حكمه من الكافرين (4) .
ج) رسالة فيمن سب النبي - صلى الله عليه وسلم - . لشيخ المالكية , وفقيه المغرب محمد بن سحنون – ذكر ذلك ابن فرحون في الديباج المذهب.
د) السيف المسلول على من سب الرسول. للقاضي: تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي , مطبوع في مجلد واحد , حققه: إياد أحمد الغوج – دار الفتح بالأردن.
__________
(1) -مقدمة تحقيق الصارم المسلول لابن تيمية , ومقدمة محقق السيف المسلول للسبكي.
(2) -كشف الظنون 1 / 1069 , البداية والنهاية لابن كثير، 1/ 336.ط / دار المعارف.
(3) -كشف الظنون 1/ 871.
(4) - كشف الظنون 1/ 871 معجم المطبوعات 1/ 58.(1/4)
ھ) السيف المشهور على الزنديق وشاتم الرسول. للشيخ محيي الدين محمد قاسم الرومي الحنفي , المعروف بأخوين (ت: 904هـ)، منه نسختان بظاهرية دمشق تحت الرقمين (2688, 8185) ومنه نسخ أخرى في تركيا.
و) تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء. للحافظ جلال الدين السيوطي , مطبوع ضمن الحاوي للفتاوى (1/232-243).
ن) السيف المسلول في سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لشمس الدين أحمد بن سليمان المعروف بابن كمال الدين باشا الحنفي , المتوفى سنة 940هـ.
ل) رسالة تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام – عليه وعليهم الصلاة والسلام لابن عابدين الحنفي , المتوفى سنة (1252هـ) وهي مطبوعة ضمن رسائله.-الرسالة الخامسة عشرة ج1ص 312, وتكلم على هذه المسألة في حاشيته 4/251-255، وفي كتابه: العقود الذرية في تنقيح الفتاوى الحامدية1/101-105.
وقد وضعت لهذا البحث منهجًا علميًا أوجزه فيما يلي:
أولاً: جمع المسائل الفقهية المتعلقة بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - , وعقوباتها من كتب المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة, ودراستها دراسة مقارنة.
ثانياً: نسبة كل رأي إلى قائله من مصدره من الكتب الفقهية المعتمدة في كل مذهب من المذاهب الأربعة.
ثالثاً: بيان أدلة كل رأي ومناقشة الأدلة , وبيان الراجح منها بالدليل.
رابعًا: كتابة الآيات القرآنية المستدل بها في البحث بالخط العثماني, مع نسبة كل آية إلى سورتها ورقمها بالهامش.
خامسًا: تخريج الأحاديث النبوية حسب المنهج المعروف في التخريج.
سادسًا: ترجمة الأعلام الغير مشهورة الوارد ذكرهم في البحث.
سابعًا: شرح المصطلحات والألفاظ التي تحتاج إلى توضيح.(1/5)
وقد جعلت الدراسة تشتمل على حكم سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلم , وغير المسلم , ولما كان حكم سب الأنبياء لا يختلف عن حكم سب النبي - صلى الله عليه وسلم - , فرأيت أن من الفائدة اشتمال البحث عليها؛ لأنها تبين هيمنة الإسلام وشموله وتصديقه للأديان السابقة , ومحافظته على حرمتها باعتباره الدين الخاتم, كما رأيت أن من الفائدة: الإشارة إلى موقف القوانين والمواثيق الدولية من قضية سب الأنبياء؛ لبيان وجه الفرق بين الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية , وصلاحية الفقه الإسلامي لكل زمان ومكان , وقصور القوانين الدولية عن حماية حقوق الإنسان.
لعظم قدر النبي - صلى الله عليه وسلم - وشريف مقامه, وسمو منزلته, عند الله تعالى، أوجب الله تعالى على العالمين أمورًا تتعلق به, وحرم عليهم أمورًا أخرى, وهاتان مقدمتان يجب بيانهما؛ حتى يتبين ما يعد جريمة من الأقوال والأفعال التي تؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - , وما ليس كذلك.
ما يجب على الأمة والعالمين نحو النبي - صلى الله عليه وسلم -
أوجب الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - على العالمين حقوقًا منها ما يلي:
الحق الأول: وجوب الإيمان به - صلى الله عليه وسلم -(1/6)
اتفق العلماء على أنه يجب على كل المكلفين الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ,وأن هذا فرض لازم على العالمين,و حق عام على كل المكلفين: من الإنس والجن,والعرب, والعجم في كل وقت إلى يوم الدين (1) .
وهذا يعني أمرين:
أولهما: أنه لا يتم لأحد الإيمان بالله تعالى حتى يؤمن برسوله - صلى الله عليه وسلم - (2) .
والأدلة على ذلك كثيرة من القرآن والسنة الشريفة , فمن الكتاب ما يلي:
1-قال تعالى: ژ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ الحجرات: 15، أي: محمداً - صلى الله عليه وسلم - .
2- وقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ژ النور: 62.
3- وقوله تعالى: ژ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ژ الفتح: 13. ولا خلاف أن المراد برسوله في الآية هو النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - .
4- وقال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ التغابن: 8.
5- وقوله تعالى: ژ ک گ گ گ گ ? ? ?? ? ? ? ? ں ں ? ژ الحديد: 7.
__________
(1) -جامع البيان في تأويل القرآن , لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، المتوفى 310 هـ تحقيق: أحمد محمد شاكر،الناشر: مؤسسة الرسالة,الطبعة: الأولى، 1420 هـ -2000 م 13 / 170., روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني , لمحمود الألوسي أبو الفضل , ط/ دار إحياء التراث العربي - بيروت , 9 / 80, صحيح البخاري 1 / 48 باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس. ط/ دار ابن كثير، اليمامة – بيروت, الطبعة الثالثة، 1407 – 1987م , تفسير أبي السعود ج 3 ص 280 ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت ,روح المعاني 9 / 79 – ط دار إحياء التراث العربي – بيروت.
(2) 2- الشفا للقاضي عياض2/542 0 تحقيق محمد علي البجاوي ط بيروت0 حاشية العدوي 2/412 , روضة الطالبين ج10/ص64.(1/7)
6- وقوله تعالى: ژ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ژ النساء: 136. فلا خلاف أن الرسول في الآيات السابقة هو:النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ,والخطاب موجه للمكلفين أجمعين؛ العرب والعجم على حد سواء. قال القاضي عياض: الإيمان بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - واجب متعين لا يتم إيمان إلا به، ولا يصح إسلام إلا معه (1) .
و أما الدليل من السنة فمنها ما يلي:
1-عن أبي هريرة (2) - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة) (3) .
2- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهوديّ, ولا نصرانيّ ثمّ يموت ,ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) (4) .
__________
(1) - الشفا 2 / 2 ط دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.بيروت لبنان
(2) - هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني , حفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام الكثير , وكان من أوعية العلم , ومن كبار أهل الفتوى , أسلم عام خيبر سنة 7هـ , وتوفي سنة 57 , أو 58هـ , يراجع: أسد الغابة 6 / 318 , وتذكرة لحفاظ للذهبي 1 / 32.
(3) -أخرجه البخاري , كتاب فضائل القرآن, باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل ..., رقم (4696) 4/ 1905, وأخرجه مسلم في الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ونسخ الملل بملته. رقم (152), 1/ 134.
(4) -أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة , رقم (153) 1 / 134.(1/8)
3-و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) (1) .
وجه الدلالة: قال القاضي عياض مبينًا معنى الإيمان به: والإيمان به - صلى الله عليه وسلم - هو: تصديق نبوته و رسالة الله له، وتصديقه في جميع ما جاء به وما قاله، ومطابقة تصديق القلب بذلك ,و شهادة اللسان بأنه رسول الله، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب، والنطق بالشّهادة بذلك اللسان،تم الإيمان به والتصديق له. (2) .
ثانيهما: أن من كفر بالرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر بالله تعالى, ومن كذّب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد كذب الله تعالى.
والأدلة على ذلك من القرآن والسنة كثيرة منها:
1-قال تعالى: ژ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ آل عمران: 32.
2- وقوله: ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ژ الأنفال: 20.
وجه الدلالة: دلت الآيات على أن من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر بالله تعالى.
3-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " (3) .
الحق الثاني: تحريم إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم -
لا خلاف بين العلماء أن الله تعالى حرم على العالمين كل ما يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - والأدلة على ذلك ما يلي:
__________
(1) -أخرجه البخاري كتاب الإيمان باب { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } التوبة , رقم (25) 1/ 17، وأخرجه مسلم في ك الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، رقم (22) 1/ 51.
(2) - الشفا للقاضي عياض 2/3.
(3) - سبق تخريجه ص 11.(1/9)
أولاً: قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ژ الأحزاب: 57.
قال القرطبي مبينًا وجه الدلالة: أما أذية رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهي كل مايؤذيه من الأقوال أومن الأفعال (1) .
وعلى هذا فالآية مطلقة في كل من يتعرض لإيذاء النبي: - صلى الله عليه وسلم - بلا فرق في هذا بين المسلم, والكافر, وسواء بالتّعريض أو التّصريح , فكل من تعرّض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما فيه استهانة فهو كالسّب الصريح، فإنّ الاستهانة بالنبيّ كفر ,وكذلك انتقاص قدره مبيح للدم , ولا فرق في ذلك بين أن يقصد عيبه, أو لا يقصد شيئًا من ذلك, بل يهزل و يمزح ,أو يفعل غير ذلك, فكل ذلك مُحرّم (2) .
أما الأقوال فمثل قولهم عنه - صلى الله عليه وسلم - : إنه ساحر,و شاعر ,و كاهن ,ومجنون.
وأما الأفعال فمثل: كسر رباعيته ,وشج وجهه يوم أحد , وبمكة إلقاء السّلى (3) على ظهره وهو ساجد إلى غير ذلك. ومما يؤيد ذلك ما يلي:
__________
(1) -تفسير القرطبي 14 / 238.
(2) -انظر تفصيل تلك الأحكام ص25.
(3) -السلى هو: الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفاً فيه وقيل: هو في الماشية السلى وفى الناس المشيمة والأول أشبه لأن المشيمة تخرج بعد الولد ولا يكون الولد فيها حين يخرج. القاموس المحيط 3/ 434، العين 1 / 306، ذخائر العقبى 1 / 47(1/10)
1-ما روي في سبب نزول الآية حيث قال ابن عباس - رضي الله عنه - في سبب نزول الآية: إنّها نزلت في الذين طعنوا عليه - صلى الله عليه وسلم - حين اتخذ صفية بنت حيي (1) .
2-وذكر ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: أنزلت في عبد الله بن أبي وناس معه, قذفوا عائشة رضي الله عنها,فخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال (من يعذرني في رجل يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني) فنزلت.
__________
(1) -الصارم المسلول 1 / 526– تفسير ابن كثير 3 / 683 – تفسير البيضاوي 1/ 383 وأما السيدة صفية بنت حيي فهي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعنة من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام. كانت تحت سلام بن مشكم ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق فقتل كنانة يوم خيبر فصارت صفية مع السبي فأخذها دحية ثم استدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها. اختلف في وفاتها قال الواقدي: ماتت سنة خمسين. .وذكر ابن سعدٍ أنها توفيت سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية. يراجع في ترجمتها: الإصابة في معرفة الصحابة 4 / 18, الطبقات الكبرى لابن سعد، 5 / 214.(1/11)
3-وعن ابن جريج (1) في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ الأحزاب: 57. قال: آذوا الله فيما يدعون معه ,وآذوا رسول الله قالوا: إنه ساحر مجنون (2) .
ثانياً: جعل الله تعالى إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سببًا للحرمان من الرحمة التي أرسله بها, وموجب للعذاب في الدنيا والآخرة.
وقد دلّ على ذلك الكتاب والسنة.
أما الدليل على ذلك من الكتاب: فقوله تعالى: ژ ک ک گ گ گ ژ الأنبياء: 107. وجه الدلالة: بيّن الله تعالى أنّه جعل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين أجمعين الإنس, والجن،أي: أرسله رحمة لهم كلهم ,فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة, ومن ردّها وجحدها خسر الدنيا والآخرة (3) .
كما في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک کگ گ گ ژ إبراهيم: 28 – 29.
__________
(1) - هو الإمام عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو الوليد. رومي الأصل. من موالي قريش. لقب بفقيه الحرم (المكي)، أخذ عن عطاء ومجاهد. كان ثقة في الحديث. أول من صنف الكتب بمكة. توفي سنة150 هـ يراجع في ترجمته: تذكرة الحفاظ ج 1 ص160 والأعلام 4 / 305.
(2) - الدر المنثور 6 / 657 - فتح القدير 4 / 430 - وأخرج الحاكم عن ابن أبي مليكة قال: جاء رجل من أهل الشام فسب علياً رضي الله عنه عند ابن عباس رضي الله عنهما فحصبه ابن عباس رضي الله عنهما وقال: يا عدو الله آذيت رسول الله:: { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة } , لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حياً لآذيته. المستدرك ,كتاب معرفة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ,ذكر إسلام أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه 3 /131 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه.
(3) -تفسير ابن كثير 3 / 270، تفسير القرطبي 11 /350.(1/12)
وقال تعالى في صفة القرآن: ژ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ فصلت: 44، والمعنى: وماأرسلناك يا محمد بالشرائع والأحكام إلا رحمة لجميع الناس, والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال والعلل: أي ما أرسلناك لعلة من العلل إلا لرحمتنا الواسعة ,فإنّ ما بعثت به سبب لسعادة الدارين, ومعنى كونه رحمة للكفار: أنهم أمنوا به من الخسف والمسخ والاستئصال (1) ؛ روي ذلك عن ابن عباس في معنى قوله: ژ ک ک گ گ گ ژ الأنبياء: 107.
وأما الأدلة من السنة فكثيرة منها:
1-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل يا رسول الله ادع على المشركين. قال: (إني لم أبعث لعانًا وإنّما بعثت رحمة) (2) .
2-وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إنّما أنا رحمة مهداة) (3) .
__________
(1) -فتح القدير، 3/ 616 .
(2) -أخرجه مسلم في صحيحه, كتاب البر والصلة والآداب, باب النهي عن لعن الدواب، رقم (2599)، 4 / 2006.
(3) -أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب الإيمان رقم (100) 1 / 91 وفيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة , وقال الحاكم:هذا حديث صحيح على شرطهما فقد احتجا جميعا بمالك بن سعير و التفرد من الثقات مقبول.
وفي تعليق الذهبي قي التلخيص قال: صحيح على شرطهما وتفرد الثقة مقبول.شعب الإيمان 2/ 142 بلفظ: إنما أنا رحمة مهداة مسند الشهاب 2 / 189 مصنف ابن أبي شيبة 6/ 325.(1/13)
3-وعن أبي أمامة (1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إنّ الله عزّ وجل بعثني رحمة وهدى للعالمين , وأمرني أن أمحق المزامير,والكفارات يعنى: البرابط, والمعازف, والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية (2) .
