زوجات النبي (ص)- سعيد أيوب
زوجات النبي (ص)
سعيد أيوب(1/)
زوجات النبي (ص)(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم(1/2)
سعيد أيوب زوجات النبي (ص) قراءة في تراجم امهات المؤمنين في حركة الدعوة دار الهادي(1/3)
جميع الحقوق محفوظة الطبعة الاولى 1997 م - 1417 / 8 ه دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع هاتف 820320 - 834265 - فاكس: 603379 - 821203 ص.
ب: 286 / 25 غبيري - بيروت - لبنان(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا "، والصلاة والسلام على محمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم.
النبي الأمي الذي أرسله الله شاهدا " ومبشرا " ونذيرا ".
وداعيا " إلى الله بإذنه وسراجا " منيرا ".
وبعد: لا شك في أن ما يختزنه الماضي من أحداث جرت على إمتداد المسيرة البشرية.
قد تعرض لأمور وضعت الباحث عن الحقيقة في دائرة مضنية شاقة.
وفي جميع الأحوال كان الباحث يصل إلى نقاط بحثه بمراكب العسر لا اليسر.
وكانت الحقائق تظهر إما مختصرة ويقام بها حجة.
وإما بها إلتباس لا ينسجم مع الفطرة ويتطلب بحثها جهدا " جديدا ".
وإما مشوهة يراد بها فتنة، ويعود ذلك لعدم الأمانة في النقل أو لسوء الحفظ أو لعدم الدقة في النسخ وتخزين المادة، وعلى إمتداد المسيرة جمع السلف ودون الخلف وبحث الباحثون.
وشاء الله تعالى في عصرنا الحاضر ان تتسع دائرة المعارف وأن تتراكم المعلومات تحت سقف الفهرسة والتخريج والبرامج.
ليقف أصحاب العقول على الحقائق التي في بطون الماضي.
وتقام الحجة ويحمل أولوا الألباب مشاعل الفطرة التي تسوق الناس إلى صراط الله العزيز الحميد.
ومن العجيب أنه في ظل تدفق المعلومات، غير أن أجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله ما زالت تقف في ظلمات الماضي، متاجرة(1/5)
بما فيه إلتباس بين الحق وبين الباطل، أو بما يراد من ورائه تشويه الدين الحق.
والأعجب من ذلك إنهم على هذه الحال يدعون أنهم دعاة حقوق الإنسان وأصحاب التنوير والعصرية.
إلى غير ذلك من الأسماء التي تتلحف بلحاف الزينة الشيطانية.
وتسير بين الناس بعجلات الإغواء.
رغبة في الحفاظ على مكاسب طريق الإنحراف والفتن.
والتي جمعوها على إمتداد المسيرة من مستنقعات الوحل والدنس والعار.
إن المد الإسلامي في عصرنا الحاضر يعرض المعارف التي تنسجم مع الفطرة وتحترم العقل وتسوق الناس إلى الصراط المستقيم.
الذي يحقق لسالكه سعادة الدنيا والآخرة.
وأمام هذا المد خرجت جحافل الليل المغبر بحملات ضد الإسلام، الهدف من روائها إعاقة العجلة الإسلامية، وهذه الحملات قام بها بعض من ينتسبون إلى الإسلام الذين وصفتهم الأحاديث الشريفة بأن السنتهم ألسنة العرب وسننهم سنن الذين من قبلهم من أهل الكتاب، أو إن السنتهم ألسنة العرب وقلوبهم قلوب العجم، كما شارك في هذه الحملات المتخصصون من أهل الكتاب، وحملت أجهزة الفاكس وصناديق البريد رسائل هؤلاء وهؤلاء، يدعون فيها إن الإسلام دين السيف ولا يعتمد الكلمة في دعوته، وهذا الإدعاء يذهب هباء أمام أيسر تحقيق يقوم به أقل المسلمين شأنا "، وإدعوا أن تخلف المسلمين وفساد معاشهم وأخلاقهم يعود إلى القوانين الدينية الدائرة بينهم، وقالوا لو كان الإسلام دينا " واقعيا " وكانت القوانين الموضوعة فيه جيدة متضمنة لصلاح الناس وسعادتهم، لأثرت فيهم الآثار الجميلة.
ولا يختلف أصحاب البصائر والأفهام على إن الدين طريقة خاصة في الحياة تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي وان ينبوع دين الله فطرة الإنسان نفسه.
والدين الخاتم طريقة إجتماعية تلازم الفطرة.
وهذه الطريقة جعلها الله تعالى على عاتق الناس.
ليتميز أهل الحق وأهل(1/6)
الباطل.
فمن سلك طريق الدين نجا ومن لم يستقم سقط وهلك، وأجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله خلطوا بين القوانين الدينية وبين حركة الناس تحت سقف الإمتحان والإبتلاء الإلهي، ولم يروا تحت هذا السقف
إلا الذين فسدت أخلاقهم.
ولما كان إدعاؤهم إن القوانين الإسلامية لم تقو على إصلاح الناس ومحق الرذائل، إدعاء لا أساس له على مائدة الفطرة والبحث العلمي، قلنا إن نسأل: لماذا لم تصلح قوانين الغرب الناس هناك ؟ وما القول في الديمقراطية وغيرها ؟ التي تاجرت بكل شذوذ وإنحراف وإنتهت إلى دوائر الأيدز والمخدرات والإنحلال ورفعت أعلام الفساد في الأرض ورايات التجويع والتخويف، ولماذا لم تصلح القوانين الاشتراكية أصحابها ؟ وما القول في تفتت الدول الشيوعية وذهاب هيبتها، والجميع في الشرق والغرب عاشوا طويلا " تحت وهم إن قوانينهم من أحكم القوانين وأعظمها.
إن الإنحطاط الذي نراه على رقعة العالم الإسلامي، جذوره مغروسة في قوانين الشرق والغرب، ولا علاقة لقوانين الدين الإسلامي به، إن جحافل الليل المغبر لا تتاجر في الحقيقة إلا بما صنعوا ولا يرفعون إلا أعلام دائهم، ولقد إدعوا أيضا " إن رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم لم يقنع بما شرعه لأمته من زواج أربع نسوة، حتى تعدى إلى أكثر من عشرة نسوة، وقالوا إن تعدد الزوجات لا يخلو من الإنقياد لداعي الشهوة، وهذا قول سقيم وتفكير غير مستقيم، ونحن في هذا الكتاب سنلقي بعض الضوء على تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحكمة التي من ورائه، كما نقدم نبذة من تراجم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ومن خلال سيرتهن سنلقي ضوءا على حركة الدعوة الإسلامية، ونرجو من وراء ذلك أن يرى الباحث المتعمق المنصف أن الزواج لم يكن لداعي الشهوة كما قالت أجهزة ومؤسسات الصد، وإنما كان جزءا لا يتجزأ من حركة(1/7)
الدعوة رهي تقيم حجتها على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأسأل الله تعالى السداد والرشاد فإنه خير معين وهاد.
تأملات في حكمة تشريع الزواج من أربع نساء: من السنن الجارية في غالب الأمم القديمة اتخاذ الزوجات المتعددة.
فهذا التعدد كان سنة جاربة في الهند والصين والفرس ومصر.
وكان الروم واليونان ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يصاحبونها.
ومما لا شك فيه إن بعض الأمم كاليهود والعرب كان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين وأزيد.
ولقد ذكرت التوراة الحاضرة إن سليمان الملك تزوج مئات من النساء من قبائل وشعوب كثيرة.
موآبية وعمونية وادومية وصيدونية وحيثيه ومصرية إلى غير ذلك (1) ولقد جرت سنة إتخاذ الزوجات في الأمم القديمة لحاجة رب البيت إلى الجمع وكثرة الأعضاء، وكان يقصد بهذه الرغبة في التكاثر.
أن يهون له أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشته.
وليكون ذلك وسيلة يتوسل بها إلى الترؤس والسؤدد في قومه.
فبقدر التكاثر في البنين والتكاثر في الأقرباء بالمصاهرة يكون القرب بين بسط اليد والترؤس والسؤدد.
وعندما بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وجاء بالدين الفطري.
قام الإسلام بتنظيم جميع نواحي الحياة الإنسانية.
ولما كان المجتمع العائلي: الذي هو نفس الحياة الزوجية قاعدة للمجتمع.
فإن الإسلام نظر إلى علاقة الرجل بالمرأة ووضع أمر الإزدواج موضعه الطبيعي.
فأحل النكاح وحرم الزنا والسفاح.
وأقام الإسلام نظاما " للتربية يقوم على الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع، وبالجملة: نظم الإسلام الحياة من القاعدة إلى جميع نواحي الحياة الإنسانية.
وجعل جميع
__________
(1) سفر الملوك الأول 11 / 1 - 8.
(*)(1/8)
الحياة ذات أدب، وبسط الإسلام على معارفه رداء التوحيد لأن التوحيد هو العامل الوحيد الذي يحرس الأخلاق الفاضلة ويحفظها في ثباتها ودوامها، وما تهددت الإنسانية بالسقوط والإنهدام إلا بإبتعادها عن التربية الحقة.
فهذا الإبتعاد أبطل فضيلة التقوى وأرسى قواعد القسوة والشدة.
ولازم ذلك إبتعاد العلوم المفيدة وإقتراب النواقص التي تحيط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة، ومما لا شك فيه إن المعارف الحقة والعلوم المفيدة التي تسوق الإنسان إلى صراط الله المستقيم.
لا تكون في متناول البشر إلا عندما تصلح أخلاقه.
ولا تصلح الأخلاق إلا بالتربية التي يقوم عمودها الفقري على التوحيد.
ولما كان تعدد الزوجات سنة جارية على إمتداد المسيرة البشرية.
فإن الإسلام شرع التعدد وجعل له ضوابط وشروط.
والإسلام لم يشرع تعدد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل.
وإنما نظر في طبيعة الأفراد وما ربما يعرضهم من العوارض الحادثة، فالتعدد له أسبابه وتشريعه حفظا " لمصلحة المجتمع الإنساني.
ولقد إعتنى الدين في تهذيبه للأخلاق أن لا تختزن الشهوة في الرجل أو المرأة لأن ذلك يدعو إلى التعدي إلى الفجور والفحشاء.
فوضع الإسلام الضوابط التي معها يرتفع هذا الحرمان ومنها الصوم أو الزواج.
ونظرا " لأن المرأة الواحدة ربما إعتذرت فيما يقرب من ثلث أوقات المعاشرة والمصاحبة.
كأيام العادة وبعض أيام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك.
رفع الإسلام الحاجة الغريزية بالتعدد وفقا " لشروطه.
ولم
يقصد من وراء التعدد رفع الحاجة الغريزية فحسب.
وإنما إعتمدت الشريعة في مقاصدها تكثير نسل المسلمين وعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم.
عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد.
وكما ذكرنا إن التعدد لم يشرع على نحو الإيجاب والفرض على كل(1/9)
رجل.
وإنما تقوم قاعدته على العدل.
فالإسلام إستقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها.
وعلى هذه الخلفية أباح التعدد حفظا " لمصلحة المجتمع الإنساني.
وقيد التعدد بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد وهو وثوق الرجل بأنه سيقسط بينهن ويعدل.
فمن وثق من نفسه بذلك ووفق له.
فهو الذي أباح له الدين تعدد الزوجات.
قال صاحب تفسير الميزان: إن الإسلام شرع الإزدواج بواحدة.
وأنفذ التكثير إلى أربع.
بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، وشرط الإسلام على من يريد من الرجال التعدد أن يقيم العدل في معاشرتهن بالمعروف وفي القسم والفراش.
وفرض لهن نفقتهن ثم نفقة أولادهن، ولا يتيسر الإنفاق على أربع نسوة مثلا " ومن يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك.
لا يتيسر ذلك إلا لبعض أولى الطول والسعة من الناس لا لجميعهم، أما هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم.
ولا كرامة عندهم إلا ترضية بطونهم وفروجهم.
ولا مفهوم للمرأة عندهم إلا أنها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذته.
فلا شأن للإسلام فيهم.
إن الإسلام جاء بمعارف أصلية وأخلاقية وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء.
ولما أن كانت الحياة الزوجية هي قاعدة
المجتمع، ولما كانت هذه الحياة ربما تتعرض لبعض العوارض، ولما كان الإسلام يقصد من وراء تكثير النسل عمارة الأرض بين مجتمع مسلم عمارة صالحة.
فإن الإسلام حدد لكل داء دواؤه.
لأن فساد بعض الأجزاء يوجب تسرب الفساد إلى الجميع.
فالتعدد دواء لداء معين.
ولا يكون صحيا " إلا إذا قام على العدل والقسط وتدثر بدثار الأخلاق الفاضلة والأدب، وانطلق إلى هدف الإسلام وغايته.(1/10)
تأملات في حكمة تعدد أزواج النبي صلى الله عليه واله وسلم: مما سبق يرى الباحث المتدبر أن الإسلام شرع للمسلمين الازدواج بواحدة.
وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن وإصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، فهذا على مستوى القاعدة ويعم جميع المسلمين، والتعدد على مستوى القاعدة غير التعدد على مستوى القمة وأقصد بها النبوة، لأن النبي توفرت فيه جميع الشروط التي تجعله يسوق الناس إلى صراط الله الحميد، فهو أول شخص يخلص الدين لله ويسلم بما يدعو الآخرين إليه.
وعلى هذه الخلفية لا يمكن بحال أن ينطلق التعدد من داعي الشهوة أو يقود إلى داعي الشهوة كما قال بعضهم.
ويضاف إلى ما ذكرنا أن الرسول مؤيد بالعصمة.
مصون من الخطأ والغفلة في تلقي الوحي من الله وحفظه وتبليغه.
والله تعالى يصونه من الخطأ في جميع أمور الدين وتشريع القوانين.
وعلى هذه الخلفية لا يجوز لمقولة داعي الشهوة أن تطرح على مائدة البحث.
إن الإسلام أنفذ التكثير إلى أربع بشرط القسط بينهن، وفي هذا الباب كان للنبي صلى الله عليه وآله مختصات منعت عنها الأمة.
وكان
التعدد بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسيلة من وسائل تشريع القوانين.
ومن باب التعدد خرجت أحاديث عن أمهات المؤمنين تبين حركة الرسول وسكونه في بيته.
ورويت الأحاديث الذي تبين قمة العدل والقسط بين النساء.
وتبين حسن معاشرتهن ورعاية جانبهن.
ورويت أحاديث الاخبار بالغيب وفيها حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه من الفتن وبين لأمته الأعمال التي تحقق سعادة الدارين.
وهذه الأحاديث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث بها وهو يبكي في فراشه.
أو وهو يبكي في وجود جبريل عليه السلام.(1/11)
إن ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحته وسكونه وبكائه وما شرعه للمرأة وللطفل وللأسرة.
يستند أول ما يستند على تعدد الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلى خلفية تعدد الرواة يمكن للباحث المنصف أن يفهم الحكمة التي وراء تعدد الزوجات في هذا الشأن.
وبالنظر في المسيرة النبوية وفي تراجم الرجال.
نجد أن الكفار والمشركين والمنافقين لم يعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعدد زوجاته على الرغم من أنهم كانوا يتربصون به الدوائر.
وعدم إحتجاجهم يعود إلى معرفتهم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم له مختصات منعت عنها الأمة.
وان حكم الزيادة على الأربع كصرم الوصال وغيره من الأمور التي تختص بالنبي وعلموها وشاهدوها زمن البعثة.
والباحث في حركة الدعوة يعلم أن مسألة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ترتبط بآيات متفرقة كثيرة في القرآن الكريم.
وللوقوف على الحكمة التي وراء التعدد يجب البحث في كل جهة من الجهات التي أشار إليها القرآن وبينتها السنة المطهرة، وعلى سبيل المثال ذكر القرآن أن الله تعالى هو الذي زوج رسوله صلى الله عليه وآله إمرأة زيد.
وقد كان زيد هذا يدعى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نحو التبني.
وكانت زوجة المدعو ابنا " في ذلك الحين كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب.
فكان حكم الله تعالى وطلق زيد زوجه.
وتزوج بها النبي صلى الله عليه وآله ونزل فيها آيات.
وكما أخبر القرآن بأن الله تعالى هو الذي زوج رسوله.
بين القرآن أن الله تعالى حرم على رسوله بعد اللاتي إخترن الله ورسوله.
رلا أن يطلق بعضهن ويتزوج مكانها من غيرهن.
وبالجملة: أخبر القرآن الكريم إن الله تعالى هو الذي أمر بالزواج.
وإنه تعالى زوج...إحداهن من رسوله.
وإنه(1/12)
جل شأنه هو الذي حرم على الرسول الزيادة والتبديل.
فما لهؤلاء لا يفقهون حديثا ".
ومن الآيات القرآنية التي أمر فيها الله تعالى رسوله بالإزدواج.
قوله تعالى (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك.
وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك.
وإمرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين.
قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم.
لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا " رحيما ".
ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء.
ومن أبتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين
بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما " حليما ".
لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيبا " (1).
قال صاحب تفسير الميزان: أحل الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعة أصناف من النساء: (الصنف الأول) ما في قوله (أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) والمراد بالأجور: المهور (الثاني) ما في قوله (وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك) أي: من يملكه من الإماء الراجعة إليه من الغنائم والأنفال.
وذكر ابن كثير في تفسيره: إن الله أباح له التسري مما أخذ من المغانم.
وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما وملك مارية القبطية أم ابنه إبراهيم وكانت من السراري رضي الله عنها (2).
قال صاحب الميزان: (والثالث والرابع) ما في قوله (وبنات عمك (*) (1) سورة الأحزاب آيات 50 - 52.
(2) تفسير ابن كثير 399 / 3.
(*)(1/13)
وبنات عماتك) قيل: يعني نساء قريش (والخامس والسادس) ما في قوله (وبنات خالك وبنات خالاتك) قيل: يعني نساء بني زهرة.
وقوله (اللاتي هاجرن معك) قال في المجمع: هذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل.
(والسابع) ما في قوله تعالى (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنيي إن أراد النبي أن يستنكحها) وهي المرأة المسلمة التي بذلت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
بمعنى: إن ترضى أن يتزوج بها من غير صداق ومهر.
فإن الله أحلها له إن
أراد أن يستنكحها.
وقوله تعالى (خالصة لك من دون المؤمنين) إيذانا " بأن هذا الحكم.
أي حلية المرأة للرجل ببذل النفس، من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم لا يجرى في المؤمنين.
وقوله تعالى بعده (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم " تقرير لحكم الإختصاص وقوله تعالى (لكيلا يكون عليك حرج) تعليل لقوله في صدر الآية (إنا حللنا لك) أو لما في ذيلها من حكم الإختصاص.
وذكر ابن كثير: قال قتادة في قوله (خالصة لك من دون المؤمنين) ليس لأمرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (1).
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) بالسياق يدل على أن المراد به أنه صلى الله عليه وآله وسلم على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو رده.
وقال ابن كثير: إن المراد بقوله (ترجي) أي تؤخر في (من تشاء منهن) أي من الواهبات (وتؤوي إليك من تشاء) أي من شئت قبلتها ومن شئت رددتها (2).
__________
(1) المصدر السابق 500 / 3.
(2) المصدر السابق 501 / 3.
(*)(1/14)
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى (ومن إبتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) أي: ومن طلبتها من اللاتي عزلتها ولم تقبلها.
فلا إثم عليك ولا لوم.
أي: يجوز لك أن تضم إليك من عزلتها ورددتها من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لك بعد العزل والرد، ويمكن أن يكون إشارة
إلى أن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم بين نسائه.
وأن يترك القسم فيؤخر من يشاء منهن ويقدم من يشاء.
ويعزل بعضهن من القسم.
فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل.
وهو أفقه لقوله بعده (ذلك أدنى أن تقر أعينهن..) الآية وذلك لسرور المتقدمة بما قسمت له.
ورجاء المتأخرة أن تتقدم بعد وذكر ابن كثير في معنى الآية (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن) أي: إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم فإن شئت قسمت وإن شنت لم تقسم.
لا جناح عليك في أي ذلك فعلت.
ثم مع هذا أن تقسم لهن إختيار منك لا أنه على سبيل الوجوب.
فرحن بذلك واستبشرن به وحملن جميلتك في ذلك.
وأعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن وإنصافك لهن وعدلك فيهن (1).
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك) ظاهر الآية لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها: تحريم النساء له صلى الله عليه وآله وسلم إلا من خير هن فإخترن الله.
ونفي التبدل بهن يؤيد ذلك.
لكن لو فرضت متصلة بما قبلها وهو قوله تعالى (إنا أحللنا لك) الآية.
كان مدلولها تحريم ما عدا المعدودات.
وفي بعض الروايات عن بعض أئمة أهل البيت إن المراد بالآية: محرمات النساء المعدودة في قوله تعالى من سورة النساء آية 23 (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) الآية، وقوله تعالى (ولا أن تبدل بهن من أزواج) أي: أن تطلق بعضهن
__________
(1) المصدر السابق 501 / 3.
(*)(1/15)
وتزوج مكانها من غيرهن، وقوله (إلا ما ملكت يمينك) يعني: الإماء.
وهو استثناء من قوله في صدد الآية (لا يحل لك النساء) (1).
وذكر ابن كثير في تفسيره: (لا يحل لك النساء من بعدا أي من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك.
وبنات العم وبنات العمات وبنات الخال وبنات الخالات والواهبة.
وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك.
وهذا مروى عن أبي بن كعب ومجاهد.
وروي عن رجل من الأنصار قال.
قلت لأبي بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توفين، أما كان له أن يتزوج ؟ فقال: وما يمنعه من ذلك ؟ قال: قلت: قول الله تعالى (لا يحل لك النساء من بعد) فقال: إنما أحل له ضربا " من النساء.
فقال تعالى (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) إلى قوله تعالى (إن وهبت نفسها للنبي) ثم قيل له (لا يحل لك النساء من بعد).
وروى ابن كثير عن أبي النضر عن أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء (2) إلا ذات محرم) (3)، وذكر ابن كثير لدى قوله تعالى (ولا أن تبدل بهن من أزواج) قال: نهاه عن الزيادة عليهن إن طلق واحدة منهن وإستبدال غيرها بها، إلا ما ملكت يمينه (4).
مما سبق يعلم الباحث المتدبر.
أن الأمر لله.
أحل سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح ما شاء من أصناف النساء الوارد ذكرهن في الآية.
وأحل له أن ينكح بغير مهر وهي الهبة ولا تحل الهبة إلا
__________
(1) تفسير الميزان / العلامة الطباطبائي 335 / 16.
(2) أي ما شاء من اللاتي أحل الله له.
(3) تفسير ابن كثير 503 / 3.
(4) المصدر السابق 503 / 3.
(*)(1/16)
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصلح نكاح إلا بمهر، وكان تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعدد ترى حكمته عند النظر في حركة الدعوة.
ويتأمل حركة المجتمع وحياة القبائل في عهد البعثة.
نجد إن المخاطر قد أحاطت بالدعوة من كل إتجاه.
وكان على الداعي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ بالأسباب لدفع لهذه العقبات.
