الكتاب الثاني :
رؤوس الفتنة في الثورة على الخليفة
الشهيد عثمان بن عفان
- دراسة نقدية تمحيصية وفق منهج علم الجرح و التعديل -
الدكتور
خالد كبير علال
- حاصل على دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من جامعة الجزائر-
- دار المحتسب -
1429/2008
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ،و الصلاة و السلام على نبينا الكريم ، و بعد :
يندرج هذا الكتاب ضمن سلسلة : دراسات نقدية هادفة عن مواقف الصحابة بعد وفاة الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم - ، و قد خصصته لدراسة أعمال رؤوس الفتنة الثائرين على الشهيد عثمان بن عفان-رضي الله عنه- ، فعرّفتُ بهم و بأعمالهم الإجرامية في ثورتهم على عثمان و قتله ،و كشفتُ عن مكائدهم و مؤامراتهم ، و انحرافاتهم و ضلالاتهم ، و بذلك تكون دراستنا عن الفتنة قد اكتملت في جوانبها الأساسية الكبرى .
و قد التزمتُ في بحثي هذا بتحقيق الروايات و نقدها وفق منهج علم الجرح و التعديل ، و أخذتُ على نفسي الالتزام به قدر المستطاع ،و حسب ما تسمح به الروايات التاريخية الني تكثر فيها الأسانيد المرسلة و الموقوفة و المنقطعة .
و أعتقد أن لهذا البحث أهمية بالغة لأنه يكشف عن رؤوس الفتنة و أعمالهم التخريبية و نواياهم الخبيثة المبيتة ، لذا أرجو أن يجد عملي هذا قبولا عند أهل العلم ، و أن ينفع الله به قارئه و كل من سعى في إخراجه و توزيعه ، و أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، إنه تعالى سميع مجيب ،و بالإجابة جدير ، و ليس ذلك عليه بعزيز .
د . خالد كبير علال
المدرسة العليا للأساتذة في الآداب و العلوم الإنسانية
- بوزريعة ،الجزائر -
................................................................................................................................
الفصل الأول
كبار رؤوس الفتنة في الثورة على عثمان بن عفان
أولا: أشهر رؤوس الفتنة .
ثانيا : ابن سبأ و السبئية بين الوجود و العدم .
..............................................................................................................(1/1)
الفصل الأول
كبار رؤوس الفتنة في الثورة على الخليفة عثمان بن عفان
قُدر عدد الأشرار الذين ثاروا على الخليفة عثمان- رضي الله عنه- بنحو 2500 رجلا(1)، اجتمعوا بالمدينة المنوّرة سنة 35هجرية ، و قد أتوها أساسا من مصر و الكوفة و البصرة ، لقتل الخليفة عثمان بن عفان ، بتحريض و توجيه من كبار أشرارهم و مفسديهم(2).
أولا : أشهر رؤوس الفتنة :
__________
(1) انظر : الطبري : تاريخ الطبري ، بيروت، دار الكتب العلمية، 1997 ج3 ص: 39-40 . و ابن كثير : البداية و النهاية ،بيروت ، مكتبة المعارف، د ت، ج7 ص: 239-240 .و ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 39 ص: 317 .
(2) سيأتي تفصيل ذلك في الفصل الثاني .(1/2)
أحصيتُ من هؤلاء 22 رأسا ، هم : مالك بن الحارث الأشتر النخعي ،و محمد بن أبي بكر الصديق ، و محمد بن أبي حذيفة ،و عمير بن ضابئ ،و عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء،و زيد بن صوحان ، و صعصعة بن صوان ،و حكيم بن جبلة العبدي ،و عبد الرحمن بن عديس ، و كنانة بن بشر ، و كميل بن زياد ،و كعب بن ذي الحبكة ،و جندب بن زهير ، و شبّث بن ربعي ، و قتيرة بن فلان السكوني، و عروة بن الجعد ،و خالد بن ملجم ،و الغافقي بن حرب ، و عروة بن البياع المصري ، و عبد الله بن بديل ،و عبد الرحمن بن بديل ،و عمرو بن الجمق(1).
__________
(1) عنهم انظر : الطبري: المصدر السابق، ج2 ص: 639، 652، 682 .و ابن عساكر: المصدر السابق، ج11 ص: 11ص: 303 ج 24ص: 79-80 ، ج 39ص: 317 . و ابن سعد : الطبقات الكبرى ، بيروت ، دار صادر ،د ت ، ج 3 ص: 71 ، 73،ج 6 ص: 179 .و ابن أبي بكر الهيثمي : مجمع الزوائد ، القاهرة ، دار الريان ، 1407ج9 ص: 97، 231 .و ابن حجر العسقلاني: الإصابة في معرفة الصحابة ، ط1، بيروت ، دار الجيل ، 1992 ج 5 ص: 654 .و ابن الأثير : الكامل في التاريخ ،ط2، بيروت، دار الكتب العلمية ، 1995 ، ج 3 ص: 72 ، 73 .و احمد العجلي: معرفة الثقات ، ط1، المدينة المنورة، مكتبة الدار، 1985 ج 1 ص: 484 .و ابن الجوزي : المنتظم ،ط1، بيروت، دار صادر، 1385ه، ج 5 ص:53، 86 .و أبو الحجاج المزي : تهذيب الكمال ، حققه بشار عواد، بيروت مؤسسة الرسالة، 1980-، ج 19 ص: 456 ، ج21 ص: 596 .(1/3)
و بخصوص الخمسة الأوائل ، فأولهم – أي الأشتر – كان رأس أهل الفتنة بالكوفة ،و هو مقدمهم عندما خرجوا إلى المدينة لقتل عثمان(1)–رضي الله عنه - . و قد رُوي –بإسناد حسن- أن الأشتر لما قدم إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- مع جماعة من الناس ، جعل ينظر إليه و يصرف بصره ، ثم قال عمر لهم : أمنكم هذا ؟ قالوا : نعم ، فقال عمر : (( ما له قاتله الله ، كفى الله أمة محمد شره ، و الله أني لأحسب أن للناس منه يوما عصيبا ))(2)، و قوله هذا هو من باب الفراسة و التوسّم ،و الله أعلم .
و أما الثاني –أي محمد بن أبي بكر(3)– فقد كان عثمان قد ولاه الإمارة ، فدفعه الغضب و الحسد إلى عصيان الخليفة و الانضمام إلى دعاة الفتنة بمصر ، و أصبح من رؤوسهم الناقمين على عثمان(4). و الثالث –أي محمد بن أبي حذيفة – فإنه لما اُستشهد والده أبو حذيفة –رضي الله عنه – ضمه عثمان إليه و رباه في حجره و أحسن إليه ، فلما أحس أنه كبُر طلب من عثمان أن يوليه عملا فاعتذر إليه بأنه ما يزال لم يصبح أهلا للإمارة ، و وعده بها عندما يصبح أهلا لها ، فعتب محمد و استأذنه في الخروج من المدينة ، فأذن له و التحق بمصر ، و هناك انقلب على عثمان ،و أصبح من أكبر المتألبين عليه ،و نسي جميله و فضله عليه(5).
__________
(1) ابن سعد : المصدر السابق، ج3 ص: 71 .
(2) أبو بكر الخلال : السنة ،حققه عطية الزهراني، الرياض ، دار الراية، 1410 ج3 ص: 517 .
(3) تُوفي والده أبو بكر ، و محمد هذا صغير ، فتربى في حجر علي بن أبي طالب الذي تزوّج بأمه . ابن العماد الجنبلي : شذرات الذهب ، دمشق ، دار ابن كثير ، ج1 ص: 218 .
(4) الطبري: المصدر السابق، ج 2 ص: 681 . و الذهبي : سيّر أعلام النبلاء ، حققه جماعة من العلماء، بيروت ، مؤسسة الرسالة، ج 3 ص: 481 –482 .
(5) الطبري: نفس المصدر ، ج 2 ص: 680 . و ابن كثير : البداية ، ج 7 ص: 251 .(1/4)
و الرابع –أي عمير بن ضايئ – فيُروى أن والده لما هجى قوما من الأنصار ،و عزّره عثمان و حبسه و وافته المنية بالسجن ، نقِم ابنه عمير على عثمان ،و شارك في الثورة عليه ،و انظم إلى الطائفة السبئية(1). أما آخرهم – أي عبد الله بن سبأ – فهو رأس الطائفة السبئية ، التي كان لها دور كبير في الثورة على عثمان ، و سنفرد له و لطائفته المبحث الآتي بحول الله تعالى .
ثانيا : عبد الله بن سبأ و السبئية بين الوجود و العدم :
كان عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء يهوديا من اليمن ، ثم أظهر الإسلام ، و تنقّل في بعض الأمصار الإسلامية كدمشق و البصرة و مصر ، و إليه تُنسب الطائفة السبئية ، التي هي من الشيعة الرافضة للصحابة و الطاعنة فيهم ،و يُروى أنه هو أول من أظهر الطعن في الخليفة عثمان رضي الله عنه(2).
__________
(1) ابن كثير : نفس المصدر ، ج 9 ص: 9 . و ابن الأثير : الكامل ، ج 3 ص: 72، 73 .
(2) الطبري: المصدر السابق ، ج 2 ص: 647 .و ابن عساكر: المصدر السابق ، ج 29 ص: 3 ، ج 39 ص: 300 .و ابن تتيمية : مجموع الفتاوى ، حققه رشاد سالم، ط1، مؤسسة قرطبة، 1406،ج 7ص: 449 . و العقيلي: الضعفاء ،حققه أمين قلعجي، ط1 ، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1404 ج 4 ص: 77 ، ج 9 ص: 158 .(1/5)
و قد ذكرت كثير من المصادر التاريخية(1)أن ابن سبأ و أصحابه كان لهم دور كبير في نشر الأفكار الضالة و الأباطيل بين المسلمين و تحريضهم على عثمان و قتله ، لكن بعض الباحثين المعاصرين شككوا في ذلك ،و زعموا أن ابن سبأ شخصية مختلقة لا وجود لها ، و أن الأخباري سيف بن عمر التميمي ضعيف و هو الذي روى أخباره و انفرد بها عن غيره من الرواة ، و هي - أي أخباره – من مفتريات أهل السنة افتروها للطعن بها في خصومهم الشيعة ،و التشنيع بها عليهم(2)، فهل ما زعمه هؤلاء صحيح ؟ .
__________
(1) سيأتي ذكرها قريبا .
(2) من هؤلاء المنكرين : المستشرق برنارد لويس ، و من السنيين : سامي النشار ،و طه حسين ، و عبد العزيز الهلابي .و من الشيعة : مصطفى كامل الشيبة ،و مرتضى العسكري ،و عبد الله الفياض . محمد آمحزون : تحقيق مواقف الصحابة ط3، الرياض، دار طيبة، 1420ه، ج 1 ص: 313 –314 . و سلمان بن فهد العودة : الإنقاذ من دعاوي الإنقاذ ، ص: 11 . و حسين موسوي : لله ، ثم للتاريخ ، ص: 8 و ما بعدها .(1/6)
لقد تتبعتُ أخبار ابن سبأ و السبئية في مصنفات التاريخ و التراجم و علم الجرح و التعديل و غيرها من المصنفات ، فعثرت على شواهد كثيرة تؤكد وجود عبد الله بن سبأ و طائفته ، و أن سيف بن عمر لم ينفرد بذكره ، و أن ما زعمه هؤلاء ليس بصحيح ، و أنه مجرد ظنون و تخمينات و أهواء لا غير ؛ و أدلتي على ذلك طائفة من الشواهد المتنوعة ، أولها وجود روايات ذكرت عبد الله بن سبأ من غير طريق سيف بن عمر التميمي ، أذكر منها ست روايات صحيحة الأسانيد ، الأولى(1)مفادها أن الصحابي أبا الطفيل روى أنه رأى ابن السوداء جيء به إلى علي بن أبي طالب و هو على المنبر ، و قيل له عنه : إنه يكذب على الله و رسوله(2).
و الثانية رواها عمرو بن مرزوق الباهلي عن شعبة بن الحجاج عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب الجهني(3)، مفادها أن عبد الله بن سبأ كان يقع –أي يطعن- في أبي بكر و عمر فأنكر عليه علي بن أبي طالب(4).
__________
(1) لا يوجد من بين رجالها سيف بن عمر ، و رجالها هم : أبو عبد الله يحي بن الحسن ، و أبو الحسين بن الأبنوسي ،و أحمد بن عبيد بن الفضل ،و أبو نعيم محمد بن عبد الواحد ،و علي بن محمد بن حزقة ،و محمد بن الحسن ،و احمد بن أبي خيثمة ،و محمد بن عباد ، سفيان الثوري، و عمار الدهني . و هؤلاء كلهم ثقات على ما حققه الباحث سلمان بن فهد العودة ، الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ ص: 23 .
(2) ابن عساكر : المصدر السابق ، ج 29 ص: 7 .
(3) هؤلاء كلهم ثقات ، أنظر : الذهبي : تذكرة الحفاظ ، حققه حمدي السلفي، ط1، الرياض، 1415ه،ج 1 ص: 193 و ما بعدها .و السيّر ، ج4 ص: 196 ، ج 5ص: 298-299 . و الكاشف ، ط2 ، جدة ، دار الثقافة الإسلامية، 1413هج 2 ص: 88 . و ابن حجر : تقريب التهذيب ، حققه محمد عوامة، ط1، سوريا، دار الرشيد ،1986 ج 1 ص: 426 .و
(4) ابن حجر : لسان الميزان ، ط3، بيروت، مؤسسة الأععلمي، 1986 ج 3ص : 289 .(1/7)
و الرواية الثالثة رواها أبو اسحاق الفزاري عن شعبة بن الحجاج عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء – هو حجية بن عُدي – عن زيد بن وهب عن سويد بن غفلة(1)أنه قال لعلي بن أبي طالب أنه مرّ بنفر يذكرون أبا بكر و عمر –أي يذكرونهما بسوء- و يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك ، و كان من بينهم عبد الله بن سبأ ، و هو أول من أظهر ذلك ، فقال علي : (( ما لي و لهذا الخبيث الأسود )) ،و في رواية أخرى (( ما لي و مال هذا الحميت(2)الأسود )) ، و يقصد عبد الله بن سبأ الذي كان يطعن في أبي بكر و عمر-رضي الله عنهما-(3).
__________
(1) هؤلاء كلهم ثقات ، انظر : : الذهبي : تذكرة الحفاظ ، ج 1 ص: 193 و ما بعدها .و السيّر ، ج4 ص: 196 ، ج 5ص: 298-299 .و ابن حجر: تهذيب التهذيب ، ط1، بيروت ، دار الفكر، 1984 ج 2ص: 190 .و ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ،ط1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1952 ، ج 4ص: 234 .
(2) الحميت هو الزق ، و الزق هو وعاء من جلد يُجز شعره و لا يُنتف ،و يُستعمل كإناء . علي بن هادية : القاموس الجديد ، الجزائر ، المؤسسة الوطني للكتاب، 1991م ص: 427 .
(3) ابن حجر: السان ، ج 3 ص: 289 .و ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 29 ص: 7-8 .(1/8)
و أما الرواية الرابعة(1)ففيها أن عليا قال لعبد الله بن سبأ : و الله ما أفضى –أي رسول الله - إليّ بشيء كتمه أحد من الناس ،و لقد سمعته يقول(2): إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا ،و إنك لأحدهم ))(3). و واضح من الحديث أن المقصود بالكذابين ، كبار الكذابين الذين يتعمدون الكذب على الله و رسوله ، كالذين يدعون النبوة و الألوهية ،و ليس المقصود الكذابين العاديين ، فهم يٌعدون بالملايين ، كما أن الحديث لا يتضمن تحديدا نهائيا لعدد الكذابين ، و إنما هو من باب التمثيل لا غير ،و الله أعلم.
و الرواية الخامسة ما ذكره المؤرخ الثقة ابن قتيبة الدينوري (ت 276ه ) من أن السبئية الذين ادعوا ألوهية علي بن أبي طالب ، هم من أتباع عبد الله بن سبأ(4). فقوله هذا شهادة صادقة على أن عبد الله بن سبأ و طائفته كانوا معروفين لدى الناس بأسمائهم و أفكارهم زمن ابن قتيبة.
__________
(1) رجالها ثقات ، على ما قاله الهيثمي . مجمع الزوائد ، ج 7 ص: 333 .
(2) هذا الحديث إسناده صحيح . الهيثمي : نفس المصدر ، ج 7 ص: 332 . و ابن حجر : فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ج 6 ص: 617 .
(3) الهيثمي : نفس المصدر ، ج 7ص: 337 .و ابن حجر : اللسان ، ج 3 ص: 289 .
(4) تأويل مختلف الحديث ،حققه محمد زهري النجار، بيروت، دار الجيل ، 1972، ص: 73 .(1/9)
و الرواية الأخيرة(1)– أي السادسة – مفادها أن عليا قال و هو على المنبر : من يعذرني في هذا الحميت الأسود –أي ابن سبأ- الذي يكذب على الله و رسوله ، لو لا أن لا يزال يخرج علي عصابة تنعى عليّ دمه كما اُُدعيت عليّ دماء أهل النهر – معركة النهروان مع الخوارج- لجعلتُ منهم ركاما(2).
و توجد روايات أخرى- من روايات الشاهد الأول- أسانيدها ضعيفة ، و ذكرت عبد الله بن سبأ ، و لا يوجد من بين رجالها سيف بن عمر التميمي ، أولها(3)أن عليا بلغه أن ابن السوداء يتنقص أبا بكر و عمر ن فدعاه و همّ به ليقتله ، فكُلّم فيه ، فقال لا يُساكنني ببلد أنا فيه ،و سيّره إلى المدائن(4).
__________
(1) رجالها : محمد بن عبدوس ، و محمد بن عباد ، و سفيان الثوري ، و سلمة بن كهيل ، و حجية بن عدي ، و هم كلهم ثقات . انظر : الذهبي : السير ، ج 13 ص: 531 .و ابن حبان : الثقات ، ط1، بيروت، دار الفكر، 1975،ج 9 ص: 90 .و احمد العجلي : معرفة الثقات ، ج 2 ص: 68 .و ابن حجر تهذيب التهذيب ، ج2 ص: 190 . و حسنها أيضا فهد العودة ، الإنقاذ ص: 23 .
(2) الدارقطني : جزء أبي طاهر ، حققه عبد المجيد السلفي ، ط1 الكويت ، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، 1406 ، ص: 52
(3) في إسنادها انقطاع ، لأن سماك بن حرب بن أوس لم يثبت أنه سمع من علي بن أبي طالب . فهد العودة : المرجع السابق ص: 28 .
(4) ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 29 ص: 9 ,(1/10)
و ثانيها(1)أن عبد الله بن سبأ قال لعلي: أنت دابة الأرض ، أنت الملك ، أنت خلقت الخلق ،و بسطت الرزق، فقال علي: اتق الله ،و أمر بقتله ، فاجتمعت الرافضة و قالت لعلي : أنفه إلى سباط المدائن – أي مدائن كسرى قرب بغداد- ، فإن قتلته خرجت علينا شيعته و أصحابه ، فنفاه إلى سباط المدائن ، حيث القرامطة و الرافضة ، ثم قامت طائفة من أتباعه ، فقال لهم علي : أرجعوا ، فأنا علي بن أبي طالب أبي مشهور و أمي مشهورة ، فقالوا : لا نرجع ، فحرّقه علي بالنار(2).
و ثالثها(3)أن جرير بن قيس ذهب إلى المدائن بعد مقتل علي –رضي الله عنه – فوجد بها ابن السوداء –أي ابن سبأ كان منفيا هناك- فقال له أن عليا قُتل ، فقال له ابن السوداء : لو جئتمونا بدماغه في مائة صُرة لعلمنا أنه لا يموت ، حتى يذودكم بعصاه(4).
__________
(1) في رجالها من لا يُعرف ، على ما قاله فهد العودة . المرجع السابق، ص: 29 . كما أن ذكر القرامطة في الرواية لا يصح ، لأنهم لم يظهروا إلا في القرن الثالث الهجري .
(2) ابن عساكر: تاريخ دمشق ، ج 29 ص: 10 .
(3) من رجالها : مجالد ،و حباب بن موسى و جرير بن قيس . الأول ضعيف ( الذهبي : السيّر ج 6 ص: 286.و المغني في الضعفاء ،حققه نور الدين عتر، د م ن، د ت ، ج2 ص: 542 . ) ،و الآخران لم أتعرّف عليهما .
(4) الجاحظ : البيان و التبيين ، ج 1 ص: 429 .(1/11)
و الرواية الرابعة(1)مفادها أن عامر الشعبي ( ت 103ه ) قال : شر أهل الأهواء الرافضة ، منهم يهود دخلوا الإسلام للمكر به ، و مقتا لأهله ، و قد حرّقهم علي بن أبي طالب ، و نفاهم إلى البلدان ، كعبد الله بن سبأ ، نفاه إلى سباط(2)-أي بالمدائن - . و آخرها –أي الخامسة – مفادها أن عامر الشعبي قال : أول من كذب عبد الله بن سبأ(3).
فهذه الروايات الخمس الضعيفة الأسانيد ، هي قد وردت من غير طريق الأخباري سيف بن عمر التميمي ،و فيها ذكر لعبد الله بن سبأ ، و هي من جهة أخرى قد اتفقت مع الروايات الصحيحة الأسانيد في ذكر ابن سبأ من غير طريق سيف ، مما يجعلها تتقوى بالروايات الصحيحة ، و يصبح ذكرها لشخصية عبد الله بن سبأ هو حقيقة لا خيال .
و الشاهد الثاني هو أنه توجد روايات كثيرة تٌثبت وجود السبئية كطائفة متميزة ، لها أفكارها و هويتها ، و تنتسب لعبد الله بن سبأ ،و استمرت في نشاطها من بعده قرونا ؛ و قد قسمتها –أي الروايات –إلى روايات صحيحة الأسانيد ،و أخرى ضعيفة الأسانيد ، فالصحيحة تضم سبع روايات ، أولها(4)ما رواه البخاري و غيره من أن عبد الله بن محمد بن الحنفية ( ت 98 أو 99ه ) كان يجمع-و في رواية يتبع –أحاديث السبئية(5).
__________
(1) من رجالها : عبد الرحمن بن مغول ، و هو كذاب . ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ، ج 4 ص: 310 .
(2) الخلال : السنة ، ج 3 ص: 497 .
(3) ابن عساكر : المصدر السابق ، ج 29 ص: 7 .
(4) رجالها هم : أبو بكر عبد الله بن محمد الحميدي،و سفيان بن عيينة ،و الشهاب الزهري، ، الأول ثقة ( الذهبي: السيّر ، ج 4ص: 130 ) ،و الآخران ثقتان مشهوران ، فالإسناد إذن صحيح .