ومن الآثار الدالة على ذلك:
1-ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: ژ ک ک گ گ گ ژ الأنبياء: 107. قال: من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة, ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي ممّا أصاب الأمم من: الخسف, والقذف (3) .
2-و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - رحمة لجميع الناس, فمن آمن به وصدّق به سعد, ومن لم يؤمن به سلم ممّا لحق الأمم من الخسف (4) .
3-وقال ابن زيد (5) : أراد بالعالمين المؤمنين خاصّة (6) .
ويردّ عليه بما يلي:
1-بعموم قوله سبحانه وتعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ژ الأنفال: 33
__________
(1) - أبو أمامة هو الباهلي , والسهمي , صدى بن عجلان بن وهب بن عمرو بن عامر , توفي سنة 86هـ , وكان من شيعة علي يوم صفين , أخرج أحاديثه الأئمة الستة , وهو آخر من بقي من الصحابة بحمص. يراجع الثقات 3 / 195, والطبقات 1/ 411, والإصابة 2 /182.
(2) - أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده , مسند باقي الأنصار , حديث أبي أمامة الباهلي , رقم (22272) 5 / 257. وفي تعليق الأرنؤوط قال: إسناده ضعيف جدا. المعجم الكبير , حرف الصاد ,صدي بن العجلان أبو أمامة الباهلي, رقم (7803) 8 / 196.
(3) - تفسير ابن كثير 3 /270 ,تفسير البيضاوي 1 / 111 بتصرف تفسير أبي السعود 6 / 89.
(4) -تفسير القرطبي، 11 / 306.
(5) -لعله جابر بن زيد الأزدي، أبو الشعثاء، من أهل البصرة. تابعي ثقة فقيه. .توفي سنة 103 هـ يراجع في ترجمته: الأعلام للزركلي 2 / 91 , تهذيب التهذيب 2 / 38, وتذكرة الحفاظ 1 / 67.
(6) 4-تفسير القرطبي 11 /350 , فتح القدير 3 / 616.(1/14)
2-ويقول ابن عباس - رضي الله عنه - مبينًا عموم رحمته - صلى الله عليه وسلم - : هو عام في حق من آمن, ومن لم يؤمن, فمن آمن فهو رحمة له في الدنيا والآخرة, ومن لم يؤمن فهو رحمة له في الدنيا؛ بتأخير العذاب عنهم, ورفع المسخ , والخسف, والاستئصال عنهم (1) ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"إنّما أنا رحمة مهداة " (2) فمن لم يغتنم مغانم آثاره, فإنّما فرَّط في نفسه ,وحرمه حقه ,لا أنّه تعالى حرمه ممّا يسعده.
وقيل: كونه رحمة في حق الكفار: أمّنهم من الخسف, والمسخ, والاستئصال حسبما ينطق به (3) قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ژ الأنفال: 33. وقد ذكر الطبري في معنى قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ژ الأحزاب: 57. أنهم بإيذائهم أبعدهم الله من رحمته في الدنيا والآخرة, وأعد لهم في الآخرة عذابًا يهينهم فيه بالخلود فيه (4) .
وهذا معناه أنّه:يجب عليهم الكف عن إيذائه, أو إظهار عدائهم, ومعاداتهم للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - , وإلا كانوا معرضين للعذاب الأليم والمهين في الآخرة, ولا ينالون من شفاعة سيد الشافعين شيئًا, ويشتد عليهم غضب الله تعالى. وسوف يتبيّن من خلال البحث مدى قبح تلك الجريمة ,وتعدد عقوباتها.
حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - على المؤمنين كثيرة منها ما يلي:
أولاً: طاعته - صلى الله عليه وسلم - , واتباعه.
__________
(1) -أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 12/ 23 ولفظه قال: من تبعه كان له رحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يتبعه عوفي مما كان يبتلى سائر الأمم من المسخ والخسف والقذف.
(2) - سبق تخريجه.
(3) - تفسير أبي السعود 6 / 89. روح المعاني 9 / 197.
(4) - تفسير الطبري 20 / 323 , تفسير أبي السعود 7 / 114 , الدر المنثور 6 / 652 , زاد المسير 6/420.(1/15)
لا خلاف بين أهل العلم أن الله تعالى أوجب على الأمة طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - , وجعلها من طاعته, وقرنها بطاعته في كتابه, وحذر من مخالفتهم أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أن يجعلوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - كأمر سائر الخلق (1) والأدلة على ذلك كثيرة من أهمها ما يلي:
أولاً: الأدلة من القرآن الكريم:
1- قال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ژ آل عمران: 132. أي أطيعوا الله في كل ما أمركم به ونهاكم عنه، وأطيعوا الرسول الذي أرسله إليكم ربكم لهدايتكم وسعادتكم، لعلكم بهذه الطاعة تكونون في رحمة من الله أو لترحموا فلا تعذبوا (2) .
2-وقال الله سبحانه وتعالى: { ژ ? ? ? ? ? پپ پ پ ? ? ? ? ژ النساء: 80. فقد عبر عن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمضارع "يطع" وهو الذي يقتضي الحال والمستقبل, وعبر عن طاعته سبحانه وتعالى بالماضي " أطاع " الذي يدل على الوقوع والتحقيق ,فمن أطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - حالاً فقد وقعت طاعته قبل ذلك طاعة لله تعالى, الذي أرسله, وأمر بطاعته, لذا فمن أطاعه - صلى الله عليه وسلم - كان مطيعًا لله سبحانه وتعالى.
ثانيًا: الأدلة من السنة النبوية على وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم - وهي:
1-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من أطاعني فقد أطاع الله, ومن عصاني فقد عصى الله....." (3) .
__________
(1) -عمدة القاري 7 / 176- تحفة الأحوذي 3 / 212- فيض القدير 3 / 164.
(2) -تفسير الطبري 7 / 206 الوسيط لسيد طنطاوي 1 / 738.
(3) -أخرجه البخاري, كتاب الجهاد والسير, باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به, رقم (2797) 3 /1080, وأخرجه مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية رقم 1835, 3/ 1466.(1/16)
2-وعن جابر بن عبد الله (1) - رضي الله عنه - , عن النبي - صلى الله عليه وسلم - – في قصة رؤية الملائكة -... وفي آخره: "فمن أطاع محمداً - صلى الله عليه وسلم - فقد أطاع الله , ومن عصى محمداً - صلى الله عليه وسلم - – فقد عصى الله , ومحمد - صلى الله عليه وسلم - فرق بين الناس " (2) .
ثانياً: وجوب تقديم محبته على الوالد والولد والنفس والناس أجمعين
لا خلاف بين العلماء أنه:يجب على كل مسلم أن يكون شديد الحب للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ,وأنّه لا يتحقق الإيمان, أو لا يكمل الإيمان إلا بذلك؛ لما روي عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - :"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" (3) وهذا يعني أمرين:
أولهما: لا وجود للإيمان مع عدم حبه - صلى الله عليه وسلم - 0
ثانيهما:لا يتحقق كمال الإيمان إلا إذا كان حبّه للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعظم ممّا سواه0
__________
(1) - هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجى الأنصاري السلمى صحابي من المكثرين في الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا سبع عشرة غزوة توفي سنة 78 هـ. موسوعة الأعلام 1 / 101
(2) - أخرجه البخاري , كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة , باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , رقم (6852) 6/ 2655.
(3) -أخرجه البخاري , كتاب الإيمان ,باب حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان رقم (14) 1/ 14 , وأخرجه مسلم في الإيمان باب وجوب محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من الأهل والولد والوالد رقم(45) , 1 / 67.(1/17)
وهذه النّصوص لا تدل على وجوب محبته فقط ,وإنّما على: وجوب تقديم محبته على محبة غيره, فحبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل عظيم من أصول الدين , ولا إيمان لمن لم يكن حب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أشدّ عنده من حبّ ولده ووالده ونفسه والنّاس أجمعين , وهذا أصل مبين في القرآن الكريم , والسّنة الشّريفة, فمن الآيات الدّالة على ذلك ما يلي:
1- قال الله تعالى: ژ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ?? ? ? ? ? ? ژ التوبة: 24. فكفى بهذا دلالةً على لزوم محبته، و فرضيتها، وعظيم خطرها، واستحقاقه - صلى الله عليه وسلم - لها؛ إذ وبَّخ الله تعالى من كان ماله ,وأهله ,و ولده أحبّ إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: ژ گ گ گ گ ? ژ التوبة: 24. فحكم عليهم بالفسق في ختام الآية، وتوعدهم بأنَّهم حينئذ يكونون ممَّن ضلَّ ولم يهده الله.
وأما الأدلة من السّنة النبوية ما يلي:
1-عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده و والده و الناس أجمعين) (1) .
وجه الدلالة: بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يؤمن العبد حتى يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من ولده و والده ,والناس أجمعين , يعني: يكون حبه - صلى الله عليه وسلم - مقدماً لديه, وعنوان ذلك الطاعة والاقتداء وترك المخالفة (2) .
__________
(1) - سبق تخريجه ص 18.
(2) - يراجع تعليق الإمام البخاري:صحيح البخاري 1/ 14(1/18)
2- و عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما,وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، و أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) (1) .
وحلاوة الإيمان تعني: انشراح صدره للإيمان,والتلذذ بالطاعة ,وتحمل المشاق في الدين في رضى الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - , وإيثار ذلك على عرض الدنيا, ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته, وترك مخالفته , وكذلك محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) .
3-وعن زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - , وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (الآن يا عمر) (3) 0
فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الآن يا عمر" أي: في جميع الأحوال يرى نفسه في ملكه - صلى الله عليه وسلم - ليذوق حلاوة سنته (4) ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "لا يؤمن أحدكم حتى أكون... وهذا يعني كمال الحب له - صلى الله عليه وسلم - لا مجرد الحب.
__________
(1) - أخرجه البخاري , كتاب الإيمان , باب , حلاوة الإيمان , رقم (16) 1/72 رقم 16,21 و أخرجه مسلم في الإيمان باب بيان خصال من اتصف بمن وجد حلاوة الإيمان رقم 43 1 / 66.
(2) - يراجع تعليقات الإمامين البخاري ومسلم:صحيح البخاري 1 / 14 صحيح مسلم 1 / 66
(3) -أخرجه البخاري كتاب الأيمان والنذور, باب كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (3491),6 / 2445 , مسند أحمد بن حنبل حديث عبد الله بن هشام, رقم (22556) 5 /.293.
(4) -الشفا للقاضي عياض 2 / 19.(1/19)
4-وقال سهل (1) - رضي الله عنه - : من لم ير ولاية الرسول عليه في جميع الأحوال,و يرى نفسه في ملكه - صلى الله عليه وسلم - لا يذوق حلاوة سنته (2) وهذا الحب ليس مجرد كلام, ولا شعارات جوفاء,وإنّما هو عمل بالجوارح, والأركان والجنان يتمثل في:المسارعة في طاعته, والتنافس الشديد في موافقته - صلى الله عليه وسلم - , والاقتداء بسنته, والتأدب بآدابه, والتخلق بأخلاقه - صلى الله عليه وسلم - .
وكما قال الشافعي:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع (3)
وقد ذكر العلماء علامات وأمارات لحبّه - صلى الله عليه وسلم - وهي على درجتين:
إحداهما: فرض وهي: التي تقتضي قبول كل ما جاء به من عند الله, وتلقيه بالرضا, والتسليم والتعظيم,وحسن الاتباع له - صلى الله عليه وسلم - في كل ما جاء به عن ربه, و عدم طلب الهدى في غيره ,وطاعته فيما أخبر به من الواجبات , والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات , وألا يسلك إلا طريقته, ويرضى بما شرعه حتى لايجد في نفسه حرجًا مما قضاه.
الثانية: فضل وهي:ما يقتضي حسن التأسي به في أخلاقه, وأدبه ونوافله, وتطوعه, وأكله, وشربه, ولباسه, ومعاشرته,ونحو ذلك , وبهما يعرف مدى صدق حب المسلم للنبيّ الأكرم - صلى الله عليه وسلم - .
1) الاقتداء به، والتمسك بسنته.
__________
(1) -لعله سهل بن عبد الله التستري أحد مشاهير العلماء والزهاد.
(2) -الشفا للقاضي عياض 2 / 19.
(3) - في مجمع الحكم والأمثال 1/123 نسبه للشافعي وفي إحياء علوم الدين 4/ 33 نسبه لابن المبارك.(1/20)
ويتحقق ذلك باتباع أقواله وأفعاله، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره و يسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? چ چ چ ژ آل عمران: 31؛ لأنّ من أحب شيئًا آثره و آثر موافقته، وإلا لم يكن صادقًا في حبّه، وكان مدعيًا, فالصّادق في حبّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من تظهر علامة ذلك عليه ومن أهم علاماته: الاقتداء, والاتباع, والتّأسي به في أقواله, وأفعاله , في المأمورات والمنهيات.
2) تقديم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفضيله على كل أحد.
فضّل الله تعالى نبيه على كل الخلق أولهم وآخرهم , فهو - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء, وإمامهم وسيدهم , قال - صلى الله عليه وسلم - :" أنا سيد ولد آدم ولا فخر " (1) وينتج عن اعتقاد تفضيله , استشعار هيبته - صلى الله عليه وسلم - وجلالة قدره , وعظيم شأنه , واستحضار كمال محاسنه , وعلو مكانته , ورفعة منزلته ,فمتى كان تعظيمه مستقرًا في القلب , فإن آثاره ستظهر على الجوارح , فحينئذ سيجري اللسان بمدحه, والثناء عليه , وذكر محاسنه , وتمتثل الجوارح لأوامره , وتؤدي ما له من الحق والتكريم (2) .
3) سلوك الأدب معه - صلى الله عليه وسلم - . ويتحقق ذلك بأمور منها:
1-الثناء عليه , وأبلغ ذلك ما أثنى به عليه ربه في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ?? ? چ چ چ چ ? ? ژ الأحزاب: 56
2- التأدب عند ذكره , بألا يُذكر باسمه مجردًا , بل بوصف النبوة والرسالة , كما علمنا الله تعالى في كتابه , بقوله تعالى: ژ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ژ النور: 63
3- التزام الأدب في مسجده , وترك اللغو ورفع الصوت فيه.
4) الدفاع عنه - صلى الله عليه وسلم - ونصرته.
__________
(1) -أخرجه مسلم في صحيحه , كتاب الفضائل, باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق, رقم (2278) 4 / 1782.
(2) - حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته للتميمي , 2/ 470.(1/21)
وهذه آية عظيمة من آيات المحبة والإجلال (1) ,كما في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ الحشر: 8 .
5- إيثار ما شرعه من أقوال وأفعال ,ونحوها على هوى النفس,وشهواتها.
فيجب إيثار التمسك بهديه وشرعه, والسّير على نهجه على هوى النفس , كما قال الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ الحشر: 9.
6) بُغض من أبغض الله ورسوله، ومعاداة من عاداهما.