ولقد إختلفوا في عدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال البعض: تزوج بخمس وعشرين امرأة وخطب خمس وعشرين.
وقال البعض: تزوج خمس وعشرين امرأة.
وكان في ملك يمينه إحدى وعشرين أمرأة.
وقال البعض: تزوج بخمس عشرة امرأة وقال البعض الآخر: تزوج بثلاث عشرة إمرأة غير ما كان في ملك يمينه.
وهذا الاختلاف يعود أصله لعدم التدبر في السيرة وفي الأحاديث وفي حركة الدعوة عموما ".
وعلى أكتاف اللاعلم واللاتدبر واللابصيرة صعد أعداء الدين واعترضوا على الإسلام بهذا وبغيره بعد أن أضافوا إلى ما تلقفوه إضافات جعلته أكثر تشوها ".
ومما لا يخفى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر برواية الحديث.
لأنه يوضح متشابه القرآن ويبين مجمله ويخصص عامه ويفيد مطلقه.
ويخبر بما يستقبل الناس من أحداث لكي يأخذوا بأسباب الحياة الكريمة.
ومما لا يخفى أيضا " أن رواية الحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تسر المسار الطبيعي.
ففي مرحلة ثم التضييق على
الرواية وفي مرحلة منع الناس من تدوين العلم وردعوا عن جمع السنن والآثار وربما حظر عليهم الحديث عن رسول الله مطلقا ".
وحبس أعلام الصحابة في المدينة لكيلا يذيعوا الأحاديث في الآفاق (1).
ولا يخفى ما قد
__________
(1) انظر كتابنا / معالم الفتن، كتابنا / إبتلاءات الأمم.
(*)(1/17)
ترتب على هذا من المفاسد التي تتلافى أبدا ".
من ذلك شيوع القصص.
والقصص هو إخبار الناس بقصص الماضين.
وعمل ذلك مذموم شرعا " لأنه يصرف الناس عن الاشتغال بالعلوم الدينية والنافعة.
ولم يعهد ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومع إنتشار القصص وضع القصاصون الحديث في قصصهم.
وكانوا إذا دخلوا بمساجد الجماعات ومحافل القبائل من العوام والرعاع.
أكثر جسارة على وضع الحديث، ومما وضوه أحاديث تنافي عصمة الأنبياء فجعلتهم يخطؤون.
وذلك أنهم عتموا على جوانب الوحي والدعوة.
وأظهروا جوانب الشهوات من حب النساء والأموالى والرآسة إلى غير ذلك (1).
ومما نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يسب ويلعن ويجلد.
ونسبوا إليه أنه كان يسهو في الصلاة وأنه كان ينسى ايات القرآن الكريم، وأنه خطب إحدى زوجاته وهي في سن السادسة وبنى بها وهي في سن التاسعة.
وجميع ذلك تحت عنوان إنه بشر يغضب وينسى ويبحث عن الجمال والمتعة.
قاتلهم الله وتحت عنوان الشجاعة أظهروا حركة السيف وعتموا على الكلمة (2).
وأرادوا من وراء تجريد النبي من العصمة.
أن يبرروا أخطاء الأمراء الذين ضيعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات وبالجملة: كان القصص مدخلا "
للكذابين.
وكان النواة الأولى لإختلال منهج البحث ومنهج التفكير ومنهج الاستدلال.
وتحت هذا السقف لا تظهر القراءة النقدية المتفحصة التقييمية إلا بعد عناء شديد.
ومما لا شك فيه أن رواية الحديث الشريف نهضت في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، إلا أن أهل الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان
__________
(1) المصدر السابق.
(2) المصدر السابق.
(*)(1/18)
تصدوا لهذه النهضة وعارضوها بما بين أيديهم من حديث نخر فيه القصص إلى أقص مدى، وعلى إمتداد المسيرة بعد ذلك كان كل فريقا " يمسك بحبله، وعلى إمتداد حبل بني أمية ظهرت العقائد الفاسدة من جبرية وقدرية ومرجئة.
ورفعت أعلام الملك وكانت حركة الملوك عند الخطأ تبرر ويلتمس لها الأعذار من مخزون عتيق يعود فضل ولادته إلى القصاصين (1)، وعلى إمتداد حبل الإمام علي بن أبي طالب.
كان الحديث الشريف وعلومه.
والقرآن الكريم وعلومه.
حجة على المسيرة لكيلا يكون للناس على الله حجة، ولا يغني هذا أن الكذابين لم تمتد أيديهم إلى هذا الوعاء، فربما إمتدت أيديهم ولكن بعيدا " عن العبادات وعلوم المتشابه والمحكم من الآيات.
وعلى إمتداد المسيرة نشط العلماء وجمعوا السنن والآثار النبوية ودونوهما، ثم جاء من بعدهم علماء سهروا من أجل تنقية الأحاديث مما علق بها، ورغم عمليات التنقية إلا أن وعاء الحديث لم يسلم من وجود الأحاديث الإسرائيلية والأحاديث التي أشرف على طهيها القصاصون،
وتوالى العلماء من أجل إنجاز هذه المهمة.
ولكن المهمة لم تصل إلى غايتها.
وذلك لأن الدولة كانت قد خلقت رموزا " ممنوع الاقتراب منها، والفرق والأحزاب والمجتمع خلقوا أصنافا " لا يمسها أحد بسوء أو نقد.
فمن إقترب من كتاب ما أو من جامعه، يكون قد أساء إلى الدولة.
ومن الدولة إنتقلت الإساءة إلى المواطنين.
ولما كان المجتمع قد تشرب حالة العداء لكل من يقترب من رمز من الرموز، فإن مجهود العلماء في هذا الباب لم يحقق الكثير وما حققوه يستحقوا عليه الثناء.
وشاء الله تعالى أن يقيم حجته ولو كره الوضاعون الذين أدخلوا في حركة الدعوة ما ليس منها.
وتاجروا بقصص لا تفيد الدعوة ولم يقم على * (هاش) * (1) المصدر السابق.
(*)(1/19)
أحدائها تشريع، وحجة الله تعالى هو القرآن الكريم.
وعلى ضوء القرآن يتبين الباحث المنصف أن حركة الدعوة الإسلامية في عهد النبوة.
كانت حركة قرآنية شكلا " وموضوعا ".
ولقد وصف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأوصاف حميدة.
وصفه بأنه رؤوف رحيم وأنه على خلق عظيم إلى غير ذلك.
وبين القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بالعصمة ومصون من الخطأ والغفلة في تلقي الوحي من الله وحفظه وتبليغه.
والزم القرآن الناس بأن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم أسوة حسنة.
وفي عهد البعثة كانت أجهزة الصد عن سبيل الله تعلم أن عصمة الرسول من حجج القرآن.
وقد رسموا كثيرا " من الخطط لإبطال هذه الحجة وغيرها فخاب سعيهم ورد الله كيدهم إلى نحورهم.
وعلى إمتداد المسيرة
كان المسلمون يعرضون أي رأي وأي حديث وأي عقيدة على القرآن الكريم.
فإذا لم يروا ضوءا " قرآنيا " على هذه الدوائر.
لم تلتفتوا إليها، وذلك لإعتقادهم الراسخ بأن كل رأي ديني لا بد أن ينتهي إلى القرآن.
ذلك الكتاب الذي لا يقبل النسخ والإبطال والتهذيب والتغيير.
ولا يجد الباطل طريقه إليه.
وبالجملة: إن حركة الدعوة وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقرأ إلا تحت هذا العنوان (عصمة الرسول) لأنها مركز للضوء القرآني.
ثم نعود إلى حيث بدأنا.
وهو عدد أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهو العدد الذي بالغ فيه البعض روى صاحب الميزان: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بخمس عشرة إمرأة، ودخل بثلاث عشرة إمرأة منهن، وقبض عن تسع، فأما اللتان لم يدخل بهما: فعمرة وسبا، وأما الثلاث عشرة اللاتي دخل بهن.
فأولهن: خديجة بنت خويلد.
ثم سودة بنت زمعة.
ثم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية.
ثم أم عبد الله(1/20)
عائشة بنت أبي بكر.
ثم حفصة بنت عمر.
ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث أم المساكين.
ثم زينب بنت جحش.
ثم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان.
ثم ميمونة بنت الحارث.
ثم زينب بنت عميس.
ثم جويرية بنت الحارث.
ثم صفية بنت حمى بن أخطب.
والتي وهبت نفسها للنبي خولة بنت حكيم السلمي، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية.
وريحانة الخندقية.
والتسع اللاتي قبض عنهن: عائشة.
وحفصة.
وأم سلمة.
وزينب بنت جحش.
وميمونة بنت الحارث.
وأم حبيب بنت أبي سفيان.
وجويرية.
وسودة.
وصفية، وأفضلهن: خديجة بنت خويلد.
ثم أم سلمة ثم ميمونة (1).
وقال أبو عمر في الإستيعاب: اللواتي لم يختلف أهل العلم فيهن.
هن إحدى عشر إمرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ست من قريش، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون عليه السلام، وأربع من سائر العرب.
وتوفي في حياته صلى الله عليه وسلم من أزواجه أثنتان: خديجة بنت خويلد.
وزينب بنت خزيمة، وتخلف منهن تسع بعده، وأما اللواتي إختلف فيهن ممن أبتنى بها أو فارقها أو عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يتم له العقد معها، فقد إختلف فيهن.
وفي أسباب فراقهن إختلافا " كثيرا " يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن (2).
وعن ابن هشام في السيرة: لم يختلف أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم.
تزوج ست من قريش هن: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة.
وأم سلمة بنت أبي أمية.
وعائشة بنت أبي بكر.
وحفصة بنت عمر.
وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وإنه تزوج من العربيات وغيرهن أربع هن: زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث.
وزينب بنت خزيمة.
وجويرية
__________
(1) تفسير الميزان 316 / 16.
(2) الإستيعاب 34 / 1.
(*)(1/21)
بنت الحارث، وتزوج من بني إسرائيل واحدة هي: صفية بنت حيي من ولد هارون عليه السلام.
وكان له سريتان يقسم لها مع أزواجه هما: مارية القبطية.
وريحانة.
وبقراءة السيرة وبالنظر في الدعوة في زمن البعثة.
يقف الباحث على أن زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكمه البلاغ والإنذار
والدعوة إلى الله عز وجل.
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ببعض هؤلاء الأزواج إكتسابا " للقوة وإزديادا " للعضد والعشيرة، وببعض هؤلاء إستمالة للقلوب وتوقيا " من بعض الشرور، وببعض هؤلاء ليقوم على أمرها بالإنفاق وإدارة المعاش وليكون سنة جارية بين المؤمنين في حفظ الأرامل والعجائز من المسكنة والضيعة، وببعضها لتثبيت حكم مشروع وإجراء عملا " لكسر السنن المنحطة والبدع الباطلة الجارية بين الناس.
كما في تزوجه بزينب بنت جحش.
وقد كانت زوجة لزيد بن حارثة ثم طلقها زيد وقد كان يدعي زيد بن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نحو التبني.
وكانت زوجة المدعو إبنا عندهم كزوجة الابن الصلبي لا يتزوج بها الأب.
فأبطل الإسلام ذلك.
وبالنظر في ازدواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء.
نجد إنه تزوج أول ما تزوج بخديجة رضي الله عنها.
وعاش معها مقتصرا " عليها نيفا " وعشرين سنة، وبعد وفاتها تزوج بسودة بنت زمعة وقد توفي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة.
وكانت سودة مؤمنة مهاجرة.
ولو رجعت إلى أهلها وهم يومئذ كفار لفتنوها كما فتنوا غيرها من المؤمنين والمؤمنات بالزجر والقتل والإكراه على الكفر.
وتزوج بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبيدة بن الحارث يوم بدر شهيدا ".
وكانت من السيدات الفاضلات في الجاهلية تدعى أم المساكين لكثرة برها للفقراء والمساكين.
فصان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(1/22)
بإزدواجها ماء وجهها.
وتزوج بأم سلمة.
واسمها هند.
وكانت من قبل زوجة عبد الله بن
عبد الأسد أبي سلمة.
أول من هاجر إلى الحبشة.
توفي من أثر جرح أصابه يوم أحد.
وكانت أم سلمة زاهدة فاضلة ذات دين ورأي.
فلما توفي عنها زوجها وكانت ذات أيتام تزوج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتزوج بجويرية.
واسمها برة بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد وقعة بني المصطلق.
وقد كان المسلمون أسروا منهم مثني بيت بالنساء والذراري.
فتزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها.
فقال المسلمون: هؤلاء أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي أسرهم وأعتقوهم.
جميعا ".
فأسلم بنو المصطلق بذلك ولحقوا عن آخرهم بالمسلمين وكانوا جما غفيرا ".
وأثر ذلك أثرا " حسنا " في سائر العرب.
وكان هذا العمل من الأسباب الرئيسية لتصدع جبهة المشركين.
وذلك أن أبا سفيان بن حرب كان يرتكز في حربه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا البطن من خزاعة بني المصطلق.
فلما أسلموا تصدعت جبهة أبو سفيان.
وفتح الطريق أمام الدعوة بعد ذلك وأرسلت الرسائل إلى القادة والملوك.
وتزوج بصفية بنت حيي بن أخطب من نسل هارون عليه السلام.
وكانت في سبي خيبر.
فأصطفاها وأعتقها وتزوج بها.
وأقيمت بهذا الإزدواج حجة دامغة على اليهود كما سيأتي.
وتزوج أم حبيبة.
واسمها رملة بنت أبي سفيان.
وكانت زوجة عبيد الله بن جحش.
وهاجر معها إلى الحبشة الهجرة الثانية فتنصر عبيد الله هناك.
وثبتت هي على الإسلام.
وكان أبوها أبو سفيان في مكة يجمع الجموع على الإسلام يومئذ.
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحصنها.(1/23)
وتزوج بحفصة بنت عمر.
وقد مات زوجها بعد الهجرة مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بدر.
وتزوج عائشة بنت أبي بكر وهى بكر.
لقد قالوا: إن تعدد الزوجات لا يخلو من الإنقياد لداعي الشهوة.
فأين هذا الإنقياد وهذا الداعي ؟ لقد تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول ما تزوج بخديجة وعاش معها مقتصرا " عليها نيفا " وعشرين سنة وهذه المدة هي ثلثا عمره الشريف بعد الإزدواج، ومن هذه المدة ثلاث عشرة سنة بعد نبوته قبل الهجرة من مكة، ثم هاجر إلى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين.
وتزوج بعدها من النساء منهن البكر ومنهن الثيب ومنهن الشابة ومنهن العجوز والمكتهلة، وكان ذلك ما يقرب من عشرة سنين، ثم حرم عليه النساء بعد ذلك إلا من هي في حبالة نكاحه، ومن المعلوم أن هذه الفعال على هذه الخصوصيات، لا يقبل التوجيه بمجرد حب النساء والولوع بهن.
والوله بالقرب منهن.
فأول هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك (1).
ووفقا " لما نشاهده من العادة الجارية بين الناس.
إن الرجل المتولع بالنساء المغرم بحبهن والخلاء بهن والصبوة إليهن.
هذا الرجل تراه مجذوب إلى الزينة عشيق للجمال.
حنين إلى الشباب ونضارة السن وطراوة الخلقة.
فإذا نظرنا إلى هذه الخواص التي تتوفر في الرجل المتولع بالنساء.
نجد أنها لا تنطبق على سيرة النبي الأعظم صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه بني بالثيب بعد البكر.
وبالعجوز بعد الفتاة الشابة.
فقد بنى بسودة بنت زمعة وهي مسنة.
وبنى بزينب بنت جحش وسنها يومئذ يقرب على الخمسين بعدما تزوج بمثل عائشة وأم حبيبة.
وهكذا.
__________
(1) تفسير الميزان 195 / 4.
(*)(1/24)
فإذا أضفنا إلى هذه الحركة في الإزدواج أنه صلى الله عليه وآله وسلم خير نساءه بين التمتيع والسراح الجميل وهو الطلاق إن كن يردن الدنيا وزينتها، وبين الزهد في الدنيا وترك التزين والتجمل إن كن يردن الله ورسوله والدار الآخرة.
على ما يشهد به قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا " جميلا ".
وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا " عظيما ") (1).
فهذا المعنى أيضا " أمام الباحث المتدبر لا ينطبق على حال رجل مغرم بجمال النساء صاب إلى وصالهن، فلا يبقى حينئذ للباحث المتعمق إذا أنصف إلا أن يوجه كثرة إزدواجه صلى الله عليه وآله وسلم، فيما بين أول أمره وآخر أمره، بعوامل أخرى غير عامل الإنقياد لداعي الشهوة حيث الشره والشبق والتلهي.
في ظلال الأوامر الإلهية لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سار النبي بالدعوة في طريق الزهد وترك الزينة وندب نساءه إلى ذلك.
قال تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا " جميلا ".
وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا " عظيما ".
يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ".
ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا " نؤتها أجرها
مرتين وأعتدنا لها رزقا " كريما ".
يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا " معروفا ".
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى.
وأقمن الصلاة وآتين
__________
(1) سورة الأحزاب آية 29.
(*)(1/25)
الزكاة وأطعن الله ورسوله) (1).
قال صاحب تفسير الميزان: آيات راجعة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأمره أولا ": أن ينبئهن أن ليس لهن من الدنيا وزينتها إلا العفاف والكفاف إن إخترن زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تخاطبهن ثانيا ": إنهن واقفات في موقف صعب على ما فيه من العلو والشرف، فإن إتقين الله يؤتين أجرهن مرتين.
وإن أتين بفاحشة مبينة يضاعف لهن العذاب ضعفين، ويأمرهن بالعفة ولزوم بيوتهن من غير تبرج، والصلاة والزكاة وذكر ما يتلى في بيوتهن من الآيات والحكمة.
ثم يعد مطلق الصالحين من الرجال والنساء وعدا بالمغفرة والأجر العظيم فقوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك) إلى تمام الآيتين.
أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخيرهن بين أن يفارقنه ولهن ما يردن، وبين أن يبقين عنده ولهن ما هن عليه من الوضع الموجود.
وقد ردد أمرهن بين أن يردن الحياة الدنيا وزينتها، وبين أن يردن الله ورسوله والدار الآخرة.
وهذا الترديد يدل: أن الجمع بين سعة العيش وصفائها بالتمتع مع الحياة وزينتها وزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعيشة في بيته مما لا يجتمعان.
ونتبين من الآيات أن ليس لزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من
حيث هي زوجية كرامة عند الله تعالى، وإنما الكرامة المقارنة لزوجيته المقارنة للإحسان والتقوى.
ولذلك لما ذكر سبحانه ثانيا " علو منزلتهن، قيده أيضا " بالتقوى فقال تعالى (لستن كأحد من النساء إن إتقتين) وهذا كقوله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا " سجدا ").
إلى ان قال عز وجل (وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أجرا " عظيما ")
__________
(1) سورة الأحزاب آيات 28 - 33.
(*)(1/26)
حيث مدحهم عامة بظاهر أعمالهم أولا "، ثم قيد وعدهم الأجر العظيم بالإيمان والعمل الصالح (1).
وقال ابن كثير لدى تفسيره الآية: هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال.
ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل (2).
وقال في الميزان في قوله تعالى (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا " جميلا ") التمتيع إعطاؤهن عند التطليق ما لا يتمتعن به، والتسريح هو التطليق، والسراح الجميل: هو الطلاق من غير خصومة ومشاجرة بين الز وجين (3).
وقوله تعالى (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب شعفين) الآية، عدلي سبحانه عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهن، إلى مخاطبتهن أنفسهن لتسجيل ما لهن من التكليف وزيادة التوكيد.
وقوله (من يأت منكن بفاحشة مبينة) الفاحشة: الفعلة المبالغة
في الشناعة والقبح وهي الكبيرة.
كإيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والإفتراء والغيبة وغير ذلك، والمبينة: هي الظاهرة.
وقوله تعالى (ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحا " نؤتها أجرها مرتين) الآية.
القنوت: الخضوع، وقيل: الطاعة، وقيل: لزوم الطاعة مع الخضوع، والإعتداد.
التهيئة، والرزق الكريم مصداقه الجنة.
والمعنى: ومن يخضع منكن لله ورسوله.
أو لزم طاعة الله ورسوله مع الخضوع، ويعمل عملا " صالحا " نعطها أجرها مرتين.
وهيأنا لها رزقا " كريما " (*) (1) تفسير الميزان 306 / 16.
(2) تفسير ابن كثير 480 / 3.
(3) تفسير الميزان 306 / 16، ابن كثير 481 / 3.
(*)(1/27)
وهى الجنة.
وقوله تعالى (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن إتقيتن فلا تخضن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) الآية.
فالآية تنفي مساواتهن لسائر النساء إن إتقين، وترفع منزلتهن على غيرهن.
ثم تذكر أشياء من النهي والأمر، متفرعة على كونهن لسن كسائر النساء كما يدل عليه قوله تعالى (فلا تخضعن بالقول) وقوله (وقرن) وقوله (ولا تبرجن) الخ، وهي خصال مشتركة بين نساء النبي صلى الله عليه وآله.
وسائر النساء، فتصدير الكلام بقوله (لستن كأحد من النساء إن إتقيتن) ثم تفريع هذه التكاليف المشتركة عليه، يفيد يأكد هذه التكاليف عليهن.
كأنه قيل: لستن كغيركن.
فيجب عليكن أن تبالغن في إمتثال هذه التكاليف، وتحتطن في دين الله أكئر من سائر النساء، وتؤيد بل تدل على تأكد تكاليفهن.
مضاعفة
جزائهن.
خيرا " وشرا "، كما دلت عليها الآية السابقة، فإن مضاعفة الجزاء لا تنفك عن تأكد التكليف.
وقوله تعالى (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) بعد ما بين علو منزلتهن ورفعة قدرهن لمكانهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشرط في ذلك التقوى فبين أن فضيلتهن بالتقوى لا بالإتصال بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، نهاهم عن الخضوع في القول، وهو ترقيق الكلام وتليينه مع الرجال، بحيث يدعو إلى الريبة وتثير الشهوة، فيطمع الذي في قلبه مرض.
وهو فقدانه قوة الإيمان.
التي تردعه عن الميل إلى الفحشاء.
وقوله تعالى (وقلن قولا " معروفا ") أي كلاما " معمولا " مستقيما " يعرفه الشرع والعرف الإسلامي.
وهو القول الذي لا يشير بلحنه إلى أزيد من مدلوله.
وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)(1/28)
إلى قوله (وأطعن الله ورسوله).
قال المفسرون: أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة.
لأن المرأة أقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها (1) وقيل: (قرن) من قر يقر.
إذا أثبت.
وأصله: أقررن، حذفت إحدى الرائين، أو من قار.
يقار: فإذا إجتمع، كناية عن ثباتهن في بيوتهن ولزومهن لها، والتبرج: الظهور للناس كظهور البروج لناظريها.
وقوله (الجاهلية الأولى) قيل: الجاهلية الأولى قبل البعثة، فالمراد الجاهلية القديمة.
وقوله تعالى (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) أمر بامتثال الأوامر
الدينية.