(5) البخاري : التاريخ الكبير، حققه هاشم الندوي، بيروت ، دار الفكر، د ت ، ج 5 ص: 187 . و المزي : تهذيب الكمال، ج 16 ص: 87 . و الذهبي: نفسه ، ج 4 ص: 130(1/12)
و ثانيها قول الشاعر الأعشى الهمداني (ت 83ه) في المختار الثقفي الشيعي الرافضي و أصحابه من أهل الكوفة ، عندما هجاهم و وصفهم بأنهم سبئية ، في قوله:
شهدتُ عليكم أنكم سبئية + و إني بكم يا شرطة الكفر عارف(1)
و ثالثها(2)قول قتادة السدوسي (ت 117 ه) في تفسير قوله تعالى : (( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله ، و ما يعلم تأويله إلا الله ))- سورة آل عمران/ 7- فقال : (( إن لم يكونوا الحرورية – الخوارج – و السبئية فلا أدري من هم ))(3).
و رابعها قول الشاعر الفرزدق (ت 116 ه) في أشراف العراق ،و من انظم إلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم سنة 83 ه ، فوصفهم مرتين بأنهم سبئية ، في قوله :
كأن على دير الجماجم منه + أو أعجاز نخل تقعر
تعرّف همدانية سبئية + و تُكره عينيها على ما تنكر
من الناكثين العهد من سبئية + و إما زُبيري من الذئب أغدر
و لو أنهم إذا نافقوا كان منهم + يهوديهم كانوا بذلك أغدرا(4)
و الخامسة أن الحسن بن محمد بن الحنفية المتوفى سنة 95 ه ، ذكر السبئية في كتابه الإرجاء ، عندما قال : (( و من خصومة هذه السبئية التي أدركنا إذ يقولون : هُدينا لوحي ضل عنه الناس ))(5).
__________
(1) ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 34 ص: 486 . و ذلك البيت هو في ديوان الأعشى ، على ما ذكره الباحث محمد أمحزون ، تحقيق مواقف الصحابة ، ج 1 ص: 286 .
(2) رجالها : عبد الرزاق بن همام ،و معمر بن راشد ،و قتادة بن دعامة السدوسي ، هؤلاء كلهم ثقات مشهورون .
(3) الطبري: تفسير الطبري ، بيروت ، دار الفكر، 1405 ، ج 3 ص: 178 .و عبد الرزاق الصنعاني: تفسير الصنعاني،حققه مصطفى مسلم ، ط1 الرياض ، مكتبة الرشد ، 1410ه ، ج 1 ص: 115 .
(4) هذه الأبيات في ديوان الفرزدق على ما ذكره الباحث محمد آمحزون ، المرجع السابق، ج 1ص: 287 .
(5) نفس المرجع ، ج1 ص: 286 .(1/13)
و السادسة(1)مفادها أن التابعي سليمان الأعمش ( 61-148ه ) كان يقول عن السبئية : اتقوا هذه السبئية ، فإني أدركتُ الناس و إنما يسمونهم الكذابين(2). و آخرها(3)–أي السابعة- مفادها أن رجلين كذابين كانا من السبئية ، عاشا في النصف الثاني من القرن الأول و ما بعده ، أحدهما المغيرة بن سعيد (ت 120ه ) ،و ثانيهما رجل يُعرف بأبي عبد الرحمن(4)– لم أميزه - .
__________
(1) رجالها : زكريا بن يحيى الساجي ،و أبو موسى بن المثنى ،و أبو معاوية الضرير ،و سليمان الأعمش ،و هؤلاء كلهم ثقات . أنظر : ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ، ج3 ص: 601 .و ابن حجر : تهذيب التهذيب ، ج9 ص: 378 . و التقريب ، ج 1 ص: 254 . و الذهبي: السيّر ، ج 9 ص: 93 .
(2) ابن عدي : الكامل في ضعفاء الرجال ،حققه مختار غزاوي، ط3 بيروت ، دار الفكر، 1988ه ، ج6 ص: 116 .
(3) رجالها : عبد الله بن احمد بن حنبل ، و احمد بن حنبل ، و معاذ بن معاذ العنبري ،و عبد الله بن عون ، الأول و الثاني تقتان معروفان ،و الأخيران ثقتان أيضا . أنظر: الذهبي: السيّر ، ج 9 ص: 55 . و المزي : تهذيب الكمال ، ج 15 ص: 398 و ما بعدها .
(4) احمد بن حنبل : العلل و معرفة الرجال، ط1 بيروت، المكتب اإسلامي، 1408 ، ، ج1 ص: 145 .(1/14)
و أما مجموعة الروايات الضعيفة –التي ذكرت الطائفة السبئية من غير طريق سيف – فتضم ثماني روايات ، أولها ما رواه ابن عساكر بإسناده(1)أن جماعة من الشيعة عارضوا معاوية بن أبي سفيان (ت60ه)، وصفهم والي الكوفة زياد بن أبي سفيان بأنهم طواغيت ترابية(2)سبئية(3).
و ثانيها(4)ما رُوي عن المحدث سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (ت106ه) أن جماعة من الكوفة جاءت تسمع منه الحديث ، فقال لها : أحرورية سبئية ؟ عثمان خير من علي ، عثمان خير من علي(5).
و الرواية الثالثة(6)مفادها أن المستورد بن غفلة الخارجي ، عندما خرج على الأمويين سة 43هجرية ،و تصدى له القائد معقل بن قيس الرياحي ، قال لأصحابه : (( أما بعد فإن هذا الخرق معقل بن قيس قد وجه إليكم و هو من السبئية المفترين الكاذبين ،و هو لله و لكم عدو ))(7).
__________
(1) من رجاله : أبو مخنف لوط بن يحيى (ت 157ه) ،و هو متهم بالكذب،و متروك الحديث شيعي لا يُوثق به،و يروي عن الكذابين و المجهولين . الذهبي: ميزان الاعتدال ، ج5 ص: 508 .و الذهبي: السيّر، ج 7 ص: 320 .
(2) نسبة أبي تراب ،و هي كنية اشتهر بها علي بن أبي طالب ، كنهاه بها رسول الله عليه الصلاة و السلام .
(3) الطبري: التاريخ ، ج 3 ص: 226 و ما بعدها . و ابن عساكر : تاريخ دمشق، ج 9 ص: 22 .
(4) من رجالها : عبد الله بن خبيٌ ،و يوسف بن أسباط ، الأول لم أعثر له على جرح و لا تعديل ، و الثاني قال عنه أبو حاتم : لا يُحتج به ،و وثقه ابن معين . الذهبي: ميزان الاعتدال ، ج 7 ص: 292
(5) ابن عساكر : المصدر السابق، ج 39 ص: 504 .
(6) من رجاله : أبو مخنف لوط بن يحيى و هو ضعيف متروك ،و قد تقدم ذكره .
(7) الطبري : تاريخ الطببري ، ج 3 ص: 184 .(1/15)
و الرابعة(1)مفادها أن القائد شبث بن ربعي لما تصدى لجيش المختار الثقفي سنة 66هجرية ،و هزم قسما من جيشه ،و ألقى القبض على قائده سعر بن سعر الحنفي ، أنّبه و قال له : (( ويحك أردت إتباع هذه السبئية ، قبّح الله رأيك ))(2).
و الرواية الخامسة(3)مفادهاا أنه في سنة 66هجرية كانت مع المختار الثقفي الكذاب جماعة من السبئية ، عندها كرسي تقدّسه و تستنصر به ، زعمت أنه لعلي بن أبي طالب ،و أنه كتابوت بني إسرائيل(4). و يُدعم هذه الرواية و يُقويها شعر الأعشى الهمداني الذي سبق ذكره ، فإنه عندما وصف المختار الثقفي و أصحابه بأنهم سبئية ، قال بعد ذلك :
و اقسم ما كرسيكم بسكينة + و إن كان قد لُفت عليه اللفائف(5)
__________
(1) من رجالها : أبو مخنف لوط بن يحيى ، و هو ضعيف .
(2) الطبري: نفس المصدر ، ج 3 ص : 442-443 .
(3) رجالها : عبد الله بن أحمد بن شبويه ،و احمد بن شبويه ،و سلمويه سليمان بن صالح المروزي، و عبد الله بن المبارك ،و إسحاق بن يحيى بن طلحة ،و معيد بن خالد الجدلي،و الطفيل بن هبيرة، و هؤلاء كلهم ثقات ، إلا الأخير فلم أعثر له على جرح و لا تعديل . عن الآخرين انظر : ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ، ج 8 ص: 280 ، ج5 ص: 9 .و الذهبي: تذكرة الحفاظ ، ج 2ص: 264 .و ابن حجر: التقريب ج 1 ص: 252 .و ابن حبان : الثقات ، ج6 ص: 46 .
(4) الطبري: المصدر السابق، ج 3 ص: 476-477 .
(5) ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 34 ص: 486 .(1/16)
و السادسة(1)ما رُوي أن السبئية كانوا في جيش علي بن أبي طالب ،و تكلّموا فيه بسبب الخمس من الغنائم(2). و الرواية السابعة(3)ما رُوي عن عامر الشعبي أنه قال : (( فلم أر قوما أحمق من هذه السبئية ، فأني أدركت الناس يُسمونهم الكذابين ))(4). و آخرها(5)-أي الثامنة- ما رُوي عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنه- أنه قال : (( إذا كثُرت القدرية بالبصرة استكفت أهلها ، و إذا كثُرت السبئية بالكوفة استكفت أهلها ))(6).
و هذه الروايات الثماني و إن كانت ضعيفة الأسانيد ، فهي قد ذكرت الطائفة السبئية من غير طريق سيف بن عمر التميمي ، و هي من جهة أخرى تتقوى بالروايات السبع الصحيحة الأسانيد –التي سبق ذكرها- التي أثبتت وجود الطائفة السبئية ، و بذلك يصبح ما روته الضعيفة عن السبئية كطائفة ، أمر حقيقي لا خيال . و من ثم يتبين من كل تلك الروايات أن السبئية كانت موجودة منذ القرن الأول الهجري و ما بعده ، كجماعة منظمة لها هُويتها و نشاطها و أفكارها .
__________
(1) من رجالها : أبو اليقظان عثمان بن عمير ،و هو ضعيف متروك ، متهم بالكذب . المزي: تهذيب الكمال ، ج 19 ص: 471-472
(2) الخطيب البغدادي: تالي تلخيص المتشابه ، حققه احمد السقيرات ، ط1 ، الرياض ، دار الصميعي ، 1419 ج1ص: 329 .
(3) رجالها ثقات ما عدا سعيد الهمداني ، اختلف فيه ، ضعّفه المحدثون ،و قال بعضهم : صدوق ،و جائز الحديث . ابن عدي: الكامل في الضعفاء، ج 6 ص: 420 .
(4) نفس المصدر ، ج 6 ص: 116 .
(5) من رجالها : عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر ، ضعيف كذاب ، ليس بشيء . ابن أبي حاتم : المصدر السابق ، ج 6 ص: 69 .
(6) ابن عدي: المصدر السابق ، ج 6 ص: 116 .(1/17)
و الشاهد الثالث هو أنه توجد طائفة من الروايات عرّفتنا ببعض رجالات السبئية ، مما يعني أنها لم تكن مجهولة لدى الناس ،و هذا الشاهد هو تفصيل للشاهد الثاني و امتداد و تأكيد له . و أشهر رجالاتها الذين عاشوا في القرن الأول الهجري و ما بعده ، هم : عمير بن ضابيء البرجمي( ق:1ه) ،و المختار بن عبيد الثقفي الكذاب (ق: 1ه) ،و معقل بن قيس (ق:1ه) ،و عبد الله بن محمد بن الحنفية (ت98أو99ه ) ،و شهر بن حوشب (ت 100 أو112ه) ، و المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي (ت120ه) ، و يزيد أبو سليمان-صاحب الأعمش- (ق: 2ه) ، و جابر بن يزيد الجعفي (ت167ه) ،و محمد بن السائب الكلبي (ت240ه)(1).
و يٌوجد شخصان آخران كانا في جيش علبي بن أبي طالب –رضي الله عنه- و لم تُصرّح المصادر – التي رجعتُ إليها- أنهما من الطائفة السبئية ، و هما : أصبغ بن نباتة الحنظلي الكوفي ، و رشيد الهجري ، و الراجح أنهما سبئيان ، لقولهما ببعض أفكار السبئية ، فكانا يُؤمنان بالرجعة- أي رجعة علي بعد موته- ،و الأول كان يقول لعلي : أنت دابة الأرض(2).
__________
(1) عنهم انظر : ابن الأثير: الكامل، ج 3 ص: 72-73 .و ابن حجر: الفتح ، ج9 ص: 167، 168 .و ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 23 ص: 229ج 32 ص: 271 و ما بعدها، ج 34ص: 486 .و الطبري : التاريخ ، ج 3 ص: 184 . و العقيلي : الضعفاء، ج2 ص: 191 ،و ج 4 ص: 178 .و تاريخ ابن معين ،حققه احمد نور سيف، دمشق، دار المأمون للتراث، 1400ه، ج4 ص: 8 .و ابن حبان : كتاب المجروحين، حلب ، دار الوعي، د ت، ج1 ص: 208،و ج2 ص: 253 . و الذهبي: الميزان ، ج6 ص: 161 .
(2) الذهبي : نفس المصدر ، ج 3 ص: 79 .(1/18)
و الشاهد الرابع هو أن علي بن أبي طالب أحرق جماعة من الزنادقة ادعوا فيه الألوهية ،و قد صرّحت طائفة من الروايات أن هؤلاء من السبئية ، و أخرى لم تُصرّح بذلك ، لكن الراجح أنهم منها ، لأن أفكارهم تنتمي إلى الفكر السبئي ، و لإثبات ذلك و تفصيله نورد الروايات الآتية ، أولاا أن حادثة حرق علي للزنادقة هي حادثة ثابتة أسانيدها صحيحة(1).
و ثانيا إن بعض الروايات صرّحت أن الزنادقة الذين قتلهم علي هم من السبئية(2).و ثالثا أن هؤلاء الزنادقة كانوا على فكر عبد الله بن سبأ ، فهو كبيرهم الذي علمهم الكفر و الزندقة ، فهؤلاء قالوا بألوهية علي ، و هو –أي ابن سبأ- رُوي أنه كان يقول لعلي : أنت دابة الأرض ، أنت الملك ، أنت خلقت الخلق(3).
و رابعا إن بعض كبار علماء أهل السنة ، كابن تيمية ،و الذهبي،و ابن حجر ، قد صرّحوا بأن الزنادقة الذين حرقهم علي بن أبي طالب ، هم من السبئية أتباع عبد الله بن سبأ(4). و خامسا إن الذين عُرفوا بالضلال و الانحراف الفكري و الغلو في علي هم السبئية و ليس غيرهم ، مما يعني أن السبئية حقيقة لا خيال ، أحرق علي منهم طائفة .
__________
(1) انظر مثلا : الدارقطني: السنن ، حققه هاشم يماني، بيروت، دار المعرف’ 11966، ج3 ص: 108
(2) ابن عساكر: المصدر السابق ، ج 29 ص: 10 .
(3) ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث، ص: 73 . و ابن حجر:اللسان ، ج3 ص: 289 .و ابن عساكر : تاريخ دمشق، ج29 ص: 10 .
(4) انظر: منهاج السنة النبوية ، ج 3 ص: 459.و ميزان الاعتدال ، ج 4 ص: 105 .و لسان الميزان، ج 3 ص: 289 .(1/19)
و الشاهد الخامس هو إنكار علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- على السبئية ، و مقاومته لها لِما كانت تُروّجه من ضلالات و أباطيل ، و موقفه هذا دليل قاطع على وجود ابن سبأ و طائفته ، و تفصيل ذلك أنه أحرق طائفة منهم بالنار ، و ردّ على أكاذيبهم ، فعندما بلغه أنهم يطعنون في أبي بكر و عمر –رضي الله عنهما- و يفضلونه عليهما ،و زعموا أن رسول الله –عليه الصلاة و السلام- خصّه بوصيته و أسراره ، أنكر(1)أن يكون الرسول قد خصّه بوصيته و أسراره من دون الناس ، و أعلن صراحة أنه-أي الرسول- لم يوص بالخلافة لأحد من بعده . و عندما حضرته الوفاة –أي علي – أبى أن يستخلف ابنه الحسن من بعده(2). و عندما بلغه أن ابن سبأ يكذب على الله و رسوله ،و يفضله على أبي بكر و عمر ، أنكر ذلك عليه بشدة ،و أعلن أمام الملأ أن أفضل الناس بعد رسول الله- صلى الله عليه و سلم- أبو بكر و عمر . و قد صحّ عنه هذا الخبر من نحو 80 طريقا(3).
__________
(1) خبر الانكار صحيح الإسناد . انظر : الخلال ، السنة ، ج 2 ص: 538، 539، 540 .
(2) انظر: ابن عساكر: المصدر السابق، ج 29 ص: 7، ج 42،ص: 396.و الطبراني: المعجم الأوسط، حققه طارق بن عوض الله ، القاهرة ، دار الحرمين، 1415 ،ج 5 ص: 267 .و أبو نعيم : الحلية، ج 8 ص: 253.و ابن حجر: اللسان، ج 3 ص: 289.و الدارقطني: جزء ابن طاهر، ص: 52. الخلال : السنة، ج 2 ص: 538، 539، 540 . و الحافظ الضياء المقدسي: الأحاديث المختارة، حققه عبد الملك بن دهيشن مكة المكرمة، مكتبة النهضة الحديثة، 1410،ج 2 ص: 213 . و الهيثمي: مجمع الزوائد ، ج 9 ص: 137
(3) ابن حجر: اللسان، ج 3 ص: 289 . و ابن تيمية : مجموع الفتاوى، ج 3 ص: 261، 262، 269 .، ج4 ص: 407 . و راجع روايات الشاهد الأول .(1/20)
و الشاهد السادس هو تأثير الفكر السبئي في كثير من المذاهب و الشخصيات منذ القرن الأول الهجري إلى وقتنا الحاضر ، و هذا يعني أن ذلك التأثير لم يأت من فراغ ،و إنما هو بسبب الوجود الحقيقي للطائفة السبئية ، و نشاطها المستمر في نشر فكرها و سمومها و ضلالاتها ، فوجدت من سمع لها ، و آمن بأباطيلها ، و قد تجلى تأثيرها الفكري في جوانب كثيرة ، أذكر بعضا منها فيما يأتي .
أولا إن الفكر السبئي قام أساسا على الكذب ، بدليل أنه صحّ الخبر أن ابن سبأ كان يكذب على الله و رسوله ، و قال له علي بن أبي طالب أنه سمع رسول الله-عليه الصلاة و السلام – يقول : (( بين يدي الساعة ثلاثين كذابا . و إنك لأحدهم )) ، و كان يقول عنه –أي ابن سبأ- : (( من يعذرني في هذا الحميت ، الذي يكذب على الله و رسوله ))(1).
فذلك دليل على أن ابن سبأ كان متخصصا في اختلاق الأكاذيب و ترويجها ، و عنه انتقلت هذه التخصص إلى أصحابه ، و أصبحت الطائفة السبئية معروفة بالكذب بين الناس ، فوصفهم المستورد بن غفلة الخارجي (ق: 1ه) بأنهم سبئية مفترين كذابين(2).و صحّ الخبر أن سليمان الأعمش ( 61-148ه) ، كان يقوله عنها : (( اتقوا هذه السبئية ، فإني أدركت الناس ، إنما يسمونهم الكذابين ))(3).
__________
(1) راجع الشاهد الأول .
(2) الطبري: التاريخ ، ج 3 ص: 184 .
(3) انظر الرواية السابعة من الشاهد الثاني .(1/21)
و من أشهر رجالها الكذابين و المتأثرين بها : رشيد الهجري (ق: 1ه) ، و أصبغ بن نباتة الكوفي(ق:1ه) ،و المختار بن أبي عبيد الثقفي (ق:1ه) ،و المغيرة بن سعيد الكوفي (ت 120ه) ،و محمد بن السائب الكلبي (ت 140ه) ،و جابر بن يزيد الجعفي (ت 167ه) ،و أبو سعيد عباد بن يعقوب (ت 250ه)(1). و كل هؤلاء من الرافضة ، و الكذب عندهم –أي الرافضة- معروف ، فقال عنهم مالك بن أنس : لا تروا عنهم فإنهم يكذبون .و قال الشافعي : لم أر أشهد بالزور من الرافضة .و قال شريك : احمل العلم من كل ما لقيت إلا الرافضة ، فإنهم يضعون الحديث و يتخذونه دينا(2).
و قال عنهم الذهبي : الكذب شعارهم و التقية و النفاق دثارهم . و قال عنهم ابن القيم : الرافضة أكذب خلق الله ، و أكذب الطوائف . و قاله عنهم ابن حجر : الشيعة لا يُوثق بنقلهم . و قال عنهم الشهرستاني : أكاذيب الروافض كثيرة ))(3). ثم تحوّل الكذب عند هؤلاء إلى فلسفة مهذبة سموها التقية ، التي أصبحت شعارهم و دثارهم(4).
__________
(1) احمد بن حنبل : العلل ، ج 1 ص: 145 .و الذهبي: الميزان ، ج 1 ص: 436، ج 2 ص: 105، ج 3 ص: 79 .و السيّر، ج 11ص: 537..و ابن الجوزي : الضعفاء،ط1، بيروت، دار الكتب العلمية ،1406ه ج 2 ص: 77 . و عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق ، ص: 47 .
(2) عن أقوال هؤلاء انظر: الذهبي: الميزان ، ج 1 ص: 146 .
(3) عن أقوال هؤلاء انظر : الذهبي: ميزان الاعتدال ، ج 1 ص: 146 .و سيّر أعلام النبلاء ، ج 10 ص: 93 .و ابن القيم : المار المنيف ، ص: 52، 57، 152 .و ابن حجر: السان ، ج 2 ص : 119 . و الشهرستاني: الملل و النحل، ط7، بيروت، دار المعرفة، 1998،ج 1 ص : 192 .
(4) إحسان إلي ظهير: الشيعة و السنة ، ط12 باكستان ، 1982 ، ص: 158 و ما بعدها .(1/22)
و ثانيا أن الفكر السبئي –عند نشأته-تمثلت مظاهره في الطعن في القرآن ،و سب الصحابة ،و ادعاء الوصية و العصمة لعلي ،و الزعم بألوهيته و رجعته بعد موته ، و تفضيله على كل الصحابة(1). و هذا يعني أن السبئية هي التي أرست الأسس الفكرية لكل الاتجاهات الشيعية على اختلافها ،فهي لا تخرج عن تلك الأسس على اختلافها و تنوعها، بمعنى أن الفكر السبئي تفرّق في كل الاتجاهات الشيعية بنسب مختلفة .