ويتحقق ذلك بمجانبة من خالف سنته وابتدع في دينه، واستثقال كل أمر يخالف شريعته، قال الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ژ المجادلة: 22.فحبّ أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من علامات محبته ,ومن علامات الإيمان الحق ,وكراهية وبغض أعداء النبيّ من علامات الحبّ, والإيمان كما نصّت الآية؛ولأنّ هؤلاء الصّحابة أحبّوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من كل قلوبهم ,وضحّوا في سبيله بكل شيء ,فاستحقوا أن يكون حبّ المؤمن لهم أشدّ؛لأنّه جزء من حبّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنّه - صلى الله عليه وسلم - أحبّهم, فهؤلاء أصحابه - صلى الله عليه وسلم - قد قتلوا أحباءهم، وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته, وقال له عبد الله بن عبد الله بن أبيّ: لو شئت لأتيتك برأسه، يعني: أباه (2) .
7) حب القرآن الكريم الذي أتى به.
__________
(1) - محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه , لعبد الله بن صالح الخضيري , وعبد اللطيف بن محمد , كتاب البيان ص 75.
(2) - سبل الهدى والرشاد ج 11 ص 432 وقال: روى البخاري عن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول قال: يا رسول الله لو شئت لأتيتك برأسه يعني: أباه.(1/22)
ومن علامات المحبة الواجبة أن يحبّ القرآن الذي أتى به - صلى الله عليه وسلم - ، وهدى به واهتدى، وتخلّق به حتى قالت عائشة رضي الله عنها في وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - ": كان خلقه القرآن" (1) ، وحبّه للقرآن: تلاوته، والعمل به,وتفهّمه. ويحبّ سنته، ويقف عند حدودها.
قال سهل - رضي الله عنه - : علامة حبّ الله حبّ القرآن، وعلامة حبّ القرآن حبّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وعلامة حبّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حبّ السّنة، وعلامة حبّ السّنة حبّ الآخرة، وعلامة حبّ الآخرة بغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا ألا يدّخر منها إلا زادًا وبلغة إلى الآخرة (2) .
وقال ابن مسعود: لا يسأل أحد عن نفسه إلا القرآن، فإنّ كان يحبّ القرآن ,فهو يحبّ الله ورسوله (3) .
ومن علامات المحبة المندوبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما يلي:
1-كثرة ذكره له، فمن أحب شيئًا أكثر من ذكره؛لأنّ ذلك من لوازم الحب, فيكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معه في كل أحواله؛ ومن ثم لا يفعل إلا ما يوافق هديه ,وفوق هذا يعيش في معيته ,وقربه المعنويّ, وقد قال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ژ الأنفال: 33. فهو حصن للأمة من العذاب ما دام - صلى الله عليه وسلم - , بين أظهرهم (4) وما داموا يعيشون على هديه ويتمسكون بسنته.
__________
(1) - أخرجه مسلم كِتَاب صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض 4 / 104 ولفظه: قَالَ قَتَادَةُ وَكَانَ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قُلْتُ بَلَى قَالَتْ فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ الْقُرْآنَ.
(2) - الشفا 2 / 28.
(3) - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 9/132، انظر: شعب الإيمان، 2/353، مسند ابن الجعد 1/ 290.
(4) - تفسير الطبري 13 / 509.(1/23)
2- الشوق إلى لقائه، فكل حبيب يحب لقاء حبيبه.
وفي حديث الأشعريين عند قدومهم المدينة أنّهم كانوا يرتجزون: غدًا نلقى الأحبة محمدًا وصحبه (1) ويؤيد ذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أشد أمتي لي حبًا ناس يكونون بعدي يودّ أحدهم أن لو رآني بأهله وماله (2) .
وهذا من أعظم المبشرات لأمته ,ومن عظيم الفضل والكرم الذي منّ الله تعالى به عليه - صلى الله عليه وسلم -
3- ومن علامات محبته - صلى الله عليه وسلم - محبة من أحبّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ومحبة آل بيته,وصحابته من المهاجرين والأنصار، ومعاداة من عاداهم، وبغض من أبغضهم وسبّهم، فمن أحبّ شيئًا أحبّ من يحبّه؛ لأنّه بذلك يكون مقدمًا لهوى المحبوب على هواه وذلك من دلالات الحبّ, و قد قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الحسن والحسين رضي الله عنهما،اللهمّ إني أحبّهما فأحبّهما". فعن أسامة بن زيد (3) رضي الله عنهما: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه كان يأخذه والحسن ويقول:(اللهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما) (4) .
__________
(1) - أخرجه أبو يعلي في مسنده, حديث: حميد الطويل عن أنس بن مالك, رقم (3845) 6 / 454, أخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة , رقم (527) 2 /61.
(2) - أخرجه مسلم , كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها, باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله وماله, رقم (2832) 4 / 2178.
(3) -هو الصحابي الجليل أسامة بن زيد بن حارثة , يكنى أبا محمد , توفي بعد مقتل عثمان سنة 35 هـ , يراجع ترجمته في الثقات 3 / 2 , والطبقات 4 / 61.
(4) -أخرجه البخاري, كتاب فضائل الصحابة, باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما رقم (3537) 3/1369. وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما رقم 2422.(1/24)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سوق من أسواق المدينة,فانصرف فانصرفت,فقال (أين لكع - ثلاثا - ادع الحسن بن علي). فقام الحسن بن علي يمشي,وفي عنقه السّخاب (1) فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا فقال الحسن بيده هكذا , فالتزمه فقال": (اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه) (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" (3) .
__________
(1) -السِّخابُ: قلادة تتخذ من قرنفل وسك ومحلبٍ، ليس فيها من الجوهر شيء، وجمعه: سُخُبٌ. لسان العرب 1 /461) تهذيب اللغة - 2 / 446 الفائق في غريب الحديث و الأثر 1 / 205
(2) -خرجه البخاري, كتاب فضائل الصحابة, باب مناقب الحسن رقم (5545) , 5 / 2205, و أخرجه مسلم كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب فضائل الحسن والحسين رقم (2421) 4 / 1882.
(3) - أخرجه الترمذي, كتاب المناقب , رقم (3862) 5 / 696 وقال الشيخ الألباني: ضعيف, مسند أحمد بن حنبل حديث عبد الله من مغفل المزني رضي الله عنه , رقم (20568) 5 / 54.(1/25)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حق فاطمة رضي الله عنها: "إنّها بضعة منّي، يغضبني ما أغضبها " (1) . وقال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنه - في أسامة بن زيد - رضي الله عنه - : أحبيه فإنّي أحبّه. (2) وقال - صلى الله عليه وسلم - : " آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النّفاق بغضهم" (3) وذلك باعتبار أنّ النبيّ يحبّهم فمن أحبّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أحبّ ما يحبّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - .
والأدلة الدّالة على ذلك كثيرة ومن أهمّها ما يلي:
__________
(1) - أخرجه البخاري كتاب فضائل الصحابة, باب مناقب فاطمة عليها السلام , رقم (3510) 3 / 1374.
(2) - أخرجه الترمذي كتاب المناقب, باب 41 مناقب أسامة بن زيد رضي الله عنه, رقم (3818) 5 / 677., صحيح ابن حبان كتاب إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم رضوان الله عليهم أجمعين رقم (7058) 15 /534 ,قال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم.
(3) - أخرجه البخاري , كتاب الإيمان , باب علامة الإيمان حب الأنصار, رقم (17) , 1 / 14,أخرجه مسلم في الإيمان باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه من الإيمان رقم (74) 1 /84.(1/26)
أ- قول الله تعالى: ژ ک ک ک ک گ گ گ گ ?? ? ?? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ? ? ? ژ الحجرات: 1 -5، وجه الدلالة: قال أبو محمد مكي (1) معنى:
ژ ک گ گ گ گ ? ژ أي لا تسابقوه بالكلام، وتغلظوا له بالخطاب، ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم بعضًا، ولكن عظموه و نادوه بأشرف ما يحب أن يُنادى به: يا رسول الله, يا نبيّ الله. وهذا كقوله: ژ چ چ ? ? ? ? ? ? ژ النور: 63، على أحد التأويلين (2) .
وقال غيره لا تخاطبوه إلا مستفهمين، ثمّ خوّفهم الله تعالى بحبوط أعمالهم،إن هم فعلوا ذلك، وحذرهم منه.وقيل: نزلت الآية في وفد بني تميم (3) ـ و قيل: في غيرهم، أتوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فنادوه: يا محمد، يا محمد، اخرج إلينا. فذمّهم الله تعالى بالجهل، ووصفهم بأنّ أكثرهم لا يعقلون.
وقيل: نزلت الآية في محاورة كانت بين أبي بكر وعمر بين يدي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واختلاف جرى بينهما، حتى ارتفعت أصواتها (4) .
__________
(1) - العلامة المقرئ، أبو محمد، مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني، ثم القرطبي، صاحب التصانيف، .ولد بالقيروان سنة 385هـ .وأخذ عن: ابن أبي زيد، وأبي الحسن القابسي.وتلا بمصر على أبي عدي ابن الإمام، وأبي الطيب بن غلبون وأحمد بن فراس المكي،قال ابن بشكوال: له ثمانون مصنفاً وكان خيراً متديناً، مشهوراً بإجابة الدعوة .توفي في المحرم سنة 437هـ يراجع في ترجمته: سير أعلام النبلاء 17 / 592.
(2) - الشفا 2 / 36.
(3) - تفسير الطبري 16/235
(4) - تفسير ابن كثير 7 / 365.(1/27)
وروي أن أبا بكر - رضي الله عنه - لمّا نزلت هذه الآية قال: والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله، لا أكلّمك بعدها إلا كأخي السّرار (1) .
وكان عمر - رضي الله عنه - بعد هذه الآية إذا حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه - صلى الله عليه وسلم - (2) فأنزل الله تعالى فيهم: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ الحجرات: 3. وروى صفوان بن عسّال (3) : بينا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في سفر إذا ناداه أعرابيّ بصوت له جهوريّ: أيا محمد. قلنا له: اغضض من صوتك، فإنّك قد نهيت عن رفع الصّوت (4) . فالنهي هنا وقع على أمور منها:
الأوّل: التقدّم بين يديه بما لا يأذن به من الكلام.
والثاني: رفع الصوت البالغ إلى حدّ يكون فوق صوته، سواء كان في خطابه، أو في خطاب غيره.
والثالث: ترك الجفاء في مخاطبته، ولزوم الأدب في محاورته؛ لأن المقاولة المجهورة إنما تكون بين الأكفاء, الذين ليس لبعضهم على بعض مزية توجب احترامه وتوقيره (5) .
__________
(1) - أخرجه الحاكم في المستدرك , كتاب التفسير , تفسير سورة الحجرات, رقم (3720) , وتعليق الذهبي قي التلخيص: على شرط مسلم, 2 / 501, ومعنى كأخي السرار كصاحب المشاورة في خفض الصوت.
(2) - يستفهمه من الاستفهام وهو طلب الفهم , والحديث أخرجه البخاري , - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة, باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع, رقم (6872) 6 / 2662.
(3) - هو: الصحابي الجليل صفوان بن عسال, من بني الربض بن زاهر المرادي سكن الكوفة يقال: إنه روى عنه من الصحابة عبد الله بن مسعود , غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنتي عشرة عزوة, يراجع: الإستيعاب في معرفة الأصحاب 1 / 218
(4) - الشفا 2 / 37.
(5) - فتح القدير 7 / 8.(1/28)
ب- وقال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ الفتح: 9. وجه الدلالة: أوجب الله تعالى تعزير نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره، وألزم إكرامه وتعظيمه. قال ابن عباس - رضي الله عنه - : يعزروه يعني: الإجلال ويوقروه يعني: التعظيم (1) .
وقال الطبري: تعينونه. وقرئ: تعززوه ـ بزايين ـ من العز , ومعنى التعزيز في هذا الموضع: التقوية بالنُّصرة والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال , أما التوقير: فهو التعظيم والإجلال والتفخيم (2) .
وقد كان للسّلف أحوال في حضرته - صلى الله عليه وسلم - ,وعند مجرد ذكره - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - توقيرًا واحترامًا و إعظامًا, وإجلالاً له - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك ما يلي:
أولاً: توقير السّلف , وتعظيمهم للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - , وهيبتهم , وإجلالهم له
ومن أهم السّير الدّالة على ذلك ما يلي:
1-عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال: وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأنّي لم أكن أملأ عيني منه (3) .
2- وروي عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج على أصحابه من المهاجرين و الأنصار وهم جلوس، فيهم أبو بكر، وعمر، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنّهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، ويتبسمان إليه ويبتسم إليهما (4) .
__________
(1) -تفسير الطبري 11 / 337.
(2) -تفسير الطبري 11 / 337. 338.
(3) - أخرجه مسلم كتاب الإيمان, باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج, رقم (121) 1/112 شعب الإيمان للبيهقي 2/133
(4) - أخرجه الترمذي كتاب المناقب باب 16 في مناقب أبي بكر و عمر رضي الله عنهما كليهما رقم (3668) 5/612(1/29)
3- وروى أسامة بن شريك، قال أتيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حوله كأنّما على رؤوسهم الطّير. وفي حديث صفته: إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطّير (1) .
4- و قال عروة بن مسعود (2) ـ حين و جَّهَتْهُ قريش عام القضية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى، وأنّه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقًا، ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، و إذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر؛ تعظيمًا له، فلمّا رجع إلى قريش قال: يامعشر قريش، إنّي جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه والنّجاشي في ملكه، وإنّي والله ما رأيت ملكًا في قوم قط مثل محمد في أصحابه (3) .
5- وعن أنس - رضي الله عنه - : لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحلاق يحلقه، وقد أطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعره إلا في يد رجل.
__________
(1) - أخرجه أحمد في مسنده حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه ,رقم (18476) , 4 / 278 , تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح. المستدرك , كتاب العلم , في توفير العالم ـ رقم (416) 1 / 209.
(2) - هو: عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، ويكنى عروة أبا يعفور، أسلم سنة تسع من الهجرة , وقتله رجل من بني مالك يقال له أوس بن عوف, وقال عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه الله فقتلوه. يراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 5 / 504
(3) - أخرجه البخاري كتاب الشروط, باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط, رقم (2581) 2/974 0 صحيح ابن حبان كتاب السير, باب الموادعة والمهادنة رقم (4782) 11/ 216.(1/30)
6- وفي حديث طلحة - رضي الله عنه - : إنّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لأعرابيّ جاهل: سله عمّن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابيّ فأعرض عنه ,ثمّ سأله فأعرض عنه ,ثمّ إنّي اطّلعت من باب المسجد وعليّ ثياب خضر فلمّا رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أين السّائل عمّن قضى نحبه ؟ قال: أنا يا رسول الله,قال: هذا ممّن قضى نحبّه" (1) .
7- وفي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - : كان أصحاب رسول الله يقرعون بابه بالأظافير (2) .
ثانياً: سيرة السّلف في تعظيم رواية حديث الرّسول و سننه
1-قال إبراهيم بن عبد الله الأنصاريّ قاضي المدينة: مرّ مالك بن أنس على أبي حازم، وهو يحدث، فجازه، وقال: إنّي لم أجد موضعًا أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قائم (3) .