وقد أفرد الصلاة والزكاة بالذكر من بينها، لكونهما ركنين في العبادات والمعاملات، ثم جمع الجميع في قوله تعالى (وأطعن الله ورسوله) وطاعة الله هي إمتثال تكاليفه الشرعية، وطاعة رسوله فيما يأمر به وينهى بالولاية المجعولة له عند الله.
كما قال تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (2).
الألقاب والمعافي: وضعت الشريعة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دائرة الأمومة، بمعنى: إن كل إمرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحمل لقب (أم المؤمنين) فيقال: أم المؤمنين خديجة وأم المؤمنين أم سلمة وأم المؤمنين حفصة وأم المؤمنين صفية وأم المؤمنين مارية...إلخ.
قال تعالى: (النيي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) (3).
قال صاحب الميزان: فمعنى كون النبي أولى بهم من أنفسهم، إنه
__________
(1) تفسير ابن كثير 482 / 3.
(2) تفسير الميزان 309 / 16.
(3) سورة الأحزاب آية 6.
(*)(1/29)
أولى بهم منهم.
ومعنى الأولوية هو رجحان الجانب إذا دار الأمر بينه وبين ما هو أولى منه، فالمحصل أن ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والمحبة والكرامة وإستجابة الدعوة، فالنبي أولى بذلك من نفسه، ولو دار الأمر بين النبي وبين نفسه في شئ من ذلك، كان جانب النبي أرجح من جانب نفسه، ففيما إذا توجه شئ من المخاطر إلى نفس النبي، فليقه المؤمن بنفسه ويفده نفسه وليكن النبي أحب إليه من نفسه، وأكرم عنده من نفسه،
ولو دعته نفسه إلى شئ.
والنبي إلى خلافة، أو أرادت نفسه منه شيئا " وأراد النبي خلافه، كان المتعين إستجابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطاعته وتقديمه على نفسه (1).
وقال ابن كثير: في الصحيح: قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله ووالده والناس أجمعين (2)، وروى البخاري عن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمربن الخطاب.
فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شئ إلا نفسي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك.
فقال عمر: فإنه الآن يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر (3).
وقال صاحب الميزان: وقوله تعالى (وأزواجه أمهاتهم) جعل تشريعي.
أي: أنهن منهم.
بمنزلة أمهاتهم في وجوب تعظيمهن وحرمة نكاحهن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتنزيل إنما هو في بعض آثار الأمومة، لا في جميع الآثار كالتوارث بينهن وبين المؤمنين والنظر في وجوههن كالأمهات وحرمة بناتهن على المؤمنين لصيرورتهن أخوات لهم.
__________
(1) الميزان 276 / 16.
(2) تفسير ابن كثير 468 / 3.
(3) رواه البخاري ك الإيمان، وأنظر ابن كثير 467 / 3.
(*)(1/30)
وكصيرورة آبائهن وأمهاتهن أجدادا " وجدات.
وإخوتهن وأخواتهن أخوالا وخالات للمؤمنين (1).
وقال ابن كثير في تفسير الآية: (وأزواجه أمهاتهم) أي في الحرمة والإحترام والتوقير والاكرام والإعظام.
ولكن لا تجوز الخلوة بهن.
ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وإخواتهن بالإجماع (2).
وعلى خلفية ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمنين ووجوب تعظيم أمهات المؤمنين وحرمة نكاحهم بعد النبي صلى الله عليه وآله.
حذر تعالى من التعدي بإيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن حرمة نكاح أزواجه.
قال تعالى (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا " إن ذلكم كان عند الله عظيما ") (3).
قال صاحب الميزان: والمعنى: أي ليس لكم إيذاؤه بمخالفة ما أمرتم به في نسائه وفي غير ذلك.
وليس لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا " (إن ذلكم) أي نكاحكم أزواجه من بعده كان عند الله عظيما "، وفي الآية إشعار بأن بعضهم ذكر ما يشير إلى نكاحهم أزواجه بعده.
وقوله تعالى (إن تبدوا شيئا " أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ عليما ") معناه ظاهر.
وهو في الحقيقة تنبيه تهديدي لمن كان يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أو يذكر نكاح أزواجه من بعده (4): وقال ابن كثير في تفسيره: عن سفيان عن ابن عباس في قوله تعالى (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) قال: نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده.
قال رجل لسفيان: أهي
__________
(1) تفسير الميزان 277 / 16.
(2) ابن كثير 468 / 3.
(3) سورة الأحزاب آية 53.
(4) الميزان 337 / 4.
(*)(1/31)
عائشة ؟ قال: قد ذكروا ذلك.
وكذا قال مقاتل بن حيان.
وعبد الرحمن بن زيد.
وذكر بسنده عن السدي: إن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك (1).
نظرات في دوائر الترغيب والترهيب: كان تعدد الزوجات سنة جارية في غالب الأمم القديمة.
وذكرت التوراة الحاضرة أن سليمان الملك تزوج مئات من النساء.
ولما كان الدين الخاتم الذي بعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم دين يعتني بتهذيب الأخلاق وتنظيم جميع نواحي الحياة الإنسانية.
وإيجاد حلول للأرامل واليتامى والمساكين.
ولما كان من مقاصد الشريعة تكثير نسل المسلمين وعمارة الأرض بين مجتمع مسلم عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد، فإن الإسلام أمر بالإزدواج فأحل النكاح وحرم الزنا والسفاح.
وشرع الإسلام الإزدواج بواحدة وأنفذ التكثير إلى اربع، والإسلام لم يشرع تعدد الزوجات على نحو الواجب والفرض على كل رجل مسلم.
بمعنى أنه لم يأمر بأن على كل مسلم أن يتزوج بأربع زوجات، وإنما قيد التعدد بوثوق الرجل إنه سيقسط بينهن ويعدل.
قال تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى.
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع.
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة...) الآية (2) قال في الميزان: قوله تعالى (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) أي: فأنكحوا واحدة لا أزيد.
وقد علقه الله تعالى على الخوف.
وقال تعالى (وك تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) (3)
__________
(1) تفسير ابن كثير 506 / 3.
(2) سورة النساء آية 3.
(3) سورة النساء آية 129.
(*)(1/32)
قال في الميزان: الآية: بيان الحكم العدل بين النساء الذي شرع لهن على الرجال في قوله تعالى في أول السورة (وإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) والعدل هو الوسط بين الأفراط والتفريط.
ومن الصعب المستصعب تشخيصه.
وخاصة من حيث تعلق القلوب تعلق الحب بهن.
فإن الحب القلبي مما لا يتطرق إليه الإختيار دائما "، فبين تعالى إن العدل بين النساء بحقيقة معناه، وهو إتخاذ الوسط حقيقة.
مما لا يستطاع للإنسان ولو حرص عليه.
وإنما يجب على الرجل أن لا يميل كل الميل إلى أحد الطرفين.
وخاصة طرف التفريط.
فيذر المرأة كالمعلقة لا هي ذات زوج فتسفيد من زوجها، ولا أرملة فتزوج أو تذهب لشأنها فالجواب على الرجل من العدل بين النساء أن يسوي بينهن عملا " بإيتائهن حقوقهن من غير تطرف، والمندوب عليه أن يحسن إليهن.
ولا يظهر الكراهة لمعاشرتهن ولا يسئ إليهن خلقا ".
وكذلك كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1).
ولما كانت الشريعة قد أنفذت التعدد إلى أربع.
بمعنى أن الأمة وقفت في تعدد الزوجات عند أربع.
وانتقال الرجل من واحدة إلى أكثر مقيد بالعدل والقسط بين النساء، فإن إزدواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأكثر من أربع نسوة فيه دلائل على نبوته صلى الله عليه وآله وسلم.
لأنه إزدواجه بين العدل في جميع نواحي الحياة الزوجية وما يتفرع منها، وكما هو معروف أن التشريع لا بد له أن يحيط بجميع نواحي الحياة لتقوم
به حجة الله على عباده.
لهذا كان إزدواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأكثر من أربع من خصوصياته لأنه صلى الله عليه وآله وسلم الداعي إلى الله الذي صانه الله من الخطأ والغفلة في تلقي الوحي من الله وحفظه وتبليغه.
وبالجملة: كان في إزدواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأكثر من أربع
__________
(1) تفسير الميزان 102 / 5.
(*)(1/33)
بيان للقسط وللعدل وعلى خلفيته شقت الدعوة طريقها في عهد البعثة وسط القبائل.
وعلى هذه الخلفية إلتقى التشريع والحركة في خطوة واحدة.
ولما كان التشريع الذي وراء إزدواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه بيان لإقامة المجتمع الصالح الذي تعتبر الأسرة نواته الأولى، ولأن هذا التشريع في حقيقته حجة على العباد ليتميز منهم الصالح والطالح، وعلى هذه الخلفية يكون الثواب والعقاب يوم القيامة، فإن الدين أمر زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأوامر ونهاهن بنواهي.
وبين أن زوجية الأنبياء والرسل من حيث هي زوجية.
ليس لها كرامة عند الله، وإنما الكرامة المقارنة لزوجية الأنبياء والرسل.
هي المقارنة للايمان وللإحسان والتقوى.
ولقد أخبر القرآن الكريم بسيرة إمرأة نوح وإمرأة لوط.
وبين أنهما لم يلتزما بخط النبوة والدعوة، ونتيجة لذلك لم ينفعهما زوجيتهما للنبيين الكريمين شيئا " ففلكتا في ضمن الهالكين من غير أدنى تمييز وكرامة.
وبالجملة: فالدعوة لم تستثنى أحدا " من التكاليف الشرعية.
فكما أن حجة التكاليف تحيط بالأمة فهي أيضا " تحيط بأزواج النبي صلى الله عليه وآله لأنهن ضمن نسيج الأمة.
ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغيب عن ربه جل وعلا.
وبين عليه الصلاة والسلام طريق الأمن والامان فيما يستقبل الناس من فتن، والباحث المتعمق في أحاديث الأخبار بالغيب لا يسعه إلا أن يقر أن هذه الأحاديث حجة لله على عباده حتى قيام الساعة.
وأن هذه الحجة المستمرة من دلائل النبوة الخاتمة.
وكما حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمة مما يستقبلها من مهلكات الفتن، حذر أمهات المؤمنين من الفتن وبين لهن أسباب النجاة منها، وأخبر أن الله تعالى ينظر إلى عباده كيف يعملون بعد أن أقيمت عليهم الحجة في أنفسهم وعلى إمتداد المسيرة(1/34)
في الماضي والحاضر والمستقبل، ومن الأحاديث التي حذر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم إستيقظ ليلة فقال (سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن ؟ ماذا أنزل من الخزائن ؟ من يوقظ صواحب الحجرات ؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة (1) قال صاحب تحفة الأحوازي: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوحى إليه ما سيقع بعده من الفتن.
وقوله (من يوقظ صواحب الحجرات) يعنى: أزواجه.
وإنما خصهم بالإيقاظ لأنهن الحاضرات.
وأشار إلى موجب إستيقاظ أزواجه.
أن لا ينبغي لهن أن لا يتغافلن عن العبادة ويعتمدون على كونهن أزواج النبي وقال الحافظ: وإختلف في المراد بقوله (كاسية وعارية)، على أوجه: (أحدهما) كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى.
عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا (ثانيهما) كاسية من نعم الله.
عارية من الشكل الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب.
فأراد صلى الله عليه وسلم تحذير أزواجه من ذلك كله.
وكذا غيرهن ممن بلغه ذلك (2).
وبعد أن أحكمت الدعوة حجتها في هذا الباب، قامت بتنظيم حركة الأمة نحو بيت النبوة.
ومن ذلك إنها حذرت من الإفتراء.
وبينت أن الإفتراء يكون عظيما " إذا كان متعلقا " بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن الإفتراء العظيم الطعن في نزاهة بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لأن ذلك يؤدي إلى فضحه بين الناس.
وعلى هذه الخلفية تلتبس الأمور وتكون سببا " لقلب الدين من رأس.
وأخبرت الدعوة الخاتمة.
إن المجتمع الصالح من سعادته أن يتميز فيه أهل الزيغ والفساد ليكونوا على بصيرة من أمرهم وينهضوا لإصلاح ما
__________
(1) رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي (تحفة الأحوازي 440 / 6).
(2) تحفة الأحوازي شرح جامع الترمذي 440 / 6.
(*)(1/35)
فسد من أعضائهم، وأمرت الدعوة المؤمنين بها أن يقفوا صفا " واحدا " كنفس واحدة متلبسة بالايمان ولوازمه وآثاره، وأن لا يظنوا بأنفسهم إلا خيرا ".
فأمام هذا التكاتف وحده يسقط أصحاب البهتان العظيم.
لأنهم أصحاب الخبر الذي لا علم لمخبره.
وأصحاب الدعوى التي لا بينة لمدعيها عليها.
ولو كانوا صادقين فيما يقولون ويرمون به بيت النبوة.
لأقاموا على ما يقولون الشهادة.
وهي في الزنا بأربعة شهداء.
فإن لم يأتوا بالشهداء.
فهم محكومون شرعا " بالكذب.
لأن الدعوى من غير بينة كذب وإفك.
وتنظيم الحركة نحو بيت النبوة في هذا الباب.
كان فيه تحصين للدعوة ورفع من أمامها الكثير من المعوقات.
وفي حركة أخرى.
قامت
الدعوة بتحريم زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعده.
فبينت أن زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة أمهاتهم في وجوب تعظيمهن وحرمة نكاحهن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن وراء ذلك حكمة ومن وراء الحكمة هدفا "، من ذلك إن نكاحهن غير النبي بعد الوحي والتشريع لازم ان الإزدواج سيكون من رجال لا علاقة لهم بالوحي والتشريع.
وربما يجد البعض في حركة هذا الإزدواج - وهي حركة في مجملها غير معصومة - ما تشتهيه أنفسهم فيتخذون هذا ذريعة لقلب التشريع في هذا الباب من رأس، فلهذا ولغيره اغلقت الدعوة المنافذ ونظمت الحركة في إتجاه بيت النبوة، وأمرت المؤمنين بها أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة لهم في حركته وسكونه وفي قوله وفعله.
لأنه وحده حجة على الناس في هذا الباب وفي غيره.
وهكذا أقامت الدعوة الخاتمة حجتها وبينت أن السعادة الحقيقية إنما هي بالإخلاص لله ولرسوله وحسن الطاعة.
وإتماما " للفائدة وإكمالا "(1/36)
للغرض، نقدم بعضا من سيرة أمهات المؤمنين.
وسنلقى الضوء على هذه السيرة إذا كان الحدث متعلقا " بحركة الدعوة.
بمعنى إذا كان مقدمة جاءت عليها نتيجة أو قامت عليها حجة.
وإذا كان عرضي للأحداث سيكون مختصر " ا.
إلآ إنه لن يخلو مما يشير إلى معالم الصبر والرحمة والوفاء والزهد والصدقة وحب المساكين، ولن يخلو من المعنى الذي يحمل معالم سنة الإمتحان والإبتلاء الإلهي التي لا يستثنى الله منها أحدا " من عباده.
فتحت هذه السنة الإلهية.
ينظر الله تعالى إلى عباده كيف يعملون.
وعلى العمل يكون الثواب أو العقاب، والله هو التواب الرحيم.
وهو
الغفور الكريم.(1/37)
1 - السيدة خديجة بنت خويلد زواجها: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها فاطمة بنت زائدة بن جندب.
وكانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة.
وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمرو وذكر الطبراني: أنها ولدت لعتيق هند بن عتيق، ثم خلف عليها أبو هالة مالك بن بناش فولدت له هندا " وهالة.
فهند بن عتيق بن عابد، وهند وهالة ابنا أبي هالة مالك بن بناش.
أخو ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة بنت خويلد.
من أمهم (1).
وروي عن ابن عباس أن نساء أهل مكة إحتفلن في عيد كان لهن في رجب، فلم يتركن شيئا " من إكبار ذلك العيد إلا أتينه.
فبينما هن في عيدهن تمثل لهن رجل، فلما صار منهن قريبا " نادى بأعلى صوته: يا نساء مكة إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد.
يبعث برسالة الله.
فأيما إمرأة أستطاعت أن تكون له زوجا " فلتفعل.
فحصبته النساء وقبحنه وأغلظن له، وأغضت خديجة على قوله ولم تعرض له فيما عرض فيه النساء (2).
__________
(1) رواه الطبراني (مجمع الزوائد 219 / 9)، الإستيعاب / ابن عبد البر 280 / 4.
(2) الطبقات الكبرى / ابن سعد 15 / 7، الإصابة / ابن حجر 60 / 8.
(*)(1/38)
وروى عن نفيسة بنت أمية أنها قالت: كانت خديجة ذات شرف ومال كثير، وتجارة تبعث إلى الشام فيكون غيرها كعامة غير الشام،
وكانت تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وعشرين سنة.
وليس له اسم بمكة إلا الأمين، أرسلت إليه خديجة بنت خويلد تسأله الخروج إلى الشام في تجارتها مع غلامها ميسرة وقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي قومك.
ففعل رسول الله صلى الله عليه وآله.
وخرج إلى سوق بصرى فباع سلعته التي أخرج.
واشترى غيرها.
وقدم بفا فربحت ضعف ما كانت تربح.
فأضعفت لرسول الله صلى الله عليه وآله ضعف ما سمت له، فم أرسلتني إليه أعرض عليه نكاحها ففعل (1).
وروى صاحب الإصابة: إن سبب رغبتها فيه صلى الله عليه وآله وسلم.
ما حكاه لها غلامها ميسرة مما شاهد من علامات النبوة ومما سمعه من بحيرا الراهب في حقه (2) وقال صاحب الإستيعاب: وكانت خديجة إذ تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت أربعين سنة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس وعشرين سنة (3) وقال أبو عمر: وأجمع أهل العلم أن خديجة ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع بنات هن: زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم، وأجمعوا أنها ولدت له ابنا يسمى القاسم.
وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم.
وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم، وزعم بعضهم أنها ولدت له ولدا " يسمى الطاهر.
وقال بعضهم: ما نعلمها ولدت له إلا القاسم وولدت له بناته الأربع، وقيل: ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
القاسم وبه يكنى وعبد الله وهو الطيب والطاهر وولدت له بناته الأربع.
وقال أبو عمر: وقول الزبير وأكثر
__________
(1) الطبقات الكبرى 16 / 7.
(2) الإصابة 60 / 8.
(3) الإستيعاب / 280 / 4.
(*)(1/39)
أهل النسب: إن عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: الطيب وهو الطاهر.
له ثلاثة اسماء (1).
ولا يختلف أهل العلم: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لم يتزوج قبل البعثة غير خديجة.
ولا تزوج عليها أحدا " من نسائه حتى ماتت (2).
إسلامها: قال ابن إسحاق: كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدق محمدا " صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن ربه وآزره على أمره.
فكان لا يسمع من المشركين شيئا " يكرهه من رد عليه وتكذيب له إلا فرج الله عنه بها.
تثبته وتصدقه وتخفف عنه.
وتهون عليه ما يلقى من قومه (3).
وروي عن أبي رافع قال: أول من أسلم من الرجال علي بن أبي طالب.
وأول من أسلم من النساء خديجة (4).
وأخرج أحمد وابن سعد عن عفيف الكندي قال: جئت في الجاهلية إلى مكة.
وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها.
فنزلت على العباس بن عبد المطلب، قال.
فأنا عنده.
وأنا أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس فارتفعت، إذ أقبل شاب حتى دنا من الكعبة.
فرفع رأسه إلى السماء فنظر.
ثم أستقبل الكعبة قائما " مستقبلها، إذ جاء غلام حتى قام عن يمينه، ثم لم يلبث إلا يسيرا " حتى جاءت إمرأة فقامت خلفهما.
ثم ركع الشاب فركع الغلام وركعت المرأة.
ثم رفع الشاب رأسه ورفع الغلام
__________
(1) المصدر السابق 282 / 4.
(2) الإستيعاب 283 / 7، مجمع الزوائد 220 / 9.
(3) الإستيعا ب 283 / 7.
(4) رواه البزار ورجاله الصحيح (الزوائد 220 / 9).
(*)(1/40)
رأسه ورفعت المرأة رأسها.
ثم خر الشاب ساجدا " وخر الغلام ساجدا " وخرت المرأة.
قال فقلت: يا عباس إني أرى أمرا " عظيما ".
فقال العباس: أمر عظيم، هل تدري من هذا الشاب ؟ قلت: ما أدري قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي.
هل تدري من هذا الغلام ؟ قلت: لا.
ما أدري قال: هذا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن أخي، قال: هل تدري من هذه المرأة ؟ قلت: لا.
ما أدري.
قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي هذا.
إن ابن أخي هذا الذي ترى.
حدثنا أن ربه رب السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه.
فهو عليه.
ولا والله ما علمت على ظهر الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.
قال عفيف: فتمنيت بعد أني كنت رابعهم (1).
وروى عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده.
قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الأثنين وصلت خديجة آخر يوم الأثنين (2) وروى عن، ابن عباس قال: أول من صلى مع النبي بعد خديجة علي بن أبي طالب (3) وعن أنس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين وصلى علي بن أبي طالب يوم الثلاثاء (4).
مناقبها: عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط.
فقال: أتدرون ما هذا ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال:
__________
(1) رواه أحمد وقال الهيثمي رواه أحمد وغيره ورجاله ثقات (الزوائد 223 / 9) ورواه ابن سعد (الطبقات 18 / 7) والطبراني عن ابن مسعود (كنز العمال 467 / 13) ورواه ابن عبد البر (الإستيعاب 163 / 3).
(2) رواه ابن عبد البر (الإستيعاب 283 / 4).
(3) رواه أحمد وقال في الفتح الرباني 122 / 23 رجاله ثقات.
(4) رواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي (المستدرك 112 / 3) ورواه الترمذي.
(*)(1/41)
أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومريم ابنة عمران وآسية ابنة مزاحم إمرأة فرعون (1) وروى الترمذي عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من نساء العالمين: مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد.
وفاطمة بنت محمد.
وآسية إمرأة فرعون (2) وقال صاحب التاج الجامع للأصول: أي يكفيك من فاضلات النساء كلهن هؤلاء الأربع.
وفضل مريم وآسية لما تقدم في سيرتهما.
وفضل خديجة لصبرها الجميل وجليل ما صنعته من أعمال صالحة وآثار نافعة قيمة، وفضل فم اطمة لأنها بضعة من محمد صلى الله عليه وسلم.
وأم النسل الشريف كله (3).
أخرج ابن السني بسند له عن خديجة: إنها خرجت تلتمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأعلى مكة.
ومعها غداوته.
فلقيها جبريل في صورة رجل.
فسألها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهابته وخشيت أن يكون بعض من يريد أن يقتله.
فلما ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: هو جبريل.
وقد أمرني أن أقرأ عليك السلام، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (4)
وروى عن أبي هريرة قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك.
معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب (5)، فإذا هي أتتك.
فأقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب.
لاصخب فيه ولانصب (6).
__________
(1) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 223 / 9).
(2) رواه الترمذي بسند صحيح والنسائي والحاكم (التاج الجامع للأصول 379 / 3).
(3) التاج الجامع / منصور ناصف 379 / 3.