فقال بالرجعة رشيد الهجري،و أصبغ بن نباتة،و جابر الجعفي،و المغيرة بت سعيد،و محمد بن السائب الكلبي،و عثمان بن عمير،و الحارث بن حضيرة الأزدي و غيرهم . و سب الصحابة و شتمهم جابر الجعفي، و عمر بن شمر الكوفي،و المغيرة بن سعيد ،و إسماعيل السدي الكبير (ت127ه) ،و عباد بن يعقوب الأسدي(ت 250ه)،و تليد بن سليمان الكوفي،و و قال بالوصية و التفضيل و العصمة كل الرافضة(2).
__________
(1) انظر : ابن تيمية: منهاج السنة ، ج3 ص: 459 .و مجموع الفتاوى، ج4 ص: 135، 185، 435 . و الملطي الشافعي: التنبيه و الرد على أهل الأهواء، ط2 ، القاهرة، المكتبة الأزهرية ج3 ص: 18 ،و ما بعدها .و الطبري: التاريخ ، ج2 ص: 647 .و ابن حجر: اللسان ، ج3ص: 289 .و الشهرستاني: الملل ، ج1ص: 191 .و ابن قتيبة : تأويل مختلف الحديث ، ص: 73 .و محمود شكري الألوسي: روح المعاني ، ج 20ص: 27 . و احمد الطبري:الرياض النضرة، حققه عيسى الحميري، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1996 ج 1ص: 381.و الذهبي: الميزان، ج 4 ص: 105 .
(2) عن ما ذكرناه في هذه الفقرة ، انظر: الذهبي: الميزان، ج 1ص: 436، ج2 ص: 107،و 167،و ج3 ص: 79،و ج5 ص: 324، ج 6ص: 161. و السير، ج 11ص: 537 .و العقيلي: الضعفاء، ج1ص: 87، 193، ج3 ص: 211، ج4ص: 177 .و المزي: تهذيب الكمال، ج 11 ص: 385 .و ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 1ص: 447 . و الشهرستاني: الملل ، ج 1ص: 169،و ما بعدها(1/23)
و تأثيره في شيعة اليوم ما يزال ظاهرا فيهم –كما كان في سابقيهم -، فهم يقولون بالرجعة و العصمة،و يسبون الصحابة ،و يقولون بالتقية،و يصفون أئمتهم بأوصاف الألوهية، و النصيريون منهم يؤلهون عليا صراحة(1).
و لاشك أن الفكر السبئي ليست له أية مصدرية من القرآن الكريم ،و لا من السنة النبوية الصحيحة ،و لا من التاريخ الصحيح الثابت عن الصحابة و التابعين ، و إنما مصدره هو عبد الله بن سبأ و أصحابه الذين طوّروا فكره .
و بذلك يتبين مما ذكرناه أن وجود الفكر السبئي عند الأشخاص و في المذاهب و الطوائف، منذ القرن الهجري الأول إلى زماننا هذا ، هو دليل دامغ على وجود الطائفة السبئية ، و أنها حقيقة لا خيال ،و أنها ساهمت في الثورة على الخليفة عثمان و قتله .
__________
(1) انظر: الألوسي: روح المعاني، ج 20ص: 27 .و أبو الحسن الندوي: صورتان متضادتان عن الصحابة، ط1 ، القاهرة ، دار الصحوة، 1985، ص: 87 .و إحسان إلي ظهير: الشيعة و السنة، ص: 158 و ما بعدها . و الذهبي: منهاج الاعتدال ، حققه محب الدين الخطيب ، المطبعة السلفية، 1374ه ، ص: 8 .و يعقوب الكليني: الكافي في الأصول، ط3 ، طهران، 1388، ج 12،ص : 228، 238، 258، 263 .و أبو عبد الله الذهبي: صدق النبأ في بيان حقيقة ابن سبأ، ص: 86، 87 .(1/24)
و الشاهد السابع هو أن ما زعمه المشككون في وجود ابن سبأ و المنكرون له ،و أن أهل السنة هم الذين اخترعوا ابن سبأ للطعن في الشيعة ، هو زعم باطل لأنه سبق و أن أثبتنا بالروايات الصحيحة أنه حقيقة لا خيال ، و لأن الشيعة أنفسهم ذكروه في مصادرهم المعتمدة عندهم ،و قد اعترف بذلك الباحث الشيعي المعاصر حسين موسوي النجفي في كتابه : لله ثم للتاريخ ، وذكر أكثر من عشرين مصدرا من كتب الشيعة كلها ذكرت عبد الله بن سبأ كحقيقة لا شك فيها ، منها كتاب رجال الكشي،و فرق الشيعة للنوبختي ،و تنقيح المقال للماقماني(1).و نفس الأمر أشار إليه باحثون سنيون من أن الشيعة ذكروا ابن سبأ في مصادرهم(2). كما أن الإخباري الشيعي أبو مخنف لوط بن يحيى (ت 157ه) قد أشار للطائفة السبئية في روايتين ذكرهما الطبري ،و لا يوجد فيهما سيف بن عمر التميمي(3).
و الشاهد الثامن هو أن كتب المقالات و الفرق ذكرت عبد الله بن سبأ و طائفته بصيغة الإثبات و الجزم ، و لم يكن لديها محل شك(4). مما يدل على أن المتقدمين لم يشكوا في وجود ابن سبأ و جماعته .
__________
(1) انظر ص: 10 و ما بعدها .
(2) انظر: محمد أمحزون : تحقيق مواقف الصحابة، ج 1ص: 306 و م بعدها . و أبو عبد الله الذهبي: صدق النبأ ، ص: 83 و ما بعدها
(3) تاريخ الطبري ، ج 3 ص: 184، 442 .
(4) انظر –مثلا- : عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، ص: 225، 255 .و الشهرستاني : الملل ، ج 1 ص: 104، 174 . و أبو الحسن الأشعري : مقالات الإسلاميين و اختلاف المصلين، حققه هلموت ريتر، ط3 بيروت، دار إحياء التراث العربي ، دت ج 1ص: 15 . و ابن تتيمية: منهاج السنة النبوية ، ج 3 ص: 459، 510 .(1/25)
و بذلك يتضح لنا من الشواهد الثمانية- التي ذكرناها- أن عبد الله بن سبأ و طائفته حقيقة تاريخية لا خيال ،و أنهم شاركوا بفاعلية في الثورة على عثمان-رضي الله عنه- ، و أن ما زعمه بعض المعاصرين المشككين في وجود ابن سبأ و المنكرين له ، هو زعم باطل أقاموه على ظنونهم و تخميناتهم خدمة لأهوائهم و مذاهبهم .
و ختاما لهذا الفصل يتبين جليا أن الثائرين على الشهيد عثمان بن عفان كانوا أخلاطا من مختلف القبائل و الفئات الاجتماعية ، تعاونوا فيما بينهم في التحريض على عثمان و الثورة عليه و قتله ، انطلاقا نواياهم الخبيثة، و تحقيقا لأغراضهم الدنيئة.
الفصل الثاني
أعمال رؤوس الفتنة في الثورة على
عثمان و قتله (35ه)
أولا تأليب الناس على عثمان و حصاره .
ثانيا: قضية الكتاب المزوّر في قتل عثمان بن عفان .
ثالثا: قتل الأشرار للخليفة عثمان بن عفان .
رابعا: هل شارك الصحابة في قتل عثمان بن عفان ؟
خامسا: مصير رؤوس الفتنة بعد قتلهم لعثمان .
سادسا: المكر و التخطيط ، الأسباب و لآثار .
الفصل الثاني
أعمال رؤوس الفتنة في الثورة على عثمان و قتله (سنة:35ه)
تمثلت أخطر أعمال رؤوس الفتنة – في ثورتهم على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان –رضي الله عنه- في الطعن فيه ،و تزوير الكتب عليه ،و تأليب الناس عليه ، و الخروج بهم إلى المدينة المنوّرة لحصاره و قتله(1).
أولا : تأليب الناس على عثمان و حصاره بالمدينة :
__________
(1) هذه الأعمال مشهورة ذكرتها كل المصادر التي تناولت موضوع الثورة على عثمان و قتله ، فهي لا تحتاج –في عمومها – إلى تحقيق و تمحيص .(1/26)
يُروى(1)أن رؤوس الفتنة أظهروا نشاطهم التخريبي سنة 33ه، بتأليب الناس على الخليفة و ولاته و الطعن فيهم ، ففي الكوفة تكلّم الأشتر النخعي و كميل بن زياد ،و ابن ذي الحبكة في الوالي سعيد بن العاص ، فطلب – أي الوالي- من عثمان التدخل و نفيهم من البلد ، فاستجاب له و أمر بنفي رؤوس الفتنة إلى الشام حيث معاوية بن سفيان ، لكنهم سرعان ما أُعيدوا إلى الكوفة عندما تضجّر منهم معاوية ، لكثرة مشاغباتهم و حماقاتهم(2). فلما عادوا إليها واصلوا تحركاتهم في التأليب على عثمان و ولاته .
و في مصر كان بها ثلاثة من كبار رؤوس الفتنة ، و هم : محمد بن أبي بكر، و محمد بن أبي حذيفة ، و عبد الله بن سبأ ، فالأولان يُروى أنهما أفسدا الناس ،و حرّضاهم على عثمان و واليه عبد الله بن أبي سرح ، و كان ابن أبي حذيفة يقول لهم : أن عثمان حلال الدم ، و الجهاد فيه أولى من جهاد الكفار، لأنه فعل كذا و كذا(3). و يُروى أنه كان يُشوش على والي مصر ابن أبي سرح داخل المسجد عندما يُقيم الصلاة، فيرفع هو صوته بالتكبير(4).
__________
(1) لا أحقق روايات هذا المبحث لأنها مشهورة اتفقت المصادر المعروفة على ذكرها ، و نشاطهم الذي نذكره تؤكده الحوادث الثابتة ، كخروج الأشرار من بلدانهم و توجههم إلى المدينة ،و حصارهم لعثمان و قتله ، فكل ذلك جاء نتيجة لنشاطهم التخريبي
(2) الطبري: التاريخ ، ج 2 ص: 634، 635 .
(3) الطبري: المصدر السابٌق ، ج 2 ص: 619-620 .
(4) نفسه ، ج2 ص: 619 .(1/27)
و أما ابن سبأ فيُروى أنه هو أول من أظهر الطعن في عثمان –رضي الله عنه- و زعم أنه أخذ الخلافة من علي بغير حق ، و كان معه بمصر خالد بن ملجم ،و سودان بن حمران، و كنانة بن بشر، ،و هو قبل استقراره بمصر كان قد حلّ بالبصرة و نزل عند حكيم بن جبلة ، ثم لما طرده منها أميرها عبد الله بن عامر بن كريز، نزل بالكوفة ، ثم استقر به المقام بمصر، و أثناء تحركاته كان ينشر فكره و يُراسل أصحابه و يُراسلونه ،و يحثهم على الطعن في الخليفة و ولاته ، و يحرّض الناس عليهم(1).
و في سنة 35هجرية أحس رؤوس الفتنة أن الأرضية مهيأة ،و الظروف مناسبة للتحرّك نحو الخليفة عثمان بن عفان ، فجمعوا أتباعهم –في غفلة من جماهير الأمة- و أخفوا عن الناس نواياهم الشريرة ، و تظاهروا بالخروج إلى الحج ، فتحرّكوا في ثلاثة وفود ، من مصر و الكوفة و البصرة، نحو المدينة المنوّرة في شهر شوال من سنة 35 ، و يُروى(2)أن الوفد المصري خرج في أربع مجموعات ، فيما بين: 600إلى 1000 رجل، و معهم من رؤوس الفتنة : عبد الرحمن ابن عديس،و كنانة بن بشر، و سودان بن حمران، و قتيرة بن فلان السكوني، و ابن سبأ ، و على هؤلاء الغافقي بن حرب(3).
__________
(1) الطبري: المصدر السابق، ج2 ص: 639، 647 .و ابن عساكر: ج 39ص: 300 .و ابن الأثير: الكامل، ج 3 ص: 39 .و ابن يحيى المالقي: التمهيد مقتل الشهيد عثمان ، حققه محمود زايد، قطر ، دار الثقافة، 1405 ، ص: 97 .
(2) لا داعي لتحقيق الروايات التي سنذكرها عن خروج الأشرار و حصارهم لعثمان ، لأنها معروفة ، و هي في مجملها متفقة على خروج الأشرار و توجههم إلى عثمان و حصاره .
(3) انظر: الطبري : المصدر السابق، ج 2ص: 652، 663 .و ابن سعد : الطبقات ، ج 3 ص: 71 .و ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 39ص : 317 .و ابن الجوزي: المنتظم ، ج5 ص: 49 و ما بعدها .(1/28)
و أما وفد أهل البصرة، فيُروى أن عددهم كان كعدد أهل مصر، و أنهم خرجوا في أربع مجموعات ،و عليهم : حكيم بن جبلة العبدي، و ذريح بن عباد العبدي،و بشر بن شريح، و ابن محرش بن عمران الحنفي،و أميرهم حرقوص بن زهير(1).
و نفس الأمر رُوي عن وفد أهل الكوفة، فقيل أن عددهم كعدد الوفدين السابقين، و أنهم خرجوا في أربع مجموعات ،و كان عليهم : زيد بن صوحان العبدي ،و الأشتر النخعي، و زياد بن النضر الحارثي،و عبد الله بن الأصم ،و قائدهم العام عمرو بن الأصم(2).
و يُروى أن الوفود لما وصلت المدينة لم تدخلها ، و أرسلت إلى الخليفة من يُخبره بمجيئها و مطالبها ، فأرسل إليهم عثمان من أستقبلهم و سمع شكاويهم، فزعموا أن ولاته يظلمون الرعية ،و طالبوه بعزلهم . و قال الوفد المصري أن الوالي عبد الله بن سعد بن أبي سرح يتحامل عليهم و على أهل الذمية ،و يستأثر بالغنائم ،و يزعم أن الخليفة أمره بذلك . و في الأخير وافق عثمان على مطالبهم و وعدهم بتحقيقها ، ثم عادت الوفود إلى بلدانها، لكن بعد أيام من مسيرهم رجعوا إلى المدينة ناقمين على الخليفة،و متهمين له بالخيانة و نقض العهد و التزوير(3)، فما حقيقة ذلك ؟ .
ثانيا : قضية الكتاب المزوّر في قتل عثمان بن عفان :
اتفقت الروايات التاريخية على أن الثائرين على الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، عندما استجاب لمطالبهم (سنة 35ه) عادوا إلى بلدانهم ، لكنهم رجعوا إلى المدينة بعد أيام من مغادرتها ، و معهم صحيفة زعموا أنهم و جدوها مع غلام لعثمان ، فيها أمر لوالي مصر : عبد الله بن سعد بن أبي سرح (ت36ه) باتخاذ إجراءات قمعية صارمة ضدهم ؛ فاتخذوها ذريعة للعودة و الثورة على عثمان و قتله . فمن الذي كتب تلك الصحيفة ؟ .
__________
(1) نفس المصادر السابقة .
(2) نفس المصادر السابقة .
(3) الطبري: المصدر السابق، ج2 ص: 662 و ما بعدها .(1/29)
لم تتفق الروايات التاريخية في الإجابة عن هذا السؤال ، فبعضها ذكر أن عثمان بن عفان هو الذي كتب الصحيفة .و أكثرها ذكر أن كاتب عثمان : مروان بن الحكم هو الذي زوّرها على لسان الخليفة .و بعضها الآخر أشار إلى وجود طرف ثالث قد يكون زوّر الصحيفة على عثمان و كاتبه مروان .
( أ ) اتهام عثمان بكتابة الصحيفة :
لم يُتهم عثمان بن عفان –في معظم الروايات – بكتابة الصحيفة المزعومة ، لكن واحدة منها صرّحت بأنه هو الذي كتبها ، و قد رواها الطبري بإسناده ،و فيها أنه لما حضرت الوفود إلى عثمان و ذكرت له مآخذها عليه ،و أعلن توبته و رجوعه عن تلك المآخذ ،و عادت الوفود إلى بلدانها ، كتب عثمان إلى عامله بمصر كتابا في الذين قدموا إليه منها ، قال له فيه : (( أما بعد: فانظر فلانا و فلانا فعاقبهم بكذا و كذا )) و كان من بين هؤلاء نفر من الصحابة و قوم من التابعين . ثم تقول الرواية أن عثمان أرسل الكتاب مع أبي الأعور بن سفيان السلمي ،و أوصاه بأن يسبق القوم في الدخول إلى مصر ، فلما لحقهم ببعض الطريق ، قالوا له : هل معك كتاب ؟ قال : لا . فقالوا له : فيم أُرسلت ؟ قال : لا علم لي ! فشكوا فيه و فتشوه ، فوجدوا معه كتابا فيه : قتل بعض المصريين ،و معاقبة آخرين في أنفسهم و أموالهم . فلما رأوا ذلك رجعوا إلى المدينة و هيّجوا أهلها على عثمان(1).
__________
(1) ابن جرير الطبري : المصدر السابق ،ج2 ص: 662 .(1/30)
و هذه الرواية منكرة و لا تصح ، فمن رجال إسنادها : محمد بن إسحاق بن يسار المدني (ت150ه) ، رواها عن عمه عبد الرحمن بن يسار(1).الأول و إن وثقه بعض العلماء ، فقد اتهمه آخرون بالكذب و التدليس ،و قال عنه الدارقطني : لا يحتج به . و وثّقه يحي بن معين مرة و ضعّفه مرة أخرى(2).و أما الثاني فهو ثقة ، لكن روايته منقطعة موقوفة عليه ، لأنه –على ما يبدو- لم يكن شاهد عيان فيما رواه فقد كان ما يزال صبيا زمن الحادثة و هو من الطبقة الثالثة(3).
__________
(1) نفسه ج2 ص: 662 .
(2) الذهبي : المغني في الضعفاء ، حققه نور الدين عتر ، د م، د ن، دت ، ج2 ص: 552-553 .و سير أعلام النبلاء ، ج 7ص: 33 . و السيوطي : طبقات الحفاظ ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1403 ، ج 1 ص: 82 .
(3) ابن سعد : الطبقات الكبرى ،- القسم المتمم – حققه زياد منصور، ط2 المدينة المنورة ، مكتبة العلوم ، 1408 ، ج 1 ص: 154 .(1/31)
و أما متنها فتوجد فيه شواهد تدل على بطلانه و تلاعب الرواة به ، أولها إنها ذكرت أن عثمان أرسل كتابه إلى واليه بمصر : عبد الله بن سعد بن أبي سرح . و هذا غلط و كذب مفضوح على عثمان -رضي الله عنه- فهو أول من يعلم أن عامله لا يوجد بمصر ، فكيف يرسل إليه الكتاب و هو لا يوجد بها ؟ ! و ذلك أن عامله كان قد كتب إليه يخبره بخروج و فد مصر إليه ، ثم استأذنه بالمجيء إليه ، فأذن له عثمان بالمجيء و خرج عل أثر المصريين في قدومهم إلى المدينة ، فلما كان في الطريق بلغه الخبر بقتل عثمان – رضي الله عنه- فعاد إلي مصر ، فلما وصلها و جد محمد بن أبي حذيفة قد تغلّب عليها و منعه من دخولها ، فتوجّه إلى فلسطين و ظل بها إلى أن وافته المنية و لم يشارك في الفتنة(1).
و الثاني إنها-أي الرواية- زعمت أن أبا الأعور السلمي الذي أرسله عثمان ، سار في الطريق الذي اتبعه المصريون ، فلما أوقفوه أنكر أن يكون معه كتاب ،و ادعى أنه لا يعرف لماذا هو متجه إلى والي مصر ! و هذا تصرف في غاية الحماقة و الغباء لا يصدر عن رجل محنك ، كأبي الأعور السلمي الذي قاد جيش المسلمين في غزوتي عمورية (سنة23 ه) و قبرص (سنة 26ه)(2).
__________
(1) الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 657، 658 . و الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج3 ص: 33-35 . و الخلفاء الراشدون ، حققه حسام الدين القدسي ، ط1 بيروت ، دار الجيل ، 1992 ، ص: 318 .و ابن كثير : البداية و النهاية ، ج 5 ص: 315 .و البخاري : التاريخ الكبير ، ، ج5 ص: 29 .و ابن حجر : الإصابة ، ج 4 ص: 110 .
(2) ابن حجر : المصدر السابق ، ج4 ص: 641 .(1/32)
فهل يُعقل أن رجلا كهذا يبعثه الخليفة في مهمة استعجالية خطيرة إلى واليه بمصر ، ثم يتبع نفس الطريق الذي سار فيه المصريون ليلتحق بهم ؟ ! ثم عندما أوقفوه كذب عليهم كذبة مفضوحة غاية في الغباء ، و رّطته و لم تنجّيه . أليس من الحكمة و من الواجب عليه أن يتبع طريقا آخر آمنا و سريعا ؟ كما أنه كان في مقدوره أن يكذب عليهم كذبة ذكية تبعد عنه الشبهات .
و الشاهد الثالث هو أننا لا نصدق أن خليفة راشدا مشهودا له بالجنة و الصدق و الجهاد ، يعطي للمصريين عهدا و يستجيب لمطالبهم ، ثم يخونهم و يبعث من ورائهم لقتلهم ! فهذا تصرف لا يليق بمسلم عادي ، فكيف يصدر عن خليفة راشد ؟ لذا فإن هذا الاتهام هو من مفتريات رؤوس الفتنة ،و الرواة الكذابين . كما أنه من جهة أخرى ليس لعثمان أية مصلحة في الإقدام على ذلك الفعل ، لأنه سيزيد الآمر تعقيدا و خطورة ، و يؤلب عليه الناس عامة و المصريين و البصريين و الكوفيين خاصة
و آخرها- أي الشواهد-، هو أن هناك روايات أخرى تنقض ما زعمته الرواية السابقة في اتهامها لعثمان بكتابة الصحيفة ؛ فقد روي أن الأشرار عندما اتهموا الخليفة بكتابة الصحيفة و إرسالها إلى واليه بمصر ، أنكر ذلك بشدة و أقسم بالله أنه ما كتبه و لا علم له به(1).
( ب ) : اتهام مروان بن الحكم بتزوير الكتاب :
صرّحت بعض الروايات بأن مروان بن الحكم هو الذي أمر بكتابة الصحيفة و تزويرها على لسان الخليفة عثمان – رضي الله عنه- ، لكن روايات أخرى اكتفت بالاتهام دون التأكيد .
__________
(1) أنظر : الطبري : المصدر السابق، ج 2 ص: 656، 662، 664، 666 ، 667.(1/33)
فمن الروايات المؤكدة على تزوير مروان للكتاب ما رواه المؤرخ ابن طاهر المقدسي(ت 507ه) من أن الوفود عندما جاءت إلى عثمان تشتكي إليه ولاّته ، و استجاب لها و انقلبت راجعة إلى بلدانها ؛ تحرّك مروان بن الحكم و قال لحمران بن أبان-غلام لعثمان-: إن هذا الشيخ –أي عثمان- قد وهَن و خَرِف ، فقم و اكتب إلى ابن أبي سرح أن يضرب أعناق من ألب على عثمان ، ففعل و أرسل الكتاب مع غلام لعثمان يقال له : مدس(1).