2- وقال مالك: جاء رجل إلى ابن المسيّب، فسأله عن حديث وهو مضطجع، فجلس وحدثه، فقال له الرجل: وددت أنك لم تتعن، فقال: إنّي كرهت أن أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مضطجع (4) .
3- وروي عن محمد بن سيرين أنه قد يكون يضحك، فإذا ذكر عنده حديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خشع (5) .
__________
(1) - أخرجه الترمذي كتاب تفسير القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , باب 34 ومن سورة الأحزاب رقم (2303) 5 / 350.
(2) - أخرجه البخاري في الأدب المفرد كتاب الاستئذان, باب قرع الباب ,رقم (1080) 1 / 371 , قال الشيخ الألباني: صحيح, مجمع الزوائد كتاب الأدب , باب قرع الباب ,رقم (12802) 8 / 85.
(3) 1- الجامع لأخلاق الراوي للبغدادي 2/52 , جامع بيان العلم لابن عبد البر2/1220.
(4) - مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة, لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي , 1/52. الناشر: الجامعة الإسلامية -المدينة المنورة الطبعة الثالثة، 1399هـ.
(5) - الجامع للبغدادي 1/57-58 الشفا 2 /43.(1/31)
4- وكان الأعمش إذا حدث وهو على غير وضوء تيمم (1) .
5- وكان قتادة لا يحدث إلا على طهارة، ولا يقرأ حديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلا على وضوء (2) .
6- وقال ابن مهدي (3) : مشيت يومًا مع مالك إلى العقيق، فسألته عن حديث، فانتهرني ,
وقال: كنت في عيني أجل من أن تسأل عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نمشي (4) .
7- وقال مالك - وقد سئل عن أيوب السختياني- (5) : ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه: وقال: وحج حجتين، فكنت أرمقه ولا أسمع منه، غير أنّه كان إذا ذكر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى أرحمه، فلمّا رأيت منه ما رأيت، و إجلاله للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - كتبت عنه (6) .
__________
(1) - مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة, 1/ 52.
(2) - الشفا 2 / 47.
(3) - هو الإمام عبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد، البصري، العنبري،محدث، حافظ من كبار حفاظ الحديث وأسماء الرجال، كان الشافعي يرجع إليه في الحديث. وقال: لا أعرف له نظيرًا في الدنيا. خرج عنه البخاري ومسلم له تصانيف في الحديث.توفي سنة 198هـ, يراجع في ترجمته: الأعلام ج 4 ص 115, تهذيب التهذيب 6 / 279..
(4) - جامع بيان العلم لابن عبد البر2/1220 الجامع للبغدادي 1/57--58 الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 159)المغني 3/599 -600 الإنصاف 4/254منار السبيل 1/187.
(5) - هو الإمام أيوب بن أبي تميمة كيسان، أبو بكر، السختياني البصري. تابعي. سيد فقهاء عصره، من حفاظ الحديث. قال علي بن المديني: له نحو ثمانمائة حديث. وقال مالك: كان من العالمين العاملين الخاشعين توفي سنة 131 هـ يراجع: سير أعلام النبلاء 6 / 15, الأعلام 1 / 382.
(6) - سبل الهدى والرشاد 12 / 395 , الشفا 2 / 41.(1/32)
8- و كان مالك إذا ذكر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتغيّر لونه، و ينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، وقد سئل عن سبب ذلك، فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر (1) ، وكان سيد القراء لانكاد نسأله عن حديث أبدًا إلا يبكي حتى نرحمه , ولقد كنت أرى جعفر الصادق (2) ، وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - اصفرّ، وما رأيته يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا على طهارة،وقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليًا، وإما صامتًا، وإما يقرأ القرآن، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله عز وجل , ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم بن أبي بكر الصديق يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر إلى لونه كأنه نزف - أي سال منه الدم - وقد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع ,ولقد رأيت الزهري وكان من أهنأ الناس وأقربهم، فإذا ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه ما عرفك ولا عرفته (3) .
__________
(1) - هو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير، أبو بكر، القرشي، التميمي. أحد الأئمة الأعلام، زاهد، من رجال الحديث، أدرك بعض الصحابة، له نحو مائتي حديث، قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، توفي سنة 130 هـ. يراجع في ترجمته: الأعلام 7 / 333, تهذيب التهذيب 9 / 473.
(2) - هو الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر الهاشمي العلوي أحد أئمة الزيدية روى عنه مالك والثوري وابن عيينه وقال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه منه توفي سنة 148 هـ موسوعة الأعلام 2 / 129.
(3) - سبل الهدى والرشاد 12 / 395. الشفا 2/ 42.(1/33)
9- وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالسكوت، وقال: ژ ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ژ الحجرات: 2، و أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله.
وقد فرع العلماء على ذلك: ما يجب على المتكلم فيما يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - , وما لا يجوز.
ومن أهم ما قالوه في ذلك أنه: يجب على المتكلم في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: يلتزم بالآداب التي ألزم الله تعالى بها المؤمنين نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) .
وتتلخص تلك الآداب الواجبة فيما يلي:
1ـ يجب على المتكلم أن يلتزم عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - ـ الواجب من توقيره وتعظيمه, و يراقب حال لسانه, و لا يهمله ,و تظهر عليه علامات الأدب عند ذكره، فإذا ذكر ما قاساه من الشدائد ظهر عليه الإشفاق, والغيظ على عدوه, ومودة الفداء للنبي - صلى الله عليه وسلم - لو قدر عليه, و النصرة له لو أمكنته,وأن يختار ما يتناسب من الألفاظ مع شريف مكانته, وعظيم منزلته - صلى الله عليه وسلم - (2) .
قال القاضي عياض: واجب على كل مؤمن متى ذكره أو ذكر عنده ـ أن يخضع و يخشع و يتوقر و يسكن من حركته و يأخذ في هيبته و إجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه و يتأدب بما أدبنا الله به (3) .
__________
(1) - الشفا 2 / 40.
(2) - الشفا 2 / 40.
(3) - سبل الهدى والرشاد 11 / 439.(1/34)
2- يجب أن يجتنب العبارات التي لا تليق مع صاحب المقام المحمود - صلى الله عليه وسلم - خاصة, كلفظة الجهل, و الكذب, و المعصية؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعلم الخلق, وأصدقهم, وأفضلهم, وأحسنهم, وهو المعصوم قبل البعثة وبعدها - صلى الله عليه وسلم - , فإذا تكلم على العلم لا يضيف إليه إلا ألفاظ العلم , و لا يقول يجهل لقبح اللفظ ,و بشاعته؛ (1) لأنه - صلى الله عليه وسلم - تلقي العلم عن الله تعالى ,وليس أحد غيره كذلك؛ ولهذا لا خلاف أنه أعلم الخلق بالله ,وأشدهم له خشية (2) .
3- وقد بين القاضي عياض- رحمه الله - مثالاً لمن يتكلم ,ويشتغل ببيان حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ,أو كيفية الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - : و إذا تكلم في الأفعال قال: هل يجوز منه المخالفة في بعض الأوامر, و النواهي , و مواقعة بعض الصغائر ؟ فهو أولى من قوله: هل يجوز أن يعصي أو يذنب, أو يفعل كذا و كذا من أنواع المعاصي ؟ فهذا من حق توقيره - صلى الله عليه وسلم - , و ما يجب له من تعزير, ولم يتحفظ بعض العلماء من هذا فقبح منه, وأنكر عليه أهل العلم, و شنع عليه البعض بما يأباه و يكفر قائله, و إذا كان مثل هذا بين الناس مستعملاً في آدابهم ,و حسن معاشرتهم, وخطابهم فاستعماله في حقه - صلى الله عليه وسلم - أوجب, و التزامه أوكد, فجودة العبارة تقبح الشيء, أو تحسنه وتحريرها و تهذيبها تعظم الأمر أو تهونه؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : " إ ن من البيان (3) لسحراً" (4) .
__________
(1) - الشفا 2 / 253.
(2) - الشفا 2 /252 - 253.
(3) - البيان: الفصاحة واللسن في القول وتحسينه. سحراً: ما يشبه السحر من حيث جلب القلوب والغلبة على النفوس والتأثير عليها صحيح البخاري 5 / 1976.
(4) - أخرجه البخاري كتاب النكاح , باب الخطبة , رقم (4851) 5 / 1976.(1/35)
لبيان ما يعد جريمة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وما لا يعد أبين معنى السب لغة , واصطلاحا , والألفاظ التي تتحقق بها الجريمة , وحكم سابه - صلى الله عليه وسلم - , والحالات التي تعتبر جريمة والحالات التي لا تعتبر , وذلك فيما يلي:
أولاً: معنى السب لغةً واصطلاحًا
السب لغة: الشتم:وهو مشافهة الغير بما يكره، وإن لم يكن فيه حد،كيا أحمق، ويا ظالم (1) .
والسبَابُ: المُشَاتَمَةُ، وأصْلُ السب: العَيْبُ. ورَجُلٌ سُبَبَةٌ: يَسُب الناسَ، وسُبة: يَسُبه الناس (2) .
وأما معناه اصطلاحًا: السب هو الشتم وهو كل كلام قبيح ,وحينئذ فالقذف والاستخفاف بحقه وإلحاق النقص به كل ذلك داخل في السب (3) ، فبينه وبين القذف تداخل , فقد يطلق السب ويراد به القذف، وهو الرمي بالزنا في معرض التعيير، كما يطلق القذف ويراد به السب.
وعند التفريق بينهما يكون المراد بالقذف ما يوجب الحد، وبالسب ما يوجب التعزير إن كان السب غير مكفر كسب الله تعالى وأنبيائه وملائكته (4) .
ثانياً: ألفاظ السب
الألفاظ التي تتحقق بها جريمة السب تتنوع على نوعين:
النوع الأول: ألفاظ صريحة: وهي:الألفاظ الموضوعة لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق، ومنها: الرمي بالكفر أو بجريمة من الجرائم مثل: كافر، سارق، فاسق، منافق، فاجر، خبيث، أعور، أقطع، ابن الزمن، الأعمى، الأعرج، كاذب، نمّام (5) فحكم هذا كله القتل (6) .
__________
(1) - تاج العروس 1 / 7724 مختار الصحاح 1 / 158.
(2) - المحيط في اللغة 2 / 245معجم لغة الفقهاء 1 / 239.
(3) - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/309 بلغة السالك 4 / 22
(4) - الموسوعة الفقهية بدولة الكويت 24/135.
(5) - أسهل المدارك ج3ص192 الجمل على المنهج5/122 المجموع -19 / 427 المغني 8 /220
(6) - سبل الهدى والرشاد 12 / 26.(1/36)
النوع الثاني: ألفاظ التعريض والكناية وهي ما يفهم به السامع مراد المتكلم من غير تصريح. وهو يتحقق إذا قال قولاً وهو يريد خلافه اعتمادًا على قرائن الأحوال من غير واسطة في الانتقال للمراد,كما لو قال له شخص النبي أمر بكذا, فقال: دعني ما أنا بساحر ولا كاذب (1) .
ومثاله في الكناية: القول على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسود أو لا يقرأ , أو أن يقول: النبي فلان كان أسود أو كان قصيرًا جدًا أو جبريل كان ينزل على المصطفى في صفة عبد أسود, أو في صفة شخص قصير جدًا (2) .
والفرق بين الكناية والصريح: أن الصريح لا يحتاج إلى نية، والكناية لا تلزم إلا بنية (3) .
ثالثاً: حكم سابه - صلى الله عليه وسلم - والحالات التي تعد جريمة في حقه - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/309 بلغة السالك 4 / 22
(2) - حاشية الدسوقي 4 / 309
(3) - بداية المجتهد 2 / 61 المنثور في القواعد للزركشي 2/ 308 – 309.(1/37)
اتفق الفقهاء على أن ساب النبي من المسلمين يكون مرتدًا (1) ,وفي استتابته خلاف . واتفقوا على أنه يعد سابًا له - صلى الله عليه وسلم - كل من ألحق به - صلى الله عليه وسلم - عيبًا أو نقصًا، في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو ازدراه، أو لعنه أو شتمه، أو عابه، أو قذفه، أو استخف به، ونحو ذلك (2) لكنهم فرقوا بين من يقصد سب النبي - صلى الله عليه وسلم - ,وبين من لا يقصد ذلك ,ومن يجهل مكانته ,ومن يحكي قول غيره على سبيل التحذير منها, أو يحكيها على سبيل الاستهزاء, والانتقاص للنبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - ,ومجمل ما قالوه في ذلك وخلاصته فيما يلي:
الحالة الأولى: حكم تعمد وقصد سب النبي - صلى الله عليه وسلم - باللفظ الصريح:
اتفق الفقهاء على انه إذا صرح المسلم ,أو الكافر, بكلام قبيح يتنافي مع مقام النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - , أو فعل مخل لا يليق بعظيم حقه - صلى الله عليه وسلم - ,وكان قاصدًا للسب و الازدراء ,و معتقدًا له , فقد ارتكب جريمة من أقبح الجرائم على الإطلاق؛ (3) و يعد ذلك في حق المسلم ردة موجبة للقتل ما لم يتب, فقد ذكر ابن عابدين أنه قول أبي حنيفة وأصحابه يعني أنه يقتل قبل التوبة لا مطلقًا (4) .
__________
(1) - حاشية ابن عابدين 4 / 232 التاج والإكليل 6 / 285و حاشية الجمل على المنهج 5 /122 المجموع 19 / 427)، الكافي في فقه ابن حنبل 4 / 59 الإنصاف 4 / 257.
(2) - فتح القدير 13 / 203 شرح مختصر خليل 8 /68) الفقه علي المذاهب 4/107 , أحكام أهل الذمة 3 / 1457. الشفا 2 / 209. الإنصاف 4/159
(3) - حاشية رد المحتار 4 / 230حاشية الدسوقي 2 / 369المجموع 19 / 427شرح البهجة الوردية 19 / 34ا
(4) - حاشية ابن عابدين 4 / 232(1/38)
وفي فقه المالكية: من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عابه أو ألحق به نقصًا في نفسه , أو دينه, أو نسبه, أو خصلة من خصاله, أو عرض به, أو شبهه بشيء على طريق السب له, والإزراء عليه, أو التصغير لشأنه, أو الغض منه أو العيب له، فهو ساب له, و حكم الساب يقتل (1) .
ونص الخطيب الشربيني (2) من الشافعية على أن من نفى " الرسل "أو نفى نبوة نبي أو ادعى نبوة بعد نبينًا - صلى الله عليه وسلم - أو صدق مدعيها ,أو قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - أسود, أو أمرد ,أو غير قرشي, أو قال: النبوة مكتسبة, أو تنال رتبتها بصفاء القلوب ,أو أوحى إلي ,ولم يدع نبوة " أو كذب رسولا " أو نبيًا, أو سبه, أو استخف به ,أو باسمه ,أو باسم الله,أو أمره, أو وعده أو وعيده,أو جحد آية من القرآن مجمعًاعلى ثبوتها, أو زاد فيه آية معتقدًا أنها منه,أو استخف بسنة كما لو قيل له كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل لعق أصابعه الثلاثة, فقال ليس هذا بأدب يصبح مرتداً (3) .