(4) الإصابة 62 / 8.
(5) شك الراوي.
(6) رواه البخاري ومسلم والترمذي (التاج الجامع لصر 378 / 3).
(*)(1/42)
وعن ابن أبي أوفى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال لي جبريل صلى الله عليه وسلم.
بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (1).
قال صاحب التاج الجامع للأصول: القصب / اللؤلؤ المجوف المنظوم بالدر والياقوت، والصخب / الصياح، والنصب / الهم والتعب.
وفي رواية عندما بلغها النبي صلى الله عليه وسلم السلام من ربها جل وعلا ومن جبريل قالت: هو السلام.
ومنه السلام.
وعلى جبريل السلام.
وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، فهذه منقبة لم ترد لأحد من بنات آدم عليه السلام.
فما أعظمها مفخرة للدنيا والآخرة (2).
وفاتها رضي الله عنها:
قال أبو عمر: قيل: توفيت قبل الهجرة بخمس سنين.
وقيل: بأربع سنين.
وقال قتادة: تؤفيت خديجة قبل الهجرة بثلاث سنين.
عندي أصح.
وقال: ويقال كانت وفاتها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام (3).
وقال ابن إسحاق: كانت وفاة خديجة وأبي طالب في عام واحد (4).
وكانت يوم توفيت بنت خمس وستين سنة.
ودفنت في الحجون (5).
ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفرتها.
ولم تكن شرعت الصلاة على ا لجنائز (6).
__________
(1) قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات (الزوائد 224 / 9).
(2) التاج الجامع 378 / 3.
(3) الإستيعاب 289 / 4.
(4) الإصابة 62 / 8.
(5) الإستيعا ب 289 / 4.
(6) الطبقات 18 / 7، الإصابة 62 / 8.
(*)(1/43)
2 - السيدة سودة بنت زمعة إسلامها وزواجها: هي: سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حل بن عامر بن لؤي، وأمها الشموس بنت قيس بن زيد بن عمرو بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، قال أبو عمر: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد موت خديجة وقبل العقد على عائشة.
ولا خلاف أنه لم يتزوجها إلا بعد موت خديجة، وكانت قبل ذلك تحت ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو من بني
عامر بن لؤي (1) وقال ابن سعد: أسلم زوجها السكران بن عمرو.
وخرجا جميعا " مهاجرين إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية.
وقدم السكران بن عمرو مكة من أرض الحبشة ومعه إمرأته سودة بنت زمعة، فتوفي عنها بمكة، فلما حلت أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخطبها.
فقالت: أمري إليك يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مري رجلا " من قومك يزوجك، فأمرت حاطب بن عمرو.
فزوجها فكانت أول إمرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد خديجة (2).
__________
(1) الإستيعاب 323 / 4.
(2) الطبقات الكبرى 57 / 7.
(*)(1/44)
وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قالا: جاءت خولة بنت حكيم السلمية إمرأة عثمان بن مظعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة، فقال: أجل، كانت أم العيال وربة البيت، قالت: أفلا أخطب عليك ؟ قال: بلى فإنكن معشر النساء أرفق بذلك.
فخطبت عليه سودة بنت زمعة (1).
مناقبها: روى أبو عمر في الإستيعاب: أن سودة بنت زمعة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أود أن أحشر في زمرة أزواجك.
وإني قد وهبت يومي لعائشة.
وإني لا أريد ما تريد النساء (2).
عن صالح مولى التؤمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: حج رسول الله
صلى الله عليه وسلم بنسائه عام حجة الوداع ثم قال: هذه الحجة ثم ظهور الحصر.
قال أبو هريرة: وكان كل نساء النبي صلى الله عليه وسلم، يحججن إلا سودة بنت زمعة.
وزينب بنت جحش، قالتا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) وفي رواية: كانت سودة تقول: لا أحج بعدها أبدا " (4) وروي عن ابن سيرين: قالت سودة: حججت وإعتمرت فأنا أقر في بيتي.
كما أمرني الله عز وجل (5).
__________
(1) المصدر السابق 57 / 7.
(2) رواه الطبراني (الزوائد 246 / 7) وسنده ضعيف، وابن عبد البر (الإستيعاب 323 / 4).
(3) الطبقات الكبرى 55 / 7.
(4) الطبقات الكبرى 55 / 7.
(5) الطبقات الكبرى 55 / 7.
(*)(1/45)
روي عن محمد بن عمر ابن الخطاب بعث إلى سودة بنت زمعة بغرارة من دراهم.
فقالت: ما هذه ؟ قالوا: دراهم.
قالت: في الغرارة مثل التمر.
يا جارية بلغيني القنع: قال.
ففرقتها (1).
وفاتها: وقال أبو عمر: توفيت سودة بنت زمعة في آخر زمان عمر بن الخطاب.
وقيل: توفيت سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية (2).
__________
(1) الطبقات 55 / 7، الإصابة 339 / 4.
(2) الطبقات 57 / 7، الإصابة 339 / 4.
(*)(1/46)
3 - السيدة عائشة بنت أبي بكر زواجها: هي: عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وأمها: أم رومان بنت عمير ابن عامر.
قال أبو عمر: كانت عائشة تذكر لجبير بن مطعم وتسمى له (1) وروى ابن سعد عن أبي مليكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خطب عائشة.
قال أبو بكر: إني كنت أعطيتها مطعما " لإبنه جبير.
فدعني حتى أسلها منهم.
فاستسلها منهم فطلقها.
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) وفي وراية: إن أبا بكر إستسلها منهم قبل أن تخطبها خولة بنت حكيم السلمية إمرأة عثمان بن مظعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله تزوج عائشة بمكة قبل الهجرة بسنتين وقيل: بثلاث سنين.
وابتنى بها بالمدينة.
وفي رواية: تزوجها النبي صلى الله عليه وآله في السنة الثانية أو الثالثة للهجرة وتوفي عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة، وروي عن عباد بن حمزة عن عائشة قالت: قلت يا
__________
(1) الإستيعاب 357 / 4.
(2) الطبقات الكبرى 59 / 7، الإصابة 359 / 4.
(*)(1/47)
رسول الله إن النساء قد إكتنين فكنني.
قال: تكنى بإبنك عبد الله بن الزبير.
يعنى ابن أختها (1).
من وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عن عطاء بن يسار.
إن النبي صلى الله وسلم قال لأزواجه (أيتكن
إتقت الله ولم تأت بفاحشة مبينة ولزمت ظهر مصيرها فهي زوجتي في الآخرة) (2) وأخرج ابن سعد عن عروة عن عائشة انها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن أردت اللحوق بي فليكفيك من الدنيا كزاد الراكب.
وإياك ومجالسة الأغنياء.
ولا تستخلفي ثوبا " حتى ترقعيه (3).
وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغيب عن ربه.
وبين ما يستقبل للناس من أحداث.
حتى يأخذوا بأسباب الحياة السعيدة.
لأن الله تعالى ينظر إلى عباده كيف يعملون.
وأن العباد لا يجب عليهم إلا الأخذ بتعاليم الدين وهم يسلكون في الحياة.
وما يستقبل احدهم من أحداث ما هو إلا نتيجة لما قدموه من أعمال، وهذه النتيجة أخبر بها الله تعالى العليم المطلق سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أحاديث الإخبار بالغيب ما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلى كثير.
وتنجو بعد ما كادت قال أبو عمر في هذا الحديث: وهذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم (4) وذلك لأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم تحقق على عهد الإمام علي بن أبي طالب.
وروى الإمام أحمد عن قيس
__________
(1) الطبقات 63 / 7، الإستيعاب 358 / 4.
(2) ابن سعد (كنز العمال 142 / 12).
(3) الطبقات الكبرى 76 / 7.
(4) الإستيعاب 361 / 4.
(*)(1/48)
قال: لما أقبلت عائشة وبلغت مياه بني عامر ليلا " نبحت الكلاب.
قالت:
أي ماء هذا ؟ قالوا: ماء الحوأب قالت: ما أظنني إلا إني راجعة فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم.
قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم (كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب) (1) وعلى هذه المقدمة كان يوم الجمل ما كان.
قطوف من سيرتها رضي الله عنها: عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة.
فيحسن الثناء عليها.
فذكرها يوما " من الأيام فأدركتني الغيرة.
فقلت: هل كانت إلا عجوزا "، فقد أبدلك الله خيرا " منها، فغضب، ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيرا " منها، آمنت بي إذ كفر الناس.
وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس.
ورزقني الله منها أولادا " إذ حرمني أولاد النساء، قالت عائشة: فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا " (2).
وعن عائشة.
قالت: أستأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف إستئذان خديجة وتذكره، فإرتاع لذلك.
فقال: اللهم هالة بنت خويلد.
فغرت.
فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش.
حمراء الشدقين هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرا " منها (3) قال صاحب التاج الجامع للأصول: هالة أخت خديجة.
إستأذنت هالة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فتذكر خديجة لشبه
__________
(1) رواه أحمد وقال في الفتح الرباني قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الفتح 137 / 23).
(2) رواه أحمد واسناده حسن (الزوائد 224 / 9) وابن عبد البر (الإستيعاب 287 / 4) وابن كثير (البداية والنهاية 92 / 8).
(3) رواه أحمد (الزوائد 224 / 9) والبخاري ومسلم (التاج الجامع 379 / 3).
(*)(1/49)
صوتهما.
فقال: اللهم هذه هالة.
فغارت عائشة فقالت: وما تذكر إلا عجوزا " من عجائز قريش.
حمراء الشدقين: أي سقطت أسنانها وبقيت حمرة اللثاث.
ماتت وذهبت وأبدلك الله خيرا " منها.
تريد نفسها لصغر سنها، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
حتى قالت له: لا أذكرها بعد هذا إلا بخير (1).
وفي الصحيح عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا إلي أصدقاء خديجة.
قالت عائشة.
فذكرت له يوما ".
فقال: إني لأحب حبها (2).
وأخرج ابن سعد عن القاسم قال: كانت عائشة استقلت بالفتوى في عهد أبي بكر وعمر وعثمان (3) ومما أرسله أصحاب الحديث وأصحاب التواريخ والسير إرسال المسلمات.
أن عائشة شاركت في الحرب وقادت المعارك والرجال.
وكانت تبعث بالرسائل لرؤساء القبائل.
وكانت تأمر وتنهى.
وعمل طلحة والزبير تحت قيادتها في معركة الجمل.
ومما روي في هذه الأحداث.
روى البيهقي عن الحسن البصري: أن الأحنف بن قيس قال لأم المؤمنين عائشة: يا أم المؤمنين هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المسير ؟ قالت: اللهم لا.
قال: فهل وجدته في شئ من كتاب الله جل ذكره ؟ قالت: ما نقرأ إلا ما تقرأون.
فقال: فهل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ستعان بشئ من نسائه إذا كان في قلة والمشركين في كثرة ؟ قالت: اللهم لا.
فقال الأحنف: فإذا ما هو ذنبنا (4) وروي أن أبا الأسود الدؤلي قال لها: ما أنت من السوط والسيف.
إنما
أنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمرك الله أن تقري في بيتك
__________
(1) التاج الجامع 379 / 3.
(2) الإصابة 62 / 8.
(3) الطبقات 375 / 8.
(4) المحاسن والمساوئ / البيهقي 35 / 1.
(*)(1/50)
وتتلي كتاب ربك.
وليس على النساء قتال.
ولا لهن الطلب بالدماء.
وإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأولى بعثمان منك وأحسن رحما ".
فإنهما أبناء عبد مناف.
قالت: لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه.
أفتظن يا أبا الأسود أن أحدا " يقدم على قتالي.
فقال: أما والله لنقاتلنك قتالا " أهونه لشديد (1) وروي أن زيد بن صوحان كتب إلى أم المؤمنين عائشة: أما بعد.
فأنا ابنك المخلص إن اعتزلت هذا الأمر ورجعت إلى بيتك.
وإلا فأنا أول من نابذك.
وقال زيد بن صوحان: رحم الله أم المؤمنين.
أمرت أن تلزم بيتها.
وأمرنا أن نقاتل، فتركت ما أمرت به وأمرتنا به.
وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه (2).
وكانت رضي الله عنها تتصدق على الفقراء والمساكين حتى توفاها الله.
وكانت تظهر النعمة وتتحدث بها.
فعن ذكوان مولى عائشة قال: قدم درج من العراق فيه جواهر إلى عمر بن الخطاب.
فقال لأصحابه: أتدرون ما ثمنه.
فقالوا: لا.
ولم يدروا كيف يقسمونه.
فقال: أتأذنون أن أرسل به إلى عائشة لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم اياها.
قالوا: نعم.
فبعث به إليها (3) وأخرج ابن سعد عن مصعب بن سعد قال:.
فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف.
وزاد عائشة ألفين.
وقال: إنها حبيبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم (4).
وفي عهد معاوية بن أبي سفيان.
تعهد معاوية أم المؤمنين بالعطايا.
روى عن عروة أن معاوية بعث إلى عائشة بمائة ألف (5) وأخرج ابن كثير
__________
(1) العقد الفريد / ابن عبد البر 278 / 2، الإمامة والسياسة / ابن قتيبة 60 / 1.
(2) تاريخ الأمم والملوك / الطبري 184 / 5، البداية والنهاية / ابن كثير 234 / 7، الإمامة والسياسة 60 / 1.
(3) الحاكم (المستدرك 8 / 4) وسير أعلام النبلاء 133 / 2.
(4) الطبقات الكبرى 67 / 8.
(5) الحلية / أبو نعيم 47 / 7، سير أعلام النبلاء 131 / 2، المستدرك 13 / 4.
(*)(1/51)
عن عطاء.
قال: بعث معاوية إلى عائشة وهي بمكة بطوق قيمته مائة ألف فقبلته (1) وروى ابن كثير عن سعيد بن العزيز قال: قضى معاوية عن عائشة أم المؤمنين ثمانية عشر ألف دينار.
وما كان عليها من الدين الذي كانت تعطيه للناس (2).
وأخرج أبو نعيم عن عبد الرحمن بن القاسم قال: أهدى معاوية لعائشة ثيابا " وورقا " وأشياء توضع في أسطوانتها (3).
وكما ذكرنا إنها رضي الله عنها كانت قد إستقلت بالفتوى في عهد أبي بكر وعمر وعثمان.
وكما ذكرنا إنها رضي الله عنها كانت تتحدث بالنعمة.
ومن ذلك ما أخرجه ابن سعد عن القاسم بن محمد قال: إن عائشة كانت تلبس الأحمر المذهب والمعصفر وهي محرمة (4) وعن عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمد.
إن ناسا " يزعمون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين العصفر والذهب.
فقال: كذبوا.
والله لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات وتلبس خواتم
الذهب (5) وعن حبيبة بنت عباد عن أمها قالت: رأيت على عائشة درعا " أحمرا " وخمارا " أسود (6) وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أمه قالت: رأيت على عائشة ثيابا " حمرا كأنها شرر وهي محرمة (7).
وفاتها: عن قيس بن أبي حازم.
قالت عائشة: إني أحدثت بعد رسول الله
__________
(1) سير أعلام النبلاء 131 / 2.
(2) المصدر السابق 131 / 2.
(3) الحلية 48 / 2.
(4) الطبقات الكبرى 70 / 7.
(5) المصدر السابق 70 / 7.
(6) المصدر السابق 71 / 7.
(7) المصدر السابق 7 / 71.
(*)(1/52)
صلى الله عليه وسلم حدثا ".
أدفنوني مع أزواجه (1) وعن عيسى بن دينار قال.
سألت أبا جعفر عن عائشة فقال: استغفر لها.
أما علمت ما كانت تقول: يا ليتني كنت شجرة.
يا ليتني كنت حجرا ".
يا ليتني كنت مدرة.
قال قلت: وما ذاك منها ؟ قال: توبة (2) وعن عمارة بن عمير قال: كانت عائشة إذا قرأت هذه الآية: (وقرن في بيوتكن) بكت حتى تبل خمارها (3).
قال أبو عمر: وتوفيت عائشة سنة سبع وخمسين.
وقيل: سنة ثمان وخمسين.
ودفنت من ليلتها بعد الوتر بالبقيع وصلى عليها أبو هريره (4).
__________
(1) رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
(المستدرك 6 / 4) وابن سعد (الطبقات 74 / 7).
(2) الطبقات الكبرى 74 / 7.
(3) المصدر السابق 81 / 7.
(4) الإستيعاب 360 / 4، الطبقات 80 / 7، التاج الجامع 379 / 3.
(*)(1/53)
4 - السيدة حفصة بنت عصر زواجها: هي: حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عدي بن كعب بن لؤي، وأمها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب.
ولدت حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين.
وأخرج ابن سعد عن أبي الحويرث قال: تزوج خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي حفصة بنت عمر بن الخطاب.
فكانت عنده وهاجرت معه إلى المدينة فمات عنها بعد الهجرة مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من بعد (1) وروى عن حسين بن أبي حسين قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة في شعبان على رأس ثلاثين شهرا " قبل أحد (2) وقال أبو عمر: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث من الهجرة.
وقيل: تزوجها سنة اثنتين من التاريخ (3).
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب.
إن النبي صلى الله عليه وسلم.
طلق حفصة ثم راجعها (4).
__________
(1) الطبقات الكبرى 81 / 7.
(2) المصدر السابق 83 / 7.
(3) الإستيعاب 269 / 4.
(4) الطبقات الكبرى 84 / 7، الإصابة 51 / 8.
(*)(1/54)
وفاتها رضي الله عنها: قال أبو عمر: أوصى عمر بن الخطاب بعد موته إلى حفصة، وأوصت حفصة إلى عبد الله بن عمر بما أوصى به عمر وبصدقة تصدقت بها وبمال وقفته بالغاية.
وتوفيت سنة إحدى وأربعين.
وقال أبو معشر وغيره: توفيت سنة خمس وأربعين (1).
وأخرج ابن سعد أنها توفيت سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية بن أبي سفيان وهي يومئذ ابنة ستين سنة (2) وصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ عامل المدينة (3).
__________
(1) الإستيعاب 270 / 4.
(2) الطبقات الكبرى 86 / 7.
(3) المصدر السابق 86 / 7.
(*)(1/55)
5 - السيدة زينب بنت خزيمة زواجها: هي: زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال.
قال ابن سعد: وهي أم المساكين.
وكانت تسمى بذلك في الجاهلية.
وكانت عند الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فطلقها.
فتزوجها عبيدة بن الحارث فقتل عنها يوم بدر شهيدا " (1).
وروي عن محمد بن قدامة عن أبيه قالا ": خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين.
فجعلت أمرها
إليه.
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأشهد وأصدقها اثنى عشرة أوقية ونشا ".
وكان تزويجه إياها في شهر رمضان.
على رأس إحدى وثلاثين شهرا " من الهجرة (2).
وقيل: سنة ثلاث من الهجرة.
__________
(1) الطبقات الكبرى 115 / 7.
(2) المصدر السابق 115 / 7، الإصابة 316 / 4.
(*)(1/56)
وفاتها رضي الله عنها: أخرج ابن سعد عن محمد بن قدامة عند أبيه قالا: مكثت زينب عند رسول الله صلى لله عليه وسلم ثمانية أشهر وتوفيت في اخر شهر ربيع الآخر على رأس تسعة وثلاثين شهرا " من الهجرة.
وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودفنها بالبقيع (1) وأخرج أبو عمر: لم تلبث زينب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شهرين أو ثلاثة (2).
__________
(1) المصدر السابق 116 / 7.
(2) الإستيعاب 312 / 4، الإصابة 315 / 4.
(*)(1/57)
6 - السيدة أم سلمة بنت أبي أمية زواجها: هي: هند بنت أبي أمية.
واسمه سهيل زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة من بني مالك بن كنانة.
كانت أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند أبي
سلمة عبد الله بن عبد الأسد.
فولدت له سلمة وعمر وزينب ثم توفي عنها.
فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) وروى الحاكم عن مصعب بن عبد الله قال: كانت أم سلمة هي أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة.
وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد.
وهو أول من هاجر إلى أرض الحبشة.
وشهد بدرا " وتوفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فولدت لأبي سلمة.
سلمة وعمر ودرة وزينب (2).
وعن أبي جعفر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
دخل على
__________
(1) رواه الطبراني (الزوائد 245 / 9).
(2) الحاكم (المستدرك 16 / 4)، الإستيعاب 454 / 4.
(*)(1/58)
أم سلمة حين توفي أبو سلمة.
فذكر ما أعطاه الله وما قسم له وما فضله.
فما زال يذكر ذلك ويتحامل على يده.
حتى أثر الحصير في يده مما يحدثها (1) وروى الحاكم وغيره: لما أنقضت عدة أم سلمة خطبها أبو بكر فردته.
وخطبها عمر فردته (2) وروى ابن سعد عن أم سلمة قالت: لما خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إني في خلال لا ينبغي لي أن أتزوج رسول الله.
إنن إمرأة مسنة.
وإني أم أيتام.
وإني شديدة الغيرة.
قالت.
فأرسل إلي رسول الله: أما قولك إني إمرأة مسنة فأنا أسن منك.
ولا يعاب على المرأة أن تتزوج أسن منها.
وأما قولك إني أم أيتام فإن كلهم على الله وعلى رسوله.
وأما قولك إني شديدة الغيرة.
فإني أدعو الله أن يذهب ذلك عنك.
قالت: فتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأنتقلني فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة أم المساكين بعد أن ماتت.
فإذا
جرة.
فإطلعت فيها فإذا فيها شئ من شعير.
وإذا رحى وبرمة وقدر.
فنظرت فإذا فيها كعب من إهالة.
قالت: فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت الكعب من الإهالة فأدمته به.
قالت: فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وطعام أهله ليلة عرسه (3).
وروي الحاكم عن عمر بن أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تزوج أم سلمة.
في ليال بقين من شوال سنة أربع.
ثم إن أهل المدينة قالوا: دخلت أيم العرب على سيد الإسلام والمسلمين أول العشاء عروسا "، وقامت من آخر الليل تطحن وير أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها (4).
__________
(1) الطبقات الكبرى 91 / 7.
(2) الحاكم (المستدرك 17 / 4) الطبقات الكبرى 89 / 7.
(3) الطبقات الكبرى 89 / 7.
(4) رواه الحاكم (المستدرك 18 / 4) ابن سعد (الطبقات 92 / 7).
(*)(1/59)
مناقبها: وروي عن سلمان قال: أتى جبريل عليه السلام نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة.
فجعل يتحدث ثم قام.
فقال نبي الله لأم سلمة: من هذا ؟ أو كما قال.
قالت: هذا دحية الكلبي.
قالت: والله ما حسبته إلا إياه.
حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبرنا (1) قال صاحب التاج الجامع للأصول: فأم سلمة رأت جبريل يتحدث مع النبي صلى اللة عليه وسلم.
فلما سألها من هذا.
ما فهمت إلا أنه دحية الكلبي.
لأنه كان يأتي في صورته أحيانا ".
ففيه فضل أم سلمة
لرؤيتها لجبريل ولحضوره في مجلسها (2).
وروي عن إياس عن أم الحسين.