فهذه الرواية ذكرها ابن طاهر المقدسي بلا إسناد(2)،و فوّت علينا إمكانية نقدها من حيث الإسناد ، لذا فهي مردودة عليه ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط تحقيق الخبر لتمييز صحيحه من سقيمه ؛ مع العلم أن بينه و بين الحادثة أكثر من أربعة قرون .
و أما متنها فهو الآخر مردود ، لأن فيه أن مروان بن الحكم أرسل الكتاب إلى والي مصر ابن أبي سرح ،و هذا غير صحيح فإن الوالي لم يكن بمصر ! و مروان يعلم بذلك و هو كاتب الخليفة . فكيف يبعث له بالكتاب و هو ليس بمصر ؟ ! و ترده أيضا- أي ذلك الاتهام-روايات أخرى ليس فيها تصريح بقيام مروان بتزوير الكتاب ،و إنما فيها اتهامات من خصومه بالتزوير(3).
__________
(1) ابن طاهر المقدسي: البدء و الناريخ ، القاهرة ، مكتبية الثقافة الدينية ، د ت ، ج5 ص: 202 .
(2) نفسه ج 5 ص:202 .
(3) الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 664، 665 ، 667 .(1/34)
و أما الروايات التي اتهمته-أي مروان- فمنها أربع روايات اتهمته بتزوير الكتاب على لسان عثمان باستخدام خاتمه بحكم أنه كاتبه(1). لكن هذه الروايات لها أسانيد غير صحيحة ،و متونها فيها غرائب و مناكير و أخطاء ، فالأولى من رجال إسنادها : محمد بن إسحاق ، و هو و إن وثّقه بعض العلماء فقد ضعفه آخرون ،و اتهموه بالكذب و التدليس ،و قال عنه الدرقطني : لا يحتج به(2).
و أما متنها فباطل ، فقد صوّرت عثمان-رضي الله عنه- كذابا متلونا ، و ضعيفا خوافا ، أعطى المواثيق الغلاظ للصحابة و الناس ثم نقضها(3)، و هذا افتراء مفضوح في حق خليفة راشد مشهود له بالاستقامة و الجهاد . و زعمت أيضا أن عثمان أخذ في الاستعداد للقتال قبل نقضه للعهد معتمدا على ما كان عنده من جند عظيم من رقيق الخمس(4).
و هذا زعم باطل ، لأنه من الثابت عن عثمان أنه رفض أن يتقاتل الناس من أجله . كما أنه لو كان معه ذلك العدد الكبير من الجند الرقيق لما تمكن البغاة من السيطرة على المدينة ،و فرض حصارهم على الخليفة .
__________
(1) أنظر : نفسه ، ج2 ص: 664 ، 665 ، 666 ، 667 .و ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 39 ص: 416 ، 418 .
(2) الذهبي : المغني في الضعفاء ، ج2 ص: 252-253 .و السر ، ج 7 ص: 33 .و السيوطي : المصدر السابق ، ج1 ص: 82.
(3) الطبري : المصدر السابق ،ج2 ص: 664 .
(4) نفسه ، ج2 ص: 664 .(1/35)
و أما الروايتان الثانية و الثالثة ، فقد رواهما محمد بن عمر الواقدي (ت207ه)،و هو متروك متهم بالكذب ،و كان يتشيع و يلتزم التقية(1). و الرواية الرابعة ذكرها أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق(2)، و من رجال إسنادها : محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع الدمشقي (ت 206ه ) ، قال عنه أبو حاتم : لا يحتج به .و محمد هذا قد روي خبر مقتل عثمان ، عن الحافظ ابن أبي ذئب(ت 159ه) و لم يسمعه منه ،و إنما سمعه من إسماعيل بن يحي ، فأسقطه من الإسناد و لم يذكره لأنه- أي إسماعيل- كان ضعيفا و يضع الأحاديث(3).
و أشير هنا إلى أن تلك الروايات الضعيفة قد ذكرت أن البغاة الثائرين على عثمان ، قد اعتمدوا في اتهامهم لمروان بن الحكم عل الخط ، فقالوا أن خط الكتاب هو نفسه خط مروان(4). لكن مع ذلك فإنه يصعب علينا تصديق هذا الاتهام ، لأنه أولا هو اتهام روته أخبار ضعيفة .
__________
(1) الذهبي: الميزان ، ، 1995 ، ج 2 252-253 .و البخاري : التاريخ الصغير ، حققه محمود زايد ، ط1 ، القاهرة ، دار الوعي ، 1977 ، ج2 ص: 311 . و ابن النديم : الفهرست ، ص : 443 .
(2) ج39 ص : 416 –418 .
(3) ابن عدي : الكامل في الضعفاء ، ، 1988ج 6 ص: 246 .و إبراهيم بن محمد الطرابلسي : التبيين لأسماء المدلسين، ج1 ص: 193، 196 . أبو الحجاج المزي: تهذيب الكمال و ابن الجوزي: الضعفاء و المتروكين، حققه عبد الله القاضي، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية، 1406،ج3 ص: 90.
(4) الطبري: التاريخ، ، ج 2ص: 664 و ما بعدها . و ابن عساكر: المصدر السابق ، ج39 ص: 418(1/36)
و ثانيا إنه مجرد اتهام وارد ، و ليس هو باتهام ثابت ، لأن تشابه الخط-إن صدق الخبر- لا يعني بالضرورة أنه خط مروان ، فقد يُزوّر الخط على صاحبه ، لذا فإنه روي أن الخليفة عثمان بن عفان –رضي الله عنه-عندما جاءه الأشرار وأظهروا له الكتاب ،و قالوا له إننا و جدنا (( بريدك على جملك ، و كتاب كاتبك عليه خاتمك )) قال لهم : (( أما الجمل فمسروق ،و قد يشبه الخط الخط ،و أما الخاتم فانتقش عليه ))(1). و ثالثا أن هناك خبرين روى أحدهما ابن جرير الطبري ،و الثاني ابن عساكر ، لا يوجد فيهما اتهام لمروان بتزوير الكتاب(2).
و مما يلفت الانتباه في مسألة اتهام مروان بالتزوير ، أن الروايات قد اختلفت في ذكر مطالب هؤلاء البغاة ، ففي بعضها أنهم طالبوا الخليفة بتسليم مروان بن الحكم و إلا يقتلونه .و في أخرى ،أنهم خيّروا عثمان بين الخلع أو القتل(3).
و في روايات أخرى أنهم طالبوه بتسليم مروان و الاعتزال أو القتل .و في بعضها طالبوه بعزل عماله الفسقة ،و تعويضهم بمن لا يتهم ،و إلا يعزلونه و يقتلونه(4).و في أخرى خيّروه بين الخلع و الاقتصاص من نفسه ،و إلا فسيقتلونه(5).
__________
(1) الطبري : نفس المصدر ، ج 2 ص: 662 .
(2) الطبري: تاريخ الطبري،ج2 ص: 662 .و ابن عساكر : المصدر السابق ج 39 ص: 423.
(3) ابن حجر: الإصابة، ج 4 ص: 458 .و الطبري: نفسه ، ج 2 ص: 667 .
(4) المسعودي: مروج الذهب ، الجزائر، موفم للنشر، ج2 ص: 410 .و ابن العربي: العواصم من القواصم، ص : 86 . و الطبري : التاريخ ، ج2 ص: 664 .و ابن كثير:البداية ، ج 7 ص: 197 .
(5) الذهبي : الخلفاء،ص: 259 .و خليفة خياط : تاريخ خياط، ج 1ص: 147 .(1/37)
فهذه الروايات لم تتفق على مطالب هؤلاء البغاة ، فلماذا إذن هذا الاختلاف ؟ و لماذا لم يَرِد مطلب تسليم مروان بن الحكم في جميعها و هو رأس الفتنة في اعتقادهم ؟ و لماذا طالبوه بعزل ولاّته الفسقة- على حد تعبيرهم- و كان قد استجاب لهم في عزل ولاّة مصر و الكوفة و البصرة ؟ ! و ما هي العلاقة بين تسليم مروان و المطالب الأخرى ؟ فإذا كان هو السبب فعليهم أن يطالبوا بمحاكمته ، و ليس بتسليمه إليهم . فهذه التساؤلات و غيرها تبعث على الشك في نوايا هؤلاء المبيتة .و توحي أيضا بأنهم ما اتهموا مروان بن الحكم إلا ليصلوا إلى عزل عثمان أو قتله .
و هنا أُنبّه إلى أمر هام جدا ، هو أن موقف مروان بن الحكم من الاتهامات الموجهة إليه ، مُغيّب في كل الروايات التي اطلعتُ عليها ، ماعدا ما ذكره ابن خلدون من أن البغاة لما رجعوا إلى عثمان و معهم الكتاب المزعوم و أظهروه له (( حلف عثمان على ذلك ، فقالوا له مكنا من مروان فإنه كاتبك ، فحلف مروان ، فقال-أي عثمان- ليس لكم في الحكم أكثر من هذا ، فحاصروه ))(1).
فهذا خبر لم يذكر له ابن خلدون إسنادا ، و بينه و بين الحادثة أكثر من سبعة قرون . كما أن خبره هذا موجز و فيه غموض ؛ و مع ذلك فإن روايته هذه و الروايات الأخرى لم تذكر أنه أُجري تحقيق مع مروان بأمر من عثمان و بحضور من الصحابة الكرام ، أو بأمر من البغاة و بضغوط منهم .
__________
(1) ابن خلدون : المقدمة ،ط5 ،بيروت دار القلم ، 1984 ، ص: 216 .(1/38)
أفليس من الغريب أن لا يحقق هؤلاء مع مروان و هو المتهم الرئيسي في القضية ؟ ! لماذا رُوي أن عثمان سُئل عن الكتاب و الغلام و لم يذكر أنه أُجري مع مروان تحقيق ؟ إنه كان من اللازم إجراء تحقيق مع مروان و الغلام ؛ و هذا أمر لا يغيب عن الصحابة ،و فيهم العالم و الفقيه ، و القاضي و المحدث .و بما أن المصادر المتوفرة لم تشر إلى إجراء مثل هذا التحقيق مع مروان و الغلام ، فإن الشكوك تزداد في أن تكون حكاية الكتاب مختلقة من أساسها ، أشاعها أناس لهم مصلحة في ذلك .
و هل يعقل أن تذكر بعض الروايات أن مروان بن الحكم كان عند الخليفة عندما تألب عليه الناس و دخل عليه بعض كبار الصحابة(1)و لا تشر إلى رد فعل مروان تجاه ما اُتهم به ؟ فإذا كان من مصلحة البغاة عدم التحقيق مع مروان لكي لا ينكشف أمرهم ، فإنه ليس من مصلحته هو أن يسكت عن التهمة الموجهة إليه ؛ فلا بد أن يدافع عن نفسه وأمامه ثلاثة خيارات ، أولها إن كان الكتاب قد زُوّر عليه ، فسينكر معرفته به و يطالب متهميه بالبينة و عليه هو باليمين .
و ثانيها إن كان هو الذي كتب الصحيفة على لسان عثمان فبإمكانه الإنكار أيضا ،و يطالب خصومه بالدليل المادي القطعي ،و يدفع التهمة عنه بأن الكتاب زُوّر عليه ، ثم يُقسم كاذبا ما زوّر الكتاب ،و لا يجد حرجا في أن يكذب مرة ثانية ، بما أنه قد كذب من قبل على الخليفة ، و هو الداهية الماكر عند خصومه .
و الخيار الثالث هو أن يعترف بخطئه في إقدامه على تزوير الكتاب ،و يُقسم بأنه ما أراد إلا مصلحة الخلافة و الأمة ، لقطع دابر المفسدين ، ثم يطلب العفو أو يتحمل تبعات فعله .
__________
(1) الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 666 .(1/39)
أما أن تسكت الروايات عن رد فعل حقيقي و فعّال لمروان تجاه ما اُتهم به ، فلا الصحابة و عثمان حققوا معه ،و لا دعاة الفتنة طالبوا بذلك ،و لا هو دافع عن نفسه أمام الناس ، فإن في الأمر علامة استفهام كبرى ، تجعلنا نميل إلى براءة مروان بن الحكم ، ونبحث عن طرف آخر كان من وراء تزوير الكتاب .
و مما يبعد التهمة عن مروان ، أنه لا يُعقل أن يرسل الكتاب إلى والي مصر عبد الله بن أبي سرح بمعاقبة رؤوس الفتنة ،و هو يعلم أنه قد غادر مصر على إثر خروج وفد مصر إلى عثمان ؟ و إن قيل أن مروان كان يعلم بخروج ابن أبي سرح ، وإنما زوّر الكتاب و أرسله مع الغلام لترجع الوفود إلي المدينة . فيقال أن هذا مجرد احتمال ضعيف جدا يكذبه الواقع ؛ فمروان ليس له أية مصلحة في خيانة عثمان ، قريبه و ولي نعمته . و ليس له فائدة في تجدد الفتنة التي قد تعصف به و بالأمة كلها .
و إذا افترضنا أن مروان بن الحكم لم يكن يعلم بمغادرة ابن أبي سرح لمصر ، لذا زوّر الكتاب و أرسله إليه ليعاقب رؤوس الفتنة . فإن هذا الاحتمال هو الآخر مستبعد جدا ، لأن ذلك الفعل هو الآخر ليس في مصلحته و مآله إلى الانكشاف و سيؤدي إلى عواقب وخيمة ، فوفد مصر إن عَلِم بأمر الكتاب قبل معاقبتهم فإنهم سيعودون على أعقابهم إلى المدينة .و إن لم يعلموا به و عاقبهم الوالي فإن الأمر سيزداد تعقيدا و خطورة ، فتحدث فتنة بمصر ،و يجتمع الثائرون بمصر و يكاتبون أنصارهم بالكوفة و البصرة و يرجع الجميع إلي المدينة . و هذا احتمال وارد جدا ، لأن الثائرين كانت لهم قيادات منظمة و متعاونة يحركها السبئيون و أعوانهم من الطامعين و الحاسدين لعثمان و عماله(1).
__________
(1) أنظر : الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 650 ، 652 .(1/40)
و هل يعقل أن يرسل مروان بن الحكم الكتاب مع غلام ، فيسلك طريق المصريين و يقترب منهم ليكتشفوا أمره ؟ ! إن هذا أمر لا يقدم عليه مروان ، لأنه لا مكسب له فيه ،و مخاطرة جسيمة تجلب عليه سخط الخليفة و الناس ؛ و هو المعروف بالفطنة و الذكاء و الدهاء . فإذا كان ذلك مستبعد في حقه و هو من باب الفرض ، فلا شك أنه لا يقدم عليه و هو يعلم حقا أن ابن أبي سرح قد غادر مصر بالفعل .
و ختاما لما تقدم ذكره يتبين أن الروايات التي اتهمت الخليفة و كاتبه مروان ، بكتابة الصحيفة المزعومة ، هي روايات لم تصح إسنادا و لا متنا ،و أن عثمان بن عفان بريء مما اتهمبه به رؤوس الفتنة ، وأن مروان بن الحكم لم تثبت التهمة في حقه . و أن هناك طرفا ثالثا يكون قد زوّر الكتاب على الخليفة عثمان و كاتبه مروان. فمن هو هذا لطرف ؟ و ما هي الشواهد التي تثبت تورطه في التزوير ؟ .
( ج )الكشف عن مزوري الكتاب :
سنجيب –بحول الله تعالى- عن التساؤلين السابقين فيما يأتي من هذا المبحث ، معتمدين على الأخبار الآتي ذكرها ،و هي بمثابة شواهد ومعطيات مرجحة و هادفة ، تزيد ما تقدم ذكره تبيانا و تحقيقا .(1/41)
أولها هو أن هناك روايات تطرقت لحكاية الكتاب المزعوم ،و لم تتهم مروان بن الحكم ،و لا غيره بتزوير الكتاب(1).و هذا يعني أن الروايات التاريخية لم تتفق على اتهام مروان بن الحكم بالتزوير . و ثانيها هو أنه توجد بعض الأخبار أشارت إلى أن من أهل المدينة من شك في أمر عودة البغاة إلى المدينة-بعدما غادروها راضين- و تنبّه إلى احتمال وجود مكر و تخطيط مبيتين ؛ فروي أنه عندما رجع هؤلاء قال علي- رضي الله عنه- للكوفيين و البصريين : كيف علمتم بما لقي أهل مصر و قد سرتم مراحل ، ثم رجعتم إلينا ؟ هذا و الله أمر أبرم بالمدينة . فقالوا : ضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا(2).
__________
(1) الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 653 ، 662 .و ابن عساكر : المصدر السابق ، ج 39 ص: 423
(2) الطبري : المصدر السابق ،ج2 ص: 653 .(1/42)
و مما يُثبت وجود ذلك المكر و التخطيط و التزوير ، أنه رُوي أن هؤلاء الأشرار زوّروا كتبا على الصحابة الكرام ، فمن ذلك أنه صحّ(1)الخبر أنه لما استشهد عثمان- رضي الله عنه- و أنكرت عائشة أم المؤمنين قتله ، قال لها مسروق بن الأجدع : (( هذا عملك أنت كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج إليه )) فقالت : (( لا و الذي آمن به المؤمنون ،و كفر به الكافرون ، ما كتبتُ إليهم بسوداء في بيضاء ، حتى جلستُ مجلسي هذا )) ، ثم قال سليمان الأعمش –أحد الرواة- : إنهم كانوا يرون أنه كُتب علي لسانها ))(2). و في رواية أخرى(3)أن الأشتر النخعي جاء إلى عائشة – رضي الله عنها- و قال لها : (( ما تقولين في قتل عثمان ؟ ، فقالت : معاذ الله أن آمر بسفك دماء المسلمين ، و استحلال حرماتهم و هتك حجابهم)) ، فقال لها الأشتر : (( كتبتن إلينا تأمرننا ، حتى إذا قامت الحرب على ساق ، أنشأتن تنهيننا )) ، فحلفت عائشة بقولها : (( لا و الذي آمن به المؤمنون و كفر به الكافرون ، ما كتبتُ إليهم سوداء في بيضاء في أمر عثمان إلى يومي هذا ))(4).
__________
(1) رجاله كلهم ثقات ، و هم : أبو معاوية الضرير ،و سليمان الأعمش ،و خيثمة بن عبد الرحمن ،و مسروق بن الأجدع . انظر : الذهبي : السيّر ج 9 ص: 93،و ابن حجر : النقريب ، ج 1 ص: 254،و تهذيب التهذيب ، ج10ص: 100،و المزي: تهذيب الكمال، ج8 ص: 370 .
(2) ابن سعد : الطبقات ، ج 3ص: 82 .
(3) يبدوا أنها صحيحة الإسناد ، على ما قاله محقق كتاب السنة للخلال ، ج2ص: 340 .و هو قد أشار إلى أنه لم يتوصل إلى معرفة عائشة بنت عمرة أم الحجاج الجدلية ( نفسه ، ج2 ص: 340 ) ، لكن يبدوا أنها صحابية ،-فهي ثقة -، لأن ابن حجر ذكرها في كتابه الإصابة في معرفة الصحابة ج 8ص: 44 . و الرواية في النهاية تتقوى بالرواية الصحيحة السابقة الذكر .
(4) أبو بكر الخلال : السنة ، ج2 ص: 340 .(1/43)
و هذا يعني أن رؤوس الفتنة كانوا يُزوّرون الكتب على لسان زوجات رسول الله –عليه الصلاة و السلام- و ينسبونها إليهن ، ليستخدموها كوسيلة فعالة في تحريض الناس على عثمان و ولاته ،و إعطاء شرعية لأعمالهم التخريبية ، بدعوى أن الصحابة هم الذين شجّعوهم عليها ،و يُوافقونهم عليها .
و يزيد ذلك تأكيدا و توضيحا الروايات الآتية ، أولها أنه رُوي أن محمد بن أبي حذيفة –لما حل بمصر- كان يُزوّر الكتب على ألسنة زوجات النبي-صلى الله عليه و سلم- ، فكان يُرسل أناسا إلى طريق المدينة ، ثم يُقدمون بالكتب و عليهم آثار السفر ، فيتلقاهم و معه الناس ، و يُنزلهم المسجد و يقرؤون عليهم الكتب –المزوّرة- ،و فيها الشكاية من عثمان و الطعن فيه ، فيضج الناس بالبكاء و الدعاء(1).
و ثانيها أنه رُوي أن جماعة السبئية و أعوانهم من رؤوس الفتنة ، كانوا يُزوّرون الكتب في عيوب ولاتهم ،و يُرسلونها إلى الأمصار ،و يتبادلونها فيما بينهم ، لينشروا سمومهم بين أكبر عدد ممكن من الناس(2).
و ثالثها أنه رُوي أن الأشرار لما ، عادوا إلى المدينة ذهبوا إلى علي بن أبي طالب و طلبوا منه أن يذهب معهم إلى عثمان ، فلما رفض الذهاب معهم قالوا له : لِمَ كتبتَ إلينا : فقال :و الله ما كتبت إليكم كتابا قط . فنظر بعضهم إلى بعض ثم انصرفوا(3).
و بما أن تلك الروايات تُثبت أن الكتب المزوّرة هي من فعل رؤوس الفتنة الذين زوّروها خدمة لأغراضهم الدنيئة المبيتة ، فمن الممكن جدا ،و من المُرجح أن الكتاب المزوّر على عثمان ،و المتهم به مروان بن الحكم، هو من فعل هؤلاء الأشرار المتخصصين في تزوير الكتب .
__________
(1) ابن حجر: المصدر السابق، ج 6 ص: 11 .
(2) الطبري : التاريخ ج 1 ص: 647 .
(3) نفس المصدر ، ج2 ص: 656 .(1/44)
و الشاهد الثالث هو أن موقف عثمان بن عفان من مروان بن الحكم ، في عدم اتخاذه لأي إجراء حازم و رادع لتأديبه و معاقبته ، هو دليل قوي على أن التهمة لم تثبت على مروان ؛ فعثمان صحابي جليل كبير القدر لا يُتهم بالتهاون في تطبيق الشرع ، فلو ثبت الجرم على كاتبه مروان لأتخذ ضده إجراء حازما و رادعا ، كما اتخذه مع أخيه من الرضاع : الوليد بن عقبة ، فعندما شهد عليه شاهدان بشرب الخمر ، أقام عليه الحد و عزله عن ولاية الكوفة(1).