__________
(1) - التاج والإكليل 6 / 285 , الفواكه الدواني 2 / 203.
(2) - هو الإمام محمد بن أحمد الشر بيني شمس الدين. فقيه شافعي مفسر من أهل القاهرة له تصانيف كثيرة منها مغنى المحتاج، والإقناع في حل ألفاظ أبى شجاع وغيرها توفي سنة 977 موسوعة الأعلام - أوقاف مصر 1 / 197.
(3) - مغني المحتاج 4 / 133 ويراجع:المجموع 19/427 فتح الوهاب 2/316 --روضة الطالبين 10/64.(1/39)
وقال ابن مفلح (1) مبيناً مذهب الحنابلة: ومن تكررت ردته أو كفر بسحره أو سب الله أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، أو تنقصه، وقيل: ولو تعريضا، فمن عرض بشيء من ذكر الرب فعليه القتل، مسلمًا أو كافرًا (2) .
__________
(1) - هو محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج أبو عبد الله أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل ولد ونشأ في بيت المقدس وتوفي بصالحية دمشق من مؤلفاته كتاب الفروع والنكت ؤ الفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية وغيرها , توفي سنة 763 هجرية يراجع: موسوعة الأعلام 2 / 22 , وشذرات الذهب 7/338, لضوء اللامع 1/ 152.
(2) - الفروع 6 / 162 .(1/40)
وهذا الحكم حُكي فيه الإجماع فقد نقل ابن عابدين وابن نجيم (1) أن ابن المنذر (2) قال: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتل (3) ، وممن قال ذلك مالك بن أنس، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي وقال القاضي أبو الفضل: وهو مقتضى قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولا تقبل توبته عند هؤلاء المذكورين , وبمثله قال أبو حنيفة، وأصحابه، وأهل الكوفة، في المسلم، لكنهم قالوا: هي ردة (4) .
وعلق ابن عابدين بقوله: والحاصل أنه نقل الإجماع على كفر الساب، ثم نقل عن مالك ,ومن ذكر بعده أنه لا تقبل توبته ,فعلم أن المراد من نقل الإجماع على قتله قبل التوبة (5) .
و مما يأخذ حكم السب الصريح ما يلي:
__________
(1) - هو زين الدين بن إبراهيم بن محمد فقيه حنفي مصري له تصانيف منها الأشباه والنظائر في أصول الفقه- البحر الرائق في شرح كنز الدقائق وغيرها وتوفي سنة 970 -- موسوعة الأعلام 2 / 65, وشذرات الذهب 8 / 358.
(2) - هو محمد بن إبراهيم بن المنذر. نيسابوري. من كبار الفقهاء المجتهدين. لم يكن يقلد أحدًا؛ وعده الشيرازي في الشافعية. لقب بشيخ الحرم. أكثر تصانيفه في بيان اختلاف العلماء.توفي في سنة 319 هـ من تصانيفه: المبسوط في الفقه؛ والأوسط في السنن و الإجماع والاختلاف والإشراف على مذاهب أهل العلم واختلاف العلماء, ويراجع في ترجمته: الأعلام للزركلي 6 / 84؛, تذكرة الحفاظ 3 /4،5.
(3) - رسالة تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام – عليه وعليهم الصلاة والسلام لابن عابدين الحنفي , المتوفى سنة (1252هـ) وهي مطبوعة ضمن رسائله.-الرسالة الخامسة عشر 1/316.
(4) -حاشية رد المحتار 4 / 417 - سبل الهدى والرشاد 12 / 23.
(5) -حاشية رد المحتار 4 / 418.(1/41)
1- اتفق الفقهاء على أن قاذفه - صلى الله عليه وسلم - يقتل بكل حال (1) , ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن: من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء، فلو تاب لم يسقط عنه القتل، لأن حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة، وخالفه القفال فقال:كفر بالسب فسقط القتل بالإسلام ,وقال الصيدلاني يزول القتل ويجب حد القذف (2) .
2- من سبه مستحلاً يكفر، وكذا من كان سبه في نفسه كفرًا كتكذيبه أو تكفيره، وكذلك من لم يظهر التوبة واعترف بما شهد به عليه وصمم فهذا كافر بقوله وباستحلاله هتك حرمة الله تعالى وحرمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيقتل كفراً بلا خلاف (3) وقد نقل شيخ الإسلام عن القاضي أبي يعلى في المعتمد: من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر سواء استحل سبه أو لم يستحله فإن قال: [ لم أستحل ذلك ] لم يقبل منه ظاهر الحكم رواية واحدة ,و كان مرتدًا لأن الظاهر خلاف ما أخبر؛لأنه لا غرض له في سب الله و سب رسوله, إلا أنه غير معتقد لعبادته, غير مصدق بما جاء به النبي عليه الصلاة و السلام (4) .
3-من تكرر منه سب الله أو رسوله، أو تنقصه، ولو تعريضًا، فعليه القتل، مسلمًا أو كافرًا (5) .
4-حكم من تنقص النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم من سبه صلوات الله وسلامه عليه (6) .
__________
(1) - المجموع 19/427 المغني 10 / 224 - دليل الطالب 1 / 211 شرح منتهى الإرادات 4 / 328.
(2) - المجموع 19 / 427.
(3) - منح الجليل 9 / 231
(4) - الصارم المسلول 1 / 513. حاشية رد المحتار 4 / 230. رسائل ابن عابدين 1/316
(5) - حاشية رد المحتار 4 / 230 , وقال: ولهذا أفتى أكثر هم بقتل من أكثر من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل الذمة وإن أسلم بعد أخذه، وقالوا يقتل سياسة , الفروع 6 / 162, الإنصاف للمرداوي 4 / 257
(6) - حاشية رد المحتار 4 / 418 المجموع 19/427 الإنصاف للمرداوي 4 / 257). المغني 10 / 224.(1/42)
5- قال أبو حنيفة: من برئ من محمد - صلى الله عليه وسلم - , أو كذب به ,فهو مرتد حلال الدم إلا أن يرجع (1) .
6- و سئل ابن القاسم (2) عن المسلم إذا قال: إن محمدًا ليس بنبي, أو لم يرسل, أو لم ينزل عليه قرآن ,و إنما هو شيء تقوله ؟ قال: يقتل (3) يعني: أنه كجريمة سب في حقه - صلى الله عليه وسلم - .
7- و قال أشهب (4) ـ في يهودي تنبأ ,أو زعم أنه أرسل إلى الناس ,أو قال: بعد نبيكم نبي يستتاب إن كان معلنًا بذلك ,فإن تاب وإلا قتل؛ و ذلك لأنه مكذب للنبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: لا نبي بعدي ,مفتر على الله في دعواه عليه الرسالة و النبوة (5) .
9- يلحق بذلك أيضًا أشعار المتعجرفين في القول والمتساهلين في الكلام.
وقد قرر السلف أنه في مثل هذا إن درئ عنه القتل أن يكون عليه من الأدب, و السجن, و قوة التعزير بحسب سوء مقاله, و قبح ما نطق به,وقد جاءت الآثار شاهدة بأحكامهم في مثل هذه الحالات.
ومن ذلك ما يلي:
1-أنكر الرشيد على أبي نواس (6) قوله:
__________
(1) - حاشية رد المحتار 4 / 418
(2) - هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقى المصري أبو عبد الله وعرف بابن القاسم فقيه تفقه بالإمام مالك ونظرائه، ولد ومات بمصر، روى المدونة عن مالك سنة 191 هجرية. موسوعة الأعلام،2/1 56 شجرة النور الزكية ص 58.
(3) - الشفا 2 /233.
(4) - أشهب بن عبد العزيز القيسى فقيه مصر ولد سنه 145 وانتهت إليه رياسة المذهب المالكي بمصر بعد ابن القاسم توفي سنة 204 هـ _ يراجع في ترجمته: موسوعة الأعلام - أوقاف مصر 1 / 19.
(5) - الشفا 2 /239 - أحكام أهل الذمة 3 /1442 -1457 - كفاية الأخيار 1 / 647
(6) - هو: الحسن بن هانئ الشاعر المعروف و ولد بالبصرة , ورحل إلى بغداد , ومدح الخلفاء و توفي سنة 195هـ, يراجع لسان الميزان 2/258 الأعلام للزركلي 8/50 سير أعلام النبلاء 9/279 معجم المؤلفين 3 / 301(1/43)
فإن يك باقي سحر فرعون فيكم فإن عصا موسى بكف خصيب (1)
و قال له: يا بن اللخناء أنت المستهزئ بعصا موسى ! و أمر بإخراجه عن عسكره من ليلته.
2- ومما أخذ عليه أيضاً, و كفر فيه أو قارب ـ قوله في محمد الأمين, وتشبيهه إياه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:
تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها... خلقا و خلقا كما قد الشراكان (2)
و قد أنكروا عليه أيضاً قوله:
كيف لا يدنيك من أمل من رسول الله من نفره (3)
لأن حق الرسول ,و موجب تعظيمه أن: يضاف إليه, و لا يضاف (4) .
الحالة الثانية: السب الصريح مع ادعاء عدم القصد: يعني إذا كان المتكلم في حقه - صلى الله عليه وسلم - غير قاصد للسب و الإزدراء, و لكنه تكلم في جهته - صلى الله عليه وسلم - بكلمة الكفر من لعنه, أو سبه, أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه, أو نفي ما يجب له أو يأتي بسفه من القول, و قبيح من الكلام, ونوع من السب في جهته, و إن ظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمه, و لم يقصد سبه, إما لجهالته, أو سكر اضطره إليه, أو قلة مراقبة, وضبط للسانه, وعجرفة, وتهور في كلامه فقد اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
__________
(1) - ديوان أبي نواس ص 484. الشعر والشعراء 1/174.
(2) - الشعر والشعراء - ( 1 / 174) , طبقات الشعراء 1 / 64الصناعتين ص 116.
(3) - ديوان أبي نواس ص 430. الكامل في اللغة والأدب 1 / 109.
(4) - الشفا 2 / 242 - الصارم المسلول 1 / 513.(1/44)
الرأي الأول: يرى الحنفية (1) والمالكية (2) ، والشافعية (3) ،وهو قول للحنابلة (4) . أن: سب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو التعريض بمقامه الكريم لا ينفع فيه أن يقول: إنه لم يتعمد, أو كان غضبان فلا يدري , أو كان متهورًا في كلامه, فسبق لسانه,أو غير ذلك فوقع منه شيء من ذلك فهو كالسّاب الصريح و بهذا أفتى الأندلسيون أنه: لا يعذر بدعوى زلل اللسان في مثل هذا. (5) فمن فعل ذلك فقد ارتكب جريمة مثل:الحالة الأولى بلا فرق؛لأن هذه الأمور لا يعذر فيها أحد بالجهالة, و لا بدعوى زلل اللسان (6) .
و أفتى أبو الحسن القابسي (7) : فيمن شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في سكره: يقتل لأنه يظن به أنه يعتقد هذا و يفعل في صحوه, و علل بأنه: حد لا يسقطه السكر كالقذف و القتل و سائر الحدود (8) .
__________
(1) - المبسوط 5 / 7 الأشباه والنظائر لابن نجيم 1 /215. رسائل ابن عابدين 1/316
(2) - منح الجليل 9 / 231
(3) - حواشي الشرواني 3 / 89 - شرح البهجة الوردية -19 / 35.
(4) - منار السبيل 2 / 278
(5) - التاج والإكليل 6 / 285ص286 منح الجليل 4/407
(6) - الشفا 2 / 231- الصارم المسلول 1/ 308 ، 513-أحكام أهل الذمة 3 / 1441-الكافي لابن عبد البر ج 1/ص585 حاشية العدوي 2/412- عمدة القاري 24 / 82.
(7) - هو علي بن محمد بن خلف، أبو الحسن،المعافري، الفاسي. المعروف بأبي الحسن القابسي. فقيه مالكي سمع من أبي زيد المروزي، وأبي محمد الأصيلي وغيرهم. وروى عنه أبو محمد عبد الله بن الوليد وأبو القاسم الكندي وغيرهم من تصانيفه: المهدي في الفقه و كتاب المناسك و ملخص الموطأ والرسالة المفصلة لأحوال المعلمين والمتعلمين توفي سنة 403 هـ [شجرة النور الزكية ص97, الأعلام 5 / 145].
(8) - الشفا 2/232.(1/45)
الرأي الثاني: يرى الحنفية في رواية (1) والحنابلة في قول (2) أن الذي لا يقصد السب, لا يأخذ حكم السب الصريح (3) .
ويتفرع على ذلك حكم الإكراه على سب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
أ- الإكراه: اسم لفعل يفعله المرء بغيره، فينتفي به رضاه، أو يفسد به اختياره، من غير أن تنعدم به أهليته، أو يسقط عنه الخطاب (4) .
ب- والإكراه نوعان:
النوع الأول: يوجب الإلجاء والاضطرار طبعًا، كالإكراه بالقتل أو القطع أو الضرب الذي يخاف فيه تلف النفس أو العضو، قل الضرب أو كثر. وهذا النوع يسمى إكراهًا تامًّا.
والنوع الثاني: لا يوجب الإلجاء والاضطرار، وهو ما يكون بالحبس, أو القيد, أو الضرب الذي لا يخاف منه التلف، وهذا النوع من الإكراه يسمى إكراهًا ناقصًا (5) .
والإكراه الناقص لا يؤثر على الحكم؛ لأنه ليس بمكره في الحقيقة (6) .
أما الإكراه التام فقد اتفق الفقهاء على أن المسلم لا يصير به كافراً سواء أسب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كفر بالله (7) .
والدليل على ذلك من القرآن والسنة.
__________
(1) - الأشباه والنظائر لابن نجيم 1 / 215.
(2) - الشرح الكبير 10 / 229.
(3) - بدائع الصنائع 6/186. حاشية رد المحتار 4 / 230
(4) - بدائع الصنائع 6/176.
(5) - حاشية رد المحتار 4 / 230, بدائع الصنائع 6/186
(6) - الفقه الإسلامي وأدلته 12 / 251. ورخص الشافعية والحنابلة والظاهرية التلفظ بالكفر عند الإكراه الناقص؛ لأن الكثير من حوادث ا لإكراه على الكفر في بدء الإسلام كانت إكراها ناقصا، فهذا هو الراجح من الرأيين. و في رواية عند الحنفية والمالكية.، لا يرخص بهذا التصرف إلا في الإكراه الملجئ. يراجع: بدائع الصنائع 6/186 , تكملة فتح القدير: 7/279 , مغني المحتاج: 3/289 المغني: 7/120 القوانين الفقهية: ص 227.
(7) - بدائع الصنائع6/186، منح الجليل 4/407، مغني المحتاج 3/289، المغني 8/518، والإقناع 4/306.(1/46)
أما القرآن فقوله تعالى: ژ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ ژ النحل: 106، وأما الدليل من السنة فما نقل من أن عمار بن ياسر رضي الله عنهما حمله المشركون على ما يكره فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إن عادوا فعد (1) ، وهذا في الإكراه التام.