أنها كانت عند أم سلمة.
فأتي مساكين فجعلوا يلحون وفيهم نساء.
فقلت: أخرجوا أو أخرجن.
فقالت أم سلمة: ما بهذا أمرنا يا جارية.
ردي كل واحد وواحدة ولو بتمرة تضعيها في يدها (3).
وروى الإمام أحمد عن عطاء بن رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت أم سلمة فأتته فاطمة.
فقال أدعي زوجك وابنيك.
فجاء علي والحسن والحسين.
فدخلوا عليه فجلسوا على دثار.
وكان تحته كساء له خيبري.
قالت أم سلمة وأنا أصلى في الحجرة.
فأنزل الله عز وجل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") (4) فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فضل.
الكساء فغشاهم به.
ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم هؤلاء أهل بيتي
__________
(1) رواه مسلم (التاج الجامع 383 / 3).
(2) التاج 383 / 3.
(3) ابن عبد البر (الإستيعاب 455 / 4).
(4) سورة الأحزاب آية 33.
(*)(1/60)
وخاصتي.
فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ") قالت أم سلمة: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله ؟ قال لا (إنك إلى خير إنك إلى خير) (1).
من معالم الإرشاد: مما روته أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
يتبين أن أم سلمة كانت حجة بذاتها.
نظرا " لما شاهدته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أخبرها به.
فلقد شاء الله تعالى أن تنزل آية التطهير في بيت أم سلمة.
وأن تشهد أم سلمة أصحاب هذه الآية.
وشاء الله تعالى أن ينزل جبريل وغيره من الملائكة عليهم السلام في بيتها.
ويخبروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين بن علي بن أبي طالب.
وهو واحد من أهل الكساء الذين نزلت في حقهم آية التطهير.
ولقد روي عن أم سلمة: أحاديث تبين ما يستقبل الناس من الفتن.
وكانت هذه الروايات في حقيقة الأمر دعوة من أجل الأخذ بأسباب الحياة الكريمة.
ومما روي عن أم سلمة في هذا الباب عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت: أشهد إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب عليا " فقد أحبني.
ومن أحبني فقد أحب الله.
ومن أبغض عليا " فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله (2) وعن ثابت مولى أبي ذر.
قال: كنت مع علي بن أبي طالب يوم الجمل.
فلما رأيت عائشة دخلني بعض ما يدخل الناس.
فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر فقاتلت مع أمير المؤمنين.
فلما فرغ ذهبت إلى المدينة.
فأتيت أم سلمة.
فقلت: إني والله ما جئت أسال طعاما " ولا شرابا ".
ولكني مولى لأبي ذر.
فقالت: مرحبا ".
__________
(1) رواه الإمام أحمد ورواه الحاكم وأقره الذهبي (الفتح الرباني 338 / 18) (2) رواه الطبراني وقال الهيثمى إسناء حسن (الزوائد 132 / 9) (كنز العمال 622 / 11).
(*)(1/61)
فقصصت عليها قصتي.
فقالت: أين كنت حين طارت القلوب مطائرها ؟ قلت: إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس.
قالت: أحسنت.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (علي مع القرآن والقرآن مع علي.
لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) (1).
وروي عن مالك بن جعونه قال: سمعت أم سلمة تقول: علي مع الحق.
ومن تبعه فهو على الحق.
ومن تركه ترك الحق.
عهدا " معهودا " قبل يومه هذا (2).
وعن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا " ذات يوم في بيتي.
فقال: لا يدخل علي أحد.
فإنتظرت.
فدخل الحسين.
فسمعت نشيج (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي.
فإطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي.
فقلت: والله ما علمت حين دخل (4) فقال: إن جبريل كان معنا في البيت.
قال أفتحبه ؟ قلت: أما من الدنيا فنعم فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء (5).
وعندما فتحت أبواب الفتن لأخذ الناس بأسبابها.
قتل الحسين بن علي عليهما السلام.
وروي عن سلمى قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي.
فقلت: ما يبكيك ؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام.
وعلى رأسه ولحيته التراب.
فقلت: ما لك يا رسول الله ؟ قال:
__________
(1) رواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 124 / 3) والطبراني (كنز العمال 603 / 11).
(2) رواه الذهبي في ميزان الاعتدال ترجمة مرسى بن قيس (ميزان الإعتدال 217 / 4).
نشيج / أي صوت معه توجع وبكاء.
أي إنها تعجبت حين وجدت الحسين.
قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات (الزوائد 189 / 9).
(*)(1/62)
شهدت قتل الحسين آنفا ") (1) وروى الحاكم عن شهر بن حوشب قال: أتيت أم سلمة أعزيها بقتل الحسين بن علي (2) وروي أن أم سلمة قالت عندما بلغها قتل الحسين: قد فعلوها ملأ الله قبورهم - أو بيوتهم عليهم نارا ".
ووقعت مغشيا " عليها (3).
لقد قدر لأم سلمة رضي الله عنها أن تشهد المقدمات والنتائج.
وبين المقدمة وبين النتيجة كانت الحجة بالبلاغ فوق رؤوس المسيرة.
ولله في عباده شؤون.
وقال صاحب الإصابة: كانت أم سلمة موصوفة بالعقل البالغ والرأي الصائب.
وإشارتها على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها (4) وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه بعد ما كتب كتاب الصلح يوم الحديبية: إنحروا بدنكم وأحلقوا رؤوسكم.
فإمتنعوا وقالوا: كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة.
فإغتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشكا ذلك لأم سلمة فقالت: يا رسول الله إنحر أنت وأحلق.
فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلق.
فنحر القوم (5).
ومما يدل على رجاحة عقلها أيضا ".
روي عن عبد الله بن رافع قال: كانت أم سلمة تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر وهي تمتشط: أيها الناس، فقالت لماشطتها: لفي رأسي.
قالت: فديتك إنما يقول: أيها الناس.
قالت أم سلمة: ويحك أو لسنا من الناس.
فلفت رأسها وقامت في حجرتها فسمعته يقول: أيها الناس بينما
__________
(1) رواه الحاكم (المستدرك 19 / 4) وابن كثير (البداية 217 / 8).
(2) رواه الحاكم (المستدرك 19 / 4).
(3) البداية والنهاية 218 / 8.
(4) الإصابة 459 / 4.
(5) تفسير الميزان 268 / 18.
(*)(1/63)
أنا على الحوض جئ بكم زمرا ".
فتفرقت بكم الطرق (1).
فناديتكم: ألا هلموا إلي الطريق (2).
فناداني مناد من بعدي (3) فقال: إنهم قد بدلوا بعدك (4).
فقلت: ألا سحقا " سحقا " (5).
وفاتها: قال ابن حيان: ماتت سنة إحدى وستين بعد ما جاءها نعي الحسين بن علي (6) وقال أبو نعيم: ماتت سنة اثنتين وستين وهي آخر أمهات المؤمنين موتا " (7) وروى الحاكم عن عطاء بن السائب قال: كنا قعودا " مع محارب بن دثاز فقال: حدثني ابن سعيد بن زيد أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد.
خشية أن يصلي عليها مروان بن الحكم (8) وقال أبو عمر: دخل قبرها عمر وسلمة ابنا أبي سلمة ودفنت بالبقيع رحمة الله عليها (9).
__________
(1) أي / بعضهم سلك الطريق إلى الحوض.
وبعضهم ضل عنها إلى طريق آخر غير موصل.
(2) أي / أقبلوا.
(3) من بعدي / أي من ورائي.
(4) أي / أحدثوا في الدين ما ليس منه.
(5) رواه أحمد وأسناده جيد (الفتح الرباني 197 / 1).
(6) الإصابة 460 / 4.
(7) المصدر السابق 460 / 4.
(8) رواه الحاكم (المستدرك 19 / 4).
(9) الإستيعاب 422 / 4.
(*)(1/64)
7 - السيدة زينب بنت جحش زواجها: هي: زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن حبرة بن مرة بن أسد بن خزيمة، وأمها: أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.
عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرج ابن سعد عن عمر بن عثمان عن أبيه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة.
وكانت زينب بنت جحش ممن هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيد بن حارثة.
فقالت: يا رسول الله لا أرضاه لنفسي وأنا أيم قريش قال: فإني قد رضيته لك.
فتزوجها زيد بن حارثة (1).
وروي أن زيدا " كان يقال له زيد بن محمد، وكان أهل الجاهلية يعتقدون أن الذي يتبنى غيره يصير ابنه بحيث يتوارثان إلى غير ذلك، فلما نزل قوله تعالى: (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) وقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) الآية.
وزواج النبي صتى الله عليه وآله وسلم بزينب بنت جحش إنتفى ما كانوا يعتقدونه في الجاهلية، وعلاوة على ذلك
__________
(1) الطبقات الكبرى 101 / 7.
(*)(1/65)
إمتحن الله تعالى المسلمين في هذه الآونة بهذا الزواج.
فأما الذين آمنوا فقد علموا أن وراء هذا التشريع حكمة.
وأما المنافقين فقالوا حرم محمد الولد وقد تزوج إمرأة إبنه.
إلى غير ذلك.
وقصة الزواج أشار إليها قول الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا " أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.
ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا " مبينا ".
وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه.
وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه.
فلما قضى زيد منها وطرا " زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ".
وكان أمر الله مفعولا " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له.
سنة الله في الذين خلوا من قبل.
وكان أمر الله قدرا " مقدورا.
الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا " إلا الله وكفى بالله حسيبا ".
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين.
وكان الله بكل شئ عليما ") (1).
قال صاحب الميزان: المراد بهذا الذي أنعم الله عليه.
وأنعم النبي عليه.
زيد بن حارثة.
الذي كان عبدا " للنبي صلى الله عليه وسلم ثم حرره واتخذه ابنا " له.
وكان تحته زينب بنت جحش.
أتى زيد النبي فاستشاره في طلاق زينب.
فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الطلاق.
ثم طلقها زيد فتزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ونزلت الآيات.
فقوله: (أنعم الله عليه) أي بالهداية إلى الإيمان وتحبيبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله: (وأنعمت عليه) أي بالإحسان إليه وتحريره وتخصيصه بنفسك، وقوله: (أمسك عليك زوجك واتق الله) كناية عن الكف عن
تطليقها.
ولا تخلو من إشعار بإصرار زيد على تطليقها وقوله: (وتخفي
__________
(1) سورة الأحزاب آية 37 - 41.
(*)(1/66)
في نفسك ما الله مبديه) أي مظهره (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) ذيل الآيات.
أعني قوله: (الذين يبلغون رسالات الله ولا يخشون أحدا " إلا الله) دليل على أن خشيته صلى الله عليه وسلم الناس.
لم تكن خشية على نفسه.
بل كانت خشية في الله.
فأخفى في نفسه ما أخفاه.
استشعارا " منه أنه لو أظهره، عابه الناس وطعن فيه بعض من في قلبه مرض، فأثر ذلك أثرا " سيئا " في إيمان العامة، وهذا الخوف - كما ترى - ليس خوفا " مذموما ".
بل خوف في الله.
وهو في الحقيقة خوف من الله سبحانه.
فقوله: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) الظاهر في نوع من العتاب.
ردع عن نوع من خشية الله.
وهي خشية عن طريق الناس وهداية إلى نوع آخر من خشيته تعالى، وأنه كان من الحري أن يخشى الله دون الناس.
ولا يخفي ما في نفسه ما الله مبديه.
وهذا نعم الشاهد على أن الله كان قد فرض له أن يتزوج زوج زيد الذي كان تبناه، ليرتفع بذلك الحرج عن المؤمنين في التزوج بأزواج الأدعياء.
وهو صلى الله عليه وآله وسلم كان يخفيه في نفسه إلى حين.
مخافة سوء أثره في الناس، فأمنه الله ذلك بعتابه عليه.
نظير ما تقدم في قوله تعالى: (يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك - إلى قوله - والله يعصمك من الناس) الآية.
فظاهر العتاب الذي يلوح من قوله: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) مسوق لإنتصاره..وتأييد أمره.
قبال طعن الطاغين ممن في قلوبهم مرض.
نظير ما تقدم في قوله: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى
يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) (1) ومن الدليل على أنه إنتصار وتأييد في صورة العتاب قوله تعالى بعد: (فلما قضى زيد منها وطرا " زوجناكها) حيث أخبر عن تزويجه إياها.
كأنه أمر خارج عن إرادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واختياره ثم قوله: (وكان أمر الله مفعولا ").
__________
(1) سورة التوبة آية 43.
(*)(1/67)
فقوله: (فلما قضى زيد منها وطرا " زوجناكها) متفرع على ما تقدم من قوله: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) وقضاء الوطر منها كناية عن الدخول والتمتع، وقوله: (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم لما قضوا منهن وطرا ") تعليل للتزويج ومصلحة للحكم.
وقوله: (وكان أمر الله مفعولا ") مشير إلى تحقيق الوقوع وتأكيد للحكم.
ومن ذلك يظن أن الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخفيه في نفسه.
هو ما فرض الله له أن يتزوجها.
لا هواها وحبه الشديد لها وهي بعد متزوجة.
كما ذكر جمع من المفسرين.
واعتذروا عنه بأنها حالة جبلية لا يكاد يسلم منها البشر، فإن فيه أولا ": منع أن يكون بحيث لا يقوى عليه التربية الإلهية، وثانيا ": أنه لا معنى حينئذ للعتاب على كتمانه وإخفائه في نفسه فلا مجوز في الإسلام لذكر حلائل الناس والتشبيب بهن.
وقوله تعالى: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) المعنى: ما كان على النبي من منع فيما عين الله له.
أو أباح الله له.
حتى يكون عليه حرج في ذلك (1).
وقال في الميزان: وفي العيون في باب مجلس الإمام الرضا عند المأمون مع أصحاب الملل في حديث يجيب فيه عن مسألة علي بن الجهم
في عصمة الأنبياء قال: وأما محمد صلى الله عليه وآله وقول الله عز وجل: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) فإن الله عز وجل عرف نبيه صلى الله عليه وسلم أسماء أزواجه في الدنيا وأسماء أزواجه في الآخرة.
وأنهن أمهات المؤمنين.
وأحد من سمى له زينب بنت جحش.
وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة.
فأخفى صلى الله عليه وآله وسلم اسمها
__________
(1) تفسير الميزان 322 / 16.
(*)(1/68)
في نفسه ولم يبده، لكيلا يقول أحد من المنافقين: إنه قال في إمرأة في بيت رجل أنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين.
وخشي صلى الله عليه وآله وسلم قول المنافقين.
قال تعالى: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) يعني في نفسك الحديث.
وروي ما يقرب منه في المجمع في قوله: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) قيل: إن الذي أخفاه في نفسه هو أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه.
وأن زيدا " سيطلقها.
فلما جاء زيد وقال له: أريد أن أطلق زينب.
قال له: أمسك عليك زوجك.
فقال الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك (1).
مناقبها: في الروايات.
ما أولم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على إمرأة من نسائه ما أولم على زينب.
ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم.
وفي الروايات أنها كانت تفتخر على سائر النساء بثلاث: أن جدها وجد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحد.
فإنها كانت بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الذي زوجها منه هو الله سبحانه وتعالى، وأن السفير جبريل عليه السلام.
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: لما أخبرت زينب بتزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها.
سجدت (2) وقال المسعودي: وكان تزويجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش سنة خمس من الهجرة.
وروي عن أم سلمة أن زينب كان بينها وبين عائشة ما يكون
__________
(1) المصدر السابق 326 / 16.
(2) الطبقات الكبرى 102 / 7.
(*)(1/69)
فقالت زينب: إني والله ما أنا كأحد من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنهن زوجهن بالمهور وزوجهن الأولياء، وزوجني الله رسوله وأنزل في الكتاب يقرأ به المسلمون لا يبدل ولا يغير (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) الآية وقالت أم سلمة: وكانت لرسول الله معجبة وكان يستكثر منها.
وكانت إمرأة صالحة صوامة قوامة صنعا.
تتصدق بذلك كله على المساكين (1).
وروي عن عاصم الأحول.
أن رجلا " من بني أسد فاخر رجلا ".
فقال الأسدي: هل منكم إمرأة زوجها الله من فوق سبع سماوات ؟ يعني زينب بنت جحش (2).
وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه.
يتبعني أطولكن يدا ".
قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم
نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش.
وكانت إمرأة قصيرة.
ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صتى الله عليه وسلم.
إنما أراد بطول اليد الصدقة.
قالت: وكانت زينب إمرأة صناع اليد.
فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله (3).
وأخرج ابن سعد عن عمر بن عثمان عن أبيه: ما تركت زينب بنت جحش درهما " ولا دينارا ".
كانت تتصدق بكل ما قدرت عليه.
وكانت مأوى المساكين.
وتركت منزلها فباعوه من الوليد بن عبد الملك حين هدم المسجد بخمسين ألف درهم (4) وروي عن محمد بن كعب قال: كان عطاء
__________
(1) المصدر السابق 103 / 7.
(2) المصدر السابق 103 / 7.
(3) المصدر السابق 108 / 7، رواه الشيخان بإختصار.
(4) المصدر السابق 114 / 7.
(*)(1/70)
زينب بنت جحش إثني عشر ألفا " لم تأخذه إلا عاما " واحدا " فجعلت تقول: اللهم لا يدركني هذا المال من قابل.
فإنه فتنة ثم قسمته في أهل رحمها وفي أهل الحاجة (1).
وفاتها رضي الله عنها: توفيت زينب بنت جحش في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين وهي بنت خمسين.
وقيل إنها عاشت ثلاثا " وخمسين (2) وروي أن عمر بن الخطاب أراد أن يدخل القبر فأرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلن: إنه لا يحل لك أن تدخل القبر.
وإنما يدخل القبر من كان يحل له أن ينظر إليها وهي حية (3) وحفر لها بالبقيع عند دار عقيل فيما بين دار
عقيل ودار ابن الحنفية.
ونقل اللبن من السمينة فوضع عند القبر.
وكان يوما " صائفا " (4).
__________
(1) الإصابة 314 / 4، الطبقات 110 / 7.
(2) الإصابة 314 / 4، الطبقات 115 / 7.
(3) الطبقات 111 / 7.
(4) المصدر السابق 109 / 7.
(*)(1/71)
8 - السيدة أم حبيبة بخت أبي سفيان نظرات في الطريق إلى بلاد الحبشة: هي: رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وأمها: صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، تزوجها عبيد الله بن جحش فولدت له حبيبة فكنيت بها.
إن الباحث في تاريخ الأمم السالفة.
يجد أن هلاك هذه الأمم يعود سببه إلى شركهم بالله.
والإعراض عن آياته.
والإستكبار في مقابل الحق.
وتكذيب الرسل.
فإلى هذه الأسباب تعود المعيشة الضنك والهلاك والإستئصال من عصر نوح عليه السلام إلى قيام الساعة.
والله تعالى لم يهلك أمة إلا بعد الإنذار وإتمام الحجة.
وعندما بعث الله تعالى نبيه الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.
تكاتف وعاء الكفر والشرك والإستعباد والإستكبار والتفاخر.
والتكذيب والجهل والسخرية والظلم والطاغوت إلى آخر التفريعات الشيطانية.
تكاتف أصحاب النفوس المريضة على إمتداد مسيرة الأمة ووضوا العوائق أمام الدعوة حتى لا تسوق الناس إلى سعادة الدنيا وآخرة.
كان النظام الشيطاني
بالمرصاد لكل من يحمل معالم الاتحاد والإخلاص والأدب والإستقامة والتطهير والتعقل والإحساس والتقوى والتوسل والجهاد والحلال والحمد(1/72)
إلى آخر ذلك من تفريعات الصراط المستقيم.
وفي عهد البعثة إستهزأ الكفار بالمبعوث صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن الكفار أهلا " لسماع الحق وتعقله.
نظرا " لما في صدورهم من إستكبار وكان طابور الشرك يتمسك بالأصنام وفي هذا دليل على عدم معرفتهم بمقام الله تعالى وخروجهم عن الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها.
وكان لازم ذلك أن يتعقلوا وينصتوا للحق الذي بعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لكنهم مكروا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وغضبوا من إنتشار الإسلام واضطهدوا المستضعفين من الذين آمنوا وأخرجوا وقاتلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين معه.
وبالجملة: فقد المشركون استعداد الايمان لإعراضهم عن إتباع الرسول وذكر الله.
وفي عهد البعثة الخاتمة صد الذين كفروا من أهل الكتاب عن سبيل الله.
والطائفتان من أهل الكتاب - اليهود والنصارى - يرجعان إلى أصل واحد.
وهذا الأصل يحمل فيما يحمل صفات النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن الذين كفروا منهم تعاموا عن ما بين أيديهم.
وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينزل إليهم كتابا " من السماء.
ولقد سعى اليهود ضد المسلمين وأشعلوا الفتنة ضد الإسلام فلم يؤثر ذلك لأن الله تعالى الذي بيده عذاب الدنيا من سبي وشتات وضرب للذلة والمسكنة وغير ذلك.
بيده أيضا " النصر وتوريث الأرض لعباده الصالحين إلى غير ذلك.
أما النصارى فلقد وقفوا تحت لافتات وهم لا يعلمون معنى واحدا " من العناوين التي تحملها اللافتة.
لقد قالوا إن المسيح (إله) و (إنسان) أيضا "، وقالوا بعقيدة التثليث التي لم تذكر التوراة عنها شيئا ".
ويعلم الباحث في هذا الباب.
أن مصادر هذه العقيدة مصادر وثنية.
ولا يستطيع باحث أن يرد القول بأن عقيدة التثليث والفداء والصليب من عقائد الهنود.(1/73)
وأن هذه العقيدة كانت شائعة بين عبدة الأصنام القدامى.
وإن العبادة على طريق هذه العقيدة تتنافى مع تعليمات المسيح نفسه.
وبالجملة: كان أبو سفيان بن حرب في زمن البعثة يحمل في يده لواء الكفر والشرك والإستكبار في مقابل الحق.
ولم يترك طريقا " يقود صاحبه إلى الإيمان بالله ورسوله إلا ووضع عليه العوائق، وكان اليهود يتحصنون في قرى داخل الحجاز.
يراقبون ويوسوسون إبتغاء الفتنة وإبتغاء إشعال نار الحرب.
وكان النصارى في الحجاز وخارجه عاكفين على عقيدة لم يكن المسيح مسؤولا " عنها.
وكان بين أهل الكتاب من يبحث عن الحقيقة.
وهؤلاء لم تخلوا منهم صحراء الحجاز وما حولها.
وكانوا في بلاد الحبشة وبلاد مصر نظرا " لأن الكنيسة الأثيوبية والكنيسة المصرية يقفان على أرضية واحدة وتحت ظل واحد.
بمعنى: إن نجاشي الحبشة إذا تأثر بشئ.
وجدت أثر ذلك في مقوقس مصر.
والخلاصة: لما كان أبو سفيان عضوا " أصيلا " في طابور الصد عن سبيل الله.
فإن النجاشي كان عضوا " أصيلا " في قافلة البحث عن الحقيقة.
وبين ما يمثله أبو سفيان وبين ما يمثله النجاشي.