و الرابع هو أن في تفاصيل حكاية الكتاب المزعوم ، غرائب و مضحكات و اختلافات ، تبعد التهمة عن مروان و تلقيها على طرف آخر . فمن ذلك أنه رُوي أن الغلام الذي وجد عنده الكتاب هو غلام لعثمان على جمل لعثمان .و قيل أنه على جمل من إبل الصدقة .و قيل أنه رجل على جمل(2). و قيل عن الغلام أنه أسود .و قيل أنه اسمه : مدس .و قيل أن المبعوث هو : أبو الأعور بن سفيان السلمي(3).
و قد بحثتُ عن غلام لعثمان اسمه مدس فلم أعثر له على أثر . كما أن أبا الأعور السلمي لم يكن غلاما لعثمان ، وإنما هو من أعيان الناس تأمّر على جيش الشام في غزوة عمورية سنة 23ه ،و غزا قبرص سنة 26 هجرية ،و كان مع جيش الشام في موقعة صفين(4).
__________
(1) الطبري : المصدر السابق ، ج 2ص: 608 .
(2) نفس المصدر ، ج 2 ص: 664، 665 ، 666 ، 667 .و ابن طاهر المقدسي : المصدر السابق ، ج 5 ص: 204-205 .و المسعودي: المصدر السابق ج 2ص: 410 .و ابن عساكر: المصدر السابق ، ج39 ص: 224 .
(3) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج 3 ص: 59 . الطبري : المصدر السابق ج2 ص: 662 .و ابن طاهر المقدسي : البدء ، ج5 ص: 202 .و ابن عساكر : المصدر السابق ج 39 ص: 416 ، 417 .
(4) ابن عبد البر : الاستيعاب ، حققه علي محمد البجاوي ، ط1 ، بيروت دار الجيل ، ج1412 ، ج3 ص: 1178، 1179 .و ابن حجر : المصدر السابق ، ج 4ص: 641 .(1/45)
و أما عن حالة الغلام يوم وجده المصريون ، فرُوي أنه كان يتعرض لهم ثم يفارقهم ، ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم ، مما أثارهم فأمسكوا به .و قيل أنه مر بهم مسرعا فأوقفوه .و قيل أنه مر بهم فوجدوا عنده الكتاب(1). و قيل أنه مر بهم فأنكروه و استخرجوا منه الصحيفة(2). و قيل أنه لحق بهم و هو على بعير يخبط (( خبطا كأنه يَطلب أو يُطلب )) فسألوه : ما قضيتك ،و ما شأنك ، هارب أو طالب ؟ فقال : أنا غلام من أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر(3).
و قيل في رواية أخرى أن المصريين اعترضهم رجل على جمل يسير بأعلى الطريق بين النخيل ، فشكوا فيه و فتشوه فوجدوا عنده الكتاب(4).و قيل أن أبا الأعور السلمي لما لحق بالمصريين سألوه – عندما رأوه على جمل عثمان- : أمعك كتاب ؟ قال : لا . فقالوا له : فيم أُرسلت ؟ قال : لا علم لي . فقالوا له : ليس معك كتاب ،و لا علم لك ، إن هذا لمريب ! ففتشوه فوجدوا عنده الكتاب(5).
__________
(1) خليفة خياط : المصدر السابق ، ج1 ص: 146 .و الطبري : المصدر السابق ج 2 ص: 656، 665 .و الذهبي : الخلفاء الراشدون ، ص: 270 .و ابن طاهر المقدسي : المصدر السابق ، ج 5 ص: 202
(2) اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي ، ج2 ص: 174 .
(3) ابن عساكر : المصدر السابق ، ج39 ص: 416 .
(4) نفس المصدر ، ج39 ص: 423 .
(5) الطبري : المصدر السابق ج2 ص: 662 .(1/46)
و منها أيضا ، موضوع محتوى الكتاب ، فقد تضاربت الروايات في تحديده ؛ فرُوي أنه نصّ على أنه لولي مصر حرية التصرّف في معاقبة جماعة من المصريين ، بين القتل و الصلب ،و قطع الأيدي و الأرجل .و قيل نصّ على الأمر بالقتل و القطع و الصلب(1). و قيل فيه الأمر بالقتل فقط . و قيل أن فيه: قتل بعضهم ،و عقوبة آخرين في أنفسهم و أموالهم(2). و في روايات أخرى نصّ الكتاب على قطع الأيدي و الأرجل .و قيل قتل بعضهم و صلب آخرين(3).و قيل القطع و الصلب .و قيل القتل و الصلب .و قيل القتل و القطع(4).
و روي في أخبار أخرى أن في الكتاب أمر بضرب أعناق من ألب على الخليفة عثمان بن عفان .و قيل أن فيه القتل و إبطال الكتاب الذي مع وفد مصر .و قيل الجلد 100 جلدة ،و حلق الرأس و اللحية ، مع إطالة الحبس حتى يأتي أمر الخليفة .و قيل قطع الأيدي و الأرجل فقط(5). و قيل في خبر آخر، الحبس و حلق الرأس و اللحية و صلب بعضهم .و قيل القتل و إبطال الكتاب ، و حبس من يأتي إلى عثمان يتظلم من والي مصر(6).
__________
(1) نفس المصدر ، ج2 ص: 656 ، 666 ، 667 .و خليفة خياك : المصدر السابق ، ج1 ص: 146 .
(2) الطبري : نفس المصدر ، ج2 ص: 653 ، 662 .
(3) ابن عساكر : المصدر السابق ، ج 39 ص: 423 .و اليعقوبي : المصدر السابق ، ج2 ص: 174 .و الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 662 .
(4) المسعودي : المصدر السابق ، ج2 ص: 410 .و ابن العربي : المصدر السابق ، ص: 96 .و الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 665
(5) اليعقوبي : المصدر السابق ، ج2 ص: 1123 .و الذهبي : الخلفاء ، ص: 270 .و الطبري : نفس المصدر ، ج2 ص: 655 ، 665 .و ابن طاهر المقدسي : المصدر السابق ، ج5 ص: 202 .
(6) ابن الأثير : المصدر السابق ، ج 3 ص: 59 .و ابن عساكر : المصدر السابق ، ج39 ص: 417 .(1/47)
و أما الذين يعاقبون ، فإن معظم الروايات لم تحددهم ، و التي ذكرتهم هي الأخرى اختلفت في تعيينهم ، فمنها رواية نصت على قتل جماعة من المصريين ، حددت منهم محمد بن أبي بكر فقط .و في أخرى أن الكتاب نصّ على قطع و قتل أكثر جيش وفد مصر(1). و في أخرى أمر بالجلد ،و حلق الرأس و اللحية في حق أربعة أشخاص، و هم : عبد الرحمن بن عديس ،و سودان بن حمران ،و عروة بن النباغ الليثي ،و عمرو بن الحمق(2).
و تعقيبا على ذلك أقول : إن ما ذكرته الروايات عن الغلام و مركوبه هو أمر غريب و متناقض لا يُقبل ، فهي لم تتفق على الجمل أهو لعثمان ، أم هو من إبل الصدقة ؟ . و اختلفت أيضا في ذكر الهيئة التي كان عليها المبعوث عندما وجده المصريون . كما أنها لم تقدم لنا تفسيرا مقنعا عن الحركات البهلوانية التي كان يقوم بها الغلام ؛ فإذا كان مروان هو الذي أرسله بالكتاب إلى والي مصر ليضرب على أيدي البغاة ، فلا ريب أنه سيتخذ طريقا مغايرا لطريقهم ، ليسبقهم و لا يكتشفونه .و هذا هو الذي يتفق مع منطق التاريخ في مثل هذه الظروف ، لا أنه يسير في طريقهم ثم يقترب منهم و يعترضهم ، فهذا أمر لا يستساغ ، إلا إذا كان الغلام يمثل دورا في مسرحية خَطط لها مسبقا أعداء الخليفة و كاتبه .
و هل يُعقل أن مروان بن الحكم- الذي يصفه خصومه بالمكر و الدهاء- يخاطر بتزوير كتاب على الخليفة ثم يبعثه مع غلام يسلك ذلك الطريق ، و يصدر تلك الحركات البهلوانية ؟ إن المكر و الدهاء ،و التخطيط المحكم ، و المصلحة كل ذلك يقتضي إرسال شخص محنك غير مشبوه ، على مركوب غير ُممَيز ، لكي لا يُثير في الناس أدنى شبهة حوله ،و يتمكن من أداء مهمتة الاستعجالية في ظروف غير عادية ، إذا اُكتشف أمره فيها سيؤدي إلى حدوث فتنة لا تحمد عقباها .
__________
(1) ابن كثير : المصدر السابق ج 7 ص: 174-175 .
(2) الطبري : المصدر السابق ، ج 2ص : 655 .(1/48)
لكن الذين أرسلوا ذلك الغلام البهلواني ليُمثل الدور الذي كُلّف به ، هم ليسوا بأغبياء لأن هدفهم هو إثارة العوام ،و إقناعهم بأدلة ظاهرها صحيح ليُرجعوهم إلى المدينة ناقمين على عثمان و أعوانه ؛ لكنهم مع ذلك لم يحبكوا للقصة تفاصيلها ،و لم يملئوا فجواتها .
و مما يُثير الغرابة في أمر الغلام ، أن الروايات التي ذكرت أنه هو الذي حمل الكتاب ، لم تشر من قريب و لا من بعيد إلى أن الخليفة و الصحابة حققوا معه ليسمعوا منه تفاصيل الحكاية ،و ليعرفوا من أرسله ؛ و هذا أمر في غاية الأهمية يجب ألا يغيب عنهم . لأن سر القضية عنده ، هو الشاهد الوحيد فيها . و حتى الذين زعموا أنهم و جدوه متجها إلى مصر لم تذكر الروايات أنهم استشهدوا بأقواله ! و شهادته أقوى و أولى من الكتاب المزوّر . فهل يُعقل أن يُهمل الغلام من الجانبين ،و مفتاح القضية و سرها عنده ؟ ! ألا يشير ذلك إلى أن حكاية الغلام من الراجح جدا أنها مختلقة من أساسها ، اتخذها رؤوس الفتنة ذريعة للعودة إلى المدينة و حصار عثمان وفرض شروطهم عليه ؟ .
و أما ما ذكرته الروايات عن محتوي الكتاب فهو في غاية الاضطراب و التناقض ،و فيه تباين كبير في أنواع العقوبات ، فشتان بين القتل و الحلق،و بين القطع و الحبس ، وبين الصلب و الجلد ! ألا يثير هذا الغرابة و الضحك ؟ و هل يُعقل أن يكتب مروان بن الحكم -المتهم بالتزوير- كتابا واحدا ثم تختلف محتوياته هذا الاختلاف الكبير؟ ! و ألا يدل ذلك على أن المزوّرين قد كتبوا عدة كتب متباينة المحتوى ، ثم أرسلوها إلى الوفود ليرجعوا إلى المدينة ؟ و ألا يكون الكتابان اللذان زُوّرا على عثمان و علي-رضي الله عنهما- هما من بين تلك الكتب المزوّرة ؟ .(1/49)
و أشير هنا إلى أن اختلاف الروايات في الغلام و اسمه و مركوبه ، و تباينها الكبير في محتوي الكتاب ، يدل بالتأكيد على أحد أمرين أو كليهما معا ، أحدهما هو أن المزورين قد كتبوا مجموعة كتب و أرسلوها مع أكثر من شخص .و ثانيهما أن تلك الروايات قد تعرّضت للتلاعبات و التحريفات على أيدي الرواة .
و الشاهد الخامس هو أن الوفود الثلاثة التي غادرت المدينة عادت إليها في وقت واحد ، لذا أنكر عليهم علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- ذلك و قال لهم : هذا و الله أمر أبرم بالمدينة(1). لأن رجوعهم هذا مشبوه ، فكيف يرجعون في وقت واحد ، بعدما ساروا أياما ؟ فاتجه وفد مصر ناحية الشمال الغربي ، و اتجه وفدا الكوفة و البصرة ناحية الشمال الشرقي .
و ربما يقال أن المصريين لما اكتشفوا الكتاب أرسلوا إلى الكوفيين و البصريين فاخبروهم بالأمر ،و انتظروهم حتى رجعوا و دخلوا المدينة معا .لكن هذا الاحتمال يسقطه ما قالته طائفة من هؤلاء لعلي بن أبي طالب ، بأنه وصلهم كتاب من عنده دعاهم فيه بالعودة إلى المدينة ، فأقسم لهم بأنه لم يكتب كتابا قط . فالذي ردّ هؤلاء إّذن ليس الاحتمال المفترض ،و إنما ردهم ما وصلهم من كتب مزوّرة على لسان علي و مروان و غيرهما .
و مما يُرجّح أن الأمر قد دُبر بالمدينة بعد عودة البغاة إلى بلدانهم ، أنه رُوي أن اثنين من رؤوس الفتنة قد تخلفا بالمدينة و لم يخرجا مع الوفود ، و هما : الاشتر بن مالك النخعي ،و حكيم بن جبلة(2). فلماذا تخلفا بالمدينة و لم يرجعا مع الوفود ؟ فتخلفهما هذا فيه ما يشير إلى أنهما تخلفا لتزوير الكتب و إرسالها إلى الوفود ليعودوا إلى المدينة لتجديد الفتنة(3).
__________
(1) الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 653 .
(2) نفس المصدر، ج2 ص: 666 .
(3) ابن العربي: العواصم ، ص: 96 .(1/50)
و الشاهد السادس هو أن الذين زوّروا الكتاب على الخليفة و كاتبه كانوا يخدمون مصالحهم أولا وأخيرا ، لكن ليس لعثمان و مروان مصلحة في كتابة الصحيفة و إرسالها إلى والي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، لأن فعلهما هذا يجدد الفتنة و لا يقضي عليها . و بناء على ذلك فإن التزوير الذي حدث لا يخدم إلا مصالح رؤوس الفتنة الذين أخفقوا في تحقيق غايتهم بعدما عاد أتباعهم إلى بلدانهم ، مما دفعهم إلى ضرورة التحرك و التخطيط و السعي لإعادتهم إلى المدينة و إشعال الفتنة من جديد .
و الشاهد السابع هو أن الروايات التي تناولت قضية الكتاب المزوّر على عثمان- رضي الله عنه- قد تعرضت –ككثير من الروايات- للتلاعبات و التحريفات ،و احتوت على أباطيل و معلومات خاطئة ، بفعل الجهل و الكذب المتعمد ، الأمر الذي يحتم علينا نقدها و تمحيصها قبل الأخذ بها .
فمن ذلك أنني في بحثي هذا لم أعثر على أية رواية تناولت قضية الكتاب المزوّر على عثمان و لها إسناد صحصح . و في بعضها أخطاء مكشوفة ، كالتي ذكرت أن الوفود لما قدمت على عثمان بعث إليها عمرو بن العاص-رضي الله عنه- ، فذهب إليهم و تواطأ معهم على عثمان ، فلما سمع به و وّبخه ، طلّق عمرو زوجته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ،و هي أخت عثمان لأمه ،و التحق بفلسطين(1). و هذا خبر مكذوب مفضوح ، لأن عمرو بن العاص تزوّج أم كلثوم بعدما توفى عنها زوجها عبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنه- الذي توفي سنة 32هجرية ، فمكثت عنده- أي عند عمرو- شهرا ثم ماتت(2).
__________
(1) ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج39 ص: 423 .
(2) ابن عبد البر : المصدر السابق ، ج4 ص: 1954 . المزي : المصدر السابق /، ج35 ص: 382 .و ابن حجر : تهذيب التهذيب ، ط1 بيروت ، دار الفكر ، 1984 ، ج2 ص: 627 .و ابن سعد : المصدر السابق ، ج8 ص: 230 .و ابن الجوزي : صفة الصفوة ، ج23 ص : 55 .(1/51)
و منها أيضا أن نفس الرواية السابقة ذكرت أن الوفود التي جاءت إلى الخليفة عثمان (سنة 35ه) تشتكي إليه ولاّته ، ذكرت منهم أمير الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، من أنه يشرب الخمر و يخرج إلى الناس مخمورا(1). و الخطأ هنا هو ذكر الوليد بن عقبة في هذه الحادثة و في هذه السنة بالذات-أي 35هجرية- ، لأن هذا الرجل كان عثمان بن عفان –رضي الله عنه- قد عزله عن إمارة الكوفة سنة 30ه و عوّضه بسعيد بن العاص(2).
و منها أيضا أن رواية زعمت أن المصريين لما رجعوا بالكتاب إلى الخليفة عثمان كان معهم محمد بن أبي حذيفة و هو من بين الذين شاركوا في قتل عثمان(3). و هذا كذب مفضوح و خطأ بيّن ، إذ من الثابت تاريخيا أن محمدا هذا بقي بمصر لما خرج وفدها إلى المدينة ، و تمكّن من التغلب عليها-أي مصر- لما غادرها أميرها عبد الله بن سعد بن أبي سرح(4).
و أشير هنا إلى أنه إذا كان كثيرا من العلماء قد صدّقوا البغاة في اتهامهم لمروان بتزوير الكتاب ، فإن بعضهم لم يُسلّم بذلك و اتهم هؤلاء البغاة بالتزوير . فالمؤرخ عبد الرحمن بن خلدون قال عنهم : إنهم رجعوا إلى المدينة و (( قد لبسوا بكتاب مدلس يزعمون أنهم لقوه في يد حامله إلى عامل مصر ))(5).و برّأ الباحث محب الدين الخطيب مروان من تهمة التزوير و حمّل دعاة الفتنة ، كالأشتر النخعي و حكيم بن جبلة ، مسؤولية تزوير الكتاب(6).
__________
(1) ابن عساكر : المصدر السابق ج 39 ص: 423 .
(2) الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 608 .
(3) اليعقوبي : المصدر السابق ، ج2 ص: 175-176 .
(4) ابن كثير : المصدر السابق ، ج7 ص: 351 .و الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج3 ص: 33 .و الخلفاء الراشدون ، ص: 318 .و الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 657-658 .
(5) ابن خلدون : المصدر السابق ، ص : 216 .
(6) ابن العربي : المصدر السابق ، ص: 96 .(1/52)
و عدّ الباحث محمد الصادق عرجون قصة الكتاب بتفاصيلها أسطورة للتسلية افتراها السبئيون ، و هي لا تخرج عن فرضين ، الأول أنها حكاية مختلقة من أساسها افتعلها الثوار بالمدينة ثم تصايحوا بها .و الثاني أن الكتاب الذي وُجد مع الغلام هو من فعل الثائرين الذين زوّروا و سرقوا جملا من إبل الصدقة ،و أغروا غلاما لعثمان أو لمروان ،و أرسلوه ليقطع طريق وفد مصر(1).
و ختاما لما ذكرناه في هذا المبحث، يتبين لنا أن الشواهد و المعطيات السبعة التي أوردناها سردا ،و تحليلا ،و مناقشة ، قد كشفت بالأدلة المتنوعة القوية ، أن الكتاب لم يكتبه الخليفة عثمان ،و لم يزوّره كاتبه مروان ، و إنما هو من فعل رؤوس الفتنة الأشرار الثائرين على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان .
ثالثا :قتل الأشرار للخليفة عثمان بن عفان :
يُروى(2)أن الأشرار لما عادوا إلى المدينة ساخطين على عثمان ، متذرعين بالكتاب المُزوّر – و هم مزوروه- طلب عثمان الأشتر النخغي ليسأله عن مطالب أصحابه الثائرين، فأخبره أنهم يطلبون منه الاعتزال ، أو الاقتصاص من نفسه ، أو القتل ، فأبى عثمان الاستجابة لأي من ذلك ، فخرج الأشتر إلى أصحابه و أخبرهم بما جرى(3)؛ فأصروا على مطالبهم و استمروا في تهديداتهم و مضايقاتهم لعثمان –رضي الله عنه- ، ثم حاصروه و منعوه من الخروج مدة تراوحت ما بين : 22-49 يوما(4).
__________
(1) محمد الصادق عرجون : عثمان بن عفان ، ط2 الرياض ، الدار السعودية ، 1988 ، ص: 122 ، 125 ، 126 .
(2) هذا الخبر رواته ثقات ، ما عدا وثاب ، فلم يُجرحه و لا عدله أحد .( الهيثمي: مجمع الزوائد ، ج 7 ص: 231 ) ، و هذا الخبر من أقرب الروايات –التي عثرت عليها- إلى الصحة .
(3) نفسه ، ج 7 ص: 231 .
(4) الطبري: المصدر السابق، ج2 ص: 668 .و الذهبي: الخلفاء الراشدون، ص : 268 .(1/53)
و يُروى أنهم تسوّروا جدارا و اقتحموا عليه داره في 14 رجلا ، من بينهم محمد بن أبي بكر الذي أخذ بلحية عثمان و جذبه ،و قال له : ما أغنى عنك معاوية ، ما أغنى عنك ابن عامر-أحد ولاته- ، ما أغنى عنك كُتبك )) ، ثم استدعى رجلا من الذين كانوا معه ، فقام إلى عثمان بمشقص- نصل حديدي- و ضربه به على رأسه ، ثم تعاونوا عليه حتى قتلوه شهيدا –رضي الله عنه- ، و كان ذلك في شهر ذي الحجة، سنة 35 هجرية(1). فمن الذي قتله ؟ ،و من الذين شاركوا في قتله ؟ ،و هل صحيح أن محمد بن أبي بكر لم يُشارك في قتله ؟ .
لقد اختلفت الروايات التاريخية في تعيين القاتل باسمه اختلافا كبيرا ، فبعض الروايات ذكرت ثمانية أشخاص كل منهم اتهم بقتله ،و في روايات أخرى أن سبعة أشخاص شاركوا و أعانوا على قتله(2)، و في أخرى أن قتل عثمان تمّ جماعيا من دون تمييز للقاتل(3).
لكن الخبر قد صح أن أهل مصر هم الذين قتلوا الخليفة الشهيد عثمان بن عفان(4)–رضي الله عنه- ، فمن منهم قاتِله ؟ ، أشهر المصريين المتهمين بقتله ثمانية ، و هم : سودان بن حمران، و رومان بن وردان، و سودان بن رومان المرادي، و نهران الأصبحي، و محمد بن أبي بكر، و كنانة بن بشر ،و محمد بن أبي حذيفة، و جبلة بن الأيهم .
__________
(1) الهثمي: المصدر السابق، ج 7 ص: 231 . و الطبراني : المعجم الكبير ، ج1 ص: 81-82 . و الحاكم : المستدرك ، ج 3 ص: 102
(2) سيأتي ذكر تلك الروايات قريبا .
(3) الهيثمي: المصدر السابق، ج 7 ص: 231 .و ابن سعد : الطبقات الكبرى، ج 3 ص: 73، 74 .