وفي رواية البيهقي أنه سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر آلهتهم بخير فشكا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير قال: (كيف تجد قلبك ؟) قال: مطمئنًا بالإيمان فقال: (إن عادوا فعد) (2) .
قال ابن كثير: ولهذا اتفق العلماء على: أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته, ويجوز له أن يأبى ,كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك ,وهم يفعلون به الأفاعيل حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر , ويأمرونه بالشرك بالله فيأبى عليهم, وهو يقول: أحد أحد, ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها -رضي الله عنه وأرضاه (3) .
ويتفرع على ذلك أنه: لو امتنع المستكره عن سب النبي حتى مات كان مأجورًا (4) .
الحالة الثالثة: حكم التعريض بسب النبي - صلى الله عليه وسلم -
اختلف الفقهاء في حكم التعريض بسبه - صلى الله عليه وسلم - هل يكون كالتصريح في تحقق الجريمة؟ على رأيين:
__________
(1) - أخرجه الحاكم في المستدرك , كتاب التفسير , باب: تفسير سورة النحل, رقم (3362) 2 / 389, و تعليق الذهبي قي التلخيص: على شرط البخاري ومسلم , و نصب الراية 4 /206.
(2) - سنن البيهقي الكبرى , كتاب المرتد, باب المكره على الردة قال الله جل ثناؤه من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً رقم (16673) 8 / 208.
(3) - تفسير ابن كثير 2 / 775.
(4) - حاشية الدسوقي 2 / 370 الأشباه والنظائر للسيوطي 1 / 366 الفقه الإسلامي وأدلته 12 / 251 فقه السنة 3 / 471(1/47)
الرأي الأول: يرى الحنفية (1) والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، وهو قول للحنابلة (4) , أن التعريض بسبه - صلى الله عليه وسلم - كالتصريح.
وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله تعالى إجماع العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة ومن بعدهم على أن التلويح كالتصريح (5) .
الرأي الثاني: يرى الحنابلة في قول (6) ,أن التعريض بسبه - صلى الله عليه وسلم - ليس كالتصريح.
والراجح ما عليه الجمهور حماية لعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ويتفرع على ذلك اختلافهم في بعض الحالات التي لا يتبين فيها قصد السب من عدمه, أو التفريق بين التصريح والتعريض, ومن ذلك مايلي:
1- ما يحتمل سب النبي وغيره: يعني إذا أتى المتكلم بكلام مجمل, وبلفظ مشكل يمكن حمله على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره, أو يتردد في المراد به؛ فقد اختلف الفقهاء في تجريمه فمنهم من غلب حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - و حمى عرضه, وجرّم قول مثل تلك الألفاظ المحتملة، ومنهم من عظّم حرمة الدم, و درأ الحد بالشبهة؛ لأن القول يحتمل الإساءة وغيرها, وهي تختلف بحسب القرائن والأحوال.
ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي:
1-اختلف العلماء في رجل أغضبه غريمه فقال له: صل على النبي محمد, فقال له الطالب: لا صلى الله على من صلى عليه , هل يعد كمن شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه؟ على ثلاثة آراء:
__________
(1) - حاشية رد المحتار 4 / 230.
(2) - التاج والإكليل 6 / 285-286
(3) - المجموع 19 / 427شرح البهجة الوردية 19 / 34
(4) - الإنصاف للمرداوي 4 / 258 , الفروع 6 / 163
(5) - الشفا 2 / 214.
(6) - الإنصاف 10 / 331.(1/48)
الرأي الأول: يرى ابن سحنون (1) أنه لا يعد جريمة سب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ؛وعلل بأنه لم يكن مضمرًا الشتم (2) و وافقه أصبغ بن الفرج (3) وعلل عدم اعتباره جريمة؛ بأنه إنما شتم الناس , فهو لم يعذره بالغضب في شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - , ولكنه لما احتمل الكلام عنده, و لم تكن معه قرينة على شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ,أو شتم الملائكة صلوات الله عليهم ,و لا مقدمة يحمل عليها كلامه, بل القرينة تدل على أن مراده الناس فلم يعتبره من قبيل سب النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) .
الرأي الثاني: يرى الحارث بن مسكين القاضي (5) وغيره أن مثل هذا يعد جريمة ويعاقب عليها بالقتل (6) .
الرأي الثالث: التوقف في حكم المسألة, وهو لأبي الحسن القابسي, وعلل بأنه يجب التوقف حتى تستفهم البينة عن جملة ألفاظه,و ما يدل على مقصده؛ لأن دم المسلم لا يقدم عليه إلا بأمر بين, وما ترد إليه التأويلات لابد من إمعان النظر فيه (7) .
__________
(1) - هو:عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخى- قاض- فقيه، انتهت إليه رياسة العلم في المغرب، حمصى الأصل ومولده في القيروان وولى القضاء واستمر إلى أن مات سنة 240 هجرية موسوعة الأعلام - أوقاف مصر 1 / 263.
(2) - منح الجليل 9 / 233
(3) - أصبغ بن الفرج جده سعيد بن نافع وكان من كبار المالكية بمصر وكان كاتب ابن وهب وله عدة تصانيف. توفي سنة 225 هجرية موسوعة الأعلام - أوقاف مصر 2 / 109., و الديباج المذهب ص 97.
(4) - الشفا 2 / 235.
(5) -هو: الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف الأموي أبو عمرو المصري الفقيه, قال الخطيب: كان فقيهاً ثقة ثبتاً حمل إلى بغداد وسجن في المحنة فلم يجب فلم يزل محبوساً إلى أن ولي المتوكل فأطلقه ثم ولاه قضاء مصر، مات سنة 205هـ. يراجع: تهذيب الكمال 5/281, تذكرة الحفاظ 2/514.
(6) - الشفا 2 / 235.
(7) - الشفا 2 / 236.(1/49)
2- وكذلك فيمن قال: لعن الله العرب ,و لعن الله بني إسرائيل ,و لعن الله بني آدم ,و ذكر أنه لم يرد الأنبياء ,و إنما أردت الظالمين منهم ـ إن عليه الأدب بقدر اجتهاد السلطان (1) .
3- و كذلك أفتى ـ فيمن قال: لعن الله من حرم المسكر ,و قال: لم أعلم من حرمه (2) .
أن عليه الأدب لأن ظاهر حاله يفيد أنه لم يقصد سب الله و لا سب رسوله, وإنما لعن من حرمه من المفتين.
4- لو قال لرجل هاشمي: لعن الله بني هاشم ـ و قال: أردت الظالمين منهم, أو قال لرجل من ذرية النبي - صلى الله عليه وسلم - قولاً قبيحًا في آبائه, أو من نسله, أو ولده على علم منه أنه من ذرية النبي - صلى الله عليه وسلم - , و لم تكن قرينة في المسألتين تقتضي تخصيص بعض أبائه, و إخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن سبه منهم (3) .
2- التعريض ببعض أوصاف النبي - صلى الله عليه وسلم - : وهذا يعني ألا يقصد المتكلم نقصًاً, و لا يذكر عيبًا و لا سبًا, لكنه يذكر بعض أوصافه, أو يستشهد ببعض أحواله - صلى الله عليه وسلم - الجائزة عليه في الدنيا على طريق ضرب المثل, والحجة لنفسه, أو لغيره, أو على التشبه به, أو عند هضم حقه هو, وليس على طريق التأسي والاقتداء, بل على قصد الترفيع لنفسه أو لغيره, أو على سبيل التمثيل, وعدم التوقير لنبيه - صلى الله عليه وسلم - , أو على قصد الهزل بقوله: وذلك مثل قول القائل: إن قيل فيّ السوء,فقد قيل في النبي, و إن كُذّبت فقد كذب الأنبياء, أو إن أذنبت فقد أذنبوا ,أو أنا أسلم من ألسنة الناس ولم يسلم منهم أنبياء الله و رسوله,أو قد صبرت كما صبر أولوا العزم, أو كصبر أيوب, أو قد صبر نبي الله عن عداه, وحلم على أكثر مما صبرت, و كقول الشاعر المتنبي:
__________
(1) - منح الجليل 9 / 231 , التلقين 2 / 506
(2) - الشفا 2 / 236.
(3) - الشفا 2 / 236, التاج والإكليل 6/285 , الكافي لابن عبد البر 1/585 , الفواكه الدواني 2/203.(1/50)
أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود (1)
3-ولو أن رجلاً عيّر رجلاً بالفقر , فقال: تعيرني بالفقر, و قد رعى النبي - صلى الله عليه وسلم - الغنم ؟ فقال مالك: قد عرض بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير موضعه, أرى أن يؤدب قال: و لا ينبغي لأهل الذنوب إذا عوتبوا أن يقولوا: قد أخطأت الأنبياء قبلنا (2) .
4-و قال عمر بن عبد العزيز لرجل: انظر لنا كاتبًا يكون أبوه عربيًا, فقال كاتب له: قد كان أبو النبي كافرًا, فقال: جعلتَ هذا مثلاً ! فعزله, و قال: لا تكتب لي أبداً (3) .
5- وسئل القابسي: عن رجل قال لرجل قبيح: كأنه وجه نكير, ولرجل عبوس: كأنه وجه مالك الغضبان, فقال: أي شيء أراد بهذا ,و نكير أحد فتاني القبر, و هما ملكان, فإن قصد دمامة خلقه, فهو شديد؛لأنه جرى مجرى التحقير, و التهوين, فهو أشد عقوبة, و ليس فيه تصريح بالسب للملك, و إنما السب واقع على المخاطب,و في الأدب بالسوط, و السجن نكال للسفهاء (4) . ...
3- حكاية أقوال المستهزئين: يعني أن يقول المتكلم قولاً حاكيًا له عن غيره.
فهذا يحتمل وجوها منها ما يعد جريمة, ومنها مالا يعد , فإذا أخبر به على وجه الشهادة ,و التعريف بقائله ,و الإنكار, و الإعلام بقوله, والتنفير منه, والتجريح له فهذا مما ينبغي امتثاله, و يحمد فاعله, وكذلك إن حكاه في كتاب ,أو في مجلس على طريق الرد له, والنقض على قائله و للفتيا بما يلزمه.
و هذا منه ما يجب ,و منه ما يستحب بحسب حالات الحاكي لذلك, والمحُكى عنه:
__________
(1) - شرح ديوان المتنبي 1 / 19, الحلة السيراء 1 / 146) يتيمة الدهر 1 / 35.
(2) - الشفا 2 / 242.
(3) - الشفا 2 / 242.
(4) - الشفا 2 / 242.(1/51)
أ- إذا كان المتكلم من أهل العلم , أو رواية الحديث وجب على سامعه تنفير الناس منه, و الشهادة عليه بما قاله, و وجب على من بلغه ذلك من أئمة المسلمين إنكاره ,و بيان كفره , وفساد قوله لقطع ضرره عن المسلمين ,و قيامًا بحق سيد المرسلين (1) .
ب -و كذلك إن كان ممن يعظ العامة ,أو يؤدب الصبيان, فإن من هذه سريرته لا يؤمن على إلقاء ذلك في قلوبهم, فيتأكد في هؤلاء الإيجاب لحق النبي - صلى الله عليه وسلم - , و لحق شريعته.
ج- فأما حكاية سبه و الازدراء بمنصبه على وجه الحكايات,و الأسمار و الطرف ,و أحاديث الناس ,و مقالاتهم في الغث و السمين , و الخوض في قيل و قال, و ما لا يعني ـ فكل هذا ممنوع ,و بعضه أشد في المنع, والعقوبة في بعضه واجبة بحسب الأحوال.
فما كان من قائله على غير قصد, أو معرفة بمقدار ما حكاه,أو لم تكن عادته,أو لم يكن الكلام من البشاعة حيث هو, و لم يظهر على حاكيه استحسانه,و استصوابه ـ زجر عن ذلك و نهى عن العودة إليه,وإن قوّمه القاضي وأدبه ببعض الأدب فهو مستوجب له (2) .
وإن اتهم فيما حكاه أنه:اختلقه و نسبه إلى غيره ,أو كانت تلك عادة له, أو ظهر استحسانه لذلك أو كان مولعاً بمثله, فحكم هذا حكم الساب نفسه يؤاخذ بقوله ,ولا تنفعه نسبته إلى غيره, فيبادر بقتله (3) .
4-حكم حكاية الهجاء الذي هُجي به - صلى الله عليه وسلم - أو كتابته أو قراءته:
__________
(1) - الشفا 2 / 243.
(2) - الشفا 2 / 245.
(3) - كفاية الأخيار 1 /647 ، الفقه علي المذاهب 4/107 ، الفصل في الملل 3/128 ، أحكام أهل الذمة 3/1457.(1/52)
ذكر القاضي عياض نقلاً عن القاسم بن سلاّم (1) ـ فيمن حفظ شطر بيت مما هجي به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كفر, و قد ذكر بعض من ألف في الإجماع ـ إجماع المسلمين على تحريم رواية ما هجي به النبي - صلى الله عليه وسلم - , وكتابته, وقراءته, وتركه متى وجد دون محو, ورحم الله أسلافنا المتقين المتحرزين لدينهم, فقد أسقطوا من أحاديث المغازي و السير ما كان هذا سبيله ,و تركوا روايته إلا أشياء ذكروها يسيرة, و غير مستبشعة على نحو الوجوه الأول؛ ليروا نقمة الله من قائلها ,و أخذه المفتري عليه بذنبه (2) .
فقد تحرى أبو عبيد القاسم بن سلام- رحمه الله - فيما اضطر إلى الاستشهاد به من أهاجي أشعار العرب في كتبه ,فكنى عن اسم المهجو بوزن اسمه استبراء لدينه, و تحفظاً من المشاركة في ذم أحد, أو نشره, فكيف بما يتطرق إلى عرض سيد البشر - صلى الله عليه وسلم - (3) .
__________
(1) - هو القاسم بن سلام. أبو عبيد كان أبوه روميًا عبدًا لرجل من هراة، أما هو فقد كان إماما في اللغة والفقه والحديث. ولي قضاء طرسوس. مولده وتعلمه بهراة، ورحل إلى مصر وبغداد وحج فتوفي بمكة 224 هـ. من تصانيفه: كتاب الأموال و الغريب المصنف؛ و الناسخ والمنسوخ , ترجمته في: تذكرة الحفاظ 2 /5.
(2) -الشفا 2 / 247.