دارت قصة أم حبيبة بنت أبي سفيان.
أخرثغ ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب وابن مسعود وعثمان بن مظعون في رهط من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة، فلما بلغ المشركين.
بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم.
فذكروا إنهم سبقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، وقالوا: إنه قد خرج فينا رجل سفه عقول قريش وأحلامهم، زعم أنه نبي، وانه بعث إليك رهطا " ليفسدوا عليك قومك.
فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم.
قال: إن جاؤوني نظرت فيما(1/74)
يقولون، فلما قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأتوا إلى باب النجاشي.
فقالوا: أستأذن لأولياء الله، فقال: أئذن لهم فمرحبا بأولياء الله، فلما دخلوا عليه سلموا، فقال الرهط من المشركين: الم تر أيها الملك أنا صدقناك، وإنهم لم يحيوك بتحيتك التي تحيا بها ؟ فقال لهم: ما يمنعكم أن تحيوني بتحيتي ؟ قالوا: إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة.
فقال لهم: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه ؟ قالوا: يقول: عبد الله ورسوله وكلمة من الله وروح منه ألقاها إلى مريم، ويقول في مريم: إنها العذراء الطيبة البتول.
فأخذ النجاشي عودا " من الأرض وقال: ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم هذا العود، فكره المشركون قوله وتغير له وجوههم.
فقال: هل تقرؤن شيئا " مما أنزل عليكم ؟ قالوا: نعم، قال: فاقرؤوا، فقرؤوا وحوله القسيسون والرهبان.
فجعلت طائفة من القسيسين والرهبان.
كلما قرأوا آية إنحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق.
وهو قوله تعالى (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا " وأنهم لا يستكبرون.
وإذا
سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) (1).
وروي أن النجاشي بكى وأسلم.
وأسلم معه خاصته.
وروي أنه خرج من بلاد الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما عبر البحر توفي.
وروي عن سعيد بن جبير: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفرأ في سبعين راكبا " إلى النجاشي يدعوه.
فقدم عليه ودعاه فاستجاب له وآمن به، فلما كان عند إنصرافه.
قال ناس ممن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلا ": أئذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم به، فقدموا مع جعفر، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة.
إستأذنوا رسول الله صلى الله عليه
__________
(1) سورة المائدة آية 82.
(*)(1/75)
وسلم وقالوا: يا نبي الله إن لنا أموالا " ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة.
فإن أذنت لنا أنصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها، فأذن لهم، فإنصرفوا، فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين.
فأنزل الله تعالى فيهم (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين.
أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة.
ومما رزقناهم ينفقون.
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (1) فكانت النفقة.
التي واسوا بها المسلمين، فلما سمع أهل الكتاب مس لم يؤمن بالله ورسوله.
قوله تعالى (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) فخروا على المسلمين.
فقالوا: يا معشر المسلمين.
أما من آمن منا بكتابنا وكتابكم فله أجران.
ومن آمن منا بكتابنا
فله أجر كأجوركم.
فما فضلكم علينا ؟ فنزل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا " تمشون به.
ويغفر لكم والله غفور رحيم.
لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله) (2) فجعل لهم أجرين.
وزادهم النور والمغفرة.
ثم قال (لئلا يعلم أهل الكتاب) (3).
وبالجملة: واجهت الدعوة الإضطهاد من قريش ومن معهم من القبائل في جزيرة العرب.
وواجهت فتنة التأويل التي سهر على إشعالها صناديد قريش.
وحمل وقودها أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
__________
(1) سورة القصص آية 53.
(2) سورة الحديد آية 28.
(3) تفسير الميزان 176 / 19.
(*)(1/76)
زواجها: كان أهل الكتاب قد رفعوا لافتة تحمل كل معاني الفتن.
وقالوا: يا معشر المسلمين أما من آمن منا بكتابنا وكتابكم فله أجران.
ومن آمن منا بكتابنا فله أجر كأجوركم.
فما فضلكم علينا ؟ وأنطلقت هذه الفتنة حتى إستقرت في الجزيرة وما حولها وفي الحبشة وغيرها.
ورد الله كيدهم إلى نحورهم وأنزل ايات بينات وأخبر على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أن الإيمان بالرسالة الخاتمة شرط لنيل رضا الله تعالى.
وروي أن عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة لم يستمع ولم ينصت لصوت الحجة الدامغة.
وسلك في الفتنة التي تصد عن سبيل الله.
فعن أم
حبيبة قالت: رأيت في المنام كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوء صورة وأشوهه.
ففزعت فقلت: تغيرت والله حاله.
فإذا هو يقول حين أصبح: يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر دينا " خيرا " من النصرانية.
وكنت قد دنت بها.
ثم دخلت في دين محمد.
ثم رجعت إلى النصرانية.
فقلت: والله ما خير لك.
وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له.
فلم يحفل بها وأكب على الخمر حتى مات.
فرأيت في النوم كأن آتيا " يقول لي: يا أم المؤمنين.
ففزعت وأولتها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني.
قالت: فما هو إلا أن أنقضت عدتي.
فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن.
فإذا جارية له يقال لها (أبرهة) كانت تقوم على ثيابه ودهنه.
فدخلت علي.
فقالت: إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلن أن أزوجك.
فقلت: بشرك الله بخير.
وقالت: يقول لك الملك وكلي من يزوجك.
فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته.
وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا في رجليها وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها سرورا " بما بشرتها به.
فلما كان العشى أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا.
فخطب(1/77)
النجاشي.
فقال: الحمد لله.
الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار.
الحمد لله حق حمده وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا " عبده ورسوله.
وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان.
فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أصدقها أربعمائة دينار.
ثم سكب الدنانير بين يدي القوم.
فتكلم
خالد بن سعيد.
فقال: الحمد لله.
أحمده وأستعينه وأستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد إن محمدا " رسوله.
أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان.
فبارك الله لرسوله.
ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا.
فقال: أجلسوا فإن سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا تزوجوا أن يؤكل الطعام على التزويج.
فدعا بطعام.
فأكلوا ثم تفرقوا.
قالت أم حبيبة: فلما وصل إلي المال.
أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني.
فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي.
وهذه خمسون مثقالا " فخذيها فإستعيني بها.
فأخرجت إلي حقة فيها جميع ما أعطيتها فردته إلي.
وقالت: عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئا ".
وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه.
وقد أبتعت دين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلمت لله.
وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر.
فلما كان الغد جاءتني بعود وورس وعنبر كثير.
وقدمت بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان يراه على وعندي فلا ينكر.
ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام.
وتعلميه إني قد أتبعت دينه.
قالت: ثم لطفت بي.
وكانت هي التي جهزتني.
وكانت كلما دخلت علي تقول: لا تنسي حاجتي إليك.
قالت: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أخبرته كيف كانت(1/78)
الخطبة.
وما فعلت بي أبرهة.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأقرأته منها السلام.
فقال: وعليها السلام ورحمة الله وبركاته (1).
وعن عبد الواحد بن عون قال: لما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته قال: ذاك الفحل لا يقرع أنفه (2).
وبالجملة: بعثت قريش البعوث إلى الحبشة للصد عن سبيل الله.
وحمل الذين كفروا من أهل الكتاب الفتن التي تعوق تقدم الدعوة.
وتكاتف هؤلاء مع هؤلاء.
ولا ندري هل كان عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة حلقة في هذه الدوامة التي تشكك في دين الله وتعبئ الصدور بالحق على الذين آمنوا.
وهل كان أبو سفيان يجهز لثقافة تتفق مع ثقافة التشكيك التي قام بها أهل الكتاب.
مستندا " على ما قام به عبيد الله بن جحش.
وهل كان في جعبة أبي سفيان بعض قصص التشكيك في دين الله وكان يعد العدة لنشرها حول أم حبيبة بعد إرتداد زوجها ؟ وعلى أي حال فلقد رد الله كيد أعداء الدين إلى نحورهم.
وكان زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم حبيبة سكن لها وتطييب لخاطرها.
وكان فيه إغلاقا " لأبواب الفتن.
وكان فيه ضربة قوية لأصحاب العقول الماكرة والصدور الحاسدة.
وفاتها: قال أبو عمر: توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين.
وعن علي بن الحسين قال: قدمت منزلي في دار علي بن أبي طالب عليه السلام.
فحفرنا في ناحية منه.
فأخرجنا منه حجرا ".
فإذا فيه مكتوب: هذا قبر رملة بنت صخر.
فأعدناه مكانه (3).
__________
(1) رواه الحاكم (المستدرك 21 / 4)، الإستيعاب 441 / 4، الإصابة 305 / 4، الطبقات الكبرى 97 / 7.
(2) رواه الحاكم (المستدرك 22 / 4).
(3) الإستيعاب 306 / 4.
(*)(1/79)
(9) السيدة جويرية بنت الحارث نظرات في منطلقات الدعوة: هي: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن مالك بن جزيمة، وجزيمة هو المصطلق من خزاعة.
تزوجها مسافع بن صفوان.
فقتل يوم المريسيع (1).
بعث الله تعالى رسوله الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام.
وكليات هذا الدين موجودة في فطرة الإنسان.
لهذا كانت الفطرة حجة بذاتها على الإنسان.
لأن ينبوع دين الله فطرة الإنسان نفسه.
والفطرة لا تتبدل أبدا " لأنها من شهود الله يوم القيامة.
وإنما يخطئ الإنسان في إستعمالها.
وعندما يتراكم الخطأ يفتقر الإنسان إلى الفطرة السليمة.
ولازم ذلك عدم تعادل قواه الحسية الداخلية.
ويستوجب ذلك إتباع الإنسان للواقع الذي يجده في الخارج.
بمعنى: يتبع العقيدة التي تحقق له مطامعه وأهوائه وشهواته.
ومن هنا أقام الله تعالى حجته على خلقه ببعث الأنبياء والرسل ومعهم الشريعة التي ترفع هذه الأثقال عن الناس وتسوقهم إلى صراط الله العزيز الحميد، والشريعة الإسلامية بصائر للناس يميزون بها أي
__________
(1) الطبقات الكبرى 116 / 7.
(*)(1/80)
الطرق يسلكونها لتؤدي بهم إلى الحياة الطيبة في الدنيا والسعادة في الآخرة.
والباحث المنصف لا يمكن أن يقر قول البعض: إن الإسلام دين السيف.
فكيف يقوم دين شعاره الإجتماعي هو إتباع الحق في الفكر والعمل على السيف والدماء وفرض الجهل والتخلف على العباد.
إن الله تعالى جهز الإنسان بقوة الغضب والشدة والقوة الفكرية التي تستخدم في مواقع الدفاع والدفاع حق مشروع ولقد دعا القرآن بإعداد العدة الدفاعية.
والإسلام في جميع معاركه التي خاضها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
كان ينطلق من دائرة الدفاع.
ولقد أمر الله تعالى بالتجهيزات الحربية.
وأمر تعالى بالحرب.
وبين أمور أوجب الله تعالى رعايتها في الحروب الإسلامية حينما يواجه المسلمون جيش العدو.
وبالجملة: الدين الخاتم طريقة خاصة في الحياة.
تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي الحياة الدائمة الحقيقية.
وهذا الدين ليس إجباريا ".
وعدم الإكراه في الدين أصيل في الكون.
والدعوة الخاتمة أعلنت أن لا إكراه ولا إجبار من أحد لغيره على الدخول في دين الله.
لأنه قد تبين الرشد من الغي.
فمن كفر بعد هذا الأعلان فليتحمل نتيجة كفره.
وأعلنت الدعوة أن من يكفر بكل معبود سوى الله تعالى ويخلع الانداد والأوثان ويؤمن بالله إيمانا " حقا ".
فقد ثبت أمره واستقام مع الطريقة المثلى التي لا إنقطاع لها.
وأمسك من الدين بأقوى سبب وأحكم رباط.
وأمام إعلان الدعوة الخاتمة تكاتفت قوى الطاغوت لفرض عبادة الانداد والأوثان على عباد الله.
متخذين كل وسيلة لتحقيق هذا الهدف.
ومؤسسات الصد عن سبيل الله.
بدأت تمارس أعمالها منذ بعث الله تعالى رسوله الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ومن مشاهير الأحداث بعد بعث الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
إضطهاد المشركين للذين آمنوا.
ثم إخراجهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة.
والهجرة أبلغ(1/81)
دليل على أن الإسلام لم يقف يوما " على أرضية المعتدي.
وبعد الهجرة
تكاتفت قريش لإستئصال المسلمين.
فكانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة.
ثم غزوة أحد في السنة الثالثة، وفي السنة الرابعة من الهجرة نشطت أجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله.
فكانت أكثر من غزوة منها الغزوة المعروفة بذات الرقاع.
وغزوته صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليهود من بني النضير.
وغزوته إلى بني المصطلق.
وفي هذه الغزوة تم سبي جويرية بنت الحارث سيد هذا البطن من خزاعة.
وكان زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جويرية بنت الحارث.
أحد الأسباب الرئيسية التي قصمت ظهر جبهة الحرب التي كان أبو سفيان يعتمد عليها للصد عن سبيل الله.
كما سيأتي.
وفي السنة الخامسة كانت غزوة الخندق وغزوة اليهود من بني قريظة، وفي السنة السادسة كان صلح الحديبية الذي جاء على خلفية تصدع جبهة أبو سفيان بعد الغزوة إلى بني المصطلق، وبعد هذا التصدع وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرسل إلى كسرى وهرقل، وفي السنة السابعة كانت غزوة خيبر.
وفيها جاء وفد المقوقس ومعه مارية القبطية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغير ذلك من هدايا المقوقس إليه.
وفيها أيضا " كان قدوم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة.
ومعه أولاده وزوجته وغيرهم من المسلمين مس كان بأرض الحبشة، وفي السنة الثامنة إستشهد جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بأرض مؤتة من أرض البلقاء من أرض الشام وأعمال دمشق في وقعتهم مع الروم، وفي سنة ثمان من الهجرة كان إفتتاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة.
وفيها أيضا " كانت غزوة حنين وغزوة الطائف.
وفي سنة تسع حج أبو بكر بالناس.
وقرأ علي بن أبي طالب عليهم سورة براءة وأمر ألا يحج مشرك.
وأنه لا يطوف بالبيت عريان،
وفي سنة عشر حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع، وفي سنة إحدى عشر من الهجرة كانت وفاة النبي الأمي العربي القرشى(1/82)
الهاشمي المكي المدني صلى الله عليه وآله وسلم (1).
والباحث المنصف إذا تدبر في أسباب هذه الغزوات وغيرها في أصول أهل التواريخ والسير.
لا يسعه إلا أن يقر بأن قتال الإسلام إنطلق من دائرة الدفاع في المقام الأول.
وإن هذا القتال كان حجة على البعض وإمتحان وإبتلاء للبعض الآخر، وبين دائرة الحجة ودائرة الإمتحان والإبتلاء فاز الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
زواجها: وإذا تدبرنا في الأحداث.
وجدنا أن زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجويرية بنت الحارث.
قد حقق نتائج لا يحققها إلا جيش كامل العدد والعدة.
ذكر ابن كثير: أن بني المصطلق كانوا أكبر بطون خزاعة.
وكانو حلفاء لأبي سفيان بن حرب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكانوا ذو تأثير كبير على من حولهم من القبائل (2) وكان زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من الأسباب الرئيسية لتصدع جبهة أبي سفيان بن حرب.
ولقد كان بنو المصطلق ضمن نسيج الصد عن سبيل الله.
روى الطبري: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجتمعون له.
وقائدهم الحارث بن ضرار أبو جويرية بنت الحارث.
فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقول له: المريسيع.
من ناحية قديد إلى الساحل.
فتزاحف الناس
واقتتلوا قتالا " شديدا ".
فهزم الله بني المصطلق.
وقتل من قتل منهم.
ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم.
فأفاءهم الله
__________
(1) انظر / مروج الذهب / المسعودي 305 / 2.
(2) البداية والنهاية 295 / 5.
(*)(1/83)
عليه.
وروى الطبري: أصيب من بني المصطلق يومئذ ناس كثير.
وقتل علي بن أبي طالب منهم رجلين: مالكا " وابنه.
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث (1).
وذكر ابن هشام في السيرة: لما أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث.
دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة.
وأمره بالإحتفاظ بها.
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته فلما كان بالعقيق نظر إلى الابل التي جاء بها للفداء.
فرغب في بعيرين منها.
فغيبهما في شعب من شعاب العقيق.
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: يا محمد.
أصبتم إبنتي وهذا فداؤها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين البعيرين اللذين غيبت بالعقيق في شعب كذا وكذا ؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
فوالله ما أطلع على ذلك إلا الله تعالى.
فأسلم الحارث.
وأسلم معه ابنان وناس من قومه.
وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما.
فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودفعت إليه ابنته جويرية.
فأسلمت.
وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فزوجه إياها (2).
وروى الحاكم عن عبد الله بن أبي الأبيض مولى جويرية عن أبيه
قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق فوقعت جويرية في السبي.
فجاء أبوها فافتداها وأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وروي أن خبر زواج النبي صلى الله عليه وآله ذاع بين الناس.
فأرسل *
__________
(1) تاريخ الأمم والملوك 65 / 3.
(2) سيرة ابن هثام 246 / 4.
(3) رواه الحاكم (المستدرك 27 / 4).
(*)(1/84)
المسلمين ما بأيديهم وأعتقوا نحو مائة أهل بيت من بني المصطلق.
وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وروي عن عائشة قالت: فما نعلم إمرأة أعظم بركة على قومها منها (2).
وبالجملة: كان زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقدمة ترتب عليها إرسال المسلمين ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق.
وقولهم: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذه الخلفية إنتقل بنو المصطلق من خندق أعداء الدعوة إلى خندق حماية الدعوة.
وبدؤا يمارسون تأثيرهم على القبائل من حولهم ويؤمنون حركة الذين آمنوا وتجارتهم بين القبائل.
وبعد غزوة بني المصطلق تصدعت الجبهة السفيانية.
وترتب على هذا التصدع صلح الحديبية.
وعلى خلفيته إنطلقت الدعوة برسائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى كسرى وقيصر.
ثم إكتملت الثمار بفتح مكة.
لقد كان هتاف المؤمنين يوم غزوة بني المصطلق: أصهار رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان هتاف بني المصطلق يوم الحديبية: نحن في عقد محمد وعهده (3).
ويمكن القول.
إن زواج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان في أول العام السادس الهجري.
كان ضربة قوية وجهت إلى ما يدور في عقل الجبهة السفيانية من إثارة الفتن والتشكيك في الدين من تحت لافتة نصرانية وقع في حبائلها عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة بالحبشة.
وكان زواجه صلى الله عليه وسلم من
__________
(1) الإستيعاب 260 / 4، ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 250 / 9).
(2) رواه الحاكم (المستدرك 27 / 4).
(3) تفسير الميزان 268 / 18.
(*)(1/85)
جويرية بنت الحارث آخر العام السادس الهجري.
ضربة قوية أخرى أصابت الجبهة السفيانية وتعدتها إلى قبائل أخرى.
وفاتها: قال أبو عمر: توفيت جويرية سنة ست وخمسين (1).
وروى أنها عاشت خمسا " وستين سنة (2).
__________
(1) الإستيعاب 261 / 4.
(2) الإصابة 266 / 4.
(*)(1/86)
10 - السيدة صفية بنت حيي تأملات في تابوت السكينة: هي: صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن عامر بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم من بني إسرائيل
من سبط هارون بن عمران عليه السلام، وأمها برة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل من بني قريظة إخوة النضير (1).
وقال صاحب الإصابة: هي من سبط لاوى بن يعقوب ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام (2) وقال أبو عمر: صفية بنت حيي من سبط هارون بن عمران عليه السلام (3).
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية عند ذكره قصة موسى عليه السلام.
إن تفسير الشريعة الموسوية كان لهارون وبنيه عليه السلام.
وإن الله تعالى جعل هذا الحق لهم لا يشاركهم فيه أحد من بقية أسباط بني إسرائيل، والتوراة الحاضرة تقول بهذا (4).
ومفسروا أهل الكتاب يقرون بهذه الحقيقة ولا يختلفون عليها.
وذكرت التوراة الحاضرة.
أن الله تعالى حدد لهارون وبنيه رداء
__________
(1) الطبقات الكبرى 120 / 7..(2) الإصابة 346 / 4.
(3) الإستيعا ب 346 / 4.
(4) سفر اللاويين 3 / 10.
(*)(1/87)
وملابس يلبسونها عند إجتماعهم في خيمة الإجتماع، وهي المكان الذي كان موسى عليه السلام يتعبد فيه ومنها تخرج تفسير الشريعة لبني إسرائيل.
مما ورد في ذلك: قال الرب لموسى (تقدم هارون وبنيه إلى باب خيمة الإجتماع، وتغسلهم بماء وتلبس هارون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي، وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي ويكون ذلك لتصير لهم مسحتهم كهنوتا أبديا " في أجيالهم) (1) وتذكر التوراة إن موسى عليه السلام فعل ما أمر به الله.
ومما
ورد في ذلك (فقدم موسى هارون وبنيه وغسلهم بماء.
وجعل عليه القميص.
وألبسه الجبة وجعل عليه الرداء...ووضع العمامة على رأسه...ومسحه لتقديسه...ثم قدم موسى بني هارون وألبسهم أقمصة...كما أمر الرب موسى) (2).
وذكر مفسروا أهل الكتاب.
إن المسح على هارون وبنيه يعنى تطهيرهم بحيث لا يكون للشيطان فيهم نصيب، لأن من نسلهم يخرج الأنبياء، ولأن هارون وبنوه لهم وحدهم حق تفسير الشريعة.
عصمهم الله من الخطأ وجعلهم إسوة حسنة ليقتدي بهم أسباط بني إسرائيل.
ومما ورد في التوراة الحاضرة (وكلم الرب هارون قائلا ": خمرا " ومسكرا " لا تشرب أنت وبنوك معك...للتميز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر.
ولتعليم بني إسرائيل جميع الفرائض التي كلم الرب بها بين موسى) (3).
وتذكر التوراة الحاضرة إختلاف بني إسرائيل من بعد موسى وهارون عليهما السلام.
وتفرقهم وإنقلابهم على أبناء هارون عليهم السلام وقتل الأنبياء والربانيون منهم على إمتداد المسيرة الإسرائيلية (4) ولقد أشار القرآن
__________
(1) سفر الخروج 40 / 11 - 15.
(2) سفر اللاويين 8 / 1 - 12.
(3) المصدر السابق.
10 / 8 - 10.
(4) انظر كتابنا / إبتلاءات الأمم.
للمؤلف ط دار الهادي بيروت.
(*)(1/88)
الكريم إلى هذا الفساد وأخبر بأنهم إختلفوا وتفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا " بينهم.
وعلى إمتداد مساحة الإفتراق ضاع كثير من الهدى، وبدل وأخفي
الأكثر مما ترك آل موسى وآل هارون عليهم السلام، وشاء الله تعالى أن يبعث لهم طالوتا " ملكا " عليهم.