(4) الهيثمي: نفس المصدر، ج 9 ص: 93 .و خليفة خياط: تاريخ خليفة خياط،حقهه أكرم العمري ، دمشق ، دار القلم، 1397،ج 1 ص: 175 .(1/54)
فبخصوص الأول –أي سودان بن حمران- فقد ذكر الطبري روايتين مفادهما أن سودان كان من بين الذين دخلوا على عثمان ،و اعتدوا عليه ،و هو الذي قتله(1). لكن الروايتين غير صحيحتين لأن إسناديهما ضعيفان(2). و تردهما أيضا روايات صحيحة الأسانيد ،و أخرى ضعيفة(3). و أما قول الذهبي من أن قاتل عثمان هو سودان بن حمران(4)، فهو مجرد رأي يحتاج إلى إثبات ، و هو لم يذكر له إسنادا ،و لا تحقيقا .
و أما الثاني – أي رومان بن وردان، فقد روى ابن عساكر، أن وردان كان من بين الذين دخلوا على عثمان ، و هو الذي ضربه بحديدة على صدغه فقتله(5). و خبره هذا هو الآخر لا يصح ، لأن إسناده ضعيف(6)، و ترده روايات أخرى آت ذكرها .
و بالنسبة للثالث –أي سودان بن رومان- ، فقد روى كل من ابن حبان و ابن عساكر أن سودان بن رومان هو قاتل عثمان(7). لكن خبرهما هذا لا يصح ، لأن ابن حِبان لم يذكر له إسنادا، و إسناد ابن عساكر فيه إرسال ، لأن راويه لم يكن شاهد عيان لما رواه(8)،و لأن روايات أخرى تخالفه(9).
__________
(1) تاريخ الطبري، ج 2 ص: 676، 677 .
(2) من رجال الأولى : سيف بن عمر التميمي ، و الثانية من رجالها : محمد بن عمر الواقدي ، و هما ضعيفان . الذهبي: الميزان ، ج 3ص: 184، 353 .
(3) سيأتي ذكرها تباعا .
(4) تذكرة الحفاظ ، ج1ص: 9 .
(5) تاريخ دمشق ، 39، ص: 429، ج 56 ص: 275 .
(6) من رجاله : سهم أبو حنيس ، و هو مجهول . البخاري: التاريخ الكبير، ج 4 ص: 193 .
(7) الثقات، ج 2 ص: 264.و تاريخ دمشق، ج 39ص: 412 .
(8) أرسله عبد الله بن أبي عبد الله المعروف بان جرول ، لأنه لم يكن شاهد عيان لحادثة قتل عثمان ، لأنه ولد بعد استشهاده .ابن عساكر: نفس المصدر، ج 27ص: 244 و ما بعدها .
(9) كالتي سبق ذكرها ،و الآتية لاحقا .(1/55)
و أما الرابع –أي نهران الأصبحي- فقد روى ابن جرير الطبري أنه هو الذي قتل الشهيد عثمان بن عفان(1). و خبره هذا لا يصح ، لأن إسناده مرسل(2)،و تخالفه الروايات السابقة و اللاحقة .
و أما الخامس – أي محمد بن أبي بكر- فقد قيل الكثير عن دوره في قتل عثمان –رضي الله عنه- و قد عثرتُ على 12 رواية ذكرت دوره في ذلك ، و قد قال الحافظ ابن كثير أن الصحيح في دور محمد بن أبي بكر في قتل عثمان ، أنه ليس هو الذي قتله ، لأنه دخل عليه ، ثم عندما كلّمه عثمان ندم و تركه و خرج(3). فهل ما قاله صحيح تؤيده الروايات التاريخية ؟ .
أولا لم أجد من بين الروايات التي جمعتها رواية واحدة نصت صراحة على أن محمد بن أبي بكر هو الذي قتل عثمان بيده ، ما عدا واحدة صحيحة الإسناد ذكرته من بين جماعة قالت أنه من قتلة عثمان(4).
__________
(1) تاريخ الطبري، ج 2 ص: 687 .
(2) لأن راويه يزيد بن أبي حبيب المصري ،و هو لم يكن شاهد عيان لما رواه ، لأنه ولد سنة 55ه، و عثمان قُتل سنة 35ه . المزي : تهذيب الكمال، ج 32 ص: 106 .
(3) البداية و النهاية، ج 7 ص: 185 .
(4) الهيثمي: مجمع الزوائد، ج 9 ص: 97 .و الطبراني: المعجم الكبير، ج 1 ص: 88 .(1/56)
و ثانيا أن سبع روايات برّأت محمد بن أبي بكر من قتل عثمان ، من بينها أربع روايات صحيحة الأسانيد(1)، ذكرت أن محمدا دخل على عثمان و شدّه من لحيته ، فلما كلّمه عثمان و أنّبه ،و قال له : (( أخذت مني مأخذا ، و قعدت مني مقعدا ، ما كان أبوك ليقعده )) ، تركه و خرج(2).
و أما الروايات الثلاث الأخرى ، فهي ضعيفة الأسانيد ، و ذكرت ما قالته الروايات الصحيحة السابقة في تبرئة محمد بن أبي بكر من القتل(3)، وبذلك فهي تتقوى بالصحيحة .
__________
(1) الأولى رواها ابن عبد البر ،و رجالها هم : أسد بن موسى الأموي،و محمد بن طلحة بن مصرف، و كنانة مولى صفية ،و ههؤلاء ثقات .( الذهبي: السير، ج 10ص: 162، 163 .و احمد العجلي: معرفة الثقات، ج 2 ص: 241، 228 . و ابن عبد البر: الاستيعاب، ج ج3 ص: 1046 . ) و الرواية الثانية، رواها خليفة خياط ،و رجالها هم : أبو المعتمر سليمان ، ،و ابنه المعتمر ، و أبو نصرة، و هؤلاء ثقات . ( ابن حبان : االثقات، ج 7 ص: 522.و الهبي: اسير، ج 4 ص: 354 .و الميزان، ج 6 ص: 515 . ) و الثالثة رواها إسحاق بن راهويه ، و رجالها بين ثقة و صدوق،و مقبول . ( إسحاق بن راهويه: مسند إسحاق بن راهويه ، حققه عبد الغفور البلوشي، ط1، المدينة المنورة، مكتبة الإيمان 1991، ق: 4-5 ، ج1ص: 262 ) .و الرابعة ذكرها الهيثمي ، رجالها ثقات على ما قاله الهيثمي: مجمع الزوائد ، ج 7 ص: 231 .
(2) ابن عبد البر: الاستيعاب، ج 3 ص: 1046 .و خليفة خياط: تاريخ خليفة، ج 1ص: 175 .و إسحاق بن راهويه : المسند ق: 4- ج1ص: 262 .و الهيثمي: المصدر السابق، ج 7 ص: 231 .
(3) انظر: خليفة خياط: المصدر السابق، ج 1 ص: 175.و ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 39 ص: 427 .و الطبري: تاريخ الطبري، ج 2 ص: 674،676 .(1/57)
و فيما يخص ما رُوي من أنه –أي محمد بن أبي بكر- ضرب عثمان عندما دخل عليه ، فقد عثرتُ على روايتين صرّحتا بذلك ، فقالتا أنه لما دخل عليه و شدّه من لحيته ثم تركه ، أخذ مشقصا و ضربه به على رأسه(1). لكنهما- أي الروايتان- لا يصحان ، لضعف إسناديهما(2)، و مخالفتهما للروايات السابقة الذكر . و مع ذلك فيوجد ما يُشير إلى أنه عندما ترك عثمان لم ينصرف عنه دون تحريض ، فقد روى ابن أبي بكر الهيثمي(3)أن محمدا عندما ترك عثمان استدعى رجلا ممن كانوا معه ، فأخذ الرجل مشقصا و ضرب به رأس عثمان(4).
و بذلك يتبين لنا أن ما قاله ابن كثير في تبرئة محمد بن أبي بكر من قتل عثمان بيده هو قول صحيح ، ، لكن ذلك لا يعني أنه لم يشارك في التحريض و الإعانة على قتله ، فذلك صحيح و ثابت في حقه .
و أما السادس –أي كنانة بن بشر التجيبي- فقد عثرتُ على أربع روايات ذكرت أنه هو الذي قتل عثمان(5). لكنها هي الأخرى لا تصح ، لأنها ضعيفة الأسانيد(6)،و تخالفها روايات سبق ذكرها ،و أخرى تأتي قريبا .
__________
(1) ابن سعد: الطبقات، ج3 ص: 73-74 . و الطبري: التاري× ج 2ص: 177 .
(2) رواهما محمد بن عمر الواقدي ، و هو ضعيف كذاب. الذهبي: الميزان، ج3 ص: 194.و ابن الجوزي: الضعفاء، ج 3 ص : 87 .
(3) خبره مقبول ، لأن رجاله ثقات ما عدا وثاب، و هو معروف دون أن يُذكر فيه جرحا و لا تعديلا . الهيثمي: المصدر السابق، ج 7 ص: 231.و ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ، ج 9 ص: 48 .
(4) الهيثمي: نفسه ج 7 ص: 231 .
(5) ابن حجر: الإصابة، ج 5 ص: 654 .و الطبري: التاريخ، ج 2 ص:177 .
(6) الأولى رواها ابن حجر بلا إسناد ، و الثلاث الباقية في كل منها محمد بن عمر الواقدي، و هو ضعيف متروك ، متهم بالكذب.(1/58)
و السابع – أي محمد بن أبي حذيفة- لا يُعرف أنه جاء مع رؤوس الفتنة إلى المدينة ، و لا شارك في قتل عثمان، إلا أن الحافظ ابن عساكر روى أن محمد بن أبي حذيفة ،و كنانة بن بشر ضربا عثمان بسيفيهما فقتلاه ،و هو يقرأ في المصحف ، فسقطت قطرة من دمه على قوله تعالى : (( فسيكفيكَهُمُ الله ))(1)-سورة البقرة/137- . لكن هذا الخبر لا يصح ، لأن إسناده ضعيف(2)، و تخالفه الروايات الصحيحة و الضعيفة التي ذكرناها آنفا، و ترده أخبار أخرى صحيحة ذكرت أن محمد بن أبي حذيفة بقي بمصر ،و استولى على الحكم بها عندما غادرها عبد الله بن سعد بن أبي سرح متوجها إلى عثمان(3).
__________
(1) ابن عساكر: المصدر السابق، 39 ص: 408 .
(2) من رجاله : محمد بن هشام المستملي،و الحسين بن عبد الله العجلي، لم أعثر عليهما في كتب الجرح و التعديل، و قال الهيثمي عن الأول ، أنه لم يجد من ذكره ، ( مجمع الزوائد، ج 1 ص: 324 ) فهما إذن مجهولان .
(3) هذه الروايات سبق ذكرها في مبحث الكتاب المزور من هذا الفصل .(1/59)
و آخرهم –أي جبلة بن الأيهم(1)- الراجح أنه هو قاتل عثمان ، فقد عثرتُ على أربع روايات صحيحة الأسانيد(2)، رواها كِنانة مولى صفية أم المؤمنين-رضي الله عنها- و مفادها أن كنانة قال أنه رأى قاتل عثمان ،و هو من أهل مصر يُقال له جبلة بن الأيهم ، قتله و خرج يصيح و يقول : أنا قاتل نعثل(3)-أي عثمان- .
لكن ذلك لا يعني أن رؤوس الفتنة الآخرين أبرياء ، و إنما المقصود أن جبلة بن الأيهم هو الذي قتله بيده، و الباقون شاركوا في قتله بالتحريض،و الإعانة و الضرب . و إذا كان هؤلاء يتحملون وزر قتل الخليفة الشهيد ذي النورين عثمان بن عفان ، فهل كانت للصحابة مشاركة في قتله ؟ .
رابعا : هل شارك الصحابة في قتل عثمان ؟ :
__________
(1) يُوجد رجلان مشهوران بهذا الاسم ، الأول غساني دخل في الإسلام ثم ارتد عنه زمن عمر بن الخطاب، و الثاني مصري، و هو الذي نتكلم عنه في بحثنا هذا . ابن سعد : الطبقات، ج 1 ص: 265
(2) الأولى رواها ابن سعد و رجالها : احمد بن عبد الله بن يونس ،و زهير بن معاوية، و كنانة مولى صفية، و هؤلاء ثقات . ( انظر: ابن أبي حاتم: الجرح و التعديل، ج 2 ص: 75.و ابن حبان : الثقات ، ج5 ص: 339 .و العجلوني: معرفة الثقات، ج2ص: 228 .و ابن حجر: النقريب، ج 1 ص: 462 ) ز الثاني رواها إسحاق بن راهويه ، و ذكر المحقق أنها مقبولة ( مسند إسحاق بن راهويه، ق: 4-5 ، ج 1ص: 262) و الثالثة رواها ابن عبد البر، و رجالها : أسد بن موسى الأموي،و محمد بن طلحة بن مصرف،و كنانة مولى صفية ، و هؤلاء ثقات . ( الذهبي: ج10ص: 162، 163 .و العجلوني: معرفة الثقات، ج2 ص: 241 ) و الرابعة ، رواها الحاكم : المستدرك ، ج 3 ص: 114 ) ، و هي نفسها التي ذكرناها في الرواية الثالثة .
(3) هو لقب أطلقه الأشرار على عثمان بن عفان، لأنهم شبهوه برجل مصري طويل اللحية يسمى نعثلا ، و النعثل هو ذكر الضباع . الذهبي: الخلفاء الراشدون ، ص: 257 .(1/60)
زعمت بعض الروايات أن الصحابة بالمدينة هم الذين حرّضوا رؤوس الفتنة على الثورة على عثمان ،و كاتبوهم بالقدوم إليه لقتله ،و أنهم شجّعوهم على ذلك ،و رضوا بقتله . فهل هذا الزعم صحيح ؟ .
أولا هذا زعم باطل ، لأن الروايات(1)التي زعمت ذلك أسانيدها ضعيفة، و تخالفها روايات أخرى صحيحة الأسانيد(2). أولها –أي الضعيفة- ما ورد في كتاب الإمامة و السياسة(3)من أن رؤوس الفتنة عندما رجعوا إلى المدينة ثانية ، اخرجوا كتابا للصحابة نسبوه إليهم ، فحواه أنهم هم الذين كتبوه و أرسلوه إليهم يطلبون منهم المجيء إلى المدينة ليُخلّصونهم من عثمان الذي ظلم و بدّل السنة ،و افسد الدين و الدنيا(4).و هذه الرواية غير صحيحة ، لأن راويها ذكرها بلا إسناد ،و هذا وحده كاف لردها كلية ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر و تحقيقه ، و من ثم فهي تصبح مجرد دعوى فارغة ، و الدعوى لا يعجز عنها أحد ،و هي رأس مال المفاليسن علميا .
__________
(1) التي عثرتُ عليها .
(2) سيأتي ذكرها قريبا إن شاء الله .
(3) هذا الكتاب منسوب لابن قتيبة (ت 276ه) ،و نسبته إليه غير ثابتة ،و الراجح أنه مكذوب عليه ، و ليس هنا مجال هذا الكتاب منسوب لابن قتيبة (ت 276ه) ،و نسبته إليه غير ثابتة ،و الراجح أنه مكذوب عليه ، و ليس هنا مجال إثبات ذلك .
(4) الإمامة و السياسة ، ج 1 ص: 52-53 .(1/61)
و لأنها أيضا هي نموذج للكتب المزوّرة التي زوّرها رؤوس الفتنة على الصحابة ، و قد سبق و أن أثبتنا بالأخبار الصحيحة أن هؤلاء زوّروا كتبا على الصحابة(1). و لأنها أيضا أن الذي رواها في كتاب الإمامة مجهول أو مشكوك فيه ، لأن هذا الكتاب غير ثابت النسبة لابن قتيبة (ت276ه) ، و مليء بالأخطاء ، لذا فالراجح أن مؤلفه مجهول مغرض كذاب(2)، و كتاب هذه حالته لا يُوثق فيه .
و الرواية الثانية مفادها أن الصحابة خذلوا عثمان بن عفان عندما حاصره الأشرار ، و لم يُدافعوا عنه ، فلما قُتل ندموا على فعلهم ، ظنا منهم أن الأمر لا يبلغ إلى قتله(3). و هذه الرواية إسنادها ضعيف ، لأن من رجالها : محمد بن عمر الواقدي ، و هو ضعيف متروك كذاب(4). و أما متنها فهو الآخر ترده روايات صحيحة تثبت دفاع الصحابة عن عثمان ،و عدم تواطئهم مع الأشرار(5).
و الثالثة ما رواه المؤرخ اليعقوبي من أن طلحة و الزبير و عائشة هم أكثر الصحابة تأليبا على عثمان(6). و خبره هذا مردود عليه، لأنه رواه بلا إسناد ، و من ثم فهو مجرد زعم ،و الزعم لا يعجز عنه أحد ، و اليعقوبي نفسه غير ثقة ، فهو معروف بأنه شيعي متعصب ، ملأ كتابه بالأكاذيب و الأباطيل و الخرافات(7).
__________
(1) انظر المبحث الثاني من هذا الفصل .
(2) ليس هنا مجال إثبات ذلك ، لكن من يطالعه سيدرك ذلك بسهولة ،و قد أنجزت بحثا حوله –لم يُنشر بعد- تبين لي من خلاله أن الكتاب ليس من لابن قتيبة ، و إنما هو كتاب لمؤلف مجهول مغرض له ميول شيعية .
(3) ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 31 ص: 360 .
(4) سبق تجريحه .
(5) سيأتي ذكرها قريبا .
(6) تاريخ اليعقوبي، ج2 ص: 123 .
(7) من ذلك الرواية التي ذكرناها .(1/62)
و الرواية الرابعة مفادها أنه في سنه 34 هجرية تكاتب الصحابة فيما بينهم أن أقدموا إلى المدينة إن كنتم تريدون الجهاد ، فالجهاد عندنا –أي في عثمان- ، فكان الناس يطعنون في عثمان و ينالون منه ،و الصحابة يسمعون ذلك و لا يُنكرونه ، و لا يذبون عنه ، إلا قلة قليلة منهم ، كزيد بن ثابت ،و كعب بن مالك(1). و هذه الرواية هي كالروايات السابقة ، إسنادها لا يصح ، لأن فيه محمد بن عمر الواقدي ،و هو متروك ، كذاب ، يمارس التقية(2). و متنها ترده أخبار صحيحة يأتي ذكرا قريبا .
و الخامسة مفادها أن الصحابة بالمدينة لما رأوا ما أحدث عثمان كتبوا إلى الصحابة الذين بالأمصار ، أن تعالوا إلى الجهاد في المدينة ، لتقيموا دين الإسلام ، فعادوا و قتلوا عثمان ، ثم تزعم الرواية أن عثمان قبل أن يُقتل أرسل إلى واليه بمصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح كتابا يأمره بمعاقبة وفد مصر القادم إليه ، لكن الكتاب اكتشف و عادوا إليه ناقمين(3).
__________
(1) الطبري: المصدر السابق، ج 2 ص: 644 .
(2) ابن الجوزي: الضعفاء، ج 3 ص: 87 .و الذهبي: الميزان ، ج3 ص: 184 .و ابن النديم : الفهرست ،بيروت ، دار المعرفة، 1978، ج1 ص: 144 .
(3) الطبري: المصدر السابق ، ج2 ص: 662 .(1/63)
و هذا الخبر هو أيضا لا يصح ، فإسناده فيه : محمد بن إسحاق بن يسار ، و هو متهم بالكذب و يُدلّس ، قال عنه الدارقطني لا يُحتج به ،و ضعّفه يحيى بن معين ،و وثّقه مرة أخرى(1). و متنه مُنكر ، لأنه سبق و أن أثبتنا أن الذي زوّر الكتاب الذي أظهره الأشرار ، ليس عثمان ،و لا كاتبه مروان ، و إنما الأشرار هم الذين زوّروه(2)،و قد أثبتنا سابقا أن الذين قتلوا عثمان هم أهل مصر ،و أن جبلة بن الأيهم هو الذي قتله بيده . كما أن هذا الخبر فيه تناقض صارخ ، فهو يزعم أن الصحابة قدموا من الأمصار و قتلوا عثمان ، ثم هو من جهة أخرى يقول أن وفد مصر حصر المدينة ثم رجع إلى بلده ، و في الطريق عثروا على الكتاب فرجعوا إلى عثمان غاضبين عليه . و هذا يعني أنهم هم الذين قتلوا عثمان ، و ليس الصحابة ، فهذا تناقض صارخ يدل على تلاعب الكذابين بهذا الخبر .
و الرواية السادسة مفادها أن الأشرار لما حاصروا عثمان ، حرّضهم الصحابة على منع الطعام و الشراب عنه(3).و هذا الخبر هو من أباطيل مؤلف كتاب الإمامة و السياسة المجهول ، فقد رواه بلا إسناد(4)، و من ثم فهو مردو عليه ، و متنه هو الآخر مُنكر ترده أخبار صحيحة في دفاع الصحابة على عثمان ، سنذكرها قريبا إن شاء الله تعالى .
__________
(1) السيوطي : طبقات الحفاظ ، ط1 ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1403 ،ج 3 ص: 81 .
(2) انظر المبحث الثاني من الفصل الثاني .
(3) الإمامة و السياسة ، ج 1 ص: 57 .
(4) لم يذكر لكل خبر إسناده ، و إنما اكتفى في الغالب الأعم ذكر بذكر راويين زعم أنه حدث عنهما ، و هما : ابن أبي مريم ،و سعيد بن عفير ، و كان يُكرر : قال : و ذكروا .. . أنظر : الإمامة و السياسة ، موفم للنش ، الجزائر ، 1989، ج 1 : 5، 81، 84، 85 .و هذه طريقة يرفضها علم الجرح و التعديل ، هذا فضلا على أن مؤلف الكتاب مجهول ، مما يعني أن أخبار كتاب الإمامة و السياسة ، ليس لها أسانيد صحيحة .(1/64)
و الأخيرة – أي السابعة- مفادها أن الصحابي عمار بن ياسر-رضي الله عنه –أيد قتل عثمان ، عندما جاء التابعي مسروق إلى الأشتر النخعي و قال له عن عثمان : قتلتموه صواما قواما ، فاتصل الأشتر بعمار و أخبره بالأمر ، فقال عمار : إن عثمان جلدني،و سيّر أبا ذر الغفاري ،و حمى الحمى ، لذا قتلناه ، فقال له مسروق : فو الله ما فعلتم واحدة من اثنين ، ما عاقبتم بمثل ما عُوقبتم به ،و ما صبرتم ، فهو خير للصابرين ، فسكت عمار و الأشتر ، و كأنهما أُلقما حجرا(1).
و هذا الخبر هو الآخر لا يصح ، لأن في إسناده : الحسن بن أبي جعفر الجفري،و مجالد بن سعيد ، و هما ضعيفان(2). و متنه فيه ما يدل على تحريفه و تلاعب الرواة به ، و ذلك أنه زعم أن عمار بن ياسر قال أن عثمان سيّر أبا ذر الغفاري –أي أخرجه من المدينة - و هذا زعم باطل لأنه صحّ الخبر أن أبا ذر –رضي الله عنه- هو الذي اختار اعتزال الناس و الخروج إلى الربّذة بضواحي المدينة،و لم يُكرهه عثمان على ذلك(3).