(3) - الشفا 2 / 247.(1/53)
5-ذكر ما يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - : بمعنى أن يذكر المتكلم ما يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - ,أو يختلف في جوازه عليه,و ما يطرأ من الأمور البشرية به, وتمكن إضافتها إليه, أو يذكر ما امتحن به,و صبر في ذات الله على شدته من مقاساة أعدائه, وأذاهم له, ومعرفة ما صحت منه العصمة للأنبياء, و ما يجوز عليهم ـ فهذا فن خارج عن الأمور الخمسة السابقة إذ ليس فيه نقص ,و لا استخفاف لا في ظاهر اللفظ ,و لا في مقصد اللافظ، لكن يجب أن يكون الكلام فيه مع أهل العلم,و من يفهم مقاصده, وتحقيق فوائده, ويتجنب ذلك من لا يفقه ,أو يخشى به فتنته, فقد كره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف؛ لما انطوت عليه من تلك القصص؛ لضعف معرفتهن, و نقص عقولهن و إدراكهن ,فقد قال - صلى الله عليه وسلم - مخبرًا عن نفسه بالاستئجار لرعاية الغنم في ابتداء حاله, و قال: ما من نبي إلا و قد رعى الغنم (1) ؛ و لهذا قال هرقل ملك الروم ـ حين سأل أبا سفيان (2) عنه: هل في آبائه من ملك ؟ فقال: لا.
__________
(1) - الشفا 2 / 248.
(2) - هو أبو سفيان ابن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس صحابي من سادات قريش في الجاهلية وهو والد معاوية رأس الدولة الأموية أسلم يوم الفتح وأبلى بعد إسلامه وشهد حنيناً والطائف واليرموك وغيرها وتوفي بالمدينة. سنة 31 هجرية - موسوعة الأعلام 1/272(1/54)
ثم قال: و لو كان في آبائه ملك لقلنا: رجل يطلب ملك أبيه, و إذا اليتيم من صفته, و إحدى علاماته في الكتب المتقدمة, و كذلك إذا وصف بأنه أمي, كما وصفه الله به ـ فهي مدحة له و فضيلة ثابتة فيه, و قاعدة معجزته إذ معجزته العظمى في القرآن العظيم, إنما هي متعلقة بطريق المعارف و العلوم مع ما منح - صلى الله عليه وسلم - و فضّل به من ذلك ,و وجود مثل ذلك من رجل لم يقرأ, ولم يكتب, ولم يدرس ـ مقتضى العجب, ومنتهى العبر, والأمية في غيره نقيصة؛ لأنها سبب الجهالة, وعنوان الغباوة, فسبحان من باين أمره من أمر غيره ! و رحم الله مالكاً, فلقد كره التحدث بمثل ذلك من الأحاديث الموهمة للتشبيه, والمشكلة المعنى و قال: ما يدعو إلى التحدث بمثل هذا ؟ فقيل له: إن ابن عجلان يحدث بها, فقال: لم يكن من الفقهاء, و ليت الناس وافقوه على ترك الحديث بها, وساعدوه على طيها ,فأكثرها ليس تحته عمل (1) ،و قد حكي عن جماعة من السلف على الجملة ـ أنهم كانوا يكرهون الكلام فيما ليس تحته عمل, والنبي - صلى الله عليه وسلم - أوردها على قوم عرب يفهمون كلام العرب على وجهه, و تصرفاتهم في حقيقته, ومجازه, واستعارته, وإيجازه, فلم تكن في حقهم مشكلة, ثم جاء من غلبت عليه العجمة وداخلته الأمية, فلا يكاد يفهم من مقاصد العرب إلا نصها, و صريحها, فأما مالايصح من هذه الأحاديث, فواجب ألا يذكر منها شيء في حق الله, و لا في حق أنبيائه, و لا يتحدث بها,و لا يتكلف الكلام على معانيها والصواب طرحها,و ترك الشغل بها إلا أن تذكر على وجه التعريف بأنها ضعيفة واهية الإسناد.
__________
(1) - الشفا 2 / 248.(1/55)
لقد أوجب الله تعالى توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - واحترامه, والتأدب معه بالأدب العالي الرفيع,وحرم الاعتداء على مقامه العظيم - صلى الله عليه وسلم - , ودلت على ذلك الآيات القرآنية, والأحاديث الشريفة (1) . كما دلت أيضاً على تحريم الاعتداء على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأي لون, وبأي نوع من أنواع الإيذاء, بالسب, أو الشتم ,أو القذف , تصريحاً أو تعريضاً ومن ذلك ما يلي:
أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على تجريم الاعتداء على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
1-قول الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ژ الأحزاب: 57. وجه الدلالة من الآية:
أ-أن الآية مطلقة في كل من يتعرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - مسلم أو كافر بالقول أو بالفعل، ويؤيد ذلك ما ورد في سبب نزول الآية (2) .
ب-أن الله قرن أذاه بأذاه كما قرن طاعته بطاعته، فمن آذاه فقد آذى الله تعالى، لأن الأمة لا يصلون ما بينهم و بين ربهم إلا بواسطة الرسول،ليس لأحد منهم طريق غيره، ولا سبب سواه، و قد أقامه الله مقام نفسه في أمره و نهيه و إخباره و بيانه، فلا يجوز أن يفرق بين الله و رسوله في شيء من هذه الأمور.
ج-أنه فرق بين أذى الله و رسوله و بين أذى المؤمنين و المؤمنات، فجعل على هذا أنه احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً, وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا و الآخرة و أعد له العذاب المهين، ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم و فيه الجلد، و ليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل , فدل ذلك على أن أذى الله و رسوله أشد جرمًا وعقوبة من أذى المؤمنين.
د-أنه سبحانه ذكر لعنهم في الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابًا مهينًا.
__________
(1) - يراجع ص15 من البحث.
(2) - يراجع ص11 من البحث.(1/56)
و اللعن: الإبعاد عن الرحمة، و من طرده عن رحمته في الدنيا و الآخرة لا يكون إلا كافرًا، فإن المؤمن يقرب إليها بعض الأوقات، و لا يكون مباح الدم، لأن حقن الدم رحمة عظيمة من الله، فلا يثبت في حقه (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية مبينًا ذلك: و اعلم أنه لا يرد على هذا أنه قد لعن من لا يجوز قتله، لوجوه:
أحدها: أن هذا قيل فيه [ لعنه الله في الدنيا و الآخرة ] فبين أنه سبحانه أقصاه عن رحمته في الدارين، و سائر الملعونين إنما قيل فيهم [ لعنه الله ] أو [ عليه لعنة الله ] و ذلك يحصل بإقصائه عن الرحمة في وقت من الأوقات، وفرق بين من لعنه الله أو عليه لعنة مؤبدة عامة ومن لعنه لعناً.
ثانيها: أن سائر الذين لعنهم الله في كتابه ـ مثل الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، و مثل الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله و يبغونها عوجاً، و مثل من يقتل مؤمنًا متعمدًا ـ إما كافر أو مباح الدم.
ثالثها: أن هذه الصيغة خبر عن لعنة الله، و لهذا عطف عليه: ژژ ڑ ڑ ک ژ الأحزاب: 57 وعامة الملعونين الذين لا يقتلون أو لا يكفرون إنما لعنوا بصيغة الدعاء , و مما يؤيد الفرق أنه قال هنا: ژ ژ ڑ ڑ ک ژ الأحزاب: 57. و لم يجئ إعداد العذاب المهين في القرآن إلا في حق الكفار كقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ النساء: 37. و قوله: ژ ? ? ? ?? ? ژالبقرة: 90. وقوله تعالى: ژں ں ? ? ? ?? ? ہ ہ ژ آل عمران: 178، وقوله تعالىژ ? ? ? ? ? ? ? ٹ ژ الحج: 57. وقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ النساء: 14.
و أما قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ النساء: 14. فهي و الله أعلم فيمن جحد الفرائض، و استخف بها، على أنه لم يذكر أن العذاب أعد له (2) .
2- و قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ التوبة: 61
__________
(1) - الصارم المسلول 1 / 45.
(2) - الصارم المسلول 1 / 45(1/57)
وجه الدلالة: أن الآية عامة كالآية السابقة لم تخص إيذاء دون إيذاء ولا طائفة دون طائفة , فقد توعد الله تعالى كل من يؤذي النبي بالعذاب الأليم, ولا يكون ذلك إلا بسبب عظم جرمه الذي ارتكبه.
3- قول الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ الأحزاب: 53.
4- وقال تعالى: في تحريم التعريض به: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ البقرة: 104. وجه الدلالة من الآية: أن اليهود كانوا يقولون: راعنا يا محمد أي: أرعنا سمعك, و اسمع منا, ويعرضون بالكلمة يريدون الرعونة ,فنهى الله المؤمنين عن التشبه بهم, و قطع الذريعة بنهي المؤمنين عنها؛ لئلا يتوصل بها الكافر, و المنافق إلى سبه, و الاستهزاء به؛ لتذرعهم بها إلى سب النبي - صلى الله عليه وسلم - (1)
__________
(1) - الإحكام لابن حزم 6/184 الصارم المسلول 1/308 عون المعبود 7/238 حاشية البجيرمي 4/269 .(1/58)
5-قوله تعالى: ژ چ چ ? ? ? ? ? ?ژ النور: 63, في الآية نهي من الله تعالى للمسلمين أن يقولوا يا محمد بل يقولوا: يا نبي الله, يا رسول الله في لين وتواضع وخفض صوت. ولقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن التكني بكنيته فقال: تسموا باسمي, و لا تكنوا بكنيتي (1) , وهذا صيانة لنفسه, وحماية عن أذاه إذ كان - صلى الله عليه وسلم - استجاب لرجل نادى: يا أبا القاسم, فقال: لم أعنك إنما دعوت هذا ,فنهى حينئذ عن التكني بكنيته؛لئلا يتأذى بإجابة دعوة غيره لمن لم يدعه و يجد بذلك المنافقون والمستهزئون ذريعة إلى أذاه في دعوة غيره, فينادونه ,فإذا التفت قالوا: إنما أردنا هذا ـ لسواه ـ تعنيتًا له واستخفافًا بحقه على عادة المستهزئين, فحمى - صلى الله عليه وسلم - حمى أذاه بكل وجه (2) .
قال القاضي عياض: حمل العلماء نهيه عن هذا على مدة حياته , وأجازوه بعد وفاته؛ لارتفاع العلة (3) .
وأن ذلك على طريق تعظيمه, و توقيره, و على سبيل الندب, والاستحباب لا على التحريم؛ ولذلك لم ينه عن اسمه؛ لأنه قد كان الله منع من ندائه به.
و قد روى أنس - رضي الله عنه - عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على كراهة التسمي باسمه ,وتنزيهه عن ذلك إذا لم يوقر , فقال: تسمون أولادكم محمدًا ثم تلعنوهم (4) .
__________
(1) - أخرجه البخاري ك العلم ,باب إثم من كذب عليه - صلى الله عليه وسلم - رقم (110) 1 / 52 ومسلم في المقدمة باب تغليظ الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقم 3.
(2) -الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 212 ويراجع: زاد المعاد 2 / 314الخصائص الكبرى 2 / 298
(3) - الشفا 2 / 212سبل الهدى والرشاد 12 /21.
(4) -أخرجه الحاكم في المستدرك ك الأدب 18 /160 وقال: تفرد الحكم بن عطية، عن ثابت.(1/59)
وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: لا يسمي أحد باسم النبي - صلى الله عليه وسلم - حكاه أبو جعفر الطبري (1) ,وهذا محمول على المعنى الوارد في حديث أنس.
وروي أنه نظر إلى رجل اسمه محمد , و رجل يسبه و يقول له: فعل الله بك يا محمد و صنع فقال عمر لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب: لا أرى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يُسب بك ,و الله لا تُدعى محمدًا ما دمت حيًا, و سماه عبد الرحمن ,و أراد أن يمنع أن يسمى أحد بأسماء الأنبياء إكرامًا لهم بذلك, وغير أسماء جماعة تسموا بأسماء الأنبياء, ثم أمسك , والصواب:جواز التسمية باسمه - صلى الله عليه وسلم - بدليل إطباق الصحابة على ذلك, و قد سمى جماعة منهم ابنه محمدًا.
قال في التحرير: لما أرشد الله المؤمنين إلى تناهي مراتب حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكريمه, وحذرهم مما قد يخفى على بعضهم من خفي الأذى في جانبه بقوله: ژے ? ? ? ? ? ژ الأحزاب: 53 وهو قوله: { ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ الأحزاب: 53 , علمهم كيف يعاملونه معاملةالتوقير والتكريم بقوله: ژ ھ ھ ےے ژ الأحزاب: 53, وقوله: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ (2) الأحزاب: 53
__________
(1) - تفسير الطبري 20 / 323 تفسير القرطبي 14 / 238, تفسير البغوي 6 / 375)الفقه على المذاهب الأربعة 4 / 107.
(2) - الشفا 2 / 201 , الروض الأنف 1 / 184.(1/60)
6- وقوله تعالى: ژ ک ک ک ک ژ الكوثر: 3. وجه الدلالة: حرم الله تعالى كل ما يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - , وأخبر سبحانه أن: شانئه هو الأبتر و البتر: القطع (1) ؛ لأنهم قالوا: إن محمدًا ينقطع ذكره؛لأنه لا ولد له , فبين الله أن الذي يشنأه هو الأبتر ,وتوعد كل من شنأه و أبغضه و عاداه, فإن الله يقطع دابره, و يمحق عينه و أثره, و قد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل, أو في كعب بن الأشرف ,و قد رأيت صنيع الله بهم ,و من الكلام السائر [ لحوم العلماء مسمومة ] فكيف بلحوم الأنبياء عليهم السلام ؟ (2) وذكر ابن كثير أنه لما مات القاسم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال العاص بن وائل السهمي: " قد انقطع ولده فهو أبتر " فأنزل الله تعالى: ژ ک ک ک ک ژ الكوثر: 3. وقيل: إن أبا جهل هو الذي قال ذلك (3) .
وقد قيل: كعب بن الأشرف ,ويلزم على هذا القول الأخير أن تكون سورة الكوثر مدنية.
وروى عن محمد بن علي قال: كان القاسم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ أن يركب الدابة ويسير على النجيبة فلما قبضه الله , قال العاص: أصبح محمدًا أبتر من ابنه ,فأنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - : ژ ? ? ژ الكوثر: 1. عوضًا يا محمد من مصيبتك بالقاسم: ژ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک ژ الكوثر: 2 - 3، يعني:إن مبغضك يا محمد وعدوك(هُوَ الأبْتَرُ) يعني بالأبتر: الأقلّ والأذلّ المنقطع دابره، الذي لا عقب له (4) ، وأن هذا شأن كل من يبغض النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (5) .
ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على تجريم الاعتداء على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) - غريب الحديث للحربي 2 / 872 , النهاية في غريب الأثر 1 / 226.
(2) - الصارم المسلول 1 / 17 الروض الأنف 1 / 184.
(3) - تفسير ابن كثير 8 /498 ,. الدر المنثور 8 / 653.
(4) - تفسير الطبري 24 / 656
(5) - فتح القدير 8 /70(1/61)
1- روي عن علي - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:" من سب نبيًا قتل " (1) .
وجه الدلالة: أن الحديث وإن كان ضعيفاً إلا انه يتعضد بمعاني الآيات القرآنية السابقة وهو دليل على وجوب قتل من سب نبياً من الأنبياء.
قال ابن تيمية: هذا الحديث إن كان محفوظاً ,فهو دليل على وجوب قتل من سب نبيًا من الأنبياء، وظاهره يدل على أنه يقتل من غير استتابة، و أن القتل حد له (2) , وهذا يعني تحريم ما يؤدي إليه من السب والإيذاء ونحوهما.