لتطوق الحجة أعناق هذه الأجيال المعاندة وكان لطالوت علامات محددة يعرفونه بها.
ومنها قوله تعالى (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة.
إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) (1) قال ابن كثير: عن عطية بن سعد قال: فيه عصا موسى وعصا هارون وثياب موسى وثياب هارون ورضاض الألواخ (2).
وبعد ظهور هذه الآيات وغيرها لم تلبث المسيرة الإسرائيلية حتى إختلفت وتفرقت بعد عهد سليمان عليه السلام.
وتوارث أنبياء بني إسرائيل ثياب آل هارون على إمتداد المسيرة وكانوا يفسرون الشريعة ويقيمون الحجة على إمتداد الأجيال حتى بعث عيسى بن مريم عليهما السلام.
وكانت مريم من آل هارون من سبط لاوى.
(3).
وبعد أن رفع الله المسيح بن مريم عليهما السلام.
إحتوى اليهود النصارى بواسطة بولس.
وعلى هذه الخلفية حمل اليهود بعض من بقية ما ترك آل موسى وآل هارون.
وإنتهى هذا الأثر إلى حيي بن أخطب الذي كان يتفاخر على اليهود بأنه من ذرية هارون عليه السلام.
وكان اليهود في الحجاز يتباركون بما لديهم من آنية مقدسة تحمل معالم آل موسى وآل هارون.
__________
(1) سورة البقرة آية 248.
(2) تفسير ابن كثير 301 / 1.
(3) انظر كتابنا إبتلاءات الأمم.
(*)(1/89)
حركة اليهود تجاه الدعوة الخاتمة: كانت طوائف من اليهود قد هاجرت من بلادها إلى الحجاز وتوطنوا بها وبنوا فيها الحصون والقلاع.
وزادت نفوسهم وكثرت أموالهم وعظم أمرهم.
وكان في مقدمة الذين هاجروا كبار الأحبار.
وكانت مهمتهم تنحصر في البشارة بالنبي الخاتم الذي يبعثه الله من أرض الحجاز، وعندما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينصت الذين كفروا من بني إسرائيل لصوت الحجة الدامغة.
وصدوا عن سبيل الله قال تعالى (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا.
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) (1).
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ودعاهم إلى الإسلام استنكفوا عن الإيمان به، وكان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة.
وهؤلاء كانوا يقيمون في قراهم المحصنة.
وتفرع من هذه البطون أقوام سكنوا خيبر وفدك ووادي القرى.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح اليهود وعاهدهم بكتاب بينه وبينهم.
ولكن اليهود لم يحفظوا العهد ونقضوه.
وكان هذا مقدمة لغزو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقراهم المحصنة.
وروي أن بني قينقاع نكثوا العهد في غزوة بدر.
فسار إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد بضعة وعشرين يوما " من وقعة بدر.
فتحصنوا حصونهم فحاصرهم أشد الحصار فبقوا على ذلك خمسة عشر يوما ".
ثم نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفوسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم.
فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن
__________
(1) سورة البقرة آية 89.
(*)(1/90)
يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها.
فخرجوا إلى أذرعات الشام ومعهم نسائهم وذراريهم.
وقبض منهم أموالهم غنيمة الحرب.
أما بنو النضير.
فلقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج إليهم في نفر من أصحابه بعد أشهر من غزوة بدر وكلمهم أن يعينوه في دية رجلين قتلهم عمرو بن أمية القمري.
فقالوا: نفعل يا أبا القاسم.
أجلس هنا حتى نقضي حاجتك.
فخلا بعضهم ببعض.
فتآمروا بقتله.
واختاروا من بينهم عمرو بن جحاش أن يأخذ حجر فيصعد فيلقه على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويشدخه به.
وحذرهم سلام بن مشكم وقال لهم: لا تفعلوا ذلك فوالله يخبرن بما هممتم به.
وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.
فجاءه الوحي وأخبره ربه بما هموا به.
فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مجلسه مسرعا " وتوجه إلى المدينة.
وقال لمحمد بن سلمة الأنصاري: إذهب إلى بني النضير فأخبرهم إن الله عز وجل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر.
فإما أن تخرجوا من بلدنا وإما أن تأذنوا لحرب.
فقالوا: نخرج من بلادك.
فبعث إليهم عبد الله بن أبي - وكان رأس النفاق يومئذ وكانوا حلفاؤه - لا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمدا " الحرب.
فإني أنصركم أنا وقومي وحلفائي.
فإن خرجتم خرجت معكم وإن قاتلتم قاتلت معكم، فأقاموا وأصلحوا بينهم حصونهم وتهيئوا للقتال.
وبعث حيي بن أخطب ملك بني النضير إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إنا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع.
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكبر وكبر أصحابه.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحاط بحصنهم، وغدر بهم عبد الله بن أبى ولم ينصرهم.
ولم ينصرهم حلفائهم من غطفان وبني(1/91)
قريظة.
وعندما حاصرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد الحصار.
بعثوا إليه: يا محمد نخرج من بلادك فأعطنا مالنا.
فقال: لا ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل.
فلم يقبلوا ذلك.
فبقوا أياما ".
ثم قالوا: نحرج ولنا ما حملت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئا ".
فمن وجدنا معه شيئا " من ذلك قتلناه.
فخرجوا على ذلك.
وروي عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن دمائهم وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم وأن يسيرهم إلى أذرعات بالشام.
وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا " وسقاء.
فخرجوا إلى أذرعات بالشام وأريحا إلا أهل بيتين منهم: آل أبي الحقيق، وآل حيي بن أخطب.
فإنهم لحقوا بخيبر.
ولحقت طائفة منهم بالحيرة (1).
أما بنو قريظة.
فقد كانوا على الصلح والسلم حتى وقعت غزوة الخندق.
وبداية الغدر صنعها حيي بن أخطب رئيس بني النضير الذي سمح له أن ينزل بخيبر.
وروي أن حيى بن أخطب كان قد ركب إلى مكة.
وحث قريشا " على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وحزب الأحزاب.
وركب إلى بني قريظة وجاءهم في ديارهم يوسوس إليهم ويلح عليهم لنقض العهد ومناجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وعندما رضوا بما قاله لهم إشترطوا عليه أن يدخل في حصنهم فيصيبه ما أصابهم فقبل
ودخل.
فنقضوا العهد ومالوا إلى الأحزاب الذين حاصروا المدينة، ولقد روى كثير من المفسرين غدر بني قريظة وما حدث يوم الخندق منه ما روى عن محمد بن كعب القرظي وغيره من أصحاب السير.
قالوا: كان من حديث الخندق.
أن نفرا " من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب في جماعة من بني النضير الذين أجلاهم رسول الله صلى الله عليه
__________
(1) تفسير الميزان 207 / 19.
(*)(1/92)
وآله وسلم.
خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقالوا: إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم.
فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود.
إنكم أهل الكتاب الأول.
فديننا خير أم دين محمد ؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه.
فأنتم أولى بالحق منه.
فسر قريشا " ما قالوا.
ونشطوا بما دعوهم إليه فأجمعوا لذلك واستعدوا له.
وفي هؤلاء أنزل الله تعالى (ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا " من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " - إلى قوله تعالى - وكفى بجهنم سعيرا ").
ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاؤا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبروهم إنهم سيكونون عليه وأن قريشا " قد بايعوهم على ذلك.
فأجابوهم فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب.
وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصين في فزارة، والحارث بن عوف في بني مرة، ومسعر بن جبلة الأشجعي فيمن تابعه من الأشجع.
وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد.
فأقبل طليحة فيمن اتبعه من بني
أسد.
وكتب قريش إلى رجال من بني سليم فأقبل أبو الأعور السلمي فيمن أتبعه من بني سليم مددا لقريش.
فلما علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب الخندق على المدينة.
وكان الذي أشار إليه سلمان الفارسي ولما فرغ رسول الله من الخندق.
أقبلت قريش حتى نزلت بين الجرف (1) والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى
__________
(1) وكان خارج المدينة.
(*)(1/93)
سلع (1) في ثلاثة آلاف من المسلمين.
فضرب هناك عسكره.
والخندق بينه وبين القوم (2) وبعد أن نجحت دسائس اليهود وتحركت قريش وغيرهم، روي أن حيي بن أخطب النضيري خرج حتى أتى كعب بن أسيد القرظي صاحب بني قريظة.
وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قومه وعاهده على ذلك فلما سمع كعب صوت ابن أخطب أغلق دونه حصنه.
فإستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه: يا كعب إفتح لي.
فقال: ويحك يا حيى.
إنك رجل مشؤوم.
إني قد عاهدت محمدا " ولست بناقض ما بيني وبينه.
ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ".
قال: ويحك إفتح لي حمى أكلمك.
ففتح له: فقال: ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام (3) جئتك بقريش على قادتها وسادتها.
وبغطفان على سادتها وقادتها.
قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا " ومن معه.
فلم يزل حيي بكعب.
يفتل منه في الذروة والغارب (4) حتى سمح له
على أن أعطاه عهدا " وميثاقا " لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا "، أن أدخل معك في حصنك.
حتى يصيبني ما أصابك.
فنقض كعب عهده وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
9 وفي غزوة الأحزاب أخزى الله تعالى الذين إجتمعوا على قتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي هذه الغزوة قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود.
فلم يبق بيت من بيوت المشركين إلا قد دخله وهن بقتل عمرو، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل
__________
(1) جبل بالمدينة.
(2) تفسير الميزان 300 / 16.
(3) الطام: البحر العظيم.
(4) الذروة والغارب / أعلى الشئ وأصله.
مأخوذ من فتل ذروة البعير المصعب وغاربه.
لوضع الخطام في أنفه.
(*)(1/94)
عمرو.
وفي هذه الغزوة بعث الله تعالى على أعدائه ريحا " وجنودا " تفعل بهم ما تفعل.
فلم يستمسك لهم بناء ولم تثبت لهم نار ولم يطمئن لهم قدر.
فرجعوا كيدهم في نحورهم ولم ينالوا شيئا " مما تعاهدوا وتكاتفوا عليه.
ولما أنصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخندق وفرغ من أمر الأحزاب.
ووضع عنه اللامة وإغتسل وإستحم.
تبدى له جبريل بوحي من الله يأمره بالمسير إلى بني قريظة.
فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا قريظة.
فلبس الناس السلاح.
فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس.
وأختصم الناس.
فقال بعضهم: إن رسول الله عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي قريظة فإنما نحن في عزمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليس علينا إثم.
وصلى طائفة من الناس إحتسابا ".
وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس فصلوها حين جاؤا بني قريظة إحتسابا ".
فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحدا " من الفريقين.
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسا " وعشرين ليلة.
حتى أجهدهم الحصار.
وقذف الله في قلوبهم الرعب.
وكان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش وغطفان.
فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم.
قال رئيسهم كعب بن أسيد: يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا " فخذوا أيها شئتم.
قالوا: ما هي ؟ قال: نبايع هذا الرجل ونصدقه.
فو الله لقد تبين لكم إنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم.
فتأمنوا على دمائكم وأموالكم ونسائكم.
قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا " ولا نستبدل به غيره.
قال: فإذا أبيتم على هذا فهلموا فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد رجالا " مصلتين بالسيوف ولم نترك وراءنا ثقلا " يهمنا حتى يحكم الله(1/95)
بيننا وبين محمد.
فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا " يهمنا.
وإن نظهر لنجدن النساء والأبناء.
فقالوا: نقتل هؤلاء المساكين.
فما خير في العيش بعدهم.
قال: فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت.
وعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فإنزلوا فعلنا نصيب منهم غرة.
فقالوا: نفسد
سبتنا ؟ ونحدث فيه ما أحدث من كان قبلنا فأصابهم ما قد علمت من المسخ ؟ فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما " (1).
وروي أن بني قريظة إشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سألوه أن يحكم فيهم رجلا ": إختاروا من شئتم من أصحابي.
فإختاروا سعد بن معاذ فرضي بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلوا على حكم سعد بن معاذ.
فأحضر سعد وكان جريحا " ولما كلم سعد رحمه الله في أمرهم قال: لقد آن لسعد أن لا يأخذه في الله لومة لائم.
ثم حكم فيهم بقتل الرجال وسبي النساء والذراري وأخذ الأموال.
فأجرى عليهم ما حكم به سعد.
وأتى بحيي بن أخطب عدو الله مجموعة يداه إلى عنقه.
فلما بصر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أما والله ما لمت نفسي على عداوتك.
ولكنه من يخذل الله يخذل.
ثم قال: يا أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله.
كتاب الله وقدره ملحمة على بني إسرائيل.
ثم جلس فضرب عنقه.
وأخرج كعب بن أسيد مجموعة يداه إلى عنقه.
فلما نظر إليه
__________
(1) تفسير الميزان 302 / 16.
(*)(1/96)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: يا كعب أما نفعك وصية ابن الحواس الحبر الذكي.
الذي قدم عليكم من الشام فقال: تركت الخمر والخمير وجئت إلى البؤس والتمور لنبي يبعث.
مخرجه بمكة ومهاجرته
في هذه البحيرة.
يجتزي بالكسيرات والتميرات، ويركب الحمار العري، في عينه حمرة.
وبين كتفيه خاتم النبوة، يضمع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر.
فقال كعب: قد كان ذلك يا محمد.
ولولا أن اليهود يعيروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك وصدقتك.
ولكني على دين اليهود.
عليه أحيا وعليه أموت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قدموه وأضربوا عنقه.
فضربت (1).
فقتلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفيهم أنزل الله عز وجل (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا " تقتلون وتأسرون فريقا ".
وأورثكم أرضهم وديارهم رأموالهم وأرضا " لم تطؤها وكان الله على كل شئ قديرا ") (2).
وبالجملة: قتل حيي بن أخطب الذي ينتهي نسبه إلى هارون عليه السلام.
والذي كان يتفاخر على اليهود بهذا النسب.
قتل بعد أن ركب طريق الحسد والحقد.
كان يعتقد بأن أمير السلام الذي ينتظره اليهود لا بد وأن يأتي من النسل الذي يمثله حمب بن أخطب.
ومن أجل الإحتفاظ بهذا الوهم.
وضع العقبات أمام الدعوة الخاتمة الذي لم يبعث رسولها وفقا " لأهواء بني إسرائيل.
الطريق إلى الكساء الخيبري: كانت خيبر وقرية فدك من مراكز اليهود بالحجاز.
وكانت خيبر
__________
(1) تفسير الميزان 302 / 16.
(2) سورة الأحزاب آية 27.
(*)(1/97)
الوعاء الذي يجمع أقارب وأصهار حيى بن أخطب الذي ينتهي نسبه إلى
هارون عليه السلام.
وفي خيبر كانت صفية بنت حيي تحت كنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق.
ووراء حصون خيبر كان يوجد الكثير من تراث بني إسرائيل الذي يشهد بنبوة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أن يهود خيبر يعدون العدة لشحن قبائل العرب عليه فقال صلى الله عليه وآله وسلم: تجهزوا إلى هذه القرية الظالم أهلها.
يعني خيبر.
فإن الله عز وجل فاتحها عليكم إن شاء الله (1) وعن أبي طلحة قال: صبح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر.
وقد أخذوا مساحيهم وغدوا إلى حروثهم.
فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم معه الجيش نكصوا مدبرين.
فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر.
خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين (2).
وروى ابن إسحاق بإسناده إلى أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن جده قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إلى خيبر.
حتى إذا كنا قريبا " منها وأشرفنا عليها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قفوا.
فوقف الناس فقال: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن.
ورب الشياطين وما أضللن.
إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها.
ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها.
أقدموا بسم الله (3).
ووقف اليهود وراء حصونهم.
وعن بريدة قال: حاصرنا خيبر.
فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له.
ثم أخذه من الغد عمر فخرج.
فرجع
__________
(1) رواه أحمد وقال الهيثمي رجال ثقات (الزوائد 147 / 6).
(2) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 149 / 6).
(3) تفسير الميزان 394 / 18.
(*)(1/98)
ولم يفتح له.
وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني دافع اللواء غدا " إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله.
لا يرجع حتى يفتح له، قال بريدة: وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا.
فلما أن أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صلى الغداة ثم قام قائما ".
فدعا باللواء والناس على مصافهم.
فدعا عليا " بن أبي طالب وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء.
وفتح له.
قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها (1).
وعن أبي سعيد الخدري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخذ الراية فهزها ثم قال: من يأخذها بحقها فجاء فلان فقال: أمط (كلمة زجر) ثم جاء رجل آخر فقال: أمط.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لأعطينها رجلا " لا يفر.
هاك يا علي.
فإنطلق حتى يفتح الله عليك (2).
وروى الإمام أحمد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر (لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله - وزاد في رواية: ويحبه الله ورسوله - يفتح الله عليه، فقال عمر بن الخطاب: فما أحببت الامارة قبل يومئذ.
فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إلي.
فلما كان الغد.
دعا عليا " عليه السلام.
فدفعها إليه.
فقال: قاتل ولا تلتفت حتى يفتح عليك.
فسار علي بن أبي طالب قريبا ".
ولم يلتفت.
ثم قال: يا رسول الله علام أقاتل.
قال: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله.
فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على
الله عز وجل (3).
__________
(1) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح قال الهيثمي (الزوائد 153 / 6).
(2) رواه أحمد ورجاله ثقات قال الهيثمي (الزوائد 151 / 6).
(3) رواه أحمد.
وقال في الفتح الرباني رواه مسلم بلفظ متقارب.
والبيهقي (الفتح الرباني 122 / 23).
(*)(1/99)
وفتح الله خيبر.
وبعد هذا الفتح سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر عن آنية كان اليهود يستعيرونها من بعضهم ويتباركون بها.
فعن ابن عباس قال: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على كل صفراء وبيضاء وعلى كل شئ إلا أنفسهم وذراريهم.
قال: فأتى بالربيع وكنانة ابني أبي الحقيق.
وأحدهما عروس بصفية بنت حيي بن أخطب.
فلما أتى بهما قال: أين آنيتكما التي كانت تستعار بالمدينة.
قالا: أحرجتنا وأجليتنا فأنفقناها.
قال: أنظرا ما تقولان فإنكما إن كتمتماني إستحللت بذلك دماءكما وذريتكما.
قال: فدعا رجلا " من الأنصار.
قال: إذهب إلى مكان كذا وكذا.
فإنظر نخيلة في رأسها رقعة.
فأنزع تلك الرقعة وأستخرج تلك الآنية فأئت بها، فإنطلق حتى جاء بها فقدمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب أعناقهما ربعث إلى ذريتهما.
فأتى بصفية بنت حيى بن أخطب.
فأمر بلال فإنطلق بها إلى منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأكثر الناس فيها.
فقائل: سريته.
وقائل يقول: إمرأته وإن لم يحجبها فهي سريته.
فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجبها.
وقد كان عرض عليها قبل ذلك أن يتخذها سرية أو يعتقها وينكحها.
قالت: لا بل أعتقني وأنكحني ففعل صلى الله عليه وسلم (1).
وروى ابن إسحاق: إن صفية كانت قد رأت في المنام.
وهي عروس بكنانة بن أبي الحقيق.
إن قمرا " دفع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا إنك تتمنين ملك الحجاز محمد.
ولطم وجهها لطمة إخضرت عينها منها.
فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثرا " منه فسألها ما هو ؟ فأخبرته (2).
وأخرج ابن سعد عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: لما دخلت
__________
(1) رواه الطبراني (الزوائد 152 / 6.
) (2) تفسير الميزان 297 / 18.
(*)(1/100)
صفية على النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: لم يزل أبوك من أشد اليهود لي عداوة حتى قتله الله.
فقالت: يا رسول الله يقول في كتابه (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إختاري.
فإن إخترت الإسلام أمسكتك لنفسي.
وإن إخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك.
فقالت: يا رسول الله.
لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني.
حيث صرت إلى رحلك.
وما لي في اليهودية أرب.
وما لي فيها والد ولا أخ، وخيرتني الكفر والإسلام.
فالله ورسوله أحب إلى من العتق وأن أرجع إلى قومي.
قال: فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه (1) وقال المسعودي: وكان زواجه من صفية سنة سبع من الهجرة وروى عن سعيد بن المسيب قال: قدمت صفية بنت حيى في أذنيها خرصة من ذهب.
فأهدت منه لفاطمة الزهراء ولنساء معها (2).
وروى عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله.
إن صفية بنت
حيى لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فسطاطه حضرنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوموا عن أمكم) فلما كان من العشي حضرنا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف من تمر عجوة فقال: كلوا من وليمة أمكم (3) وعن أبو الوليد: كانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السمن والأقط والتمر (4).
ترى هل كان الكساء الخيبري الذي أصابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من بقية ما ترك آل موسى وآل هارون ؟ لقد أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يضع على هارون وبنيه ملابس لها معالم خاصة كما ذكرت
__________
(1) الطبقات الكبرى 123 / 7.
(2) الطبقات 127 / 7، الإصابة 347 / 4.
(3) الطبقات 124 / 7.
(4) الطبقات 122 / 7.
(*)(1/101)
التوراة الحاضرة.
وإن الله تعالى طهر هارون وبنوه وجعلهم قضاة لبني إسرائيل يفسرون لهم شريعة التوراة.
وفي الرسالة الخاتمة أدخل النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وعلي وأبناهما تحت الكساء الخيبري ونزل قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") ترى هل الخاتمة تحمل معالم الدعوة الإلهية عند المقدمة.
ومن المعروف أن الدعوة الإلهية التي حملها الأنبياء دعوة واحدة.
لقد ظهر تابوت السكينة وبه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون كآية لطالوت وكحجة على بني إسرائيل.
ترى هل ظهر بعض ما ترك آل موسى وآل هارون كآية لنبوة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وكحجة على
بني إسرائيل الذين يعلمون المقدمات ويعرفون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يعرفون أبناءهم ؟ ترى هل إستقامت المعجزة عند المقدمة مع المعجزة عند الخاتمة ؟ لقد أخبر القرآن الكريم إن تابوت السكينة به (بقية) مما ترك آل موسى وآل هارون بمعنى إن التابوت لم يكن به مجموع ما ترك آل موسى وآل هارون.
ولازم ذلك أن تراث آل موسى وآل هارون إمتدت إليه الأيدي قبل ظهور طالوت كملك على بني إسرائيل.
فما المانع أن تكون البقية قد إمتدت إليها الأيدي.
وخاصة أن اليهود كانت لهم آنية يتباركون بها.
وكان لحيي بن أخطب تراث يتفاخر به على اليهود على خلفية إنه من نسل هارون.
ترى هل كان في خيبر حجة الله على بني إسرائيل وعلى الأمة الخاتمة ؟ ومن الثابت والمحفوظ.
أن منزلة علي بن أبي طالب من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي (أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
إلا إنه لا نبي بعدي) (1) وهذا المعنى نقف عليه إذا تدبرنا بعض الأمور.
منها: ما ذكره
__________
(1) رواه البخاري (الصحيح 300 / 2) ومسلم (الصحيح 174 / 15).
(*)(1/102)
صاحب لسان العرب.