__________
(1) الهيثمي: مجمع الزوائد، ج 9 ص: 94-95 . و الطبراني: المعجم الكبير ، ج 1 ص: 81 .
(2) الذهبي: الميزان ، ج 6 ص: 63.و ابن الجوزي: الضعفاء، ج3 ص: 35 .و الهيثمي: مجمع الزوائد، ج9 ص: 94-95 .
(3) أنظر: البخاري: الصحيح ، حققه ديب البغا، ط3 بيروت ، دار ابن كثير، 1987، ج2 ص: 509 . و ابن سعد : الطبقات ، ج 4 ص: 226 .و الذهبي: السيّر ، ج 2 ص: 60، 67 .(1/65)
و ثانيا أن مما يُبطل دعوى مشاركة الصحابة في قتل عثمان و رضاهم بقتله ، أنه توجد أخبار صحيحة(1)تنفي ذلك الزعم ، أولها أنه صحّ الخبر أن عائشة أم المؤمنين ،- رضي الله عنها- أنكرت قتل عثمان ،و نفت أية مشاركة لها في قتله ،و أنكرت أيضا أن تكون أرسلت كتبا إلى الأشرار ليثوروا على عثمان و يقتلونه ،و قد تبيّن أن رؤوس الفتنة هم الذين زوّروا تلك الكتب و نسبوها للصحابة(2).
__________
(1) هذا فضلا على أن الروايات التي زعمت مشاركة الصحابة في قتل عثمان قد ناقشناها و أثبتنا بطلانها .
(2) انظر المبحث الثاني من الفصل الثاني .(1/66)
و ثانيها أن عائشة لما سُئلت عمن قتل عثمان بن عفان ، قالت ، : (( قُتل مظلوما ، لعن الله من قتله ))(1). و ثالثها أنه صحت الروايات عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنه أنكر قتل عثمان ، و نفى أن يكون له أي دور في قتله ، من ذلك أنه قال يوم مقتل عثمان : (( اللهم لم أقتل و لم أمال ))(2). و كان هو و عائشة يلعنان(3)قتلة عثمان(4). و قد صح! الخبر(5)أنه قال : (( و الله ما قتلت عثمان ،و لا أمرتُ بقتله ،و لكن غُلبت )) . و رابعها أنه صحّت الرواية(6)عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنه- أنه كان ينهي عن قتل عثمان ،و يُعظم شأنه(7).
__________
(1) هذا الخبر صحيح الإسناد ، على ما ذكره الهيثمي . مجمع الزوائد ، ج 9 ص: 97 .
(2) الخلال : السنة، ج 2 ص: 328 .
(3) الخبر صحيح ، و رجاله : عبد الله بن أحمد بن حنبل ، و أبوه أحمد ، و محمد بن الحنفية ،و أبو معاوية ، الضرير، و أبو مالك الأشجعي، و سالم بن أبي الجعد ، و الثلاثة الأوائل ، ثقات ،و الباقون هم أيضا ثقات . انظر : الذهبي: السيّر، ج3 ص: 249، ج6 ص: 184، 249، ج5 ص: 108 .
(4) عبد الله بن أحمد : فضائل الصحابة ، ج1 ص: 455 .
(5) رجاله هم : عبد الرزاق بن همام ،و معمر بن راشد، و عبد الله بن طاوس ، و أبوه طاوس، الأولان ثقتان مشهوران ،و الأخيران هم أيضا ثقتان . انظر: ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 5 ص: 234 . و التقريب ، ج 1 ص: 281 .
(6) الخبر صحيح على ما قاله محقق تاب السنة للخلال ، ج 2 ص: 329 .
(7) نفسه ج 2 ص: 329 .(1/67)
و الرواية الخامسة أنه صح الخبر(1)أن الصحابي عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- كان ينهي الأشرار عن قتل عثمان،و يقول لهم : لا تقتلوا عثمان ، فو الله لئن قتلتموه لا تصلوا جميعا أبدا ))(2). و عندما قتلوه قال لهم(3): (( يا أهل مصر ، يا قتلة عثمان قتلتم أمير المؤمنين ، أما و الله لا يزال عهد متلوف، و دم مسفوح ))(4).
و الرواية السادسة(5)مفادها أن لما حوصر عثمان في داره كان معه 700 شخص ليدافعوا عنه ، كان من بينهم كثير من الصحابة و أبنائهم ، كعبد الله بن عمر،و الحسن بن علي ،و عبد الله بن الزبير ، لكن عثمان أمرهم بعدم القتال(6).
و السابعة –صححها المحقق- مفادها أنه لما حوصر عثمان بن عفان أرسل الأنصار الصحابي زيد بن ثابت –رضي الله عنه- إلى عثمان يُخبروه أنهم مستعدون للدفاع عنه بالسيف ، فأبى عثمان القتال من أجله(7).
و الرواية الثامنة(8)مفادها أن صفية أم المؤمنين –رضي الله عنها- خرجت لترد عن عثمان ، فلقيها الأشتر النخعي فضرب وجه بغلتها حتى مالت ، فقالت صفية لمولاها كِنانة : (( ردوني لا يفضحني هذا الكلب )) ، فلما رجعت وضعت خشبا بين منزلها و منزل عثمان ليُنقل عليه الطعام و الشراب ))(9), فموقفها هذا مثال رائع لدفاع بعض أمهات المؤمنين عن الخليفة الشهيد عثمان بن عفان .
__________
(1) صححه محقق كتاب السنة للخلال ، ج2 ص: 335 .
(2) نفسه ، ج 2 ص: 335 .
(3) الخبر صححه الهيثمي. مجمع الزوائد ، ج9 ص: 93 .
(4) الهيثمي : مجمع الزوائد ، ج 9 ص: 93 .
(5) صحيحة حسب المحقق . الخلال : نفس المصدر السابق، ج 2 ص: 334 .
(6) نفسه ، ج2 ص: 334 .
(7) نفسه ، ج2 ص: 333 .
(8) صحيحة الإسناد ،و رجالها : علي بن الجعد،و زهير بن معاوية، و كنانة مولى صفية ؛ و هؤلاء ثقات . انظر: ابن حجر: التقريب، ج 1ص: 398.و الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 20 ص: 342 .و العجلوني: معرفة الثقات ، ج 2 ص: 228 .
(9) علي بن الجعد : مسند ابن الجعد ، ج1 ص: 390 .(1/68)
و آخرها – أي السابعة – أنه ثبت مما سبق ذكره أن الذين ألبوا على عثمان ، و ثاروا عليه و قتلوه ، هم رؤوس الفتنة و أتباعهم ،و ليس الصحابة رضي الله عنهم .
و الدليل الأول و القوي على عدم مشاركة الصحابة من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار ، أنه قد صح الحديث عن رسول الله-عليه الصلاة و السلام –أنه قال لعثمان : (( يا عثمان إن الله مُقمصك قميصا ، فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه ))(1). فهذا الحديث الشريف نص على أن الذين ثاروا على عثمان و قتلوه هم منافقون . و الصحابة الذين ذكرناهم ليسوا منافقين بشهادة القرآن الكريم فهم الذين قال الله تعالى فيهم : ((-{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} - سورة التوبة/100- فهؤلاء الصحابة كلهم كانوا مؤمنين مشهود لهم بالإيمان ،و ليسوا من المنافقين ، و من ثم فليسوا هم الذين ثاروا على عثمان ،و لا هم الذين قتلوه ، لأن الذين فعلوا ذلك نص الحديث على أنهم من المنافقين .
__________
(1) أحمد بن حنبل : المسند ، ج 6 ص: 86 ، 149 . و أبو بكر الخلال : السنة ، ج 2 ص: 321 ، و 326 . و ابن ماجة : السنن ، ج 1 ص: 41 . و الألباني : الجامع الصغير ، المكتب الإسلامي ، بيروت، ج 1 ص: 1391 .(1/69)
لكن إحقاقا للحق أقول : إن قلة قليلة من الصحابة المغمورين رُوي-أقول رُوي- أنهم شاركوا في التأليب على عثمان و قتله ، و هم : زيد بن صوحان، و حندب بن زهير، و عبد الله بن بديل بن ورقاء، و عبد الرحمن بن عديس ،و عمرو بن الحمق، الثلاثة الأولون اُختلف فيهم و لم تثبت صحبتهم(1), و الاثنان الأخيران ثبتت صحبتهما ، فعبد الرحمن بن عديس رُوي أنه شهد بيعة الشجرة ، و كان على رأس وفد مصر ،و شارك في حصار عثمان .و عمرو بن الحمق يُروى أنه أسلم في حجة الوداع(2)،و كان من بين الأربعة الذين تسوّروا على عثمان داره و شارك في قتله ، لكن هذا لم يثبت ، فقد عثرتُ على أربع روايات أشارت لذلك لم تصح أسانيدها ، فالأولى ذكرها ابن سعد ،و قال فيها أن عمرو بن الحمق كان من بين الذين أعانوا على قتل عثمان(3)، دون أن يذكر لها إسنادا .
__________
(1) انظر: ابن عبد البر : الاستيعاب، ج 2ص: 555-556 .و ابن حجر: الإصابة ، ج 2 ص: 647 .و ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج11 ص: 303-304 .و المِزي: تهذيب الكمال، ج 14 ص: 325 .و ابن حبان: مشاهير العلماء، ج 1 ص: 83.
(2) عنهما انظر : ابن عبد البر: نفس المصدر، ج 2 ص: 840.و ابن سعد : الطبقات الكبرى ، ج7 ص: 509 .و ابن عساكر: المصدر السابق، ج 35 ص: 109 . و المِزي: المصدر السابق ، ج 21 ص: 196 .
(3) الطبقات الكبرى، ج 6 ص: 25 .(1/70)
و الثانية رواها ابن عبد البر، أشار فيها إلى أن عمرو بن الحمق كان من بين الأربعة الذين دخلوا على عثمان(1)، دون أن يذكر لها إسنادا .و الثالثة رواها ابن سعد ، و فيها أن عمرو بن الحمق دخل الدار و طعن عثمان بعدة طعنات(2). لكن إسنادها لا يصح ، لأن من رجاله : محمد بن عمر الواقدي، و هو معروف بأنه متروك ضعيف، كذاب يمارس التقية(3). و الأخيرة –أي الرابعة- رواها الطبري ،و فيها أن عمرو بن الحمق، كان من بين الذين دخلوا على عثمان ،و طعنه عدة طعنات(4). و هي الأخرى إسنادها لا يصح ، لأن من رجاله محمد بن عمر ، و قد تقدم ذكر حاله .
و بذلك يتبين لنا أن الصحابة الذين من الراجح أنهم شاركوا في التأليب على عثمان هما اثنان مغموران ؛ شاركا في التحريض عليه و لم يقتلاه ، و هما ليسا من السابقين الأولي و لا يدخلان في الآية السابق ذكرها ، و موقفهما هذا –إن صحّ- فهو استثناء يُؤكد ما قلناه عن عدم مشاركة الصحابة في قتل عثمان .
و أما عن سبب مشاركتهما في الثورة على عثمان ، فلعلهما اجتهدا فأخطآ ،و التبس عليهما الأمر ، بتأثير من دعايات و أكاذيب رؤوس الفتنة ، فاستزلهما الشيطان ، و صدق عليهم قوله تعالى : (( و فيكم سماعون لهم ))- سورة التوبة / 47 - ،و ربما يصدق عليهم قوله تعالى : (( منكم من يريد الدنيا ، و منكم من يريد الآخرة )) –سورة آل عمران / 152 - و الله أعلم بالصواب .
و هنا يفرض علينا سؤال نفسه ، مفاده : بما أن الصحابة لم يُشاركوا في قتل عثمان ،و ما رضوا بقتله ، فلماذا لم يمنعوا الأشرار من قتله ؟ ؟ .
__________
(1) الاستيعاب، ج 3 ص: 1173 .
(2) الطبقات، ج 3 ص: 73-74 .
(3) سبق ذكر حاله .
(4) تاريخ الطبري، ج 2 ص: 177 .(1/71)
أولا إن أهم سبب حال دون الصحابة من منع الأشرار من قتلهم لعثمان-رضي الله عنه- ، أنه هو شخصيا-أي عثمان- منعهم من القتال عنه ،و قد كان معه 700 رجل من الصحابة و أبنائهم ،و قد طلبوا منه قتال الأشرار فلم يأذن لهم بقتالهم(1)، لكي لا تُسفك الدماء بسببه ؛ لأنه كانت معه أحاديث نبوية- صحيحة- أوصاه فيها رسول الله –عليه الصلاة و السلام- بالصبر و عدم عزل نفسه إذا طُلب منه ذلك ، فقال له في الحديث: (( إن الله لعله يُقمصك قميصا ، فإن أرادوك على خلعه ، فلا تخلعه )) ،و في حديث آخر ، أن رسول الله عهد إليه عهدا حثّه على التمسك به ، لذا عندما حاصروه أصر على موقفه و صبر على البلاء(2). كما أنه ربما كان يأمل أن الأشرار سيرفعون عنه حصارهم دون قتال .
و ثانيا يبدو أن الصحابة الكرام كانوا يرون أن الأمر سينفرج و لا يطول ، و سيرفع الأشرار حصارهم عن عثمان بن عفان، و لا يصل بهم الأمر إلى ارتكاب جريمة قتل خليفة المسلمين .
و ثالثا إنه واضح من الروايات الصحيحة –التي سبق ذكرها- أن عملية قتل عثمان تمت بالحيلة و المكر ، و ذلك أن مجموعة المجرمين الذين قتلوه تسوّروا عليه الدار ،و لم يأتوها من بابها ، في غفلة من الصحابة –و من معهم- الذين كانوا يحرصونه ، فلم ينتبهوا للقتلة إلا بعد تنفيذ جريمتهم ، و إلا ما كانوا يتركونهم يدخلون عليه ليقتلوه .
و رابعا إن الأشرار كانت لهم شوكة في المدينة ،و هم في نحو 2000 أو أكثر ، مقابل أهل المدينة الذين ربما لم يكن فيهم العدد الكافي للتصدي لهؤلاء ، لأن أهلها كانوا في الحج و الثغور، الأمر الذي مكّن الثائرين من الإسراع في ارتكاب جريمتهم قبل أن تصل الإمدادات من الأقاليم لنجدة الخليفة(3).
__________
(1) انظر المبحث الرابع ، و الخلال : السنة ، ج 2 ص: 338، 334 .
(2) الخلال،: السنة ، ج 2 ص: 326، 327 .
(3) ابن كثير: البداية ، ج7 ص: 197 .(1/72)
و أخيرا أقول : إن الخليفة الشهيد عثمان بن عفان قًتل مظلوما ،و كان قتله جريمة شنعاء، جرّت على الأمة و الويلات ، وفرّقتها شيعا و أحزابا ،و ما تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا ؛ و صدق من قال عن عثمان : (( هو أمير البررة، و قتيل الفجرة ،و مخذول من خذله ، منصور من نصره ))(1).
خامسا: مصير رؤوس الفتنة بعد قتلهم للشهيد عثمان :
التحق رؤوس الفتنة –بعد قتلهم لعثمان- بجيش علي بن أبي طالب في خلافه مع أهل الشام ، فانتقم الله تعالى منهم ، بأن كان مصير معظمهم القتل ،و كثير منهم قُتل شر قتلة ، أذكر منهم 18 رأسا ، كعينات عن مصيرهم .
أولهم الأشتر النخعي ، دعت عليه عائشة أم المؤمنين ،و وصفته صفية أم المؤمنين بأنه كلب ،و قد اعترف –لما قُتل عثمان- بأن هذه الأمة قتلت خير أهلها(2)–أي عثمان- ،و الأمة التي قصدها هي أصحابه الأشرار .و عندما عينه علي واليا على مصر و أرسله إليها (سنة 37ه)، شرب في الطريق شربة عسل مسمومة فقتلته ، فقال فيه عمر بن العاص : (( إن لله جنودا من عسل ))(3)
و ثانيهم محمد بن أبي حذيفة ، كان شديدا على عثمان ، فأنكر جميله و طعن فيه ،و دعا إلى خلعه ، فلما قُتل –أي عثمان- عينه علي واليا على مصر، فقتله شيعة عثمان بفلسطين سنة 36هجرية(4). و ثالثهم محمد بن أبي بكر ، دعت عليه عائشة أم المؤمنين ،و سماه الحسن البصري بالفاسق ،و لما عيّنه علي واليا على مصر ، التقى به جيش لمعاوية فكسره و قتله ، ثم اُدخل في جوف حمار و اُحرق ، سنة 83 هجرية(5).
__________
(1) نفس المصدر، ج7 ص: 199 .
(2) الهيثمي: مجمع الزوائد ، ج 9 ص: 97 .و ابن الجعد : مسند ابن الجعد ، ج 1 ص: 390 .
(3) البخاري: التاريخ الكبير، ج 7 311 .و التاريخ الصغير، ج 1 ص: 95 .
(4) الذهبي: الخلفاء الراشدون ، ص: 365.و ابن حجر: الإصابة، ج 6 ص: 10-11 .
(5) الهيثمي: مجمع الزوائد، ج9 ص: 97.و الذهبي: المصدر السابق، ص: 364 .(1/73)
و رابعهم حُكيم بن جبلة ، شارك في موقعة الجمل –مع جيش علي- فقُطعت رجله ، ثم أُجهز عليه فمات ، سنة 36هجرية(1). و خامسهم سودان بن حمران ، رُوي أن أحد غلمان عثمان قتله عندما دخل عليه يوم الدار(2). و سادسهم كِنانة بن بشر ، قيل أنه قُتل يوم مقتل عثمان ،و قيل أنه قُتل مع محمد بن أبي بكر على يد جيش معاوية بن أبي سفيان سنة 36 هجرية(3).
و سابعهم عمرو بن الحمق، قاتل مع علي بن أبي طالب في معاركه، و كاتب الحسين بالخروج إلى الكوفة ، فخانه و خذله ، ثم ندم و تاب ،و خرج مع المطالبين بدم الحسين ، و في سنة 50ه قتله الأمويون ،و قيل مات بسبب حية لدغته(4). و ثامنهم عدي بن تميم دعت عليه عائشة أم المؤمنين ، و مات مقتولا على يد رجل دخل عليه داره(5). و تاسعهم عمير بن ضابيء ، قتله الحجاج بن يوسف(6). و عاشرهم عبد الله بن بديل الخزاعي ، دعت عليه أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنه- ،و قتل في معركة صفين سنة 35 هجرية(7).
و الحادي عشر هو عبد الرحمن بن بديل الخزاعي –أخ السابق- ، دعت عليه عائشة أم المؤمنين ، و قُتل مع أخيه في معركة الجمل ، و كانا في جيش علي بن أبي طالب(8). و الثاني عشر هو عبد الرحمن بن عديس البلوي، وقع تحت قبضة جيش معاوية فسجنوه ، ثم تمكن من الفرار ، لكنه قُتل بجبل لبنان سنة 36 هجرية(9).
__________
(1) الذهبي: نفس المصدر، ص: 297 .
(2) مقتل الشهيد عثمان ، ص: 218 .
(3) نفس المصدر، ص: 219 .و ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج50، ص: 257-258 .
(4) ابن سعد: الطبقات، ج6 ص: 25 .و المِزي: تهذيب الكمال ، ج 21 ص: 596 .
(5) البخاري: التاريخ الصغير، ج 1 ص: 95 .
(6) ابن كثير: البداية ، ج 9 ص: 9 .
(7) الهيثمي: مجمع الزوائد، ج9 ص: 97 .و ابن عبد البر: الاستيعاب، ج 3 ص: 872 .
(8) نفسه ، ج 9 ص: 97 .و نفسه ، ج 3 ص: 872 .
(9) ابن عساكر: المصدر السابق، ج 35 ص: 108 .(1/74)
و الثالث عشر هو زيد بن صوحان ، ندم على مشاركته في قتل عثمان ،و قال : (( غزونا القوم في ديارهم ،و قتلنا إمامهم ، فليتنا إذ ظلمنا صبرنا ،و لقد مضى عثمان على الطريق ))،و قُتل في معركة الجمل سنة 36ه ، و رُوي أن عائشة ترحّمت عليه ، ضمن الذين ترحّمت عليهم من قتلى المعركة(1).
و الرابع عشر هو كميل بن زياد النخعي ، كان مغاليا في علي بن أبي طالب، قتله الحجاج بن يوسف (سنة 82ه )، عندما قدم إلى الكوفة و علِم أنه من قتلة عثمان(2). و الخامس عشر هو شبث بن ربعي التميمي ، أصبح من رؤوس الخوارج الثائرين على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- و كان من بين الذين أعانوا على قتل الحسين بن علي ، ثم فارق الخوارج و تاب عما كان عليه ،و تُوفي سنة 70 هجرية(3).
و السادس عشر هو حرقوص بن زهير المعروف بذي الخويصرة ، خرج على علي بن أبي طالب ، و أصبح رأسا في الخوارج ،و قُتل معهم سنة 37 هجرية(4).و السابع عشر هو جندب بن زهير الغامدي ، قُتل في معركة صفين سنة 37ه ، و كان في جيش علي بن أبي طالب(5).
__________
(1) معمر بن راشد : الجامع ، حققه حبيب الأعظمي، ط2 بيروت، المكتب الإسلامي،1403، ج 11ص: 289 . و ابن عيد البر: الاستيعاب، ج 2 ص: 556 .
(2) ابن حبان : المجروحين، ج 2 ص: 221 .و ابن سعد: الطبقات ج6 ص: 197 . و ابن حجر: الإصابة ، ج 5ص: 653 .
(3) الذهبي: الميزان ، ج 3 ص: 361 . و السيّر ، ج 4 ص: 150 .
(4) الطبري: التاريخ ، ج 2 ص: 544، ج3 ص: 122 .
(5) المِزي: المصدر السابق، ج 5 ص: 141-142 .(1/75)
و آخرهم – أي الثامن عشر- هو عبد الله بن سبأ المعروف أيضا بابن السوداء ، نشط بقوة في نشر ضلالاته و أباطيله –بعد مقتل عثمان- بين شيعة علي ، مما جعل عليا يتصدى له و لطائفته ، فاحرق بعضهم و ردّ على ضلالاتهم ، إلا أنه اختلفت الروايات في مصير كبيرهم ابن السوداء ، فقيل أن عليا أحرقه مع أصحابه ،و قيل بل نفاه إلى مدائن كسرى – جنوب بغداد -، فبقي بها إلى أن مات(1). و ذكر شيخ الإسلام بن تيمية أن عليا أراد قتل ابن سبأ فكُلّم فيه ، فقال : لا يساكنني في بلد أنا فيه ، فنفاه إلى المدائن ، و تركه خوفا من الفتنة في جيشه من أن تغضب له بعض العشائر(2).