__________
(1) - ذكر في مجمع الزوائد 6 /397 رواه الطبراني في الصغير والأوسط عن شيخه عبيد الله بن محمد العمري رماه النسائي بالكذب أحكام أهل الذمة 3 / 1455 وقال ابن تيمية: رواه أبو محمد الخلال وأبو القاسم الأزجي ورواه أبو ذر الهروي ولفظه من سب نبياً فاقتلوه ومن سب أصحابي فاجلدوه وقال:هذا الإسناد قد ركب عليه متون كثيرة والمحدث به عن أهل البيت ضعيف. يراجع أحكام أهل الذمة 3 / 1457 والفصل في الملل 3 / 128 وذكره في الفوائد 1 / 295 بتصرف الجامع الصغير وزيادته 1 /1240 , قال الشيخ الألباني: (موضوع) انظر حديث رقم: 5616 في ضعيف الجامع.
(2) - الصارم المسلول 1 /98 أحكام أهل الذمة 3 1457(1/62)
2- روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - (1) قال: قال رسول الله:" الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن أذاني فقد آذى الله ومن أذى الله أوشك أن يأخذه " (2) .
فهذا الحديث يفيد تحريم إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة وتفصيلاً, و تصريحًا, وتعريضًا , وأن إيذاءه سبب من أسباب اللعنة في الدنيا والآخرة , وموجب للعذاب الأليم,والعلة في تحريم الإيذاء على الناس جميعًا أنه - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين كافة, فحتى تعم رحمته العالمين يجب ألا يتعرضوا لإيذائه بل يجب الإيمان به.
ثالثاً: الدليل من المعقول على تجريم سب وإيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم -
أما الدليل من المعقول على تجريم سب وإيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتقريره من وجوه منها مايلي:
__________
(1) - عبد الله بن مغفل بن عبد غنم و يقال ابن عبد نهم بن عفيف كان من أصحاب الشجرة. سكن المدينة ثم تحول عنها إلى البصرة وابتنى بها داراً قرب المسجد الجامع توفي بالبصرة سنة ستين وصلى عليه أبو برزة. الإستيعاب في معرفة الأصحاب 1 /305.
(2) - أخرجه الترمذي, كتاب المناقب , رقم (3862) 5 /696 وقال الشيخ الألباني: ضعيف, مسند أحمد بن حنبل حديث عبد الله من مغفل المزني رضي الله عنه , رقم (20568) 5 / 54, وفي تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لأن عبد الله بن عبد الرحمن مختلف في اسمه.(1/63)
الوجه الأول: أن سب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يكون ـ من حيث هو سب ـ بمنزلة سب غيره من المؤمنين لأنه عليه الصلاة والسلام يباين المؤمنين من أمته في عامة الحقوق فرضًا وحظرًا وغيرهما مثل: وجوب طاعته, ووجوب محبته, و تقديمه المحبة على جميع الناس, و وجوب تعزيره وتوقيره على وجه لا يساويه فيه أحد, ووجوب الصلاة عليه والتسليم إلى غير ذلك من الخصائص التي لا تحصى، و في سبه إيذاء لله ولرسوله ولسائر المؤمنين من عباده، و أقل ما في ذلك أن سبه كفر و محاربة و سب غيره ذنب و معصية.
و معلوم أن العقوبات على قدر الجرائم فلو سُويّ بين سبه و سب غيره لكان تسوية بين غير متساويين و ذلك لا يجوز.
الوجه الثاني: أن سب رسول الله عليه الصلاة و السلام ـ مع كونه من جنس الكفر و الحراب ـ أعظم من مجرد الردة عن الإسلام ,فإنه من المسلم ردة و زيادة , فإذا كان كفر المرتد قد تغلظ لكونه قد خرج عن الدين بعد أن دخل فيه, فأوجب القتل عيناً ,فكفر الساب الذي آذى الله ورسوله وجميع المؤمنين من عباده أولى بالتغليظ؛ لأن مفسدة السب في أنواع الكفر أعظم من مفسدة مجرد الردة (1) .
في هذا الفرع أتناول المسائل الآتية:
1-حكم سب الأنبياء غير نبينا عليهم الصلاة والسلام
2-الفرق بين سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين سب الله تعالى
3-حكم سب معبودات غير المسلمين
أولاً: حكم سب الأنبياء غير نبينا عليهم الصلاة والسلام
__________
(1) - الصارم المسلول 1 /304.(1/64)
لا خلاف بين العلماء في أن: الحكم في سب سائر الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - كالحكم في سب نبينا - صلى الله عليه وسلم - (1) , فمن سب نبياً مسمى باسمه من الأنبياء المعروفين المذكورين في القرآن, أو موصوفاً بالنبوة ـ مثل أن يذكر في حديث أن: نبياً فعل كذا, أو قال كذا, فيسب ذلك القائل, أو الفاعل مع العلم بأنه نبي ,و إن لم يعلم من هو, أو يسب نوع الأنبياء على الإطلاق ـ فالحكم في هذا كما تقدم في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن الإيمان بهم واجب عمومًا , وواجب الإيمان خصوصًا بمن قصه الله علينا في كتابه, و سبهم كفر وردة, ومحاربة لله ورسوله, إن كان من مسلم , وإن ذلك من خصائص الأنبياء,لأن من سب نبيًا من الأنبياء ,فقد ارتكب كبيرة من الكبائر باتفاق الأئمة,وكان كالمرتد لو كان مسلمًا (2) , وكذلك لو كان السب من ذمي, فلا ريب أن الجرم منهم ليس كهو من غيرهم , كما أن جرم ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من جرم ساب غيره؛ لأن حرمته - صلى الله عليه وسلم - أعظم من حرمة غيره ,و إن شاركه سائر إخوانه من النبيين, و المرسلين في أن سابهم جميعًا مرتكب جريمة من أكبر الجرائم , وهي تجعله مهدر الدم. يعني حلال الدم أي:لا حرمة له (3) .
قال ابن عابدين: إذا شتم أحداً من الأنبياء كفر، و الكفر بشتم الأنبياء كفر ردة، فإن تاب وإلا قتل (4) .
__________
(1) - حاشية ابن عابدين 4/235, درر الحكام شرح غرر الأحكام 3/408، شرح مختصر خليل 8/68، الاستذكار 4/403، مواهب الجليل 6/282, المجموع 19/ 427، الإنصاف 7/224، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 7/268.
(2) - حاشية ابن عابدين 4 / 235)لقوانين الفقهية 1 /240. التاج والإكليل 6 / 286و لشرح الكبير 4/309 روضة الطالبين 10 /64.
(3) - الصارم المسلول 1 / 567 , مجموع الفتاوى 10 / 290 , حاشية البجيرمي 4 /69.
(4) - حاشية ابن عابدين 4 / 235(1/65)
ونقل القاضي عياض عن الإمام مالك: فيمن شتم الأنبياء أو أحدًا منهم أو تنقصه قتل ولم يستتب , ومن سبهم من أهل الذمة قتل إلا أن يسلم ,وعن ابن القاسم: من سب الأنبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كفر فاضرب عنقه إلا أن يسلم (1) . وهذا يعني أن حكم من سب سائر أنبياء الله تعالى, أو استخف بهم أو كذبهم فيما أتوا به أو أنكرهم وجحدهم , حكم من فعل ذلك مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - .
ويتفرع على ذلك فروع من أهمها ما يلي:
1- من أضاف إلى نبي من الأنبياء تعمد الكذب فيما بلغه, أو سبه أو شتمه كأن يقول مثلاً: إنه لم يبلغ أو استخف به, أو بأحد, أو أزرى عليه, أو آذاه، أو قتله أو حاربه فهو كافر بإجماع العلماء (2) .
2- سئل ابن تيمية عن رجل لعن اليهود ,ولعن دينهم وسب التوراة: فهل يجوز لمسلم أن يسب كتابهم أم لا ؟ فأجاب - رحمه الله - بأنه: ليس لأحد أن يلعن التوراة ,بل من أطلق لعن التوراة فإنه يستتاب, فإن تاب وإلا قتل, وإن كان ممن يعرف أنها منزلة من عند الله ,وأنه يجب الإيمان بها: فهذا يقتل بشتمه لها ,ولا تقبل توبته في أظهر قولي العلماء، وأما إن لعن دين اليهود الذي هم عليه في هذا الزمان,فلا بأس به في ذلك ,فإنهم ملعونون هم ودينهم ,وكذلك إن سب التوراة التي عندهم بما يبين أن قصده ذكر تحريفها مثل:أن يقال نسخ هذه التوراة مبدلة لا يجوز العمل بما فيها,ومن عمل اليوم بشرائعها المبدلة, والمنسوخة, فهو كافر. فهذا الكلام ونحوه حق لا شيء على قائله (3) .
__________
(1) - الشفا 2 /302
(2) - الشفا 2 / 302 , الفقه على المذاهب الأربعة 4 / 107.
(3) - الفتاوى الكبرى 3 / 515.(1/66)
3- قال ابن قدامة (1) : ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحًا, أو جادًا.
ثم فرع على ذلك فقال: وكذلك من استهزأ بالله تعالى, أو بآياته, أو برسله, أو كتبه لقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ژ التوبة: 65 - 66 وينبغي أن لا يكتفي من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام حتى يؤدب أدباً يزجره عن ذلك, فإنه إذا لم يكتف ممن سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوبة , فممن سب الله تعالى أولى (2) .
وقد نقل ابن تيمية عن الإمام أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه ـ و هو أحد الأئمة يعدل بالشافعي و أحمد ـ قوله: وقد أجمع المسلمون أن: من سب نبيًا من أنبياء الله, أو سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , أو دفع شيئًا مما أنزل الله, أو قتل نبيًا من أنبياء الله,أنه كافرًا بذلك حتى و إن كان مقرًا بما أنزل الله (3) .
ثانياً: الفرق بين سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين سب الله تعالى
__________
(1) -هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة. من أهل جماعيل من قرى نابلس بفلسطين. خرج من بلده صغيرا مع عمه عندما ابتليت بالصليبيين واستقر بدمشق واشترك مع صلاح الدين في محاربة الصليبيين. رحل في طلب العلم إلى بغداد أربع سنين ثم عاد إلى دمشق. من تصانيفه المغني في الفقه شرح مختصر الخرقي و الكافي والمقنع العمدة وله في الأصول روضة الناظر توفي سنة 620 هـ , يراجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ص 133 - 146.
(2) -المغني 10 / 103 , الجواب الصحيح 3 / 188, الصفدية 2 / 311 ، الفقه على المذاهب الأربعة 4/107.
(3) - الصارم المسلول 1 / 513.(1/67)
يفرق بين سب النبي - صلى الله عليه وسلم - و بين سب الله تعالى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر, و البشر جنس تلحقه المعرة إلا من أكرمه الله بنبوته, فقد حمى الله أنبياءه وعلى رأسهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من أن تلحقهم المعرة بالشتم, أو السب ,فمقاماتهم فوق مقامات البشر, وإنما يعاقب المعتدي عليهم للاستخفاف بهم, والازدراء, وكذلك سب البارئ سبحانه وتعالى لا يلحقه معرة بالشتم ونحوه؛ لأنه سبحانه وتعالى منزه عن جميع المعايب قطعًا,و ليس من جنس تلحق المعرة بجنسه , والباري سبحانه وتعالى منزه عن سائر العيوب بشهادة: ژ ? ? ?? ? پ پ پ پ ? ? ?? ? ?? ? ? ?? ? ٹ ٹ ژ الشورى: 11. فلا يلحقه نقص ولا معرة، فشدد عليه لئلا يسبق إلى فهم السامع حقيقة الكلام (1) ، و ليس سبه - صلى الله عليه وسلم - كالارتداد المقبول فيه التوبة؛لأن الارتداد معنى ينفرد به المرتد, لا حق فيه لغيره من الآدميين ,فقبلت توبته ,أما سب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد تعلق فيه حق لآدمي للحوق المعرة فيه بمن يتبعه من البشر, لا بمقامه كما سبق,فهو محمي من قبل الله تعالى.
ثالثاً: حكم سب معبودات غير المسلمين
نهى الإسلام المسلمين عن سب معبودات غير المسلمين حتى لا يكون ذلك ذريعة لهم لكي يسبوا الله تعالى أو يسبوا نبيه - صلى الله عليه وسلم - .
والدليل على ذلك: قوله تعالى: ژ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ الأنعام: 108
وسبب نزولها: ما روي أنه كان المسلمون يسبون أوثان الكفار، فيردّون ذلك عليهم، فنهاهم الله أن يستسِبُّوا لربهم، فإنهم قومٌ جهلة لا علم لهم بالله (2) .
__________
(1) - ا الفواكه الدواني 2 / 203 ،204
(2) - تفسير الطبري 12 / 34.(1/68)
وعن ابن عباس في هذه الآية: قالوا: يا محمد، لتنتهين عن سبك آلهتنا، أو لنهجون ربك، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانه (1) ژ ? ? ? ? ?? ژ والمعنى: ولا تسبوا أيها المؤمنون آلهة المشركين الباطلة , فيترتب على ذلك أن يسب المشركون معبودكم الحق جهلاً منهم وضلالاً, وهذا دليل على أنه يجوز ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها.
ووجه النهي عن سب أصنامهم يتلخص فيما يلي:
1- أن السب لا تترتب عليه مصلحة دينية،لأن المقصود من الدعوة هو: الاستدلال على إبطال الشرك وإظهار استحالة أن تكون الأصنام شركاء لله -تعالى - فذلك الذي يتميز به المحق من المبطل، فأما السب فإنه مقدور للمحق وللمبطل فيظهر بمظهر التساوي بينهما، وربما استطاع المبطل بوقاحته وفحشه مالا يستطيعه المحق،فيلوح للناس أنه تغلب على المحق. على أن سب آلهتهم لما كان يحمى غيظهم ويزيد تصلبهم صار منافيًا لمراد الله من الدعوة فقد قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ژ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھھ ے ے ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ النحل: 125, وأصبح هذا السب متمحضًا للمفسدة وليس مشوبًا بمصلحة، وليس هذا مثل تغيير المنكر إذا خيف إفضاؤه إلى مفسدة، لأن تغيير المنكر مصلحة بالذات وإفضاؤه إلى المفسدة بالعرض. وذلك مجال تتردد فيه أنظار العلماء المجتهدين بحسب الموازنة بين المصالح والمفاسد قوةً وضعفًا وتحققًا واحتمالاً، وكذلك القول في تعارض المصالح والمفاسد كلها (2) .
2- أن ذلك يؤدي إلى المعصية بسب الله تعالى والذي يجب علينا نحو هذه المعبودات هو بيان بغضها وأنه لا تجوز عبادتها، وأنها لا تضر ولا تنفع، وأنها لا تستحق العبادة، وهذا ليس بسب (3) .
-
__________
(1) - تفسير ابن كثير 3 / 314.
(2) - تفسير ابن كثير 3 / 315 و الوسيط للشيخ سيد طنطاوي 1 / 1518.
(3) - الوسيط للشيخ سيد طنطاوي 1 / 1519.(1/69)