في تعريفه لمعنى لفظ (الديان) قال: الديان معناه: الحكم القاضي.
وسئل بعض السلف عن علي بن أبي طالب عليه السلام.
فقال: كان ديان هذه الأمة بعد نبيها.
أي قاضيها وحاكمها ا.
ه (1).
ومنها: ما روي عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة.
وهو على ناقته القصواء يخطب.
فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما أن إخذتم به لن تضلوا.
كتاب
الله وعترتي أهل بيتي (2) ومنها: ما روي عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أوشك أن أدعى فأجيب.
وإني تارك فيكم الثقلين.
كتاب الله وعترتي.
كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي.
وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.
فإنظروا كيف تخلفوني فيهما (3).
وبالجملة: سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الله تعالى خير خيبر.
وخير أهلها وخير ما فيها.
وأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللواء لعلي بن أبي طالب ومنزلته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كمنزلة هارون من موسى عدا النبوة.
وفتح الله خيبر.
وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر عن الآنية التي كانوا يحتفظون بها وجاء رجل من الأنصار بالآنية.
وجاء بلال بن رباح بصفية بنت حيى.
وصب الخير في وعاء المسلمين.
وعندما سمع أهل فدك ما صنع النبي بيهود خيبر بعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسيرهم ويحقن دماءهم ويخلون بينه وبين الأموال.
ففعل.
فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب.
وتحت الكساء الخيبري كان الخير.
كل الخير.
__________
(1) لسان العرب مادة دين ص 1467.
(2) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 662 / 5) والنسائي (كنز العمال 172 / 1) (3) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 663 / 5).
(*)(1/103)
أما ما روي في حديث الكساء.
فلقد ذكرناه في قصة أم سلمة رضي الله عنها.
ونذكره هنا لأن الموقف يقضي بذلك.
وروى الإمام ابن عساكر
في تاريخه عن شهر بن جوشب عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة (أتيني بزوجك وأبنيك) فجاءت بهم.
فألقى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كساء كان تحته خيبريا " أصبناه من خيبر - ثم قال (اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم) قالت أم سلمة: فأخذت بطرف الكساء لأدخل معهم - وفي رواية: فرفعت الكساء - فجذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدي وقال (إنك على خير).
وروى الإمام أحمد عن عطاء بن رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيت أم سلمة.
فأتته فاطمة.
فقال (أدعي زوجك وابنيك) فجاء علي والحسن والحسين.
فدخلوا عليه فجلسوا على دثار.
وكان تحته كساء له خيبري.
قالت أم سلمة: وأنا أصلى في الحجرة.
فأنزل الله عز وجل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فضل الكساء فغشاهم به.
ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال (اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي.
فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ") قالت أم سلمة: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله ؟ قال (إنك إلى خير.
إنك إلى خير) (1).
وبالجملة: فإن منزلة علي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإعطاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الراية له يوم خيبر، ووجود صفية التي ينتهي نسبها إلى هارون عليه السلام.
وجود الكساء الخيبري.
إلى
__________
(1) رواه أحمد (الفتح الرباني 338 / 18)، ورواه الحاكم وأقره الذهبي.
(*)(1/104)
غير ذلك من الأمور التي تتعلق بهذا الباب.
فجميع ذلك يدعو في حقيقة الأمر إلى مزيد من التدبر والتبصر.
مناقبها: أخرج ابن سعد عن ابن أبي عون قال: إستبت عائشة وصفية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفية: ألا قلت أبي هارون وعمي موسى ؟ وذلك أن عائشة فخرت عليها (1).
وأخرج الترمذي عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: إنها بنت يهودي.
فبكت.
فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي.
فقال: ما يبكيك ؟ فقالت: قالت لي حفصة إني بنت يهودي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لأبنة نبي وإن عمك لنبي وإنك لتحت نبي ففيما تفخر عليك.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: إتقي الله يا حفصة (2).
وأخرج الترمذي عن صفية أنها قالت: بلغني عن حفصة وعائشة أنهم قالوا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفية.
نحن أزواجه وبنات عمه.
فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكرت ذلك له.
فقال: ألا قلت.
فكيف تكونان خيرا " مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى (3).
وقال صاحب التاج الجامع للأصول: أي إنك لابنة نبي وهو هارون عليه السلام.
وإن عمك لنبي ورسول وهو موسى عليه السلام.
وإنك لتحت نبي وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
فلا فخر لهم مثلك ولا فخر أعظم من ذلك.
فنسبها يتصل بإسحاق ويعقوب وإبراهيم صلى الله عليهم
__________
(1) الطبقات الكبرى 127 / 7.
(2) رواه الترمذي بسند صحيخ (التاج الجامع 385 / 3).
(3) رواه الترمذي بسند صحيح (التاج الجامع 385 / 3).
(*)(1/105)
وسلم.
ورضي الله عن صفية وأرضاها آمين (1).
وأخرج ابن سعد بسند حسن عن زيد بن أسلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في الوجع الذي توفي فيه إجتمع إليه نساؤه.
فقالت صفية بنت حيي: أما والله يا نبي الله لوددت إن الذي بك بي.
فغمزنها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأبصرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مضمضن فقلن: من أي شئ يا نبي الله ؟ قال: من تغامزكن بصاحبتكن.
والله إنها لصادقة (2).
وفاتها: كان لصفية دارا " تصدقت بها في حياتها (3).
وروي أنها ماتت سنة خمسين في زمن معاوية، وقيل سنة اثنتين وخمسين (4).
__________
(1) التاج الجامع 384 / 3.
(2) الطبقات الكبرى 128 / 7، الإصابة 347 / 4.
(3) الطبقات الكبرى 128 / 7.
(4) الإستيعاب 349 / 4، الإصابة 349 / 4، الطبقات 129 / 7.
(*)(1/106)
11 - السيدة ميمونة بنت الحارث زواجها: هي: ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبه بن عبد الله بن هلال، وأمها: هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن
حماطة بن حمير.
وقيل: من كنانة.
وأخوات ميمونة لأبيها وأمها: أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب، ولبابة الصغرى بنت الحارث زوج الوليد بن المغيرة وهى أم خالد بن الوليد، وعصماء بنت الحارث.
وكانت تحت أبي بن خلف الجهمي فولدت له إبان وغيره، وعزة بنت الحارث.
كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك.
فهؤلاء أخوات ميمونة لأب وأم.
أما أخوات ميمونة لأمها: أسماء بنت عميس.
كانت تحت جعفر بن أبي طالب فولدت له عبد الله.
وعونا ".
ومحمدا "، ثم خلف عليها أبو بكر بن أبي قحافة.
فولدت له محمدا "، ثم خلف عليها علي بن أبي طالب، وسلمى بنت عميس أخت أسماء.
كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فولدت له آمة الله.
ثم خلف عليها بعده شداد بن أسامة بن الهادي.
فولدت له عبد الله وعبد الرحمن، وسلامة بنت عميس أخت أسماء وسلمى.
كانت تحت عبد الله بن كعب بن منبه (1).
(1) الإستيعاب 404 / 4.
(*)(1/107)
ولقد سقنا أسماء الأخوات لنقف على حقيقة مفادها إن مصاهرة القبائل والبيوت في الجاهلية والإسلام كان لها أثرا " بالغا " في المجتمع.
فيها كانت تتحرك القبائل بتجارتها من بلد إلى بلد دون خوف من اللصوص والقراصنة.
وبها تصبح القبيلة القليلة العدد كثيرة.
وبها كانت تنتعش حركة البيع والشراء وما يترتب عليها.
والدعوة الإسلامية إنطلقت من طريق المصاهرة إلى مدى بعيد.
كانت الدعوة همتها بالله وشغلها فيه وفرارها إليه.
وكانت المصاهرة والتعارف على هذا الطريق بمثابة الواحة
التي تستقبل القادمين بالزاد الفطري من كل فج.
وأخرج ابن سعد: أن مسعود بن عمرو بن عمير الثقفي تزوج ميمونة في الجاهلية.
ثم فارقها.
فخلف عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس من بني مالك.
فتوفي عنها.
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زوجه إياها العباس بن عبد المطلب.
وكان ولي أمرها.
وهي أخت أم ولده أم الفضل بنت الحارث الهلالية لأبيها وأمها.
وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف على عشرة أميال من مكة.
وكانت آخر إمرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذلك سنة سبع في عمرة القضية (1).
ورعها: أخرج ابن سعد عن مجاهد قال: كان اسم ميمونة برة.
فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ميمونة (2).
__________
(1) 1 لطبقات 132 / 7.
(2) الطبقات الكبرى 1 37 / 7، الإستيعاب 405 / 4.
(*)(1/108)
وروي عن يزيد بن الأصم قال: كان مسواك ميمونة بنت الحارث.
منقعا " في ماء فإن شغلها عمل أو صلاة وإلا أخذته فأستاكت به (1) وروي عنه إنه قال: أن ذا قرابة لميمونة دخل عليها.
فوجدت منه ريح شراب فقالت: لئن لم تخرج إلى المسلمين فيجلدوك - أو قالت يطهروك - لا تدخل علي بيتي أبدا " (2).
وروي عن الفضل بن دكين قال.
حدثنا عقبة بن وهب عن يزيد بن الأصم قال: رأيت أم المؤمنين ميمونة تحلق رأسها بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
فسألت عقبة: لم ؟ فقال: أراه تبتل (3).
وروي عن أبي عائشة: أن ميمونة أبصرت حبة رمان في الأرض.
فأخذتها وقالت: إن الله لا يحب الفساد (4) وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأخوات مؤمنات ميمونة وأم الفضل وأسماء) (5).
وفاتها: روي أن ميمونة رضي الله عنها ماتت سنة إحدى وستين.
وقيل: سنة ست وستين.
وقال أبو عمر: توفيت بسرف سنة ست وستين وصلى عليها ابن عباس ودخل قبرها هو ويزيد بن الأصم وعبد الله بن شداد وهم بنو أخواتها.
وعبيد الله الخولاني وكان يتيما في حجرها (6) وأخرج ابن سعد:
__________
(1) الطبقات الكبرى 139 / 7.
(2) المصدر السابق 139 / 7.
(3) المصدر السابق 139 / 7.
(4) المصدر السابق 139 / 7.
(5) الإصابة 412 / 7.
(6) الإستيعاب 408 / 7، الطبقات 140 / 7.
(*)(1/109)
توفيت ميمونة رضي الله عنها بمكة.
فحملها ابن عباس وجعل يقول للذين يحملونها: أرفقوا بها فإنها أمكم.
حتى دفنها بسرف (1) وكان لها يوم توفيت ثمانون أو إحدى وثمانون سنة (2).
__________
(1) الطبقات 140 / 7.
(2) المصدر السابق 140 / 7.
(*)(1/110)
12 - السيدة مارية القبطية تأملات في الطريق من مصر إلى المدينة: هي: مارية بنت شمعون.
كان أهل الكتاب ينتظرون نبيا " يبعث من جزيرة العرب.
وكان بعض من الرهبان يقيمون داخل مكة وحولها وعلى الجبال التي تربط بينها وبين الشام.
وكانوا يتحسسون أخبار هذا النبي من التجار الذين يخرجون من مكة أو الذين يقصدونها.
ولم تقف دائرة الإنتظار وتتبع الأخبار عند هذا الحيز الذي يحيط بمكة.
وإنما إتسع ليصل إلى بلاد اليمن وبلاد الحبشة ومصر.
وكان بمصر في هذه الآونة مكتبة عامرة بالإسكندرية، وكانت الإسكندرية لا تخلو من الباحثين عن الحقيقة، نظرا " لأن عقيدة ألوهية المسيح عقيدة غير مفهومة لم يقرها المسيح ولا يعلم عنها شيئا "، وإنما هي من إختراع الذين جاؤا من بعده ولم يروه ولم يسمعوا منه، ولما كانت عقيدة التثليث عقيدة مستعصية عن الفهم ولا يفهمها حتى القائمين عليها.
فإن دائرة الخاصة بالإسكندرية بحثت عن الحقيقة كما بحث عنها دائرة الخاصة في الحبشة وعلى رأسهم النجاشي، وكما بحث عنها دائرة الخاصة في خيبر وعلى رأسهم صفية بنت حيى.(1/111)
وكما إهتم النجاشي ملك الحبشة بالدعوة الخاتمة.
إهتم مقوقس الإسكندرية أيضا " بهذه الدعوة.
ومن الثابت أن مصر كانت ترتبط بالحبشة يومئذ بروابط إقتصادية وسياسية وكانت الكنيسة الحبشية ترتبط بالكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية.
وروي أن مقوقس مصر بعث بهدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن صفاته عندهم إنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، والمتدبر في هدية صاحب الإسكندرية.
يجد أنه بعث للنبي صلى الله عليه وآله بثلاثة من بيت واحد وأسرة واحدة، قال صاحب الإصابة عن أبي صعصعة قال: بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة لينا، وبغلته الدلال وحماره عفير.
ومع ذلك خصي يقال له: مأبور شيخ كبير كان أخا مارية (1) ويمكن الوقوف على أصول هذه الأسرة.
إذا علمنا أن مارية القبطية لم تكن جارية عادية شأنها كشأن غيرها من الجواري.
بمعنى إنها لم تكن من العامة وإنما كانت من الخاصة.
فعن عروة عن عائشة قالت: أهدى ملك بطارقة الروم يقال له المقوقس جارية من بنات الملوك يقال لها مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
ولا يخفى أن مكتبات القصور لا تخلو من الكتب العتيقة والنادرة التي تختصر الطريق للوصول إلى الحق ولقد قال بعض علماء الآثار: إن عقيدة التوحيد التي إعتنقها (أخناتون) وصلت إليه من بقايا تراث الأسرة الفرعونية الثانية عشرة.
وهذا التراث كان ينتقل من قصر إلى قصر.
وأجمع علماء الآثار على أن نزول إبراهيم عليه السلام إلى مصر كان في عهد الأسرة الثانية عشرة.
ولقد أهدى فرعون مصر إلى إبراهيم عليه السلام
__________
(1) الإصابة 404 / 4، الطبقات الكبرى 212 / 7.
(2) البداية والنهاية 304 / 5.
(*)(1/112)
هاجر أم إسماعيل.
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية إن هاجر كانت جارية من بنات الملوك.
وبالجملة: كانت هاجر عند المقدمة الأولى من بنات الملوك.
وسارت في القافلة الإبراهيمية.
ثم كانت مارية عند الدعوة الخاتمة من الملوك.
وسارت نحو المدينة لتكون ضمن أمهات المؤمنين، وكأن التاريخ يحدثنا أن سنة إبزاهيم سنة جارية إستقرت في نهاية المطاف عند النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، أو كأنه يقول إن حركة المقدمة يستقيم مع حركة الخاتمة.
إن هدية المقوقس تفيد أن الحجة قد قامت على الخاصة من قبل أن يبعثوا بالهدية.
وعندما بعثوا بهذه الهدية فإن هذا يعني أن الحجة دامغة على دائرة أوسع من دائرة الخاصة.
وتحت هذا السقف يمكن أن نفهم بكل يسر ما روي عن كعب بن مالك.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إستوصوا بالقبط خيرا " فإن لهم ذمة ورحما ".
قال: ورحمهم أن أم إسماعيل بن إبراهيم منهم.
وأم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم منهم) (1).
وروى ابن كثير وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب في المدينة البغلة التي أهداها إليه المقوقس.
وأنه ركبها يوم حنين.
وقد تأخرت هذه البغلة وطالت مدتها.
وكانت عند علي بن أبي طالب.
كان يركبها يوم الجمل.
ثم صارت إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وكبرت حتى كان يحش لها الشعير لتأكله (2).
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطأ مارية بملك
__________
(1) الطبقات الكبرى 214 / 7.
(2) البداية والنهاية 303 / 5.
(*)(1/113)
اليمين.
ووهب أختها لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن (1)، وروي عن عبد انرحمن بن زياد قال: أتى جبريل عليه السلام.
فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد وهب لك غلاما " من مارية.
وأمرك أن تسميه إبراهيم) (2).
وروي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم (3).
وروى أبو عمر: إن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثمانية عشر شهرا " (4) وقيل: وهو ابن ستة عشر شهرا " (5) وذكر ابن كثير في البداية والنهاية: لما توفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله.
بعث علي بن أبي طالب إلى أمه مارية.
فحمله علي بن أبي طالب وجعله بين يديه على الفرس.
ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.
فغسله وكفنه وخرج به وخرج الناس معه.
فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد.
فدخل علي بن أبي طالب في قبره.
حتى سوى عليه ودفنه.
ثم خرج ورش على قبره وأدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في قبره وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبكى المسلمون حوله حتى إرتفع الصوت.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدمع العين ويحزن القلب.
ولا نقول ما يغضب الرب.
وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون (6).
__________
(1) الطبقات الكبرى 215 / 7.
(2) البداية والنهاية 309 / 5.
(3) الإستيعاب 42 / 4.
(4) المصدر السابق 43 / 4.
(5) البداية والنهاية 309 / 5.
(6) المصدر السابق 309 / 5.
(*)(1/114)
وفاتها: روي أن مارية رضي الله عنها توفيت سنة ست عشر في خلافة عمر بن الخطاب.
وروي أنها ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين ودفنت بالبقيع (1).
__________
(1) الإصابة 405 / 4.
(*)(1/115)
13 - السيدة ريحانة بنت زيد زواجها: هي: ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة بن سمعون بن زيد من بني النضير.
قال ابن سعد: وكانت متزوجة رجلا " من بني قريظة يقال له الحكم.
فنسبها بعض الرواة إلى قريظة لذلك (1).
روي عن محمد بن كعب قال: كانت ريحانة مما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما قتل زوجها وقعت في السبي.
فكانت صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة.
فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام وبين دينها فإختارت الإسلام.
فاعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها وضرب عليها الحجاب (2).
وروي عن عمر بن الحكم عن ريحانة قالت: لما سبيت بنو قريظة.
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إخترت الله ورسوله إختارك
رسول الله لنفسه.
فقلت: إني إختار الله ورسوله.
فلما أسلمت أعتقني
__________
(1) الطبقات الكبرى 129 / 8، الإصابة 88 / 8.
(2) الطبقات 130 / 8، الإصابة 88 / 8.
(*)(1/116)
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأصدقني كما كان يصدق نساءه.
وأعرس بي في بيت أم المنذر.
وكان يقسم لي كما كان يقسم لنسائه.
وضرب علي الحجاب (1).
قال ابن سعد: هذا ما روي لنا في عتقها وتزويجها.
وهو أثبت الأقاويل عندنا.
وهو الأمر عند أهل العلم.
وقد سمعت من يروي أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتقها.
وكان يطأها بملك اليمين، ومن ذلك ما روي عن أيوب بن بشير.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: أن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي.
فقالت: يا رسول الله أكون في ملكك أخفت على وعليك.
فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وفاتها: روى ابن سعد عن عمر بن الحكم قال: لم تزل ريحانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع.
فدفنها بالبقيع.
وكان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة (3) وقال صاحب الإصابة: ماتت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة عشر.
وقيل لما رجع من حجة الوداع (4).
الخاتمة: وفي الختام نقول بما قاله أبو عمر في الإستيعاب: اللواتي لم
__________
(1) الطبقات 130 / 8، الإصابة 88 / 8.
(2) الطبقات 131 / 8.
(3) الطبقات 130 / 8.
(4) الإصابة 88 / 8.
(*)(1/117)
يختلف أهل العلم فيهن هن إحدى عشر إمرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ست من قريش.
وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون عليه السلام، وأربع من سائر العرب.
وتوفي في حياته صلى الله عليه وآله وسلم من أزواجه اثنتان: خديجة بنت خويلد.
وزينب بنت خزيمة، وتخلف منهن تسع بعده، أما اللواتي إختلف فيهن ممن أبتنى بها.
أو فارقها.
أو عقد عليها ولم يدخل بها.
أو خطبها ولم يتم له العقد معها.
فقد إختلف فيهن وفي أسباب فراقهن إختلافا " كثيرا ".
يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن (1) ولم يختلف أهل العلم في أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية.
وريحانة الخندقية.
وما ذكره أبو عمر وما إتفق عليه العلماء، أقر به، فلقد ظهر لي ذلك ظهورا " جليا " عندما كنت أجمع مادة هذا الكتاب من أكثر من مصدر.
ووفقا " لهذه الخلفية فإن أي قول غير هذا فهو إما قول مختلف فيه.
وإما قول لا يستند إلى أساس.
ومن كان شأنه كذلك فلا يلتفت إليه.
(قل الحمد لله وسلام على عباده الذين إصطفى) (2) (سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) (3) وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما " كثيرا ".
__________
(1) الإستيعاب 34 / 1.
(2) سورة النمل آية 59.
(3) سورة الصافات آية 182.
(*)(1/118)
المصادر والمراجع تفسير الميزان: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، ط - مؤسسة الأعلمي، بيروت.
تفسير القرآن: ابن كثير، ط - دار التراث، حلب 1950.
الإصابة في تميز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، ط - دار العلوم الحديثة، ط - دار الكتب العلمية.
الإستيعاب: ابن عبد البر، هامش الإصابة ط - دار العلوم الحديثة 1328.
البداية والنهاية: ابن كثير، ط - دار المعارف 1981.
تاريخ دمشق: ابن عساكر ط - المجمع العلمي العربي دمشق.
تاريخ الأمم والملوك: الطبري ط - دار الفكر بيروت.
صحيح البخاري: البخاري، ط - الحلبي القاهرة، ط - دار الكتاب الإسلامي.
صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج، ط - إحياء التراث بيروت، ط - التحرير القاهرة.
الجامع الصحيح: الترمذي ط - الحلبي القاهرة 1970.
الطبقات الكبرى: ابن سعد، ط - دار صادر بيروت.(1/119)
تاريخ الأمم والملوك: الطبري ط - دار الفكر بيروت.
صحيح البخاري: البخاري، ط - الحلبي القاهرة، ط - دار الكتاب الإسلامي.
صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج، ط - إحياء التراث بيروت، ط - التحرير القاهرة.
الجامع الصحيح: الترمذي ط - الحلبي القاهرة 1970.
الطبقات الكبرى: ابن سعد، ط - دار صادر بيروت.(1/120)
الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد: أحمد البنا، ط - دار التراث العربي بيروت.
كنز العمال: علي المتقي، ط - دار الرسالة بيروت 1979.
المستدرك: الحاكم، ط - دار الفكر، بيروت.
مجمع الزوائد: الهيثمي ط - القدسي، القاهرة.
مروج الذهب: المسعودي، ط - دار الكتب العلمية، بيروت 1981.
الكتاب المقدس: ط - دار الكتاب المقدس 1983، القاهرة.
تحفة الأحوازي شرح سنن الترمذي: المباركفوري ط - المكتبة السلفيه، المدينة.
التاج الجامع للأصول: منصور ناصف، ط - دار الفكر، بيروت.
العقد الفريد: ابن عبد البرط - لجنة التأليف والنشر القاهرة 1950.
إبتلاءات الأمم: سعيد أيوب، ط - دار الهادي، بيروت.
ء معالم الفتن: سعيد أيوب، ط - دار الكرام، بيروت.(1/120)