و يبدو أن الرأي القائل بنفيه إلى المدائن هو الأرجح ، لأنه صحّ الخبر أن عليا كان يشتكي من عبد الله بن سبأ ،و يعترف بعجزه في قتله ، فكان يقول: (( من يعذرني من هذا الحميت ، الذي يكذب على الله و رسوله ، لو لا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة تنعي عليّ دمه كما اُدعيت عليّ دماء أهل النهر –أي معركة النهروان مع الخوارج- لجعلت منهم ركاما ))(3).
و لأنه أيضا أنه رُوي أن ابن سبأ كان ما يزال حيا عندما قُتل علي بن أبي طالب سنة40ه ، فقد سبق و أن ذكرنا أن الجاحظ روى أن جرير بن قيس ذهب إلى المدائن –بعد مقتل علي- فوجد بها ابن سبأ ما يزال حيا ، و أخبره بموت علي ، فأنكر أن يموت(4).
كما أن الطائفة السبئية استمرت في نشر ضلالاتها و تجميع نفسها –بعد مقتل علي- ،و كان لها أتباع منذ القرن الأول الهجري و ما بعده(5)، مما يشير إلى أنه كان لابن سبأ دور في ذلك التجميع و النشاط ،و هذا يعني أن عليا لم يقتله .
__________
(1) ابن تيمية: الصارم المسلول، ج 3 ص: 1100-1101 .و أبو عبد الله الذهبي: صدق النبأ ، ص: 78، 79 .
(2) الصارم المسلول ، ج3 ص: 1101 .
(3) انظر ؟ ثانيا من الفصل الأول .
(4) انظر ثانيا من الفصل الأول .
(5) سبق تناول هذا الموضوع في المبحث الثاني من الفصل الأول .(1/76)
و بذلك يتبين- مما ذكرناه- أن معظم رؤوس الفتنة قُتلوا مباشرة بعد قتلهم للشهيد عثمان ، بين سنتي : 36-38ه ، فانتقم الله تعالى منهم ، فلم يمهلهم و لا أهملهم ،ولا تمتعوا بالدنيا التي كانوا يرجونها ، إلا قلة قليلة منهم تابت و رجعت عن غيها ، لكن ابن سبأ وأصحابه استمروا في نشر ضلالاتهم و أباطيلهم ، تنفيذا لخطة مرسومة سلفا .
سادسا: المكر و التخطيط ، الأسباب و الآثار :
يتبين للباحث في حوادث الثورة على عثمان و قتله ، أن رؤوس الفتنة ما كانوا يتحركون خبطة عشواء ،و إنما كانت لهم قياداتهم و خططهم و مكائدهم ، و أهدافهم المبيتة ، ففيما تمثل ذلك ؟ و ما هي مظاهره و آثاره ؟ .
أولا(1)إنهم استخدموا وسائل اتسمت بالمكر و الخداع ، و التزوير و التدليس ، فخدعوا العوام ،و استمالوا المغفلين و الطامعين و الحاسدين ، و هيجوا الجميع و حرّضوهم على الخليفة و ولاته . و كانوا في تحركاتهم يتنقلون بين الأمصار تنسيقا لخططهم و تنفيذا لها ، و عندما قرروا تنفيذ جريمتهم خرجوا في ثلاثة وفود من مصر و البصرة و الكوفة ، خرجوا كلهم في وقت واحد متظاهرين بالخروج إلى الحج و توجهوا كلهم إلى المدينة لا إلى مكة .
و عندما وصلوا إلى المدينة و استجاب لهم الخليفة كرّوا راجعين إلى أوطانهم ، لكنهم سرعان ما عادوا كلهم في وقت واحد إلى المدينة رغم اختلاف اتجاهاتهم لينفذوا جريمتهم ، متذرعين بحكاية الكتاب المزوّر ، الذي أثبتنا أنهم هم الذين زوّروه .
و يتضح للناظر في الثائرين على عثمان ، أنهم كانوا على ثلاثة أصناف ، أولها عوام مخدوعون ،و ثانيها رؤساء طماعون حسادون مخادعون ، و ثالثها منافقون زنادقة مكارون ،و العوام المخدوعون هيجهم ما كان يُروّجه الرؤساء و المنافقون من أكاذيب على الخليفة و ولاته .
__________
(1) ما نذكره في هذا المبحث لا نوثّقه لأنه مجرد استنتاجات من معطيات سبق ذكرها .(1/77)
و وجود السبئية -فكرا و طائفة -دليل قاطع على وجود المكر و التآمر و التخطيط الشيطاني لضرب الدين و الدولة ،و البلاد و العباد ، لأن ما رَوّجت له السبئية من ضلالات و أباطيل و كفريات ، هو أمر غريب كلية عن المجتمع الإسلامي ، و لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يقول مسلم صادق الإيمان بتلك الأفكار ، خاصة و أن ذلك العهد كان قريبا من نور النبوة ،و الصحابة الكرام ما زالوا على قيد الحياة ، لأن تلك الأفكار السبئية تتناقض مع الإسلام و التاريخ الصحيح جملة و تفصيلا ، فدل كل ذلك على وجود السبئية التي بثت بين أتباعها النفاق و الزندقة ،و الرفض و الغلو ،و الكفر و الإلحاد ، تنفيذا لخطة غاياتها مرسومة سلفا .
كما أنه يتبين للمتتبع لتحركات رؤوس الفتنة و أتباعهم ، أنهم كانوا مصرين على أفكارهم ،و لم ينفع معهم الترغيب و لا الترهيب ، فسيّرهم عثمان إلى الشام ، ثم أعادهم إلى بلدانهم ،و استجاب لمطالبهم عندما جاءوا إلى المدينة ، فعادوا إلى بلدانهم ثم كروا راجعين إليها بكتابهم المزوّر، و حاصروا عثمان ، فلم يهدأ لهم بال حتى قتلوه شهيدا ، فهذا الإصرار دليل على وجود رؤوس ماكرة منافقة ، تُخطط و تُوجه ،و تغير أساليبها حسب الظروف المحيط بها ، لتحقيق أهدافها الدنيئة المبيتة سلفا .
و نحن في إبرازنا لظاهرة الكيد و التآمر في الثورة على عثمان ، لا نبالغ في تضخيم ذلك و لا نلغيه ، لأنه من الخطأ تجاهله و تقزيمه ، و من الخطأ أيضا نفخه و تجعيده و تضخيمه ،و إنما مقصودنا إثبات أن الثورة على عثمان و فنله ، لم يكن عملا عشوائيا ،و إنما كان له رؤوس ماكرة متآمرة استغلت الظروف الاجتماعية و السياسية لصالحها، مستخدمة في ذلك مختلف الوسائل المًُتاحة لها .(1/78)
و ظاهرة المكر و التآمر على المسلمين حقيقة تاريخية ثابتة ، منذ بداية الدعوة الإسلامية إلى يومنا هذا ، فقد سجل القرآن الكريم -في آيات كثيرة - تآمر المشركين و اليهود على المسلمين ، و في تاريخنا شواهد كثيرة تثبت ذلك بالأدلة القاطعة ، كحركة الردة ،و الزنادقة، و الزنج، و الرواندية ،و البابكية ،و الحروب الصليبية ،و الغزو المغولي،و الاستعمار الغربي و الشيوعي للعالم الإسلامي ،و ضياع فلسطين من يد المسلمين ، و الغزو الثقافي و الاقتصادي و الإعلامي الحديث ، كل ذلك يُثبت أن التآمر و الكيد للمسلمين هما حقيقتان ثابتتان ، لكنهما لم يهزما المسلمين عندما كانوا أقوياء ، و هزماهم عندما تركوا دينهم ، فضعفوا و تفرّقوا و تكالب عليهم اليهود و النصارى و الهندوس و غيرهم .(1/79)
و ثانيا ربما يُقال : إن هذا البحث ركّز على رؤوس الفتنة و أعمالهم و مصيرهم ،و لم يتطرق لأسباب ثورة هؤلاء على الخليفة عثمان ، فربما كانت لهم أسباب و أعذار موضوعية في ثورتهم عليه. و أقول : هذا اعتراض منطقي صحيح ، لكنني أشير هنا إلى أنني تتبعت أعذار و مزاعم و مبررات هؤلاء في ثورتهم على عثمان- رضي الله عنه- ، فوجدتُ أنهم اتهموه بأنه خصّ أقاربه بالإمارة ،و ولى منهم من لا يصلح لها . و أنه كان عاجزا عن إدارة شؤون الدولة ، و لم يحقق العدل الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي بين رعيته . و هذه المزاعم و الاتهامات و الأعذار أفردتها بالبحث نقدا و تحقيقا و تمحيصا(1)، فتبين لي بالأدلة القاطعة و الشواهد الصحيحة ، أنها مزاعمهم زائفة باطلة مفتعلة ، و أن عكسها هو الصحيح ، بمعنى أن أحوال البلاد و العباد كانت في حالة جيدة يسودها العدل و الإخاء . و تبيّن من جهة أخرى أن الأسباب الحقيقة في الثورة على عثمان و قتله تعود أساسا إلى نفوس رؤوس الفتنة المريضة، الذين بعضهم أعماهم الحسد و الطمع ،و آخرون كان دافعهم المكر و الكيد و التآمر على الإسلام و المسلمين(2).
لكن ذلك لا يعني أن المجتمع كان خاليا تماما من المشاكل ، و إنما المقصود أن تلك المشاكل كانت عادية لا يكاد يخلو منها مجتمع ، و لا تصل بالناس إلى الطعن في الخليفة ،و الثورة عليه و قتله ، و نشر الأفكار الضالة ، كل ذلك ما كان ليحدث لو لا وجود رؤوس الفتنة الأشرار .
__________
(1) انظر كتابنا : الثورة على سيدنا عثمان بن عفان، -دراسة في الأسباب الظاهرة و الخفية- ، ط1 الجزائر، دار البلاغ، 2003.
(2) للتوسع في ذلك انظر كتابنا : الثورة على سيدنا عثمان بن عفان .(1/80)
و ثالثا إن الثورة على عثمان-رضي الله عنه- كانت لها أثار خطيرة على الأمة و فكرها ، فأدت إلى قتل خليفة المسلمين ظلما و عدوانا ،و أدخلت الأمة في حروب و فِتن على امتداد العصر الإسلامي ، و ما تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا . كما أنها كانت سببا في إنهاء دولة الخلافة الراشدة ، فقسّمت الأمة سياسيا ، ثم قُتل علي بن أبي طالب بسببها ، فانهارت الخلافة الراشدة باستشهاده ، بعدما كانت قد تصدّعت بمقتل الخليفة عثمان بن عفان .
و تمثّل خطرها الفكري في نشرها للزندقة و الإلحاد و التطرّف و الغلو ، عن طريق الفكر السبئي الذي ساهم بقسط كبير في تحويل الخلاف السياسي إلى خلاف فكري عقائدي مذهبي ، مما أدى إلى انقسام الأمة إلى طوائف متناحرة ، من شيعة و خوارج و سنة .
و ختاما لهذا الفصل يتبين أن رؤوس الفتنة نجحوا في تأليب طائفة من المسلمين على عثمان و ولاته ،و جروهم إلى المدينة لحصاره و قتله ، مستخدمين في ذلك المكر و التآمر ، و التخطيط و التزوير ،و التدليس و تضخيم الهنات ، و الكذب على الصحابة ، انطلاقا من نواياهم الخبيثة و أهدافهم الشيطانية الدنيئة ، فكان مصير معظمهم أنهم لم يتمتعوا بالدنيا التي طلبوها ،و لم يعيشوا بعد الخليفة الشهيد إلا قليلا ،و قتلوا شر قتلة ، فكانت جريمتهم وبالا عليهم و على الأمة .
الخاتمة(1/81)
توصّلتُ من خلال دراستي لدور رؤوس الفتنة في الثورة على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان-رضي الله عنه – إلى طائفة من النتائج الهامة هي مبثوثة في ثنايا الكاتب ، منها أن رؤوس الفتنة كانوا معروفين لدى الناس ، زاد عددهم عن 22 رأسا ، هم الذين ألبوا على الخليفة الراشد عثمان و شاركوا في قتله ، كان من بينهم : الأشتر النخعي، و محمد بن أبي بكر، و عبد الله بن سبأ ، و قد أثبتُ بالأدلة الصحيحة أن هذا الأخير-أي ابن سبأ- و أتباعه كانوا حقيقة ثابتة لا أسطورة ،و أنه كان لهم دور كبير في إشعال الفتنة بين الناس ،و السعي لإفساد الدين و الفكر معا ، فتصدى لهم علي –رضي الله عنه- و رد على ضلالاتهم و مفتراياتهم .
و منها أيضا أنهم –أي رؤوس الفتنة- زوّروا كتبا كثيرة نسبوها إلى الصحابة للطعن فيهم و لاستغلالها لصالحهم في الثورة على الخليفة، أشهرها –أي الكتب المزوّرة- الكتاب المزوّر على عثمان و كاتبه مروان ، و قد أثبتُ بالأدلة الدامغة أن الكتاب زُوّر عليهما على يد رؤوس الفتنة.
و تبيّن أيضا أن الصحابة- رضي الله عنهم- ما شاركوا في قتل الخليفة الشهيد عثمان بن عفان – رضي الله عنه- و ما رضوا بقتله ،و أن الروايات التي اتهمتهم بالتحريض عليه و المشاركة في قتله ، هي روايات غير صحيحة ، و أن قتلته معروفون ساهموا كلهم في قتله ، تنفيذا لخطة مرسومة سلفا ، معتمدين على الكذب و التزوير،و المكر و التآمر ،و النفاق و الزندقة ، فكان قتلهم لعثمان جريمة شنعاء ، جرّت عليهم و على الأمة ويلات و ويلات .
تم و بالله التوفيق ، و لله الحمد أولا و أخيرا
د/ خالد كبير علال
30 / رمضان-1427 الموافق ل: 23/أكتوبر/2006
- الجزائر -
...............................................
أهم المصادر و المراجع :
1- احمد العجلي: معرفة الثقات ، ط1، المدينة المنورة، مكتبة الدار .
2- احمد بن حنبل : العلل و معرفة الرجال، ط1 بيروت، المكتب الإسلامي، 1408.(1/82)
3-احمد الطبري:الرياض النضرة، حققه عيسى الحميري، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1996
4-ابن جرير الطبري : تاريخ الطبري ، بيروت، دار الكتب العلمية، 1997 .
5-ابن كثير : البداية و النهاية ،بيروت ، مكتبة المعارف، د ت ؟
6- ابن عساكر : تاريخ دمشق .
7- ابن سعد : الطبقات الكبرى ، بيروت ، دار صادر ،د ت .
8-ابن أبي بكر الهيثمي : مجمع الزوائد ، القاهرة ، دار الريان ، 1407
9-ابن الأثير : الكامل في التاريخ ،ط2، بيروت، دار الكتب العلمية ، 1995
10-ابن الجوزي : المنتظم ،ط1، بيروت، دار صادر، 1385 .
11-ابن الجوزي : الضعفاء،ط1، بيروت، دار الكتب العلمية ،1406ه .
12-ابن الجوزي: الضعفاء و المتروكين، حققه عبد الله القاضي، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية، 1406
13-ابن حجر : تقريب التهذيب ، حققه محمد عوامة، ط1، سوريا، دار الرشيد ،1986 .
14- ابن حجر العسقلاني: الإصابة في معرفة الصحابة ، ط1، بيروت ، دار الجيل ، 1992
15- ابن حجر : تهذيب التهذيب ، ط1 بيروت ، دار الفكر ، 1984 ،
16-ابن حجر : لسان الميزان ، ط3، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1986 .
17-ابن حجر: تهذيب التهذيب ، ط1، بيروت ، دار الفكر، 1984 .
18- ابن عدي : الكامل في ضعفاء الرجال ،حققه مختار غزاوي، ط3 بيروت ، دار الفكر، 1988ه .
19- ابن تتيمية : مجموع الفتاوى ، حققه رشاد سالم، ط1، مؤسسة قرطبة، 1406 ,
20-ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ،ط1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1952 .
21- ابن قتيبة : تأويل مختلف الحديث ،حققه محمد زهري النجار، بيروت، دار الجيل ، 1972،
22-ابن يحيى المالقي: التمهيد في مقتل الشهيد عثمان ، حققه محمود زايد، قطر ، دار الثقافة، 1405
23-ابن سعد : الطبقات الكبرى ،- القسم المتمم – حققه زياد منصور، ط2 المدينة المنورة ، مكتبة العلوم ، 1408 .
24-ابن طاهر المقدسي: البدء و الناريخ ، القاهرة ، مكتبية الثقافة الدينية ، د ت ,(1/83)
25- ابن معين :تاريخ ابن معين ،حققه احمد نور سيف، دمشق، دار المأمون للتراث، 1400ه.
26- ابن حبان : كتاب المجروحين، حلب ، دار الوعي، د ت .
27-ابن خلدون : المقدمة ،ط5 ،بيروت دار القلم ، 1984 ، ص: 216 .
28-ابن النديم : الفهرست ،بيروت ، دار المعرفة، 1978، ج1 ص: 144 .
29-ابن عبد البر : الاستيعاب ، حققه علي محمد البجاوي ، ط1 ، بيروت دار الجيل ، ج1412
30- أبو الحجاج المزي : تهذيب الكمال ، حققه بشار عواد، بيروت مؤسسة الرسالة، 1980
31-أبو بكر الخلال : السنة ،حققه عطية الزهراني، الرياض ، دار الراية، 1410 .
32-أبو الحسن الأشعري : مقالات الإسلاميين و اختلاف المصلين، حققه هلموت ريتر، ط3 بيروت، دار إحياء التراث العربي ، دت
33-البخاري : التاريخ الكبير، حققه هاشم الندوي، بيروت ، دار الفكر، د ت ،
34-البخاري : التاريخ الصغير ، حققه محمود زايد ، ط1 ، القاهرة ، دار الوعي ، 1977 .
35-البخاري: الصحيح ، حققه ديب البغا، ط3 بيروت ، دار ابن كثير،1987.
36-خليفة خياط: تاريخ خليفة خياط،حققه أكرم العمري ، دمشق ، دار القلم، 1397
37-الخطيب البغدادي: تالي تلخيص المتشابه ، حققه احمد السقيرات ، ط1 ، الرياض ، دار الصميعي .
38-الدارقطني : جزء أبي طاهر ، حققه عبد المجيد السلفي ، ط1 الكويت ، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، 1406 .
39-الدارقطني: السنن ، حققه هاشم يماني، بيروت، دار المعرفة’ 11966،
الطبراني: المعجم الأوسط، حققه طارق بن عوض الله ، القاهرة ، دار الحرمين، 1415 ،
40- الضياء المقدسي: الأحاديث المختارة، حققه عبد الملك بن دهيشن مكة المكرمة، مكتبة النهضة الحديثة، 1410 .
41-الذهبي : سيّر أعلام النبلاء ، حققه جماعة من العلماء، بيروت ، مؤسسة الرسالة
42-الذهبي: الكاشف ، ط2 ، جدة ، دار الثقافة الإسلامية، 1413 .
43- الذهبي: المغني في الضعفاء ،حققه نور الدين عتر، د م ن، د ت(1/84)
44-الذهبي: منهاج الاعتدال ، حققه محب الدين الخطيب ، المطبعة السلفية، 1374ه .
45-الذهبي : المغني في الضعفاء ، حققه نور الدين عتر ، د م، د ن، دت ،
46-الخلفاء الراشدون ، حققه حسام الدين القدسي ، ط1 بيروت ، دار الجيل ، 1992.
47-السيوطي : طبقات الحفاظ ، ط1 ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1403
48-السيوطي : طبقات الحفاظ ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1403 82 .
49-العقيلي: الضعفاء ،حققه أمين قلعجي، ط1 ، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1404
50-عبد الرزاق الصنعاني: تفسير الصنعاني،حققه مصطفى مسلم ، ط1 الرياض ، مكتبة الرشد ، 1410ه
51-المسعودي: مروج الذهب ، الجزائر، موفم للنشر .
52-معمر بن راشد : الجامع ، حققه حبيب الأعظمي، ط2 بيروت، المكتب الإسلامي،1403.
53-لملطي الشافعي: التنبيه و الرد على أهل الأهواء، ط2 ، القاهرة، المكتبة الأزهرية.
54-يعقوب الكليني: الكافي في الأصول، ط3 ، طهران، 1328 .
55-إحسان إلهي ظهير: الشيعة و السنة ، ط12 باكستان ، 1982 .
56-أبو الحسن الندوي: صورتان متضادتان عن الصحابة، ط1 ، القاهرة ، دار الصحوة، 1985 .
57-محمد آمحزون : تحقيق مواقف الصحابة ط3، الرياض، دار طيبة، 1420ه
..........................................................................................
فهرس المحتويات
المقدمة
الفصل الأول
كبار رؤوس الفتنة الفتنة في الثورة على الخليفة عثمان
أولا : أشهر رؤوس الفتنة
ثانيا: ابن سبأ و السبئية بين الوجود و العدم
الفصل الثاني
أعمال رؤوس الفتنة في الثورة على عثمان و قتله
أولا: تأليب الناس على عثمان و حصاره بمكة .
ثانيا: قضية الكتاب المزوّر في قتل عثمان بن عفان
أ-اتهام عثمان بكتابة الصحيفة
ب- اتهام مروان بن الحكم بتزوير الكتاب
ج-الكشف عن مزوري الكتاب
ثالثا: قتل الأشرار للخليفة عثمان بن عفان
رابعا: هل شارك الصحابة في قتل عثمان ؟
خامسا: مصير رؤوس الفتنة بعد قتلهم لعثمان(1/85)
سادسا: المكر و التخطيط ، الأسباب و الآثار
الخاتمة :
مصنفات للمؤلف :
1-قضية التحكيم في موقعة صفين – دراسة وفق منهج علم الجرح و التعديل-.
2- الثورة على سيدنا عثمان بن عفان -دراسة وفق منهج علم الجرح و التعديل-.
3-الصحابة المعتزلون للفتنة الكبرى- دراسة وفق منهج علم الجرح و التعديل -
4-مدرسة الكذابين في رواية التاريخ الإسلامي و تدوينه ..
5-الداروينية في ميزان الإسلام و العلم .
6-صفحات من تاريخ أهل السنة و الجماعة في بغداد .
7- أخطاء المؤرخ ابن خلدون في كتابه المقدمة .
8- الأزمة العقيدية بين الأشاعرة و أهل الحديث .
9- الأخطاء التاريخية و المنهجية في مؤلفات محمد أركون و محمد عابد الجابري .
10- نقد فكر الفيلسوف ابن رشد الحفيد .
11- أباطيل و خرافات حول القرآن الكريم و النبي محمد-عليه الصلاة و السلام- .
12- التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي .(1/86)